Professional Documents
Culture Documents
8 2018 01 22!01 53 06 PM
8 2018 01 22!01 53 06 PM
ُيعد األلماني أكسل هونيث ( )1949أحد أهم المنظرين لمفهوم «االعتراف» في الفلسفة الغربية المعاصرة .ينتمي
«فيلسوف االعتراف» إلى الجيل الثالث من «مدرسة فرانكفورت» النقدية.
في كتابه «الصراع من أجل االعتراف :القواعد األخالقية للمآزم االجتماعية» يناقش هونيث األسس والمنظورات
الفلسفية لالعتراف بدءًا من هيغل وصوًال إلى الثالثي كارل ماركس وجورج سوريل وجان بول سارتر ،محلًال البنى
السياسية واألخالقية والذاتية للصراع من أجل االعتراف وأشكال االنكسارات (الجور ،سلب الحق ،اإلهانة) ومدى
انعكاسها على الهوية الفردية والجمعية .يندرج الكتاب في خانة الفلسفة االجتماعية .تميز بقدرته الفذة على استنهاض
األفكار وتوليدها ،ووصل أحيانًا إلى درجات عالية من الصعوبة بالنسبة لغير المتخصصين في هذا الحقل المعرفي الواسع
والمعقد .يسترجع صاحب «فكرة االشتراكية» مقاربة هيغل الجديدة حول «التذاوت» متطرقًا إلى مقاربته حول الرابط
االجتماعي بين األفراد .رأى أحد أهم مؤسسي الفلسفة األلمانية المثالية أّن وعي الكائن البشري بذاته يتوقف على تجربة
االعتراف به اجتماعيًا .واعتبر أن المجتمع المتصالح «ال يمكن أن يدرك إاّل بوصفه جماعة حققت االندماج األخالقي بين
المواطنين األحرار كافة» .تأمل هيغل في عالقات «االعتراف» اجتماعيًا وأخالقيًا وسياسيًا ،وخلص إلى أّن «الذات ،ما إن
ُتدرك ذاتها ذاتيًا ،يعترف اآلخر بها في بعض قدراتها أو صفاتها ،وأن تكون متصالحة معه ،هي ذات تكتشف على الدوام
مظاهر هويتها الخاصة» .لــــ «الفعل التذاوتي» من زاويتين :اإلمكانية التربوية األخالقية ،العملية التي ينسبها إلى
النزاعات االجتماعية؛ وسعي الذوات للحصول على استقالل ذاتي ،وإن اتخذت «إجراء حول تبعيتها المتبادلة» .يالحظ
المؤلف أن هيغل في تحليله ألنساق االعتراف وضعها ضمن مراحل متتابعة :التفت «أوًال إلى عالقة الذات الفردية مع
نفسها ،ثم إلى العالقات الممأسسة للذوات فيما بينها ،ثم أخيرًا إلى العالقات الفكرية للذوات المندمجة اجتماعيًا مع العالم
في كليته» .تتجلى هذه األنساق في أنماط عدة سواء في العمل الفردي أو تبادل االعتراف مع الجماعة والدولة .ولعل أبرز
تجليات االعتراف الفردي التبادلي– كما طورها هيغل -تتمثل في الحب ،حيث يقدم تحليًال فلسفيًا لما يطلق عليه «معرفة
عارفة» ،قاصدًا بذلك أنه قبل أن يتسنى للزوجين تأمل حبهما عبر وسيط خارجي ،عليهما أيضًا التقدم خطوة أخرى في
صيرورة التموضع المشترك :إذ فقط وبعد والدة فرٍد من ذريتهما ،يصبح الحب «معرفة عارفة» .يشرح صاحب «التشيؤ:
دراسة عن نظرية االعتراف» خالصات الفيلسوف وعاِلم االجتماع األميركي جورج هربرت ميد ،أشهر ممثلي النظرية
التفاعلية الرمزية ،وأهم منِّظر لفكرة أن الذوات البشرية تدين في هويتها لتجربة االعتراف المتبادل .مِّيز ميد رائد علم
النفس االجتماعي بين مفهومي «األنا المفعول» و»األنا الفاعل» ،مشيرًا إلى أنه «يمكن للذات أن تعي نفسها إّال بقدر ما
تتعلم كيفية اعتبار فعلها من منظور شخص آخر يتمثله رمزيًا» بمعنى أدق – وكما يفسر هونيث – إن مقولة «األنا»
المنفعلة بالنسبة إلى ميد كناية عن صورة معرفية تكونها الذات عن نفسها انطالقًا من اللحظة التي تتعلم فيها كيف تدرك
نفسها من وجهة نظر شخص آخر».
يحيلنا هونيث على نماذج االعتراف التذاوتي (:الحب ،القانون ،والتضامن) لدى هيغل وميد .يشكل الحب عند هيغل
الدرجة األولى من االعتراف المتبادل« :ترتبط هذه العالقة ( )...بالوجود الجسدي لكائنات عينية» حيث «ُيفهم الحب
بموجبها» وفقًا للصيغة الهيغلية بـــ «كون الذات نفسها في غريب» .يستند هونيث في تحليله الفلسفي للحب ،بوصفه
«اعترافًا تذاوتيًا» ،إلى الخالصات التجريبية التي قدمها علم النفس االجتماعي ال سيما تفاعل الطفل الرضيع مع األم الذي
أطلق عليه البحث التجريبي عبارة «التذاوت األولي» .وهو ينتهي إلى «التخلي المتدرج عن التبني» من جانب األم بغية
تحقيق أشكال االستقالل واالعتراف والثقة بالذات .فيما يخص القانون ،يلفت هونيث إلى أن هيغل وميد أبرزا بنية
«الذوات الحقوقية» انطالقًا من «كوننا ال نستطيع أن نفهم أنفسنا أصحاب حقوق ،إال إذا امتلكنا في اآلن نفسه معرفة بما
يتوجب علينا من واجبات معيارية نقوم بها تجاه الغير» .أي علينا –كما يوضح هونيث -أن نتقبل وجهة النظر المعيارية
1
«للغير المعمم» الذي يعلمنا االعتراف بأعضاء الجماعة اآلخرين بوصفهم أصحاب حقوق ،حتى نعتبر أنفسنا «أشخاصًا
قانونيين» .يتخذ المعيار الثالث لالعتراف التذاوتي :التضامن عند هيغل مصطلح «المناقبية» .أما ميد ،فيدخله في سياق
تقسيم العمل التعاوني بعد بلوغه مرحلة المأسسة .يحّلل هونيث األشكال المناهضة للصراع من أجل االعتراف التي تتمثل
في ثالثة أطر قهرية :الجور ،سلب الحق ،واإلهانة .يتساءل :كيف يمكن لتجربة الذل أن تجتاح حياة الذوات اإلنسانية
العاطفية إلى درجة الدفع بها للمقاومة والمواجهة االجتماعية ،أي بتعبير آخر لدفعها للصراع من أجل االعتراف؟ يضعنا
هونيث أمام تحليالت شديدة التعقيد ،فهو يدرس أوًال أنماط الذل كضرر فيزيائي يجرح على الدوام الثقة التي اكتسبتها
الذات من تجربة الحب ،ويعالج ،ثانيًا ،االحترام األخالقي للذات ،حين تتعرض للذل إثر خسارتها لبعض الحقوق داخل
المجتمع نتيجة اإلقصاء االجتماعي المتعمد .وأخيرًا ،يلفت إلى الحكم السلبي على القيمة االجتماعية لبعض األفراد أو
بعض المجموعات .هذه األنماط الثالثة من االذالل بامكانها – حسب هونيث -خلق مشاعر دفاعية وتحفيزية تؤدي غالبًا
إلى ظهور أشكاٍل عدة للصراع من أجل االعتراف بغية كسب الحقوق وجبر الضرر.
2