Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 2

‫أكسل هونيث‪ :‬االعتراف المتبادل وعي الذات واآلخر‬

‫ُيعد األلماني أكسل هونيث (‪ )1949‬أحد أهم المنظرين لمفهوم «االعتراف» في الفلسفة الغربية المعاصرة‪ .‬ينتمي‬
‫«فيلسوف االعتراف» إلى الجيل الثالث من «مدرسة فرانكفورت» النقدية‪.‬‬
‫في كتابه «الصراع من أجل االعتراف‪ :‬القواعد األخالقية للمآزم االجتماعية» يناقش هونيث األسس والمنظورات‬
‫الفلسفية لالعتراف بدءًا من هيغل وصوًال إلى الثالثي كارل ماركس وجورج سوريل وجان بول سارتر‪ ،‬محلًال البنى‬
‫السياسية واألخالقية والذاتية للصراع من أجل االعتراف وأشكال االنكسارات (الجور‪ ،‬سلب الحق‪ ،‬اإلهانة) ومدى‬
‫انعكاسها على الهوية الفردية والجمعية‪ .‬يندرج الكتاب في خانة الفلسفة االجتماعية‪ .‬تميز بقدرته الفذة على استنهاض‬
‫األفكار وتوليدها‪ ،‬ووصل أحيانًا إلى درجات عالية من الصعوبة بالنسبة لغير المتخصصين في هذا الحقل المعرفي الواسع‬
‫والمعقد‪ .‬يسترجع صاحب «فكرة االشتراكية» مقاربة هيغل الجديدة حول «التذاوت» متطرقًا إلى مقاربته حول الرابط‬
‫االجتماعي بين األفراد‪ .‬رأى أحد أهم مؤسسي الفلسفة األلمانية المثالية أّن وعي الكائن البشري بذاته يتوقف على تجربة‬
‫االعتراف به اجتماعيًا‪ .‬واعتبر أن المجتمع المتصالح «ال يمكن أن يدرك إاّل بوصفه جماعة حققت االندماج األخالقي بين‬
‫المواطنين األحرار كافة»‪ .‬تأمل هيغل في عالقات «االعتراف» اجتماعيًا وأخالقيًا وسياسيًا‪ ،‬وخلص إلى أّن «الذات‪ ،‬ما إن‬
‫ُتدرك ذاتها ذاتيًا‪ ،‬يعترف اآلخر بها في بعض قدراتها أو صفاتها‪ ،‬وأن تكون متصالحة معه‪ ،‬هي ذات تكتشف على الدوام‬
‫مظاهر هويتها الخاصة»‪ .‬لــــ «الفعل التذاوتي» من زاويتين‪ :‬اإلمكانية التربوية األخالقية‪ ،‬العملية التي ينسبها إلى‬
‫النزاعات االجتماعية؛ وسعي الذوات للحصول على استقالل ذاتي‪ ،‬وإن اتخذت «إجراء حول تبعيتها المتبادلة»‪ .‬يالحظ‬
‫المؤلف أن هيغل في تحليله ألنساق االعتراف وضعها ضمن مراحل متتابعة‪ :‬التفت «أوًال إلى عالقة الذات الفردية مع‬
‫نفسها‪ ،‬ثم إلى العالقات الممأسسة للذوات فيما بينها‪ ،‬ثم أخيرًا إلى العالقات الفكرية للذوات المندمجة اجتماعيًا مع العالم‬
‫في كليته»‪ .‬تتجلى هذه األنساق في أنماط عدة سواء في العمل الفردي أو تبادل االعتراف مع الجماعة والدولة‪ .‬ولعل أبرز‬
‫تجليات االعتراف الفردي التبادلي– كما طورها هيغل‪ -‬تتمثل في الحب‪ ،‬حيث يقدم تحليًال فلسفيًا لما يطلق عليه «معرفة‬
‫عارفة»‪ ،‬قاصدًا بذلك أنه قبل أن يتسنى للزوجين تأمل حبهما عبر وسيط خارجي‪ ،‬عليهما أيضًا التقدم خطوة أخرى في‬
‫صيرورة التموضع المشترك‪ :‬إذ فقط وبعد والدة فرٍد من ذريتهما‪ ،‬يصبح الحب «معرفة عارفة»‪ .‬يشرح صاحب «التشيؤ‪:‬‬
‫دراسة عن نظرية االعتراف» خالصات الفيلسوف وعاِلم االجتماع األميركي جورج هربرت ميد‪ ،‬أشهر ممثلي النظرية‬
‫التفاعلية الرمزية‪ ،‬وأهم منِّظر لفكرة أن الذوات البشرية تدين في هويتها لتجربة االعتراف المتبادل‪ .‬مِّيز ميد رائد علم‬
‫النفس االجتماعي بين مفهومي «األنا المفعول» و»األنا الفاعل»‪ ،‬مشيرًا إلى أنه «يمكن للذات أن تعي نفسها إّال بقدر ما‬
‫تتعلم كيفية اعتبار فعلها من منظور شخص آخر يتمثله رمزيًا» بمعنى أدق – وكما يفسر هونيث – إن مقولة «األنا»‬
‫المنفعلة بالنسبة إلى ميد كناية عن صورة معرفية تكونها الذات عن نفسها انطالقًا من اللحظة التي تتعلم فيها كيف تدرك‬
‫نفسها من وجهة نظر شخص آخر»‪.‬‬
‫يحيلنا هونيث على نماذج االعتراف التذاوتي‪ (:‬الحب‪ ،‬القانون‪ ،‬والتضامن) لدى هيغل وميد‪ .‬يشكل الحب عند هيغل‬
‫الدرجة األولى من االعتراف المتبادل‪« :‬ترتبط هذه العالقة (‪ )...‬بالوجود الجسدي لكائنات عينية» حيث «ُيفهم الحب‬
‫بموجبها» وفقًا للصيغة الهيغلية بـــ «كون الذات نفسها في غريب»‪ .‬يستند هونيث في تحليله الفلسفي للحب‪ ،‬بوصفه‬
‫«اعترافًا تذاوتيًا»‪ ،‬إلى الخالصات التجريبية التي قدمها علم النفس االجتماعي ال سيما تفاعل الطفل الرضيع مع األم الذي‬
‫أطلق عليه البحث التجريبي عبارة «التذاوت األولي»‪ .‬وهو ينتهي إلى «التخلي المتدرج عن التبني» من جانب األم بغية‬
‫تحقيق أشكال االستقالل واالعتراف والثقة بالذات‪ .‬فيما يخص القانون‪ ،‬يلفت هونيث إلى أن هيغل وميد أبرزا بنية‬
‫«الذوات الحقوقية» انطالقًا من «كوننا ال نستطيع أن نفهم أنفسنا أصحاب حقوق‪ ،‬إال إذا امتلكنا في اآلن نفسه معرفة بما‬
‫يتوجب علينا من واجبات معيارية نقوم بها تجاه الغير»‪ .‬أي علينا –كما يوضح هونيث‪ -‬أن نتقبل وجهة النظر المعيارية‬

‫‪1‬‬
‫«للغير المعمم» الذي يعلمنا االعتراف بأعضاء الجماعة اآلخرين بوصفهم أصحاب حقوق‪ ،‬حتى نعتبر أنفسنا «أشخاصًا‬
‫قانونيين»‪ .‬يتخذ المعيار الثالث لالعتراف التذاوتي‪ :‬التضامن عند هيغل مصطلح «المناقبية»‪ .‬أما ميد‪ ،‬فيدخله في سياق‬
‫تقسيم العمل التعاوني بعد بلوغه مرحلة المأسسة‪ .‬يحّلل هونيث األشكال المناهضة للصراع من أجل االعتراف التي تتمثل‬
‫في ثالثة أطر قهرية‪ :‬الجور‪ ،‬سلب الحق‪ ،‬واإلهانة‪ .‬يتساءل‪ :‬كيف يمكن لتجربة الذل أن تجتاح حياة الذوات اإلنسانية‬
‫العاطفية إلى درجة الدفع بها للمقاومة والمواجهة االجتماعية‪ ،‬أي بتعبير آخر لدفعها للصراع من أجل االعتراف؟ يضعنا‬
‫هونيث أمام تحليالت شديدة التعقيد‪ ،‬فهو يدرس أوًال أنماط الذل كضرر فيزيائي يجرح على الدوام الثقة التي اكتسبتها‬
‫الذات من تجربة الحب‪ ،‬ويعالج‪ ،‬ثانيًا‪ ،‬االحترام األخالقي للذات‪ ،‬حين تتعرض للذل إثر خسارتها لبعض الحقوق داخل‬
‫المجتمع نتيجة اإلقصاء االجتماعي المتعمد‪ .‬وأخيرًا‪ ،‬يلفت إلى الحكم السلبي على القيمة االجتماعية لبعض األفراد أو‬
‫بعض المجموعات‪ .‬هذه األنماط الثالثة من االذالل بامكانها – حسب هونيث‪ -‬خلق مشاعر دفاعية وتحفيزية تؤدي غالبًا‬
‫إلى ظهور أشكاٍل عدة للصراع من أجل االعتراف بغية كسب الحقوق وجبر الضرر‪.‬‬

‫‪2‬‬

You might also like