Platon

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 7

‫الفكر السياسي عند أفالطون‬ ‫تاريخ الفكر السياسي ‪1‬‬

‫أفالطـون‪La Pensée Politique Platonicienne‬‬ ‫الفكـر السياسـي عنـد‬


‫عناصـر للسـيرة الذاتيـة‪:‬‬
‫ولد أفالطون سنة ‪ 426-427‬ق‪-‬م بأثينا‪ ،‬و ينتسب إىل العائلة امللكية القائمة بـ ‪ Crodos‬كما يرتبط نسبا بـ سولون من أمه‪ .‬إن الوضع‬
‫االجتماعي الذي مر به أفالطون‪ ،‬يفّس ر موقفه جتاه السلطة السياسية األثينية‪ ،‬و بدرجة أقل أفكاره جتاه قيمة النظم السياسية‪ .‬قد كان التقليد‬
‫األثيين قائما على فكرة تفرغ األرستقراطيني خلدمة املدينة‪ ،‬و على العكس من ذلك مل يستطع أفالطون أن يقوم بأي عمل سياسي يف أثينا‪:‬‬
‫فقد كان شابا لكي يلعب أي دور يف احلكومة األرستقراطية اليت أسّس ها املستبدون الثالثون‪ Les Trente Tyrans‬و اليت شارك فيها‬
‫الكثري من أفراد عائلته‪ ،‬بل أكثر من ذلك فلم يكن أفالطون يرغب املشاركة يف تلك احلكومة‪ .‬فلما اهنارت تلك احلكومة و حّلت مكاهنا‬
‫حكومة دميوقراطية‪ ،‬فإن انتمائه األرستقراطي منعه من أن ميارس أية وظيفة‪ .‬مع عدم متكنه من ممارسة السياسة‪ ،‬خّص ص أفالطون حياته‬
‫للتفكري الفلسفي‪ ،‬و من فرتة ألخرى كان يهاجر لكي يشتغل كمستشار لدى بعض األمراء‪ .‬و هكذا جلأ إىل‪ Syracuse‬حيث عمل‬
‫كمستشار لدى املستبد‪. Denis‬عاد بعدها إىل أثينا لتعليم الفلسفة و ميوت هبته املدينة دون أن ميارس أية سلطة سياسية هبا‪.‬‬
‫أهـم مؤلفـات أفالطـون‪:‬‬
‫تقدم التقاليد اجلامعية مؤلفات أفالطون وفقا للموضوعات اليت تتناوهلا‪ ،‬و يف إطار طريقة التقدمي هته‪ ،‬ال تظهر السياسة إال يف آخر البناء‬
‫الفكري األفالطوين‪ .‬فهته الطريقة قد اعتمدت معيار الزمن‪ ،‬أي تتناول مؤلفات أفالطون وفقا لتاريخ نشرها و ال ترّك ز على األمهية اليت كان‬
‫يعطيها أفالطون ملختلف مظاهر تفكريه‪ .‬فاليوناين الذي كان‪ ،‬و الذي تشّك ل املدينة بالنسبة إليه احلقيقة األساسية و اليت وفقا هلا يعّر ف األفراد‬
‫أنفسهم‪ ،‬أي احلياة اجلماعية يف املدينة‪-‬السياسة‪، -‬ال ميكن أن يهمل هذا اجلانب يف تفكريه و إنتاجه الفلسفي‪ .‬فكما هو مبنّي يف الرسالـة‬
‫السابعـة فإن أفالطون جاء إلى الفلسفة ألنه لم يكن باستطاعته ممارسة السياسة في مدينته‪ ،‬و كان البد عليه أن يقدم رأيه حول‬
‫الحكومة الجّيدة‪.‬‬
‫وصلت إلينا مخس و ثالثون حماورة و ثالث عشرة رسالة على أهنا كتابات أفالطونية‪ ،‬لكن ال ينظر إليها اآلن على أهنا كلها‬
‫حقيقية‪ .‬و كل حماورات أفالطون بصورة مباشرة‪ ،‬كبرية أو قليلة‪ ،‬تشري إىل املسألة السياسية‪ .‬و مع ذلك‪ ،‬ال يوجد سوى ثالث حماورات تشري‬
‫عن طريق عناوينها إىل أهنا خمّصصة للفلسفة السياسية و هي‪ :‬الجمهورية‪ ،‬السياسي‪ ،‬و القوانين‪ .‬و التعاليم السياسة ألفالطون متاحة لنا‬
‫بصورة أساسية عن طريق هذه األعمال الثالثة‪.‬‬
‫لقد درس أفالطون العامل املتحرك من حوله‪ ،‬لكن م يكن ذاك هو املوضوع الرئيسي ألحباثه‪ ،‬فالذي كان يشغله هو تعريف و حتديد‬
‫الشروط اليت حتقق املثل الكربى و هي‪ :‬الحقيقـة و العدالـة‪ .‬فإذا كان يتفلسف حول مفاهيم و يعتمد الدياليكتيك (اجلدل) كمنهج للتفكري‪،‬‬
‫فإنه يغّذ ي تفكريه من املعرفة اليت حّص لها من حياته يف املدينة و طرق تنظيمها‪ .‬ال يبحث أفالطون عن تعريف أحسن أشكال احلكومات يف‬
‫جمتمع ما أو خالل فرتة معينة‪ ،‬بل حياول تحديد معالم مدينة تكون منظمة وفقا المبادئ األبدية للحقيقة و العدالة و التي تقوم بالخير‪ .‬إن‬
‫السؤال الذي جييب عليه هو تعريـف خصائـص المجتمـع المثـالـي‪.‬‬
‫*‪ -/‬أشكــال الحكــومـات عنـد أفالطـون‪:‬‬
‫‪ -/1‬التيـموقراطـية‪ : La Timocratie‬إن أهم ميزة يف هذا الشكل هي الشـرف‪ .‬و قد عّر فها أفالطون من خالل خاصيتني مها‪ :‬تمتع‬
‫الحكام بتقدير و احترام كبير من طرف أعضاء الجسم االجتماعي‪ ،‬انقسام المجتمع إلى طبقات متخصصة في الممارسة الخالصة‬
‫للمهام التي أسندت إليها‪ .‬طبقات اجملتمع هته هي‪:‬‬
‫*‪ -‬طبقـة المحاربيـن‪ :‬و تنحصر مهمتهم األساسية يف الدفاع عن اجملتمع من األخطار اخلارجية‪ ،‬و كذلك من أخطار الفوضى‬
‫الداخلية‪ .‬و هو ما يقودهم بطريقة طبيعية إىل ممارسة احلكم أو الوظائف السياسية‪.‬‬
‫*‪ -‬طبقـة رجــال الديـن‪ :‬أما هته الطبقة فتضمن خدمة اآلهلة و ما يستتبعها من وظائف‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الفكر السياسي عند أفالطون‬ ‫تاريخ الفكر السياسي ‪1‬‬

‫*‪ -‬طبقـة المنتجيـن‪ :‬و هم الفالحون‪ ،‬التجار‪ ،‬البّح ارين أو احلرفيني‪ ،‬فهم مكلفون بإنتاج السلع الضرورية ملعيشة اجملتمع و ضمان‬
‫املبادالت اليت تسمح باحلصول على هته السلع‪.‬‬
‫إن الوصف الذي قّد مه أفالطون للتيموقراطية ينطبق إىل حد بعيد على طريقة تنظيم السلطة يف مدينة إسربطة‪.‬بالرغم من كونه مواطنا من أثينا‬
‫و اليت كانت معادية إلسربطة‪،‬إّال أنه كان يبدي إعجابا كبريا باجملتمع اإلسربطي الذي كان مؤسس على القّيم األخالقية‪،‬الفضيلة‪،‬معاين اجلهد‬
‫و التقشف و اليت كان يعتربها قّيما تعطي املواطن اجلّيد‪،‬يف الوقت الذي كان يعترب أن حياة الرفاه‪،‬البحث عن الربح و الشهوات قد أخذت‬
‫أمهية كبرية يف حياة األثينيني‪.‬و وفقا هلذا الوصف يعترب أفالطون أن التيموقراطية هي أحد األشكال اجلّيدة للحكومة‪،‬ألهنا ترتكز على قواعد‬
‫يعتربها عادلة‪،‬كما أهنا حترتم ختصص كل طبقة يف أداء وظائفها‪،‬غري أهنا مل تكن يف مأمن من خماطر االحنطاط‪.‬ففي التيموقراطية أين جيب أن‬
‫ينعدم االهتمام بالثروة لدى احملاربني‪،‬فإن خطر وجود هذا االهتمام لديهم و إمكانية استعمال القوة اليت ميتلكوهنا لتحصيل الثروة يبقى قائما و‬
‫دائما‪.‬فإذا استطاع احملاربون أن خيفوا رغبتهم يف حتصيل الثروة خلف مظاهر عدم االهتمام هبا‪،‬فإن و من خالل احلّيل اليت يلجؤون إليها سوف‬
‫جيعلون من احلكومة قائمة على الرشوة‪.‬‬
‫و يعترب أفالطون التيموقراطية أحد أحسن أشكال احلكومات ألهنا هي األقرب إىل حكومات العصور القدمية اليت أعطتها اآلهلة لإلنسان‪،‬و‬
‫اعتبارا هبذا يعتبر أفالطون أن األشكال األكثر قدما هي األحسن‪،‬ألنها هي األقرب إلى بداية الخلق و بالتالي األقرب إلى اإلرادة‬
‫اإللهية‪.‬‬
‫‪ -/2‬الحكــومة األوليغارشـية‪ … :‬و هو شكل الحكومة المؤّس س على الناخب الذي يدفع ضرائب‪، le cens‬حيث ينحصر الحكم‬
‫في أيدي األغنياء‪،‬بمقابل استحالة مشاركة الفقراء في أية سلطة… كتاب الجمهورية‪،‬الكتاب الثامن‪،‬الفصل السادس‪.‬ففي التعريف‬
‫الذي أعطاه أفالطون‪،‬فإن املتغرّي احملّد د ملفهوم هذا الشكل هو متغّيـر الثـروة‪.‬أي أن من ميارس السلطة هم األغنياء ‪،‬و أهنم سيميلون بالطبع إىل‬
‫استعمال السلطة كوسيلة لزيادة ثروهتم‪.‬إذن تعتبر الثروة في هذا الشكل القيمة الرئيسية في المجتمع‪،‬و تدخل بطريقة طبيعية في تناقض‬
‫مع القيم األخرى و خاصة قيمة الفضيلة‪.‬من املنطقي أن نستنتج أن األويغارشية هي من أشكال الحكومات الفاسدة من وجهة نظر‬
‫أفالطون‪،‬ألنها ال تؤّس س على الفضيلة و أنه من الصعب التوفيق بين هته الفضيلة و الذوق الجامح للثروة‪.‬‬
‫إن الوصف الذي يقّد مه أفالطون للحكم األوليغارشي ال جيد أصوله يف التفكري األفالطوين‪،‬بل يستمد أصوله كذلك من الفرتة اليت عاشها‬
‫أفالطون حتت حكم المستبدون الثالثون‪ le régime des trente tyrans‬و الذي شارك فيه الكثري من أفراد عائلته‪.‬فإذا أّيد‬
‫أفالطون بعض قرارات هته احلكومة و اخلاصة مبعاقبة أسوأ املواطنني‪،‬فإنه يتخذ موقفا معارضا لتوظيف السلطة لتحصيل الثروة بطريقة غري‬
‫الشرعية حتت حكم هؤالء املستبدون‪.‬و ميكننا اإلشارة إىل خيبة أمله يف هذه احلكومة عندما يقول‪":‬لم أتصور نفسي إّال مقتلعا الدولة من‬
‫واقع دون عدالة"‪.‬‬
‫يعترب أفالطون أن األوليغارشية هي أحد أشكال احلكومات السيئة‪،‬باعتبار أهنا تحمل بداخلها خطر تقسيم المجتمع‪،‬و يف هذا يقول‬
‫أفالطون‪ ":‬في واقع األمر و في دولة من هذا الشكل‪،‬فإنه بالضرورة ال توجد دولة واحدة و لكن اثنان‪،‬دولة الفقراء و دولة األغنياء"‪.‬و‬
‫هنا جند التعبري عن إحدى أهم األفكار السياسية عند أفالطون‪،‬و هي اعتبار وحدة المجتمع الهدف األساسي الذي يجب أن تسعى ورائه‬
‫أية حكومة‪،‬و أن قدرة الحفاظ على هته الوحدة هي التي تحّد د قيمة هته الحكومة‪.‬وفقا هلذا املنطق ميكن القول أن كل ما يساهم في‬
‫تقسيم المجتمع يعتبر سيئا‪،‬و كل ما يساهم في وحدته يعتبر صالحا‪.‬‬
‫تــربز و تــزداد خطــورة احلكومــة األوليغارشــية يف أوقــات احلرب‪،‬حيث جيد األوليغارشــيني احلاكمني أنفســهم أمــام مــأزق‪:‬ضــرورة تســليح الفقــراء‬
‫ملواجهـة العـدو اخلارجي و بالتـايل إمكانيـة حتّو ل الفقـراء ضـد احلكم األوليغارشـي من جهـة‪،‬و من جهـة أخـرى‪،‬عـدم تسـليحهم لتجنب ثـورهتم و‬
‫بالتايل وضع املدينة يف خطر‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الفكر السياسي عند أفالطون‬ ‫تاريخ الفكر السياسي ‪1‬‬

‫‪ -/3‬الحكـومـة الديمـوقراطيـة‪ :‬متتلك كلمة دميوقراطية يف الفكر األفالطوين معىن خيتلف عن املعىن الذي نعطيه هلا حاليا‪.‬فهي عند أفالطون‬
‫حكومة الفقراء ضد حكومة األغنياء و بالتالي فهي حكومة األغلبية‪.‬يقول أفالطون يف كتابه الجمهورية‪،‬الكتاب الثالث‪،‬في الفصل‬
‫العاشر ما يلي‪ … ":‬إذن حسب رأيي‪،‬تؤّس س الديموقراطية عندما ينتصر الفقراء على أعدائهم‪،‬فيقتلونهم و يبعدونهم‪،‬ثم يقتسمون‬
‫الحكومة و القيادة مع الباقين… بهته الطريقة تتأسس الديموقراطية‪،‬إما عن طريق السالح أو من خالل الطريق الذي يجبر األغنياء‬
‫على التراجع لصالح الفقراء…"‬
‫يعترب أفالطون الدميوقراطية شكال سيئا من أشكال احلكومات و ذلك لألسباب التالية‪:‬‬
‫*‪-‬أن الدميوقراطية ال حترتم التخصص الضروري ملختلف الطبقات االجتماعية يف ممارسة وظيفة معّينة‪.‬فاعتماد الدميوقراطية يف تعيني القادة عن‬
‫طريق القرعة و يف أحسن احلاالت باالنتخاب يوّلد خوفا لدى أفالطون من إمكانية وصول أفراد غري أكفاء أو مرتشني للسلطة‪،‬خاصة إذا‬
‫أخذنا بعني االعتبار األمهية اليت يعطيها أفالطون للفضيلة و املعرفة‪.‬و حىت االنتخاب ال حيظى بتقدير أفالطون‪،‬ألنه يعترب أن الناخبني هم لعب‬
‫يف أيدي الدمياغوجيني الذين حيسنون مداعبة املشاعر املنحطة للجسم االنتخايب لربح أصواته‪.‬‬
‫*‪-‬إن الدميوقراطية هي بالضرورة حكومة قائمة على الصراع بني الفقراء و األغنياء‪،‬و هذا يتعارض مع مسعى احلفاظ على وحدة اجملتمع اليت‬
‫تعترب مسعى كل حكومة صاحلة‪.‬‬
‫*‪-‬الدميوقراطية هي بالضرورة نظام ال يقوم على التخّص ص‪،‬و إلبراز ذلك يسوق أفالطون مثال الثورة اليت ميكن أن يقوم هبا البّح ارة ضد‬
‫قائد السفينة و ما ينجر على ذلك من خماطر‪،‬و ينتهي إىل القول‪ … ":‬نفس يقال عن الديموقراطية التي تقع بين أيدي غير المختصين عن‬
‫طريق االنتخاب أو القرعة… "‬
‫‪ -/4‬الحكـومـة االستـبداديـة‪ :‬و هي حكم الفرد الواحد الذي ميارس السلطة وفقا لرغباته دون أن حيّد ه يف ذلك االلتزام بالقانون‪.‬و يعترب‬
‫أفالطون هذا الشكل من أسوأ األشكال ألنه قائم على الحكم الفردي الذي تقوده إرادته في غياب القواعد‪،‬مما يؤدي إلى التشّد د و هو‬
‫ما يتعارض مع الفضيلة‪.‬كما أنه حكم خطري ألنه ال يرتك إّال مكانا صغريا للعقل و يستند يف أغلب حاالته على استعمال العنف لفرض إرادة‬
‫املستبد‪.‬بالطبع فقد اعتقد أفالطون أنه باإلمكان تأسيس نوع من الحكم االستبدادي المتنور‪ Une tyrannie éclairée‬إذا استطاع‬
‫املستبد الذي تعطى له السلطة املطلقة أن حييط نفسه بآراء فيلسوف يقوده على طريق احلقيقة‪.‬و قد أّدى أفالطون نفسه دور الفيلسوف‬
‫الناصح لدى دونيس و هرمياس مستبد سرياكيز‪.Syracuse‬و من خالل ممارسة هته الوظيفة تفطن أفالطون أنه ال يعدو أن يكون سوى‬
‫مربر للحكم االستبدادي‪.‬و تعترب احلكومة االستبدادية حكومة سيئة ألنه ال ميكن حكمها بالفضيلة‪،‬و بغض النظر عن بعض االستثناءات فإهنا‬
‫تؤدى على املدى القصري و املتوسط إىل انقسام اجملتمع‪.‬‬
‫*‪ -/‬تطـور أشكــال الحكـومـات‪:‬‬
‫يتناول أفالطون أشكال احلكومات من خالل أبعادها التارخيية‪.‬فهو ال حياول أن يعّر ف خمتلف املراحل اليت متر هبا أشكال احلكومات‪،‬لكنه‬
‫مقتنع بوجود قانون حيكم التحوالت اليت تعرفها احلكومات‪،‬و أن التاريخ له معىن‪.‬وفقا هلذا املفهوم يعترب أفالطون مؤسس مدرسة التارخيانيني‬
‫‪. l’Ecole des Historicistes‬‬
‫‪ -/1‬الفكـرة األساسيـة حـول تدهـور أشكـال الحكومـات‪ :‬يعتقد أفالطون أن اإلنسانية تتبع طريقا ينقلها من عصر ذهيب عرفته منذ اخلليقة‬
‫األوىل إىل حالة هي بالضرورة سيئة‪،‬ألن القّيم األساسية(اجلّيد‪،‬العادل‪،‬احلقيقي‪،‬اجلميل) يف زوال مستمر تاركة املكان للشر‪،‬اخلطأ و الظلم‪.‬هذا‬
‫العصر الذهيب الذي حيصره أفالطون يف اليونان القدمية‪، La Grèce Archaïque‬يتناسب مع حكومة األخيار الذين كانوا ميارسون‬
‫الفضيلة و حيكمون وفقا للعدالة ممثلة باحلكومة األرستقراطية(أرسطوي تعين األخيار)‪.‬فهذا النوع من احلكومات كان يتضمن ختصصا دقيقا‬
‫لكل طبقة اجتماعية يف ممارسة وظيفة حمّد دة كما سبقت اإلشارة لذلك‪.‬و من نقطة االنطالق هته‪،‬تدخل أشكال احلكومات في طريق‬

‫‪3‬‬
‫الفكر السياسي عند أفالطون‬ ‫تاريخ الفكر السياسي ‪1‬‬

‫التدهور الذي يعتبر نتيجة لغياب احترام تخصص طبقات المجتمع في ممارسة الوظائف المحّد دة من جهة‪،‬و إعادة النظر في التراتب‬
‫الهرمي االجتماعي القائم‪.‬و هنا تربز عناصر االنقسام لندخل في دورة تدهور النظم السياسية‪.‬‬
‫يعترب أفالطون أن الشكل البدائي للمجتمع هو ذاك الذي أرادته اآلهلة‪.‬فهو جمتمع متّيزه مبادئ الوحدة و االستقرار‪،‬اللتان تعتبران وثيقة‬
‫االرتباط‪،‬ألن مجتمع مّو حد هو بالضرورة مجتمع مستقر‪.‬من هنا يستنتج أفالطون أن فك االرتباط بين الوحدة و االستقرار هو مصدر‬
‫الفوضى و االضطرابات‪.‬و اعتبارا مبا سبق يرى أفالطون يف التغّير مصدرا لألزمات‪،‬و يعتبر السكون و انعدام الحركية ذات أبعاد إلهية‬
‫تسمح باالقتراب من النموذج الذي اختارته اآللهة‪.‬‬
‫يطّبق أفالطون على تطور أشكال احلكومات قواعد التغرّي اليت اكتشفها‪.‬تارخييا‪،‬تعترب التيموقراطية الشكل األويل للحكومة‪.‬و اعتربها أحسن‬
‫األشكال ألهنا األقرب إىل تلك اليت أعطتها اآلهلة لإلنسان‪ .‬تعترب التيموقراطية مستقرة لكنها حتتوى على عوامل التغرّي ‪:‬فالطبقة احلاكمة اليت‬
‫بقيت لفرتة طويلة مّتحدة حول نفس املثل و املبادئ يف احلياة‪ ،‬تبدأ شيئا فشيئا يف االنقسام بفعل الطموح و الرغبة اجلاحمة يف زيادة الثروة‪":‬‬
‫أوال‪،‬يكتشفون مواضيع جديدة لإلنفاق و إلشباع هته الرغبة الجديدة‪ ،‬سيتحايلون على القانون ولن يحترموه أبدا‪ ،‬ال هم و ال‬
‫نساؤهم… بعد ذلك ينظر كل واحد لجاره و يحاول التشبه به ‪،‬و هكذا يصبح الشعب مثلهم… "‪ .‬لذلك رأى أفالطون أن سبب‬
‫الفساد يف أثينا يعود إىل سيطرة الروح المادية على عقول الحّك ام و قلوبهم‪ .‬و قد غّذ ى هذا املنحى فن اخلطابة الذي استخدمه‬
‫السفسطائيون من أجل التضليل و اخلداع‪.‬‬
‫و قد وصف أفالطون كيفية حتّو ل الفرد التيموقراطي إىل فرد أوليغارشي‪ .‬فقدرة بعض األفراد على حتصيل ثروات‪،‬جتعلهم غري قادرين على‬
‫وضع حد لسعيهم وراء الثروة و يضعون بذلك خصائص الدولة األوليغارشية‪ " :‬كذلك فالطموح و الغيرة من التشريفات‪،‬تنتهي‬
‫بالمواطنين إلى الطمع و الجري وراء الثروة‪،‬فيمدحون الغني‪،‬يعجبون به و يحملونه إلى السلطة‪،‬و يحتقرون الفقير… فيضعون القانون‬
‫الذي يرسم حدود الدستور األوليغارشي من خالل اشتراط دفع الضرائب للحصول على حق التصويت‪،‬و كلما كانت الضرائب قوية‬
‫كلما كانت األليغارشية قوية و العكس صحيح‪.‬كما يمنعون تحمل المسؤوليات على كل من ال تتعدى ثروته الضرائب المفروضة‪.‬لقد‬
‫استطاعوا أن يمرروا هته اإلجراءات من خالل القوة و السالح…"‬
‫من املستحيل حتّم ل الوضعية اليت تسود احلكم األوليغارشي‪،‬فاألغنياء يعتربون مصدرا لعدم الرضا و الكراهية‪:‬تلك اليت يبديها األغنياء القدماء‬
‫الذين جّر دوا من ثرواهتم‪،‬و تلك اليت يبديها الفقراء الذين ال يستطيعون حتمل البأس باستمرار‪.‬من هنا تبدأ ثورة الفقراء الذي يعملون على‬
‫القضاء على األغنياء و حكمهم‪،‬لننتقل من التيموقراطية إىل الدميوقراطية‪.‬غري أن الشعب الذي حيكم سوف يدرك عجزه و خطر سقوط‬
‫السلطة بيد احلكام السابقني من جديد‪،‬فيلجأ إىل وضع مصريه بني يدي فرد واحد ليحمي مصاحلهم‪،‬و يعطون له حرس خاص فيصبح بذلك‬
‫هذا الفرد مستبدا‪.‬فتكتمل الحلقة‪:‬لقد مّر ت السلطة بكل األشكال الممكنة بتأثير من طموح األفراد الذي قاد إلى االنقسام و الصراع‪.‬‬
‫‪ -/2‬التعـارض بيـن األغنيـاء و الفقــراء‪ :‬يعطى أفالطون أمهية كبرية للمنافسة لكي ال نقول الصراع بني األغنياء و الفقراء الذي يظهر بسرعة‬
‫يف اجملتمع و الذي يعترب السبب الرئيسي يف انقسامه‪.‬هلذا السبب ميكننا أن نرى يف أفالطون أول منّظر لصراع الطبقات‪،‬بالرغم من أنه ال يتكلم‬
‫عن طبقات‪.‬فمع األوليغارشية تقوم حكومة األغنياء ضد الفقراء‪،‬و البحث وراء زيادة الثروة يدفع باحلكام األغنياء إىل استعمال العنف و‬
‫الظلم‪.‬فيتم مصادرة أمالك بعض األغنياء من طرف أغنياء آخرين بدعم من الفقراء الطامعني‪،‬فيزداد بذلك عدد الفقراء و يقل عدد األغنياء‬
‫لتنحصر الثروة يف أيدي عدد قليل‪.‬هكذا يجد المجتمع نفسه ممزقا بنزاع داخلي‪.‬هبذا تبدأ مرحلة جديدة يف احلكومة تتميز عدم قدرة‬
‫الفقراء على حتمل اهليمنة اليت ميارسها األغنياء عليهم‪.‬فهم يعرفون أهنم األكثر عددا و أنه بإمكاهنم قلب حكومة األقلية‪.‬فيثورون و يؤّس سون‬
‫سلطة األغلبية لتحقيق مصاحلهم‪،‬فتتطور السلطة شيئا فشيئا باجتاه الفوضى‪:‬إنها السلطة الديموقراطية‪.‬يكتسي الوصف الذي قّد مه أفالطون‬
‫للدميوقراطية أمهية كبرية ألنه ال يرتكز فقط على اآلليات القانونية يف تنظيم السلطة‪،‬بل يتعداها إىل حتليل السلوك االجتماعي‪.‬أخريا‪،‬و عندما‬
‫يتمكن الشعب من السلطة و ميارسها دون احرتام أية قاعدة‪،‬باحثا فقط عن كيفية إشباع مصاحله‪،‬سيتجه إلى البحث عن فرد يحميه و‬

‫‪4‬‬
‫الفكر السياسي عند أفالطون‬ ‫تاريخ الفكر السياسي ‪1‬‬

‫يوّج هه و يدافع عن مصالحه‪.‬يف مرحلة أوىل سيمّج د الشعب هذا الفرد ألنه يسهر على محاية مصاحلهم‪.‬و مع مرور الوقت تزداد قوة هذا‬
‫الفرد ليتحول ملستبد‪،‬و تعترب احلرب أحسن وسيلة الستمرارية االستبداد‪.‬‬
‫*‪ -/‬بنـاء المـدينـة المـثاليـة‪:‬‬
‫إن اهلدف الذي سّطره أفالطون من خالل كتاب الجمهورية هو تعريف شروط تنظيم المجتمع المثالي‪،‬لكي يكون اإلنسان فاضال في‬
‫بنية عادلة‪،‬آخذا بعين االعتبار المبادئ الفلسفية التي يراها صحيحة و حقيقية‪.‬مل يكن انشغال أفالطون سياسيا باملعىن الضّيق للكلمة‪.‬فهو‬
‫مل يبحث كيف ستكون أحسن أشكال احلكومات‪،‬ما دام أنه يهتم مبشكل أكرب يتمثل يف كيفية تحقيق العدالة و تحسين شروط المعيشة‬
‫اإلنسانية باتجاه فضيلة أكبر‪،‬العتقاده بأن ذلك غير ممكن إال في إطار تنظيم اجتماعي متناسب مع المبادئ المثالية أي العدالة و‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -/1‬نظريـة المـعرفـة‪ :‬يبدأ أفالطون بالتفريق بني الرأي و المعرفة‪.‬فالرأي الذي يسّم يه‪ Doxa‬يرتكز على رؤية قائمة على إدراك األشياء‬
‫من خارجها كما تعتمد على العواطف‪:‬فهي قائمة على إدراك العالم المرئي‪.‬أما المعرفة فتمّس الواقع العميق‪،‬فهي االقتراب من‬
‫الحقيقة‪.‬فالرأي يكون يف متناول اجلميع‪،‬بينما املعرفة هي شئ صعب يتحقق لعدد حمدود ألهنا تتطلب قدرات فائقة‪.‬‬
‫رغم ذلك يقّر أفالطون بإمكانية تغيري روح اإلنسان عن طريق الرتبية‪،‬لكن دون أن نطمع يف إعطائه ما ال ميلكه فطريا بداخله‪.‬و ينصح‬
‫أفالطون توخي احلذر عند القيام بالرتبية‪،‬لوجود بعض األفراد الذين يفّض لون اجلهل و اخلطأ على املعرفة و احلقيقة ألهنما صعبيت املنال‪.‬فوراء‬
‫املظاهر اخلادعة آلراء اإلنسان‪،‬جيب عليه البحث يف الطبيعة احلقيقة لألشياء و املخلوقات‪.‬فالفكـرة اليت جيعلها أفالطون مرجعية هي مفهوم‬
‫خيتلف عن الذي نعطيه لكلمة فكرة‪.‬فهي عند أفالطون ما أرادته اآللهة‪:‬فهي إنجازهم المباشر و الدائم‪.‬الفكرة هي نموذج أولي‪،‬هي نظام‬
‫للمرجعية التي تمّثل الحقيقي‪،‬العادل‪،‬الجميل‪،‬و الجّيد‪.‬و يالحظ أفالطون أن التاريخ يؤّك د التدهور املستمر للنماذج األساسية أي‬
‫لألفكار‪.‬فإذا حدث تغرّي فلن يكون إال باجتاه التدهور‪،‬هلذا يعترب أفالطون محافظا‪.‬‬
‫‪ -/2‬الطـبقات االجـتماعيـة‪:‬هناك ثالث طبقات يف اجملتمع حسب ما تصوره أفالطون بالشكل التايل‪:‬‬
‫*‪ -‬طبقـة احلّك ـام احلـّراس‪ :‬تنحصر وظيفتهم يف حكم املدينة‪،‬باعتبارهم أفضل املواطنني من خالل متكنهم من الوصول إىل أعلى‬
‫درجات املعرفة‪.‬فهم فضالء و يشّك لون إذن شكل من األرستقراطية ذو معىن مرتبط طبقة األخيار‪. aristoi‬إن ميزهتم أهنم استطاعوا كيفية‬
‫معرفة احلقيقة دون االكتفاء بالرأي الذي حتّد ده التجربة‪.‬فبسبب أنهم يعرفون الحقيقة فمن حّق هم ممارسة الحكم‪،‬ألنهم قادرون على‬
‫قيادة الشعب نحو السعادة و العدالة‪.‬‬
‫*‪ -‬طبقـة احلـّراس املسـاعدون‪ :‬و هي طبقة احملاربني‪.‬فقد كانوا موضوعا لتدريبات بدنية مكّثفة‪،‬فتم إعدادهم للتفرغ لوظيفة الدفاع‬
‫عن املدينة‪.‬فليس هلم أي هدف آخر سوى احلماية اجلّيدة للمدينة‪.‬‬
‫*‪ -‬طبقـة املنتـجـون االقتصـاديـون‪ :‬و تضم املزارعني‪،‬رجال الدين‪،‬البّح ارة‪،‬و التّج ار‪.‬و وظيفتهم هي توفري حاجات املدينة عن طريق‬
‫العمل الذي يقومون به‪.‬‬
‫متتلك هته الطبقات الثالث تركيبة معينة‪،‬مسحت ألفالطون بوضع نظرية كانت يف الوقت ذاته رمزيـة و واقعيـة‪:‬‬
‫*‪-‬البعـد الرمـزي‪ :‬يربز من خالل حتديد أفالطون ملميزات كل طبقة انطالقا من معدن معنّي ‪.‬فالطبقة األوىل ميّثلها الذهـب‪،‬و هو‬
‫معدن يرمز إىل استحالة االرتشاء‪.‬أما الطبقة الثانية فريمز هلا بـالفضّـة‪،‬فهو معدن عزيز و مجيل‪،‬لكنه متوفر إىل حد ما‪،‬مثل احملاربني الذين‬
‫ميتلكون صفات متمّيزة لكنها ليست استثنائية‪.‬أما الطبقة الثالثة فيمّثلها النّح ـاس‪.‬فهو معدن ثقيل‪،‬صلب‪،‬من السهل إنتاجه كما أنه واسع‬
‫التداول‪.‬‬
‫*‪ -‬البعـد الواقـعي‪ :‬و يبدو هذا البعد من خالل تفكري أفالطون وفقا ملفاهيم إعادة إنتاج األفراد يف خمتلف الطبقات‪،‬و يعترب أنه إذا‬
‫كان باإلمكان تحصيل الصفات بواسطة التوارث‪،‬فال يجب أن يرتبط االنتماء لطبقة ما بالنسب فقط‪.‬ألنه من المتعارف عليه أننا ال‬

‫‪5‬‬
‫الفكر السياسي عند أفالطون‬ ‫تاريخ الفكر السياسي ‪1‬‬

‫نستطيع دائما تحصيل كل الصفات عن طريق النسب‪.‬إذن سيكون من غير العادل و الخطير أن نحرم أنفسنا من الحراك االجتماعي‬
‫بين الطبقات‪،‬الذي ينتج عن تقديرنا للصفات الفردية لكل مواطن لتحويله لطبقة أو ألخرى‪.‬‬
‫‪ -/3‬تربيـة و تعليـم الحـّر اس‪ :‬يعطى أفالطون أمهية كبرية للرتبية اليت متكننا من الوصول إىل املعرفة‪،‬ألن هته األخرية هي اليت تربر إسناد‬
‫وظائف احلكم‪.‬هلذا فقد تناول أفالطون يف كتابه اجلمهورية مسألة الرتبية بكثري من التحليل و الشرح‪،‬فيقول‪ " :‬يجب تربية كل الرجال‬
‫الشباب الختبار صفاتهم الكامنة… "و هلذا اهلدف ينصح أفالطون بتلقني اجلمباز للشباب ألهنا رياضة حتضريية للحرب كما تسمح بقياس‬
‫شجاعة و قدرة الشباب على بذل اجلهود‪.‬كما جيب تكميل هته الرتبية بالرتبية الذهنية و خاصة تعليم الرياضيات‪،‬ألهنا تشّج ع صفات املالحظة‬
‫و الفطنة و التحليل و التصور‪.‬بالرغم من األمهية اليت يعطيها أفالطون للرياضيات‪،‬فإنه يعتقد أهنا غري قادرة على أن توصلنا إىل حقيقة‬
‫البشر‪،‬لذلك يفّض ل التفكري وفقا للطريقة اجلدلية‪-‬الدياليكتيكية‪ -‬اليت تقوم على منطق التفكري اجملّر د الذي يسمح لنا من التخلي عن القضية‬
‫اخلاطئة و االحتفاظ بالصحيحة‪.‬‬
‫‪ -/4‬شـروط السـير الحسـن للمدينـة المـثاليـة‪ :‬تعترب القاعدة اليت يضعها أفالطون يف هذا اإلطار بسيطة‪،‬حيث يعترب‪… " :‬إذن فإن التدخل‬
‫في وظائف اآلخرين و مزج الطبقات الثالث من شأنه أن يسّبب للدولة مشاكل كبيرة‪،‬و لن نخطأ إذا اعتبرنا ذلك جريمة… لكن أال‬
‫نسّم ي أكبر الجرائم في حق الدولة بالظلم‪. L’injustice‬ال يوجد اسم آخر نعطيه لها‪.‬إذن هذا هو معنى الظلم‪.‬لكن على العكس‬
‫من ذلك‪،‬إذا انغلقت كل طبقة على أداء الوظيفة التي تعود لها‪،‬سيحدث عكس ما وصفناه آنف‪.‬أي ستسود العدالة و هو ما يجعل من‬
‫دولة أنها عادلة…"(كتاب الجمهورية)‪.‬فهته القاعدة الذهبية القائمة على احرتام التخصصات تضمن التوازن و بالتايل العدالة يف املدينة‪:‬فهي‬
‫التي تحكم تنظيم المدينة‪.‬‬
‫أ‪ -/‬مجمـوعة النسـاء و األطـفال‪ :‬تعترب أشهر قاعدة وضعها أفالطون نظرا لالنتقادات الشديدة اليت خّلفتها‪.‬يذهب أفالطون إىل‬
‫القول بأن النساء ينقسمون مثل الرجال إىل ثالث طبقات وفقا ملعدهنم(الذهب‪،‬الفضة‪،‬النحاس)‪،‬و هناك اختالفات من امرأة إىل أخرى‪.‬و‬
‫بالتايل ميكن أن جند من هن من تتفوق على العديد من الرجال‪،‬بل تستطيع حىت أن تكون من طبقة احلّك ام احلّر اس‪.‬كما يعتقد أفالطون‬
‫بإمكانية توريث الصفات من جيل آلخر‪،‬فإذا استطعنا أن نزاوج بني فردين هلما صفات متمّيزة فإننا سنمتلك فرصا كبرية كي تظهر تلك‬
‫الصفات الفاضلة لدى األبناء‪.‬إذن من األفضل أن يتزاوج الرجال و النساء وفقا النتماءاتهم الطبقية‪.‬‬
‫إذا تركنا اآلباء مع أبنائهم فإن اجملتمع سيواجه خطر ارتباط اآلباء بأبنائهم أكثر من ارتباطهم باملدينة‪،‬و بالتايل سيخرقون قوانني التيموقراطية‪،‬‬
‫فيعطون األولوية لعائالهتم و نسلهم ليتجهون بذلك حنو األوليغارشية ‪ .‬فاحلل إذن ‪ ،‬هو أن نقيم مجموعة النساء (مّش اعيـة الزواج) ‪la‬‬
‫‪، communauté des femmes‬على األقل بين طبقات الحّر اس الذين يواجهون مشاكل صعبة‪،‬و أن يكون األطفال كذلك‬
‫مشتركين‪،‬ما دمنا ال نعرف اآلباء‪،‬و أن تتم تربيتهم من طرف المجتمع‪.‬و هكذا تصبح المدينة هي عائلة األطفال و تزول أخطار التوجه‬
‫نحو األوليغارشية‪.‬ال جيب أن نفهم مما سبق أن أفالطون يدعو إىل الرتف و البذخ‪، la luxure‬بل اقترح هته األفكار لتعميق وحدة‬
‫المدينة و توّقع تغيير طبيعة نظام الحكم فيها‪.‬‬
‫ب‪ -/‬مجمـوعة السلــع‪ : la communauté des biens‬هته القاعدة ال تطّبق إّال على احلّر اس‪،‬ألنه من الواجب محايتهم‬
‫من خماطر حب املال اليت هتّد د جبعل مصاحل املدينة يف املرتبة الثانية على سلم اهتماماهتم‪.‬يف هذا املعىن يقول أفالطون‪ " :‬لقد قلنا أنه ال يجب‬
‫أن يمتلك حّر اسنا منازل و أراضي خاصة أو أي ممتلكات أخرى‪،‬لكن يتلقون حاجات معيشتهم من عند اآلخرين لقاء خدماتهم‪،‬التي‬
‫استهالكها بطريقة مشتركة‪،‬ليكونوا بذلك حّر اسا حقيقيين‪(".‬كتاب الجمهورية)و هكذا سيتخلى احلّر اس من االهتمام حباجات معيشتهم‬
‫بطريقة هنائية‪،‬و يتفرغون حلاجات املدينة‪.‬‬
‫*‪ -/‬الحكـومة بـواسطـة الفـالسفـة‪:‬‬
‫… إنهـم أولئـك الذيـن يحبـون التأمـل فـي الحقيقـة… كتاب اجلمهورية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الفكر السياسي عند أفالطون‬ ‫تاريخ الفكر السياسي ‪1‬‬

‫‪ -/1‬الفيـلسوف يعـرف الحـقيقـة‪ :‬تعترب عملية معرفة احلقيقة عمال صعبا‪،‬فهي تفرتض اختيار طويل و شاق وتكوين لعقل و روح‬
‫الفرد مدة سنوات طويلة‪.‬فالفيلسوف ليس عبارة عن مثقف يهتم باجلدل اجملّر د فقط‪،‬ألنه كان عسكريا و يف مواجهة مستمرة ملشاكل احلياة‬
‫اليومية‪.‬فاحلارس جيب أن جيمع بني القوة السياسية و الفلسفة‪،‬ألن الفيلسوف ميتلك وسائل معرفة و حتديد احلقيقة‪.‬‬
‫‪ -/2‬الحاكـم الفيـلسوف يحكـم وفقـا للعـدالـة‪ :‬إن حكومة الفالسفة اليت يقرتحها أفالطون‪،‬ليست حكومة العلم بل حكومة‬
‫احلقيقة و العدالة‪.‬فالرجال العادلني و األفاضل وحدهم فقط يستطيعون ممارسة حكومة هلا نفس الصفات و تسمح للرجال العاديني بالوصول‬
‫إليها‪.‬مع عجزه عن تصحيح مساوئ دميوقراطية أثينا اليت عايشها‪،‬لعب أفالطون جبانب املستبدين دور هذا الفيلسوف‪،‬غري أن نتائج ذلك مل‬
‫تكن يف مستوى طموحاته و آماله‪.‬‬

‫المراجع المعتمدة‪:‬‬
‫‪- Dmitri Georges Lavroff, les grandes étapes de la pensée politique, Paris : Dalloz, 1993, 625 p.‬‬
‫‪- Marcel Prélot, Georges Lescuyer, Histoire des idées politiques, Paris : Précis Dalloz, 1959, 865 p.‬‬
‫ريمون غوش‪ ،‬الفلسفة السياسية في العهد السقراطي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 199 ،2008 ،‬ص‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كارنز لورد‪" ،‬أرسطو"‪ ،‬في‪ :‬ليو شتراوس‪ ،‬جوزيف كروبسي‪ ،‬تاريخ الفلسفة السياسية‪ .‬من تيوكيديديدس حتى إسبينوزا‪ .‬الجزء‬ ‫‪-‬‬
‫األول‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمود سّيد أحمد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬المشروع القومي للترجمة‪ 690 ،2005 ،‬ص‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like