Professional Documents
Culture Documents
Platon
Platon
Platon
* -طبقـة المنتجيـن :و هم الفالحون ،التجار ،البّح ارين أو احلرفيني ،فهم مكلفون بإنتاج السلع الضرورية ملعيشة اجملتمع و ضمان
املبادالت اليت تسمح باحلصول على هته السلع.
إن الوصف الذي قّد مه أفالطون للتيموقراطية ينطبق إىل حد بعيد على طريقة تنظيم السلطة يف مدينة إسربطة.بالرغم من كونه مواطنا من أثينا
و اليت كانت معادية إلسربطة،إّال أنه كان يبدي إعجابا كبريا باجملتمع اإلسربطي الذي كان مؤسس على القّيم األخالقية،الفضيلة،معاين اجلهد
و التقشف و اليت كان يعتربها قّيما تعطي املواطن اجلّيد،يف الوقت الذي كان يعترب أن حياة الرفاه،البحث عن الربح و الشهوات قد أخذت
أمهية كبرية يف حياة األثينيني.و وفقا هلذا الوصف يعترب أفالطون أن التيموقراطية هي أحد األشكال اجلّيدة للحكومة،ألهنا ترتكز على قواعد
يعتربها عادلة،كما أهنا حترتم ختصص كل طبقة يف أداء وظائفها،غري أهنا مل تكن يف مأمن من خماطر االحنطاط.ففي التيموقراطية أين جيب أن
ينعدم االهتمام بالثروة لدى احملاربني،فإن خطر وجود هذا االهتمام لديهم و إمكانية استعمال القوة اليت ميتلكوهنا لتحصيل الثروة يبقى قائما و
دائما.فإذا استطاع احملاربون أن خيفوا رغبتهم يف حتصيل الثروة خلف مظاهر عدم االهتمام هبا،فإن و من خالل احلّيل اليت يلجؤون إليها سوف
جيعلون من احلكومة قائمة على الرشوة.
و يعترب أفالطون التيموقراطية أحد أحسن أشكال احلكومات ألهنا هي األقرب إىل حكومات العصور القدمية اليت أعطتها اآلهلة لإلنسان،و
اعتبارا هبذا يعتبر أفالطون أن األشكال األكثر قدما هي األحسن،ألنها هي األقرب إلى بداية الخلق و بالتالي األقرب إلى اإلرادة
اإللهية.
-/2الحكــومة األوليغارشـية … :و هو شكل الحكومة المؤّس س على الناخب الذي يدفع ضرائب، le censحيث ينحصر الحكم
في أيدي األغنياء،بمقابل استحالة مشاركة الفقراء في أية سلطة… كتاب الجمهورية،الكتاب الثامن،الفصل السادس.ففي التعريف
الذي أعطاه أفالطون،فإن املتغرّي احملّد د ملفهوم هذا الشكل هو متغّيـر الثـروة.أي أن من ميارس السلطة هم األغنياء ،و أهنم سيميلون بالطبع إىل
استعمال السلطة كوسيلة لزيادة ثروهتم.إذن تعتبر الثروة في هذا الشكل القيمة الرئيسية في المجتمع،و تدخل بطريقة طبيعية في تناقض
مع القيم األخرى و خاصة قيمة الفضيلة.من املنطقي أن نستنتج أن األويغارشية هي من أشكال الحكومات الفاسدة من وجهة نظر
أفالطون،ألنها ال تؤّس س على الفضيلة و أنه من الصعب التوفيق بين هته الفضيلة و الذوق الجامح للثروة.
إن الوصف الذي يقّد مه أفالطون للحكم األوليغارشي ال جيد أصوله يف التفكري األفالطوين،بل يستمد أصوله كذلك من الفرتة اليت عاشها
أفالطون حتت حكم المستبدون الثالثون le régime des trente tyransو الذي شارك فيه الكثري من أفراد عائلته.فإذا أّيد
أفالطون بعض قرارات هته احلكومة و اخلاصة مبعاقبة أسوأ املواطنني،فإنه يتخذ موقفا معارضا لتوظيف السلطة لتحصيل الثروة بطريقة غري
الشرعية حتت حكم هؤالء املستبدون.و ميكننا اإلشارة إىل خيبة أمله يف هذه احلكومة عندما يقول":لم أتصور نفسي إّال مقتلعا الدولة من
واقع دون عدالة".
يعترب أفالطون أن األوليغارشية هي أحد أشكال احلكومات السيئة،باعتبار أهنا تحمل بداخلها خطر تقسيم المجتمع،و يف هذا يقول
أفالطون ":في واقع األمر و في دولة من هذا الشكل،فإنه بالضرورة ال توجد دولة واحدة و لكن اثنان،دولة الفقراء و دولة األغنياء".و
هنا جند التعبري عن إحدى أهم األفكار السياسية عند أفالطون،و هي اعتبار وحدة المجتمع الهدف األساسي الذي يجب أن تسعى ورائه
أية حكومة،و أن قدرة الحفاظ على هته الوحدة هي التي تحّد د قيمة هته الحكومة.وفقا هلذا املنطق ميكن القول أن كل ما يساهم في
تقسيم المجتمع يعتبر سيئا،و كل ما يساهم في وحدته يعتبر صالحا.
تــربز و تــزداد خطــورة احلكومــة األوليغارشــية يف أوقــات احلرب،حيث جيد األوليغارشــيني احلاكمني أنفســهم أمــام مــأزق:ضــرورة تســليح الفقــراء
ملواجهـة العـدو اخلارجي و بالتـايل إمكانيـة حتّو ل الفقـراء ضـد احلكم األوليغارشـي من جهـة،و من جهـة أخـرى،عـدم تسـليحهم لتجنب ثـورهتم و
بالتايل وضع املدينة يف خطر.
2
الفكر السياسي عند أفالطون تاريخ الفكر السياسي 1
-/3الحكـومـة الديمـوقراطيـة :متتلك كلمة دميوقراطية يف الفكر األفالطوين معىن خيتلف عن املعىن الذي نعطيه هلا حاليا.فهي عند أفالطون
حكومة الفقراء ضد حكومة األغنياء و بالتالي فهي حكومة األغلبية.يقول أفالطون يف كتابه الجمهورية،الكتاب الثالث،في الفصل
العاشر ما يلي … ":إذن حسب رأيي،تؤّس س الديموقراطية عندما ينتصر الفقراء على أعدائهم،فيقتلونهم و يبعدونهم،ثم يقتسمون
الحكومة و القيادة مع الباقين… بهته الطريقة تتأسس الديموقراطية،إما عن طريق السالح أو من خالل الطريق الذي يجبر األغنياء
على التراجع لصالح الفقراء…"
يعترب أفالطون الدميوقراطية شكال سيئا من أشكال احلكومات و ذلك لألسباب التالية:
*-أن الدميوقراطية ال حترتم التخصص الضروري ملختلف الطبقات االجتماعية يف ممارسة وظيفة معّينة.فاعتماد الدميوقراطية يف تعيني القادة عن
طريق القرعة و يف أحسن احلاالت باالنتخاب يوّلد خوفا لدى أفالطون من إمكانية وصول أفراد غري أكفاء أو مرتشني للسلطة،خاصة إذا
أخذنا بعني االعتبار األمهية اليت يعطيها أفالطون للفضيلة و املعرفة.و حىت االنتخاب ال حيظى بتقدير أفالطون،ألنه يعترب أن الناخبني هم لعب
يف أيدي الدمياغوجيني الذين حيسنون مداعبة املشاعر املنحطة للجسم االنتخايب لربح أصواته.
*-إن الدميوقراطية هي بالضرورة حكومة قائمة على الصراع بني الفقراء و األغنياء،و هذا يتعارض مع مسعى احلفاظ على وحدة اجملتمع اليت
تعترب مسعى كل حكومة صاحلة.
*-الدميوقراطية هي بالضرورة نظام ال يقوم على التخّص ص،و إلبراز ذلك يسوق أفالطون مثال الثورة اليت ميكن أن يقوم هبا البّح ارة ضد
قائد السفينة و ما ينجر على ذلك من خماطر،و ينتهي إىل القول … ":نفس يقال عن الديموقراطية التي تقع بين أيدي غير المختصين عن
طريق االنتخاب أو القرعة… "
-/4الحكـومـة االستـبداديـة :و هي حكم الفرد الواحد الذي ميارس السلطة وفقا لرغباته دون أن حيّد ه يف ذلك االلتزام بالقانون.و يعترب
أفالطون هذا الشكل من أسوأ األشكال ألنه قائم على الحكم الفردي الذي تقوده إرادته في غياب القواعد،مما يؤدي إلى التشّد د و هو
ما يتعارض مع الفضيلة.كما أنه حكم خطري ألنه ال يرتك إّال مكانا صغريا للعقل و يستند يف أغلب حاالته على استعمال العنف لفرض إرادة
املستبد.بالطبع فقد اعتقد أفالطون أنه باإلمكان تأسيس نوع من الحكم االستبدادي المتنور Une tyrannie éclairéeإذا استطاع
املستبد الذي تعطى له السلطة املطلقة أن حييط نفسه بآراء فيلسوف يقوده على طريق احلقيقة.و قد أّدى أفالطون نفسه دور الفيلسوف
الناصح لدى دونيس و هرمياس مستبد سرياكيز.Syracuseو من خالل ممارسة هته الوظيفة تفطن أفالطون أنه ال يعدو أن يكون سوى
مربر للحكم االستبدادي.و تعترب احلكومة االستبدادية حكومة سيئة ألنه ال ميكن حكمها بالفضيلة،و بغض النظر عن بعض االستثناءات فإهنا
تؤدى على املدى القصري و املتوسط إىل انقسام اجملتمع.
* -/تطـور أشكــال الحكـومـات:
يتناول أفالطون أشكال احلكومات من خالل أبعادها التارخيية.فهو ال حياول أن يعّر ف خمتلف املراحل اليت متر هبا أشكال احلكومات،لكنه
مقتنع بوجود قانون حيكم التحوالت اليت تعرفها احلكومات،و أن التاريخ له معىن.وفقا هلذا املفهوم يعترب أفالطون مؤسس مدرسة التارخيانيني
. l’Ecole des Historicistes
-/1الفكـرة األساسيـة حـول تدهـور أشكـال الحكومـات :يعتقد أفالطون أن اإلنسانية تتبع طريقا ينقلها من عصر ذهيب عرفته منذ اخلليقة
األوىل إىل حالة هي بالضرورة سيئة،ألن القّيم األساسية(اجلّيد،العادل،احلقيقي،اجلميل) يف زوال مستمر تاركة املكان للشر،اخلطأ و الظلم.هذا
العصر الذهيب الذي حيصره أفالطون يف اليونان القدمية، La Grèce Archaïqueيتناسب مع حكومة األخيار الذين كانوا ميارسون
الفضيلة و حيكمون وفقا للعدالة ممثلة باحلكومة األرستقراطية(أرسطوي تعين األخيار).فهذا النوع من احلكومات كان يتضمن ختصصا دقيقا
لكل طبقة اجتماعية يف ممارسة وظيفة حمّد دة كما سبقت اإلشارة لذلك.و من نقطة االنطالق هته،تدخل أشكال احلكومات في طريق
3
الفكر السياسي عند أفالطون تاريخ الفكر السياسي 1
التدهور الذي يعتبر نتيجة لغياب احترام تخصص طبقات المجتمع في ممارسة الوظائف المحّد دة من جهة،و إعادة النظر في التراتب
الهرمي االجتماعي القائم.و هنا تربز عناصر االنقسام لندخل في دورة تدهور النظم السياسية.
يعترب أفالطون أن الشكل البدائي للمجتمع هو ذاك الذي أرادته اآلهلة.فهو جمتمع متّيزه مبادئ الوحدة و االستقرار،اللتان تعتبران وثيقة
االرتباط،ألن مجتمع مّو حد هو بالضرورة مجتمع مستقر.من هنا يستنتج أفالطون أن فك االرتباط بين الوحدة و االستقرار هو مصدر
الفوضى و االضطرابات.و اعتبارا مبا سبق يرى أفالطون يف التغّير مصدرا لألزمات،و يعتبر السكون و انعدام الحركية ذات أبعاد إلهية
تسمح باالقتراب من النموذج الذي اختارته اآللهة.
يطّبق أفالطون على تطور أشكال احلكومات قواعد التغرّي اليت اكتشفها.تارخييا،تعترب التيموقراطية الشكل األويل للحكومة.و اعتربها أحسن
األشكال ألهنا األقرب إىل تلك اليت أعطتها اآلهلة لإلنسان .تعترب التيموقراطية مستقرة لكنها حتتوى على عوامل التغرّي :فالطبقة احلاكمة اليت
بقيت لفرتة طويلة مّتحدة حول نفس املثل و املبادئ يف احلياة ،تبدأ شيئا فشيئا يف االنقسام بفعل الطموح و الرغبة اجلاحمة يف زيادة الثروة":
أوال،يكتشفون مواضيع جديدة لإلنفاق و إلشباع هته الرغبة الجديدة ،سيتحايلون على القانون ولن يحترموه أبدا ،ال هم و ال
نساؤهم… بعد ذلك ينظر كل واحد لجاره و يحاول التشبه به ،و هكذا يصبح الشعب مثلهم… " .لذلك رأى أفالطون أن سبب
الفساد يف أثينا يعود إىل سيطرة الروح المادية على عقول الحّك ام و قلوبهم .و قد غّذ ى هذا املنحى فن اخلطابة الذي استخدمه
السفسطائيون من أجل التضليل و اخلداع.
و قد وصف أفالطون كيفية حتّو ل الفرد التيموقراطي إىل فرد أوليغارشي .فقدرة بعض األفراد على حتصيل ثروات،جتعلهم غري قادرين على
وضع حد لسعيهم وراء الثروة و يضعون بذلك خصائص الدولة األوليغارشية " :كذلك فالطموح و الغيرة من التشريفات،تنتهي
بالمواطنين إلى الطمع و الجري وراء الثروة،فيمدحون الغني،يعجبون به و يحملونه إلى السلطة،و يحتقرون الفقير… فيضعون القانون
الذي يرسم حدود الدستور األوليغارشي من خالل اشتراط دفع الضرائب للحصول على حق التصويت،و كلما كانت الضرائب قوية
كلما كانت األليغارشية قوية و العكس صحيح.كما يمنعون تحمل المسؤوليات على كل من ال تتعدى ثروته الضرائب المفروضة.لقد
استطاعوا أن يمرروا هته اإلجراءات من خالل القوة و السالح…"
من املستحيل حتّم ل الوضعية اليت تسود احلكم األوليغارشي،فاألغنياء يعتربون مصدرا لعدم الرضا و الكراهية:تلك اليت يبديها األغنياء القدماء
الذين جّر دوا من ثرواهتم،و تلك اليت يبديها الفقراء الذين ال يستطيعون حتمل البأس باستمرار.من هنا تبدأ ثورة الفقراء الذي يعملون على
القضاء على األغنياء و حكمهم،لننتقل من التيموقراطية إىل الدميوقراطية.غري أن الشعب الذي حيكم سوف يدرك عجزه و خطر سقوط
السلطة بيد احلكام السابقني من جديد،فيلجأ إىل وضع مصريه بني يدي فرد واحد ليحمي مصاحلهم،و يعطون له حرس خاص فيصبح بذلك
هذا الفرد مستبدا.فتكتمل الحلقة:لقد مّر ت السلطة بكل األشكال الممكنة بتأثير من طموح األفراد الذي قاد إلى االنقسام و الصراع.
-/2التعـارض بيـن األغنيـاء و الفقــراء :يعطى أفالطون أمهية كبرية للمنافسة لكي ال نقول الصراع بني األغنياء و الفقراء الذي يظهر بسرعة
يف اجملتمع و الذي يعترب السبب الرئيسي يف انقسامه.هلذا السبب ميكننا أن نرى يف أفالطون أول منّظر لصراع الطبقات،بالرغم من أنه ال يتكلم
عن طبقات.فمع األوليغارشية تقوم حكومة األغنياء ضد الفقراء،و البحث وراء زيادة الثروة يدفع باحلكام األغنياء إىل استعمال العنف و
الظلم.فيتم مصادرة أمالك بعض األغنياء من طرف أغنياء آخرين بدعم من الفقراء الطامعني،فيزداد بذلك عدد الفقراء و يقل عدد األغنياء
لتنحصر الثروة يف أيدي عدد قليل.هكذا يجد المجتمع نفسه ممزقا بنزاع داخلي.هبذا تبدأ مرحلة جديدة يف احلكومة تتميز عدم قدرة
الفقراء على حتمل اهليمنة اليت ميارسها األغنياء عليهم.فهم يعرفون أهنم األكثر عددا و أنه بإمكاهنم قلب حكومة األقلية.فيثورون و يؤّس سون
سلطة األغلبية لتحقيق مصاحلهم،فتتطور السلطة شيئا فشيئا باجتاه الفوضى:إنها السلطة الديموقراطية.يكتسي الوصف الذي قّد مه أفالطون
للدميوقراطية أمهية كبرية ألنه ال يرتكز فقط على اآلليات القانونية يف تنظيم السلطة،بل يتعداها إىل حتليل السلوك االجتماعي.أخريا،و عندما
يتمكن الشعب من السلطة و ميارسها دون احرتام أية قاعدة،باحثا فقط عن كيفية إشباع مصاحله،سيتجه إلى البحث عن فرد يحميه و
4
الفكر السياسي عند أفالطون تاريخ الفكر السياسي 1
يوّج هه و يدافع عن مصالحه.يف مرحلة أوىل سيمّج د الشعب هذا الفرد ألنه يسهر على محاية مصاحلهم.و مع مرور الوقت تزداد قوة هذا
الفرد ليتحول ملستبد،و تعترب احلرب أحسن وسيلة الستمرارية االستبداد.
* -/بنـاء المـدينـة المـثاليـة:
إن اهلدف الذي سّطره أفالطون من خالل كتاب الجمهورية هو تعريف شروط تنظيم المجتمع المثالي،لكي يكون اإلنسان فاضال في
بنية عادلة،آخذا بعين االعتبار المبادئ الفلسفية التي يراها صحيحة و حقيقية.مل يكن انشغال أفالطون سياسيا باملعىن الضّيق للكلمة.فهو
مل يبحث كيف ستكون أحسن أشكال احلكومات،ما دام أنه يهتم مبشكل أكرب يتمثل يف كيفية تحقيق العدالة و تحسين شروط المعيشة
اإلنسانية باتجاه فضيلة أكبر،العتقاده بأن ذلك غير ممكن إال في إطار تنظيم اجتماعي متناسب مع المبادئ المثالية أي العدالة و
الحقيقة.
-/1نظريـة المـعرفـة :يبدأ أفالطون بالتفريق بني الرأي و المعرفة.فالرأي الذي يسّم يه Doxaيرتكز على رؤية قائمة على إدراك األشياء
من خارجها كما تعتمد على العواطف:فهي قائمة على إدراك العالم المرئي.أما المعرفة فتمّس الواقع العميق،فهي االقتراب من
الحقيقة.فالرأي يكون يف متناول اجلميع،بينما املعرفة هي شئ صعب يتحقق لعدد حمدود ألهنا تتطلب قدرات فائقة.
رغم ذلك يقّر أفالطون بإمكانية تغيري روح اإلنسان عن طريق الرتبية،لكن دون أن نطمع يف إعطائه ما ال ميلكه فطريا بداخله.و ينصح
أفالطون توخي احلذر عند القيام بالرتبية،لوجود بعض األفراد الذين يفّض لون اجلهل و اخلطأ على املعرفة و احلقيقة ألهنما صعبيت املنال.فوراء
املظاهر اخلادعة آلراء اإلنسان،جيب عليه البحث يف الطبيعة احلقيقة لألشياء و املخلوقات.فالفكـرة اليت جيعلها أفالطون مرجعية هي مفهوم
خيتلف عن الذي نعطيه لكلمة فكرة.فهي عند أفالطون ما أرادته اآللهة:فهي إنجازهم المباشر و الدائم.الفكرة هي نموذج أولي،هي نظام
للمرجعية التي تمّثل الحقيقي،العادل،الجميل،و الجّيد.و يالحظ أفالطون أن التاريخ يؤّك د التدهور املستمر للنماذج األساسية أي
لألفكار.فإذا حدث تغرّي فلن يكون إال باجتاه التدهور،هلذا يعترب أفالطون محافظا.
-/2الطـبقات االجـتماعيـة:هناك ثالث طبقات يف اجملتمع حسب ما تصوره أفالطون بالشكل التايل:
* -طبقـة احلّك ـام احلـّراس :تنحصر وظيفتهم يف حكم املدينة،باعتبارهم أفضل املواطنني من خالل متكنهم من الوصول إىل أعلى
درجات املعرفة.فهم فضالء و يشّك لون إذن شكل من األرستقراطية ذو معىن مرتبط طبقة األخيار. aristoiإن ميزهتم أهنم استطاعوا كيفية
معرفة احلقيقة دون االكتفاء بالرأي الذي حتّد ده التجربة.فبسبب أنهم يعرفون الحقيقة فمن حّق هم ممارسة الحكم،ألنهم قادرون على
قيادة الشعب نحو السعادة و العدالة.
* -طبقـة احلـّراس املسـاعدون :و هي طبقة احملاربني.فقد كانوا موضوعا لتدريبات بدنية مكّثفة،فتم إعدادهم للتفرغ لوظيفة الدفاع
عن املدينة.فليس هلم أي هدف آخر سوى احلماية اجلّيدة للمدينة.
* -طبقـة املنتـجـون االقتصـاديـون :و تضم املزارعني،رجال الدين،البّح ارة،و التّج ار.و وظيفتهم هي توفري حاجات املدينة عن طريق
العمل الذي يقومون به.
متتلك هته الطبقات الثالث تركيبة معينة،مسحت ألفالطون بوضع نظرية كانت يف الوقت ذاته رمزيـة و واقعيـة:
*-البعـد الرمـزي :يربز من خالل حتديد أفالطون ملميزات كل طبقة انطالقا من معدن معنّي .فالطبقة األوىل ميّثلها الذهـب،و هو
معدن يرمز إىل استحالة االرتشاء.أما الطبقة الثانية فريمز هلا بـالفضّـة،فهو معدن عزيز و مجيل،لكنه متوفر إىل حد ما،مثل احملاربني الذين
ميتلكون صفات متمّيزة لكنها ليست استثنائية.أما الطبقة الثالثة فيمّثلها النّح ـاس.فهو معدن ثقيل،صلب،من السهل إنتاجه كما أنه واسع
التداول.
* -البعـد الواقـعي :و يبدو هذا البعد من خالل تفكري أفالطون وفقا ملفاهيم إعادة إنتاج األفراد يف خمتلف الطبقات،و يعترب أنه إذا
كان باإلمكان تحصيل الصفات بواسطة التوارث،فال يجب أن يرتبط االنتماء لطبقة ما بالنسب فقط.ألنه من المتعارف عليه أننا ال
5
الفكر السياسي عند أفالطون تاريخ الفكر السياسي 1
نستطيع دائما تحصيل كل الصفات عن طريق النسب.إذن سيكون من غير العادل و الخطير أن نحرم أنفسنا من الحراك االجتماعي
بين الطبقات،الذي ينتج عن تقديرنا للصفات الفردية لكل مواطن لتحويله لطبقة أو ألخرى.
-/3تربيـة و تعليـم الحـّر اس :يعطى أفالطون أمهية كبرية للرتبية اليت متكننا من الوصول إىل املعرفة،ألن هته األخرية هي اليت تربر إسناد
وظائف احلكم.هلذا فقد تناول أفالطون يف كتابه اجلمهورية مسألة الرتبية بكثري من التحليل و الشرح،فيقول " :يجب تربية كل الرجال
الشباب الختبار صفاتهم الكامنة… "و هلذا اهلدف ينصح أفالطون بتلقني اجلمباز للشباب ألهنا رياضة حتضريية للحرب كما تسمح بقياس
شجاعة و قدرة الشباب على بذل اجلهود.كما جيب تكميل هته الرتبية بالرتبية الذهنية و خاصة تعليم الرياضيات،ألهنا تشّج ع صفات املالحظة
و الفطنة و التحليل و التصور.بالرغم من األمهية اليت يعطيها أفالطون للرياضيات،فإنه يعتقد أهنا غري قادرة على أن توصلنا إىل حقيقة
البشر،لذلك يفّض ل التفكري وفقا للطريقة اجلدلية-الدياليكتيكية -اليت تقوم على منطق التفكري اجملّر د الذي يسمح لنا من التخلي عن القضية
اخلاطئة و االحتفاظ بالصحيحة.
-/4شـروط السـير الحسـن للمدينـة المـثاليـة :تعترب القاعدة اليت يضعها أفالطون يف هذا اإلطار بسيطة،حيث يعترب… " :إذن فإن التدخل
في وظائف اآلخرين و مزج الطبقات الثالث من شأنه أن يسّبب للدولة مشاكل كبيرة،و لن نخطأ إذا اعتبرنا ذلك جريمة… لكن أال
نسّم ي أكبر الجرائم في حق الدولة بالظلم. L’injusticeال يوجد اسم آخر نعطيه لها.إذن هذا هو معنى الظلم.لكن على العكس
من ذلك،إذا انغلقت كل طبقة على أداء الوظيفة التي تعود لها،سيحدث عكس ما وصفناه آنف.أي ستسود العدالة و هو ما يجعل من
دولة أنها عادلة…"(كتاب الجمهورية).فهته القاعدة الذهبية القائمة على احرتام التخصصات تضمن التوازن و بالتايل العدالة يف املدينة:فهي
التي تحكم تنظيم المدينة.
أ -/مجمـوعة النسـاء و األطـفال :تعترب أشهر قاعدة وضعها أفالطون نظرا لالنتقادات الشديدة اليت خّلفتها.يذهب أفالطون إىل
القول بأن النساء ينقسمون مثل الرجال إىل ثالث طبقات وفقا ملعدهنم(الذهب،الفضة،النحاس)،و هناك اختالفات من امرأة إىل أخرى.و
بالتايل ميكن أن جند من هن من تتفوق على العديد من الرجال،بل تستطيع حىت أن تكون من طبقة احلّك ام احلّر اس.كما يعتقد أفالطون
بإمكانية توريث الصفات من جيل آلخر،فإذا استطعنا أن نزاوج بني فردين هلما صفات متمّيزة فإننا سنمتلك فرصا كبرية كي تظهر تلك
الصفات الفاضلة لدى األبناء.إذن من األفضل أن يتزاوج الرجال و النساء وفقا النتماءاتهم الطبقية.
إذا تركنا اآلباء مع أبنائهم فإن اجملتمع سيواجه خطر ارتباط اآلباء بأبنائهم أكثر من ارتباطهم باملدينة،و بالتايل سيخرقون قوانني التيموقراطية،
فيعطون األولوية لعائالهتم و نسلهم ليتجهون بذلك حنو األوليغارشية .فاحلل إذن ،هو أن نقيم مجموعة النساء (مّش اعيـة الزواج) la
، communauté des femmesعلى األقل بين طبقات الحّر اس الذين يواجهون مشاكل صعبة،و أن يكون األطفال كذلك
مشتركين،ما دمنا ال نعرف اآلباء،و أن تتم تربيتهم من طرف المجتمع.و هكذا تصبح المدينة هي عائلة األطفال و تزول أخطار التوجه
نحو األوليغارشية.ال جيب أن نفهم مما سبق أن أفالطون يدعو إىل الرتف و البذخ، la luxureبل اقترح هته األفكار لتعميق وحدة
المدينة و توّقع تغيير طبيعة نظام الحكم فيها.
ب -/مجمـوعة السلــع : la communauté des biensهته القاعدة ال تطّبق إّال على احلّر اس،ألنه من الواجب محايتهم
من خماطر حب املال اليت هتّد د جبعل مصاحل املدينة يف املرتبة الثانية على سلم اهتماماهتم.يف هذا املعىن يقول أفالطون " :لقد قلنا أنه ال يجب
أن يمتلك حّر اسنا منازل و أراضي خاصة أو أي ممتلكات أخرى،لكن يتلقون حاجات معيشتهم من عند اآلخرين لقاء خدماتهم،التي
استهالكها بطريقة مشتركة،ليكونوا بذلك حّر اسا حقيقيين(".كتاب الجمهورية)و هكذا سيتخلى احلّر اس من االهتمام حباجات معيشتهم
بطريقة هنائية،و يتفرغون حلاجات املدينة.
* -/الحكـومة بـواسطـة الفـالسفـة:
… إنهـم أولئـك الذيـن يحبـون التأمـل فـي الحقيقـة… كتاب اجلمهورية.
6
الفكر السياسي عند أفالطون تاريخ الفكر السياسي 1
-/1الفيـلسوف يعـرف الحـقيقـة :تعترب عملية معرفة احلقيقة عمال صعبا،فهي تفرتض اختيار طويل و شاق وتكوين لعقل و روح
الفرد مدة سنوات طويلة.فالفيلسوف ليس عبارة عن مثقف يهتم باجلدل اجملّر د فقط،ألنه كان عسكريا و يف مواجهة مستمرة ملشاكل احلياة
اليومية.فاحلارس جيب أن جيمع بني القوة السياسية و الفلسفة،ألن الفيلسوف ميتلك وسائل معرفة و حتديد احلقيقة.
-/2الحاكـم الفيـلسوف يحكـم وفقـا للعـدالـة :إن حكومة الفالسفة اليت يقرتحها أفالطون،ليست حكومة العلم بل حكومة
احلقيقة و العدالة.فالرجال العادلني و األفاضل وحدهم فقط يستطيعون ممارسة حكومة هلا نفس الصفات و تسمح للرجال العاديني بالوصول
إليها.مع عجزه عن تصحيح مساوئ دميوقراطية أثينا اليت عايشها،لعب أفالطون جبانب املستبدين دور هذا الفيلسوف،غري أن نتائج ذلك مل
تكن يف مستوى طموحاته و آماله.
المراجع المعتمدة:
- Dmitri Georges Lavroff, les grandes étapes de la pensée politique, Paris : Dalloz, 1993, 625 p.
- Marcel Prélot, Georges Lescuyer, Histoire des idées politiques, Paris : Précis Dalloz, 1959, 865 p.
ريمون غوش ،الفلسفة السياسية في العهد السقراطي ،بيروت ،لبنان ،دار الساقي ،الطبعة األولى 199 ،2008 ،ص. -
كارنز لورد" ،أرسطو" ،في :ليو شتراوس ،جوزيف كروبسي ،تاريخ الفلسفة السياسية .من تيوكيديديدس حتى إسبينوزا .الجزء -
األول ،ترجمة :محمود سّيد أحمد ،القاهرة ،مصر ،المجلس األعلى للثقافة ،المشروع القومي للترجمة 690 ،2005 ،ص.
7