Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 190

‫سياسة الرعاية‬

‫الصحية يف دولة‬
‫اخاللفة‬

‫من إصدارات‬

‫حزب التحرير‬
‫‪2‬‬

‫سياسة الرعاية‬
‫الصحية يف دولة‬
‫اخاللفة‬

‫من إصدارات‬

‫حزب التحرير‬

‫‪3‬‬
‫هذا الكتاب من إصدارات حزب‬

‫‪ -‬التحرير ‪ -‬الطبعة األوىل‬

‫ذو احلجة ‪1443‬هـ‬

‫متوز‪/‬يوليو ‪2022‬م‬
4






 ﴿









 

﴾

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[سورة الشعراء]‬

‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫احملتوايت‬

‫احملتوايت‬
‫‪7...........................................................‬‬
‫متهيد‬
‫‪14.............................................................‬‬
‫‪...........................................................‬مقدمة‪15‬‬
‫‪.‬‬
‫واقع الرعاية الصحية احاليل و أسس الرعاية الصحية‬
‫يف‬
‫دولة‬
‫اخاللفة‬
‫وأهدافه‬
‫ا‬
‫‪20.....‬‬
‫‪.........‬‬
‫‪.........‬‬
‫‪.........‬‬
‫‪.........‬‬
‫‪.........‬‬
‫‪.......‬‬
‫واقع الرعاية الصحية يف العامل‬
‫‪20..................................‬‬
‫سوء الرعاية الصحية من سوء احلضارة الرأمسالية‬
‫اليت تسود العامل ‪ 21 .‬مظاهر احنطاط النواحي‬
‫الصحية يف العامل ‪ 24 .....................‬فساد‬
‫الرعاية‬ ‫يف‬ ‫املؤثرة‬ ‫املقومات‬ ‫أهم‬
‫الصحية‪ 30 ..................‬تداعيات كوروان‬
‫وتداعي األنظمة الصحية يف العامل‪37 .............‬‬
‫نظرة اإلسالم إللنسان واجملتمع املتعلقة‬
‫ابلرعاية الصحية ‪.........40‬‬
‫الصحة والرعاية الصحية يف نظر‬
‫‪.......................‬اإلسالم ‪45‬‬
‫الصحة يف نظر‬
‫‪........................................‬اإلسالم‪45‬‬
‫الرعاية الصحية يف اإلسالم‬
‫‪46....................................‬‬
‫أسس الرعاية الصحية يف دولة اخاللفة‬
‫‪50..........................‬‬
‫فلسفة اإلسالم هي مزج امالدة‬
‫ا‬
‫ب‬
‫ل‬
‫ر‬
‫و‬
‫ح‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪1‬‬
‫ن‬
‫ظ‬
‫ر‬
‫ة‬
‫ا‬
‫إ‬
‫ل‬
‫س‬
‫ا‬
‫ل‬
‫م‬
‫ي‬
‫ف‬
‫م‬
‫ع‬
‫ا‬
‫ج‬
‫ل‬
‫ة‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫ش‬
‫ا‬
‫ك‬
‫ل‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
5
‫‪1‬‬

‫‪7‬‬
‫حني‬ ‫الرعية‬ ‫أفراد‬ ‫إىل‬ ‫النظرة‬ ‫وحدة‬
‫الرعاية‪ 52 ......................‬احلكم مركزي‬
‫واإلدارة ال مركزية ‪52 ..............................‬‬
‫تقوم إدارة املصاحل على البساطة والسرعة والكفاية‬
‫‪53 .............‬‬
‫الدولة تضمن احالجات األساسية لرعاايها كافة‪ ،‬ومتكنهم‬
‫من حتقيق حاجاهتم‬
‫الكمالية‪ 53 ..........................................‬النظرة‬
‫إىل املشكلة االقتصادية ‪54 ...............................‬‬
‫رعاية الشؤون يف حالة الطوارئ‬
‫‪ 55 ..............................‬متويل الرعاية الصحية‬
‫يف دولة اخاللفة‪ 57 .........................‬األهداف‬
‫العامة للرعاية الصحية يف دولة اخاللفة‬
‫‪60................‬‬
‫حفظ الصحة اجلسدية ‪60 .....................................‬‬
‫حفظ الصحة )النفسية( ‪....................................‬‬
‫‪ 60‬حفظ الصحة العامة‪........................................‬‬
‫‪ 63‬مشولية الرعاية الصحية كل‬
‫الرعية‪ 64 .............................‬جمانية الرعاية‬
‫الصحية‪ 64 .......................................‬التميز‬
‫والتقدم يف علوم الصحة‪65 ...............................‬‬
‫اجالهزية والتأهب للتعامل مع الكوارث واحالالت‬
‫االستثنائية‪ 66 .....‬وضع نظام إداري لتنفيذ سياسة الرعاية‬
‫الصحية ‪ 67 ...............‬الرعاية الصحية العامة يف‬
‫‪..............................‬دولة اخاللفة ‪69‬‬
‫اإلطار العام للصحة‬
‫‪.....................................‬العامة‪69‬‬

‫‪8‬‬
‫أمهية النظام اإلداري غري املركزي يف جمال الرعاية‬
‫الصحية العامة‪ 70 ..‬إنشاء سياسات متكاملة تقوم عليها‬
‫الصحة العامة ‪ 71 ............‬الغذاء والتغذية واألمن‬
‫‪.................................‬الغذائي‪72‬‬
‫توفري الغذاء وأتمني نظام غذائي‬
‫متوازن‪ 72 .......................‬توفري األمن الغذائي‬
‫يف دولة اخاللفة ‪ 74 ..........................‬صحة‬
‫وجودة الغذاء يف املطاعم واألسواق‬
‫واملصانع‪ 76 .............‬الصحة‬
‫‪.................................................‬البيئية‪77‬‬
‫نقاء اهلواء‪.................................................‬‬
‫‪ 79‬جودة املياه‬
‫‪ 81 ................................................‬سالمة‬
‫الغذاء‪83 ..............................................‬‬
‫ضبط انتشار األمراض حيوانية املنشأ ومنعها‬
‫‪ 84 ..................‬احلفاظ على الغاابت‬
‫واألحراش‪ 85 ..............................‬الصرف‬
‫الصحي ‪86 ...........................................‬‬
‫اهلندسة الصحية للبيئة السكنية‬
‫‪ 86 ..............................‬املعايري والرقابة‬
‫ُ‬
‫الرقابة‬ ‫‪87 .............................................‬‬
‫‪ ...................88‬الصحية وجهاز احلسبة يف دولة‬
‫اخاللفة‬
‫إدارة تفشي األمراض املعدية‬
‫‪91...................................‬‬
‫األمراض املعدية بوصفها حالة طوارئ يف‬
‫ا‬
‫ل‬
‫د‬
‫و‬
‫ل‬
‫ة‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪1‬‬
‫م‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ب‬
‫ة‬
‫ص‬
‫ح‬
‫ة‬
‫ا‬
‫ل‬
‫و‬
‫ا‬
‫ف‬
‫د‬
‫ي‬
‫ن‬
‫إ‬
‫ى‬
‫ل‬
‫ا‬
‫ل‬
‫د‬
‫و‬
‫ل‬
‫ة‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪2‬‬

‫‪9‬‬
‫مكافحة تفشي األمراض املعدية واجلوائح ‪ -‬احلجر‬
‫الصحي‪ 93 .....‬إجراءات إضافية‬
‫‪ 95 ...........................................‬التأهب‬
‫حالالت طوارئ‪96 .....................................‬‬
‫الرعاية الصحية العاملية‬
‫‪97........................................‬‬
‫الرعاية الصحية أللفراد ‪-‬‬
‫‪................................‬الوقائية‪101‬‬
‫الرعاية الصحية الوقائية أللفراد‬
‫‪101..............................‬‬
‫ل الدولة‬
‫َبمجع البياانت ومراقبة صحة الفرد من ق‬
‫ِ ‪103 .............‬‬
‫التمريض املدرسي‬
‫‪ 107 ........................................‬تثقيف‬
‫العامة حول صحة الفرد و التغذية ‪....................‬‬
‫‪ 107‬الوقاية من األمراض‬
‫املعدية‪ 110 ................................‬تطعيم‬
‫السكان‪111 ...........................................‬‬
‫الفحوصات املسحية أللمراض غري املعدية ‪ -‬الوقاية‬
‫الثانوية‪ 115 ...‬صحة الفم‬
‫واألسنان‪116 ......................................‬‬
‫صحة املرأة وصحة األطفال‬
‫‪ 117 ...............................‬الصحة والسالمة‬
‫املهنية‪ 120 ...................................‬الرعاية‬
‫الصحية أللفراد – التدبري العالجي أللفراد‬
‫‪122............‬‬
‫عبء التدبري العالجي أللفراد أقل يف لل دولة‬
‫ا‬
‫خ‬
‫ل‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ف‬
‫ة‬
‫م‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ع‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ر‬
‫أ‬
‫م‬
‫س‬
‫ا‬
‫ي‬
‫ل‬
‫ب‬
‫س‬
‫ب‬
‫ب‬
‫إ‬
‫ق‬
‫ا‬
‫م‬
‫ة‬
‫أ‬
‫ن‬
‫ظ‬
‫م‬
‫ة‬
‫ا‬
‫إ‬
‫ل‬
‫س‬
‫ا‬
‫ل‬
‫م‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ا‬
‫ج‬
‫م‬
‫ل‬
‫ت‬
‫م‬
‫ع‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪2‬‬

‫‪10‬‬
‫تكفل الدولة توفري الدواء لكل من حيتاج ‪ ،‬وتسعى‬
‫إلجياد عالجات جديدة أللمراض اليت تفتقد أدوية‬
‫فعالة‪ 125 .....................‬الشفاء أييت من هلال‬
‫عز وجل ‪ 128 ..............................‬يندب‬
‫للمسلم السعي للتداوي‪ ،‬كما جيوز ل الصرب على‬
‫املرض ‪129‬‬
‫طلب التداوي يعم كل شيء ينطبق علي مصطلح الطب أو‬
‫العالج ‪131‬‬
‫‪................................................................‬‬
‫يكون العالج أللمراض العقلية مثلما يكون أللمراض اجلسدية‪.‬‬
‫‪ 132‬منهجية التدبري العالجي جتاه الصحة العقلية‬
‫‪ 134 ................‬مشاكل الصحة العقلية املتعلقة ابلقيم‬
‫واملشاكل اجملتمعية‪ 135 ......‬توفري العالج أللفراد واجب‬
‫على الدولة‪ 135 .....................‬منوذج تنظيم الرعاية‬
‫الصحية العالجية يف دولة اخاللفة ‪ 136 ........‬القطاع العام‬
‫والقطاع اخالص ‪ 141 ..............................‬املساعدة‬

‫خالل فرتة التعايف وإعادة أتهيل املرضى ‪ً 143 ............‬‬


‫توفري اخلدمة واملساعدة للعاجزين واملسنني واملصابني‬
‫واملعاق‬
‫ني عقليا‬
‫ملن كانت أسرهم غري قادرة على‬
‫مساعدهتم‪ 143 .................‬حث عامة املسلمني على‬
‫إعانة الضعيف ‪ 146 ...................‬بنك الدم ومشتقات‬
‫‪ 147 ......................................‬التكنولوجيا‬
‫والصناعة الطبية يف التدبري العالجي ‪152 .............‬‬
‫نظام الرعاية الصحية اإلداري‬
‫‪153....................................‬‬

‫‪11‬‬
‫مصلحة الرعاية الصحية‬
‫‪154.....................................‬‬
‫هيكل النظام اإلداري للرعاية الصحية يف الدولة‬
‫االسالمية‪ .....155‬بنك املعلومات والدواوين‬
‫وامللفات الشخصية اإللكرتونية‪......158‬‬
‫ضمان جودة الرعاية الصحية‬
‫‪159................................‬‬
‫جالن اخلرباء لوضع املعايري واألحكام الشرعية‬
‫املتعلقة جبوانب الرعاية‬
‫الصحية كافة يف الدولة‬
‫اإلسالمية‬
‫‪160.........................‬‬
‫‪...‬‬
‫التوعية والتثقيف واإلرشاد الصحي ابالرتباط مع مصلحة‬
‫اإلعالم‬
‫‪...............................................................163‬‬
‫‪ .‬مسائل وضوابط يف الرعاية‬
‫‪...............................‬الصحية‪164‬‬
‫تعليم الطب واملهن الطبية املساعدة والبحث العلمي‬
‫‪164..........‬‬
‫التعليم‬
‫الطيب‪.............................................‬‬

‫‪ ً 164‬توف‬
‫ري األطباء واملمرضني والقوى العاملة األخرى‬

‫املد‬
‫َّربني تدريبا‬
‫صحيحا ‪................................................‬‬
‫‪164‬‬
‫ً‬
‫التمريض واملهن الصحية‬
‫األخرى‪ 165 ...........................‬إنشاء مناهج‬
‫تعليم الطب وأتهيل املهنيني يف الرعاية الصحية‪..‬‬
‫‪ 167‬الكفاية يف التدريب‬
‫‪ 168 ......................................‬البحث‬
‫العلمي والتعليم الطيب املستمر‬
‫‪ 169 ......................‬احمالفظة على‬
‫املعايري من خالل التطور املهين والتعليم‬
‫املستمر‪ 170 ..‬ترخيص األطباء املتخرجني من‬
‫الدول األخرى ‪171 ...............‬‬

‫‪12‬‬
‫مراقبة املعايري واملسؤولية الطبية والصحية‬
‫‪ 171 ....................‬األدوية والصناعات الدوائية‬
‫يف الدولة اإلسالمية ‪ ..............175‬الصيدلة‬
‫والدواء‪175 ..........................................‬‬
‫الصناعات الدوائية يف الدولة‬
‫اإلسالمية‪ 178 .....................‬الكوارث واحالالت‬
‫‪................................‬االستثنائية‪180‬‬
‫والطوارئ‬ ‫الكوارث‬ ‫إدارة‬
‫مفهوم‬ ‫‪180‬‬ ‫‪..................................‬‬
‫‪...........................................‬‬ ‫الكارثة‬
‫‪ 181‬الكوارث الكربى اليت جيب التعامل معها‬
‫هي كالتايل‪ 182 ........ :‬مراكز اإلسعاف‬
‫واحلوادث ‪189 ................................‬‬
‫أخالقيات مهنة الطب واملسؤولية الطبية وسوء‬
‫املمارسة‪ ........191‬أخالقيات مهنة الطب يف اإلسالم‬
‫‪ 191 .........................‬أخالقيات ممارس الرعاية‬
‫الصحية املسلم ‪ 194 ....................‬واجبات‬
‫ممارس الرعاية الصحية جتاه املرضى‬
‫‪ 195 .................‬املسؤولية الطبية وسوء‬
‫املمارسة الطبية واإلمهال‪ 197 ...............‬مسؤولية‬
‫مهنة الطب ‪197 .....................................‬‬
‫تعريف سوء املمارسة الطبية‬
‫‪ 198 ...............................‬اتريخ الرعاية‬
‫‪....................‬الصحية يف الدولة اإلسالمية ‪199‬‬

‫‪13‬‬
‫‪‬‬

‫متهيد‬
‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هلال وعلى آل‬
‫وصح‬
‫ب ومن‬
‫وااله‬
‫‪،‬وبعد‬
‫هذا الكتاب هو من مثار جهود بعض اإلخوة يف مجع‬
‫معلومات وضبطها وحتقيقها وإحكام موضوعاهتا‪ ...‬إخل‬
‫ومل يرتكوا لنا سوى املراجعة والتدقيق مث‬
‫ِ‬ ‫التعديل واحلذف من بعض‬
‫يف‬
‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ني‬ ‫الفقرات حىت أصبح ثنااي هذا‬
‫مشرقا ابخلري كما هو‬ ‫‪.‬الكتاب‬
‫ً‬
‫اء‬
‫َد‬
‫كل‬
‫ِ ُ‬
‫‍ل‬
‫‪ ،﴾   ‬وجعل « ِ‬
‫﴿‪ ‬‬ ‫أن هلال حنمد إننا‬
‫مث و «‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صيُأ ال َّداء ا َّّلل َّز‬
‫أمت أخرج‬ ‫ِ‬ ‫َر‬
‫هلال مسلم‪،‬‬ ‫إ َذاِ َأ َبـ ذنِ‍بِْ‬
‫عل‬ ‫اء‬ ‫اء‬
‫ج‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ود‬
‫ََ ُ‬ ‫ََو‬

‫ب د ‪ََ ،‬‬
‫ف‬

‫ِ‬ ‫ا‬ ‫نعمت علينا أبن‬


‫َم ة َيت‍م َّية‬ ‫َت بـ‬
‫‍ي‬
‫ِيف‬
‫َْ‬ ‫سَ‍ل َ‬
‫‍و‬ ‫فرض علينا‬
‫‍قن ِ ِاه‬
‫ِ ِ‬ ‫الب ر الرحيم‬
‫هُ ُ ل َ‍ج «‪ ،‬أخرج‬
‫َ‬ ‫بيعة خليفة إمام‬
‫حيكمنا بشرع‬ ‫» ميتة جاهلية هلال فال‬
‫منوت‬
‫ع‍يـ‬
‫عة ْ ََ‬ ‫ت َو‬
‫ِ‬ ‫ام‬ ‫ا‬ ‫نم‬
‫َ‍اْإل ا ع م‬ ‫َم‬ ‫ََْ‬

‫مسلم‪ ،‬ويرعاان كما أمر هلال‪ ،‬يف صحتنا وعافيتنا وعزتنا ُ‬

‫وكرامتنا » َر‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لئ‍سم‬


‫ه‍َّ‍ي‍تعَ‍ر «‪ ،‬أخرج البخاري‪،‬‬ ‫‍و‬
‫و َْ َ ُ‬

‫‪،‬فنفوز يف دنياان وآخرتنا‬

‫نع ‪﴿‬‬
‫َْ‬

‫‪.﴾  ‬‬


‫ويف اخلتام‪ ،‬فإين أسأل هلال سبحان اجلزاء األوىف جلميع‬
‫‪:‬اإلخوة الذين ً يف هذا الكتاب وصدق هلال العظيم‬
‫‪﴿  ‬‬
‫جهدا طيبا‪‬‬

‫بذلوا ً‬
‫‪.﴾  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مبا ‪ ‬‬ ‫وخامتة اخلتام نسألك اللهم أن تنفعنا‬
‫‪،‬‬
‫علمتنا وأن تعلمنا ما ينفعنا ً واحلمد هلل رب العاملني‪.‬وأن تز‬
‫يدان علما‬
‫السابع والعشرو ن من ذي احلجة ‪1443‬ه املوافق‬
‫‪2022/07/26‬م‬

‫‪14‬‬
‫مقدمة‬

‫يبني هذا الكتاب سياسة الرعاية الصحية اليت ستسري عليها‬


‫ا إن شاء هلال‪ ،‬وهي الدولة اليت يعمل حزب التحرير مع‬
‫ً‬ ‫دولة‬
‫اخاللفة القائمة قريب‬

‫األمة من يوم نشأت ّجبد‬


‫لتطبق‬
‫ً‬ ‫وتفان وإخالص إلقامتها‪،‬‬
‫اإلسالم تطبيقا‬
‫ِ‬ ‫واإلدارة‪ ،‬و جذراي‬
‫شامال املتح ّكم يف‬
‫ً‬
‫ًّ‬ ‫جتعل‬ ‫بيا ًّ‬
‫يف احلكم ‪،‬حياة املسلمني‬ ‫انقال‬
‫ليبدأ عصر جديد يشعر في املسلمون والعامل كل ابلتغيري‬
‫احلقيقي الذي يتوقون ل للتخلص من الظلم والبؤس والشقاء‪.‬‬
‫فالبشرية تعاين منذ غاب اإلسالم عن معرتك احلياة وسيطرت‬
‫عقائد الكفر وأنظمت الفاسدة فأودت ابإلنسان إىل احلضيض‬
‫يف عقيدت وحيات ومعيشت ‪ ،‬سواء أكانت تلك العقائد هي‬
‫االشرتاكية ومنها الشيوعية‪ ،‬أم الرأمسالية ومنها الدميقراطية‬
‫اليت تغلغلت يف‬
‫العامل‪ ،‬ولهر عوارها وس‬
‫وءها إللنسان‪ :‬فقتل وتشريد‬
‫وهتجري وحرمان من‬
‫أبسط احلقوق األساسية للفرد واجلماعة من امألكل و امللب و‬
‫املسكن‪ ،‬و من‬
‫التعليم والصحة‬
‫‪.‬واألمن‬
‫ومن األنظمة اإلدارية اليت ستقوم دولة اخاللفة بتطبيقها إبذن‬
‫هلال نظام الرعاية الصحية اليت هتدف إىل احمالفظة على‬
‫الصحة واملعافاة للرعية كلهم‪ ،‬وق يف هذا اجمالل؛ و يرى‬
‫العامل لتصبح اخاللفة يف طليعة دول العامل‬

‫ابلتميز والتف‬
‫حسن تطبيق اإلسالم واإلخالص يف رعاية شئون الناس‪،‬‬
‫فيكون ذلك مبثابة دعوة العتناق اإلسالم واإلقبال علي و إخراج‬
‫العامل من عبودية العباد إىل عبودية رب العباد‪ ،‬ومن جور‬
‫األداين إىل عدل اإلسالم ورمحت ومن ضيق الدنيا إىل سعة‬
‫‪.‬الدنيا واآلخرة‬

‫‪15‬‬
‫وسنشرع يف هذا الكتاب بذكر الواقع الذي تعيش دول‬
‫العامل من حيث سوء الرعاية الصحية وحرمان الشعوب من‬
‫أبسط عناصرها الرئيسية‪ ،‬و ببيان أسباب الفساد الذي ار تبط‬
‫ابألنظمة الرأمسالية حني جعلت القيمة امالدية ا لعالج‬
‫املشاكل‪ ،‬وعلى رأسها الرعاية الصحية؛ ففسدت الرعاية‬

‫أساس ً‬
‫الصحية على العموم رغم التقدم العلمي والتكنولوجي يف‬

‫جماالت الطب ً ابرتفاع التكلفة‬


‫وحتقيقوالوقاية الصحية‪ ،‬ألن الرعاية‬
‫الصحية ارتبطت غالبا‬
‫‪.‬األرابح امالدية‪ ،‬وعالج األغنياء دون الفقراء‬
‫ونبني فيما بعد مفهوم الصحة والرعاية الصحية من منظور‬
‫اإلسالم‪ ،‬ومسؤولية اخلليفة والدولة اإلسالمية عنها‪ ،‬و األحكام‬
‫الشرعية املتعلقة هبا‪ ،‬والوسائل واألساليب اليت تستخدمها‬
‫الدولة اإلسالمية لتنفيذها‪ ،‬حيث تلتزم للرعية كلها؛ ألن احلفاظ‬
‫على دولة اخاللفة بتقدمي الرعاية الصحية‬
‫جماان‬
‫ً‬
‫الصحة حاجة أساسية لكل الناس‪ ،‬بغض النظر عن عبء هذه‬
‫الرعاية على خزينة الدولة‪ ،‬فهي تنظر إىل املشكلة الصحية‬
‫بوصفها مشكلة إنسانية ال مشكلة اقتصادية؛ فيكون هدفها هو‬
‫‪ .‬توفري الرعاية الصحية على أحسن وج و أكمل‬
‫مث يتناول الكتاب الرعاية الصحية العامة املتعلقة بصحة‬
‫احمليط الذي يعيش في اإلنسان من هواء وماء وغذاء‪ ،‬وصحة‬
‫البيئة بعناصرها كافة‪ ،‬وهتدف هذه الرعاية إىل تعزيز الصحة‬
‫عن طريق سياسات على مستوى الدولة‪ ،‬فرتكز الرعاية‬

‫الصحية العامة يف الغالب على الوقاية من األمراض أكثر ً‬


‫وأكثرهاوأعم نفعا‬

‫الرعاية‬
‫ّ‬ ‫أهم أقسام‬ ‫من ً إنتاج‬
‫ا‪ ،‬و هي تشمل محاية‬
‫ّ الصحية ها‬
‫الرعية من املخاطر على‬
‫الصحة العامة‪،‬‬
‫‪16‬‬ ‫كاحمالفظة‬
‫من العالج‪ ،‬ألن الوقاية‬
‫على املعايري الصحية حيث تبذل اخاللفة اجلهد لتكون هذه‬
‫املعايري من أفضل املعايري العاملية لتنعم رعيتها ابلعيش‬
‫‪ .‬الصحي الكرمي االلئق بكرامة اإلنسان وعافيت‬
‫مث يعرض الكتاب الطب الوقائي يف اخاللفة من منظور‬
‫الصحة الفردية‪ ،‬ويركز على التدابري الصحية اجملتمعية‬
‫اليت تؤثر على احالالت الصحية الفردية من وقاية أولية أو‬
‫اثنوية‪ ،‬و على كل ما يتعلق هبا من تدابري للوقاية من‬
‫املرض أو التقليل من احتمال وقوع ‪ ،‬وذلك من خالل إنشاء‬
‫املعرضني‬
‫َّ للمرضى و ملن يلزم من السكان‪،‬‬ ‫قاعدة بياانت‪،‬‬
‫و ابلفحوصات املسحية‪ ،‬و مبتابعة منهم أللمراض وتدبريهم‪.‬‬
‫كما يتناول الطب الوقائي اخلدمات الصحية الضرورية لفئات‬
‫الرعية اخالصة يف اجملتمع كالتمريض املدرسي وصحة‬
‫الفم واألسنان ومراكز صحة املرأة والطفل‪ ،‬والصحة املهنية‪،‬‬
‫والتطعيمات ومتابعة تفشي الوابئيات‪ ،‬والوقاية منها يف الوقت‬
‫‪.‬املناسب‬
‫و تقع على دولة اخاللفة مسئولية رعاية االحتياجات الصحية‬
‫أللفراد املتأثرين ابألمراض وإنشاء أنظمة فعالة لعالج األفراد‪،‬‬
‫و يشمل ذلك توفري العيادات واملستشفيات واملرافق العامة‬
‫املستخدمة للعالج‪ ،‬فاملعاجلة الطبية جزء أساسي من املصلحة‬
‫العامة واملرافق العامة اليت جيب أن تتوالها الدولة‪ ،‬وذلك‬
‫تقدمي العالج ابلرعاية‬
‫كز‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫املر‬ ‫من‬ ‫ابتداء‬ ‫‪،‬الصحية‬
‫عرب مراحل متدرجة يف‬
‫ا املستشفيات‬
‫ً‬
‫الصحية األولية‪ ،‬مث الرعاية الثانوية يف‬
‫املستشفيات احمللية‪ ،‬وأخري املركزية وفق‬
‫‪،‬ما تقتضي احالجة الصحية للمرضى‬
‫ف وبعدد‬
‫كا من األطباء‬
‫واملهن الطبية املساعدة‪ ،‬وأبحدث التجهيزات واملعدات اليت‬
‫تكفل تقدمي‬

‫‪17‬‬
‫اخلدمة العالجية بسهولة وسرعة وكفاءة‪ ،‬عالوة على االهتمام‬
‫بفرتة التعايف للمر يض‪ ،‬وخدمة‬
‫‪.‬العجزة واملسنني واملعاقني‬
‫و يتك‬
‫َّ‍ون نظام الرعاية الصحية يف دولة اخاللفة من‬
‫جمموعة األحكام الشرعية والقوانني اإلدارية املتعلقة هبذه‬
‫الرعاية‪ ،‬أما القوانني اإلدارية للرعاية و األمر انجعة يف تنفيذ‬
‫يل الصحية فهي الوسائل واألساليب املباحة اليت يراها‬
‫النظام وحتقيق الغاية من ‪ ،‬ويقوم النظام اإلداري للرعاية‬
‫الصحية يف دولة اخاللفة على البساطة واإلسراع يف تقدمي‬
‫اخلدمة الصحية والعالج‪ ،‬كما يقوم على الكفاية فيمن يتولو ن‬
‫اإلدارة‪ .‬و تقوم مصلحة الصحة العامة اليت يرأسها مدير‬

‫دولة‬
‫ّ‬ ‫عام مصلحة الصحة إبدارة سياسة الرعاية الصحية يف‬
‫اخاللفة وتطبيقها واحلفاظ على الصحة العامة بتقدمي اخلدمات‬
‫الصحية الوقائية والعالجية والرقابية للمجتمع واألفراد‪ ،‬ويشرف‬
‫‪.‬على مجيع الدوائر واإلدارات التابعة هال‬
‫مسؤوال‬ ‫مباشرة‪ ،‬ا مدير‬
‫يتبعها‬
‫ّ‬ ‫وعم‬ ‫عنها‬ ‫ً‬
‫يكون‬
‫‪،‬ولكل إدارة ‍ني‬
‫وي لكل دائرة‪،‬‬ ‫َّ‍‬
‫ع‬
‫ِ‬
‫ن‍م فروع وأقسام‪ ،‬كما تقوم مصلحة الصحة العامة بضمان‬
‫ضبط اجلودة ورسم االسرتاتيجيات لتنفيذ خطط الرعاية‬
‫الصحية‪ ،‬وتشرف من خالل جالن خربائها على وضع‬
‫املعايري االلزمة للتعليم الطيب‪ ،‬والتثقيف الصحي‪،‬‬
‫واملسؤوليات الطبية‪ ،‬كما تقوم ابلتنسيق مع أجهزة الدولة‬
‫األخرى اليت تشرت ك معها يف تنفيذ عناصر هذه الرعاية‬
‫‪.‬كلما لزم مثل إدارة الكوارث‬
‫ِ‬ ‫مسائل وضوابط‬
‫الصحية‬
‫ّ‬ ‫الرعاية‬ ‫لتمام‬ ‫مكملة‬
‫مث أييت الكتاب على‬
‫على أفضل وج ‪ ،‬ومنها‪ :‬التعليم الطيب ومناهج ‪ ،‬ومعايري‬
‫منح تراخيص مزاولة املهن واالختصاصات الطبية‪،‬‬
‫والضوابط املتعلقة أبخالقيات املهنة الطبية‪ ،‬ومسؤولية سوء‬
‫‪.‬املمارسة الطبية‬

‫‪18‬‬
‫كما يتناول الكتاب موضوع الدواء والصناعات الدوائية يف‬
‫دولة‬
‫ا كلمة موجزة تتعلق‬
‫ً‬
‫اخاللفة‪ ،‬ومسألة إدارة الكوارث واإلسعافات األولية‪ .‬وأخري‬
‫بشكل الرعاية الصحية ومالحمها عرب التاريخ منذ قيام‬
‫وتقدمها السريع ومتيزها ‪ ‬الدولة اإلسالمية على يد الرسول‬
‫عن ابقي األمم واحلضارات عرب اخاللفة‬
‫أسست البيمارستاانت‬
‫ّ‬
‫الراشدة مث احلقب الزمنية املختلفة لدولة اخاللفة‪ ،‬حيث‬
‫ووجدت األحباث والدراسات العلمية والعلماء األفذاذ الذين‬
‫حتدثت عنهم كتب التاريخ‬
‫‪.‬اإلسالمية وغري اإلسالمية‬
‫إننا على يقني من قدرة دو لة اخاللفة‪ ،‬اليت ابتت بشائرها‬
‫تلوح ابألفق‪ ،‬على القيام برعاية صحية متقدمة ومتميزة تليق‬
‫ابلبشر‪ ،‬حبيث تسخر اإلجنازات العلمية و الطبية يف تقدمي‬
‫أفضل خدمات صحية‪ ،‬إىل جانب برامج رعاية الشئون‬
‫األخرى املتميزة اليت تقوم دولة اخاللفة بتنفيذها بناء على‬
‫‪.‬العقيدة اإلسالمية و وفق أنظمتها املنبثقة عنها‬
‫‪19‬‬
‫واقع الرعاية الصحية احاليل‬
‫و أسس الرعاية الصحية يف دولة اخاللفة‬
‫وأهدافها‬

‫واقع الرعاية الصحية يف العامل‬


‫جردت األعمال من القيم األخالقية‬

‫ابتلي الناس يف هذا الزمن حبضارة َّ‬


‫والروحية واإلنسانية‪ ،‬وجعلت العامل يدور حول حتقيق القيم‬
‫امالدية النفعية‪ ،‬وكان من جراء انتشار العقيدة الرأمسالية‪،‬‬
‫عقيدة فصل الدين عن احلياة‪ ،‬أن لهر‬
‫الفساد يف الرب والبحر‪،‬‬
‫البدنية‬
‫َ‬ ‫الناس يف صحتهم‬ ‫فأصاب‬
‫‪،‬والنفسية واجملتمعية‬
‫إذ لهرت األمراض واألسقام‪ ،‬وساد االحتكار والفساد صناعة‬
‫الدواء والعقاقري‬
‫والسكن‬
‫وحرم الناس من أبسط‬ ‫‪،‬واملطاعيم‬
‫حقوقهم يف امألكل واملشرب‬
‫الصحي الذي يليق هبم‪ ،‬وانتشرت العوامل اليت تساهم يف‬
‫انتشار األمراض ومضاعفاهتا‪ ،‬وحصرت التدخالت الوقائية‬
‫يف الدول واألفراد األغنياء وحرم منها الفقراء‪ ،‬وختلفت أنظمة‬
‫الرعاية الصحية ‪ -‬حىت يف الدول اليت ت َّدعي تقدمي أفضل‬
‫اخلدمات ‪ -‬عن مشول سكاهنا كافة هبذه اخلدمات؛ وذلك جراء‬
‫أنظمة التأمني الصحي احملدودة النفع العاجزة عن تقدمي‬
‫الرعاية الصحية إال ملن يساهم ابلرسوم املفروضة‪ ،‬حيث‬
‫تتناسب اخلدمة مع ما يدفع‪ ،‬وحيرم من ال يستطيع الدفع من‬
‫هذه اخلدمات الصحية‪ .‬أضف إىل ذلك تركز اهتمام القائمني‬
‫على تقدمي الرعاية الصحية من دول و مؤسسات رأمسالية‪،‬‬
‫ر الكسب امالدي واألرابح الطائلةواخلدمات‬
‫على الرعاية‬
‫الصحية وصناعة األدوية اليت تد‬

‫‪20‬‬
‫مما ال يتعلق ابلضرورة ابحلفاظ على احلياة‪ ،‬بل ابلرفاهية‬
‫الفردية أللغنياء والدول‬
‫األمراض واألوبئة‬
‫الغنية‪ ،‬فيما يرتك الناس يف دول العامل‬
‫الفقرية اليت تنتشر فيها‬
‫دون أي اهتمام خاصة من انحية األحباث العلمية املتعلقة‬
‫بصناعة األدوية ملعاجلة هذه األمراض؛ ألن ال يتحقق من ذلك‬
‫‪.‬ربح مادي يشبع هنم الرأمساليني‬

‫سوء الرعاية الصحية من سوء احلضارة الرأمسالية اليت‬


‫تسود العامل‬
‫للنظام الرأمسايل أثر سليب كبري على الصحة النفسية‬
‫واجلسدية واجملتمعية وذلك لفساد عقيدت اليت تفصل الدين‬

‫عن احلياة وتقوم على احلل الوسط‪ ً ،‬يقنع العقل ويوافق‬


‫الفطرة‪ ،‬فال حتل العقدة الكربى عند اإلنسان‬
‫حال‬
‫ً صحيحا‬
‫و هي تطلق احلرايت‪ ،‬وختلو من القيم الروحية واألخالقية‬
‫واإلنسانية‪ ،‬وتركز على حتما إىل لهور اخلواء الروحي‬
‫‪،‬واالضطراب النفسي‬

‫القيمة امالدية؛ وهذا يؤدي ً‬


‫وانتشار االعتااللت النفسية العامة مثل االكتئاب والشعور‬
‫ابلوحدة واهللع واالنطواء والقلق‪ ،‬كما تنتشر اآلفات النفسية‬
‫‪.‬العميقة اليت تفضي إىل التعطل واجلنون وامليول االنتحارية‬
‫وكذلك أدى فشل الرأمسالية يف حل املشكلة االقتصادية إىل‬
‫انتشار الراب واالحتكار والغىن الفاحش والفقر املدقع‪ ،‬وسوء‬
‫توزيع الثروات‪ ،‬وركود األموال‪ ،‬وتعالم امالل االفرتاضي‪،‬‬
‫وشركات امالل الباطلة‪ ،‬والبطالة؛ فرتتب على ذلك اضطراب‬
‫احلياة اإلنسانية و جتريد اإلنسان من أبسط حقوق يف العيش‪،‬‬
‫و كثر االحتيال والسرقات والتالعب والغش يف أنواع‬
‫الصناعات اليت تتعلق بضائعها‬

‫‪21‬‬
‫حبياة اإلنسان من غذاء ودواء وماء؛ فانتشر اجلوع وسوء‬

‫التغذية وأمراضها‪ ،‬والسمنة وآفاهتا‪،‬‬


‫َّ‬
‫‪.‬والنفاايت الصناعية وخمل‍فاهتا‬

‫مرافقها‪،‬‬
‫ً‬ ‫وعموما فإن الرعاية الصحية يف العامل بكل‬
‫والتطبيب بفروع وأبعاده هبطت عن مستوى الرعاية‬
‫الصحية االلئقة ابلبشر‪ ،‬و حىت يف الغرب‬
‫جماالهتا املدنية‬
‫حيث مل ختل النواحي الصحية من‬
‫بعض االرتقاء والتقدم يف‬
‫يف الكسب امالدي‪ ،‬سواء أكانوالتكنولوجية‪ ،‬إال أن ذلك يكاد ً‬
‫يكون حمصور ا‬
‫ذلك يف الدراسات واألحباث العلمية اليت تصرف عليها‬
‫األموال الطائلة‪ ،‬أم يف جماالت أنظمة التأمني الصحي‬
‫وشركات وشركات تصنيع األدوية والتجهيزات الطبية‪ .‬و‬
‫أضحت قضية الرعاية الصحية يف لل فحش الرأمسالية من‬
‫أكرب مصادر حتقيق األرابح لتضاهي شركات النفط والسالح‬
‫ِ‬
‫وتكنولوجيا َ وي ربز‬
‫فساد الرعاية الصحية يف‬ ‫وزيرة‬
‫العامل الرأمسايل ما ذكرت‬ ‫‪.‬املعلومات‬

‫الصحة السابقة يف دولة بريو ابتريشيا جارسيا يف ‪27‬‬


‫تشرين الثاين‪/‬نوفمرب عام ‪2019‬م يف جملة النسيت الطبية‬
‫الشهرية‪ ،‬حتت عنوان‪" :‬الفساد يف الصحة العاملية‪ :‬السر‬
‫الشائع"‪ ،‬حيث قالت‪" :‬الفساد جزء ال يتجزأ من النظم‬
‫الصحية‪ .‬طوال حيايت ‪ -‬كباحثة وعاملة صحة عامة ووزيرة‬
‫للصحة ‪ -‬متكنت من رؤية اخلداع واالحتيال املتغلغلني‪ .‬يف‬
‫ا خماوف الناس حول‬
‫ً‬ ‫هذه احمالضرة أوجز حجم مشكلة‬
‫الفساد‪ ،‬وكيف بدأت‪ ،‬وماذا حيدث اآلن‪ ،‬أوجز أيض‬
‫احلديث عن هذا املوضوع‪ ،‬وما هو مطلوب ملعاجلة الفساد‪،‬‬
‫فال جيب أن يظل‬
‫الفساد يف الصحةالفساد هو أكرب ‪.‬‬
‫ً‬ ‫العاملية الصحة‬
‫على مستوى هتديد ملستقبل‬
‫ً‬ ‫‪".‬العامل‬
‫ّ مكشوفاسرا‬

‫‪22‬‬
‫ا يف األكادميية الوطنية للطب يف‬
‫ً الوزيرة السابقة اليت‬
‫انتخبت عضو‬
‫الوااليت املتحدة األمريكية عام ‪2016‬م‪ ،‬أتت على الكثري‬
‫من أوج الفساد يف منظومة الر‬
‫‪:‬عاية الصحية نذكر منها ما يلي‬
‫دفع األموال للكوادر الصحية حلضور دورات تدريبية من ‪-‬‬
‫و‬
‫غري يتارون‬
‫فقط للحصول‬
‫على احلوافز‪.‬‬
‫احملتاجني‬
‫للتدريب؛‬

‫ملنظمة‪ -‬أكثر من ثلثي الدول تعترب فاسدة بشكل ً‬


‫مستوطن‬
‫وفقا الشفافية‬
‫‪.‬الدولية‬
‫‪.‬‬
‫والفساد يف قطاع الصحة‪ -‬يؤثر الفساد على الفقراء ً‬
‫واألكثر ضعفا‬
‫‪.‬أخطر من أي قطاع آخر؛ ألن مميت بكل معىن الكلمة‬
‫تشري التقديرات إىل أن الفساد‪ ،‬كل عام‪ ،‬يودي حبياة ما ال ‪-‬‬
‫يقل عن ‪ 140‬ألف طفل‪ ،‬ويزيد من مقاومة مضادات‬
‫ِ‬
‫امليكروابت‪ّ ،‬ويقوض مجيع جهودان للسيطرة على األمراض‬
‫املعدية وغري املعدية‪ ،‬فالفساد جائحة‬

‫‪.‬متجاهلة‬
‫َ‬
‫تشري التقديرات إىل أن العامل ينفق أكثر من ‪ 7‬تريليوانت ‪-‬‬
‫دوالر أمريكي على اخلدمات الصحية‪ ،‬وأن ما ال يقل عن‬
‫‪ 10-25٪‬من اإلنفاق العاملي يضيع مباشرة من خالل الفساد‪،‬‬
‫‪.‬وهو ما ميثل مئات املليارات من الدوالرات املفقودة كل عام‬
‫يظهر الفساد يف الرعاية الصحية يف نقاط خمتلفة من ‪-‬‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ن‬
‫ظ‬
‫ا‬
‫م‬
‫‪:‬‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ت‬
‫ق‬
‫د‬
‫م‬
‫ي‬
‫ا‬
‫خ‬
‫ل‬
‫د‬
‫م‬
‫ا‬
‫ت‬
‫م‬
‫ن‬
‫ق‬
‫ب‬
‫ل‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ط‬
‫ا‬
‫ق‬
‫م‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ط‬
‫ي‬
‫ب‬
‫و‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫ه‬
‫ن‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ص‬
‫ح‬
‫ي‬
‫ة‬
‫ا‬
‫أ‬
‫ل‬
‫خ‬
‫ر‬
‫ى‬
‫‪،‬‬
‫و‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ش‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ء‬

‫‪23‬‬
‫األدوية واملستلزمات اخالصة ابملعدات وتوزيعها‬
‫واستخدامها‪ ،‬ويف تنظيم جودة املنتجات واخلدمات‪،‬‬
‫‪.‬ويف توليف املوارد البشرية‪ ،‬ويف بناء املنشآت‬
‫وتقول الوزيرة الباحثة اليت تلقت تعليمها العايل يف الوااليت‬
‫املتحدة األمريكية يف سياق حديثها عن الفساد يف النظم‬
‫الصحية‪ :‬إن يسود يف اجملتمعات ذات التقيد األقل ابلقانون‪،‬‬

‫وعدم الشفافية‪ ،‬وآليات املساءلة األقل؛ ً عن السبب احلقيقي‬


‫الذي يتيح هذا الفساد املتعدد األوج ‪،‬ولكنها تغفل متاما‬
‫وهو النظام الرأمسايل وقصور دول عن االضطالع مبسؤولية‬
‫الدولة وتركها الرعاية الصحية‬
‫بيد املؤسسات اخالصة‬
‫‪.‬اجلشعة‬

‫مظاهر احنطاط النواحي الصحية يف العامل‬

‫مظاهر الفساد الرأمسايل على الرعاية الصحة الفردية وآاثره‬


‫الكارثية على الصحة اجلماعية‪ ،‬ال تكاد حتصى؛ إال أن ميكن‬
‫‪:‬إمجاهال ملعرفة و اقع هذه الرعاية وهتاويها للحضيض‬
‫هناك جوانب متعددة للعالقة بني الرأمسالية وبني األمراض ‪-‬‬
‫النفسية والعقلية اليت تضاعفت منذ انتشار الرأمسالية‬
‫والليربالية‪ ،‬وقدرت دراسة ملعهد القياسات الصحية والتقو مي‬
‫لعام ‪2017‬م أن ‪ 792‬مليون شخص يعيشون‬
‫اضطرااب‬
‫ً يف الصحة العقلية‪ ،‬أي أكثر بقليل من واحد من‬
‫كل عشرة أشخاص على مستوى العامل )‪ ،(10.7٪‬أغلبها‬
‫اضطراابت القلق واالكتئاب‪ - .‬النزعة الفردية هي السمة اليت‬
‫يقوم علي منوذج اجملتمع الرأمسايل؛ حيث ميثل تقدير اجلهد‬
‫الفردي واالعتماد على الذات واالستقاللية وحافز‬

‫‪24‬‬
‫املنافسة جمموعة العالمات املميزة هلذا النظام من الناحية‬
‫اجملتمعية‪ ،‬وتؤدي هذه النظرة للفرد إىل عواقب وخيمة مثل‬
‫الوحدة اليت تقود إىل شرب الكحوليات واملخدرات‪ ،‬كما أهنا‬
‫تضعف الروابط االجتماعية‪ ،‬وتفاقم النزعة االستهالكية اليت‬
‫تعمل الرأمسالية على التالعب ابلعقول لتعزيز احالجة النفسية‬
‫‪.‬الدائمة إليها‬

‫مهما كانت‪ -‬إن الرأمسالية تعمل على تصنيع األشياء اليت ً‬


‫حتقق رحبا اتفهة‪ ،‬بينما تتجاهل توفري األشياء االلزمة أللفراد‬
‫الذين يعيشون يف فقر‪ ،‬وهذا النمط املعيشي يدمر الصحة‬
‫النفسية والعقلية‪ .‬عالوة على غياب مفهوم‬
‫ال‍ث‬ ‫تعاىل بوصفها يسعى إليها‬
‫ً م عليا‬
‫اإلنسان فينشغل يف حتقيقها‬
‫اآلخرة واحلساب والعقاب‬
‫‪.‬وميأل حيات رضا وطمأنينة‬
‫واجلنة والنار ورضوان هلال‬
‫العواقب السلبية لنمط احلياة الرأمسالية على صحة اإلنسان ‪-‬‬
‫يس‍مون ابملراهقني و انتشار ا بني‬
‫كارثية‪َّ ،‬‬
‫من فمثال‬
‫ً حرية ممارسة اجلن وخصوص‬ ‫ً‬
‫س‬ ‫والعابرة أدى إىل ازدايد‬
‫َّ‍مني ابألمهات ي‬
‫عدد من‬
‫العالقات اجلنسية القصرية‬
‫العازابت‪ ،‬وقد ارتفعت نسبة مواليد النساء غري املتزوجات‬
‫إىل ‪ 41%‬يف عام ‪2010‬م من ‪ 5%‬يف عام ‪1960‬م‪.‬‬

‫ويف اململكة املتحدة‪ ،‬يعيش و احد من ً يف أسر وحيدة األم‬


‫أو األب‪ ،‬وعادة ما يرتتب علىكل أربعة أطفال تقريبا‬
‫ذلك صعوابت مالية وتدهور يف الصحة اجلسدية والعقلية؛ إذ‬
‫توصلت دراسة أجريت يف ‪ 27‬دولة أوروبية إىل أن اآالبء‬
‫العَّزاب )الذين عندهم أبناء غري شرعيني( يعانون من حالة‬
‫صحية سيئة‪ ،‬تتمثل ابلتوتر املزمن‪ ،‬والشعور ابلوحدة‬
‫‪.‬‬
‫ًواالكتئاب‪ .‬وهذه املعاانة تصيب أطفال األمهات العازابت‬
‫أيضا‬

‫‪25‬‬
‫رصد تقرير "مركز السيطرة على األمراض والوقاية منها" ‪-‬‬
‫يف عام ‪2016‬م وجود ‪ 1.2‬مليون إصابة بفريوس نقص‬
‫املناعة البشرية‪ ،‬وأكثر من ‪ 700‬ألف وفاة يف حالة اإليدز‬
‫مصااب‬
‫ً ابإليدز يف‬ ‫يف الوااليت املتحدة‪ ،‬وأعلن املركز عن‬
‫الوااليت املتحدة عام ‪2019‬م‪ ،‬كان تشخيص ‪34800‬‬
‫‪.‬من بينهم ‪ 66%‬نتيجة العالقات اجلنسية بني الرجال‬
‫ِ‬ ‫الوطين األمريكي يتناول‬
‫مدمرة‬
‫ّ‬ ‫‪ 85%‬ممن همعلى الصحة‬
‫أما عواقب تعاطي ‪-‬‬
‫واإلنفاق‪ ،‬ووفقا‬
‫املشروابت الكحولية يف‬

‫العامل الرأمسايل فهي ً للمسح‬


‫يف سن الثامنة عشرة وأكثر الكحول‪ ،‬وميوت‬
‫ًسنواي ‪ّ 88‬‬
‫ألف شخص يف الوااليت املتحدة يف حاالت مرتبطة‬
‫ابلكحول‪ .‬وقالت منظمة الصحة العاملية إن أكثر من ثالثة‬
‫ماليني شخص ممن يتعاطون اخلمر توفوا يف عام ‪2012‬م‬
‫ألسباب ترتاوح ما بني السرطان و العنف‪ ،‬وتشمل أضرار‬
‫اخلمر‬
‫مشاكل‬
‫يف‬
‫وأنواعا‬

‫عدة من‬

‫االلتهاابت‬
‫والسرطاا‬

‫نت‪،‬‬

‫ووصف‬

‫تقرير‬

‫)أصدره‬

‫مركز‬
‫ً‬
‫القلب‬
‫العدالة االجتماعية يف لندن عام ‪2013‬م( أبهنا أصبحت‬
‫إىل أن اإلدمان‬
‫عاصمة اإلدمان‬
‫يكلف بريطانيا أكثر‬
‫ًعلى اخلمر‬
‫واملخدرات يف أورواب‪ ،‬مشري‬
‫ا‬

‫من ‪ 55‬مليار دوالر ً‬


‫‪.‬سنواي‬
‫ّ‬
‫أما عن االنتحار‪ ،‬فمنظمة الصحة العاملية تقول يف تقرير ‪-‬‬
‫هال عام ‪2019‬م‪ ،‬إن ما يقارب من ‪ 800‬ألف شخص يلقى‬
‫حتف كل عام يف حالة االنتحار‪ ،‬وأن هناك حالة انتحار كل‬
‫‪ 40‬اثنية سرتتفع عام ‪2020‬م إىل سجل االنتحار بوصف‬
‫اثين أهم حالة‬

‫حالة انتحار كل ‪ 20‬اثنية‪ ،‬وقد‬


‫ا على الصعيد العاملي‬
‫ً للوفيات بني من ترتاوح أعمارهم ما‬
‫بني ‪ 15‬و‪ 29‬عام‬

‫‪26‬‬
‫ده مشكلة صحية عامة مل تعاجل‬
‫َ‍ع يف عام ‪2016‬م‪ ،‬غري أن‬
‫املنظمة العاملية ت‬
‫بشكل كاف بسبب ضعف الوعي ابالنتحار‪ ،‬وال تدرك أن‬
‫أساس املشكلة يكمن يف عقيدة فصل الدين عن احلياة‬
‫َّ‬
‫واحلرايت اليت تظهر آاثرها يف منط حت كمت يف الناس‬
‫العيش الغريب؛ حبيث‬
‫غرائزهم وأهواؤ هم وإشباعها إما خطًأ‬
‫ا فالرتكيز على الفردية و الذات هو أساس املشكالت النفسية‬
‫كلها‬

‫‪.‬أو شذوذ ً‬
‫ألن جيعل هم الفرد نيل أكرب قسط من املتع الدنيوية؛ فيصدم‬
‫املرء عند سعي وهالث وراء سراب ال يستطيع حتقيق ؛‬
‫فيقع يف صراع نفسي أو عاطفي يؤدي ب إىل االضطراب‬
‫وبؤس احلياة‪ ،‬و طلب وضع‬
‫هال‬
‫‪.‬حد ّ‬
‫وتقول ورقة حبثية جلورانل الطب النفسي الربيطاين إن‬
‫حوايل ‪ 7٪‬من‬

‫ًا‬
‫ا أن واحد ا‪ ،‬وتكشف أيض‬
‫ً األطفال حاولوا االنتحار‬ ‫ً‬

‫قبل بلوغ سن ‪ 17‬عام ً‬


‫تعرضوا إليذاء أنفسهم‬
‫يف العام امالضي‪.‬‬
‫وقدمن كل أربعة‬
‫أشخاص تقريبا‬
‫أدى تغري املواقف جتاه الزواج والعالقات العائلية إىل انتشار‬
‫الوحدة وانداثر األسرة‪ .‬فللمعيشة املنفردة العديد من اآالثر‬
‫السلبية على صحة اإلنسان‪ ،‬فهي تعرض صاحبها خلطر‬
‫االكتئاب بنسبة تصل إىل ‪ 80%‬مقارنة مع األشخاص الذين‬
‫يعيشون يف أسر‪ ،‬و العزلة االجتماعية ترتبط ابرتفاع معدل‬
‫الوفيات لدى كبار السن‪ ،‬فالشعور ابلوحدة هو القاتل اخلفي‬
‫‪.‬هلم‬
‫أما اآالثر املدمرة للرأمسالية وأنظمتها الفاسدة على الصحة ‪-‬‬
‫العامة واجلماعية سواء يف بلدان عاملها الذي يوصف‬
‫ابملتقدم أم يف بلدان العامل األخرى اليت توصف ابلنامية أو‬
‫‪:‬الفقرية فهي أكثر من أن حتصى‪ ،‬وأنيت على بعض جوانبها‬

‫‪27‬‬
‫فيما يتعلق ابلطعام والتغذية‪ ،‬تشري التقديرات احاللية إىل‬
‫أن ما يقرب من ‪ 690‬مليون شخص يف العامل يعانون من‬
‫اجلوع‪ ،‬أي ما يعادل ‪ 8.9‬يف املئة من سكان العامل‪ .‬و يف‬
‫عام ‪2019‬م‪ ،‬تعرض ما يقرب من ‪ 750‬مليون شخص‬
‫ملستوايت حادة من انعدام األمن الغذائي‪ ،‬ومل يكن لدى ما‬

‫ي َّقدر ف ومغذ بنحو ملياري شخص إمكانية الوصول املنتظم‬


‫إىل طعام آمن ّوكا ‪ .‬ولي مبقدور أكثر من ‪ 3‬مليارات شخص‬
‫يف العامل احلصول على األغذية الصحية ذات القيمة الغذائية‬
‫‪،‬املناسبة‪ ،‬ومعظم هؤالء يعيشون يف آسيا و أفريقيا‬
‫وهذه األرقام هال أتثري مباشر يف الصحة‪ ،‬خاصة عندما‬
‫يؤخذ‬
‫النمو‬
‫كمقيا‬
‫س‬
‫للص‬
‫‪.‬حة‬
‫إن سبب اجلوع يف العامل لي عدم كفاية إنتاج الغذاء العاملي‬
‫بل هو سوء توزيع الغذاء‪ ،‬و سوء توزيع املوارد االلزمة‬
‫إلنتاج الغذاء‪ .‬ويف أحدث تقرير أصدرت منظمة "أوكسفام‬

‫اخلريية الربيطانية‪ ،‬فإن حوايل ‪ ً 11‬ميوتون كل(" ‪(Oxfam‬‬


‫دقيقة يف حالة اجلوع وسوء التغذية على األرجح‪،‬‬
‫وتقولشخصا‬
‫غابرييال بوشي ‪ -‬املديرة التنفيذية ملنظمة أوكسفام ‪ -‬أبن‬
‫جائحة كوروان كشفت عن االلمساواة العميقة يف عاملنا؛ فقد‬
‫ارتفعت ثروة أغىن ‪ 10‬أشخاص يف العامل مبقدار ‪413‬‬

‫مليار دوالر العام امالضي )‪2020‬م(‪ ،‬ويفوق ً احالجة‬


‫املعلنة أللمم املتحدة كي متول ابلكامل مساعداهتاذلك ب ‪11‬‬
‫ضعفا‬
‫‪.‬اإلنسانية العاملية‬
‫أما ما يتعلق ابمالء النظيف‪ ،‬فهو يرتبط ابلصحة ألن يستعمل‬
‫للشرب‬
‫‍در أن ‪ 801‬ألف‬ ‫املنز يل وألغراض‬
‫يَّ‍ق‬
‫والطعام واالستخدام‬ ‫حيوية متعددة‪ ،‬و ‪28‬‬

‫طفل تقل أعمارهم عن مخ سنوات ميوتون من اإلسهال كل‬


‫عام‪ ،‬معظمهم يف البلدان النامية‪ ،‬وتساهم مياه الشرب غري‬
‫ا يف حوايل ‪ 88٪‬من‬
‫ً‬ ‫امألمونة‪ ،‬وعدم توفر املياه الكافية‬
‫للنظافة‪ ،‬ونقص الوصول إىل الصرف الصحي‪ ،‬تساهم مع‬
‫‪.‬الوفيات النامجة عن أمراض اإلسهال‬

‫ويف مجيع أحناء العامل‪ ،‬تصيب الديدان املعوية املنقولة‬


‫ابلرتبة أكثر من مليار شخص بسبب نقص الصرف الصحي‬
‫املناسب‪ .‬وكذلك الرتاخوما فهو السبب الرئي يف العامل‬
‫‪،‬للعمى و ينتج عن سوء النظافة والصرف الصحي‬
‫ويعاين ما يقرب من ‪ 41‬مليون شخص من الرتاخوما‬
‫النشطة‪ ،‬ويعاين حوايل ‪ 10‬ماليني شخص من إعاقة بصرية‬
‫أو عمى ال رجعة في نتيجة الرتاخوما‪ ،‬مع أن ميكن الوقاية‬
‫من عدوى الرتاخوما من خالل زايدة نظافة الوج ابلصابون‬
‫‪.‬وامالء النظيف وحتسني الصرف الصحي‬
‫و على الصعيد العاملي‪ ،‬استخدم ما ال يقل عن ملياري‬
‫شخص مصادر مياه شرب ملوثة ابلفضالت‪ .‬وحىت عام‬
‫‪2017‬م‪ ،‬كان ما يزال ‪ 2‬مليار شخص يفتقرون إىل الصرف‬
‫الصحي األساسي‪ 70% ،‬منهم يعيشون يف‬
‫ا‪ ،‬وكان ‪673‬‬ ‫وثلثهم يعيشون يف‬
‫ّ‬ ‫أقل البلدان و‬
‫مليون شخص‬
‫ًمنو‬ ‫ميارسون‬
‫املناطق الريفية‪،‬‬
‫متزايد يف أفريقيا التغ ط يف العراء‪،‬‬

‫وآسيا‪ ،‬ويفتقر ‪ 3‬ويرتكزون بشكل‬

‫مليارات شخص إىل املرافق األساسية لغسل اليدين ابمالء‬


‫‪.‬والصابون يف املنزل‬
‫ويف عام ‪2017‬م‪ ،‬ويف أقل‬
‫مرافق‬
‫ًّ‬ ‫من‬ ‫‪22‬‬ ‫‪٪‬‬ ‫كان‬ ‫منوا‪،‬‬ ‫البلدان‬
‫الرعاية الصحية‬
‫لي فيها خدمة مياه‪ ،‬و‪ 21٪‬منها ال يوجد فيها خدمة صرف‬
‫ص‬
‫ح‬
‫ي‬
‫‪،‬‬
‫و‬
‫‪٪‬‬
‫‪2‬‬
‫‪2‬‬
‫م‬
‫ن‬
‫ه‬
‫ا‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ي‬
‫و‬
‫ج‬
‫د‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ه‬
‫ا‬
‫خ‬
‫د‬
‫م‬
‫ة‬
‫إ‬
‫د‬
‫ا‬
‫ر‬
‫ة‬
‫ن‬
‫ف‬
‫ا‬
‫ا‬
‫ي‬
‫ت‬
‫‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫إن النظام السياسي العاملي احاليل مبين على منوذج الدولة‬
‫القومية‪ ،‬ويسود االقتصاد الرأمسايل الليربايل العاملي‪ ،‬وهذا‬
‫اهليكل غري مناسب حلل املشاكل العاملية‪ ،‬مبا يف ذلك‬
‫مشاكل الصحة العاملية؛ ألن فكرة النظام االقتصادي الرأمسايل‬
‫هي أن كل فرد أو جمموعة أو أمة تشارك يف منافسة شرسة‬
‫‪.‬الذعة لتحقيق مصلحتها اخالصة‬
‫فاليوم‪ ،‬يف اململكة املتحدة‪ ،‬أغىن ‪ 1٪‬ميتلكون ‪ 12٪‬من‬
‫الثروة‪ ،‬وأغىن ‪ 10٪‬ميتلكون ‪ 44٪‬من الثروة‪ .‬و يف‬
‫الوااليت املتحدة أغىن ‪ 1٪‬ميتلكون ‪ 34٪‬من الثروة‪ ،‬وأغىن‬

‫‪ 10٪‬ميتلكون ‪ 74٪‬من الثروة‪ ،‬و يستمر هذا التفاوت ً بعد‬


‫عام‪ .‬و من املهم أن نفهم أن هذا التفاوت الكبري مدفوعيف‬
‫النمو عاما‬
‫بشكل منهجي ابإلطار االقتصادي الرأمسايل‪ ،‬ويتم احلفاظ‬
‫علي ومحايت من قبل النخبة واألثرايء املستفيدين‪ .‬و نتيجة‬
‫لذلك‪ ،‬ال تستطيع الغالبية العظمى من السكان يف االقتصادات‬
‫الرأمسالية حتمل الصحة اجليدة والرفاهية‪ ،‬فقدراهتم اماللية‬
‫جتعلهم يف وضع غري مناسب فيما يتعلق جبميع احملَّددات‬
‫املرتبطة ابلرعاية‬
‫الصحية مثل الغذاء‪ ،‬واملياه النظيفة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والصحة العقلية‪،‬‬
‫والبيئة‪ ...‬و عالوة على ذلك‪ ،‬قادت سلطة الشركات ثقافة‬
‫االستهالك اليت أفرزت أمناط حياة غري صحية و خيارات‬
‫سيئة مع قلة ممارسة الرايضة وتعاطي املخدرات الرتوحيي؛‬
‫‪.‬ما أدى إىل مشاكل صحية عامة يف العامل املتقدم‬

‫فساد أهم املقومات املؤثرة يف الرعاية الصحية‬


‫‪:‬‬
‫يفيف لل الرأمسالية لهر الفساد يف نواحي الرعاية الصحية ً‬
‫ك‬
‫ل‬
‫ه‬
‫ا‬
‫ت‬
‫ق‬
‫ر‬
‫ي‬
‫ب‬
‫ا‬
‫ن‬
‫ظ‬
‫ا‬
‫م‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ت‬
‫أ‬
‫م‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ص‬
‫ح‬
‫ي‬
‫و‬
‫ش‬
‫ر‬
‫ك‬
‫ا‬
‫ت‬
‫‪،‬‬
‫و‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ش‬
‫ر‬
‫ك‬
‫ا‬
‫ت‬
‫ا‬
‫أ‬
‫ل‬
‫د‬
‫و‬
‫ي‬
‫ة‬
‫و‬
‫أ‬
‫ح‬
‫ب‬
‫ا‬
‫ث‬
‫ه‬
‫ا‬
‫‪،‬‬
‫و‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫ل‬
‫ك‬
‫ي‬
‫ة‬

‫‪30‬‬
‫الفكرية وبراءات االخرتاع‪ ،‬ويف استغالل هذه املنظومة‬
‫الصحية لتحقيق الربح واملنفعة امالدية‪ ،‬ومع أن الرأمسالية‬
‫ابتكرت ترقيعات للتغطية على قصورها إال أن الرعاية‬
‫الصحية وصلت إىل ما هي علي اليوم من سوء وغش؛ حبيث‬
‫ألهرت جائحة مثل كوروان مدى هشاشة هذه الرعاية وزلزلت‬
‫أركاهنا إىل حد االهنيار‪ ،‬بل إن الرعاية الصحية اهنارت يف‬
‫دول عدة يف العامل‪ .‬ويف الفقرات التالية سنأيت على أهم ما‬
‫‪:‬اعرتى النظام الصحي يف لل الرأمسالية من أمور فاسدة‬
‫فالتأمني الصحي هو وسيلة لتغطية تكاليف الرعاية الصحية‪،‬‬
‫و يكون إما عن طريق احلكومات اليت توفره لسكاهنا لضمان‬
‫استفادهتم من اخلدمات الصحية وذلك عن طريق نظام أتمني‬

‫‪،‬بتكلفة معينة يستطيع املواطن دفعها ّمتو احلكومة‬


‫مقابل خدمات تتناسب مع ما يتحمل املواطن‪ ،‬وضمن‬
‫برانمج ل وهو قائم على الضرائب‪ ،‬وإما عن طريق شركات‬
‫التأمني الصحي‪ ،‬وهنا يظهر ختلي الدولة عن مسئوليتها يف‬
‫شركات بدال‬
‫ً من‬ ‫رعاية شئون الناس الصحية ألهنا توكل ب‬
‫قيامها هي ابلرعاية الصحية حبيث توفرها للفقري والغين‪،‬‬
‫وللضعيف والقوي‪ ،‬سواء بسواء‪ .‬وعادة ما جتعل شركات‬
‫التأمني عقودها‬
‫‍ق‬
‫د الثغرات والتحلشروطا‬ ‫َّ‍‬
‫ع‬
‫لتصي‬
‫ل من تتهرب من دفع التأمني‪ ،‬وتضع‬
‫يتقلص‬ ‫ل‬ ‫دة‬ ‫م‬ ‫َّ‬ ‫ً‬

‫التأمني الصحي‪ ،‬و يطلب‬


‫َّ‬
‫أرابب العمل االلتزامات‪.‬‬
‫ويف حاالت كثرية‬
‫‪.‬من العمال دفع املزيد من التكاليف أبنفسهم‬

‫يف الرعاية كماو أما شركات صناعات األدوية فهي األكثر ً‬


‫ال‬
‫تغوّ ً وحت الصحية‪ ،‬فهي تستغل احالجة امالسة للدواء‬
‫وكون حباجة للتطوير لعالج مستجدات مرضية‪ ،‬ويضاف إىل‬
‫‪،‬ذلك ما يسمى برباءة االخرتاع واالحتكار‬
‫‪31‬‬
‫وهذه اخلصائص جتعل الدواء يتمتع بقيمة عالية و جتعل‬
‫لغري الربح‪،‬‬
‫السلعة األكثر رحبية بني‬
‫فهي ترفع سعر قيم وزان‬
‫ً‍مجيع السلع‬
‫املشروعة‪ .‬فشركات األدوية ال ت‬
‫الدواء بصورة فاحشة‪ ،‬ومتنع اآلخرين من تصنيع ومنافستها‬
‫يف السعر حتت حجة "براءة االخرتاع"‪ .‬واملتضررون‬
‫بطبيعة احالل هم األفراد الفقراء‪ ،‬أو دول العامل الثالث اليت‬
‫‪.‬ال تستطيع أتمني األدوية الباهظة الثمن لسكاهنا‬
‫يف مقال عام ‪2004‬م حتت عنوان‪" :‬احلقيقة حول شركات‬
‫األدوية" للدكتورة مارشا أجنيل‪ ،‬وهي طبيبة أمريكية كانت‬
‫أول امرأة تتوىل منصب رئيسة حترير "نيو إجنالند جو رانل‬
‫أوف ميديسن" ‪ -‬أقدم جملة طبية مرموقة ‪ -‬جاء في ما يفضح‬
‫أالعيب شركات األدوية ولوبيات ضغطها ورحبها الفاحش‬
‫حيث هي أقرب إىل امالفيات اليت تقتات على بؤس املرضى‬
‫‪.‬وأمراضهم‬
‫ا يف فاتورة الرعاية الصحية‪ ،‬و‬
‫أسعار‬
‫ً‬
‫إن العقاقري هي اجلزء األسرع منو‬
‫أحياان‬
‫ً مرات عدة يف السنة‪ ،‬ا يتم رفعها بشكل‬
‫‪،‬روتيين‬
‫األدوية األكثر شيوع ً‬
‫ا من ميزانيات شركات األدوية‬
‫فيما البحث‬
‫ً‬ ‫نسبي‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫صغري‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫والتطوير‬
‫يعد‬ ‫‪ ،‬جزء‬
‫الكربى و يتضاءل أمام نفقاهتا اهالئلة على التسويق واإلدارة‪،‬‬
‫فاألسعار اليت تتقاضاها شركات األدوية غري راجعة إىل‬
‫تكاليف تصنيع األدوية‪ ،‬وميكن‬
‫خفضها بشكل كبري دون هتديد البحث والتطوير‪ ،‬وتتذ‬
‫َّرع‬
‫ِ‬
‫شركات األدوية أبهنا تدفع الكثري من النفقات لتطوير األدوية‬
‫وإجراء األحباث؛ لكن‬
‫املدقق‬
‫ّ‬
‫جيد أن ال صحة البتة مال ت َّدعي شركات األدوية‪ ،‬ففي عام‬
‫‪2001‬م‪ ،‬كانت شركات األدوية األمريكية العشر املدرجة‬
‫يف قائمة الشركات األعلى ثروة قد احتلت مرتبة أعلى بكثري‬
‫من مجيع الصناعات األمريكية األخرى يف متوسط‬

‫‪32‬‬
‫صايف العائد‪ ،‬و هبوامش مذهلة ابملقارنة مع سائر‬
‫الصناعات‪ .‬ويف عام ‪2002‬م‪ ،‬بلغت األرابح اجملمعة‬
‫لشركات األدوية العشر ‪ 35.9‬مليار دوالر‪ ،‬وكانت نفقات‬
‫صناعة األدوية على البحث والتنمية ‪ 14%‬فقط من عائدات‬
‫‪.‬املبيعات‬

‫وصناعة األدوية ال توجد فيها ابتكارات ابرزة‪ ،‬ففي السنوات‬


‫ا‪ ،‬وكانت تعتمد يف‬
‫ً يقدم للسوق‬ ‫األخرية مل‬
‫سوى عدد قليل من األدوية املهمة حق‬
‫املم‬
‫َّ‍ولة من دافعي الضرائب يف املؤسسات األكادميية‪ ،‬أو‬
‫الغالب على األحباث‬
‫شركات التكنولوجيا احليوية الصغرية‪ ،‬أو املعاهد الوطنية‬
‫للصحة‪ .‬وأغلب‬
‫مثال‪،‬‬
‫ً اكتشفت يف‬
‫املختربات‬
‫احلكومية‪ .‬ويف‬
‫العام ‪1995‬م‬
‫األدوية يف أمريكا‬
‫اكتشفت مؤسسة ماساتشوست للتكنولوجيا أن من بني ‪14‬‬
‫دواء من األدوية الواعدة يف نظر مصانع األدوية يف الربع‬

‫‪.‬األخري من القرن الفائت هناك ‪ّ 11‬مو احلكومات‬


‫دواء مت اكتشاف عرب أعمال لتها‬
‫و الصناعة الدوائية األمريكية هال حرية حتديد األدوية اليت‬
‫جيب تطويرها‪ ً ،‬على االحتكارات‬
‫املمنوحةكما أن هال احلرية يف‬
‫تسعريها؛ وهي تعتمد متاما‬

‫يف شكل براءات االخرتاع وحقوق التسويق احلصرية ‪ً -‬‬


‫املوافق عليهاحكوميا‬
‫وتستخدم ‪ (FDA (-‬من قبل إدارة الغذاء والدواء األمريكية‬
‫هذه الصناعة ثروهتا وقوهتا الستقطاب كل مؤسسة قد تقف‬
‫يف طريقها‪ ،‬مبا يف ذلك الكونغرس األمريكي‪ ،‬وإدارة الغذاء‬
‫والدواء‪ ،‬واملراكز الطبية األكادميية‪ ،‬ومهنة الطب نفسها‪.‬‬
‫فالتفرد واحلصرية مها شراين احلياة هلذه الصناعة حيث ال‬
‫جيوز ألي شركة أخرى بيع الدواء نفس فرتة حمددة إال بعد‬
‫انتهاء صالحية حقوق‬

‫‪33‬‬
‫التسويق احلصرية‪ ،‬و عندها تدخل النسخ األخرى للدواء نفس‬
‫إىل السوق‪ ،‬وعادة ما ينخفض السعر إىل أقل من‬
‫‪ 20 .‬ابمالئة مما كان علي‬

‫اللبتكار‪ ،‬فهي آلة تسويقوبدال‬


‫ً من أن تكون شركات ً‬
‫األدوية حمركا‬
‫ضخمة‪ .‬وهي تعيش على البحوث املم‬
‫َّ‍ولة من احلكومة و من‬
‫يف نظام‬
‫حقوق االحتكار‪ً .‬‬
‫الرعاية الصحية‬

‫األمريكي‪،‬أساسيا‬
‫ًومع ذلك‪ ،‬حتتل‬
‫هذه الصناعة دور ا‬
‫على حد قول الدكتورة مارشا أجنيل اليت أضافت أن من‬
‫الواضح أن صناعة األدوية حتتاج إىل إصالح جذري‪ .‬هذا و‬
‫جيب أن ميتد اإلصالح إىل ما وراء الصناعة ليشمل الوكاالت‬
‫واملؤسسات اليت اختارهتا‪ ،‬مبا يف ذلك إدارة الغذاء والدواء‬
‫‪.‬ومهنة الطب ومراكزها التعليمية‬
‫وأما قوانني محاية امللكية الفكرية‪ ،‬فهي أداة اللحتكار‬
‫والسيطرة على األسواق‪ ،‬وقد فرضتها الدول الرأمسالية‬
‫الكربى على دول العامل وشعوب لتمنع األمم األخرى من‬
‫س‬
‫االستفادة احلقيقية من االخرتاعات واألدوية اجلديدة‪ ،‬حىت‬
‫ن الكوجنرس بعد عام ‪1980‬م ا استهالكية ملنتجاهتم‪ ،‬فقد‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫تظل أسواق‬
‫ّ‬
‫سلسلة من القوانني املص‬
‫َّ‍ممة لتسريع ترمجة البحوث‬
‫األساسية املدعومة من الضرائب إىل منتجات جديدة مفيدة ‪-‬‬
‫‪ )Dole-Bayh‬ويعرف أهم هذه القوانني بقانون ابي‪-‬دول‬
‫وهو الذي ميكن اجالمعات والشركات الصغرية من احلصول)‬
‫على براءات اخرتاع اللكتشافات املنبثقة عن األحباث اليت‬
‫ترعاها املعاهد الوطنية للصحة‪ ،‬ومن مث منح تراخيص‬
‫حصرية لشركات األدوية‪ .‬وهذه القوانني تعين أن شركات‬
‫األدوية مل تعد مضطرة إىل االعتماد على أحباثها اخالصة‬
‫أللدوية اجلديدة‪ ،‬مث أصدر الكوجنرس سلسلة أخرى من‬
‫القوانني من‬

‫‪34‬‬
‫عام ‪1984‬م كانت مبثابة ثروة كبرية لصناعة األدوية‪،‬‬
‫ووسعت هذه القوانني حقوق احتكار األدوية ذات العالمات‬
‫التجارية‪ .‬والنتيجة هي أن العمر الفعلي لرباءات االخرتاع‬

‫أللدوية ذات األمساء التجارية قد زاد من حوايل مثاين سنوات ً‬


‫يف عام ‪2000‬م‪ ،‬ابلنسبة إىليف عام ‪1980‬م إىل حوايل‬
‫أربعة عشر عاما‬
‫عادة على أن عقار تبلغ مبيعات أكثر من مليار‬
‫ً‬
‫ي‬

‫املنتج الرائج‪ ،‬الذي ف َّ‬


‫عر‬

‫سنواي‬
‫ً )مثل لبيتور أو سيليربيك أو زولوفت(‪ ،‬و هذه السنوات‬
‫الست دوالر‬
‫‪.‬من احلصرية اإلضافية تعد ابلنسبة لشركات األدوية ذهبية‬

‫ومع ارتفاع أرابحها خالل الثمانينات والتسعينات‪ ،‬ارتفعت‬


‫القوة السياسية لشركات األدوية‪ ،‬فأصبحت قادرة على تغيري‬
‫ما ال يعجبها بشأن إدارة الغذاء والدواء‪ ،‬وذلك ابلضغط‬
‫املباشر أو من خالل أصدقائها يف الكوجنرس‪ .‬و بلغ إمجايل‬
‫إنفاق شركات األدوية األمريكية على مجاعات الضغط بني‬
‫سنة ‪1997‬م وسنة ‪2002‬م ‪ 477.6 -‬مليون دوالر‪ ،‬وهو‬
‫مبلغ ضئيل‬
‫ابملقارنة مع األرابح اليت حققتها حيث سجلت أهم عشر‬
‫‪.‬‬
‫شركات أللدوية ًسنة ‪2002‬م وحدها ما‬
‫يقارب ‪ 36‬مليار دوالر أرابحا‬
‫إن براءة االخرتاع واحتكار بيع األدوية هي شروط غري‬
‫شرعية يف نظر اإلسالم‪ ،‬و ال جيب االلتزام هبا‪ ،‬وهذا كفيل‬
‫بفتح السوق أمام منتجي األدوية إلنتاج كل أنواع الدواء؛‬
‫فينخفض سعر الدواء بصورة كبرية‪ ،‬ويصبح يف بسبب‬
‫حيازة َّفز‬
‫متناول اجلميع‪ ،‬بل و‬
‫الذي‬
‫ً‬ ‫العلمي‬ ‫البحث‬ ‫حي‬

‫ال يبقى متحجر ا‬


‫األفكار ومنع تداوهال‪ ،‬أو بسبب تركيزه على جماالت الربح‬
‫و‬
‫إ‬
‫م‬
‫ه‬
‫ا‬
‫ل‬
‫أ‬
‫م‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ض‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ف‬
‫ق‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ء‬
‫‪،‬‬
‫و‬
‫ق‬
‫د‬
‫ك‬
‫ا‬
‫ن‬
‫ع‬
‫ل‬
‫م‬
‫ا‬
‫ء‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫س‬
‫ل‬
‫م‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ا‬
‫خ‬
‫ر‬
‫ت‬
‫ا‬
‫ع‬
‫ا‬
‫ه‬
‫ت‬
‫م‬
‫و‬
‫أ‬
‫ح‬
‫ب‬
‫ا‬
‫ث‬
‫ه‬
‫م‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ع‬
‫ل‬
‫م‬
‫ي‬
‫ة‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ع‬
‫د‬
‫ي‬
‫د‬
‫ة‬

‫‪35‬‬
‫يبتغون األجر من هلال تعاىل ورضوان مبنفعة الناس ومل‬
‫يكونوا يركزون على القيمة امالدية‪ ،‬وال‬
‫على الربح وحده‪ ،‬بل كانوا يضعون صب‬
‫ن أعينهم إعانة الضعيف‬

‫وعالج املريض‪ .‬لكن احلضارة الرأمسالية أفسدت عناصر‬


‫البحث العلمي وتطور العلوم ومنها العلوم الطبية وصناعة‬
‫األدوية‪ ،‬وأ َّخرت من وتريت حلصر ها األهداف من األحباث‬
‫العلمية ابلربح واملنفعة‪ ،‬وصار الغش والتزوير وسيلتني‬
‫‪،‬‬
‫سواءمشروعتني‪ ،‬وصممت الدراسات لتحقيق النتائج ً‬
‫املرجوة مسبقا ابلتالعب أبعداد اماللئمني للعالج أم ابجلرعات‬
‫الدوائية ونوع اخليارات والتوصيات العالجية‪ .‬وهذه بعض‬
‫األمثلة حول العالقة غري الشرعية اليت قد تربط بعض‬
‫‪:‬األطباء والباحثني بشركات األدوية‬

‫قالت الدكتورة شارون ليفني‪ ،‬املدير التنفيذي املساعد ‪-‬‬


‫جملموعة كيسر‬
‫‪،‬‬
‫ً وميكنين‬
‫تغيري جزيء‬
‫واحد‬
‫واحلصول على‬
‫عشرينكن‬
‫صانعا‬

‫ت الطبية‪ :‬إذا‬

‫أخرى من حقوق براءات االخرتاع‪ ،‬وإقناع األطباء بوصف ً‬


‫األدوية و إقناععاما‬
‫مثال‪،‬‬
‫ً مع قرب املستهلكني للمطالبة ابلشكل التايل من عالج‬
‫بروزاك اليومي انتهاء صالحية براءة االخرتاع اخالصة يب‪،‬‬
‫؟‪،‬‬
‫فلماذا أنفق امالل على مسعى أقل ً ً والذي يبحث عن أدوية‬
‫جديدة متاماأتكيدا‬
‫عالقة ارتبط هبا املدير‬ ‫الطيب ملستشفى "ميمورايل‬
‫سلون‬
‫ف‪-‬ك‬
‫َ ش‬
‫كيتريينج" يف الوااليت املتحدة ‪ -‬الذي يعد أحد أهم مراكز‬
‫السرطان على مستوى العامل ‪ -‬مع العديد من شركات‬
‫األدوية‪ ،‬حصل من خالهال على ماليني الدوالرات؛ ما أثر على‬
‫نزاهة أحباث الطبية اليت قام بنشرها يف العديد من اجماللت‬
‫‪".‬املرموقة ومنها "نيو إجنالند جورانل" و"النسيت‬

‫‪36‬‬
‫إحدى الدراسات خلصت إىل أن أكثر من ثلث الباحثني لديهم ‪-‬‬
‫ارتباطات بصورة أو أبخرى بشركات األدوية‪ ،‬كما ذهبت‬
‫اجمللة الطبية األمريكية قبل سنوات إىل أن حوايل ‪ 60%‬من‬
‫رؤساء األقسام يف املستشفيات التعليمية لديهم عالقة ‪ -‬قد‬
‫يرتتب عليها تضارب مصاحل ‪ -‬مع َّدت دراسة أخرى للمجلة‬
‫نفسها خلصت إىل أنشركات األدوية‪ ،‬وهذا ما أي‬
‫‪.‬حوايل ‪ 40%‬من الباحثني قد تلقوا هدااي من شركات األدوية‬
‫انتقدت كلري شورت ‪ -‬و زيرة التنمية الدولية الربيطانية ‪- -‬‬
‫شركات األدوية ألهنا فشلت يف االستثمار يف األدوية اليت‬
‫تعاجل أمراض الفقراء‪ ،‬وأضافت الوزيرة أن ‪ 10%‬فقط من‬
‫األموال املخصصة أللحباث تنفق على األحباث املتعلقة‬
‫ابألمراض اليت تؤثر على تسعني يف املئة من الفقراء يف‬
‫‪.‬العامل‬

‫وهكذا مل تسلم األحباث الطبية من الغش بسبب فكرة‬

‫‪،‬النفعية يف ّحر اإلسالم الغش‬


‫ومن تزوير األحباث‬
‫العلمي‬
‫َّ‬ ‫أضر ذلك ابلتقدم‬
‫م «‪ :‬العلمية‪ ،‬قال ونزاهة األحباث‪ ،‬بينما م‬
‫ْ‬
‫الغرب‪ ،‬ف‬
‫َ ش‬
‫َن ن َفـ َلي ِم «‪ ،‬رواه مسلم‬ ‫غ َّ‬

‫عن ِ َْس‬

‫‪ ‬يضا عن أيب هريرة عن رسول هلال‬

‫أيب هريرة رضي هلال عن ‪ ،‬ورو ى مسلم أ ً‬


‫س َفـ َلي‬ ‫» ‪:‬قال‬
‫َْ‬ ‫غ َّشن‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫نم ‪‍َّ «.‬ن‍ام‬
‫و ا َْ َ َ‬

‫تداعيات كوروان وتداعي األنظمة الصحية يف العامل‬


‫تداعيات جائحة فريوس كوروان هي خري مثال على خطيئة‬
‫أوال‪:‬‬
‫ً ابلتكتم على الرأمسايل‪ ،‬فقد عاجل‬ ‫العالج‬
‫ا ابحلجر‬
‫ً ا من قبل‬ ‫الرأمساليون وأشباههم هذه املسألة‬
‫‪ :‬الصني وأتخري التحذير من ‪ .‬واثني‬

‫املوضوع‪ ،‬وخصوص ً‬

‫‪37‬‬
‫الصحي والعزل اجلزئي‪ ،‬حبيث ابت ماليني الناس مالزمني‬

‫بيوهتم ابستثناء ً القيام ابلتسوق وقضاء احالجات الضرورية‬


‫‪ :‬مع تعطيل احلياة االقتصادية‪ .‬واثلث‬
‫ا‬
‫ابلعزل شب الكامل يف البيوت‪ ،‬حيث مت إخضاع مئات‬
‫امالليني من الناس يف العامل لعزلة يف بيوهتم على أمل‬
‫حت‬
‫َّل‬ ‫احلد من انتشار فريوس كوروان‪ .‬وقد تبني أن‬
‫املشكلة ولن حتلها‪ ،‬بل زادت إىل فشل االقتصاد هذه‬
‫املعاجالت الثالث مل‬
‫فشال‬
‫ً آخر‪ ،‬مث تضاعف هذا املرض و أصاب ماليني من‬
‫البشر‪ ،‬ومات من ماليني آخر و ن وفق إحصاءاهتم هم‪،‬‬
‫وعاىن الناس من امللل والسأم يف اجملتمع الرأمسايل‬
‫واجملتمعات األخرى اليت حذت حذوه يف التعامل مع‬
‫‪.‬الوابء‬
‫و كان التعامل الصحيح مع هذا املرض هو وفق ما جاء يف‬
‫شرع هلال سبحان أبن تتابع الدولة املرض من بدايت ‪،‬‬
‫وتعمل على حصر املرض يف مكان‬
‫‪،‬‬
‫يف‬
‫ً‬ ‫األصحاء‬ ‫ويستمر‬ ‫ابتداء‪،‬‬ ‫املعدي‬
‫ً‬ ‫وهكذا يعزل املرض‬
‫يف مكان ‪ ،‬وحيجر على املناطق األخرى يف العمل‬
‫‪...‬واإلنتاج‬ ‫املرضى صحيا‬
‫نشوئ‬

‫ن‬
‫ويتابعو َ‬
‫ابلرعاية والعالج جماان‪،‬‬
‫ً ويستمر األصحاء يف عملهم‪ ،‬وتستمر‬
‫احلياة كما كانت علي قبل املرض املعدي‪ ،‬ال أن تتوقف حياة‬
‫استفحاال‬
‫ً وتظهر ت احلياة‬ ‫الناس العامة ويعزلو ا يف‬
‫االقتصادية أو تكاد فتزداد األزمة‬
‫البيوت‪ ،‬ومن مث شل‬

‫!‪...‬مشكالت أخرى‬
‫لقد كشف انتشار وابء كوروان يف العامل عمق الزيف الذي‬
‫تقوم علي الرعاية الصحية وألهر قلة خمصصات الدول‬
‫للسياسات الصحية‪ ،‬وأابن عن مقدار ضعف إمكانيات‬
‫املستشفيات وجاهزية القطاع الصحي يف استيعاب األعداد‬
‫املتزايدة من املرضى احملتاجني للعناية املركزة وأجهزة‬
‫التنف ‪ ،‬و يف توفري‬

‫‪38‬‬
‫الوسائل الوقائية البسيطة من ألبسة واقية طبية ومواد التنظيف‬
‫والتعقيم‪ .‬فال عجب أن تنهار منظومات هذه الدول الصحية‬
‫وتعجز عن مواجهة انتشار هذا الوابء‪ .‬وحىت الوااليت‬
‫املتحدة اليت تتصدر دول العامل يف جماالت‬
‫فشال‬ ‫العلمية الطبية فشلت‬
‫ً‬ ‫مواجهة‬ ‫يف‬ ‫‍ذريعا‬‫ً‬
‫التكنولوجيا الطبية و البحوث‬
‫ا عن التعامل مع حبيث بدت وكّأهنا دولة‬
‫ا واضح‬
‫ً‬ ‫عجز‬ ‫عجزت‬ ‫و‬ ‫كوروان‬ ‫مرض‬ ‫ً‬
‫‪.‬مما يسموهنا دول العامل الثالث‬
‫وقد فتح الباب جراء هذه الكارثة الوابئية على مصراعي أمام‬
‫شركات التجارة الصحية‪ ،‬املتمثلة بشركات األدوية والبحث‬
‫العلمي على إنتاج األدوية وجتريبها على املصابني‪ ،‬والتناف‬
‫على صناعة اللقاح‪ ،‬وفتح أسواق جديدة للمضاربة واالحتكار‬
‫واستغالل النفوذ لتحقيق مكاسب ابملليارات مع احتكار‬
‫التوزيع‪ .‬وتعد محلة التطعيم العاملية احاللية ضد وابء‬
‫‪،‬كوروان األكرب يف التاريخ‬

‫دولة‬
‫ً‬ ‫وقد مت استخدام أكثر من ‪ 2.5‬مليار جرعة يف ‪180‬‬
‫حول العامل ‪ -‬وفقا للبياانت اليت نشرهتا بلومبريغ‪ ،‬وهو ما‬
‫ا؛ حيث مت تطعيم‬
‫يكفي لتطعيم ‪ 16.4%‬من سكان العامل‬
‫البلدان ذات متفاوات‬
‫ً جد بشكل كامل‪ ،‬غري أن التوزيع كان‬ ‫ً‬
‫الدخل املرتفع أسرع من البلدان ذات الدخل األدىن أبكثر من‬
‫‪ 30‬مرة‪ .‬وتتوقع شركة فايزر أن تصل مكاسبها السنوية إىل‬
‫‪ 26‬مليار دوالر؛ إذ ارتفعت أرابح الربع األول من عام‬
‫‪2021‬م عما كانت علي عام ‪2020‬م بنسبة ‪ 44%،‬وابملثل‪،‬‬
‫تتوقع موديران حتقيق ‪ 18.4‬مليار دوالر لتحصل بذلك للمرة‬
‫األوىل على أرابح مبليارات الدوالرات‪ .‬وارتفع سعر سهم‬
‫شركة موديران إىل أكثر من ‪ 700%‬منذ شباط‪/‬فرباير‬
‫"‪2020‬م‪ ،‬يف حني ارتفعت "بيونتك‬

‫‪39‬‬
‫بنسبة ‪600%‬؛ ونتيجة لذلك أوجدت جائحة كوفيد‪ -19‬ما ال‬
‫يقل عن ‪ 9‬مليارديرات جدد بعد ارتفاع أسهم‬
‫‪.‬الشركات املنتجة للقاحات‬
‫الصحية الرأمسالية‬
‫وأصبح‬
‫ًحدا كبريا ً‬ ‫وفسادها‬
‫لقد وصل سوء الرعاية‬
‫املعافاة ماثال‬
‫ً‬
‫فعال‬ ‫يبحثون عن سياسة رعاية‬
‫ً‬
‫صحية حتقق‬
‫للعيان‪ ،‬وصار الناس‬
‫والطمأنينة والرمحة والعدل‪ .‬والبديل الصحيح هلذه الرأمسالية‬
‫املتوحشة هو اإلسالم‪ ،‬فهو مينع خصخصة الرعاية الصحية‬
‫وحيصر رعاية الشؤون بيد هنبا للرأمساليني‪ ،‬بل ترعاه دولة‬
‫اخاللفة‬

‫اخلليفة‪ ،‬فال يكو ن القطاع الصحي ً‬


‫‪.‬ابحلق والعدل وتوفر الرعاية الصحية لرعاايها جماان‬
‫ً‬

‫نظرة اإلسالم إللنسان واجملتمع املتعلقة ابلرعاية‬


‫الصحية‬

‫جاء اإلسالم بنظام شامل كامل‪ ،‬ينظم مجيع أعمال اإلنسان‬


‫يوافق الفطرة‪ ،‬و يتالءم مع ما‬
‫ً‬ ‫االلزمة ً‬
‫صحيحاإلشباع غرائزه وحاجات‬
‫العضوية‪ ،‬إشباعا‬
‫جيب أن يكون علي اجملتمع اإلسالمي‪ .‬وحذر من خمالفة هذا‬
‫النظام ألن ذلك‬
‫يؤدي إىل الفساد‪ ،‬فعن ابن عمر رضي هلال عنهما عن‬

‫قال‪َ » :‬اي ‪ ‬رسول هلال‬


‫ر ِ‬
‫َمل‬ ‫ِ‬
‫َّّللِ ُُ‬ ‫ْ ِد ُركوهت‬ ‫َّنِِ‬ ‫ْخ َذاإَ‬
‫ِ‬
‫َأ ْن َّن؛ اب‬ ‫ع‬ ‫ِاه‬
‫ِل‍ت‬ ‫ج‍رين َ َُ ب و ُذَأ َ ُِ‬
‫‍و‬ ‫ِ‍‬
‫‍ابـْ‬
‫ميت ُ ْ ُ‬
‫شرع‬
‫ْظ َ‬
‫هتَ‬ ‫‍م َْ‬
‫ََ‬ ‫‪،‬‬
‫ْ‬
‫س ا ْلم‬
‫ِ‬ ‫ل‍ع‬ ‫م‬ ‫َُ‬
‫ِ ف ُون‬ ‫ْ ُ‍يـ وا‬ ‫ْ‬ ‫شة َ‬
‫فاحِ‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫يتَِّ‬ ‫اعالطَُّ‬ ‫ف َشاَّ‬‫َق َّّ َ‍ح ال َ‬
‫اع ‍و‬ ‫ِ ِ‬
‫َُْ‍جاْأَ‍ل َ‬ ‫يف ا ِلْ ي‍هم ِب إ‬
‫ِ‬ ‫مل‬
‫و ال ْ‬ ‫َ ن ُا‬ ‫َْ ال ُأ ُذواو َّإ‬
‫ملَ‬ ‫قنـ ل‬
‫ْكي ْ‬
‫ضوم َْ َ‍يـ ا َ َ ُ‬
‫َ‬
‫خِ‬ ‫َّ‬ ‫م ِيف‬
‫ينال ا‪َ ،‬ذِ‬
‫ض‬
‫ن ا ْلمَِ‬ ‫ط َقـو‬ ‫ُص و وا‬ ‫تَ‬
‫ْت َ‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ِ ِ‍الف‬
‫َيزا ْلمَ‬ ‫ْهمَ ْ‍َأس‬
‫ِن‬ ‫َأ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‍م‬
‫ع ُُ‬ ‫ال َّم‬
‫ال ‪،‬‬ ‫ر ِ‬ ‫ني‍نَ دة ِ ِ‬
‫ِاِل‬ ‫‍و ون ِ َة‬
‫َش َّ‬ ‫ِ‬
‫‍و‬
‫مِ َْ ْ‬ ‫ابلس‬
‫هم‍يِ‬
‫ْ‍َ‍ل َْ‬ ‫ْس َ‍‬
‫لط‍انِ‬ ‫كنُ َْ‬
‫إ وا‬
‫َع‍ي‬
‫َ ْ َ َنـ‬
‫َزكاةَ‬
‫مل‬
‫و وا ُ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل َ‬
‫مؤ‬
‫و‬
‫عْ‬ ‫جو‬
‫ََ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِول‬ ‫هع‬ ‫ِائ‍ه‬
‫د ا َّّللَِ ْ ه َُسر‬ ‫َ َ‍و‬ ‫د َيـ ْ‬ ‫م َ َ‍ا ْل ُبـ‬ ‫َّسم‬
‫َّ ِ‬ ‫الِ‬ ‫اء‬ ‫ِ‬
‫ال‍إ‬ ‫َال ‪َ ،‬‬ ‫‍م‬
‫نْ‬
‫قنـ‬
‫هع‬
‫َ‬ ‫َُ ْ‬
‫ي َ َ‬
‫‍ط ُر ْ ض ُو‬ ‫ْ‬
‫وا‬
‫مل‬ ‫‍و‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫واَ‬
‫‪،‬مل ْ‬ ‫َ‍ل َ ْو‬ ‫قطرا ََلْ‬
‫ا ت‬ ‫ِ‬ ‫لل‬
‫ْ َْ‬
‫ُكم‬ ‫وْ‬ ‫‍ري ْه‬
‫مْ ِ‬ ‫هم‍ي ِ‬ ‫َّ‬ ‫ا َّّ ُ س‬
‫ِهم َِأ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‍َ‍ل َ ْ‬
‫‍ع‬ ‫طلَ‬
‫ي‬
‫ِيف ي ْد ْ‬ ‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫‍م‬
‫نْ‬
‫ملَ‬ ‫ع‬
‫م‬
‫َ‍بـ ا‬ ‫خ َغ َ‬
‫ُذوا‬ ‫دوع ُا َ‬
‫ََ‬
‫ض َف ََأ ْ‬
‫‪40‬‬
‫لل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ِ ِ‬ ‫م‬
‫‍متـِْ َت‍ك‍ب ا َّّلل وا ِ م َلِ َ ال ا َّّ ُ‍إَّ‬
‫‍ُ ُ‬ ‫‍‬
‫ه‬‫َّ‬
‫لل لع مه‍س م‍هنـ‍يـ‬ ‫َأ ِ ‍ـرت‍يـ‬
‫«‬
‫َب َ ْ َ‍بـ ُْ‬‫َْ َ ُْ‬ ‫زَأ ْنـ ا َّّ ُ ج ََ َ‬ ‫‍و َُ‬ ‫ب ئ خَّ‍ي َ َ َ‬
‫رواه ابن‬ ‫َّا‬
‫ماج يف سنن واحالكم يف مستدرك وقال‪) :‬صحيح اإلسناد(‪.‬‬
‫ومن اجمالالت اليت نظمها اإلسالم واعتىن هبا الرعاية‬
‫الصحية والتطبيب إذ هي من املصاحل‬
‫ِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫واملرافق اليت‬
‫ب ْرسِ‬ ‫ن ْْ‬
‫كمن‍م ُ‬ ‫«‪:‬‬ ‫َْ‬ ‫نم‬
‫ِ‬ ‫ال يستغين عنها‬
‫يف آم اِ‬ ‫ح‍صب ََأ‬
‫ْ َ‬
‫الناس‪ ،‬قال‬
‫ِم‍وِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يزَِ‬ ‫هْ َ‬ ‫ع‬
‫هدَ ت ُ‬
‫قُو‬
‫دنـ « رواه‬ ‫ا‬ ‫ف اَكَأ‬ ‫َّ‬
‫ْيال ُ‬ ‫ت َّنَ يـ َ ْ‬
‫الرتمذي وقال‪:‬‬ ‫ف‍ع‬
‫ا َ ُ‍م ِيف‬

‫ح َله َ‬
‫دهنج‬
‫َُ‬ ‫سَ‬

‫هذا حديث حسن غريب(‪ .‬وجعل اإلسالم احمالفظة على نف)‬


‫اإلنسان وعلى العقل وعلى نوع اإلنسان وعلى الكرامة‬
‫‪:‬اإلنسانية واألمن ضمن األهداف العليا الثابتة لصيانة اجملتمع‬

‫بغري‬
‫ً‬ ‫فتحقيقا حلفظ النفس‪ ،‬حرم اإلسالم قتلها و االعتداء عليها‬
‫لل وس‬
‫َّن القصاص‪ ،‬قال تعاىل‬ ‫‪: ﴿‬حق‪َّ ِ ،‬نا َّّ َ‬
‫وقال﴾ ‪  ‬‬

‫إ «‪:‬‬
‫ال َّناس ا ِيف‬ ‫ِع‬ ‫َّ‬
‫‍يـ‬
‫‍ذِ ب ذَ ُ ُ‬
‫ين َ‬
‫ِع‬
‫‍يـ‬
‫ب ذَ ُ ُ‬
‫بعض ماال‬
‫رواه‬
‫َْ‬ ‫يدنـ «‬
‫َون ال‬
‫َ مسلم‪ ،‬و‬
‫رخص‬
‫إللنسان‬
‫‪: ﴿‬حرم علي حلفظ نفس من اهاللك‪ ،‬قال تعاىل‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ﴾،‬‬

‫‪ :‬وأعطى هلال احلق إللنسان أن يقاتل دون نفس ‪ ،‬قال‬


‫ي‬
‫د َ‬
‫ُ د فـه َُو وقال‪ :‬ش َ‬
‫«‬
‫ِ‬ ‫)حديث‬
‫هي‬ ‫نم‬
‫حسن‬ ‫ِ ِ‬ ‫«‬ ‫‍و‬
‫رو‪،‬‬ ‫‍مد‬ ‫هَ‬ ‫َ َْ‬
‫اه‬ ‫لقُت َون َِ‬
‫الرتمذ‬
‫‪(.‬صحيح‬
‫وحلفظ العقل‪ ،‬فقد أنزل اإلسالم العقل منزلت املرموقة اليت‬
‫تليق ب ‪ ،‬فجعل مناط التكليف‪ ،‬وحث على استعمال ‪ ،‬فطلب‬
‫التدبر والتفكر للوصول إىل العقيدة الصحيحة اليت يقتنع هبا‪،‬‬
‫وطلب من االجتهاد للوصول إىل احلكم‬
‫‪:‬الشرعي‪ ،‬ورفع اإلسالم من منزلة العلماء‪ ،‬قال تعاىل‬
‫‪﴿ ‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ﴾،‬‬ ‫وحرم كل ما‬
‫من شأن أن يؤثر على‬
‫عمل‬

‫‪41‬‬
‫العقل‪ ،‬كشرب اخلمر وتناول املخدر وامتهان السحر‪ ،‬وشرع‬
‫‪.‬عقوابت على من ا للعقول‬

‫يتعاطى ذلك حفظ ً‬


‫و للمحافظة على نوع اإلنسان‪ ،‬فقد ندب اإلسالم إىل تكثري‬
‫فحث على تزوج الودود الولود‪ ،‬وحرم اخلصاء‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫النسل‪،‬‬
‫وحافظ على النسب فحرم الزان ورتب علي عقوبة زاجرة‪،‬‬
‫وأوجب النفقة على املولود ل ‪ ،‬وحث على تربية األبناء‬
‫الرتبية الصاحلة‪ ،‬وال سيما البنات فهن ركن أساسي يف بناء‬
‫األسرة وتربية‬
‫ال‬ ‫» ‪:‬قال األطفال‪ ،‬فعن أيب‬
‫ُث َل َُ‬
‫هث‬ ‫هريرة رضي هلال‬
‫نم ُك َْ‬
‫َّن‬ ‫‪ ‬عن أن الرسول‬
‫‍مح ِ‬‫ِ َ‬ ‫ل‬ ‫َ لل‬
‫ِ َّن ه‍ْ‍ت َ‍رب‬ ‫قف َ ق ‪ :‬اَ ايهإ «‪ ،‬اَلَُّ‬
‫ََ‬ ‫َّنة ا َّّ ُ‬
‫ائ ِ ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ ن‬ ‫تان‬
‫خ َلهَأ َد ْ‬ ‫ََأ ْلو و ه َّن َ‬
‫‍ائ‬ ‫صبـف‬
‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‍ل‍ىع ه َّ‬ ‫َ َ‍بـ‬
‫ض‬
‫ْجل‬
‫ا َ‬ ‫َّ َُ‬
‫‍ر‬
‫ِ‍ت‍نـ‬ ‫س‬
‫للََِّّ‬ ‫ِ لل اَلََّّ انَ َ ْ‍ابـ «‬ ‫َ‍ر ؟‬
‫ل‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ا ‪َ :‬جر ِ‍ت‍ن اب‬
‫اَ َ‍ق‬
‫اي َو َ‬ ‫» ‪ :‬ق انَ َ‬
‫س‬‫ِإ ِ‬ ‫َ‬
‫‪‍َ ،‬ر‬‫ن َو‬ ‫َو‬ ‫ل‬
‫ل‬ ‫‪َ :‬جر‬
‫ا‬ ‫اي َو َ‬
‫ِ‍و‬ ‫َ اَل‪ » :‬ة‬
‫احَ َو «‪ ،‬رواه احالكم يف‬
‫؟ ِ‍و‬
‫َ‬ ‫ة‬
‫َداحَ مستدرك وقال‪) :‬حديث صحيح‬

‫ق‬
‫دو َ‬
‫‪(.‬اإلسناد‬

‫و حفظ اإلسالم الكرامة اإلنسانية فكرم هلال اإلنسان منذ خلق‬


‫‪:‬حيث طلب من اماللئكة أن يسجدوا آلدم‪ ،‬قال تعاىل‬
‫‪﴿  ‬‬
‫‪‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬

‫ً ‪‬‬ ‫‪:‬مما خلق‪ ،‬قال تعاىل‬


‫وسخر ‪﴿  ﴾،‬‬
‫ذلك اإلسالم ‪ ‬ل كثري ا‬
‫‪ ،﴾...  ‬أكد مث‬
‫‪   ‬‬
‫إنساان للم من ضرب‬
‫ً ‪ ‬‬ ‫َ حني حرم‬ ‫ً‬
‫ضرب اإلنسان بغري حق‪ ،‬وأنذر ابللعنة‬
‫‪،‬ا‬
‫و حرم اإليذاء املعنوي إللنسان‪ ،‬فحرم السخرية من ‪،‬‬
‫واغتياب ‪ ،‬وحرم اهلمز واللمز والتنابز ابأللقاب‪ ،‬وشرع حد‬
‫اجللد مثانني جلدة للذين يقذفون احملصنات ابلزان‪ ،‬وشرع‬
‫عقوابت تعزيرية ملن طعن بكرامة الناس أو شهد عليهم‬

‫‪42‬‬

‫يكت اإلسالم حبماية كرامة اإلنسان يف حيات ‪ ،‬بل كفل ل‬


‫ِ‬
‫االحرتام ف زور ا‬
‫‪،‬‬
‫ومل ً‬
‫بعد ممات ‪ ،‬فشرع غسل وتكفين ودفن ‪ ،‬وهنى عن االعتداء‬
‫على جثت ‪ ،‬فعن‬
‫ِ‬ ‫ره‬ ‫‪ ‬النيب‬ ‫ابن حبان‍‍ح ا‬
‫ِ‬ ‫َكس‬ ‫َْك‬
‫ِ‬ ‫» ‪:‬قال‬
‫تعِ‬ ‫‪ .‬يف صحيح ي‬
‫َ «‪ ،‬رواه‬
‫عائشة‪ ،‬عن‬ ‫ْ‬
‫ي‬
‫َ‍الم‬
‫ر‬
‫ِْظم َكس ُ َْ‬

‫وحف ُظ األمن يف اإلسالم من احلقوق األساسية العامة فقد‬


‫شرع اإلسالم حد احلرابة للذين يلّون ابألمن‪ ،‬فيقطعون الطريق‬
‫‪:‬ويعتدون على األموال أو األنف ‪ ،‬وييفون الناس‪ ،‬قال تعاىل‬
‫‪﴿  ‬‬
‫‪‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫و ‪‬‬ ‫تعزيرية عقوابت شرع‬
‫‪،﴾...   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫عن ‪‬‬ ‫رادعة للذين يلون ابألمن‬
‫طريق الفنت أو الشائعات املرعبة‪ .‬وتوفري األمن رتط يف‬
‫دار اإلسالم أن‬

‫واألمان للرعية من واجبات الدولة الرئيسة‪ ،‬بل اش‬


‫تكون قادرة على حفظ أمنها بقواهتا؛ وهلذا فإن رسول هلال‬
‫عندما أخرب املسلمني بدار هجرهتم ذكر األمن أول ما ‪‬‬
‫ألصحاب يف مكة ‪ ‬ذكر‪ ،‬فقال‬
‫د‬ ‫اان‬ ‫ِ‬
‫واََ‬ ‫ل َ ُكم‬ ‫ا َّّلل ََّز‬
‫فيما رواه ابن‬
‫عل‬
‫جْ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫إسحاق يف‬
‫لع‬ ‫سريت ‪َّ » :‬نإ‬
‫ِ خوإ َْ‬
‫ار‬ ‫ََ‬ ‫جو‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫بكر‪ ،‬قالوا‬
‫األنصار‬
‫ِ‬ ‫ب «‪ ،‬وعندما استقبل‬
‫نن‍م‬
‫َو َْ َُ وصاحب أاب ‪ ‬رسول هلال‬
‫َ ِ‬ ‫هلما‪ ،‬كما رواه أمحد‬ ‫أن ‪ » :‬ا ‍ه‍قبـ‍تـ‬
‫ْ‬
‫سمائةخ‬ ‫َُمَ‍ل َْ َ ‍ْ َفاس‬
‫اء‬ ‫إبسناد صحيح عن‬
‫هز‬
‫َُ ُ‬
‫ت َا َ‬
‫آمْ‬ ‫حت ا ْوه‍تـانـ ا ُ ق األنصار‪َ :‬ا‬
‫ِ ِ ني َ‬ ‫نَِ‬ ‫َ َْ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬
‫َط ْ‬
‫الن‬ ‫‪َ «.‬ط ُ‬
‫اعم‬ ‫ص م ِا ْ َ‬
‫ن‬‫ل‬ ‫اأ‬
‫ِ‬ ‫هم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فقالت‬ ‫َ‬
‫‍‬
‫ل‬
‫ْ‍يإ ‪.‬‬‫‍‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫‍نـ‬
‫ني ْ‬
‫و بتطبيق اإلسالم تزول األجواء اليت أدت إىل لهور آفات‬
‫العقيدة الرأمسالية الفاسدة واضطراابهتا وتداعياهتا مثل فقدان‬
‫املعافاة الصحية والبدنية والنفسية‪ ،‬ألن اإلسالم ال كبت في‬
‫لغريزة التدين‪ ،‬بل في توكل واعتماد على هلال سبحان‬

‫‪43‬‬
‫وتعاىل يف كل األعمال‪ ،‬وال إطالق في للغرائز واحالجات‬
‫ي‬
‫ل هبذه بل إشباع منظم مقيد ابألحكام‬ ‫العضوية واحلرايت‪،‬‬
‫الشر عية‪ ،‬وعقوابت زاجرة جابرة ملن األحكام‪ ،‬وتنظيم دقيق‬
‫من اخاللق املدبر حلياة الناس‪ ،‬ومعامالهتم كأفراد ومجاعات‬
‫ودولة؛ فيغيب عن مظاهر احلياة ضنك العيش من عوز وفقر‪،‬‬
‫واكتئاب وانتحار‪ ،‬وزان و أسر مفككة‪ ...‬وتسمو في القيم اليت‬
‫جاء هبا اإلسالم وهي القيم الرو حية واألخالقية واإلنسانية إىل‬
‫برضوان هلال وهو يعلم أن‬
‫جانب القيم امالدية؛ وتغيب عن ً‬
‫مراقب‬
‫ّ اجملتمع الفردية اأالننية ويعيش اإلنسان‬
‫مطمئنا‬
‫وحماسب يوم القيامة‪ ،‬فتكون التقوى واخلوف من هلال تعاىل‬
‫الرادع عن الرذيلة والفحشاء واملنكر‪ ،‬و يعلم املسلم أن ما‬
‫يصيب من داء بعد ذلك فقد جعل هلال ل دواء‪ ،‬فيحرص على‬
‫معاجلة املرض والبحث عن الدواء املناسب‪ ،‬وتعمل الدولة‬
‫على رعاية صحة الناس فرتتقي أبفضل ما توصل إلي العلم‬
‫وتسمو على سائر األمم‪ .‬ويكفي أن نعلم أن املستشفيات يف‬
‫لل الدولة اإلسالمية مل تكن‬
‫لقاء اخلدمات الطبية‪ ،‬ومل‬
‫يل مشفى من أدوية أو‬
‫تطلب من املريض أي مال‬
‫مستلزمات طبية‪ ،‬بل فوق ذلك كان للمشفى جامعة اتبعة ل‬
‫لتدريب األطباء و توفري حاجتهم من املسكن وامللب‬
‫وامألكل والرتحال‪ ،‬وكانت بالد الغرب‬
‫ترسل أبناءها‬
‫لتعلم الطب على أيدي اخلرباء‬
‫‪،‬األطباء يف الدولة اإلسالمية‬
‫وكانت الدولة تكرم األطباء واملعلمني مال يقومون ب من دور‬
‫مهم يف رعاية شؤون الناس الصحية‪ ،‬وكل ذلك كان ألن‬
‫اإلسالم جعل الصحة والتطبيب من احالجات األساسية اليت‬
‫جيب على الدولة اإلسالمية أن توفرمها لرعاايها‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫«‪:‬‬
‫ام‍اْإل ا ع ِم ‍هَّ‍ي‍تعَ‍ر «‪ ،‬أخرج‬
‫َ‬
‫بقول الرسول‬
‫‪.‬عمر جماان عمال‬
‫َْ‬ ‫نع‬ ‫ًُ‬ ‫ً‬
‫لئ‍سم‬ ‫‪ 44‬البخاري عن‬
‫َ ر و َْ َ‍و ُ‬
‫عبد هلال بن‬
‫الصحة يف نظر اإلسالم‬

‫ا الرباءة‬
‫الصحة والرعاية‬
‫ِ‬
‫‪ ،‬م الصحة يف اللغة خالف‬
‫الصحية يف نظر اإلسالم‬
‫ال و هي ذهاب املرض‪ ،‬وهي أيض‬
‫سق ً‬
‫من كل عيب وريب‪ ،‬والصحة يف البدن حالة طبيعية جتر ي‬
‫أفعال معها على اجملرى الطبيعي‪ .‬ويف االصطالح احلديث‬
‫ا َّتسع مفهوم الصحة‪ ،‬فبعد أن كان ينظر إىل الصحة على أهنا‬

‫حالة من الوالئف الطبيعية ميكن أن تتعطل من ً أبهنا حالة من‬


‫املعافاةوقت آلخر بسبب املرض؛ صارت تعرف الصحة‬
‫حديثا‬
‫البدنية والنفسية واالجتماعية‪ ،‬ولي جمرد غياب املرض أو‬
‫االعتالل‪ .‬ووفق ذلك فإن الصحة اجليدة أو السيئة هي حالة‬
‫مستمرة الفاعلية‪ ،‬وعدم وجود مرض أو اعتالل ليسا كافيني‬
‫‪.‬وال ضروريني لوصف حالة صحية أبهنا جيدة‬
‫ب‍غ ِ‬
‫وعد ً َ فيها‬

‫ً‬‫الصحة عظيمة‬
‫نعمة‬ ‫الصحة أبمهية ابلغة‬

‫وقد نظر اإلسالم إىل ّ‬


‫كثري من الناس‪ ،‬فقد روى البخاري يف صحيح عن ابن‬
‫ِ‬ ‫فوالْ‬
‫عباس أن رسول هلال را ُغ« أي صحة ََ َ ص َُ‬
‫َّحةن ال َّنا ِس؛‬
‫كث ِ ِ ن فمغ‍ب ِامت‍عِ‬ ‫ِِ‬
‫ْ َن َ َ ْ‬ ‫‍و‬
‫َي‍هُ‬ ‫َ‬ ‫ريما‬ ‫قال‪» :‬ن البدن والنف ‪‬الم‬
‫وقوهتما‪ ،‬والفراغ؛ أي خلو اإلنسان من مشاغل العيش ومهوم‬
‫احلياة‪ .‬ويف احلديث الرتغيب يف استغالل النعم من صحة‬
‫م َ ْخساِن‬
‫ْ َ‬ ‫املؤمنني أيضا على ‪‬وفراغ وغريمها‪ .‬وحث‬
‫ا ْغت «‪ :‬اغتنام الصحة قبل زواهال‪ ،‬فقال‬
‫َ‬ ‫ِ كاء ِ‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬
‫ـب‬
‫َْ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫‍و‬
‫َنغَ َ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫قم‬ ‫َ‬ ‫ـب‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫ك‬ ‫‪،‬‬ ‫َرِ‬
‫‪َ ،‬ف ْـق َِرك‬ ‫حت ِ‬
‫‪:‬س ص َّ َ‍و‬
‫‪،‬‬ ‫خ‬
‫َْل‬ ‫ك َقـب ََ َْ َ‬

‫َْل ك ه َك َق َ‬
‫ـب َ‬

‫ِ‬ ‫ت‍و‬ ‫ش كغ ِ‬
‫ْ َم «‪ ،‬رواه‬ ‫‍ل املستدرك وقال‪َ :‬ك‬
‫ََ ْ ُ‬

‫احالكم يف‬ ‫َقـب‬ ‫َْل‬

‫اب‬
‫ََ‍شب‬
‫و‬ ‫َ َ‍ـر‬
‫َْل‬ ‫‪َْ ،‬ل‬ ‫كاغ‍ ‍ف َ‬
‫َ‬
‫ك َق َ‬
‫ـب ات‍ي‬ ‫و‬
‫َ ََ‍ح‬
‫هذا حديث صحيح على شرط الشيخني(‪ .‬كما حث)‬

‫‪ ‬الرسول‬ ‫‪45‬‬ ‫املؤمنني‬

‫على سؤال هلال سبحان املعافاة‪ ،‬وجعلها خري األمور بعد‬


‫ِ‬
‫ِ فيما َْلثم ني ‪ ‬اليقني فقال‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ا َّّلل‬ ‫‍وا رواه ابن‬
‫َ‍ا ْلي‬ ‫د يـ َ‬ ‫‍لُ َ‬
‫َ َع‬ ‫حبان يف‬
‫َأح‬ ‫ِ‬ ‫اة‪‍ُ ،‬ا ْلم‬
‫اف َ‬
‫َّ‍ن‍ه‍ َف ُإ‬ ‫صحيح ‪» :‬‬
‫طع‬
‫مل َ ْْ َُ‬ ‫سَ‬
‫ِ‬ ‫‍اةع‬
‫اَ‍ف َ ُ‍ا ْلم «‪ ،‬واملعافاة تشمل سالمة الدين من الفتنة وسالمة‬

‫ال‬
‫بد‬
‫ن‬
‫م‬

‫نْ‬

‫دع‬
‫َ َ‬

‫بـ‬
‫ِ‬
‫مَِ‬
‫ا َّتـ‬ ‫س‬ ‫األسقام‬ ‫علي الصالة‬
‫ََْ‬
‫ِ‬ ‫والسالم‪َ» :‬ال واحملن‪ ،‬وقال‬
‫ن اب ْلغِ‬
‫‪،‬ق ل َ‬
‫ى‬
‫َب‬
‫ن َ‬
‫ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‍م ِ‍ي‍م‍ال َّنع َ‬
‫«‪،‬‬ ‫نِ يط‍و ال َّن ْـف ِ‬
‫رواه احالكم‬
‫ِ ق ل ىَ‬
‫يف‬
‫ُ ِال‬
‫ب ا ْل ُغ‬ ‫حة ص َ‍وَّ‬
‫خيـ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن َم‬ ‫ْر‬ ‫ِ َ‍م‬
‫ا َّتـ‬
‫مستدرك وقال‪) :‬هذا حديث مدين صحيح اإلسناد(‪ .‬وكان رسول‬
‫كثريا ما يتعوذ من سيئ األسقام‪ ،‬فقد روى أبو داود ‪ ‬هلال‬

‫قال‪» :‬اللَّ ‪ ‬عن أن بن مالك رضي َ هلال عن أن النيب‬


‫ِن جل‬ ‫ص‪،‬م ِ ُ ب‬
‫ون ُ‍ا ْ َُ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َك ُِوذ‬ ‫نِ‬
‫ِ ذا جل‬ ‫َأ ِ‍ه‬
‫م‪،‬و َ ُا ْ َ‍و‬ ‫ع َّ‍م إ‬
‫ُِ‬
‫ر‬
‫‪َ ،‬ا ْلبـ‬
‫ِي‬
‫ئ ََ‍سِ‬
‫ِ‬
‫مْ و َقا ْاأ َلس « رواه ابن حبان يف صحيح ‪ .‬مث إن نعمة الصحة‬
‫مثل سائر‬
‫يسأل عنها املرء يوم القيامة ويف ذلك أتكيد على أمهيتها‪،‬‬

‫ف‬
‫قد‬

‫قا‬

‫ل‬

‫ر‬

‫س‬

‫و‬

‫ل‬

‫ال‬

‫نع‬

‫م‬
‫ِم‍ا ِم الْ‍وـ‍د يب‍ع ِ‍ب ب‍سايما‬ ‫‍هـ‬ ‫َ مل‬ ‫ِ‬
‫َ َُُ َ ََّو َلِ‬ ‫ْ َه الُِْ‬ ‫ك‍ص َّح أَل ْ‪ََ :‬أ َُقا َل َ‍ل ُ‍ة َأ ْن ي َ َقي َ ْ َُ‬
‫إ «‪َّ :‬ن َأهلال‬
‫ِ‬ ‫اء ْ ِ وقال‪) :‬حديث‬
‫ِاردَا ْلب «‪.‬‬ ‫َالم‬ ‫ِ َوكِ‬
‫صحيح‬
‫رواه احالكم‬ ‫ِ‬
‫‍م‬
‫نَ‬
‫كم‬
‫‍جس‬
‫ْ ََ‬
‫‪(.‬اإلسناد‬ ‫الرعاية الصحية‬
‫يف اإلسالم‬
‫ر‬
‫َأ َ ْو‬

‫أما الرعاية الصحية‪ ،‬فهي القيام على صحة الرعية مبراقبتها‬


‫وحفظها وتدبري شؤوهنا مبا من شأن أن يوصل إىل العافية‬
‫اجلسدية والسالمة النفسية‪ .‬وهي تشمل الوقاية من األمراض‬

‫قبل أن تقع‪ ،‬ومتابعتها وعالجها إن وقعت‪ً ،‬سواء على صعيد‬


‫الفرد أم اجملتمع‪ .‬وينظر إىل الرعاية الصحية على أهنا عمليا‬
‫رعاية فعالة ومستمرة حتقق النظرة إىل ما جيب أن يكون علي‬
‫الفرد واجملتمع يف‬

‫‪46‬‬
‫اإلسالم من إشباع حاجة الفرد من التمتع ابلصحة اجلسدية‬
‫والنفسية ومتكين من القيام بواجبات الشرعية‪ ،‬وإىل ما جيب‬
‫أن يكون علي اجملتمع اإلسالمي والدولة اإلسالمية من رقي يف‬
‫ابتكار أحدث األساليب والوسائل وأفضل ما توصل إلي العلم‬
‫والبحث العلمي يف حتقيق هذه الرعاية‪ ،‬وحتقيق اجالهزية‬
‫حلمل رسالة اإلسالم للبشرية ابلدعوة واجلهاد‪ .‬وقد جعل الشرع‬
‫الرعاية الصحية من‬
‫ِ ِ ِ‬
‫‪ «،‬ه‍َّ‍ي‍تعَ‍ر‬ ‫َْ‬ ‫نع‬
‫ِ‬ ‫ام‬ ‫لئ‍سم‬ ‫مباشرة‪ ،‬فقال مسؤولية الدولة‬
‫َ‍اْإل ا ع ُم‬ ‫ر و َْ َ ُ‬
‫‍و‬
‫واخلليفة‬ ‫«‪:‬‬
‫َ‬
‫رواه البخاري‪ .‬فالصحة من احالجات األساسية للرعية كالقوت‬
‫واألمن؛ حيث‬
‫دهنج ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْعِ هدََ‬ ‫ِسافَ‬ ‫ن ْْ‬
‫كمن‍م ُ‬ ‫قال‪»َْ :‬نم ‪‬‬
‫ِ‬ ‫إن الرسول‬
‫يف آم ِا‬
‫حديث الرتمذي‬ ‫ا‬
‫سُ‬
‫َ‬ ‫ح‍صب ََأ‬ ‫ُ‬
‫ْ َ‬ ‫ِم‍وِ‬
‫دنـ « ع‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫هْ َ‬
‫ُ‍م ِيف‬ ‫حسن ْيال‬
‫َّ‬
‫ِه ِ‬ ‫رواه‬ ‫)هذا‬ ‫َك‬
‫ف َّ‬‫نَ يـ َ‬
‫ب ْ‍ر‬
‫يزِ‬ ‫ا‬
‫َأ‬
‫تقُ ُو ح َله َ ْت َ‬

‫غريب(‪ ،‬وأخرج ابن حبان يف صحيح ‪ .‬وقد وردت يف‬


‫الشرع أدلة عامة وأدلة خاصة على كون‬
‫‪:‬الرعاية الصحية واجبة على الدولة‬
‫‪:‬أما األدلة العامة‬
‫فإن الصحة والتطبيب مها من الواجبات اليت على الدولة أن‬
‫توفرمها للرعية‪ ،‬حيث إن العيادات واملستشفيات‪ ،‬مرافق‬
‫يرتفق هبا املسلمون يف االستشفاء والتداوي‪ ،‬فصار الطب من‬
‫واملرافق جيب‬
‫حيث هو من املصاحل واملرافق‪ .‬واملصاحل‬
‫على الدولة أن تقوم هبا ألهنا مما جيب عليها الرعاية فيها‬

‫عمال‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫البخاري‬ ‫بقول ئ‍سم‬
‫‍هَّ‍ي‍تعَ‍ر «‬ ‫َْ‬ ‫نع‬ ‫َْ َ‍و و ل‬
‫عن عبد‬ ‫الرسول‬
‫أخرج‬ ‫ِ‬ ‫ام‬
‫«‪‍َ :‬اْإل ا ع ُم‬

‫رُ‬
‫َ‬
‫هلال بن عمر‪ .‬كما أن عدم توفري الرعاية الصحية للرعية‬
‫‪،‬يؤدي إىل الضرر‬
‫ارِ‬ ‫واجبة على الدولة‪،‬‬
‫ض‬ ‫ضر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ م اَّ َر‬ ‫الَ «‪ :‬قال‬
‫وإزالة الضرر‬
‫ال‬
‫َضرَ ضا َّ َ‬
‫ره‬
‫ر‬
‫نْ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫‪47‬‬

‫‪َ ،‬و‬
‫ِ‬ ‫ه‍ي‬ ‫)حديث‬ ‫لل‬
‫ْ‍َ‍ل َ‍ع «‪ ،‬رواه‬ ‫ا َّّ ُ‪،‬‬
‫لل و َّق َّ نم‬
‫احالكم يف‬ ‫ا َّّ ُ َشا َشا ق َْ َ‬
‫املستدرك وقال‪:‬‬
‫صحيح اإلسناد على شرط مسلم(‪ ،‬فمن هذه الناحية أيضا كانت‬
‫الرعاية الصحية‬
‫‪.‬واجبا على الدولة‬
‫‪:‬أما األدلة اخالصة على الوجوب‬

‫ِ ىلَ ‪ ‬ا َّّلل‬


‫ُأ ن‬ ‫جابر قال‪ » :‬ثع ل‬
‫ِب ِ ْ َ‬
‫‍ب‬ ‫َ َ‍بـ ُو َُ‍سر ْرِ‬
‫ِ‬
‫إ‬
‫أخرج مسلم من طريق ‪-‬‬
‫َ‬
‫«‪،‬‬
‫ه‍يع ِ‬ ‫املستدرك‬
‫ْ‍ َل‍‬ ‫عاُ‬
‫وأخرج‬ ‫عن‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫احالكم يف‬ ‫ِ‬ ‫ب‬
‫هن‍م ُْ‬
‫ق‬ ‫َْكع يب‬
‫ش ِ‬ ‫اه‬ ‫قطع َفـَ‬‫َ‬
‫ً د َا‬ ‫ََكو‬
‫ِ‬ ‫ِ‍م‬
‫انَ َ‍ز ب ب‬ ‫َّ ُ‬
‫ث‬ ‫َطب ا َ‬
‫ر‬ ‫ِ خل ض‬ ‫ر ِ‬ ‫بن أسلم عن‬
‫يدم ا َ ًَ‬ ‫ن اا‬
‫َ‬ ‫َم يفِ‬
‫" ‪:‬أبي قال‬
‫ر‬ ‫ض‬
‫َطَّ‬ ‫مع‬
‫َ َ‬ ‫ت زيد‬
‫ِ ي ِ‬ ‫َأ‬ ‫ِ‬ ‫ِين‬ ‫يل‬ ‫ا‬
‫دةَِّ م‍ا حل‬ ‫مَ‬ ‫ََعف ِ َد ا م ً يباع َطب‬
‫‪".‬‬ ‫ِ‬
‫ن‍م‬
‫اة‬ ‫صنك‬
‫شةَ‬ ‫َالنَّ و‬
‫تح‬
‫ر م ىت‬
‫ح‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‍ف َّ‬

‫َ‬

‫بوصف حاكم ‪ ‬فالرسول ً‬


‫أيب رضي هلال عن ‪ ،‬وعمر رضي هلال‬
‫الراشد‬
‫ّ‬ ‫عن اخلليفة‬
‫الثاين دعا بطبيب إىل أسلم رضي هلال عن ليداوي ‪ ،‬ما يدل‬
‫ا إىل‬
‫ً ا بعث طبيب‬

‫على أن الصحة والتطبيب من احالجات األساسية للرعية اليت‬


‫جيب على‬
‫الدولة‬
‫جماان‬
‫ً‬
‫ملن‬
‫حيتاجها‬
‫من‬
‫الرعية‪.‬‬
‫توفريها‬
‫روى البخاري يف األدب املفرد والتاريخ الصغري عن ‪-‬‬
‫حممود بن لبيد‬
‫دنح ةر‬ ‫ولوه‬ ‫ناخل ‪،‬‬ ‫ص َل ِ‬
‫عِ َأ َ ام قا‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ل كحَأ‬ ‫َّم‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ع‬
‫‪ :‬ي َهال‬ ‫ِ‬ ‫د َ‬ ‫قال‪ :‬ا أ‬
‫قي‬
‫ِ‬ ‫م َو ِ‬
‫َف ب قو ل‬ ‫‪‬‬ ‫ذاإ‬ ‫يب‬
‫َ‬
‫لق‍ث‬
‫َ َ‬ ‫د َ الَِّ‍ن‍يب‬ ‫سَ‬
‫ر‬
‫َ َّم ف ي ‪َ » :‬‬
‫َكي ْ‬ ‫اجل‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫‪،‬ت حى‬
‫كاف‬
‫َ‬
‫ر‬
‫َ‬ ‫ترَ‬

‫و داوي‬
‫َ‬ ‫رضي ِربيف‬ ‫إ ِ‬
‫خ‬ ‫َو‬

‫ه‬ ‫ة‪،‬د ي‍ف ‪ :‬ف ََأ ْ « صب َْأ هلال عن ‪ .‬وحتو‬


‫كان‬ ‫َ َ‬
‫يل‬ ‫كان‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ح‬ ‫ح‬ ‫ت؟ي‬
‫َكي َ‬
‫َت ْ‬ ‫‍صبَ‬
‫ْ َ‬ ‫َْ‍سَأ َم ْ‬
‫؟‬ ‫ذا‬
‫فقد ذكر ابن إسحاق يف قصة سعد بن معاذ ‪ ،‬أبمر من‬
‫رضي هلال عن مل ا‬
‫ةم ِ‬ ‫يف ِ‬
‫اج‬ ‫ابخلندق أن‬
‫ت ّر َ‬ ‫َْ َ‍خي‬
‫‪ ‬الرسول أصاب السهم‬
‫» ‪:‬قال‬
‫‍ـي‬ ‫ح‬ ‫‍وه‍ع‬
‫د َة َف‍ َُ ْ‬ ‫‍لُ َ ُْ‬
‫‪ِ ِ 48‬‬ ‫اجلرحى‬
‫هي‬
‫ْ‬ ‫هذه‬ ‫ورفيدة‬ ‫«‪،‬‬‫ب‬ ‫ن‍م قَ‍ري‬

‫ه‬
‫على‬
‫ُ‬ ‫َُ‍ودَأع وحتتسب بنفسها‬
‫خدمة الضائع )أي ذي الضياع امرأة من أسلم كانت تداوي‬
‫من فقر أو عيال أو‬
‫حال قصر عن القيام هبا( والذي ال أحد ل من املسلمني‪ ،‬كما ذ‬
‫كر ابن إسحاق يف السرية والواقدي يف املغازي‪ .‬وقد روى‬
‫اإلمام مسلم هذه احالدثة‬
‫ِ‬
‫‪ ،‬د ق َيـ ْ‬ ‫عائشة‬
‫َ‬ ‫ب خمتصرة عن‬
‫ِ‬ ‫» ‪:‬رضي هلال عنها قالت‬
‫صي‬
‫اه‍م‬ ‫خل‬ ‫م‍و‬
‫‍ر‬
‫ََ ُ‬ ‫ْ َ نا ْ َ‬ ‫د ُأ ْ‬

‫سَ‬
‫ع‬ ‫ل‬ ‫‪،‬اه‍م‬
‫ا َّّللِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‍ر ِيف ِ ُ‬
‫َ‍ة ِ‬
‫لِ‬ ‫ه‬ ‫ر‍ق َا ْلعِ‬ ‫ِ نم شْ‬
‫َ ‍ْ َليع ُو‬
‫ل‬
‫َُ‬ ‫سر‬ ‫ضرف‬
‫َ‬ ‫َل ُه ْكح َ‬ ‫ُ ُ‍يـ‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫ب األ َ َ‬ ‫َقا‬
‫ْ‬ ‫ـر‬ ‫ق‬‫‍َ‬ ‫‍جر‬
‫َ ُ‬
‫‪ُْ ،‬‬
‫ناب‬
‫ِ‍ده‍وـع‍د ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ن ق ب«‪ ،‬وهذا يدل على أن اخليمة بنيت مُُ ُ َ ْس ْ‬
‫ج‬ ‫َري‬
‫ي‬ ‫‪ِ‬م‬
‫َ ْ‬ ‫مة‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِيف‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫َ‬
‫وكانت يف املسجد‪ ،‬أي يف مكان عام‪ ،‬فهي مبثابة ‪ ،‬أبمره‬

‫مستشفى عام‪ُ ،‬‬


‫ا «‪ :‬وقول‬
‫‍وه‍ع‬
‫‍لُ َ ْ‍ج « يف رواية ابن إسحاق السابقة دليل على أن كان‬

‫يرعى ًبوصف رئي دولة‪ ،‬والقائد الفعلي للجيش‪ ،‬ومع أن‬


‫سعدا رضي هلال عن كان من أفراد اجليش؛ إال أن املستشفى‬
‫مل يكن خاصا ابجليش وإمنا كان عاما لكل من ب ضيعة من‬
‫‪.‬املسلمني كما ورد يف رواية ابن إسحاق‬
‫ورفيدة هذه مساها ابن سعد كعيبة كما قال البخاري يف األدب‬
‫املفرد‪ ،‬واملهم أهنا كانت مديرة مستشفى الدولة الذي كان‬
‫مكوان من خيمة واحدة مضروبة أبمر رئي الدولة يف‬
‫املسجد‪ .‬ويف احلديث إشارة إىل أن مديرة املستشفى مل أتخذ‬
‫أجرا من املرضى‪ ،‬بل كانت حتتسب بنفسها على من كانت‬
‫ب ضيعة من املسلمني‪ ،‬أي على فقراء املسلمني‪ ،‬مبعىن أهنم‬
‫مل يكونوا يدفعون أجرة التطبيب وإمنا كان عالجهم دون‬
‫مقابل‪ .‬وهذا التطبيب اجمالين مل يكن خاصا ابلفقراء فقط؛‬
‫ألن سعدا وهو سيد بين عبد األشهل مل يكن ب ضيعة وتلقى‬
‫التطبيب أيضا دون مقابل‪ .‬فعلى الدولة توفري التطبيب للرعية‬
‫‪.‬كلها‪ ،‬فقريها وغنيها‬
‫مِ‬ ‫‪:‬مالك قال‬
‫نم ك ل ِ ع‬ ‫َدق‬

‫ويف البخاري ‪َ -‬‬


‫ان‬
‫سأ َ‬ ‫ومسلم عن أن بن‬
‫ِ‬ ‫ب‍شر‬ ‫ع ا ووت‬
‫مه‍ر‬
‫ن‍م ْا‬ ‫وا‬
‫َو َْ َي ُ‬ ‫َ َ َفَأ ُمْ‬ ‫ََ‬
‫ق النَِّبَ‬ ‫ة ِ‬ ‫اج‬ ‫َأو‬
‫‪‍َ ،‬ف َيندَال َم‬
‫ِاِل‬
‫َ َْ‍وَأبـ‬ ‫اح ‪‬‬ ‫‪49‬‬ ‫»‬ ‫ةن ي ر‬
‫َأ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ لب ‪ْ ،‬ن‬
‫نْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ مت‍ئـش َأ‬ ‫قال هلم‪  :‬وعند مسلم أن‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫»إ‬
‫ن‍و «‪ .‬واللفظ هنا للبخاري‪ْ،‬‬
‫ف «‪،‬‬‫َ‬ ‫َِأ ِ‬ ‫م‬ ‫َِأ ْلب‬
‫ص َف َـ‬ ‫ِنَ ْلب‬
‫ْ‍ن َا ‍‬ ‫َ‬ ‫ااِنَ‍‬
‫)فاجتووا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ا‬ ‫ب‍إ د َقةال َ‬
‫َّص‬
‫اِل َأبـِ‬ ‫وا‬
‫حوا َفع‬ ‫َْ‍و ََ‬ ‫ِ إ ِل‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫وا ىل‬
‫و ا لُوا َ‬ ‫ـت‬
‫ُ‬ ‫ف‬ ‫شر‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ر‬ ‫ُُ َجت َ ْ‬
‫املدينة( معناه كرهوا املقام هبا لضجر و نوع من سقم‪ ،‬قال أبو‬
‫عبيد واجلوهري وغريمها‪ :‬اجتويت البلد إذا كرهت املقام ب‬
‫وإن كنت يف نعمة‪ ،‬قال اخلطايب‪ :‬وأصل من اجلو ى وهو‬
‫داء يصيب اجلوف‪ ،‬أي أن جو املدينة مل يوافقهم وكرهوها‬
‫بتهيئة مكان هلم يتداوون في ‪ ‬لسقم أصاهبم‪ ،‬فاهتم الرسول‬
‫‪ ،‬ففي‬
‫أرض‬ ‫ا ْحل « وهي‬ ‫ف «‪ ‬البخاري أن الرسول‬
‫َ‬
‫رواية أخرى للحديث عند‬
‫ر َأنـ َة ْ َّز‬
‫‍ل‬
‫َِ‍م َُُ‬
‫سة حجارة سودا خارج املدينة‪ ،‬ولعلها أوفق لطبعهم من أرض‬

‫املدينة‪ .‬وقد ً‬

‫ملب‬

‫َّ‬
‫يف شرب لب إبل الصدقة وهي من ‪ ‬أذن هلم رسول هلال‬
‫أموال بيت امالل‪ ،‬ويف هذا داللة على أن التطبيب من‬
‫‪.‬مصاحل املسلمني اليت ينفق عليها من بيت امالل‬

‫أسس الرعاية الصحية يف دولة اخاللفة‬

‫عند مقارنة الفساد الصحي الرأمسايل يف زمن التقدم املدين‬


‫احلديث وتطور العلوم الصحية‪ ،‬مع الرعاية الصحية اإلسالمية‬
‫يف القرون اليت سبقت الثورة الصناعية‪ ،‬جند اإلسالم بعقيدت‬
‫العقلية وشريعت حقق السعادة والصحة‬
‫‪  ‬‬
‫وتعاىل‪‬‬ ‫‪:‬النفسية يف نفوس معتنقي ‪ ،‬قال سبحان‬
‫‪﴿ ،﴾‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫﴿‪  ‬‬ ‫تعاىل وقال‪:‬‬
‫وأنيت هنا على أهم األس اليت تقوم ‪﴾.‬‬

‫‪  ‬عليها‬


‫‪‬‬
‫‪.‬الرعاية الصحية يف دولة اخاللفة‬

‫‪50‬‬
‫فلسفة اإلسالم هي مزج امالدة ابلروح‬

‫خملوقا هلل‬
‫ً ينظم اإلسالم أعمال اإلنسان ابألحكام الشرعية‬
‫بوصف سبحان ‪ ،‬أي ميزج أعمال اإلنسان وهي مادة إبدراك‬
‫صلت ابهلل سبحان وهي الروح‪ ،‬وبعبارة أخرى أي أن‬
‫اإلنسان عند قيام ابلعمل يدرك صلت خبالق ‪ ،‬وهذا ما يعرب‬
‫عن ب )مزج امالدة ابلروح(‪ ،‬والرعاية الصحية تندرج حتت‬
‫‪،‬ذلك‬
‫متمثال‬
‫ً صلت ابهلل فرعاية الشؤون الصحية من قبل اإلمام‬
‫حكم شرعي يقوم ب تعاىل‪ ،‬وغايت من رضوان هلال تعاىل‪،‬‬
‫فيبذل فيها اخلليفة والعاملون يف هذا اجمالل ّرون ألجلها ما‬
‫يلزم منويسخ ون هال أقصى اجلهود‪ ،‬ويوف‬
‫أقصى القدرات‪ ،‬ر‬
‫ّ‬
‫‪.‬إمكانيات‬

‫نظرة اإلسالم يف معاجلة املشاكل‬

‫ينظر اإلسالم إىل املشكلة اليت يعاجلها على أهنا مشكلة إنسان‬
‫لدي حاجات عضوية وغرائز حتتاج إىل إشباع‪ ،‬سواء أكانت‬
‫املشكلة اقتصادية أم صحية أم سياسية أم تعليمية أم غري‬
‫فمثال‬
‫ً حاجة‬ ‫ذلك‪ ،‬فهو ال أيخذ يف ابالعتبار إال كوهنا‬
‫املريض للرعاية الصحية ينظر إليها مشكلة إنسان حتتاج‬
‫‪،‬ملعاجلة‬
‫اإلسالم على أهنا مشكلة إنسانية يف جمتمع يسري على طر از‬
‫معني من العيش‪ ،‬فهو ال يقصر نظره على اجالنب الصحي‬
‫وال على اجالنب االقتصادي‪ ،‬ولذلك يدعو إىل توفري‬
‫اإلمكاانت واجلهود االلزمة للعالج والتأهيل‪ ،‬و يوجب اإلنفاق‬
‫على رعاية شؤون املرضى وشؤون اجملتمع حىت ال ينتشر‬
‫املرض‪ ،‬ويطلب‬
‫تسخري اإلمكاانت الطبية الكافية لتجاوز احملن كالكوارث‬
‫م‬
‫ه‬
‫م‬
‫ا‬
‫ك‬
‫ّل‬
‫ف‬
‫ا‬
‫أ‬
‫ل‬
‫م‬
‫ر‬
‫‪،‬‬
‫ف‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ي‬
‫ق‬
‫ص‬
‫ر‬
‫ن‬
‫ظ‬
‫ر‬
‫ه‬
‫ع‬
‫ل‬
‫ى‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ن‬
‫ا‬
‫ح‬
‫ي‬
‫ة‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ص‬
‫ح‬
‫ي‬
‫ة‬
‫أ‬
‫و‬
‫ا‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ق‬
‫ت‬
‫ص‬
‫ا‬
‫د‬
‫ي‬
‫ة‬
‫‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وحدة النظرة إىل أفراد الرعية حني الرعاية‬

‫دولة‬
‫ّ‬ ‫تفر‬
‫أوجب اإلسالم أن تكون النظرة ألفراد الرعية واحدة‪ ،‬فال ق‬
‫اخاللفة يف رعاية الشؤون بني شخص وشخص ممن حيملون‬
‫التابعية‪ ،‬فال اعتبار يف الرعاية للدين وال للجن وال للعرق‬
‫وال للعمر وال ملكان السكن‪ ،‬بدليل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ام‬
‫َ‍اْإل ا ع م حديث رسول هلال ُ ‍هَّ‍ي‍تعَ‍ر « فورد في‬
‫لفظ‬ ‫» ‪:‬السابق ‪‬‬ ‫لئ‍سم‬
‫َْ َ‍و ُ‬ ‫رو‬
‫َْ‬ ‫نع‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ه‍َّ‍ي‍تعَ‍ر « الدال على العموم‪ ،‬ومل يصص خمصص‪ ،‬فيبقى‬

‫ع‬
‫ل‬
‫ى‬
‫ع‬
‫م‬
‫و‬
‫م‬
‫‪،‬‬
‫و‬
‫ه‬
‫ك‬
‫ذ‬
‫ا‬
‫«‬

‫يف املدينة ‪ ‬كانت الدولة اإلسالمية منذ أقامها رسول هلال ِ‬

‫إىل يوم ه‬
‫دمها يف بداايت القرن امالضي‪ ،‬ترعى شئون‬

‫الرعية كلهم من غري اعتبار لشيء سوى ًإبذن هلال‪.‬كوهنم‬


‫من رعاايها‪ ،‬وهذا ما ستفعل دولة اخاللفة القادمة قريبا‬

‫احلكم مركزي واإلدارة ال مركزية‬


‫احلكم هو تنفيذ أحكام الشرع‪ ،‬والصالحية في ملن أعطت األمة‬
‫سلطاهنا‪ ،‬وهو اخلليفة‪ ،‬أما اإلدارة فهي الوسائل واألساليب‬
‫ِ‬
‫املستخدمة يف التنفيذ‪ ،‬فيقوم هبا اخلليفة ومن ينيب ومن‬

‫من‬
‫يعين من مديري الدوائر و ّ‬
‫املولفني‪ ،‬وبناء على تقسيم الدولة إىل إدارات تقوم كل إدارة‬
‫ا‬
‫بتصريف شؤون‬
‫ومباشرة دون‬

‫احالجة إىل‬

‫إجراءات روتينية‬

‫ابلرجوع‬
‫ً الرعاية‬
‫الصحية تلقائي‬
‫للمركز‪ ،‬بل تقوم كل إدارة حبصر حاجات الناس وتلبيتها‬
‫أ‬
‫ب‬
‫س‬
‫ر‬
‫ع‬
‫و‬
‫ق‬
‫ت‬
‫ك‬
‫أ‬
‫ن‬
‫ح‬
‫ت‬
‫ص‬
‫ل‬
‫ح‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ة‬
‫ا‬
‫ن‬
‫ت‬
‫ش‬
‫ا‬
‫ر‬
‫و‬
‫ا‬
‫ب‬
‫ء‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ت‬
‫ل‬
‫ك‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫ن‬
‫ط‬
‫ق‬
‫ة‬
‫‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫تقوم إدارة املصاحل على البساطة والسرعة والكفاية‬

‫سياسة إدارة املصاحل والدوائر واإلدارات يف دولة اخاللفة‬


‫تقوم على البساطة يف النظام‪ ،‬واإلسراع يف إجناز األعمال‪،‬‬
‫والكفاية فيمن يتولون اإلدارة‪ .‬و قد جاءت نصوص الشرع‬
‫أتمر ابإلحسان يف كل شيء‪ ،‬وجاءت أتمر‬
‫ابلتيسري‪ ،‬وتنهى عن التعسري‪ ،‬وتنهى عن اإلقراد أي أتخري‬
‫قضاء حاجات الناس‪ ،‬فال هم يقضوهنا وال هم ينصرفون إىل‬
‫ن‬ ‫م ِ ‍رمِ ِ‍جت‍حاومِ ِت‍ب‬
‫دو‬‫بيوهتم وأعماهلم‪ ،‬قال رسول هلال ْه‍و َف ْـ ‍قِ َ ْ‍هَ َ َ ْ‍ه َ ُ َ‬
‫ِسلم ‍ر الْ َأم ِ ِنم‬ ‫َّ ج‍حت َ‍ايئاني‬
‫و‬
‫َ‬
‫ْ َيل ْ َ‬ ‫‍ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫‍‬
‫م‬ ‫‪َ« :‬خلَ َ ْ ‍ف َْ َشم ْ ُ‬
‫‍‬ ‫ِ‬
‫ةام ِ ِ َ َ‍ت ِ ِت‍اج ِ َ ‍ره ِ‬ ‫د‬ ‫َِ َ ِ‬
‫‍ت‬
‫ق َ َيِ ه‍فا‍ق َ‍و ه َ ََ‍ح ف ْـ ‍قِ َ‍و‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫و‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫همفا‍ق َْ‬
‫‍‬
‫‪«،‬‬ ‫و‬ ‫ِت ِ‬ ‫م‍و‬
‫ه َخلَّ‬ ‫ْ َيـ‬ ‫ا َّّلل َُّز‬
‫عل‬ ‫جت‬
‫ج‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‍اح‬
‫بوَ ْ َ‬

‫رواه احالكم يف مستدرك عن أيب مرمي وقال‪) :‬حديث‬


‫صحيح اإلسناد(‪ ،‬فاإلسالم أوجب على من يتوىل أمور الناس‬
‫أن يعيش معهم وبينهم و يطلع على ويع األ كفاء من‬

‫والبساطة‬
‫ّ‬ ‫ني حاجاهتم‪ ،‬ويقضيها ابليسر والسهولة‬
‫والسرعة‪،‬‬
‫القادرين على‬
‫‪.‬األعمال‬

‫الدولة تضمن احالجات األساسية لرعاايها كافة‪ ،‬ومتكنهم‬


‫من َتقيق‬
‫حاجاهتم‬
‫الكمالية‬

‫ضمن اإلسالم لكل فرد من أفراد الرعية حاجات األساسية‬


‫الفردية وهي‪ :‬امألكل واملسكن وامللب ‪ ،‬وحاجات األساسية‬
‫اجلماعية‪ :‬األمن‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والتطبيب‪ ،‬فاحالجات الفردية‬
‫فيتوجب وال‬
‫ً‬ ‫األساسية حيققها األفراد القادرون ابلعمل‪ ،‬أما ً‬
‫يوجد من هو ملزم إبعالتهم شرعاأو حكماغري القادرين فعال‬
‫ً‬
‫ِ‍تث‍ر ِ َ ِ‬ ‫األساسية‪ ،‬لقول‬
‫هَ َ َوفل‬ ‫على الدولة أن توفر ْ‬
‫اال‬ ‫هلم حاجاهتم‬ ‫«‪:‬‬
‫تـ‬
‫َم‬
‫ك‬
‫‍ر‬
‫نم َ ََ َ‬ ‫‪53‬‬
‫اال‬ ‫ِ‬
‫تـ‬ ‫«‬
‫ن‬
‫‍ْ َليـ َ‍ف‍إ « رواه البخاري‬

‫‪ :‬يف صحيح ‪ ،‬وقول‬


‫ال‬
‫َم‬ ‫ك ا َتـ َ‬
‫ك‬ ‫نم ك‬
‫‍رْ‬
‫نم َ ََ َ‬ ‫‍رْ‬
‫َ‍و َ ََ َ‬
‫َ‍ع‬ ‫مسلم يف‬ ‫والعاجز‬ ‫يل‬
‫َل َ‍و « رواه‬ ‫ََِّ‬
‫صحيح ‪،‬‬
‫َأ‬ ‫ِ‬ ‫ِلِ‬
‫اع‬
‫و ْ‬ ‫ه ْ‍أ َل َ‬
‫هف‬
‫ي‬
‫ي َف َّإ‬ ‫َ د ْا‬
‫ض‬ ‫نم ك‬
‫ي َاَ‬ ‫‍رتـْ‬
‫َ‍و َ ََ َ‬
‫ن‬
‫ا هو القادر على العمل فعال‬
‫ً هو الذي ال يستطيع العمل‪،‬‬ ‫ً‬
‫والعاجز حكم‬
‫يعامل‬
‫ّ‬ ‫تؤم ل العمل‪ ،‬وإىل أن جيده‬
‫ولكن ال جيده‪ ،‬فيجب على الدولة أن ن‬

‫األساسية‬
‫ّ‬ ‫‪.‬فتؤم ل حاجات‬
‫فعال‪،‬‬
‫ً ن معاملة العاجز‬

‫بينهم‬
‫ّ‬ ‫‪،‬فتؤم الدولة للرعية دون تفريق‬
‫أما احالجات األساسية العامة نها‬
‫ِم‍و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال‬
‫ه ْ َيـ‬ ‫يف آم ِا ِ س ا ف َ ت ع قُ ُو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«‪:‬‬
‫هدَ‬ ‫ن ْْ‬
‫كمن‍م ُ‬
‫ي دنـ « ع‬ ‫حديث‬
‫سُ‬
‫َ‬ ‫ُ‍م ِيف‬ ‫(‪ْ .‬يال‬ ‫َْ‬ ‫نم‬
‫ِه ِ‬ ‫حسن وقال‪ :‬رواه‬
‫ب ْ‍ر‬ ‫ا‬ ‫يزِ‬
‫دهنج‬
‫َْ‬ ‫ُ غريب )هذا الرتمذ‬ ‫َّ‬
‫ح‍صب ََأ‬ ‫َن َّا‬
‫ْ َ‬
‫ح َله َ‬
‫ف َك َْأ َ‬
‫ت َ‬
‫وأخرج ابن حبان يف صحيح ‪ .‬فاألمن والعافية )الصحة(‬
‫حاجتان جلميع الناس جيب على الدولة توفريمها‪ ،‬إضافة إىل‬
‫التعليم‪ .‬وأما ابلنسبة للجوائح اليت جتتاح الناس فيجب على‬
‫الدولة أن ترعى شؤون الناس الصحية مبا يتناسب مع حجم‬
‫‪.‬هذه اجلوائح‬

‫النظرة إىل املشكلة االقتصادية‬

‫يرى اإلسالم أن املشكلة االقتصادية هي توزيع املوارد على‬


‫الناس‪ ،‬و يقرر أن موارد األرض تكفي أهلها الذين يعيشون‬
‫‪:‬فوقها‪ ،‬يقول هلال سبحان وتعاىل عن األرض‬
‫‪﴿ ‬‬
‫أي أقوات أهلها‪ ،‬ولذلك انصبت ‪﴾،‬‬

‫معاجالت اإلسالم االقتصادية على توزيع الثروة ولي على‬


‫ا‪ ،‬فأوجب العمل على القادر‪ ،‬وأوجب ا‬
‫ً‬ ‫إنتاجها‪ ،‬ولتوزيع‬
‫خاص‬
‫ً الثروة فقد شرع اإلسالم نظام‬
‫النفقة للمرأة واألطفال على الزوج‪ ،‬وللقريب على قريب‬
‫الوارث‪ ،‬وجعل للفقراء‬
‫‪54‬‬
‫يف امللكية العامة‪ ،‬وأوجب على‬
‫ً يف الزكاة‪ ،‬وجعل للرعية ً‬
‫حقاواملساكني حقا‬
‫الدولة رعاية غري القادر ممن ال يوجد من ينفق علي ‪...‬‬
‫فضمن بذلك توفري احالجات األساسية ألفراد الرعية كافة‪،‬‬

‫وبذلك أوجد اإلسالم األساس ً على خالف ما نراه جراء‬


‫الصحيح حلصول املعافاة الصحية‬
‫جسداي‬
‫ً ونفسيا‬
‫تطبيق الرأمسالية من فقر وعوز وبطالة وكنز مال و راب‪ ،‬و‬
‫من اكتئاب وقلق وعزلة ووحدة وتفكك أسري‪ ،‬ومن دوافع‬
‫السرقة والعجز عن تسديد الديون ابإلضافة إىل سوء التغذية‬
‫وعواقبها وعدم توفر املسكن الكرمي الذي يليق بصحة‬
‫اإلنسان ويقي من األمراض‪ ،‬وهذه كلها تؤدي إىل سوء‬
‫‪.‬الصحة‬

‫رعاية الشؤون يف حالة الطوارئ‬

‫يف حاالت الطوارئ‪ ،‬كالفيضاانت والزالزل واألوبئة‬


‫واحلروب وغريها‪ ،‬تتخذ اخاللفة إجراءات خاصة الستمرار‬
‫رعاية الشؤون على الوج األمثل‪ ،‬وتكلّف اخلرباء و أصحاب‬
‫الكفاءة يف كل اختصاص ابإلشراف على ذلك‪ ً ،‬كي ال تتوقف‬
‫احلياة يف اجملتمع‪ ،‬وتنفذ اإلجراءاتحيث تضع آليات وخططا‬
‫الطارئة يف األماكن اليت وقعت فيها‪ .‬وجيب توفري اإلنفاق‬
‫حالالت الطوارئ‪ ،‬فإن كان يف بيت مال املسلمني مال أنفق‬
‫من لتغطية احالجات أثناء الطوارئ‪ ،‬وإن مل يوجد مال‬
‫فرضت ضريبة على األغنياء من الناس إللنفاق عليها‪ ،‬وإن‬
‫انتظار مجع الضرائب‬
‫ا هلذا الغرض‪ .‬قال‬ ‫قامت الدولة ابالقرتاض‬
‫ً‬
‫تسد القرض من‬
‫شِ الضرائب اليت جتمعها‬
‫الحق‬
‫يخ الضرر ابلتأخر يف‬
‫َ‬
‫صة‬ ‫هلال‬
‫م ِ‬ ‫رع‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫« ‪:‬‬
‫‍مْ‬
‫ي‍همِْ ع‍ائ د ِرَئ ق ْهنـ ُ‬
‫ْ‬ ‫ح‍صب ََأ‬ ‫واإلنفاق‬
‫ْ َ‬
‫ُ‬
‫َّمةذِ‬ ‫َأ َو مث د‬
‫ْ‬ ‫َأل ُْه‬ ‫ا‬
‫ََي‍‍رسول‬
‫ت‬
‫بَ‬
‫َ ْ‬ ‫ُْ‬ ‫رام‬

‫‪55‬‬
‫ج َفـ َ‬
‫ؤف‬
‫وقال‬
‫ََ‬ ‫عتـ « أخرج أمحد عن ابن عمر وصحح أمحد شاكر‪،‬‬

‫‪‬‬
‫فيما ا‬

‫َّ‬
‫ِ ّلل اَىل‬

‫‍م‍ع‬ ‫وه‬ ‫ِائ‬ ‫يروي عن‬ ‫رب ‪ » :‬ا‬


‫َ‍ل ْ َ‍يـ ُ‬
‫«‬ ‫‍و‬
‫َ ُ‬
‫ع َ‬ ‫َم‬
‫أخرج‬
‫نآم ََ‬
‫ِب‬

‫جَ‬
‫و‬
‫ع‍بـ‍ش ه‍ار‬
‫ْ َ ُ ُ ََج‬
‫ن‬
‫َ اب َا‬

‫ت َم َ‬
‫َْ‬ ‫ن‬
‫‪.‬البزار عن أن إبسناد حسن اهليثمي واملنذري‬
‫وتعمل الدولة على احليلولة دون وقوع الطارئ قبل وقوع ‪،‬‬
‫وختصص من األجهزة واملختصني ما يلزم هلذا الغرض؛‬
‫ابستخدام أفضل ما توصل إلي العلم من وسائل و أساليب‬
‫االكتشاف واإلنذار املبكر للكوارث والفيضاانت والزالزل‬
‫واجلوائح الوابئية وغري الوابئية‪ ،‬سواء للحوادث املنعزلة أم‬

‫النوازل العامة؛ حبيث ي قع حصول من طوارئ‬


‫تبقى هذه األجهزة على يقظة اتمة بكل ما ميكن أن تو‬
‫لتفادي حصوهال‪ ،‬وإلحسان التعامل معها إن مل ميكن منع‬
‫وقوعها‪ ،‬وذلك من خالل توفري التجهيزات واالستعدادات‬
‫واملساكن واماللجئ واملستشفيات‬
‫ً‬
‫دوراي‬
‫ّ‬ ‫القائمة وامليدانية‪ ،‬وختصيص ً‬
‫ا‪ ،‬ومراقبة جاهزيتها‬ ‫األماكن املناسبة مسبق‬
‫وتطويرها أبحدث الوسائل وأرقاها يف تنفيذ الغرض الذي‬
‫مت إنشاؤها من أجل ‪ ،‬بسرعة ويسر وكفاءة؛ للحفاظ على‬
‫األرواح واملمتلكات‪ ،‬واستدامة توفري احلقوق األساسية ألفراد‬
‫‪،‬الرعية ومجاعتها‪ .‬وإذا أحسن احلكام تطبيق اإلسالم‬
‫وأحسنت األمة حماسبتهم وتقوميهم استقرت أمورهم‪،‬‬
‫‪ ‬وجتاوزوا أعىت املشكالت‬
‫‪ ‬‬
‫﴿‪   ‬‬

‫‪ .﴾‬القائل وتعاىل سبحان هلال إبذن‪:‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪‬‬
‫‪56‬‬
‫متويل الرعاية الصحية يف دولة اخاللفة‬

‫أوجبت األدلة الشرعية على الدولة سد حاجات األمة األساسية‬


‫بتوفري األمن والطب والتعليم للرعية‪ .‬وقد جعل الشرع النفقة‬
‫اليت تقتضيها الرعاية‬
‫ك‬ ‫أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول‬
‫نم َ ََ َْ‬
‫‍رتـ‬
‫«‪ :‬هلال‬
‫الصحية على بيت امالل‪ ،‬فعن‬
‫ن َليـ ‍إَ‬
‫‍ْ «‬
‫ف‬
‫‍‬ ‫‪ ،‬و أخرج‬

‫رواه‬ ‫ِ مسلم من‬


‫ال‬
‫ك ا َتـ َ‬
‫البخاري‬
‫ِ‍تث‍ر ِ َ ِ‬
‫فل‬ ‫َ‬
‫ه َ َو يف صحيح‬
‫ِ ُأ ِ‬
‫ن‬ ‫اال‬
‫رِْ‬ ‫إ َب ِ ْ‬ ‫َم‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫نم ك ىلَ ‪ ‬ا َّّلل‬
‫هن‍م ُْ‬
‫ق‬ ‫َ‍و َ ََ َْ‬
‫‍ر‬
‫طريق جابر‬ ‫ل‬
‫عا‬ ‫َطب ا َ‬ ‫َ‬ ‫‍سر‬ ‫ُو َُ‬
‫قطع َفـَ‬
‫َ‬ ‫بب‬ ‫قال‪ » :‬ثع‬
‫َ َ‍بـ‬
‫ك عن زيد بن أسلم‬
‫كع َْ‬
‫يب‬
‫‪:‬عن أبي قال‬ ‫اه‬
‫ِ‬ ‫ه‍ي‬ ‫َكو‬
‫َ ُ‬
‫ْ‍َ‍ل َ‍ع «‪ .‬وأخرج‬
‫َّثُ‬
‫احالكم يف املستدر‬
‫ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫ض‬
‫ً دا َا يباع َطب‬ ‫ب ب َن‬ ‫َطَّ‬ ‫َم‬ ‫ِ"‬ ‫ت‬
‫ِين‬ ‫يل‬ ‫ِ‍م‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫د‬
‫خل ض عف ِ َ َ‬ ‫انَ َ‍ز‬ ‫يف‬
‫اا‬
‫م‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫‍حف‬
‫ََ َ‬ ‫دةشَِّ يدم ا َ ًَ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫مع‬
‫َ َ‬
‫ا بعث‬ ‫ِ‬
‫ً حل "‪.‬‬‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ن بوصف حاكم‬‫‍م‬
‫َأ‬
‫ِةي‬ ‫مَ‬
‫َ م‬
‫‪ ‬فالرسول‬

‫ك اة‬
‫َالنَّ و‬
‫صن‬
‫تح‬

‫ىت‬
‫َّ‬
‫اخلليفة الراشد الثاين دعا بطبيب إىل أسلم ‪ ‬أيب وعمر‬
‫ّ‬
‫ليداوي ‪،‬‬
‫ومها يدالن على أن الصحة والتطبيب من احالجات‬
‫األساسية للرعية اليت جيب‬

‫إىل ‪،‬طبيبا ً‬

‫على الدولة توفريها جماان‬


‫ً ملن حيتاجها من الرعية‬ ‫‪.‬‬
‫وينفق على الرعاية الصحية من بيت امالل فإن مل يكف ما‬
‫يف بيت امالل وكانت هناك أمور ضرورية تتعلق ابلرعاية‬
‫الصحية مثل بناء مستشفى لي يف املنطقة مستشفى آخر يسد‬
‫مسده‪ ،‬ففي هذه احاللة تفرض الدولة ضريبة على للرعاية‬
‫الصحية وذلك ألن على اخلليفة األغنياء إللنفاق على ما كان‬
‫ضروراي‬
‫ً‬
‫أن يقوم برعاية مصاحل املسلمني ابإلنفاق على ما في املصلحة‬
‫هلم واإلرفاق‬
‫‪،‬‬
‫مصاحلهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫هبم‪ .‬واإلرفاق هو ما يرتفق ب الناس لقضاء‬
‫وفقدان يوجد ضرر ا وإزالة الضرر واجبة على اخلليفة وكذلك‬
‫الَ «‪ :‬واجبة على املسلمني‪ ،‬قال‬
‫يف ه‍يع «‪ِ،‬‬ ‫َّق‬ ‫لل‬ ‫ارِ‬
‫ْ‍ َل‍‬ ‫َ‬‫ضر ا َّّ ُ‪،‬‬
‫َشا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رواه‬ ‫لل و‬ ‫ض‬
‫ُ َم َّ نم ا َّّ ُ‬
‫اَّر َشا ق َْ َ‬
‫احالكم‬
‫ال‬
‫ضا َّ َ‬
‫ره‬ ‫َْ‬ ‫ن‬ ‫َضرَ‬
‫ر‬
‫‪َ ،‬و‬ ‫ََ‬
‫‪57‬‬
‫ا مال يرتتب‬
‫ً‬
‫املستدرك وقال‪) :‬حديث صحيح اإلسناد على شرط مسلم(‪،‬‬
‫فنظر‬
‫على عدم توفري ما يلزم من املصلحة واإلرفاق دون بدل‬
‫للرعية من ضرر على املسلمني فإن جيب على اخلليفة وعلى‬
‫املسلمني توفريها؛ إذ إن توفريها هو ا على اخلليفة‬
‫ا عليهم‪ .‬والذي جعلها فرض‬
‫ً‬ ‫الضرر؛‬ ‫يزيل‬ ‫الذي‬ ‫ً‬
‫فكانت فرض ً على املسلمني وعلى‬
‫اخلليفةالهر يف رعاية الشؤون‪ ،‬والذي‬
‫جعلها فرضا‬
‫ِ‬
‫عام‪ ،‬وكذلك » ضر « ْ‬
‫‪،‬عام‬ ‫ار‬ ‫عموم األدلة‬
‫َن‬ ‫ََ‬
‫َّ‬ ‫فقول ‪َ» :‬ال‬
‫ق‬
‫ش«ما َ‬ ‫ال‬
‫َ َ‬
‫ضر‬
‫ر‬
‫َو‬ ‫ََ‬
‫فيشمل اخلليفة ويشمل مجيع املسلمني‪ .‬وحيث إن الرعاية‬
‫الصحية هي من املصاحل و املرافق اليت ال يستغين عنها‬
‫ابلتداوي‪  ،‬الناس فهي من الضرورايت‪ .‬وقد أمر الرسول‬
‫‪،‬فقد أخرج أبو داود يف سنن عن أسامة بن شريك‬
‫ِ ِء‬ ‫َو‬ ‫يَأ اب‬ ‫ر‬
‫صحأ َ هموس‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫‍‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫‪،‬ر‬ ‫من ‍ى‬ ‫َّ ت ف َّ‬
‫مث َكأََّ َ‍ا َ‍ل َ‍ع‬
‫ت الطَّ‬
‫‪ ،‬دعق ‪ ‬النَِّيب‬ ‫‪:‬ت قال‬
‫َّم‬ ‫َ َ‬
‫ل ََ‍س‬
‫او َأ ل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ََدت ن ا ََ‬ ‫ا‬ ‫ن‍م ا‬
‫ل‬
‫قفَ‬
‫‪َ :‬‬ ‫ه ال َ اي َو َ‬ ‫‪،‬و ا َ‬
‫س لل‪ ،‬ى؟ََّّ‬ ‫وا‬
‫َ‍ر‬ ‫‪َ :‬قف‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ها‬ ‫بف‬
‫ه‬
‫ََ‬ ‫هاَ‬
‫ِ‬ ‫اء‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫اء‬
‫د احَ‬ ‫َد‬ ‫َفإ‬ ‫ج‬
‫ََ َ‬
‫ال ِ‬ ‫ا‬
‫َد َّإ‬ ‫َ را أ َلع‬
‫»‬ ‫او ن‬
‫َت َّ َ َداو‬ ‫ْ‬
‫م ل ِ‬
‫«‪،‬‬
‫ت وعند الرتمذي عن أسامة بن شريك‪ ،‬بلفظ‬ ‫‪‍ََ :‬را ِْ‬
‫‪َ ،‬له‬
‫وُ‬ ‫َ‬
‫رغ َْيـ‬ ‫ا َّّلل ََّز‬
‫اء‬
‫ََود‬
‫و ََ ُ‬ ‫َضع‬ ‫اء‬ ‫ضعي َْ‬
‫َ‬ ‫وْ‬

‫ا‬ ‫عل‬
‫ِ لل َأالََّّ‬ ‫َّ َ َج َ‬
‫ملَ‬
‫لس‬
‫‍ر‬
‫َ َ‬ ‫‪ ،‬اي َو‬
‫بق‬
‫إ‬ ‫ا َل‬
‫ا‬
‫َفإِ َ راأ َلع ِال‬ ‫ِ‬ ‫اد‬
‫َبعِ ‪،‬ا َّّلل ا‬
‫اء َد‬
‫و ن‬ ‫ل‬ ‫» ‪ :‬ق ى؟او‬
‫وُ‬ ‫داو‬
‫َت َّ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ََدتن اَ ََ‬ ‫َ‬
‫لل‬
‫ا َّّ ََْمل‬
‫َله‬ ‫ِ‬ ‫عنـ ‪،‬‬
‫ضعي َا َْ‬
‫ِ‬ ‫َ اي َ‬ ‫ْ ََم‬
‫ضع ََ‬
‫َ‬ ‫احَ‬ ‫شِ ْ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‬
‫اَ َه ق‬ ‫َود إ‬
‫م‬
‫َ‍و َ؟‬
‫و‬ ‫ل‬ ‫ق‍‍و ا‬ ‫اء‬
‫َ‬ ‫اي َو َ‬ ‫َ‬
‫وا‪:‬‬ ‫اء‬
‫لل ََّّا‬ ‫س‬ ‫َد د ال َ «‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫‪‍َ ،‬ر‬ ‫فاءَ‬
‫َأو َقا َل‬
‫‪.‬حديث حسن صحيح واهل‬
‫هو‬
‫َ‬ ‫والراء‬ ‫اهالء‬ ‫بفتح‬ ‫‍رم‬
‫َ‬
‫م‬
‫وهذا «‬
‫ُ‬ ‫ََ‍را ِْل «‪ ،‬قال الرتمذي‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫املوت‬ ‫أن‬ ‫أي‬ ‫واهاللك‪،‬‬ ‫املوت‬ ‫يعقب‬ ‫الذي‬ ‫‍رب‬ ‫ضعف الك‬
‫دواء ل ‪ .‬وابلتداوي جلب منفعة ودفع مضرة فهو مصلحة‪،‬‬
‫عالوة على أن العيادات واملستشفيات مرافق يرتفق هبا‬
‫املسلمون يف االستشفاء والتداوي‪ .‬فصار الطب من حيث هو‬
‫من املصاحل واملرافق‪ .‬واملصاحل واملرافق جيب على‬
‫الدولة أن تقوم هبا ألهنا مما‬

‫‪58‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ام‬ ‫«‪:‬‬
‫‪ «،‬ه‍َّ‍ي‍تعَ‍ر‬ ‫َ‍اْإل ا ع م‬
‫بقول الرسول‬
‫جيب عليها‬ ‫عن عبد هلال بن‬
‫نعْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬عمر‬
‫لئ‍سم‬ ‫رعايت عمال‬
‫َ ر و َْ َ ُ‬
‫‍و‬ ‫ً‬
‫أخرج البخاري‬
‫ومع أن على الدولة أن توفر التداوي واالستشفاء )الطب(‬

‫للرعية جماان‬
‫ً؛ ألن من النفقات الواجبة على بيت امالل على‬
‫وج املصلحة واإلرفاق دون‬
‫بدل؛ إال أن جيوز أن‬
‫يستأجر الطبيب وتدفع ل‬
‫أجرة ألن املداواة جائزة‪ ،‬قال‬
‫ِ‬ ‫وت «‪ .‬وألهنا أي‬
‫ا َّّلل ا‬ ‫َْ‬ ‫َداو َ‬
‫اد‬ ‫والسالم يف‬
‫َبعِ‬ ‫َ اي َ‬ ‫‪:‬احلديث السابق‬
‫علي الصالة‬ ‫»‬

‫املداواة منفعة ميكن للمستأجر استيفاؤها فينطبق عليها تعريف‬


‫اإلجارة‪ ،‬ومل يرد‬
‫َ َ‬ ‫هني عنها‪،‬‬ ‫»‬
‫اهأ ْو‬
‫عط َ‬ ‫ِ ‪ ‬ا َّّلل‬ ‫وفوق ذلك فقد‬
‫‪َ ،‬ة َأب‬
‫ب‬ ‫ه‍م‬ ‫م‍جت‬
‫َطيـ َ ْ ُ‬ ‫ح و ُ ََ َ‍ج ُ‬ ‫‍اح‬
‫ََ ْ َ‬ ‫ه ِال‍و‬ ‫ِاع‍ص ِ‬
‫ل‬ ‫َي َ َ‬ ‫‍م َ‬
‫ني َ ْن ْ‬
‫ُو َُ‍سر‬
‫ي من‬ ‫َّم‬
‫«ُ‬
‫طريق هنع ْ‬ ‫كل ََ خ َم‬
‫أخرج‬ ‫فواف‬
‫َ‬ ‫َّفُ‬
‫ام َ َطع‬
‫َ أن البخار‬
‫ْحل‬
‫ج‬ ‫ه َأ‬ ‫رضي هلال عن ‪.‬‬
‫َْ‍ر ُ‬ ‫‪:‬وعن ابن عباس قال‬
‫وُ َ َ ج‬
‫‪ ‬ع الن ْ‬
‫َِّب‬ ‫ىأو َّ َ‍ا‬
‫ط َ‬ ‫»‬
‫‪ .‬وقد‬ ‫يف ذلك‬ ‫ِاه‬ ‫‍و‬
‫ام‬
‫َ‬ ‫َ‍ل َ ْو ي ََكر‬
‫«‬
‫ه ِعيـ ِ‬
‫كانت ْط‬ ‫عةَ‬
‫أخرج م‍جت‬ ‫ِل‬
‫‍اح‬
‫ََ ْ َ‬ ‫م ْلَ احلجامة‬ ‫َم َ‬
‫البخاري‬

‫الوقت من األدوية اليت يتطبب هبا‪ ،‬فدل أخذ األجرة عليها على‬
‫جواز أتجري الطبيب‪ .‬ومثل أجرة الطبيب بيع األدوية ألهنا‬
‫‪ : ﴿ ‬شيء مباح يشمل عموم قول‬
‫بتحرمي﴾ ‪‬‬ ‫‪ .‬ومل يرد نص‬

‫‪59‬‬
‫األهداف العامة للرعاية الصحية يف دولة‬
‫اخاللفة‬

‫حفظ الصحة اجلسدية‬

‫تتعلق الصحة اجلسدية بسالمة أعضاء اجلسم وانتظام عملها؛‬


‫حبيث جتري أفعال معها على اجملرى الطبيعي‪ .‬والرعاية‬
‫الصحية اجلسدية تكون ألفراد الرعية ابلوقاية من األمراض‬
‫قبل وقو عها أو تفشيها‪ ،‬وعالجها إن وقعت‪ ،‬ومتابعتها إن‬
‫طالت أو كانت مزمنة؛ ولذلك تكون الرعاية الصحية أللصحاء‬

‫ّواملرضى‪ ،‬حبفظ الصحة عند األصحاء ورد أثر األمراض قدر‬


‫املستطاع عند املرضى‪ .‬وصحة اجلسد كما بينا هي من أعظم‬
‫النعم‪ ،‬واحلفاظ عليها ورعايتها‬
‫من احالجات األساسية اليت جيب على اخلليفة توفريها‬

‫نم «‪ :‬لرعيت ‪ ،‬قال‬


‫َْ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يزِ‬ ‫ن ْْ س ا ف َ ت ع قُ ُو‬‫كمن‍م ُ‬
‫ِم‍وِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هْ َ‬ ‫هدَ‬ ‫يف آم ِا‬
‫ع‬ ‫ِه ِ‬
‫ح َل ُه‬ ‫ُ‍م ِيف‬ ‫ب ْ‍ر‬ ‫ح‍صب ََأ‬
‫ْ َ‬
‫َّ‬
‫نَ يـ َّا‬
‫ف َك َْأ َ‬
‫ت َ‬
‫دهنج‬
‫َُ‬ ‫سَ‬

‫ام ِ‬ ‫)هذا حديث حسن غريب(‪،‬‬


‫َ‍اْإل ُ‬
‫‍م‬
‫ِ‬
‫ا‬ ‫‍ر « ‪ :‬وقال‬
‫يال عَ ْ‬
‫َدنـ « رواه الرتمذي وقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلسدية‬ ‫ع‬ ‫لئ‍سم‬
‫ه‍ َّيت « رواه‬ ‫ر و َْ َ‍و ا َُ‬
‫نع البخاري‪ .‬والتفريط‬
‫َْ‬
‫يف رعاية الصحة‬

‫يؤدي إىل وقوع الضرر ابلرعية‪ ،‬فيأمث ويل األمر‪ ،‬لقول َ‬


‫ال‬
‫ضر «‪:‬‬
‫ال َ َ َ‬

‫احالكم يف‬ ‫َّ‬


‫َو‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫ارِ ‪،‬‬
‫ر‬ ‫ضر‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫رواه‬
‫ِ‬ ‫ه‍يع «‪،‬‬ ‫لل لل و َّق‬
‫ا َّّ ُ‪ ،‬ا َّّ ُ َشا َشا ْ‍ َل‍‬
‫نم‬ ‫ض‬
‫ََْ‬ ‫ُ م اَّ َر‬

‫نْ ضا َّ َ‬
‫ره‬ ‫َ‬
‫(املستدرك وقال‪) :‬حديث صحيح اإلسناد على شرط مسلم‬

‫(حفظ الصحة )النفسية‬


‫تتحقق الصحة النفسية بشعور الفرد ابلطمأنينة الدائمة‪ ،‬وينتج‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ش‬
‫ع‬
‫و‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ب‬
‫ل‬
‫ط‬
‫م‬
‫أ‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ن‬
‫ة‬
‫ع‬
‫ن‬
‫إ‬
‫ش‬
‫ب‬
‫ا‬
‫ع‬
‫ح‬
‫ا‬
‫ج‬
‫ا‬
‫ت‬
‫ا‬
‫إ‬
‫ل‬
‫ن‬
‫س‬
‫ا‬
‫ن‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ع‬
‫ض‬
‫و‬
‫ي‬
‫ة‬
‫و‬
‫غ‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ئ‬
‫ز‬
‫ه‬
‫إ‬
‫ش‬
‫ب‬
‫ا‬
‫ع‬
‫ا‬
‫ص‬
‫ح‬
‫ي‬
‫ح‬
‫ا‬
‫‪،‬‬
‫و‬
‫ف‬
‫ق‬

‫‪60‬‬
‫األحكام الشرعية املنبثقة عن العقيدة اإلسالمية اليت ثبتت‬
‫صحتها بشكل قاطع؛ وذلك ألن العقيدة اإلسالمية وحدها جتيب‬
‫عن تساؤالت اإلنسان عن كن احلياة ومصدرها ومصريه‬
‫بعدها جبواب مقنع للعقل وموافق للفطرة‪ ،‬وألن اإلسالم وحده‬
‫يكفل إشباع مجيع حاجات اإلنسان وغرائزه إشباعا منظما‬
‫‪: ﴿‬منسقا يوازي بني الغرائز‪ ،‬يقول هلال تعاىل‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


  







 

  

  

  

﴿ :‫ تعاىل ويقول‬،﴾ 

  


 
  
  

   ﴿

:‫ ﴾وتعاىل سبحان ويقول‬ 


 

.﴾  


   
  

‫ رأى‬،‫واإلنسان إذا نظر إىل احلياة الدنيا من وجهة نظر اإلسالم‬


‫أن ما يصيب فيها من بالء إمنا هو ابتالء من هلال سبحان ‪،‬‬
‫وجزاؤه إن صرب واحتسب هو اجلنة‪ ،‬حيث ال نصب وال‬
‫تعب‪ ،‬فال يقلق لضر يصيب ‪ ،‬وال جيزع لشر يقع‬
‫ِؤم ر‬ ‫مسلم عن الرسول‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ألم ِن‪‍ُ ْ،‬الم ِ‬
‫ِ إ َّن‬
‫ه‬ ‫‪‬‬
‫َْ‍رَأ ُم‬ ‫ب ‪ ،‬ففي صحيح‬ ‫أن قال‪ » :‬ب‬
‫َ‍ج‬
‫َ‬

‫عاْ‬

‫ِ‬ ‫ؤم‬
‫ُْلمل ْنْ‬ ‫ِ‬
‫ا‪،‬‬ ‫هت‍صابـ َُأ‬ ‫ِ‬
‫ُ َله‬ ‫ََ‬ ‫إ‬ ‫َّ ‪‍ُ ،‬ه‍كلُ‬
‫سَ‬ ‫ْ‬
‫راء خ‍ري‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫َكا‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ََُّ ْ‬ ‫د ال ِن‪،‬أ َلح َإ‬ ‫خيـ‬
‫َ ْ‬
‫‍ي‬
‫َن‬
‫ش َكر َ‬ ‫سَ‍ل َ‍و َذا َْ‬
‫َك‬
‫ا‬ ‫خ‍ري‬
‫ُ َله«‪ .‬وتتحقق‬ ‫ف َكا‬
‫َ‬ ‫احلياة َ ْ‬ ‫هت‍صابـَأ‬
‫ََ‬
‫ْ‬
‫ِإ‬
‫ن َْ‬
‫الصحة النفسية يف‬
‫نَ‬ ‫ر‬ ‫ض‬
‫صبـ‬
‫ََ َ‬ ‫‍راء‬
‫و ُ َّ َُ‬
‫اإلسالمية تلقائيا برتكز املفاهيم واملشاعر اإلسالمية يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬عن طريق جهاز التعليم ومناهج يف الدولة‪ ،‬وعن‬
‫طريق األحزاب اإلسالمية العاملة يف اجملتمع اإلسالمي‪،‬‬
‫والسياسة اإلعالمية اليت تقوم على نشر مفاهيم اإلسالم‬

‫‪61‬‬
‫نقية منزلة على الواقع‪ .‬وكذلك فإن إجياد األجواء اإلميانية يف‬
‫اجملتمع وإاثرة التقوى يف نفوس الرعية يساهم يف حفظ‬
‫الصحة النفسية وحتقيق الطمأنينة‪ ،‬ويكون ذلك بتطبيق األحكام‬
‫الشرعية‪ ،‬وإلهار الصالح‪ ،‬واألمر ابملعروف‪ ،‬وطم الفساد‪،‬‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬وبث املفاهيم الشرعية واحمالفظة على‬
‫‪.‬القيم اإلسالمية‬
‫كما أن الصحة النفسية مرتبطة بتوفر احالجات األساسية‬
‫أللفراد‪ ،‬وهي امألكل وامللب واملسكن‪ ،‬فبقاء هذه احالجات‬
‫دون إشباع يؤدي إىل اهاللك‪ ،‬وإشباعها إشباعا جزئيا يؤدي‬
‫إىل القلق النفسي أو االكتئاب أحياان؛ لذلك كان تطبيق النظام‬

‫االقتصادي اإلسالمي الذي يضمن إشباع احالجات ً األساسية‬


‫ويتيح للفرد إشباع حاجات الكمالية‬
‫على أكرب قدر مستطاع‪ ،‬الزما‬
‫‪.‬للحفاظ على الصحة النفسية يف اجملتمع‬
‫وكذلك األمر ابلنسبة أللمن‪ ،‬فهو من حاجات الرعية اليت يؤدي‬
‫عدم إشباعها إىل القلق واختالل الصحة النفسية‪ .‬ويتوىل‬
‫اجليش ودائرة األمن الداخلي يف الدولة اإلسالمية محاية‬
‫الرعية من األعداء خارجيا وداخليا؛ لتحقيق األمن يف‬
‫اجملتمع‬.

‫ بل إن أمراض النفوس‬،‫والصحة النفسية مالزمة لصحة اجلسد‬


‫ ومفتاح سالمة‬.‫تضعف البدن أو هتلك وإن كان صحيح البنية‬
‫الصحة النفسية هو‬  ‫املفاهيم‬

‫ قال تعاىل‬،‫الصحيحة املنبثقة عن العقيدة اإلسالمية‬:


﴿  
  
  
  

62
  
 
﴿ :‫ وتعاىل سبحان وقال‬،﴾
 ‫» ال َّ َن َأ‬: ‫وقال‬
،﴾  
   
 
ِ ‫إ‬ ‫دت‬
‫َو‬ ُ ‫د َف‬
‫س‬ ْ ََ
ِ
‫دََس‬
‫ُكل‬
ُ ‫ه‬
‫ِإو‬ ِ‫يف‬
ُ ‫ضغم َذاِْ ُ ه ُكل َذا‬
‫‍ح‍ص د‬
ََ ‫سا‬
‫ْجل‬ ‫ت ْإ َ َ‍ل َ ُ ََسا ْجل‬

َ ‫د َف‬
‫س‬ ََ ‫ص‬
‫َ‬ ‫َلح‬
‫ْجل‬
‫ةا َ‬
‫َ‬
‫الْ «‪،‬‬ ‫َ ْقل كان‬
‫متفق‬ ‫َِه حفظ‬
‫علي ؛‬ ‫ي ََأل الصحة‬
‫ا َ‬
‫ولذلك‬ ‫النفسية‬
‫من أهم‬
‫ب ُو‬
‫‪.‬أهداف الرعاية الصحية يف الدولة اإلسالمية‬

‫حفظ الصحة العامة‬


‫تتعلق الرعاية الصحية العامة ابلعوامل اليت تؤثر على صحة‬
‫اجلماعة ككل‪ ،‬كصالحية مياه الشرب والغذاء ونقاء اهلواء‬
‫ونظافة البيئة والتطعيم وغريها من اجمالالت‪ .‬وهتدف الرعاية‬
‫الصحية العامة إىل تعزيز الصحة عن طريق سياسات على‬
‫مستوى الدولة كلها‪ ،‬تشمل إجراءات ومشاريع تقوم هبا‬

‫ّالدولة‪،‬كمد شبكات الصرف الصحي وإقامة احملميات‬


‫الطبيعية‪ ،‬وتشمل أيضا قوانني يتبناها اخلليفة ويلزم الرعية‬
‫هبا كقوانني السري ومنع الضجيج أو تلويث البيئة‪ .‬وتركز‬
‫الرعاية الصحية العامة يف الغالب على الوقاية من األمراض‬
‫أكثر من العالج؛ فالوقاية من أهم أقسام الرعاية الصحية‬
‫وأعمها نفعا وأكثرها إنتاجا‪ .‬كما تعمل الرعاية الصحية العامة‬
‫على تعزيز الصحة واملعافاة من خالل التثقيف الصحي وبيان‬
‫أمناط العيش الصحي السليم‪ ،‬وهتيئة الظروف لتتمتع الرعية‬
‫بصحة جيدة كعملية إجيابية مستدامة‪ .‬ومن جماالت الرعاية‬
‫الصحية العامة يف الدولة اإلسالمية النهوض ابلصحة البيئية‬
‫والتعامل مع عوامل اخلطر البيئية‪ ،‬وصالحية مياه الشرب‬
‫وتوفرها‪ ،‬واحمالفظة على نقاء اهلواء ومنع أسباب‬

‫‪63‬‬
‫تلوث والتعامل مع اآالثر السلبية هلذا التلوث‪ ،‬ومراقبة الغذاء‬
‫واألطعمة املصنعة وأتثريها املباشر وغري املباشر على‬
‫صحة األفراد‪ .‬ومن جماالهتا أيضا التعامل مع الكوارث‬
‫الطبيعية واألوبئة العاملية واحلد منها وضمان اجالهزية‬
‫والتأهب للتعامل معها والتعامل مع أضرارها أببعادها الوقائية‬
‫والعالجية واحلجر الصحي‪ ،‬ويدخل يف جماالهتا ما يسمى‬
‫ابلصحة العاملية فيما يتعلق ابألوبئة أو الكوارث العاملية‬
‫‪.‬االنتشار‬

‫مشولية الرعاية الصحية كل الرعية‬


‫األدلة الشرعية على كون احلفاظ على الصحة حاجة أساسية‬
‫هي أدلة عامة تشمل كل الرعية‪ ،‬سواء أكانوا مسلمني أم أهل‬
‫ذمة‪ .‬فاإلمام مسؤول عن رعيت ‪ ،‬قويهم وضعيفهم‪ ،‬غنيهم‬
‫وفقريهم‪ ،‬مؤمنهم وكافرهم‪ .‬والرعاية الصحية الواجب على‬
‫الدولة توفريها مباشرة تشمل كل خدمة صحية ميكن أن يؤدي‬
‫عدم توفرها إىل ضرر‪ ،‬وتستثىن من ذلك اخلدمات الصحية‬
‫الكمالية اليت ال يؤدي فقداهنا إىل ضرر‪ ،‬كتبييض األسنان أو‬
‫التداخالت العالجية التجميلية لسبب شرعي وحنو ذلك‪ .‬على أن‬
‫الدولة تسعى قدر املستطاع وحسب توفر املوارد إىل متكني‬
‫‪.‬الرعية من احلصول على هذه اخلدمات الصحية الكمالية‬

‫جمانية الرعاية الصحية‬


‫توفر الدولة الرعاية الصحية جماان ألفراد الرعية بغض النظر‬
‫ع‬
‫ن‬
‫ك‬
‫و‬
‫ه‬
‫ن‬
‫م‬
‫أ‬
‫غ‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ا‬
‫ء‬
‫م‬
‫ي‬
‫ل‬
‫ك‬
‫و‬
‫ن‬
‫ن‬
‫ف‬
‫ق‬
‫ة‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ت‬
‫ط‬
‫ب‬
‫ي‬
‫ب‬
‫أ‬
‫و‬
‫ف‬
‫ق‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ء‬
‫ا‬
‫ل‬
‫م‬
‫ي‬
‫ل‬
‫ك‬
‫و‬
‫ه‬
‫ن‬
‫ا‬
‫؛‬
‫أ‬
‫ل‬
‫ن‬
‫ا‬
‫ح‬
‫ل‬
‫ف‬
‫ا‬
‫ظ‬
‫ع‬
‫ل‬
‫ى‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ص‬
‫ح‬
‫ة‬

‫‪64‬‬
‫حاجة أساسية لكل الناس‪ ،‬غنيهم وفقريهم‪ .‬وال ينظر إىل عبء‬
‫ذلك على خزينة الدولة‪ .‬فال جيوز أن تقيد الرعاية بقيود مل‬
‫يرد هبا الشرع‪ ،‬كتغطية حد معني من النفقات الصحية وأن‬
‫يقوم املريض إبكمال ما زاد عنها‪ ،‬أو مشول الرعاية بعض‬
‫األدوية واخلدمات الضرورية اجمالنية دون بعض‪ .‬غري أن‬
‫ذلك ال يعين منع الرعااي من توفري الرعاية ألنفسهم مقابل‬
‫أجر يدفعون ملن يعاجلهم؛ مال‬
‫جام‬ ‫روى البخاري عن أن رضي‬
‫النَِّب‬ ‫غالم ‪ ‬ا َّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫هلال عن قال‪ » :‬ا‬
‫َع‬

‫حا‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّم‬ ‫ِاع ن‪،‬دي‬
‫‍م‬
‫نْ‬ ‫‍وَ خ َ ُ‬
‫فف‬ ‫كل َ َ‬ ‫د م ني َْ ِ َّْ ُ‍م‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َأ ْو‬ ‫ص َأو‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ْ ُ‬
‫يهِ‬ ‫َ‬
‫رَأم‬ ‫ه‍م َ ‪،‬‬
‫ف‬
‫ف َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ح‬
‫ََ َ‍جف ُ‬
‫ع‬
‫‪َ ،‬أ ْو‬ ‫ص َله ا ُ َو‬
‫واحلجامة يف ذلك الوقت ‪،‬‬ ‫ِت‬
‫ه ََ‍ض « ِريب‬
‫كانت من األساليب اليت يتطبب‬
‫هبا‪ ،‬ما‬
‫‪.‬يدل على جواز أن يوفر الفرد لنفس الرعاية الصحية والتطبيب‬

‫التميز والتقدم يف علوم الصحة‬

‫الرعاية الصحية حاجة ضرورية يعترب توفريها مصلحة من‬


‫مصاحل األمة احليوية‪ ،‬ويهدد فقداهنا حياة األمة؛ ولذلك ال بد‬
‫من أن تكون الدولة اإلسالمية يف طليعة الدول من حيث‬
‫الرعاية الصحية‪ ،‬وال بد من إجياد حشد من األطباء والعلماء‬
‫واملختصني املؤهلني علميا وفعليا البتكار األساليب والوسائل‬
‫االلزمة للرعاية الصحية‪ ،‬وال بد من توفري أقصى إمكانيات‬
‫البحث واالبتكار العلمي هلم‪ .‬واهلدف هو أن متتلك الدو لة‬
‫اإلسالمية زمام األمور يف جمال الرعاية الصحية وحتقق‬
‫االكتفاء الذايت‪ ،‬حىت ال تقع حتت أتثري الدول الكافرة رجاء‬
‫‪:‬مصلحة من املصاحل الصحية‪ ،‬قال سبحان وتعاىل‬
‫‪﴿  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪﴾،‬‬ ‫وهذه اآلية إخبار مبعىن الطلب‪ ،‬ورد‬

‫‪65‬‬
‫الذي يفيد التأبيد‪ ،‬وهو﴾ ‪ ﴿‬فيها النفي ابستعمال حرف‬
‫قرينة على أن النهي عن أن يكون للكافر سبيل على املؤمنني‬
‫هو هني جازم‪ ،‬فهو يفيد التحرمي‪ ،‬وهذا النص عام ألن‬
‫جاءت نكرة يف سياق النفي‪ ،‬فالنص يشمل﴾ ‪﴿‬‬
‫‪.‬بعموم السلطان العسكري والثقايف والصحي وغريها‬

‫اجالهزية والتأهب للتعامل مع الكوارث واحالالت االستثنائية‬


‫تعد الكوارث الطبيعية من براكني وزالزل وأعاصري‬
‫وفيضاانت‪ ،‬والكوارث احلربية من اهلجوم أبسلحة الدمار‬
‫الشامل من أسلحة بيولوجية وكيماوية ونووية‪ ،‬حاالت استثنائية‬
‫تتطلب التحضري والتهيئة املسبقة حمالولة منعها والتقليل من‬
‫‪.‬أتثريها أو للتعامل مع آاثرها بسرعة وفعالية‬
‫ومن منطلق رعاية الشؤون الواجبة على اخلليفة جتاه رعيت‬
‫فإن الدولة اإلسالمية مسؤولة عن اإلعداد الوقائي ضد هذه‬
‫الكوارث‪ ،‬وعن التهيئة املسبقة ملواجهة هذه الكوارث حال‬
‫وقوعها‪ ،‬وعن إعادة بناء ودعم املناطق املنكوبة بعد‬
‫الكوارث‪ .‬غري أن كون الدولة اإلسالمية هي املسؤول األول‬
‫عن عالج آاثر مثل هذه الكوارث ال يعين أن املسلمني كأفراد‬
‫معفون من املساعدة واملسامهة يف جهود التصدي للكوارث؛‬
‫ألن أدلة إزالة الضرر وأدلة وجوب إغاثة امللهوف واملصاب‬
‫‪ :‬أدلة عامة‪ ،‬تشمل الدولة واألفراد‪ ،‬فقول النيب‬
‫نم املستدرك ه‍يع ِ‬
‫«‪،‬‬ ‫ض‬
‫ْ‍ َل‍‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ م اَّ َر‬
‫رواه‬ ‫لل و‬
‫َشا‬ ‫لل ا َّّ ُ‬
‫احالكم‬ ‫ا َّّ ُ‪،‬‬ ‫َضاَّره‬
‫َّق َّ‬
‫يف‬ ‫َشا ق‬ ‫ن«‬ ‫َْ‬
‫َأ‬ ‫وقال‪) :‬حديث‬ ‫شرط مسلم(‪ .‬وقول‬
‫ِل‬ ‫«‪ :‬صحيح اإلسناد على‬
‫‍س‬
‫م ُْ ُ‬
‫نم‬ ‫لل‬ ‫ةاج ِ‬
‫‍و خ ا ْلم ُو‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‍ح ي يف ا َّّ ُِ‬
‫ِل ه ِ ْ ال ه ِل‬
‫ِ ِت‍اج‬
‫ه َ َ‬ ‫م ُْ‍سا ْل ِم َُم‬
‫‍ظلي َ َُ ُم ُْ‍سي‬
‫ِ‬ ‫َال‬
‫َكا‬
‫ن َ‬ ‫ه‬ ‫َأخِ‬ ‫َكا‬
‫ن ِيفو َ‬
‫نم‬
‫حْ‬ ‫ََْ‬ ‫وُ‬
‫‪66‬‬

‫ق ةام ِ‍الِ رتـ‬ ‫نم‬ ‫م‍و ِ‬


‫‍سَ‬ ‫َ َي ْ‬ ‫‍وْ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َيـ‬ ‫نِْ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫هن‬ ‫ب‬
‫تم‬ ‫ُْكر‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َْ‬ ‫نع‬ ‫َ ُْكر‬ ‫رج َف ََّـ‬
‫عةَ‬
‫ِل‬
‫اب‬ ‫رج َف ََّـ م ُْ‍سم ة‬
‫َ ُُكر‬ ‫لل‬
‫ا َّّ ُ‬
‫ِ‬ ‫‪ :‬وقول ةام ِ‬ ‫لل‬
‫َ َي‍ا ْلق «‪،‬‬ ‫ا َّّ ُ س‬
‫م‍ويـ أخرج البخاري‬ ‫ِل‬
‫ْ َ َ يف صحيح ‪،‬‬ ‫م ُْ‍س‬

‫ماُ‬
‫ه‍رتـ‬
‫ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‍ي‍نـ‬ ‫ِ‍ؤم ِ‬
‫ني َو َ ه‍عَ‍صابَأ «‪،‬‬ ‫يَ‬
‫ش ُ‬
‫انَ ْ ُ‬ ‫ِنْ ُْ‍لم‍ل‬
‫ْ‬
‫أخرج‬ ‫ِ‍ؤم‬
‫نْ ُ‍ا ْل ُم «‬
‫بـ‬
‫ك َا‬
‫َّ‬ ‫ع‬ ‫د َكا ْلبـ ضهعبـ‬
‫شبَ‬
‫َ‬ ‫ُ ُْ بـ ْ َ‬
‫ض‬
‫َ‬
‫البخاري يف صحيح ‪ ،‬فكل هذه األدلة عامة توجب إغاثة‬
‫امللهوف على أفراد املسلمني كما توجبها على الدولة؛ ولذلك‬
‫فإن الدولة جتند وتستعني بكل من يلزم من الرعية املسلمني‬
‫يف جمهود اإلغاثة حال وقوعها‪ ،‬وهتتم بتنظيمهم اللستفادة‬
‫القصوى من جمهودهم ومحايتهم حال عملهم اإلغاثي والتنسيق‬
‫بينهم وبني الكوادر الرمسية املختصة‪ ،‬كما أن للدولة أن‬
‫تفرض الضريبة على األغنياء إللنفاق على اجملهود اإلغاثي إذا‬
‫‪.‬مل تكف األموال يف بيت امالل لذلك‬

‫و ضع نظام إداري لتنفيذ سياسة الرعاية الصحية‬


‫من أجل تنفيذ سياسة الرعاية الصحية وحتقيق أهدافها الواردة‬
‫أعاله ال بد من وجود آلية إدارية أي وجود نظام إداري‬
‫للرعاية الصحية يف دولة اخاللفة‪ ،‬على مستوى عال من‬
‫الكفاءة حيقق وصول هذه الرعاية إىل الرعية‬
‫كلهم يف الوقت املناسب‪ ،‬ويعمل على حفظ الصحة العامة بكل‬
‫عناصرها‪ .‬ويقوم النظام اإلداري للرعاية الصحية يف الدولة‬
‫اإلسالمية على البساطة واإلسراع يف تقدمي اخلدمة الصحية‬
‫والعالج‪ ،‬كما يقوم على الكفاية فيمن يتولون اإلدارة‪ .‬وهذا‬
‫مأخوذ من واقع إجناز املصاحل بشكل عام‪ ،‬فصاحب أي‬
‫مصلحة إمنا يبغي سرعة إجنازها وإجنازها على الوج األكمل‪،‬‬
‫‪ ‬والرسول‬

‫‪67‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫سا َ‍ل‍ى إلح َع َْ‬
‫ُكل‬ ‫ح ال َّد ذب‬
‫يقول فيما رواه‬
‫سن ََأ ِ‬
‫اإلمام مسلم يف‬ ‫‪‍ْ ،‬ف ح‬
‫لل‬
‫ب ا َّّ ََ َ‬ ‫صحيح ‪َّ » :‬نإ‬
‫َنكت َا‬
‫ِإ‬ ‫ِ‬ ‫َأ‬ ‫ء‬
‫َف ح َلة‪َ،‬تـ‍ا ْلق َذا َو ْ‬ ‫َْشي ‪،‬‬
‫كم‬ ‫مت‬ ‫سنِ‬ ‫ِ‬
‫ُد َ‍َأ ُْ‬
‫ح‬ ‫َْ‬ ‫ح‬ ‫ُْ ْ ذب َ‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ذا َفإَ‬
‫وا ُ‬
‫ْلي‬ ‫‍لت‬
‫‍و‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‍م َ‍ َق ُ‬
‫ـتـْ‬
‫وا‬
‫قضاء ه‍ت‬ ‫ِ‬
‫‍يح ُذ‬
‫َ َ َ‬ ‫صول‬
‫األعمال‬
‫ري ْح ْل مأمور ب «‬
‫ِ ُ‬
‫ب فاإلح‬ ‫هت‬
‫‍ش شرعا‪ .‬سان‬ ‫ََ ْ َُ‬
‫يف‬ ‫فر َفـ‬
‫وللو‬
‫إىل هذا اإلحسان يف قضاء املصاحل ال بد أن تتوفر يف‬
‫اإلدارة ثالث صفات؛ إحداها البساطة يف النظام ألهنا تؤدي إىل‬
‫السهولة واليسر‪ ،‬والتعقيد يوجد الصعوبة‪ .‬واثنيتها اإلسراع‬
‫يف إجناز املعامالت ألن يؤدي إىل التسهيل على صاحب‬
‫املصلحة‪ .‬واثلثتها القدرة والكفاية فيمن يسند إلي العمل‪ ،‬وهذا‬
‫‪ .‬يوجب إحسان العمل كما يقتضي القيام ابلعمل نفس‬
‫‪68‬‬
‫الرعاية الصحية العامة يف دولة اخاللفة‬

‫اإلطار العام للصحة العامة‬


‫تتعلق الصحة العامة بعوامل تؤثر على صحة اجلماعة ككل‪،‬‬
‫كنقاء مياه الشرب و الغذاء واهلواء ونظافة البيئة والتطعيم‬
‫وغريها من اجمالالت‪ .‬وهتدف الرعاية الصحية إىل تعزيز‬
‫كلها‪ ،‬وهي‬
‫الصحة عن طريق سياسات على مستوى الدولة‬
‫تشمل أعماال‬
‫ً ومشاريع تقوم هبا الدولة كإنشاء شبكات‬
‫ا ما يتبناه اخلليفة من قوانني‬
‫ً الصحي وإقامة‬ ‫الصرف‬
‫احملميات الطبيعية‪ ،‬وتشمل أيض‬
‫يلزم هبا الرعية كقوانني السري ومنع الضجيج أو تلوث البيئة‪.‬‬
‫وتركز الرعاية الصحية العامة يف الغالب على الوقاية من‬
‫فمثال‬
‫ً فالوقاية من أهم أقسام‬ ‫األمراض أكثر من العالج؛ ولذلك‬
‫‪.‬الرعاية الصحية وأعمها نفعا وأكثرها إنتاجا‬

‫َّ قلل بشكل‬


‫إضافة اليود غري املكلف إىل ملح الطعام يف كثري من بلدان‬
‫العامل‬
‫كبري من حاالت اإلصابة أبمراض الغدة الدرقية ومن التخلف‬

‫العقلي الناتج عن نقص اليود يف تلك البالد‪ ،‬و إضافة محض‬


‫َّ‬
‫‪.‬الفوليك قل‍ل من حاالت اإلصابة بعيوب األنبوب العصيب‬

‫‪:‬و تشمل الرعاية الصحية العامة اجمالالت التالية‬


‫محاية الرعية من املخاطر على الصحة العامة ابحمالفظة ‪-1‬‬
‫على املعايري الصحية ملياه الشرب والغذاء ونقاء اهلواء‬
‫‪.‬ونظافة البيئة من التلوث الصناعي والصرف الصحي‬

‫‪69‬‬
‫حتسني صحة الرعية عن طريق مراقبة أمناط األمراض ‪-2‬‬
‫وحتديد عوامل ل األخطار الصحية‬
‫على الرعية‪ ،‬و إجياد‬
‫حلو هلذه املشاكل‪ .‬وقد يكون هذا‬
‫مثال‬
‫ً عن طريق حتديد االجتاهات املتأثرة ابلتدخني أو البدانة‪،‬‬
‫أو عن طريق حتديد التقصري يف محاية الرعية من هذه‬
‫العوامل على الصحة العامة‪ .‬وحيثما وجدت عوامل أخطار‬
‫صحية سلبية مهمة‪ ،‬توضع هال برامج أو سياسات للتعامل‬
‫معها‪ ،‬كاالمتنا ع عن التدخني يف األماكن العامة والنمط‬
‫‪.‬الغذائي الصحي‬
‫التحضري واالستجابة حالالت الطوارئ املتعلقة ابلصحة ‪-3‬‬
‫العامة‪ ،‬ويشمل ذلك تفشي‬
‫‪.‬األمراض املعدية‬
‫برامج الوقاية الصحية كالتطعيم وبرامج الفحوصات ‪-4‬‬
‫املسحية‪ .‬ويكون التخطيط والتنظيم هال على مستوى الصحة‬
‫العامة‪ ،‬و لكن من األفضل أن يكون التنفيذ هال على املستوى‬
‫احمللي أو يف مستوى الرعاية الصحية األولية أللفراد؛ وهلذا‬
‫سنبحث هذه املسألة يف القسم املتعلق ابلرعاية الصحية‬
‫‪.‬الوقائية أللفراد‬

‫أمهية النظام اإلداري غري املركزي يف جمال الرعاية‬


‫الصحية العامة‬

‫إن هدف الرعاية العامة هو تعزيز الصحة عن طريق‬


‫سياسات توضع على املستوى العام للدولة كلها؛ إال أن‬
‫ِ‬
‫تنفيذها يكون على مستوى حملي أو َب‍ق‬
‫مناطقي‪ ،‬أي على مستوى الوااليت والعماالت‪ .‬و هلذا توضع‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫ع‬
‫ا‬
‫ي‬
‫ر‬
‫ي‬
‫م‬
‫ن‬
‫ل‬
‫م‬
‫ص‬
‫ل‬
‫ح‬
‫ة‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ر‬
‫ع‬
‫ا‬
‫ي‬
‫ة‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ص‬
‫ح‬
‫ي‬
‫ة‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ع‬
‫ا‬
‫م‬
‫ة‬
‫ل‬
‫ل‬
‫ن‬
‫ط‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ع‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫ل‬
‫د‬
‫و‬
‫ل‬
‫ة‬
‫‪،‬‬
‫و‬
‫م‬
‫ن‬
‫م‬
‫ث‬
‫م‬
‫ت‬
‫ل‬
‫ك‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ع‬
‫م‬
‫ا‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ت‬

‫‪70‬‬
‫قدرة أكثر فعالية يف مراقبة الصحة ابإلضافة إىل القدرة على‬
‫ا‬
‫االستجابة لتنفيذ‬
‫للسياسات املوضوعة‪،‬‬

‫وقد يشمل هذا شبكات‬


‫ً‬
‫احتياجات معينة عملية‬
‫وفق‬
‫الصرف الصحي والتعامل مع التلوث البيئي وتطوير معايري‬
‫البناء إىل‬
‫املستوى‬
‫مركزاي‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا‬
‫ينسجم مع‬
‫منهجية‬
‫اخاللفة يف‬
‫نقل اإلدارة‬
‫إىل‬
‫املناطق‬
‫مع احملدد‬
‫أكثر فعالية عند ي التنسيق واختاذ القرار‬
‫مركزاي‬ ‫مركزاي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً وبينما‬
‫ع‬ ‫د بقاء احلكم‬
‫َ‬
‫حدوث كارثة عامة كجائحة مثال‪،‬‬
‫ً إال أن التعامل مع جائحة‬
‫كوفيد‪ -19‬دل على أن املراقبة احمللية أللمراض وتطبيق‬
‫الربامج اإلقليمية للصحة العامة هي ضرورية لفهم أمناط‬
‫‪.‬املرض وتنظيم برامج الفحوصات والتطعيم‬

‫إنشاء سياسات متكاملة تقوم عليها الصحة العامة‬

‫هناك عوامل كثرية تؤثر على صحة اجملتمع مثل البيئة‬


‫والسكن والنظافة وإنتاج الغذاء والفقر وغريها‪ ،‬وهي ال تتعلق‬
‫ابلنظام الصحي مباشرة؛ إال أن هال ا على صحة اجملتمع‬
‫وسالمت ‪ ،‬وهذا يستلزم وضع قرارات سياسية‬
‫ا‬ ‫أثر‬
‫ً‬
‫عظيم‬
‫ً‬
‫متكاملة يف كثري من نواحي الصحة العامة‪ ،‬وحيث إن احلكم‬
‫يف اإلسالم مركزي فهذا يضمن حتقق وضع سياسات عامة‬
‫مناسبة‪ ،‬ويوفر فرصة مالئمة اللتصال بني قطاعات خمتلفة‬
‫‪.‬تؤثر على الصحة‬
‫‪:‬وسنتناول البحث يف أهم جماالت الصحة العامة التالية‬
‫‪.‬توفري الغذاء والتغذية واألمن الغذائي ‪-1‬‬
‫الصحة البيئية‪ :‬وهذا يشمل مراقبة جودة املياه و نقاء ‪-2‬‬
‫ا‬
‫ه‬
‫ل‬
‫و‬
‫ا‬
‫ء‬
‫و‬
‫م‬
‫ن‬
‫ع‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ت‬
‫ل‬
‫و‬
‫ث‬
‫ا‬
‫ل‬
‫ب‬
‫ي‬
‫ئ‬
‫ي‬
‫‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪.‬ضبط الصحة العامة ‪-3‬‬
‫‪.‬ضبط انتشار األمراض حيوانية املنشأ ومنعها ‪-4‬‬
‫الوقاية من تفشي األمراض املعدية وإجراءات احلجر ‪-5‬‬
‫الصح‬
‫ي‬
‫أثناء‬
‫الوابئيا‬
‫‪.‬ت‬
‫أما العوامل األخرى لربامج الوقاية الصحية يف سياق التعامل‬
‫مع األفراد )مثل التطعيم والفحوصات املسحية(‪ ،‬فسنتناوهال‬
‫‪.‬يف قسم الحق متعلق ابلرعاية الصحية الوقائية أللفراد‬

‫الغذاء والتغذية واألمن الغذائي‬

‫توفري الغذاء َوتمني نظام غذائي متوازن‬

‫إن اجلوع وسوء التغذية من أهم األخطار على الصحة العامة ً‬


‫عاملي‬
‫‪،‬ا‬
‫وأثرها أكرب من أمراض اإليدز واماللراي والسل جمتمعة‪.‬‬
‫والتقديرات احاللية‬
‫مليوان‬
‫ً من‬ ‫تشري‬
‫الناس يعانون من‬
‫اجلوع‪ ،‬وهذا يعادل‬
‫‪ 8,9%‬من إىل أن‬
‫حنو ‪690‬‬
‫سكان العامل‪ .‬وأغلب هؤالء )‪ 381‬مليون( يف آسيا وهناك‬

‫‪ 250‬مليوان‬
‫ً آخرون يف أفريقيا‪ .‬وابلنسبة النعدام األمن الغذائي‬
‫رضني ملستوايت حادة من انعدام األمن‬
‫ً‬ ‫ففي عام ‪2019‬م كان َّ‬
‫معهناك ‪ 750‬مليون شخص تقريبا‬
‫الغذائي و حنو ملياري شخص مل تكن لديهم القدرة للحصول‬
‫ع‬
‫ل‬
‫ى‬
‫غ‬
‫ذ‬
‫ا‬
‫ء‬
‫س‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫و‬
‫م‬
‫غ‬
‫ذ‬
‫و‬
‫ك‬
‫ا‬
‫ف‬
‫‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ومما جيب أن يؤخذ يف االعتبار جودة النظام الغذائي‪ ،‬ألن‬
‫النظام الغذائي املتوازن ضروري لصحة جيدة‪ ،‬فانعدام األمن‬
‫الغذائي الذي تسبب التكلفة العالية وعدم القدرة على احلصول‬
‫على األغذية الصحية يؤدي إىل نظام غذائي يرتكز حول‬
‫حبوب قليلة أو معدومة الربوتني والزيوت و األلبان والفواك‬
‫واخلضروات‪ .‬واألغذية الصحية ليست يف متناول أكثر من ‪3‬‬
‫مليار شخص يف العامل‪ ،‬وهناك أكثر من ‪ 1.5‬مليار شخص‬
‫ال يستطيعون احلصول على غذاء حيتوي احلد األدىن من‬
‫العناصر الغذائية‪ ،‬وأغلب الذين ال يستطيعون حتمل تكلفة‬
‫نظام غذائي صحي يعيشون يف آسيا )‪ 1.9‬مليار( ويف‬
‫مليوان‬
‫ً(‪ .‬وآخرون كثر يعيشون يف أمريكا االلتينية ومنطقة‬
‫أفريقيا )‪965‬‬
‫مليوان(‪ .‬مليوان‬
‫ً(‪ .‬وأقلهم يف مشال أمريكا وأورواب )‪18‬‬ ‫ً‬
‫الكارييب )‪ 104.2‬إن هذه األرقام تشري إىل أتثري مباشر‬
‫للصحة‪ .‬فحسب التقديرات كان‬
‫سليب على الصحة وال سيما‬
‫هناك يف عام‬
‫ً‍عندما يكون النمو معيار ا‬
‫‪2019‬‬ ‫م‪ ،‬ما نسبت ‪ 144) 21,3%‬مليوان‬
‫ً( من األطفال‬
‫مليوان‬
‫ً( يعانون من‬ ‫حتت سن اخالمسة‬
‫اهلزال و‪ % 5,6‬يعانون من إعاقة يف‬
‫النمو‪ ،‬و‪47) 6,9%‬‬
‫مليوان‬
‫ً( يعانون من البدانة‪ .‬و سبب هذا اجلوع لي اإلنتاج غري‬
‫الكايف )‪38‬‬
‫للغذاء؛ ولكن سوء توزيع للغذاء وللموارد الضرورية إلنتاج‬
‫الغذاء وللحصول على الغذاء‪ ،‬وكذلك نقص يف املعرفة‬
‫‪.‬واإلرادة املطلوبة الستخدام الغذاء بشكل مالئم‬

‫‪73‬‬
‫توفري األمن الغذائي يف دولة اخاللفة‬
‫األمن الغذائي هو قدرة الدولة على توفري احالجات األساسية‬
‫من الغذاء وامالء لرعاايها يف الظروف العادية واالستثنائية‬
‫كاحلروب‪ ،‬واحلصار‪ ،‬واجلفاف‪ ،‬والكوارث‪ .‬و مصادر الغذاء‬
‫موجودة‪ ،‬وهو حباجة إىل إنتاج وإىل توزيع عادل‪ .‬فالقول أبن‬
‫ازدايد الناس‪ ،‬وقلة امالء و األرض الزراعية سبب يف موت‬

‫الناس ً ال أساس ل من الصحة‪ ،‬ويرى علماء أن األراضي‬


‫الزراعية يف العامل لوجوعا‬
‫ا‪ ،‬ومبستوى‬
‫ً أحسن استغالهال ألطعمت عشرة أضعاف‬
‫عدد سكان‬
‫العامل حالي‬
‫استهالكي‬
‫‪.‬مرتفع‬
‫إن على اخلليفة توفري األقوات للناس لسد حاجاهتم ولتبقى‬
‫عامرة ابملواد الغذائية‪ ،‬ومن ابب إكمال الرعاية أن‬
‫األسواق‬
‫حيسب اإلمام حسااب‬
‫ً ألوقات احلروب والقحط العام والكوارث‬
‫اجلسام‪ ،‬حيث تقل الز راعة‪ ،‬وتضعف إمكانية نقل املواد‪ .‬و‬
‫مي هذا‬
‫على اخلليفة مسؤولية التحقق من حصول كل فرد من‬
‫من بيت‬
‫َّو الناس على الغذاء وامللب وامألوى ابملعروف‪،‬‬
‫وينبغي أن ل‬
‫تلبية هذه قادرا على‬
‫من احالجات‬
‫ً‬
‫امالل إذا بنفس أو‬
‫مل يكن‬
‫الفرد عن طريق‬

‫‪ ‬عثمان بن عفان أن النيب‬


‫الِ َ‬ ‫» ‪:‬قال‬
‫جتب عليهم إعالت ‪ ،‬فعن‬
‫ِ‬
‫مآد‬
‫َ‬ ‫ج ع ‪ْ ،‬لَ‬ ‫وسِ‬
‫هِ‬
‫ن‬ ‫صاَِ‬ ‫َذِ‬
‫‍ب‬
‫ْ َْ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫ل‬‫َ‬ ‫س‬
‫خل‬ ‫وثـ ري‍و‬ ‫ِ‬
‫و ِزبا ْ ُ ْ‬ ‫َ‍و ِا َ ُيـَ‬ ‫لها‬ ‫َ ح ِيف ى ق َ‬
‫ف‬
‫َ ُو‬ ‫‪،‬بيْ‬ ‫‪ :‬ت ْخل ْ‬
‫هت‍ر‬ ‫‍كن‬ ‫ي‬
‫َ َُْ‬ ‫ُ‍ه َْ ُُ‬
‫‍س‬ ‫َ‍بـ‬
‫اءا ْلم‬
‫‪‍َ َ (.‬و « رواه الرتمذي وقال‪) :‬حديث حسن صحيح‬
‫أما حتقيق األمن الغذائي فهو يقتضي توفري األغذية األساسية‬
‫استغاالل‬
‫ً تستخدم في األساليب‬ ‫عن طريق‬
‫اإلنتاج واالسترياد و استغالل األراضي‬
‫الزراعية‬

‫‪74‬‬
‫والوسائل العلمية احلديثة‪ ،‬وقد عاجل اإلسالم مسألة تعمري‬
‫األرض بقول الرسول ق« رواه الرتمذي وقال‪:‬‬
‫َ‍ت ِمي رضا‬ ‫َ‍ا ِ‍س لي َ ‍هِ‬ ‫ِ‬
‫ْا‬ ‫َ‬ ‫ْ‍ولَ ُي َ‍ل َ‍هة َ‬
‫ف‬ ‫ظ ْعَِ‬
‫َح مل‍ر ق ‍‬
‫َحي َأم‬
‫‪ْ « :‬أَ ْ‍ن َ‬
‫ِ‬ ‫غريب(‪ ،‬وقول‬
‫َأول ْا‬ ‫ض َلهَأر ا ْ‬
‫حديث حسن)‬ ‫«‪:‬‬
‫حهن‬
‫‍مي َ‬
‫َْ ْ‬ ‫كانَ ُ‬ ‫نَ‬
‫ت م َْ ْ‬
‫َ‬ ‫عه‍رز‬
‫ليـ ََ‬‫ـ‬‫ْ‬
‫ْ َ ْ‬‫ف‬
‫الغذاء‬
‫َُ‬ ‫خاهَأ «‪ ،‬رواه البخاري يف صحيح ‪ .‬كما يكون توفري‬
‫بتقدمي زراعة احمالصيل املهمة لغذاء اإلنسان على‬
‫احمالصيل األقل أمهية ومبقاومة التصحر‪ ،‬وإنشاء مراكز‬
‫‪،‬‬
‫األحباث لتحسني البذور وأدوية مكافحة اآلفات الزراعية‪ً ،‬‬
‫واالهتمام ابلتصنيع الزراعي‬
‫ً وخارجياوأتمني التسويق‬
‫الزراعي داخليا‬
‫واحليواين‪ ،‬وخاصة ما في حفظ أللغذية مدة طويلة‪،‬‬
‫واالهتمام برتبية احليواانت وفق أحدث األساليب العلمية‪،‬‬
‫ودعم الدولة للمزارعني ومريب املواشي‪ ،‬وأتمني ما يلزم‬
‫لزايدة اإلنتاج من أعالف وأمسدة‪ .‬وكذلك توفري الغذاء عن‬
‫طريق‬
‫سبيال‪ ،‬ا بشرط أن ال جيعل للكافرين على املؤمنني‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االسترياد فإن جائز شرع كما جيب الرتكيز على املواد‬
‫األساسية يف اإلنتاج الزراعي كالقمح والزيوت النباتية‪ ،‬و‬
‫‪.‬اإلنتاج احليواين كاللحوم واحلليب ومشتقات والسمك والبيض‬
‫وينبغي توفري إمكانية ختزين هذه األغذية فرتات طويلة متتد‬
‫‪،‬‬
‫سنني‪ ً ،‬وجمفف التمر والتني‬
‫والعنب والزيوت‪،‬كتخزين‬
‫القمح يف سنبل أو حبا‬
‫واللحوم اجملففة واملعلبة‪ ،‬واحلليب اجملفف‪ ...‬جاء يف صحيح‬
‫مسلم عن عائشة‬
‫ُِ ر‬ ‫م‬ ‫الَ «‪ :‬وع‬
‫وقال‬ ‫َدهنع ْال َّتم «‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫هلال‬
‫ُ‬ ‫رضي‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫َأ‬ ‫عنها قالت‪ :‬قال‬
‫ت ه‬
‫ي‬ ‫يَ‬
‫‍بـ‬
‫َ ْ‬ ‫ُْل‬
‫‍ه َجاو َ َأاع ِ ِ ِر ف‬
‫‪«،‬‬
‫ُ‬ ‫َال‬ ‫ت‬ ‫يف‍ه‍لُ َ‍ع َأ ْ‪ْ ،‬أُهلُه َجي‍ه‍ي َ‬
‫رواه مسلم ْ‬
‫‍ي‍ـ ُ ِ‍عائاي‬
‫َ‬ ‫صحيح ‪ .‬وتتوىل دولة اخاللفة ختزين ‪َ« :‬مْ‍ت ْ ََ‍شة بَ‬
‫املواد الغذائية ببناء صوامع القمح‪ ،‬ومراكز التخزين‪،‬‬
‫والثالجات الكبرية؛ و تكون متعددة متباعدة حممية من األعداء‪،‬‬
‫قريبة‬

‫‪75‬‬
‫من التجمعات السكانية‪ ،‬يسهل نقل املواد الغذائية إليها ومنها‪.‬‬
‫وتتوىل الدولة مراقبة توفر شروط التخزين الصحية وسالمة‬
‫املواد الغذائية املخزنة‪ .‬وتقوم الدولة‬
‫ّ ونوعاكما ابألحكام اليت ‪،‬‬
‫ً‬
‫اإلسالمية ابلتوزيع‬
‫‪،‬العادل للطعام منعت أن يكون‬
‫ً‬

‫« ‪:‬‬ ‫ا‬
‫نآم ََ‬
‫ِب‬ ‫َم امالل‬
‫دولة بني األغنياء ووجوب‬

‫اإلطعام على املسلمني لقول‬

‫ِائ إبسناد حسن ‍م‍ع‬


‫أخرج‬
‫ُ‬ ‫َ‍ل ْ َ‍يـ «‬ ‫ع َ‬
‫وه‬
‫‍و البزار عن أن‬ ‫َ ُ‬
‫ِائ‬ ‫نت‬ ‫‪ ،‬وقول‬
‫ع َ‬ ‫ؤ ف ُْرام‬ ‫و‬ ‫ْ َ َ‬
‫صة‬ ‫« ‪:‬‬
‫رع ْ‬
‫َ َ‬ ‫ع‍بـ‍ش‬
‫دَ قج َف ْـ‬ ‫ْ َ‬ ‫َم‬ ‫م ِ‬
‫ح‍صب ََأ‬ ‫ُْه‬ ‫َأل‬ ‫ه‍ار‬ ‫اَيَأ َو ُْ ْهنـ‍م‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫ُ ُ ََج‬ ‫ُ اهليثمي َ‬
‫‍همِ‬
‫ي ْ‬ ‫جَ‬ ‫ن‬ ‫َّمةذِ واملنذري‬
‫َ اب اَ‬
‫ِ‬ ‫‍رئ‬
‫‍ب َ ا َّّلل اَىل ََعتـ « أخرج أمحد‬ ‫ِ‍ت َ ْ‬
‫عن ابن عمر وصحح أمحد‬
‫‪.‬شاكر‬
‫صحة وجودة الغذاء يف املطاعم واألسواق واملصانع‬

‫أنتج‬
‫خإن الطعام إذا كان فاسدا أو مل تتو النظافة أثناء إعداده ّ‬
‫األمراض املختلفة ونقل العدوى‪ ،‬لذلك وجب على من يصنع‬
‫الطعام ويقدم يف احماللت العامة أن يلتزم ابلنظافة الكاملة‬
‫وجبودة الطعام املقدم‪ .‬وعلى احملتسب أن يقوم إبغالق‬
‫املطاعم أو حمالت الطعام اليت يتبني أهنا تقدم الطعام الفاسد‬
‫أو املغشوش‪ ،‬ومعاقبة أصحاهبا إن كانوا مقصرين أو متعمدين‬
‫بيع الغذاء الفاسد‪ .‬وال يعاد فتحها إال بعد إعادة فحص جودة‬
‫ما تقدم للناس من‬
‫رسول‬
‫َ‬ ‫يف صحيح أ َّن‬
‫م‪ َ ،‬ص ا‬
‫ِ‬
‫غذاء‪ .‬روى مسلم ‪ ‬هلال‬
‫ل َأد‬ ‫َ‬
‫ِ َّ‬ ‫ل‍قف‬ ‫‍ا ًل‬
‫ف‬
‫َ َ‬ ‫خ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪،‬‬‫«‬ ‫؟امَالط‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ لل"‪ .‬اَلََّّ َ‍ل َ‬
‫‍ب‬
‫َطع‬ ‫‪ » :‬ا ذا‬ ‫َ‍ن‬
‫َم َ َه‬ ‫ال َ‍ف‬ ‫َ‬
‫ِر ب‬ ‫‪ :‬ع َق‬
‫ةع َ‬ ‫اء‬
‫تف‬ ‫ََّسمال ‪ -‬أ ِي‬
‫ر ‍ى‬
‫َم َ‍ل ََّ‬ ‫ِ‬ ‫امل‬
‫صاحَِ‬ ‫امَعالطَّ‬
‫ه‍د‬
‫ِاب‬ ‫َ َي ا‪،‬‬
‫اي ع ‍ََأص‬ ‫ب َ‬
‫يهَِ‬
‫ص‬ ‫ت‍اب َأ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫ه‍لت‍ع‬ ‫ق‪:‬‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ـو‬‫ف‬ ‫َق‬ ‫ج‬ ‫ُ َْ َ َ‬ ‫‪َ -‬طر اي َو َ‬
‫َ »َأ َفال‬ ‫س‬ ‫"‬
‫َ‍ر‬

‫ِِ ن َفـ َلي‬


‫وروى هريرة أيضا عن‬ ‫َ ش‬ ‫اه‍ر‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫يـ‬‫َ َ‬
‫مسلم‬
‫أيب‬ ‫عن‬ ‫ْ كيَ ُ‬
‫ًم‬ ‫َن‬
‫س‬
‫َْ‬
‫«‪،‬‬
‫! َّن ُ‬
‫اس‬
‫ِ‬ ‫رسول هلال‬
‫غ َّشن س َفـ َلي َّ‍ن‍ا َْم‬
‫َ‬ ‫‪:‬قال ‪‬‬
‫نم‬
‫و ا َْ َ َ‬ ‫»‬
‫«‪76.‬‬

‫الصحة البيئية‬
‫إن صحة اإلنسان متعلقة ابلبيئة‪ ،‬فاهلواء من حولنا واملياه‬
‫‪،‬‬
‫اليت نشرهبا ً وسالمة هذه كلها‬
‫مرتبطة بكيفيةوالغذاء الذي أنكل‬
‫مي صحتنا كثريا‬
‫ا لقد‬
‫ً ا و على امتداد السنني والعقود أيض‬ ‫‪.‬‬

‫ا وكذلك عاملي ً‬
‫فوراي‬
‫ً وحملي تعاملنا معها ً‬
‫تر‬
‫ّك على العالقات ت الصحة البيئية أبهنا فرع الصحة‬
‫العامة اليت ز‬
‫ابتت ف‬
‫ُعر‬
‫بني الناس وبيئتهم‪ ،‬وتعمل على ازدهار صحة اإلنسان وصالح‬
‫‪ ،‬وتنمية جمتمعات صحية وآمنة‪ .‬فالصحة البيئية جزء رئيسي‬
‫من أي نظام شامل للصحة العامة‪ .‬ويف هذا اجمالل ينبغي أن‬
‫يعمل على وضع سياسات وبرامج للتقليل من امللواثت‬
‫الكيميائية واملؤذايت البيئية األخرى يف اهلواء واملياه والغذاء‬
‫من أجل محاية الناس ومنح اجملتمعات بيئات أكثر صحة‪.‬‬
‫فقد أدخلت الرأمسالية التصنيع دون اهتمام ابلبيئة‪ ،‬ومع دخلت‬

‫األوساخ واألمراض واملوت ّتلو األرض واهلواء واملياه‪،‬‬


‫واألراضي الزراعية واألهنار‬
‫إىل مدن تعاين من ث‬
‫َّ‬
‫والبحار أصبحت ملوثة ابملبيدات واملخل‍فات الصناعية‪،‬‬
‫فتضاءل التنوع البيولوجي نتيجة للجشع الرأمسايل‪ .‬فقامت‬
‫الدول الرأمسالية برت قيعات لتغطية هذا القصور منها إنشاء‬
‫الوكاالت واملنظمات ملراقبة وضبط التلوث‪ ،‬و منها ما يسمى‬
‫‪.‬بضرائب الكربون‪ ،‬وغريها‬
‫أما يف اإلسالم فإن أمهية النظافة واإلدارة البيئية من أجل‬
‫احلفاظ على الصحة انعكست يف تصاميم الكثري من مدن‬
‫املسلمني العظيمة‪ ،‬ويرجع ذلك إىل ربط اإلسالم األجر‬
‫والثواب يف اآلخرة بعالقة اإلنسان مع بيئت ‪ ،‬فاإلسالم‬

‫‪77‬‬
‫ر‬
‫ّكز ذهن اإلنسان على أمهية البيئة النظيفة‪ ،‬لذاهتا وكذلك من‬
‫أجل الصحة البشرية‪ ،‬وذلك بتقليل التلوث وابحلث على‬
‫االطمئنان النفسي والرضا والقناعة ابملمتلكات املوجودة‪ .‬فقد‬
‫خلق هلال سبحان وتعاىل اإلنسان من األرض‪ ،‬واستعمره فيها‪،‬‬
‫‪: ﴿‬وسخر ل كل ما يف الكون لينتفع ب ‪ .‬قال عز وجل‬
‫‪ ،﴾  ‬تعاىل وقال‪:‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫﴿‪‬‬

‫‪  ﴾.‬‬

‫وقتل احليواانت من أجل الطعام أو حالجة أخرى ً أو‬


‫بال دا ع‪ ،‬فعن عبد مباح يف اإلسالم‪ ،‬ولكن هناك‬
‫حسااب‬
‫ً ملن يقتل إسرافا‬
‫َ‬
‫» ‪:‬قال ‪ ‬هلال بن عمر و‪ ،‬أن رسول ا َّّلل َ‬
‫ِما‬
‫ن ْن ام َ‬
‫َفم َا‬ ‫اع ور ا‬
‫ِ‬
‫‍إ‬
‫سن ْ‬ ‫صف ْيـ ُ‬‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‍ـه‬ ‫‍قت‬
‫ـو‬
‫‍ق ‍ْ َ‬
‫ف‬ ‫ْ‍ل َُ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ةام‬ ‫حإ‬
‫‍و‬
‫َ َ‬ ‫ا‬ ‫‍ق‬
‫‪ :‬يل َ‬ ‫ْ‬
‫« َ َيالق‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ري‍‍غ‍ب َْا ِ ق ِ َأ‍ه‬
‫ِ‬
‫ه َ َُّال ََ‬
‫‍‬
‫ل‬
‫لل ََّّا‬
‫لس‬ ‫عَ‬ ‫واَ‬
‫‍ر‬
‫َ َ‬ ‫‪ ،‬اي َو‬ ‫هنـ‬ ‫ا َّّلل َّز‬
‫َْ‬
‫م‍و‬
‫ْ َيـ‬
‫عل‬
‫ِ رواه‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫َّ َ َ‬ ‫سُ‬
‫ِ‬
‫ِم‍ر‬ ‫ل‬ ‫ا؟قه » ‪:‬‬
‫هب «‪،‬‬ ‫ـيـ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫يْ َ َ‬ ‫َ َ َ هاق ا ََ‬
‫هْأس‬ ‫ْ ال‬ ‫َأ‬
‫َ‍ َ َ‬
‫‍ر‬ ‫هأ َفـي َ َ َ‬
‫‍وُ‬ ‫ك َل َ‬ ‫ح ْن ا َ‬
‫َ‍ع‬
‫قط َ‍يـ َاْ‬
‫‍‬ ‫حقَ‬
‫ب‬
‫هْ َذ َ‍ي َا‬
‫احالكم يف مستدرك وقال‪) :‬حديث صحيح اإلسناد(‪ .‬و عن‬
‫ص‬
‫أيب هريرة عن النيب َ َ‍د َقة «‪ ،‬أخرج مسلم يف صحيح ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫‍ذى‬
‫» ‪:‬قال ‪َ ‬‬
‫مث َعِ ن الطِ‍ري ِقي ُط ْاأ َل ُومتَ‬
‫إن اإلسالم مدح إنشاء شيء انفع يف البيئة‪ ،‬فقد قال النيب‬

‫« ‪:‬‬ ‫ا ِ‬
‫َم ْن‍م‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِ‍إ َأ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬


‫رسغ‬ ‫ِل‬
‫كاَ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ال‬ ‫بَِ‬ ‫يم‬
‫َ ْ‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫هن ْ َسن‬ ‫‍م‬ ‫كْألُُ‬ ‫‍يـِ‬ ‫‍سم‬
‫م ُْ‬
‫َ ُ‬
‫وا‬ ‫َأ‬ ‫َأو‬ ‫س‬
‫َله‬ ‫َ‬ ‫ع‍رز‬
‫ـي‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ع‬
‫ُْ َ َ‬
‫يـ‬
‫ِ‬ ‫رز َا ْ‬ ‫َغر ا ْ ْ‬
‫هِ‬ ‫َطيـ ْر ْ‬
‫ن َإ‬
‫ص‬
‫اإلسالم‬
‫َ‬ ‫َ‍د ب َقة «‪ ،‬أخرج البخاري يف صحيح ‪ .‬وقد حرم‬
‫اإلضرار ابلبيئة‪ ،‬ألن هبا قوام اإلنسان‪ ،‬وتوعد هلال سبحان‬
‫وتعاىل املفسد للطبيعة والبيئة‬ ‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫﴿‪‬‬ ‫وتعاىل سبحان فقال‪:‬‬
‫الرسول‬ ‫ّكد‬ ‫‪،‬ابلعقاب‬ ‫ولقد‪‬‬ ‫أ‬ ‫‪.﴾‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ِو‬ ‫ِ‬ ‫على الناحية‬ ‫يف قول ‪:‬‬
‫ِاردَ َا ْلم‬ ‫َ‍ن َ‬
‫‍العَ‬
‫ازر‬ ‫ال‬
‫يف ‪ ،‬ا ْلبـ َ َ َِ‬ ‫َّ‬
‫الث ‪َ َ :‬ث ا ْلم‬
‫البيئية للنظافة‬ ‫‪78‬‬ ‫»ا َّتـُقوا‬

‫ِ‬
‫الظ َو «‪ ،‬رواه احالكم يف املستدرك وقال‪) :‬حديث صحيح َّلو‬

‫َّ‬
‫‪،‬الطِ‍ري ِق‬

‫َ رع‬
‫َةق ِا ََ‬
‫اإلسناد(‪ ،‬وللحفاظ على البيئة فعلى دولة اخاللفة أن تنشئ‬
‫دوائر لوضع املعايري ملراقبة نقاء اهلواء وجودة املياه‬
‫وسالمة الغذاء‪ .‬و يكون دورها مراقبة البيئة ومنع التلوث‬
‫الكيميائي أو اإلشعاعي‪ ،‬و تضبط األمراض املعدية اآلتية من‬
‫‪.‬استخدام اإلنسان للحيواانت األليفة والربية وتفاعل معها‬
‫‪:‬وفيما يلي العناصر املهمة يف صحة البيئة‬
‫نقاء اِلواء‬

‫رِ‬
‫سنواي يف تقد منظمة الصحة العاملية أن ‪ 7‬ماليني شخص‬
‫ً‬
‫ميوتون‬
‫ّ ً يستنشقون هواء حيتويحاالت تلوث‬
‫اهلواء‪ ،‬وأن تسعة أعشار الناس عامليا‬
‫على مستوايت عالية من‬
‫قدر أن ربع وفيات‬ ‫اثت‬
‫ِ ّ‍امللو ‪ .‬ولقد‬

‫الراشدين من‬

‫أمراض القلب والسكتات كان يف حاالت تلوث اهلواء‪ ،‬وأن‬


‫‪ 29%‬من وفيات سرطان الرئة و‪ 43%‬من وفيات مرض‬
‫االنسداد الرئوي املزمن ميكن نسبتها إىل حالة تلوث اهلواء‪.‬‬
‫وللغبار املشع أثر الهر يف تلوث البيئة‪ ،‬و قد متثلت أبعاده‬
‫العاملية أبسوأ أشكاهال يف كوارث تشرنوبل وفوكوشيما‪.‬‬
‫فحادثة تشرنوبل يف عام ‪1986‬م نتج منها تلوث ‪ 20‬ألف‬
‫كيلومرت مربع من أوكرانيا شفواكت الغبار املشع يف أحناء‬
‫أورواب الغربية‪ .‬و بدأت حمطة فوكوشيما للطاقة النووية يف‬
‫الياابن تطلق النشاط اإلشعاعي إىل اجلو يف الثاين عشر من‬
‫آذار‪/‬مارس ‪2011‬م واليت وصلت عرب احمليط اهالدي إىل‬
‫الوااليت املتحدة بعد ‪ 5-6‬أايم‪ ،‬وبعد مرور عشر سنوات على‬
‫الكارثة‪ ،‬ال يزال العلماء يكتشفون ً أنواع‬
‫‪.‬ا جديدة من الغبار املتساقط من حمطة فوكوشيما‬

‫‪79‬‬
‫ويكون عالج مشكلة االنبعااثت املختلفة يف اهلو اء يف الدولة‬
‫اإلسالمية بتخصيص مناطق صناعية بعيدة عن املناطق‬
‫السكنية للصناعات امللوثة‪ ،‬ومراقبة املنشآت الصناعية‬
‫والزراعية وأية مصادر أخرى للتلوث‪ ،‬وإلزام تلك‬
‫املنشآت واملصادر ‪ -‬سواء ما كان منها داخال يف امللكية‬
‫اخالصة أو العامة ‪ -‬ابتباع أساليب ونظم اإلنتاج النظيف‪،‬‬
‫كوحدات معاجلة الفضالت الصناعية‪ ،‬وبعدم السماح بتسرب‬
‫امللواثت للبيئة احمليطة مبا يتعدى احلدود املسموح هبا‪ ،‬وهذه‬
‫احلدود يقوم بتعيينها أهل االختصاص من العلماء‪ ،‬حبيث يسمح‬
‫فقط ابحلد األدىن من االنبعااثت والفضالت اليت ال تؤثر على‬
‫التوازن البيئي‪ .‬كما هتتم الدولة إبنشاء مصانع إلعادة تصنيع‬
‫الفضالت الصناعية املباحة واستغالهال مرة أخرى‪ ،‬وهو ما‬
‫يسمى إبعادة التدوير‪ ،‬وما يتبقى بعد ذلك من هذه املخلفات‬
‫غري القابلة اللستغالل أو التدوير‪ ،‬فإن يتم التخلص من ابلدفن‬
‫يف املناطق النائية‪ .‬ويتم إنشاء فريق من العلماء الستحداث‬
‫سبل جديدة للتخلص من هذه املخلفات وإزالة خطرها‬
‫‪.‬وضررها عن الرعية‬
‫ومبا أن التلويث البيئي من املخالفات اليت تضر ابجلماعة‪ ،‬فإن‬
‫قاضي احلسبة يف الدولة اإلسالمية هو املسؤول عن مراقبة‬
‫املصانع واملنشآت للحد من االنبعااثت الضارة ابلبيئة‪ ،‬وميكن‬
‫أن يستعني أبهل العلم واملختصني ابلبيئة للقيام بذلك‪ ،‬وحتدد‬
‫عقوابت تعزيرية رادعة حبق أصحاب املصانع يف حال‬
‫تعديهم احلد املسموح ب من االنبعااثت الصناعية‪ ،‬ويغلق‬
‫‪.‬املصنع إن مل تردع العقوابت واستمر يف تلويث البيئة‬
‫والبيئة الطبيعية ال حتد حبدود الدولة‪ ،‬خصوصا إذا انتقلت‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫ل‬
‫و‬
‫ا‬
‫ث‬
‫ت‬
‫ع‬
‫ر‬
‫ب‬
‫ا‬
‫ه‬
‫ل‬
‫و‬
‫ا‬
‫ء‬
‫أ‬
‫و‬
‫ج‬
‫م‬
‫ا‬
‫ر‬
‫ي‬
‫ا‬
‫م‬
‫ل‬
‫ي‬
‫ا‬
‫ه‬
‫؛‬
‫و‬
‫ل‬
‫ذ‬
‫ل‬
‫ك‬
‫ج‬
‫ي‬
‫ب‬
‫ع‬
‫ل‬
‫ى‬
‫ا‬
‫ل‬
‫د‬
‫و‬
‫ل‬
‫ة‬
‫ا‬
‫إ‬
‫ل‬
‫س‬
‫ا‬
‫ل‬
‫م‬
‫ي‬
‫ة‬
‫م‬
‫ن‬
‫ع‬
‫ا‬
‫ل‬
‫د‬
‫و‬
‫ل‬
‫ا‬
‫ج‬
‫م‬
‫ل‬
‫ا‬
‫و‬
‫ر‬
‫ة‬

‫‪80‬‬

You might also like