‫‪ 1‬من ‪12‬‬

‫التميز ‪ ...‬معناه وأثره يف الفرد واجملتمع‬ ‫عنوان اخلطبة‬

‫‪/1‬التميز مقصد ديين ومطلب اجتماعي ‪/2‬من‬ ‫عناصر اخلطبة‬
‫الضروري كشف مكامن التميز وتنميتها ‪/3‬مراعاة‬
‫التخصص مبدأ يعلي قيمة اإلبداع والتميز ‪/4‬بعض‬
‫جوانب التميز عند الصحابة ‪/5‬معىن التميز التسديد‬
‫واملقاربة وليس الكمال ‪/6‬الغرور آفة جيب اجتناهبا‬
‫سعود بن إبراهيم الشرمي‬ ‫الشيخ‬
‫عدد الصفحات ‪13‬‬
‫الخطبة األولى‪:‬‬

‫احلمد هلل الكبري املتعال‪ ،‬ذي العزة واجلربوت واجلالل‪ ،‬شديد ْالِمح__ال‪ ،‬ل__ه‬
‫‪-‬وح_ َ_ده‪ -‬اجلم__الُ والكم__الُ‪ ،‬ول__ه دع__وة احلق‪ ،‬وه__و لك__ل م__ا يري__د َخبْلق__ه‬
‫فع _َّال‪ ،‬يس__بِّح ل__ه مَْن يف الس__موات واألرض بالغ _ُُدِّو واآلص__ال‪ ،‬وأش__هد ألَّا‬
‫اهلل ورس_ __ولُه‪،‬‬
‫اهلل وح_ _ َ_ده ال ش_ __ريكَ ل_ __ه‪ ،‬وأش_ __هد أنَّ حمم_ _ ً_دا عب_ __دُ ِ‬
‫إل_ __هَ إلَّا ُ‬
‫الكلم واملق__الِ‪ ،‬أخ_َذ العف__وَ‪ ،‬وأم_َر‬ ‫وتيَ جوام_ َ_ع ِ‬ ‫َحس_َُن الس__جايا واخلص__ال‪ ،‬أُ ِ‬
‫ب _ __العُْرف وهنى عن األذى واجلدال‪ ،‬فص _ __لوات اهلل وس _ __المه علي _ __ه‪ ،‬وعلى‬
 ‫‪ 2‬من ‪12‬‬

‫أزواج__ه وص__حبه واآلل‪ ،‬وعلى مَْن س __ار على ط __ريقهم‪ ،‬واتَّب _َع ه __داهم إىل‬
‫كثريا‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫وسلم‬
‫يوم احلشر واملآل‪َّ ،‬‬

‫واستمسكوا من اإلس__الم‬
‫ِ‬ ‫َّأما بعدُ‪ :‬فيا أيها الناس اتقوا ربَّكم حقَّ التقوى‪،‬‬
‫اهلل الثب__اتَ على دين__ه‪ ،‬واتب_اع س_ُنَّة نبي_ِّه ‪-‬ص_لى اهلل‬ ‫بالعروة الوثقى‪ ،‬وسَُلوا َ‬
‫عليه وسلم‪-‬؛ لتفوزوا برؤية الرمحن يف جنَّة املأوى‪َ( ،‬يا َأُّيَه ا الَّناُس اْع ُبُد وا‬
‫َر َّبُك ُم اَّلِذي َخ َلَق ُك ْم َو اَّلِذيَن ِم ْن َقْبِلُك ْم َلَعَّلُك ْم َتَّتُقوَن )[اْلَبَق َر ِة‪.]21 :‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬إن__ه م__ا من أح_د إال لدي__ه عي__وب‪ ،‬فتل_ك س_ُنَّة اهلل يف َخْلق__ه‪ ،‬وإن__ه‬
‫مل ي _ _ _َُر يف عي _ _ __وب الن _ _ __اس عيٌب كنقص الق _ _ __ادرين على التم _ _ __ام‪ ،‬وإمهال‬
‫اجلديرين بالتميز‪.‬‬

‫_اد اهللِ‪ -‬غاي _ٌة يَنْش _ُُدها ك__لُّ جمتم__عٍ واعٍ‪ ،‬وك_ ُّ_ل ف__رد مهيم‪ ،‬وه__و‬
‫التمي _ُّز ‪-‬عب_ َ‬
‫وأكد عليها‪ ،‬وبيَّن أن الع__ربة‬
‫أصَلها اإلسالمُ َّ‬ ‫مقصٌد ظاهٌر من املقاصد اليت َّ‬
‫يف األشياء بكَيْفِها ومتيُِّزها ال بكَِّمها وهبائها‪ ،‬ف__إن اهلل ‪-‬ج_ل ش__أنه‪ -‬ق__ال‪:‬‬
‫(ِلَيْبُلَو ُك ْم َأُّيُك ْم َأْح َسُن َعَم اًل )[ُه وٍد‪ ،]7 :‬ومل يقل‪ُ :‬‬
‫أكثر عََمًلا؛ ألن العربة‬
‫الصريح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اللنب‬
‫وقدميا قيل‪ :‬حتتَ الرغوةِ ُ‬ ‫باحلقيقة ال بالشكل‪ً ،‬‬
 ‫‪ 3‬من ‪12‬‬

‫النفس‪ ،‬وإمنا التمي_ُّز‬

‫ُ‬ ‫تكلفًا‪ ،‬وال َحْمَل ما ال تُطيق__ه‬
‫التميُّز ‪-‬عباد اهلل‪ -‬ليس ُّ‬
‫مقومات التم_يز‪ ،‬ول__ديها من اهلم_ة على‬ ‫ك ِّ‬‫متل ُ‬
‫جهد لنفس ِ‬
‫وبذل ٍ‬
‫شحذ مهةٍ ُ‬ ‫ُ‬
‫والنفيس من أج_ل حتقي_ق تلكم‬‫َ‬ ‫_ايل‬
‫صاحبَها يب_ذل الغ َ‬
‫بلوغ درجته ما جتعل ِ‬
‫الغاية‪.‬‬

‫_ري أهنم‬
‫مكمٌن من مك__امن التم__يز‪ ،‬غ_ َ‬
‫وإن__ه م__ا من أح__د من الن__اس إال لدي__ه َ‬
‫يتف __اوتون يف كش __فه والغفل __ة عن __ه‪ ،‬وم __ا يت __اح أم __امَهم من حماض _َِن لرعاي __ة‬
‫ملجم‬
‫_وبني‪ ،‬وم__ا يك__ون من مب__دأ الث__واب للمتمي_ِّز‪ ،‬فكم__ا أن العق__اب ِ‬ ‫املوه_ َ‬
‫للم_رء عم_ا يقبح ب_ه‪ ،‬فك_ذلك الث_واب خ_ري ح_افِز لش_حذ مهة التمي_ُّز أمام_َه‪،‬‬
‫اهلل اإلنس __انَ بالعق __ل الس __ليم‪ ،‬واجلس __م الص __حيح إال لي __ذكِّي من‬ ‫وم __ا مي_ _َّز ُ‬
‫خصلة التميز الكامن_ة‪ ،‬والن_اس ليس_وا على ح_د س_واء يف املس_توى‬ ‫َ‬ ‫خالهلما‬
‫ال__ذهين وال الب__دين وال املعيش__ي‪ ،‬ولكنهم ‪-‬م__ع تف__اوهتم ه__ذا‪ -‬ميكن لك__ل‬
‫غري أن لكل‬ ‫اهلل له؛ فاملزارع ليس كالطبيب‪َ ،‬‬ ‫يتميز مبا أتاح ُ‬
‫أحد منهم أن َّ‬
‫_ري أن لك__ل منهم__ا متيزه‬
‫منهم__ا متي_َُّزه يف مهنت__ه‪ ،‬والفقي__ه ليس كالك__اتب‪ ،‬غ_ َ‬
‫يف فنه‪.‬‬
 ‫‪ 4‬من ‪12‬‬

‫مطلق__ةً ال ت__دخلها النس__بيةُ‪ ،‬فليس مثة متي_ُّز‬

‫والتميز ‪-‬يف احلقيق__ة‪ -‬ليس قيم__ة َ‬
‫مطل__ق‪ ،‬ب__ل لك__لٍّ متي_ُُّزه الالئ__قُ ب__ه‪ ،‬وليس من وص__فه الكم__ال الت__ام‪ ،‬وم__ا ال‬
‫كله ال يَُرتك ُج ُّله‪ ،‬ووصول املتميِّز ولو مت_ ً‬
‫_أخرا خ_ٌري ل__ه من ألَّا يص__لَ‬ ‫يُدرَك ُّ‬
‫أب_ _ ً_دا‪ ،‬وإن مل يس_ __تطع أن يك_ __ون يف املقدم_ __ة فليح_ __رص على ألَّا يك_ __ون يف‬
‫املؤخرة‪ ،‬فلرمبا ك__ان متي _ُّزه يف ع__دم الفش__ل حني يك__ثر الفاش__لون‪ ،‬كم__ا أن‬
‫فشلا حني يكثُر املتميزون‪ ،‬وال يدخل التع__ثرُ يف مث__ل ذل__ك؛‬ ‫عدم متيزه يُعَُّد ً‬
‫_ول إلي_ه إال من خالهلا‪،‬‬ ‫ألن التعثر عتب_ة من عتب_ات التم_يز ال_يت ال يتم الوص ُ‬
‫وليس العيب يف جمرد العث __ار‪ ،‬وإمنا العيب يف تك _ ُّ_رر العث __ار بنفس الطريق __ة‪،‬‬
‫املؤمن من ُجح_ٍْر واح ٍ_د‬
‫ُ‬ ‫فقد قال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وس__لم‪" :-‬ال يُل_دَغ‬
‫مرتني" (رواه البخاري ومسلم)‪.‬‬ ‫ِ‬

‫_ري أن __ه ينبغي للم __رء أن يُِعلي مهت_ _َه‪ ،‬وال يض __ع س __قفًا لتم __يزه؛ ألن اهلم __ة‬
‫غ_ َ‬
‫غامَرت يف شرف مرموم فإهنا ال تقنع فيه مبا دون النجوم‪.‬‬ ‫العالية إذا َ‬

‫_اد اهلل‪ -‬ب__ذلُ موج__ود وليس تكل _ُّف مفق__ود‪ ،‬وك__ل‬

‫التمي _ُّز ‪-‬يف حقيقت__ه عب_ َ‬
‫التميز فيها‪ ،‬واجملاالت ال__يت ليس__ت مِن‬
‫جيدر به ُ‬ ‫أعرف باجملاالت اليت ُ‬
‫ُ‬ ‫امرئ‬
‫بَابَتِِه وال هو منه_ا‪ ،‬والن_يب ‪-‬ص_لى اهلل علي_ه وس_لم‪ -‬ك_ان يُب_دي ه_ذا املع_ىن‬
 ‫‪ 5‬من ‪12‬‬

‫لصحابته؛ ِلَما يلمسه من مهة كل أحد منهم؛ فإنه َلم_َّا ج__اءه رج_ٌل وش__كا‬
‫ت عليَّ‪ ،‬ف__أخربين‬ ‫حال_َه ق__ائًِلا‪" :‬ي__ا رس__ول اهلل‪ ،‬إن ش__عائر اإلس__الم ق__د َكث_َُر ْ‬
‫اهلل" (رواه‬‫ك رطب _ _ _ًا مِْن ِذك _ _ _ِْر ِ‬
‫ب_ _ __أمر أتش_ _ __بَّثُ ب_ _ __ه‪ ،‬ق_ _ __ال‪ :‬ال ي_ _ __زال لس_ _ __انُ َ‬
‫اهلل‪ ،‬ألَا‬
‫الرتم_ __ذي)‪ ،‬وق_ __ال أب_ __و ذر ‪-‬رض_ __ي اهلل عن_ __ه‪" :-‬قلُت ‪ :‬ي __ا رس __ولَ ِ‬
‫_ك ض __عيٌف ‪،‬‬‫تس __تعملين؟ فض _ََرب بي __ده على منك __يب مث ق __ال‪ :‬ي __ا أب __ا ذر‪ ،‬إن _ َ‬
‫وأدى‬‫وإهنا أمان _ٌة‪ ،‬وإهنا ي __ومَ القيام __ةِ خ __زٌي وندام _ٌة‪ ،‬إلَّا مَْن أخ _ََذها حبقه __ا َّ‬
‫الذي عليه فيها" (رواه مسلم)‪.‬‬

‫_اد اهللِ‪ -‬أن الض__عيف ال يبل__غ ب__اإلدارة مبل__غَ التم__يز؛ ألهنا‬

‫اد ذلكم ‪-‬عب_ َ‬ ‫فمَف ُ‬
‫َ‬
‫التصرف يف تذليل العقبات؛‬ ‫َ‬ ‫حسن‬ ‫وت ِ‬‫تفتقر إىل قوة تقف أمام التحديات‪ُ ،‬‬
‫فإن التميز اإلداري ليس بالتمين وال جبم_ال الفك_رة املطروح_ة‪ ،‬وإمنا التم_يز‬
‫املنطِلق __ة من إمك __ان حتقيقه __ا يف الواق __ع بق __وة حامله __ا‪ ،‬وفاق __د‬
‫يف الفك __رة َ‬
‫نفسه على ما ينايف طبع_َه وميول_َه‬ ‫يعسف َ‬ ‫الشيء ال يعطيه‪ ،‬واملرء العاقل ال ِ‬
‫_ثر مما يُحس_ِن‪ ،‬يف ال_وقت ال_ذي‬ ‫اليت جيي__دها ويتقنه_ا؛ ألهنا سيقص_ِّر فيه_ا أك َ‬
‫عملا‬
‫ال يُقب _َل من__ه إال اإلتق__انُ‪ ،‬ويف األث__ر‪" :‬إن اهلل حيب إذا عَم _َِل أح_ ُ_دكم ً‬
‫أن يُِتقنَه"؛ فإن اإلتقان من التميز‪ ،‬وب_التميز يك_ون التق_دُّم‪ ،‬ومن املس َّ_لمات‬
 ‫‪ 6‬من ‪12‬‬

‫ألَّا حضارةَ دون متيُّز؛ فالتميز ه_و أقن_وم االخرتاع_ات ال_رئيس؛ ف_إن أس_الفنا‬
‫مل يبلغ__وا ش__أوًا عالي_ًا إال ب__التميز‪ ،‬ال__ذي أَث_َْرْوا ب__ه كاف_ َ_ة العل__وم يف أزمنتهم‪،‬‬
‫_ريهم عال _ ً_ة عليهم‪ ،‬فلهم قص __ب الس __بق يف احلكم والتش __ريع‪،‬‬ ‫ح __ىت ك __ان غ _ ُ‬
‫واإلدارة والطب والفيزي__اء وغ__ري ذلكم من العل__وم واملع__ارف والص__ناعات‪،‬‬
‫عموم البشرية َّأيما إفادةٍ‪.‬‬
‫اليت أفادوا منها َ‬

‫وق__د ك__ان من أهم مرتَك_َزات التم_يز عن__دهم ‪-‬آن_ََذاكَ‪ -‬مراع__اة التخص__ص؛‬

‫اجلادة‪ ،‬كما قال ابن حج__ر‬ ‫وقع يف الزلل وامليل عن َّ‬ ‫ألن جتاوُز التخصص يُ ِ‬
‫تكلم يف غ __ري َفن _ِّه أتى بالعج __ائب"‪ ،‬والتخص _ُّص ‪-‬دون‬ ‫‪-‬رمحه اهلل‪" :-‬مَْن َّ‬
‫وحيد‬
‫ريب‪ -‬يزي__د يف امله__ارة املؤدي__ة إىل اإلتق__ان واالكتش__اف واالخ__رتاع‪ُّ ،‬‬
‫من الفوض __ى املنبثق_ __ة عن تن_ __ازُع االختص_ __اصِ أو تدافُع _ _ِه‪ ،‬س __يما إذا ك __ان‬
‫تضاد ال تن_ازُعَ تن_وُّعٍ‪ ،‬ولق_د ك_ان ح_الُ س_لف األم_ة تقاس_َُم التم_يز‪،‬‬ ‫تنازُعَ ٍّ‬
‫تعلم اللغ __ات‪،‬‬
‫وهب _َه اهلل‪ ،‬فق __د متي _َّز زي __د بن ث __ابت يف ُّ‬
‫ك __ل واح __د منهم مبا َ‬
‫ح __ىت إن __ه أتقَن الس __ريانيةَ يف مخس عش __رة يوم_ _ًا‪ ،‬ومتي_ _َّز أب __و هري __رة حبف __ظ‬
‫أح__اديث الن__يب ‪-‬ص__لى اهلل علي__ه وس__لم‪ ،-‬ح__ىت روى عن__ه أك__ثرَ من أربع__ة‬
‫آالف ح__ديث‪ ،‬ومتيَّ_ز خال__د بن الولي__د بقي__ادة اجلي__وش؛ ِلم_َا لدي__ه من ذك__اء‬
 ‫‪ 7‬من ‪12‬‬

‫مساه رس_ولُ اهلل ‪-‬ص_لى اهلل علي_ه وس_لم‪:-‬‬ ‫وحترف قت_ايلّ‪ ،‬ح_ىت َّ‬‫عس_كري‪ُّ ،‬‬
‫ي عن املص__طفى ‪-‬ص__لى اهلل علي__ه وس__لم‪-‬‬ ‫اهلل املس__لولَ"‪ ،‬وق__د ُرِو َ‬
‫"س__يفَ ِ‬
‫_ح عن_ه ‪-‬ص_لى‬ ‫ضكم زيٌد "؛ أي‪ :‬أعلمكم ب_الفرائض‪ ،‬وق_د ص َّ‬ ‫أنه قال‪" :‬أفرَ ُ‬
‫الصحابة‪ ،‬وعلى‬
‫ِ‬ ‫حبسان بن ثابت على أنه أَشْعَُر‬‫أشاد َّ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬أنه َ‬
‫أعلُمهم ب__احلالل واحلرام‪ ،‬وأن أب__ا عبي__دة بن‬
‫أن عَِلي _ًّا أقض__اهم‪ ،‬وأن مع__اذًا ُ‬
‫اجلراح هو أمني هذه األمة‪.‬‬

‫اهلل فبه_ديهم‬
‫ذلكم ه_و التم_يز ل_دى أس_الفنا الك_رام‪ ،‬وأولئكم ال_ذين ه_دى ُ‬
‫ون إلي__ه من الرفع__ة والتمكني‪ ،‬نفع__ين‬
‫اقت_َُدوا تُِفلح__وا‪ ،‬ويتحق_َّق لكم م__ا تَص_ْبُ َ‬
‫وبسنَّة نبيِّه صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫اهلل وإياكم هبدي كتابه‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬

‫أق__ول ق__ويل ه__ذا وأس__تغفر اهلل يل ولكم ولس__ائر املس__لمني واملس__لمات‪ ،‬من‬
‫رحيما‪.‬‬
‫غفورا ً‬
‫كل ذنب وخطيئة‪ ،‬فاستغفُِروه وتوبوا إليه‪ ،‬إن ريب كان ً‬
 ‫‪ 8‬من ‪12‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‪.‬‬

‫هدي حممد ‪-‬ص_لى اهلل‬ ‫اهلدي ُ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل‪َ ،‬‬

‫وخري‬ ‫كالم ِ‬
‫أحسن احلديثِ ُ‬ ‫َ‬ ‫وبعد‪ :‬فإن‬
‫ُ‬
‫حمدث __ةٍ بدع_ _ٌة‪ ،‬وك _ َّ_ل بدع __ةٍ‬
‫علي __ه وس __لم‪ ،-‬وش __رَّ األم __ور حمدثاتُها‪ ،‬وك _ َّ_ل َ‬
‫وكل ضاللةٍ يف النار‪ ،‬وعليكم جبماعة املس__لمني؛ ف__إن ي__د اهلل على‬ ‫ضاللٌة‪َّ ،‬‬
‫اجلماعة‪ ،‬ومَْن شََّذ عنهم شََّذ يف النار‪.‬‬

‫مث اعلموا ‪-‬يا رعاكم اهلل‪ ،-‬أنه مهما كان املرء متمي_ًِّزا مُِتقن_ًا ف__إن الكم__ال‬
‫وحده‪ ،‬والعصمة لنبيه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬وإمنا القصد يف التميُّز‬ ‫هلل َ‬
‫واملقارب __ة‪ ،‬وقط __ف مثرت __ه م __ا دامت ناض __جةً قب __ل أن ت __ذبَُل‪،‬‬
‫َ‬ ‫ه __و التس __ديد‬
‫والتش__رف برف__ع راي__ة األم__ة أم__ام األمم‪ ،‬ف__إن األم__ة بأفراده__ا ال__ذين ميثل__ون‬
‫جمموعَه __ا‪ ،‬ومبا حيملون __ه من طاق __ات التم __يز‪ ،‬ال __يت ينبغي ألَّا ت __ذهبَ ه_ _ََدًرا‬
‫_نع‬
‫_ف وال التص_ َ‬ ‫ونَما استباق‪ ،‬كم_ا ينبغي أن يَُعلم أن التم_يز ال يع__ين التكل َ‬ ‫ُد َ‬
‫خلق_َه‬
‫املذمومَ؛ إذ من العقل أن يعرف املرءُ قدرَه‪ ،‬وأن يكون كحاله اليت َ‬
‫اهلل عليه __ا‪ ،‬وأن ي __راه الن __اسُ كم __ا يعرف __ون عن __ه‪ ،‬ال كم __ا يتص __نَّع هلم؛ ف __إن‬
‫ُ‬
 ‫‪ 9‬من ‪12‬‬

‫فوَقع _ _ُوا يف اإلخف _ __اق‪ ،‬فكم من‬ ‫التمس _ _ُوا التم _ __يزَ يف غ _ __ري مَظان _ _ِّه‪َ ،‬‬
‫أقوام _ _ًا َ‬
‫اهلل‬
‫خلق_ _َه ُ‬‫_ية غ __ريه‪ ،‬مل يتمي_ _َّز هبا‪ ،‬ومل يُب __قِ على مش __يته ال __يت َ‬ ‫متكل_ _ِّف مش _ َ‬
‫_اب‬
‫اهلل التم __يزَ أن يتقي الغ __رورَ واإلعج _ َ‬ ‫وهب_ _َه ُ‬ ‫عليه __ا‪ ،‬كم __ا أن __ه ينبغي ملَْن َ‬
‫ب _ __النفس؛ ف _ __إن متي _ _َُّزه مِْن أق _ __ربِ مظ _ __انِّ ذلكم‪ ،‬وم _ __ا اغت _ __ال املرءَ ش _ __يٌء‬
‫ك__الغرور‪ ،‬يض__اف إىل ذلكم أن التم__يز ه__و عم__ل املرء نفس__ه بكدح__ه وي__ده‬
‫وليس بالص__عود على أكت__اف اآلخ__رينَ وس__رقة متي_ُِّزهم وإتق__انِهم ونس__بتهما‬
‫إليه‪ ،‬أو االستئثار َبقصَب سبقِه دون غريه‪ ،‬يف حني وجود شركاء مع__ه يف‬
‫بل__وغ ه__ذا التم__يز؛ ف__إن مث__ل ذل__ك كل _ِّه يُع _َُّد تزوي__رًا بغيض _ًا‪ ،‬وت__دثًُّرا بلب__اس‬
‫زور نع__وذ وإي__اكم باهلل من غوائل__ه‪ ،‬كي__ف ال‪ ،‬وق__د ق__ال الن__يب ‪-‬ص__لى اهلل‬
‫زور" (متف_ __ق علي_ __ه)‪،‬‬‫كالبس ث _ _َْوبَيْ ٍ‬
‫ِ‬ ‫علي_ __ه وس_ __لم‪" :-‬املتش_ __بِّع مبا مل يُع_ __طَ‬
‫فاملس __لم القن __وع ال __واعي ه __و َمْن إذا مل يكن من أه __ل التم __يز مل يبخ __ل يف‬
‫َجع_ْل نفس__ه مُعِين_ًا أه__لَ التم_يز على متي_ُِّزهم؛ ليك__ون َلبِن_ًَة ص_احلةً يف بني__اهنم؛‬
‫ب حام_ ِ_ل فق__هٍ إىل‬‫صح عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن__ه ق__ال‪" :‬رُ َّ‬ ‫فقد َّ‬
‫مَْن هو أَْفقَُه منه"‪.‬‬

‫املوفق‪ ،‬وهو اهلادي إىل سواء السبيل‪.‬‬

‫واهلل ِّ‬
‫‪ 10‬من ‪12‬‬

‫ه __ذا وص __لوا ‪-‬رمحكم اهلل‪ -‬على خ __ري الربي __ة‪ ،‬وأزكى البش __رية‪ ،‬حمم __د بن‬
‫اهلل ب_أمر ب_دأ في_ه بنفس_ه‪،‬‬ ‫أمركم ُ‬ ‫عبد اهلل‪ ،‬صاحب احلوض والشفاعة‪ ،‬فقد َ‬
‫وثنَّى مبالئكته املسبِّحة ُبقْدسِه‪ ،‬وأي_ََّه بكم أيه__ا املؤمن__ون‪ ،‬فق__ال ج_ل وعال‪:‬‬
‫ُّلوَن َلى الَّن ا َأُّي ا اَّل ِذي آ ُن وا ُّلوا َل ِه‬ ‫ِئ‬
‫َن َم َص َع ْي‬ ‫(ِإَّن الَّل َه َو َم اَل َك َت ُه ُيَص َع ِّيِب َي َه‬
‫َو َس ِّلُم وا َتْس ِليًم ا)[اَأْلْح َز اِب ‪ ،]56 :‬اللهم ص _ __لِّ وس _ _ ِّ_لْم على عب _ _ ِ_دكَ‬
‫وارض اللهم‬
‫َ‬ ‫واجلبني األزه _ ِ_ر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ك حمم _ ٍ_د‪ ،‬ص __احبِ الوج __هِ األن __ورِ‪،‬‬
‫ورس __ولِ َ‬
‫وعلي‪ ،‬وعن س __ائر ص __حابة‬ ‫عن خلفائ __ه األربع __ة‪ ،‬أيب بك __ر وعم __ر وعثم __ان ّ‬
‫_ابعني ومَْن تَبِعَهم بإحس__ان‬
‫ك حمم__د ‪-‬ص__لى اهلل علي__ه وس__لم‪ ،-‬وعن الت_ َ‬ ‫نبي _ِّ َ‬
‫الرامحني‪.‬‬
‫َ‬ ‫ك يا َ‬
‫أرحم‬ ‫وجودكَ وكرمِ َ‬
‫ِ‬ ‫بعفوكَ‬
‫إىل يوم الدين‪ ،‬وعنَّا معهم ِ‬

‫_لمني‪ ،‬اللهم أَع _َِّز‬

‫_لمني‪ ،‬اللهم أع _َِّز اإلس__المَ واملس_ َ‬
‫اللهم أَع _َِّز اإلس__المَ واملس_ َ‬
‫_ركني‪ ،‬اللهم انص _ __ر دين _ _َ َ‬
‫ك‬ ‫اإلس _ __المَ واملس _ __لمنيَ‪ ،‬واخ _ __ذُِل الش _ __ركَ واملش _ _ َ‬
‫_ومني من‬
‫هم املهم _ َ‬ ‫_نني‪ ،‬اللهم ف _ ِّ_رج َّ‬
‫_ادكَ املؤم _ َ‬
‫ك‪ ،‬وعب _ َ‬‫ك وس_ _ُنََّة نبي_ _ِّ َ‬
‫وكتاب_ _َ َ‬
‫املس_ __لمني‪ ،‬ونفِّس ك_ __ربَ املك_ __روبنيَ‪ ،‬واقضَ ال_ _ َّ_ديْن عن املدينني‪ ،‬واش_ __فِ‬
‫مرض_ __انا ومرض_ __ى املس_ __لمني‪ ،‬برمحت _ __ك ي _ __ا أرحم ال _ __رامحني‪ ،‬اللهم أص_ __لح‬
‫أح __والَ املس __لمني يف ك __ل مك __ان‪ ،‬اللهم أص __لح أح __والَ املس __لمني يف ك __ل‬
‫‪ 11‬من ‪12‬‬

‫مك __ان‪ ،‬اللهم كن إلخوانن __ا املض __طهَدين يف دينهم يف س __ائر األوط __ان‪ ،‬ي __ا‬
‫أئمتن_ا ووالة أمورن_ا‪ ،‬واجع_ل‬ ‫حي يا قي_وم‪ ،‬اللهم آمِن_َّا يف أوطانن_ا‪ ،‬وأص_لح َ‬
‫واتقاك واتبع رضاكَ يا رب العاملني‪.‬‬
‫َ‬ ‫خاف َ‬
‫ك‬ ‫واليتنا فيمن َ‬

‫ويل أمرن__ا ِلم _َا حتب__ه وترض__اه من األق__وال واألعم__ال‪ ،‬ي__ا حي ي__ا‬
‫اللهم وف _ِّق َّ‬
‫وويل‬
‫وفق_ _ْه َّ‬‫قي __وم‪ ،‬اللهم أص __لح ل __ه بطانت_ _َه ي __ا ذا اجلالل واإلك __رام‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫عهده ِلَما فيه صالح البالد والعباد‪ ،‬يا حي يا قيوم‪.‬‬

‫الغين وحنن الفق__راء‪ ،‬أَن_ِْزْل علين__ا الغيث‬

‫اللهم أنتَ اهلل ال إله إال أنتَ‪ ،‬أنتُ ُّ‬
‫_ين وحنن‬ ‫_انطني‪ ،‬اللهم أنتَ اهلل ال إل __ه إال أنتَ‪ ،‬أنتَ الغ _ ُّ‬
‫وال جتعلن __ا من الق _ َ‬
‫حِرمْن_َا خ__ريَ‬
‫_انطني‪ ،‬اللهم ال تَ ْ‬
‫الغيث وال جتعلن__ا من الق_ َ‬
‫َ‬ ‫الفق__راءُ‪ ،‬أَن_ِْزْل علين__ا‬
‫عندنا‪ ،‬يا ذا اجلالل واإلك_رام‪ ،‬ي_ا حي ي_ا قي_وم‪ ،‬اللهم إن_َّا‬ ‫شِّر ما َ‬ ‫ما عندكَ بِ َ‬
‫العاملني‪.‬‬
‫َ‬ ‫ك يا َّ‬
‫رب‬ ‫فضل َ‬
‫ك‪ ،‬فال متنع عنَّا بذنوبنا َ‬ ‫خلٌق مِْن َخْلقِ َ‬

‫(َر َّبَن ا آِتَن ا يِف ال__ُّد ْنَيا َح َس َنًة َو يِف اآْل ِخ َر ِة َح َس َنًة َو ِقَن ا َع َذ اَب الَّناِر )[اْلَبَق َر ِة‪:‬‬
‫‪.]201‬‬
‫‪ 12‬من ‪12‬‬

‫عب ‪$$‬ادَ اهلل‪ :‬اذك __روا اهلل العظيم ي __ذكركم‪ ،‬واش __كروه على آالئ __ه ي __زدكم‪،‬‬
‫واهلل يعلم ما تصنعون‪.‬‬
‫أكرب‪ُ ،‬‬
‫اهلل ُ‬
‫ولَِذْكُر ِ‬