التقرير الوقاية من نزاعات الشغل الجماعية وحلها بالتراضي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 100

‫الوقاية من نزاعات ال�شغل‬

‫الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫تقرير المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫�إحالة ذاتية رقم ‪/‬‬


‫‪2012 6‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية‬


‫وحلها بالترا�ضي‬

‫�إحالة ذاتية رقم ‪/‬‬


‫‪2012 6‬‬
‫[…] �إننا نريده ف�ضاء جديدا وا�سعا‪ ،‬يعزز ما توفره‬
‫دولة الم�ؤ�س�سات التي نحن لها �ضامنون من هي�آت للحوار‬
‫البناء والتعبير الم�س�ؤول والتفاعل الإيجابي مع تطلعات‬
‫مختلف فئات المجتمع و�أجياله‪ ،‬تج�سيدا لنهجنا الرا�سخ في‬
‫�إ�شراك القوى الحية للأمة في �إيجاد �إجابات جماعية وخالقة‪،‬‬
‫للق�ضايا التنموية الكبرى التي تحظى بها �سامي عنايتنا‪.‬‬
‫جاللة الملك محمد ال�ساد�س‬

‫مقتطف من​ن�ص الخطاب ال�سامي خالل تن�صيب المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬


‫‪2011‬‬ ‫‪ 21‬فبراير‬
‫‪2012 MO 2732‬‬ ‫الإيداع القانوني ‪:‬‬
‫ردمك ‪978-9954-9161-3-1 :‬‬
‫ردمد ‪2028-781X :‬‬

‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬


‫مطبعة كانابرنت‬
‫‪2012 6‬‬‫�إحالة ذاتية رقم ‪/‬‬

‫بناء على القانون التنظيمي رقم‪ 60-09‬المتعلق بالمجل�س االقت�صادي واالجتماعي؛‬ ‫•‬
‫ا�ستنادا �إلى قرار الجمعية العامة بتاريخ ‪ 22‬دجنبر ‪ 2011‬ب�إبداء ر�أي في �إطار �إحالة ذاتية حول "الوقاية من‬ ‫•‬
‫نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي"؛‬
‫ا�ستنادا �إلى قرار مكتب المجل�س بتاريخ ‪ 5‬يناير ‪ 2012‬ب�إحالة مو�ضوع " الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية‬ ‫•‬
‫وحلها بالترا�ضي " �إلى اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل وال�سيا�سات القطاعية ؛‬
‫ا�ستنادا �إلى الم�صادقة بالإجماع على التقرير حول "الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي"‬ ‫•‬
‫بتاريخ ‪� 27‬سبتمبر ‪.2012‬‬

‫يقدم المجل�س االقت�صادي واالجتماعي تقريره‬

‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية‬


‫وحلها بالترا�ضي‬

‫تم �إعداد التقرير من طرف‬


‫اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل وال�سيا�سات القطاعية‬

‫رئي�س اللجنة ‪ :‬ال�سيد محمد علوي‬


‫مقرر اللجنة ‪ :‬ال�سيد من�صف كتاني‬
‫مقررا المو�ضوع ‪ :‬ال�سيد عبد ال�صمد مريمي‬
‫ال�سيد علي غنام‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫الفهـــــــــــــر�س‬

‫‪13‬‬ ‫الملخ�ص التنفيذي ‬


‫‪22‬‬ ‫ ‬‫تقديـــــــــــم‬

‫الق�سم الأول‬
‫‪24‬‬ ‫المرجعية العامة ‬
‫‪25‬‬ ‫ ‬ ‫المعايير الدولية‬
‫‪25‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .1‬حق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية‬
‫‪25‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪ .‬حق التنظيم‬
‫‪26‬‬ ‫‪ .‬الحق في المفاو�ضة الجماعية ‬
‫‪26‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .‬حق الإ�ضراب‬
‫‪27‬‬ ‫ ‬‫‪ .2‬ت�أثير المعايير الدولية على عالقات ال�شغل الجماعية وف�ض النزاعات‬
‫‪27‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .‬المراقبة الدولية‬
‫‪28‬‬ ‫ ‬ ‫‪� .‬أهمية المعايير الدولية في محيط العولمة‬
‫‪28‬‬ ‫ ‬ ‫التجارب الأجنبية‬
‫‪28‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .1‬نماذج من بع�ض التجارب المتباينة‬
‫‪ 30‬‬ ‫‪ .2‬نموذجان من مراكز ت�سوية الخالفات الجماعية بالطرق البديلة ‬
‫‪31‬‬ ‫‪ .‬المركز الكنفدرالي الإ�سباني ‬
‫‪32‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .‬مركز ال�صلح البلجيكي‬
‫‪32‬‬ ‫ ‬ ‫المنظومة الوطنية لعالقات ال�شغل الجماعية‬
‫‪32‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .1‬تطوير نظام العالقات الجماعية‬
‫‪35‬‬ ‫ ‬
‫‪ .2‬م�ستجدات مدونة ال�شغل في مجال عالقات ال�شغل الجماعية بالمقاوالت‬
‫‪35‬‬ ‫‪ .‬التمثيل الجماعي ‬
‫‪37‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .‬ت�سوية نزاعات ال�شغل الجماعية‬
‫‪39‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .‬الإ�ضراب‬
‫‪40‬‬ ‫‪� .‬آليات الحوار االجتماعي الثالثي الأطراف‬
‫الق�سم الثاني‬
‫‪42‬‬ ‫ ‬
‫تقييم الخالفات الجماعية من لدن الفرقاء االجتماعيين‬
‫‪42‬‬ ‫�ضعف المعارف والمعطيات حول نزاعات ال�شغل الجماعية ‬
‫‪43‬‬ ‫ ‬ ‫النزاعات الجماعية بالقطاع الخا�ص‬
‫‪43‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .1‬المعطيات الإح�صائية‬
‫‪46‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .2‬ممار�سة الإ�ضراب‬
‫‪46‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .‬النزاعات حول الحقوق‬
‫‪48‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .‬النزاعات المطلبية والتمثيل النقابي‬

‫‪10‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫‪49‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫الخالفات الجماعية في القطاع العمومي‬


‫‪49‬‬ ‫‪ .1‬الوظيفة العمومية تحت �ضغط الفئوية ‬
‫‪51‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .2‬غياب �إطار م�ؤ�س�ساتي ناجع لعالقات ال�شغل الجماعية في القطاع العمومي‬
‫‪53‬‬ ‫ ‬ ‫الحوار االجتماعي الوطني‬
‫‪53‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .1‬الحوار المركزي‬
‫‪53‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .2‬الهيئات المخت�صةبالحوار‬
‫‪53‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .‬هيئات التمثيل الجماعي في القطاع العام‬
‫‪53‬‬ ‫‪ .‬الهيئات المكلفة بالمفاو�ضة الجماعية وت�سوية خالفات ال�شغل في القطاع الخا�ص ‬
‫‪53‬‬ ‫‪ -‬مجل�س المفاو�ضة الجماعية ‬
‫‪54‬‬ ‫ ‬ ‫‪ -‬اللجن الإقليمية والوطنية للبحث والم�صالحة‬
‫الق�سم الثالث‬
‫‪56‬‬ ‫احتواء النزاعات عن طريق تطوير منظومة عالقات ال�شغل الجماعية‬
‫توطيد التكامل بين القانون التعاقدي والحماية الت�شريعية في �أفق اال�ستقالل الجماعي للأطراف‬
‫‪57‬‬ ‫وتر�سيخ العمل الالئق ‬
‫‪57‬‬ ‫ ‬
‫‪ .1‬تطوير اال�ستقالل الجماعي للفرقاء االجتماعيين‬
‫‪58‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .2‬االحتفاظ بالدور الت�أطيري والحمائي للت�شريع‬
‫‪58‬‬ ‫ ‬ ‫التدابير العملية‬
‫‪59‬‬ ‫ ‬ ‫‪� .1‬إعمال وتطوير الت�شريع‬
‫‪60‬‬ ‫‪ .2‬مراجعة النظام القانوني لعالقات العمل بالقطاع العمومي‬
‫ ‬
‫‪60‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .3‬ت�أطير العمل النقابي والمفاو�ضة الجماعية‬
‫‪61‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .4‬توطيد حق الإ�ضراب‬
‫‪61‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .5‬ترتيب الحوار االجتماي الوطني‬
‫‪62‬‬ ‫ ‬
‫تدبير االنتقال �إلى منظومة متطورة لعالقات ال�شغل الجماعية‬

‫‪64‬‬ ‫ا�ستخال�ص ‬

‫‪69‬‬ ‫ ‬
‫مالحق‬
‫‪71‬‬ ‫ ‬ ‫تجارب بع�ض الدول في مجال ت�أطير عالقات ال�شغل الجماعية‬ ‫الملحق ‪:1‬‬
‫‪83‬‬ ‫الئحة �أع�ضاء اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل وال�سيا�سات القطاعية‬ ‫الملحق ‪:2‬‬
‫‪87‬‬ ‫ ‬ ‫الئحة �أع�ضاء فريق العمل المكلف ب�إعداد التقرير‬ ‫الملحق ‪:3‬‬
‫‪91‬‬ ‫ ‬ ‫الئحة الم�ؤ�س�سات والفعاليات التي تم الإن�صات �إليها‬ ‫الملحق ‪:4‬‬
‫‪95‬‬ ‫ ‬ ‫مراجع بيبليوغرافية‬ ‫الملحق ‪:5‬‬

‫‪11‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪12‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الملخ�ص التنفيذي‬

‫تقديـــــــــــم‬

‫طبقا للتوجهات ال�سامية ل�صاحب الجاللة الملك محمد ال�ساد�س ولمقت�ضيات القانون التنظيمي للمجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬وتما�شيا مع مرجعية الميثاق االجتماعي للمجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪،‬‬
‫انكبت اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل وال�سيا�سات القطاعية على درا�سة مو�ضوع نزاعات‬
‫ال�شغل الجماعية‪ ،‬نظرا لما �صاحب هذه النزاعات في الآونة الأخيرة من ت�سا�ؤالت وان�شغاالت حول تطورها‬
‫وتفاقمها‪ ،‬ولما لها من انعكا�سات وتبعات على م�ستوى االقت�صاد الوطني والو�ضع االجتماعي وا�ستقرار‬
‫المقاولة وو�ضعية الأجراء‪.‬‬
‫�إن العالقات بين �أطراف الإنتاج عرفت توترات بلغت ذروتها خالل �سنة ‪ ،2011‬لتك�سر بذلك اال�ستقرار‬
‫الن�سبي الذي �شهدته الخالفات ال�شغلية طوال العقد المن�صرم �سواء في القطاع العام �أو القطاع الخا�ص‪.‬‬
‫وبالوقوف على واقع هذه الخالفات والم�ساعي المبذولة للحد منها‪ ،‬تتج�سد حقيقة و�ضعية المقاولة‬
‫و�إكراهاتها‪ ،‬ويت�ضح تراجع الظروف االجتماعية والمعي�شية للعمال وخيبة �أمل الفرقاء االجتماعيين الذين‬
‫يتطلعون �إلى تفادي نزاعات ال�شغل الجماعية وت�سويتها واالرتقاء بعالقات ال�شغل‪.‬‬
‫لهذا عملت اللجنة في تناولها لمو�ضوع نزاعات ال�شغل‪ ،‬من خالل الدرا�سة الموثقة وجل�سات الإن�صات‬
‫بح�ضور ممثلي مختلف الجهات المعنية وبالخ�صو�ص ممثلي الوزارات والمنظمات المهنية للم�شغلين‬
‫والأجراء على تجميع المعطيات والمقترحات حول نزاعات ال�شغل الجماعية وتعميق النقا�ش من �أجل‬
‫�إيجاد الآليات الناجعة لحل نزاعات ال�شغل الجماعية وتجاوزها عبر �صيغة متوازنة ومتوافق عليها بين جميع‬
‫الأطراف‪ ،‬و�إر�ساء قواعد جديدة من �ش�أنها الوقاية من ن�شوب هذه النزاعات‪ ،‬وطرق بديلة مرنة قادرة على‬
‫االندماج في المنظومة القانونية الحالية‪ ،‬مع �إيالء الفاعلين االقت�صاديين واالجتماعيين‪ ،‬وكذا الدولة‪ ،‬الدور‬
‫المناط �إليهم في توفير مناخ مالئم لال�ستثمار وا�ستتباب ال�سلم االجتماعي‪.‬‬
‫تقييم الخالفات الجماعية من لدن الفرقاء االجتماعيين‬
‫‪� .1‬ضعف المعطيات يحول دون تقييم مو�ضوعي لنزاعات ال�شغل الجماعية‬
‫يتبين من خالل جل�سات الإن�صات التي نظمتها اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل‬
‫وال�سيا�سات القطاعية‪ ،‬وكذا من تحليل المعلومات المتوفرة غياب �إح�صائيات ودرا�سات اقت�صادية‬
‫واجتماعية وافية في هذا المجال‪ ،‬كما يت�أكد �أن المعطيات المتوفرة‪ ،‬والتي يتم في الغالب تحليلها باعتبارها‬

‫‪13‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫�شاملة لجميع خالفات ال�شغل الجماعية ال تعنى في الواقع �إال بتلك التي تتدخل م�صالح وزارة الت�شغيل‬
‫ب�ش�أنها وبالتالي فهي ال ت�شمل التحركات التي تعرفها مرافق الدولة بمختلف تفرعاتها وقطاع المناجم‬
‫والبحار وباقي النزاعات التي ال يطلب فيها تدخل وزارة الت�شغيل‪.‬‬
‫‪ .2‬عدم احترام القانون و�ضعف الت�أطير الجماعي من �أهم �أ�سباب تفاقم النزاعات‬
‫نظرا ل�ضعف القدرة على تدبير عالقات ال�شغل الجماعية‪ ،‬ف�إن الكثير من الخالفات الفردية تتحول‬
‫�إلى �إ�ضرابات‪ ،‬حيث يت�أكد �أن تباين واقع الت�شغيل في المقاوالت التي تلج�أ بكثافة �إلى العمال ذوي‬
‫المهارات المتوا�ضعة مع ال�شروط المن�صو�ص عليها في مدونة ال�شغل يلخ�ص العوامل الرئي�سية لتفاقم‬
‫معظم النزاعات‪.‬‬
‫ويت�أكد من خالل جل�سات الإن�صات والإح�صائيات المتوفرة �أن �أغلب النزاعات التي تن�شب بمقاوالت‬
‫القطاع الخا�ص تعزى �إلى عدم احترام القانون وال تهدف تحقيق مطالب جديدة‪.‬‬
‫في ظل هذه الظروف ف�إن �ضعف الت�أطير الجماعي للأجراء ي�ؤ�شر في نف�س الوقت عن عدم اعتراف بع�ض‬
‫الم�شغلين بالحق في التنظيم وبال�صعوبات التي تواجهها النقابات العمالية للتوا�صل مع قواعدها في �أماكن‬
‫العمل‪ .‬وهكذا ي�ضاف �إلى �ضعف ممار�سة الحقوق الفردية بالن�سبة لبع�ض الفئات من الأجراء ه�شا�شة‬
‫العالقة الجماعية التي يعول عليها لت�أطير الأجراء وتمثيلهم والوقاية من النزاعات الجماعية ومعالجتها‪.‬‬
‫‪ .3‬الحوار االجتماعي‬
‫�إن نظام التمثيل الجماعي والمفاو�ضة الجماعية والوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية ومعالجتها بغية‬
‫�إر�ساء الحوار االجتماعي بين الم�شغلين والأجراء ومنظماتهم كما جاءت به مدونة ال�شغل يواجه �صعوبات‬
‫جمة لإر�ساء هذا الحوار ولتر�سيخ ال�سلم االجتماعي ليتحول �إلى ممار�سات مهنية متداولة مادامت العالقة‬
‫ََّ‬
‫بين النقابات والم�شغلين تعاني الكثير لبناء اال�ستقالل الجماعي ال�ضروري والرقي بالمفاو�ضة الجماعية‬
‫عن طريق الموازنة بين المطالب الجماعية وطاقة المقاوالت من �أجل تحقيق ال�سلم االجتماعي كما ت�شهد‬
‫عن ذلك الح�صيلة المتوا�ضعة التفاقيات ال�شغل الجماعية المبرمة الى حد الآن‪.‬‬
‫‪ .4‬العالقات ال�شغلية بالمرفق العمومي‬
‫ويطرح مو�ضوع عالقات ال�شغل الجماعية بقوة كذلك في المرافق العمومية بمختلف تفرعاتها في‬
‫غياب �إطار م�ؤ�س�سي للتمثيل الجماعي وللتحاور على م�ستوى الم�صالح المركزية والخارجية للإدارات‬
‫والم�ؤ�س�سات العمومية‪ ،‬في حين �أن الجهات التي تحظى باالنتداب عن طريق النقابات �أو اللجان الثنائية‬
‫�أو الجمعيات المهنية تفرز �أنماطا متناف�سة للتمثيل الجماعي الم�شروع وتحظى بالتعامل مع الم�س�ؤولين‬
‫الإداريين والحكوميين بحكم الواقع ومع ما قد تحمله هذه العالقات من نفوذ �سيا�سي �ضمني �أو مت�ستر‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫�إن النظام القانوني المرجعي المعمول به بالمرافق العمومية ال يف�سح المجال للمفاو�ضة الجماعية‪ .‬لكن‬
‫االعتراف بالحرية النقابية وبحق الإ�ضراب لفائدة الموظفين‪ ،‬واعتماد نتائج االنتخابات في اللجان الثنائية‬
‫كمعيار للتمثيلية الجماعية على ال�صعيد الوطني‪ ،‬عالوة على �ضرورة مواجهة المطالب الجماعية‪ ،‬يدفع �إلى‬
‫التفاو�ض الثنائي داخل الإدارات العمومية‪� ،‬سواء حول ال�سيا�سات القطاعية �أو �شروط العمل والرواتب‪.‬‬
‫وفي غياب �إطار قانوني ينظم هذه العالقة يتم اللجوء �إلى عدة قنوات للتحاور بغية تفادي النزاعات ومعالجتها‬
‫�إن على م�ستوى الم�صالح الخارجية �أو المركزية للوزارات‪� ،‬أو بمنا�سبة الحوار االجتماعي الوطني الثنائي‬
‫�أو الثالثي الأطراف‪ ،‬لين�ضاف �إلى جانب ح�ضور النقابات الأكثر تمثيال �إ�شراك نقابات �أخرى وجمعيات‬
‫مهنية ومختلف "التن�سيقيات" في التفاو�ض با�سم الأطراف التي تزعم تمثيلها‪.‬‬
‫وفي مجمل القول‪ ،‬فجمود �آليات المفاو�ضة الجماعية وارتباك الهيئات المكلفة بت�سوية نزاعات ال�شغل‬
‫الجماعية‪ ،‬وت�سرب االعتبارات ال�سيا�سية �أدى �إلى تعطيل ت�أ�سي�س نظام ع�صري للعالقات المهنية في‬
‫خدمة ال�سلم االجتماعي‪.‬‬

‫التوجهات الرئي�سية‬
‫في �سياق حرية الأ�سواق ودعم الحقوق الأ�سا�سية في العمل‪ ،‬يعتبر المجل�س االقت�صادي واالجتماعي �أن‬
‫تح�سين معالجة نزاعات ال�شغل الجماعية يتطلب تطوير منظومة عالقة ال�شغل الجماعية‪ ،‬الأمر الذي ي�ستدعي‬
‫�ضرورة االحتفاظ للت�شريع االجتماعي بدوره في توفير الحماية االجتماعية الأ�سا�سية لأو�سع فئات ال�شغيلة مع‬
‫�إ�سناد مهمة مطابقة تطورها لتناف�سية المقاوالت عن طريق الرقي باال�ستقالل الجماعي لأطراف الإنتاج‪.‬‬
‫‪ .1‬الت�شريع االجتماعي‬
‫يعتبر تقيد جميع الأطراف بالقانون المعمول به �شرطا م�سبقا لبناء هذه العالقة المهنية واالجتماعية‪� ،‬إذ‬
‫يبقى الت�شريع م�صدراً رئي�سياً للحقوق في العمل‪ ،‬ومادام منبعا للحماية فاالحتفاظ للت�شريع االجتماعي‬
‫بدوره في توفير الحماية االجتماعية الأ�سا�سية لأو�سع فئات ال�شغيلة وب�سط نفوذه على جميع الأجراء‬
‫وتمديده لباقي الأعمال المدرة للربح‪ ،‬يعد من ال�سبل الرئي�سية لتح�سين معالجة نزاعات ال�شغل الجماعية‪.‬‬
‫‪ .2‬االرتقاء باال�ستقالل الجماعي لأطراف الإنتاج‬
‫لتح�سين معالجة نزاعات ال�شغل الجماعية‪ ،‬يجب العمل على �إ�سهام اال�ستقالل الجماعي للفرقاء‬
‫االجتماعيين في �إغناء ال�سيا�سات العمومية بوجهات نظرهم النابعة من حاجيات ال�سوق ومطالب ال�شغيلة‪،‬‬
‫واعتماد المفاو�ضة الجماعية كو�سيلة مثلى للموازنة بين المطالب الجماعية والطاقة التناف�سية للمقاوالت‬
‫لي�صبح القانون التعاقدي مرادفا لل�سلم االجتماعي‪ ،‬و�أطرافه �ضامنين لتطبيقه ب�إ�شرافهم على �آليات ثنائية‬
‫لت�سوية الخالفات الجماعية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫وال�ستتباب ال�سلم االجتماعي‪ ،‬ف�إن �إر�ساء �آليات جديدة للوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وتوفير طرق‬
‫بديلة ومرنة لف�ضها تتالءم مع الم�ساطر الإدارية والق�ضائية الموجودة‪ ،‬من �ش�أنه االرتقاء بالعالقات ال�شغلية من‬
‫�أجل �إقامة منظومة عالقات �شغل جماعية قادرة على التوفيق بين التناف�سية االقت�صادية والتقدم االجتماعي‪.‬‬
‫ولتلعب هذه الآليات دورها الكامل‪ ،‬يتعين دعمها بتطوير المعرفة الميدانية بعالقات ال�شغل الجماعية‬
‫عن طريق �إحداث �آليات للتتبع والتحليل والإنذار تتمتع بالم�ؤهالت العلمية واال�ستقالل الوظيفي وبدعم‬
‫الفرقاء االجتماعيين‪.‬‬
‫ولن يت�أتى كل هذا بدون توطيد الثقة بين الفرقاء االجتماعيين على �أ�سا�س الم�س�ؤولية واحترام االلتزامات‬
‫القانونية والتعاقدية‪ ،‬وهذا ما ي�ستدعي تطبيق االتفاقات المتعلقة بالم�صادقة على االتفاقية رقم ‪ 87‬ب�ش�أن‬
‫الحرية النقابية ومراجعة المادة ‪ 288‬من القانون الجنائي من جهة‪ ،‬ومن جهة �أخرى التوافق على �ضوء‬
‫المعايير الدولية والممار�سات الجيدة حول الإطار الت�شريعي المالئم لممار�سة العمل النقابي بم�س�ؤولية‬
‫على مختلف الم�ستويات الترابية والقطاعية‪ ،‬وتنظيم العمل الجماعي بما في ذلك حق الإ�ضراب‪.‬‬
‫التدابير العملية‬

‫�إن الطبيعة اال�ستعجالية التي تفر�ضها الظرفية االقت�صادية العالمية والو�ضعية ال�سو�سيو‪-‬اقت�صادية للمغرب‬
‫تفر�ض على الفرقاء االجتماعيين العمل على تفعيل تدابير تجمع بين النفعية والواقعية من �ش�أنها الرقي‬
‫بالعالقات ال�شغلية‪.‬‬
‫وتهم التدابير التي يقترحها المجل�س االقت�صادي واالجتماعي الت�شريع في مجال ال�شغل والحماية االجتماعية‪،‬‬
‫والتمثيل الجماعي واالتفاقيات الجماعية‪ ،‬وممار�سة الإ�ضراب والحوار االجتماعي على الم�ستوى الوطني‪.‬‬
‫‪ .1‬تطوير ت�شريع ال�شغل وال�ضمان االجتماعي‬

‫‪ .1‬االمتثال ال�شامل للقانون‬


‫يت�أكد من خالل الإح�صائيات وال�شهادات والتحاليل المتوفرة �أن �أغلب نزاعات ال�شغل الجماعية تن�شب ب�سبب‬
‫عدم احترام ت�شريع العمل وعدم مالءمة بع�ض �أحكامه للواقع‪ ،‬بحيث تنح�صر المطالبة الجماعية في ح�صول‬
‫الأجراء على الحقوق المن�صو�ص عليها في مدونة ال�شغل وقانون ال�ضمان االجتماعي بالن�سبة للقطاع الخا�ص‪.‬‬
‫ولهذا يو�صي المجل�س باالمتثال ال�شامل للقانون وبمالءمة بع�ض �أحكامه لواقع العمل الم�أجور في بع�ض‬
‫المجاالت‪ ،‬وبالخ�صو�ص في القطاع الفالحي بالن�سبة للأجراء العر�ضيين والمو�سميين‪ ،‬وفي القطاع‬
‫المنجمي لتفادي الإفالت من تطبيق النظام المنجمي ولإدماج الأجراء العاملين في المناجم ال�صغرى‬
‫والمتو�سطة والمقاوالت غير المنجمية‪ ،‬وكذا في مجال العمل الم�ؤقت والعقود من الباطن لمواجهة‬
‫التحايل على الت�شريع ل�ضمان ا�ستقرار اليد العاملة واحترام معايير العمل‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫‪� .2‬إدماج القطاع غير المهيكل‬


‫بينما ال تدخر مقاوالت عديدة �أي جهد في تحمل جميع الواجبات االجتماعية وال�ضريبية ف�إن �أخرى تفر�ض‬
‫عليها مناف�سة غير �شريفة بالتحايل على القانون والتدرع ب�صعوبة تطبيقه لتمنح للأجراء ظروف عمل دنيا وتقف‬
‫في وجه كل مطالبة جماعية‪ .‬وعليه يقترح المجل�س و�ضع خطة عمل لإدماج الإنتاج والخدمات غير المهيكلة‬
‫لتقلي�ص ت�أثيرها على المناف�سة ال�شريفة وتر�سيخ التكاف�ؤ بين المقاوالت في تعاملها مع الأجراء‪.‬‬
‫‪ .3‬الرفع من مقدرات �أجهزة التفتي�ش والمراقبة والق�ضاء‬
‫اعتباراً للأهمية البالغة التي تكت�سيها مهام التفتي�ش والمراقبة يقترح المجل�س في هذا ال�صدد الرفع من‬
‫مقدرات هذه الأجهزة وذلك عبر‪:‬‬
‫• توفير الإمكانيات الب�شرية والمادية لجهاز تفتي�ش ال�شغل وتطوير الحكامة في تدبير مهامه؛‬
‫• الف�صل بين مهام التفتي�ش والت�صالح في النزاعات الجماعية لكي ال يحد الدور الت�صالحي من ممار�سة‬
‫ال�شرطة الق�ضائية في مجال ت�شريع ال�شغل؛‬
‫• التن�سيق بين الإدارة المكلفة بتفتي�ش ال�شغل والإدارة المكلفة بال�ضمان االجتماعي لت�سهيل التتبع‬
‫والردع بالن�سبة للمخالفات االعتيادية ولتطوير الم�ساءلة؛‬
‫• تحديد �إجراءات عملية ل�ضمان‪:‬‬
‫• ردع كل ما يعرقل مهام التفتي�ش وممار�سة الحقوق الأ�سا�سية في العمل؛‬
‫• �سرعة البت في نزاعات ال�شغل من لدن الق�ضاء‪.‬‬
‫• توفير الإمكانيات للنيابة العامة بما يمكن من معالجة محا�ضر مفت�شيات ال�شغل بفعالية و�إطالق‬
‫المتابعات با�ستعجالية‪.‬‬
‫‪ .2‬التمثيل الجماعي واالتفاقيات الجماعية‬
‫في مجال التمثيل النقابي‪ ،‬يو�صي المجل�س بتطوير الت�شريع والممار�سة من �أجل الرقي بالتمثيل القطاعي‬
‫والترابي‪ ،‬و تقوية الحكامة الإدارية والمالية داخل المنظمات المهنية‪ ،‬ودعم التن�سيق ما بين النقابات ومع‬
‫باقي المنظمات المهنية وتو�سيع قواعد الهي�آت التمثيلية‪.‬‬
‫ومن �أجل النهو�ض بالتمثيل الجماعي وتعزيزه‪ ،‬يجب تنظيم التمثيل الجماعي على م�ستوى الإدارات‬
‫العمومية المركزية والترابية لم�أ�س�سة الحوار الثنائي ومعالجة الخالفات‪ ،‬كما يجب حث الم�ؤ�س�سات التي‬
‫ت�شغل �أقل من ع�شرة �أجراء على االنخراط طوعيا في نظام مناديب الأجراء وحمل جميع المقاوالت على‬
‫تفعيل وتطوير هذه التمثيلية لالرتقاء بالعالقات الجماعية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫و�إن من �ش�أن تطوير المفاو�ضة الجماعية �أن تف�ضي �إلى �إبرام اتفاقيات جماعية على كافة الم�ستويات‬
‫(الم�ؤ�س�سة‪ ،‬المقاولة‪ ،‬القطاع ترابيا ووطنيا) باعتبارها الآلية المثلى لتعزيز العالقات الجماعية ومالءمتها مع‬
‫متطلبات التنمية االجتماعية واالقت�صادية‪ .‬ومنه ربط االتفاقيات الجماعية بال�سلم االجتماعي وت�ضمينها‬
‫م�ساطير و�آليات للت�صالح والو�ساطة والتحكيم‪.‬‬
‫ومن �أجل ت�أطير التحاور الم�س�ؤول والبناء بين الفرقاء و�سط مرافق القطاع العمومي‪ ،‬يو�صي المجل�س‬
‫ب�إيجاد �إطار م�ؤ�س�ساتي مالئم لخ�صو�صيات هذا القطاع‪.‬‬
‫ولن يت�أتى كل هذا بدون الرفع من م�ؤهالت جميع الأطراف في مجال التفاو�ض الجماعي عن طريق توفير‬
‫التكوين والمرجعيات واالتفاقيات النموذجية وتبادل الخبرات والتعريف بالممار�سات الجيدة‪.‬‬
‫‪ .3‬ممار�سة الإ�ضراب‬
‫يو�صي المجل�س بتوطيد هذا الحق الد�ستوري بالقانون التنظيمي بتوافق بين الفرقاء االجتماعيين على‬
‫�أ�سا�س المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال‪ ،‬وبالعمل الم�شترك من �أجل توفير مناخ اجتماعي‬
‫يجعل من الإ�ضراب �آخر �إجراء يتم اللجوء �إليه بعد ا�ستنفاذ كل محاوالت الحوار والمفاو�ضة الجماعية‬
‫بدون تماطل‪.‬‬
‫‪ .4‬الحوار االجتماعي على الم�ستوى الوطني‬
‫باعتبار الحوار االجتماعي �آلية �أ�سا�سية وفعالة لتعزيز اال�ستقالل الجماعي للفرقاء يقترح المجل�س ت�أطير‬
‫ممار�سته وتطوير المفاو�ضة الجماعية‪ ،‬حتى ي�ساهم في تحديد توجهات ال�سيا�سات القطاعية ودعم تنفيذها‪،‬‬
‫وهذا يتطلب دعمه بتدابير قانونية وعملية لتحديد �أطرافه وت�سيير �أ�شغاله وتوفير الو�سائل ال�ضرورية له في مجال‬
‫التح�ضير والتتبع والتقييم‪.‬‬
‫وفي هذا ال�صدد‪ ،‬يو�صي المجل�س باعتماد مقت�ضيات الميثاق االجتماعي للمجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬
‫من بين المرجعيات المعتمدة لتعزيز الحوار االجتماعي‪ ،‬خا�صة المحور الرابع المتعلق بالحوار االجتماعي‬
‫الم َج َّد َدة‪.‬‬
‫والحوار المدني وال�شراكات ُ‬

‫االنتقال �إلى منظومة متطورة لعالقات ال�شغل الجماعية‬

‫من �أجل تطوير منظومة وطنية لعالقات ال�شغل الجماعية تكفل الحقوق االجتماعية والنجاعة االقت�صادية‪،‬‬
‫يدعو المجل�س االقت�صادي واالجتماعي جميع الأطراف المعنية لالنخراط في مبادرة وطنية للتداول في بناء‬
‫نظام وطني لرعاية العمل والو�صول �إلى تعاقد اجتماعي كبير من خالل عقد لقاء وطني تداولي‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫كما يو�صي المجل�س ب�إحداث هيئة م�ستقلة تحت �إ�شراف الفرقاء االجتماعيين تعنى بعالقات ال�شغل‬
‫الجماعية‪ ،‬تما�شيا مع منطوق الد�ستور في هذا الباب‪.‬‬
‫‪ .1‬لقاء وطني لبناء نظام وطني لرعاية العمل‬
‫يعتزم المجل�س االقت�صادي واالجتماعي تنظيم لقاء وطني‪ ،‬بم�شاركة جميع الفرقاء‪ ،‬للتداول في �شروط‬
‫ومراحل بناء نظام وطني لرعاية العمل الم�أجور يقوم على تعميم الحقوق الأ�سا�سية في ال�شغل وتطوير‬
‫الحماية االجتماعية عن طريق االتفاقيات الجماعية ويجعل من المفاو�ضة الجماعية والحوار االجتماعي‬
‫الثالثي الأطراف �آلية رئي�سية لتقوية وتعزيز القدرة التناف�سية للمقاوالت وتح�سين �شروط وظروف العمل‬
‫وتطوير العمل الالئق‪.‬‬
‫‪ .2‬تعاقد اجتماعي كبير‬
‫يو�صي المجل�س‪ ،‬على المدى المتو�سط‪ ،‬ب�إبرام تعاقد اجتماعي كبير تلتزم الأطراف بمقت�ضاه ب�إر�ساء‬
‫�سلم اجتماعي‪ ،‬وذلك باالمتثال للقانون في مجال ال�شغل والحماية االجتماعية وبتطوير الحقوق الفردية‬
‫والجماعية على �أ�سا�س اتفاقيات جماعية وو�ضع �آليات مهنية لت�سوية النزاعات‪ ،‬وبم�شاركة فرقاء الحوار‬
‫االجتماعي الم�س�ؤولة في اختيارات وتوجهات ال�سيا�سات القطاعية‪.‬‬
‫‪ .3‬هي�أة م�ستقلة تعنى بعالقات ال�شغل‬
‫مادامت الحاجة ما�سة �إلى تتبع نزاعات ال�شغل الجماعية وتطوير المعرفة حول عالقات ال�شغل‪ ،‬ف�إن‬
‫المجل�س يو�صي ب�إحداث هي�أة م�ستقلة تعنى بعالقات ال�شغل‪ ،‬تما�شيا مع منطوق الد�ستور في هذا الباب‪،‬‬
‫تعمل تحت �إ�شراف الفرقاء االجتماعيين ومدعومة بو�سائل العمل الب�شرية والمادية بحيث يكون من‬
‫مهامها‪:‬‬
‫• جمع ودرا�سة المعطيات المتعلقة بالقدرة ال�شرائية والتناف�سية و�سوق العمل؛‬
‫• تتبع نزاعات ال�شغل الجماعية وتقييمها وتقديم �آراء ومقترحات ب�ش�أنها؛‬
‫• تح�ضير وت�سهيل الأعمال في �إطار الحوار االجتماعي الوطني؛‬
‫• تقديم مقترحات لتطوير الت�شريع والممار�سات في مجال عالقات ال�شغل والنزاعات الجماعية؛‬
‫• دعم عمل الهيئات المكلفة بالت�صالح والو�ساطة والتحكيم في مجال نزاعات ال�شغل الجماعية؛‬
‫• م�ساعدة الهي�آت التي تتولى نف�س المهام على الم�ستوى الجهوي والإقليمي‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪20‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫تقديـــــــــــم‬

‫تنفيذا لم�ضامين الخطاب ال�سامي ل�صاحب الجاللة الملك محمد ال�ساد�س خالل تن�صيب المجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي بتاريخ ‪ 21‬فبراير ‪ 2011‬الذي �أعلن فيه عن مجموعة من التوجهات التي �أ�س�ست‬
‫لعمل المجل�س خالل واليته الأولى "�إننا نريده ف�ضاء جديدا وا�سعا‪ ،‬يعزز ما توفره دولة الم�ؤ�س�سات التي‬
‫نحن لها �ضامنون من هي�آت للحوار البناء والتعبير الم�س�ؤول والتفاعل الإيجابي مع تطلعات مختلف فئات‬
‫المجتمع و�أجياله‪ ،‬تج�سيدا لنهجنا الرا�سخ في �إ�شراك القوى الحية للأمة في �إيجاد �إجابات جماعية وخالقة‪،‬‬
‫للق�ضايا التنموية الكبرى التي تحظى بها �سامي عنايتنا"‪ ،‬انكب �أع�ضاء المجل�س على درا�سة وتحليل �أهم‬
‫الق�ضايا التي باتت تفر�ض نف�سها على الم�ستويين االقت�صادي واالجتماعي ومحل اهتمام متزايد‪.‬‬
‫وتفعيال لم�ضامين خطاب العر�ش ليوم ‪ 30‬يوليوز ‪ 2004‬الذي جاء فيه‪" :‬ف�إننا ندعو �إلى �إيجاد عقد اجتماعي‬
‫جديد ينبثق عن ت�شاور واتفاق بين الحكومة وال�شركاء االجتماعيين‪ .‬وينبغي �أن ي�أخذ هذا العقد �صيغة‬
‫ميثاق يرتكز على مجموعة تدابير �شمولية ومتكاملة تت�ضمن االلتزام ب�سلم اجتماعي وتعزيز �إ�صالح مدونة‬
‫ال�شغل بتنظيم حق الإ�ضراب‪ ،‬لو�ضع حد لممار�سته غير المقننة التي تزج باالقت�صاد الوطني في دوامة‬
‫الإ�ضراب الع�شوائي‪ ،‬الذي يف�ضي �إلى الإ�ضراب الم�ضاد عن اال�ستثمار والنفور منه‪ ]...[ .‬ولن ي�أخذ االقالع‬
‫االقت�صادي وثيرته الق�صوى بدون توفير المناخ االجتماعي الم�شجع على اال�ستثمار والت�شغيل"‪.‬‬
‫واعتباراً لمقت�ضيات القانون التنظيمي الذي �أوكل �إلى المجل�س االقت�صادي واالجتماعي مهام تي�سير‬
‫وتدعيم الت�شاور والتعاون والحوار بين الفرقاء االجتماعيين تحت القبة الواحدة من �أجل بلورة القناعة لدى‬
‫�أطراف الإنتاج في تبني حلول م�شتركة متوافق عليها للم�ضي قدما نحو �إر�ساء دعائم التنمية ببالدنا وتطوير‬
‫العالقات االجتماعية في �سوق ال�شغل بغية تحقيق ا�ستقرار اجتماعي واقت�صادي‪.‬‬
‫وتما�شيا مع الميثاق االجتماعي للمجل�س الذي ن�ص على‪" :‬االحترام التام للقانون باعتباره ال�شرط الأ�سا�س‪،‬‬
‫لي�س فقط لتحقيق النظام العام وال�سلم االجتماعي‪ ،‬بل وكذلك‪ ،‬وبطريقة متالزمة‪ ،‬ل�ضمان حقوق الإن�سان‬
‫والنهو�ض بها‪ ،‬والتحقيق الم�ستمر للعدالة االجتماعية‪ ،‬وبناء تناف�سية المقاوالت‪ ،‬وتح�سين الجاذبية‬
‫االقت�صادية والتنموية للبالد بالمعنى الوا�سع للكلمة"‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫وقع اختيار اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل وال�سيا�سات القطاعية على مو�ضوع "الوقاية‬
‫من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي" لما يطرحه من ت�سا�ؤالت وان�شغاالت فر�ضت نف�سها على �إثر‬
‫تفاقم الخالفات الجماعية في الآونة الأخيرة وما قد يترتب عن ذلك من عواقب على الو�ضع االقت�صادي‬
‫واالجتماعي وعلى ا�ستقرار المقاولة وم�صير الأجراء‪.‬‬
‫فرغم ما ح�صل من تطور في عالقات ال�شغل بف�ضل �إيمان الفرقاء االجتماعيين واالقت�صاديين والدولة‬
‫الرا�سخ "بالدور الموكول �إليهم في توفير المناخ الجيد للعالقات ال�شغلية" من �أجل الولوج لأورا�ش الت�أهيل‬
‫االقت�صادي واالجتماعي واال�ستجابة لرهانات التنمية واال�ستثمار في القطاع الخا�ص كما ورد في ت�صدير‬
‫مدونة ال�شغل‪ ،‬ف�إن خالفات ال�شغل الجماعية التي �شهدت وثيرة تنازلية وا�ستقرارا ن�سبيا خالل العقد الأخير‬
‫من الألفية المن�صرمة طالتها توترات بلغت ذروتها في ال�سنة الأخيرة بتزايد غير م�سبوق لعدد الإ�ضرابات‪.‬‬
‫هكذا عرف القطاع العام خالل �سنة ‪ 2011‬تفاقم الإ�ضرابات واالحتجاجات في عدة مرافق حيوية كالعدل‬
‫والجماعات المحلية وال�صحة والتعليم‪ ،...‬مما �أثر ب�شكل كبير على م�صالح المواطنين وعلى ا�ستمرارية‬
‫خدمات المرفق العمومي‪� .‬أما بالن�سبة للقطاع الخا�ص‪ ،‬فيظهر جليا من خالل بع�ض الإح�صاءات‪ ،‬تك�سير‬
‫المنحنى التنازلي واال�ستقرار الن�سبي الذي عرفته حركات الإ�ضراب خالل الن�صف الأول ثم الن�صف‬
‫الثاني من العقد المن�صرم حيث �سجلت الإ�ضرابات زيادة بن�سبة ‪� 96.7%‬سنة ‪ 2011‬مقارنة مع �سنة ‪،2010‬‬
‫�أي بانتقال العدد الإجمالي من ‪� 241‬إلى ‪.474‬‬
‫وبالوقوف على واقع نزاعات ال�شغل وعلى الم�ساعي المبذولة للحد منها‪ ،‬تتج�سد ال�صورة العاك�سة للإكراهات‬
‫التي تواجهها المقاولة من جهة‪ ،‬وتراجع الظروف االجتماعية والمعي�شية للعمال و�أ�سرهم من جهة �أخرى‪،‬‬
‫مما ولد قناعة كبيرة لدى �أطراف الإنتاج ب�ضرورة �إر�ساء حلول تمكن من تجاوز هذه الو�ضعية ال�صعبة‪ ،‬حيث‬
‫تمخ�ض عن ذلك التوقيع بين االتحاد العام لمقاوالت المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيال على‬
‫اتفاقات ثنائية حول اعتماد �آلية الو�ساطة االجتماعية لحل نزاعات ال�شغل‪.‬‬
‫وقد ا�ست�أن�ست اللجنة بجميع هذه المعطيات في تناولها مو�ضوع الخالفات الجماعية القتراح حلول متوازنة‬
‫ومتوافق عليها تلبي تطلعات الفرقاء االجتماعيين وتدعم �آليات الت�سوية المعتمدة والقائمة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫ويبقى هذا التقرير وفيا للمنهجية التي اعتمدتها اللجنة الدائمة في �أ�شغالها وذلك ب‪:‬‬
‫• ا�ستناده في الجزء الأول على معايير المرجعية الدولية لمعالجة �إ�شكالية نزاعات ال�شغل؛‬
‫• تدار�سه في الجزء الثاني لواقع خالفات ال�شغل الجماعية على �ضوء جل�سات الإن�صات واالقترحات‬
‫ال�صادرة عن مختلف الأطراف المعنية؛‬
‫• تقديمه في الجزء الثالث القتراحات وتو�صيات ترمي �إلى تطوير منظومة فعالة لمعالجة خالفات ال�شغل‬
‫الجماعية وتهدف �إلى بناء �سلم اجتماعي‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪24‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الق�سم الأول‬

‫المرجعية العامة‬

‫يراد بنزاعات ال�شغل الجماعية الخالفات التي تن�شب ب�سبب العمل ويكون �أحد �أطرافها جماعة من الأجراء‬
‫�أو ممثليهم والطرف الثاني م�شغال �أو جماعة من الم�شغلين �أو منظماتهم المهنية‪.‬‬
‫وقد �أخذت مدونة ال�شغل بهذا التعريف في المادة ‪ 549‬بهدف �إخ�ضاع جميع الخالفات الجماعية لم�سطرة‬
‫الت�سوية المن�صو�ص عليها في المواد الموالية‪.‬‬
‫ويتجلى من ذات التعريف �أي�ضا �أن مو�ضوع الخالف الجماعي يتحدد في الدفاع عن م�صالح الأجراء‬
‫الم�شتركة وهو ما يقابله دفاع الم�شغل عن م�صالحه وي�ؤهل التنظيم الجماعي لكال الطرفين لتمثيل هذه‬
‫الم�صالح والتفاو�ض حولها‪.‬‬
‫و�إن كان بو�سع �أطراف النزاع القانوني الذي ين�شب ب�صدد تف�سير �أو تنفيذ الأحكام والتعاقدات عر�ضه على‬
‫الق�ضاء �أو اللجوء �إلى الطرق البديلة‪ ،‬ف�إن الخالفات التي تن�ش�أ ب�سبب تقديم مطالب مادية واقت�صادية ال‬
‫تدخل �ضمن �صالحيات المحاكم وال يمكن ف�ضها �إال باحترام �إرادة الأطراف عن طريق المفاو�ضة �أو اللجوء‬
‫�إلى الحلول الأخرى التي يتم االتفاق عليها (�صلح‪ ،‬و�ساطة‪ ،‬تحكيم)‪.‬‬
‫�إن نزاع ال�شغل الجماعي يمثل فترة توتر عادية في عالقات ال�شغل ي�سعى القانون الحتوائها بتوفير �آليات‬
‫التمثيل الجماعي والتحاور واللجوء �إلى المفاو�ضة والترا�ضي‪.‬‬
‫وتعتبر معايير العمل الدولية مرجعا كونيا للحقوق التي يتمتع بها الأجراء والم�شغلون في مجال العمل‬
‫الجماعي والمفاو�ضة الجماعية‪ ،‬وم�ؤ�شراً على الممار�سات التي وطدت خالل العقود الأخيرة ما يعرف‬
‫بـ "اال�ستقالل الجماعي للفرقاء االجتماعيين" وجعلت من تعاقداتها م�صدراً رئي�سيا للحماية االجتماعية‬
‫ولمعالجة الخالفات الجماعية‪ .‬وقد �أف�ضى انخراط المغرب في هذا الم�سار �إلى الت�أ�سي�س لنظام جديد‬
‫لعالقات ال�شغل الجماعية في مدونة ال�شغل‪ ،‬غير �أن ت�أثيره على وثيرة وطبيعة الخالفات الجماعية يبقي‬
‫متوا�ضعا �إلى حد الآن‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫المعايير الدولية‬

‫تولت منظمة العمل الدولية منذ �إحداثها �سنة ‪ 1919‬مهمة �إ�صدار معايير العمل الدولية وال�سهر على تطبيقها‬
‫من طرف الدول الم�صادقة عليها‪ .‬وقد �ساعدت هيكلتها الثالثية المرتكزة على تمثيل المنظمات المهنية‬
‫للعمال وللم�شغلين منا�صفة مع ممثلي الحكومات على تبويء حق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية مكان‬
‫ال�صدارة في قانون ال�شغل الدولي لي�صبح بذلك الحوار االجتماعي بين الفرقاء الثالث المحور الذي تدور‬
‫حوله المعايير المعمول بها‪.‬‬
‫‪ .1‬حق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية‬
‫ي�شمل حق التنظيم بمفهوم القانون الدولي الحرية النقابية وحرية الجمعيات وجميع الحريات ال�ضرورية‬
‫لمزاولة العمل الجماعي ال�سلمي في بلد ديمقراطي‪ .‬ومادام ي�ستهدف الدفاع عن م�صالح �أطراف الإنتاج‬
‫بطريقة جماعية فهو ي�ؤدي حتما �إلى االعتراف بالحق في التفاو�ض الجماعي و�إبرام االتفاقيات الجماعية‪.‬‬
‫وي�ستنتج من درا�سة المعايير الدولية العديدة التي �أ�صدرتها منظمة العمل الدولية في هذا المجال �أنها لم‬
‫تتطرق �صراحة �إلى حق الإ�ضراب‪� ،‬إال �أن عدة مواثيق دولية �أخرى تعترف بهذا الحق في حين تعتبره كل‬
‫من لجنة الحرية النقابية ولجنة الخبراء التابعتين للمنظمة من �صميم حرية حق التنظيم‪.‬‬
‫• حق التنظيم‬
‫بمجرد االن�ضمام �إلى منظمة العمل الدولية ت�صبح الدولة مقيدة بد�ستورها الذي يت�ضمن في �صيغته‬
‫الأولى اعترافا �ضمنيا بحق التنظيم؛ وفي الملحق الذي �أ�ضيف �إليه بمقت�ضى " �إعالن فيالديلفيا"‬
‫ل�سنة ‪ 1944‬ت�أكيدا �صريحاً على مكانة حرية التعبير واالجتماع من بين المبادئ الأ�سا�سية التي تقوم عليها‬
‫المنظمة‪.‬‬
‫وقد �أوكل نف�س الإعالن �إلى المنظمة م�ساندة برامج خا�صة من �أجل "االعتراف الفعلي بحق التفاو�ض‬
‫الجماعي والتعاون بين الم�شغلين والخدمة من �أجل تح�سين تنظيم الإنتاج بكيفية م�ستمرة وتعاون العمال‬
‫والم�شغلين في تحديد وتنفيذ ال�سيا�سة االقت�صادية واالجتماعية"‪.‬‬
‫ويبقى المبد�أ العام لتقيد الدول بحق التنظيم متمثال في ميثاق حقوق الإن�سان‪ ،‬لتتبو�أ بذلك معايير منظمة‬
‫العمل الدولية ال�صدارة في تف�سيره و�إعطائه م�ضمونا كونيا‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬
‫• االتفاقية ‪ 87‬الخا�صة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم (‪)1949‬؛‬
‫• االتفاقية ‪ 135‬والتو�صية رقم ‪ 143‬ب�ش�أن توفير الحماية والت�سهيالت لممثلي العمال في الم�ؤ�س�سة (‪)1971‬؛‬
‫• االتفاقية ‪ 141‬الخا�صة بمنظمات العمال الريفيين ودورها في التنمية االقت�صادية واالجتماعية (‪)1970‬؛‬
‫• مقرر ‪ 1952‬حول ا�ستقالل الحركة النقابية عن الأحزاب ال�سيا�سية والحكومات‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫• الحق في المفاو�ضة الجماعية‬


‫ي�شمل هذا المفهوم حق النقابات و�أرباب العمل في المفاو�ضة الجماعية للو�صول �إلى اتفاقيات جماعية‬
‫من جهة ومن جهة �أخرى حماية جميع �أ�شكال التفاو�ض والت�شاور الأخرى التي تمار�س بين باقي ممثلي‬
‫العمال القانونيين و�أرباب العمل وتنظيماتهم وممثلي الحكومات‪� ،‬شريطة �أن ال ت�ستهدف الت�ضييق على‬
‫العمل النقابي‪.‬‬
‫وتحتوي التر�سانة المعيارية في هذا المجال على عدة اتفاقيات وتو�صيات وتوجيهات من �أبرزها‪:‬‬
‫• االتفاقية ‪ 98‬الخا�صة بتطبيق حق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية (‪)1949‬؛‬
‫• االتفاقية ‪ 117‬الخا�صة بالأهداف والمعايير الأ�سا�سية لل�سيا�سة االجتماعية؛‬
‫• االتفاقية ‪ 154‬الخا�صة بت�شجيع المفاو�ضة الجماعية (‪)1954‬؛‬
‫• االتفاقية ‪ 144‬الخا�صة بالم�شاورات الثالثية لتعزيز تطبيق معايير العمل الدولية والتو�صية ‪ 152‬في نف�س‬
‫المو�ضوع (‪)1976‬؛‬
‫• �إعالن المبادئ الثالثي ب�ش�أن الم�ؤ�س�سات متعددة الجن�سية وال�سيا�سة االجتماعية (‪.)1970‬‬
‫• حق الإ�ضراب‬
‫على الرغم من االعتراف بحق الإ�ضراب في مواثيق حقوق الإن�سان‪ ،‬ف�إن االتفاقيات والتو�صيات ال�صادرة‬
‫عن منظمة العمل الدولية لم تتناوله �صراحة ‪� .1‬إال �أن ممار�سة الإ�ضراب عبر العالم كانت مو�ضوع العديد‬
‫من ال�شكاوى المقدمة �إلى مكتب العمل الدولي ليف�سح بذلك مجال االجتهاد �أمام لجنة الحرية النقابية‬
‫لتبني عدة مبادئ يذكر منها على �سبيل المثال‪:‬‬
‫• اعتباره حقا م�شروعا للدفاع عن الم�صالح االجتماعية واالقت�صادية ومعترفا به �ضمنيا في االتفاقية ‪87‬‬
‫الخا�صة بالحرية النقابية؛‬
‫• �إمكانية االعتراف به ح�صريا للنقابات �شريطة توفير الحرية النقابية فعليا؛‬
‫• ح�صر الغاية من الإ�ضراب في الم�صالح االقت�صادية واالجتماعية؛‬
‫• �إمكانية اعتبار الإ�ضراب ال�سيا�سي ال�صرف والإ�ضراب المقرون برف�ض التفاو�ض خارجان عن نطاق‬
‫الإ�ضراب الم�شروع؛‬
‫• �إمكانية ت�أطير ممار�سة الإ�ضراب ب�أحكام ت�شريعية من �سبيل اللجوء �إلى م�ساطر قبلية �شريطة �أن ال‬
‫يترتب عنها تقلي�ص تع�سفي للعمل النقابي؛‬
‫(‪ )1‬وردت العبارة في فقرة وحيدة من التو�صية رقم ‪ 92‬ب�ش�أن التوفيق والتحكيم االختياريين جاء فيها ما يلي‪" :‬ال تت�ضمن هذه التو�صية �أي‬
‫حكم يمكن تف�سيره ب�أنه يقيد حق الإ�ضراب ب�أي �شكل من الأ�شكال"‪ .‬ويتطلب تف�سير الأمر الرجوع �إلى المادتين الرابعة وال�ساد�سة اللتين‬
‫ت�ؤكدان على �ضرورة حث الأطراف على االمتناع عن الإ�ضرابات و�إغالق المن�ش�آت طوال �سير الم�ساطير االختيارية التي تنهجها لف�ض‬
‫النزاع عن طريق التوفيق �أو باللجوء �إلى التحكيم بموافقة جميع الأطراف‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫• �إمكانية الحد من ممار�سة الإ�ضراب في ظروف خا�صة‪� :‬أزمات حادة‪ ،‬مرافق الأمن العام‪...‬؛‬
‫• �إمكانية فر�ض الخدمات الدنيا في المرافق ال�ضرورية؛‬
‫• �ضرورة اللجوء �إلى الق�ضاء للت�صريح بعدم م�شروعية الإ�ضراب؛‬
‫• عدم تدخل ال�سلطات ومنع ا�ستخدام عمال جدد لتعوي�ض الم�ضربين؛‬
‫• م�شروعية اقتطاع الأجر مقابل �أيام الإ�ضراب؛‬
‫• م�شروعية التعوي�ض عن ال�ضرر في حالة الإ�ضراب غير الم�شروع؛‬
‫• منع التمييز بين الأجراء ب�سبب الم�شاركة في الإ�ضراب الم�شروع‪.‬‬
‫‪ .2‬ت�أثير المعايير الدولية على عالقات ال�شغل الجماعية وف�ض النزاعات‬
‫ي�ستفاد من ر�صد معايير العمل الدولية ب�أن حق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية �أ�صبح دعامة لعالقات‬
‫ال�شغل على م�ستوى المقاولة و�آلية للحوار االجتماعي ب�ش�أن ال�سيا�سات االقت�صادية واالجتماعية على‬
‫الم�ستوى الوطني والدولي بالإ�ضافة �إلى الدور الذي يناط به في المقاوالت متعددة الجن�سيات وفي نطاق‬
‫التكتالت واالتحادات الجهوية‪.‬‬
‫ويرجع هذا التطور في نف�س الوقت �إلى اعتباره من الحقوق الأ�سا�سية في العمل و�إلى مالءمة المفاو�ضة‬
‫الجماعية لمتطلبات الحماية االجتماعية في محيط التبادل الحر‪.‬‬
‫• المراقبة الدولية‬
‫�إن ت�ضمين ميثاق حقوق الإن�سان لحق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية والإ�ضراب‪ ،‬يلزم عدة هيئات �أممية‬
‫بمراقبة مدى احترام الدول لهذه الحقوق على �ضوء المعايير ال�صادرة عن منظمة العمل الدولية‪.‬‬
‫وقد تعززت المراقبة الدولية بهذا ال�ش�أن ب�صدور �إعالن الحقوق والمبادئ الأ�سا�سية في العمل �سنة ‪1998‬‬
‫عن منظمة العمل الدولية حيث �أدمج االتفاقيتين رقم ‪ 87‬و‪ 98‬ب�ش�أن الحرية النقابية والمفاو�ضة الجماعية‬
‫من بين المواثيق الثمانية الأ�سا�سية لت�صبح جميع الدول الأع�ضاء خا�ضعة لمراقبة مدى احترامها‬
‫لأحكامها دون اعتبار م�صادقتها عليها‪.‬‬
‫تتم هذه المراقبة من طرف منظمة العمل الدولية عن طريق لجنة الحرية النقابية بمنا�سبة درا�ستها للطعون‬
‫المرفوعة �إليها‪ ،‬ومن طرف لجنة الخبراء لتطبيق االتفاقيات والتو�صيات عن طريق درا�سة التقارير الدورية‬
‫المقدمة من طرف الدول ب�ش�أن تطبيق االتفاقيات الملزمة لها‪.‬‬
‫وبينما تقوم اللجنة الأولى ذات التركيبة الثالثية الأطراف تحت رئا�سة �شخ�صية م�ستقلة بالتحريات في الوقائع‬
‫المحمولة �إليها عن طريق المرا�سلة واالت�صاالت المبا�شرة مع الأطراف‪ ،‬تكتفي لجنة الخبراء المكونة من‬

‫‪28‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫حقوقيين م�ستقلين يعينون من لدن المجل�س الإداري‪ ،‬بدرا�سة التقارير التي توجهها �إليها الدول بخ�صو�ص‬
‫تطبيق االتفاقيات الملزمة لها وذلك على �ضوء مالحظات الفرقاء االجتماعيين والمعلومات المتوفرة لدى‬
‫المنظمة‪ ،‬تقترن بتوجيه �أ�سئلة مبا�شرة غير قابلة للن�شر ومالحظات تن�شر في التقرير ال�سنوي‪.‬‬
‫ويقوم مكتب العمل الدولي عن طريق م�صالحه �أو عن طريق المجل�س الإداري بتتبع الحاالت التي تتطلب‬
‫عناية خا�صة وا�ستدعاء الدول ال�ستف�سارها وبعر�ض الحاالت المقلقة على الم�ؤتمر لت�سليط ال�ضوء عليها‬
‫وحمل باقي المنظمات الدولية والدول الديمقراطية على �أخذها بعين االعتبار في عالقاتها الخارجية‪.‬‬
‫• �أهمية المعايير الدولية في محيط العولمة‬
‫�أ�صبحت منظمة العمل الدولية والدول الأع�ضاء م�ضطرة �إلى الت�أقلم مع العولمة وال�صمود في وجه‬
‫ال�ضغوطات الرامية �إلى رفع القيود على نظام الإنتاج والتبادل الحر بما فيها تلك التي تتخذ �صبغة الحماية‬
‫الت�شريعية االجتماعية‪ .‬وقد �أكد المنتظم الدولي في م�ؤتمر �سنغفورة �سنة ‪ 1996‬على �أن مهمتها لم تتغير‬
‫نتيجة �إحداث منظمة التجارة الدولية‪ ،‬ليدفعها هذا الموقف �إلى �إ�صدار �إعالن المبادئ والحقوق الأ�سا�سية‬
‫في العمل �سنة ‪ 1998‬ونهج �سيا�سات جديدة بغية تكري�سها فعليا باعتماد الحوار االجتماعي ك�آلية لت�آزر‬
‫الفرقاء من �أجل مالءمة الحماية االجتماعية مع حاجيات االقت�صاد و�إر�ساء ال�سلم االجتماعي‪ .‬وقد توجهت‬
‫�أغلب الدول الم�صنعة بالفعل نحو �إ�سناد دور �أ�سا�سي لأطراف الإنتاج في مجال تطبيق المعايير الدولية‬
‫حيث �أ�صبحت االتفاقيات الجماعية �أن�سب و�سيلة للموازنة بين الحقوق والقدرة التناف�سية للمقاولة‪.‬‬

‫التجارب الأجنبية‬

‫ُيبرز التوقف عند بع�ض التجارب الأجنبية جنوح الأنظمة نحو القانون االتفاقي مع اعتماد �آليات لف�ض‬
‫النزاعات الجماعية تتولى المنظمات المهنية رعايتها كبديل للم�ساطر الإدارية والق�ضائية‪.‬‬
‫‪ .1‬نماذج من بع�ض التجارب المتباينة‬
‫انكبت الدرا�سة المقارنة على تطور نظام عالقات ال�شغل الجماعية في كل من فرن�سا و�ألمانيا و�إ�سبانيا‬
‫واليابان وال�صين‪ .‬وتبين منها �أن التجربة الفرن�سية تتميز في مجال عالقة ال�شغل الجماعية بالنزعة الفردية‬
‫التي تطغى على االعتراف بحقوق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية والإ�ضراب‪� ،‬إذ تعتبرها من الحريات‬
‫الفردية التي تمار�س بكيفية جماعية‪ ،‬على خالف القانون الألماني الذي يعتبرها حقوقاً جماعية تخول‬
‫ممار�ستها للنقابات دون غيرها بهدف توظيفها للو�صول �إلى التعاقد حول ال�شروط االقت�صادية واالجتماعية‬
‫في �شكل اتفاقيات جماعية ي�ستفيد من �آثارها مبا�شرة �أع�ضاء المنظمات الموقعة عليها دون �سواهم‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫ويترتب عن هذا االختالف �أن ي�صبح القانون التعاقدي م�صدرا رئي�سيا لحقوق العمال ب�ألمانيا بينما يناط‬
‫هذا الدور في فرن�سا �إلى الت�شريع مع �إ�سناد مهمة تطوير �أحكامه ومالءمتها للحاجيات �إن على م�ستوى‬
‫المقاولة �أو القطاع �إلى االتفاقيات الجماعية‪.‬‬
‫ويتجلى تباين النظامين كذلك في اعتماد المفاو�ضة الجماعية القطاعية ب�ألمانيا كرافعة �أ�سا�سية للحوار‬
‫االجتماعي بينما يرجع هذا الدور بفرن�سا بالأ�سا�س �إلى العالقة الثالثية الأطراف ويتداخل من جهة مع‬
‫المفاو�ضة الجماعية ومن جهة ثانية مع عالقات الحكومة الثنائية مع طرفي الإنتاج حيث ت�صبح الدولة طرفاً‬
‫معنياً ب�أغلب المطالب الجماعية والنزاعات االجتماعية‪.‬‬
‫وقد دفعت العولمة �إلى تطوير كال النظامين دون تقريبهما بحيث ا�ضطرت الحكومة الألمانية �إلى اللجوء‬
‫�إلى الت�شريع ل�سد الفراغ الناتج عن غياب االتفاقيات الجماعية في القطاعات التي لم تعد المنظمات‬
‫المهنية قادرة على �ضبط �شروط العمل بها نتيجة مغادرتها من لدن عدة مقاوالت تحت �ضغط المناف�سة‬
‫كما يتمثل ذلك في تحديد الحد الأدنى للأجر في قطاع الفنادق والمطاعم‪ ،‬في حين اتجه الم�شرع‬
‫الفرن�سي خالل ال�سنوات الأخيرة نحو تو�سيع مجال المفاو�ضة الجماعية في المقاوالت المتو�سطة‬
‫وال�صغرى عن طريق تمكين ممثلي الأجراء المنتخبين من االنخراط في االتفاقيات الجماعية و�إحالة‬
‫االتفاقيات القطاعية على �شروط يتم االتفاق حولها على م�ستوى المقاوالت‪.‬‬
‫بالمقارنة مع هذين النموذجين التاريخيين ف�إن التجربة الإ�سبانية تقترب من النموذج الألماني باعتمادها‬
‫على ا�ستقالل الفرقاء الجماعي ك�آلية �أ�سا�سية لتنظيم عالقة ال�شغل �إال �أنها تتميز كذلك بالطابع الجهوي‬
‫الذي يح�صر مجال القانون التعاقدي في نطاق الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي‪ ،‬ويفر�ض بذلك تنظيم‬
‫المفاو�ضة الجماعية على م�ستويات ترابية وقطاعية متداخلة‪ .‬كما �أن اكت�ساح المقاوالت المتو�سطة‬
‫وال�صغرى لبع�ض القطاعات يقل�ص من �إمكانيات �إدماجها في االتفاقيات الجماعية القطاعية وي�ؤدي �إلى‬
‫انت�شار التفاو�ض على م�ستوى المقاولة‪.‬‬
‫وقد دفعت الأزمة التي يعرفها االقت�صاد الإ�سباني بالفرقاء االجتماعيين �إلى ال�سماح للمقاوالت التي‬
‫تواجه �صعوبات اقت�صادية بالتفاو�ض حول تعليق بع�ض بنود االتفاقيات الجماعية القطاعية‪.‬‬
‫�أما النظام الياباني فيتميز بدوره باعتماد االتفاقيات الجماعية كم�صدر رئي�سي لحقوق العمال �إال �أن مجالها‬
‫ينح�صر في المقاولة ويخ�ص الأجراء الر�سميين دون غيرهم‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك يظل الأطر والعاملون بالقطاع العمومي و�أجراء المقاوالت ال�صغرى المياومون والعر�ضيون‬
‫خارج مجال المفاو�ضة الجماعية واالتفاقيات المترتبة عنها‪ .‬وبالمقابل ف�إن هذا النظام يتميز ب�ضمان‬
‫اال�ستقرار للعمال الم�ستفيدين منه وهو ما يعرف بالعمل مدى الحياة ويفرز ممار�سات نادرة من قبيل‬
‫تخ�صي�ص مكاف�آت مو�سمية جد مرتفعة وي�سمح للم�شغلين ب�إجراء اقتطاعات على الأجور واالحتفاظ بها‬
‫�إلى موعد تقاعد الأجير وتوفير خدمات اجتماعية رفيعة له ولأ�سرته‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫وقد عرف هذا النموذج بدوره ا�ضطرابات تحت �ضغط العولمة تمثلت بالخ�صو�ص في ارتفاع عدد الأجراء‬
‫غير الر�سميين وبالتالي حرمان جزء كبير من ال�شغيلة من الحماية االجتماعية خ�صو�صا الن�ساء منهم‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك ف�إن النقابات تراجع حاليا موقفها التاريخي من م�س�ألة تنظيم الأجراء غير الر�سميين والعاملين‬
‫بالمقاوالت المتو�سطة وال�صغرى وتطالب ب�إ�صدار معايير قانونية لفر�ض حماية دنيا‪.‬‬
‫على نقي�ض هذه التجارب التي تقوم فيها عالقة ال�شغل على العقود الفردية واالتفاقيات الجماعية ف�إن‬
‫التجربة ال�صينية الحالية تتميز باالنتقال من نظام لعالقات ال�شغل �شبيه بنظام الوظيفة العمومية �إلى تحرير‬
‫عالقة العمل في �إطار "اقت�صاد ال�سوق اال�شتراكي"‪ .‬وقد نتج عن هذا التحول تر�سيم الأجراء العاملين‬
‫بالمقاوالت العمومية بعد ا�ستيفائهم لأقدمية ع�شر �سنوات دون غيرهم وف�سح مجال حرية التعاقد بالن�سبة‬
‫للمقاوالت الخا�صة حيث انت�شرت العقود المحددة المدة التي ال تتجاوز في الغالب خم�س �سنوات‪.‬‬
‫و�إذا كان تحرير �سوق العمل قد دفع بالم�شرع �إلى حث المقاوالت على �إبرام االتفاقيات الجماعية‪ ،‬ف�إن‬
‫انعدام حرية التنظيم فعليا نتيجة ثقل النقابات الر�سمية المعتادة على م�ساندة خطط الإنتاج بالمقاوالت‬
‫قد قل�ص من دور االتفاقيات التي تبقى في الغالب �شكلية‪ .‬ومع ذلك ف�إن ال�سنوات الأخيرة قد �أفرزت‬
‫حركات جماعية مطلبية م�صحوبة بالإ�ضراب وبالمفاو�ضة الجماعية على م�ستوى المقاولة وهو ما ي�ؤ�شر‬
‫–ربما – على ممار�سة حرية التنظيم وحق الإ�ضراب المعترف بهما قانوناً على نطاق �أو�سع‪.‬‬
‫من خالل هذه التجارب المتباينة يتجلى ميول جميع الأنظمة المهنية �إلى اعتماد اال�ستقالل الجماعي‬
‫للفرقاء ك�آلية رئي�سية لتعوي�ض تراجع دور الدولة االقت�صادي واالجتماعي وتنظيم م�شاركتهم في توجيه‬
‫وتنفيذ ال�سيا�سات العمومية القطاعية‪ .‬وبموازاة مع تطوير القانون االتفاقي وتحميله مهمة تر�سيخ ال�سلم‬
‫االجتماعي ف�إن الأنظمة المعمول بها تلج�أ �إلى اعتماد �آليات بديلة عن الهي�آت الر�سمية في مجال ت�سوية‬
‫النزاعات الجماعية لتطوير التفاو�ض المثمر‪.‬‬
‫‪ .2‬نموذجان من مراكز ت�سوية الخالفات الجماعية بالطرق البديلة‬
‫يتبين من القانون المقارن �أن �أغلب الدول عدلت عن فر�ض م�ساطر �إلزامية لف�ض النزاعات الجماعية و�أن‬
‫النماذج الأكثر نجاحا ترتكز على االتفاقيات الجماعية حيث ت�سعى �أطرافها �إلى �ضمان تطبيقها ومراجعتها‬
‫وف�ض النزاعات المرتبطة بها بدون تدخل �أطراف خارجية‪.‬‬
‫وللوقوف على هذه التجارب �أوفد المجل�س االقت�صادي واالجتماعي بع�ض �أع�ضائه �إلى مركزي مدريد‬
‫وبروك�سيل اللذان يجمعان بين الطابع الم�ؤ�س�سي واالتفاقي في هذا المجال‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫المركز الكنفدرالي الإ�سباني‬


‫ان�سجاما مع مبد�أ "اال�ستقاللية الجماعية" الذي يقوم عليه نظام العالقات ال�صناعية ب�إ�سبانيا‪ ،‬اعترف‬
‫الد�ستور في المادة ‪ 37-2‬بحق كل من العمال والم�شغلين في �إحداث هيئات تخت�ص بف�ض نزاعات‬
‫ال�شغل‪ .‬كما ن�ص القانون التنظيمي المتعلق بالحرية النقابية على �إ�شراك المنظمات المهنية في ت�سيير‬
‫الهيئات المكلفة بحل الخالفات النا�شئة عن العمل في حين تطرقت المادة ‪ 85-2‬من "نظام العمال"‬
‫�إلى �إحداث لجن ثنائية بمقت�ضى االتفاقية الجماعية يعهد �إليها تف�سير الأحكام التعاقدية والحفاظ على‬
‫ال�سلم االجتماعي‪.‬‬
‫وتعتبر تجربة "المرفق الكنفدرالي المتعدد الأطراف للو�ساطة والتحكيم" (‪ )SIMA‬المحدث بمقت�ضى‬
‫"االتفاق حول الحل البديل عن الق�ضاء لف�ض خالفات ال�شغل" ‪ ASEC‬متميزة اعتباراً لتركيزها على‬
‫الخالفات التي يتجاوز نطاقها مجال الإقليم الواحد‪ ،‬لكونها جاءت كبديل للتجربة ال�سابقة المتمثلة في‬
‫معهد الو�ساطة والتوفيق الذي �أحدثه المجل�س االقت�صادي واالجتماعي الإ�سباني بتاريخ ‪ 26‬يناير ‪1979‬‬
‫والذي لم يعرف �إقباال يذكر ب�سبب �ضعف احت�ضانه من طرف الفرقاء االجتماعيين‪.‬‬
‫ويعزى نجاح المرفق الجديد عالوة على مجانية خدماته �إلى �سرعة البث و�إلى مالءمة الإجراءات المعتمدة‬
‫من طرفه لطبيعة الخالفات المطروحة حيث يميز بين‪:‬‬
‫•  الخالفات القانونية وبالخ�صو�ص تلك التي ترتبط بتف�سير االتفاقيات الجماعية والتي يمكن اللجوء‬
‫ب�ش�أنها �إلى الق�ضاء؛‬
‫• الو�ساطة كبديل للم�سطرة الإلزامية في مجال الإ�ضراب؛‬
‫•  الخالفات النا�شئة داخل اللجان الثنائية �أو ب�سبب تنفيذ الم�ساطر الجماعية �أو خالل المفاو�ضة‬
‫الجماعية‪.‬‬
‫ويتم اختيار الو�سيط من لدن الأطراف المتنازعة من بين الو�سطاء المر�شحين من طرف المنظمات المهنية‬
‫والذين يتم �إدماجهم في اللوائح المعتمدة على �أ�سا�س مهاراتهم وخبرتهم المهنية‪.‬‬
‫وب�إمكان الأطراف المتنازعة اللجوء �إلى التحكيم باالتفاق على محكم من بين الحكام المعتمدين لدى‬
‫المرفق (‪ )SIMA‬بتوافق جميع المنظمات اعتماداً على خبرتهم القانونية وم�صداقيتهم‪ ،‬حيث �أن �أغلب‬
‫المحكمين ينتمون �إلى الجامعة في حين ينحدر الو�سطاء من مختلف المهن والتكوينات‪ .‬ويمول هذا‬
‫المرفق من طرف الدولة وي�سهر على ت�سييره الفرقاء االجتماعيون‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫مركز ال�صلح البلجيكي‬


‫�أحدث المجل�س الوطني البلجيكي للعمل بمقت�ضى قانون ‪ 29‬ماي ‪ 1952‬والمعدل بتاريخ ‪ 30‬دجنبر ‪2009‬‬
‫وتمتد مهامه اال�ست�شارية �إلى �إبداء الر�أي للحكومة والبرلمان‪ ،‬وتطوير االتفاقيات الجماعية القطاعية �أو المبرمة‬
‫بين عدة قطاعات‪ ،‬واال�ست�شارة حول النزاعات التي تن�شب داخل اللجان الثنائية‪.‬‬
‫يتكون المجل�س من ‪ 26‬ع�ضوا يعينون بمقرر ملكي منا�صفة بين منظمات العمال و�أرباب العمل ويزاول‬
‫مهامه عن طريق المجل�س العام‪ ،‬والمكتب التنفيذي‪ ،‬واللجان والأمانة العامة‪.‬‬
‫وعالوة على اهتمام هذه الهياكل بتتبع الخالفات الجماعية والم�ساعدة على حلها‪ ،‬ف�إن المجل�س يتوفر‬
‫على "مكتب ال�صلح" الذي يعر�ض خدماته لف�ض النزاعات كلما تو�صل ب�إ�شعار عن الإ�ضراب‪.‬‬
‫ويتكون المكتب من رئي�س و�أع�ضاء يمثلون بالمنا�صفة �أرباب العمل والمنظمات العمالية ويجتمع بدعوة‬
‫من رئي�سه خالل ال�سبعة �أيام الموالية لتو�صله بطلب الت�سوية من منظمة مهنية �أو م�شغل‪.‬‬
‫تدون الم�ساعي التي يقترحها المجل�س بتوافق الأطراف في محا�ضر موثقة‪ ،‬وت�شمل م�ساعيه‪:‬‬
‫• حث الطرفين على تهيئ مناخ جماعي مالئم؛‬
‫• ت�أطير ا�ستئناف العمل؛‬
‫• ت�شجيع الحوار المبا�شر مع العمال؛‬
‫• اقتراح الحل النهائي؛‬
‫• الإ�شراف على تنفيذ االتفاقات‪.‬‬

‫المنظومة الوطنية لعالقات ال�شغل الجماعية‬


‫بعد �سنوات عديدة من ال�صراعات االجتماعية وال�سيا�سية‪� ،‬ساهم الحوار االجتماعي الذي انطلق �سنة ‪1996‬‬
‫في تو�سيع مجال الم�شاركة في تدبير ال�ش�أن العام وتطوير نظام عالقات ال�شغل الجماعية باعتماد �آليات‬
‫ع�صرية للتفاو�ض ولت�سوية النزاعات الجماعية‪.‬‬
‫‪ .1‬تطوير نظام العالقات الجماعية‬
‫عرفت ال�سنوات الأولى من اال�ستقالل حركات اجتماعية وا�سعة وزخما من الت�شريعات لت�أطير العمل‬
‫الجماعي من بينها ظهير ‪ 1957‬المتعلق بالنقابات المهنية‪ ،‬وظهير ‪ 1962‬ب�ش�أن مناديب العمال‪ ،‬وظهير ‪17‬‬
‫�أبريل ‪ 1957‬حول االتفاقيات الجماعية‪� .‬إال �أن التوتر ال�سيا�سي الذي واكب الإعالن عن حالة اال�ستثناء‬
‫�سنة ‪� 1965‬أثر ب�شكل مبا�شر على الحقل االجتماعي بتعطيل هيئات الت�شاور (المجل�س الأعلى للوظيفة‬
‫العمومية والمجل�س الأعلى لالتفاقيات الجماعية‪ )...‬وبالت�ضييق على العمل الجماعي ب�صفة عامة وعلى‬
‫الن�شاط النقابي خ�صو�صاً‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫هذه البيئة ال�سيا�سية واالجتماعية لم تكن ل�صالح تر�سيخ عالقات جماعية �سليمة �سواء داخل القطاع العام‬
‫�أو الخا�ص ودفعت ال�سلطات العمومية �إلى احتواء ممار�سة الإ�ضراب تارة بتك�سيره وتارة ببدل م�ساعي‬
‫لحمل الأطراف على ت�سوية خالفهم‪.‬‬
‫وقد �أف�ضت هذه الممار�سة على مر ال�سنين �إلى تعميم وتطبيع تدخل ال�سلطة الإدارية لف�ض النزاعات‬
‫الجماعية وتدوين الحلول المتو�صل �إليها في برتوكوالت اتفاق �أو محا�ضر‪.‬‬
‫ومما ال �شك فيه �أن هذا ال�سلوك يعبر في نف�س الوقت عن تداخل ال�ش�أن ال�سيا�سي مع العمل النقابي‬
‫ليتكر�س بذلك ت�شابك العمل الجماعي مع التدبير ال�سيا�سي للمطالب االجتماعية وتفادي االعتماد‬
‫على التمثيل النقابي كمعيار للمفاو�ضة الجماعية وعن تفادي الأخذ بالتمثيل الجماعي الفعلي كمعيار‬
‫المفاو�ضة الجماعية‪.‬‬
‫وقد جاء م�شروع مدونة ال�شغل �سنة ‪ 1992‬وفيا لهذا التوجه بتنظيمه لم�ساطر �إلزامية للتوفيق والتحكيم‪� ،‬إال‬
‫�أن الن�ص النهائي الذي نتج عن الحوار االجتماعي لم ي�أخذ بالطابع الإلزامي للتحكيم‪.‬‬
‫وبالرجوع �إلى الت�صريح الم�شترك ال�صادر يوم فاتح غ�شت ‪ 1996‬يتبين �أن �أطراف الحوار �أولت ال�صدارة‬
‫لآليات الحوار االجتماعي‪ ،‬وح�صلت على التزام الحكومة بموا�صلة "مجهوداتها من �أجل تقريب وجهات‬
‫نظر المحاورين االجتماعيين" عن طريق‪:‬‬
‫• اعتماد مبد�أ دورية اللقاءات ل�ضمان ا�ستمرارية الحوار والت�شاور وذلك بعقد اجتماع م�شترك مرة‬
‫واحدة على الأقل كل �ستة �أ�شهر؛‬
‫• التزام الأطراف الثالثة ب�إجراء مباحثات فيما بينها على �صعيد القطاعات والإدارات والعماالت‬
‫والأقاليم من �أجل حل الم�شاكل الخا�صة بكل قطاع‪ ،‬على �أن تكون المفاو�ضات مبا�شرة بين‬
‫محاورين اجتماعيين لهم �صالحية التنفيذ والتفوي�ض؛‬
‫• ت�شكيل لجنة ثالثية دائمة على ال�صعيد الوطني لمتابعة تنفيذ كل القرارات وااللتزامات المتخذة‬
‫وذلك بتن�سيق مع المجل�س اال�ست�شاري لمتابعة الحوار االجتماعي؛‬
‫• �إعداد جدول �أعمال محدد قبل بداية كل لقاء توثق �أ�شغاله في مح�ضر وفي بالغ م�شترك عند‬
‫االقت�ضاء؛‬
‫• تمكين النقابات والم�شغلين من ا�ستعمال الإعالم ال�سمعي والب�صري العمومي‪.‬‬
‫ويت�أكد من قراءة هذه االلتزامات ب�أن طرفي الإنتاج كانا خالل هذه المرحلة في حاجة �إلى دعم من‬
‫الحكومة لت�سهيل الحوار الثنائي بينهما من �أجل ت�سوية النزاعات الجماعية‪ ،‬وهو ما حمل الأطراف‬
‫الثالث �إلى �إحداث لجان على م�ستوى الأقاليم و�أخرى قطاعية لمتابعة الحوار االجتماعي‪ ،‬تحت رعاية‬
‫هيئة وطنية تجتمع مرتين في ال�سنة على الأقل‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫وقد عمق اتفاق ‪ 19‬محرم ‪� 23( 1421‬أبريل ‪ )2000‬هذا التوجه بتنظيم الحوار االجتماعي تحت رئا�سة‬
‫الوزير الأول وبالت�أكيد على "ت�شديد حر�ص الحكومة على تطبيق المقت�ضيات المتعلقة بالحريات النقابية‬
‫وحرية العمل (‪ )...‬وذلك عن طريق‪:‬‬
‫• معالجة النزاعات االجتماعية‪ ،‬مبا�شرة بعد توقيع االتفاق مع الجهات المعنية بهدف ت�صفية الأجواء‬
‫في ال�ساحة االجتماعية؛‬
‫• تفعيل مختلف �آليات الحوار والتفاو�ض الجماعي لف�ض نزاعات ال�شغل من خالل‪:‬‬
‫• لجنة التحكيم المخت�صة في ح�سم النزاعات االجتماعية الم�ستع�صية برئا�سة الوزير الأول وع�ضوية‬
‫الأمناء العامين للنقابات العمالية والم�شغلين (‪)...‬؛‬
‫• اللجنة الوطنية للبحث والم�صالحة برئا�سة وزير التنمية االجتماعية والت�ضامن والت�شغيل والتكوين‬
‫المهني وع�ضوية باقي الفرقاء االجتماعيين والقطاعات الحكومية ذات ال�صلة؛‬
‫• �إحداث �آلية جديدة ثالثية التركيب يتر�أ�سها ممثل عن وزير التنمية االجتماعية (‪ )...‬تجتمع �أ�سبوعيا‬
‫لر�صد وتتبع النزاعات االجتماعية والوقاية منها؛‬
‫• التزام الحكومة بو�ضع برمجة لتفعيل الحوار االجتماعي القطاعي بالن�سبة لكافة قطاعات الوظيفة‬
‫العمومية والم�ؤ�س�سات �شبه العمومية ابتداء من ‪ 8‬ماي ‪)...( 2000‬؛‬
‫• الت�شجيع على �إبرام االتفاقيات الجماعية لل�شغل مع درا�سة �إمكانية و�ضع قوانين لمعالجة الحد الأدنى‬
‫للأجور على الم�ستوى القطاعي �إ�ضافة �إلى هذه االلتزامات تقرر كذلك تنظيم الدعم المادي للنقابات‬
‫عن طريق تفرغ الموظفين للن�شاط النقابي وتمويل التكوين"‪.‬‬
‫وقد �أف�ضى هذا الهيكل عمليا �إلى �إبعاد المجل�س الوطني لمتابعة الحوار االجتماعي نهائيا عن هذا المجال‬
‫و�إلى تنظيم الحوار االجتماعي على الم�ستوى القطاعي والترابي والوطني تحت الإ�شراف المبا�شر‬
‫للحكومة بم�ساهمة المنظمات المهنية �سواء تعلق الأمر بف�ض النزاعات الجماعية �أو بالمطالب االجتماعية‬
‫�أو بتطوير القانون واالتفاقيات الجماعية‪.‬‬
‫ومن الالفت لالنتباه �أن الفرقاء االجتماعيين التزموا في هذا االتفاق بالترا�ضي والتوافق حول مدونة‬
‫ال�شغل‪ ،‬حيث ن�ص على عزمهم "م�ضاعفة الجهود للتو�صل لتوافق على ما تبقى من النقط العالقة في‬
‫م�شروع مدونة ال�شغل" و"متابعة تكثيف الم�شاورات في هذا ال�ش�أن"‪.‬‬
‫�أما االتفاق االجتماعي الموالي ال�صادر بتاريخ ‪� 30‬أبريل ‪ 2003‬فقد حمل "دعوة ال�سلطات المخت�صة‬
‫�إلى �إقرار م�شروع مدونة ال�شغل مع مراعاة التعديالت التوافقية التي تم التو�صل �إليها بف�ضل الم�ساهمة‬
‫الإيجابية والعمل البناء والم�س�ؤول لكافة الفرقاء" و"التزام الأطراف بال�شروع في درا�سة مو�ضوع العالقات‬

‫‪35‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫المهنية الجماعية مبا�شرة بعد فاتح ماي ‪ 2003‬وذلك في �إطار لجنة ثالثية التركيب ووفق �صيغة توافقية‬
‫تحظى بترا�ضي كل الأطراف وت�سمح ب�إقرار الأحكام المتفق عليها موازاة مع م�سطرة اعتماد م�شروع مدونة‬
‫ال�شغل"‪ .‬ويتعلق الأمر هنا ب�ضرورة "�إيجاد �صيغة ت�سمح بو�ضع معايير قانونية" لتنظيم عالقات ال�شغل بناء‬
‫على �ضوابط وا�ضحة ت�ساهم في دعم الثقة بين الأطراف وفي توفير مناخ منا�سب ي�ساهم في �إعطاء �أجوبة‬
‫مالئمة لالنتظارات واالن�شغاالت التي عبرت عنها الأطراف"‪.‬‬
‫‪ .2‬م�ستجدات مدونة ال�شغل في مجال عالقات ال�شغل الجماعية بالمقاوالت‬
‫تهدف الم�ستجدات العديدة التي جاءت بها مدونة ال�شغل بكيفية خا�صة �إلى تنظيم التمثيل الجماعي‬
‫والمفاو�ضة الجماعية واالتفاقيات الجماعية وت�سوية النزاعات‪.‬‬
‫• التمثيل الجماعي‬
‫يت�ضمن التغيير على هذا الم�ستوى بالخ�صو�ص‪:‬‬
‫• تو�سيع مجال التطبيق �إلى القطاع الفالحي واعتبار الحقوق الفردية والجماعية المن�صو�ص عليها قابلة‬
‫للتطبيق في جميع العالقات الأجرية ما لم تن�ص الت�شريعات الخا�صة على ما يخالفها؛‬
‫• تحديد معايير النقابة الأكثر تمثيال على م�ستوى المقاولة وعلى الم�ستوى الوطني؛‬
‫• �إحداث لجنة المقاولة‪ ،‬ولجنة حفظ ال�صحة وال�سالمة بالمقاوالت التي ي�صل عدد الأجراء بها �إلى‬
‫خم�سين؛‬
‫• االعتراف بالمندوب النقابي في المقاوالت التي ي�صل عدد الأجراء بها �إلى المائة؛‬
‫• �إعادة تنظيم الهيئات التمثيلية في مجال الحماية االجتماعية (المجل�س الأعلى لإنعا�ش الت�شغيل‬
‫والمجال�س الجهوية والإقليمية لإنعا�ش الت�شغيل‪ ،‬مجل�س طب ال�شغل والوقاية من المخاطر المهنية‪،‬‬
‫ومجل�س المفاو�ضة الجماعية)‪.‬‬
‫تعرف المادة ‪ 92‬المفاو�ضة الجماعية ب�أنها "الحوار الذي يجري بين ممثلي المنظمات النقابية الأكثر‬
‫تمثيال للأجراء �أو االتحادات النقابية الأكثر تمثيال من جهة وبين م�شغل �أو عدة م�شغلين �أو ممثلي‬
‫المنظمات المهنية للم�شغلين من جهة �أخرى بهدف‪:‬‬
‫• تحديد وتح�سين ظروف ال�شغل والت�شغيل؛‬
‫• تنظيم العالقات بين الم�شغلين والأجراء؛‬
‫• تنظيم العالقات بين الم�شغلين �أو منظماتهم من جهة وبين منظمة �أو عدة منظمات نقابية للأجراء‬
‫الأكثر تمثيال من جهة �أخرى"‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫وتح�صر المادة المذكورة �أهلية االنخراط في المفاو�ضة الجماعية في النقابات الأكثر تمثيال بينما تف�سح‬
‫مجالها لجميع الق�ضايا المرتبطة بالعمل الم�أجور وبعالقات الأطراف الجماعية‪ .‬ويترتب عن هذا االختيار‬
‫تقلي�ص مجال المفاو�ضة الجماعية في المقاوالت التي تتوفر على مناديب الأجراء والتي �أعطت االنتخابات‬
‫المهنية بها لنقابة على الأقل ن�سبة ‪ 35%‬من المناديب‪ ،‬كما يترتب عنه �صعوبة تحديد المخاطب على‬
‫م�ستوى القطاع في غياب تعريف قانوني للقطاع ومعايير التمثيل الجماعي‪ .‬نف�س ال�شيء ي�شوب المفاو�ضة‬
‫الجماعية على الم�ستوى الوطني مادام مجالها يحيل في الغالب على قطاعات محددة وينح�صر في �أطراف‬
‫الإنتاج بالقطاع الخا�ص‪ ،‬والحال �أن معيار التمثيلية على الم�ستوى الوطني ال يميز بين القطاع العمومي‬
‫والقطاع الخا�ص وبالأحرى بين القطاعات‪.‬‬
‫كل هذه العوائق ال ت�ساعد على تفعيل المادة ‪ 96‬من المدونة التي تن�ص على �إجراء مفاو�ضة جماعية على‬
‫م�ستوى المقاولة والقطاع مرة في ال�سنة على الأقل‪.‬‬
‫�إلى جانب المفاو�ضة الجماعية ال�سنوية في القطاع الخا�ص ف�إن نف�س المادة تدعو �إلى تنظيم مفاو�ضات‬
‫�سنوية وكلما دعت ال�ضرورة لذلك بين الحكومة والمنظمات المهنية على الم�ستوى الوطني "للتداول في‬
‫مختلف الملفات االقت�صادية واالجتماعية التي تهم عالم ال�شغل" علما �أن هذا المو�ضوع خارج عن نطاق‬
‫المفاو�ضة الجماعية الذي خ�ص�صت له المواد من ‪� 92‬إلى ‪ 98‬من مدونة ال�شغل‪.‬‬
‫وترمي باقي الأحكام �إلى تنظيم اال�ستجابة لدعوة �إجراء المفاو�ضة الجماعية والح�صول على م�ساعدة‬
‫ال�سلطة المكلفة بال�شغل �أو"ال�سلطة الحكومية المعنية"‪.‬‬
‫وبدورها تح�صر المادة ‪� 104‬أطراف االتفاقية الجماعية في النقابات الأكثر تمثيال من جهة وفي الم�شغل‬
‫�أو ممثله �أو المنظمات المهنية من جهة �أخرى‪ ،‬في الوقت الذي تفتح فيه تلك االتفاقية مجالها لجميع‬
‫الموا�ضيع المتعلقة بعالقات ال�شغل‪.‬‬
‫ومن بين م�ستجدات المدونة في هذا المجال كذلك �إلزام ال�سلطة المكلفة بالت�شغيل بتعميم تطبيق‬
‫االتفاقية الجماعية عندما ت�شمل ثلثي الأجراء من نف�س المهنة واالعتراف لها ب�سلطة تقديرية لنف�س الغاية‬
‫عندما تتراوح ن�سبة الأجراء الم�ستفيدين منها بين ن�صف وثلثي مجموع الفئة المعنية‪ .‬و�إذا كانت هذه‬
‫القاعدة بدورها تطرح م�س�ألة تعريف "المهنة"‪ ،‬ف�إن المعوق الأ�سا�سي لتفعيل هذه الإمكانية يتمثل في‬
‫غياب ممار�سة فعلية للمفاو�ضة الجماعية في اتجاه �إبرام االتفاقيات الجماعية‪.‬‬
‫وقد �أ�صبحت المفاو�ضة الجماعية بموجب �أحكام د�ستور المملكة المغربية ل�سنة ‪ 2011‬قاعدة د�ستورية‪،‬‬
‫حيث جاء في المادة ‪ 8‬منه‪" :‬تعمل ال�سلطات العمومية على ت�شجيع المفاو�ضة الجماعية وعلى �إبرام‬
‫اتفاقيات ال�شغل الجماعية"‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫ت�سوية نزاعات ال�شغل الجماعية‬ ‫•‬


‫على غرار ظهير ‪ 19‬يناير ‪ 1946‬المتعلق بالم�صالحة والتحكيم الذي لم يتم تفعيله �إلى �أن ن�سخ بمقت�ضى‬
‫المادة ‪ 586‬من مدونة ال�شغل‪ ،‬جاء الكتاب ال�ساد�س منها بنظام لت�سوية نزاعات ال�شغل الجماعية عن‬
‫طريق الت�صالح والتحكيم (المواد ‪ )585-551‬ي�شمل‪:‬‬
‫• �إطالق محاولة الت�صالح من لدن مفت�ش ال�شغل �أو المندوب الإقليمي كلما تبين لهما ب�أن خالفاً‬
‫جماعياً قابل لأن يتحول �إلى نزاع جماعي‪ ،‬وذلك بمبادرة ذاتية �أو بطلب من �أحد الأطراف؛‬
‫• رفع النزاع في حالة عدم الو�صول �إلى اتفاق بين الأطراف داخل �أجل ثالثة �أيام �إلى اللجنة الإقليمية‬
‫للبحث والم�صالحة المتكونة‪ ،‬تحت رئا�سة عامل الإقليم �أو العمالة‪ ،‬بالت�ساوي من ممثلين عن الإدارة‬
‫العمومية وعن منظمات الم�شغلين والأجراء الأكثر تمثيال على الم�ستوى الوطني‪ ،‬في غياب معايير‬
‫التمثيل الجماعي الترابي؛‬
‫• ا�ستئناف محاولة الم�صالحة �أمام اللجنة الوطنية للبحث والم�صالحة بعد �إخفاق اللجنة الإقليمية في‬
‫الح�صول على اتفاق بين الأطراف داخل �أجل �ستة �أيام من تاريخ رفع النزاع �إليها‪ .‬وتتكون هذه اللجنة‬
‫بدورها منا�صفة من ممثلي الإدارة والمنظمات المهنية للم�شغلين والأجراء الأكثر تمثيال تحت رئا�سة‬
‫ال�سلطة المكلفة بالت�شغيل‪ ،‬وت�شمل مهامها كذلك �إجراء محاولة الت�صالح في الخالفات التي يتجاوز‬
‫نطاقها الإقليم الواحد‪.‬‬
‫يتمتع كل من رئي�س اللجنة الإقليمية والوطنية ب�أو�سع ال�صالحيات للتق�صي حول المقاوالت و�أو�ضاع‬
‫الأجراء المعنيين بنزاع ال�شغل الجماعي‪ "،‬وب�إمكانه "�أن ي�أمر ب�إجراء جميع الأبحاث والتحريات لدى‬
‫المقاوالت والأجراء العاملين بها و�أن يطلب من الأطراف تقديم كل الم�ستندات �أو المعلومات كيفما كان‬
‫نوعها التي يمكن �أن ي�ستنير بها‪ ،‬ويمكنه �أن ي�ستعين بخبراء �أو ب�أي �شخ�ص �آخر يرى فائدة في اال�ستعانة‬
‫به"‪ ،‬وفي المقابل يلزم �أطراف النزاع بتقديم كل الت�سهيالت والم�ستندات والمعلومات ذات العالقة‬
‫بالنزاع التي تطلبها اللجنة‪ ،‬تحت طائلة غرامة تتراوح بين ‪ 10.000‬و‪ 20.000‬درهم‪.‬‬
‫�إن �سلطة البحث هذه تتداخل حتماً مع ال�صالحيات المخولة لعامل الإقليم باعتباره �ضابطا �ساميا لل�شرطة‬
‫الق�ضائية ورئي�سا لل�سلطات المحلية وم�شرفا على الم�صالح الخارجية لمختلف الوزارات بما فيها الإدارات‬
‫المكلفة بال�ضرائب والت�شغيل والتعمير‪ .‬وال �شك �أن توظيفها في م�سطرة �إدارية من هذا النوع يعر�ضها‬
‫�إلى �إ�شكالية �إف�شاء ال�سر المهني و�إلى التع�سف في ا�ستعمال ال�سلطة‪� .‬أما بالن�سبة لوزير الت�شغيل ف�إن‬
‫�صالحياته الفعلية محدودة في مجال التق�صي ومرهونة بما يح�صل عليه من وثائق من قبل الأطراف �أو من‬
‫قبل العامل بعد �إحالة الملف على اللجنة الوطنية‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫بالإ�ضافة �إلى ذلك‪ ،‬ف�إن انطالق م�سطرة التوفيق �سواء على م�ستوى �إدارة الت�شغيل �أو اللجنة الإقليمية‬
‫�أو اللجنة الوطنية في �إطار المحاولة الأولى �أو من الدرجة الثانية �أو الثالثة يتم بمقرر �إداري دون الحاجة‬
‫�إلى موافقة الأطراف‪ ،‬ليكت�سي بذلك طابعاً �إلزاميا من �ش�أنه حمل �أطراف النزاع �إلى االمتثال ب�سوء‬
‫نية للم�سطرة المفرو�ضة عليهم‪ ،‬ناهيك عن الم�شاكل المرتبطة بالتمثيل الجماعي‪ ،‬وبتكييف الخالف‬
‫الجماعي وت�ضارب الم�صالح‪.‬‬
‫كل هذه العوامل ال ت�ساعد على توفير جو من الثقة وعدم التحيز الذي يتوقف عليه التوفيق‪ ،‬في حين‬
‫يتطلب �إنزال العقوبة الجنائية الب�سيطة �إطالق متابعة ق�ضائية والت�سلح بو�سائل الإثبات ال�ضرورية تحت‬
‫�ضغط الآجال الم�سطرية‪.‬‬
‫وفي حالة ف�شل اللجنة الوطنية في �إبرام �صلح جزئي �أو كلي بين الأطراف‪ ،‬ب�إمكانها �أن تحيل النزاع �إلى‬
‫التحكيم "بعد موافقة �أطراف النزاع"‪ .‬ويفتر�ض من قراءة الفقرة الثانية من المادة ‪� 567‬أنه ب�إمكان �أطراف‬
‫النزاع �أن تقبل برفع نزاعها �إلى التحكيم مبا�شرة بعد انتهاء اللجنة الإقليمية من �أعمالها دون التو�صل �إلى‬
‫اتفاق بين الأطراف متفادية بذلك متابعة نف�س الم�سطرة على الم�ستوى المركزي‪� ،‬شريطة �أن يتولى العامل‬
‫�إحالة الأمر على المحكم داخل �أجل ‪� 48‬ساعة الموالية لتحرير المح�ضر وت�سليم ن�سخة منه لهذا الأخير‪.‬‬
‫با�ستثناء هذه الحالة ف�إن الإحالة على التحكيم يتم داخل ‪� 48‬ساعة من طرف وزير الت�شغيل حيث يفتر�ض‬
‫ح�صوله على قبول الأطراف لنهج هذه الم�سطرة داخل نف�س الأجل‪ ،‬ومن جهة �أخرى توافقهم على �أحد‬
‫المحكمين من بين الالئحة المعتمدة‪ ،‬لينطلق بذلك م�سل�سل التحكيم عبر المراحل التالية‪:‬‬
‫• ا�ستدعاء الأطراف بوا�سطة برقية داخل �أجل �أربعة �أيام والبث في الخالف داخل الأربعة �أيام الموالية‬
‫وتبليغ الحكم المعلل داخل �أجل ‪� 24‬ساعة؛‬
‫• الطعن في المقرر التحكيمي �إن اقت�ضى الحال �أمام الغرفة االجتماعية لمجل�س النق�ض التي تنظر في‬
‫خرق القانون �أو في "ال�شطط في ا�ستعمال ال�سلطة" باعتبارهما مبررين فريدين ال�ستئناف التحكيم‪،‬‬
‫وذلك داخل �أجل ‪ 15‬يوما من التبليغ‪ ،‬ليتم البث النهائي خالل ‪ 30‬يوما وتبليغه في ‪� 24‬ساعة الموالية؛‬
‫• �إحالة النازلة من طرف الغرفة التحكيمية بعد نق�ضه جزئيا �أو كليا �إلى حكم جديد يختاره الطرفان �أو‬
‫رئي�س الغرفة �إذا تعذر ذلك عليهما؛‬
‫• �إمكانية الطعن من جديد في المقرر التحكيمي من الدرجة الثانية وهو ما يلزم الغرفة بتعيين مقرر من‬
‫بين �أع�ضائها لإجراء بحث تكميلي والت�صدي للمو�ضوع ب�إ�صدار قرار نهائي في ظرف الثالثين يوما‪.‬‬
‫ويتحدد مو�ضوع التحكيم ح�صريا في الق�ضايا التي لم يتم حلها من طرف لجان الت�صالح ويتم البث فيه‬
‫وفق القانون "بالن�سبة لنزاعات ال�شغل الجماعية المتعلقة بتف�سير �أو تنفيذ الأحكام الت�شريعية �أو التنظيمية‬
‫�أو التعاقدية" وتبعا لقواعد الإن�صاف في باقي النزاعات الجماعية لل�شغل التي لم ترد ب�ش�أنها �أحكام‬
‫‪39‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫ت�شريعية �أو تنظيمية �أو تعاقدية"‪.‬‬


‫�إن تقييد المحكم بالقانون في عمله يحمل على الت�سا�ؤل حول عدم قدرة الإدارة المكلفة بالت�شغيل‬
‫ولجان الم�صالحة على احترام الت�شريع عندما يتعلق الخالف بخرق القانون المعمول به ال غير‪� .‬أما بالن�سبة‬
‫للق�ضايا التي تكت�سي طابعا قانونيا فهي ترجع غالبا �إلى المطالب االقت�صادية والتي ي�ستع�صي البث فيها‬
‫وفق مبادئ الإن�صاف مادامت المقاولة مرهونة بالتزامات وبتحديات اقت�صادية ي�ستع�صي الإحاطة بها في‬
‫ظرف وجيز وتغليب موقف على �آخر‪.‬‬
‫ي�ستخل�ص مما �سبق �أن ان�سجام هذا النظام موقوف في الواقع على �إخ�ضاع النزاع �إلى م�ساطر �إلزامية من‬
‫البداية �إلى النهاية وهو ما ال ي�سمح به اقت�صاد ال�سوق ومبد�أ حق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية‪ .‬وكلما‬
‫توقفت الم�سطرة على ر�ضا الأطراف �إال و�أ�صبح من الأنجع تركيز النظام برمته على الحلول البديلة الر�ضائية‪.‬‬
‫ومما ال �شك فيه �أن الم�شرع المغربي �أخذ بهذه الهند�سة الم�ؤ�س�ساتية لتفادي الإ�ضراب �أو التقلي�ص من‬
‫مدته‪ ،‬غير �أن عدوله عن التحكيم الإلزامي قد �أفرغها من منطقها خ�صو�صا عندما تظل ممار�سة الإ�ضراب‬
‫متحررة من كل قيد �أو �شرط‪.‬‬
‫• الإ�ضراب‬
‫خا�ضت الحركة العمالية خالل مرحلة الحماية وبعد اال�ستقالل عدة �إ�ضرابات‪ ،‬وبعد �أن منع الموظفون‬
‫من ممار�سته بمر�سوم ‪ 1958‬حول مبا�شرة الموظفين للعمل النقابي‪ ،‬جاء د�ستور ‪ 1962‬لي�صرح ب�أن حق‬
‫الإ�ضراب م�ضمون‪ ،‬وعلى امتداد ن�صف قرن �أكدت جميع الد�ساتير هذا الحق‪.‬‬
‫وبينما منعت بع�ض الأنظمة الأ�سا�سية الفرعية مزاولة هذا الحق من طرف بع�ض الفئات من الموظفين‬
‫المدنيين (الق�ضاة‪ ،‬وموظفو �إدارات الجمارك‪ ،‬وال�سجون والمياه والغابات ومت�صرفو وزارة الداخلية)‪،‬‬
‫عمدت المحاكم �إلى تقييد ممار�سته من خالل تف�سير بع�ض المقت�ضيات القانونية‪ ،‬منها ما ورد في ظهير‬
‫‪ 1935‬المتعلق بالمظاهرات في ال�شوارع العمومية قبل �أن يتم ن�سخه والف�صل ‪ 288‬من القانون الجنائي‬
‫المتفق على �ضرورة مراجعته من لدن الفرقاء االجتماعيين‪.‬‬
‫و�إلى �أن يتم �صدور القانون التنظيمي للإ�ضراب يرجع �إلى الق�ضاء الد�ستوري والجنائي والمدني �صالحية‬
‫البث في م�شروعية القيود التي يعرفها الإ�ضراب في القانون والممار�سة معتمداً في ذلك على المعايير‬
‫الدولية وعلى المبادئ العامة للقانون من قبيل مبد�أ التع�سف في ا�ستعمال الحق ومبد�أ ا�ستعمال الحق‬
‫وفق غايته‪ ،‬كما هو ال�ش�أن في العديد من الدول‪.‬‬
‫ويبقى التنظيم والممار�سة في هذا المجال مرهونين بتقدم الحوار االجتماعي وتطلع �أطرافه �إلى تحقيق‬
‫ال�سلم االجتماعي‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫�آليات الحوار االجتماعي الثالثي الأطراف‬ ‫•‬


‫يقوم الحوار االجتماعي الثالثي الأطراف من جهة على الم�شاركة في �إدارة الم�ؤ�س�سات العمومية ذات‬
‫الطابع االجتماعي (ال�صندوق الوطني لل�ضمان االجتماعي‪ ،‬ال�صندوق المغربي للتقاعد‪ ،‬ال�صندوق‬
‫الوطني لمنظمات االحتياط االجتماعي‪ ،‬مكتب التكوين المهني و�إنعا�ش ال�شغل) والتمثيل في هيئات‬
‫ا�ست�شارية �أو تقريرية (مجل�س الم�ست�شارين‪ ،‬المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬المجل�س الوطني لحقوق‬
‫الإن�سان ‪�...‬إلخ) ومن جهة �أخرى على �إطار للتداول والتفاو�ض الثنائي �أو الثالثي الأطراف يجمع بين‬
‫الحكومة و�أطراف الإنتاج‪.‬‬
‫وقد �أدى الحوار االجتماعي الثالثي الأطراف منذ انطالقه �سنة ‪� 1996‬إلى تكوين العديد من اللجان‬
‫على الم�ستوى الحكومي والقطاعي والترابي عهد �إليها بمهام مختلفة تتعلق بمراجعة الت�شريع‪ ،‬وبف�ض‬
‫النزاعات في القطاع العام والمقاوالت الخا�صة‪ ،‬و�إ�صالح نظام الحماية االجتماعية‪� ...‬إلخ‪ .‬وقد ا�ستند‬
‫الفرقاء االجتماعيون في ذلك على االتفاقات الثالثية وعلى توافقات عملية �سمحت ببناء الثقة بينهم وفقا‬
‫لر�ؤيتهم لعالقات ال�شغل الجماعية في مدونة ال�شغل‪.‬‬
‫وقد تم التعبير في مدونة ال�شغل عن تطلع الفرقاء االجتماعيين �إلى ترتيب الحوار االجتماعي الثالثي‬
‫الأطراف �إلى جانب المفاو�ضة الجماعية ب�إدماج مبد�أ التفاو�ض ال�سنوي مع الحكومة وف�سح مجال‬
‫الم�ساهمة في تح�ضير ال�سيا�سة الوطنية االقت�صادية واالجتماعية في وجه النقابات المهنية وا�ست�شارتها في‬
‫جميع الخالفات والق�ضايا ذات االرتباط بمجال تخ�ص�صها (المادة ‪ 396‬من مدونة ال�شغل)‪.‬‬
‫ومنذ �صدور مدونة ال�شغل‪ ،‬ا�ستمر الحوار قائما بين الأطراف �سواء ب�صيغته المو�سمية �أو في �إطار لجن‬
‫مخت�صة من قبيل اللجنة المكلفة ب�إ�صالح �أنظمة التقاعد‪ .‬كما �أن النزاعات الجماعية في القطاع العام‬
‫تدفع الإدارة والنقابات المعنية لإحداث لجان وهيئات لت�سويتها عن طريق التفاو�ض‪� .‬إال �أن هذه العالقات‬
‫الثنائية والثالثية ال ترتكز على �إطار م�ؤ�س�ساتي قار من �ش�أنه تر�سيخ التكاف�ؤ القطاعي وتو�سيع التمثيلية‬
‫وتطوير التعاون فيما بين الأطراف النقابية وتجاه باقي ال�شركاء‪ ،‬كما تبين ذلك مقاربتهم للو�ضع الراهن في‬
‫مجال خالفات ال�شغل الجماعية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪42‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الق�سم الثاني‬

‫تقييم الخالفات الجماعية من لدن الفرقاء‬


‫االجتماعيين‬

‫عقدت اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل وال�سيا�سات القطاعية جل�سات �إن�صات مع ممثلي‬
‫الوزارات المعنية مبا�شرة بالخالفات الجماعية‪ ،‬والنقابات الأكثر تمثيال وعدة منظمات مهنية من �أجل‬
‫الإحاطة الكاملة بواقع نزاعات ال�شغل والتعرف على تطلعات الفرقاء االجتماعيين ب�ش�أن طرق احتوائها وعلى‬
‫مقترحاتهم ب�ش�أن الطرق الودية لحلها ‪.2‬‬
‫و�إذا كان من ال�صعب ا�ستح�ضار جميع المعلومات والآراء واالقتراحات التي جاءت في العرو�ض المقدمة‬
‫وفي النقا�شات التي �أعقبتها‪ ،‬ف�إن العنا�صر الرئي�سية لر�صد �أ�سباب النزاعات وكذلك ال�شروط التي يجب‬
‫توفيرها للتقلي�ص من حجمها وحدتها تبدو وا�ضحة وم�شتركة بين الجميع‪ ،‬ويمكن ا�ستعرا�ضها بالرغم من �شح‬
‫المعلومات الر�سمية المتوفرة ب�ش�أنها على م�ستوى القطاع الخا�ص والقطاع العام‪.‬‬

‫�ضعف المعارف والمعطيات حول نزاعات ال�شغل الجماعية‬


‫يت�أكد من خالل عرو�ض جل�سات الإن�صات والنقا�ش الذي �أعقبها �أن الأرقام المتداولة حول نزاعات ال�شغل‬
‫الجماعية بالمغرب تعتمد جميعها على المعطيات المتوفرة لدى وزارة الت�شغيل وتنح�صر في الخالفات التي‬
‫تتدخل فيها �إدارتها‪ ،‬وبالتالي فهي ال ت�شمل النزاعات في الإدارات والمقاوالت والم�ؤ�س�سات التابعة للدولة‬
‫والجماعات المحلية‪ ،‬وفي القطاع البحري والمناجم عالوة على االقت�صاد غير المهيكل والأورا�ش المفتوحة‬
‫في الأماكن النائية واال�ستغالالت الفالحية والغابوية‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫ويكفي بهذا ال�صدد �أن يقارن حجم �أيام التوقف عن العمل ب�سبب �إ�ضراب مدته ‪� 48‬ساعة في التعليم‪� ،‬أو في‬
‫الجماعات المحلية مع مجموع الأيام المعطلة لنف�س ال�سبب في القطاع الخا�ص خالل �سنة كاملة للت�أكد من‬
‫عدم مطابقة ال�صورة الناتجة عن الإح�صائيات المتوفرة لحجمها الحقيقي ولتطورها الزمني‪.‬‬

‫راجع في الملحق ‪ 4‬الئحة المدعوين‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪43‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫ومع �أن غياب معطيات دقيقة و�شمولية حول نزاعات ال�شغل الجماعية قد يحمل �إلى االعتقاد ب�أن المو�ضوع‬
‫ال ي�ست�أثر بالعناية الكافية وال يحظى بالر�صد والتتبع من لدن الإدارات والفرقاء االجتماعيين‪ ،‬ف�إن العرو�ض‬
‫والمداوالت �أكدت ب�أن الأمر ال يتعلق ب�ضعف االهتمام بقدر ما ينتج عن توزيع الم�س�ؤوليات وغياب التن�سيق‬
‫بين الأطراف المعنية وعدم �إلزامها بتوفير المعلومة‪.‬‬

‫النزاعات الجماعية بالقطاع الخا�ص‬

‫‪ .1‬المعطيات الإح�صائية‬
‫بالوقوف على الإح�صائيات المتعلقة بنزاعات ال�شغل والمتوفرة لدى وزارة الت�شغيل‪ ،‬يظهر جليا التغير‬
‫الذي طر�أ على المنحنى التنازلي لوثيرة الإ�ضرابات ما بين ‪ 2001‬و‪ 2005‬ليتجه نحو م�ستويات �أكبر‬
‫بعد فترة ا�ستقرار ن�سبي دامت ما بين ‪ 2006‬و‪ ،2008‬لت�سجل النزاعات ارتفاعا مهوال خالل ال�سنتين‬
‫الأخيرتين‪ ،‬حيث �أن عدد الم�ؤ�س�سات التي �شهدت �إ�ضرابات ارتفعت بن�سبة ‪� 79.4%‬أي من ‪ 194‬م�ؤ�س�سة‬
‫�سنة ‪� 2010‬إلى ‪ 348‬م�ؤ�س�سة في ال�سنة الموالية‪ ،‬وبذلك ارتفع عدد الم�ضربين �إلى ‪ 38.275‬مقابل ‪22.874‬‬
‫في ال�سنة المن�صرمة �أي بن�سبة ‪ ،67.3%‬وم�سجال بذلك ‪ 276.928‬يوم توقف عن العمل �سنة ‪ 2011‬مقابل‬
‫‪ 175.251‬يوم توقف عن العمل في �سنة ‪� 2010‬أي بن�سبة ‪.58%‬‬

‫الر�سم ‪:1‬‬
‫تطور عدد الإ�ضرابات وعدد الم�ضربين والم�ؤ�س�سات المعنية بالإ�ضراب ما بين ‪ 2001‬و‪2011‬‬

‫‪500‬‬

‫‪450‬‬

‫‪400‬‬

‫‪350‬‬

‫‪300‬‬ ‫عدد الإ�ضرابات‬


‫‪250‬‬ ‫عدد الم�ضربين بالآالف‬
‫عدد الم�ؤ�س�سات المعنية‬
‫‪200‬‬
‫عدد الأيام ال�ضائعة بالآالف‬
‫‪150‬‬

‫‪100‬‬

‫‪50‬‬

‫‪0‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬

‫الم�صدر‪ :‬وزارة الت�شغيل‬

‫‪44‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫وي�ستنتج من هذا �أي�ضا �أن �أكثر من ‪ 72%‬من الإ�ضرابات �سجلت بالمقاوالت التي ت�شغل �أكثر من ‪� 50‬أجير‪. 3‬‬
‫الر�سم ‪:2‬‬
‫توزيع الإ�ضرابات المندلعة بر�سم �سنة ‪ 2011‬ح�سب حجم الم�ؤ�س�سة‬
‫‪120‬‬

‫‪101‬‬
‫‪100‬‬

‫‪72‬‬ ‫‪79‬‬
‫‪80‬‬
‫‪69‬‬
‫‪60‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪46‬‬
‫‪40‬‬

‫‪20‬‬

‫‪2‬‬
‫‪0‬‬
‫�أكثر من ‪500‬‬ ‫من ‪� 51‬إلى ‪ 100‬من ‪� 101‬إلى ‪ 250‬من ‪� 251‬إلى ‪500‬‬ ‫من ‪� 26‬إلى ‪50‬‬ ‫من ‪� 10‬إلى ‪25‬‬ ‫من ‪� 1‬إلى ‪9‬‬
‫الم�صدر‪ :‬وزارة الت�شغيل‬

‫وي�أتي قطاع ال�صناعة على ر�أ�س الأن�شطة المعنية بن�سبة ‪ 64%‬والفالحة ب ‪ 10%‬تتبعه الخدمات بن�سبة ‪.26%‬‬

‫الر�سم ‪:3‬‬
‫نزاعات ال�شغل الجماعية الم�سجلة خالل �سنة ‪ 2011‬ح�سب القطاعات المهنية‬
‫قطاع الفالحة‬
‫قطاع الخدمات‬ ‫‪10٪‬‬
‫‪26٪‬‬

‫قطاع التجارة‬
‫‪0٪‬‬
‫قطاع ال�صناعة‬
‫‪64٪‬‬

‫الم�صدر‪ :‬وزارة الت�شغيل‬

‫هذا العدد ال ي�شمل �إ�ضرابات القطاع الفالحي والتي �أح�صتها الوزارة المعنية ب ‪� 56‬إ�ضرابا‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪45‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫ويبين توزيع الإ�ضرابات ح�سب �أ�سباب اندالعها �أن �أغلبها يرجع �إلى عدم احترام قانون ال�شغل‪ :‬الأجر‬
‫(‪ )20%‬والف�صل عن العمل (‪ )12.47%‬ومدة العمل (‪ )8.05%‬والحماية االجتماعية (‪ )9.98%‬و�أ�سباب‬
‫نقابية والمفاو�ضة الجماعية (‪.)10.7%‬‬

‫الر�سم ‪:4‬‬
‫�أ�سباب الإ�ضرابات المندلعة بر�سم �سنة ‪2011‬‬

‫الف�صل من العمل‬
‫االمتيازات الإجتماعية‬ ‫‪12٫47٪‬‬
‫‪13٫27٪‬‬
‫عقوبات ت�أديبية‬
‫‪4٫76٪‬‬
‫الحماية الإجتماعية‬ ‫�أ�سباب نقابية‬
‫‪9٫98٪‬‬ ‫‪4٫42٪‬‬

‫الأجر‬
‫‪20٫07٪‬‬
‫مختلفات‬
‫‪19٫61٪‬‬
‫مدة ال�شغل‬
‫ ‬
‫‪8٫05٪‬‬
‫المفاو�ضة الجماعية‬ ‫ال�صحة وال�سالمة‬
‫‪4٫65٪‬‬ ‫‪2٫72٪‬‬

‫الم�صدر‪ :‬وزارة الت�شغيل‬

‫تفيد معطيات وزارة الت�شغيل كذلك �أن ‪ 79%‬من الخالفات الجماعية تمت ت�سويتها قبل اندالع الإ�ضرابات‬
‫في حين لم تتمكن اللجنة من الح�صول على معطيات �إح�صائية ب�ش�أن النزاعات في القطاع العمومي‪.‬‬
‫وب�صفة عامة ف�إن �ضعف المعلومات حول نزاعات ال�شغل وانعدام الدرا�سات حول وقعها المبا�شر وغير‬
‫المبا�شر يحول دون معرفة تكلفتها االقت�صادية واالجتماعية والمجهود المبذول الحتوائها‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫‪ .2‬ممار�سة الإ�ضراب‬
‫بالرجوع �إلى الإح�صائيات و�إلى المعلومات والمعطيات التي وفرتها جل�سات الإن�صات يت�أكد �أن �أغلب‬
‫الخالفات تن�شب ب�سبب عدم احترام القانون‪ ،‬بينما يرجع الباقي �إلى تعثر المفاو�ضة الجماعية عند تقديم‬
‫المطالب‪.‬‬
‫• النزاعات حول الحقوق‬
‫يعتبر عدم احترام القانون من مميزات االقت�صاد غير المهيكل ويحول دون تي�سير االنتقال �إلى دولة‬
‫القانون‪ .‬فهو يلقي بظالله على جميع العالقات االجتماعية والمهنية ويدفع بالعديد من الخالفات الفردية‬
‫للتحول �إلى نزاعات جماعية ي�ستع�صي حلها نظراً الت�ساع الهوة بين الت�شريع والممار�سة‪ .‬و�إذا كان بع�ض‬
‫هذه الت�صرفات ناتجا عن �ضعف الكفاءات في الت�سيير وعن جهل القانون ف�إن العديد منها يرجع �أي�ضا �إلى‬
‫عدم العبء به و�إلى التحايل عليه وعدم مالءمة بع�ض الأحكام الت�شريعية مع الواقع‪.‬‬
‫من ذلك مثال �أن القطاع الفالحي الذي مدد �إليه ت�شريع العمل بمقت�ضى مدونة ال�شغل يعرف خالفات‬
‫عديدة ترجع �إلى �ضعف مالءمة العمل العر�ضي والمو�سمي الذي يوفره مع ما يتطلبه ت�سيير المقاولة مهما‬
‫كانت من نظام داخلي‪ ،‬وم�صلحة لطب ال�شغل ووثائق ل�ضبط �أوقات العمل‪ ،‬والأجور والعطل والعالقة مع‬
‫ال�صندوق الوطني لل�ضمان االجتماعي‪� ...‬إلخ‪ ،‬وكلما �صغر حجم اال�ستغالل الفالحي �أو توقف العمل به‬
‫على توظيف مياومين بكيفية دورية �إال وازدادت حدة الم�شاكل المطروحة‪.‬‬
‫كما �أن هذا الو�ضع العام ي�شجع العديد من المقاولين الفالحيين الذين يتمتعون ب�إمكانيات مو�ضوعية لتنظيم‬
‫المقاولة الفالحية وفق �أحكام مدونة ال�شغل على اال�ستمرار في الممار�سات ال�سابقة في مجال التوظيف‬
‫والت�سريح وباقي ظروف العمل في غياب المطالبة بها من طرف الأجراء‪ ،‬وعلى تفادي التنظيم الجماعي‪ ،‬لي�صبح‬
‫بذلك عدم احترام الحرية النقابية وعدم تطبيق القانون ال�سبب الأول الندالع الإ�ضراب في هذا القطاع‪.‬‬
‫ويمثل التحايل على القانون بدوره �سبباً رئي�سياً لتتحول الخالفات الفردية �إلى نزاعات جماعية‪ ،‬كما‬
‫ي�شهد بذلك واقع الحال في قطاع المناجم وفي مقاوالت الحرا�سة والتنظيف‪� .‬إذ يتعلق الأمر في الحالة‬
‫الأولى بلجوء المقاوالت المنجمية الخا�ضعة للقانون المنجمي �إلى مناولة مقاوالت غير منجمية للقيام‬
‫ب�أعمال تعتبر ظاهريا تكميلية �إال �أنها تمتد في الواقع �إلى المهن المنجمية بما فيها ت�شغيل الأجراء في‬
‫باطن الأر�ض‪ .‬وبما �أن المقاوالت غير المنجمية ال تخ�ضع لمراقبة التفتي�ش المنجمي فهي تفلت بحكم‬
‫موقع ن�شاطها من مراقبة تفتي�ش ال�شغل كذلك‪ ،‬ليتم بهذه الطريقة التمل�ص في نف�س الوقت من الواجبات‬
‫االجتماعية المرتبطة باال�ستغالل المنجمي ومن حقوق العمال مهما كانت طبيعتها‪ .‬والجدير بالذكر‬
‫�أن القانون المنجمي في حد ذاته متجاوز ويف�سح المجال لأب�شع �صور اال�ستغالل في المناجم ال�صغرى‬
‫واال�ستغالل غير المنظم‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫�أما بالن�سبة للمقاوالت التي توفر اليد العاملة �أو الخدمات لمقاوالت �أخرى خا�صة في مجال الحرا�سة‬
‫والتنظيف والب�ستنة وخدمات التغذية‪ ،‬ف�إنها تكت�سي تارة �صبغة العمل الم�ؤقت وتارة �أخرى �شكل عقود‬
‫من الباطن وفي كلتي الحالتين يتعلق الأمر بعالقة تجارية ي�ضبط قانون ال�شغل بعدها االجتماعي ب�إخ�ضاع‬
‫المقاولتين معاً لجميع �أحكامه‪ .‬وقد خ�ص الم�شرع المواد ‪� 495‬إلى ‪ 506‬من مدونة ال�شغل لمقاوالت‬
‫الت�شغيل الم�ؤقت حيث حددت المادة ‪ 496‬على �سبيل الح�صر الحاالت التي يتم فيها اللجوء �إلى‬
‫الت�شغيل الم�ؤقت‪.‬‬
‫�إال �أن الممار�سة ت�ؤكد �صعوبة المراقبة في هذا المجال والتحايل على القانون عن طريق الجمع بين التخ�ص�ص‬
‫في العمل الم�ؤقت وعر�ض الخدمات حيث ت�ضع تحت ت�صرف الإدارات العمومية والخوا�ص يداً عاملة غير‬
‫م�ستقرة ي�صعب تتبع ظروف عملها ومعرفة مدى ا�ستفادتها من الحقوق الدنيا من قبيل الت�سجيل في ال�صندوق‬
‫الوطني لل�ضمان االجتماعي و�أداء ال�ساعات الإ�ضافية واحترام نظام الأجور‪� ...‬إلخ‪ ،‬ويتجلى في العديد من‬
‫الوقائع �أن فئات وا�سعة من الأجراء العاملين على هذا النحو ي�ستغلون من لدن المقاوالت التي ت�شغلهم‬
‫�أو تلك التي يلحقون بها‪.‬‬
‫وتف�ضي هذه الممار�سة �إلى تخل�ص العديد من الإدارات والمقاوالت العمومية من بع�ض فئات‬
‫الم�ستخدمين تحت غطاء اللجوء �إلى الخدمات الخارجية ليتولد عن ذلك ظهور �صنف جديد من العمل‬
‫غير المهيكل يتقم�ص �شكل مقاولة ع�صرية للعمل الم�ؤقت والخدمات‪.‬‬
‫ومما يف�سح مجال التحايل على القانون كذلك عدم االن�سجام بين مكوناته‪ ،‬حيث �أن مقرات الإدارات‬
‫والمقاوالت العمومية ال تخ�ضع عمليا �إلى تفتي�ش ال�شغل في حين ال تدخل مراقبة عمل الخوا�ص‬
‫المنجزة بها في ال�صالحيات المنوطة بالمفت�شيات الداخلية للوزارات لتنفلت بذلك من كل مراقبة‪.‬‬
‫هكذا تجتمع هذه العوامل لي�صبح التحايل على القانون‪ ،‬والتمل�ص من المراقبة والتدرع بعدم مالءمة‬
‫الت�شريع للواقع �أ�ضمن طريق للإفالت من العقاب وللتمهيد لالحتجاج الجماعي‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬تبدو و�سائل الوقاية والردع المتوفرة غير كافية لمواجهة الخروقات المنت�شرة على �أو�سع‬
‫نطاق‪ ،‬وهو ما يدفع بالم�س�ؤولين الإداريين �إلى التوجيه والإقناع �أكثر من المراقبة والمتابعة‪.‬‬
‫وقد �أكدت ال�شهادات والتحاليل المدلى بها �أمام اللجنة �أن اعتماد وزارة الت�شغيل منحى التوجيه والن�صح‬
‫لحمل المقاوالت على تطبيق مدونة ال�شغل خالل ال�سنوات التي �أعقبت دخولها حيز التنفيذ‪ ،‬وتداخل‬
‫مهام التفتي�ش مع مهام الم�صالحة المخولة لمفت�ش ال�شغل وللمندوب الإقليمي للت�شغيل قد �أفرزا جوا من‬
‫الت�سامح ي�ستغل في كثير من الأحيان لالعتياد على المخالفات‪.‬‬
‫ومما ي�ساعد كذلك على تطبيع هذا ال�سلوك وعلى �إ�ضعاف مهابة التفتي�ش �ضعف الموارد الب�شرية والمادية‬
‫المتوفرة لجهازه‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫كما يجد التمل�ص من القانون والإفالت من العقاب ذروته في �إقفال �أبواب بع�ض المناطق ال�صناعية‬
‫والمقاوالت في وجه العمل النقابي وتفتي�ش ال�شغل على ال�سواء دون �أن يترتب عنه تفعيل الجزاءات‬
‫القانونية‪.‬‬
‫وهذه الحاالت‪ ،‬حتى و�إن كانت محدودة‪ ،‬ف�إنها تك�شف جانبا �أ�سا�سيا من العوائق التي ال ت�سمح لعالقات‬
‫ال�شغل الجماعية ب�أن تتطور لت�صبح �آلياتها �أقوى متحكم في نزاعات ال�شغل‪.‬‬
‫• النزاعات المطلبية والتمثيل النقابي‬
‫يالحظ غياب �أي تمثيل جماعي للأجراء في الم�ؤ�س�سات التي ت�شغل �أقل من ع�شرة �أجراء بالرغم من‬
‫حث المدونة على تنظيم االنتخابات المهنية بها بكيفية طوعية‪ ،‬ومن جهة �أخرى �أن التمثيل الجماعي‬
‫يظل �شكلياً في �أغلب المقاوالت ال�صغرى والمتو�سطة‪.‬‬
‫وقد �أ�سفرت نتائج االنتخابات المهنية المنظمة �سنة ‪ 2009‬عن تراجع عدد المناديب المنتمين للنقابات‬
‫مقارنة مع اقتراع �سنة ‪� 2003‬إذ ال يتجاوز ثلث العدد الإجمالي‪.‬‬
‫ولو افتر�ضنا �أن هذا العزوف يعود �إلى �صعوبة الت�أطير النقابي في المقاوالت ال�صغرى والمتو�سطة التي‬
‫ت�شكل العمود الفقري لالقت�صاد الوطني‪ ،‬ف�إنه يعزى كذلك �إلى العراقيل التي تظهر �أمام العمل الجماعي‬
‫وي�ؤ�شر على افتقاد �أغلب ممثلي الأجراء خا�صة غير المنتمين للنقابات �إلى التكوين والت�أطير ال�ضروريين‬
‫للقيام بالمهام المنوطة بهم وفق القانون والكت�ساب الثقة التي ت�ؤهلهم للت�أثير على رفاقهم في فترة الأزمة‪.‬‬
‫�إن التمثيل الجماعي عن طريق لجن المقاولة ولجن ال�صحة وال�سالمة ال ي�سلم بدوره من ال�صورية ومن قلة‬
‫النجاعة لأ�سباب ترجع ح�سب الآراء المعبر عنها داخل جل�سات الإن�صات �إلى ال�صالحيات المحدودة‬
‫المخولة له‪ ،‬ول�ضعف المقدرات لدى عدد وافر من المنتخبين و�إلى الحيطة المفرطة بل التخوف من‬
‫التمثيل الجماعي الذي يظل �سائداً بين م�سيري الموارد الب�شرية و�أرباب العمل‪ .‬وي�ستدل بهذا ال�صدد‬
‫على �ضعف تداول المعلومة حول ت�سيير المقاولة وم�ستقبلها وم�شاكلها �سواء داخل الهيئات التمثيلية �أو‬
‫بين الأجراء‪.‬‬
‫ويتجلى ت�أثير هذا المحيط العام على العمل الجماعي في �ضعف الت�أطير النقابي‪ ،‬والذي يت�ضرر كذلك‬
‫من البلقنة التي ت�ؤدي في كثير من الحاالت �إلى عدم توفير �شروط التمثيلية القانونية و�إلى �صعوبة توحيد‬
‫العمل الجماعي‪.‬‬
‫وكلما غاب ح�ضور النقابات الأكثر تمثيال �إال وغابت �شروط المفاو�ضة الجماعية‪ ،‬ليبرز العمل الجماعي‬
‫فقط بمنا�سبة اندالع النزاعات‪ ،‬وليتوجه في �أح�سن الحاالت �إلى ف�ضها دون الح�صول على اال�ستمرارية‬
‫ال�ضرورية لبناء عالقات جماعية تعاونية‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫لذلك يظل التفاو�ض الجماعي مقروناً بالإ�ضرابات عو�ض �أن يجد مبتغاه في االتفاقيات الجماعية وتوفير‬
‫ال�سلم االجتماعي‪ .‬وتبين الح�صيلة الهزيلة لالتفاقيات الجماعية المبرمة �إلى حد الآن‪ ،‬والتي لم تتجاوز‬
‫‪ 18‬اتفاقية‪ ،‬وكذا انح�صارها غالباً على م�ستوى المقاولة �ضيق مجالها الفعلي‪ ،‬في حين يدل ا�ستمرار اللجوء‬
‫�إلى البرتوكوالت ومحا�ضر االتفاقات على �صعوبة تفعيل معايير التمثيلية والنهو�ض بالمفاو�ضة الجماعية‪.‬‬
‫وفي غياب معلومات دقيقة حول ظروف اندالع الإ�ضرابات وعالقاتها مع النقابات الأكثر تمثيال ولجوء‬
‫الأطراف �إلى م�ساطر الت�سوية ي�صعب تقييم الت�أثير الإيجابي �أو ال�سلبي للتنظيم النقابي على مجراها‪.‬‬
‫ومادامت ممار�سة الإ�ضراب غير مقيدة ب�ضوابط ت�شريعية �أو اتفاقية ف�إن اللجوء �إليه يكت�سي حتما �أ�شكاال‬
‫مختلفة‪ ،‬ت�ستند �أحياناً على التعبير عن الإرادة الجماعية وعلى الت�أطير النقابي وفي حاالت �أخرى يكون‬
‫نتيجة �سلوك عفوي تجاه المقاول الذي يرف�ض التنظيم الجماعي والتحاور‪ ،‬لتكت�سي في بع�ض المرات‬
‫كذلك �صبغة التناف�س بين �أطراف تزعم توفرها على التمثيل الجماعي بحكم القانون �أو الواقع‪.‬‬
‫�إن ج�سامة الخ�سارة التي يتكبدها الأجراء والمقاوالت نتيجة �سوء تدبير الخالفات الجماعية تقا�س‬
‫في نف�س الوقت بفقدان الدخل ووقعه االجتماعي على ال�ضعفاء وب�إتالف المنتوج و�إغالق المقاوالت‬
‫المعنية والإ�ضرار بم�صالح م�ستعملي خدماتها وبن�سف المجهود المبذول لجلب اال�ستثمار الخارجي‬
‫وحث ر�ؤو�س الأموال الوطنية على التوجه نحو الم�شاريع المنتجة التي توفر فر�ص ال�شغل عو�ض التعاطي‬
‫للم�ضاربة المالية والعقارية‪.‬‬
‫ومع ذلك تبقى وط�أة الإ�ضرابات المتكررة في القطاع العام �أكثر وقعا على الم�صالح المبا�شرة والخدمات‬
‫اليومية للمواطنين‪.‬‬

‫الخالفات الجماعية في القطاع العمومي‬


‫عرف القطاع العمومي بدوره خالل ال�سنوات الأخيرة �إ�ضرابات متكررة طالت بالخ�صو�ص الجماعات‬
‫المحلية والم�ؤ�س�سات التابعة لها وال�صحة والعدل والتعليم‪ ،‬وهي القطاعات ذات االرتباط المبا�شر مع م�صالح‬
‫المواطنين‪ .‬و�أبانت المعطيات المتوفرة ب�ش�أن الخالفات الجماعية في القطاع العمومي غياب تتبع �شمولي لها‬
‫على الم�ستوى الوطني‪ ،‬ومعالجتها �أحيانا عبر قنوات تفرز التمييز وت�شجع على الفئوية‪.‬‬
‫‪ .1‬الوظيفة العمومية تحت �ضغط الفئوية‬
‫دفعت التغييرات التي عرفها القطاع العمومي بمكوناته المختلفة من وظيفة عمومية ومن م�ؤ�س�سات عمومية‬
‫ذات الطابع االقت�صادي والإداري والخدماتي �إلى �إ�سناد �صالحيات وا�سعة للوزارات وللمجال�س الإدارية‬
‫من �أجل تطوير الأنظمة الأ�سا�سية والقوانين الداخلية‪ ،‬مما نتج عنه تقلي�ص مهام ال�سلطة الحكومية المكلفة‬

‫‪50‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫بالوظيفة العمومية لدرجة �أ�صبح فيها من ال�صعب الإلمام بمختلف الأنظمة المعمول بها وبالأحرى التمكن‬
‫من تتبع تنفيذها وتقدير م�شروعية المطالب الجماعية المرفوعة ب�ش�أنها‪.‬‬
‫فبعد �أن كانت ال�سلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية مخت�صة في تح�ضير م�شاريع الأنظمة الداخلية‬
‫والقطاعية وتف�سيرها وتنظيم التوظيف والت�أديب والترقية‪ ،‬تج�سيداً لل�ضمانات الأ�سا�سية المخولة لموظفي‬
‫و�أعوان الدولة وتكري�ساً لمبد�أ الم�ساواة في الحقوق والواجبات بينهم‪� ،‬أدى تطور القطاع العمومي �إلى‬
‫�إ�سناد ال�صالحيات في هذا المجال �إلى الوزارات ذاتها بمعية وزارة المالية ليطال بعد ذلك الم�ؤ�س�سات‬
‫العمومية ذات الطابع الإداري واالجتماعي واال�ست�شاري وفي بع�ض الأحيان مديريات �أو مهن داخل نف�س‬
‫الإدارة‪.‬‬
‫�إن حقاً لهذا ال�سلوك ما يبرره من منظور النجاعة الإدارية واالقت�صادية نظراً لتنوع الأن�شطة وارتباطها بالإنتاج‬
‫وتكاثر المهن والتخ�ص�صات وما يتطلب ذلك من مالءمة نظام كل من�ش�أة مع محيطها و�ضمان م�سار مهني‬
‫محفز ومن�صف لجميع الم�ستخدمين والأطر العاملة لم�صلحة الدولة‪ ،‬وهو مطابق �أي�ضا للت�شريع المعمول‬
‫به منذ اال�ستقالل الذي يحيل على �أنظمة فرعية �أفقية ترعى االحتياجات الخا�صة بكل �إدارة دون التفريط‬
‫في وحدة الوظيفة العمومية النظامية‪ .‬كما �أنه يجد مبرراته بالن�سبة �إلى الم�ؤ�س�سات والمقاوالت العمومية‬
‫ومرافق التدبير المفو�ض في عدم مطابقة النظام النموذجي ال�سابق لحاجيات مختلف الم�ؤ�س�سات‪.‬‬
‫�إال �أن النظام الأ�سا�سي للوظيفة العمومية �أ�صبح �أ�شبه ب�إعالن عن المبادئ بينما تعمقت الفوارق بين‬
‫مختلف الأنظمة المتفرعة عنه ليجد التمثيل الجماعي بدوره مرتعه و�أفقه في ت�شتت الأنظمة‪ ،‬ولت�صبح‬
‫المطالب الفئوية والمجموعات ال�ضاغطة مالذاً لجميع من ي�شعر بالغبن ومبرراً للمطالبة ب�أغرب الحقوق‬
‫في مجال التوظيف والترقية والتعوي�ض والعطل‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫وتج�سد الوظيفة العمومية المحلية مجال تراكم الم�شاكل وتعقيدها‪ .‬ذلك �أن �إحداث العديد من الجماعات‬
‫المحلية بعد �صدور الميثاق الجماعي ل�سنة ‪ 1976‬طرح با�ستعجال م�س�ألة التوظيف بها وتزويدها بالأطر‬
‫الالزمة وهو ما حمل الحكومة بمقت�ضى مر�سوم ‪ 1977‬على تمديد النظام الأ�سا�سي للوظيفة العمومية‬
‫�إلى موظفي الجماعات المحلية با�ستثناء الم�ستخدمين العاملين في الم�ؤ�س�سات والمقاوالت والوكاالت‬
‫التابعة لها مع �إ�سناد توظيف وتدبير و�ضعية الأطر المرتبة في ال�سالليم ‪ 10‬فما فوق �إلى وزارة الداخلية‪.‬‬
‫ينتج عن ذلك توزيع الم�س�ؤولية في مجال توظيف وتدبير الأطر واالعتراف لجميع الموظفين المحليين‬
‫بحقوق ال تراعي الإمكانيات الفعلية المتوفرة لدى الجماعات المحلية‪ :‬التر�سيم‪ ،‬الترقية‪ ،‬االنتقال‪ ،‬رخ�ص‬
‫المر�ض طويل المدة‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫كما �أن ت�سيير الأطر من لدن الوزارة الو�صية ال يتنا�سب مع طبيعة العالقة المبا�شرة التي تن�ش�أ بين الجماعة‬
‫والموظف‪ ،‬وزد على ذلك �أن غياب �أنظمة تطبيقية واللجوء �إلى التوظيف المبا�شر لإر�ضاء مطالب بعيدة‬
‫عن حاجيات الجماعات عمق من عدم مطابقة الم�ؤهالت والمراتب والمهام لتطلعات الأطراف المحلية‪.‬‬
‫هذه العوامل كلها مجتمعة تدفع �إلى االحتجاج الجماعي وتقديم مطالب تكت�سي �أحيانا طابعا مهنيا‬
‫و�أحيانا �أخرى �صبغة فئوية يترتب عن �إر�ضائها جزئيا �أو كليا ظهور مطالب �إ�ضافية من نف�س الأطراف �أو من‬
‫فئات مت�شابهة تبرر بدورها معالجة انتقائية تجاه مجموعات �أخرى (يوجد مثال في وزارة التعليم �أزيد من‬
‫خم�سين و�ضعية �إدارية)‪.‬‬
‫وللتخفيف من الحيف الذي ينتج عن هذه التطورات و�سد بع�ض الحاجيات تعمل بع�ض الإدارات على‬
‫�صرف تعوي�ضات ومنح ومزايا قد تكون مو�سمية لت�صبح من المكت�سبات مثل التعوي�ض عن النقل �أو‬
‫عن ال�ساعات الإ�ضافية الوهمية والجمع بين المهام والوظائف ومنح الرخ�ص‪ ...‬ليتعمق بذلك انعدام‬
‫الإن�صاف والم�ساواة وتتحول المطالبة الفئوية �إلى �أق�صر طريق لتح�سين م�سار الموظف والح�صول على‬
‫الحقوق الجماعية‪.‬‬
‫‪ .2‬غياب �إطار م�ؤ�س�ساتي ناجع لعالقات ال�شغل الجماعية في القطاع العمومي‬
‫يقوم نظام الوظيفة العمومية على الت�صور الالتيني التقليدي للدولة المركزية الذي يخ�ضع جميع الموظفين‬
‫لعالقة �أحادية عبر الت�شريع والنظام الأ�سا�سي تحت مراقبة الق�ضاء الإداري‪.‬‬
‫لذلك ف�إن عالقات ال�شغل بالمرفق العمومي ال تتالءم مع مدلول المفاو�ضة الجماعية بمفهوم قانون‬
‫ال�شغل وال تف�ضي �إلى �إبرام االتفاقية الجماعية‪.‬‬
‫ومع ذلك ف�إن تدبير الموارد الب�شرية العمومية يتطلب �إ�شراك ممثليهم في اتخاذ قرارات الترقية والت�أديب‬
‫وا�ست�شارتهم في �إطار التح�ضير للإ�صالحات والقوانين الرامية �إلى تغيير و�ضعياتهم وهو ما حمل الدولة‬
‫�إلى �إحداث اللجان الثنائية المت�ساوية الأع�ضاء من جهة والمجل�س الأعلى للوظيفة العمومية من جهة‬
‫�أخرى‪.‬‬
‫وفي غياب �أي �إطار �آخر لتمثيل الموظفين ف�إن نتائج االنتخابات بهذه اللجان اعتمدت كعن�صر تكميلي‬
‫لمعيار النقابة الأكثر تمثيال على الم�ستوى الوطني لينتج عن ذلك‪:‬‬
‫• �إ�ضفاء طابع التمثيلية النقابية على �أ�سا�س االنتخاب في اللجان الثنائية؛‬
‫• اعتماد نتائج هذا االقتراع كمعيار تكميلي للتمثيلية النقابية على الم�ستوى الوطني دون التمييز بين‬
‫النتائج المح�صل عليها في القطاع الخا�ص والقطاع العام؛‬
‫• غياب معايير للتمثيل الجماعي على الم�ستوى الترابي والقطاعي بالن�سبة للقطاعين معاً‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫وما دام الد�ستور والنظام الأ�سا�سي العام للوظيفة العمومية يعترفان بالحرية النقابية ف�إن ممار�ستها في‬
‫الإدارات والمقاوالت والم�ؤ�س�سات العمومية تو�سعت على امتداد ال�سنين لي�صبح القطاع العمومي منتع�شا‬
‫للأطر النقابية ومجاال للعمل الجماعي تتقا�سمه جميع النقابات بالإ�ضافة �إلى العديد من الجمعيات‬
‫القطاعية والمهنية‪ ،‬علما �أن الت�شريع ال يتطرق للح�ضور النقابي داخل المقرات العمومية ليف�سح بذلك‬
‫المجال وا�سعا �أمام الوزارات والجماعات المحلية والمن�ش�آت العمومية للتعامل مع مختلف المنظمات‬
‫المهنية بحرية وب�سلطة تقديرية مطلقة‪ .‬فمنها من يوفر لها جميعا �أو لبع�ضها المقرات و�سبورات الإعالنات‬
‫ودعما مبا�شرا �أو عن طريق الإلحاق والأعمال االجتماعية‪ ،‬ومنها من يخ�ص بع�ضها فقط بهذه الت�سهيالت‪،‬‬
‫في حين تعتبر بع�ض الإدارات �أن الحرية النقابية وحرية الجمعيات تمار�سان خارج مجال العمل‪.‬‬
‫بنف�س الحرية وال�سلطة التقديرية و�أحيانا المزاجية‪ ،‬تتعامل بع�ض الإدارات مع الجمعيات المهنية‬
‫والنقابات على الم�ستوى المحلي �أو المركزي لمعالجة التظلمات ودرا�سة المطالب والتفاو�ض ب�ش�أنها �إما‬
‫على الم�ستوى الوزاري �أو في �إطار الحوار االجتماعي الوطني‪.‬‬
‫وقد حملت الإ�ضرابات العديد من الوزارات �إلى التفاو�ض حول المطالب الجماعية المقدمة �إليها دون �أن‬
‫تتوفر على كامل ال�صالحيات لاللتزام با�سم الحكومة لينتج عن ذلك‪:‬‬
‫• التراجع على م�ضمون اتفاقات �أبرمت مع الم�س�ؤولين الوزاريين لعدم تطابقها مع الت�شريع �أو لمعار�ضة‬
‫وزارة المالية لها �أو لعدم تنا�سبها مع �أو�ضاع مماثلة؛‬
‫• التفاو�ض مع الإدارات الو�صية �أو الم�س�ؤولة دون �إ�شراك مبا�شر للم�ؤ�س�سات المعنية؛‬
‫• التفاو�ض مع مختلف الأطراف دون اعتبار التمثيلية والقدرة على االلتزام؛‬
‫• رف�ض كل حوار والتقيد ب�شروط التمثلية القانونية دون اعتبار عدم تطابقها مع الواقع‪.‬‬
‫�إن هذه الممار�سات ت�صبح بدورها م�صدراً لخالفات جديدة ولظهور مطالب فئوية �أخرى ليتو�سع بذلك‬
‫مجال تفريخ الجمعيات والنقابات وتطوير الزبونية خا�صة عندما ي�صبح الإ�ضراب بمثابة عطلة م�ؤدى عنها‪.‬‬
‫ويمكن اال�ست�شهاد في هذا المجال من جديد بالخالف الجماعي الممتد بالجماعات المحلية باعتبار �أن‬
‫عالقة العمل تقوم بين الجماعة المحلية وموظفيها‪ ،‬والحال �أنها ال تمتلك ال�سلطة �أو المقدرة للتفاو�ض‬
‫حول مطالب ترتبط بنظام �أ�سا�سي وطني و�أن الوزارة التي ترعى التفاو�ض بهذا ال�ش�أن غير معنية مبا�شرة‬
‫بحجم الإ�ضراب وغير متحكمة في الأعباء المالية والتدبيرية التي قد تنتج عن مقررات قابلة للتنفيذ في‬
‫جميع الجماعات دون اعتبار انعدام التكاف�ؤ بين �إمكانيتها‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫الحوار االجتماعي الوطني‬

‫يدور الحوار االجتماعي على الم�ستوى المركزي بين النقابات الأكثر تمثيال والحكومة كما ي�ستمر عبر لجان‬
‫مخت�صة ويتقاطع مع التفاو�ض الثنائي في القطاع العمومي‪.‬‬
‫‪ .1‬الحوار المركزي‬
‫ات�سمت العالقة بين الحكومة والأطراف النقابية بالمد والجزر طيلة العقدين المن�صرمين مما جعل عدد‬
‫االتفاقات المبرمة على الم�ستوى الوطني محدوداً في خم�سة اتفاقات �سنوات ‪،2003 ،2000 ،1996‬‬
‫‪ 2004‬و‪.2011‬‬
‫وقد ظلت منهجية الحوار و�ضبطه وتحديد جدول �أعماله من الموا�ضيع المطروحة للنقا�ش بكيفية دورية‬
‫حيث تم االتفاق في جولة �أبريل ‪ 2009‬على منهجية تعتمد على عقد دورتين في ال�سنة يتمحور فيها‬
‫الحوار المركزي حول الق�ضايا الأفقية والق�ضايا القطاعية الم�ستع�صية‪ ،‬توازيه حوارات قطاعية‪.‬‬
‫ومع ذلك بقي االلتزام بانتظام جوالت الحوار االجتماعي ن�سبيا وت�أثير الحوارات القطاعية عليه وا�ضحا‪.‬‬
‫‪ .2‬الهيئات المخت�صة بالحوار‬
‫تتمتع هذه الهيئات ب�صالحيات محددة قانونيا �إال �أنها من حيث الممار�سة ال تبا�شر كل �صالحياتها نتيجة‬
‫غياب تنظيم وا�ضح للتمثيل الجماعي في القطاع العام وفتور المفاو�ضة الجماعية في القطاع الخا�ص‪.‬‬
‫• هيئات التمثيل الجماعي في القطاع العام‬
‫تحدث من لدن كل وزير في الإدارة التابعة له لجنة �إدارية ثنائية التركيب يعهد �إليها �إبداء الر�أي في الترقية‬
‫والت�أديب‪...‬‬
‫�إال �أن ربط مدة انتخاب الأع�ضاء في هذه اللجان بوالية مجل�س الم�ست�شارين وتحويلهم �إلى ناخبين كبار قد‬
‫�أ�ضفى على هذه التمثيلية طابعا نقابيا بل و�سيا�سيا يف�سح المجال في بع�ض المنا�سبات العتبارهم ممثلين‬
‫عن الفئات الناخبة‪ ،‬ومخاطبين في الحوار الثنائي الأطراف‪.‬‬
‫• الهيئات المكلفة بالمفاو�ضة الجماعية وت�سوية خالفات ال�شغل في القطاع الخا�ص‬
‫يتعلق الأمر بالخ�صو�ص بمجل�س المفاو�ضة الجماعية وباللجن الإقليمية والوطنية للبحث والم�صالحة‪.‬‬
‫• مجل�س المفاو�ضة الجماعية‬
‫يتكون المجل�س من ‪ 21‬ع�ضوا موزعين بالت�ساوي بين ممثلين عن الإدارة وممثلين عن المنظمات‬
‫المهنية للم�شغلين والمنظمات النقابية للأجراء‪ .‬ويرجع �إليه تقديم االقتراحات من �أجل تنمية‬
‫المفاو�ضة الجماعية والت�شجيع على �إبرام االتفاقيات الجماعية وتعميمها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫ويمكن للرئي�س �أن يدعو للم�شاركة في �أ�شغال المجل�س كل �شخ�ص يراعى في اختياره ما يتمتع به من‬
‫كفاءات في مجال اخت�صا�صات المجل�س‪.‬‬
‫و قد عقد مجل�س المفاو�ضة الجماعية منذ �إن�شائه �أربع دورات‪ :‬الأولى بتاريخ ‪ 09‬ماي ‪ 2007‬والثانية‬
‫بتاريخ ‪ 13‬فبراير ‪ ،2008‬والثالثة بتاريخ ‪ 21‬ماي ‪ 2010‬والرابعة بتاريخ ‪ 03‬ماي ‪ .2011‬تم خاللها درا�سة‬
‫ومناق�شة مجموعة من الموا�ضيع من بينها‪:‬‬
‫‪ -‬ال�سبل الكفيلة بالنهو�ض بالمفاو�ضة الجماعية عبر تفعيل الم�ؤ�س�سات التمثيلية للأجراء داخل‬
‫المقاوالت‪ ،‬وذلك على �ضوء النتائج التي �أفرزتها االنتخابات المهنية ل�سنة ‪2009‬؛‬
‫‪ -‬نموذج النظام الداخلي الخا�ص بالمقاوالت التي ت�شغل اعتياديا ‪� 10‬أجراء فقط مع ت�ضمينه‬
‫مقت�ضيات تحث على ت�شجيع المفاو�ضة الجماعية وتفعيل �آليات الحوار داخل المقاولة؛‬
‫‪ -‬درا�سة نموذج اتفاقية ال�شغل الجماعية واقتراح التدابير ال�ضرورية للنهو�ض بها‪.‬‬
‫وتجدر الإ�شارة �إلى �أن الم�شاركين في دورته الرابعة اتفقوا على �إبقائها مفتوحة وتكليف وزارة الت�شغيل‬
‫والتكوين المهني با�ستدعاء الأطراف لعقد اجتماع الحق في �أقرب وقت ممكن‪ ،‬بهدف و�ضع برنامج‬
‫العمل الخا�ص بالجدولة الزمنية لل�شروع في المفاو�ضة الجماعية من �أجل �إبرام اتفاقيات ال�شغل‬
‫الجماعية في القطاعات والمقاوالت المقترحة من طرف ال�شركاء االجتماعيين في القطاع الفالحي‬
‫وقطاعات ال�صناعة والتجارة والخدمات‪.‬‬
‫ويمكن �إرجاع �ضعف فعالية هذا الجهاز �إلى عدم اعتماد منهجية وا�ضحة وغياب الأع�ضاء وغياب‬
‫االنتظام في �أ�شغاله‪.‬‬
‫• اللجن الإقليمية والوطنية للبحث والم�صالحة‬
‫�إن ح�صيلة اللجن الإقليمية والوطنية للبحث والم�صالحة التي �سبق عر�ض نظامها‪ ،‬ت�شهد على �ضعف‬
‫ت�أثيرها على حجم النزاعات االجتماعية‪ ،‬ففي �سنة ‪ 2011‬عالجت اللجن الإقليمية ‪ 31‬نزاعا نجحت في‬
‫ت�سوية ع�شرة من بينها في حين انكبت اللجنة الوطنية على درا�سة ‪ 39‬نزاعا عر�ض عليها من طرف اللجن‬
‫الإقليمية تمت ت�سوية ‪ 19‬منها في الوقت الذي تبين الإح�صائيات المتوفرة لدى وزارة الت�شغيل ب�أن‬
‫عدد الإ�ضرابات و�صل في نف�س ال�سنة �إلى ‪� 478‬إ�ضرابا‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫وقد ورد في لقاءات جل�سات الإن�صات ب�أن اللجن الإقليمية غير ن�شيطة في عدة �أقاليم بل غير موجودة‬
‫في بع�ضها حيث يمتنع بع�ض الوالة والعمال عن ا�ستدعائها رغم �إحالة الخالفات عليهم من طرف‬
‫الإدارة المكلفة بالت�شغيل و‪�/‬أو المنظمات النقابية‪ ،‬وتتمثل �أهم معطالت عمل هذه اللجن في‪:‬‬
‫‪ -‬عدم المبادرة من طرف العامل لأ�سباب قد ترجع �إلى ا�ستفحال الم�شكل‪ ،‬ول�ضرورة تر�أ�سه �شخ�صيا‬
‫للجنة‪ ،‬ولق�صر الآجال المحددة له؛‬
‫‪� -‬ضعف الم�ؤهالت لدى �أع�ضاء اللجنة والخالفات بين مكوناتها؛‬
‫‪ -‬عدم توفير �آليات للعمل‪ :‬دالئل‪ ،‬منهجيات؛‬
‫‪ -‬تمثيل المقاوالت بم�سيرين ال يتوفرون على �سلطة القرار؛‬
‫‪� -‬ضعف المقدرات للت�سيير في بع�ض المقاوالت؛‬
‫‪ -‬عدم رغبة الأطراف في تقديم �أو قبول التنازالت؛‬
‫‪ -‬عدم ا�ستعمال ال�صالحيات القانونية لجبر المقاولة على تطبيق القانون؛‬
‫‪� -‬ضعف تعاون الجهاز الق�ضائي في حالة الم�س بالحرية النقابية وباقي الحقوق‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الق�سم الثالث‬

‫احتواء النزاعات عن طريق تطوير منظومة‬


‫عالقات ال�شغل الجماعية‬

‫باعتبار نزاع ال�شغل الجماعي فترة ا�ضطراب في العالقة المهنية داخل المقاولة ف�إن تدبيرها يمر حتما عبر‬
‫التفاو�ض بين طرفيه‪ ،‬و�إن اقت�ضى الحال بم�ساعدة جهات خارجية‪ ،‬لتخفي�ض حدة التوتر والو�صول �إلى حلول‬
‫تحظى بر�ضاهما؛ وما اللجوء �إلى الإ�ضراب و�إلى م�ساطر ت�سويته �إال �صورة عاك�سة لل�صعوبة التي يواجهها‬
‫ممثلو الأجراء والم�شغلون الحتواء خالفاتهم و�إبداع حلول متوافق حولها لتفادي كل خ�سارة قد تطال �أحد‬
‫الطرفين‪.‬‬
‫من هذا المنظور يت�ضح �أن تفادي نزاعات ال�شغل الجماعية وت�سويتها بالترا�ضي يتطلب تطوير منظومة عالقة‬
‫ال�شغل الجماعية لحمل �أطرافها ومنظماتهم على ا�ستباق الأحداث والتحكم في مجرياتها عن طريق �آليات‬
‫التوا�صل والتفاو�ض والتعاقد واالحتكام �إلى طرف ثالث ر�سمي �أو غير ر�سمي‪.‬‬
‫وقد تبين من درا�سة المعايير الدولية والتجارب الأجنبية وما عرفته بالدنا من تطورات خالل العقدين‬
‫المن�صرمين ميول جميع الأنظمة االجتماعية في محيط العولمة نحو تقلي�ص دور الحكومة في المجال‬
‫االقت�صادي واالجتماعي واعتمادها على اال�ستقالل الجماعي لأطراف الإنتاج من �أجل مالءمة المطالبة‬
‫الجماعية لتناف�سية االقت�صاد وتطوير الم�شاركة في تحديد ال�سيا�سات القطاعية‪ .‬ويميل هذا التوجه المعتمد‬
‫في �أغلب الدول ال�صناعية �إلى �إ�سناد دور مالءمة الحماية االجتماعية لتناف�سية االقت�صاد �إلى الفرقاء‬
‫االجتماعيين ليبو�أهم نتيجة ذلك ال�صدارة في الحفاظ على الت�شغيل وعلى ال�سلم االجتماعي‪.‬‬
‫و�إذا كان المغرب مدفوعا بحكم انخراطه في التبادل الحر والتزامه بتقريب ت�شريعه من قوانين �شركائه �إلى‬
‫الأخذ بهذا المن�أى ف�إنه مطالب �أي�ضا باحترام المعايير الدولية للعمل وبتوفير العمل الالئق لأو�سع الفئات‬
‫غير العاملة في القطاع ال�صناعي والفالحي والخدماتي المنظم‪.‬‬
‫لذلك ف�إن ت�أهيل منظومة عالقة ال�شغل الوطنية لتر�سيخ الحقوق وتوفير ال�سلم االجتماعي يتطلب التكامل‬
‫بين القانون التعاقدي المعبر عن اال�ستقالل الجماعي للأطراف والت�شريع الهادف �إلى توفير العمل الالئق‬
‫ودعمهما بتدابير عملية في �إطار تعاقد اجتماعي قادر على الرقي بال�سلم االجتماعي‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫توطيد التكامل بين القانون التعاقدي والحماية الت�شريعية في �أفق اال�ستقالل‬


‫الجماعي للأطراف وتر�سيخ العمل الالئق‬

‫قد يبدو �أن االنتقال من التجربة الحالية التي تعتمد على الدولة في تنظيم الحوار االجتماعي وف�ض النزاعات‬
‫وتطوير الحماية االجتماعية �إلى اال�ستناد �إلى النموذج الأكثر تداوال عبر العالم والذي يحث �أطراف الإنتاج‬
‫على التفاو�ض المبا�شر حول �شروط العمل والحماية االجتماعية بعيد المنال في الظروف الحالية نظراً لبلقنة‬
‫التمثيل الجماعي وللح�صيلة المتوا�ضعة لالتفاقيات الجماعية ول�ضعف ممار�سة المفاو�ضة الجماعية وللثقافة‬
‫الت�صادمية ال�سائدة في �أغلب عالقات ال�شغل الجماعية‪.‬‬
‫وقد الم�س الفرقاء االجتماعيون هذه الحتمية منذ �سنوات وو�ضعوا لبنات لتر�سيخ المفاو�ضة الجماعية لم‬
‫ت�ؤت ثمارها �إلى حد الآن‪ ،‬ليت�أكد �أن االعتماد على ال�سلطات العمومية في ف�ض الخالفات الم�صلحية بين‬
‫�أطراف الإنتاج لم يعد مواتيا لحاجيات الحكامة الإدارية واالقت�صادية‪ ،‬وهو ما يتطلب الم�ضي قدما نحو‬
‫الف�صل بين المهام القانونية للدولة في �ضمان حق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية وال�سهر على تطبيق القانون‬
‫من جهة‪ ،‬والمجال المفتوح للتفاو�ض بين �أطراف الإنتاج لتطوير عالقتها واحتواء الخالفات الجماعية الناتجة‬
‫عنها من جهة �أخرى‪ .‬ويفتر�ض هذا التحول اعتماد اال�ستقالل الجماعي والقانون التعاقدي لتطوير الحقوق‬
‫االجتماعية بوثيرة موازية لتناف�سية االقت�صاد من جهة والحفاظ لت�شريع ال�شغل بدور �أ�سا�سي من �أجل تمديد‬
‫الحقوق الأ�سا�سية و�ضمان المناف�سة ال�شريفة من جهة �أخرى‪.‬‬
‫‪ .1‬تطوير اال�ستقالل الجماعي للفرقاء االجتماعيين‬
‫يتوقف تطوير اال�ستقالل الجماعي للفرقاء على الرفع من قدرات المنظمات المهنية في مجال ت�أطير‬
‫العمال والم�شغلين وتوفير مناخ مالئم لالرتقاء بالمفاو�ضة الجماعية وتطوير االتفاقيات باعتبارها الآلية‬
‫المثلى لتنظيم عالقة ال�شغل الجماعية وربط المكت�سبات االجتماعية بال�سلم االجتماعي ومالءمة‬
‫المطالبة الجماعية بالمردودية وبالقدرة التناف�سية‪.‬‬
‫كما يهدف تطوير اال�ستقالل الجماعي بالن�سبة للقطاع العمومي بمكوناته الثالث المتمثلة في الإدارة‬
‫العمومية للدولة والوظيفة العمومية الترابية والم�ؤ�س�سات العمومية ذات الطابع االقت�صادي والإداري �إلى‬
‫تنظيم العمل الجماعي وتوظيفه لخدمة ت�أهيل المرفق العمومي من جهة ومن جهة �أخرى �إلى توفير‬
‫�شروط التوا�صل والتحاور من �أجل تطوير القانون والممار�سة في مجال تدبير الموارد الب�شرية على �أ�سا�س‬
‫ال�ضمانات المخولة في مجال خدمة المرفق العمومي من قبيل الم�ساواة‪ ،‬وتكاف�ؤ الفر�ص‪ ،‬والتكوين‪،‬‬
‫والترقية والم�ساءلة واال�ستقرار وتوفير ظروف عمل وحماية اجتماعية الئقين‪.‬‬
‫ويتوخى من تطوير اال�ستقالل الجماعي للفرقاء االجتماعيين كذلك تنظيم الم�شاركة المواطنة في ال�سيا�سات‬
‫العمومية عن طريق تنظيم الحوار االجتماعي المركزي الثالثي الأطراف والحوارات القطاعية الثنائية الأطراف‬
‫‪58‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫بين الحكومة و�أطراف الإنتاج من جهة وبين النقابات العمالية فيما بينها وتجاه منظمات �أرباب العمل وعالوة‬
‫على توفير الآليات العملية لتطوير الحوار االجتماعي على الم�ستوى الم�ؤ�س�ساتي والمعرفي‪.‬‬
‫‪ .2‬االحتفاظ بالدور الت�أطيري والحمائي للت�شريع‬
‫تبين المعطيات المتوفرة �أن عدداً هائ ًال من الأجراء ال ي�ستفيدون من الحقوق المتعلقة بالأجور وظروف‬
‫العمل وال�صحة وال�سالمة وال�ضمان االجتماعي خا�صة في الأن�شطة غير المهيكلة والعمل العر�ضي‬
‫والمقاوالت العائلية والحرف التقليدية‪ .‬وكيفما كانت م�ساهمة هذه الأ�شغال في التخفيف من البطالة ف�إن‬
‫ممار�ستها االعتيادية ت�ساهم كذلك في اله�شا�شة االجتماعية وفي انت�شار المناف�سة غير ال�شريفة‪ ،‬لذلك‬
‫يجب �أن يظل �إدماج هذه العالقات المهنية في قانون ال�شغل وال�ضمان االجتماعي هدفا ا�ستراتيجيا للفرقاء‬
‫االجتماعيين‪ .‬لذلك يقت�ضي تو�سيع مجال الحماية القانونية �إعطاء الأولوية لإعمالها على �أو�سع نطاق �إلى‬
‫درجة ت�صبح فيها المطالبة بالحد الأدنى للأجور وبالتغطية االجتماعية وبال�صحة في العمل �أمراً طبيعيا في‬
‫جميع العالقات المهنية‪.‬‬
‫ويقت�ضي �أي�ضا تفعيل الت�شريع الحد من ت�أثير النزاعات الفردية على العمل الجماعي وتقوية الدور الوقائي‬
‫المنوط به و�إحياء �آليات الحوار الثنائي داخل المقاولة‪.‬‬
‫كما ترجع للت�شريع مهمة �ضبط حقوق وواجبات الموظفين الفردية والجماعية بارتباط مع ت�أهيل المرفق‬
‫العمومي و�ضمان ا�ستمراريته وتوفير �شروط التمثيل الجماعي والم�ساءلة داخله‪.‬‬
‫�إن ارتباط النزاعات الجماعية بمجال ت�شريع ال�شغل وبالحوار االجتماعي وبت�أهيل الوظيفة العمومية يحتم‬
‫اعتماد مقاربة �شمولية ب�ش�أن التدابير العملية الالزمة لبناء منظومة وطنية ع�صرية لعالقات ال�شغل‪.‬‬

‫التدابير العملية‬

‫يتطلب تطوير القانون التعاقدي و�ضمان الحقوق الأ�سا�سية لأو�سع الفئات العاملة توفير مناخ اجتماعي مالئم‬
‫ي�سمح بتراجع حجم العالقات الجماعية الت�صادمية وتطوير منظومة قادرة على �إنعا�ش الحوار المثمر بين‬
‫الم�شغلين وممثلي الأجراء على �أ�سا�س التمثيل الجماعي الثابت واحترام االلتزامات‪.‬‬
‫ويعتقد �أن تطبيق االتفاقات المتعلقة بالم�صادقة على االتفاقية رقم ‪ 87‬ب�ش�أن الحرية النقابية ومراجعة المادة ‪288‬‬
‫من القانون الجنائي من جهة‪ ،‬ومن جهة �أخرى توافق الفرقاء االجتماعيين على �أ�سا�س المعايير الدولية‬
‫والممار�سات الجيدة حول الإطار الت�شريعي المالئم لممار�سة العمل النقابي على جميع الم�ستويات الترابية‬
‫والقطاعية بما في ذلك ممار�سة الإ�ضراب يعتبران من متطلبات توطيد الثقة بين الفرقاء االجتماعيين والرفع‬
‫من �إمكانيات التعبئة الجماعية لإطالق هذا الور�ش الواعد بتزامن مع تنزيل الد�ستور‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫وت�شمل التدابير العملية لتحقيق هذه الغاية وفق ما تو�صلت �إليه اللجنة انطالقاً من الر�صد ومن مقترحات‬
‫جميع الأطراف المعينة وفق التوجهات الرئي�سية التي و�صل �إليها المجل�س‪:‬‬
‫• �إعمال وتطوير ت�شريع ال�شغل والحماية االجتماعية؛‬
‫• مراجعة النظام القانوني لعالقات العمل بالقطاع العام؛‬
‫• تطوير التمثيل الجماعي واالتفاقيات الجماعية؛‬
‫• توطيد حق الإ�ضراب؛‬
‫• ترتيب الحوار الجماعي الوطني؛‬
‫• توفير المعرفة والتتبع والتقييم والم�آزرة للحوار االجتماعي ولت�سوية النزاعات‪.‬‬
‫‪� .1‬إعمال وتطويرالت�شريع‬
‫مادامت �أغلب الخالفات الجماعية تكت�سي طابعاً حقوقيا يتمثل في المطالبة بالحقوق المخولة للأجراء‪،‬‬
‫ف�إن االمتثال �إلى �أحكام قانون ال�شغل وال�ضمان االجتماعي يمثل حتما المدخل الرئي�سي لتفادي نزاعات‬
‫ال�شغل وتفعيل طرق ت�سويتها بالنجاعة الالزمة‪.‬‬
‫ولتح�سين التقيد بالقانون المعمول به على �أو�سع نطاق يجب التغلب على ال�صعوبات التي تحول دون‬
‫تطبيق بع�ض �أحكامه بالن�سبة لبع�ض الأن�شطة عن طريق المالءمة لواقع الممار�سات المهنية المعنية‪.‬‬
‫وي�ستهدف تمديد المجال الفعلي لتطبيق ت�شريع ال�شغل وال�ضمان االجتماعي كذلك �إدماج الأن�شطة غير‬
‫المهيكلة لالرتقاء بالحقوق االجتماعية واالقت�صادية للعاملين بها والحد من المناف�سة غير ال�شريفة التي‬
‫تمار�س عن طريقها من قبل بع�ض المقاوالت ومواجهة التحايل على القانون‪.‬‬
‫ويتطلب تحقيق هذه الغايات المتما�سكة العمل من �أجل‪:‬‬
‫أ‪ .‬ت�ضافر جهود جميع الأطراف لتر�سيخ االمتثال ال�شامل للقانون؛‬
‫ب‪� .‬إدخال بع�ض التعديالت على الت�شريع من �أجل مالءمة بع�ض �أحكامه لواقع العمل الم�أجور في‬
‫بع�ض المجاالت وبالخ�صو�ص‪:‬‬
‫• في القطاع الفالحي بالن�سبة للأجراء العر�ضيين والمو�سميين؛‬
‫• في القطاع المنجمي لتفادي الإفالت من تطبيق النظام المنجمي ولإدماج الأجراء العاملين في‬
‫المناجم ال�صغرى والمتو�سطة وفي المقاوالت غير المنجمية؛‬
‫• في مجال العمل الم�ؤقت والعقود من الباطن لمواجهة التحايل على الت�شريع ودعم ا�ستقرار اليد‬
‫العاملة ومراقبة ظروف ا�شتغالها (الت�سجيل في ال�صندوق الوطني لل�ضمان االجتماعي و�أداء‬
‫ال�ساعات الإ�ضافية واحترام نظام الأجور‪.)...‬‬
‫‪60‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫ت‪ .‬و�ضع خطة عمل لإدماج الإنتاج والخدمات غير المهيكلة‪ ،‬وتقلي�ص ت�أثيرها على المناف�سة ال�شريفة‬
‫وتر�سيخ التكاف�ؤ بين المقاوالت في معاملتها مع الأجراء؛‬
‫ث‪ .‬الرفع من مقدرات �أجهزة التفتي�ش والمراقبة والق�ضاء وذلك عبر‪:‬‬
‫• توفير الإمكانيات الب�شرية والمادية لجهاز تفتي�ش ال�شغل وتطوير الحكامة في تدبير مهامه؛‬
‫• الف�صل بين مهام التفتي�ش والت�صالح في النزاعات الجماعية لكي ال يحد الدور الت�صالحي من ممار�سة‬
‫ال�شرطة الق�ضائية في مجال ت�شريع ال�شغل؛‬
‫• التن�سيق بين الإدارة المكلفة بتفتي�ش ال�شغل والإدارة المكلفة بال�ضمان االجتماعي لت�سهيل التتبع‬
‫والردع بالن�سبة للمخالفات االعتيادية ولتطوير الم�ساءلة؛‬
‫• تحديد �إجراءات عملية ل�ضمان‪:‬‬
‫‪ -‬ردع كل ما يعرقل مهام التفتي�ش وممار�سة الحقوق الأ�سا�سية في العمل؛‬
‫‪� -‬سرعة البث في نزاعات ال�شغل من لدن الق�ضاء‪.‬‬
‫• توفير الإمكانيات للنيابة العامة لتمكينها من معالجة محا�ضر مفت�شيات ال�شغل بفعالية و�إطالق‬
‫المتابعات ب�ش�أنها با�ستعجال‪.‬‬
‫‪ .2‬مراجعة النظام القانوني لعالقات العمل بالقطاع العمومي‬
‫يتطلب ت�أهيل المرفق العمومي وتوفير ال�ضمانات النظامية للموظفين وت�أطير ظروف عملهم وتنظيم التمثيل‬
‫الجماعي داخل القطاع اتخاذ التدابير التالية‪:‬‬
‫أ‪� .‬إ�صالح النظام الأ�سا�سي للوظيفة العمومية ومراجعة الأنظمة الفرعية لتحقيق الإن�صاف بين مختلف‬
‫الفئات المهنية في التوظيف والت�أهيل وظروف العمل والترقية والأجور والمزايا االجتماعية؛‬
‫ب‪ .‬تنظيم التمثيل الجماعي على م�ستوى الإدارات المركزية والم�صالح الخارجية و�إدماج الحوار‬
‫االجتماعي الثنائي على م�ستوى القطاع لت�أهيل المرفق العمومي‪.‬‬
‫‪ .3‬ت�أطير العمل النقابي والمفاو�ضة الجماعية‬
‫يتوقف تطوير التمثيل الجماعي بوا�سطة المناديب المنتخبين وتوفير التمثيلية القانونية للنقابات المهنية‬
‫على م�ستوى القطاعات وعلى النطاق القطاعي والترابي‪ ،‬من جهة على مراجعة الت�شريع ليت�ضمن معايير‬
‫التمثيلية على مختلف الم�ستويات وكذلك الأحكام التي تبعث على التقيد بالحكامة في تدبير ال�ش�أن‬
‫النقابي‪ ،‬ومن جهة �أخرى على تطوير الممار�سة النقابية في اتجاه التن�سيق والت�آزر بين المنظمات بغية‬
‫تح�ضير الحوار االجتماعي الثنائي والثالثي الأطراف واالرتقاء بالمفاو�ضة الجماعية وتنظيم التكتالت‬
‫التي ت�سمح ب�إبرام اتفاقيات جماعية وااللتزام بال�سلم االجتماعي‪ .‬ولتحقيق ذلك يجب‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫أ‪ .‬تطوير الت�شريع من �أجل‪:‬‬


‫• الرقي بالتمثيل القطاعي والترابي؛‬
‫• تقوية الحكامة الإدارية والمالية داخل المنظمات المهنية؛‬
‫• دعم التن�سيق ما بين النقابات ومع باقي المنظمات المهنية؛‬
‫• تو�سيع قواعد الهي�آت التمثيلية‪.‬‬
‫ب‪ .‬تنظيم التمثيل الجماعي على م�ستوى الإدارات العمومية المركزية والم�صالح الخارجية والإدارات‬
‫الترابية لم�أ�س�سة الحوار الثنائي ومعالجة الخالفات في القطاع العمومي؛‬
‫ت‪ .‬حث الم�ؤ�س�سات التي ت�شغل �أقل من ع�شرة �أجراء على االنخراط طوعيا في نظام مناديب الأجراء‬
‫وحمل جميع المقاوالت على تفعيل وتطوير مختلف الهي�آت التمثيلية لالرتقاء بالعالقات الجماعية؛‬
‫ث‪ .‬تطوير المفاو�ضة الجماعية ق�صد التو�صل لإبرام اتفاقيات جماعية على كافة الم�ستويات (الم�ؤ�س�سة‪،‬‬
‫المقاولة‪ ،‬القطاع ترابيا ووطنيا) باعتبارها الآلية المثلى لتعزيز العالقات الجماعية ومالءمتها مع‬
‫متطلبات التنمية االجتماعية واالقت�صادية؛‬
‫ج‪ .‬ربط االتفاقيات الجماعية بال�سلم االجتماعي وت�ضمينها م�ساطير و�آليات للت�صالح والو�ساطة والتحكيم؛‬
‫ح‪� .‬إيجاد �إطار م�ؤ�س�ساتي مالئم لخا�صيات القطاع العمومي من �أجل ت�أطير التحاور الم�س�ؤول والبناء بين‬
‫الفرقاء و�سط مرافقه؛‬
‫ر‪ .‬الرفع من م�ؤهالت جميع الأطراف في مجال التفاو�ض الجماعي عن طريق توفير التكوين والمرجعيات‬
‫واالتفاقيات النموذجية وتبادل الخبرات والتعريف بالممار�سات الجيدة‪.‬‬
‫‪ .4‬توطيد حق الإ�ضراب‬
‫�إن اكتمال ال�ضمانات القانونية لممار�سة حق الإ�ضراب وفق المقت�ضيات الد�ستورية ومراعاة حقوق جميع‬
‫الأطراف المعنية بما في ذلك حقوق المرتفقين بالقطاع العمومي يتطلب‪:‬‬
‫أ‪ .‬توطيد هذا الحق الد�ستوري بالقانون التنظيمي بتوافق بين الفرقاء االجتماعيين على �أ�سا�س المعايير‬
‫الدولية المعتمدة في هذا المجال؛‬
‫ب‪ .‬العمل الم�شترك من �أجل توفير مناخ اجتماعي يجعل من الإ�ضراب �آخر �إجراء يتم اللجوء �إليه بعد‬
‫ا�ستنفاذ كل محاوالت الحوار والمفاو�ضة الجماعية بدون تماطل‪.‬‬
‫‪ .5‬ترتيب الحوار الإجتماعي الوطني‬
‫�إن �أهمية الحوار االجتماعي تكمن في قدرته على تمثيل مختلف الم�صالح االجتماعية واالقت�صادية‬
‫والتعبير عنها والتفاو�ض ب�ش�أنها لتفادي النزاعات الجماعية وت�سويتها ودعم االختيارات ال�سيا�سية التي من‬
‫�ش�أنها تطوير النمو االقت�صادي والحماية االجتماعية وتناف�سية المقاوالت‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫وتقا�س نجاعته بقدرة المنظمات المهنية للم�شغلين والعمال على ا�ستيعاب الم�شاكل المطروحة والحفاظ‬
‫على ثقة الفئات التي يمثلونها و�إقناعها بجدارة الحلول المقترحة �أو المتو�صل �إليها‪ .‬لذلك تعتبر جميع‬
‫العالقات الثنائية والثالثية الأطراف من مكونات الحوار االجتماعي �سواء تعلق الأمر بالتنظيم الجماعي �أو‬
‫بالمفاو�ضة الجماعية �أو بالتدبير الم�شترك للم�ؤ�س�سات العمومية ذات الطابع االجتماعي �أو المهني �أو تلك‬
‫المكلفة بت�سوية النزاعات الجماعية �أو بالم�شاركة في تحديد وتنفيذ ال�سيا�سات العمومية‪.‬‬
‫وكلما نجح التمثيل الجماعي لأطراف الإنتاج في التن�سيق بين مكوناته وتوحيد مواقفه وتحقيق‬
‫اال�ستمرارية والتحاور على �ضوء معطيات مو�ضوعية وخبرات رفيعة‪� ،‬إال ونجح في تر�سيخ �أ�س�سه االجتماعية‬
‫وتمثين �صالبة التحاور داخل كل من طرفي الإنتاج وفيما بينهما وعلى الم�ستوى الثنائي �أو الثالثي مع‬
‫ال�سلطات العمومية‪.‬‬
‫�إن الحوار االجتماعي الثالثي الأطراف الذي راكم تجربة مهمة على جميع هذه الم�ستويات في حاجة‬
‫الآن �إلى توطيد �أ�س�سه وتنظيم منهجيات عمله عن طريق‪:‬‬
‫• ت�أطير ممار�سته باعتباره �آلية �أ�سا�سية وفعالة لتعزيز اال�ستقالل الجماعي للفرقاء ولتطوير المفاو�ضة‬
‫الجماعية؛‬
‫• فتح �آفاق لم�ساهمته في توجيه ال�سيا�سات القطاعية والم�ساعدة على تنفيذها؛‬
‫• دعمه بتدابير قانونية وعملية لتحديد �أطرافه وت�سيير �أ�شغاله وتوفير المعدات ال�ضرورية له في مجال‬
‫التح�ضير والتتبع والتقييم؛‬
‫• اعتماد مقت�ضيات الميثاق االجتماعي للمجل�س االقت�صادي واالجتماعي من بين مرجعيات‬
‫الحوار االجتماعي‪ ،‬خا�صة المحور الرابع المتعلق بالحوار االجتماعي والحوار المدني وال�شراكات‬
‫الم َج َّد َدة‪.‬‬
‫ُ‬
‫تدبير االنتقال �إلى منظومة متطورة لعالقات ال�شغل الجماعية‬

‫لقد ا�ستح�ضر المجل�س االقت�صادي واالجتماعي في اختيار التوجيهات الرئي�سية والتدابير العملية ال�ضرورية‬
‫لإنجاحها مدى توافقها مع النظام الت�شريعي والم�ؤ�س�ساتي المعمول به واندماجها مع متطلبات تنزيل‬
‫الد�ستور الجديد‪ ،‬متوخيا من وراء ذلك ا�ستثمار المجهود الجماعي المبذول �إلى حد الآن وتوظيف التجربة‬
‫الميدانية المكت�سبة وتطويرها في �أفق متطلبات المرحلة الجديدة التي ي�شرف عليها االقت�صاد الدولي والبناء‬
‫الدمقراطي ببالدنا‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫وعلى الرغم من اعتبار المرحلة المقبلة امتداداً للتطور الذي عرفته عالقات ال�شغل الجماعية �إلى حد الآن‬
‫ف�إن االرتقاء بها �إلى الم�ستوى المن�شود وتمكينها من الت�شبع بثقافة اال�ستقالل الجماعي والم�شاركة المواطنة‬
‫الم�س�ؤولة لن يقوم �إال بتعبئة �شاملة للفرقاء االجتماعيين وتحملهم ثقل المجهود الذي يفر�ضه هذا التطور‪.‬‬
‫ويقترح المجل�س في هذا ال�صدد على جميع الفرقاء المعنيين وعلى ر�أ�سهم الحكومة و�أطراف الإنتاج ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬عقد لقاء وطني رفيع الم�ستوى على المدى الق�صير للتداول حول خارطة طريق وا�ضحة تحدد �شروط‬
‫ومراحل بناء نظام وطني لرعاية العمل الم�أجور يقوم على تعميم الحقوق الأ�سا�سية في ال�شغل وتطوير‬
‫الحماية االجتماعية عن طريق االتفاقيات الجماعية ويجعل من المفاو�ضة الجماعية ومن الحوار‬
‫االجتماعي الثالثي الأطراف المالذ الرئي�سي للموازنة بين الطاقة التناف�سية لآلية الإنتاج وتطوير‬
‫العمل الالئق؛‬
‫ب‪ .‬الو�صول على المدى المتو�سط �إلى تعاقد اجتماعي كبير تلتزم الأطراف بمقت�ضاه بمنهجية تعميم‬
‫الحماية الت�شريعية في مجال ال�شغل والحماية االجتماعية وبتطوير الحقوق الفردية والجماعية على‬
‫�أ�سا�س اتفاقيات جماعية ت�ضمن ال�سلم االجتماعي وتعززه ب�آليات مهنية لت�سوية النزاعات وبم�شاركة‬
‫فرقاء الحوار االجتماعي الم�س�ؤولة في اختيارات و�إنجازات ال�سيا�سات القطاعية ؛‬
‫ت‪� .‬إحداث هيئة م�ستقلة تحت �إ�شراف الفرقاء االجتماعيين يعهد �إليها ما يلي‪:‬‬
‫• جمع ودرا�سة المعطيات المتعلقة بالقدرة ال�شرائية والتناف�سية و�سوق العمل؛‬
‫• تتبع نزاعات ال�شغل الجماعية وتقييمها وتقديم �آراء ومقترحات ب�ش�أنها؛‬
‫• تح�ضير وت�سهيل الأعمال في �إطار الحوار االجتماعي الوطني؛‬
‫• تقديم مقترحات لتطوير الت�شريع والممار�سات في مجال عالقات ال�شغل والنزاعات الجماعية؛‬
‫• دعم �أن�شطة الهيئات المكلفة بالت�صالح والو�ساطة والتحكيم في مجال نزاعات ال�شغل الجماعية؛‬
‫• م�ساعدة الهي�آت التي تتولى نف�س المهام على الم�ستوى الجهوي والإقليمي‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫ا�ستخـــــــــال�ص‬

‫في �إطار الإحالة الذاتية انكب المجل�س االقت�صادي واالجتماعي على معالجة ودرا�سة مو�ضوع الوقاية من‬
‫نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي باعتباره من الق�ضايا الكبرى التي ت�شغل بال الفاعلين االقت�صاديين‬
‫واالجتماعين وكذا الجانب الحكومي‪� ،‬سيما مع ما عرفته �سنة ‪ 2011‬من توترات غير م�سبوقة في عالقات‬
‫ال�شغل الجماعية‪.‬‬
‫وتما�شيا مع التوجهات الملكية ومقت�ضيات القانون التنظيمي للمجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬وتطلعات‬
‫مختلف مكوناته لبناء حلول توافقية من �أجل �إر�ساء دعائم التنمية وتحقيق اال�ستقرار االجتماعي واالقت�صادي‪،‬‬
‫اعتمدت اللجنة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل وال�سيا�سات القطاعية في مقاربتها للمو�ضوع على‬
‫جل�سات الإن�صات التي ا�ستدعت �إليها مختلف الأطراف المهنية والإدارية والنقابية‪ ،‬وعلى المرجعيات‬
‫الدولية والوطنية والتجارب الأجنبية لتعميق النقا�ش بغية الو�صول �إلى حلول توافقية وعملية ت�سمح باحتواء‬
‫النزاعات وبتطوير العالقات الجماعية لل�شغل لخدمة العمل الالئق وتناف�سية االقت�صاد‪.‬‬
‫وتتلخ�ص �أهم النتائج المتو�صل �إليها انطالقا من ر�صد واقع النزاعات والمجهودات المبذولة من لدن الفرقاء‬
‫االجتماعيين في‪:‬‬
‫• �ضعف المعرفة الميدانية بعالقات ال�شغل وبالنزاعات الجماعية نظرا لتوزيع الم�س�ؤوليات الإدارية في‬
‫هذا المجال‪ ،‬وغياب �آليات لتتبعها ومواكبة الجهود المبذولة لف�ضها بدعم الحوار االجتماعي؛‬
‫• م�ساهمة جد متوا�ضعة للهيئات المكلفة بف�ض النزاعات الجماعية عن طريق الت�صالح والتحكيم وذلك‬
‫لأ�سباب هيكلية‪ ،‬وعملية تتمثل في ت�ضارب ال�صالحيات المخولة لبع�ض مكوناتها‪ ،‬وجمود الم�ساطير‬
‫المعتمدة‪ ،‬والم�شاكل المترتبة على تمثيل الفرقاء على ال�صعيد المحلي والقطاعي‪ ،‬وانعدام الم�ؤهالت‬
‫لدى بع�ض �أطراف النزاع و�أع�ضاء اللجان في اتخاذ القرارات الالزمة‪� ...‬إلخ؛‬
‫• تفاقم النزاعات ب�سبب تجاوزات القانون وه�شا�شة التنظيم الجماعي‪ ،‬و�سوء تدبير العالقات الجماعية‬
‫لل�شغل‪ ،‬وعدم مالءمة بع�ض �أحكام الت�شريع لواقع العمل الم�أجور في �أن�شطة بع�ض القطاعات؛‬
‫• تكاثر الأنظمة المتفرعة عن النظام الأ�سا�سي العام للوظيفة العمومية واعتماد المعالجة الفئوية لمطالب‬
‫الموظفين العموميين في غياب نظام �شامل للتمثيل الجماعي يهيكل التفاو�ض على الم�ستوى المركزي‬
‫والترابي للإدارات العمومية؛‬
‫• ارتباك الحوار االجتماعي الوطني في غياب �ضوابط ت�أطر ممار�سته وتحد من ت�أثير نزاعات ال�شغل‬
‫الجماعية �سلبا على م�ساهمته في تطوير ال�سيا�سات القطاعية وا�ستتباب ال�سلم االجتماعي‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫وقد تبين من خالل تحليل المعايير الدولية المعتمدة في مجال عالقات ال�شغل ودرا�سة التجارب الأجنبية‬
‫ذات ال�صلة‪� ،‬أن نظام العالقات المهنية الذي تو�صل �إليه الفرقاء االجتماعيون بالمغرب من خالل جوالت‬
‫الحوار االجتماعي ور�سخوا قواعده وفقا لمقت�ضيات مدونة ال�شغل ي�ستوفي جميع المعايير القانونية المتداولة‪،‬‬
‫�إال �أنه ال يف�ضي �إلى تحميل الفرقاء االجتماعيين ب�شكل م�ستقل م�س�ؤولية الموازنة بين المطالب االجتماعية‬
‫وتناف�سية المقاوالت عن طريق المفاو�ضة الجماعية لت�صبح االتفاقيات الجماعية دعامة �أ�سا�سية لل�سلم‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫كما ت�أكد �أن �ضعف االمتثال للقانون في العالقات المهنية يبدد المجهودات المبذولة لالرتقاء بالحوار‬
‫االجتماعي وبالعمل الالئق‪ ،‬وي�شجع على انت�شار الن�شاط االقت�صادي غير المهيكل و النيل من المناف�سة‬
‫ال�شريفة للمقاوالت‪.‬‬
‫لذلك يعتبر المجل�س االقت�صادي واالجتماعي �أن االرتقاء بمعالجة نزاعات ال�شغل الجماعية يتوقف على‬
‫تطوير منظومة العالقات المهنية وفق المكت�سبات الد�ستورية الجديدة في اتجاه‪:‬‬
‫‪ .1‬تكري�س الحماية االجتماعية الت�شريعية ل�ضمان الحقوق الأ�سا�سية لأو�سع فئات ال�شغيلة عن طريق‬
‫توفير �شروط تفعيلها وتمديد مجال تطبيقها ومالءمة بع�ض �أحكامها لواقع العمل الم�أجور في �أن�شطة‬
‫بع�ض القطاعات وتطويرها بتوافق بين الفرقاء االجتماعيين لالرتقاء بالعمل الجماعي بما في ذلك حق‬
‫ممار�سة الإ�ضراب؛‬
‫‪ .2‬تطوير المفاو�ضة الجماعية واالتفاقيات الجماعية‪ ،‬لي�صبح القانون التعقادي مرادفا لل�سلم االجتماعي؛‬
‫‪ .3‬م�أ�س�سة الحوار االجتماعي ودعم م�ساهمته في توجيه وتنفيذ ال�سيا�سات العمومية القطاعية‪.‬‬
‫وقد �أو�صى المجل�س االقت�صادي واالجتماعي لتعزيز هذا التوجه الرئي�سي بعدة تدابير عملية �شملت مجاالت‬
‫الحماية االجتماعية الت�شريعية‪ ،‬والتمثيل الجماعي والمفاو�ضة الجماعية‪ ،‬ونظام الوظيفة العمومية‪ ،‬و الحوار‬
‫االجتماعي‪ ،‬والحرية النقابية والتوافق حول القانون التنظيمي للإ�ضراب‪.‬‬
‫ولالرتقاء �إلى منظومة العالقات المهنية المن�شودة وجه المجل�س االقت�صادي واالجتماعي الدعوة لجميع‬
‫الفرقاء للم�شاركة في لقاء وطني لتحديد �شروط ومراحل الو�صول �إلى تعاقد اجتماعي كبير من �أجل‬
‫�إر�ساء دعائم �سلم اجتماعي تلتزم مختلف الأطراف بمقت�ضاه باالمتثال للقانون في مجال ال�شغل والحماية‬
‫االجتماعية‪ ،‬وبالعمل على تطوير الحقوق عن طريق االتفاقيات الجماعية‪ ،‬واعتماد �آليات مهنية لت�سوية‬
‫النزاعات وتطوير م�شاركة الفرقاء االجتماعيين الفعالة والم�س�ؤولة في اختيارات وتوجهات ال�سيا�سات‬
‫القطاعية‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫كما �أو�صى المجل�س االقت�صادي واالجتماعي بدعم هذا المجهود بالمعرفة الميدانية والخبرات‬
‫ال�ضرورية عن طريق �إحداث هيئة ت�ضم تمثيلية الفرقاء االجتماعيين يعهد �إليها التح�ضير لأ�شغال الحوار‬
‫االجتماعي ومواكبته‪ ،‬وجمع المعلومات حول �سوق العمل وعالقات ال�شغل‪ ،‬وتتبع هيئات ت�سوية‬
‫النزاعات على ال�صعيد الوطني والهيئات المماثلة لها على ال�صعيد الترابي‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪68‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫مالحق‬

‫تجارب بع�ض الدول في مجال ت�أطير عالقات ال�شغل الجماعية‬ ‫الملحق ‪:1‬‬

‫الئحة �أع�ضاء اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل‬ ‫الملحق ‪:2‬‬
‫وال�سيا�ساتالقطاعية‬

‫الئحة �أع�ضاء فريق العمل المكلف ب�إعداد التقرير‬ ‫الملحق ‪:3‬‬

‫الملحق‬
‫‪ : 4‬الئحة الم�ؤ�س�سات والفعاليات التي تم الإن�صات �إليها‬

‫الملحق ‪ : 5‬مراجع بيبليوغرافية‬

‫‪69‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪70‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الملحق ‪1‬‬
‫تجارب بع�ض الدول في مجال ت�أطير عالقات ال�شغل الجماعية‬

‫‪71‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪72‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫تجارب بع�ض الدول في مجال ت�أطير عالقات ال�شغل الجماعية‬


‫باعتبار �أن العولمة تطرح على جميع الدول المنخرطة في التبادل التجاري المفتوح نف�س التحديات في‬
‫مجال الحقوق االجتماعية ب�صفة عامة وت�أطير عالقات ال�شغل الجماعية ب�صفة خا�صة‪ ،‬ارت�أت اللجنة �أن‬
‫تنكب على درا�سة تفاعل بع�ض الأنظمة مع هذا الواقع الجديد و�أن تقف بالخ�صو�ص على الطرق المتميزة‬
‫لف�ض النزاعات الجماعية‪ .‬وقد اتجه اختيارها في مجال القانون المقارن على نماذج متباينة ترجع �أهميتها �إما‬
‫لتقاربها مع النظام المعمول به في المغرب‪� ،‬أو لمكانة الدول المعنية بالن�سبة للتبادل مع المغرب‪� ،‬أو اعتباراً‬
‫لخ�صو�صيات بع�ض النماذج لكي يت�سنى الت�أكد من الجوانب الم�شتركة للتغيير الذي تفر�ضه العولمة‪.‬‬
‫ويتعلق الأمر بفرن�سا و�إ�سبانيا و�ألمانيا واليابان وال�صين‪.‬‬
‫‪ .1‬التجربة الفرن�سية‬
‫يفتر�ض القانون االجتماعي الفرن�سي ب�أن الأجير يوجد حتماً في عالقة غير متكافئة مع الم�شغل وهو ما يبرر‬
‫حمايته بقواعد �آمرة من النظام العام وتوفير ال�ضمانات الإدارية والق�ضائية الحترامها في جميع العالقات الفردية‪.‬‬
‫وينعك�س هذا الموقف على عالقات ال�شغل الجماعية بحيث تعتبر الحرية النقابية والإ�ضراب من الحقوق‬
‫الفردية التي تمار�س بكيفية جماعية ويترتب عن ذلك منع كل تقييد لحرية االنخراط في النقابات‬
‫واالن�سحاب منها‪ ،‬وكل تمييز في الحقوق المح�صل عليها عن طريق المفاو�ضة الجماعية بين الأجراء‬
‫المنتمين �إليها وغيرهم‪.‬‬
‫على هذا الأ�سا�س يبقى الت�شريع م�صدراً رئي�سياً للحقوق في العمل‪ ،‬في حين ترجع للمفاو�ضة الجماعية‬
‫مهمة مالءمة م�ضمونه وتح�سين الحماية التي يوفرها على م�ستوى المقاولة والقطاع دون �إمكانية التعار�ض‬
‫مع �أحكامه �أو التنازل عنها‪.‬‬
‫ومادام القانون منبع الحماية بالن�سبة لجميع الأجراء‪ ،‬ف�إن الحكومة تمثل هدفا دائماً للمطالبة االجتماعية‬
‫وطرفا في العديد من الخالفات الجماعية باعتبارها م�شغال مبا�شراً �أو و�صيا على الم�ؤ�س�سات العمومية‬
‫�أو م�صدر الحماية الت�شريعية‪.‬‬
‫وبان�سجام مع هذا الو�ضع‪ ،‬يعتبر الإ�ضراب بدوره حقا فرديا يمار�س بكيفية جماعية حيث تظل الدعوة‬
‫�إليه والم�شاركة فيه مفتوحة في وجه الجميع وفي كل حين‪ .‬فبعدما اعتبره د�ستور ‪" 1946‬مبد�أ رئي�سيا في‬
‫زمننا" و"حقا يمار�س في نطاق القانون والأنظمة"‪� ،‬صرح المجل�س الد�ستوري بحق الموظفين العموميين‬
‫المبدئي في ممار�سته‪ ،‬وهو ما دفع ال�سلطات العمومية �إلى اللجوء �إلى نظام ال�سخرة ل�ضمان �سير المرافق‬
‫الحيوية‪ ،‬و�إلى الت�شريع لمنع مزاولته من طرف الع�سكريين والمدنيين المكلفين بمهام الأمن العام ولفر�ض‬
‫م�ساطر للإعالم الم�سبق به ولتنظيم الخدمة الدنيا في المرافق والخدمات العمومية التي قد ي�ؤدي تعطيلها‬
‫�إلى الإ�ضرار ب�صحة النا�س �أو بالأمن العمومي‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫عالوة على هذه القوانين‪� ،‬أدى اللجوء �إلى مختلف المحاكم بمنا�سبة اندالع الإ�ضرابات على امتداد ن�صف‬
‫القرن الأخير �إلى تراكم القرارات ال�صادرة عن المجل�س الد�ستوري ومجل�س الدولة ومحكمة النق�ض‬
‫ليتولى االجتهاد الق�ضائي والد�ستوري ال�صدارة في ت�أطير الإ�ضراب وتحديد الم�س�ؤولية في ممار�سته‪.‬‬
‫وي�ستند الق�ضاء في هذا المجال على المعايير الدولية والمبادئ العامة للقانون‪ ،‬بالخ�صو�ص نظرية التع�سف‬
‫في ا�ستعمال الحق ومبد�أ ممار�سة الحق وفق الغاية الم�شروعة التي يرمي �إليها‪.‬‬
‫كما عرف نظام المفاو�ضة الجماعية بدوره‪ ،‬تحوال عميقاً عبر مراحل �أف�ضت تارة �إلى توحيد ممار�ستها‬
‫على م�ستوى عدة قطاعات بالموازاة مع �إلحاقها باتفاقيات قطاعية على �أ�سا�س النتائج المح�صل عليها‬
‫(‪ ،)1938– 1936‬وتارة �أخرى �إلى احت�ضانها من طرف الدولة عن طريق الإلزام بالح�صول على م�صادقة‬
‫الحكومة على االتفاقية الجماعية قبل دخولها حيز التنفيذ �أو بفر�ض م�سطرة التوفيق والو�ساطة والتحكيم‬
‫قبل اللجوء �إلى الإ�ضراب (‪.)1950‬‬
‫�إن هذه التطورات التاريخية تتغذى من تداخل ال�ش�أن النقابي والمجال ال�سيا�سي‪ ،‬ليظل ال�سلم االجتماعي‬
‫موقوفا في نف�س الوقت على المفاو�ضة الجماعية وعلى المحيط االجتماعي العام مادامت ال�سلطات‬
‫العمومية طرفا في الحماية االجتماعية وفي تنظيم المفاو�ضة الجماعية‪.‬‬
‫وقد حملت العقود الأخيرة الم�شرع على االعتماد على اال�ستقالل الجماعي للفرقاء االجتماعيين‬
‫عن طريق الرقي بالمفاو�ضة الجماعية الحرة ودعم طابعها الم�ؤ�س�سي والترابي بدءا باالتفاقيات الوطنية‬
‫المتعددة القطاعات وو�صوال �إلى االتفاقات التي يفو�ض �إبرامها بمقت�ضى القانون �إلى الممثل النقابي �أو‬
‫المندوب المنتخب على م�ستوى المقاولة ليت�سنى تمديد التفاو�ض الجماعي �إلى المقاوالت ال�صغرى‬
‫والمتو�سطة‪ .‬ولذات الغاية �أقدم الم�شرع بقانون ‪ 4‬ماي ‪ 2004‬على تنظيم اللجان الثنائية على نطاق ترابي‬
‫�سعيا وراء ان�ضمام �أطراف جدد �إلى االتفاقيات الجماعية وت�سوية النزاعات التي تن�شب بهذا ال�صدد‪.‬‬
‫ويقود الحديث في هذا المو�ضوع �إلى التمييز بين المفاو�ضة المعيارية (‪ )normative‬والمفاو�ضة‬
‫الت�صالحية (‪ ،)transactionnelle‬حيث تهدف الأولى �إلى تطوير �شروط العمل والحماية االجتماعية‬
‫والثانية �إال ف�ض نزاع جماعي‪.‬‬
‫وبدوره عرف قانون النقابات تعديالت ا�ستهدفت في نف�س الوقت حماية الحرية النقابية وحق المفاو�ضة‬
‫الجماعية وتوفير الموارد والتقيد بالمحا�سبة‪.‬‬
‫من نافلة القول‪� ،‬إن هذا المحيط ال�سو�سيو قانوني الذي يعطى الأولوية للحريات العامة ويعتبر العمل‬
‫الجماعي ممار�سة للحرية الفردية‪ ،‬ي�شجع على اللجوء �إلى الق�ضاء و�إلى و�ساطة الدولة عو�ض تطوير طرق‬
‫بديلة لف�ض النزاعات الجماعية‪ ،‬لذلك بقي مجال التوفيق والو�ساطة والتحكيم مح�صوراً ن�سبيا وموزعا‬
‫بين الم�ساطير المن�صو�ص عليها في بع�ض االتفاقيات الجماعية‪ ،‬والخدمات التي يوفرها تفتي�ش ال�شغل‬
‫والمقررات الق�ضائية المتعلقة بتعيين الحكام �أو الو�سطاء عندما يطلب الفرقاء االجتماعيون منه ذلك‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫‪ .2‬التجربة الإ�سبانية‬
‫تتميز التجربة الإ�سبانية في مجال عالقات ال�شغل الجماعية بطابعها الحداثي حيث تج�سدت في انخراط‬
‫االتحاد العام للعمال واللجان العمالية �إلى جانب الأحزاب الديمقراطية في ر�سم النظام ال�سيا�سي الذي‬
‫عو�ض الدكتاتورية وحمل �إ�سبانيا �إلى االن�ضمام �إلى االتحاد الأوربي على �أ�س�س الديمقراطية والحكم‬
‫الذاتي الجهوي واالقت�صاد المفتوح‪.‬‬
‫وقد �أفرز هذا المحيط التاريخي نظاما للعمال (‪� )Estatuto de los trabajadores‬سنة ‪ 1980‬وقانونا‬
‫تنظيميا للنقابات يوفران �أو�سع ال�صالحيات لممثلي �أطراف الإنتاج من �أجل التفاو�ض حول جميع ق�ضايا‬
‫العمل والحماية االجتماعية و�إبرام اتفاقيات جماعية ب�ش�أنها والم�شاركة في تنظيم العمل على م�ستوى المقاولة‪.‬‬
‫وهكذا ميز القانون التنظيمي بين النقابات الأكثر تمثيلية على م�ستوى الإقليم الم�ستقل والنقابات "ذات‬
‫التمثيلية العليا" التي تتوفر على الن�سبة المحددة في ‪ 10%‬من المناديب المنتخبين في عدة قطاعات‬
‫لي�سمح لها نتيجة ذلك ب�إبرام اتفاقيات جماعية يتجاوز امتدادها المجالين القطاعي والترابي‪ .‬وبهذه الطريقة‬
‫ا�ستطاع الم�شرع �أن يوفق بين التطلعات الإقليمية لأطراف الإنتاج ورغبتهم في ت�سيير ال�ش�أن االقت�صادي‬
‫على الم�ستوى الترابي والقطاعي (الوطني) بدون تدخل الدولة‪.‬‬
‫ويعتمد ا�ستقالل الفرقاء �أي�ضا على مناديب العمال المنتخبين في جميع الم�ؤ�س�سات التي ي�شتغل بها �ستة‬
‫�أجراء على الأقل وعلى لجنة المقاولة �إ�ضافة �إلى المندوب النقابي الذي يعين في المقاوالت التي يبلغ‬
‫عدد العاملين بها ‪ 250‬عامال‪.‬‬
‫و�إن كان هذا التنظيم قريبا من النموذج الألماني الذي كان له �أكبر الت�أثير على ت�صوره‪ ،‬ف�إن التعددية‬
‫النقابية المتمثلة في تواجد نقابتين تاريخيتين �إلى جانب النقابات الإقليمية يطبعه بالخ�صو�صية‪ ،‬حيث‬
‫تتقا�سم النقابتان ‪ 76%‬من مجموع المناديب في حين يتوزع الباقي بين نقابات الأقاليم المتمتعة بالحكم‬
‫الذاتي‪ .‬وقد بينت نتائج "االنتخابات الت�أكيدية" المعلن عنها في يناير ‪� 2011‬أن النقابات تحظى بتمثيل‬
‫‪ 8.1‬مليون �أجير بن�سبة ‪ 52.8%‬من مجموع الأجراء بالرغم من كثرة المقاوالت ال�صغرى والمتو�سطة‪.‬‬
‫ويتجلى هذا الح�ضور المتميز للن�شاط النقابي في ا�ستفادة ‪ 11‬مليون �أجير من االتفاقيات الجماعية‪.‬‬
‫والجدير بالذكر �أن المفاو�ضة الجماعية الإقليمية �أو الوطنية تربط في الغالب بين المكت�سبات التعاقدية التي‬
‫تتفق الأطراف حولها والحوار االجتماعي الثالثي الذي تمهد له من �أجل تو�سيع مجال التطبيق عن طريق‬
‫الت�شريع و�إدماج القطاع العمومي‪ .‬بالمقابل‪ ،‬ف�إن الحكومة ت�ضمن دعم الفرقاء لل�سيا�سة التي تنهجها‪ ،‬كما يتجلى‬
‫ذلك في المفاو�ضات مع ال�شركاء الأوربيين والتي �أف�ضت �إلى اتفاق ‪ 2010‬الذي نزل عند رغبة االتحاد الأوربي‬
‫في تليين �سوق الت�شغيل بال�سماح بتغيير �أحكام االتفاقية الجماعية القطاعية عن طريق االتفاق الجماعي على‬
‫م�ستوى المقاولة من جهة ومن جهة �أخرى بتوقيف العمل ببع�ض بنودها حفاظا على منا�صب ال�شغل‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫وبنف�س الرغبة في التمكن من تدبير عالقات ال�شغل عن طريق التفاو�ض الم�ستمر عمد الفرقاء االجتماعيون‬
‫�إلى تطوير النظام االتفاقي لف�ض النزاعات‪.‬‬
‫‪ .3‬التجربة الألمانية‬
‫تحتل التجربة الألمانية مكانة متميزة في مجال تدبير عالقات ال�شغل الجماعية نظرا لتجذرها التاريخي‬
‫منذ ابتداع نظام الحماية االجتماعية‪ ،‬ويتميز هذا النموذج باالعتماد على االتفاقيات الجماعية القطاعية‬
‫كم�صدر �شبه �أوحد للحقوق والواجبات في العمل وباعتماد الجهوية في التنظيم الم�ؤ�س�ساتي والعالقة‬
‫الثنائية بين نقابة �أرباب العمل والنقابة العمالية الرئي�سية‪.‬‬
‫ويظل م�ؤكداً �أن التدبير الم�شترك (‪ )co-gestion‬لم يتجاوز �أبدا الحدود الألمانية و�أن الدول التي‬
‫اختارت دعم ا�ستقالل ال�شركاء االجتماعيين لم تجر�ؤ على اقت�سام ال�سلطة داخل المقاولة كما هو ال�ش�أن‬
‫في المقاوالت الكبرى ب�ألمانيا‪.‬‬
‫ولإدراك خا�صيات هذه التجربة يجب الإحاطة بنظام المفاو�ضة الجماعية وخالفات ال�شغل وربط ذلك‬
‫بالم�ؤ�س�سات التمثيلية ودورها في تدبير المقاولة‪.‬‬
‫يتميز ا�ستقالل الفرقاء االجتماعيين على الحق الد�ستوري المخول للنقابات العمالية ومنظمات �أرباب‬
‫العمل في التفاو�ض الحر ب�ش�أن الأجور و�شروط العمل و�إبرام اتفاقيات جماعية ذات التطبيق المبا�شر‪.‬‬
‫وي�صل عدد االتفاقيات الجماعية حاليا �إلى حوالي ‪ 50.000‬ي�ستفيد منها ما يناهز ن�صف العمال‬
‫الم�أجورين‪ ،‬في حين ال يتجاوز عدد العمال المنخرطين في النقابات ‪ ،20%‬وهو ما يعني �أن االتفاقيات‬
‫الجماعية ت�ستقطب ن�صيبا وافراً من عالقات ال�شغل عن طريق �إحالة عقود العمل عليها‪.‬‬
‫وي�شترط في النقابات للتفاو�ض �أن تتوفر على اال�ستقالل تجاه الدولة والأحزاب ال�سيا�سية والكني�سة‬
‫والطرف االقت�صادي الآخر و�أن يتجاوز مجال عملها المقاولة الواحدة‪ .‬و�إن كان القانون ي�سمح ب�إبرام اتفاقية‬
‫جماعية على م�ستوى المقاولة ف�إن الممار�سة تقت�ضي التفاو�ض على �صعيد القطاع مع ف�سح المجال لأرباب‬
‫العمل غير المنتمين للنقابة الرئي�سية �إلى قبول نتائج مفاو�ضتها وتدوينها في اتفاقية خا�صة‪.‬‬
‫وينتج عن االتفاقية الجماعية امتناع الأطراف عن �إثارة �أي نزاع جماعي خالل مدة تنفيذها وتطبيقها على‬
‫جميع المنتمين للنقابة حيث ال يعترف القانون الألماني بالطابع المعياري ال�شامل لالتفاقية الجماعية‬
‫ويتركه موقوفاً على تمديد مفعولها �إلى جميع الأجراء عن طريق مقرر حكومي �أو عقود العمل‪.‬‬
‫ومادامت الغاية من المفاو�ضة الجماعية تكمن في �إبرام االتفاقية الجماعية ودعم ال�سلم االجتماعي‬
‫بمقت�ضاها ف�إن حق الدعوة للإ�ضراب يبقى حكراً على النقابات التي ت�ستوفي �شروط التفاو�ض‪ ،‬ومجاله‬
‫مح�صورا في "�إعادة التوازن" بين الأطراف‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫لذلك ف�إن القانون الألماني ال يعتبر حق الإ�ضراب من الحريات الفردية بل حرية جماعية معترف بها‬
‫للنقابات المهنية وللمجموعات التي تتوفر على الأهلية القانونية لإبرام االتفاقية الجماعية كما يعد غير‬
‫م�شروع كل �إ�ضراب �سيا�سي موجه �ضد الدولة ما دام هدفه يتجاوز مجال االتفاقية الجماعية‪ .‬وبما �أن‬
‫و�ضعية الموظفين م�ضبوطة بالت�شريع والنظام الأ�سا�سي ف�إنهم ال يتمتعون بحق الإ�ضراب‪ .‬وبنف�س المنطق‬
‫تعتبر الخالفات ذات الطابع القانوني ال�صرف غير مبررة للإ�ضراب حيث يمكن ف�ضها عن طريق الق�ضاء‬
‫والتحكيم‪.‬‬
‫ويرتكز الق�ضاء في تكييف م�شروعية الإ�ضراب على مبد�أ التوازن‪ ،‬حيث اعتمد في الما�ضي �ضرورة‬
‫الت�صريح بف�شل المفاو�ضة الجماعية �أو اللجوء �إلى الو�سائل البديلة لتبرير اللجوء �إلى الإ�ضراب‪ ،‬وعدل‬
‫بعد ذلك عن هذا الموقف عندما اعترف خالل ال�سنوات الأخيرة بم�شروعية الإ�ضراب الإنذاري وبحرية‬
‫اللجوء �إلى الو�ساطة والتحكيم‪ .‬ويق�ضي مبد�أ التوازن �أي�ضا �أن تتجنب الأطراف الخ�سارة الزائدة و�أن‬
‫ت�ضمن �صيانة التجهيزات والمعدات خالل فترة الإ�ضراب‪.‬‬
‫ولتفادي الإ�ضرابات غير الم�شروعة وتح�صين حق الإ�ضراب ت�سعى النقابات المهنية �إلى ت�ضمين‬
‫االتفاقيات الجماعية م�ساطير لف�ض النزاعات القانونية وللحد من التوترات خالل التفاو�ض مما يفرز‬
‫هيئات ثنائية للتوفيق و�آليات مهنية للو�ساطة والتحكيم‪.‬‬
‫�إلى جانب الدور الرئي�سي المناط باالتفاقيات الجماعية في تنظيم العالقات المهنية على م�ستوى القطاع‪،‬‬
‫تقوم عالقات ال�شغل الجماعية ب�ألمانيا على لجنة المقاولة التي تحدث بكل م�ؤ�س�سة �أو من�ش�أة ي�شتغل‬
‫بها خم�سة �أجراء على الأقل‪ .‬ويعهد �إلى هذه الهيئة التي تتكون منا�صفة من ممثلي العمال والم�شغلين‬
‫اتخاذ قرارات في بع�ض المجاالت‪ ،‬والأخذ بر�أيها في موا�ضيع محددة وتوفير المعلومات لها ب�ش�أن ت�سيير‬
‫المقاولة‪ .‬ويرفع كل نزاع ين�شب داخلها بين طرفيها �إلى لجنة التحكيم على م�ستوى المقاولة تحت رئا�سة‬
‫�شخ�صية م�ستقلة يتوافق الطرفان على تعيينها ويعهد �إليها بمهام التحكيم كلما اقت�ضى الحال ذلك مع‬
‫تحميل المقاولة الأتعاب الناتجة عنه‪.‬‬
‫وينظم القانون المعمول به �أي�ضا التدبير الم�شترك (‪ )co-gestion‬داخل المجل�س الإداري �أو مجل�س‬
‫المراقبة عن طريق تمثيل الأجراء �إلى جانب الم�ساهمين‪ ،‬ليت�سنى لهم اتخاذ قرار تعيين الهيئة المديرية‬
‫بكيفية ت�شاورية والتداول معا في الق�ضايا الرئي�سية‪.‬‬
‫انطلق نظام التدبير الم�شترك هذا على �أ�سا�س تمثيلية مت�ساوية في قطاع المناجم والحديد بالن�سبة‬
‫للمقاوالت التي ت�شغل ‪� 1000‬أجير وتراجع مجاله بكيفية تدريجية ما بين ‪ 1951‬و‪ 1996‬من ‪ 100‬مقاولة‬
‫�إلى ‪� .30‬أما في باقي القطاعات‪ ،‬فقد ح�صره قانون ‪ 1952‬في المقاوالت التي ت�شغل ‪� 500‬أجير على‬
‫الأقل وفي حدود ثلث �أع�ضاء المجل�س الإداري‪ .‬وبمقت�ضى �إ�صالح ‪ 1976‬ارتفعت تمثيلية الأجراء �إلى‬

‫‪77‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫الن�صف في المقاوالت التي ت�شغل ‪� 2000‬أجير على الأقل مقابل تمتيع الم�ساهمين بحق تعيين الرئي�س‬
‫واالعتراف له ب�صوت �إ�ضافي‪.‬‬
‫لم ي�سلم هذا النظام بدوره من التطورات العالمية الأخيرة حيث تراجعت ن�سبة التغطية التي توفرها‬
‫االتفاقيات الجماعية ما بين �سنة ‪ 1998‬و‪ 2007‬من ‪� 75.8%‬إلى ‪ 63%‬في الأقاليم ال�شرقية �سابقاً ومن ‪52%‬‬
‫�إلى ‪ 35%‬في باقي الأقاليم لتنفلت بذلك قطاعات كاملة من الحماية االجتماعية (الفنادق‪ ،‬التغذية‪.)...‬‬
‫ويعزى هذا الو�ضع الجديد �إلى عزوف المقاوالت التي ت�سعى �إلى توفير المرونة في عالقات العمل عن‬
‫االنخراط في منظمات الم�شغلين وهو ما دفع بالم�شرع �إلى التدخل لملء الفراغ القانوني الناتج عن ذلك‬
‫كما فعل بالن�سبة للحد الأدنى للأجور في بع�ض القطاعات‪ ،‬و�إلى ظهور نقابات م�ستقلة والعدول عمليا على‬
‫مبد�أ التمثيلية الوحيدة على م�ستوى المقاولة‪.‬‬
‫من بوادر التحول العميق الذي يعرفه هذا النظام كذلك خ�ضوع نف�س المقاولة �إلى عدة اتفاقيات جماعية‬
‫وخرق المبد�أ العام المتمثل في ثنائية العالقة الجماعية وارتكازها على االتفاقية الجماعية الأقرب �إلى‬
‫مجال عمل المقاولة‪.‬‬
‫‪ .4‬التجربة اليابانية‬
‫ا�شتهر النظام ال�صناعي الياباني في المخيل العام ب�ضمان العمل والرعاية للعمال مدى الحياة من طرف‬
‫مقاولتهم وبال�سلم االجتماعي ولجوء الأجراء �إلى �أ�ساليب بديلة عن الإ�ضراب لالحتجاج‪.‬‬
‫وقد �أ�صبح نموذج مقاولة "طويوطا" مدر�سة بديلة لنموذج مقاولة فورد على م�ستوى التنظيم والمردودية‬
‫وتدبير الموارد الب�شرية‪.‬‬
‫يرتكز هذا النظام منذ �صدور قانون ال�شغل بتاريخ ‪� 7‬أبريل ‪ 1947‬على تمييز �أ�سا�سي بين "العمال العاديين"‬
‫وهم الذين يتوفرون على عقود عمل غير محددة المدة والمطالبون بالعمل خالل �أوقات العمل كاملة‬
‫من جهة وباقي الأجراء الذين ي�شتغلون ظرفيا لمدد مختلفة من جهة �أخرى‪ .‬و�إذا كان الأجراء العاديون‬
‫ي�ستفيدون من جميع الحقوق التي يوفرها لهم الت�شريع واالتفاقية الجماعية‪ ،‬ف�إن باقي الأجراء يعتدون‬
‫بعقد العمل ال غير‪.‬‬
‫على هذا الأ�سا�س تنمو عالقة وطيدة بين الأجير العادي ومقاولته التي يوفر لها طاقة عمله با�ستمرار‬
‫مقابل اال�ستفادة من التكوين الم�ستمر والترقية عن طريق االنتقال بين مختلف المنا�صب والح�صول‬
‫على التجربة المقرونة بخا�صيات المقاولة‪ .‬ولتوطيد هذه العالقة عبر الزمن‪ ،‬يح�صل الأجراء على عالوات‬
‫مو�سمية توازي �أجر ثالثة �أ�شهر على الأقل وخدمات اجتماعية ت�شمل ال�سكن والتغذية ومنح الدرا�سة‬
‫والعناية الطبية‪� ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫ب�إمكان المقاولة كذلك �أن تقتطع ن�صيبا من الأجر ال�شهري و�أن تحتفظ به �إلى �أن يتقاعد الأجير وهو ما‬
‫يحقق له ر�أ�س مال و�صل معدله �سنة ‪ 2003‬بالن�سبة للعمال �إلى ما يناهز ‪ 1.8‬مليون درهما وللأطر ‪2.4‬‬
‫مليون درهما‪.‬‬
‫ويحمل هذا اال�ستقرار المهني �إلى ت�سابق المقاوالت من �أجل جلب �أجود الأجراء ال�شباب و�إلى دعم‬
‫تكوينهم الجامعي والمهني قبل �إدماجهم بين �أجرائها العاديين‪.‬‬
‫ويعتمد هذا النظام كذلك على مبد�أ تحديد مدة عادية للعمل ير�سم لها �أجر مرجعي مع �إمكانية رفعها عند‬
‫الحاجة �إلى م�ستويات عالية مقابل زيادة بخ�سة لي�ضمن بذلك للأجير دخ ًال �شهرياً قاراً مع التزامه بالعمل‬
‫الإ�ضافي كلما طلب منه ذلك وهو ما ي�ضمن الليونة ال�ضرورية للمقاولة من �أجل مواجهة ال�سوق‪.‬‬
‫يتطلب هذا التنظيم في الواقع لجوء جميع المقاوالت �إلى عمال م�ؤقتين وعر�ضيين بمقت�ضى عقود عمل‬
‫محددة المدة قد ي�صل مداها �إلى ثالث �سنوات مع �إمكانية تجديدها با�ستمرار‪ .‬وعلى خالف "العمال‬
‫العاديين" ف�إن الأجراء غير الر�سميين يتقا�ضون �أجورهم على �أ�سا�س �ساعات العمل المنجزة ال غير‪.‬‬
‫�إلى حدود الثمانينيات بقيت هذه الفئة من الم�أجورين محدودة ومتمركزة بالخ�صو�ص في المقاوالت‬
‫ال�صغرى والمتو�سطة‪� ،‬إال �أن التحوالت التكنولوجية واحتدام المناف�سة على ال�صعيد الدولي حمل‬
‫المقاوالت الكبرى �إلى تليين �شروط اال�ستخدام واللجوء المكثف �إلى المناولة والعمل الم�ؤقت ليرتفع‬
‫عدد الأجراء غير العاديين �سنة ‪� 1984‬إلى ‪ 33‬مليون عامل وهو ما يمثل ‪ 15.3%‬من الأجراء و�إلى ‪17.6‬‬
‫مليون على مجموع ‪ 35‬مليون �سنة ‪ .2010‬ومما يزيد من اله�شا�شة االجتماعية لهذه الفئة من الأجراء �أنهم‬
‫ي�شتغلون �ساعات محدودة في ال�شهر خا�صة الن�ساء اللواتي يمثلن ن�سبة ‪ 97%‬من هذه الفئة‪ .‬ويبين هذا‬
‫الو�ضع عدم التقيد بمبد�أ الم�ساواة في العمل وتكييف عالقات ال�شغل الجماعية لهذا الو�ضع االجتماعي‪.‬‬
‫و�إن كان الت�شريع يعترف بحق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية‪ ،‬ف�إن الت�صريح بالنقابات لدى ال�سلطات‬
‫المحلية وتنظيمها على م�ستوى المقاولة يحدان من �إمكانيات العمل النقابي الموحد‪� ،‬إذ ينح�صر التن�سيق‬
‫الكنفدرالي في "الهجمات الربيعية" للتفاو�ض حول الأجور في حين يبقى االن�ضمام �إلى النقابة حكراً‬
‫على العمال العاديين با�ستثناء الأطر �إذ ي�سود االعتقاد ب�أن م�صالح ه�ؤالء مرتبطة بم�صلحة المقاولة كما‬
‫تختلف م�صالح الأجراء العاديين عن مطالب باقي العمال غير المنتمين للمقاولة‪.‬‬
‫الكت�ساب حق تمثيل الأجراء والتفاو�ض با�سمهم يجب على النقابة �أن تح�صل على الأغلبية من بين‬
‫الأجراء العاديين‪ .‬وفي هذه الحالة تطال �صالحياتها التفاو�ض حول النظام الداخلي للمقاولة ومراجعته‬
‫وحجم ال�ساعات الإ�ضافية واالقتطاعات من الأجور و�شروط ال�صحة وال�سالمة وف�ض النزاعات‪.‬‬
‫وب�إمكان النقابة �أن تح�صل عن طريق المفاو�ضة على وحدة المركز « ‪ » Union Shop‬التي ي�سمح‬
‫بمقت�ضاها فر�ض االنتماء �إليها على الأجراء الجدد وف�صل كل عامل ان�سحب منها عن العمل‪ .‬جرت‬

‫‪79‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫العادة �أن تتفق النقابة مع المقاولة على اقتطاع اال�شتراكات من �أجور العمال وت�سديدها مبا�شرة �إليها‪ ،‬وفي‬
‫الحالتين يعتبر هذا القرار بمثابة عهد للت�شارك بين الطرفين‪.‬‬
‫وفي غياب النقابة المتوفرة على الأغلبية‪ ،‬يمكن للأجراء �أن ينتدبوا عنهم ممثال للأغلبية يتم انتخابه‬
‫في جمع عام باليد المرفوعة‪ ،‬وت�سند �إليه جميع �صالحيات التفاو�ض المخولة للنقابة عندما يح�صل على‬
‫الأغلبية المطلقة‪.‬‬
‫وقد �أحدث الم�شرع منذ �سنة ‪ 2000‬نظاما ثالثا للتمثيل الجماعي يدعى "لجنة الفرقاء االجتماعيين"‬
‫ي�سمح بمقت�ضاه بت�أ�سي�س لجنة للمقاولة تتكون �أغلبيتها من �أع�ضاء معينين من طرف مندوب الأغلبية �أو‬
‫النقابة ذات الأغلبية وباقي الأع�ضاء من ممثلي الم�شغل يعهد �إليها درا�سة الأجور ومدة العمل و�شروط‬
‫العمل وباقي ال�صالحيات المخولة للممثل الجماعي‪� .‬إال �أن تفعيل هذا النوع من التمثيل الجماعي بقي‬
‫متوا�ضعا �إلى الآن في الوقت الذي يتراجع فيه عدد النقابات المتمتعة بالأغلبية ناهيك عن افتقاد جل‬
‫المندوبين في المقاوالت المتو�سطة وال�صغرى �إلى الم�ؤهالت ال�ضرورية للمفاو�ضة الجماعية‪ .‬لذلك‬
‫ت�سعى الفدراليات القطاعية والكنفدرالية الوطنية حاليا �إلى �ضم الأجراء غير العاديين �إليها وتطالب بدعم‬
‫الت�شريع في مجال الحماية االجتماعية‪.‬‬
‫‪ .5‬التجربة ال�صينية‬
‫عرفت عالقات ال�شغل بال�صين ال�شعبية خالل العقود الثالثة الأخيرة تحوالت عميقة طالت تنظيم‬
‫المقاولة و�سوق العمل ونظام الحماية االجتماعية يمكن اختزالها في المرور من عالقة العمل النظامية‬
‫ذات الطابع العمومي �إلى العالقة التعاقدية الأجرية في �إطار االنتقال �إلى "اقت�صاد ال�سوق اال�شتراكي"‪.‬‬
‫احتفظ "النظام الم�ؤقت لعقد ال�شغل بمقاولة الدولة" ال�صادر �سنة ‪ 1986‬للأجراء القدامى على اال�ستقرار‬
‫في عملهم بتمتيعهم بعقود غير محددة المدة بينما �سمح با�ستخدام العمال الجدد بعقود محددة المدة‪.‬‬
‫ثم انتقلت هذه المعاملة �إلى القطاع الخا�ص بحيث ا�ستثنى "قانون ال�شغل" ال�صادر �سنة ‪ 1994‬الأجراء‬
‫الذين لم ي�ستوفوا ع�شر �سنوات من الأقدمية بنف�س المقاولة من اال�ستفادة من عقد العمل غير المحدد‬
‫المدة وهو ما �سمح باللجوء على نطاق وا�سع �إلى عقود تحدد مدتها بين �سنة وثالث �سنوات‪.‬‬
‫وبالرغم من التعديل الذي �أدخل على القانون �سنة ‪ 2007‬ف�إن �أغلب الأجراء ي�شتغلون حاليا بعقود �شغل‬
‫ال تتجاوز مدتها الخم�س �سنوات بينما تعرف مقاوالت الت�شغيل الم�ؤقت والمناولة انتعا�شا م�ضطرداً‪ .‬وعلى‬
‫محدودية الحقوق التي يقرها قانون ال�شغل ف�إن تفعيله يظل �ضعيفاً ب�سبب جهله من طرف فئات وا�سعة من‬
‫الم�أجورين و�ضعف ا�ستيعابه من لدن الم�شغلين وه�شا�شة التفتي�ش الذي �أ�سند للإدارات الإقليمية دون‬
‫اعتبار ت�سابقها نحو جلب اال�ستثمار وتطوير مقاوالتها‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫بخ�صو�ص عالقات ال�شغل الجماعية ف�إن االتفاقيات الجماعية تغطي حاليا زهاء ‪ 50%‬من عدد الم�أجورين‬
‫�إذ و�صل عددها �إلى ‪ 1.247.000‬اتفاق ي�شمل ‪ 2.112.000‬مقاولة من بينها ‪ 512.000‬خا�صة بالأجور وتطبق‬
‫على ‪ 902.000‬مقاولة و‪� 61.776.000‬أجير‪.‬‬
‫وتبين هذه المعطيات �أن الأمر يتعلق عموماً باتفاقات �أبرمت على م�ستوى المقاولة في مجال الأجور‬
‫و�شروط اال�ستخدام نتيجة �صدور قواعد ت�شريعية و�إدارية لهذه الغاية دفعت ال�سلطات الترابية �إلى تحديد‬
‫برنامج زمني لحمل المقاوالت على تنظيم مداوالت مع ممثلي الأجراء من �أجل الو�صول �إلى اتفاقات‬
‫تتطابق مع النموذج الر�سمي‪.‬‬
‫با�ستثناء بع�ض المقاوالت المنتمية لالقت�صاد المختلط التي انتهزت فر�صة تطوير هذه االتفاقيات منذ‬
‫‪ 1994‬لتنظيم العمل وفق حاجياتها‪ ،‬ف�إن �أغلب المقاوالت بالقطاع الخا�ص تعاملت مع المفاو�ضة الجماعية‬
‫باعتبارها �شكلية في حين تجاهلتها المقاوالت العمومية ما دام م�سيروها ال يتحكمون في القرار داخلها‪.‬‬
‫�أما من جانب الأجراء فيعزى �ضعف االهتمام بالمو�ضوع النعدام المعرفة بدور االتفاقية الجماعية ولغياب‬
‫تمثيل جماعي قادر على التفاو�ض بحيث تخ�ضع النقابة في القطاع الخا�ص �إلى �سلطة الم�سيرين في حين‬
‫ت�ضطلع بمهام �إدارية في المقاوالت العمومية‪.‬‬
‫ويرجع �إلى القانون الم�ؤقت لف�ض نزاعات ال�شغل بالمقاوالت العمومية ال�صادر بتاريخ ‪ 31‬يوليوز ‪1987‬‬
‫ا�ستعمال عبارة "خالف جماعي" لأول مرة في ن�ص قانوني وبدون �أن يميز بدوره بين الخالفات الجماعية‬
‫وتلك التي ترتبط بعدم احترام الحقوق الفردية للأجراء (�أداء الأجور‪ ،‬مدة العمل‪ .)...‬والواقع �أن هذا‬
‫التمييز يفتر�ض االعتراف بالحقوق الجماعية وبحق التنظيم والمفاو�ضة الجماعية للدفاع عنها ولتطبيق‬
‫االتفاقيات المبرمة بين الأطراف‪ .‬و�أمام غياب هذه العوامل ثقافيا وعمليا ف�إن ا�ستيعاب هذا التمييز يكاد‬
‫�أن ي�صبح م�ستحيال بالرغم من االعتراف بحق الإ�ضراب وبوجود نقابة ممثلة في �أغلب المقاوالت‪ .‬ومادام‬
‫الت�شريع المعمول به ال ينظم حق الإ�ضراب مكتفيا بذكر "التوقف عن العمل" و"تعطيل العمل" وفي‬
‫غياب ممار�سة وا�سعة بهذا ال�ش�أن‪ ،‬يمكن القول �أن النزاعات الجماعية تجد حلها �إما بالتفاو�ض المبا�شر �أو‬
‫بتدخل ال�سلطة الإدارية بدون الحاجة �إلى �آليات م�ضبوطة لحلها‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪82‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الملحق ‪2‬‬
‫الئحة �أع�ضاء اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل وال�سيا�سات‬
‫القطاعية‬

‫‪83‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪84‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الئحة �أع�ضاء اللجنة الدائمة المكلفة بق�ضايا التكوين والت�شغيل وال�سيا�سات القطاعية‬

‫فئة الخبراء‬
‫�أمين منير العلوي‬ ‫•‬
‫التهامي عبد الرحماني الغرفي‬ ‫•‬
‫�أرمان هات�شويل‬ ‫•‬
‫محمد حراني‬ ‫•‬
‫ادري�س الإياللي‬ ‫•‬
‫فاطمة المرني�سي‬ ‫•‬
‫ادري�س �أوعوي�شة‬ ‫•‬
‫عبد المق�صود را�شدي‬ ‫•‬
‫�ألبير �سا�سون‬ ‫•‬

‫فئة النقابات‬
‫محمد علوي‬ ‫•‬
‫خليل بن�سامي‬ ‫•‬
‫محمد بن�صغير‬ ‫•‬
‫بو�شتى بوخالفة‬ ‫•‬
‫عبد الرحيم لعبايد‬ ‫•‬
‫لح�سن حن�صالي‬ ‫•‬
‫عبد ال�صمد مريمي‬ ‫•‬
‫محمد تثنى علوي �إدري�سي‬ ‫•‬
‫نجاة �سيمو‬ ‫•‬

‫فئة الهيئات و الجمعيات المهنية‬


‫�أحمد �أبوه‬ ‫•‬
‫محمد بنجلون‬ ‫•‬
‫�أمين برادة �سني‬ ‫•‬
‫محمد بولح�سن‬ ‫•‬
‫محمد تامر‬ ‫•‬
‫عبد الكريم فوطاط‬ ‫•‬
‫علي غنام‬ ‫•‬
‫عبد الإله حفظي‬ ‫•‬
‫من�صف كتاني‬ ‫•‬
‫محمد ريا�ض‬ ‫•‬

‫فئة الهيئات والجمعيات الن�شيطة في مجاالت االقت�صاد االجتماعي والعمل الجمعوي‬


‫محمد بن �شعبون‬ ‫•‬
‫�سيدي محمد كاوزي‬ ‫•‬
‫عبد الرحيم ك�سيري‬ ‫•‬
‫كريمة مكيكة‬ ‫•‬
‫محمد مو�ستغفر‬ ‫•‬

‫ال�شخ�صيات المعينة بال�صفة‬


‫�سعيد �أحميدو�ش‬ ‫•‬
‫خالد ال�شدادي‬ ‫•‬
‫ة‬
‫‪85‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪86‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الملحق ‪3‬‬
‫الئحة �أع�ضاء فريق العمل المكلف ب�إعداد التقرير‬

‫‪87‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪88‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الئحة �أع�ضاء فريق العمل المكلف ب�إعداد التقرير‬

‫محمد تثنى علوي �إدري�سي‬ ‫•‬

‫عبد ال�صمد مريمي‬ ‫•‬

‫بو�شتى بوخالفة‬ ‫•‬

‫علي غنام‬ ‫•‬

‫كريمة مكيكة‬ ‫•‬

‫محمد بن�صغير‬ ‫•‬

‫نجاة �سيمو‬ ‫•‬

‫محمد مو�ستغفر‬ ‫•‬

‫‪89‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪90‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الملحق ‪4‬‬
‫الئحة الم�ؤ�س�سات والهيئات والجمعيات التي تم الإن�صات �إليها‬

‫‪91‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪92‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الئحة الم�ؤ�س�سات والهيئات والجمعيات التي تم الإن�صات �إليها‬

‫الفاعلون الذين تم الإن�صات �إليهم‬ ‫الهيئات‬

‫• وزارة الداخلية‬ ‫الحكومة والهيئات العمومية (‪)6‬‬

‫• وزارة العدل والحريات‬


‫• وزارة الت�شغيل والتكوين المهني‬
‫• وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة‬
‫• وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة‬
‫• وزارة التربية الوطنية‬
‫• االتحاد العام لمقاوالت بالمغرب‬ ‫الجمعيات والمنظمات المهنية (‪)5‬‬

‫• االتحاد العام للمقاوالت والمهن‬


‫• النقابة الوطنية للتجار والمهنيين‬
‫• جامعة الغرف المغربية للتجارة وال�صناعة والخدمات‬
‫• الكنفدرالية المغربية للفالحة والتنمية القروية‬
‫• االتحاد المغربي لل�شغل‬ ‫المركزيات النقابية (‪)5‬‬

‫• الكونفدرالية الديمقراطية لل�شغل‬


‫• الفدرالية الديمقراطية لل�شغل‬
‫• االتحاد الوطني لل�شغل بالمغرب‬
‫• االتحاد العام لل�شغالين بالمغرب‬
‫تم الإن�صات �إلى ‪ 16‬فاعال‬ ‫المجموع‬

‫‪93‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪94‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫الملحق ‪5‬‬
‫مراجع بيبليوغرافية‬

‫‪95‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

‫‪96‬‬
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

‫مراجع بيبليوغرافية‬

‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪" ،‬من �أجل ميثاق اجتماعي جديد‪ :‬معايير يجب احترامها و�أهداف‬ ‫•‬
‫ينبغي التعاقد ب�ش�أنها"‪ ،‬ر�أي المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪� ،‬إحالة ذاتية رقم ‪ ،1/2011‬المجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬الرباط‪.2011 ،‬‬

‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ "،‬من �أجل ميثاق اجتماعي جديد‪ :‬معايير يجب احترامها و�أهداف‬ ‫•‬
‫ينبغي التعاقد ب�ش�أنها"‪ ،‬تقرير المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪� ،‬إحالة ذاتية رقم ‪ ،1/2011‬المجل�س‬
‫االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬الرباط‪.2011 ،‬‬

‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪" ،‬ت�شغيل ال�شباب"‪ ،‬ر�أي المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪� ،‬إحالة‬ ‫•‬
‫ذاتية رقم ‪ ،2011/2‬المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬الرباط‪.2011 ،‬‬

‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪" ،‬ت�شغيل ال�شباب"‪ ،‬تقرير المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪� ،‬إحالة‬ ‫•‬
‫ذاتية رقم ‪ ،2011/2‬المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‪ ،‬الرباط‪.2011 ،‬‬

‫المجل�س اال�ست�شاري لمتابعة الحوار االجتماعي‪" ،‬الحوار االجتماعي‪ :‬التنمية والديمقراطية"‪ ،‬مناظرة‪،‬‬ ‫•‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الرباط‪.1997 ،‬‬

‫المجل�س الوطني لل�شباب والم�ستقبل‪" ،‬الحوار االجتماعي بالمغرب"‪ ،‬ن�شر المجل�س الوطني لل�شباب‬ ‫•‬
‫والم�ستقبل‪ ،‬الرباط‪.1995 ،‬‬

‫مكتب العمل الدولي‪" ،‬الحريات النقابية‪ ،‬العمل الالئق"‪ ،‬تقرير المدير العام‪ ،‬م�ؤتمر العمل الدولي‪،‬‬ ‫•‬
‫الدورة ال�سابعة والثمانون‪ ،1999 ،‬من�شورات منظمة العمل الدولية‪ ،‬جنيف‪.1999 ،‬‬

‫مكتب العمل الدولي‪" ،‬الحريات النقابية‪ ،‬القانون النقابي لمنظمة العمل الدولية‪ ،‬معايير و�إجراءات‪،‬‬ ‫•‬
‫من�شورات منظمة العمل الدولية"‪ ،‬زوريخ‪.1997 ،‬‬

‫مكتب العمل الدولي‪" ،‬الحريات النقابية‪ ،‬موجز المبادئ والقرارات ال�صادرة عن لجنة الحريات النقابية‬ ‫•‬
‫في مجل�س �إدارة منظمة العمل الدولية‪ "،‬من�شورات منظمة العمل الدولية‪ ،‬جنيف‪.1996 ،‬‬

‫‪97‬‬
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

•     Auvergnon, P., La contractualisation du droit social, Actes du séminaire international de droit


comparé du travail, des relations professionnelles et de la sécurité sociale, Comptrasec,
Bordeaux, 2003.
•     Barbier, J. P., L’intermédiation sur le marché du travail au Maghreb, Etude comparative entre
l’Algérie, le Maroc et la Tunisie, BIT, 2006.
•     Bouharrou, A., La fonction consultative au Maroc ; monographie chronologique, Librairie Dar
Essalam, 2009.
•     Bouharrou, A., Le droit administratif du travail, Dar El Qalam, 2006.
•     Bouharrou, A., Le nouveau régime juridique des relations collectives du travail au Maroc, REDMA
n° 8, oct 2005 de travail.
•     Bureau International du Travail, La liberté syndicale, recueil de décisions et de principes
du Comité de la liberté syndicale du Conseil d’administration du BIT, cinquième édition,
Publications de l’OIT, Genève, 2006.
•     Bureau International du Travail, Rôle, impact et avenir du droit du travail, Education ouvrière
2006/2-3, 143-144, Publications de l’OIT, 2006.
•     Bureau International du Travail, La relation de travail, Conférence internationale du Travail,
95e session 2006, Rapport V (1), Publications de l’OIT, Genève, 2006.
•     Bureau International du Travail, Le champ de la relation de travail, Rapport V, Conférence
internationale du Travail, 91e session 2003, Publications de l’OIT, Genève, 2003.
•     Bureau International du Travail, Un défi mondial, Réduire le déficit de travail décent, Rapport du
Directeur Général, Conférence internationale du Travail, 89e session 2001, Publications de
l’OIT, Genève, 2001.
•     Bureau International du Travail, Votre voix au travail, Rapport global en vertu du suivi de la
Déclaration de l’OIT relative aux principes et droits fondamentaux au travail, Conférence
internationale du travail, 88e session 2000, Rapport I (B), Publications de l’OIT, Genève, 2000.
•     Bureau International du Travail, La négociation collective : Normes de l’OIT et principes des
organes de contrôle, Publications de l’OIT, Zurich, 2000.
•     Bureau International du Travail, Un travail décent, Rapport du Directeur Général, Conférence
internationale du Travail, 87e session 1999, Publications de l’OIT, Genève, 1999.
•     Bureau International du Travail, Déclaration de l’OIT relative aux principes et droits fondamentaux
au travail et son suivi, adoptée par la Conférence internationale du Travail à sa quatre-vingt-
sixème session, Genève, 18 juin 1998, Publications de l’OIT, Genève, 1998.

98
‫الوقاية من نزاعات ال�شغل الجماعية وحلها بالترا�ضي‬

•     Bureau International du Travail, La liberté syndicale, Recueil de décisions et de principes


du Comité de la liberté syndicale du Conseil d’administration du BIT, Publications de l’OIT,
Genève, 1996.
•     Bureau International du Travail, Liberté syndicale et négociation collective, Conférence
internationale du Travail, 81e session 1994, Publications de l’OIT, Genève, 1994.
•     Carabelli, U., Veneziani, B., Du travail salarié au travail indépendant : permanences et mutations,
Collana di diritto comparato del lavoro e della sicurezza sociale, Programma Socrates, Cacucci
Editore, Bari, 2003.
•     Combemale, P., Les grandes questions économiques et sociales, Collection Grands Repères/
Manuels, Edictions La Découverte, Paris, 2009.
•     Conseil Central de l’Economie, Rapport technique du secrétariat sur les marges maximales
disponibles pour l’évolution du coût salarial, Luc Denayer, Secrétariat du CCE, Bruxelles, 2011.
•     Conseil Economique et Social, Pour une nouvelle charte sociale : des normes à respecter et des
objectifs à contractualiser, Avis du Conseil Economique et Social, Auto-saisine AS n°1/2011,
CES, Rabat, 2011.
•     Conseil Economique et Social, Pour une nouvelle charte sociale : des normes à respecter
et des objectifs à contractualiser, Rapport du Conseil Economique et Social, Auto-saisine
AS n°1/2011, CES, Rabat, 2011.
•     Conseil Economique et Social, Emploi des jeunes, Avis du Conseil Economique et Social, Auto-
saisine AS n°2/2011, CES, Rabat, 2011.
•     Conseil Economique et Social, Emploi des jeunes, Rapport du Conseil Economique et Social,
Auto-saisine AS n°2/2011, CES, Rabat, 2011.
•     Consejo Economico y Social, Procedimientos autonomos de solución de los conflictos laborales,
Sesion del Pleno de 19 de octubre de 1994, Informe 2, CES, Madrid, 1994.
•     Daugareilh, I., Mondialisation, travail et droits fondamentaux, Bruylant, Bruxelles, 2005.
•     Duran Lopez, F., El Dialogo social y su institucionalisation en Espana y Iboamérca, AECI, CES,
Coleccion estudios, 1998.
•     Filali Meknassi, R., Rioux, C., Labour relations and collective bargaining in Morocco, Working
paper No. 14, ILO Publications, Genva, 2010.
•     Filali Meknassi, R., « Le dialogue social, de la quête de la cohésion sociale au soutien de la
compétitivité des entreprises », communication au Colloque international sur le dialogue
social organisé par l’Université de Lyon 2, 2011, sous dir. Marie Ange Moreau, éd. Dalloz , Col.
thèmes et commentaires, Actes, 2012, pp 311-323.
•     Filali Meknassi, R., Relations professionnelles et négociation collective au Maroc, B.I.T.,
Departrement des relations professionnelles et des relations d’emploi (Dialogue), Document
n° 14, Genève, Octobre 2010.

99
‫المجل�س االقت�صادي واالجتماعي‬

•     Filali Meknassi, R., Le code du travail expliqué, Dispositions en vigueur, questions/réponses,


analyses, décisions de justice, BIT, 2009.
•     Filali Meknassi, R., La dimension sociale de la globalisation : de la reconnaissance des droits
économiques et sociaux à la privatisation des personnes, World Political Forum, Turin, 2008.
•     Filali Meknassi, R., L’ineffectivité du droit du travail : la revanche des faits sur les prétentions
de la norme formelle, in « L’effectivité du droit du travail, à quelles conditions ? », Actes du
séminaire international de droit comparé, Comptrasec UMR CNRS, Université Montesquieu-
Bordeaux IV, 2006, pp 57-79.
•     Filali Meknassi, R., La pertinence de l’extension de la sécurité sociale, Conseil de l’Europe- BIT,
Actes du séminaire de Chypre, Strasbourg, Mai 2004.
•     Filali Meknassi, R., « La codification de la législation du travail au Maroc, une étape dans la
modernisation du système des relations professionnelles », Bulletin de droit comparé du
travail et de la sécurité sociale, 2004, Université Montesquieu Bordeaux IV, pp 77-104.
•     Fundacion SIMA (Servicio Interconfederal de Mediacion y Arbitraje), IV Agreement on
Alternative Labour Disputes Resolution (ASEC IV), SIMA Publicaciones, Madrid, 2009.
•     Méda, D., Le travail, une valeur en voie de disparition, Alto Aubier, Paris, 1995.
•     Ministère du Travail, de l’Emploi et de la Formation Professionnelle, Guide pratique du droit du
travail, La documentation Française, Paris, 1995.
•     Organisation Internationale du Travail, Déclaration de l’OIT sur la justice sociale pour une
mondialisation équitable, adoptée par la Conférence internationale du Travail à sa quatre-
vingt-dix-septième session, Publications de l’OIT, Genève, 2008.
•     Organisation Internationale du Travail, Une mondialisation juste, Créer des opportunités pour
tous, Commission mondiale sur la dimension sociale de la mondialisation, Publications de
l’OIT, Genève, 2004.
•     Organisation International du Travail, L’avenir du travail, de l’emploi et de la protection sociale –
Dynamique du changement et protection des travailleurs, Peter Auer et Bernard Gazier éd., Lyon,
2002.
•     Revue de droit comparé du travail et de la sécurité sociale, 2011/2012, Dossier thématique  :
les défis du droit social en Chine, 20 ans après l’introduction de « l’économie socialiste du
marché » ; Université Montesquieu IV, CNRS, UMR.
•     Schneider, M., History of the German Trade Unions, Dietz, Bonn, 2005.
•     Servais, J-. M., Droit social de l’union européenne, Bruylant, 2011.
•     Servais, J-. M., Normes internationales du travail, Librairie Générale de Droit et de la
Jurisprudence, Paris, 2004.
•     Supiot, A., Critique du droit du travail, les voies du droit, Presses Universitaires de France,
Paris, 1994.

100

You might also like