Professional Documents
Culture Documents
bkb-ol03920-ketabpedia.com
bkb-ol03920-ketabpedia.com
الشـــرح
قوله"بســم الله"
ابتــدأ المؤلــف رحمــه اللــه تعــالى –كتــاب بالبســملة إقتــداء بكتــاب اللــه عــز وجــل فإنــه مبــدوء
بالبسملة ،واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
فإنه يبدأ كتبه ورسائله بالبسملة.
والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف مؤخر مناسب للمقام تقديره هنا بسم الله أكتب.
وقدرناه فعًال ألن األصل في العمل األفعال.
وقدرناه مؤخرًا لفائدتين:
األولى :التبرك بالبداءة باسم الله تعالى.
الثانية :إفادة الحصر ألن تقديم المتعلق به يفيد الحصر.
وقدرناه مناسبًا ألنه أدل على المراد فلو قلنا مثًال عندما نريد
أن نق ــرأ كتاب ـًا باس ــم الل ــه نبت ــدئ ،م ــا ي ــدري بم ــاذا نبت ــدئ ،لكن بس ــم الل ــه نق ــرأ أدل على
المراد.
قوله" :الله"
لفظ الجاللة علم على الباري جل وعال وهو االسم الــذي تتبعــه جميـع األســماء حــتى إنــه في
قولــه تعــالى} :كتــاب أنزلنــاه إليــك لتخــرج النــاس من الظلمــات إلى النــور بــإذن ربهم إلى صــراط
العزيــز الحميــد اللــه الــذي لــه مــا في الســماوات ومــا في األرض{ { ،ســورة إبــراهيم ،اآليتــان .}1،2 :ال نقــول إن
لفــظ الجاللــة (اللــه) صــفة بــل نقــول هي عطــف بيــان لئال يكــون لفــظ الجاللــة تابع ـًا تبعيــة النعت
للمنعوت ،ولهذا قال العلمـاء أعـرف المعــارف لفــظ (اللـه) ألنــه ال يــدل على أحــد ســوى اللـه عـز
وجل.
قوله" :الرحمن"
الرحمن :أسم من األسماء المختصة بالله ال يطلق على غيره،
ومعناه :المتصف بالرحمة الواسعة.
قوله" :الرحيـم"
الرحيم :أسم يطلق على الله عز وجل وعلى غيره.
ومعناه :ذو الرحمة الواصلة ،فالرحمن ذو الرحمة الواسعة ،والرحيم ذو الرحمة الواصــلة فــإذا
جمعا صار المراد بالرحيم الموصـل رحمتـه إلى من يشــاء من عبـاده كمـا قـال اللـه تعــالى} :يعــذب
من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون{ {سورة العنكبوت ،اآلية }21 :والمراد بالرحمن الواسع الرحمة.
قوله " :ومن أعجب العجاب ،وأكبر اآليــات الدالــة على قــدرة المللــك الغالب ســتة أصــول
. .إلخ"
شــيخ اإلســالم محمــد بن عبــد الوهــاب رحمــه اللــه تعــالى لــه عنايــة بالرســائل المختصــرة الــتي
يفهمها العامي وطالب العلم ،ومن هذه الرسائل هذه الرسالة (ستة أصول عظيمة) وهي:
األصل األول :اإلخالص وبيان ضده وهو الشرك.
األصل الثاني :االجتماع في الدين والنهي عن التفرق فيه.
األصل الثالث :السمع والطاعة لوالة األمر.
األصل الرابع :بيان العلم والعلماء ،والفقه والفقهاء ،ومن تشبه بهم وليس منهم.
األصل الخامس :بيان من هم أولياء الله.
األصل السادس :رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة.
وهذه األصــول أصــول مهمــة جــديرة بالعنايــة ،ونحن نســتعين باللــه تعــالى في شــرحها والتعليــق
عليها بما يسر الله.
األصل األول
إخالص الدين لله تعالى وحده ال شريك له ،وبيان ضده الذي هو الشرك بالله ،وكــون أكــثر
القــرآن في بيــان هــذا األصــل من وجــوه شــتى بكالم يفهمــه أبلــد العامــة ،ثم لمــا صــار على أكــثر
األمــة مــا صــار أظهــر لهم الشــيطان اإلخالص في صــورة تنقص الصــالحين والتقصــير في حقــوقهم،
وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين وأتباعهم.
الشرح
قوله" :إخالص الدين لله تعالى وحده ال شريك له". . . .
اإلخالص لل ــه معن ــاه " :أن يقص ــد الم ــرء بعبادت ــه التق ــرب إلى الل ــه تع ــالى والتوص ــل إلى دار
كرامته" .بأن يكون العبد مخلصًا لله تعالى في قصده مخلصًا لله تعالى في محبته ،مخلصًا للــه
تع ــالى في تعظيم ــه ،مخلصـ ـًا لل ــه تع ــالى في ظ ــاهره وباطن ــه ال يبتغي بعبادت ــه إال وج ــه الل ــه تع ــالى
والوص ــول إلى دار كرامت ــه كم ــا ق ــال تع ــالى} :ق ــل إن ص ــالتي ونس ــكي ومحي ــاي ومم ــاتي لل ــه رب
وقولــه تعــالى: {ســورة األنعــام ،اآليتــان}163 ،162 : العالمين ال شريك له وبــذلك أمــرت وأنــا أول المســلمين{ .
وقول ــه } :وإلهكم إل ــه واح ــد ال إل ــه إال ه ــو {سـ ــورة الزمـ ــر ،اآليـ ــة }54 : }وأنيب ــوا إلى ربكم وأس ــلموا ل ــه{ ،
الرحمن الرحيم{ { ،ســورة البقــرة ،اآليــة }163 :وقوله } :فإلهكم إله واحد فلــه أســلموا{ {ســورة الحج ،اآليــة }34 :وقــد
أرسل الله تعالى جميع الرسل بذلك كما قال تعــالى} :ومــا أرســلنا من قبلــك من رســول إال نــوحي
إليــه أنــه ال إلــه إال أنــا فاعبــدون{ {ســـورة األنبيـــاء ،اآليـــة . }25:وكمــا وضــح اللــه ذلــك في كتابــه كمــا قــال
المؤلف" :من وجوه شتى بكالم يفهمه أبلد العامة ،فقد وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقــد جــاء عليــه الصــالة والســالم بتحقيــق التوحيــد وإخالصــه وتخليصــه من كــل شــائبة ،وســد كــل
طريــق يمكن أن يوصــل إلى ثلم هــذا التوحيــد أو إضــعافه ،ح ــتى إن رجًال قــال للنــبي صــلى اللــه
عليه وسلم "ما شاء الله وشئت" فقال النبي صلى اللــه عليــه وســلم "أجعلتــني للــه نــدًا بــل مــا شــاء
الله وحده"( )1فأنكر النبي صــلى اللــه عليــه وســلم على هــذا الرجــل أن يقــرن مشــيئته بمشــيئة اللــه
تعالى بحرف يقتضي التسوية بينهما ،وجعل ذلك من اتخاذ الند لله عز وجــل ،ومن ذلــك أيضـًا
أن النبي
( )1أخرجه اإلمام أحمد جـ ، 214ص ، 224والنسائي في "عمل اليوم و الليلة" ص 286رقم (-994
( )1أخرجــه اإلمــام أحمــد جـ ـ 2ص ، 125وأبــو داود /كتــاب اإليمــان والنــذور /بــاب الحلــف بغــير اللــه
تعالى ،والترمذي /كتاب النذور /باب كراهية الحلف بغير الله وقــال :حــديث حســن ،والــبيهقي في "الســنن" ج ـ
10ص ، 29والبغوي في "شرح السنة" جـ 10ص ، 7والحاكم في "المستدرك" ج ـ 1ص ،65وقـال " :حـديث
كتاب اإليمان /باب من مات ال يشرك بالله شيئًا دخل الجنة ومن مات مشرك دخل النار.
النوع األول :شرك أكبر مخرج عن الملة وهو" :كل شرك أطلقه الشارع وهو منــاف للتوحيــد
منافاة مطلقة" مثل أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة لغــير اللــه بــأن يصــلي لغــير اللــه أو يــذبح لغــير
الله ،أو ينذر لغير الله ،أو أن يدعو غير اللــه تعــالى مثــل أن يــدعو صــاحب قــبر ،أو يــدعو غائبـًا
إلنقاذه من أمر ال يقدر عليه إال الحاضر ،وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم.
النوع الثاني :الشرك األصغر وهو "كل عمل قولي أو
فعلي أطلــق عليــه الشــارع وصــف الشــرك لكنــه ال ينــافي التوحيــد منافــاة مطلقــة" مثــل الحلــف
بغير الله فالحــالف بغــير اللــه الــذي ال يعتقــد أن لغــير اللــه تعــالى من العظمــة مــا يماثــل عظمــة اللــه
مشرك شركًا أصـغر ،ومثـل الريــاء وهــو خطـير قـال فيـه النـبي صـلى اللـه عليـه وســلم " :أخــوف مــا
أخــاف عليكم الشــرك األصــغر فســئل عنــه؟ فقــال الريــاء"( )1وقــد يصــل الريــاء إلى الشــرك األكــبر،
وقــد مثــل ابن القيم رحمــه اللــه للشــرك األصــغر بيســير الريــاء وهــذا يــدل على أن كثــير الريــاء قــد
يصــل إلى الشــرك األكــبر ،وقــد ذهب بعض أهــل العلم إلى أن قولــه تعــالى} :إن اللــه ال يغفــر أن
يشــرك بــه{ {س ــورة النس ــاء ،اآلي ــة .}116 :يشــمل كــل شــرك ولــو كــان أصــغر ،فــالواجب الحــذر من الشــرك
مطلقًا فإن عاقبته وخيمــة قــال اللــه تعــالى} :إنــه من يشــرك باللــه فقــد حــرم اللــه عليــه الجنــة ومــأواه
فإذا حــرمت الجنــة على المشــرك لــزم أن يكــون {ســورة المائــدة ،اآليــة}72 : النار وما للظالمين من أنصار{ ،
خال ــدًا في الن ــار أب ــدًا ،فالمش ــرك بالل ــه تع ــالى ق ــد خس ــر اآلخ ــرة ال ريب ألن ــه في الن ــار خال ــدًا ،
وخسر الدنيا ألنه قامت عليه
الحج ــة وجـــاءه الن ــذير ولكن ــه خســـر لم يســـتفد من الـــدنيا شـــيئًا ق ــال الل ــه تعـــالى} :ق ــل إن
{ســورة الزمــر ،اآليــة: الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أال ذلك هو الخســران المــبين{
فخسر نفسه ألنه لم يستفد منها شيئًا وأوردها النار وبئس الــورد المـورود ،وخســر أهلـه ألنهم .}15
( )1أخرجــه اإلمــام أحمــد جـ ـ 5ص ، 428وابن أبي شــيبة في "اإليمــان" ص 86بــاب الخــروج من اإليمــان
بالمعاصــي ،والهيثمي في "المجمــع" ج ـ 10ص 222وقــال" :رواه الطــبراني ورجالــه رجــال الصــحيح غــير عبــد اللــه
بن شبيب بن خالد وهو ثقة" .
إن كــانوا مؤمــنين فهم في الجنــة فال يتمتــع بهم ،وإن كــانوا في النــار فكــذلك ألنــه كلمــا دخلت
أمة لعنت أختها.
واعلم أن الشــرك خفي جــدًا وقــد خافــه خليــل الــرحمن وأمــام الحنفــاء كمــا حكي اللــه عنــه:
}واجنبــني وبــني أن نعبــد األصــنام{ {س ــورة إبــراهيم ،اآليــة .}35 :وتأمــل قولــه} :واجنبــني{ ولم يقــل" :وامنعــني"
ألن معنى اجنبني أي اجعلني في جانب عبــادة واألصــنام في جــانب أي إجعلــني في جــانب عبــادة
واألصنام في جانب ،وهذا أبلغ من أمنعني ألنه إذا كان في جانب وهي في جانب ،كان أعد ،
وق ــال ابن أبي مليك ــة " :أدركت ثالثين من أص ــحاب رس ــول الل ــه ص ــلى الل ــه علي ــه وس ــلم كلهم
يخاف النفاق على نفسه" ( )1وقال أمير المؤمــنين عمــر بن الخطــاب رضــي اللــه عنــه لحذيفــة ابن
اليم ــان" :أنش ــدك الل ــه ه ــل س ــماني ل ــك رس ــول الل ــه ص ــلى الل ــه علي ــه وس ــلم م ــع من س ــمى من
المنافقين"
مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم
بشــره بالجنــة ولكنــه خــاف أن يكــون ذلــك لمــا ظهــر لرســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم من
أفعاله في حياته ،فال يأمن النفاق إال منافق ،وال يخاف النفاق إال مؤمن ،فعلى العبد أن يحــرص
على اإلخالص وأن يجاهــد نفســه عليــه قــال بعض الســلف "مــا جاهــدت على اإلخالص" فالشــرك
أمره صعب جدًا ليس بالهين ولكن اللــه ييســر اإلخالص على العبــد وذلــك بــأن يجعــل اللــه نصــب
عينيه فيقصد بعمله وجه الله.
األصل الثاني
أمر الله باالجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه ،فيبين الله هذا بيانًا شافيًا تفهمه العــوام ،
ونهانــا أن نكــون كالــذين تفرقــوا واختلفــوا قبلنــا فهلكــوا ،وذكــر أنــه أمــر المســلمين باالجتمــاع في
الدين ونهاهم عن التفرق فيه ،ويزيده وضوحًا ما وردت به ألسنة من العجب العجــاب في ذلــك،
ثم ص ــار األم ــر إلى أن االف ــتراق في أص ــول ال ــدين وفروع ــه ه ــو العلم والفق ــه في ال ــدين ،وص ــار
االجتماع في الدين ال يقوله إال زنديق أو مجنون.
( )1أخرجه البخاري /كتاب اإليمان /باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو ال يشعر.
الشــرح
قوله" :أمر الله باالجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه . .إلخ"
األصل الثاني من األصــول الــتي ســاقها الشــيخ-رحمــه اللــه تعــالى-االجتمــاع في الــدين والنهي
عن التفــرق فيــه ،وهــذا األصــل العظيم قــد دل عليــه كتــاب اللــه تعــالى ،وســنة رســوله صــلى اللــه
عليه وسلم ،وعمل الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح رحمهم الله تعالى:
أما كتاب الله تعالى :فقد قال الله-عز وجل}:-يا أيها الذين آمنــوا اتقــوا اللــه حــق تقاتــه وال
تمــوتن إال وأنتم مس ــلمون واعتصــموا بحبــل اللــه جميع ـًا وال تفرقــوا واذكــروا نعمــة اللــه عليكم إذ
كمنم أعــداء فــألف بين قلــوبكم فأصــبحتم بنعمتــه إخوانـًا وكنتم على شــفا حفــرة من النــار فأنقــدكم
منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون{ {سورة آل عمران ،اآليتان.}102،103 :
وقــال تعــالى} :وال تكونــوا كالــذين تفرقــوا واختلفــوا من بعــد مــا جــاءهم البينــات وأولئــك لهم
{ســورة األنفــال، وقال تعالى }:وال تنازعوا فتفشلوا وتــذهب ريحكم{ {سورة آل عمران ،اآلية.}105 : عذاب عظيم{
{ســورة األنعــام ،اآليــة}159 : وقال تعالى} :إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شــيعًا لســت منهم في شــيء{ اآليــة}46 :
وقــال تعــالى} :شــرع لكم من الــدين مــا وصــى بــه نوحـًا والــذي أوحينــا إليــك ومــا وصــينا بــه إبــراهيم
{سورة الشورى ،اآلية.}13 : وموسى وعيسى أن أقيموا الدين وال تتفرقوا فيه{
ففي ه ــذه اآلي ــات نهى الل ــه تع ــالى عن التف ــرق وبين عواقب ــه الوخيم ــة على الف ــرد والمجتم ــع
واألمة بأسرها.
وأمــا داللــة الســنة على هــذا األصــل العظيم :فقــد قــال رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم :
"المســلم أخــو المســلم ال يظلمــه وال يخذلــه وال يحقــره ،التقــوى ههنــا ،التقــوى ههنــا-ويشــير إلى
صدره -يحسب امرئ
من الشر أن يحقر أخاه المسلم ،كل المسلم على المسلم حرام دمــه وعرضــه ومالــه( )1وفي
رواي ــة" :ال تحاس ــدوا ،وال تباغض ــوا ،وال تجسس ــوا وال تحسس ــوا وال تناجش ــوا وكون ــوا عب ــاد الل ــه
( )1أخرجه البخاري /كتاب اإلكراه /باب يمين الرجل لصاحبه :إنه أخوه إذا خاف عليه القتل أو نحوه،
( )2أخرجــه البخــاري /كتــاب األدب /بــاب مــا ينهى عن التحاســد والتــدابر ومســلم /كتــاب الــبر والصــلة/
( )3أخرجه البخاري /كتــاب األدب /بــاب تعــاون المؤمــنين بعضــهم بعض ـًا ،ومســلم /كتــاب الــبر والصــلة /
( )1أخرج ــه البخ ــاري /كت ــاب الخ ــوف /ب ــاب ص ــالة الط ــالب والمطل ــوب راكبـ ـًا وإيم ــاء ،ومس ــلم /كت ــاب
( )1أخرجه البخاري /كتاب اإلعتصام بالكتاب والســنة /بــاب أجــر الحــاكم إذا أجتهــد فأصــاب أو أخطــأ ،
ومسلم /كتاب األفضية /باب بيان أجر الحاكم إذا أجتهد فأصاب أو اخطأ.
}يــا أيهــا الــذين آمنــوا أطيعــوا اللــه وأطيعــوا الرســول وأولي األمــر منكم{ {س ــورة النس ــاء ،اآلي ــة .}59 :اآليــة ،
وقوله } :أطيعوا الله ورسوله وال تنازعوا
وقولــه} :واعتصــموا {ســورة األنفــال ،اآليــة}46 : فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصــابرين{
{سورة آل عمران ،اآلية.}103 : بحبل الله جميعًا وال تفرقوا{ -
ومن بيانــه في ســنة رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم :مــا ثبت في الصــحيحين من حــديث
عبــادة بن الصــامت رضــي اللــه عنــه قــال" :بايعنــا رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم على الســمع
والطاعة في منشطنا ومكرهنا ،وعسرنا ويسرنا ،وأثره علينا ،وأن ال تنــازع األمــر أهلــه ،قــال إال
أن تــروا كف ـرًا بواح ـًا عنــدكم من اللــه فيــه برهــان"( .)1وقــال عليــه الصــالة والســالم " :من رأى من
أميره شيئًا فليصبر فإنــه من فــارق الجماعــة شــبرًا فمــات فميتتــه جاهليــة"( )2وقــال صــلى اللــه عليــه
وسلم " :من خلــع يــدًا من الطاعــة لقي اللــه يــوم القيامــة ال حجــة لــه"( )3وقــال " :أســمعوا وأطيعــوا
وإن أمر عليكم عبد حبشي"( )4وقال عليه الصالة والسالم" :على
المــرء المســلم الســمع والطاعــة فيمــا أحب وكــره إال أن يــؤمر بمعصــية فــإذا أمــر بمعصــية فال
سمع وال طاعة"( )1متفق عليه .وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :كنا مع النــبي صــلى اللــه
عليه وســلم في ســفر فنزلنـا مــنزًال فنـادى منـادي رســول اللـه صـلى اللـه عليـه وســلم الصـالة جامعــة
فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :إنــه مــا من نــبي بعثـه اللـه إال كـان حقـًا عليـه
( )1أخرجه البخاري /كتاب الفتن /باب قول النبي عليه الصالة والسالم" :سترون بعدي امورًا تنكرونهــا" ،
( )2البخاري /كتاب الفتن /باب قول النبي عليه الصالة والسالم" :سترون بعدي امورًا تنكرونها" ،ومسلم
/كتاب اإلمارة /باب وجوب مالزمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن.
( )3رواه مسلم /كتاب اإلمارة /باب وجوب مالزمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن.
( )4أخرجه البخاري /كتاب األحكام /باب السمع والطاعة لإلمام مالم تكن معصية.
( )1أخرجه البخاري /كتاب األحكام /باب الســمع والطاعــة لإلمــام مــالم تكن معصــية ،ومســلم /كتــاب
( )2مسلم /كتاب اإلمارة /باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء األول فاألول.
ولن يمكن ذلك حتى تتفق كلمتنا ونترك المنازعات بيننــا والمعارضــات الــتي ال تحقــق هــدفًا ،بــل
ربما تفوت مقصودًا وتعدم موجودًا.
إن الكلم ــة إذا تف ــرقت ،والرعي ــة إذا تم ــردت ،دخلت األه ــواء والض ــغائن وص ــار ك ــل واح ــد
يسعى لتنفيذ كلمته وإن تبين أن الحق والعدل في خالفها وخرجنا عن توجيهات الله تعالى حيث
يقول} :يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقائه وال تموتن إال وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل اللــه
جميع ـًا وال تفرقــوا واذكــروا نعمــة اللــه عليكم إذ كنتم أعــداء فــألف بين قلــوبكم فأصــبحتم بنعمتــه
إخوانًا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كــذلك يــبين اللــه لكم آياتــه لعلكم تهتــدون{.
{سورة آل عمران ،اآلية. }103 :
فإذا عرفت كل واحد ما له وما عليــه وقــام بــه على وفــق الحكمــة فــإن األمــور العامــة الخاصــة
تسير على أحسن نظام وأكمله.
األصل الرابع
بيان العلم والعلماء ،والفقه والفقهاء ،وبيان من تشبه بهم وليس منهم ،وقــد بين اللــه هــذا
األصــل في أول ســورة البقــرة من قولــه} :يــابني إســرائيل أذكــروا نعمــتي الــتي أنعمت عليكم وأوفــوا
إلى قولــه} :يــا بــني إســرائيل أذكــروا نعمــتي الــتي أنعمت {سـ ــورة البقـ ــرة ،اآليـ ــة}40 : بعهــدي أوف بعهــدكم{
عليكم وأني فضلتكم على العالمين{ { ،ســورة البقــرة ،اآليــة .}47 :ويزيــده وضـوحًا مــا صـرحت بــه الســنة في
ه ــذا الكالم الكث ــير ال ــبين الواض ــح للع ــامي البلي ــد ،ثم ص ــار ه ــذا أغ ــرب األش ــياء ،وص ــار العلم
والفقــه هــو البــدع والضــالالت ،وخيــار مــا عنــدهم لبس الحــق بالباطــل ،وصــار العلم الــذي فرضــه
الله تعالى على الخلق ومدحه ال يتفوه به إال زنديق أو مجنون ،وصــار من أنكــره وعــاداه وصــنف
في التحذير منه والنهي عنه هو الفقيه العالم.
الشـرح
قوله" :بيان العلم والعلماء ،والفقه والفقهاء . . .إلخ"
المراد بالعلم (*) هنا العلم الشرعي وهو :علم ما أنزل الله على رسوله من البينات والهدى"
والعلم الذي فيه المدح والثناء هو علم الشرع
علم ما أنزله الله على رســوله صـلى اللـه عليـه وســلم من الكتـاب والحكمـة قـال اللـه تعــالى :
}قل هل يستوي الذي يعلمون والذين ال يعلمون إنما يتذكر أولوا األلباب{ { ،سورة الزمر ،اآلية }9 :وقال
النبي صلى الله عليه وسلم " :من يــرد اللــه بــه خــيرًا يفقهــه في الــدين" ( )1وقــال النــبي صــلى اللــه
عليه وسلم " :إن األنبياء لم يورثوا دينارًا وال درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخــذه أخــذ بحــظ وافــر"
( )2ومن المعلوم أن الذي ورثه األنبياء إنما هو علم الشــريعة ،ومــع هــذا فنحن ال ننكــر ان يكــون
للعلوم األخرى فائدة ،ولكنها فائدة ذات حدين :إن أعانت على طاعة الله وعلى نصــر دين اللــه
وأنتفع بها عباد الله كانت خيرًا ومصلحة ،وقـد ذكـر بعض أهــل العلم أن تعلم الصـناعات فـرض
كفاية وهذا محل نظر ونزاع.
وعلى كل حــال فـالعلم الــذي الثنـاء فيـه وعلى طالبيـه هــو فقــه كتـاب اللـه وســنة رســوله صـلى
الله عليه وسلم ،وما عدا ذلك فإن كان وسيلة إلى
خ ــير فه ــو خ ــير ،وإن كــان وس ــيلة إلى ش ــر فه ــو ش ــر ،وإن لم يكن وس ــيلة له ــذا وه ــذا فه ــو
ضياع وقت ولغو.
والعلم له فضائل كثيرة:
(*) أنظر في هذا الكتاب الفذ لشيخنا "كتاب العلم" .وقد صدر حديثًا.
( )1أخرجــه البخــاري /كتــاب العلم /بــاب من يــرد اللــه بــه خــيرًا ،ومســلم /كتــاب الزكــاة /بــاب النهي عن
المسألة.
( )2أخرج ــه اإلم ــام أحم ــد ج ـ ـ 5ص ، 196وأب ــو داود ( )3641والترم ــذي ( )2681وابن ماج ــه ()223
والــدرامي ( )338والبغــوي في " شــرح الســنة" ج ـ 1ص 275بــرقم { ، }129والهيثمي في "م ـوارد الظمــآن" {
}80ن قال الحافظ في "الفتح" جـ 1ص " 160وله شواهد يتقوى بها".
منها :أن الله يرفع أهل العلم في اآلخرة وفي الدنيا ،أما في اآلخرة فإن الله يــرفعهم درجــات
بحســب مــا قــاموا بــه من الــدعوة إلى اللــه والعمــل بمــا عملــوا ،وفي الــدنيا يــرفعهم اللــه بين عبــاده
بحســب مــا قــاموا بــه قــال اللــه تعــالى} :يرفــع اللــه الــذين آمنــوا منكم والــذين أوتــوا العلم درجــات{
{سورة المجادلة ،اآلية. }11 :
ومنهــا :أنــه إرث النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم كمــا قــال النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم " :إن
األنبياء لم يورثوا دينارًا وال درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"(. )1
ومنهــا :أنــه ممــا يبقى لإلنســان بعــد مماتــه فقــد ثبت في الحــديث أن النــبي صــلى اللــه عليــه
وس ــلم ق ــال" :إذا م ــات العب ــد أنقط ــع عمل ــه إال ثالث ص ــدقة جاري ــة ،أو علم ينتف ــع ب ــه ،أو ول ــد
صالح"()2
ومنها :أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرغب أحدًا أن يغبط أحدًا على شــيء من النعم
إال على نعمتين هما:
-1طلب العلم والعمل به.
-2الغــني الــذي جعــل مالــه خدمــة لإلســالم ،فعن عبــد اللــه بن مســعود رضــي اللــه عنــه قــال
رس ــول اللــه صــلى اللــه عليــه وس ــلم " :ال حســد إال في أثنــتين رج ــل آنــاه اللــه مــاًال فســلطه على
هلكته في الحق ،ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (. )1
ومنهــا :أن العلم نــور يستضــيء بــه العبــد فيعــرف كيــف يعبــد ربــه وكيــف يعامــل غــيره ،فتكــون
مسيرته في ذلك على علم وبصيرة.
ومنهــا :أن العــالم نــور يهتــدي بــه النــاس في أمــور دينهم ودنيــاهم ،وال يخفى على كثــير من
الناس قصة الرجل الــذي من بــني إســرائيل قتـل تســعًا وتســعين نفسـًا فســأل رجًال عابــدًا هــل لــه من
توبــة .فكــأن العابــد أســتعظم األمــر فقــال" :ال" فقتلــه الســائل فــأتم بــه المئــة ،ثم ذهب إلى عــالم
( )1تقدم أنظر ص .164
( )2أخرجه مسلم /كتاب الوصية /باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته.
( )1رواه البخاري /كتاب العلم /باب االغتباط في العلم والحكمة ،ومسلم /كتاب المســافرين من كتــاب
( )1نص القصة :عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي اللــه عنــه أن رســول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم قال" :كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا فســأل عن أعلم أهــل األرض؛ فــدل على راهب
فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا فهل له من توبة؟ فقال :ال فقتله فكمل بــه امئــة ،ثم ســأل عن أعلم أهــل
األرض ،فــدل على رجــل عــالم فقــال :إنــه قتــل مئــة نفس فهــل لــه من توبــة؟ فقــال :نعم ؛ ومن يحــول بينــك وبين
التوبة؟! أنطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى فأعبد الله معهم ،وال ترجع إلى أرضــك فإنهــا
ارض ســوء ،فــأنطلق حــتى إذا نصــف الطريــق أتــاه المــوت فأختصــمت فيــه مالئكــة الرحمــة ومالئكــة العــذاب فقــالت
مالئكة الرحمة :جــاء تائبـًا مقبًال بقلبــه إلى اللــه تعــالى! وقــالت مالئكــة العــذاب ،إنــه لم يعمــل خــيرًا قــط ،فأتــاهم
ملــك في صــورة آدمي فجعلــوه بينهم-أي حكمـًا –فقــال قيسـوا مــا بين األرضــين فــإلى أيتهمــا كــان أدنى فهــو لــه ،
فقاسوا فوجدوه أدنى إلى األرض التي أراد فقبضته مالئكة الرحمة" وفي روايـة الصــحيح :فكـان إلى القريـة الصــالحة
أقــرب بشــبر فجعــل من أهلهــا" وفي روايــة في الصــحيح " :فــاوحى اللــه تعــالى إلى هــذه أن تباعــدي وإلى هــذه أن
تقـربي" .وقــال " :قيسـوا مــا بينهمــا ،فوجــدوه إلى هــذه أقــرب بشــبر فغفــر لــه" .وفي روايــة " :فنــأى بصــدره نحوهــا"
أخرجه البخاري /كتاب األنبياء /باب ما ذكر عن بـني إسـرائيل ،ومسـلم /كتـاب التوبـة /بـاب قبـول توبـة القاتـل
رقم { }48-47-46ج ـ ـ 4ص 2118ولمزي ــد من الفائ ــدة راج ــع ش ــرح فض ــيلة ش ــيخنا على ه ــذا الح ــديث في
"شرح رياض الصالحين"جـ / 1كتاب التوبة حديث رقم ( )21وال يزال العمل فيها جاٍر .
ه ــذا مع ــنى كالم المؤل ــف –رحم ــه الل ــه -وكأن ــه يش ــير إلى أئم ــة أه ــل الب ــدع المض ــلين ال ــذين
يلمــزون أهــل الســنة بمــا هم بريئــون منــه ليصــدوا النــاس عن األخــذ منهم ،وهــذا إرث الــذين طغــوا
من قبلهم وكذبوا الرسل كما قال الله تعالى} :كذلك مــا أتى الــذين من قبلهم من رســول اللــه إال
قالوا ساحر أو مجنون{ {سورة الذاريات ،اآليــة . }52 :قال الله تعالى } :أتواصـوا بــه بــل هم قـوم طـاغون{ .
{سورة الذاريات ،اآلية.}53 :
األصل الخامس
بيــان اللــه ســبحانه ألوليــاء اللــه وتفريقــه بينهم وبين المتشــبهين بهم من أعــداء اللــه المنــافقين
والفجار ،ويكفي في هذا آية من سورة آل عمران وهي قوله} :قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله{ {سورة آل عمران ،اآلية . }31 :اآلية ،و آية في سورة المائدة وهي قولــه} :يــا أيهــا الــذين آمنـوا
من يرتــد منكم عن دينــه فســوف يــأتي اللــه بقــوم يحبهم ويحبونــه{ {ســورة المائــدة ،اآليــة . }54 :اآليــة ،وآيــة
في ي ــونس وهي قول ــه } :أال إن أولي ــاء الل ــه ال خ ــوف عليهم وال هم يحزن ــون ال ــذين أمن ــوا وك ــانوا
،ثم صــار األمــر عنــد اللــه أكــثر من يــدعى العلم وأنــه من هــداة الخلــق {س ــورة ي ــونس ،اآلي ــة}62 : يتقــون{
وحفــاظ الشــرع إلى أن األوليــاء ال بــد فيهم من تــرك اتبــاع الرســل ومن تبعهم فليس منهم وال بــد
من ترك اتباع الرسل ومن تبعهم فليس منهم وال بد من ترك الجهاد فليس منهم ،وال بد من ترك
اإليمان والتقوى فمن تعهد باإليمان والتقوى فليس منهم يا ربنا نسألك العفو والعافية إنك سميع
الدعاء.
الشـرح
قوله" :بيان الله سبحانه ألولياء الله . . .إلخ"
أولياء الله تعالى هم الذين أمنوا به وأتقوه واستقاموا على دينه
وهم من وص ــفهم الل ــه تعـــالى بقولـــه } :أال إن أولي ــاء الل ــه ال خـــوف عليهم وال هم يحزنـــون
الذين آمنوا وكانوا يتقون{ فليس كل من يدعي الوالية يكــون وليـًا ،وإال لكــان كــل واحــد يــدعيها
،ولكن يوزن هــذا المــدعي للواليــة بعملــه ،إن كــان عملــه اإليمــان والتقــوى فإنــه ولي ،وإال فليس
بولي وفي دعواه الوالية تزكية لنفسه وذلك ينافي تقوى اللــه عــز وجــل ألن اللــه تعــالى يقــول} :فال
تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى{ {سورة النجم ،اآلية . }32 :فإذا أدعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفســه
وحينئــذ يكــون واقع ـًا في معصــية اللــه وفيمــا نهــاه اللــه عنــه وهــذا ينــافي التقــوى ،فأوليــاء اللــه ال
يزك ــون أنفس ــهم بمث ــل ه ــذه الش ــهادة ،وإنم ــا هم يؤمن ــون بالل ــه ويتقون ــه ،ويقوم ــون بطاعت ــه س ــبحانه
وتعالى على الوجه األكمل ،وال يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن س ــبيل
اللــه تعــالى .فهــؤالء الــذين يــدعون أنفســه أحيانـًا اســيادًا ،واحيانـًا أوليــاء لــو تأمــل اإلنســان مــا هم
عليــه لوجــدهم أبعــد مــا يكونــون عن الواليــة والســيادة فنصــيحتي إلخــواني المســلمين أن ال يغــترون
بمدعي الوالية حتى يقيسوا حاله بما جاء في النصوص في أوصاف األولياء
وواليته بما ساقه من اآليات :
اآليــة األولى :قولــه تعــالى في آل عمــران } :قــل إن كنتم تحبــون اللــه فــاتبعوني يحببكم اللــه{
وهذه اآلية تسمى آية المحنة أي األمتحــان حيث أدعى قــوم محبــة اللــه تعــالى {ســورة آل عمــران ،اآليــة}31 :
فأنزل الله هذه اآلية فمن أدعى محبة الله تعالى نظرنا في عمله فإن كان متبعًا لرسول الله صــلى
الله عليه وسلم فهو صادق وإال فهو كاذب.
اآليــة الثانيــة :قولــه تعــالى في المائــدة} :يــا ايهــا الــذين آمنــوا من يرتــد منكم عن دينــه فســوف
يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه{ { ،سورة المائــدة ،اآليــة . }54 :اآليتين فوصفهم بأوصاف هي عالمــة المحبــة
وثمراتها :
الوصف األول :أنهم أذلة على المؤمنين فال يحاربونهم وال يقفون ضدهم وال ينابذونهم.
الوصف الثاني :أنهم أعزة على الكافرين أي أقوياء عليهم غالبون لهم.
الوصف الثالث :أنهم يجاهدون في سبيل الله أي يبذلون الجهد في قتـال أعـداء اللـه لتكــون
كلمة الله هي العليا.
الوصف الرابع :أنهم ال يخافون في الله لومة الئم .أي إذا المهم أحد على مــا قــاموا بــه من
دين الله لم يخافوا لومته ،ولم
يمنعهم ذلك من القيام بدين الله ع وجل.
اآلية الثالثة :قوله تعالى في يونس} :أال إن أولياء الله ال خوف عليهم وال هم يحزنــون الــذين
فبين الله تعالى أن أولياء الله تعالى هم الذين اتصــفوا بهــذين {سورة يونس ،اآلية.}62 : آمنوا وكانوا يتقون{
الوصفين :اإليمـان والتقــوى فاإليمـان بــالقلب ،والتقــوى بــالجوارح ،فمن أدعى الواليــة ولم يتصـف
بهذين الوصفين فهو كاذب.
ثم إن الشيخ-رحمه الله-بين أن األمر صار على العكس عند أكثر من يدعى العلم وأنه من
هداة الخلق وحفاظ الشرع فالولي عنده من ال يتبع الرسل وال يجاهد في سبيل الله وال يــؤمن بــه
وال يتقيه.
ويحس ــن بن ــا أن ننق ــل هن ــا م ــا كتب ــه ش ــيخ اإلس ــالم ابن تيمي ــة رحم ــه الل ــه تع ــالى في رس ــالته:
"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" ( )1ونسوق ما تيسر منها:
قال رحمه الله" :-وقد بين سبحانه وتعــالى في كتابــه وســنة رســوله صــلى اللــه عليــه وســلم أن
لله أولياء من الناس ،وللشيطان أولياء ،ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان} :أال إن أوليــاء
الله ال خوف عليهم وال هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا
يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ال تبديل لكلمات الله ذلك الفــوز العظيم{
وذكــر أوليــاء الشــيطان فقــال تعــالى }:فــإذا قــرأت القــرآن فاســتعذ باللــه من {ســورة يــونس ،اآليــات.}64-62 : "
الشــيطان فقــال تعــالى } :فــإذا قــرأت القــرآن فاســتعذ باللــه من الشــيطان الــرجيم إنــه ســلطانه على
الذين يتولونــه والــذين هم بــه مشــركون{ {ســورة النحــل ،اآليــات .}100-98 :فيجب أن يفــرق بين هــؤالء وهــؤالء
كمــا فــرق اللــه ورســوله بينهمــا ،فأوليــاء اللــه هم المؤمنــون المتقــون . . . .وهم الــذين آمنــوا بــه
ووال ــوه ،ف ــأحبوا م ــا يحب ،وابغض ــوا م ــا يبغض ،ورض ــوا بم ــا يرض ــى ،وس ــخطوا بم ــا يس ــخط ،
ومنعوا من يحب أن يمنع فال يكون وليًا لله إال من آمن به وبما جــاء بــه ،واتبعــه باطنـًا وظـاهرًا ،
ومن أدعى محبة الله واليته وهو لم يتبعه أي الرســول فليس من أوليــاء اللــه ،بــل من خالفــه كــان
من أعــداء اللــه وأوليــاء الشــيطان قــال تعــالى } :قــل إن كنتم تحبــون اللــه فــاتبعوني يحببكم اللــه{
فالن ــاس متفاض ــلون في والي ــة الل ــه ع ــز وج ــل بحس ــب تفاض ــلهم في األيم ــان {سـ ــورة آل عمـ ــران ،اآليـ ــة }31 :
قول ــه " :رد الش ــبهة ال ــتي وض ــعها الش ــيطان في ت ــرك الق ــرآن والس ــنة واتب ــاع اآلراء واأله ــواء
المتفرقة المختلفة. . . .إلخ"
االجتهاد لغة :بذل الجهد إلدراك أمر شاق.
واصطالحًا :بذل الجهد إلدراك حكم شرعي.
واالجتهاد له شروط منها- :
-1 -1أن يعلم من األدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات األحكام وأحاديثها.
-2 -2أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه كمعرفة اإلسناد ورجاله وغير ذلك.
-3 -3أن يع ـ ــرف الناس ـ ــخ والمنس ـ ــوخ ومواقـ ــع اإلجمـ ــاع ح ـ ــتى ال يحكم بمنس ـ ــوخ أو مخـ ــالف
لالجماع.
-4 -4أن يعرف من األدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص أو تقييد أو نحوه حتى ال يحكم
بما يخالف ذلك
-5 -5أن يعــرف من اللغــة وأصـول الفقــه مــا يتعلـق بــدالالت األلفــاظ كالعــام والخـاص ،والمطلـق
والمقيد ،والمجمل والمبين ونحو ذلك ليحكم بما تقتضيه تلك الدالالت.
-6 -6أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط األحكام من أدلتها.
واالجتهاد يتجزأ فيكون في بــاب واحــد من أبــواب العلم ،أو في مســألة من مســائلة ،والمهم أن
المجتهد يلزمه أن يبذل جهــده في معرفـة الحـق ثم يحكم بمـا يظهــر لــه فـإن أصـاب فلـه أجــران :
أجر على أجتهاده وأجر على إصابة الحق ؛ ألن في إصابة الحق إظهارًا له وعمًال به ،وإن أخطأ
فلــه أجــر واحــد والخطــأ مغفــور لــه لقولــه صــلى اللــه عليــه وســلم ":إذا حكم الحــاكم فاجتهــد ثم
أصــاب فلــه أجــران ،وإذا حكم فاجتهــد ثم أخطــأ فلــه أجــر" ( )1وإن لم يظهــر لــه الحكم وجب
عليه التوقف وجاز التقليد حينئذ للضرورة لقوله تعالى} :فاســألوا أهــل الــذكر إن كنتم ال تعلمــون{
{ســورة النحــل ،اآليــة . }43 :ولهذا قال شيخ اإلسالم ابن تيميــة رحمــه اللــه ":إن التقليــد بمنزلــة أكــل الميتــة
فإذا إستطاع أن يستخرج الدليل بنفسه فال يحل له التقليد" وقال ابن القيم رحمه الله في النونيــة
:العلم معرفة الهدى بدليل ما ذاك والتقليد يستويان
والتقليد يكون في موضعين:
األول :أن يكــون المقلــد عاميـًا ال يســتطيع معرفــة الحكم بنفســه ففرضــه التقليــد لقولــه تعــالى:
}فاسألوا أهل الذكر إن
( )1رواه البخــاري /كتــاب األعتصــام /بــاب أجــر الحــاكم إذا أجتهــد فأصــاب أو أخطــأ ،ومســلم /كتــاب