Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 14

‫المبحث التمهيدي ‪ :‬تطور التدوين التاريخي‬

‫المطلب األول ‪ :‬نبذة عن التدوين‬

‫‪ _1‬تعريف التدوين التاريخي‬

‫‪ 1_1‬تعريف التدوين ‪:‬‬

‫من فعل دّو ن أي كتب ‪ ،‬ويقول أبي بكر الرازي ‪ " :‬الديوان بالكسر ‪ ،‬وقد دوّنت‬
‫الدواوين تدوينا " ‪ ،1‬أما الجوهري يقول ‪ :‬أن أصل الديّو ان دّو ان ‪ ،‬فعوض من إحدى الواوين‬
‫ألنه يجمع على دواوين ‪ ،‬ولو كانت الياء أصلية لقالوا دياوين ‪،‬وقد دّو نت الدواوين ‪ ،2‬بينما‬
‫يقول ابن منظور أن الّد يوان هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء ‪. 3‬‬

‫أما فيروز أبادي فيقول ‪ :‬الّد يوان مجتمع الصحف ‪ ،‬والكتاب يكتب فيه أهل‬
‫الجيش ‪،‬وأهل العّطية ‪ ،4‬واجتمع كل من ابن منظور وفيروز أبادي على أن أول من ّد ون‬
‫الّد يوان هو عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه ‪ ،5‬ومن خالل بعض التعريفات التي وّر دت في‬
‫المصادر يتضح أن لفظة دّو ن من الديوان ‪.‬‬

‫تعريف التاريخ‬

‫لغة ‪ :‬تدل كلمة التاريخ أو التأريخ في اللغة العربية على االعالم بالوقت ‪ ، 6‬مضافا اليه‬
‫ما وقع في ذلك الوقت من أخبار ووقائع وهذا بالمعنى اللغوي والقديم ‪. 7‬‬

‫‪ - 1‬الرازي (محمد بن أبي بكر بن عبد القادر)‪ ،‬مختار الصحاح ‪ ،‬د‪ .‬ط ‪ ،‬مكتبة لبنان ‪ ،‬لبنان ‪1989 ،‬م ‪ ،‬ص ‪190‬‬
‫‪ -2‬الجوهّر ي ( أبي نصر إسماعيل بن حّماد ) ‪ ،‬الصّحاح الّلغة و صّح اح العربية ‪ ،‬مرا‪ :‬محمد محمد ثامر وآخرون ‪ ،‬د‪ .‬ط ‪،‬‬
‫دار الحديث ‪ ،‬القاهرة ‪1430 ،‬هـ ‪ 2009 /‬م ‪ ،‬ص ‪396‬‬
‫‪- 3‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬تح ‪ :‬عبد هللا علي الكبير و آخرون ‪ ،‬د‪ .‬ط ‪ ،‬د‪ .‬س ‪ ،‬ص ‪1362‬‬
‫‪ - 4‬الفيروز أبادي ( مجد الدين محّمد بن يعقوب ) ‪ ،‬القاموس المحيط ‪ ،‬تح ‪ :‬محمد نعيم العرقسوسي ‪ ،‬ط ‪ ،8‬مؤسسة الرسالة‬
‫‪1326 ،‬هـ ‪2005 /‬م ‪ ،‬ص ‪1197‬‬
‫‪ - 5‬ابن منظور ‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 1362‬الفيروز أبادي ‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪1197‬‬
‫‪ - 6‬محمد بن صامل السلمي ‪ ،‬منهج كتابة التاريخ اإلسالمي وتدريسه ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الوفاء منصورة ‪ ،‬القاهرة ‪ 1408 ،‬هـ ‪/‬‬
‫‪1988‬م ‪ ،‬ص‪47‬‬
‫‪ - 7‬خاليد فؤاد طحطح ‪ ،‬في فلسفة التاريخ ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬منشورات االختالف الجزائر ‪ ،‬الجزائر ‪1430 ،‬هـ ‪2009 /‬م ‪ ،‬ص‬
‫‪17‬‬
‫وقال الجوهري ‪ " :‬التاريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله ‪ ،‬وأّر خت الكتاب بيوم‬
‫كذا ‪،‬ووّر خت بمعنى " ‪ ،1‬بينما السخاوي ‪ " :‬هو اإلعالم بالوقت يقال أرخت الكتاب ووّر خته‬
‫أي بينت وقت كتابته " ‪ ، 2‬أما حسب ابن منظور هو التعريف بالوقت فيقول ‪ " :‬تأريخ ‪:‬‬
‫تعرف بالوقت والتوريخ مثله ‪ ،‬أّر خ كتاب ليوم كذا ‪ ...‬ابن برزخ ‪ :‬أرخت الكتاب فهو‬
‫مؤرخ ‪ ،‬وفعلت منه أرخت أرخا وأنا أرخ " ‪. 3‬‬

‫ويعتبر الدين اإلسالمي أن التاريخ أساسا في عقيدته ‪ ،4‬قال اهلل تعالى ‪ { :‬لقد كان في‬
‫قصصهم عبرة ألولى األلباب }‪ ،5‬وقال أيضا ‪ { :‬ومثال من الذين خلو من قبلهم وموعظة‬
‫للمتقين}‪ ، 6‬وقال أيضا ‪ { :‬كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } ‪ ، 7‬وتدل هذه اآليات على‬
‫اهتمام القرآن الكريم بالتاريخ بمعرفة األمم السالفة ‪ ،‬وبعض أعمال أنبيائها‪ ،‬وصلحائها ‪،‬‬
‫وأخبار ملوكها ‪ ،‬وطغاتها ‪ ،‬وبذلك يكون القرآن الكريم هو أول كتاب تاريخي عربي إسالمي‬
‫أتى ممهدا للمسلمين سبل تكوين التواريخ العامة ‪. 8‬‬

‫اصطالحا‪:‬‬

‫اختلفت عبارات العلماء المسلمين في تحديد تعريف للتاريخ ‪ ،‬ولعل ذلك راجع الى‬
‫سعة الموضوعات التي تدخل في مفهومه ‪ ،‬ففي القرون الثالثة األولى للهجرة لم يدونوا‬
‫تعريفا كامال له ‪ ،‬بل اكتفوا بذكر فوائده وأغراضه ‪. 9‬‬

‫‪ - 1‬الجّو هري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪34‬‬


‫‪ - 2‬سخاوي ‪ ( ،‬محمد بن عبد الرحمن بن محمد شمس الدين السخاوي ) ‪ ،‬اإلعالن بالتوبيخ لمن ّذ م التاريخ ‪ ،‬تر‪ :‬صالح‬
‫أحمد العّلي ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪1407 ،‬هـ ‪1986 /‬م ‪ ،‬ص ‪16‬‬
‫‪ - 3‬ابن منظور ‪ ( ،‬أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور اإلفريقي المصري ) ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬د‪ .‬ط ‪،‬‬
‫أدب حوزة فم ‪ ،‬إيران ‪ 1405 ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪04‬‬
‫‪ - 4‬عبد الرحمن حسين العزاوي ‪ ،‬التاريخ والمؤرخون في العراق ( ‪334‬هـ _ ‪ 447‬هـ ‪945 /‬م _ ‪1055‬م ) ‪ ،‬د‪.‬ط ‪،‬‬
‫دار الشؤون الثقافية العامة ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬العراق ‪1993 ،‬م ‪ ،‬ص‪38‬‬
‫‪ - 5‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة يوسف ‪ ،‬اآلية ‪111‬‬
‫‪ - 6‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة النور ‪ ،‬اآلية ‪34‬‬
‫‪ - 7‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة طه ‪ ،‬اآلية ‪99‬‬
‫‪ - 8‬حسين العزاوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪38‬‬
‫‪ - 9‬محمد بن صامل السلمي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪48‬‬
‫ظهر هذا المصطلح في الثقافة العربية اإلسالمية ‪ 1‬بوضع عمر بن الخطاب رضي اهلل‬
‫عنه للتقويم الهجري ‪ ،2‬ونسب له وضع التاريخ ‪ ،3‬وذلك من خالل رفع أبا موسى األشعري‬
‫‪ " :‬أنه تأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب ليس لها تاريخ ‪ ،‬فال ندري على أيها نعمل " ‪،‬‬
‫وروي أيضا أنه قرأ صكا محله شعبان فقال أي الشعابين الماضي أم األتي ‪ ،4‬وهذا النص‬
‫يشير الى أن التاريخ بمعنى الوقت كما كان معموال به في أيام عمر بن الخطاب رضي اهلل‬
‫عنه ‪ ،‬ولكنه اقتصر على ذكر الشهر دون السنة ‪. 5‬‬

‫وهناك الكثير من العلماء والمؤرخين قد وضعوا تعريفا لهذا األخير ‪ ،‬نذكر منها ‪:‬‬
‫قول العالمة ابن خلدون ‪ " :‬إن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله األمم واألجيال ‪ ،‬وتشد‬
‫إليه الركايب والرحال ‪ ، ...‬إذا هو في ظاهره ال يزيد على أخبار عن األيام والدول‬
‫السوابق ‪ ، ...‬وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق ‪ ،‬وعلم بكيفيات‬
‫الوقائع ‪ ،‬وأسبابها عميق ‪ ،6 "...‬وبهذا فان التاريخ عند مؤسس فرع فلسفة التاريخ هو‬
‫تحليل ‪ ،‬وتعليل للوقائع ‪ ،‬واألحداث ‪ ،‬وال يقتصر على ذكرها فقط ‪.‬‬

‫بينما يعرفه السخاوي ‪ :‬هو التعريف بالوقت الذي تضبط به األحوال من مولد الرواة ‪،‬‬
‫واألئمة ‪ ،‬ووفاة ‪ ،‬وصحة ‪ ،‬وعقل ‪ ،‬وبدن ‪ ،‬ورحلة الحج ‪ ،‬وحفظ ‪ ،‬وتوثيق ‪ ،‬وتصحيح ‪،‬‬
‫وما أشبه هذا مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم ‪ ،‬وحالهم ‪ ،‬واستقبالهم ‪ ،‬ويلتحق‬
‫به ما يتفق من الحوادث ‪ ،‬والوقائع الجليلة ‪ ، ...‬وغير ذلك من أمور األمم الماضية ‪ ، 7‬أما‬

‫‪ - 1‬محي الدين عبد الحسين عرار ‪ ،‬التدوين التاريخي في العصر اليوناني وصدر اإلسالم ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار اإلعصار العلمي ‪،‬‬
‫عمان ‪ 1437 ،‬هـ ‪ 2016 /‬م ‪ ،‬ص‪22‬‬
‫‪ - 2‬شاكر مصطفى ‪ ،‬التاريخ العربي والمؤرخون ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ط ‪ ، 3‬دار العلم للماليين ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪1983 ،‬م ‪ ،‬ص‪64‬‬
‫‪ - 3‬محي الدين عبد حسين عرار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪22‬‬
‫‪ - 4‬الصولي ( أبي بكر محمد بن يحي ) ‪ ،‬أدب الكتاب ‪ ،‬تص وتع ‪ :‬محمد بهجة األثري ‪ ،‬د‪ .‬ط ‪ ،‬المطبعة السلفية ‪ ،‬مصر ‪،‬‬
‫‪ 1341‬هـ ‪ ،‬ص‪ ،‬ص ‪180 ، 179‬‬
‫‪ - 5‬محي الدين عبد الحسين عرار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪22‬‬
‫‪ - 6‬عبد الرحمن ابن خلدون ‪ ،‬المقدمة ‪ ،‬مرا ‪ :‬سهيل زكار ‪ ،‬ضبط ‪ :‬خليل شحادة ‪ ،‬د‪ .‬ط ‪ ،‬دار الفكر للطباعة والتوزيع ‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ 1421 ،‬هـ ‪2001 /‬م ‪ ،‬ص ‪06‬‬
‫‪ - 7‬السخاوي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪18‬‬
‫الخليفة خياط فيقول " هذا الكتاب التاريخ ‪ ،‬وبالتاريخ عرف الناس أمر حجهم ‪ ،‬وصومهم ‪،‬‬
‫وانقضاء عدد نسائهم ‪ ،‬ومحل ديونهم " ‪. 1‬‬

‫أما المقريزي يقول ‪ " :‬إن علم التاريخ من أجل العلوم قدرا ‪ ،‬وأشرفها عند العقالء‬
‫مكانة ‪ ،‬خطرا لما يحويه من المواعظ ‪ ،‬واإلنذار بالرحيل إلى اآلخرة عن هذه الدار ‪،‬‬
‫والطالع على مكارم األخالق ليقتدي بها ‪ ، 2 "...‬فبذلك فان التاريخ عند المقريزي هو‬
‫‪3‬‬
‫اإلخبار عما حدث في العالم الماضي ‪.‬‬

‫ومن خالل بعض التعريفات التى وردت في المصادر يتضح لنا أن التاريخ هو البحث‬
‫‪ ،‬ودراسة ألخبار الناس ‪ ،‬وحركتهم ‪ ،‬وأحوالهم الماضية ‪ ،‬أما موضوعه فهو الحياة‬
‫اإلنسانية في امتدادها الزمني على األرض منذ بدء الخلق إلى اليوم ‪ ،‬وما يحكم هذه الحياة‬
‫‪4‬‬
‫من عوامل ‪ ،‬وأسباب ‪.‬‬

‫‪ 2_1‬عوامل التدوين التاريخي ‪:‬‬

‫لما جاء االسالم انتشرت في بالد المسلمين حركة تاريخية واسعة النطاق تركت في‬
‫اثرها مادة تاريخية ضخمة ‪ ،‬وقد كان لذلك الجهد بواعث هامة ودوافع رئيسية جعلت هذا‬
‫العلم "علم التاريخ " يصبح من أهم العلوم عند المسلمين ‪ ،‬ومن أهمها مايلي ‪:‬‬

‫‪ _1‬حاجة المسلمين في تفسير األيات القرآنية الى معرفة مناسباتها وسبب نزولها ‪،‬‬
‫والموضع التي نزلت فيه (مكي ‪ ،‬مدني ‪ ،‬ليلي ‪ ،‬نهاري ) ‪ ،‬وما الى ذلك مما يسمى ماحول‬
‫النص ‪ ،‬ولمعرفة هذه األشياء تحتاج إلى بحث تاريخي في حوادث اإلسالم ‪ ،‬وبذلك يكون‬
‫‪5‬‬
‫التفسير من العوامل التي دعت الى التدوين التاريخي ‪.‬‬
‫‪ - 1‬خليفة بن خياط ( أبي عمرو خليفة بن خّياط بن أبي هبيرة اليثي العصفري ملقب شباب ) ‪ ،‬تاريخ خليفة بن خياط ‪،‬‬
‫مرا ‪،‬وضب ‪ :‬مصطفى نجيب فواز وحكمت كشلي فّو از ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪1415 ،‬هـ ‪1995 /‬م‬
‫‪ ،‬ص‪13‬‬

‫‪ -2‬تقي الدين المقريزي ( تقي الدين أحمد علّي بن عبد القادر المقريزي ) ‪ ،‬المواعظ االعتبار في ذكر الخطط واآلثار ‪ ،‬تح‪:‬‬
‫أيمن فؤاد سّيد ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬مؤسسة الفرقان للتراث اإلسالمي ‪ ،‬لندن ‪1416 ،‬هـ ‪1995 /‬م ‪ ،‬ص ‪04‬‬
‫‪ - 3‬خاليد فؤاد طحطح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪17‬‬
‫‪ - 4‬نفسه‬
‫‪ - 5‬حسين نصار ‪ ،‬نشأة التدوين التاريخي عند العرب ‪ ،‬د‪ .‬ط ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪08‬‬
‫‪ _2‬اهتمام المسلمين بسيرة ومغازي النبي صلي اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وبذلك ليفسروا بها‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬واالسترشاد بها في أحكام الدين ‪ ،‬واالعتماد عليها في التشريع كمصدر ثان‬
‫بعد القرآن ‪ ،1‬كذلك لالقتداء بالرسول صلى اهلل عليه وسلم في أفعاله ‪ ،‬واالستناد اليها في‬
‫سلوك السوي في الحياة ‪ ،‬كما أن غزواته صلى اهلل عليه وسلم وغزوات أصحابه كانت لون‬
‫من ألوان المعرفة المعرفة التي تبصر الناس بحياة نبيهم لما ترتب عليها من أحكام ‪ ، 2‬قال‬
‫اهلل تعالى ‪ { :‬لقد كان لكم في رسول اهلل اسوة حسنة لمن كان يرجوا اهلل واليوم اآلخرة‬
‫وذكر اهلل كثيرا }‪ ، 3‬ولتحقيق هذه الحاجة بدأ العمل في جمع وتدوين السيرة النبوية الشريفة‬
‫‪.‬‬

‫‪ _ 3‬رغبة الخلفاء في االطالع على سياسيات الملوك ليعرفوا كيف يسوسون‬


‫شعوبهم ‪ ،‬خاصة بعد أن تعدّد ت المشكالت السياسية ‪ ،‬واالجتماعية ‪ ،‬واالقتصادية ‪،‬‬
‫وغيرها في الدول العربية وتشعبت مشكالت شؤونها ‪. 4‬‬

‫وقد ذكر المسعودي أن معاوية كان يستمر إلى ثلث ليل يستمع الى أخبار العرب‬
‫وأيامها والعجم وملوكها ‪ ،‬وسياستها لرعيتها وسير ملوك األمم وحروبها ومكايدها‬
‫وسياسيتها لرعيتها وغير ذلك من أخبار األمم السالفة ‪ ، ...‬ثم يدخل فينام ثلث الليل ثم يقوم‬
‫فيقعد فيحضر الدفاتر سلوك الملوك وأخبارها والحروب والمكايد ‪ ،‬فيقرأ ذلك غلمان له‬
‫مرتبون ‪ ،‬وقد وكلوا بحفظها وقراءتها ‪ ،‬فتمر بسمعه كل ليلة جملة من األخبار والسير‬
‫واألثار وأنواع السياسات ‪ ،‬ثم يخرج فيصلي الصبح ‪ ،‬ثم يعود فيفعل ذلك كل يوم ‪.5‬‬

‫‪ - 1‬شوقي الجمل ‪ ،‬علم التاريخ نشأته وتطوره ووضعه بين العلوم األخرى ومناهج البحث فيه ‪ ،‬د‪ .‬ط ‪ ،‬المكتب المصري‬
‫لتوزيع المطبوعات ‪ ،‬ص ‪28‬‬
‫‪ - 2‬نجيب بن خيرة ‪ ،‬التدوين التاريخي عند المسلمين دوافعه وتطّو راته خالل القرون الثالثة األولى للهجرة ‪ ،‬جامعة األمير‬
‫عبد القادر ‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬ص ‪ ،‬ص ‪149 ، 148‬‬
‫‪ - 3‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة األحزاب اآلية ‪21 ،‬‬
‫‪ - 4‬شوقي الجمل ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪29‬‬
‫‪ - 5‬المسعودي ‪ ،‬مروج الذهب ومعادن الجوهر ‪ ،‬مرا ‪ :‬كمال حسن مرعي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ط ‪ ، 1‬المكتبة العصرية ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫‪2005‬م ‪ ،‬ص ‪32‬‬
‫‪ _4‬تقدير الجزية والخراج ‪ ،1‬عن طريق معرفة فتوح البلدان وذلك ألغراض ودوافعه‬
‫‪ ،‬وما يترتب عن ذلك من حقوق‬ ‫‪3‬‬
‫شرعية ‪ ، 2‬وتمييز بين ما فتح صلحا وما فتح عنوة‬
‫بالنسبة لتقدير قيمة الخراج المفروض على األرض ‪ ،‬وأدى هذا إلى ظهور نمط من كتابة‬
‫التاريخية يهتم بفتوح البلدان بقصد التعرف على ظروف الفتح ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك كتاب "‬
‫فتوح مصر أخبارها " لعبد الرحمن بن عبد الحكم ‪ ،‬وجاء هذا النمط من الكتابة التاريخية‬
‫استجابة للحاجات التي نجمت عن حركة الفتوح اإلسالمية‪. 4‬‬

‫‪ _5‬نظام العطاء والجند ‪ ،‬كان مرتبا حسب األنساب ‪ ،‬وحسب األسبقية إلى اإلسالم ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وقد استلزم شؤون الدولة المالية االهتمام بهذا النوع من التاريخ فظهرت كتب الطبقات‬

‫‪ -6‬الحركة الشعوبية ‪ :6‬إن تميز العرب عرقيا وسياسيا وعسكريا كان يمنحهم‬
‫امتيازات ومصالح ومنافع مادية اقتصادية واسعة ‪ ،‬هذا التميز الذي عرفه العرب جعلهم‬
‫محط اهتمام أبناء الشعوب األخرى ‪ ،‬ومحاولة تحطيمهم للمشاركة في المكاسب المادية‬
‫والغنائم الحكم واستغالل الطبقات الدنيا في المجتمع ‪. 7‬‬

‫والشعوبيون هم الذين يحقدون على العرب اليرون لهم فضال عن غيرهم ‪ ،‬فيصغرون‬
‫شأنهم ويهاجمون رسالتهم ويصفونهم بأحقر األوصاف ‪ ،‬وكانت وسيلتهم للوصول إلى‬
‫غايتهم هو التشويه والدس على العرب يغمر تاريخهم وإ براز مقالبها وتقصيها ‪. 8‬‬

‫‪ - 1‬شوقي الجمل ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪29‬‬


‫‪ - 2‬نجيب بن خيرة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪149‬‬
‫‪ - 3‬حسين نصار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪10‬‬
‫‪ - 4‬محي الدين عبد حسين عرار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪155‬‬
‫‪ - 5‬شوقي الجمل ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ،‬ص ‪30 ،29‬‬
‫‪ - 6‬الحركة الشعوبية ‪ :‬من ناحية اللغوية ‪ :‬هي كلمة مشتقة من لفظة شعب ‪ ،‬أما في اصطالح ‪ :‬هي حركة ديناميكية عنيفة‬
‫أفرزتها عوامل عديدة في المجتمع اإلسالمي بين القرنيين األول والثاني للهجرة ‪ ،‬و العودة إلى الماضي الشعوب والتفاخر‬
‫بعصبيتها الجغرافية التاريخية ‪ ،‬ظاهرها فكري عاطفي ‪ ،‬بينما تستقي جذورها من عوامل مادية اقتصادية واسعة وهذا‬
‫هو سر فاعليتها النشيطة ‪ ،‬مصطفى شاكر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 68‬نجيب بن خيرة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‬
‫‪150‬‬
‫‪ - 7‬مصطفى شاكر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪68‬‬
‫‪ - 8‬نجيب بن خيرة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪150‬‬
‫‪ _ 7‬ظهور الورق ‪ :‬تعتبر مادة الورق من بين العوامل التي ساعدت التدوين‬
‫التاريخ ‪ ،‬عرف العرب صناعة هذه المادة منذ أوائل القرن الثاني للهجرة ‪ ، 1‬حيث كان‬
‫ناس قبل ذلك يكتبون على جلد ‪ ،2‬والرقاع‪ ، 3‬والعسب ‪ ، 4‬واللخاف ‪ ، 5‬وغيرها ‪ ،‬وظهرت‬
‫هذه المادة ( الورق ) ألول مرة في الصين ‪ ،‬ثم انتقلت إلى سمرقند في بالد ما وراء‬
‫النهرين ‪.‬‬

‫ولما فتح المسلمون هذه البالد سنة ( ‪ 94‬هـ ‪712 /‬م ) تعلموا هذه الصناعة ‪ ،‬ثم لم‬
‫يلبثوا أن أدخلوا عليها تحسينات جوهرية ‪ ،‬فاستخرجوا الورق من الكتان ‪ ،‬والنباتات ذات‬
‫األلياف ‪ ،‬كما استخرجوه من الخرق القطنية التي تحتاج صناعته منها إلى مهارة يدوية‬
‫حرفية عالية ‪ ،‬ومن سمرقند التي امتازت بكاغدها ( كاغد سمرقند ) ‪ ،‬نقل المسلمون‬
‫صناعة الورق إلى بغداد إذ تمكن الفضل بن يحي البرمكي والي الخليفة هارون رشيد على‬
‫خرسان من تأسيس أول مصنع للورق في مدينة بغداد عام ( ‪178‬هـ ‪794 /‬م ) ‪ ،‬وقد‬
‫أعانت هذه الصناعة بشكل واضح حاسم على نقل التدوين الفكري من الذاكرة إلى شكل‬
‫مكتوب ‪. 6‬‬

‫‪ 3_1‬العالقة بين التأليف والتصنيف والتدوين ‪:‬‬

‫‪ - 1‬شاكر مصطفى ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪69‬‬


‫‪ - 2‬مقصود به جلد الحيوانات ( مثل ‪ :‬اإلبل ‪ ،‬البقر وغيرها )‬
‫‪ - 3‬الرقاع ‪ :‬جمع رقعة ‪ ،‬وتكون من جلد أو قماش ‪ ،‬محمد حسين محاسنه ‪ ،‬أضواء على تاريخ العلوم عند المسلمين ‪ ،‬ط ‪1‬‬
‫‪ ،‬دار الكتاب الجامعي ‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة ‪2000 ،‬م ‪2001 /‬م ‪ ،‬ص ‪45‬‬
‫‪ - 4‬العسب ‪ :‬جمع عسيب وهو طرف الجريد العريض ‪ ،‬ويأخذ من النخيل ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ن‪ .‬ص‬
‫‪ - 5‬اللخاف ‪ :‬جمع لخفة وهي الحجارة الرقيقة ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ن‪ .‬ص‬
‫‪ -‬نجيب بن خيرة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪151‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪ _1‬تعريف التأليف ‪:‬‬

‫لغة ‪ :‬ألف بمعنى جمع بين شيئين بعد التفرق فتألفا وأتلفا ‪ ،‬ويقال ألف مؤلفة أي‬
‫مكمّلة ‪ ،‬تألفه على اإلسالم ومنه المؤلفة قلوبهم ‪ ، 1‬قال اهلل تعالى ‪ِ {:‬إِليَٰل ِف ُقَر ۡي ٍش (‪ِ )1‬إۦَٰل ِفِه ۡم‬
‫ِر ۡح َلَة ٱلِّش َت ٓاِء َو ٱلَّص ۡي ِف (‪ ، 2 } )2‬ألف قريش الرحلتين فتتصال وال تنقطعا ‪ ، 3‬وقال أيضا ‪{ :‬‬
‫َو َأَّلَف َب ۡي َن ُقُلوِبِه ۚۡم َلۡو َأنَفۡق َت َم ا ِفي ٱَأۡلۡر ِض َج ِم يٗع ا َّمٓا َأَّلۡف َت َب ۡي َن ُقُلوِبِه ۡم َو َٰل ِكَّن ٱَهَّلل َأَّلَف َب ۡي َن ُهۚۡم ِإَّن ُهۥ‬
‫َع ِز يٌز َح ِك ي‪ٞ‬م (‪ ، 4})63‬أي جمع بين قلوب المهاجرين واألنصار ‪ ، 5‬ويقول ابن فارس ألفت‬
‫الشيء ألفه ‪ ،‬األلفة مصدر االئتالف ‪ ،‬والفك الذي كل شيء ضممت بعضه إلى بعض فقد‬
‫ألفته تأليفا ‪. 6‬‬

‫بينما يقول الفيروز آبادي ‪ :‬وكان تجار قريش يختلفون إلى هذه األمصار بجبال‬
‫هذه ‪ ،...‬وألف بينهما تأليفا ‪ ،‬أوقع األلفة وألفا خطها واأللف كمله ‪ ،‬والمؤلفة قلوبهم من‬
‫سادة العرب ‪،‬أمر النبي صلى اهلل عليه وسلم بتآلفهم ‪ ،‬وإ عطائهم ليرغبوا من ورائهم‬
‫اإلسالم ‪ ،‬وهم األقرع بن جابس ‪ ،‬وجبير بن مطعم ‪ ...‬وهشام بن عمرو رضي اهلل عنهم‬
‫‪7‬‬
‫ن وتألف فالنا داره وقاربه ‪ ،‬ووصله حتى يستميله إليه والقوم اجتمعوا ك ائتلفوا‬

‫ويقول ابن منظور ‪ :‬ألف الشيء ‪ ،‬وألفت فالنا إذا أنسب له ‪ ،‬وألفت بينهم تأليفا ‪ ،‬إذا‬
‫جمعت بينهم بعد التفرق ‪ ،‬وألفت الشيء تأليفا إذا وصلت بعضه ببعض ومنه تأليف‬
‫‪8‬‬
‫الكتب‪.‬‬

‫‪ - 1‬الّر ازي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪19‬‬


‫‪ - 2‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة قريش ‪ ،‬اآلية ‪2 ،1‬‬
‫‪ - 3‬ابن منظور ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪108‬‬
‫‪ - 4‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة األنفال ‪ ،‬اآلية ‪63‬‬
‫‪ - 5‬تقي الدين طيايبة ‪ ،‬التطور التاريخي للتدوين الفقهي المالكي في العصر الوسيط ‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة‬
‫الدكتوراء ‪ ،‬قسم اللغة والحضارة اإلسالمية ‪ ،‬كلية العلوم اإلسالمية ‪ ،‬جامعة باتنة ‪1440 ،‬هـ ‪1441 ،‬هـ ‪2019 /‬م ‪،‬‬
‫‪2020‬م ‪ ،‬ص ‪214‬‬
‫‪ - 6‬أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم محمد هارون ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬د‪ .‬ط ‪ ،‬دار الفكر‬
‫القاهرة ‪ ،‬مصر ‪1399 ،‬هـ ‪1979 /‬م ‪ ،‬ص‪131‬‬
‫‪ - 7‬الفيروز آبادي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪793‬‬
‫‪ - 8‬ابن منظور ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪793‬‬
‫اصطالحا ‪ :‬التأليف من الناحية االصطالحية ‪ ،‬هو ضم المتفرق ‪ ،‬والجمع بينه‬
‫بمراعاة األلفة بين األصناف ‪ ،‬وكانوا يعتبرون أن المتصدر للتأليف فهو مستهدف أي جعل‬
‫‪1‬‬
‫نفسه غرضا ‪ ،‬وكثيرا ما هاب الناس التأليف حتى قيل ‪ :‬من ألف فقد استهدف ‪.‬‬

‫‪ _2‬تعريف التصنيف ‪:‬‬

‫لغة ‪ :‬التصنيف في اللغة هو تمييز األشياء بعضها من بعض ‪ ،‬وصنف الشيء ميز‬
‫‪2‬‬
‫بعضه من بعض ‪ ،‬وتصنيف الشيء جعله أصنافا ‪ ،‬والصنف الصفة حسب ابن منظور ‪،‬‬
‫أما حسب ابن فارس ‪" :‬الصاد والنون والفاء أصل صحيح مّطرد في معنيين أحدهما‬
‫الطائفة من الشيء واآلخر تمييز األشياء بعضها عن بعض ‪ ،‬فاألول الصّنف طائفة من كل‬
‫شيء ‪ ،‬وهذا صنف من األصناف أي نوع ‪ ،‬فأما الثوب ‪ ، ...‬أما الثاني التصنيف تمييز‬
‫‪3‬‬
‫األشياء بعضها عن بعض" ‪.‬‬

‫أما الجوهري فيقول ‪" :‬تصنيف الشيء جعله أصنافا وتمييز بعضها عن بعض "‪، 4‬‬
‫بينما يعرفه الّر ازي ‪ " :‬النّو ع والّض رب وفتح الّص اد لغة فيه ‪ ،‬وتصنيف الشيء جعله‬
‫أصنافا ‪ ،‬وتمييز بعضها عن بعض ‪ ، 5‬أما حسب فيروز آبادي فالتصنيف هو بالكسر ‪،‬‬
‫والفتح الّنوع والّض رب جمعه أصناف ‪ ،‬وصنوف ‪ ، ...‬وصّنفه تصنيفا جعله أصنافا ‪،‬‬
‫وميز بعضها عن بعض ‪.6‬‬

‫اصطالحا ‪ :‬من خالل ما وّر دت في المصادر لتعريف الّلغوي لتصنيف يمكن القول‬
‫أن التصنيف هو تمييز األشياء عن بعضها البعض‪ .‬وهو تمييز لمواد المعرفة ذات موضوع‬
‫‪7‬‬
‫وترتيبها ووضعها‬

‫‪ -‬تقي الدين طيايبة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪215‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ابن منظور ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪2511‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ابن فارس ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪314‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الجوهري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪659‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الّر ازي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪326‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬الفيروز آبادي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪828‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬تقي الذين طيايبة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪216‬‬ ‫‪7‬‬


‫العالقة بين التصنيف والتدوين والتأليف ‪:‬‬

‫العالقة بين التصنيف والتدوين والتأليف هي عالقة عموم وخصوص مطلق فكل‬
‫تصنيف تأليف ‪ ،‬وليس تأليف تصنيف ‪ ،‬والفرق الجوهري بين التصنيف ‪ ،‬والتأليف هو أن‬
‫التصنيف ال يتضمن الشيء‪ ،‬ونقيضه بعكس التأليف الذي بتضمن الشيء ونقيضه ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫والتصنيف ‪ ،‬والتأليف كالهما يدل على التوين المنظم والدقيق‬

‫وهذا الفرق من البيان الّلغوي ‪ ،‬يعلل لنا لماذا استخدم العلماء التصنيف دون غيرهما‬
‫إلفادة معنى التدوين العلمي الدقيق والمنظم للمعرفة ‪ ،‬لذلك اشترطوا في التصنيف أن يكون‬
‫جامعا ومانعا لموضوعه ‪ ،‬لذلك األشباه اللغوية كقّيد ‪ ،‬ودّو ن ‪ ،‬وكتب ال تدل بّذ اتها على ما‬
‫أفادته كلمة ّد ون صنف ‪ ،‬إذ كلمة قّيد ‪ ،‬وّد ون وكتب ال تدل على الجمع ‪ ،‬والمنع كما دّلت‬
‫عليه لفظة صنف وألف ‪. 2‬‬

‫ويقول صاحب الفروق الّلغوية في هذا الصدد ‪ " :‬تأليف الكتاب هو جمع لفظ إلى‬
‫لفظ ‪ ،‬ومعنى إلى معنى فيه حتى يكون كالجملة الكافية ‪ ،‬فيما يحتاج إليه سواء كان متفقا‬
‫‪3‬‬
‫أو مختلفا ‪ ،‬والتصنيف مأخوذ من الصّنف وال يدخل في الصنف غيره "‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬التدوين التاريخي في المغرب اإلسالمي ‪:‬‬

‫‪ - 1‬نفسه‬
‫‪ - 2‬نفسه ‪ ،‬ص‪ ،‬ص ‪217 ، 216‬‬
‫‪ - 3‬أبي هالل العسكري ‪ ،‬الفروق اللغوية ‪ ،‬تح ‪ :‬محمد إبراهيم سليم ‪،‬د‪.‬ط ‪ ،‬دار العلم والثقافة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص‬
‫‪146‬‬
‫قامت في بالد المغرب اإلسالمي العديد من الدول والحضارات ‪ ،‬منذ الفتح اإلسالمي‬
‫إلى غاية نهاية الفترة الوسيطة ‪ ،‬أولهم دولة األدارسة‪ 1‬بالمغرب األقصى ‪ ،‬والرستميين‬
‫بالمغرب األوسط ‪ ،‬و األغالبة‪ 2‬التي كانت بالمغرب األدنى ( افريقية ) ‪ ،‬ثم اندثرت علي يد‬
‫الفاطميين ليسطر المذهب الشيعي في المغرب اإلسالمي خاصة المغرب األدنى ‪ ،‬وفي نفس‬
‫الفترة كان الزيريين ‪ ،3‬والحماديين بالمغرب األوسط ‪ ،‬لتعاقب وراء سقوط هذه الدول كل‬
‫من المرابطين‪ ، 4‬ثم الموحدين‪ 5‬الذين وحدوا بالد المغرب اإلسالمي ‪.‬‬

‫‪ - 1‬األدارسة ‪ :‬تأسست علي يد إدريس بن عبد هللا سنة ‪172‬هـ ‪788 /‬م ‪ ،‬بالمغرب األقصى أجمع ‪ ،‬وبعض المغرب‬
‫األوسط ‪ ،‬كان مذهبها سنيا ‪ ،‬سقطت سنة ‪311‬هـ ‪923 /‬م على يد الفاطميين ( للمزيد انظر إلى محمود إسماعيل ‪،‬‬
‫األدارسة ‪176‬هـ ‪375 /‬هـ ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪1411 ،‬هـ ‪1991 /‬م ‪ ،‬ص من ‪ 55‬وما بعدها ‪ ،‬سعدون‬
‫عباس نصر هللا ‪ ،‬دولة األدارسة في المغرب العصر الذهبي ‪172‬هـ‪223 -‬هـ ‪788 /‬م – ‪835‬م ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار النهضة‬
‫العربية ‪ ،‬بيروت ‪1408 ،‬هـ ‪1987 /‬م ‪ ،‬ص ‪ 59‬وما بعدها ‪ ،.‬مبارك بن محمد الميلي ‪ ،‬تاريخ الجزائر في القديم والحديث‬
‫‪ ،‬ىتق ‪ ،‬تص ‪ :‬محمد الميلي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ط‪ ، 2017 .‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬الجزائر ‪ 2017 ،‬م ‪ ،‬ص ص ‪. 422 ، 411‬‬
‫‪ - 2‬األغالبة ‪ :‬تأسست سنة( ‪184‬هـ‪800 /‬م ) بافريقية على يد إبراهيم بن األغلب ‪ ،‬حكمت افريقية والمغرب األوسط ‪ ،‬ثم‬
‫توسع حكمها بعد غزو كل من صقلية ‪ ،‬وسواحل ايطاليا ‪ ،‬ومالطة ‪ ،‬كان مذهبها سنّيا ألنها كانت تابعة لدولة العباسية‬
‫بالمشرق ‪ ،‬سقطت على يد الفاطميين سنة ( ‪296‬هـ ‪909 /‬م ) ‪ ،‬ابن وردان ‪ ،‬تاريخ مملكة األغالبة ‪ ،‬تح ‪ ،‬وتع ‪ :‬محمد‬
‫زينهم محمد عزب ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪1405 ،‬هـ ‪1988 /‬م ‪ ،‬ص‪ ،‬ص‪ ، 33 ،32 ،‬مبارك بن محمد الميلي‬
‫‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص من ‪ 434‬إلى ‪441‬‬
‫‪ - 3‬الزيرين ‪ :‬تأسست سنة ‪362‬هـ على يد بلكين بن الزيري ‪ ،‬أدارت هذه الدولة واليات افريقية ماعدا صقلية وطرابلس‬
‫بأمر من الفاطميين بعدما ارتحالهم الى مصر سنة ‪362‬هـ ‪973 /‬م ‪ ،‬من أشهر أمرائها المعّز بن باديس ‪ ،‬سقطت على يد‬
‫النورمان سنة ‪543‬هـ ‪1148 /‬م ‪ ،‬بن حاج ميلود ‪ ،‬دول البربر في تاريخ المغرب واألندلس من ظهور الدولة الزيرية إلى‬
‫سقوط المرابطين ( ‪362‬هـ‪541 -‬هـ ‪973 /‬م‪1147 -‬م ) دراسة في أسباب قيام والنتائجه ‪" ،‬مجلة العلوم القانونية‬
‫واالجتماعية" ‪ ،‬مجلد الخامس ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬جامعة زيان بن عاشور ‪ ،‬الجلفة ‪ ،‬ديسمبر ‪ ، 2020‬ص ‪،‬ص ‪، 472‬‬
‫‪ ، 474‬ممدوح حسين ومصطفى شاكر ‪ ،‬الحروب الصليبية في شمال إفريقيا وأثرها الحضاري ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار عمار للنشر ‪،‬‬
‫عمان ‪1419 ،‬هـ‪1998 /‬م ‪ ،‬ص ‪105‬‬
‫‪ - 4‬المرابطيين ‪ :‬كان يطلق عليهم الملثمين ‪ ،‬ثم أسموهم فيما بعد بالمرابطين ‪ ،‬تأسست هذه الدولة بالصحراء على يد عبد هللا‬
‫ياسين ( كان قاضيا وفقيه ) سنة ‪434‬هـ ‪ ،‬ويعتبر المؤسس الروحي لها ‪ ،‬وثبتت قدمها بالمغرب بتأسيس مراكش سنة‬
‫‪ 454‬هـ‪ ،‬واستقر أمرها بالجزائر منذ تأسيس تاقرارت ( تلمسان الجديدة ) سنة ‪474‬هـ ‪ ،‬بلغت أوجها في عهد يوسف بن‬
‫تاشفين ‪ ،‬انتهت هذه الدولة بالجزائر بموت تاشفين سنة ‪539‬هـ ‪ ،‬وبالمغرب بفتح مراكش سنة ‪541‬هـ ‪ .‬مبارك بن محمد‬
‫الميلي ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ ، 589‬أحمد حسن محمود ‪ ،‬قيام دولة المرابطين صفحة مشرقة من تاريخ المغرب في‬
‫العصور الوسطى ‪،‬د‪ .‬ط ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬د‪.‬س‪.‬ن ‪ ،‬ص ص ‪40 ،39‬‬
‫‪ - 5‬الموحدين ‪ :‬تأسست على يد عبد المؤمن بن علي سنة ‪524‬هـ ‪1130 -‬م ‪ ،‬ويعتبر مهدي بن تومرت المؤسس الروحي‬
‫لها ‪ ،‬عرفت هذه الدولة باهتمامها بالعلم و التعليم ‪ ،‬سقطت سنة ‪668‬هـ ‪1269 /‬م ‪ ،‬مبارك بن محمد الميلي ‪ ،‬المرجع‬
‫السابق ‪،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪605‬‬
‫إلى غاية نهاية الفترة الوسيطة ‪ ،‬أولهم دولة األدارسة‪ 1‬بالمغرب األقصى ‪،‬‬
‫والرستميين بالمغرب األوسط ‪ ،‬و األغالبة‪ 2‬التي كانت بالمغرب األدنى ( افريقية ) ‪ ،‬ثم‬
‫اندثرت علي يد الفاطميين ليسطر المذهب الشيعي في المغرب اإلسالمي خاصة المغرب‬
‫األدنى ‪ ،‬وفي نفس الفترة كان الزيريين ‪ ،3‬والحماديين بالمغرب األوسط ‪ ،‬لتعاقب وراء‬
‫سقوط هذه الدول كل من المرابطين‪ ، 4‬ثم الموحدين‪ 5‬الذين وحدوا بالد المغرب‬
‫االسالمي ‪.‬‬

‫‪ - 1‬األدارسة ‪ :‬تأسست علي يد إدريس بن عبد هللا سنة ‪172‬هـ ‪788 /‬م ‪ ،‬بالمغرب األقصى أجمع ‪ ،‬وبعض المغرب‬
‫األوسط ‪ ،‬كان مذهبها سنيا ‪ ،‬سقطت سنة ‪311‬هـ ‪923 /‬م على يد الفاطميين ( للمزيد انظر الى محمود إسماعيل ‪،‬‬
‫األدارسة ‪176‬هـ ‪375 /‬هـ ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪1411 ،‬هـ ‪1991 /‬م ‪ ،‬ص من ‪ 55‬وما بعدها ‪ ،‬سعدون‬
‫عباس نصر هللا ‪ ،‬دولة األدارسة في المغرب العصر الذهبي ‪172‬هـ‪223 -‬هـ ‪788 /‬م – ‪835‬م ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار النهضة‬
‫العربية ‪ ،‬بيروت ‪1408 ،‬هـ ‪1987 /‬م ‪ ،‬ص ‪ 59‬وما بعدها ‪ ،.‬مبارك بن محمد الميلي ‪ ،‬تاريخ الجزائر في القديم والحديث‬
‫‪ ،‬تق ‪ ،‬تص ‪ :‬محمد الميلي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ط‪ ، 2017 .‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬الجزائر ‪ 2017 ،‬م ‪ ،‬ص ص ‪. 422 ، 411‬‬
‫‪ - 2‬األغالبة ‪ :‬تأسست سنة( ‪184‬هـ‪800 /‬م ) بافريقية على يد إبراهيم بن األغلب ‪ ،‬حكمت افريقية والمغرب األوسط ‪ ،‬ثم‬
‫توسع حكمها بعد غزو كل من صقلية ‪ ،‬وسواحل ايطاليا ‪ ،‬ومالطة ‪ ،‬كان مذهبها سنّيا ألنها كانت تابعة لدولة العباسية‬
‫بالمشرق ‪ ،‬سقطت على يد الفاطميين سنة ( ‪296‬هـ ‪909 /‬م ) ‪ ،‬ابن وردان ‪ ،‬تاريخ مملكة األغالبة ‪ ،‬تح ‪ ،‬وتع ‪ :‬محمد‬
‫زينهم محمد عزب ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪1405 ،‬هـ ‪1988 /‬م ‪ ،‬ص‪ ،‬ص‪ ، 33 ،32 ،‬مبارك بن محمد الميلي‬
‫‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص من ‪ 434‬إلى ‪441‬‬
‫‪ - 3‬الزيرين ‪ :‬تأسست سنة ‪362‬هـ على يد بلكين بن الزيري ‪ ،‬أدارت هذه الدولة واليات افريقية ماعدا صقلية وطرابلس‬
‫بأمر من الفاطميين بعدما ارتحالهم إلى مصر سنة ‪362‬هـ ‪973 /‬م ‪ ،‬من أشهر أمرائها المعّز بن باديس ‪ ،‬سقطت على يد‬
‫النورمان سنة ‪543‬هـ ‪1148 /‬م ‪ ،‬بن حاج ميلود ‪ ،‬دول البربر في تاريخ المغرب واألندلس من ظهور الدولة الزيرية إلى‬
‫سقوط المرابطين ( ‪362‬هـ‪541 -‬هـ ‪973 /‬م‪1147 -‬م ) دراسة في أسباب قيام والنتائجه ‪" ،‬مجلة العلوم القانونية‬
‫واالجتماعية" ‪ ،‬مجلد الخامس ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬جامعة زيان بن عاشور ‪ ،‬الجلفة ‪ ،‬ديسمبر ‪ ، 2020‬ص ‪،‬ص ‪، 472‬‬
‫‪ ، 474‬ممدوح حسين ومصطفى شاكر ‪ ،‬الحروب الصليبية في شمال إفريقيا وأثرها الحضاري ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار عمار للنشر ‪،‬‬
‫عمان ‪1419 ،‬هـ‪1998 /‬م ‪ ،‬ص ‪105‬‬
‫‪ - 4‬المرابطيين ‪ :‬كان يطلق عليهم الملثمين ‪ ،‬ثم أسموهم فيما بعد بالمرابطين ‪ ،‬تأسست هذه الدولة بالصحراء على يد عبد هللا‬
‫ياسين ( كان قاضيا وفقيه ) سنة ‪434‬هـ ‪ ،‬ويعتبر المؤسس الروحي لها ‪ ،‬وثبتت قدمها بالمغرب بتأسيس مراكش سنة‬
‫‪ 454‬هـ‪ ،‬واستقر أمرها بالجزائر منذ تأسيس تاقرارت ( تلمسان الجديدة ) سنة ‪474‬هـ ‪ ،‬بلغت أوجها في عهد يوسف بن‬
‫تاشفين ‪ ،‬انتهت هذه الدولة بالجزائر بموت تاشفين سنة ‪539‬هـ ‪ ،‬وبالمغرب بفتح مراكش سنة ‪541‬هـ ‪ .‬مبارك بن محمد‬
‫الميلي ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 589‬أحمد حسن محمود ‪ ،‬قيام دولة المرابطين صفحة مشرقة من تاريخ المغرب في‬
‫العصور الوسطى ‪،‬د‪ .‬ط ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬د‪.‬س‪.‬ن ‪ ،‬ص ص ‪40 ،39‬‬
‫‪ - 5‬الموحدين ‪ :‬تأسست على يد عبد المؤمن بن علي سنة ‪524‬هـ ‪1130 -‬م ‪ ،‬ويعتبر مهدي بن تومرت المؤسس الروحي‬
‫لها ‪ ،‬عرفت هذه باهتمامها بالعلم و التعليم ‪ ،‬سقطت سنة ‪668‬هـ ‪1269 /‬م ‪ ،‬مبارك بن محمد الميلي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ج‬
‫‪ ، 2‬ص ‪605‬‬
‫بعد سقوط الموحدين سنة ‪668‬هـ ‪1269 /‬م ‪ ،‬عرفت بالد المغرب قيام ثالث دول‬
‫أخرى وهي ‪ :‬بني حفص في المغرب األدنى ‪ ،‬وبني واد بالمغرب األوسط ‪ ،‬وبني مرين‬
‫بالمغرب األقصى ‪ ،‬كان لهذه الدول إنتاجا ثقافيا واسعا شمل كل المجاالت ‪ ،‬وبروز ثلة من‬
‫العلماء الذين تركوا وراءهم العديد من المؤلفات تثبت إنتاجهم العلمي ‪ ،‬والفكري والثقافي ‪،‬‬
‫خاصة الرستميين ‪ ،‬والموحدين‪ ،‬والحماديين إضافة إلى حفصيين ‪ ،‬و مرنيين‪،‬‬
‫والزيانيين ‪ ،‬فمن هم ابرز علماء هذه الدول؟ ومن ها هي أهم مؤلفاتهم ؟‬

‫‪ _ 1‬التدوين التاريخي في المغرب األدنى واألقصى ( المرنيين والحفصين نموذج )‪:‬‬

‫‪ 2_1‬بني حفص ‪ :‬ازدهرت الحياة العلمية والثقافية في افريقية خالل الحكم الحفصي‬
‫ازدهارا كبيرا ‪ ،‬فكثرت المؤسسات التعليمية كالكّتاب ‪ ، 1‬والرّباط ‪ ،2‬والمساجد مثل مسجد‬
‫القصبة ‪ ، 3‬ولم يكن التعليم ينحصر في هذه المؤسسات فقط بل عرفت الدولة الحفصية‬

‫‪ - 1‬الكّت اب ‪ :‬تعتبر الكتاتيب من أول أعمال التي قامت بها البعثة العمرية ببالد المغرب اإلسالمي ‪،‬كان يتم فيها تحفيظ‬
‫الصغار للقرآن الكريم ‪ ،‬واألحاديث النبوية الشريفة ‪ ،‬وقواعد اللغة العربية ‪ ،‬وكانت تعتبر المرحلة اإلعدادية ‪ ،‬للمزيد أنظر‬
‫إلى‪ :‬محمد مرغيث ‪ ،‬البعثة العمرية وأثرها في توطين اإلسالم والعربية ببالد المغرب اإلسالمي ‪ ،‬قسم العلوم اإلنسانية ‪،‬‬
‫جامعة أدرار ‪ ،‬ص ‪. 109‬‬
‫‪ - 2‬الرّباط ‪ :‬جمعها ربط ‪ ،‬والرباط في األصل اسم حربي لثغر الذي يرابط فيه الجنود لمجاهدة العّدو ‪ ،‬ثم أطلق على‬
‫الدار التي يرابط فيها المتصوفون لمجاهدة النفس ‪ ،‬أنور محمود الزناتي ‪ ،‬معجم المصطلحات التاريخ والحضارة‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الزهران ‪ ،‬عمان ‪ ، 2001،‬ص ‪ ، 178‬وقد ورد ذكر الرباط في القرآن الكريم لقوله تعالى ‪{ :‬‬
‫َو َأِع ُّد وْا َلُهم َّما ٱۡس َت َط ۡع ُت م ِّمن ُقَّو ٖة َو ِمن ِّر َباِط ٱۡل َخ ۡي ِل ُتۡر ِهُبوَن ِبِهۦ َع ُد َّو ٱِهَّلل َو َع ُد َّو ُك ۡم } سورة األنفال ‪ ،‬اآلية ‪ ، 60‬وقوله تعالى‬
‫أيضا‪َٰٓ { :‬ي َأُّيَه ا ٱَّلِذيَن َء اَم ُن وْا ٱۡص ِبُر وْا َو َص اِبُر وْا َو َر اِبُط وْا َو ٱَّتُقوْا ٱَهَّلل َلَع َّلُك ۡم ُتۡف ِلُحوَن (‪ ، })200‬سورة آل عمران ‪ ،‬اآلية ‪، 200‬‬
‫والرباط لفظ مشترك بين معاني الخيل ‪ ،‬وانتظار الصالة بعد صالة واالقامة على الجهاد على العدو بالحرب ‪ ،‬للمزيد أنظر‬
‫إلى ‪ :‬شهاب الدين األلوسي ( شهاب الدين السيد محمود االلوسي البغدادي )‪ ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع‬
‫المثاني ‪ ،‬تح ك شكري األلوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬د‪.‬ط ‪ ،‬دار التراث العرب ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬د‪.‬س‪.‬ن‪ ،‬ص‪ ،25‬بينما يرى أبي‬
‫جعفر محمد الطبري أن أصل الرباط ارتباط خّيل للعدو كما ارتبط عّدوهم لهم خيلهم ‪ ،‬أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ‪،‬‬
‫جامع البيان عن تأويل القرآن ‪ ،‬تح ‪ :‬عبد هللا بن المحسن التركي ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ط ‪ ، 1‬دار هجر ‪ ،‬القاهرة ‪1422 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪2001‬م ‪ ،‬ص ‪ ، 337‬ويلخصها ‪ LUCIEN GOLRIN‬لفظا ومعنى ووظيفة بأنها مدينة محصنة يسكنها رجال الدين‬
‫والحرب يتعلم فيها فنون الحرب قصد االستعداد للجهاد ‪ ،‬وتقضى أوقات الفراغ فيه في العبادة و تبادل المعرف والثقافات ‪،‬‬
‫الطاهر بونابي ‪ ،‬الحركة الصوفية في المغرب األوسط خالل القرنين ‪ 9 8‬هجريين ‪ ،‬مقدمة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‬
‫في التاريخ الوسيط ‪ ،‬قسم التاريخ ‪ ،‬جامعة الجزائر ‪1429 ،‬هـ ‪1430 -‬هـ‪2008 /‬م ‪2009-‬م ‪ ،‬ص ‪. 34‬‬
‫‪ - 3‬مسجد القصبة ‪ :‬يذكر ان مؤسس أركان الدولة الحفصية أبو زكرياء يحي هو الذي بنى الجامع وصومعته الجميلة ونقش‬
‫اسمه عليها ‪ ،‬وتكون القصبة مدينة صغيرة داخل مدينة كبيرة ‪ ،‬وكان والي المدينة وكبار الموظفين يصلون فيه صالة‬
‫الجمعة ‪ ،‬ومن بين الذين درسوا بهذا الجامع نكر ابوعبد هللا محمد مهتار ‪ ،‬وكان راوي للحديث به ‪ ،‬ابن أبي الدينار (محمد‬
‫بن أبي قاسم الرعيني القيرواني )‪ ،‬المؤنس في أخبار افريقية وتونس ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مطبعة تونسية بحاضرتها المحمية ‪،‬‬
‫‪1286‬هـ ‪ ،‬ص ‪ ،299‬رحماني عائشة ورحماني مريم ‪ ،‬الحركة العلمية في الدولة الحفصية ‪625‬هـ‪981 -‬هـ ‪1227 /‬م‪-‬‬
‫‪1574‬م‪ ،‬تخصص تاريخ عام ‪ ،‬قسم التاريخ ‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ‪ ،‬جامعة قالمة ‪2016 ،‬م‪ ،2017 /‬ص‬
‫‪. 33‬‬
‫أيضا وجود مدارس مثل مدرسة الشماعين ‪ ،1‬وقد تخرج من هذه المؤسسات علماء‬
‫كثر من أمثال ابن االبار ‪ ،‬والغبريني ‪ ،‬وابن الشماع ‪ ،‬والبرزلي ن وغيرهم من العلماء ‪،‬‬
‫فازدهرت حركة التأليف في العلوم النقلية‪ ،‬ولعقلية ‪،‬وبروز ظاهرة التصوف‪ ( 2‬الطرق‬
‫الصوفية ) التي انتشرت في عهد هذه الدولة‬

‫‪ - 1‬مدرسة الشماعين ك مؤسسها هو أبو زكريا يحي األول سنة ‪633‬هـ ‪1235/‬م ‪ ،‬بعدما اتم بناء صومعة مسجد‬
‫الموحدين ‪ ،‬وقد بناها بالقرب من الجامع األعظم وقريبة من سوق العطارين ( يعتبر هذا السوق في العهد الحفصي من اهم‬
‫المراكز التجارية ) ‪ ،‬وهي تقع بسوق البالغجية زنقة الشماعين ( لهذا السبب أطلق عليها اسم الشناعين ) ن من أشهر‬
‫مشايخها أبو قاسم ابن البراء ن وأبو العباس القلشالي ‪ ،‬ابن الشماع ‪ (،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد ابن الشماع ) ‪ ،‬األدلة‬
‫البينية النوازلية في مفاخر الدولة الحفصية ‪ ،‬تح‪ :‬الطاهر بن محمد المعموري ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬دار العربية للكتاب ‪1984 ،‬م ‪ ،‬ص‬
‫‪. 56‬‬
‫‪- 2‬‬

You might also like