الاحتكـارفي الفقـــــــــــهالاسلامي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 30

‫االسالمي】‬ ‫الفقـــــــــــه‬ ‫في‬ ‫【االحتكـار‬

‫مقدمة‬

‫الحمد هللا رب العالمين نشهد أن ال إله إال هو وحده ال شريك له‪ ،‬أنزل الفرقان على عبده هديا للناس‬

‫وبيانا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬بعثه هللا بالقرآن هاديا ومبش ار وداعيا إلى هللا بإذنه وسراجا مني ار‬

‫صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه الذين كانوا بعلمهم نهجا للسالكين وقدوة للعالمين‪ ،‬وعلى من تبعهم‬

‫بإحسان إلى يوم الدين‪.1‬‬

‫تغلغل االحتكار في أكثر ميادين اإلنتاج‪ ،‬ونجح المحتكرون في بسط إرادتهم‪ ،‬والتحكم في رقاب الناس‬

‫لمصالحهم الشخصية‪ ،‬فألحق ذلك خط ار بالغا بالمجـتمعات‪ ،‬وظهرت األزمات االقتصادية في أرجاء‬

‫العالم‪ ،‬مما دعا علماء االقتصاد الحديث إلى بيان مدى ما يلحقه االحتكار بالمجتمعات اإلنسانية من‬

‫أضرار جسيمة‪ .‬وكان اإلسالم من قبل‪ ،‬قد أولى هذه المشكلة كغيرها من المشاكل اهتمامه البالغ ووضع‬

‫لها االحتياطات الوقائية واإلجراءات العالجية كافة؛ ذلك ألن غايته إصالح الفرد والمجتمع معا إذ أمر‬

‫بتقوى القلوب لتحقيق مجتمعا صالحا وإنفاء عنهم الضرر‪ .2‬لقوله تعالى‪{ :‬وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَاَّلتقْوَى وَال تَعَاوَنُوا عَلَى‬

‫‪3‬‬
‫اإلثْمِ وَالْعُدْوَانِ‪}..‬‬

‫يعتبر االحتكار في الفقه اإلسالمي موضوعا يشغل اهتمام العلماء والفقهاء‪ ،‬حيث يتناول هذا المفهوم‬

‫قضايا اقتصادية وتجارية ترتبط بتوزيع الثروة والتجارة والتسعير‪ .‬االحتكار يشير إلى استحواذ فرد أو‬

‫جماعة على كميات كبيرة من سلعة معينة‪ ،‬مما يؤدي إلى رفع األسعار وتقليل اإلمكانيات المتاحة‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬االحتكار حقيقته وأحكامه‪2017( ،‬م) فاطمة المغربي‪ ،‬الخير كنزح‪ ،‬رسالة ماجستير في الفقه وأصوله‪ ،‬جامعة إدرار‪ :‬كلية العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية واإلسالمية‪ -‬قسم العلوم اإلسالمية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬االحتكار وآثاره في الفقه اإلسالمي‪2011( ،‬م)‪ ،‬عبد الرحمن قحطان الدوري‪ ،‬كتاب‪ -‬ناشرون للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ص‪.9‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬سورة المائدة‪ ،‬اآليـة‪.2 :‬‬
‫لآلخرين‪ .‬في الفقه اإلسالمي‪ ،‬يعتبر االحتكار من األمور المذمومة‪ ،‬حيث يتعارض مع مفهوم العدالة‬

‫االقتصادية وتوزيع الثروة بشكل عادل‪ .‬يجدر بالذكر أن اإلسالم يحث على التعاون والتساهل في التجارة‪،‬‬

‫وينبذ أي نشاط يؤدي إلى استغالل المحتاجين أو يخلق فجوات اقتصادية كبيرة‪ .‬مصدر تلك األحكام يعود‬

‫إلى القرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬حيث يجد الفقهاء دعما ألحكامهم في النصوص اإلسالمية‪ .‬على سبيل‬

‫المثال‪ ،‬يشجع المسلمون على العدالة في التجارة والتعاون االقتصادي‪ ،‬وينهى عن االحتكار وتحقير‬

‫األسعار بطرق غير مشروعة‪.1‬‬

‫وبهذا‪ ،‬يظهر الفقه اإلسالمي كإطار أخالقي وقانوني يحكم سلوك المسلمين في المجال االقتصادي‪،‬‬

‫محددا الحدود والضوابط التي ينبغي أن يلتزم بها األفراد والجماعات في التعامل مع الموارد والثروة‪.‬‬

‫ومن منطلق هذا البحث بيان موقف الفقه اإلسالمي بمذاهبه المختلفة‪ ،‬من هذه المشكلة االجتماعية‬

‫واالقتصادية التي تواجهنا من مختلف جوانبها وبيان احكامها وآثارها وطرق الوقاية منها‪.‬‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬االحتكار والتسعير في الشريعة اإلسالمية‪2020( ،‬م)‪ ،‬د‪ .‬محمد علي محمد جمال الدين‪ ،‬كلية الحقوق‪ -‬جامعة المنصورة‪ ،‬مجلة البحوث‬
‫القانونية واالقتصادية‪ ،‬العدد ‪ ،72‬ص‪.1021‬‬
‫المبحث األول‬

‫مفهـوم االحتكار‬

‫تم تقسيم هذا المبحث الى ثالث مطالب‪ ،‬وذلك على النحو اآلتي بيانه‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬االحتكار لغة واصطالحا‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع االحتكار وصوره‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الفرق بين االحتكار واالكتناز واالدخار‬


‫المطلب األول‬

‫االحتكار لغة واصطالحا‬

‫أ‪ .‬االحتكار لغة‪:‬‬

‫تعددت معاني مادة (حكر) عند اللغويين أهمها‪.‬‬

‫(حكر) الحاء الكاف والراء أصل واحد‪ ،‬وهو الحبس‪.‬‬

‫والحكـرة‪ :‬حـبس الطعـام منتظـ ار لغالئـه‪ ،‬وهـو الحكـر‪ .‬وأصـله في كـالم العـرب الحكـر‪ ،‬وهـو المـاء المجتمع‬
‫كأنه احتكر لقلته‪.1‬‬

‫الحكر بفتح الحاء وسكون الكاف مأخوذ من حكر يحكر حكرا‪ ،‬أي ظلمه‪ ،‬وتنقصه واساء معاشرته‪،‬‬
‫والحكر الحكر ما احتكر‪ ،‬والحكر‪ ،‬والحكرة االسم منه وأصل الحكرة‪ :‬الجمع واإلمساك والحكر بالتحريك‬
‫الماء القليل المجتمع والحكر ادخار الطعام للتربص وصاحبه محتكر واالحتكار جمع الطعام ونحوه مما‬
‫يؤكل واحتباسه انتظار وقت الغالء‪ ،‬وتقول‪ :‬احتكر زيد الطعام إذا حبسه إرادة الغالء‪.2‬‬

‫وعرفه صاحب القاموس الحكر بفتح الحاء وسكون الكاف بأنھ الظلم وإساءة المعاشرة‪.‬‬

‫انتظار لرفع أسعارها وبيعها بأسعار مرتفعة‪ .‬أما‬


‫ا‬ ‫الحكر بفتحتين يرتبط بجمع واحتباس السلع أو الموارد‬
‫الحكر بفتح الحاء وكسر الكاف‪ ،‬فيعني االستبداد واالحتكار الذي يتم بحبس البضائع بهدف بيعها‬
‫بأسعار مرتفعة‪ ،‬مما يؤدي إلى التحكم في السوق والتأثير على األسعار لرفع أسعارها وتحقيق أرباح غير‬
‫مشروعة‪ .‬يتجلى ذلك في التالعب بالعرض والطلب‪ ،‬والتحكم في األسعار بشكل يضر بصالح‬
‫المستهلكين‪.3‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ألحمد بن فارس‪1979( ،‬م)‪ ،‬ت‪ .‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الفكر للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.92‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬لمحمد بن مكرم ابن منظور‪1984( ،‬م)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ادب الحوزة للنشر والتوزيع‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.949‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬القاموس المحيط‪ ،‬لحمد بن يعقوب فيروز ابادي‪1902( ،‬م)‪ ،‬مطبعة الميمنة للنشر والتوزيع‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬ص‪.199‬‬
‫أيضا جاء في أساس البالغة للزمخشري‪ ،‬ان االحتكار بمعنى حكر وهو المحتج للشيء المستبد فيه‪.‬‬
‫حكر أي عسر والتواء وسوء معاشرة‪ ،‬او احتكر الطعام او فالن حرفته الحكرة‪ .‬فاعل االحتكار حكر‪.1‬‬

‫ب‪ .‬االحتكار اصطالحا‬

‫عرف الفقهاء االحتكار بعدة تعاريف‪ ،‬وإن كانت فيها شيء من االختالف‪ ،‬فهو بناء على القيود والشروط‬

‫التي وضعها كل مذهب‪.‬‬

‫‪ .1‬الحنفية‪ :‬لهم تعاريف متعددة وذلك تبعا الختالف وجهة نظرهم فيه‪.‬‬

‫لقد عرفه (البابرتي‪ ،‬الشرنباللي) بمعنى حبس األقوات متربصا للغالء‪.‬‬

‫وقد عرفه (الحصكفي وابن عابدين) بأنه هو اشتراء طعام ونحوه‪ ،‬وحبسه إلى الغالء أربعين يوما‪.2‬‬

‫عرفه أبو يوسف‪" :‬كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار"‪.3‬‬

‫‪ .2‬المالكية‪ :‬هو االدخار للبيع‪ ،‬وطلب الربح بتقلب األسواق‪ ،‬أما االدخار للقوت فليس من االحتكار‪.4‬‬

‫كما صوره المالكية بأنھ "الحكرة في كل شيء في السوق من الطعام والزيت والكتان والصوف وجميع‬

‫األشياء‪ ،‬وكل ما أخذ بالبيوت‪ ،‬فبمنع من يحتكر شيئا من ذلك كما يمنع من احتكار الحب " وقال اإلمام‬

‫مالك‪" :‬إن كان ذلك ال يضر بالسوق‪ :‬فال بأس بذلك‪"5‬‬

‫‪ .3‬الشافعية‪:‬‬

‫‪ 1‬الزمخشري‪1998( ،‬م)‪ ،‬اساس البالغة‪ ،‬تحقيق محمد باس‪ ،‬دار الكتب العلمية للنشر‪ ،‬ج‪ ،1‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ص‪.205‬‬
‫‪ 2‬محمد أمين (ابن عابدين)‪2000( ،‬م)‪ ،‬رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير االبصار‪ ،‬مكتب البحوث والدراسات‪ ،‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪،‬سوريا‪ -‬دمشق ج‪ ،6‬ص‪.398‬‬
‫‪ 3‬محمد مهدي شمس الدين‪1998( ،‬م)‪ ،‬االحتكار في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬المؤسسة الدولية للدراسات والنشر‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ 4‬ابي الوليد سليمان الباجي‪1999( ،‬م)‪ ،‬المنتقى شرح موطأ مالك‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ج‪ ،5‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ 5‬االمام مالك بن انس االصبحي‪1923( ،‬م)‪ ،‬المدونة الكبرى‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة السعادة للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.123‬‬
‫في قول الخطيب الشربيني‪" :‬إمساك ما اشتراه وقت الغالء ليبيعه بأكثر مما اشتراه عند اشتداد الحاجة‪،‬‬

‫بخالف إمساك ما اشتراه وقت الرخص‪.1‬‬

‫حيث عرفه الشيرازي بقوله‪" :‬ان يبتاع في وقت الغالء ويمسكه ليزداد في ثمنه"‪.2‬‬

‫‪ .4‬الحنابلة‪:‬‬

‫عرفه ابن قدامة بقوله‪" :‬أن يشتري وأن يكون المشتري‪ ،‬قوتا‪ ،‬أن يضيق على الناس بشرائه وال يحصل‬

‫ذلك‪ .‬لم يتعرض الحنابلة لتعريف االحتكار بالطريقة المعهودة لديھم‪ ،‬وإنما عرفوه ببيان الشروط التي‬

‫تؤدي إلى وصف الفعل بالحرمة‪ ،‬فقالوا ‪:‬االحتكار المحرم هو ما اجتمع فيه ثالثة شرائط‪:‬‬

‫أ‪ .‬أن يشترى‪...‬‬

‫ب‪ .‬أن يكون المشتري قوتا‪ ،‬فأما اإلدام والحلواء والعسل والزيت وأعالف البھائم فليس فيھا احتكار‬

‫محرم‪....‬‬

‫ت‪ .‬أن يضيق على الناس بشرائھ" ‪ ،‬وأشار البھوتي إلى ذلك بقولھ‪ :‬أن يشتريھ للتجارة ويحبسھ ليقل‬

‫فيغلو‪.3‬‬

‫‪ .5‬من السنة عرفه ابن حزم الظاهري بقوله‪"" :‬والحكرة المضرة بالناس حرام‪ ،‬سواء من االبتياع أو في‬

‫إمساك ما ابتاع ويمنع من ذلك‪ ،‬والمحتكر في وقت رخاء ليس آثما‪ ،‬بل ھو محسن ألن الجالب إذا‬

‫أسرعوا البيع أكثروا الجلب‪ ،‬وإذا بارت سلعتھم ولم يجدوا لھا مبتاعا تركوا الجلب فأضر ذلك‬

‫بالمسلمين‪"4‬‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغنى المحتاج‪1994( ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ص‪.392‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬المهذب في فقه اإلمام الشافعي‪1995( ،‬م)‪ ،‬أبو إسحاق الشيرازي‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتب العلمية للنشر‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان ص‪.192‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬معالجة الممارسات االحتكارية في الفقه اإلسالمي‪1028( ،‬م)‪ ،‬حاتم امين محمد عبادة‪ ،‬مجلة كلية الشريعة والقانون تفهنا األشرف‪-‬دقهلية‪،‬‬
‫المجلد ‪ ،20‬العدد ‪ ،3‬ص‪.1690‬‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬المحلى باآلثار‪2003( ،‬م)‪ ،‬ابن حزم االندلسي‪ ،‬ت‪ .‬الدكتور عبد الغفار سليمان‪ ،‬ج‪ ،9‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫‪ .6‬من الشيعة الزيدية عرفه‪" :‬يشتري الطعام من المصر‪ ،‬ويحبس الفاضل عن كفايته ومن يمونه إلى‬

‫الغلة وإنما يحرم مع حاجة الناس إليه وال يوجد إال مع مثله إذ ال اضرار مع خالف ذلك"‪.1‬‬

‫‪ .7‬عرفه اإلباضية (مذهب المذاهب األربعة) بأنه‪" :‬شراء مقيم طعام لتجر‪ ،‬وقت رخصه في بلده بقصد‬

‫ادخاره لغالء فيه"‪.2‬‬

‫‪ .8‬عرفه األمامية‪" :‬جمع العطاء وحبسه ليتربص به الغالء"‪.3‬‬

‫االحتكار‪ ،‬وفق لفظ الفقهاء في مختلف المذاهب‪ ،‬يعبر عن حجز كميات من الموارد األساسية التي يعتمد‬

‫عليها الناس ويحتاجون إليها‪ ،‬مع فرض شروط وقيود متفاوتة‪ .‬تتباين التعريفات بين المذاهب‪ ،‬حيث يحدد‬

‫المذهب المالكي شروطا أكثر تشددا‪ ،‬فيما يميل بعض الشيعة إلى تعميم االحتكار على جميع السلع‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬االحتكار والتسعير في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.1028-1027‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬االحتكار والتسعير في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.1028-1027‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬المختصر النافع في فقه اإلمامية‪1985( ،‬م)‪ ، ،‬ألبي القاسم أحمد بن الحسين الحلي‪ ،‬ط‪ ،3‬طبعة دار االضواء‪ -‬بيروت‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫المطلب الثاني‬

‫أنواع االحتكار وصوره‬

‫أوال‪ :‬أنواع االحتكار‬

‫لالحتكار أنواع عديدة منها‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬االحتكار العام‬

‫هو ما يطلق عليه باحتكار الدولة‪ ،‬ويسمي أيضا باالحتكار القـانوني؛ إذا ما استند إلى تشريع أو مرسوم‪.‬‬

‫والمقصود باالحتكار الحكومي هو انفراد الدولة بإنتاج السلع والخدمات كلها أو بعضها‪ ،‬كقيام الدولة‬

‫باحتكار النشاط في مجال الكهرباء والمواصالت واالتصاالت بأنواعها‪.‬‬

‫والمــبرر في ذلــك اعتبــارات اقتصــادية‪ :‬تتمثــل في أن االحتكــار العمــومي يعتــبر الشــكل األمثــل لـبعض‬

‫القطاعـات‪ ،‬السـيما اإلسـتراتيجية منهـا مثـل‪ :‬الـنفط والكهربـاء وسـكك الحديـد‪ ،‬وذلـك باعتبار الدولـة هـي‬

‫األقـدر علـى ضـمان تـوفير هـذه الحاجـات الحيويـة‪ ،‬كالسـكان وبشـكل متناسب‪.1‬‬

‫وجــاء في كتــاب االحتكــار في الش ـريعة اإلســالمية‪ " :‬فأمــا أن يكــون مــن الممتلكــات العامــة لألمة‪،‬‬

‫كالبحار واألنهار والمعادن في أراضي الدولة واألراضي العامة‪ ،‬فهذا القسم يمكن للحكومة أن تستثمره‬

‫لمصلحة الشعب بنفسها ‪...‬والمعيار هـو األصـح واألنفـع للشـعب‪ ،‬وكـذلك الحـال في انتاج الطاقة وتوزيع‬

‫المياه‪ .‬ان ما تقوم به الدولة ومؤسساتها من احتكارات في كل شي وذلك لحماية الناس من احتكارات‬

‫‪ 1‬بن يطو امال‪ ،)2010/2009( ،‬حماية المستهلك في االحتكار في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬مطبوعــة‪ :‬إشــراف‪:‬‬
‫قويــدري مصــطفى‪ ،‬قســم العلــوم القانونيــة‪ ،‬فــرع قــانون األعمــال‪ ،‬بكليــة الحقــوق‪ ،‬بــن عكنــون‪ ،‬جامعــة الجزائــر‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫الجشعين فمن واجباتها حفظ لنظام ولوال قيامهـا بهذا اللـون مـن االحتكـار التخـذت منـه الشـركات‬

‫‪1‬‬
‫االحتكاريـة سـبيال للغـنى الفـاحش واللعب بمقدرات الناس بما يتفق مع مصلحتها الخاصة فقط ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االحتكار التبادلي‬

‫تعريفه‪ " :‬بأنه سوق يواجه فيها بائع واحد لسلعة‪ ،‬أو خدمة معينة مشتريا واحدا لها‪."2‬‬

‫يتميـز بوقـوف البـائعين في شـكل احتكـاري أمـام المشـترين في شـكل احتكـاري أخـر‪ ،‬مثلمـا هـو واق ــع الي ــوم‬

‫في األسـ ـواق العالمي ــة‪ ،‬حي ــث يتكت ــل المش ــترون للمـ ـواد األولي ــة في اتح ــاد مش ــتريين ويضـغطون علـى‬

‫سـعر المـواد األوليـة ألقـل سـعر‪ ،‬فيقـف البـائعون للمـواد األوليـة في تكتـل علـى شكل منظمة تحاول تحديد‬

‫السعر والمحافظة على توازنه‪ .‬وله سمات تميزه عن غيره‪ ،‬فالسمة األساسية لسوق االحتكار المتبادل هي‬

‫عدم تحديد الثمن فيـه؛ أي عـدم القـدرة علـى تعيـين أو تحديـد مسـتوى الـثمن الفعلـي الـذي سيسـود في‬

‫السـوق بدقـة‪ ،‬وذلـك بـالرغم مـن معرفـة حالـة عـرض السـلعة أو الخدمـة محـل االحتكـار المتبـادل وحـال‬

‫الطلـب عليها‪.3‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬احتكار القلة‬

‫ويقصد باحتكار القلة‪ :‬أن يتولى فيها بيع سلعة أو خدمة متماثلة أو متميزة عند قليل من‬

‫البائعين(المنتجين) يكفي لجعل نشاط أي منهم يؤثر ويتأثر بسياسات وق اررات اآلخرين‪.4‬‬

‫‪ 1‬قحطان الدوري‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.87‬‬


‫‪ 2‬عبد الرزاق نصرات‪ ،‬االحتكار وصوره المعاصرة ‪-‬دراسة تطبيقية لنماذج مختارة‪ ،-‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة الشهيد حمه لخضر – الوادي‪،‬‬
‫معهد العلوم اإلسالمية قسم الشريعة‪ ،‬ص‪.55-50‬‬
‫‪ 3‬عبد الرزاق نصرات‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ 4‬عبد الرزاق نصرات‪ ،‬المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫يمكن تصنيف أنواع االحتكار في الفقه اإلسالم على أساس أسلوب االحتكار‪ ،‬أو طبيعة المحتكر أو‬

‫نوعية الشيء المحتكر إلى ما يلي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تصنيف االحتكار من حيث أسلوب االحتكار‬

‫أ‪ .‬تلقي الركبان‪ :‬المقصود بها ان هنالك شخص يلتقي بطائفة يحملون متاعا‪ ،‬فيشتري منهم قبل‬

‫قدومهم الى سوق البالد‪.1‬‬

‫حكم التلقي‪ :‬تعبر مبدأ التلقي عن أنه إذا كانت فعلة معينة تتعلق بالتجارة أو البيع تؤدي إلى إلحاق‬

‫الضرر بسكان محددين‪ ،‬فإنها تعتبر مكروهة‪ .‬في سياق التلقي‪ ،‬إذا كان توجيه اإلضرار لسكان‬

‫محظور ومكروها‪ ،‬خاصة إذا كانت هناك حاجة ضرورية للسلع المستوردة‪.‬‬
‫ا‬ ‫المنطقة‪ ،‬فإن هذا يعتبر‬

‫صورة التلقي‪ :‬تظهر موقفا يحظر تعمد حجز السلع خارج المدينة دون بيعها‪ ،‬مع تقديم تفاصيل‬

‫ضرر ألهل المدينة‪ ،‬خاصة في حالة الحاجة الملحة للسلع‪ ،‬فإنه‬


‫ا‬ ‫إضافية‪ .‬إذا كان هذا الفعل يسبب‬

‫يعتبر مكروها‪ .‬بينما إذا كان ذلك ال يؤثر سلبا على سكان المدينة‪ ،‬ولم يتم فرض أسعار مبالغ فيها‬

‫على أهل القافلة‪ ،‬فإن التلقي ال يكره‪.‬‬

‫ب‪ .‬بيع حاضر لباد‬

‫المقصود بالحاضر هو ساكن الحضر‪ ،‬أي سكان المدن‪ ،‬اما البادي فهو ساكن البادية او من يدخل‬

‫القرية من غير أهلها سواء بدويا او من مدينة أخرى‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن ماره البخاري الحنفي‪ ،)2004( ،‬المحيط البرهاني في الفقه النعماني‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ص‪.147‬‬
‫صورة بيع الحاضر للبادي‪ :‬معناها ان البدوي او القروي عليه ان يحمل متاعه الى البلد ليبيعه بسعر‬

‫يومه ويرجع فيأتيه البلدي فيقول‪ ،‬ضعه عندي ألبيعه بالتدريج وبزيادة سعر وذبك يأتي بأضرار على‬

‫اهل البالد‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تصنيف االحتكار من حيث طبيعة المحتكر‬

‫أ‪ .‬احتكار البيع والشراء‪ :‬هو احتكار بيع أو شراء سلع معينة سواء كانت مواد غذائية أو سلعا أخرى‪،‬‬

‫ويتضمن احتكار البيع والشراء ممارسات احتكارية سلبية وهو قول الحنابلة‪.2‬‬

‫مثل‪ :‬اتفاق طائفة من التجار على عدم شراء نوع من السلع إال بثمن معين مع البخس واتفاقهم أيضا‬

‫على بيع السلعة نفسها بسعر محدد يشتمل في الغالب على هامش ربح مبالغ فيه‪ ،‬فإذا اتفقوا على‬

‫أقسام ما يتحصلون عليه من الزيادة كان اتفاقهم بمثابة تعاون على االثم والعدوان‪.3‬‬

‫‪4‬‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَال تَعَاوَنُوا عَلَى اإلثْمِ وَالْعُدْوَانِ‪}..‬‬

‫ب‪ .‬احتكار الخبرة‪ :‬هو لجوء بعض المشتركين في مهنة أو حرفة إلى استغالل حاجة الناس إليهم في رفع‬

‫أجورهم بصورة مبالغ فيها لكي ينتفعوا بمهنهم وحرفهم وزيادة أرباحهم‪ ،‬بأن يقصروا أعمال هذه الحرفة‬

‫في دائر‪ē‬م‪ ،‬فضال عن قيام كثير منهم بقصر تعليم هذه الحرفة أو المهنة على عدد محدود قد ال‬

‫يتعدى األبناء واألقارب لكي يضمن رفع السعر حسب رغباته‪ ،‬وفي الوقت ذاته يضمن والءهم وعدم‬

‫‪ 1‬ابن حمد المبارك‪ ،)1992( ،‬خالصة الكالم شرح عمدة األحكام‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،2‬ص‪.240‬‬
‫‪2‬السيوطي‪ ،)1994( ،‬مطالب أولى النهى‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،3‬ط‪ ،2‬ص‪.63‬‬
‫‪ 3‬فهد بن نوار العتيبي‪ ،)2008( ،‬تجريم االحتكار في نظام المنافسة السعودية‪ :‬دراسة تأصليه مقارنة‪ ،‬ص‪.33-32‬‬
‫‪ 4‬سورة المائدة‪ :‬اآلية ‪.2‬‬
‫مخالفتهم ألمره ليجبر الناس على الخضوع لما يفرضونه من األجور على أعمالهم اعتمادا على عدم‬

‫توفر من يقوم به المهنة غيرهم‪.1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تصنيف االحتكار من حيث نوعية المحتكر‬

‫يصنف االحتكار من حيث نوعية المحتكر إلى ثالثة أنواع‪:‬‬

‫أ‪ .‬االحتكار في كل شيء‪ :‬المقصود به سريان االحتكار على كل شي من طعام وغيره وهو قول‬

‫المالكية‪.2‬‬

‫ب‪ .‬االحتكار في األقوات فقط‪ :‬وهو كل ما ضر بالعامة حبسه فهو احتكار وهو سريان االحتكار‬

‫على األقوات فقط سواء كانت أقوات آدميين أو بهائم كالحنطة والشعير والتين والقت‪ ،‬وهو قول‬

‫ألبي حنيفة ولشافعية وغيرهم‪.3‬‬

‫ت‪ .‬االحتكار في قوت اآلدمي فقط‪ :‬يجرى االحتكار في قوت اآلدمي فقط‪ ،‬وهو قول عبد هللا بن‬

‫عمرو والصحيح من مذهب الحنابلة‪.‬‬

‫‪ 1‬فهد بن نوار العتيبي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.33-32‬‬


‫‪ 2‬مالك بن انس‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪ 3‬فهد بن نوار‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪1‬‬
‫ثانيا‪ :‬صور االحتكار‬

‫الصورة األولى‪ :‬جمع السلعة وحبسها من اجل التجارة والمبادلة في حال كثرة السلعة بمقدار يسع الناس‪،‬‬

‫وعدم تأثير الحبس على كفاية لسلعة في األسواق ووفائها لحاجات الناس‪.‬‬

‫الصورة الثانية‪ :‬ان يحبس المحتكر السلعة في حال كثرتها واتساعها لحاجات الناس‪ ،‬ولكن حبسه يؤثر‬

‫كفاية على الميسور لحاجات الناس فال يكفيهم‪.‬‬

‫الصورة الثالثة‪ :‬ان المحتكر يقوم بحبس السلعة حال قلتها‪ ،‬وعدم كون الميسور للناس وافيا لحاجاتهم‪،‬‬

‫وهنا يكون الحبس مؤث ار على حياة الناس من حيث حاجتهم لهذه السلعة‪.‬‬

‫الصورة الرابعة‪ :‬ان يجمع المحتكر سلعة معينة ويحبسها حال كثرتها وتوفرها للناس‪ ،‬فتحدث القلة في‬

‫السلعة وحاجة الناس اليها‪ ،‬ال يسبب حبس المحتكر بل بسبب اخر خارج عنه وعن فعله‪.‬‬

‫الصورة الخامسة‪ :‬ان التجميع للسلعة ال لغرض التجارة والمبادلة بل لغرض االستعمال الشخصي له‬

‫ولعائلته‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد مهدي شمس الدين‪ ،)( ،‬الحتكار في الشريعة اإلسالمية‪ :‬بحث فقهي مقارن‪ ،‬المركز الرئيسي للتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.100-90‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الفرق بين االحتكار واالكتناز واالدخار‬

‫ان الكلمات التي تشبهه االحتكار هي االدخار‪ ،‬واالكتناز وفيما يلي توضيح للفروق بينهم وبين االحتكار‪:‬‬

‫اوال‪ :‬الفرق بين االحتكار واالكتناز‬

‫أ‪ .‬تعريف االكتناز في اللغة‪:‬‬

‫جاء في لسان العرب‪ :‬الكنز اسم للمال إذا أحرز في وعاء‪ ،‬وقيل الكنز المال المدفون وجمعه كنوز‪.1‬‬

‫وجاء في تاج العروس‪ :‬تسمى العرب كل كثير مجموع يتنافس فيه كثي ار واكتنز الشيء اجتمع وامتأل‬

‫والفعل االكتناز‪.2‬‬

‫ب‪ .‬أما من حيث الشرع‪ :‬فان المال الذي لم تؤد زكاته يسمى كن از ويستوجب الوعيد‪.3‬‬

‫وجاء الوعيد في قول هللا تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}‪.4‬‬

‫أي كل من كنز المال ولم يخرج منه الحقوق الواجبة فبشره بعذاب اليم‪ ،‬وفسر الكنز بالمال الذي لم تؤدى‬

‫منه الزكاة‪.5‬‬

‫وبالنظر الى هذه التعريفات يتفق االحتكار مع االكتناز في اآلتي‪:‬‬

‫‪ .1‬في حبس األموال عن التداول وعن أداء الواجبات الشرعية المفروضة عليها‪.‬‬

‫‪ .2‬في الحكم أي أن حكم كل منهما التحريم‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪.242/2 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬تاج العروس‪.305 /15 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬نيل االوطار‪1426( ،‬م)‪ ،‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬دار حديث للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،4‬ص‪.132‬‬
‫‪ 4‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪1419( ،‬م)‪ ،‬إسماعيل بن عمر الحافظ‪ ،‬دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،4‬ص‪.137‬‬
‫اال أن هناك اختالفا بين االحتكار واالكتناز‪:‬‬

‫‪ .1‬في االكتناز يحبس المال عن االنفاق واالستثمار‪ ،‬وهو تعطيل للمال‪ ،‬أما االحتكار فتتم في حبس‬

‫األشياء حتى يرفع ثمنها لتحقق الربح الوفير‪.‬‬

‫‪ .2‬حبس األموال في االكتناز يقتصر على مجرد االحتفاظ بالمال بعيدا عن االستهالك دون استخدامه‬

‫أما االحتكار فيكون الغرض منه البيع في وقت حاجة الناس اليها‪.‬‬

‫والحكمة من تحريم االكتناز لما فيه من تعطيل لوظيفة المال في اإلسالم وهي االنفاق فجاء تحريم‬

‫االكتناز واحتجار المال في أيدي قلة من الناس قال تعاىل‪{ :‬كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}‪،1‬ولهذا منع الشارع‬

‫احتكار السلع كما منع اكتناز المال‪.2‬‬

‫ثانيا‪ :‬الفرق بين االحتكار واالدخار‬

‫أ‪ .‬تعريف االدخار لغة‪:‬‬

‫جاء في لسان العرب‪ :‬ادخر الشيء يد خره وداخره ادخار‪.3‬‬

‫في القاموس المحيط‪ :‬أصلها ادخر وادخر الشيء أي ستره وغطاه‪.4‬‬

‫في تاج العروس‪ :‬ادخاره كمنعه واألساس‪ :‬خبأه لوقت حاجته‪.5‬‬

‫‪ 1‬سورة الحشر‪ ،‬اآلية‪.7 :‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪.137 /4 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪.285/4 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬القاموس المحيط‪.12 /2 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪.302/4 ،‬‬
‫ب‪ .‬تعريف االدخار عند الفقهاء‪:‬‬

‫قال الحطاب‪(( :‬االدخار يعني حبس الشيء لوقت حاجة االنسان له دون قصد االضراب بالناس))‪.1‬‬

‫وجاء في المجموع شرح المهذب‪.‬‬

‫(اما االدخار فقد قال ابن رسالن في شرح السنن‪ ،‬وال خالف من أن ما يذخره االنسان من قوت‪ ،‬وما‬
‫‪2‬‬
‫يحتاجون اليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز ال بأس به)‬

‫وخالصة تعريفات الفقهاء لالدخار هو حبس الطعام وغيره من األشياء لوقت الحاجة دون قصد االضرار‬

‫بالناس‪.‬‬

‫وبهذا يتفق االدخار مع االحتكار في عنصر الحبس‪ ،‬وفي أن كال منهما يتم فيه حبس للشيء أو‬

‫للسلعة بصفة عامة‪ ،‬ويختلفان من عدة وجوه‪:‬‬

‫‪ .1‬الحبس في االحتكار يكون الغرض منه الحاق الضرر بالناس والتضييق عليهم‪ .‬أما االدخار‬

‫فالغرض من الحبس فيه تأجيل استهالك األشياء للمستقبل دون أن يلحق بذلك ضرر بالناس‪.‬‬

‫‪ .2‬لحبس في االحتكار محرم‪ ،‬وأما في االدخار فهو مباح بل مطلوب تماشيا مع سنة رسول هللا‬

‫صلى هللا عليه وسلم؛ ألن النبي صلى هللا عليه وسلم ((عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها‬

‫‪3‬‬
‫من تمر أو زرع وكان يعطيه أزواجه كل عام مائة وسق))‬

‫‪ .3‬الحبس في االحتكار يشترط ان يتم في وقت الغالء عندما تشتد حاجة الناس اليه‪ ،‬أما االدخار‬

‫فالغالب يتم في وقت الرخص‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬مواهب الجليل في شرح مختصر خليل‪1992( ،‬م)‪ ،‬شمس الدين الحطاب‪ ،‬ت‪ .‬زكريا عميرات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪.27/4‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬المجموع شرح المهذب ‪ ،)( ،‬محي الدين النووي‪ ،‬ابي زكريا‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬سوريا‪ ،‬دمشق‪.47 /13 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪1968( ،‬م)‪ ،‬أحمد بن علي العسقالني‪ ،‬دار الريان للتراث‪ ،‬رقم الحديث ‪.137 /2203‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫احكام االحتكار‬

‫تم تقسيم هذا المبحث الى ثالث مطالب‪ ،‬وذلك على النحو اآلتي بيانه‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حكم االحتكار في الفقه اإلسالمي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حكم االحتكار من حيث عقد العقد وعدته‬

‫المطلب الثالث‪ :‬شروط االحتكار‬


‫المطلب األول‪ :‬حكم االحتكار في الفقه اإلسالمي‬

‫اتفق الفقهاء على ان االحتكار يعتبر من التصرفات التي نهى عنها الشرع‪ ،‬إال انهم اختلفوا في المراد‬

‫بالنهي هل هو تحريم ام كراهة‪ ،‬وجاء الخالف في ذلك األمر على قولين‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬يرى ان المراد بالنهي هو التحريم‪ ،‬وبالتالي ان االحتكار يكون محرما وفاعله آثم‪ ،‬وهذا‬

‫ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬والظاهرية‪ ،‬والزيدية‪،‬‬

‫واإلباضية وأكثر اإلمامية‪.1‬‬

‫استدالل الفقهاء في هذا القول على ان االحتكار المراد بنهيه هو تحريم باألدلة اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬قال تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِإِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِن اللَّهَ كَانَ بِكُمْ‬

‫رَحِيمًا﴾ ‪.2‬‬

‫حيث جاءت داللة اآلية على حرمة اكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬واالحتكار أحد الوسائل التي يتوصل‬

‫بها الى ذلك‪ ،‬فكان محرما‪.‬‬

‫‪ .2‬قال تعالى‪﴿ :‬وَمَن يُرِد فِيهِ بِإِحلَادِ بِظُلمنُّذِقهُ مِن عَذَابٍ أَلِيم﴾‪.3‬‬

‫حيث جاءت داللة اآلية الكريمة على تحريم االحتكار‪ ،‬حيث انه من الظلم المنهي عنه‪ ،‬إذ انه يؤدي‬

‫الى اإلضرار بالناس‪ ،‬وعموم اآلية يشمل االحتكار في الحرم وغيره‪ ،‬بل ان بعض المفسرين قطع بأن‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬مغنى المحتاج‪ ،)1994( ،‬الخطيب الشربيني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.392 /2 ،1‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬جزء من سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.25 :‬‬
‫هذه اآلية نص في االحتكار‪ ،‬واعتمد على ما رواه أبو داوود عن يعلي بن أمية ان رسول هللا (صل اهلل‬

‫عليه وآله وسلم) قال‪ :‬احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه‪.1‬‬

‫مناقشة عن االستدالل باآلية السابقة والحديث‪:‬‬

‫▪ ان تخصيص هذه اآلية مردود‪ ،‬إذ المراد بها كل أمر فظيع من المعاصي الكبار‪ ،‬ولذلك فسر اإللحاد‬

‫هنا بالشرك والقتل وغير ذلك‪ ،‬ومن فسر اآلية باالحتكار إنما استعمل أسلوب التمثيل والتنبيه على ما‬

‫هو اشد منه‪.‬‬

‫يمكن القول ان الحديث الذي تم االستدالل به على تخصيص اآلية باالحتكار‪ ،‬وهو حديث يعلي بن‬ ‫▪‬

‫امية حديث ضعيف‪.2‬‬

‫القول الثاني‪ :‬يرى ان المراد بالنهي هو الكراهة‪ ،‬وبالتالي ان االحتكار يكون من التصرفات‬

‫المكروهة‪ ،‬ولكن ال يصل الى حد التحريم‪ ،‬وهذا ما ذهب اليه بعض الشافعية وبعض اإلمامية‪.3‬‬

‫‪4‬‬
‫استدالل الفقهاء في هذا القول على ان االحتكار المراد بنهيه هو الكراهية باألدلة اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬استدلوا بحديث حكيم بن حزام وفيه أن النبي قال‪ :‬إياك أن تحتكر‪ ،‬حيث قالوا‪ :‬إن ھذا الحديث يحمل‬

‫على المخاطب وھو حكيم بن حزام‪ ،‬أي أن الحديث خاص به وال يتعداه إلى غيره‪ ،‬فيكون االحتكار‬

‫في حق حكيم حراما وفى حق غيره مكروھا‪.‬‬

‫حيث جاء هذا االستدالل بأن العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب‪ ،‬كما انه ال توجد قرينة او دليل يدل‬

‫على التخصيص‪ ،‬وبالتالي وجب حمل الحديث على العموم حتى يثبت التخصيص‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر الى‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،)( ،‬محمد بن أحمد القرطبي‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪.35 /2 ،‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪2006( ،‬م)‪ ،‬محمد بن احمد القرطبي‪ ،‬ت‪ .‬عبد هللا بن عبد المحسن التركي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة للنشر‪ ،‬ط‪.35/12 1‬‬
‫‪ 3‬ينظر الى‪ :‬مغنى المحتاج‪.392/2 ،‬‬
‫‪ 4‬احمد عرفة‪ ،‬االحتكار‪ :‬دراسة فقهية مقارنة‪ ،‬مكتبة صيد الفوائد‪.‬‬
‫‪ .2‬استدلوا بقولھم‪ :‬إن الروايات التي وردت دالة على حرمة االحتكار والتي ذكرھا الجمھور قاصرة من‬

‫حيث السنة والداللة‪ ،‬الختالفھا في تعداد ما يجرى فيھ االحتكار‪ ،‬فمرة يكون عدده أربعة‪ ،‬ومرة أخرى‬

‫يكون العدد خمسة‪ ،‬ومرة ثالثة يكون ستة‪.‬‬

‫المقصود بذلك ان الروايات الواردة في الصحيح غير قاصرة الداللة على التحريم‪ ،‬لترتبه على اللعن‬

‫والوعيد الذي ورد بهما‪ ،‬اما تعداد أنواعها فقذ ذكره فقهاء االمامية كما ان الختالف في التعداد ال يراد بھ‬

‫الكراھة دون التحريم‪.1‬‬

‫وبعد عرض مذاهب الفقهاء فى حكم االحتكار وأدلة كل مذهب فإن مجموع األدلة ترجح رأى جمهور‬

‫الفقهاء القائل بتحريم االحتكار وذلك لقوة أدلته وسالمتها من المناقشة‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬أحمد مصطفى عفيفي‪)2003( ،‬م‪ ،‬االحتكار وموقف الشريعة االسالمية منه في إطار العالقات االقتصادية المعاصرة‪ ،،‬طبعة مكتبة وهبة –‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1‬ص ‪.198‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حكم االحتكار من حيث عقد العقد وعدته‬

‫للفقهاء في بيان حكم االحتكار من حيث صحة العقد وعدمه قوالن‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬يصح عقد من اشترى لالحتكار‬

‫نص على هذا القول الزيدية وهو الصحيح من مذهب الحنابلة واستدلوا به‪:1‬‬

‫‪ -‬ان المنهي عنه هو االحتكار‪.‬‬


‫‪ -‬ان عمر بن الخطاب لم يفسد عقد مواله ومولى عثمان رضي هللا عنهم‪.2‬‬

‫القول الثاني‪ :‬عدم صحة عقد من اشترى لالحتكار‪ ،‬وهذا ما رآه بعض الحنابلة‪.3‬‬

‫القول الراجح‪ :‬الراجح من االقوال المتقدمة هو التحريم لما يأتي‪:‬‬

‫‪ .1‬سالمة أدلة المنقول والمعقول مما يرد عليها من االعتراضات‪.‬‬


‫‪ .2‬قد يقال بأن اكتفاء عمر بن الخطاب رضي هللا عنه بوعظ مواله وترك عقوبته حين رآه‬
‫يحتكر كما تقدم يدل على عدم تحريمه‪ ،‬ولكن الحق أن ذلك لم يكن من قبيل االحتكار‬
‫الممنوع بنظر عمر لعدم اشتداد حاجة الناس إليه‪ ،‬وإال فإن الخليفة عمر العدل الحازم‬
‫لو رأى أن ذلك يضر بالمسلمين الشتداد حاجتهم إليه‪ ،‬ألعطى لهم درسا ال ينسى يكون‬
‫به مثال تتحدث به الناس‪ ،‬ال سيما وأنه عد االحتكار ظلما وإلحادا‪.‬‬
‫‪ .3‬االحتكار يحقق مصلحة فردية‪ ،‬وعدمه يحقق مصلحة الجماعة وحين تعارض مصلحة‬
‫الفرد والجماعة يقدم الفقهاء مصلحة الجماعة على الفرد‪ ،‬كما هو واضح في القرءان‬
‫والسنة والقواعد العامة‪.‬‬

‫‪1‬السيوطي‪ ،‬مطالب أولى النهى‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،2،‬ج‪ ،3.‬ص‪.63‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬االحتكار وآثاره في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬االحتكار وآثاره في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫فسبب االختالف في حكم االحتكار بين القائلين بالكراهة وبالتحريم مختلفون في اعتبار‬
‫بعض القيود في مفهوم االحتكار المنهي عنه شرعا وعدم اعتبارها‪.1‬‬

‫بشكل عام‪ ،‬يجب على المسلمين أن يتجنبوا االحتكار وأن يكونوا سمحين في عقودهم وأن‬
‫يراعوا مصالح الناس‪ .‬يجب عليهم أن يتعاونوا في توفير السلع والموارد الضرورية للناس‬
‫بأسعار معقولة وأال يستغلوا الحاجة والضيق في األسعار لتحقيق أرباح غير مشروعة‪.‬‬

‫‪1‬محمد مهدي شمس الدين‪1998( ،‬م)‪ ،‬االحتكار في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.147‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬شروط االحتكار‬

‫اختلـف الفقهـاء في شـروط االحتكـار فمنهـا مـا هـو متفـق عليهـا‪ ،‬ومنهـا مـا هـو مختلـف فيهـا؛ وذلك‬

‫حسب تعاريفهم لالحتكار‪.‬‬

‫اوال‪ :‬الشروط المتفق عليها‪:‬‬

‫أ‪ .‬أن يحدث بشرائه ضيقا وضر ار بالناس‪ :‬تفق الفقهاء على؛ فمـتى تحققـت العلـة حـرم االحتكـار‬

‫وأن الحكمـة مـن تحريمـه هـي دفـع ورفـع الضـرر والضـيق عـن النـاس؛ فمـن ألحـق بالناس ضر ار‬

‫بسـبب حبسـه لشـيء مـن األشـياء بقصـد تحيـين الغـالء‪ ،‬وبيعـه بـأغلى األسـعار كـان محتك ار يحرم‬

‫عليه ذلك‪ .‬ودليـل ذلـك األحاديـث الـواردة في البـاب والناهيـة عـن االحتكـار بسـبب إلحـاق الضـرر‬

‫بالعامـة منها‪:‬‬

‫‪ -‬عن أبي هريرة رضـي هللا عنـه قـال‪ :‬قـال رسـول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم ((من احتكر مسلم حكرة‬

‫‪1‬‬
‫يريد ان يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ))‬

‫‪-‬عـن سـعيد بـن المسـيب عـن معمـر بـن عبـد هللا رضـي هللا عنـه قـال‪ :‬قـال رسـول هللا صـلى هللا‬ ‫‪-‬‬

‫عليه وسلم‪(( :‬ال يحتكر إال خاطئ))‪.2‬‬

‫‪ -‬وعنـد الحنفيـة فقـد كمـا جـاء في بـدائع الصـنائع‪ " :‬االحتكـار هـو أن يشـتري طعامـا في مصـر‬

‫ويمتنع عن بيعه وذلك يضر بالناس‪.3‬‬

‫‪ -‬وقال أبو يوسف‪":‬االحتكار في كل ما يضر بالعامة نظ ار إلى أصل الضرر‪".4‬‬

‫‪ 1‬عبد الرزاق نصرات‪2020( ،‬م)‪ ،‬االحتكار وصوره المعاصرة (دراسة تطبيقية لنماذج مختارة)‪ ،‬جامعة الشهيد حمه لخضر – الوادي‪ ،‬معهد‬
‫العلوم اإلسالمية قسم الشريعة‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬االحتكار وصوره المعاصرة (دراسة تطبيقية لنماذج مختارة)‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 3‬الكاساني‪ ،)( ،‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬مطبعة الجمالية‪ ،‬القاهرة‪ :‬مصر‪.129 /5 ،‬‬
‫‪ 4‬عبـد هللا بـن محمـود مـودود الموصـلي (‪2005‬م)‪ ،‬االختيـار لتعليـل المختـار‪ ،‬ت‪ :‬عبـد هللا محمـد عبد الرحمان‪ ،‬ط‪ 3،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.162 /4 ،‬‬
‫‪ -‬وعند المالكية فقد جاء في مواهب الجليل قال مالك‪" :‬فأما ما كان احتكاره ال يضر بالنـاس منـع‬

‫محتكره من الحكرة‪ ،‬وإن لم يضر ذلك بالناس‪ ،‬وال باألسواق فال بأس به"‪.1‬‬

‫‪ -‬وفي النوادر والزيادات‪ .‬قال مالك‪" :‬ومما يعينه من مصر‪ ،‬ويرونـه ظلمـا‪ ،‬منـع التـاجر إذا لم يكـن‬

‫مض ار بالناس‪ ،‬وال بأسواقهم‪."2‬‬

‫‪ -‬اما الشافعية‪ ،‬قال الشربيني‪ " :‬ويحرم االحتكـار للتضـييق علـى النـاس‪."3‬‬

‫‪ -‬وعند الحنابلة‪ :‬قال ابن قدامه‪ " :‬واالحتكار المحرم ما اجتمع فيـه ثالثـة شـروط‪ ...‬الثالـث أن‬

‫يضـيق علـى النـاس بشرائه‪.4‬‬

‫‪ -‬أما اإلمامية‪ :‬ففي مفتاح الكرامة‪ " :‬و حاصله أن يضيق على النـاس شـرائه ولـو لم يكـن بفعلـه‬

‫ضـيق‪ ،‬أو كـان ببقائه ال بابتدائه‪ ،‬لم يكن احتكار"‪.5‬‬

‫ب‪ .‬أن يكون االحتكار عند حاجة الناس إليه وفي وقت الشدة الضرورية‪:‬‬

‫‪ -‬عند الحنفية‪ ،‬قـال الكاسـاني‪ ":‬وألن حرمـة االحتكـار بحسـب المشـتري في الحصـر لتعلـق حـق‬

‫العامـة بـه؛ فيصـير ظالما بمنع حقهم على مـا نـذكر‪،‬ولم يوجـد ذلـك في المشـتري خـارج المصـر‬

‫مـن مكـان بعيـد؛ ألنـه من اشتراه ولم يتعلق به أهل المصر؛ فال يتحقق الظلم"‪.6‬‬

‫‪ -‬عند المالكية‪ :‬جـاء في المنتقـى‪ " :‬في بيـان معـنى الوقـت الـذي يمنـع فيـه االدخـار‪ ،‬ن لـذلك‬

‫حـالتين‪ :‬إحـداهما حال الضرورة والضيق؛ فهذا حال يمنـع فيهـا مـن االحتكـار وال خـالف نعلمـه‬

‫في ذلـك‪"7‬‬

‫‪ 1‬مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل‪1995( ،‬م)‪ ،‬الحطاب الرعيني‪ ،‬جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية الطبعة االولى‪.227 /4 ،‬‬
‫‪ 2‬النوادر والزيادات‪1999( ،‬م)‪ ،‬أبو زيد القيرواني‪،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪.542/6 ،‬‬
‫‪ 3‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج‪1994( ،‬م)‪ ،‬شمس الدين الشربيني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ :‬لبنان‪.392/2 ،‬‬
‫‪ 4‬المجموع شرح المهذب‪ ،)( ،‬يحيى بن شرف النووي‪ ،‬مكتبة االرشاد‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪.47 /13 ،‬‬
‫‪ 5‬مفتاح الكرامة في شرح قواعد العالمة‪ ،)( ،‬السيد جواد الحسيني العاملي‪ ،‬مؤسسة النشر االسالمي‪.358 /12 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬مرجع سابق‪.129/5 ،‬‬
‫‪ 7‬ينظر‪ :‬الملتقى شرح الموطأ‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.423/3 ،‬‬
‫‪ -‬عند الشافعية‪ :‬قال ابن حجر الهيثمي‪ " :‬ومن المنهي عنه أيضا احتكار القوت؛ بأن يشتريه‬

‫وقت الغالء والعبرة فيه بالصرف لبيعه بأكثر من ثمنه للتصنيف حينئذ‪."1‬‬

‫‪ -‬عند الحنابلة‪ :‬فقـد جـاء في المغـني‪ " :‬واالحتكـار المحـرم مـا اجتمـع فيـه ثـالث شـرو ط‪ ...‬الثالـث‬

‫أن يضـيق علـى النــاس ش ـرائه وال يحصــل ذلــك إال بــأمرين‪ :‬أحــدهما أن يكــون في بلــد يضــيق‬

‫بأهلــه االحتكـار كالحرمين‪ ...‬والثاني‪ ،‬أن يكون في حال الضيق‪."2‬‬

‫‪ -‬عند الزيدية‪ :‬ففي الروض النظير‪" :‬وقد شرط أهل المذهب لتحريم االحتكار شروطا‪ ...‬وأن يكـون‬

‫مـع حاجـة الناس إليه‪."3‬‬

‫‪ -‬عند االمامة‪ :‬ففي مفتاح الكرامة‪ " :‬إن كان الطعام كثي ار يسع الناس فال بأس‪ ،‬وإن كان قليال ال‬

‫يسع الناس‪ ،‬فإنه يكره أن يحتكر ويترك الناس ليس لهم"‪.4‬‬

‫ت‪ .‬أن يتربص به الغالء حتى يحقق األرباح‪.‬‬

‫‪ -‬الحنفية‪ :‬قال البابرتي " االحتكار حبس األقوات متربصا للغالء"‪.5‬‬

‫‪ -‬المالكية‪ :‬وقد ذكرنا سابقا عند تعريف االحتكـار للبـاجي‪ " :‬االحتكـار هـو االدخـار للمبيـع وطلـب‬

‫الـربح"‪.6‬‬

‫‪ -‬الشافعية‪ :‬فقد جاء في إرشاد الساري‪ ":‬الحكرة وهي إمساك ما اشتراه في وقت الغالء ال في وقت‬

‫الـرخص لبيعه بأكثر مما اشتراه به عند اشتداد الحاجة‪.7‬‬

‫‪ 1‬تحفة المحتاج وحاشيتا الشرواني وابن قاسم‪1983( ،‬م)‪ ،‬ابن حجر الهيثمي‪ ،‬لمكتبة التجارية الكبرى بمصر‪..317/4 ،‬‬
‫‪ 2‬إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين ‪ ،‬البكري الدمياطي‪.24 /3 ،‬‬
‫‪ 3‬الروض النظير‪ ،‬الصنعاني‪ ،‬دار الجيل‪ :‬بيروت‪.308 /3 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬الصنعاني‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.309 /3 ،‬‬
‫‪ 5‬العناية شرح الهداية‪1970(،‬م)‪ ،‬محمد بن محمد البابرتي‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصفى البابي الحلبي وأوالده بمصر (وصورتها دار الفكر‪،‬‬
‫لبنان)‪.58 /10 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬الملتقى شرح الموطأ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.15/5 ،‬‬
‫‪ 7‬إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري‪1323(،‬هـ)‪ ،‬احمد بن محمد القسطالني‪ ،‬المطبعة الكبرى األميرية‪ ،‬مصر‪.95 /5 ،‬‬
‫‪ -‬الحنابلة‪ :‬في مطالب أولي النهي‪ " :‬االحتكار (شراؤه) أي القوت لتجـارة ليحبسـه طلبـا للغـالء مـع‬

‫حاجـة الناس إليه‪ ،‬وهو بالحرمين أشد تحريما"‪.1‬‬

‫‪ -‬الزيدية‪ :‬فقد جاء في الروض النظير‪ " :‬االحتكار أن يأخذ الطعام ويحبسه ليقل فيغلوا‪."2‬‬

‫‪ -‬االمامية‪ :‬فقد وردنا ذلك عند تعريفهم لالحتكار ففي الروضة البهية‪" :‬احتكـار الطعـام هـو حبسـه‬

‫بتوقـع زيادة في السعر‪.3‬‬

‫‪ -‬اإلباضية‪ :‬جاء في شرح كتاب النيل عند تعريف االحتكار"‪...‬بقصـد ادخـار لغـالء فيـه‪ .‬فلـو‬

‫اشـتراه لينتظـر به الغالء يوما أو نصف يوم أو ثلثه أو ساعة أو أقل أو أكثر لكان محتك ار"‪.4‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشروط المختلف عليها‬

‫اختلف الفقهاء في بعض الشروط المقيدة لالحتكار حتى يكون احتكا ار محرما‪.‬‬

‫أ‪ .‬أن يكون المشتري قوتا‪ :‬سواء لآلدميين أو اآلدميين والبهائم وقد فصلنا في هذا الشرط عند ذكر‬

‫ما يجري فيه االحتكار وأوردنا أقوال الفقهاء فيه بالتفصيل‪.‬‬

‫ب‪ .‬أن يكــون الش ـراء وقــت الغــالء ال في زمــن الــرخص‪ ،‬اشــترط بعــض الفقهــاء ان الشراء في وقت‬

‫الغالء فمن اشترى طعاما زمن الرخص وادخره فال يعد محتكرا؛ وهو ما ذهب إليـه المالكيـة‬

‫والشافعية والحنابلة وبعض اإلمامية و اإلباضية والظاهرية‪.‬‬

‫‪ 1‬مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى‪1994( ،‬م)‪ ،‬مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي‪ ،‬المكتب االسالمي للنشر‪.63 /3 ،‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬الصنعاني‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.307/3 ،‬‬
‫‪ 3‬الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية‪ ،)1970( ،‬زين الدين الجبعي العاملي الشهيد الثاني‪ ،‬جامعة النجف الدينية‪.180/2 ،‬‬
‫‪ 4‬النيل وشفاء العليل‪1985( ،‬م)‪ ،‬محمد يوسف اطفيش‪ ،‬مكتبة االرشاد‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ -‬جدة‪.177/8 ،‬‬
‫‪ -‬المالكية‪ :‬جاء في المنتقى‪“ :‬يتعلق المنع بمن يشتري في وقت الغالء أكثر من مقدار قوته‪."1.‬‬

‫‪ -‬الشافعية‪ :‬جـاء في المجموع شـرح المهـذب" ‪ :‬ويحـرم االحتكـار في األقـوات؛ وهـو أن يبتـاع في‬

‫وقـت الغـالء ويمسكه ليزداد في ثمنه‪."2‬‬

‫‪ -‬الحنابلة‪ :‬قـال ابـن قدامـه‪ " :‬فأمـا إن اشـتراه في حـال االتسـاع الـرخص‪ ،‬علـى وجـه ال يضـيق علـى‬

‫أحـد فليس بمحرم"‪.3‬‬

‫‪ -‬اإلمامية‪ :‬جــاء في مفتــاح الك ارمــة‪ ":‬أمــا إذا اشــتراه في حــال الــرخص؛ بحيــث ال يضــيق علــى‬

‫أحــد‪ ،‬فــال بأس"‪.4‬‬

‫‪ -‬اإلباضية‪ :‬ففي شرح النيل‪ " :‬فلو اشتراه غاليا كان محتك ار‪."5‬‬

‫‪ -‬الظاهرية‪ :‬جاء في المحلي‪ " :‬والمحتكر في وقت رخاء ليس آثما بل هو محسن‪."6‬‬

‫‪ -‬الحنفية‪ :‬وقال الكساني‪ " :‬أن يشتري طعاما في مصر ويمتنع عن بيعه وذلـك يضـر بالنـاس‪...‬‬

‫ولـو وجلـب إلى مصر طعاما من مكان بعيد وحبسه ال يكون محتك ار‪."7‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬المنتقى‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.16/5 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬المجموع شرح المهذب‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.44/13 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬المغني‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.167/4 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬مفتاح الكرامة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.358 /12 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬شرح كتاب النيل‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.177/8 ،‬‬
‫‪ 6‬المحلى باآلثار‪1352( ،‬هـ)‪ ،‬ابن حزم الظاهري‪ ،‬المطبعة المنيرية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.572/7 ،‬‬
‫‪ 7‬ينظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.129/5 ،‬‬
‫الخاتمة‬

‫استنتاجات‪:‬‬

‫‪ .1‬االحتكار يعتبر ممنوعا في الفقه اإلسالمي‪ ،‬فهو يتعارض مع األصول اإلسالمية التي تؤكد على‬

‫ضرورة توزيع الثروة والموارد بشكل عادل ومتساو بين جميع أفراد المجتمع‪.‬‬

‫‪ .2‬يعتبر االحتكار استغالال غير مشروع لالقتصاد‪ ،‬حيث يؤدي إلى رفع األسعار وتقييد الخيارات‬

‫المتاحة للمستهلكين ويعرقل المنافسة العادلة في السوق‪.‬‬

‫‪ .3‬يجب أن يلتزم رجال األعمال والتجار المسلمون بالقوانين والضوابط الشرعية المتعلقة بالتجارة‬

‫والتعامالت المالية‪ ،‬وعدم اللجوء إلى االحتكار كوسيلة لتحقيق الربح السريع والمخالف للمصلحة‬

‫العامة للمجتمع‪.‬‬

‫‪ .4‬يتطلب تعزيز الوعي الشرعي بين المسلمين بضرورة تجنب االحتكار والعمل بطرق تجارية مبنية على‬

‫العدل واإلنصاف‪ ،‬وذلك من خالل الشروع في الدروس والمحاضرات التوعوية والتثقيفية حول مفهوم‬

‫االحتكار وتأثيراته السلبية‪.‬‬

‫دور هاما في مكافحة االحتكار من خالل وضع التشريعات والسياسات‬


‫‪ .5‬يمكن للدولة أن تلعب ا‬

‫االقتصادية المناسبة وتعزيز المنافسة الحرة في السوق‪ ،‬باإلضافة إلى تشجيع التعاون والشراكات بين‬

‫القطاعين العام والخاص لتعزيز االقتصاد المستدام‪.‬‬


‫التوصيات‬

‫‪ .1‬ضرورة تشديد الرقابة والرقابة على األسواق لمنع التالعب واالحتكار‪ ،‬وذلك من خالل تعزيز الهيئات‬

‫الرقابية وتعزيز قدراتها في رصد ومكافحة التجاوزات االقتصادية‪.‬‬

‫‪ .2‬تشجيع التنافسية العادلة في السوق من خالل تقديم الحوافز والتسهيالت للمشاريع الصغيرة والمتوسطة‬

‫وتشجيع روح المبادرة واالبتكار وتنمية مهارات رجال األعمال‪.‬‬

‫‪ .3‬تعزيز التوعية الشرعية حول مفهوم االحتكار وتأثيراته السلبية‪ ،‬وذلك من خالل تنظيم الندوات‬

‫والمؤتمرات والحمالت اإلعالمية التثقيفية‪.‬‬

‫‪ .4‬المواصلة تطوير األبحاث والدراسات في مجال االحتكار في الفقه اإلسالمي‪ ،‬وذلك لتحديد المشكالت‬

‫والتحديات التي تواجه المجتمع وتوفير الحلول الشرعية المناسبة‪.‬‬

‫‪ .5‬تشجيع التعاون والتنسيق بين الدول اإلسالمية لتبادل الخبرات والمعرفة في مجال مكافحة االحتكار‬

‫وتعزيز التعاون االقتصادي بينها‪.‬‬

You might also like