Professional Documents
Culture Documents
Iqtisad
Iqtisad
احلم ffد هلل ال ffذي اجت ffىب من ص ffفوة عب ffاده عص ffابة احلق وأه ffل الس ffنة ،وخص ffهم من بني س ffائر الف ffرق مبزاي ffا
اللطfف واملنfة ،وأفfاض عليهم من نfور هدايتfه مffا كشfف بfه عن حقffائق الfدين ،وأنطfق ألسfنتهم حبجتfه الfيت
قمع هبا ضالل امللحدين ،وصfفى سfرائرهم من وسfاوس الشfياطني ،وطهfر ضfمائرهم عن نزغfات الfزائغني،
وعمر أفئدهتم بأنوار اليقني حىت اهتدوا هبا إىل أسfرار مfا أنزلfه على لسfان نبيfه وصfفيه حممfد صfلى اهلل عليfه
وسلم سيد املرسلني ،واطلعوا على طريق التلفيق بني مقتضيات الشfرائع وموجبfات العقffول؛ وحتققffوا أن ال
معانffدة بني الشffرع املنقffول واحلق املعقffول .وعرفffوا أن من ظن من احلشffوية وجffوب اجلمffود على التقليffد،
واتباع الظواهر ما أتfوا بfه إال من ضfعف العقfول وقلfة البصfائر .وإن من تغلغfل من الفالسfفة وغالة املعتزلfة
يف تص ffرف العق ffل ح ffىت ص ffادموا ب ffه قواط ffع الش ffرع ،م ffا أت ffوا ب ffه إال من خبث الض ffمائر .فمي ffل أولئ ffك إىل
التفري ffط ومي ffل ه ffؤالء إىل االف ffراط ،وكالمها بعي ffد عن احلزم واالحتي ffاط .ب ffل ال ffواجب احملت ffوم يف قواع ffد
االعتقffاد مالزمffة االقتصffاد واالعتمffاد على الصffراط املسffتقيم؛ فكال طffريف قصffد األمffور ذميم .وأىن يسffتتب
الرشاد ملن يقنع بتقليد األثر واخلرب ،وينكر مناهج البحث والنظر ،أو ال يعلم انه ال مسffتند للشffرع إال قffول
سffيد البشffر صffلى اهلل عليffه وسffلم ،وبرهffان العقffل هffو الffذي عffرف بffه صffدقه فيمffا أخffرب ،وكيffف يهتffدي
للص ffواب من اقتفى حمض العق ffل واقتص ffر ،وم ffا استض ffاء بن ffور الش ffرع وال استبص ffر ؟ فليت ش ffعري كي ffف
يف ffزع إىل العق ffل من حيث يعرتي ffه العي واحلص ffر ؟ أو ال يعلم ان العق ffل قاص ffر وأن جمال ffه ض ffيق منحص ffر ؟
هيهffات قffد خffاب على القطffع والبتffات وتعffثر بأذيffال الضffالالت من مل جيمffع بتffأليف الشffرع والعقffل هffذا
الشffتات .فمثffال العقffل البصffر السffليم عن اآلفffات واالذاء .ومثffال القffرآن الشffمس املنتشffرة الضffياء .فffاخلق
بأن يكfون طfالب االهتfداء .املسfتغين إذا اسfتغين بأحfدمها عن اآلخfر يف غمfار األغبيfاء ،فfاملعرض عن العقfل
مكتفيًا بنور القرآن ،مثاله املتعرض لنور الشمس مغمضًا لألجفان ،فال فfرق بينfه وبني العميfان .فالعقffل مffع
الشffرع نffور على نffور ،واملالحffظ بffالعني العffور ألحffدمها على اخلصffوص متffدل حببffل غffرور .وسيتضffح لffك
أيه ffا املش ffوق إىل االطالع على قواع ffد عقائ ffد أه ffل الس ffنة ،املق ffرتح حتقيقه ffا بقواط ffع األدل ffة ،أن ffه مل يس ffتأثر
بffالتوفيق للجمffع بني الشffرع والتحقيffق فريffق سffوى هffذا الفريffق .فاشffكر اهلل تعffاىل على إقتفائffك آلثffارهم
واخنراطك يف سلك نظامهم وعيارهم واختالطك بفرقتهم؛ فعساك أن حتشر يوم القيامة يف زمffرهتم .نسffأل
اهلل تعffاىل أن يصffفي أسffرارنا عن كffدورات الضffالل ،ويغمرهffا بنffور احلقيقffة ،وأن خيرس ألسffنتنا عن النطffق
بالباطل ،وينطقها باحلق واحلكمة إنه الكرمي الفائض املنة الواسع الرمحة.
باب
ولنفتح الكالم ببيان اسم الكتاب ،وتقسيم املقدمات والفصول واألبواب .أما اسffم الكتffاب فهffو االقتصffاد
يف االعتق ffاد .وأم ffا ترتيب ffه فه ffو مش ffتمل على أرب ffع متهي ffدات جتري جمرى التوطئ ffة واملق ffدمات ،وعلى أرب ffع
أقطاب جتري جمرى املقاصد والغايات.
التمهيد األول :يف بيان أن هذا العلم من املهمات يف الدين.
التمهيد الثاين :يف بيان أنه ليس مهمًا جلميع املسلمني بل لطائفة منهم خمصوصني.
التمهيد الثالث :يف بيان أنه من فروض الكفايات ال من فروض األعيان.
التمهيد الرابع :يف تفصيل مناهج األدلة اليت أوردهتا يف هذا الكتاب.
وأما األقطاب املقصودة فأربعة ومجلتها مقصffورة على النظffر يف اهلل تعffاىل .فإنffا إذا نظرنffا يف العffامل مل ننظffر
فيه من حيث أنfه عfامل وجسfم ومساء وأرض ،بfل من حيث أنfه صfنع اهلل سfبحانه .وإن نظرنfا يف النfيب عليfه
السfالم مل ننظfر فيfه من حيث أنfه انسfان وشfريف وعffامل وفاضffل؛ بfل من حيث أنfه رسfول اهلل .وان نظرنfا
يف أقوالffه مل ننظffر من حيث أهنا أقffوال وخماطبffات وتفهيمffات؛ بffل من حيث أهنا تعريفffات بواسffطته من اهلل
تعاىل ،فال نظر إال يف اهلل وال مطلوب سوى اهلل ومجيع أطراف هffذا العلم حيصffرها النظffر يف ذات اهلل تعffاىل
ويف صffفاته سffبحانه ويف أفعالffه عffز وجffل ويف رسffول اهلل صffلى اهلل عليffه وسffلم ومffا جاءنffا على لسffانه من
تعريف اهلل تعاىل .فهي إذن أربعة أقطاب:
القطب األول :النظffر يف ذات اهلل تعffاىل .فنffبني فيffه وجffوده وانffه قffدمي وأنffه بffاق وأنffه ليس جبوهر وال جسffم
وال عffرض وال حمدود حبد وال هffو خمصffوص جبهffة ،وأنffه مffرئي كمffا أنffه معلffوم وأنffه واحffد؛
فهذه عشرة دعاوى نبينها يف هذا القطب.
القطب الث ffاين :يف ص ffفات اهلل تع ffاىل .ون ffبني في ffه أن ffه حي ع ffامل ق ffادر مري ffد مسيع بص ffري متكلم وأن ل ffه حي ffاة
وعلم ًfا وقffدرة وإرادة ومسعًا وبصffرًا وكالم ًfا ،ونffذكر أحكffام هffذه الصffفات ولوازمهffا ومffا
يف ffرتق فيه ffا وم ffا جيتم ffع فيه ffا من األحك ffام ،وأن ه ffذه الص ffفات زائ ffدة على ال ffذات وقدمية
وقائمة بالذات وال جيوز أن يكون شيء من الصفات حادثًا.
القطب الثالث :يف أفعال اهلل تعاىل .وفيه سfبعة دعfاوى وهfو انfه ال جيب على اهلل تعfاىل التكليfف وال اخللfق
وال الثواب على التكليف وال رعاية صالح العباد وال يستحيل منه تكليف ما ال يطffاق وال
جيب علي ffه العق ffاب على املعاص ffي وال يس ffتحيل من ffه بعث ffه األنبي ffاء عليهم الس ffالم؛ ب ffل جيوز
ذلك .ويف مقدمة هذا القطب بيان معىن الواجب واحلسن والقبيح.
القطب الرابffع :يف رسffل اهلل ،ومffا جffاء على لسffان رسffولنا حممffد صffلى اهلل عليffه وسffلم من احلشffر والنشffر
واجلنة والنار والشفاعة وعذاب القرب وامليزان والصراط ،وفيه أربعة أبواب:
الباب األول :يف إثبات نبوة حممد صلى اهلل عليه وسلم.
الباب الثاين :فيما ورد على لسانه من أمور اآلخرة.
الباب الثالث :يف اإلمامة وشروطها.
الباب الرابع :يف بيان القانون يف تكفري الفرق املبتدعة.
القطب الرابع إثبات نبوة نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلم وإثبات ما أخرب هو عنه
الباب األول يف اثبات نبوة نبينا حممد صffلى اهلل عليffه وسffلم وإمنا نفتقffر إىل إثبffات نبوتffه ،على اخلصffوص،
وعلى ثالث ffة ف ffرق :الفرق ffة األوىل ،العيس ffوية :حيث ذهب ffوا إىل أن ffه رس ffول إىل الع ffرب فق ffط ال إىل غ ffريهم،
وهffذا ظffاهر البطالن فffإهنم اعffرتفوا بكونffه رسffوًال حقًfا ،ومعلffوم أن الرسffول ال يكffذب ،وقffد ادعى هffو أنffه
رسffول مبعffوث إىل الثقلني ،وبعث رسffوله إىل كسffرى وقيصffر وسffائر ملffوك العجم وتffواتر ذلffك منffه فمffا
قffالوه حمال متنffاقض .الفرقffة الثانيffة ،اليهffود :فffإهنم انكffروا صffدقه ال خبصffوص نظffر فيffه ويف معجزاتffه ،بffل
زعمffوا أنffه ال نffيب بعffد موسffى عليffه السffالم ،فffأنكروا نبffوة حممffد وعيسffى عليهمffا السffالم .فينبغي أن تثبت
عليهم نب ffوة عيس ffى ألن ffه رمبا يقص ffر فهمهم عن درك إعج ffاز الق ffرآن وال يقص ffرون عن درك إعج ffاز إحي ffاء
املوتى وإبfراء األكمfه واألبfرص فيقfال هلم مfا الfذي محلكم على التفريfق بني من يسfتدل على صfدقه بإحيfاء
املوتى وبني من يستدل بقلب العصا ثعبانًا ؟ وال جيدون إليه سfبيًال البتfة ،إال أهنم ضfلوا بشfبهتني :إحfدامها،
قffوهلم :النسffخ حمال يف نفسffه ألنffه يffدل على البffدء والتغيffري وذلffك حمال على اهلل تعffاىل ،والثانيffة لفهم بعض
امللحfدة أن يقولfوا :قfد قfال موسfى عليfه السfالم :عليكم بfديين مfا دامت السfموات واألرض ،وإنfه قfال إين
خffامت األنبيffاء .أمffا الشffبهة األوىل فبطالهنا بفهم النسffخ ،وهffو عبffارة عن اخلطffاب الffدال على ارتفffاع احلكم
الثابت املشروط استمراره بعد حلقوق خطاب يرفعه ،وليس من احملال أن يقول السيد لعبده قم مطلقًا ،وال
يبني له مدة القيام ،وهو يعلم أن القيام مقتضfى منfه إىل وقت بقfاء مصfلحته يف القيfام ،ويعلم مfدة مصfلحته
ولكن ال ينبه عليها ،ويفهم العبد أنfه مfأمور بالقيfام مطلقًfا وأن الfواجب االسfتمرار عليfه أبfدًا إال أن خياطبfه
السيد بالقعود؛ فإذا خاطبه بالقعود قعد ومل يتوهم بالسيد أنه بدا له أو ظهرت له مصلحة كffان ال يعرفهffا،
واآلن قد عرفهfا ،بfل جيوز أن يكfون قfد عfرف مfدة مصfلحة القيfام وعfرف أن الصfالح يف أن ال ينبfه العبfد
عليها ويطلق األمر له إطالقًا حىت يستمر على االمتثال ،مث إذا تغريت مصffلحته أمffره بfالقعود ،فهكfذا ينبغي
أن يفهم اختالف أحكام الشfرائع .فfإن ورود النfيب ليس بناسfخ لشfرع من قبلfه مبجfرد بعثتfه ،وال يف معظم
األحكffام ،ولكن يف بعض األحكffام كتغffري قبلffة وحتليffل حمرم وغffري ذلffك ،وهffذه املصffاحل ختتلffف باألعصffار
واألحوال فليس فيه ما يدل على التغري وال على االسfتبانة بعffد اجلهffل وال على التنfاقض .مث هffذا إمنا يسfتمر
لليه ffود إذ ل ffو اعتق ffدوا أن ffه مل يكن ش ffريعة من ل ffدن آدم إىل زمن موس ffى مل ينك ffروا وج ffود ن ffوح وإب ffراهيم
وشرعهما ،وال يتميزون فيه عمن ينكر نبوة موسى وشرعه وكل ذلffك إنكffار مffا علم على القطffع بffالتواتر.
وأمffا الشffبهة الثانيffة فسffخيفة من وجهني .أحffدمها ،أنffه لffو صffح مffا قffالوه عن موسffى ملا ظهffرت املعجffزات
على يffد عيسffى ،فffإن ذلffك تصffديق بالضffرورة ،فكيffف يصffدق اهلل بffاملعجزة من يكffذب موسffى وهffو أيضًfا
مص ffدق ل ffه ،أفتنك ffرون معج ffزة عيس ffى وج ffودًا أو تنك ffرون إحي ffاء املوتى دليًال على ص ffدق املتح ffدي ؟ ف ffإن
أنكروا شfيئًا منهم لfزمهم يف شfرع موسfى لزومًfا ال جيدون عنfه حميصًfا ،وإذا اعfرتفوا بfه لfزمهم تكfذيب من
نقل إليهم من موسى عليه السالم قوله إين خامت األنبيfاء .والثfاين :أن هfذه الشfبهة إمنا لقنوهfا بعfد بعثfة نبينfا
حممffد عليffه السffالم وبعffد وفاتffه ،ولffو كffانت صffحيحة الحتج اليهffود هبا وقffد محلffوا بالسffيف على االسffالم،
وك ffان رس ffولنا علي ffه الس ffالم مص ffدقًا مبوس ffى علي ffه الس ffالم وحاكم ًfا على اليه ffود ب ffالتوراة يف حكم ال ffرجم
وغريه ،فال عرض عليه من التوارة ذلك ،ومfا الfذي صfرفهم عنfه ومعلfوم قطعًfا أن اليهfود مل حيتجfوا بfه ألن
ذلك لو كان لكان مفحمًا ال جواب عنه ولتواتر نقله ،ومعلوم أهنم مل يرتكوه مع القدرة عليه ولقffد كffانوا
حيرصfون على الطعن يف شfرعه بكfل ممكن محايًfة لfدمائهم وأمfواهلم ونسfائهم ،فfإذا ثبت عليهم نبfوة عيسfى
أثبتنffا نبffوة نبينffا عليffه السffالم مبا نثبتهffا على النصffارى .الفرقffة الثالثffة ،وهم جيوزون النسffخ ولكنهم ينكffرون
نبfوة نبينfا من حيث أهنم ينكfرون معجزتfه يف القffرآن .ويف إثبfات نبوتfه بfاملعجزة طريقتfان :الطريقffة األوىل،
التمسك بالقرآن ،فإنا نقول :ال معىن للمعجزة إال مfا يقfرتن بتحfدي النfيب عنfد استشfهاده على صfدقه على
وجffه يعجffز اخللffق عن معارضffته ،وحتديffه على العffرب مffع شffغفهم بالفصffاحة وإغffراقهم فيهffا متffواتر ،وعffدم
املعارضffة معلffوم ،إذ لffو كffان لظهffر ،فffإن أرذل الشffعراء ملا حتدوا بشffعرهم وعورضffوا ظهffرت املعارضffات
واملناقض ffات اجلاري ffة بينهم ،ف ffإذًا ال ميكن إنك ffار حتدي ffه ب ffالقرآن وال ميكن إنك ffار اقت ffدار الع ffرب على طري ffق
الفص ffاحة وال ميكن انك ffار حرص ffهم على دف ffع نبوت ffه بك ffل ممكن محاي ffة ل ffدينهم ودمهم وم ffاهلم وختلص ًfا من
سطوة املسلمني وقهرهم ،وال ميكن إنكار عجزهم ألهنم لو قدروا لفعلوا ،فإن العادة قاضية بالضffرورة بffأن
الق ffادر على دف ffع اهلالك عن نفس ffه يش ffتغل بدفع ffه ،ول ffو فعل ffوا لظه ffر ذل ffك ونق ffل .فه ffذه مق ffدمات بعض ffها
بffالتواتر وبعضffها جباري العffادات وكffل ذلffك مما يffورث اليقني فال حاجffة إىل التطويffل .ومبثffل هffذا الطريffق
تثبت نبfوة عيسfى وال يقfدر النصfراين على إنكfار شfيء من ذلfك؛ فإنfه ميكن أن يقابfل بعيسfى فينكfر حتديfه
ب ffالنبوة أو استش ffهاده باحي ffاء املوتى أو وج ffود إحي ffاء املوتى أو ع ffدم املعارض ffة أو يق ffال ع ffورض ومل يظه ffر،
وكل ذلك جماحدات ال يقدر عليها املعرتف بأصل النبوات ،فإن قيل :ما وجه إعجاز القرآن ؟ قلنffا اجلزالffة
والفصff fاحة مff fع النظم العجيب واملنهff fاج اخلارج عن منff fاهج كالم العff fرب يف خطبهم وأشff fعارهم وسff fائر
ص ffنوف كالمهم ،واجلم ffع بني ه ffذا النظم وه ffذه اجلزال ffة معج ffز خ ffارج عن مق ffدور البش ffر ،نعم رمبا ي ffرى
للعرب أشعار وخطب حكم فيها باجلزالfة ،ورمبا ينقfل عن بعض من قصfد املعارضfة مراعfاة هfذا النظم بعfد
تعلم ffه من الق ffرآن ،ولكن من غ ffري جزال ffة ب ffل م ffع ركاك ffة كم ffا حيكى عن تره ffات مس ffيلمة الك ffذاب حيث
قffال :الفيffل ومffا أدراك مffا الفيffل لffه ذنب وثيffل وخرطffوم طويffل .فهffذا وأمثالffه رمبا يقffدر عليffه مffع ركاكffة
يستغثها الفصfحاء ويسfتهزؤون هبا ،وأمfا جزالfة القfرآن فقfد قضfى كافfة العfرب منهfا العجب ومل ينقfل عن
واحد منهم تشبث بطعن يف فصاحته ،فهذا إذًا معجز وخارج عن مقدور البشfر من هfذين الfوجهني ،أعfين
من اجتم ffاع ه ffذين ال ffوجهني ،ف ffإن قي ffل :لع ffل الع ffرب اش ffتغلت باحملارب ffة والقت ffال فلم تع ffرج على معارض ffة
القرآن ولو قصدت لقfدرت عليfه ،أو منعتهfا العوائfق عن االشfتغال بfه ،واجلواب أن مfا ذكfروه هfوس ،فfإن
دفffع حتدي املتحffدي بنظم كالم أهffون من الffدفع بالسffيف مffع مffا جffرى على العffرب من املسffلمني باألسffر
والقت ffل والس ffيب وش ffن الغ ffارات ،مث م ffا ذك ffروه غ ffري داف ffع غرض ffنا ،ف ffإن انص ffرافهم عن املعارض ffة مل يكن إال
بصffرف من اهلل تعffاىل ،والصffرف عن املقffدور املعتffاد من أعظم املعجffزات ،فلffو قffال نffيب آيffة صffدقي أين يف
هffذا اليffوم أحffرك أصffبعي وال يقffدر أحffد من البشffر على معارضffيت ،فلم يعارضffه أحffد يف ذلffك اليffوم ،ثبت
صدقه ،وكان فقد قدرهتم على احلركة مع سالمة األعضfاء من أعظم املعجfزات .وإن فfرض وجfود القfدرة
ففقد داعيتهم وصرفهم عن املعارضة من أعظم املعجزات ،مهما كfانت حfاجتهم ماسًfة إىل الfدفع باسfتيالء
الن ffيب على رق ffاهبم وأم ffواهلم ،وذل ffك كل ffه معل ffوم على الض ffرورة .فه ffذا طري ffق تق ffدير نبوت ffه على النص ffارى،
ومهما تشبثوا بانكار شيء من هذه األمور اجلليلة فال تشتغل إال مبعارضتهم مبثله يف معجffزات عيسffى عليffه
السffالم .الطريقffة الثانيffة :أن تثبت نبوتffه جبملffة من األفعffال اخلارقffة للعffادات الffيت ظهffرت عليffه ،كانشffقاق
القمر ،ونطق العجماء ،وتفجر املاء من بني أصابعه ،وتسبيح احلصى يف كفه ،وتكثري الطعام القليل ،وغريه
من خوارق العادات ،وكل ذلك دليل على صدقه .فإن قيل :آحاد هذه الوقfائع مل يبلfغ نقلهfا مبلfغ التfواتر.
قلنا :ذلك أيضًا إن سلم فال يقدح يف العرض مهما كان اجملموع بالغًا مبلغ التfواتر ،وهfذا كمfا أن شfجاعة
علي رضffوان اهلل عليffه وسffخاوة حffامت معلومffان بالضffرورة على القطffع تffواترًا ،وآحffاد تلffك الوقffائع مل تثبت
تواترًا ،ولكن يعلم من جمموع اآلحاد على القطع ثبوت صفة الشfجاعة والسfخاوة ،فكfذلك هfذه األحfوال
العجيبة بالغة مجلتها مبلغ التواتر ،ال يسرتيب فيها مسلم أصًال .فإن قال قائل من النصارى :هذه األمffور مل
تتffواتر عنffدي ال مجلتهffا وال آحادهffا .فيقffال :ولffو احناز يهffودي إىل قطffر من األقطffار ومل خيالffط النصffارى
وزعم أنffه مل تتffواتر عنffده معجffزات عيسffى ،وإن تffواترت فعلى لسffان النص ffارى وهم مهتمffون بffه ،فبمffاذا
ينفصffلون عنffه ؟ وال انفصffال عنffه إال أن يقffال :ينبغي أن خيالffط القffوم الffذين تffواتر ذلffك بينهم حffىت يتffواتر
ذلك إليك ،فإن األصم ال تتواتر عنده األخبfار ،وكfذا املتصfامم ،فهfذا أيضًfا عfذرنا عنfد إنكfار واحfد منهم
التواتر على هذا الوجه.
الباب الثاين يف بيان وجوب التصديق بأمور ورد هبا الشffرع وقضffى جبوازهffا العقffل وفيffه مقدمffة وفصffالن،
أم ffا املقدم ffة :فه ffو أن م ffا ال يعلم بالض ffرورة ينقس ffم إىل م ffا يعلم ب ffدليل العق ffل دون الش ffرع ،وإىل م ffا يعلم
بالشffرع دون العقffل ،وإىل مffا يعلم هبمffا .أمffا املعلffوم بffدليل العقffل دون الشffرع فهffو حffدث العffامل ووجffود
احملدث وقدرته وعلمه وارادته ،فإن كل ذلك ما مل يثبت مل يثبت الشرع ،إذ الشffرع يبffىن على الكالم فffإن
مل يثبت كالم النفس مل يثبت الش ffرع .فك ffل م ffا يتق ffدم يف الرتب ffة على كالم النفس يس ffتحيل إثبات ffه بكالم
النفس ومffا يسffتند إليffه ونفس الكالم أيض ًfا فيمffا اخرتنffاه ال ميكن اثباتffه بالشffرع .ومن احملققني من تكلffف
ذلffك وادعffاه كمffا سffبقت االشffارة إليffه .وأمffا املعلffوم مبجffرد السffمع فتخصffيص أحffد اجلائزين بffالوقوع فffإن
ذلك من موافق العقول ،وإمنا يعرف من اهلل تعاىل بوحي واهلام وحنن نعلم من الوحي إليه بسfماع كاحلشfر
والنشر والثواب والعقاب وأمثاهلما ،وأما املعلوم هبما فكل ما هو واقع يف جمال العقل ومتأخر يف الرتبة عن
إثبffات كالم اهلل تعffاىل كمسffألة الرؤيffة وانفffراد اهلل تعffاىل خبلffق احلركffات واألغffراض كلهffا ومffا جيري هffذا
اجملرى ،مث كلمfا ورد السfمع بfه ينظfر ،فfإن كfان العقffل جموزًا لfه وجب التصffديق بfه قطعًfا إن كfانت األدلfة
السfمعية قاطعfة يف متنهfا ومسfتندها ال يتطfرق إليهfا احتمfال ،وجب التصfديق هبا ظنًfا إن كfانت ظنيfة ،فfإن
وجffوب التصffديق باللسffان والقلب عمffل يبffىن على األدلffة الظنيffة كسffائر األعمffال فنحن نعلم قطع ًfا إنكffار
الصحابة على من يدعي كون العبد خالقًا لشيء من األشياء وعffرض من األعffراض ،وكffانوا ينكffرون ذلffك
مبجffرد قولffه تعffاىل "خffالق كffل شffيء" ومعلffوم أنffه عffام قابffل للتخصffيص فال يكffون عمومffه إال مظنونًfا ،إمنا
ص ffارت املس ffألة قطعي ffة ب ffالبحث على الط ffرق العقلي ffة ال ffيت ذكرناه ffا ،ونعلم أهنم ك ffانوا ينك ffرون ذل ffك قب ffل
البحث عن الط ffرق العقلي ffة وال ينبغي أن يعتق ffد هبم أهنم مل يلتفت ffوا إىل املدارك الظني ffة إال يف الفقهي ffات ب ffل
اعتربوها أيضًا يف التصديقات االعتقادية والقولية .وأما ما قضى العقل باسfتحالته فيجب فيfه تأويfل مfا ورد
السمع به وال يتصfور أن يشfمل السfمع على قfاطع خمالف للمعقfول ،وظfواهر أحfاديث التشfبيه أكثرهfا غfري
صحيحة ،والصحيح منها ليس بقاطع بل هو قابfل للتأويfل ،فfإن توقfف العقfل يف شfيء من ذلfك فلم يقض
فيه باستحالة وال جواز وجب التصfديق أيضًfا ألدلfة السfمع فيكفي يف وجfوب التصfديق انفكfاك العقfل عن
القضاء باإلحالة ،وليس يشرتط اشتماله على القضاء لتجfويز ،وبني الرتبfتني فfرق رمبا يfزل ذهن البليfد حfىت
ال يffدرك الفffرق بني قffول القائffل :اعلم أن األمffر جffائز ،وبني قولffه :ال أدري إنffه حمال أم جffائز ،وبينهمffا مffا
بني الس ffماء واألرض ،إذ األول ج ffائز على اهلل تع ffاىل والث ffاين غ ffري ج ffائز ،ف ffإن األول معرف ffة ب ffاجلواز والث ffاين
عدم معرفة باالحالة ،ووجوب التصديق جfائز يف القسfمني مجيعًfا فهfذه هي املقدمfة .أمfا الفصfل األول ففي
بيان قضاء العقل مبا جfاء الشfرع بfه من احلشfر والنشfر وعfذاب القfرب والصfراط وامليزان أمfا احلشfر فيعfىن بfه
إعffادة اخللfق وقfد دلت عليfه القواطffع الشfرعية ،وهffو ممكن بfدليل االبتfداء .فfإن االعffادة خلfق ثfان وال فfرق
بينه وبني االبتداء وإمنا يسمى إعادة باالضافة إىل االبتداء السابق ،والقادر على االنشاء واالبتداء قffادر على
االع ffادة وه ffو املع ffين بقول ffه :ق ffل حيييه ffا ال ffذي أنش ffأها أول م ffرة ف ffإن قي ffل فم ffاذا تقول ffون :أتع ffدم اجلواهر
واألعffراض مث يعffادان مجيع ًfا ،أو تعffدم األعffراض دون اجلواهر وإمنا تعffاد األعffراض ؟ قلنffا :كffل ذلffك ممكن
وليس يف الشffرع دليffل قffاطع على تعffيني أحffد هffذه املمكنffات .وأحffد الffوجهني أن تنعffدم األعffراض ويبقى
جسم االنسان متصورًا بصورة الرتاب مثًال ،فتكون قد زالت منه احلياة واللfون والرطوبfة والfرتكيب واهليئfة
ومجل ffة من األع ffراض ،ويك ffون مع ffىن إعادهتا أن تع ffاد إليه ffا تل ffك األع ffراض بعينه ffا وتع ffاد إليه ffا أمثاهلا ،ف ffإن
الع ffرض عن ffدنا ال يبقى واحلي ffاة ع ffرض واملوج ffود عن ffدنا يف ك ffل س ffاعة ع ffرض آخ ffر ،واالنس ffان ه ffو ذل ffك
االنسffان باعتبffار جسffمه فإنffه واحffد ال باعتبffار أعراضffه ،فffإن كffل عffرض يتجffدد هffو غffري اآلخffر ،فليس من
شرط اإلعادة فرض إعادة األعراض ،وإمنا ذكرنا هذا ملصري بعض األصحاب إىل استحالة إعادة األعffراض،
وذل ffك باط ffل ،ولكن الق ffول يف إبطال ffه يط ffول وال حاج ffة إلي ffه يف غرض ffنا ه ffذا .والوج ffه اآلخ ffر أن تع ffدم
األجسام أيضًا مث تعاد األجسام بأن خترتع .مرة ثانية ،فإن قيل :فيم يتميز املعاد عن مثل األول ؟ ومfا معfىن
قfولكم أن املعfاد هfو عني األول ومل يبfق للمعfدوم عني حfىت تعfاد ؟ قلنfا :املعfدوم منقسfم يف علم اهلل إىل مfا
سبق له وجود وإىل ما مل يسبق له وجود ،كما أن العدم يف األزل ينقسم إىل ما سيكون لfه وجfود وإىل مfا
علم اهلل تعاىل أنه ال يوجfد؛ فهfذا االنقسfام يف علم اهلل ال سfبيل إىل انكfاره ،والعلم شfامل والقfدرة واسfعة،
فمعىن اإلعادة أن نبذل بالوجود العدم الذي سبق له الوجود ،ومعىن املثffل أن خيرتع الوجffود لعffدم مل يسffبق
لffه وجffود ،فهffذا معffىن اإلعffادة ،ومهمffا قffدر اجلسffم باقي ًfا ورد األمffر إىل جتديffد أعffراض متاثffل األول حصffل
تصffديق الشffرع ووقffع اخلالص عن إشffكال اإلعffادة ومتيffيز املعffاد عن املثffل ،وقffد أطنبنffا يف هffذه املسffألة يف
كتffاب التهffافت ،وسffلكنا يف إبطffال مffذهبهم تقريffر بقffاء النفس الffيت هي غffري متحffيز عنffدهم وتقffدير عffود
تدبريها إىل البدن سواء كان ذلك البدن هو عني جسم االنسان أو غريه ،وذلك إلfزام ال يوافfق مfا نعتقfده؛
فfإن ذلfك الكتfاب مصffنف البطfال مffذهبهم ال الثبfات املذهب احلق ،ولكنهم ملا قfدروا أن االنسfان هffو مffا
ه ffو باعتبffار نفسffه وأن اشffتغاله بتffدبري كالع ffارض لffه والبffدن آلffة هلم ،ألزمنffاهم بع ffد اعتق ffادهم بق ffاء النفس
وجffوب التصffديق باالعffادة وذلffك برجffوع النفس إىل تffدبري بffدن من األبffدان ،والنظffر اآلن يف حتقيffق هffذا
الفص ffل ينج ffر إىل البحث عن ال ffروح والنفس واحلي ffاة وحقائقه ffا ،وال حتتم ffل املعتق ffدات التغلغ ffل إىل ه ffذه
الغايات يف املعقوالت ،فمfا ذكرنfاه كfاف يف بيfان االقتصfاد يف االعتقfاد للتصfديق مبا جfاء بfه الشfرع ،وأمfا
عذاب القرب فقد دلت عليه قواطع الشرع إذ تواتر عن النfيب صfلى اهلل عليfه وسfلم وعن الصfحابة رضfي اهلل
عنهم باالس ffتعاذة من ffه يف األدعي ffة واش ffتهر قول ffه عن ffد املرور بق ffربين :إهنم ffا ليع ffذبان ودل علي ffه قول ffه تع ffاىل
"وحfاق بfآل فرعffون سfوء العffذاب النfار يعرضffون عليهffا غffدوًا وعشfيًا" اآليfة ،وهffو ممكن ،فيجب التصffديق
بffه .ووجffه إمكانffه ظffاهر ،وإمنا تنكffره املعتزلffة من حيث يقولffون إنffا نffرى شffخص امليت مشffاهدة وهffو غffري
معffذب وإن امليت رمبا تفرتسffه السffباع وتأكلffه ،وهffذا هffوس؛ أمffا مشffاهدة الشffخص فهffو مشffاهدة لظffواهر
اجلسم واملدرك للعقاب جزء من القلب أو من الباطن كيف كان وليس من ضfرورة العfذاب ظهfور حركfة
يف ظffاهر البffدن ،بffل النffاظر إىل ظffاهر النffائم ال يشffاهد مffا يدركffه النffائم من اللffذة عنffد االحتالم ومن األمل
عنffد ختيffل الضffرب وغffريه ،ولffو انتبffه النffائم وأخffرب عن مشffاهداته وآالمffه ولذاتffه من مل جير لffه عهffد بffالنوم
لبffادر إىل االنكffار اغffرتارًا بسffكون ظffاهر جسffمه ،كمشffاهدة إنكffار املعتزلffة لعffذاب القffرب وأمffا الffذي تأكلffه
السباع فغاية ما يف الباب أن يكون بطن السبع قfربًا ،فاعfادة احليfاة إىل جfزء يfدرك العfذاب ممكن ،فمfا كfل
متffأمل يffدرك األمل من مجيffع بدنffه ،وأمffا سffؤال منكffر ونكffري فحffق ،والتصffديق بffه واجب لffورود الشffرع بffه
وامكانه ،فfإن ذلfك ال يسfتدعي منهمfا إال تفهيمًfا بصfوت أو بغfري صfوت ،وال يسfتدعي منfه إال فهمًfا ،وال
يستدعي الفهم إال حياة ،واإلنسان ال يفهم جبميع بدنه بل جبزء من باطن قلبfه ،واحيfاء جfزء يفهم السfؤال
وجييب ممكن مقfدور عليfه ،فيبقى قfول القائfل إنfا نfرى امليت وال نشfاهد منكfرًا ونكfريًا وال نسfمع صfوهتما
يف السؤال وال صوت امليت يف اجلواب ،فهذا يلزمه منه أن ينكر مشاهدة النيب صلى اهلل عليه وسلم جلربيل
عليffه السffالم ومساعه كالمffه ومساع جربيffل جوابffه وال يسffتطيع مصffدق الشffرع أن ينكffر ذلffك ،إذ ليس فيffه
إال أن اهلل تعffاىل خلffق لffه مساعًا لffذلك الصffوت ومشffاهدة لffذلك الشffخص ،ومل خيلffق للحاضffرين عنffده وال
لعائشة رضي اهلل تعاىل عنها وقد كانت تكfون عنfده حاضfرة يف وقت ظهfور بركfات الfوحي ،فانكfار هfذا
مصدره اإلحلاد وإنكار سعة القدرة ،وقد فرغنا عن إبطاله ويلزم منه أيضًا إنكار ما يشاهده النfائم ويسfمعه
من األصوات اهلائلة املزعجة ،ولوال التجربة لبادر إىل االنكار كل من مسع من النائم حكاية أحواله ،فتعسًا
ملن ضاقت حوصلته عن تقدير اتساع القدرة هلذه األمور املستحقرة باالضfافة إىل خلfق السfموات واألرض
وما بينهما ،مع مfا فيهمfا من العجfائب .والسfبب الfذي ينفfر طبfاع أهfل الضfالل عن التصfديق هبذه األمfور
بعينffه منفffر عن التصffديق خبلffق االنسffان من نطفffة قffذرة مffع مffا فيffه من العجffائب واآليffات أوًال أن املشffاهدة
تض ffطره إىل التص ffديق فffإذًا م ffا ال بره ffان على إحالتffه ال ينبغي أن ينكffر مبجffرد االسffتبعاد .وأم ffا امليزان فه ffو
أيضًا حق وقfد دلت عليfه قواطfع السfمع ،وهfو ممكن فfوجب التصfديق بfه .فfإن قيfل :كيfف تfوزن األعمfال
وهي أعffراض وقffد انعffدمت ،واملعffدوم ال يffوزن ؟ وإن قffدرت إعادهتا وخلقهffا يف جسffم امليزان كffان حماًال
السffتحالة إعffادة األعffراض .مث كيffف ختلffق حركffة يffد االنسffان وهي طاعتffه يف جسffم امليزان ؟ أيتحffرك هبا
امليزان فيكون ذلfك حركfة امليزان ال حركfة يfد االنسfان أم ال تتحfرك فتكfون احلركfة قfد فfاتت جبسfم ليس
هff fو متحرك ًf fا هبا ،وهff fو حمال ؟ مث إن حترك فيتفff fاوت من امليزان بقff fدر طff fول احلركff fات وكثرهتا ال بقff fدر
مراتب األجور ،فرب حركة جبرء من البدن يزيد إمثها على حركfة مجيfع البfدن فراسfخ فهffذا حمال .فنقffول:
قد سئل النfيب صfلى اهلل عليfه وسfلم عن هfذا فقfال" :تfوزن صfحائف األعمfال فfإن الكfرام الكfاتبني يكتبfون
األعمff fال يف صff fحائف هي أجسff fام ،فff fإذا وضff fعت يف امليزان خلff fق اهلل تعff fاىل يف كفتهff fا ميًال بقff fدر رتبff fة
الطاعات وهو على ما يشاء قدير" .فإن قيل :فأي فائدة يف هذا ؟ وما معىن احملاسبة ؟ قلنا :ال نطلب لفعل
اهلل تعاىل فائدة" :ال يسأل عما يفعل وهو يسألون" .مت قد دللنfا على هffذا .مث أي بعffد يف أن تكfون الفائfدة
في ffه أن يش ffاهد العب ffد مق ffدار أعمال ffه ويعلم أن ffه جمزي هبا بالع ffدل أو يتج ffاوز عن ffه ب ffاللطف ،ومن يع ffزم على
معاقبffة وكيلffه جبنايتffه يف أموالffه أو يعffزم على اإلبffراء فمن أين يبعffد أن يعرفffه مقffدار جنايتffه بأوضffح الطffرق
ليعلم أنffه يف عقوبتffه عffادل ويف التجffاوز عنffه متفضffل .هffذا إن طلبت الفائffدة ألفعffال اهلل تعffاىل ،وقffد سffبق
بطالن ذلfك .وأمfا الصfراط فهfو أيضًfا حfق ،والتصfديق بfه واجب ،ألنfه ممكن .فإنfه عبfارة عن جسfر ممدود
على منت جهنم يرده اخللق كافة ،فإذا توافوا عليه قيل للمالئكة "وقفوهم إهنم مسؤولون" فffإن قيffل :كيffف
ميكن ذلffك وفيمffا روى أدق من الشffعر وأحffد من السffيف ،فكيffف ميكن املرور عليffه ؟ قلنffا هffذا إن صffدر
ممن ينكffر قffدرة اهلل تع ffاىل ،فffالكالم مع ffه يف إثبffات عمffوم قدرتffه وقffد فرغنffا عنه ffا .وإن ص ffدر من مع ffرتف
بالق ffدرة فليس املش ffي على ه ffذا ب ffأعجب من املش ffي يف اهلواء ،وال ffرب تع ffاىل ق ffادر على خل ffق ق ffدرة علي ffه،
ومعنffاه أن خيلffق لffه قffدرة املشffي على اهلواء وال خيلffق يف ذاتffه هوي ًfا إىل أسffفل ،وال يف اهلواء احنراف ،فffإذا
أمكن هfذا يف اهلواء فالصfراط أثبت من اهلواء بكfل حfال .الفصfل الثfاين :يف االعتfذار عن اإلخالل بفصfول
شffحنت هبا املعتقffدات فffرأيت اإلعffراض عن ذكرهffا أوىل ألن املعتقffدات املختصffرة حقهffا أن ال تشffتمل إال
على املهم الذي ال بfد منfه يف صfحة االعتقfاد .أمfا األمfور الfيت ال حاجfة إىل إخطارهfا بالبfال ،وإن خطfرت
بالبال فال معصية يف عدم معرفتها وعدم العلم بأحكامها ،فاخلوض فيهffا حبث عن حقffائق األمffور وهي غffري
الئقffة مبا يffراد منffه هتذيب االعتقffاد ،وذلffك الفن حتصffره ثالثffة فنffون :عقلي ،ولفظي ،وفقهي .أمffا العقلي،
فffالبحث عن القffدرة احلادثffة أهنا تتعلffق بالضffدين أم ال ،وتتعلffق باملختلفffات أم ال ،وهffل جيوز قffدرة حادثffة
تتعلfق بفعffل مبfاين حملل القffدرة وأمثfال لfه .وأمffا اللفظي فكfالبحث عن املسfمى باسfم الfرزق مffا هffو ،ولفffظ
التوفيffق واخلذالن واالميان مffا حffدودها ومسffبباهتا .وأمffا الفقهي فكffالبحث عن األمffر بffاملعروف مffىت جيب،
وعن التوبة ما حكمها ،إىل نظائر ذلك .وكل ذلfك ليس مبهم يف الfدين ،بfل املهم أن ينفي االنسfان الشfك
عن نفسffه يف ذات اهلل تعffاىل ،على القffدر الffذي حقffق يف القطب األول ،ويف صffفاته وأحكامهffا كمffا حقffق
يف القطب الثfاين ،ويف أفعالfه بfأن يعتقfد فيهfا اجلواز دون الوجfوب كمfا يف القطب الثfالث ،ويف رسfول اهلل
صffلى اهلل عليffه وسffلم بffأن يعffرف صffدقه ويصffدقه يف كffل مffا جffاء بffه كمffا ذكرنffاه يف القطب الرابffع ،ومffا
خرج عن هذا فغري مهم .وحنن نورد من كل فن مما أمهلناه مسألة ليعرف هبا نظائرهffا وحيقffق خروجهffا عن
املهمffات املقصffودات يف املعتقffدات .أمffا املسffألة األوىل العقليffة :فكffاختالف النffاس يف أن من قتffل هffل يقffال
إنه مات بأجله ؟ ولfو قfدر عfدم قتلfه هfل كfان جيب موتfه أم ال ؟ وهfذا فن من العلم ال يضfر تركfه ،ولكنfا
نشffري إىل طريffق الكشffف فيffه .فنقffول :كffل شffيئني ال ارتبffاط ألحffدمها بffاآلخر ،مث اقرتنffا يف الوجffود ،فليس
يلزم من تقدير نفي أحدمها انتفاء اآلخر .فلو مات زيد وعمرو معًا مث قدرنا عدم موت زيfد مل يلfزم منfه ال
عدم موت عمرو وال وجود موته ،وكذلك إذا مات زيد عنfد كسfوف القمfر مثًال ،فلfو قfدرنا عfدم املوت
مل يلffزم عffدم الكسffوف بالضffرورة ،ولffو قffدرنا عffدم الكسffوف مل يلffزم عffدم املوت إذ ال ارتبffاط ألحffدمها
بffاآلخر ،فأمffا الشffيئان اللffذان بينهمffا عالقffة وارتبffاط فهمffا ثالثffة أقسffام :أحffدها :أن تكffون العالقffة متكافئffة
كالعالقة بني اليمني والشمال والفوق والتحت ،فهذا مما يلزم فقد أحدمها عند تقدير فقد اآلخfر ألهنمfا من
املتضايفان اليت ال يتقوم حقيقة أحدمها إال مع اآلخر .الثاين :أن ال يكfون على التكfافؤ ،لكن ألحfدمها رتبfة
التقدم كالشرط مع املشروط .ومعلوم أنه يلزم عدم الشرط ،فإذا رأينا علم الشخص مfع حياتfه وإرادتfه مfع
علمffه فيلffزم ال حمالffة من تقffدير انتفffاء احليffاة انتفffاء العلم ،ومن تقffدير انتفffاء العلم انتفffاء االرادة ،ويعffرب عن
هffذا بالشffرط وهffو الffذي ال بffد منffه لوجffود الشffيء ولكن ليس وجffود الشffيء بffه بffل عنffه ومعffه .الثffالث:
العالق ffة ال ffيت بني العل ffة واملعل ffول .ويل ffزم من تق ffدير ع ffدم العل ffة ع ffدم املعل ffول إن مل يكن للمعل ffول إال عل ffة
واح ffدة ،وإن تص ffور أن تك ffون ل ffه عل ffة أخ ffرى فيل ffزم من تق ffدير نفي ك ffل العل ffل نفي املعل ffول ،وال يل ffزم من
تقffدير نفي علffة بعينهffا نفي املعلffول مطلقًfا ،بffل يلffزم نفي معلffول تلffك العلffة على اخلصffوص .فffإذا متهffد هffذا
املعffىن رجعنffا إىل القتffل واملوت؛ فالقتffل عبffارة عن حffز الرقبffة وهffو راجffع إىل أعffراض هي حركffات يف يffد
الضارب والسيف وأعراض هي افرتاقات يف أجزاء رقبة املضروب ،وقد اقfرتن هبا عffرض آخfر وهffو املوت،
فإن مل يكن بني احلز واملوت ارتباط مل يلfزم من تقfدير نفي احلز نفي املوت فإهنمfا شfيئان خملوقfان معًfا على
االقffرتان حبكم إجffراء العffادة ال ارتبffاط ألحffدمها بffآخر ،فهffو كffاملقرتنني اللffذين مل جتر العffادة باقرتاهنمffا وإن
كffان احلز علfة املوت ومولffده ،وإن مل تكن علffة سffواه لffزم من انتفائffه انتفffاء املوت ،ولكن ال خالف يف أن
للموت علًال من أمfراض وأسfباب باطنfة سfوى احلز عنfد القfائلني بالعلfل ،فال يلfزم من نفي احلز نفي املوت
مطلقًا ما مل يقfدر مfع ذلfك إنتفfاء سfائر العلfل ،فfنرجع إىل غرضfنا فنقfول :من اعتقfد من أهfل السfنة أن اهلل
مستبد بfاالخرتاع بال تولfد ،وال يكfون خملfوق علfة خملfوق ،فنقfول :املوت أمfر اسfتبد الfرب تعfاىل باخرتاعfه
مff fع احلز ،فال جيب من تقff fدير عff fدم احلز عff fدم املوت وهff fو احلق؛ ومن اعتقff fد كونff fه علff fة وانضff fاف إليff fه
مشاهدته صحة اجلسم وعfدم مهلfك من خfارج اعتقfد أنfه لfو انتفى احلز وليس مث علfة أخfرى وجب انتفfاء
املعلول النتفاء مجيع العلل ،وهذا االعتقاد صحيح لو صffح اعتقffاد التعليfل وحصffر العلfل فيمfا عffرف انتفffاؤه
فإذًا هذه املسألة يطول النزاع فيها ،ومل يشعر أكثر اخلائضني فيها مبثارها فينبغي أن نطلب هذا من القffانون
الذي ذكرناه يف عموم قدرة اهلل تعfاىل وإبطfال التولfد .ويبfىن على هfذا أن منfق تfل ينبغي أن يقfال إنfه مfات
بأجله ألن األجل عبارة عن الوقت الذي خلق اهلل تعاىل فيه موته سواء كان معه حز رقبة أو كسوف قمffر
أو ن ffزول مط ffر أو مل يكن ،ألن ك ffل ه ffذه عن ffدنا مقرتن ffات وليس ffت م ffؤثرات ولكن اق ffرتان بعض ffها يتك ffرر
بالع ffادة ،وبعض ffها ال يتك ffرر ،فأم ffا من جع ffل املوت س ffببًا طبيعي ًfا من الفط ffرة وزعم أن ك ffل م ffزاج فل ffه رتب ffة
معلومffة يف القffوة إذا خليت ونفسffها متادت إىل منتهffا مffدهتا ،ولffو فسffدت على سffبيل االحffرتام كffان ذلffك
اسffتعجاًال ،باإلضffافة إىل مقتضffى طباعهffا ،واألجffل عبffارة عن املدة الطبيعيffة ،كمffا يقffال احلائffط مثًال يبقى
مائffة سffنة بقffدر إحكffام بنائffه ،وميكن أن يهffدم بالفffأس يف احلال ،واألجffل يعffرب بffه عن مدتffه الffيت لffه بذاتffه
وقوته ،فيلزم من ذلك أن يقfال إذا هfدم بالفfأس مل ينهfدم بأجلfه وإن مل يتعfرض لfه من خfارج حfىت احنطت
أجزاؤه فيقال اهندم بأجلfه ،فهfذا اللفfظ ينfيبء على ذلfك األصfل .املسfألة الثانيfة وهي اللفظيfة :فكfاختالفهم
يف أن االميان ه ffل يزي ffد وينقص أم ه ffو على رتب ffة واح ffدة .وه ffذا االختالف منش ffؤه اجله ffل بك ffون االس ffم
مشرتكًا ،أعين اسfم االميان ،وإذا فصfل مسfميات هfذا اللفfظ ارتفfع اخلالف .وهfو مشfرتك بني ثالثfة معfان:
إذ قد يعرب به عن التصديق اليقني الربهاين ،وقد يعرب به عن االعتقfاد التقليfدي إذا كfان جزمًfا ،وقfد يعfرب بfه
عن تصffديق معffه العمffل مبوجب التصffديق ودليffل اطالقffه على األول أن من عffرف اهلل تعffاىل بالffدليل ومffات
عقيب معرفتffه فإنffا حنكم بأنffه مffات مؤمنًfا .ودليffل اطالقffه على التصffديق التقليffدي أن مجاهري العffرب كffانوا
يصدقون رسول اهلل تعاىل صلى اهلل عليه وسلم مبجرد إحسانه إليهم وتلطفه هبم ونظfرهم يف قfوانني أحوالfه
من غري نظر يف أدلة الواحدانية ووجه داللfة املعجfزة ،وكfان حيكم رسfول اهلل صffلى اهلل عليfه وسfلم بإمياهنم
وق ffد ق ffال تع ffاىل "وم ffا أنت مبؤمن لن ffا" أي مبص ffدق ،ومل يف ffرق بني تص ffديق وتص ffديق ،ودلي ffل إطالق ffه على
الفعل ،قولfه عليfه السfالم :ال يfزين الfزاين وهfو مfؤمن حني يfزين وقولfه عليfه السfالم :االميان بضfعة وسfبعون
بابًا أدناها إماطة األذى عن الطريق فنرجع إىل املقصfود ونقfول :إن أطلfق اإلميان مبعfىن التصfديق الربهfاين مل
يتصور زيادته وال نقصانه ،بل اليقني إن حصل بكمالfه فال مزيfد عليfه .وإن مل حيصfل بكمالfه فليس بيقني،
وهي خطffة واحffدة وال يتصffور فيهffا زيffادة ونقصffان إال أن يffراد بffه زيffادة وضffوح أي زيffادة طمأنينffة النفس
إليه بfأن النفس تطمئن إىل اليقينيfات النظريfة يف االبتfداء إىل حfل مfا ،فfإذا تfواردت األدلfة على شfيء واحfد
أفff fاد بظff fاهر األدلff fة زيff fادة طمأنينff fة .وكff fل من مff fارس العلff fوم أدرك تفاوت ًf fا يف طمأنينيff fة نفسff fه إىل العلم
الض ffروري ،وه ffو العلم ب ffأن االث ffنني أك ffثر من الواح ffد وإىل العلم حيدث الع ffامل وإن حمدث ffه واح ffد ،مث ي ffدرك
أيض ًfا تفرقffة بني آحffاد املسffائل بكffثرة أدلتهffا وقلتهffا .فالتفffاوت يف طمأنينيffة النفس مشffاهد لكffل نffاظر من
باطنه ،فإذا فسرت الزيادة به مل مينعه أيضًا يف هذا التصديق .أما إذا أطلق مبعىن التصديق التقليدي فذلك ال
سffبيل إىل جحffد التفffاوت فيffه؛ فإنffا نffدرك باملشffاهدة من حffال اليهffودي يف تصffميمه على عقffده ومن حffال
النصراين واملسلم تفاوتًا ،حىت أن الواحد منهم ال يؤثر يف نفسه وحل عقد ملبه التهويالت والتخويفات وال
التحقيقات العلمية وال التخيالت اإلقناعية ،والواحد منهم مfع كونfه جازمًfا يف اعتقfاده تكfون نفسfه أطfوع
لقبول اليقني ،وذلك ألن االعتقاد على القلب مثل عقfدة ليس فيهfا انشfراح وبfرد يقني .والعقfدة ختتلfف يف
شffدهتا وضffعفها فال ينكffر هffذا التفffاوت منصffف وإمنا ينكffره الffذين مسعوا من العلffوم واالعتقffادات أسffاميها
ومل يدركوا من أنفسهم ذوقها ،ومل يالحظوا اختالف أحواهلم وأحوال غريهم فيهfا .وأمfا إذا أطلfق بfاملعىن
الثffالث وهffو العمffل مffع التصffديق ،فال خيفى بطffرق التفffاوت إىل نفس العمffل ،وهffل يتطffرق بسffبب املواظبffة
على العمل تفاوت إىل نفس التصديق ،هذا فيfه نظfر ،وتfرك املداهنfة يف مثfل هfذا املقfام أوىل واحلق أحfق مfا
قيffل .فffأقول :إن املواظبffة على الطاعffات هلا تffأثري يف تأكيffد طمأنينffة النفس إىل االعتقffاد التقليffدي ورسffوخه
يف النفس ،وه ffذا أم ffر ال يعرفffه إال من سffرب أحffوال نفسffه وراقبه ffا يف وقت املواظبffة على الطاع ffة ويف وقت
الفffرتة والحffظ تفffاوت احلال يف باطنffه ،فإنffه يffزداد بسffبب املواظبffة على العمffل أنسffة ملعتقداتffه ،ويتأكffد بffه
طمأنينتffه ،حffىت أن املعتقffد الffذي طffالت منffه املواظبffة على العمffل مبوجب اعتقffاده أعصffا نفس ًfا على احملاول
تغيريه وتشكيكه ممن مل تطfل مواظبتfه ،بfل العfادات تقضfي هبا ،فfإن من يعتقfد الرمحة يف قلبfه على يfتيم فfإن
أق ffدم على مس ffح رأس ffه وتفق ffد أم ffره ص ffادف يف قلب ffه عن ffد ممارس ffة العم ffل مبوجب الرمحة زي ffادة تأكي ffد يف
الرمحة ،ومن يتواضع بقلبه لغfريه فfإذا عمfل مبوجبfه سfاجدًا لfه أو مقبًال يfده ازداد التعظيم والتواضfع يف قلبfه
ولffذلك تعبffدنا باملواظبffة على أفعffال هي مقتضffى تعظيم القلب من الركffوع والسffجود لffيزداد بسffببها تعظيم
القلff fوب ،فهff fذه أمff fور جيحff fدها املتحff fذلقون يف الكالم الff fذين أدركff fوا تff fرتيب العلم بسff fماع األلفff fاظ ومل
يffدركوها بffذوق النظffر .فهffذه حقيقffة املسffألة ،ومن هffذا اخلرب اختالفهم يف معffىن الffرزق .وقffول املعتزلffة :إن
ذلffك خمصffوص مبا ميلكffه اإلنسffان حffىت ألزمffوا أنffه ال رزق هلل تعffال على البهffائم ،فرمبا قffالوا هffو مما مل حيرم
تناولffه ،فقيffل هلم فالظلمffة مffاتوا وقffد عاشffوا عمffرهم مل يرزقffوا ،وقffد قffال أصffحابنا إنffه عبffارة عن املنتفffع بffه
كيffف كffان ،مث هffو منقسffم إىل حالل وحffرام ،مث طولffوا يف حffد الffرزق وحffد النعمffة وتضffييع الffوقت هبذا
وأمثاله دأب من ال مييز بني املهم وغريه وال يعرف قدر بقية عمره ،وإنfه ال قيمfة لfه فينبغي أن يضfيع العمfر
إال ب ffاملهم وبني ي ffدي األنظ ffار أم ffور مش ffكلة البحث عنه ffا أهم من البحث عن م ffوجب األلف ffاظ ومقتض ffى
اإلطالقات ،فنسأل اهلل أن يوفقنfا لالشfتغال ملا يعنينfا .املسfألة الثالثfة الفقهيfة :فمثfل اختالفهم يف أن الفاسfق
هل لfه أن حيتسfب ؟ وهfذا نظfر فقهي ،فمن أين يليfق بfالكالم مث باملختصfرات .ولكنfا نقfول احلق أن لfه أن
حيتسب وسبيله التدرج يف التصوير؛ وهو أن نقول :هل يشرتط يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر كffون
اآلمffر والنffاهي معصffومًا عن الصffغائر والكبffائر مجيع ًfا ؟ فffإن شffرط ذلffك كffان خرق ًfا لالمجاع ،فffإن عصffمة
األنبياء عن الكبائر إمنا عرفت شرعًا ،وعن الصغائر خمتلfف فيهffا ،فمfىت يوجfد يف الfدنيا معصffوم ؟ وإن قلتم
إن ذلffك ال يشffرتط حffىت جيوز لالبس احلريffر مثًال وهffو عffاص بffه أن مينffع من الffزىن وشffرب اخلمffر ،فنقffول:
وهل لشfارب اخلمfر أن حيتسfب على الكfافر ومينعfه من الكفfر ويقاتلfه عليfه ؟ فfإن قfالوا ال ،خرقfوا االمجاع
إذ جنffود املسffلمني مل تffزل مشffتملة على العصffاة واملطيعني ومل مينعffوا من الغffزو ال يف عصffر النffيب صffلى اهلل
عليه وسfلم وال يف عصfر الصfحابة رضfي اهلل عنهم والتfابعني ،فfإن قfالوا نعم ،فنقfول :شfارب اخلمfر هfل لfه
أن مينع من القتل أم ال ؟ فإن قيل ال ،قلنا :فما الفرق بني هذا وبني البس احلريfر إذا منfع من اخلمfر والfزاين
إذا منع من الكفfر ؟ وكمfا أن الكبfرية فfوق الصfغرية فالكبfائر أيضًfا متفاوتfة ،فfإن قfالوا نعم ،وضfبطوا ذلfك
بأن املقدم على شيء ال مينع من مثله وال فيما دونه وله أن مينع مما فوقه ،فهذا احلكم ال مسffتند لffه إذ الffزىن
ف ffوق الش ffرب وال يبع ffد أن ي ffزين ومين ffع من الش ffراب ومين ffع من ffه ،رمبا يش ffرب ومين ffع غلمان ffه وأص ffحابه من
الشرب ،ويقول :تfرك ذلfك واجب عليكم وعلي واألمffر بfرتك احملرم واجب علي مffع الfرتك فلي أن أتقffرب
بأحد الواجبني ،ومل يلزمين مع ترك أحدمها ترك اآلخfر ،فfإذن كمfا جيوز أن يfرتك اآلمfر بfرتك الشfرب وهfو
برتكه جيوز أن يشرب ويأمر بfالرتك فهمfا واجبfان فال يلfزم بfرتك أحfدمها تfرك اآلخfر .فfإن قيfل :فيلfزم على
هffذا أمffور شffنيعة وهffو أن يffزين الرجffل بffامرأة مكره ًfا إياهffا على التمكني ،فffإن قffال هلا يف أثنffاء الffزىن عنffد
كشffفها وجههffا باختيارهffا ال تكشffفي وجهffك فffاين لسffت حمرم ًfا لffك ،والكشffف لغffري احملرم حffرام ،وأنت
مكرهffة على الffزىن خمتfارة يف كشffف الوجffه فأمنعffك من هffذا ،فال شffك من أن هffذه حسffبة بffاردة شffنيعة ال
يصffري إليهffا عاقffل؛ وكffذلك قولffه إن الffواجب علي شffيئان العمffل واألمffر للغffري ،وأنffا أتعffاطى أحffدمها وإن
تركت الثاين كقوله :إن الواجب علي الوضfوء دون الصfالة وأنfا أصfلي وإن تfركت الوضfوء ،واملسfنون يف
حقي الص ffوم والتس ffحر وأن ffا أتس ffحر وإن ت ffركت الص ffوم ،وذل ffك حمال ،ألن الس ffحور للص ffوم والوض ffوء
للص ffالة ،وكffل واحffد شffرط اآلخffر وه ffو متق ffدم يف الرتبffة على املشffروط ،فكffذلك نفس املرء مقدم ffة على
غffريه ،فليهffذب نفسffه أوال مث غffريه أمffا إذا أمهل نفسffه واشffتغل بغffريه كffان ذلffك عكس الffرتتيب الffواجب،
خبالف مffا إذا هffذب نفسffه وتffرك احلسffبة وهتذيب غffريه ،فffإن ذلffك معصffية ولكنffه ال تنffاقض فيffه .وكffذلك
الكافر ليس له والية الدعوة إىل االسالم ما مل يسلم هو بنفسه ،فلو قfال الfواجب علي شfيئان ويل أن أتfرك
أحffدمها دون الثffاين مل يكن منffه ،واجلواب أن حسffبة الffزاين بffاملرأة عليهffا ومنعهffا من كشffفها وجههffا جffائزة
عندنا ،وقfولكم إن هfذه حسfبة بfاردة شfنيعة فليس الكالم يف أهنا حfارة أو بfاردة مسfتلذة أو مستبشfعة ،بfل
الكالم يف أهنا حق أو باطل وكم من حق مسfتربد مسfتثقل وكم من باطfل مسfتحلى مسfتعذب ،فfاحلق غfري
اللذيffذ والباطffل غffري الشffنيع ،والربهffان القffاطع فيffه هffو أنffا نقffول :قولffه هلا ال تكشffفي وجهffك فإنffه حffرام،
ومنعffه إياهffا بالعمffل قffول وفعffل ،وهffذا القffول والفعffل إمffا أن يقffال هffو حffرام أو يقffال واجب أو يقffال هffو
مباح ،فإن قلتم إنه واجب فهو املقصود ،وإن قلتم إنه مباح فلfه أن يفعfل مfا هfو مبfاح ،وإن قلتم إنfه حfرام
فما مستند حترميه ؟ وقد كان هذا واجبًا قبل اشتغاله بالزىن فمن أين يصري الواجب حرامًfا باقتحامffه حمرمًfا،
وليس يف قوله األخري صدق عن الشرع بأنfه حfرام ،وليس يف فعلfه إال املنfع من احتاد مffا هffو حfرام ،والقffول
بتح ffرمي واح ffد منهم ffا حمال .ولس ffنا نع ffين بقولن ffا للفاس ffق والي ffة احلس ffبة إال أن قول ffه ح ffق وفعل ffه ليس حبرام،
وليس ه ffذا كالص ffالة والوض ffوء ف ffإن الص ffالة هي املأمور هبا وش ffرطها الوض ffوء ،فهي بغ ffري وض ffوء معص ffية
وليست بصالة ،بل خترج عن كوهنا صالة وهذا القول مل خيرج عن كونه حقًfا وال الفعfل خfرج عن كونfه
منعًfا من احلرام ،وكffذلك السffحور عبffارة عن االسffتعانة على الصffوم بتقffدمي الطعffام وال تعقffل االسffتعانة من
غ ffري الع ffزم على اجياد املس ffتعان علي ffه .وأم ffا ق ffولكم أن هتذيب ffه نفس ffه أيض ًfا ش ffرط لتهذيب ffه غ ffريه ،فه ffذا حمل
النزاع .فمن أين عرفتم ذلك ؟ ولو قال قائل :هتذيب نفسه عن املعاصي شرط للغري ومنع الكفfار ،وهتذيبfه
نفسffه عن الصffغائر شffرط للمنffع عن الكبffائر كffان قولffه مثffل قffولكم ،وهffو خffرق لالمجاع .وأمffا الكffافر فffإن
محل كافرًا آخر بالسيف على اإلسالم فال مينعه منه ،ويقول عليfه أن يقfول ال إلfه إال اهلل وأن حممfدًا رسfول
اهلل وأن يأمر غريه به ومل يثبت أن قوله شرط ألمره ،فلfه أن يقffول وأن يfأمر وإن مل ينطfق .فهffذا غffور هffذه
املسألة ،وإمنا أردنا إيرادها لتعلم أن أمثال هffذه املسfائل ال تليfق بفن الكالم وال سfيما باملعتقffدات املختصffرة
واهلل أعلم بالصواب.
الباب الثالث يف االمامة النظffر يف اإلمامffة أيض ًfا ليس من املهمffات ،وليس أيض ًfا من فن املعقffوالت فيهffا من
الفقهيات ،مث إهنا مثار للتعصfبات واملعffرض عن اخلوض فيهfا أسfلم من اخلائض بfل وإن أصfاب ،فكيfف إذا
أخطأ ! ولكن إذا جرى الرسم باختتfام املعتقfدات بfه أردنfا أن نسfلك املنهج املعتfاد فfإن القلfوب عن املنهج
املخ ffالف للم ffألوف ش ffديدة النف ffار ،ولكن ffا ن ffوجز الق ffول في ffه ونق ffول :النظ ffر في ffه ي ffدور على ثالث ffة أط ffراف:
الطرف األول :يف بيان وجfوب نصfب اإلمfام .وال ينبغي أن تظن أن وجfوب ذلfك مfأخوذ من العقfل ،فإنfا
بينffا أن الوجffوب يؤخffذ من الشffرع إال أن يفسffر الffواجب بالفعffل الffذي فيffه فائffدة ويف تركffه أدىن مضffرة،
وعنffد ذلffك ال ينكffر وجffوب نصffب اإلمffام ملا فيffه من الفوائffد ودفffع املضffار يف الffدنيا ،ولكنffا نقيم الربهffان
القطعي الشffرعي على وجوبffه ولسffنا نكتفي مبا فيffه من إمجاع األمffة ،بffل ننبffه على مسffتند اإلمجاع ونقffول:
نظffام أمffر الffدين مقصffود لصffاحب الشffرع عليffه السffالم قطعًfا ،وهffذه مقدمffة قطعيffة ال يتصffور الffنزاع فيهffا،
ونضffيف إليهffا مقدمffة أخffرى وهffو أنffه ال حيصffل نظffام الffدين إال بإمffام مطffاع فيحصffل من املقffدمتني صffحة
الدعوى وهو وجوب نصب اإلمام .فإن قيل :املقدمة األخرية غري مسلمة وهو أن نظام الدين ال حيصل إال
بإمffام مطffاع ،فffدلوا عليهffا .فنقffول :الربهffان عيffه أن نظffام الffدين ال حيصffل إال بنظffام الffدنيا ،ونظffام الffدنيا ال
حيصfل إال بإمfام مطfاع ،فهاتfان مقfدمتان ففي أيهمfا الfنزاع ؟ فfإن قيfل مل قلتم إن نظfام الfدين ال حيصfل إال
بنظffام الffدنيا ،بffل ال حيصffل إال خبراب الffدنيا ،فffإن الffدين والffدنيا ضffدان واالشffتغال بعمffارة أحffدمها خffراب
اآلخffر ،قلنffا :هffذا كالم من ال يفهم مffا نريffده بالffدنيا اآلن ،فإنffه لفffظ مشffرتك قffد يطلffق على فضffول التنعم
والتلذذ والزيادة على احلاجة والضرورة ،وقد يطلق على مجيfع مfا هfو حمتfاج إليfه قبfل املوت .وأحfدمها ضfد
الffدين واآلخffر شffرطه ،وهكffذا يغلffط من ال مييز بني معffاين األلفffاظ املشffرتكة .فنقffول :نظffام الffدين باملعرفffة
والعب ffادة ال يتوص ffل إليهم ffا إال بص ffحة الب ffدن وبق ffاء احلي ffاة وس ffالمة ق ffدر احلاج ffات من الكس ffوة واملس ffكن
واألقوات ،واألمن هو آخر اآلفات ،ولعمري من أصبح آمنًا يف سربه معاىف يف بدنffه ولffه قffوت يومffه فكأمنا
حيزت له الدنيا حبذافريها ،وليس يأمن اإلنسfان على روحfه وبدنfه ومالfه ومسfكنه وقوتfه يف مجيfع األحfوال
بل يف بعضها ،فال ينتظم الدين إال بتحقيق األمن على هذه املهمات الضرورية ،وإال فمن كان مجيع أوقاتffه
مس ffتغرقًا حبراس ffة نفس ffه من س ffيوف الظلم ffة وطلب قوت ffه من وج ffوه الغلب ffة ،م ffىت يتف ffرغ للعلم والعم ffل ومها
وسffيلتاه إىل سffعادة اآلخffرة ،فffإذن بffان نظffام الffدنيا ،أعffين مقffادير احلاجffة شffرط لنظffام الffدين .وأمffا املقدمffة
الثانية وهو أن الدنيا واألمن على األنفس واألموال ال ينتظم إال بسfلطان مطfاع فتشfهد لfه مشfاهدة أوقfات
الفنت مبوت السffالطني واألئمffة ،وإن ذلffك لffو دام ومل يتffدارك بنصffب سffلطان آخffر مطffاع دام اهلرج وعم
السيف ومشل القحط وهلكت املواشي وبطلت الصناعات ،وكان كل غلب سلب ومل يتفرغ أحfد للعبfادة
والعلم إن بقي حيًا ،واألكfثرون يهلكfون حتت ظالل السfيوف ،وهلذا قيfل :الfدين والسfلطان توأمfان ،وهلذا
قيل :الدين أس والسلطان حارس وما ال أس له فمهدوم وما ال حارس له فضائع .وعلى اجلملة ال يتمffارى
العاقfل يف أن اخللfق على اختالف طبقffاهتم ومffا هم عليfه من تشfتت األهffواء وتبfاين اآلراء لfو خلfوا وراءهم
وملي كن رأي مطاع جيمع شتاهتم هللكوا من عند آخfرهم ،وهfذا داء ال عالج لfه إال بسfلطان قfاهر مطfاع
جيمع شتات اآلراء ،فبان أن السلطان ضروري يف نظام الدنيا ،ونام الffدنيا ضffروري يف نظffام الffدين ،ونظffام
ال ffدين ض ffروري يف الف ffوز بس ffعادة اآلخ ffرة وه ffو مقص ffود األنبي ffاء قطع ًfا ،فك ffان وج ffوب نص ffب اإلم ffام من
ضروريات الشfرع الfذي ال سfبيل إىل تركfه فfاعلم ذلfك .الطfرف الثfاين :يف بيfان من يتعني من سfائر اخللfق
ألن ينصffب إمامًfا .فنقffول :ليس خيفى أن التنصffيص على واحffد جنعلffه إمامًfا بالتشffهي غffري ممكن ،فال بffد لffه
من متيز خباصية يفارق سائر اخللق هبذا ،فتلك خاصية يف نفسfه وخاصfية من جهfة غfريه .أمfا من نفسfه فfأن
يك ffون أهًال لت ffدبري اخلل ffق ومحلهم على مراش ffدهم .وذل ffك بالكفاي ffة والعلم وال ffورع ،وباجلمل ffة خص ffائص
القضاة تشرتط فيه مع زيادة نسب قريش؛ وعلم هذا الشرط الرابع بالسfمع حيث قfال النfيب صfلى اهلل عليfه
وس ffلم :األئم ffة من ق ffريش فه ffذا متيزه عن أك ffثر اخلل ffق ولكن رمبا جيتم ffع يف ق ffريش مجاع ffة موص ffوفون هبذه
الص ffفة فال ب ffد من خاص ffية أخ ffرى متيزه ،وليس ذل ffك إال التولي ffة أو التف ffويض من غ ffريه ،فإمنا يتعني لإلمام ffة
مهمfا وجfدت التوليfة يف حقfه على اخلصfوص من دون غfريه ،فيبقى اآلن النظfر يف صfفة املوىل فfإن ذلfك ال
يسلم لكل أحد بل ال بfد فيfه من خاصfية وذلfك ال يصfدر إال من أحfد ثالثfة :إمfا التنصfيص من جهfة النfيب
صلى اهلل عليه وسلم ،وإما التنصfيص من جهfة إمfام العصfر بfأن يعني لواليfة العهfد شخصًfا معينًfا من أوالده
أو سائر قريش ،وإما التفويض من رجل ذي شوكة يقتضي انقياده وتفويضه متابعة اآلخرين ومبادرهتم إىل
املبايعة ،وذلك قد يسلم يف بعض األعصfار لشfخص واحfد مرمfوق يف نفسfه مfرزوق باملتابعfة مسfؤول على
الكافfة ،ففي بيعتfه وتفويضffه كفايfة عن تفffويض غffريه ألن املقصffود أن جيتمfع شfتات اآلراء لشfخص مطfاع
وقffد صffار اإلمffام مببايعffة هffذا املطffاع مطاعًfا ،وقffد ال يتفffق ذلffك لشffخص واحffد بffل لشخصffني أو ثالثffة أو
مجاعffة فال بffد من اجتمffاعهم وبيعتهم واتفffاقهم على التفffويض حffىت تتم الطاعffة .بffل أقffول :لffو مل يكن بعffد
وفاة اإلمام االقرشي واحد مطاع متبع فنهض باإلمامfة وتوالهfا بنفسfه ونشfأ بشfوكته وتشfاغل هبا واسfتتبع
كافة اخللق بشوكته وكفايته وكان موصوفًا بصفات األئمة فقد انعقدت إمامتfه ووجبت طاعتfه ،فإنfه تعني
حبكم شffوكته وكفايتffه ،ويف منازعتffه إثffارة الفنت إال أن من هffذا حالffه فال يعجffز أيض ًfا عن أخffذ البيعffة من
أكffابر الزمffان وأهffل احلل والعقffد ،وذلffك أبعffد من الشffبهة فلffذلك ال يتفffق مثffل هffذا يف العffادة إال عن بيعffة
وتفويض .فإن قيل :فإن كان املقصود حصول ذي رأي مطfاع جيمfع شfتات اآلراء ومينfع اخللfق من احملاربfة
والقتffال وحيملهم على مصffاحل املعffاش واملعffاد ،فلffو انتهض هلذا األمffر من فيffه الشffروط كلهffا سffوى شffروط
القض ffاء ولكن ffه م ffع ذل ffك يراج ffع العلم ffاء ويعم ffل بق ffوهلم فم ffاذا ت ffرون في ffه ،أجيب خلع ffه وخمالفت ffه أم جتب
طاعت ffه ؟ قلن ffا :ال ffذي ن ffراه ونقط ffع أن ffه جيب خلع ffه إن ق ffدر على أن يس ffتبدل عن ffه من ه ffو موص ffوف جبمي ffع
الشروط من غري إثارة فتنة وهتييج قتال ،وإن مل يكن ذلك إال بتحريffك قتffال وجبت طاعتffه وحكم بإمامتffه
ألن ما يفوتنا من املصارفة بني كونه عاملًا بنفسه أو مستفتيًا من غريه دون مfا يفوتنfا بتقليfد غfريه إذا افتقرنfا
إىل هتييج فتن ffة ال ن ffدري عاقبته ffا .ورمبا ي ffؤدي ذل ffك إىل هالك النف ffوس واألم ffوال ،وزي ffادة ص ffفة العلم إمنا
ت ffراعى مزي ffة وتتم ffة للمص ffاحل فال جيوز أن يعط ffل أص ffل املص ffاحل يف التش ffوق إىل مزاياه ffا وتكمالهتا ،وه ffذه
مسائل فقهية فيلون املستعبد ملخالفته املشهود على نفسه استبعاده ولينزل من غلوائه فاألمر أهون مما يظنffه،
وقد استقضينا حتقيق هذا املعىن يف الكتاب امللقب باملستظهري املصنف يف الرد على الباطنيfة ،فfإن قيfل فfإن
تساحمتم خبصلة العلم لزمكم التسامح خبصلة العدالة وغري ذلfك من اخلصffال ،قلنfا :ليسfت هffذه مسfاحمة عن
االختي ffار ولكن الض ffرورات ت ffبيح احملظ ffوارت ،فنحن نعلم أن تن ffاول امليت ffة حمظ ffور ولكن املوت أش ffد من ffه،
فليت شffعري من ال يسffاعد على هffذا ويقضffي ببطالن اإلمامffة يف عصffرنا لفffوات شffروطها وهffو عffاجز عن
االستبدال باملتصدي هلا بfل هfو فاقfد للمتصfف بشfروطها ،فfأي أحوالfه أحسfن :أن يقfول القضfاة معزولfون
والواليات باطلة واألنكحة غري منعقدة ومجيع تصرفات الوالة يف أقطار العامل غري نافffذة ،وإمنا اخللffق كلهم
مقffدمون على احلرام ،أو أن يقffول اإلمامffة منعقffدة والتصffرفات والواليffات نافffذة حبكم احلال واالضffطرار،
فهو بني ثالثة أمور إما أن مينع النfاس من األنكحfة والتصfرفات املنوطfة بالقضfاة وهfو مسfتحيل ومfؤدي إىل
تعطي ffل املع ffايش كله ffا ويفض ffي إىل تش ffتيت اآلراء ومهل ffك للجم ffاهري وال ffدمهاء أو يق ffول إهنم يق ffدمون على
األنكح ffة والتص ffرفات ولكنهم مق ffدمون على احلرام ،إال أن ffه ال حيكم بفس ffقهم ومعص ffيتهم لض ffرورة احلال،
وإما أن نقول حيكم بانعقاد اإلمامة مع فوات شروطها لضffرورة احلال ومعلfوم أن البعيfد مffع األبعffد قfريب،
وأهfون الشfرين خfري باالضfافة ،وجيب على العاقfل اختيfاره ،فهfذا حتقيfق هfذا الفصfل وفيfه غنيfة عنfد البصfري
عن التطويffل ولكن من مل يفهم حقيقffة الشffيء وعلتffه وإمنا يثبت بطffول األلفffة يف مسعه فال تffزال النفffرة عن
نقيضه يف طبعه إذ فطام الضfعفاء عن املألوف شfديد عجfز عنfه األنبيfاء فكيfف غfريهم .فfإن قيfل :فهال قلتم
إن التنصيص واجب من النfيب واخلليفfة كي يقطfع ذلfك دابfر االختالف كمfا قfالت بعض اإلماميfة إذ ادعfوا
أنه واجب ،قلنا :ألنه لو كان واجبًا لنص عليه الرسول عليه السالم ،ومل ينص هو ومل ينص عمر أيضًا بffل
ثبتت إمامة أبو بكر وإمامة عثمان وإمامة علي رضي اهلل عنهم بالتفويض ،فال تلتفت إىل جتاهffل من يffدعي
أنه صfلى اهلل عليfه وسfلم نص على علي لقطfع الfنزاع ولكن الصfحابة كfابروا النص وكتمfوه ،فأمثfال ذلfك
يع ffارض مبثلffه ويق ffال :مب تنكffرون على من قffال إنffه نص على أيب بكffر فffأمجع الص ffحابة على موافقتffه النص
ومتابعتff fه ،وهff fو أقff fرب من تقff fدير مكff fابرهتم النص وكتمانff fه ،مث إمنا يتخيff fل وجff fوب ذلff fك لتعff fذر قطff fع
االختالف وليس ذلك مبعتذر ،فإن البيعة تقطfع مffادة االختالف والfدليل عليfه عffدم االختالف يف زمffان أيب
بكffر وعثمffان رضffي اهلل عنهم ،وقffد توليffا البيعffة ،وكثرتffه يف زمffان علي رضffي اهلل عنffه ومعتقffد اإلماميffة أنffه
توىل بالنص .الطfرف الثfالث :يف شfرح عقيfدة أهfل السfنة يف الصfحابة واخللفfاء الراشfدين رضfي اهلل عنهم.
اعلم أن للنffاس يف الصffحابة واخللفffاء إسffراف يف أطffراف؛ فمن مبffالغ يف الثنffاء حffىت يffدعي العصffمة لألئمffة،
ومنهم متهجم على الطعن بطلق اللسان بذم الصحابة .فال تكونن من الفfريقني واسfلك طريfق االقتصfاد يف
االعتقfاد .واعلم أن كتfاب اهلل مشfتمل على الثنfاء على املهfاجرين واألنصfار وتfواترت األخبfار بتزكيfة النfيب
صلى اهلل عليfه وسfلم إيfاهم بألفfاظ خمتلفfة ،كقولfه أصfحايب كfالنجوم بfأيهم اقتfديتم اهتfديتم وكقولfه :خfري
الن ffاس ق ffرين مث ال ffذين يل ffوهنم وم ffا من واح ffد إال وورد علي ffه ثن ffاء خ ffاص يف حق ffه يط ffول نقل ffه ،فينبغي أن
تستص ffحب ه ffذا االعتق ffاد يف حقهم وال تس ffيء الظن هبم كم ffا حيكى عن أح ffوال ختالف مقتض ffى حس ffن
الظن ،فأكثر ما ينقل خمرتع بالتعصب يف حقهم وال أصل له وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه ومل جيز مffا
ال يتسع العقل لتجويز اخلطأ والسهو فيه ،ومحل أفعاهلم على قصد اخلري وإن مل يصيبوه .واملشهور من قتال
معاويffة مffع علي ومسffري عائشffه رضffي اهلل عنهم إىل البصffرة والظن بعائشffة أهنا كffانت تطلب تطفئffة الفتنffة
ولكن خ ffرج األم ffر من الض ffبط ،ف ffأواخر األم ffور ال تبقى على وف ffق طلب أوائله ffا ،ب ffل تنس ffل عن الض ffبط،
والظن مبعاوي ffة أن ffه ك ffان على تأوي ffل وظن فيم ffا ك ffان يتعاط ffاه وم ffا حيكى س ffوى ه ffذا من رواي ffات اآلح ffاد
فالصحيح منه خمتلط بالباطل واالختالف أكثره اخرتاعات الfروافض واخلوارج وأربfاب الفضffول اخلائضffون
يف هذه الفنون .فينبغي أن تالزم اإلنكار يف كل ما مل يثبت ،وما ثبت فيستنبط له تأويًال .فما تعffذر عليffك
فقل :لعل له تأويًال وعذرًا مل أطلع عليfه .واعلم أنfك يف هfذا املقfام بني أن تسfيء الظن مبسfلم وتطعن عليfه
وتك ffون كاذبًf fا أو حتس ffن الظن ب ffه وتك ffف لس ffانك عن الطعن وأنت خمطئ مثًال ،واخلط ffأ يف حس ffن الظن
باملسffلم أسffلم من الصffواب بffالطعن فيهم ،فلffو سffكت إنسffان مثًال عن لعن ابليس أو لعن أيب جهffل أو أيب
هلب أو من شffئت من األشffرار طffول عمffره مل يضffره السffكوت ،ولffو هفffا هفffوة بffالطعن يف مسffلم مبا هffو
بffريء عنffد اهلل تعffاىل منffه فقffد تعffرض للهالك ،بffل أكffثر مffا يعلم يف النffاس ال حيل النطffق بffه لتعظيم الشffرع
الزجر عن الغيبة ،مfع أنfه إخبfار عمfا هfو متحقfق يف املغتfاب .فمن يالحfظ هfذه الفصfول ومل يكن يف طبعfه
ميffل إىل الفضffول آثffر مالزمتffه السffكوت وحسffن الظن بكافffة املسffلمني وإطالق اللسffان بالثنffاء على مجيffع
السffلف الصffاحلني .هffذا حكم الصffحابة عامffة .فأمffا اخللفffاء الراشffدون فهم أفضffل من غffريهم ،وتffرتيبهم يف
الفضffل عنffد أهffل السffنة كffرتتيبهم يف اإلمامffة ،وهffذا ملكffان أن قولنffا فالن أفضffل من فالن أن معنffاه إن حملfه
عن ffد اهلل تع ffاىل يف اآلخ ffرة أرف ffع ،وه ffذا غيب ال يطل ffع علي ffه إال اهلل ورس ffوله إن أطلع ffه علي ffه ،وال ميكن أن
يدعي نصوص قاطعة من صاحب الشرع متواترة مقتضية للفضيلة على هذا الرتتيب ،بل املنقول الثناء على
مجيعهم .واسffتنباط حكم الرتجيحffات يف الفضffل من دقffائق ثنائffه عليهم رمي يف عمايffة واقتحffام أمffر آخffر
أغنانffا اهلل عنffه ،ويعffرف الفضffل عنffد اهلل تعffاىل باألعمffال مشffكل أيضًfا وغايتffه رجم ظن ،فكم من شffخص
متحfرم الظfاهر وهfو عنfد اهلل مبكfان ليس يف قلبfه وخلfق خفي يف باطنfه ،وكم من مfزين بالعبfادات الظfاهرة
وه ffو يف س ffخط اهلل خلبث مس ffتكن يف باطن ffه فال مطل ffع على الس ffرائر إال اهلل تع ffاىل .ولكن إذا ثبت أن ffه ال
يعffرف الفضffل إال بffالوحي وال يعffرف من النffيب إال بالسffماع وأوىل النffاس بالسffماع مffا يffدل على تفffاوت
الفضffائل الصffحابة املالزمffون ألحffوال النffيب صffلى اهلل عليffه وسffلم ،وهم قffد أمجعffوا على تقffدمي أيب بكffر ،مث
نص أبff fو بكff fر على عمff fر ،مث أمجعff fوا بعff fده على عثمff fان ،مث على علي رضff fي اهلل عنهم .وليس يظن منهم
اخليان ffة يف دين اهلل تع ffاىل لغ ffرض من األغ ffراض ،وك ffان إمجاعهم على ذل ffك من أحس ffن م ffا يس ffتدل ب ffه على
مراتبهم يف الفضل ،ومن هذا اعتقد أهل السنة هذا الرتتيب يف الفضل مث حبثوا عن األخبار فوجدوا فيها مfا
عرف به مستند الصحابة وأهل اإلمجاع يف هذا الرتتيب .فهذا مffا أردنfا أن نقتصffر عليfه من أحكfام اإلمامffة
واهلل أعلم وأحكم.
الباب الرابع بيان من جيب تكفريه من الفرق اعلم أن للفرق يف هذا مبالغات وتعص ffبات ،فرمبا انتهى بعض
الطوائف إىل تكفري كل فرقة سوى الفرقة اليت يعزى إليها ،فإذا أردت أن تعرف سبيل احلق فيه فffاعلم قبffل
كfل شfيء أن هfذه مسfألة فقهيfة ،أعfين احلكم بتكفfري من قfال قfوًال وتعfاطى فعًال ،فإهنا تfارة تكfون معلومfة
بأدلة مسعية وتارة تكfون مظنونfة باالجتهfاد ،وال جمال لfدليل العقfل فيهfا البتfة ،وال ميكن تفهيم هfذا إال بعfد
تفهيم قولنffا :إن هffذا الشffخص كffافر والكشffف عن معنffاه ،وذلffك يرجffع إىل اإلخبffار عن مسffتقره يف الffدار
اآلخffرة وأنffه يف النffار على التأبيffد ،وعن حكمffه يف الffدنيا وأنffه ال جيب القصffاص بقتلffه وال ميكن من نكffاح
مسffلمة وال عصffمة لدمffه ومالffه ،إىل غffري ذلffك من األحكffام ،وفيffه أيض ًfا إخبffار عن قffول صffادر منffه وهffو
ك ffذب ،أو اعتق ffاد وه ffو جه ffل ،وجيوز أن يع ffرف بأدل ffة العق ffل ك ffون الق ffول ك ffذبًا وك ffون االعتق ffاد جهًال،
ولكن كffون هffذا الكffذب واجلهffل موجب ًfا للتكفffري أمffر آخffر ،ومعنffاه كونffه مسffلطًا على سffفك دمffه وأخffذ
أمواله ،ومعىن كونه مسلطًا على سfفك دمfه وأخfذ أموالfه ومبيحًfا إلطالق القfول بأنfه خملfد يف النfار؛ وهfذه
األمور شرعية وجيوز عندنا أن يرد الشرع بfأن الكfذاب أو اجلاهfل أو املكfذب خملfد يف اجلنfة وغfري مكfرتث
بكفره ،وإن ماله ودمه معصوم وجيوز أن يرد بالعكس أيضًا نعم ليس جيور أن يرد بأن الكذب صffدق وأن
اجلهfل علم ،وذلfك ليس هfو املطلfوب هبذه املسfألة بfل املطلfوب أن هfذا اجلهfل والكfذب هfل جعلfه الشfرع
سببًا إلبطال عصمته واحلكم بأنه خملد يف النار ؟ وهfو كنظرنfا يف أن الصfيب إذا تكلم بكلمfيت الشfهادة فهfو
كافر بعد أو مسلم ؟ أي هذا اللفظ الذي صدر منه وهو صدق ،واالعتقاد الfذي وجfد يف قلبfه وهffو حfق،
هل جعله الشرع سببًا لعصمة دمه وماله أم ال ؟ وهذا إىل الشرع .فأما وصف قوله بأنfه كfذب أو اعتقffاده
بأنه جهل ،فليس إىل الشfرع ،فfإذًا معرفfة الكfذب واجلهfل جيوز أن يكfون عقليًfا وأمfا معرفfة كونfه كfافر أو
مسffلمًا فليس إال شffرعيًا ،بffل هffو كنظرنffا يف الفقffه يف أن هffذا الشffخص رقيffق أو حffر ،ومعنffاه أن السffبب
ال ffذي ج ffرى ه ffل نص ffبه الش ffرع مبطًال لش ffهادته وواليت ffه وم ffزيًال ألمالك ffه ومس ffقطًا للقص ffاص عن س ffيده
املس ffتويل علي ffه ،إذا قتل ffه ،فيك ffون ك ffل ذل ffك طلب ًfا ألحك ffام ش ffرعية ال يطلب دليله ffا إال من الش ffرع .وجيوز
الفتffوى يف ذلffك بffالقطع مffرة وبffالظن واالجتهffاد أخffرى ،فffإذا تقffرر هffذا األصffل فقffد قررنffا يف أصffول الفقffه
وفروعffه أن كffل حكم شffرعي يدعيffه مffدع فإمffا أن يعرفffه بأصffل من أصffول الشffرع من إمجاع أو نقffل أو
بقياس على أصل ،وكذلك كون الشخص كافرًا إما أن يدرك بأصل أو بقياس على ذلك األصل ،واألصل
املقط ffوع ب ffه أن ك ffل من ك ffذب حمم ffدًا ص ffلى اهلل علي ffه وس ffلم فه ffو ك ffافر أي خمل ffد يف الن ffار بع ffد املوت،
ومستباح الدم واملال يف احلياة ،إىل مجلة األحكام .إال أن التكذيب على مراتب.
الرتبة األوىل :تكذيب اليهود والنصارى وأهffل امللfل كلهم من اجملوس وعبfدة األوثfان وغffريهم ،فتكفffريهم
منصوص عليه يف الكتاب وجممع عليه بني األمة ،وهو األصل وما عداه كامللحق به.
الرتب ffة الثاني ffة :تك ffذيب الربامهة املنك ffرين ألص ffل النب ffوات ،والدهري ffة املنك ffرين لص ffانع الع ffامل .وه ffذا ملح ffق
باملنصوص بطريق األوىل ،ألن هؤالء كذبوه وكfذبوا غfريه من األنبيfاء ،أعfين الربامهة ،فكfانوا بfالتكفري أوىل
من النصffارى واليهffود ،والدهريffة أوىل بffالتكفري من الربامهة ألهنم أضffافوا إىل تكffذيب األنبيffاء إنكffار املرسffل
ومن ض ffرورة إنك ffار النب ffوة ،ويلتح ffق هبذه الرتب ffة ك ffل من ق ffال ق ffوًال ال تثبت النب ffوة يف أص ffلها أو نب ffوة نبين ffا
حممد على اخلصوص إال بعد بطالن قوله.
الرتبة الثالثة :الذين يصدقون بالصانع والنبوة ويصدقون النيب ،ولكن يعتقدون أمورًا ختالف نصوص الشرع
ولكن يقول ffون أن الن ffيب حمق ،وم ffا قص ffد مبا ذك ffره إال ص ffالح اخلل ffق ولكن مل يق ffدر على التص ffريح ب ffاحلق
لكالل أفه ffام اخلل ffق عن درك ffه ،وه ffؤالء هم الفالس ffفة .وجيب القط ffع بتكف ffريهم يف ثالث ffة مس ffائل وهي:
إنكffارهم حلشffر األجسffاد والتعffذيب بالنffار ،والتنعيم يف اجلنffة بffاحلور بffالعني واملأكول واملشffروب وامللبffوس.
واألخ ffرى :ق ffوهلم إن اهلل ال يعلم اجلزئي ffات وتفص ffيل احلوادث وإمنا يعلم الكلي ffات ،وإمنا اجلزئي ffات تعلمه ffا
املالئكffة السffماوية .والثالثffة :قffوهلم إن العffامل قffدمي وإن اهلل تعffاىل متقffدم على العffامل بالرتبffة مثffل تقffدم العلffة
على املعل ffول ،وإال فلم ت ffر يف الوج ffود إال متس ffاويني .وه ffؤالء إذا أوردوا عليهم آي ffات الق ffرآن زعم ffوا أن
اللffذات العقليffة تقصffر األفهffام عن دركهffا ،فمثffل هلم ذلffك باللffذات احلسffية وهffذا كفffر صffريح ،والقffول بffه
إبطffال لفائffدة الشffرائع وسffد لبffاب االهتffداء بنffور القffرآن واسffتبعاد للرشffد من قffول الرسffل ،فإنffه إذا جffاز
عليهم الكذب ألجfل املصfاحل بطلت الثقfة بfأقواهلم فمfا من قfول يصfدر عنهم إال ويتصfور أن يكfون كfذبًا،
وإمنا قالوا ذلك ملصلحة .فإن قيل :فلم قلتم مع ذلك بأهنم كفرة ؟ قلنا ألنه عرف قطعًfا من الشffرع أن من
كذب رسول اهلل فهو كافر وهؤالء مكذبون مث معاملون للكذب مبعاذير فاسfدة وذلfك ال خيرج الكالم عن
كونه كذبًا.
الرتبffة الرابعffة :املعتزلffة واملشffبهة والفffرق كلهffا سffوى الفالسffفة ،وهم الffذين يصffدقون وال جيوزون الكffذب
ملصffلحة وغffري مصffلحة ،وال يشffتغلون بالتعليffل ملصffلحة الكffذب بffل بالتأويffل ولكنهم خمطئffون يف التأويffل،
فهؤالء أمرهم يف حمل االجتهاد .والذي ينبغي أن مييل احملصل إليه االحرتاز من التكفري ما وجد إليه سffبيًال.
فfإن اسfتباحة الfدماء واألمfوال من املصfلني إىل القبلfة املصfرحني بقfول ال إلfه إال اهلل حممfد رسfول اهلل خطfأ،
واخلطأ يف ترك ألف كافر يف احلياة أهون من اخلطأ يف سفك حمجمة من دم مسلم .وقد قال صلى اهلل عليه
وسffلم :أمffرت أن أقاتffل النffاس حffىت يقولffوا ال إلffه إال اهلل حممffد رسffول اهلل ،فffإذا قالوهffا فقffد عصffموا مffين
دماءهم وأمواهلم إال حبقها .وهذه الفرق منقسمون إىل مسffرفني وغالة ،وإىل مقتصffدين باإلضffافة إليهم ،مث
اجملته ffد ي ffرى تكف ffريهم وق ffد يك ffون ظن ffه يف بعض املس ffائل وعلى بعض الف ffرق أظه ffر .وتفص ffيل آح ffاد تل ffك
املس ffائل يط ffول مث يث ffري الفنت واألحق ffاد ،ف ffإن أك ffثر اخلائض ffني يف ه ffذا إمنا حيركهم التعص ffب واتب ffاع تكف ffري
املكذب للرسول ،وهؤالء ليسfوا مكfذبني أصًfال ومل يثبت لنfا أن اخلطfأ يف التأويfل مfوجب للتكفfري ،فال بfد
من دليffل عليffه ،وثبت أن العصffمة مسffتفادة من قffول ال إلffه إال اهلل قطعًfا ،فال يffدفع ذلffك إال بقffاطع .وهffذا
القدر كfاف يف التنبيfه على أن إسfراف من بfالغ يف التكفfري ليس عن برهfان فfإن الربهfان إمfا أصfل أو قيfاس
على أص ffل ،واألص ffل ه ffو التك ffذيب الص ffريح ومن ليس مبك ffذب فليس يف مع ffىن الك ffذب أص ًfال فيبقى حتت
عموم العصمة بكلمة الشهادة.
الرتبffة اخلامسffة :من تffرك التكffذيب الصffريح ولكن ينكffر أص ًfال من أصffول الشffرعيات املعلومffة بffالتواتر من
رس ffول اهلل ص ffلى اهلل علي ffه وس ffلم ،كق ffول القائ ffل :الص ffلوات اخلمس غ ffري واجب ffة ،ف ffإذا ق ffرئ علي ffه الق ffرآن
واألخب ffار ق ffال :لس ffت أعلم ص ffدر ه ffذا من رس ffول اهلل ،فلعل ffه غل ffط وحتري ffف .وكمن يق ffول :أن ffا مع ffرتف
بوجوب احلج ولكن ال أدري أين مكة وأين الكعبة ،وال أدري أن البلد الذي تستقبله النffاس وحيجونffه هffل
هي البلffد الffيت حجهffا النffيب عليffه السffالم ووصffفها القffرآن .فهffذا أيض ًfا ينبغي أن حيكم بكفffره ألنffه مكffذب
ولكنff fه حمرتز عن التصff fريح ،وإال فff fاملتواترات تشff fرتك يف دركهff fا العff fوام واخلواص وليس بطالن م ffا يقول ffه
كبطالن مذهب املعتزلة فإن ذلك خيتص لدركه اؤلوا البصائر من النظار إال أن يكون هذا الشffخص قffريب
العهد باالسfالم ومل يتfواتر عنfده بعfد هfذه األمfور فيمهلfه إىل أن يتfواتر عنfده ،ولسfنا نكفfره ألنfه أنكfر أمfرًا
معلومًا بالتواتر ،وإنه لو أنكر غزوة من غزوات النيب صلى اهلل عليfه وسfلم املتfواترة أو أنكfر نكاحfه حفصffة
بنت عمر ،أو أنكر وجود أيب بكر وخالفته مل يلزم تكفffريه ألنfه ليس تكfذيبًا يف أصffل من أصffول الfدين مما
جيب التصديق به خبالف احلج والصالة وأركfان اإلسfالم ،ولسfنا نكفffره مبخالفffة االمجاع ،فfإن لنfا نظfرة يف
تكفري النظام املنكر ألصل االمجاع ،ألن الشبه كثرية يف كون االمجاع حجة قاطعة وإمنا االمجاع عبffارة عن
التطابق على رأي نظري وهذا الfذي حنن فيfه تطfابق على األخبfار غfري حمسfوس ،وتطfابق العfدد الكبfري على
األخب ffار غ ffري حمس ffوس على س ffبيل الت ffواتر املوجب للعلم الض ffروري ،وتط ffابق أه ffل احلق والعق ffد على رأي
واحffد نظffري ال يffوجب العلم إال من جهffة الشffرع ولffذلك ال جيوز أن يسffتدل على حffدوث العffامل بتffواتر
األخبار من النظار الذين حكموا به ،بل ال تواتر إال يف احملسوسات.
الرتبة السادسة :أن ال يصرح بالتكذيب وال يكذب أيضًا أمرًا معلومًا على القطع بالتواتر من أصffول الffدين
ولكن منكffر م ffا علم ص ffحته إال االمجاع ،فأم ffا التffواتر فال يشffهد لffه كالنظffام مثًال ،إذ أنكffر كffون االمجاع
حج ffة قاطع ffة يف أص ffله .وق ffال :ليس ي ffدل على اس ffتحالة اخلط ffأ على أه ffل االمجاع دلي ffل عقلي قطعي وال
شffرعي متffواتر ال حيتمffل التأويffل ،فكلمffا تستشffهد بffه من األخبffار واآليffات لffه تأويffل بزعمffه ،وهffو يف قولffه
خfارق إلمجاع التfابعني؛ فإنfا نعلم إمجاعهم على أن مfا أمجع عليfه الصfحابة حfق مقطfوع بfه ال ميكن خالفfه
فقffد أنكffر اإلمجاع وخffرق اإلمجاع وهffذا يف حمل االجتهffاد ،ويل فيffه نظffر ،إذ االشffكاالت كثffرية يف وجffه
كون االمجاع حجة فيكاد يكون ذلك املمهد للعذر ولكن لو فتح هذا الباب اجنر إىل أمffور شffنيعة وهffو أن
قائًال لو قال :جيوز أن يبعث رسول بعد نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلم ،فيبعد التوقف يف تكفffريه ومسffتند
اسffتحالة ذلffك عنffد البحث تسffتمد من االمجاع ال حمالffة فffإن العقffل ال حييلffه ومffا نقffل فيffه من قولffه :ال نffيب
بعدي ومن قوله تعاىل :خامت النبيني فال يعجز هذا القائل عن تأويله فيقول :خfامت النبfيني أراد بfه أويل العfزم
من الرسfل ،فfإن قfالوا النبfيني عfام ،فال يبعfد ختصfيص العfام .وقولfه ال نfيب بعfدي مل يfرد بfه الرسfول ،وفfرق
بني النيب والرسول والنfيب أعلى رتبfة من الرسfول إىل غfري ذلfك من أنfواع اهلذيان .فهfذا وأمثالfه ال ميكن أن
نffدعي اسffتحالته من حيث جمرد اللفffظ فإنffا يف تأويffل ظffواهر التشffبيه قضffينا باحتمffاالت أبعffد من هffذه ومل
يكن ذل ffك مبطًال للنص ffوص ،ولكن ال ffرد على ه ffذا القائ ffل أن األم ffة فهمت باإلمجاع من ه ffذا اللف ffظ ومن
قfرائن أحوالfه أنfه أفهم عffدم نfيب بعffده أبfدًا وعffدم رسfول اهلل أبfدًا وأنfه ليس فيfه تأويfل وال ختصffيص فمنكfر
هذا ال يكون إال منكر اإلمجاع ،وعند هذا يتفرع مسائل متقاربة مشfتبكة يفتقfر كfل واحfد منهfا إىل نظfر،
واجملتهffد يف مجيffع ذلffك حيكم مبوجب ظنffه يقينًfا وإثباتًfا والغffرض اآلن حتريffر معاقffد األصffول الffيت يffايت عليهffا
التكف ffري وق ffد نرج ffع إىل ه ffذه املراتب الس ffلتة وال يع ffرتض ف ffرع إال وين ffدرج حتت رتب ffة من ه ffذه ال ffرتب،
فاملقصود التأصيل دون التفصيل .فإن قيfل :السfجود بني يfدي الصffنم كفffر ،وهffو فعffل جمرد ال يfدخل حتت
هذه الروابط ،فهل هو أصل آخfر ؟ قلنfا :ال ،فfإن الكفfر يف اعتقfاده تعظيم الصfنم ،وذلfك تكfذيب لرسfول
اهلل صfلى اهلل عليfه وسfلم والقfرآن ولكن يعfرف اعتقfاده تعظيم الصfنم تfارة بتصfريح لفظfه ،وتfارًة باإلشfارة
إن كان أخرسًا ،وتارة بفعل يfدل عليfه داللfة قاطعfة كالسfجود حيث ال حيتمfل أن يكfون السfجود هلل وإمنا
الصنم بني يديfه كاحلائfط وهfو غافfل عنfه أو غfري معتقfد تعظيمfه ،وذلfك يعfرف بfالقرائن .وهfذا كنظرنfا أن
الكافر إذا صلى جبماعتنfا هfل حيكم باسfالمه ،أي هfل يسfتدل على اعتقfاد التصfديق ؟ فليس هfذا إذن نظfرًا
خارجًا عما ذكرناه .ولنقتصر على هذا القدر يف تعريف مدارك التكفري وإمنا أوردناه من حيث أن الفقهاء
مل يتعرضوا له واملتكلمون مل ينظروا فيه نظfرًا فقهيًfا ،إذ مل يكن ذلfك من فنهم ،ومل ينبfه بعضffهم هبا لقffرب
املسألة من الفقهيات ،ألن النظر يف األسباب املوجبة للتكفري من حيث أهنا أكاذيب وجهاالت نظر عقلي،
ولكن النظ ffر من حيث أن تل ffك اجله ffاالت مقتض ffية بطالن العص ffمة وإمنا اخلل ffود يف الن ffار نظ ffر فقهي وه ffو
املطلوب.
ولنختم الكتاب هبذا ،فقد أظهرنا االقتصاد يف االعتقاد وحfذفنا احلشfو والفضfول املسfتغىن عنfه ،اخلارج من
أمهات العقائد ،وقواعfدها ،واقتصfرنا من أدلfة مfا أوردنfاه على اجللي الواضfح الfذي ال تقصfر أكfثر األفهfام
عن دركffه ،فنسffأل اهلل تعffاىل أال جيعلffه وبffاًال علينffا ،وأن يضffعه يف مffيزان الصffاحلات إذا ردت إلينffا أعمالنffا،
واحلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل على حممد خامت النبيني وعلى آله وسلم تسليمًا كثريًا آمني.
مت الكتاب حبمد اهلل وفضله ،نرجو من القاري الكرمي أن ال يبخل علينا مبلحظاوته القيمة.
مع حتيات موقع الفلسفة اإلسالمية
شارك يف هذا االجناز :حممد حزين يف ايلول (سبتمر) 2002م