Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 95

‫االقتصاد يف االعتقاد‬

‫أبو حامد الغزايل‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫الفهرست‬
‫املقدمة‬
‫ترتيب الكتاب‬
‫مقدمة االقطاب‬
‫التمهيد األول‪ :‬يف بيان أن هذا العلم من املهمات يف الدين‪.‬‬
‫التمهيد الثاين‪ :‬يف بيان أنه ليس مهمًا جلميع املسلمني بل لطائفة منهم خمصوصني‪.‬‬
‫التمهيد الثالث‪ :‬يف بيان أنه من فروض الكفايات ال من فروض األعيان‪.‬‬
‫التمهيد الرابع‪ :‬يف تفصيل مناهج األدلة اليت أوردهتا يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫القطب األول‪ :‬النظر يف ذات اهلل تعاىل‪.‬‬
‫الدعوى األوىل‪ :‬وجوده تعاىل وتقدس‬
‫الدعوى الثانية‪ :‬ندعي أن السبب الذي أثبتناه لوجود العامل قدمي‬
‫الدعوى الثالثة‪ :‬ندعي أن صانع العامل مع كونه موجودًا مل يزل‬
‫الدعوى الرابعة‪ :‬ندعي أن صانع العامل ليس جبوهر متحيز‬
‫الدعوى اخلامسة‪ :‬ندعي أن صانع العامل ليس جبسم‬
‫الدعوى السادسة‪ :‬ندعي أن صانع العامل ليس بعرض‬
‫الدعوى السابعة‪ :‬ندعي أنه ليس يف جهة خمصوصة من اجلهات الست‬
‫الدعوى الثامنة‪ :‬ندعي أن اهلل تعاىل منزه‬
‫الدعوى التاسعة‪ :‬ندعي أن اهلل سبحانه وتعاىل مرئي‬
‫الدعوى العاشرة‪ :‬ندعي أنه سبحانه واحد‪.‬‬
‫القطب الثاين‪ :‬يف صفات اهلل تعاىل‪.‬‬
‫القطب الثالث‪ :‬يف أفعال اهلل تعاىل‪.‬‬
‫القطب الرابع‪ :‬يف رسل اهلل‬
‫الباب األول‪ :‬يف إثبات نبوة حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬فيما ورد على لسانه من أمور اآلخرة‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬يف اإلمامة وشروطها‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬يف بيان القانون يف تكفري الفرق املبتدعة‪.‬‬

‫احلم ‪ff‬د هلل ال ‪ff‬ذي اجت ‪ff‬ىب من ص ‪ff‬فوة عب ‪ff‬اده عص ‪ff‬ابة احلق وأه ‪ff‬ل الس ‪ff‬نة‪ ،‬وخص ‪ff‬هم من بني س ‪ff‬ائر الف ‪ff‬رق مبزاي ‪ff‬ا‬
‫اللط‪f‬ف واملن‪f‬ة‪ ،‬وأف‪f‬اض عليهم من ن‪f‬ور هدايت‪f‬ه م‪ff‬ا كش‪f‬ف ب‪f‬ه عن حق‪ff‬ائق ال‪f‬دين‪ ،‬وأنط‪f‬ق ألس‪f‬نتهم حبجت‪f‬ه ال‪f‬يت‬
‫قمع هبا ضالل امللحدين‪ ،‬وص‪f‬فى س‪f‬رائرهم من وس‪f‬اوس الش‪f‬ياطني‪ ،‬وطه‪f‬ر ض‪f‬مائرهم عن نزغ‪f‬ات ال‪f‬زائغني‪،‬‬
‫وعمر أفئدهتم بأنوار اليقني حىت اهتدوا هبا إىل أس‪f‬رار م‪f‬ا أنزل‪f‬ه على لس‪f‬ان نبي‪f‬ه وص‪f‬فيه حمم‪f‬د ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه‬
‫وسلم سيد املرسلني‪ ،‬واطلعوا على طريق التلفيق بني مقتضيات الش‪f‬رائع وموجب‪f‬ات العق‪ff‬ول؛ وحتقق‪ff‬وا أن ال‬
‫معان‪ff‬دة بني الش‪ff‬رع املنق‪ff‬ول واحلق املعق‪ff‬ول‪ .‬وعرف‪ff‬وا أن من ظن من احلش‪ff‬وية وج‪ff‬وب اجلم‪ff‬ود على التقلي‪ff‬د‪،‬‬
‫واتباع الظواهر ما أت‪f‬وا ب‪f‬ه إال من ض‪f‬عف العق‪f‬ول وقل‪f‬ة البص‪f‬ائر‪ .‬وإن من تغلغ‪f‬ل من الفالس‪f‬فة وغالة املعتزل‪f‬ة‬
‫يف تص ‪ff‬رف العق ‪ff‬ل ح ‪ff‬ىت ص ‪ff‬ادموا ب ‪ff‬ه قواط ‪ff‬ع الش ‪ff‬رع‪ ،‬م ‪ff‬ا أت ‪ff‬وا ب ‪ff‬ه إال من خبث الض ‪ff‬مائر‪ .‬فمي ‪ff‬ل أولئ ‪ff‬ك إىل‬
‫التفري ‪ff‬ط ومي ‪ff‬ل ه ‪ff‬ؤالء إىل االف ‪ff‬راط‪ ،‬وكالمها بعي ‪ff‬د عن احلزم واالحتي ‪ff‬اط‪ .‬ب ‪ff‬ل ال ‪ff‬واجب احملت ‪ff‬وم يف قواع ‪ff‬د‬
‫االعتق‪ff‬اد مالزم‪ff‬ة االقتص‪ff‬اد واالعتم‪ff‬اد على الص‪ff‬راط املس‪ff‬تقيم؛ فكال ط‪ff‬ريف قص‪ff‬د األم‪ff‬ور ذميم‪ .‬وأىن يس‪ff‬تتب‬
‫الرشاد ملن يقنع بتقليد األثر واخلرب‪ ،‬وينكر مناهج البحث والنظر‪ ،‬أو ال يعلم انه ال مس‪ff‬تند للش‪ff‬رع إال ق‪ff‬ول‬
‫س‪ff‬يد البش‪ff‬ر ص‪ff‬لى اهلل علي‪ff‬ه وس‪ff‬لم‪ ،‬وبره‪ff‬ان العق‪ff‬ل ه‪ff‬و ال‪ff‬ذي ع‪ff‬رف ب‪ff‬ه ص‪ff‬دقه فيم‪ff‬ا أخ‪ff‬رب‪ ،‬وكي‪ff‬ف يهت‪ff‬دي‬
‫للص ‪ff‬واب من اقتفى حمض العق ‪ff‬ل واقتص ‪ff‬ر‪ ،‬وم ‪ff‬ا استض ‪ff‬اء بن ‪ff‬ور الش ‪ff‬رع وال استبص ‪ff‬ر ؟ فليت ش ‪ff‬عري كي ‪ff‬ف‬
‫يف ‪ff‬زع إىل العق ‪ff‬ل من حيث يعرتي ‪ff‬ه العي واحلص ‪ff‬ر ؟ أو ال يعلم ان العق ‪ff‬ل قاص ‪ff‬ر وأن جمال ‪ff‬ه ض ‪ff‬يق منحص ‪ff‬ر ؟‬
‫هيه‪ff‬ات ق‪ff‬د خ‪ff‬اب على القط‪ff‬ع والبت‪ff‬ات وتع‪ff‬ثر بأذي‪ff‬ال الض‪ff‬الالت من مل جيم‪ff‬ع بت‪ff‬أليف الش‪ff‬رع والعق‪ff‬ل ه‪ff‬ذا‬
‫الش‪ff‬تات‪ .‬فمث‪ff‬ال العق‪ff‬ل البص‪ff‬ر الس‪ff‬ليم عن اآلف‪ff‬ات واالذاء‪ .‬ومث‪ff‬ال الق‪ff‬رآن الش‪ff‬مس املنتش‪ff‬رة الض‪ff‬ياء‪ .‬ف‪ff‬اخلق‬
‫بأن يك‪f‬ون ط‪f‬الب االهت‪f‬داء‪ .‬املس‪f‬تغين إذا اس‪f‬تغين بأح‪f‬دمها عن اآلخ‪f‬ر يف غم‪f‬ار األغبي‪f‬اء‪ ،‬ف‪f‬املعرض عن العق‪f‬ل‬
‫مكتفيًا بنور القرآن‪ ،‬مثاله املتعرض لنور الشمس مغمضًا لألجفان‪ ،‬فال ف‪f‬رق بين‪f‬ه وبني العمي‪f‬ان‪ .‬فالعق‪ff‬ل م‪ff‬ع‬
‫الش‪ff‬رع ن‪ff‬ور على ن‪ff‬ور‪ ،‬واملالح‪ff‬ظ ب‪ff‬العني الع‪ff‬ور ألح‪ff‬دمها على اخلص‪ff‬وص مت‪ff‬دل حبب‪ff‬ل غ‪ff‬رور‪ .‬وسيتض‪ff‬ح ل‪ff‬ك‬
‫أيه ‪ff‬ا املش ‪ff‬وق إىل االطالع على قواع ‪ff‬د عقائ ‪ff‬د أه ‪ff‬ل الس ‪ff‬نة‪ ،‬املق ‪ff‬رتح حتقيقه ‪ff‬ا بقواط ‪ff‬ع األدل ‪ff‬ة‪ ،‬أن ‪ff‬ه مل يس ‪ff‬تأثر‬
‫ب‪ff‬التوفيق للجم‪ff‬ع بني الش‪ff‬رع والتحقي‪ff‬ق فري‪ff‬ق س‪ff‬وى ه‪ff‬ذا الفري‪ff‬ق‪ .‬فاش‪ff‬كر اهلل تع‪ff‬اىل على إقتفائ‪ff‬ك آلث‪ff‬ارهم‬
‫واخنراطك يف سلك نظامهم وعيارهم واختالطك بفرقتهم؛ فعساك أن حتشر يوم القيامة يف زم‪ff‬رهتم‪ .‬نس‪ff‬أل‬
‫اهلل تع‪ff‬اىل أن يص‪ff‬في أس‪ff‬رارنا عن ك‪ff‬دورات الض‪ff‬الل‪ ،‬ويغمره‪ff‬ا بن‪ff‬ور احلقيق‪ff‬ة‪ ،‬وأن خيرس ألس‪ff‬نتنا عن النط‪ff‬ق‬
‫بالباطل‪ ،‬وينطقها باحلق واحلكمة إنه الكرمي الفائض املنة الواسع الرمحة‪.‬‬
‫باب‬
‫ولنفتح الكالم ببيان اسم الكتاب‪ ،‬وتقسيم املقدمات والفصول واألبواب‪ .‬أما اس‪ff‬م الكت‪ff‬اب فه‪ff‬و االقتص‪ff‬اد‬
‫يف االعتق ‪ff‬اد‪ .‬وأم ‪ff‬ا ترتيب ‪ff‬ه فه ‪ff‬و مش ‪ff‬تمل على أرب ‪ff‬ع متهي ‪ff‬دات جتري جمرى التوطئ ‪ff‬ة واملق ‪ff‬دمات‪ ،‬وعلى أرب ‪ff‬ع‬
‫أقطاب جتري جمرى املقاصد والغايات‪.‬‬
‫التمهيد األول‪ :‬يف بيان أن هذا العلم من املهمات يف الدين‪.‬‬
‫التمهيد الثاين‪ :‬يف بيان أنه ليس مهمًا جلميع املسلمني بل لطائفة منهم خمصوصني‪.‬‬
‫التمهيد الثالث‪ :‬يف بيان أنه من فروض الكفايات ال من فروض األعيان‪.‬‬
‫التمهيد الرابع‪ :‬يف تفصيل مناهج األدلة اليت أوردهتا يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫وأما األقطاب املقصودة فأربعة ومجلتها مقص‪ff‬ورة على النظ‪ff‬ر يف اهلل تع‪ff‬اىل‪ .‬فإن‪ff‬ا إذا نظرن‪ff‬ا يف الع‪ff‬امل مل ننظ‪ff‬ر‬
‫فيه من حيث أن‪f‬ه ع‪f‬امل وجس‪f‬م ومساء وأرض‪ ،‬ب‪f‬ل من حيث أن‪f‬ه ص‪f‬نع اهلل س‪f‬بحانه‪ .‬وإن نظرن‪f‬ا يف الن‪f‬يب علي‪f‬ه‬
‫الس‪f‬الم مل ننظ‪f‬ر في‪f‬ه من حيث أن‪f‬ه انس‪f‬ان وش‪f‬ريف وع‪ff‬امل وفاض‪ff‬ل؛ ب‪f‬ل من حيث أن‪f‬ه رس‪f‬ول اهلل‪ .‬وان نظرن‪f‬ا‬
‫يف أقوال‪ff‬ه مل ننظ‪ff‬ر من حيث أهنا أق‪ff‬وال وخماطب‪ff‬ات وتفهيم‪ff‬ات؛ ب‪ff‬ل من حيث أهنا تعريف‪ff‬ات بواس‪ff‬طته من اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فال نظر إال يف اهلل وال مطلوب سوى اهلل ومجيع أطراف ه‪ff‬ذا العلم حيص‪ff‬رها النظ‪ff‬ر يف ذات اهلل تع‪ff‬اىل‬
‫ويف ص‪ff‬فاته س‪ff‬بحانه ويف أفعال‪ff‬ه ع‪ff‬ز وج‪ff‬ل ويف رس‪ff‬ول اهلل ص‪ff‬لى اهلل علي‪ff‬ه وس‪ff‬لم وم‪ff‬ا جاءن‪ff‬ا على لس‪ff‬انه من‬
‫تعريف اهلل تعاىل‪ .‬فهي إذن أربعة أقطاب‪:‬‬
‫القطب األول‪ :‬النظ‪ff‬ر يف ذات اهلل تع‪ff‬اىل‪ .‬فن‪ff‬بني في‪ff‬ه وج‪ff‬وده وان‪ff‬ه ق‪ff‬دمي وأن‪ff‬ه ب‪ff‬اق وأن‪ff‬ه ليس جبوهر وال جس‪ff‬م‬
‫وال ع‪ff‬رض وال حمدود حبد وال ه‪ff‬و خمص‪ff‬وص جبه‪ff‬ة‪ ،‬وأن‪ff‬ه م‪ff‬رئي كم‪ff‬ا أن‪ff‬ه معل‪ff‬وم وأن‪ff‬ه واح‪ff‬د؛‬
‫فهذه عشرة دعاوى نبينها يف هذا القطب‪.‬‬
‫القطب الث ‪ff‬اين‪ :‬يف ص ‪ff‬فات اهلل تع ‪ff‬اىل‪ .‬ون ‪ff‬بني في ‪ff‬ه أن ‪ff‬ه حي ع ‪ff‬امل ق ‪ff‬ادر مري ‪ff‬د مسيع بص ‪ff‬ري متكلم وأن ل ‪ff‬ه حي ‪ff‬اة‬
‫وعلم ‪ًf‬ا وق‪ff‬درة وإرادة ومسعًا وبص‪ff‬رًا وكالم ‪ًf‬ا‪ ،‬ون‪ff‬ذكر أحك‪ff‬ام ه‪ff‬ذه الص‪ff‬فات ولوازمه‪ff‬ا وم‪ff‬ا‬
‫يف ‪ff‬رتق فيه ‪ff‬ا وم ‪ff‬ا جيتم ‪ff‬ع فيه ‪ff‬ا من األحك ‪ff‬ام‪ ،‬وأن ه ‪ff‬ذه الص ‪ff‬فات زائ ‪ff‬دة على ال ‪ff‬ذات وقدمية‬
‫وقائمة بالذات وال جيوز أن يكون شيء من الصفات حادثًا‪.‬‬
‫القطب الثالث‪ :‬يف أفعال اهلل تعاىل‪ .‬وفيه س‪f‬بعة دع‪f‬اوى وه‪f‬و ان‪f‬ه ال جيب على اهلل تع‪f‬اىل التكلي‪f‬ف وال اخلل‪f‬ق‬
‫وال الثواب على التكليف وال رعاية صالح العباد وال يستحيل منه تكليف ما ال يط‪ff‬اق وال‬
‫جيب علي ‪ff‬ه العق ‪ff‬اب على املعاص ‪ff‬ي وال يس ‪ff‬تحيل من ‪ff‬ه بعث ‪ff‬ه األنبي ‪ff‬اء عليهم الس ‪ff‬الم؛ ب ‪ff‬ل جيوز‬
‫ذلك‪ .‬ويف مقدمة هذا القطب بيان معىن الواجب واحلسن والقبيح‪.‬‬
‫القطب الراب‪ff‬ع‪ :‬يف رس‪ff‬ل اهلل‪ ،‬وم‪ff‬ا ج‪ff‬اء على لس‪ff‬ان رس‪ff‬ولنا حمم‪ff‬د ص‪ff‬لى اهلل علي‪ff‬ه وس‪ff‬لم من احلش‪ff‬ر والنش‪ff‬ر‬
‫واجلنة والنار والشفاعة وعذاب القرب وامليزان والصراط‪ ،‬وفيه أربعة أبواب‪:‬‬
‫الباب األول‪ :‬يف إثبات نبوة حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬فيما ورد على لسانه من أمور اآلخرة‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬يف اإلمامة وشروطها‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬يف بيان القانون يف تكفري الفرق املبتدعة‪.‬‬

‫التمهيد األول يف بيان أن اخلوض يف هذا العلم مهم يف الدين‬


‫اعلم أن ص‪f‬رف اهلم‪f‬ة إىل م‪f‬ا ليس مبهم‪ ،‬وتض‪f‬ييع الزم‪f‬ان مبا عن‪f‬ه ب‪f‬د ه‪f‬و غاي‪f‬ة الض‪f‬الل وهناي‪f‬ة اخلس‪f‬ران س‪f‬واء‬
‫كان املنصرف إليه باهلمة من العلوم أو من األعمال‪ ،‬فنعوذ باهلل من علم ال ينفع‪ .‬وأهم األمور لكافة اخللق‬
‫ني‪ff‬ل الس‪ff‬عادة األبدي‪ff‬ة واجتن‪ff‬اب الش‪ff‬قاوة الدائم‪ff‬ة‪ ،‬وق‪ff‬د ورد األنبي‪ff‬اء وأخ‪ff‬ربوا اخلل‪ff‬ق ب‪ff‬أن هلل تع‪ff‬اىل على عب‪ff‬اده‬
‫حقوق‪ًf f‬ا ووظ ‪ff‬ائف يف أفع ‪ff‬اهلم وأق ‪ff‬واهلم وعقائ ‪ff‬دهم‪ .‬وأن من مل ينط ‪ff‬ق بالص ‪ff‬دق لس ‪ff‬انه ومل ينط ‪ff‬و على احلق‬
‫ض‪ff‬مريه ومل ت‪ff‬تزين بالع‪ff‬دل جوارح‪ff‬ه فمص‪ff‬ريه إىل الن‪ff‬ار وعاقبت‪ff‬ه للب‪ff‬وار‪ .‬مث مل يقتص‪ff‬روا على جمرد اإلخب‪ff‬ار ب‪ff‬ل‬
‫استش‪ff‬هدوا على ص‪ff‬دقهم ب‪ff‬أمور غريب‪ff‬ة وأفع‪ff‬ال عجيب‪ff‬ة خارق‪ff‬ة للع‪ff‬ادات خارج‪ff‬ة عن مق‪ff‬دورات البش‪ff‬ر‪ ،‬فمن‬
‫ش‪ff‬اهدها أو مسع أحواهلا باألخب‪ff‬ار املت‪ff‬واترة س‪ff‬بق إىل عقل‪ff‬ه إمك‪ff‬ان ص‪ff‬دقهم‪ ،‬ب‪ff‬ل غلب على ظن‪ff‬ه ذل‪ff‬ك ب‪ff‬أول‬
‫الس ‪ff‬ماع قب ‪ff‬ل أن ميعن النظ ‪ff‬ر يف متي ‪ff‬يز املعج ‪ff‬زات عن عج ‪ff‬ائب الص ‪ff‬ناعات‪ .‬وه ‪ff‬ذا الظن الب ‪ff‬ديهي أو التج ‪ff‬ويز‬
‫الضروري ينزع الطمأنينة عن القلب وحيشوه باالستشعار واخلوف ويهيجه للبحث واالفتكار ويس‪ff‬لب عن‪ff‬ه‬
‫الدع‪f‬ة والق‪f‬رار وحيذره مغب‪f‬ة التس‪f‬اهل واإلمهال ويق‪f‬رر عن‪f‬ده أن املوت آت ال حمال‪f‬ة وأن م‪f‬ا بع‪f‬د املوت منط‪f‬و‬
‫عن أبصار اخللق وأن ما أخرب ب‪f‬ه ه‪f‬ؤالء غ‪f‬ري خ‪f‬ارج عن ح‪f‬يز اإلمك‪f‬ان‪ .‬ف‪f‬احلزم ت‪f‬رك الت‪f‬واين يف الكش‪f‬ف عن‬
‫حقيقة ه‪f‬ذا األم‪f‬ر‪ .‬فم‪f‬ا ه‪f‬ؤالء م‪f‬ع العج‪f‬ائب ال‪f‬يت أظهروه‪f‬ا يف إمك‪f‬ان ص‪f‬دقهم قب‪f‬ل البحث عن حتقي‪f‬ق ق‪f‬وهلم‬
‫بأقل من شخص واح‪f‬د خيربن‪f‬ا عن خروجن‪f‬ا من دارن‪f‬ا وحمل اس‪f‬تقرارنا ب‪f‬أن س‪f‬بعًا من الس‪f‬باع ق‪f‬د دخ‪f‬ل ال‪f‬دار‬
‫فخ‪ff‬ذ ح‪ff‬ذرك واح‪ff‬رتز من‪ff‬ه لنفس‪ff‬ك جه‪ff‬دك‪ ،‬فإن‪ff‬ا مبج‪ff‬رد الس‪ff‬ماع إذا رأين‪ff‬ا م‪ff‬ا أخربن‪ff‬ا عن‪ff‬ه يف حمل االمك‪ff‬ان‬
‫واجلواز مل نق ‪ff‬دم على ال ‪ff‬دخول وبالغن ‪ff‬ا يف االح ‪ff‬رتاز ف ‪ff‬املوت ه ‪ff‬و املس ‪ff‬تقر وال ‪ff‬وطن قطع ‪ًf‬ا‪ ،‬فكي ‪ff‬ف ال يك ‪ff‬ون‬
‫االح‪f‬رتاز ملا بع‪f‬ده مهم‪ًf‬ا ؟ ف‪f‬إذن أهم املم‪f‬ات أن نبحث عن قول‪f‬ه ال‪f‬ذي قض‪f‬ى ال‪f‬ذهن يف ب‪f‬ادئ ال‪f‬رأي وس‪f‬ابق‬
‫النظ‪ff‬ر بامكان‪ff‬ه أه‪ff‬و حمال يف نفس‪ff‬ه على التحقي‪ff‬ق أو ه‪ff‬و ح‪ff‬ق ال ش‪ff‬ك في‪ff‬ه ؟ فمن قول‪ff‬ه ان لكم رب ‪ًf‬ا كلفكم‬
‫حقوق‪ًf‬ا وه‪f‬و يع‪f‬اقبكم على تركه‪f‬ا وي‪f‬ثيبكم على فعله‪f‬ا وق‪f‬د بعث‪f‬ين رس‪f‬وًال إليكم ألبني ذل‪f‬ك لكم‪ ،‬فيلزمن‪f‬ا ال‬
‫حمال ‪ff‬ة أن نع ‪ff‬رف أن لن ‪ff‬ا رب ‪ًf‬ا أم ال‪ .‬وإن ك ‪ff‬ان فه ‪ff‬ل ميكن أن يك ‪ff‬ون حي ‪ًf‬ا متكلم ‪ًf‬ا ح ‪ff‬ىت ي ‪ff‬أمر وينهى ويكل ‪ff‬ف‬
‫ويبعث الرس‪ff‬ل‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان متكلم ‪ًf‬ا فه‪ff‬ل ه‪ff‬و ق‪ff‬ادر على أن يع‪ff‬اقب وي‪ff‬ثيب إذا عص‪ff‬يناه أو أطعن‪ff‬اه‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان‬
‫قادرًا فهل هذا الشخص بعينه صادق يف قوله أنا الرسول إليكم‪ .‬فإن اتضح لنا ذلك لزمنا ال حمال‪ff‬ة‪ ،‬إن كن‪ff‬ا‬
‫عقالء‪ ،‬أن نأخذ حذرنا وننظ‪f‬ر ألنفس‪f‬نا ونس‪f‬تحقر ه‪f‬ذه ال‪f‬دنيا املنقرض‪f‬ة باالض‪f‬افة إىل اآلخ‪f‬رة الباقي‪f‬ة فالعاق‪f‬ل‬
‫من ينظ ‪ff‬ر لعاقبت ‪ff‬ه وال يغ ‪ff‬رت بعاجلت ‪ff‬ه‪ .‬ومقص ‪ff‬ود ه ‪ff‬ذا العلم إقام ‪ff‬ة الربه ‪ff‬ان على وج ‪ff‬ود ال ‪ff‬رب تع ‪ff‬اىل وص ‪ff‬فاته‬
‫وأفعال ‪ff‬ه وص ‪ff‬دق الرس ‪ff‬ل كم ‪ff‬ا فص ‪ff‬لناه يف الفهرس ‪ff‬ت‪ .‬وك ‪ff‬ل ذل ‪ff‬ك مهم ال حميص عن ‪ff‬ه لعاق ‪ff‬ل‪ .‬ف ‪ff‬إن قلت اين‬
‫لست منكرًا هذا االنبعاث للطلب من نفسي ولكين لست أدري أنه مثرة اجلبلة والطبع وه‪ff‬و مقتض‪ff‬ى العق‪ff‬ل‬
‫أو ه‪ff‬و م‪ff‬وجب الش‪ff‬رع إذ للن‪ff‬اس كالم يف م‪ff‬دارك الوج‪ff‬وب؛ فه‪ff‬ذا امنا تعرف‪ff‬ه يف آخ‪ff‬ر الكت‪ff‬اب عن‪ff‬د تعرض‪ff‬نا‬
‫ملدارك الوج‪ff f‬وب‪ .‬واالش‪ff f‬تغال ب‪ff f‬ه اآلن فض‪ff f‬ول ب‪ff f‬ل ال س‪ff f‬بيل بع‪ff f‬د وق‪ff f‬وع االنبع‪ff f‬اث إىل االنته‪ff f‬اض لطلب‬
‫اخلالص‪ .‬فمثال امللتفت إىل ذلك مثال رجل لدغت‪f‬ه حي‪f‬ة أو عق‪ff‬رب وهي مع‪ff‬اودة الل‪f‬دغ والرج‪f‬ل ق‪f‬ادر على‬
‫الف ‪ff‬رار ولكن ‪ff‬ه متوق ‪ff‬ف ليع ‪ff‬رف ان احلي ‪ff‬ة جاءت ‪ff‬ه من ج ‪ff‬انب اليمني أو من ج ‪ff‬انب اليس ‪ff‬ار‪ ،‬وذل ‪ff‬ك من أفع ‪ff‬ال‬
‫األغبياء اجلهال نعوذ باهلل من االشتغال بالفضول مع تضييع املهمات واألصول‪.‬‬

‫التمهيد الثاين يف بيان اخلوض يف هذا العلم وإن كان مهمًا‬


‫فهو يف حق بعض اخللق ليس مبهم بل املهم هلم تركه‬
‫إعلم أن األدل ‪ff‬ة ال ‪ff‬يت حنرره ‪ff‬ا يف ه ‪ff‬ذا العلم جتري جمرى األدوي ‪ff‬ة ال ‪ff‬يت يع ‪ff‬اجل هبا م ‪ff‬رض القل ‪ff‬وب‪ .‬والط ‪ff‬بيب‬
‫املس‪ff‬تعمل هلا إن مل يكن حاذق‪ًf‬ا ث‪ff‬اقب العق‪ff‬ل رص‪ff‬ني ال‪ff‬رأي ك‪ff‬ان م‪ff‬ا يفس‪ff‬ده بدوائ‪ff‬ه أك‪ff‬ثر مما يص‪ff‬لحه‪ .‬فليعلم‬
‫احملصل ملضمون هذا الكتاب واملستفيد هلذه العلوم أن الناس أربع فرق‪:‬‬
‫الفرق‪ff‬ة األوىل‪ :‬آمنت باهلل وص‪ff‬دقت رس‪ff‬وله واعتق‪ff‬دت احلق وأض‪ff‬مرته واش‪ff‬تغلت إم‪ff‬ا بعب‪ff‬ادة وإم‪ff‬ا بص‪ff‬ناعة؛‬
‫فهؤالء ينبغي أن ي‪f‬رتكوا وم‪ff‬ا هم علي‪f‬ه وال حترك عقائ‪f‬دهم باالس‪f‬تحثاث على تعلم ه‪ff‬ذا العلم‪ ،‬ف‪f‬إن ص‪ff‬احب‬
‫الش‪ff‬رع ص‪ff‬لوات اهلل علي‪ff‬ه مل يط‪ff‬الب الع‪ff‬رب يف خماطبت‪ff‬ه إي‪ff‬اهم ب‪ff‬أكثر من التص‪ff‬ديق ومل يف‪ff‬رق بني أن يك‪ff‬ون‬
‫ذل‪ff‬ك بإميان وعق‪ff‬د تقلي‪ff‬دي أو بيقني بره‪ff‬اين‪ .‬وه‪ff‬ذا مما علم ض‪ff‬رورة من جماري أحوال‪ff‬ه يف تزكيت‪ff‬ه إميان من‬
‫سبق من أجالف العرب إىل تصديقه ببحث وبرهان؛ بل مبج‪f‬رد قرين‪f‬ة وخميل‪f‬ة س‪f‬بقت إىل قل‪f‬وهبم فقادهتا إىل‬
‫اإلذعان للحق واالنقياد للصدق فه‪f‬ؤالء مؤمن‪f‬ون حق‪ًf‬ا فال ينبغي أن تش‪f‬وش عليهم عقائ‪f‬دهم‪ ،‬فإن‪f‬ه إذا تليت‬
‫عليهم ه‪ff‬ذه ال‪ff‬رباهني وم‪ff‬ا عليه‪ff‬ا من االش‪f‬كاالت وحله‪ff‬ا مل ي‪ff‬ؤمن أن تعل‪ff‬ق بأفه‪ff‬امهم مش‪ff‬كلة من املش‪ff‬كالت‬
‫وتس‪ff‬تويل عليه‪ff‬ا وال متحى عنه‪ff‬ا مبا ي‪ff‬ذكر من ط‪ff‬رق احلل‪ .‬وهلذا مل ينق‪ff‬ل عن الص‪ff‬حابة اخلوض يف ه‪ff‬ذا الفن‬
‫ال مبباحث‪ff‬ة وال بت‪ff‬دريس وال تص‪ff‬نيف‪ ،‬ب‪ff‬ل ك‪ff‬ان ش‪ff‬غلهم بالعب‪ff‬ادة وال‪ff‬دعوة إليه‪ff‬ا ومحل اخلل‪ff‬ق على مراش‪ff‬دهم‬
‫ومصاحلهم يف أحواهلم وأعماهلم ومعاشهم فقط‪.‬‬
‫الفرقة الثانية‪ :‬طائفة مالت عن اعتقاد احلق كالكفرة واملبتدع‪f‬ة‪ .‬فاجلايف الغلي‪f‬ظ منهم الض‪f‬عيف العق‪f‬ل اجلام‪f‬د‬
‫على التقلي‪f‬د املم‪f‬رتي على الباط‪f‬ل من مبت‪f‬دأ النش‪f‬وء إىل ك‪f‬رب الس‪f‬ن ال ينف‪f‬ع مع‪f‬ه إال الس‪f‬وط والس‪f‬يف‪ .‬ف‪f‬أكثر‬
‫الكفرة أسلموا حتت ظالل السيوف إذ يفعل اهلل بالسيف والسنان ما ال يفعل بالربهان واللسان‪ .‬وعن ه‪ff‬ذا‬
‫إذا اس‪ff‬تقرأت ت‪ff‬واريخ األخب‪ff‬ار مل تص‪ff‬ادف ملحم‪ff‬ة بني املس‪ff‬لمني والكف‪ff‬ار إال انكش‪ff‬فت عن مجاع‪ff‬ة من أه‪ff‬ل‬
‫الض‪ff‬الل م‪ff‬الوا إىل االنقي‪ff‬اد‪ ،‬ومل تص‪ff‬ادف جمم‪ff‬ع من‪ff‬اظرة وجمادل‪ff‬ة انكش‪ff‬فت إال عن زي‪ff‬ادة إص‪ff‬رار وعن‪ff‬اد‪ .‬وال‬
‫تظنن أن ه‪ff‬ذا ال‪ff‬ذي ذكرن‪ff‬اه غض من منص‪ff‬ب العق‪ff‬ل وبرهان‪ff‬ه ولكن ن‪ff‬ور العق‪ff‬ل كرام‪ff‬ة ال خيص اهلل هبا إال‬
‫اآلحاد من أوليائه‪ ،‬والغالب على اخللق القص‪f‬ور واالمهال‪ ،‬فهم لقص‪f‬ورهم ال ي‪f‬دركون ب‪f‬راهني العق‪f‬ول كم‪f‬ا‬
‫ال ت‪ff‬درك ن‪ff‬ور الش‪ff‬مس أبص‪ff‬ار اخلف‪ff‬افيش‪ .‬فه‪ff‬ؤالء تض‪ff‬ر هبم العل‪ff‬وم كم‪ff‬ا تض‪ff‬ر ري‪ff‬اح ال‪ff‬ورد باجلع‪ff‬ل‪ .‬ويف مث‪ff‬ل‬
‫هؤالء قال االمام الشافعي رمحه اهلل‪(( :‬فمن منح اجلهال علمًا أضاعه)) ومن منع املستوجبني فقد ظلم‬
‫الفرقة الثالثة‪ :‬طائفة اعتقدوا احلق تقلي‪f‬دًا ومساعًا ولكن خص‪f‬وا يف الفط‪f‬رة ب‪f‬ذكاء وفطن‪f‬ة فتنبه‪f‬وا من أنفس‪f‬هم‬
‫إلش ‪ff f‬كاالت تش ‪ff f‬ككهم يف عقائ ‪ff f‬دهم وزل ‪ff f‬زلت عليهم طم ‪ff f‬أنينتهم‪ ،‬أو ق ‪ff f‬رع مسعهم ش ‪ff f‬بهة من الش ‪ff f‬بهات‬
‫وح ‪ff‬اكت يف ص ‪ff‬دورهم‪ .‬فه ‪ff‬ؤالء جيب التلط ‪ff‬ف هبم يف مع ‪ff‬اجلتهم باع ‪ff‬ادة طم ‪ff‬أنينتهم وإماط ‪ff‬ة ش ‪ff‬كوكهم مبا‬
‫أمكن من الكالم املقن‪ff‬ع املقب‪ff‬ول عن‪ff‬دهم ول‪ff‬و مبج‪ff‬رد إس‪ff‬تبعاد وتق‪ff‬بيح أو تالوة آي‪ff‬ة أو رواي‪ff‬ة ح‪ff‬ديث أو نق‪ff‬ل‬
‫كالم من شخص مشهور عن‪f‬دهم بالفض‪ff‬ل‪ .‬ف‪f‬إذا زال ش‪f‬كه ب‪f‬ذلك الق‪ff‬در فال ينبغي أن يش‪f‬افه باألدل‪f‬ة احملررة‬
‫على مراسم اجلدال‪ ،‬فإن ذلك رمبا يفتح عليه أبوابًا أخر من اإلش‪f‬كاالت‪ .‬ف‪f‬إن ك‪f‬ان ذكي‪ًf‬ا فطن‪ًf‬ا مل يقنع‪f‬ه إال‬
‫كالم يسري على حمك التحقيق‪ .‬فعن‪f‬د ذل‪f‬ك جيوز أن يش‪f‬افه بال‪f‬دليل احلقيقي وذل‪f‬ك على حس‪f‬ب احلاج‪f‬ة ويف‬
‫موضع االشكال على اخلصوص‪.‬‬
‫الفرق ‪ff‬ة الرابع ‪ff‬ة‪ :‬طائف ‪ff‬ة من أه ‪ff‬ل الض ‪ff‬الل يتف ‪ff‬رس فيهم خمائ ‪ff‬ل ال ‪ff‬ذكاء والفطن ‪ff‬ة ويتوق ‪ff‬ع منهم قب ‪ff‬ول احلق مبا‬
‫اع‪ff‬رتاهم يف عقائ‪ff‬دهم من الريب‪ff‬ة أو مبا يلني قل‪ff‬وهبم لقب‪ff‬ول التش‪ff‬كيك باجلبل‪ff‬ة والفط‪ff‬رة‪ .‬فه‪ff‬ؤالء جيب التلط‪ff‬ف‬
‫هبم يف اس ‪ff‬تمالتهم إىل احلق وإرش ‪ff‬ادهم إىل االعتق ‪ff‬اد الص ‪ff‬حيح ال يف مع ‪ff‬رض احملاج ‪ff‬ة والتعص ‪ff‬ب‪ ،‬ف ‪ff‬إن ذل ‪ff‬ك‬
‫يزي‪f‬د يف دواعي الض‪f‬الل ويهيج ب‪f‬واعث التم‪f‬ادي واإلص‪f‬رار‪ .‬وأك‪f‬ثر اجله‪f‬االت إمنا رس‪f‬خت يف قل‪f‬وب الع‪f‬وام‬
‫بتعصب مجاعة من جهال أهل احلق أظهروا احلق يف مع‪f‬رض التح‪f‬ري واالدالء‪ ،‬ونظ‪f‬روا إىل ض‪f‬عفاء اخلص‪f‬وم‬
‫بعني التحق ‪ff‬ري واإلزراء‪ .‬فث ‪ff‬ارت من ب ‪ff‬واطنهم دواعي املعان ‪ff‬دة واملخالف ‪ff‬ة ورس ‪ff‬خت يف نفوس ‪ff‬هم االعتق ‪ff‬ادات‬
‫الباطلة وعسر على العلماء املتلطفني حموها م‪f‬ع ظه‪f‬ور فس‪f‬ادها‪ ،‬ح‪f‬ىت انتهى التعص‪f‬ب بطائف‪f‬ة إىل أن اعتق‪f‬دوا‬
‫أن احلروف اليت نظروا هبا يف احلال بعد السكوت عنها طول العم‪f‬ر قدمية‪ .‬ول‪f‬وال اس‪f‬تيالء الش‪f‬يطان بواس‪f‬طة‬
‫العن ‪ff‬اد والتعص ‪ff‬ب لأله ‪ff‬واء ملا وج ‪ff‬د مث ‪ff‬ل ه ‪ff‬ذا االعتق ‪ff‬اد مس ‪ff‬تقرًا يف قلب جمن ‪ff‬ون فض ‪ًf‬ال عمن ل ‪ff‬ه قلب عاق ‪ff‬ل‪.‬‬
‫واجملادلة واملعاندة داء حمض ال دواء له‪ ،‬فليتحرز املتدين منه جه‪f‬ده ولي‪f‬رتك احلق‪f‬د والض‪f‬غينة وينظ‪f‬ر إىل كاف‪f‬ة‬
‫خل ‪ff‬ق اهلل بعني الرمحة‪ ،‬وليس ‪ff‬تعن ب ‪ff‬الرفق واللط ‪ff‬ف يف ارش ‪ff‬اد من ض ‪ff‬ل من ه ‪ff‬ذه األم ‪ff‬ة‪ ،‬وليتحف ‪ff‬ظ من النك ‪ff‬د‬
‫ال‪ff‬ذي حيرك داعي‪ff‬ة الض‪ff‬الل‪ ،‬وليتحق‪ff‬ق أن مهيج داعي‪ff‬ة االص‪ff‬رار بالعن‪ff‬اد والتعص‪ff‬ب معني على االص‪ff‬رار على‬
‫البدعة ومطالب بعهده اعانته يف القيامة‪.‬‬

‫التمهيد الثالث يف بيان االشتغال هبذا العلم من فروض الكفايات‬


‫إعلم أن التبحر يف هذا العلم واالشتغال مبجامعه ليس من فروض األعي‪f‬ان وه‪f‬و من ف‪f‬روض الكفاي‪f‬ات‪ .‬فأم‪f‬ا‬
‫أن ‪ff‬ه ليس من ف ‪ff‬روض األعي ‪ff‬ان فق ‪ff‬د إتض ‪ff‬ح ل ‪ff‬ك برهان ‪ff‬ه يف التمهي ‪ff‬د الث ‪ff‬اين‪ .‬إذ ت ‪ff‬بني أن ‪ff‬ه ليس جيب على كاف ‪ff‬ة‬
‫اخلل‪ff‬ق إال التص‪ff‬ديق اجلزم وتطه‪ff‬ري القلب عن ال‪ff‬ريب والش‪ff‬ك يف اإلميان‪ .‬وإمنا تص‪ff‬ري إزال‪ff‬ة الش‪ff‬ك ف‪ff‬رض عني‬
‫يف ح‪ff‬ق من اع‪ff‬رتاه الش‪ff‬ك‪ .‬ف‪ff‬إن قلت فلم ص‪ff‬ار من ف‪ff‬روض الكفاي‪ff‬ات وق‪ff‬د ذك‪ff‬رت أن أك‪ff‬ثر الف‪ff‬رق يض‪ff‬رهم‬
‫ذل ‪ff‬ك وال ينفعهم ؟ ف ‪ff‬اعلم أن ‪ff‬ه ق ‪ff‬د س ‪ff‬بق أن ازال ‪ff‬ة الش ‪ff‬كوك يف أص ‪ff‬ول العقائ ‪ff‬د واجب ‪ff‬ة‪ ،‬واعت ‪ff‬وار الش ‪ff‬ك غ ‪ff‬ري‬
‫مس‪ff‬تحيل وإن ك‪ff‬ان ال يق‪ff‬ع إال يف األق‪ff‬ل‪ ،‬مث ال‪ff‬دعوة إىل احلق بالربه‪ff‬ان مهم‪ff‬ة يف ال‪ff‬دين‪ .‬مث ال يبع‪ff‬د أن يث‪ff‬ور‬
‫مبتدع ويتصدى إلغواء أهل احلق بإفاضة الشبهة فيهم فال ب‪f‬د ممن يق‪f‬اوم ش‪f‬بهته بالكش‪f‬ف ويع‪f‬ارض إغ‪f‬واءه‬
‫بالتقبيح‪ ،‬وال ميكن ذلك إال هبذا العلم‪ .‬وال تنفك البالد عن أمث‪f‬ال ه‪f‬ذه الوق‪f‬ائع‪ ،‬ف‪f‬وجب أن يك‪f‬ون يف ك‪f‬ل‬
‫قط‪ff‬ر من األقط‪ff‬ار وص‪ff‬قع من األص‪ff‬قاع ق‪ff‬ائم ب‪ff‬احلق مش‪ff‬تغل هبذا العلم يق‪ff‬اوم دع‪ff‬اة املبتدع‪ff‬ة ويس‪ff‬تميل املائلني‬
‫عن احلق ويص‪ff‬في قل‪ff‬وب أه‪ff‬ل الس‪ff‬نة عن ع‪ff‬وارض الش‪ff‬بهة‪ .‬فل‪ff‬و خال عن‪ff‬ه القط‪ff‬ر خ‪ff‬رج ب‪ff‬ه أه‪ff‬ل القط‪ff‬ر كاف‪ff‬ة‪،‬‬
‫كم ‪ff‬ا ل ‪ff‬و خال عن الط ‪ff‬بيب والفقي ‪ff‬ه‪ .‬نعم من أنس من نفس ‪ff‬ه تعلم الفق ‪ff‬ه أو الكالم وخال الص ‪ff‬قع عن الق ‪ff‬ائم‬
‫هبما ومل يتسع زمانه للجمع بينهما واستفيت يف تعيني ما يشتغل به منهما؛ أوجبنا عليه االشتغال بالفقه ف‪ff‬إن‬
‫احلاج‪f‬ة إلي‪f‬ه أعم والوق‪f‬ائع في‪f‬ه أك‪f‬ثر فال يس‪f‬تغين أح‪f‬د يف ليل‪f‬ه وهناره عن االس‪f‬تعانة بالفق‪f‬ه‪ .‬واعت‪f‬وار الش‪f‬كوك‬
‫احملوج‪ff‬ة إىل علم الكالم ب‪ff‬اد باإلض‪ff‬افة إلي‪ff‬ه كم‪ff‬ا أن‪ff‬ه ل‪ff‬و خال البل‪ff‬د عن الط‪ff‬بيب والفقي‪ff‬ه ك‪ff‬ان التش‪ff‬اغل بالفق‪ff‬ه‬
‫أهم؛ ألن‪ff‬ه يش‪ff‬رتك يف احلاج‪ff‬ة إلي‪ff‬ه اجلم‪ff‬اهري وال‪ff‬دمهاء‪ .‬فأم ‪ff‬ا الطب فال حيت‪ff‬اج إلي‪ff‬ه األص ‪ff‬حاء‪ ،‬واملرض ‪ff‬ى أق‪ff‬ل‬
‫ع‪ff‬ددًا باإلض‪ff‬افة إليهم‪ .‬مث املريض ال يس‪ff‬تغين عن الفق‪ff‬ه كم‪ff‬ا ال يس‪ff‬تغين عن الطب وحاجت‪ff‬ه إىل الطب حليات‪ff‬ه‬
‫الفاني ‪ff‬ة وإىل الفق ‪ff‬ه حليات ‪ff‬ه الباقي ‪ff‬ة وش ‪ff‬تان بني احلالتني‪ .‬ف ‪ff‬إذا نس ‪ff‬بت مثرة الطب إىل مثرة الفق ‪ff‬ه علمت م ‪ff‬ا بني‬
‫الثم‪ff‬رتني‪ .‬وي‪ff‬دلك على أن الفق‪ff‬ه أهم العل‪ff‬وم اش‪ff‬تغال الص‪ff‬حابة رض‪ff‬ي اهلل عنهم ب‪ff‬البحث عن‪ff‬ه يف مش‪ff‬اورهتم‬
‫ومفاوض‪ff‬اهتم‪ .‬وال يغرن‪ff‬ك م‪ff‬ا يه‪ff‬ول ب‪ff‬ه من يعظم ص‪ff‬ناعة الكالم من أن‪ff‬ه األص‪ff‬ل والفق‪ff‬ه ف‪ff‬رع ل‪ff‬ه فإهنا كلم‪ff‬ة‬
‫ح‪ff‬ق ولكنه‪ff‬ا غ‪ff‬ري نافع‪ff‬ة يف ه‪ff‬ذا املق‪ff‬ام‪ ،‬ف‪ff‬إن األص‪ff‬ل ه‪ff‬و االعتق‪ff‬اد الص‪ff‬حيح والتص‪ff‬ديق اجلزم وذل‪ff‬ك حاص‪ff‬ل‬
‫بالتقلي‪ff‬د واحلاج‪ff‬ة إىل الربه‪ff‬ان ودق‪ff‬ائق اجلدل ن‪ff‬ادرة‪ .‬والط‪ff‬بيب أيض‪ًf‬ا ق‪ff‬د يلبس فيق‪ff‬ول وج‪ff‬ودك مث وج‪ff‬ودك مث‬
‫وج ‪ff‬ود ب ‪ff‬دنك موق ‪ff‬وف على ص ‪ff‬ناعيت وحيات ‪ff‬ك منوط ‪ff‬ة يب فاحلي ‪ff‬اة والص ‪ff‬حة أوًال مث االش ‪ff‬تغال بال ‪ff‬دين ثاني ‪ًf‬ا‪.‬‬
‫ولكن ال خيفى ما حتت هذا الكالم من التمويه وقد نبهنا عليه‪.‬‬

‫التمهيد الرابع يف بيان مناهج األدلة اليت انتهجناها يف هذا الكتاب‬


‫إعلم أن مناهج األدلة متشعبة وقد أوردنا بعضها يف كتاب حمك النظر وأشبعنا القول فيه‪ff‬ا يف كت‪ff‬اب معي‪ff‬ار‬
‫العلم‪ .‬ولكنا يف هذا الكتاب حنرتز عن الطرق املتغلق‪f‬ة واملس‪f‬الك الغامض‪f‬ة قص‪f‬دًا لاليض‪f‬اح وميًال إىل اإلجياز‬
‫واجتنابًا للتطويل‪ .‬ونقتصر على ثالثة مناهج‪:‬‬
‫املنهج األول‪ :‬الس ‪ff‬رب والتقس ‪ff‬يم وه ‪ff‬و ان حنص ‪ff‬ر األم ‪ff‬ر يف قس ‪ff‬مني مث يبط ‪ff‬ل أح ‪ff‬دمها فيل ‪ff‬زم من ‪ff‬ه ثب ‪ff‬وت الث ‪ff‬اين‪.‬‬
‫كقولنا‪ :‬العامل إم‪f‬ا ح‪f‬ادث وإم‪f‬ا ق‪f‬دمي‪ ،‬وحمال أن يك‪f‬ون ق‪f‬دميًا فيل‪f‬زم من‪f‬ه ال حمال‪f‬ة أن يك‪f‬ون حادث‪ًf‬ا أن‪f‬ه ح‪f‬ادث‬
‫وه‪ff‬ذا الالزم ه‪ff‬و مطلوبن‪ff‬ا وه‪ff‬و علم مقص‪ff‬ود إس‪ff‬تفدناه من علمني آخ‪ff‬رين أح‪ff‬دمها قولن‪ff‬ا‪ :‬الع‪ff‬امل إم‪ff‬ا ق‪ff‬دمي أو‬
‫ح‪ff‬ادث ف‪ff‬إن احلكم هبذا االحنص‪ff‬ار علم‪ .‬والث‪ff‬اين‪ :‬قولن‪ff‬ا وحمال أن يك‪ff‬ون ق‪ff‬دميًا ف‪ff‬إن ه‪ff‬ذا علم آخ‪ff‬ر‪ .‬والث‪ff‬الث‪:‬‬
‫ه‪ff‬و الالزم منهم‪ff‬ا وه‪ff‬و املطل‪ff‬وب بأن‪ff‬ه ح‪ff‬ادث‪ .‬وك‪ff‬ل علم مطل‪ff‬وب‪ ،‬فال ميكن أن يس‪ff‬تفاد اال من علمني مها‬
‫أص ‪ff‬الن وال ك ‪ff‬ل أص ‪ff‬لني‪ ،‬ب ‪ff‬ل إذا وق ‪ff‬ع بينهم ‪ff‬ا إزدواج على وج ‪ff‬ه خمص ‪ff‬وص وش ‪ff‬رط خمص ‪ff‬وص‪ ،‬ف ‪ff‬إذا وق ‪ff‬ع‬
‫االزدواج على ش‪ff‬رطه أف‪ff‬اد علم‪ًf‬ا ثالث‪ًf‬ا وه‪ff‬و املطل‪ff‬وب‪ ،‬وه‪ff‬ذا الث‪ff‬الث ق‪ff‬د نس‪ff‬ميه دع‪ff‬وى إذا ك‪ff‬ان لن‪ff‬ا خص‪ff‬م‪،‬‬
‫ونسميه مطلوبًا إذا كان مل يكن لنا خص‪f‬م‪ ،‬ألن‪f‬ه مطلب الن‪f‬اظر ونس‪f‬ميه فائ‪f‬دة وفرع‪ًf‬ا باالض‪f‬افة إىل األص‪f‬لني‬
‫فإنه مس‪f‬تفاد منهم‪f‬ا‪ .‬ومهم‪f‬ا أق‪f‬ر اخلص‪f‬م باألص‪f‬لني يلزم‪f‬ه ال حمال‪f‬ة االق‪f‬رار ب‪f‬الفرع املس‪f‬تفاد منهم‪f‬ا وه‪f‬و ص‪f‬حة‬
‫الدعوى‪.‬‬
‫املنهج الث‪ff‬اين‪ :‬أن ن‪ff‬رتب أص‪ff‬لني على وج‪ff‬ه آخ‪ff‬ر مث‪ff‬ل قولن‪ff‬ا‪ :‬ك‪ff‬ل م‪ff‬ا ال خيل‪ff‬و عن احلوادث فه‪ff‬و ح‪ff‬ادث وه‪ff‬و‬
‫أصل‪ ،‬والعامل ال خيلو عن احلوادث فه‪f‬و أص‪f‬ل آخ‪f‬ر‪ ،‬فيل‪f‬زم منهم‪f‬ا ص‪f‬حة دعوان‪f‬ا وه‪f‬و أن الع‪f‬امل ح‪f‬ادث وه‪f‬و‬
‫املطل‪ff‬وب فتأم‪ff‬ل‪ .‬ه‪ff‬ل يتص‪ff‬ور أن يق‪ff‬ر اخلص‪ff‬م باألص‪ff‬لني مث ميكن‪ff‬ه إنك‪ff‬ار ص‪ff‬حة ال‪ff‬دعوى فتعلم قطع‪ًf‬ا أن ذل‪ff‬ك‬
‫حمال‪.‬‬
‫املنهج الثالث‪ :‬أن ال نتعرض لثبوت دعوانا‪ ،‬بل ندعي إستحالة دعوى اخلصم بأن ن‪ff‬بني أن‪ff‬ه مفض إىل احملال‬
‫وما يفضي إىل احملال فهو حمال ال حمالة‪ .‬مثاله‪ :‬قولنا إن صح قول اخلصم أن دورات الفل‪ff‬ك ال هناي‪ff‬ة هلا ل‪ff‬زم‬
‫من‪ff‬ه ص‪ff‬حة ق‪ff‬ول القائ‪ff‬ل أن م‪ff‬ا ال هناي‪ff‬ة ل‪ff‬ه ق‪ff‬د انقض‪ff‬ى وف‪ff‬رغ من‪ff‬ه‪ ،‬ومعل‪ff‬وم أن ه‪ff‬ذا الالزم حمال فيعلم من‪ff‬ه ال‬
‫حمال‪ff‬ة أن املفض‪ff‬ي إلي‪ff‬ه حمال وه‪ff‬و م‪ff‬ذهب اخلص‪ff‬م‪ .‬فههن‪ff‬ا أص‪ff‬الن‪ :‬أح‪ff‬دمها قولن‪ff‬ا إن ك‪ff‬انت دورات الفل‪ff‬ك ال‬
‫هناي‪f‬ة هلا فق‪f‬د انقض‪f‬ى م‪f‬ا ال هناي‪f‬ة ل‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن احلكم بل‪f‬زوم إنقض‪f‬اء م‪f‬ا ال هناي‪f‬ة ل‪f‬ه‪ -‬على الق‪f‬ول بنفي النهاي‪f‬ة عن‬
‫دورات الفلك‪ -‬علم ندعيه وحنكم به‪ .‬ولكن يتصور فيه من اخلصم إق‪f‬رارًا وإنك‪f‬ار ب‪f‬أن يق‪ff‬ول‪ :‬ال أس‪f‬لم أن‪f‬ه‬
‫يل‪f‬زم ذل‪f‬ك‪ .‬والث‪f‬اين قولن‪f‬ا إن ه‪f‬ذا الالزم حمال فإن‪f‬ه أيض‪ًf‬ا أص‪f‬ل يتص‪f‬ور في‪f‬ه إنك‪f‬ار ب‪f‬أن يق‪f‬ول‪ :‬س‪f‬لمت األص‪f‬ل‬
‫األول ولكن ال أسلم هذا الث‪f‬اين وه‪f‬و إس‪f‬تحالة إنقض‪f‬اء م‪f‬ا ال هناي‪f‬ة ل‪f‬ه‪ ،‬ولكن ل‪f‬و أق‪f‬ر باألص‪f‬لني ك‪f‬ان االق‪f‬رار‬
‫باملعلوم الث‪f‬الث الالزم منهم‪f‬ا واجب‪ًf‬ا بالض‪f‬رورة؛ وه‪f‬و االق‪f‬رار باس‪f‬تحالة مذهب‪f‬ه املفض‪f‬ي إىل ه‪f‬ذا احملال‪ .‬فه‪f‬ذه‬
‫ثالث من‪ff f‬اهج يف االس‪ff f‬تدالل جلي‪ff f‬ة ال يتص‪ff f‬ور إنك‪ff f‬ار حص‪ff f‬ول العلم منه‪ff f‬ا‪ ،‬والعلم احلاص‪ff f‬ل ه‪ff f‬و املطل‪ff f‬وب‬
‫واملدلول‪ ،‬وازدواج األص‪ff‬لني املل‪ff‬تزمني هلذا العلم ه‪ff‬و ال‪ff‬دليل‪ .‬والعلم بوج‪ff‬ه ل‪ff‬زوم ه‪ff‬ذا املطل‪ff‬وب من ازدواج‬
‫األصلني علم بوجه داللة الدليل‪ ،‬وفكرك الذي هو عبارة عن إحضارك األص‪ff‬لني يف ال‪ff‬ذهن وطلب‪ff‬ك التفطن‬
‫لوج ‪ff‬ه ل ‪ff‬زوم العلم الث ‪ff‬الث من العلمني األص ‪ff‬لني ه ‪ff‬و النظ ‪ff‬ر؛ ف ‪ff‬إذن علي ‪ff‬ك يف درك العلم املطل ‪ff‬وب وظيفت ‪ff‬ان؛‬
‫إحدامها‪ :‬إحضار األصلني يف الذهن وهذا يس‪f‬مى فك‪f‬رًا‪ ،‬واآلخ‪f‬ر‪ :‬تش‪f‬وقك إىل التفطن لوج‪f‬ه ل‪f‬زوم املطل‪f‬وب‬
‫من ازدواج األص ‪ff‬لني وه ‪ff‬ذا يس ‪ff‬مى طلب ‪ًf‬ا‪ .‬فل ‪ff‬ذلك ق ‪ff‬ال من ج ‪ff‬رد التفات ‪ff‬ه إىل الوظيف ‪ff‬ة األوىل حيث أراد ح ‪ff‬د‬
‫النظ‪f‬ر أن‪f‬ه الفك‪f‬ر‪ .‬وق‪f‬ال من ج‪f‬رد التفات‪f‬ه إىل الوظيف‪ff‬ة الثاني‪f‬ة يف ح‪f‬د النظ‪f‬ر أن‪f‬ه طلب علم أو غلب‪f‬ة ظن‪ .‬وق‪f‬ال‬
‫من التفت إىل األمرين مجيعًا أنه الفكر الذي يطلب به من قام ب‪f‬ه علم‪ًf‬ا أو غلب‪f‬ة ظن‪ .‬فهك‪f‬ذا ينبغي أن تفهم‬
‫الدليل واملدلول ووجه الداللة وحقيق‪f‬ة النظ‪f‬ر ودع عن‪f‬ك م‪f‬ا س‪f‬ودت ب‪f‬ه أوراق كث‪f‬رية من تط‪f‬ويالت وتردي‪f‬د‬
‫عب‪ff‬ارات ال تش‪ff‬في غلي‪ff‬ل ط‪ff‬الب وال تس‪ff‬كن هنم‪ff‬ة متعطش ولن يع‪ff‬رف ق‪ff‬در ه‪ff‬ذه الكلم‪ff‬ات الوج‪ff‬يزة إال من‬
‫انصرف خائبًا عن مقصده بعد مطالعة تص‪f‬انيف كث‪f‬رية‪ .‬ف‪f‬إن رجعت اآلن يف طلب الص‪f‬حيح إىل م‪f‬ا قي‪f‬ل يف‬
‫حد النظر دل ذلك على انك ختص من هذا الكالم بطائل ولن ترجع منه إىل حاص‪ff‬ل‪ ،‬فإن‪f‬ك إذا ع‪ff‬رفت أن‪f‬ه‬
‫ليس ههنا إال علوم ثالث‪f‬ة‪ :‬علم‪f‬ان مها أص‪f‬الن يرتتب‪f‬ان ترتب‪ًf‬ا خمصوص‪ًf‬ا‪ ،‬وعلم ث‪f‬الث يل‪f‬زم منهم‪f‬ا وليس علي‪f‬ك‬
‫فيه اال وظيفتان‪ :‬إحدامها إحضار العلمني يف ذهنك‪ ،‬والثانية التفطن لوجه العلم الثالث منهم‪f‬ا‪ .‬واخلرية بع‪f‬د‬
‫ذلك اليك يف اطالق لفظ النظر يف ان تعرب به عن الفكر ال‪f‬ذي ه‪f‬و احض‪f‬ار العلمني‪ ،‬أو عن التش‪f‬وف ال‪f‬ذي‬
‫ه‪f‬و طلب التفطن لوج‪f‬ه ل‪f‬زوم العلم الث‪f‬الث‪ ،‬أو عن األم‪f‬رين مجيع‪ًf‬ا‪ ،‬ف‪f‬إن العب‪f‬ارات مباح‪f‬ة واالص‪ff‬طالحات ال‬
‫مش‪ff‬احة فيه‪ff‬ا‪ .‬ف‪ff‬ان قلت غرض‪ff‬ي أن أع‪ff‬رف اص‪ff‬طالح املتكلمني وأهنم ع‪ff‬ربوا ب‪ff‬النظر عم‪ff‬اذا‪ ،‬ف‪ff‬اعلم أن‪ff‬ك إذا‬
‫مسعت واحدًا جيد النظر بالفكر‪ ،‬وآخر بالطلب‪ ،‬وآخر بالفكر الذي ه‪ff‬و يطلب ب‪ff‬ه‪ ،‬مل تس‪ff‬رتب يف اختالف‬
‫اصطالحاهتم على ثالث‪f‬ة أوج‪f‬ه‪ .‬والعجب ممن ال يتفطن ه‪f‬ذا ويف‪f‬رض الكالم يف ح‪f‬د النظ‪f‬ر‪ .‬مس‪f‬ألة خالفي‪f‬ة‪:‬‬
‫ويس‪f‬تدل بص‪f‬حة واح‪f‬د من احلدود وليس ي‪f‬دري أن ح‪f‬ظ املع‪ff‬ىن املعق‪f‬ول من ه‪f‬ذه األم‪f‬ور ال خالف في‪f‬ه وأن‬
‫األصطالح ال معىن للخالف في‪f‬ه‪ .‬وإذا أنت امعنت النظ‪f‬ر واهت‪f‬ديت الس‪f‬بيل ع‪f‬رفت قطع‪ًf‬ا أن أك‪f‬ثر األغالي‪f‬ط‬
‫نش ‪ff‬أت من ض ‪ff‬الل من طلب املع ‪ff‬اين من األلف ‪ff‬اظ‪ ،‬ولق ‪ff‬د ك ‪ff‬ان من حق ‪ff‬ه أن يق ‪ff‬در املع ‪ff‬اين أوًال مث ينظ ‪ff‬ر يف‬
‫األلف ‪ff‬اظ ثاني‪ًf f‬ا‪ ،‬ويعلم أهنا اص ‪ff‬طالحات ال تتغ ‪ff‬ري هبا املعق ‪ff‬والت‪ .‬ولكن من ح ‪ff‬رم التوفي ‪ff‬ق اس ‪ff‬تدبر الطري ‪ff‬ق‪،‬‬
‫ونك‪ff‬ل عن التحقي‪ff‬ق‪ .‬ف‪ff‬إن قلت‪ :‬إين ال اس‪ff‬رتيب يف ل‪ff‬زوم ص‪ff‬حة ال‪ff‬دعوى من ه‪ff‬ذين األص‪ff‬لني إذا أق‪ff‬ر اخلص‪ff‬م‬
‫هبما على هذا الوجه‪ ،‬ولكن من أين جيب على اخلصم االقرار هبم‪f‬ا ومن أين تقتض‪f‬ي ه‪f‬ذه األح‪f‬وال املس‪f‬لمة‬
‫الواجب‪ff‬ة التس‪ff‬ليم ؟ ف‪ff‬اعلم أن هلا م‪ff‬دارك ش‪ff‬ىت ولكن ال‪ff‬ذي نس‪ff‬تعمله يف ه‪ff‬ذا الكت‪ff‬اب جنته‪ff‬د أن ال يع‪ff‬د س‪ff‬تة‪:‬‬
‫األول منه ‪ff‬ا‪ :‬احلس ‪ff‬يات‪ ،‬أع ‪ff‬ين املدرك باملش‪ff‬اهدة الظ ‪ff‬اهرة والباطن ‪ff‬ة‪ ،‬مثال ‪ff‬ه أن ‪ff‬ا إذا قلن ‪ff‬ا مثًال ك ‪ff‬ل ح ‪ff‬ادث فل ‪ff‬ه‬
‫س‪ff‬بب‪ ،‬ويف الع‪ff‬امل ح‪ff‬وادث فال ب‪ff‬د هلا من س‪ff‬بب‪ .‬فقولن‪ff‬ا‪ :‬يف الع‪ff‬امل ح‪ff‬وادث‪ ،‬أص‪ff‬ل واح‪ff‬د جيب اإلق‪ff‬رار ب‪ff‬ه‪،‬‬
‫فإن ‪ff‬ه ي ‪ff‬درك باملش ‪ff‬اهدة الظ ‪ff‬اهرة ح ‪ff‬دوث أش ‪ff‬خاص احليوان ‪ff‬ات والنبات ‪ff‬ات والغي ‪ff‬وم واالمط ‪ff‬ار ومن األع ‪ff‬راض‬
‫واألص ‪ff‬وات واألل ‪ff‬وان‪ .‬وان ختي ‪ff‬ل أهنا منتقل ‪ff‬ة‪ ،‬فاالنتق ‪ff‬ال ح ‪ff‬ادث وحنن مل ن ‪ff‬دع إال حادث ‪ًf‬ا ومل نعني أن ذل ‪ff‬ك‬
‫احلادث ج ‪ff‬وهر أو ع ‪ff‬رض أو انتق ‪ff‬ال أو غ ‪ff‬ريه‪ .‬وك ‪ff‬ذلك يعلم باملش ‪ff‬اهدة الباطن ‪ff‬ة ح ‪ff‬دوث اآلالم واالف ‪ff‬راح‬
‫والغم‪ff‬وم يف قلب‪ff‬ه فال ميكن‪ff‬ه انك‪ff‬اره‪ .‬الث‪ff‬اين‪ :‬العق‪ff‬ل احملض‪ ،‬فإن‪ff‬ا إذا قلن‪ff‬ا‪ :‬الع‪ff‬امل أم‪ff‬ا ق‪ff‬دمي م‪ff‬ؤخر‪ ،‬وإم‪ff‬ا ح‪ff‬ادث‬
‫مق‪ff‬دم‪ ،‬وليس وراء القس‪ff‬مني قس‪ff‬م ث‪ff‬الث‪ ،‬وجب االع‪ff‬رتاف ب‪ff‬ه على ك‪ff‬ل عاق‪ff‬ل‪ .‬مثال‪ff‬ه أن تق‪ff‬ول‪ :‬ك‪ff‬ل م‪ff‬ا ال‬
‫يس‪ff‬بق احلوادث فه‪ff‬و ح‪ff‬ادث‪ ،‬والع‪ff‬امل ال يس‪ff‬بق احلوادث فه‪ff‬و ح‪ff‬ادث‪ ،‬فأح‪ff‬د األص‪ff‬لني قولن‪ff‬ا أن م‪ff‬ا ال يس‪ff‬بق‬
‫احلوادث فهو حادث‪ .‬وجيب على اخلصم اإلقرار به‪ ،‬ألن ما ال يس‪f‬بق احلادث إم‪ff‬ا أن يك‪f‬ون م‪ff‬ع احلادث أو‬
‫بعده وال ميكن قسم ثالث‪ ،‬فإن ادعى قسمًا ثالث‪ًf‬ا ك‪f‬ان منك‪f‬رًا ملا ه‪f‬و ب‪f‬ديهي يف العق‪f‬ل‪ ،‬وإن انك‪f‬ر أن م‪f‬ا ه‪f‬و‬
‫مع احلادث أو بعده ليس حبادث فهو أيضًا منكر للبديهة‪ .‬الثالث‪ :‬التواتر‪ ،‬مثاله أنا نقول حممد ص‪ff‬لوات اهلل‬
‫وس‪f‬المه علي‪f‬ه ص‪f‬ادق ألن ك‪f‬ل من ج‪f‬اء ب‪f‬املعجزة فه‪f‬و ص‪f‬ادق‪ ،‬وق‪f‬د ج‪f‬اء ه‪f‬و ب‪f‬املعجزة فه‪f‬و إذًا ص‪f‬ادق‪ ،‬ف‪f‬إن‬
‫قيل أنا ال نسلم أن‪f‬ه ج‪f‬اء ب‪f‬املعجزة فنق‪f‬ول‪ :‬ق‪f‬د جاءن‪f‬ا ب‪f‬القرآن والق‪f‬رآن معج‪f‬زة‪ ،‬ف‪f‬إذًا ق‪f‬د ج‪f‬اء ب‪f‬املعجزة‪ .‬ف‪f‬إن‬
‫سلم اخلصم أحد األصلني وهو أن القرآن معجزة‪ ،‬أم‪f‬ا ب‪f‬الطوع أو بال‪f‬دليل‪ ،‬وأراد إنك‪f‬ار األص‪f‬ل الث‪f‬اين وه‪f‬و‬
‫أنه قد جاء بالقرآن‪ ،‬وقال ال أسلم أن القرآن مما جاء به حممد صلى اهلل عليه وسلم تس‪f‬ليمًا‪ ،‬مل ميكن‪f‬ه ذل‪f‬ك‬
‫ألن الت‪ff‬واتر حيص ‪ff‬ل العلم ب‪ff‬ه كم‪ff‬ا حص ‪ff‬ل لن‪ff‬ا العلم بوج‪ff‬وده وب‪ff‬دعواه النب‪ff‬وة وبوج‪ff‬ود مك‪ff‬ة ووج‪ff‬ود موس‪ff‬ى‬
‫وعيسى وسائر األنبياء صلوات اهلل عليهم أمجعني‪ .‬الرابع‪ :‬أن يكون األصل مثبتًا بقياس آخر يس‪f‬تند بدرج‪f‬ة‬
‫واح‪ff‬دة أو درج‪ff‬ات كث‪ff‬رية إم‪ff‬ا إىل احلس‪ff‬يات أو العقلي‪ff‬ات أو املت‪f‬واترات‪ ،‬ف‪ff‬إن م‪ff‬ا ه‪ff‬و ف‪ff‬رع األص‪ff‬لني ميكن أن‬
‫جيع‪ff‬ل أص‪ًf‬ال يف قي‪ff‬اس آخ‪ff‬ر‪ .‬مثال‪ff‬ه أن‪ff‬ا بع‪ff‬د أن نف‪ff‬رغ من ال‪ff‬دليل على ح‪ff‬دوث الع‪ff‬امل ميكنن‪ff‬ا أن جنع‪ff‬ل ح‪ff‬دوث‬
‫العامل أص‪ًf‬ال يف نظم قي‪f‬اس‪ ،‬مثًال أن نق‪f‬ول ك‪f‬ل ح‪f‬ادث فل‪f‬ه س‪f‬بب والع‪f‬امل ح‪f‬ادث ف‪f‬إذا ل‪f‬ه س‪f‬بب‪ ،‬فال ميكنهم‬
‫انك ‪ff‬ار ك ‪ff‬ون الع ‪ff‬امل حادث‪ًf f‬ا بع ‪ff‬د أن اثبتن ‪ff‬ا بال ‪ff‬دليل حدوث ‪ff‬ه‪ .‬اخلامس‪ :‬الس ‪ff‬معيات‪ ،‬مثال ‪ff‬ه ان ‪ff‬ا ن ‪ff‬دعي مثًال ان‬
‫املعاصي مبشيئة اهلل تعاىل‪ ،‬ونقول كل كائن فهو مبشيئة اهلل تعاىل واملعاصي كائنة فهي إذًا مبش‪f‬يئة اهلل تع‪f‬اىل؛‬
‫فأم‪ff‬ا قولن‪ff‬ا هي كائن‪ff‬ة فمعل‪ff‬وم وجوده‪ff‬ا ب‪ff‬احلس‪ ،‬وكوهنا معص‪ff‬ية بالش‪ff‬رع‪ ،‬وأم‪ff‬ا قولن‪ff‬ا ك‪ff‬ل ك‪ff‬ائن مبش‪ff‬يئة اهلل‬
‫تعاىل فإذا أنكر اخلصم ذلك منعه الشرع مهما كان مقرًا بالشرع أو كان ق‪f‬د أثبت علي‪f‬ه بال‪f‬دليل فإن‪f‬ا نثبت‬
‫هذا األصل بإمجاع األمة على صدق قول القائل م‪f‬ا ش‪f‬اء اهلل ك‪f‬ان وم‪f‬ا مل يش‪f‬أ مل يكن فيك‪f‬ون الس‪f‬مع مانع‪ًf‬ا‬
‫من االنكار‪ .‬السادس‪ :‬أن يكون األصل م‪f‬أخوذًا من معتق‪f‬دات اخلص‪f‬م ومس‪f‬لماته‪ .‬فإن‪f‬ه وإن مل يقم لن‪f‬ا علي‪f‬ه‬
‫دلي‪ff‬ل أو مل يكن حس‪ff‬يًا وال عقلي ‪ًf‬ا‪ ،‬انتفعن‪ff‬ا باختاذه إي‪ff‬اه أص ‪ًf‬ال يف قياس‪ff‬نا وامتن‪ff‬ع علي‪ff‬ه اإلنك‪ff‬ار اهلادم ملذهب‪ff‬ه‪.‬‬
‫وأمثل ‪ff‬ة ه ‪ff‬ذا مما تك ‪ff‬ثر فال حاج ‪ff‬ة إىل تعيين ‪ff‬ه‪ .‬ف ‪ff‬إن قلت‪ :‬فه ‪ff‬ل من ف ‪ff‬رق بني ه ‪ff‬ذه املدارك يف االنتف ‪ff‬اع هبا يف‬
‫املق‪ff‬اييس النظري‪f‬ة ؟ ف‪f‬اعلم أهنا متفاوت‪f‬ة يف عم‪f‬وم الفائ‪f‬دة‪ ،‬ف‪f‬إن املدارك العقلي‪f‬ة واحلس‪f‬ية عام‪ff‬ة م‪ff‬ع كاف‪f‬ة اخلل‪f‬ق‬
‫إال من ال عق‪f‬ل ل‪f‬ه وال حس ل‪f‬ه وك‪f‬ان األص‪f‬ل معلوم‪ًf‬ا ف‪f‬احلس ال‪f‬ذي فق‪f‬ده كاألص‪f‬ل املعل‪f‬وم حباس‪f‬ة البص‪f‬ر إذا‬
‫اس‪ff‬تعمل م‪ff‬ع األكم‪ff‬ه فإن‪ff‬ه ال ينف‪ff‬ع‪ ،‬واألكم‪ff‬ه إذا ك‪ff‬ان ه‪ff‬و الن‪ff‬اظر مل ميكن‪ff‬ه أن يتخ‪ff‬ذ ذل‪ff‬ك أص ‪ًf‬ال‪ ،‬وك‪ff‬ذلك‬
‫املس‪ff‬موع يف ح‪ff‬ق األص‪ff‬م‪ .‬وأم‪ff‬ا املت‪ff‬واتر فإن‪ff‬ه ن‪ff‬افع ولكن يف ح‪ff‬ق من ت‪ff‬واتر إلي‪ff‬ه‪ ،‬فأم‪ff‬ا من مل يت‪ff‬واتر إلي‪ff‬ه ممن‬
‫وصل إلينا يف احلال من مان بعيد مل تبلغه الدعوة فأردنا أن نبني له بالتواتر أن نبينا وسيدنا حمم‪ff‬دًا ص‪ff‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم تسليمًا وعلى آله وصحبه حتدى بالقرآن‪ ،‬مل يقدر عليه ما مل ميهل‪ff‬ه م‪ff‬دة من يت‪ff‬واتر عن‪ff‬ده‪ ،‬ورب‬
‫ش‪ff‬يء يت‪ff‬واتر عن‪ff‬د ق‪ff‬وم دون ق‪ff‬وم‪ ،‬فق‪ff‬ول الش‪ff‬افعي رمحه اهلل تع‪ff‬اىل يف مس‪ff‬ألة قت‪ff‬ل املس‪ff‬لم بال‪ff‬ذمي مت‪ff‬واتر عن‪ff‬د‬
‫الفقه ‪ff‬اء من أص ‪ff‬حابه دون الع ‪ff‬وام من املقل ‪ff‬دين وكم من م ‪ff‬ذهب ل ‪ff‬ه يف أح ‪ff‬اد املس ‪ff‬ائل مل يت ‪ff‬واتر عن ‪ff‬د أك ‪ff‬ثر‬
‫الفقه‪ff‬اء وأم‪ff‬ا األص‪ff‬ل املس‪ff‬تفاد من قي‪ff‬اس آخ‪ff‬ر فال ينف‪ff‬ع إال م‪ff‬ع من ق‪ff‬در مع‪ff‬ه ذل‪ff‬ك القي‪ff‬اس‪ .‬وأم‪ff‬ا مس‪ff‬لمات‬
‫املذاهب فال تنف‪ff‬ع الن‪ff‬اظر وإمنا تنف‪ff‬ع املن‪ff‬اظر م‪ff‬ع من يعتق‪ff‬د ذل‪ff‬ك املذهب‪ .‬وأم‪ff‬ا الس‪ff‬معيات فال تنف‪ff‬ع إال من‬
‫يثبت السمع عنه‪ ،‬فه‪f‬ذه م‪f‬دارك عل‪f‬وم ه‪f‬ذه األص‪f‬ول املفي‪f‬دة برتتيبه‪f‬ا ونظمه‪f‬ا العلم ب‪f‬األمور اجملهول‪f‬ة املطلوب‪f‬ة‬
‫وقد فرغنا من التمهيدات فلنشتغل باألقطاب اليت هي مقاصد الكتاب‪.‬‬

‫القطب األول يف النظر يف ذات اهلل تعاىل وفيه عشر دعاوى‬


‫الدعوى األوىل‪ :‬وجوده تعاىل وتقدس‪ ،‬برهانه أنا نقول كل حادث فلحدوثه س‪ff‬بب‪ ،‬والع‪ff‬امل ح‪ff‬ادث فيل‪ff‬زم‬
‫منه إن ل‪f‬ه س‪f‬ببًا‪ ،‬ونع‪f‬ين بالع‪f‬امل ك‪f‬ل موج‪f‬ود س‪f‬وى اهلل تع‪f‬اىل‪ .‬ونع‪f‬ين بك‪f‬ل موج‪f‬ود س‪f‬وى اهلل تع‪f‬اىل األجس‪f‬ام‬
‫كلها وأعراضها‪ ،‬وشرح ذلك بالتفصيل أنا ال نش‪f‬ك يف أص‪f‬ل الوج‪f‬ود‪ ،‬مث نعلم أن ك‪f‬ل موج‪f‬ود ام‪f‬ا متح‪f‬يزًا‬
‫أو غ ‪ff‬ري متح‪ff‬يز‪ ،‬وأن ك‪ff‬ل متح‪ff‬يز إن مل يكن في‪ff‬ه ائتالف فنس‪ff‬ميه ج‪ff‬وهرًا ف‪ff‬ردًا‪ ،‬وإن ائتل‪ff‬ف إىل غ ‪ff‬ريه مسيناه‬
‫جس‪ff‬مًا‪ ،‬وإن غ‪ff‬ري املتح‪ff‬يز أم‪ff‬ا أن يس‪ff‬تدعي وج‪ff‬وده جس‪ff‬مًا يق‪ff‬وم ب‪ff‬ه ونس‪ff‬ميه األع‪ff‬راض‪ ،‬أو ال يس‪ff‬تدعيه وه‪ff‬و‬
‫اهلل س ‪ff‬بحانه وتع ‪ff‬اىل‪ ،‬فأم ‪ff‬ا ثب ‪ff‬وت األجس ‪ff‬ام وأعراض ‪ff‬ها‪ ،‬فمعل ‪ff‬وم باملش ‪ff‬اهدة‪ ،‬وال يلتفت إىل من ين ‪ff‬ازع يف‬
‫األعراض وإن طال فيها صياحه وأخذ يلتمس منك دليًال علي‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن ش‪f‬غبه ونزاع‪f‬ه والتماس‪f‬ه وص‪f‬ياحه‪ ،‬وإن‬
‫مل يكن موج‪ff‬ودًا فكي‪ff‬ف نش‪ff‬تغل ب‪ff‬اجلواب عن‪ff‬ه واإلص‪ff‬غاء إلي‪ff‬ه‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان موج‪ff‬ودًا فه‪ff‬و ال حمال‪ff‬ة غ‪ff‬ري جس‪ff‬م‬
‫املنازع إذ كان جسمًا موجودًا من قبل‪ ،‬ومل يكن التنازع موجودًا فقد عرفت أن اجلسم والعرض مدركان‬
‫باملشاهدة‪ .‬فإما موجود ليس جبسم وال جوهر متحيز وال عرض فيه فال يدرك ب‪ff‬احلس وحنن ن‪ff‬دعي وج‪ff‬وده‬
‫ون‪ff‬دعي أن الع‪ff‬امل موج‪ff‬ود ب‪ff‬ه‪ ،‬وبقدرت‪ff‬ه‪ ،‬وه‪ff‬ذا ي‪ff‬درك بال‪ff‬دليل ال ب‪ff‬احلس‪ ،‬وال‪ff‬دليل م‪ff‬ا ذكرن‪ff‬اه‪ ،‬فل‪ff‬نرجع إىل‬
‫حتقيقه‪ .‬فقد مجعنا فيه أصلني فلعل اخلصم ينكرمها‪ ،‬فنق‪ff‬ول ل‪f‬ه‪ :‬يف أي األص‪ff‬لني تن‪f‬ازع ؟ ف‪f‬إن ق‪f‬ال إمنا أن‪f‬ازع‬
‫يف قولك إن كل حادث فله سبب فمن أين عرفت هذا‪ ،‬فنقول‪ :‬إن هذا األصل جيب االقرار ب‪f‬ه‪ ،‬فإن‪f‬ه أويل‬
‫ض‪ff‬روري يف العق‪ff‬ل‪ ،‬ومن يتوق‪ff‬ف في‪ff‬ه فإمنا يتوق‪ff‬ف ألن‪ff‬ه رمبا ال ينكش‪ff‬ف ل‪ff‬ه م‪ff‬ا نري‪ff‬ده بلف‪ff‬ظ احلادث‪ ،‬ولف‪ff‬ظ‬
‫السبب‪ ،‬وإذا فهمهما صدق عقله بالضرورة بأن لك‪f‬ل ح‪f‬ادث س‪f‬ببًا‪ ،‬فان‪f‬ا نع‪f‬ين باحلادث م‪f‬ا ك‪f‬ان مع‪f‬دومًا مث‬
‫صار موجودًا فنق‪f‬ول وج‪f‬وده قب‪f‬ل أن وج‪f‬د ك‪f‬ان حماًال أو ممكن‪ًf‬ا‪ ،‬وباط‪f‬ل أن يك‪f‬ون حماًال ألن احملال ال يوج‪f‬د‬
‫قط‪ ،‬وإن ك‪f‬ان ممكن‪ًf‬ا فلس‪f‬نا نع‪f‬ين ب‪f‬املمكن إال م‪f‬ا جيوز أن يوج‪f‬د وجيوز أن ال يوج‪f‬د ولكن مل يكن موج‪f‬ودًا‬
‫ألن ‪ff‬ه ليس جيب وج ‪ff‬وده لذات ‪ff‬ه إذ ل ‪ff‬و وج ‪ff‬د وج ‪ff‬وده لذات ‪ff‬ه لك ‪ff‬ان واجب ‪ًf‬ا ال ممكن ‪ًf‬ا‪ ،‬ب ‪ff‬ل ق ‪ff‬د افتق ‪ff‬ر وج ‪ff‬وده إىل‬
‫م‪ff‬رجح لوج‪ff‬وده على الع‪ff‬دم ح‪ff‬ىت يتب‪ff‬دل الع‪ff‬دم ب‪ff‬الوجود‪ .‬ف‪ff‬إذا ك‪ff‬ان اس‪ff‬تمرار عدم‪ff‬ه من حيث أن‪ff‬ه ال م‪ff‬رجح‬
‫للوجود على العدم‪ ،‬فمن مل يوج‪f‬د املرجح ال يوج‪f‬د الوج‪f‬ود‪ ،‬وحنن ال نري‪f‬د بالس‪f‬بب إال املرجح‪ :‬واحلاص‪ff‬ل‬
‫أن املعدوم املستمر العدم ال يتبدل عدم‪f‬ه ب‪f‬الوجود م‪f‬ا مل يتحق‪f‬ق أم‪f‬ر من األم‪f‬ور ي‪f‬رجح ج‪f‬انب الوج‪f‬ود على‬
‫استمرار العدم‪ ،‬وهذا إذا حصل يف الذهن معىن لفظه كان العقل مضطرًا إىل التصديق به‪ .‬فه‪ff‬ذا بي‪ff‬ان اثب‪ff‬ات‬
‫ه‪ff‬ذا األص‪ff‬ل وه‪ff‬و على التحقي‪ff‬ق ش‪ff‬رح للف‪ff‬ظ احلادث والس‪ff‬بب القام‪ff‬ة دلي‪ff‬ل علي‪ff‬ه‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل مل تنك‪ff‬رون على‬
‫من ينازع يف األصل الثاين‪ ،‬وهو قولكم أن العامل حادث‪ ،‬فنقول‪ :‬إن هذا األصل ليس ب‪f‬أويل يف العق‪ff‬ل‪ ،‬ب‪f‬ل‬
‫نثبت‪ff‬ه بربه‪ff‬ان منظ‪ff‬وم من أص‪ff‬لني آخ‪ff‬رين ه‪ff‬و أن‪ff‬ا نق‪ff‬ول إذ قلن‪ff‬ا أن الع‪ff‬امل ح‪ff‬ادث أردن‪ff‬ا بالع‪ff‬امل اآلن‪ ،‬األجس‪ff‬ام‬
‫واجلواهر فقط‪ ،‬فنقول ك‪f‬ل جس‪f‬م فال خيل‪f‬و عن احلوادث وك‪f‬ل م‪f‬ا ال خيل‪f‬و عن احلوادث فه‪f‬و ح‪f‬ادث‪ ،‬فيل‪f‬زم‬
‫منه أن كل جسم فهو حادث ففي أي األصلني النزاع ؟ فإن قي‪f‬ل مل قي‪f‬ل أن ك‪f‬ل جس‪f‬م أو متح‪f‬يز فال خيل‪f‬و‬
‫عن احلوادث ؟ قلن ‪ff f‬ا‪ :‬ألن‪ff f‬ه ال خيل‪ff f‬و عن احلرك ‪ff f‬ة والس ‪ff f‬كون ومها حادث ‪ff f‬ان‪ ،‬ف ‪ff f‬إن قي ‪ff f‬ل‪ :‬ادعيتم وجودمها مث‬
‫حدوثهما‪ ،‬فال نسلم الوجود وال احلدوث‪ ،‬قلنا هذا سؤال قد طال اجلواب عنه يف تصانيف الكالم‪ ،‬وليس‬
‫يستحق ه‪f‬ذا التطوي‪f‬ل فإن‪f‬ه ال يص‪f‬در ق‪f‬ط من مسرتش‪f‬د إذ ال يس‪f‬رتيب عاق‪f‬ل ق‪f‬ط يف ثب‪f‬وت األع‪f‬راض يف ذات‪f‬ه‬
‫من اآلالم واألس ‪ff‬قام واجلوع والعطش وس ‪ff‬ائر األح ‪ff‬وال‪ ،‬وال يف ح ‪ff‬دوثها‪ .‬وك ‪ff‬ذلك إذا نظرن ‪ff‬ا إىل أجس ‪ff‬ام‬
‫الع ‪ff‬امل مل نس ‪ff‬رتب يف تب ‪ff‬دل األح ‪ff‬وال عليه ‪ff‬ا‪ ،‬وإن تل ‪ff‬ك التب ‪ff‬ديالت حادث ‪ff‬ة‪ ،‬وإن ص ‪ff‬در من خص ‪ff‬م معان ‪ff‬د فال‬
‫معىن لالشتغال به‪ ،‬وإن فرض فيه خصم معتقد ملا نقوله فهو فرض حمال إن كان اخلص‪ff‬م ع‪ff‬اقًال‪ ،‬ب‪ff‬ل اخلص‪ff‬م‬
‫يف ح‪ff‬دوث الع‪ff‬امل الفالس‪ff‬فة وهم مص‪ff‬رحون ب‪ff‬أن أجس‪ff‬ام الع‪ff‬امل تنقس‪ff‬م إىل الس‪ff‬موات‪ ،‬وهي متحرك‪ff‬ة على‬
‫ال‪ff‬دوام‪ ،‬وآح‪ff‬اد حركاهتا حادث‪ff‬ة ولكنه‪ff‬ا دائم‪ff‬ة متالحق‪ff‬ة على االتص‪ff‬ال أزًال وأب‪ff‬دًا وإىل العناص‪ff‬ر األربع‪ff‬ة ال‪ff‬يت‬
‫حيويه ‪ff‬ا مقع ‪ff‬ر فل ‪ff‬ك القم ‪ff‬ر‪ ،‬وهي مش ‪ff‬رتكة يف م ‪ff‬ادة حامل ‪ff‬ة لص ‪ff‬ورها وأعراض ‪ff‬ها وتل ‪ff‬ك املادة قدمية والص ‪ff‬ور‬
‫واألع‪ff‬راض حادث‪ff‬ة متعاقب‪ff‬ة عليه‪ff‬ا أزًال وأب‪ff‬دًا وإن املاء ينقلب ب‪ff‬احلرارة ه‪ff‬واء‪ ،‬واهلواء يس‪ff‬تحيل ب‪ff‬احلرارة ن‪ff‬ارًا‪،‬‬
‫وهك‪ff‬ذا بقي‪ff‬ة العناص‪ff‬ر‪ ،‬وإهنا متتزج امتزاج‪ff‬ات حادث‪ff‬ة فتتك‪ff‬ون منهم‪ff‬ا املع‪ff‬ادن والنب‪ff‬ات واحلي‪ff‬وان‪ ،‬فال تنف‪ff‬ك‬
‫العناصر عن هذه الصور احلادثة وال تنفك الس‪f‬موات عن احلرك‪f‬ات احلادث‪f‬ة أب‪f‬دًا‪ ،‬وإمنا ين‪f‬ازعون يف قولن‪f‬ا أن‬
‫ما ال خيلو عن احلوادث فهو حادث‪ ،‬فال معىن لإلطناب يف هذا األصل‪ ،‬ولكنا إلقامة الرسم نق‪f‬ول‪ :‬اجلوهر‬
‫بالض‪ff‬رورة ال خيل‪ff‬و عن احلرك‪ff‬ة والس‪ff‬كون‪ ،‬ومها حادث‪ff‬ان‪ .‬أم‪ff‬ا احلرك‪ff‬ة فح‪ff‬دوثها حمس‪ff‬وس وإن ف‪ff‬رض ج‪ff‬وهر‬
‫ساكن كاألرض‪ ،‬ففرض حركته ليس مبحال بل نعلم جوازه بالض‪ff‬رورة‪ ،‬وإذا وق‪ff‬ع ذل‪ff‬ك اجلائز ك‪ff‬ان حادث‪ًf‬ا‬
‫وكان معدمًا للسكون‪ ،‬فيكون السكون أيضًا قبله حادثًا ألن القدمي ال ينعدم كما سنذكره يف إقامة ال‪ff‬دليل‬
‫على بق‪ff‬اء اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬وإن أردن‪ff‬ا س‪ff‬ياق دلي‪ff‬ل على وج‪ff‬ود احلرك‪ff‬ة زائ‪ff‬دة على اجلس‪ff‬م‪ ،‬قلن‪ff‬ا‪ :‬إن‪ff‬ا إذا قلن‪ff‬ا ه‪ff‬ذا‬
‫اجلوهر متحرك أثبتنا شيئًا سوى اجلوهر متحرك أثبتنا شيئًا سوى اجلوهر بدليل أنا إذا قلنا ه‪f‬ذا اجلوهر ليس‬
‫مبتح‪f‬رك‪ ،‬ص‪f‬دق قولن‪f‬ا وإن ك‪f‬ان اجلوهر باقي‪ًf‬ا س‪f‬اكنًا‪ ،‬فل‪f‬و ك‪f‬ان املفه‪f‬وم من احلرك‪f‬ة عني اجلوهر لك‪f‬ان نفيه‪f‬ا‬
‫نفي عني اجلوهر‪ .‬وهك‪ff f‬ذا يط‪ff f‬رد ال‪ff f‬دليل يف إثب‪ff f‬ات الس‪ff f‬كون ونفي‪ff f‬ه‪ ،‬وعلى اجلمل‪ff f‬ة‪ .‬فتكل‪ff f‬ف ال‪ff f‬دليل على‬
‫الواض ‪ff‬حات يزي ‪ff‬دها غموض ‪ًf‬ا وال يفي ‪ff‬دها وض ‪ff‬وحًا‪ .‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل‪ :‬فبم ع ‪ff‬رفتم أهنا حادث ‪ff‬ة فلعله ‪ff‬ا ك ‪ff‬انت كامن ‪ff‬ة‬
‫فظه ‪ff‬رت‪ ،‬قلن ‪ff‬ا‪ :‬ل ‪ff‬و كن ‪ff‬ا نش ‪ff‬تغل يف ه ‪ff‬ذا الكت ‪ff‬اب بالفض ‪ff‬ول اخلارج عن املقص ‪ff‬ود ألبطلن ‪ff‬ا الق ‪ff‬ول ب ‪ff‬الكمون‬
‫والظه ‪ff‬ور يف األع ‪ff‬راض رأس ‪ًf‬ا‪ ،‬ولكن م ‪ff‬ا ال يبط‪ff‬ل مقص ‪ff‬ودنا فال نش‪ff‬تغل ب‪ff‬ه‪ ،‬ب‪ff‬ل نق ‪ff‬ول‪ :‬اجلوهر ال خيل‪ff‬و عن‬
‫كم‪f‬ون احلرك‪f‬ة في‪f‬ه أو ظهوره‪f‬ا‪ ،‬ومها حادث‪f‬ان فق‪f‬د ثبت أن‪f‬ه ال خيل‪f‬و عن احلوادث‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬فلعله‪f‬ا انتقلت‬
‫إلي ‪ff‬ه من موض ‪ff‬ع آخ ‪ff‬ر‪ ،‬فبم يع ‪ff‬رف بطالن الق ‪ff‬ول‪ ،‬بانتق ‪ff‬ال األع ‪ff‬راض ؟ قلن ‪ff‬ا‪ :‬ق ‪ff‬د ذك ‪ff‬ر يف إبط ‪ff‬ال ذل ‪ff‬ك أدل ‪ff‬ة‬
‫ضعيفة ال نطول الكتاب بنقلها ونقضها‪ ،‬ولكن الصحيح يف الكشف عن بطالنه أن نبني أن جتويز ذل‪ff‬ك ال‬
‫يتس ‪ff‬ع ل ‪ff‬ه عق ‪ff‬ل من مل ي ‪ff‬ذهل عن فهم حقيق ‪ff‬ة الع ‪ff‬رض وحقيق ‪ff‬ة االنتق ‪ff‬ال‪ ،‬ومن فهم حقيق ‪ff‬ة الع ‪ff‬رض حتق ‪ff‬ق‬
‫استحالة االنتقال فيه‪ .‬وبيانه أن االنتقال عبارة أخذت من انتقال اجلوهر من حيز إىل حيز‪ ،‬وذل‪ff‬ك يثبت يف‬
‫العق ‪ff f f‬ل ب ‪ff f f‬أن فهم اجلوهر وفهم احليز وفهم اختص ‪ff f f‬اص اجلوهر ب ‪ff f f‬احليز زائ ‪ff f f‬د على ذات اجلوهر‪ ،‬مث علم أن‬
‫العرض ال بد ل‪f‬ه من حمل كم‪f‬ا ال ب‪f‬د للج‪f‬وهر من ح‪f‬يز‪ ،‬فتتخي‪f‬ل أن إض‪f‬افة الع‪f‬رض إىل احملل كإض‪f‬افة اجلوهر‬
‫إىل احليز فيس‪ff‬بق من‪ff‬ه إىل ال‪ff‬وهم إمك‪ff‬ان االنتق‪ff‬ال عن‪ff‬ه‪ ،‬كم‪ff‬ا يف اجلوهر‪ ،‬ول‪ff‬و ك‪ff‬انت ه‪ff‬ذه املقايس‪ff‬ة ص‪ff‬حيحة‬
‫لكان اختصاص العرض باحملل كونًا زائدًا على ذات العرض واحملل كما كان اختصاص اجلوهر باحليز كونًا‬
‫زائدًا على ذات اجلوهر واحليز‪ ،‬ولص‪f‬ار يق‪f‬وم ب‪f‬العرض ع‪f‬رض‪ ،‬مث يفتق‪f‬ر قي‪f‬ام الع‪f‬رض ب‪f‬العرض إىل إختص‪f‬اص‬
‫آخر يزيد على القائم واملقوم به‪ ،‬وهكذا يتسلل ويؤدي إىل أن ال يوج‪f‬د ع‪f‬رض واح‪f‬د م‪f‬ا مل توج‪f‬د أع‪f‬راض‬
‫ال هناي ‪ff‬ة هلا‪ ،‬فلنبحث عن الس ‪ff‬بب ال ‪ff‬ذي ألجل ‪ff‬ه ف ‪ff‬رق بني اختص ‪ff‬اص الع ‪ff‬رض باحملل وبني اختص ‪ff‬اص اجلوهر‬
‫ب ‪ff‬احليز يف ك ‪ff‬ون أح ‪ff‬د االختصاص ‪ff‬يني زائ ‪ff‬دًا على ذات املختص ودون اآلخ ‪ff‬ر‪ ،‬فمن ‪ff‬ه يت ‪ff‬بني الغل ‪ff‬ط يف ت ‪ff‬وهم‬
‫االنتق ‪ff‬ال‪ .‬والس ‪ff‬ر في ‪ff‬ه‪ ،‬أن احملل وإن ك ‪ff‬ان الزم‪ًf f‬ا للع ‪ff‬رض كم ‪ff‬ا أن احليز الزم للج ‪ff‬وهر‪ ،‬ولكن بني الالزمني‬
‫ف ‪ff‬رق‪ :‬إذ رب الزم ذايت للش ‪ff‬يء‪ ،‬ورب الزم ليس ب ‪ff‬ذايت للش ‪ff‬يء‪ ،‬وأع ‪ff‬ين بال ‪ff‬ذايت م ‪ff‬ا جيب ببطالن ‪ff‬ه بطالن‬
‫الشيء‪ ،‬فإن بطل الوجود بطل به وجود الشيء‪ ،‬وإن بطل يف العقل بط‪f‬ل وج‪f‬ود العلم ب‪f‬ه يف العق‪f‬ل‪ ،‬واحليز‬
‫ليس ذاتي ‪ًf‬ا للج‪ff‬وهر فإن‪ff‬ا نعلم اجلس‪ff‬م واجلوهر أوًال مث ننظ‪ff‬ر بع ‪ff‬د ذل‪ff‬ك يف احليز‪ ،‬أه ‪ff‬و أم ‪ff‬ر ث‪ff‬ابت أم ه ‪ff‬و أم ‪ff‬ر‬
‫موه‪ff‬وم ونتوص‪ff‬ل إىل حتقي‪ff‬ق ذل‪ff‬ك ب‪ff‬دليل ون‪ff‬درك اجلس‪ff‬م ب‪ff‬احلس يف املش‪ff‬اهدة من غ‪ff‬ري دلي‪ff‬ل‪ .‬فل‪ff‬ذلك مل يكن‬
‫احليز املعني مثًال جلس ‪ff‬م زي ‪ff‬د ذاتي‪ًf f‬ا لزي ‪ff‬د‪ ،‬ومل يل ‪ff‬زم من فق ‪ff‬د ذل ‪ff‬ك احليز وتبدل ‪ff‬ه بطالن جس ‪ff‬م زي ‪ff‬د‪ ،‬وليس‬
‫ك‪f‬ذلك ط‪f‬ول زي‪f‬د مثًال ألن‪f‬ه ع‪f‬رض يف زي‪f‬د ال نعقل‪f‬ه يف نفس‪f‬ه دون زي‪f‬د ب‪f‬ل نعق‪f‬ل زي‪f‬دًا الطوي‪f‬ل‪ ،‬فط‪f‬ول زي‪f‬د‬
‫يعلم تابعًا لوجود زيد ويل‪f‬زم من تق‪f‬دير ع‪f‬دم زي‪f‬د بطالن ط‪f‬ول زي‪f‬د‪ ،‬فليس لط‪f‬ول زي‪f‬د ق‪f‬وام يف الوج‪f‬ود ويف‬
‫العقل دون زيد‪ .‬فاختصاصه بزيد ذايت ل‪f‬ه‪ ،‬أي ه‪f‬و لذات‪f‬ه ال ملع‪f‬ىن زائ‪f‬د علي‪f‬ه ه‪f‬و اختص‪f‬اص‪ ،‬ف‪f‬إن بط‪f‬ل ذل‪f‬ك‬
‫االختصاص بطلت ذات‪f‬ه واالنتق‪f‬ال يبط‪f‬ل االختص‪f‬اص فتبط‪f‬ل ذات‪f‬ه‪ ،‬إذ ليس اختصاص‪f‬ه بزي‪f‬د زائ‪f‬دًا على ذات‪f‬ه‪،‬‬
‫أع‪ff‬ين ذات الع‪ff‬رض‪ ،‬خبالف اختص‪ff‬اص اجلوهر ب‪ff‬احليز فإن‪ff‬ه زائ‪ff‬د علي‪ff‬ه فليس يف بطالن‪ff‬ه‪ ،‬باالنتق‪ff‬ال م‪ff‬ا يبط‪ff‬ل‬
‫ذات‪ff‬ه‪ ،‬ورج‪ff‬ع الكالم إىل أن االنتق‪ff‬ال يبط‪ff‬ل االختص‪ff‬اص باحملل‪ ،‬ف‪ff‬إن ك‪ff‬ان االختص‪ff‬اص زائ‪ff‬دًا على ال‪ff‬ذات مل‬
‫تبط ‪ff‬ل ب ‪ff‬ه ال ‪ff‬ذات‪ ،‬وإن مل يكن مع ‪ff‬ىن زائ ‪ff‬دًا بطلت ببطالن ‪ff‬ه ال ‪ff‬ذات‪ ،‬فق ‪ff‬د انكش ‪ff‬ف ه ‪ff‬ذا وآل النظ ‪ff‬ر إىل أن‬
‫اختصاص العرض مبحله مل يكن زائدًا على ذات العرض كاختص‪f‬اص اجلوهر حبيزه‪ ،‬وأم‪f‬ا الع‪f‬رض فإن‪f‬ه عق‪f‬ل‬
‫ب ‪ff‬اجلوهر ال بنفس ‪ff‬ه ف ‪ff‬ذات الع ‪ff‬رض وكون ‪ff‬ه للج ‪ff‬وهر املعني وليس ل ‪ff‬ه ذات س ‪ff‬واه‪ .‬ف ‪ff‬إذا ق ‪ff‬درنا مفارقت ‪ff‬ه ل ‪ff‬ذلك‬
‫اجلوهر املعني فق‪ff‬د ق‪ff‬درنا ع‪ff‬دم ذات‪ff‬ه‪ ،‬وإمنا فرض‪ff‬نا الكالم يف الط‪ff‬ول لتفهيم املقص‪ff‬ود فإن‪ff‬ه وإن مل يكن عرض‪ًf‬ا‬
‫ولكنه‪ ،‬عبارة عن كثرة األجسام يف جه‪f‬ة واح‪f‬دة‪ ،‬ولكن‪f‬ه مق‪f‬رب لغرض‪f‬نا إىل الفهم‪ ،‬ف‪f‬إذا فهم فلننق‪f‬ل البي‪f‬ان‬
‫إىل األعراض‪ .‬وهذا التوفي‪f‬ق والتحقي‪f‬ق وإن مل يكن الئق‪ًf‬ا هبذا اإلجياز ولكن افتق‪f‬ر إلي‪f‬ه ألن م‪f‬ا ذك‪f‬ر في‪f‬ه غ‪f‬ري‬
‫مقنع وال شاف‪ .‬فقد فرغنا من إثبات أحد األصلني‪ ،‬وهو أن العامل ال خيل‪f‬و عن احلوادث‪ ،‬فإن‪f‬ه ال خيل‪f‬و عن‬
‫احلرك ‪ff‬ة والس ‪ff‬كون ومها حادث ‪ff‬ات وليس ‪ff‬ا مبنتقلني‪ ،‬م ‪ff‬ع أن اإلطن ‪ff‬اب ليس يف مقابل ‪ff‬ة خص ‪ff‬م معتق ‪ff‬د‪ ،‬إذ أمجع‬
‫الفالس‪ff‬فة على أن أجس‪ff‬ام الع ‪ff‬امل ال ختل‪ff‬و عن احلوادث‪ ،‬وهم املنك‪ff‬رون حلدوث الع ‪ff‬امل‪ ،‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬فق ‪ff‬د بقي‬
‫األص‪ff‬ل الث‪ff‬اين وه‪ff‬و ق‪ff‬ولكم إن م‪ff‬ا ال خيل‪ff‬و عن احلوادث فه‪ff‬و ح‪ff‬ادث فم‪ff‬ا ال‪ff‬دليل علي‪ff‬ه ؟ قلن‪ff‬ا‪ :‬ألن الع‪ff‬امل ل‪ff‬و‬
‫ك ‪ff‬ان ق ‪ff‬دميًا م ‪ff‬ع أن ‪ff‬ه ال خيل ‪ff‬و عن احلوادث‪ ،‬لثبتت ح ‪ff‬وادث ال أول هلا ولل ‪ff‬زم أن تك ‪ff‬ون دورات الفل ‪ff‬ك غ ‪ff‬ري‬
‫متناهية االعداد‪ ،‬وذلك حمال ألن كل ما يفضي إىل احملال فهو حمال‪ ،‬وحنن نبني أنه يلزم عيه ثالث‪ff‬ة حماالت‪:‬‬
‫األول‪ -‬أن ذل‪ff‬ك ل‪ff‬و ثبت لك‪ff‬ان ق‪ff‬د انقض‪ff‬ى م‪ff‬ا ال هناي‪ff‬ة ل‪ff‬ه‪ ،‬ووق‪ff‬ع الف‪ff‬راغ من‪ff‬ه وانتهى‪ ،‬وال ف‪ff‬رق بني قولن‪ff‬ا‬
‫انقض‪ff‬ى وال بني قولن‪ff‬ا انتهى وال بني قولن‪ff‬ا تن‪ff‬اهى‪ ،‬فيل‪ff‬زم أن يق‪ff‬ال ق‪ff‬د تن‪ff‬اهى م‪ff‬ا ال يتن‪ff‬اهى‪ ،‬ومن احملال ال‪ff‬بني‬
‫أن يتن‪ff‬اهى م ‪ff‬ا ال يتن‪ff‬اهى وأن ينتهي وينقض ‪ff‬ي م ‪ff‬ا ال يتن‪ff‬اهى‪ .‬الث‪ff‬اين‪ -‬أن دورات الفل‪ff‬ك إن مل تكن متناهي‪ff‬ة‬
‫فهي إما شفع وإما وتر‪ ،‬وإما ال شفع وال وتر‪ ،‬وإما شفع ووتر معًا‪ .‬وهذه األقس‪f‬ام األربع‪f‬ة حمال؛ فاملفض‪f‬ي‬
‫إليه‪ff‬ا حمال إذ يس‪ff‬تحيل ع‪ff‬دد ال ش‪ff‬فع وال وت‪ff‬ر‪ ،‬أو ش‪ff‬فع ووت‪ff‬ر‪ ،‬ف‪ff‬إن الش‪ff‬فع ه‪ff‬و ال‪ff‬ذي ينقس‪ff‬م إىل متس‪ff‬اويني‬
‫كالعش‪f‬رة مثًال‪ ،‬وال‪f‬وتر ه‪f‬و أح‪f‬د ال‪f‬ذي ال ينقس‪f‬م إىل متس‪f‬اويني كالتس‪f‬عة‪ ،‬وك‪f‬ل ع‪f‬دد م‪f‬ركب من آح‪f‬اد إم‪f‬ا‬
‫أن ينقسم مبتساويني‪ ،‬أو ال ينقس‪f‬م مبتس‪f‬اويني‪ ،‬وأم‪f‬ا أن يتص‪f‬ف باالنقس‪f‬ام وع‪f‬دم االنقس‪f‬ام‪ ،‬أو ينف‪f‬ك عنهم‪f‬ا‬
‫مجيعًا فهو حمال‪ ،‬وباطل أن يكون شفعًا ألن الش‪f‬فع إمنا ال يك‪f‬ون وت‪f‬رًا ألن‪f‬ه يع‪f‬وزه واح‪f‬د‪ ،‬ف‪f‬إذا انض‪f‬اف إلي‪f‬ه‬
‫واح ‪ff‬د ص ‪ff‬ار وت ‪ff‬رًا‪ ،‬فكي ‪ff‬ف أع ‪ff‬وز ال ‪ff‬ذي ال يتن ‪ff‬اهى واح ‪ff‬د ؟ وحمال أن يك ‪ff‬ون وت ‪ff‬رًا‪ .‬ألن ال ‪ff‬وتر يص ‪ff‬ري ش ‪ff‬فعًا‬
‫بواحد‪ ،‬فيبقى وترًا ألنه يعوزه ذلك الواح‪f‬د‪ ،‬فكي‪f‬ف أع‪f‬وز ال‪f‬ذي ال يتن‪f‬اهى واح‪f‬د ؟ الث‪f‬الث‪ -‬أن‪f‬ه يل‪f‬زم علي‪f‬ه‬
‫أن يكون عددان‪ ،‬كل واحد منهما ال يتناهى‪ ،‬مث أن أحدمها أقل من اآلخ‪f‬ر‪ ،‬وحمال أن يك‪f‬ون م‪ff‬ا ال يتن‪f‬اهى‬
‫أق‪ff‬ل مما ال يتن‪ff‬اهى ألن األق‪ff‬ل ه‪ff‬و ال‪ff‬ذي يع‪ff‬وزه ش‪ff‬يء ل‪ff‬و أض‪ff‬يف إلي‪ff‬ه لص‪ff‬ار متس‪ff‬اويًا‪ ،‬وم‪ff‬ا ال يتن‪ff‬اهى كي‪ff‬ف‬
‫يعوزه شيء ؟ وبيانه أن زحل عندهم ي‪f‬دور يف ك‪f‬ل ثالثني س‪f‬نة دورة واح‪f‬دة‪ ،‬والش‪f‬مس يف ك‪f‬ل س‪f‬نة دورة‬
‫واح ‪ff‬دة‪ ،‬فيك ‪ff‬ون ع ‪ff‬دد دورات زح ‪ff‬ل مث ‪ff‬ل ثلث عش ‪ff‬ر دورات الش ‪ff‬مس‪ ،‬إذ الش ‪ff‬مس ت ‪ff‬دور يف ثالثني س ‪ff‬نة‬
‫ثالثني دورة‪ ،‬وزح ‪ff‬ل ي ‪ff‬دور دورة واح ‪ff‬دة‪ ،‬والواح ‪ff‬د من الثالثني ثلث عش ‪ff‬ر‪ .‬مث دورات زح ‪ff‬ل ال هناي ‪ff‬ة هلا‬
‫وهي أق ‪ff‬ل من دورات الش ‪ff‬مس‪ ،‬إذ يعلم ض ‪ff‬رورة أن ثلث عش ‪ff‬ر الش ‪ff‬يء أق ‪ff‬ل من الش ‪ff‬يء‪ ،‬والقم ‪ff‬ر ي ‪ff‬دور يف‬
‫السنة اثنيت عشرة مرة‪ ،‬فيكون عدد دورات الشمس مثًال نصف سدس دورات القمر‪ ،‬وكل واحد ال هناية‬
‫ل ‪ff‬ه وبعض ‪ff‬ه أق ‪ff‬ل من بعض‪ ،‬ف ‪ff‬ذلك من احملال ال ‪ff‬بني‪ .‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل‪ :‬مق ‪ff‬دورات الب ‪ff‬اري تع ‪ff‬اىل عن ‪ff‬دكم ال هناي ‪ff‬ة هلا‬
‫وك‪ff‬ذا معلومات‪ff‬ه‪ ،‬واملعلوم‪ff‬ات أك‪ff‬ثر من املق‪ff‬دورات إذ ذات الق‪ff‬دمي تع‪ff‬اىل وص‪ff‬فاته معلوم‪ff‬ة ل‪ff‬ه وك‪ff‬ذا املوج‪ff‬ود‬
‫املس‪ff‬تمر الوج‪ff‬ود‪ ،‬وليس ش‪ff‬يء من ذل‪ff‬ك مق‪ff‬دورًا‪ .‬قلن‪ff‬ا حنن‪ :‬إذا قلن‪ff‬ا ال هناي‪ff‬ة ملقدورات‪ff‬ه‪ ،‬مل ن‪ff‬رد ب‪ff‬ه م‪ff‬ا نري‪ff‬د‬
‫بقولن‪f‬ا ال هناي‪f‬ة ملعلومات‪f‬ه ب‪f‬ل نري‪f‬د ب‪f‬ه أن هلل تع‪f‬اىل ص‪f‬فة يع‪f‬رب عنه‪f‬ا بالق‪f‬درة‪ ،‬يت‪f‬أتى هبا االجياد‪ ،‬وه‪f‬ذا الث‪f‬اين ال‬
‫ينعدم قط‪ .‬وليس حتت قولنا‪ -‬هذا الثأين ال ينعدم‪ -‬إثبات أشياء فض‪ًf‬ال من أن توص‪f‬ف بأهنا متناهي‪f‬ة أو غ‪f‬ري‬
‫متناهي‪f‬ة‪ ،‬وإمنا يق‪f‬ع ه‪f‬ذا الغل‪f‬ط ملن ينظ‪f‬ر يف املع‪f‬اين من األلف‪f‬اظ ف‪f‬ريى ت‪f‬وازن لف‪f‬ظ املعلوم‪f‬ات واملق‪f‬دورات من‬
‫حيث التص ‪ff f‬ريف يف اللغ ‪ff f‬ة‪ ،‬فيظن أن املراد هبم ‪ff f‬ا واح ‪ff f‬د‪ .‬هيه ‪ff f‬ات ال مناس ‪ff f‬بة بينهم ‪ff f‬ا البت ‪ff f‬ة‪ .‬مث حتت قولن ‪ff f‬ا‬
‫املعلومات ال هناية هلا أيض‪ًf‬ا س‪f‬ر خيالف الس‪f‬ابق من‪f‬ه إىل الفهم‪ ،‬إذ الس‪f‬ابق من‪f‬ه إىل الفهم إثب‪f‬ات أش‪f‬ياء تس‪f‬مى‬
‫معلوم‪ff‬ات ال هناي‪ff‬ة هلا‪ ،‬وه‪ff‬و حمال‪ ،‬ب‪ff‬ل األش‪ff‬ياء هي املوج‪ff‬ودات‪ ،‬وهي متناهي‪ff‬ة‪ ،‬ولكن بي‪ff‬ان ذل‪ff‬ك يس‪ff‬تدعي‬
‫تطويال‪ .‬وقد اندفع اإلشكال بالكشف عن معىن نفي النهاية عن املق‪f‬دورات‪ ،‬ف‪f‬النظر يف الط‪f‬رف الث‪f‬اين وه‪f‬و‬
‫املعلوم ‪ff‬ات مس ‪ff‬تغىن عن ‪ff‬ه يف دف ‪ff‬ع االل ‪ff‬زام‪ ،‬فق ‪ff‬د ب ‪ff‬انت ص ‪ff‬حة ه ‪ff‬ذا األص ‪ff‬ل ب ‪ff‬املنهج الث ‪ff‬الث من من ‪ff‬اهج األدل ‪ff‬ة‬
‫املذكورة يف التمهي‪ff‬د الراب‪ff‬ع من الكت‪ff‬اب وعن‪ff‬د ه‪ff‬ذا يعلم وج‪ff‬ود الص‪ff‬انع إذ ب‪ff‬ان القي‪ff‬اس ال‪ff‬ذي ذكرن‪ff‬اه‪ ،‬وه‪ff‬و‬
‫قولنا أن العامل حادث وكل حادث فله سبب فالعامل له س‪f‬بب‪ .‬فق‪ff‬د ثبتت ه‪ff‬ذه ال‪f‬دعوى هبذا املنهج‪ ،‬ولكن‬
‫بعد مل يظهر لنا إال موجود السبب‪ ،‬فأما كونه حادثًا أو قدميًا وصفًا له فلم يظهر بعد فلنشتغل به‪.‬‬
‫الدعوى الثانية‪ :‬ندعي أن السبب الذي أثبتناه لوجود العامل قدمي فإنه لو كان حادثًا الفتقر إىل سبب آخ‪ff‬ر‪،‬‬
‫وكذلك السبب اآلخر ويتسلسل إم‪f‬ا إىل غ‪f‬ري هناي‪f‬ة وه‪f‬و حمال‪ ،‬وإم‪f‬ا أن ينتهي إىل ق‪f‬دمي ال حمال‪f‬ة يق‪f‬ف عن‪f‬ده‬
‫وه ‪ff‬و ال ‪ff‬ذي نطلب ‪ff‬ه ونس ‪ff‬ميه ص ‪ff‬انع الع ‪ff‬امل‪ .‬وال ب ‪ff‬د من االع ‪ff‬رتاف ب ‪ff‬ه بالض ‪ff‬رورة وال نع ‪ff‬ين بقولن ‪ff‬ا ق ‪ff‬دمي إال أن‬
‫وجوده غري مسبوق بعدم‪ ،‬فليس حتت لفظ القدمي إال إثبات موج‪ff‬ود ونفي ع‪ff‬دم س‪ff‬ابق‪ .‬فال تظنن أن الق‪ff‬دم‬
‫معىن زائد على ذات القدمي‪ ،‬فيلزمك أن تقول ذل‪f‬ك املع‪f‬ىن أيض‪ًf‬ا ق‪f‬دمي بق‪f‬دم زائ‪f‬د علي‪f‬ه‪ ،‬ويتسلس‪f‬ل الق‪f‬وم إىل‬
‫غري هناية‪.‬‬
‫ال ‪ff‬دعوى الثالث ‪ff‬ة‪ :‬ن ‪ff‬دعي أن ص ‪ff‬انع الع ‪ff‬امل م ‪ff‬ع كون ‪ff‬ه موج ‪ff‬ودًا مل ي ‪ff‬زل فه ‪ff‬و ب ‪ff‬اق ال ي ‪ff‬زال ألن م ‪ff‬ا ثبت قدم ‪ff‬ه‬
‫اس‪f‬تحال عدم‪ff‬ه‪ .‬وإمنا قلن‪f‬ا ذل‪f‬ك ألن‪f‬ه ل‪f‬و الع‪ff‬دم الفتق‪ff‬ر عدم‪ff‬ه إىل س‪f‬بب فإن‪f‬ه ط‪ff‬ارئ بع‪ff‬د اس‪f‬تمرار الوج‪f‬ود يف‬
‫القدم‪ .‬وقد ذكرنا ان كل طارئ فال بد له من سبب من حيث انه ط‪ff‬ارئ ال من حيث أن‪f‬ه موج‪f‬ود‪ ،‬وكم‪f‬ا‬
‫افتقر تب‪f‬دل الع‪f‬دم ب‪f‬الوجود إىل م‪f‬رجح للوج‪f‬ود على الع‪f‬دم‪ ،‬فك‪f‬ذلك يفتق‪f‬ر تب‪f‬دل الوج‪f‬ود بالع‪f‬دم إىل م‪f‬رجح‬
‫للع ‪ff‬دم على الوج ‪ff‬ود‪ ،‬وذل ‪ff‬ك املرجح إم ‪ff‬ا فاع ‪ff‬ل بع ‪ff‬دم الق ‪ff‬درة‪ ،‬أو ض ‪ff‬د انقط ‪ff‬اع ش ‪ff‬رط من ش ‪ff‬روط الوج ‪ff‬ود‪.‬‬
‫وحمال أن حيال على الق‪ff‬درة؛ إذ لوج‪ff‬ود ش‪ff‬يء ث‪ff‬ابت جيوز أن يص‪ff‬در عن الق‪ff‬درة‪ ،‬فيك‪ff‬ون الق‪ff‬ادر باس‪ff‬تعماله‬
‫فعل شيئًا والعدم ليس بشيء‪ ،‬فيستحيل أن يكون فعًال واقعًا بأثر القدرة‪ .‬فإن‪f‬ا نق‪f‬ول‪ :‬فاع‪f‬ل الع‪f‬دم ه‪f‬ل فع‪f‬ل‬
‫ش‪ff‬يئًا ؟ ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل نعم‪ ،‬ك‪ff‬ان حماًال‪ ،‬ألن النفي ليس بش‪ff‬يء‪ .‬وإن ق‪ff‬ال املع‪ff‬تزيل أن املع‪ff‬دوم ش‪ff‬يء وذات‪ ،‬فليس‬
‫ذل‪f‬ك ال‪f‬ذات من أث‪f‬ر الق‪ff‬درة‪ ،‬فال يتص‪ff‬ف أن يق‪ff‬ول الفع‪ff‬ل الواق‪f‬ع بالق‪ff‬درة فع‪ff‬ل ذل‪f‬ك ال‪f‬ذات فإهنا أزلي‪f‬ة‪ ،‬وإمنا‬
‫فعله نفي وجود ال‪f‬ذات‪ ،‬ونفي وج‪f‬ود ال‪f‬ذات ليس ش‪f‬يئًا‪ ،‬ف‪f‬اذًا م‪f‬ا فع‪f‬ل ش‪f‬يئًا‪ .‬وإذا ص‪f‬دق قولن‪f‬ا م‪f‬ا فع‪f‬ل ش‪f‬يئًا‬
‫صدق قولنا أنه مل يستعمل القدرة يف أثر البت‪f‬ة‪ ،‬فبقي كم‪f‬ا ك‪f‬ان ومل يفع‪f‬ل ش‪f‬يئًا‪ .‬وباط‪f‬ل أن يق‪f‬ال أن‪f‬ه يعدم‪f‬ه‬
‫ض‪ff‬ده ألن الض‪ff‬د إن ف‪ff‬رض حادث‪ًf‬ا ان‪ff‬دفع وج‪ff‬وده مبض‪ff‬ادة الق‪ff‬دمي‪ ،‬وك‪ff‬ان ذل‪ff‬ك أوىل من أن ينقط‪ff‬ع ب‪ff‬ه وج‪ff‬ود‬
‫الق‪ff‬دمي‪ .‬وحمال أن يك‪ff‬ون ل‪ff‬ه ض‪ff‬د ق‪ff‬دمي ك‪ff‬ان موج‪ff‬ودًا مع‪ff‬ه يف الق‪ff‬دم ومل يعدم‪ff‬ه وق‪ff‬د أعدم‪ff‬ه اآلن‪ ،‬وباط‪ff‬ل أن‬
‫يق‪ff‬ال انع‪ff‬دم النع‪ff‬دام ش‪ff‬رط وج‪ff‬وده‪ ،‬ف‪ff‬إن الش‪ff‬رط إن ك‪ff‬ان حادث‪ًf‬ا اس‪ff‬تحال أن يك‪ff‬ون وج‪ff‬ود الق‪ff‬دمي مش‪ff‬روطًا‬
‫حبادث‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان ق‪ff‬دميًا ف‪ff‬الكالم يف اس‪ff‬تحالة ع‪ff‬دم الش‪ff‬رط ك‪ff‬الكالم يف اس‪ff‬تحالة ع‪ff‬دم املش‪ff‬روط فال يتص‪ff‬ور‬
‫عدم ‪ff‬ه‪ .‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل فبم ‪ff‬ا إذًا تف ‪ff‬ىن عن ‪ff‬دكم اجلواهر واألع ‪ff‬راض ؟ قلن ‪ff‬ا‪ :‬أم ‪ff‬ا األع ‪ff‬راض فبأنفس ‪ff‬ها‪ ،‬ونع ‪ff‬ين بقولن ‪ff‬ا‬
‫بأنفس‪ff‬ها أن ذواهتا ال يتص‪ff‬ور هلا بق‪ff‬اء‪ .‬ويفهم املذهب في‪ff‬ه ب‪ff‬أن يف‪ff‬رض يف احلرك‪ff‬ة‪ ،‬ف‪ff‬إن األك‪ff‬وان املتعاقب‪ff‬ة يف‬
‫أحي ‪ff‬ان متواص ‪ff‬لة ال توص ‪ff‬ف بأهنا حرك ‪ff‬ات إال بتالحقه ‪ff‬ا على س ‪ff‬بيل دوام التج ‪ff‬دد ودوام االنع ‪ff‬دام‪ ،‬فإهنا إن‬
‫ف ‪ff‬رض بقاؤه ‪ff‬ا ك ‪ff‬انت س ‪ff‬كونًا ال حرك ‪ff‬ة‪ ،‬وال تعق ‪ff‬ل ذات احلرك ‪ff‬ة م ‪ff‬ا مل يعق ‪ff‬ل معه ‪ff‬ا الع ‪ff‬دم عقيب الوج ‪ff‬ود‪.‬‬
‫وه ‪ff‬ذا يفهم يف احلرك ‪ff‬ة بغ ‪ff‬ري بره ‪ff‬ان‪ .‬وأم ‪ff‬ا األل ‪ff‬وان وس ‪ff‬ائر األع ‪ff‬راض‪ ،‬فإمنا تفهم مبا ذكرن ‪ff‬اه من أن ‪ff‬ه ل ‪ff‬و بقي‬
‫الستحال عدمه بالقدرة وبالضد كما سبق يف القدمي‪ ،‬ومثل هذا العدم حمال يف حق اهلل تعاىل فإنا بين‪f‬ا قدم‪ff‬ه‬
‫أوًال واس ‪ff‬تمرار وج ‪ff‬وده فيم ‪ff‬ا مل ي ‪ff‬زل‪ ،‬فلم يكن من ض ‪ff‬رورة وج ‪ff‬وده حقيق ‪ff‬ة فن ‪ff‬اؤه عقيب ‪ff‬ه‪ ،‬كم ‪ff‬ا ك ‪ff‬ان من‬
‫ض‪ff‬رورة وج‪ff‬ود احلرك‪ff‬ة حقيق‪ff‬ة أن تف‪ff‬ىن عقيب الوج‪ff‬ود‪ .‬وأم‪ff‬ا اجلواهر فانع‪ff‬دامها ب‪ff‬ان ال ختل‪ff‬ق فيه‪ff‬ا احلرك‪ff‬ة‬
‫والسكون فينقطع شرط وجودها فال يعقل بقاؤها‪.‬‬
‫الدعوى الرابعة‪ :‬ندعي أن صانع الع‪ff‬امل ليس جبوهر متح‪ff‬يز ألن‪ff‬ه ق‪ff‬د ثبت قدم‪ff‬ه‪ ،‬ول‪ff‬و ك‪ff‬ان متح‪ff‬يزًا لك‪ff‬ان ال‬
‫خيلو عن احلركة يف حيزه أو السكون فيه‪ ،‬وم‪f‬ا ال خيل‪f‬و عن احلوادث‪ ،‬فه‪f‬و ح‪f‬ادث كم‪f‬ا س‪f‬بق‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬مب‬
‫تنك ‪ff‬رون على من يس ‪ff‬ميه ج ‪ff‬وهرًا‪ ،‬وال يعتق ‪ff‬ده متح ‪ff‬يزًا ؟ قلن ‪ff‬ا العق ‪ff‬ل عن ‪ff‬دنا ال ي ‪ff‬وجب االمتن ‪ff‬اع من اطالق‬
‫األلف ‪ff‬اظ وإمنا مين ‪ff‬ع عن ‪ff‬ه إم ‪ff‬ا حلق اللغ ‪ff‬ة وإم ‪ff‬ا حلق الش ‪ff‬رع‪ .‬أم ‪ff‬ا ح ‪ff‬ق اللغ ‪ff‬ة ف ‪ff‬ذلك إذا ادعى أن ‪ff‬ه مواف ‪ff‬ق لوض ‪ff‬ع‬
‫اللس‪ff‬ان فيبحث عن‪ff‬ه‪ ،‬ف‪ff‬إن ادعى واض‪ff‬عه ل‪ff‬ه أن‪ff‬ه امسه على احلقيق‪ff‬ة‪ ،‬أي واض‪ff‬ع اللغ‪ff‬ة وض‪ff‬عه ل‪ff‬ه‪ ،‬فه‪ff‬و ك‪ff‬اذب‬
‫على اللس‪ff‬ان وإن زعم أن‪ff‬ه اس‪ff‬تعاره نظ‪ff‬رًا إىل املع‪ff‬ىن ال‪ff‬ذي ب‪ff‬ه ش‪ff‬ارك املس‪ff‬تعار من‪ff‬ه‪ ،‬ف‪ff‬إن ص‪ff‬لح لالس‪ff‬تعارة مل‬
‫ينك‪ff‬ر علي‪ff‬ه حبق اللغ‪ff‬ة وإن مل يص‪ff‬لح قي‪ff‬ل ل‪ff‬ه أخط‪ff‬أت على اللغ‪ff‬ة وال يس‪ff‬تعظم ذل‪ff‬ك إال بق‪ff‬در اس‪ff‬تعظام ص‪ff‬نيع‬
‫من يبع‪ff‬د يف االس‪ff‬تعارة‪ ،‬والنظ‪ff‬ر يف ذل‪ff‬ك ال يلي‪ff‬ق مبب‪ff‬احث العق‪ff‬ول‪ .‬وأم‪ff‬ا ح‪ff‬ق الش‪ff‬رع وج‪ff‬واز ذل‪ff‬ك وحترميه‪،‬‬
‫فه ‪ff‬و حبث فقهي جيب طلب ‪ff‬ه على الفقه ‪ff‬اء إذ ال ف ‪ff‬رق بني البحث عن ج ‪ff‬واز اطالق األلف ‪ff‬اظ من غ ‪ff‬ري إرادة‬
‫معىن فاسد وبني البحث عن جواز األفعال‪ .‬وفيه رأيان‪ :‬أح‪f‬دمها‪ ،‬أن يق‪f‬ال‪ :‬ال يطل‪f‬ق اس‪f‬م يف ح‪f‬ق اهلل تع‪f‬اىل‬
‫إال باالذن‪ ،‬وهذا مل يرد فيه إذن فيحرم‪ .‬وأما أن يق‪f‬ال ال حيرم إال ب‪f‬النهي وه‪f‬ذا مل ي‪f‬رد في‪f‬ه هني فينظ‪f‬ر‪ :‬ف‪f‬إن‬
‫كان يوهم خطأ فيجب االحرتاز منه ألن إيهام اخلطأ يف ص‪ff‬فات اهلل تع‪ff‬اىل ح‪f‬رام‪ .‬وإن مل ي‪f‬وهم خط‪f‬أ حيكم‬
‫بتحرميه‪ ،‬فكال الط‪f‬ريقني حمتم‪f‬ل‪ .‬مث االيه‪f‬ام خيتل‪f‬ف باللغ‪f‬ات وع‪f‬ادات االس‪f‬تعمال ف‪f‬رب لف‪f‬ظ ي‪f‬وهم عن‪f‬د ق‪f‬وم‬
‫وال يوهم عند غريهم‪.‬‬
‫الدعوى اخلامسة‪ :‬ندعي أن صانع العامل ليس جبس‪ff‬م‪ ،‬ألن ك‪ff‬ل جس‪ff‬م فه‪ff‬و مت‪ff‬ألف من ج‪ff‬وهرين متح‪ff‬يزين‪،‬‬
‫وإذا استحال أن يكون جوهرًا اس‪f‬تحال أن يك‪f‬ون جس‪f‬مًا‪ ،‬وحنن ال نع‪f‬ين باجلس‪f‬م إال ه‪f‬ذا‪ .‬ف‪f‬إن مساه جس‪f‬مًا‬
‫ومل يرد هذا املعىن كانت املضايقة معه حبق اللغة أو حبق الشرع ال حبق العقل فإن العقل ال حيكم يف اطالق‬
‫األلف ‪ff‬اظ ونظم احلروف واألص ‪ff‬وات ال ‪ff‬يت هي اص ‪ff‬طالحات‪ ،‬وألن ‪ff‬ه ل ‪ff‬و ك ‪ff‬ان جس ‪ff‬مًا لك ‪ff‬ان مق ‪ff‬دارًا مبق ‪ff‬دار‬
‫خمصوص وجيوز أن يكون أص‪ff‬غر من‪f‬ه أو أك‪f‬رب‪ ،‬وال ي‪f‬رتجح أح‪f‬د اجلائزين عن اآلخ‪f‬ر إال مبخص‪ff‬ص وم‪ff‬رجح‪،‬‬
‫كما سبق‪ ،‬فيفتقر إىل خمص‪f‬ص يتص‪f‬رف في‪f‬ه فيق‪f‬دره مبق‪ff‬دار خمص‪ff‬وص‪ ،‬فيك‪f‬ون مص‪f‬نوعًا ال ص‪f‬انعًا وخملوق‪ًf‬ا ال‬
‫خالقًا‪.‬‬
‫الدعوى السادسة‪ :‬ندعي أن صانع العامل ليس بعرض‪ ،‬ألنا نعين بالعرض ما يستدعي وجوده ذاتًا تقوم ب ‪ff‬ه‪،‬‬
‫وذلك الذات جسم أو جوهر‪ ،‬ومهما كان اجلسم واجب احلدوث كان احلال فيه أيضًا حادث‪ًf‬ا ال حمال‪ff‬ة‪ ،‬إذ‬
‫يبط‪f‬ل انتق‪ff‬ال األع‪ff‬راض‪ ،‬وق‪f‬د بين‪f‬ا أن ص‪ff‬انع الع‪ff‬امل ق‪f‬دمي فال ميكن أن يك‪f‬ون عرض‪ًf‬ا‪ ،‬وإن فهم من الع‪ff‬رض م‪ff‬ا‬
‫هو صفة لشيء من غري أن يكون ذلك الشيء متحيزًا‪ ،‬فنحن ال ننكر وجود هذا فان‪f‬ا نس‪f‬تدل على ص‪f‬فات‬
‫اهلل تع‪ff‬اىل نعم يرج‪ff‬ع ال‪ff‬نزاع إىل إطالق اس‪ff‬م الص‪ff‬انع والفاع‪ff‬ل‪ ،‬ف‪ff‬إن إطالق‪ff‬ه على ال‪ff‬ذات املوص‪ff‬وفة بالص‪ff‬فات‬
‫أوىل من إطالق‪ff‬ه على الص‪ff‬فات‪ .‬ف‪ff‬إذا قلن‪ff‬ا الص‪ff‬انع ليس بص‪ff‬فة‪ ،‬عنين‪ff‬ا ب‪ff‬ه أن الص‪ff‬نع مض‪ff‬اف إىل ال‪ff‬ذات ال‪ff‬يت‬
‫تقوم هبا الصفات ال إىل الصفات‪ ،‬كما أنا إذا قلنا النجار ليس بعرض وال صفة‪ ،‬عنينا به أن صنعة النج‪ff‬ارة‬
‫غري مضافة إىل الصفات بل إىل الذات الواجب وصفها جبملة من الصفات حىت يكون ص‪ff‬انعًا‪ .‬فك‪f‬ذا الق‪ff‬ول‬
‫يف صانع العامل‪ ،‬وإن أراد املنازع ب‪f‬العرض أم‪f‬رًا غ‪f‬ري احلال يف اجلس‪f‬م وغ‪f‬ري الص‪f‬فة القائم‪f‬ة بال‪f‬ذات ك‪f‬ان احلق‬
‫يف منعه للغة أو الشرع ال للعقل‪.‬‬
‫الدعوى السابعة‪ :‬ندعي أنه ليس يف جهة خمصوصة من اجلهات الست‪ ،‬ومن عرف معىن لفظ اجلهة ومع ‪ff‬ىن‬
‫لف ‪ff‬ظ االختص ‪ff‬اص فهم قطع ‪ًf‬ا اس ‪ff‬تحالة اجله ‪ff‬ات على غ ‪ff‬ري اجلواهر واألع ‪ff‬راض‪ ،‬إذ احليز معق ‪ff‬ول وه ‪ff‬و ال ‪ff‬ذي‬
‫خيتص اجلوهر به‪ ،‬ولكن احليز إمنا يصري جهة إذا أضيف إىل شيء آخر متحيز‪ .‬فاجلهات ست فوق وأس‪f‬فل‬
‫وقدام وخلف وميني ومشال‪ .‬فمعىن كون الشيء فوقنا هو أن‪f‬ه يف ح‪f‬يز يلي ج‪f‬انب ال‪f‬رأس‪ .‬ومع‪f‬ىن كون‪f‬ه حتت‪ًf‬ا‬
‫أنه يف حيز يلي جانب الرجل‪ .‬وكذا سائر اجلهات؛ فك‪f‬ل م‪f‬ا قي‪f‬ل قي‪f‬ه أن‪f‬ه يف جه‪f‬ة فق‪f‬د قي‪f‬ل أن‪f‬ه يف ح‪f‬يز م‪f‬ع‬
‫زي‪ff‬ادة إض‪ff‬افة‪ .‬وقولن‪ff‬ا الش‪ff‬يء يف ح‪ff‬يز‪ ،‬يعق‪ff‬ل ب‪ff‬وجهني أح‪ff‬دمها‪ :‬أن‪ff‬ه خيتص ب‪ff‬ه حبيث مين‪ff‬ع مثل‪ff‬ه من أن يوج‪ff‬د‬
‫حبيث هو‪ ،‬وهذا هو اجلوهر‪ ،‬واآلخر أن يكون حاًال يف اجلوهر فإنه قد يقال إنه جبهة‪ ،‬ولكن بطريق البتيع‪ff‬ة‬
‫للج ‪ff‬وهر‪ ،‬فليس ك ‪ff‬ون الع ‪ff‬رض يف جه ‪ff‬ة كك ‪ff‬ون اجلوهر‪ ،‬ب ‪ff‬ل اجله ‪ff‬ة للج ‪ff‬وهر أوىل‪ ،‬وللع ‪ff‬رض بطري ‪ff‬ق التبعي ‪ff‬ة‬
‫للجوهر‪ ،‬فه‪f‬ذان وجه‪f‬ان معق‪f‬والن يف االختص‪f‬اص باجله‪f‬ة‪ .‬ف‪f‬إن أراد اخلص‪f‬م أح‪f‬دمها دل على بطالن‪f‬ه م‪f‬ا دل‬
‫على بطالن كونه جوهرًا أو عرضًا‪ .‬وإن أراد أمرًا غري هذا فهو غري مفهوم فيكون احلق يف إطالق لفظ‪ff‬ه مل‬
‫ينفك عن معىن غري مفه‪f‬وم للغ‪f‬ة والش‪f‬رع ال العق‪f‬ل‪ ،‬ف‪f‬إن ق‪f‬ال اخلص‪f‬م إمنا ُأري‪f‬د بكون‪f‬ه جبه‪f‬ة مع‪f‬ىن س‪f‬وى ه‪f‬ذا‬
‫فلم ننكره‪ ،‬ونقول له‪ :‬أما لفظك فإمنا ننك‪f‬ره من حيث أن‪f‬ه ي‪f‬وهم املفه‪f‬وم الظ‪f‬اهر من‪f‬ه وه‪f‬و م‪f‬ا يعق‪f‬ل اجلوهر‬
‫والع ‪ff‬رض وذل ‪ff‬ك ك ‪ff‬ذب على اهلل تع ‪ff‬اىل‪ .‬وأم ‪ff‬ا م ‪ff‬رادك من ‪ff‬ه فلس ‪ff‬ت أنك ‪ff‬ره ف ‪ff‬إن م ‪ff‬ا ال أفهم ‪ff‬ه كي ‪ff‬ف أنك ‪ff‬ره!‬
‫وعس‪ff‬اك تري‪ff‬د ب‪ff‬ه علم‪ff‬ه وقدرت‪ff‬ه وأن‪ff‬ا ال أنك‪ff‬ر كون‪ff‬ه جبه‪ff‬ة على مع‪ff‬ىن أن‪ff‬ه ع‪ff‬امل وق‪ff‬ادر‪ ،‬فإن‪ff‬ك إذا فتحت ه‪ff‬ذا‬
‫الب‪ff‬اب‪ ،‬وه‪ff‬و أن تري‪ff‬د باللف‪ff‬ظ غ‪ff‬ري م‪ff‬ا وض‪ff‬ع اللف‪ff‬ظ ل‪ff‬ه وي‪ff‬دل علي‪ff‬ه يف التف‪ff‬اهم مل يكن ملا تري‪ff‬د ب‪ff‬ه حص‪ff‬ر فال‬
‫أنكره ما مل تعرب عن مرادك مبا أفهمه من أمر يدل على احلدوث‪ ،‬فإن كان ما يدل على احلدوث فهو يف‬
‫ذاته حمال ويدل أيضًا على بطالن الق‪f‬ول باجله‪f‬ة‪ ،‬ألن ذل‪f‬ك يط‪f‬رق اجلواز إلي‪f‬ه وحيوج‪f‬ه إىل خمص‪f‬ص خيصص‪f‬ه‬
‫بأح ‪ff‬د وج ‪ff‬وه اجلواز وذل ‪ff‬ك من وجهني‪ ،‬أح ‪ff‬دمها‪ :‬أن اجله ‪ff‬ة ال ‪ff‬يت ختتص ب ‪ff‬ه ال ختتص ب ‪ff‬ه لذات ‪ff‬ه‪ ،‬ف ‪ff‬إن س ‪ff‬ائر‬
‫اجلهات متساوية باالضافة إىل املقاب‪f‬ل للجه‪f‬ة‪ ،‬فاختصاص‪f‬ه ببعض اجله‪f‬ات املعين‪f‬ة ليس ب‪f‬واجب لذات‪f‬ه ب‪f‬ل ه‪f‬و‬
‫ج‪ff‬ائز فيحت‪ff‬اج إىل خمص‪ff‬ص خيصص‪ff‬ه‪ ،‬ويك‪ff‬ون االختص‪ff‬اص في‪ff‬ه مع‪ff‬ىن زائ‪ff‬دًا على ذات‪ff‬ه وم‪ff‬ا يتط‪ff‬رق اجلواز إلي‪ff‬ه‬
‫استحال قدمه بل القدمي عبارة عما ه‪f‬و واجب الوج‪f‬ود من مجي‪f‬ع اجله‪f‬ات‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل اختص جبه‪f‬ة ف‪f‬وق ألن‪f‬ه‬
‫أشرف اجلهات‪ ،‬قلنا أي إمنا صارت اجلهة جهة فوق خبلقه العامل يف ه‪f‬ذا احليز ال‪f‬ذي خلق‪f‬ه في‪f‬ه‪ .‬فقي‪f‬ل خل‪f‬ق‬
‫الع ‪ff‬امل مل يكن ف ‪ff‬وق وال حتت أص‪ًf f‬ال‪ .‬إذ مها مش ‪ff‬تقان من ال ‪ff‬رأس والرج ‪ff‬ل ومل يكن إذ ذاك حي ‪ff‬وان فتس ‪ff‬مى‬
‫اجلهة اليت تلي رأسه فوق واملقابل له حتت‪ .‬والوجه الثاين أنه لو كان جبهة لك‪f‬ان حماذي‪ًf‬ا جلس‪f‬م الع‪f‬امل‪ ،‬وك‪f‬ل‬
‫حماذ فإما أصغر منه وإما أكرب وإما مساو‪ ،‬وكل ذلك ي‪f‬وجب التق‪f‬دير مبق‪f‬دار‪ ،‬وذل‪f‬ك املق‪f‬دار جيوز يف العق‪f‬ل‬
‫أن يف‪ff‬رض أص‪ff‬غر من‪f‬ه أو أك‪f‬رب فيحت‪f‬اج إىل مق‪ff‬دار وخمص‪ff‬ص‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬ل‪f‬و ك‪f‬ان االختص‪ff‬اص باجله‪ff‬ة ي‪f‬وجب‬
‫التقدير لكان العرض مقدرًا‪ ،‬قلنا‪ :‬العرض ليس يف جهة بنفسه‪ ،‬بل بتبعيته للجوهر فال جرم هو أيضًا مقدر‬
‫بالتبعي ‪ff‬ة‪ .‬فإن ‪ff‬ا نعلم أن ‪ff‬ه ال توج ‪ff‬د عش ‪ff‬رة أع ‪ff‬راض إال يف عش ‪ff‬رة ج ‪ff‬واهر‪ ،‬وال يتص ‪ff‬ور أن يك ‪ff‬ون يف عش ‪ff‬رين‪،‬‬
‫فتق‪f‬دير األع‪f‬راض عش‪f‬رة الزم بطري‪f‬ق التبعي‪f‬ة لتق‪f‬دير اجلواهر‪ ،‬كم‪f‬ا ل‪f‬زم كون‪f‬ه جبه‪f‬ة بطري‪f‬ق التبعي‪f‬ة‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪:‬‬
‫فإن مل يكن خمصوصًا جبهة فوق‪ ،‬فما بال الوج‪f‬وه واألي‪f‬دي ترف‪f‬ع إىل الس‪f‬ماء يف األدعي‪f‬ة ش‪f‬رعًا وطبع‪ًf‬ا‪ ،‬وم‪f‬ا‬
‫بال ‪ff‬ه ص ‪ff‬لى اهلل علي ‪ff‬ه وس ‪ff‬لم ق ‪ff‬ال للجاري ‪ff‬ة ال ‪ff‬يت قص ‪ff‬د إعتاقه ‪ff‬ا ف ‪ff‬أراد أن يس ‪ff‬تيقن إمياهنا أين اهلل فأش ‪ff‬ارت إىل‬
‫السماء فقال إهنا مؤمن‪f‬ة ؟ ف‪f‬اجلواب عن األول أن ه‪f‬ذا يض‪f‬اهي ق‪f‬ول القائ‪f‬ل‪ :‬إن مل يكن اهلل تع‪f‬اىل يف الكعب‪f‬ة‬
‫وه‪ff‬و بيت‪ff‬ه فم‪ff‬ا بالن‪ff‬ا حنج‪ff‬ه ون‪ff‬زوره‪ ،‬وم‪ff‬ا بالن‪ff‬ا نس‪ff‬تقبله يف الص‪ff‬الة ؟ وإن مل يكن يف األرض‪ ،‬فم‪ff‬ا بالن‪ff‬ا نت‪ff‬ذلل‬
‫بوضع وجوهنا على األرض يف السجود ؟ وهذا هذيان‪ .‬بل يقال‪ :‬قص‪f‬د الش‪f‬رع من تعب‪f‬د اخلل‪f‬ق بالكعب‪f‬ة يف‬
‫الص‪ff‬الة مالزم‪ff‬ة الثب‪ff‬وت يف جه‪ff‬ة واح‪ff‬دة‪ ،‬ف‪ff‬إن ذل‪ff‬ك ال حمال‪ff‬ة أق‪ff‬رب إىل اخلش‪ff‬وع وحض‪ff‬ور القلب من ال‪ff‬رتدد‬
‫على اجله‪ff f‬ات‪ ،‬مث ملا ك‪ff f‬انت اجله‪ff f‬ات متس‪ff f‬اوية من حيث إمك‪ff f‬ان االس‪ff f‬تقبال خص‪ff f‬ص اهلل بقع‪ff f‬ة خمصوص‪ff f‬ة‬
‫بالتش ‪ff‬ريف والتعظيم وش ‪ff‬رفها باإلض ‪ff‬افة إىل نفس ‪ff‬ه واس ‪ff‬تمال القل ‪ff‬وب إليه ‪ff‬ا بتش ‪ff‬ريفه لي ‪ff‬ثيب على اس ‪ff‬تقباهلا‪،‬‬
‫فك‪ff‬ذلك الس‪ff‬ماء قبل‪ff‬ة ال‪ff‬دعاء‪ ،‬كم‪ff‬ا أن ال‪ff‬بيت قبل‪ff‬ة الص‪ff‬الة‪ ،‬واملعب‪ff‬ود بالص‪ff‬الة واملقص‪ff‬ود بال‪ff‬دعاء م‪ff‬نزه عن‬
‫احللول يف البيت والسماء مث يف االش‪f‬ارة بال‪f‬دعاء إىل الس‪f‬ماء س‪f‬ر لطي‪f‬ف يع‪f‬ز من يتنب‪f‬ه ألمثال‪f‬ه‪ ،‬وه‪f‬و أن جناة‬
‫العبد وفوزه يف اآلخرة‪ ،‬بأن يتواضع هلل تعاىل ويعتق‪ff‬د التعظيم لرب‪f‬ه‪ ،‬والتواض‪ff‬ع والتعظيم عم‪f‬ل القلب‪ ،‬وآلت‪f‬ه‬
‫العق‪ff‬ل‪ .‬واجلوارح إمنا اس‪f‬تعملت لتطه‪ff‬ري القلب وتزكيت‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن القلب خل‪f‬ق خلق‪ff‬ه يت‪f‬أثر باملواظب‪f‬ة على أعم‪f‬ال‬
‫اجلوارح‪ ،‬كم ‪ff‬ا خلقت اجلوارح مت ‪ff‬أثرة ملعتق ‪ff‬دات القل ‪ff‬وب‪ ،‬وملا ك ‪ff‬ان املقص ‪ff‬ود أن يتواض ‪ff‬ع يف نفس ‪ff‬ه بعقل ‪ff‬ه‬
‫وقلبه‪ ،‬بأن يعرف قدره ليعرف خبسة رتبته يف الوجود جلالل اهلل تعاىل وعلوه‪ ،‬وك‪ff‬ان من أعظم األدل‪ff‬ة على‬
‫خس‪f‬ته املوجب‪f‬ة لتواض‪ff‬عه أن‪f‬ه خمل‪f‬وق من ت‪f‬راب‪ ،‬كل‪f‬ف أن يض‪ff‬ع على ال‪f‬رتاب‪ ،‬ال‪f‬ذي ه‪ff‬و أذل األش‪f‬ياء‪ ،‬وجه‪ff‬ه‬
‫الذي هو أعز األعضاء‪ ،‬ليستش‪f‬عر قلب‪f‬ه التواض‪f‬ع بفع‪f‬ل اجلبه‪f‬ة يف مماس‪f‬تها األرض‪ ،‬فيك‪f‬ون الب‪f‬دن متواض‪f‬عًا يف‬
‫جسمه وشخصه وصورته بالوجه املمكن فيه وهو معانق‪ff‬ة ال‪f‬رتاب الوض‪ff‬يع اخلس‪f‬يس ويك‪f‬ون العق‪ff‬ل متواض‪ff‬عًا‬
‫لرب‪f‬ه مبا يلي‪f‬ق ب‪f‬ه‪ ،‬وه‪f‬و معرف‪f‬ة الض‪f‬عة وس‪f‬قوط الرتب‪f‬ة وخس‪f‬ة املنزل‪f‬ة عن‪f‬د االلتف‪f‬ات إىل م‪f‬ا خل‪f‬ق من‪f‬ه‪ .‬فك‪f‬ذلك‬
‫التعظيم هلل تعاىل وضيعة على القلب فيه‪ff‬ا جنات‪f‬ه‪ ،‬وذل‪f‬ك أيض‪ًf‬ا ينبغي أن تش‪f‬رتك في‪f‬ه اجلوارح‪ ،‬وبالق‪ff‬در ال‪f‬ذي‬
‫ميكن ‪ff‬ه أن حتم‪ff f‬ل اجلوارح‪ ،‬وتعظيم القلب باإلش ‪ff‬ارة إىل عل ‪ff‬و الرتب ‪ff‬ة على طري ‪ff‬ق املعرف ‪ff‬ة واالعتق‪ff f‬اد وتعظيم‬
‫اجلوارح باإلشارة إىل جهة العلو الذي هو أعلى اجلهات وأرفعها يف االعتق‪f‬ادات؛ ف‪f‬إن غاي‪f‬ة تعظيم اجلارح‪f‬ة‬
‫اس ‪ff‬تعماهلا يف اجله ‪ff‬ات‪ ،‬ح ‪ff‬ىت أن من املعت ‪ff‬اد املفه ‪ff‬وم يف احملاورات أن يفص ‪ff‬ح اإلنس ‪ff‬ان عن عل ‪ff‬و رتب ‪ff‬ة غ ‪ff‬ريه‬
‫وعظيم واليته فيقول‪ :‬أمره يف السماء السابعة‪ ،‬وهو إمنا ينب‪f‬ه على عل‪f‬و الرتب‪f‬ة ولكن يس‪f‬تعري ل‪f‬ه عل‪f‬و املك‪f‬ان‪،‬‬
‫وق ‪ff‬د يش ‪ff‬ري برأس ‪ff‬ه إىل الس ‪ff‬ماء يف تعظيم من يري ‪ff‬د تعظيم أم ‪ff‬ره‪ ،‬أي أم ‪ff‬ره يف الس ‪ff‬ماء‪ ،‬أي يف العل ‪ff‬و وتك ‪ff‬ون‬
‫الس‪ff‬ماء عب‪ff‬ارة عن العل‪ff‬و‪ ،‬ف‪ff‬انظر كي‪ff‬ف تلط‪ff‬ف الش‪ff‬رع بقل‪ff‬وب اخلل‪ff‬ق وج‪ff‬وارحهم يف س‪ff‬ياقهم إىل تعظيم اهلل‬
‫وكي ‪ff‬ف جه ‪ff‬ل من قلت بص ‪ff‬ريته ومل يلتفت إال إىل ظ ‪ff‬واهر اجلوارح واألجس ‪ff‬ام وغف ‪ff‬ل عن أس ‪ff‬رار القل ‪ff‬وب‬
‫واس ‪ff‬تغنائها يف التعظيم عن تق ‪ff‬دير اجله ‪ff‬ات‪ ،‬وظن أن األص ‪ff‬ل م ‪ff‬ا يش ‪ff‬ار إلي ‪ff‬ه ب ‪ff‬اجلوارح ومل يع ‪ff‬رف أن املظن ‪ff‬ة‬
‫األوىل لتعظيم القلب وأن تعظيم‪ff‬ه باعتق‪ff‬اد عل‪ff‬و الرتب‪ff‬ة ال باعتق‪ff‬اد عل‪ff‬و املك‪ff‬ان‪ ،‬وأن اجلوارح يف ذل‪ff‬ك خ‪ff‬دم‬
‫وأتب ‪ff‬اع خيدمون القلب على املوافق ‪ff‬ة يف التعظيم بق ‪ff‬در املمكن فيه ‪ff‬ا‪ ،‬وال ميكن يف اجلوارح إال اإلش ‪ff‬ارة إىل‬
‫اجلهات‪ ،‬فهذا هو السر يف رفع الوج‪f‬وه إىل الس‪f‬ماء عن‪f‬د قص‪f‬د التعظيم‪ ،‬ويض‪f‬اف إلي‪f‬ه عن‪f‬د ال‪f‬دعاء أم‪f‬ر آخ‪f‬ر‬
‫وه ‪ff‬و أن ال ‪ff‬دعاء ال ينف ‪ff‬ك عن س ‪ff‬ؤال نعم ‪ff‬ة من نعم اهلل تع ‪ff‬اىل‪ ،‬وخ ‪ff‬زائن نعم ‪ff‬ه الس ‪ff‬موات‪ ،‬وخ ‪ff‬زان أرزاق ‪ff‬ه‬
‫املالئكة ومقرهم ملكوت السموات وهم املوكلون باألرزاق‪ .‬وقد قال اهلل تعاىل‪" :‬ويف السماء رزقكم وما‬
‫توعدون"‪ .‬والطبع يتقاضى اإلقب‪f‬ال بالوج‪f‬ه على اخلزان‪f‬ة ال‪f‬يت هي مق‪f‬ر ال‪f‬رزق املطل‪f‬وب‪ ،‬فطالب األرزاق من‬
‫املل ‪ff‬وك إذا أخ ‪ff‬ربوا بتفرق ‪ff‬ة األرزاق على ب ‪ff‬اب اخلزان ‪ff‬ة م ‪ff‬الت وج ‪ff‬وههم وقل ‪ff‬وهبم إىل جه ‪ff‬ة اخلزان ‪ff‬ة‪ ،‬وإن مل‬
‫يعتقدوا أن امللك يف اخلزانة فهذا ه‪f‬و حمرك وج‪f‬وه أرب‪f‬اب ال‪f‬دين إىل جه‪f‬ة الس‪f‬ماء طبع‪ًf‬ا وش‪f‬رعًا‪ .‬فأم‪f‬ا الع‪f‬وام‬
‫فقد يعتقدون أن معبودهم يف السماء‪ ،‬فيكون ذلك أحد أس‪f‬باب إش‪f‬اراهتم‪ ،‬تع‪ff‬اىل رب األرب‪f‬اب عم‪f‬ا اعتق‪ff‬د‬
‫الزائغون علوًا كبري‪ .‬وأما حكمه صلوات اهلل عليه باإلميان للجارية ملا أشارت إىل السماء‪ ،‬فقد انكشف ب‪ff‬ه‬
‫أيض‪ًf‬ا إذ ظه‪ff‬ر أن ال س‪ff‬بيل لألخ‪ff‬رس إىل تفهم عل‪ff‬و املرتب‪ff‬ة إال باإلش‪ff‬ارة إىل جه‪ff‬ة العل‪ff‬و‪ ،‬فق‪ff‬د ك‪ff‬انت خرس‪ff‬اء‬
‫كم ‪ff‬ا حكي‪ ،‬وق ‪ff‬د ك ‪ff‬ان يظن هبا أهنا من عب ‪ff‬دة األوث ‪ff‬ان‪ ،‬ومن يعتق ‪ff‬د ال ‪ff‬ه يف بيت األص ‪ff‬نام فاس ‪ff‬تنطقت عن‬
‫معتق‪ff‬دها فع‪ff‬رفت باإلش‪ff‬ارة إىل الس‪ff‬ماء أن معبوده‪ff‬ا ليس يف بي‪ff‬وت األص‪ff‬نام كم‪ff‬ا يعتق‪ff‬دوه أولئ‪ff‬ك‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‬
‫فنفي اجله ‪ff‬ة ي ‪ff‬ؤدي إىل احملال‪ ،‬وه ‪ff‬و إثب ‪ff‬ات موج ‪ff‬ود ختل ‪ff‬و عن ‪ff‬ه اجله ‪ff‬ات الس ‪ff‬ت ويك ‪ff‬ون ال داخ ‪ff‬ل الع ‪ff‬امل وال‬
‫خارجه وال متصًال به‪ ،‬وال منفصًال عنه‪ ،‬وذل‪f‬ك حمال‪ ،‬قلن‪f‬ا‪ :‬مس‪f‬لم أن ك‪f‬ل موج‪f‬ود يقب‪f‬ل االتص‪f‬ال فوج‪f‬وده‬
‫ال متص‪ًf‬ال وال منفص‪ًf‬ال حمال‪ ،‬وإن ك‪f‬ان موج‪f‬ود يقب‪f‬ل االختص‪f‬اص باجله‪f‬ة فوج‪f‬وده م‪f‬ع خل‪f‬و اجله‪f‬ات الس‪f‬ت‬
‫عنه حمال‪ ،‬فإما موج‪f‬ود ال يقب‪f‬ل االتص‪f‬ال‪ ،‬وال االختص‪f‬اص باجله‪f‬ة فخل‪f‬و عن ط‪f‬ريف النقيض غ‪f‬ري حمال‪ ،‬وه‪f‬و‬
‫كقول القائل يستحيل موج‪f‬ود ال يك‪f‬ون ع‪f‬اجزًا وال ق‪f‬ادرًا وال عاملًا وال ج‪f‬اهًال ف‪f‬إن أح‪f‬د املتض‪f‬ادين ال خيل‪f‬و‬
‫الش‪f‬يء عن‪f‬ه‪ ،‬فيق‪f‬ال ل‪f‬ه إن ك‪f‬ان ذل‪f‬ك الش‪f‬يء ق‪f‬ابًال للمتض‪f‬ادين فيس‪f‬تحيل خل‪f‬وه عنهم‪f‬ا وأم‪f‬ا اجلم‪f‬اد ال‪f‬ذي ال‬
‫يقب‪ff‬ل واح‪ff‬دًا منهم‪ff‬ا ألن‪ff‬ه فق‪ff‬د ش‪ff‬رطهما وه‪ff‬و احلي‪ff‬اة‪ ،‬فخل‪ff‬وه عنهم‪ff‬ا ليس مبح‪ff‬ال‪ .‬فك‪ff‬ذلك ش‪ff‬رط االتص‪ff‬ال‬
‫واالختصاص باجلهات التحيز والقيام باملتحيز‪ .‬فإذا فقد هذا مل يستحل اخللق عن متض‪ff‬ادته فرج‪f‬ع النظ‪f‬ر إذًا‬
‫إىل أن موجودًا ليس مبتحيز‪ ،‬وال هو يف متحيز‪ ،‬بل هو فاقد شرط االتصال‪ ،‬واالختص‪ff‬اص ه‪ff‬ل ه‪ff‬و حمال أم‬
‫ال ؟ فإن زعم اخلصم أن ذلك حمال وجوده فقد دللنا عليه بأنه مهم‪f‬ا ب‪f‬ان‪ ،‬أن ك‪f‬ل متح‪f‬يز ح‪f‬ادث وأن ك‪f‬ل‬
‫حادث يفتقر إىل فاعل ليس حبادث فقد لزم بالضرورة من هاتني املق‪f‬دمتني ثب‪f‬وت موج‪f‬ود ليس مبتح‪f‬يز‪ .‬أم‪f‬ا‬
‫األص‪ff‬الن فق‪ff‬د أتبتنامها وأم‪ff‬ا ال‪ff‬دعوى الالزم‪ff‬ة منهم‪ff‬ا فال س‪ff‬بيل إىل جح‪ff‬دها م‪ff‬ع اإلق‪ff‬رار باألص‪ff‬لني‪ .‬ف‪ff‬إن ق‪ff‬ال‬
‫اخلصم إن مثل هذا املوجود الذي ساق دليلكم إىل إثباته غري مفهوم‪ ،‬فيقال له م‪f‬ا ال‪f‬ذي أردت بقول‪f‬ك غ‪f‬ري‬
‫مفهوم فإن أردت به أنه غري متخيل وال متصور وال داخل يف الوهم فقد صدقت‪ ،‬فإن‪ff‬ه ال ي‪ff‬دخل يف ال‪ff‬وهم‬
‫والتصور واخليال إال جسم له لون وقدر‪ ،‬فاملنفك عن اللون والقدر ال يتصوره اخليال‪ ،‬فإن اخلي‪ff‬ال ق‪ff‬د أنس‬
‫باملبص‪ff‬رات فال يت‪ff‬وهم الش‪ff‬يء إال على وف‪ff‬ق م‪ff‬رآه وال يس‪ff‬تطيع أن يت‪ff‬وهم م‪ff‬ا ال يوافق‪ff‬ه‪ .‬وإن أراد اخلص‪ff‬م أن‪ff‬ه‬
‫ليس مبعق‪ff‬ول‪ ،‬أي ليس مبعل‪ff‬وم ب‪ff‬دليل العق‪ff‬ل فه‪ff‬و حماذ إذا ق‪ff‬دمنا ال‪ff‬دليل على ثبوت‪ff‬ه وال مع‪ff‬ىن للمعق‪ff‬ول إال م‪ff‬ا‬
‫اض ‪ff‬طر العق ‪ff‬ل إىل األذع ‪ff‬ان للتص ‪ff‬ديق ب ‪ff‬ه مبوجب ال ‪ff‬دليل ال ‪ff‬ذي ال ميكن خمالفت ‪ff‬ه‪ .‬وق ‪ff‬د حتق ‪ff‬ق ه ‪ff‬ذا‪ ،‬ف ‪ff‬إن ق ‪ff‬ال‬
‫اخلصم فما ال يتص‪f‬ور يف اخلي‪f‬ال ال وج‪f‬ود ل‪f‬ه‪ ،‬فلنحكم ب‪f‬أن اخلي‪f‬ال ال وج‪f‬ود ل‪f‬ه يف نفس‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن اخلي‪f‬ال نفس‪f‬ه‬
‫ال ي‪ff‬دخل يف اخلي‪ff‬ال والرؤي‪ff‬ة ال ت‪ff‬دخل يف اخلي‪ff‬ال وك‪ff‬ذلك العلم والق‪ff‬درة‪ ،‬وك‪ff‬ذلك الص‪ff‬وت والرائح‪ff‬ة ول‪ff‬و‬
‫كلف الوهم أن يتحقق ذاتًا للص‪f‬وت لق‪f‬در ل‪f‬ه لون‪ًf‬ا ومق‪f‬دارًا وتص‪f‬وره ك‪f‬ذلك‪ .‬وهك‪f‬ذا مجي‪f‬ع أح‪f‬وال النفس‪،‬‬
‫من اخلج‪ff‬ل والوج‪ff‬ل والفس‪ff‬ق والغض‪ff‬ب والف‪ff‬رح واحلزن والعجب‪ ،‬فمن ي‪ff‬درك بالض‪ff‬رورة ه‪ff‬ذه األح‪ff‬وال من‬
‫نفس‪ff‬ه ويس‪ff‬وم خيال‪ff‬ه أن يتحق‪ff‬ق ذات ه‪ff‬ذه األح‪ff‬وال فنج‪ff‬ده يقص‪ff‬ر عن‪ff‬ه إال بتق‪ff‬دير خط‪ff‬أ مث ينك‪ff‬ر بع‪ff‬د ذل‪ff‬ك‬
‫وجود موجود ال يدخل يف خياله فهذا سبيل كشف الغطاء عن املسألة‪ .‬وقد جاوزنا حد االختص‪ff‬ار ولكن‬
‫املعتق‪ff f‬دات املختص‪ff f‬رة يف ه‪ff f‬ذا الفن أراه‪ff f‬ا مش‪ff f‬تملة على االطن‪ff f‬اب يف الواض‪ff f‬حات والش‪ff f‬روع يف الزي‪ff f‬ادات‬
‫اخلارج‪ff‬ة عن املهم‪ff‬ات م‪ff‬ع التس‪ff‬اهل يف مض‪ff‬ايق االش‪ff‬كاالت ف‪ff‬رأيت نق‪ff‬ل االطن‪ff‬اب من مك‪ff‬ان الوض‪ff‬وح‪ ،‬إىل‬
‫مواقع الغموض أهم وأوىل‪.‬‬
‫ال‪ff‬دعوى الثامن‪ff‬ة‪ :‬ن‪ff‬دعي أن اهلل تع‪ff‬اىل م‪ff‬نزه عن أن يوص‪ff‬ف باالس‪ff‬تقرار على الع‪ff‬رش‪ ،‬ف‪ff‬إن ك‪ff‬ل متمكن على‬
‫جسم ومستقر عليه مقدر ال حمالة فإنه أم‪f‬ا أن يك‪f‬ون أك‪f‬رب من‪f‬ه أو أص‪f‬غر أو مس‪f‬اويًا وك‪f‬ل ذل‪f‬ك ال خيل‪f‬و عن‬
‫التق ‪ff‬دير‪ ،‬وأن ‪ff‬ه ل ‪ff‬و ج ‪ff‬از أن مياس ‪ff‬ه جس ‪ff‬م من ه ‪ff‬ذه اجله ‪ff‬ة جلاز أن مياس ‪ff‬ه من س ‪ff‬ائر اجله ‪ff‬ات فيص ‪ff‬ري حماط ‪ًf‬ا ب ‪ff‬ه‬
‫واخلص‪f‬م ال يعتق‪f‬د ذل‪f‬ك حبال وه‪f‬و الزم على مذهب‪f‬ه بالض‪f‬رورة‪ ،‬وعلى اجلمل‪f‬ة يس‪f‬تقر على اجلس‪f‬م إال جس‪f‬م‬
‫وال حيل فيه إال ع‪f‬رض وق‪f‬د ب‪f‬ان أن‪f‬ه تع‪f‬اىل ليس جبس‪f‬م وال ع‪f‬رض‪ ،‬فال حيت‪f‬اج إىل إق‪f‬ران ه‪f‬ذه ال‪f‬دعوى بإقام‪f‬ة‬
‫الربهان‪ .‬فإن قيل فما معىن قوله تعاىل‪" :‬الرمحن على العرش اس‪f‬توى" ؟ وم‪f‬ا مع‪f‬ىن قول‪f‬ه علي‪f‬ه الس‪f‬الم‪" :‬ي‪f‬نزل‬
‫الّله كل ليلة إىل الس‪f‬ماء ال‪f‬دنيا" قلن‪f‬ا الكالم على الظ‪f‬واهر ال‪f‬واردة يف ه‪f‬ذا الب‪f‬اب طوي‪f‬ل ولكن ن‪f‬ذكر منهج‪ًf‬ا‬
‫يف ه‪ff‬ذين الظ‪ff‬اهرين يرش‪ff‬د إىل م‪ff‬ا ع‪ff‬داه وه‪ff‬و أن‪ff‬ا نق‪ff‬ول‪ :‬الن‪ff‬اس يف ه‪ff‬ذا فريق‪ff‬ان ع‪ff‬وام وعلم‪ff‬اء‪ ،‬وال‪ff‬ذي ن‪ff‬راه‬
‫الالئق بعوام اخللق أن ال خياض هبم يف هذه التأويالت بل ننزع عن عقائدهم كل م‪ff‬ا ي‪f‬وجب التش‪f‬بيه وي‪f‬دل‬
‫على احلدوث وحنق‪ff‬ق عن‪ff‬دهم أن‪ff‬ه موج‪ff‬ود ليس كمثل‪ff‬ه ش‪ff‬يء‪ ،‬وه‪ff‬و الس‪ff‬ميع البص‪ff‬ري‪ ،‬وإذا س‪ff‬ألوا عن مع‪ff‬اين‬
‫هذه اآليات زجروا عنه‪f‬ا‪ ،‬وقي‪f‬ل ليس ه‪f‬ذا بعش‪f‬كم ف‪f‬ادرجوا فلك‪f‬ل علم رج‪f‬ال‪ .‬وجياب مبا أج‪f‬اب ب‪f‬ه مال‪f‬ك‬
‫بن أنس رض‪ff‬ي اهلل عن‪ff‬ه‪ ،‬بعض الس‪ff‬لف حيث س‪ff‬ئل عن االس‪ff‬تواء‪ ،‬فق‪ff‬ال‪ :‬االس‪ff‬تواء معل‪ff‬وم والكيفي‪ff‬ة جمهول‪ff‬ة‪،‬‬
‫والس‪ff‬ؤال عن‪ff‬ه بدع‪ff‬ة‪ ،‬واالميان ب‪ff‬ه واجب‪ ،‬وه‪ff‬ذا ألن عق‪ff‬ول الع‪ff‬وام ال تتس‪ff‬ع لقب‪ff‬ول املعق‪ff‬والت وال إح‪ff‬اطتهم‬
‫باللغات وال تتسع لفهم توسيعات العرب يف االستعارات‪ .‬وأم‪f‬ا العلم‪f‬اء ف‪f‬الالئق هبم تعري‪f‬ف ذل‪f‬ك وتفهم‪f‬ه‪،‬‬
‫ولس‪ff‬ت أق‪ff‬ول أن ذل‪ff‬ك ف‪ff‬رض عني إذ مل ي‪ff‬رد ب‪ff‬ه تكلي‪ff‬ف ب‪ff‬ل التكلي‪ff‬ف التنزي‪ff‬ه عن ك‪ff‬ل م‪ff‬ا تش‪ff‬بهه بغ‪ff‬ريه‪ .‬فأم‪ff‬ا‬
‫مع ‪ff‬اين الق ‪ff‬رآن‪ ،‬فلم يكل ‪ff‬ف األعي ‪ff‬ان فهم مجيعه ‪ff‬ا أص‪ًf f‬ال ولكن لس ‪ff‬نا نرتض ‪ff‬ي ق ‪ff‬ول من يق ‪ff‬ول‪ ،‬أن ذل ‪ff‬ك من‬
‫املتش‪ff‬اهبات كح‪ff‬روف أوائ‪ff‬ل الس‪ff‬ور‪ ،‬ف‪ff‬إن ح‪ff‬روف أوائ‪ff‬ل الس‪ff‬ور ليس‪ff‬ت موض‪ff‬وعة باص‪ff‬طالح س‪ff‬ابق للع‪ff‬رب‬
‫للداللة على املعاين‪ ،‬ومن نطق حبروف وهن كلمات مل يصطلح عليها‪ ،‬فواجب أن يكون معن‪f‬اه جمه‪f‬وًال إال‬
‫أن يعرف ما أردته‪ ،‬فإذا ذكره ص‪f‬ارت تل‪f‬ك احلروف كاللغ‪f‬ة املخرتع‪f‬ة من جهت‪f‬ه‪ .‬وأم‪f‬ا قول‪f‬ه ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه‬
‫وسلم‪" :‬ينزل الّله تعاىل إىل السماء الدنيا"‪ ،‬فلفظ مفهوم ذكر للتفهم وعلم أنه يس‪f‬بق إىل اإلفه‪ff‬ام من‪f‬ه املع‪ff‬ىن‬
‫الذي وضع له أو املعىن الذي يستعار‪ ،‬فكيف يقال إنه متش‪f‬ابه ب‪f‬ل ه‪f‬و خمي‪f‬ل مع‪f‬ىن خط‪f‬أ عن‪f‬د اجلاه‪f‬ل ومفهم‬
‫مع‪ff‬ىن ص‪ff‬حيحًا عن‪ff‬د الع‪ff‬امل‪ ،‬وه‪ff‬و كقول‪ff‬ه تع‪ff‬اىل‪" :‬وه‪ff‬و معكم أينم‪ff‬ا كنتم"‪ .‬فإن‪ff‬ه خيي‪ff‬ل عن‪ff‬د اجلاه‪ff‬ل اجتماع ‪ًf‬ا‬
‫مناقصًا لكونه على العرش‪ ،‬وعند العامل يفهم أنه مع الكل باالحاطة والعلم‪ ،‬وكقوله صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫"قلب املؤمن بني أص‪ff‬بعني من أص‪ff‬ابع ال‪ff‬رمحن"‪ ،‬فإن‪ff‬ه عن‪ff‬د اجلاه‪ff‬ل خيي‪ff‬ل عض‪ff‬وين مرك‪ff‬بني من اللحم والعظم‬
‫والعصب مشتملني على األنامل واألظفار‪ ،‬نابتني من الكف‪ ،‬وعن‪f‬د الع‪f‬امل ي‪f‬دل على املع‪f‬ىن املس‪f‬تعار ل‪f‬ه دون‬
‫املوضوع له وه‪f‬و م‪f‬ا ك‪f‬ان االص‪f‬بع ل‪f‬ه‪ ،‬وك‪f‬ان س‪f‬ر االص‪f‬بع وروح‪f‬ه وحقيقت‪f‬ه وه‪f‬و الق‪f‬درة على التقليب كم‪f‬ا‬
‫يشاء‪ ،‬كما دلت املعية عليه يف قوله وهو معكم على ما تراد املعية له وهو العلم واالحاط‪ff‬ة ولكن من ش‪ff‬ائع‬
‫عب‪ff‬ارات الع‪ff‬رب العب‪ff‬ارة بالس‪ff‬بب عن املس‪ff‬بب‪ ،‬واس‪ff‬تعارة الس‪ff‬بب للمس‪ff‬تعار من‪ff‬ه وكقول‪ff‬ه تع‪ff‬اىل‪" :‬من تق‪َّf‬ر ب‬
‫إَّيل ش‪ff‬ربًا تق‪ff‬ربت إلي‪ff‬ه ذراع‪ًf‬ا ومن أت‪ff‬اين مبش‪ff‬ي أتيت‪ff‬ه هبرول‪ff‬ة" ف‪ff‬إن اهلرول‪ff‬ة عن‪ff‬د اجلاه‪ff‬ل ت‪ff‬دل على نق‪ff‬ل األق‪ff‬دام‬
‫وش‪f‬دة الع‪f‬دو وك‪f‬ذا االتي‪f‬ان ي‪f‬دل على الق‪f‬رب يف املس‪f‬افة‪.‬؟ وعن‪f‬د العاق‪f‬ل ي‪f‬دل على املع‪f‬ىن املطل‪f‬وب من ق‪f‬رب‬
‫املس ‪ff‬افة بني الن ‪ff‬اس وه ‪ff‬و ق ‪ff‬رب الكرام ‪ff‬ة واالنع ‪ff‬ام وإن معن ‪ff‬اه أن رمحيت ونعم ‪ff‬يت أش ‪ff‬د انص ‪ff‬بابًا إىل عب ‪ff‬ادي من‬
‫طاعتهم إيل وهو كما قال‪" :‬لقد ط‪f‬ال ش‪f‬وق األب‪f‬رار إىل لق‪f‬ائي وأن‪f‬ا إىل لق‪f‬ائهم ألش‪f‬د ش‪f‬وقًا" تع‪f‬اىل اهلل عم‪f‬ا‬
‫يفهم من مع ‪ff‬ىن لف ‪ff‬ظ الش ‪ff‬وق بالوض ‪ff‬ع ال ‪ff‬ذي ه ‪ff‬و ن ‪ff‬وع أمل وحاج ‪ff‬ة إىل اس ‪ff‬رتاحة‪ ،‬وه ‪ff‬و عني النقص ولكن‬
‫الش ‪ff‬وق س ‪ff‬بب لقب ‪ff‬ول املش ‪ff‬تاق إلي ‪ff‬ه واإلقب ‪ff‬ال علي ‪ff‬ه وإفاض ‪ff‬ة النعم ‪ff‬ة لدي ‪ff‬ه فع ‪ff‬رب ب ‪ff‬ه عن املس ‪ff‬بب‪ ،‬وكم ‪ff‬ا ع ‪ff‬رب‬
‫بالغضب والرضى عن إرادة الثواب والعقاب الذين مها مثرتا الغض‪ff‬ب والرض‪ff‬ى ومس‪f‬بباه يف الع‪ff‬ادة‪ .‬وك‪f‬ذا ملا‬
‫قال يف احلجر األسود إن‪f‬ه ميني اهلل يف األرض يظن اجلاه‪f‬ل ان‪f‬ه أراد ب‪f‬ه اليمني املقاب‪f‬ل للش‪f‬مال ال‪f‬يت هي عض‪f‬و‬
‫م ‪ff‬ركب من حلم ودم وعظم منقس ‪ff‬م خبمس ‪ff‬ة أص ‪ff‬ابع‪ ،‬مث إن ‪ff‬ه إن فتح بص ‪ff‬ريته علم أن ‪ff‬ه ك ‪ff‬ان على الع ‪ff‬رش وال‬
‫يك ‪ff‬ون ميين ‪ff‬ه يف الكعب ‪ff‬ة مث ال يك ‪ff‬ون حج ‪ff‬رًا أس ‪ff‬ود في ‪ff‬درك ب ‪ff‬أدىن مس ‪ff‬كة أن ‪ff‬ه اس ‪ff‬تعري للمص ‪ff‬افحة‪ ،‬فإن ‪ff‬ه ي ‪ff‬ؤمر‬
‫باستالم احلجر وتقبيله كما يؤمر بتقبي‪f‬ل ميني املل‪f‬ك‪ ،‬فاس‪f‬تعري اللف‪f‬ظ ل‪f‬ذلك‪ .‬والكام‪f‬ل العق‪f‬ل البص‪f‬ري ال تعظم‬
‫عن‪ff‬ده ه‪ff‬ذه األم‪ff‬ور‪ ،‬ب‪ff‬ل يفهم معانيه‪ff‬ا على البديه‪ff‬ة‪ ،‬فل‪ff‬نرجع إىل مع‪ff‬ىن االس‪ff‬تواء وال‪ff‬نزول؛ أم‪ff‬ا االس‪ff‬تواء فه‪ff‬و‬
‫نسبه للعرش ال حمال‪f‬ة‪ ،‬وال ميكن أن يك‪f‬ون للع‪f‬رش إلي‪f‬ه نس‪f‬بة إال بكون‪f‬ه معلوم‪ًf‬ا‪ ،‬أو م‪f‬رادًا‪ ،‬أو مق‪f‬دورًا علي‪f‬ه‪،‬‬
‫أو حمًال مثل حمل العرض‪ ،‬أو مكانًا مثل مس‪f‬تقر اجلس‪f‬م‪ .‬ولكن بعض ه‪f‬ذه النس‪f‬بة تس‪f‬تحيل عقًال وبعض‪f‬ها ال‬
‫يصلح اللفظ لالستعارة به له‪ ،‬فإن كان يف مجلة هذه النسبة‪ ،‬م‪f‬ع أن‪f‬ه ال نس‪f‬بة س‪f‬واها‪ ،‬نس‪f‬بة ال خييله‪f‬ا العق‪f‬ل‬
‫وال ينب ‪ff‬و عنه ‪ff‬ا اللف ‪ff‬ظ‪ ،‬فليعلم أهنا املراد إم ‪ff‬ا كون ‪ff‬ه مكان ‪ًf‬ا أو حمًال‪ ،‬كم ‪ff‬ا ك ‪ff‬ان للج ‪ff‬وهر والع ‪ff‬رض‪ ،‬إذًا اللف ‪ff‬ظ‬
‫يص‪f‬لح ل‪f‬ه ولكن العق‪f‬ل خييل‪f‬ه كم‪f‬ا س‪f‬بق‪ ،‬وإم‪f‬ا كون‪f‬ه معلوم‪ًf‬ا وم‪f‬رادًا فالعق‪f‬ل ال خييل‪f‬ه‪ ،‬ولكن اللف‪f‬ظ ال يص‪f‬لح‬
‫له‪ ،‬وإما كونه مقدورًا عليه وواقعًا يف قبضة القدرة ومسخرًا له مع أن‪f‬ه أعظم املق‪ff‬دورات ويص‪ff‬لح االس‪f‬تيالء‬
‫عليه ألن ميتدح به وينبه به على غ‪f‬ريه ال‪f‬ذي ه‪f‬و دون‪f‬ه يف العظم‪ ،‬فه‪f‬ذا مما ال خييل‪f‬ه العق‪f‬ل ويص‪f‬لح ل‪f‬ه اللف‪f‬ظ‪،‬‬
‫فأخلق بأن يكون هو املراد قطعًا‪ ،‬أما صالح اللفظ له فظ‪f‬اهر عن‪f‬د اخلب‪f‬ري بلس‪f‬ان الع‪f‬رب‪ ،‬وإمنا ينب‪f‬و عن فهم‬
‫مث‪ff‬ل ه‪ff‬ذا أفه‪ff‬ام املتطفلني على لغ‪ff‬ة الع‪ff‬رب الن‪ff‬اظرين إليه‪ff‬ا من بع‪ff‬د امللتف‪ff‬تني إليه‪ff‬ا التف‪ff‬ات الع‪ff‬رب إىل لس‪ff‬ان‬
‫الرتك حيث مل يتعلموا منها إال أوائله‪f‬ا‪ ،‬فمن املستحس‪f‬ن يف اللغ‪f‬ة أن يق‪f‬ال اس‪f‬توى األم‪f‬ري على مملكت‪f‬ه‪ ،‬ح‪f‬ىت‬
‫قال الشاعر‪ :‬قد استوى بشري على العراق=من غري سيف ودم مهراق ول‪ff‬ذلك ق‪ff‬ال بعض الس‪ff‬لف رض‪ff‬ي اهلل‬
‫عنهم‪ :‬يفهم من قول ‪ff‬ه تع ‪ff‬اىل "ال ‪ff‬رمحن على الع ‪ff‬رش اس ‪ff‬توى" م ‪ff‬ا فهم من قول ‪ff‬ه تع ‪ff‬اىل "مث اس ‪ff‬توى إىل الس ‪ff‬ماء‬
‫وهي دخ‪ff‬ان"‪ .‬وأم‪ff‬ا قول‪ff‬ه ص‪ff‬لى اهلل علي‪ff‬ه وس‪ff‬لم "ي‪ff‬نزل الّل ه تع‪ff‬اىل إىل الس‪ff‬ماء ال‪ff‬دنيا" فللتأوي‪ff‬ل في‪ff‬ه جمال من‬
‫وجهني‪ :‬أح‪ff‬دمها‪ ،‬يف اض‪ff‬افة ال‪ff‬نزول إلي‪ff‬ه وأن‪ff‬ه جماز‪ ،‬وباحلقيق‪ff‬ة ه‪ff‬و مض‪ff‬اف إىل مل‪ff‬ك من املالئك‪ff‬ة كم‪ff‬ا ق‪ff‬ال‬
‫تع ‪ff‬اىل "واس ‪ff‬أل القري ‪ff‬ة" واملس ‪ff‬ؤول باحلقيق ‪ff‬ة أه ‪ff‬ل القري ‪ff‬ة‪ .‬وه ‪ff‬ذا أيض ‪ًf‬ا من املت ‪ff‬داول يف األلس ‪ff‬نة‪ ،‬أع ‪ff‬ين إض ‪ff‬افة‬
‫أحوال التابع إىل املتبوع‪ ،‬فيقال‪ :‬ت‪f‬رك املل‪f‬ك على ب‪f‬اب البل‪f‬د‪ ،‬وي‪f‬راد عس‪f‬كره‪ ،‬ف‪f‬إن املخ‪f‬رب ب‪f‬نزول املل‪f‬ك على‬
‫باب البلد ق‪f‬د يق‪f‬ال ل‪f‬ه هال خ‪f‬رجت لزيارت‪f‬ه فيق‪f‬ول ال‪ ،‬ألن‪f‬ه ع‪f‬رج يف طريق‪f‬ه على الص‪f‬يد ومل ي‪f‬نزل بع‪f‬د‪ ،‬فال‬
‫يق‪ff‬ال ل‪ff‬ه فلم ن‪ff‬زل املل‪ff‬ك واآلن تق‪ff‬ول مل ي‪ff‬نزل بع‪ff‬د ؟ فيك‪ff‬ون املفه‪ff‬وم من ن‪ff‬زول املل‪ff‬ك ن‪ff‬زول العس‪ff‬كر‪ ،‬وه‪ff‬ذا‬
‫جلي واضح‪ .‬والثاين‪ ،‬أن لفظ النزول قد يستعمل للتلطف والتواض‪f‬ع يف ح‪f‬ق اخلل‪f‬ق كم‪f‬ا يس‪f‬تعمل االرتف‪f‬اع‬
‫للتك‪ff‬رب‪ ،‬يق‪ff‬ال فالن رف‪ff‬ع رأس‪ff‬ه إىل عن‪ff‬ان الس‪ff‬ماء‪ ،‬أي تك‪ff‬رب‪ ،‬ويق‪ff‬ال ارتف‪ff‬ع إىل أعلى عل‪ff‬يني‪ ،‬أي تعظم؛ وإن‬
‫عال أم‪ff‬ره يق‪ff‬ال‪ :‬أم‪ff‬ره يف الس‪ff‬ماء الس‪ff‬ابعة؛ ويف معارض‪ff‬ته إذا س‪ff‬قطت رتبت‪ff‬ه يق‪ff‬ال‪ :‬ق‪ff‬د ه‪ff‬وى ب‪ff‬ه إىل أس‪ff‬فل‬
‫الس ‪ff‬افلني؛ وإذا تواض ‪ff‬ع وتلط ‪ff‬ف ل ‪ff‬ه تط ‪ff‬امن إىل األرض ون ‪ff‬زل إىل أدىن ال ‪ff‬درجات‪ .‬ف ‪ff‬إذا فهم ه ‪ff‬ذا وعلم أن‬
‫النزول عن الرتبة برتكها أو سقوطها ويف النزول عن الرتب‪f‬ة بطري‪f‬ق التلط‪f‬ف وت‪f‬رك العق‪f‬ل ال‪f‬ذي يقتض‪f‬يه عل‪f‬و‬
‫الرتبة وكمال االستغناء‪ ،‬فب‪f‬النظر إىل ه‪f‬ذه املع‪f‬اين الثالث‪f‬ة ال‪f‬يت ي‪f‬رتدد اللف‪f‬ظ بينه‪f‬ا م‪f‬ا ال‪f‬ذي جيوزه العق‪f‬ل ؟ أم‪f‬ا‬
‫النزول بطريق االنتقال فقد أحاله العقل كما سبق‪ ،‬فإن ذلك ال ميكن إال يف متحيز‪ ،‬وأما سقوط ا‬
‫لرتبة فهو حمال ألنه سبحانه ق‪f‬دمي بص‪f‬فاته وجالل‪f‬ه وال ميكن زوال عل‪f‬وه‪ ،‬وأم‪f‬ا ال‪f‬نزول مبع‪f‬ىن اللط‪f‬ف والرمحة‬
‫وت‪f‬رك الفع‪f‬ل الالئ‪f‬ق باالس‪f‬تغناء وع‪f‬دم املب‪f‬االة فه‪f‬و ممكن‪ ،‬فيتعني التنزي‪f‬ل علي‪f‬ه‪ ،‬وقي‪f‬ل إن‪f‬ه ملا ن‪f‬زل قول‪f‬ه تع‪f‬اىل‪:‬‬
‫"رفيع الدرجات ذو العرش" استشعر الصحابة رضوان اهلل عليهم من مهابة عظيمة واس‪ff‬تبعدوا االنبس‪ff‬اط يف‬
‫الس‪ff‬ؤال وال‪ff‬دعاء م‪ff‬ع ذل‪ff‬ك اجلالل‪ ،‬ف‪ff‬أخربوا أن اهلل س‪ff‬بحانه وتع‪ff‬اىل م‪ff‬ع عظم‪ff‬ة جالل‪ff‬ه وعل‪ff‬و ش‪ff‬أنه متلط‪ff‬ف‬
‫بعب‪ff‬اده رحيم هبم مس‪ff‬تجيب هلم م‪ff‬ع االس‪ff‬تغناء إذا دع‪ff‬وه‪ ،‬وك‪ff‬انت اس‪ff‬تجابة ال‪ff‬دعوة ن‪ff‬زوًال باالض‪ff‬افة إىل م‪ff‬ا‬
‫يقتض ‪ff‬يه ذل ‪ff‬ك اجلالل من االس ‪ff‬تغناء وع ‪ff‬دم املب ‪ff‬االة‪ ،‬فع ‪ff‬رب عن ذل ‪ff‬ك ب ‪ff‬النزول تش ‪ff‬جيعًا لقل ‪ff‬وب العب ‪ff‬اد على‬
‫املباسطة باألدعية بل على الركوع والسجود‪ ،‬فإن من يستشعر بق‪ff‬در طاقت‪f‬ه مب‪f‬ادئ جالل اهلل تع‪ff‬اىل اس‪f‬تبعد‬
‫س‪ff‬جوده وركوع‪ff‬ه‪ ،‬ف‪ff‬إن تق‪ff‬رب العب‪ff‬اد كلهم باالض‪ff‬افة إىل جالل اهلل س‪ff‬بحانه أحس من حتري‪ff‬ك العب‪ff‬د أص‪ff‬بعًا‬
‫من أص ‪ff‬ابعه على قص ‪ff‬د التق ‪ff‬رب إىل مل ‪ff‬ك من مل ‪ff‬وك األرض‪ ،‬ول ‪ff‬و عظم ب ‪ff‬ه ملك‪ًf f‬ا من املل ‪ff‬وك الس ‪ff‬تحق ب ‪ff‬ه‬
‫الت‪ff f‬وبيخ‪ ،‬ب‪ff f‬ل من ع‪ff f‬ادة املل‪ff f‬وك زج‪ff f‬ر األرزال عن اخلدم‪ff f‬ة والس‪ff f‬جود بني أي‪ff f‬ديهم والتقبي‪ff f‬ل لعتب‪ff f‬ة دورهم‬
‫اس ‪ff‬تحقارًا هلم عن االس ‪ff‬تخدام وتعاظم ‪ًf‬ا عن اس ‪ff‬تخدام غ ‪ff‬ري األم ‪ff‬راء واألك ‪ff‬ابر‪ ،‬كم ‪ff‬ا ج ‪ff‬رت ب ‪ff‬ه ع ‪ff‬ادة بعض‬
‫اخللف ‪ff‬اء‪ .‬فل ‪ff‬وال ال ‪ff‬نزول عن مقتض ‪ff‬ى اجلالل ب ‪ff‬اللطف والرمحة واالس ‪ff‬تجابة القتض ‪ff‬ى ذل ‪ff‬ك اجلالل أن يبهت‬
‫القل ‪ff‬وب عن الفك ‪ff‬ر‪ ،‬وخيرس األلس ‪ff‬نة عن ال ‪ff‬ذكر‪ ،‬وخيم ‪ff‬د اجلوارح عن احلرك ‪ff‬ة‪ ،‬فمن الح ‪ff‬ظ ذل ‪ff‬ك اجلالل‬
‫وهذا اللطف استبان له على القطع أن عبارة النزول مطابقة للجالل ومطلقة يف موضوعها ال على ما فهم‪f‬ه‬
‫اجله‪ff‬ال؛ ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل فلم خص‪ff‬ص الس‪ff‬ماء ال‪ff‬دنيا ؟ قلن‪ff‬ا‪ :‬ه‪ff‬و عب‪ff‬ارة عن الدرج‪ff‬ة األخ‪ff‬رية ال‪ff‬يت ال درج‪ff‬ة بع‪ff‬دها‪،‬‬
‫كما يقال سقط إىل الثرى وارتفع إىل الثري‪f‬ا‪ ،‬على تق‪f‬دير أن الثري‪f‬ا أعلى الك‪f‬واكب وال‪f‬ثرى أس‪f‬فل املواض‪f‬ع‪.‬‬
‫ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬فلم خص‪ff‬ص باللي‪ff‬ايل‪ ،‬فق‪ff‬ال ي‪ff‬نزل ك‪ff‬ل ليل‪ff‬ة ؟ قلن‪ff‬ا‪ :‬ألن اخلل‪ff‬وات مظن‪ff‬ة ال‪ff‬دعوات واللي‪ff‬ايل أع‪ff‬دت‬
‫لذلك‪ ،‬حيث يسكن اخللق وينمحي عن القلوب ذكرهم‪ ،‬ويصفوا لذكر اهلل تعاىل قلب الداعي‪ ،‬فمثل ه‪f‬ذا‬
‫الدعاء هو املرجو االستجابة ال ما يصدر عن غفلة القلوب عند تزاحم االشتغال‪.‬‬
‫الدعوى التاسعة‪ :‬ندعي أن اهلل سبحانه وتعاىل مرئي‪ ،‬خالفًا للمعتزل‪ff‬ة‪ ،‬وإمنا أوردن‪ff‬ا ه‪ff‬ذه املس‪ff‬ألة يف القطب‬
‫املوس ‪ff‬وم ب ‪ff‬النظر يف ذات اهلل س ‪ff‬بحانه وتع ‪ff‬اىل ألم ‪ff‬رين‪ :‬أح ‪ff‬دمها أن ننفي الرؤي ‪ff‬ة عم ‪ff‬ا يل ‪ff‬زم على نفي اجله ‪ff‬ة‪،‬‬
‫فأردنا أن نبني كي‪f‬ف جيم‪f‬ع بني نفي اجله‪f‬ة وإثب‪f‬ات الرؤي‪f‬ة‪ .‬والث‪f‬اين أن‪f‬ه س‪f‬بحانه وتع‪f‬اىل عن‪f‬دنا م‪f‬رئي لوج‪f‬وده‬
‫ووجود ذاته‪ ،‬فليس ذلك إال لذاته‪ ،‬فإنه ليس لفعله وال لصفة من الص‪ff‬فات‪ ،‬ب‪ff‬ل ك‪ff‬ل موج‪ff‬ود ذات ف‪ff‬واجب‬
‫أن يك‪ff‬ون مرئي ‪ًf‬ا‪ ،‬كم‪ff‬ا أن‪ff‬ه واجب أن يك‪ff‬ون معلوم ‪ًf‬ا‪ ،‬ولس‪ff‬ت أع‪ff‬ين ب‪ff‬ه أن‪ff‬ه واجب أن يك‪ff‬ون معلوم ‪ًf‬ا ومرئي ‪ًf‬ا‬
‫بالفع‪ff‬ل ب‪ff‬ل ب‪ff‬القوة‪ ،‬أي ه‪ff‬و من حيث ذات‪ff‬ه ل‪ff‬ه‪ ،‬ف‪ff‬إن امتن‪ff‬ع وج‪ff‬ود الرؤي‪ff‬ة فألم‪ff‬ر آخ‪ff‬ر خ‪ff‬ارج عن ذات‪ff‬ه‪ ،‬كم‪ff‬ا‬
‫نق ‪ff‬ول‪ :‬املاء ال ‪ff‬ذي يف النه ‪ff‬ر م ‪ff‬رو‪ ،‬واخلم ‪ff‬ر ال ‪ff‬ذي يف ال ‪ff‬دن مس ‪ff‬كر‪ ،‬وليس ك ‪ff‬ذلك ألن ‪ff‬ه يس ‪ff‬كر وي ‪ff‬روي عن ‪ff‬د‬
‫الشرب ولكن معناه أن ذاته مستعدة لذلك فإذا فهم املراد منه ف‪f‬النظر يف ط‪f‬رفني‪ :‬أح‪f‬دمها يف اجلواز العقلي‪،‬‬
‫والث‪ff‬اين يف الوق‪ff‬وع ال‪ff‬ذي ال س‪ff‬بيل إىل درك‪ff‬ه إال بالش‪ff‬رع‪ ،‬ومهم‪ff‬ا دل الش‪ff‬رع على وقوع‪ff‬ه فق‪ff‬د دل أيض‪ًf‬ا ال‬
‫حمالة على جوازه ولكنا ندل مبسلكني واقعني عقليني على ج‪f‬وازه‪ .‬املس‪f‬لك األول‪ ،‬ه‪f‬و أن‪f‬ا نق‪f‬ول أن الب‪f‬اري‬
‫س ‪ff‬بحانه موج ‪ff‬ود وذات‪ ،‬ول ‪ff‬ه ثب ‪ff‬وت وحقيق ‪ff‬ة‪ ،‬وإمنا خيالف س ‪ff‬ائر املوج ‪ff‬ودات يف اس ‪ff‬تحالة كون ‪ff‬ه حادث ‪ًf‬ا أو‬
‫موص‪ff‬وفًا مبا ي‪f‬دل على احلدوث‪ ،‬أو موص‪ff‬وفًا بص‪ff‬فة تن‪f‬اقض ص‪ff‬فات االهلي‪f‬ة من العلم والق‪ff‬درة وغريمها‪ .‬فك‪f‬ل‬
‫م‪ff‬ا يص‪ff‬ح ملوج‪ff‬ود فه‪ff‬و يص‪ff‬ح يف حق‪ff‬ه تع‪ff‬اىل إن مل ي‪ff‬دل على احلدوث ومل ين‪ff‬اقض ص‪ff‬فة من ص‪ff‬فاته‪ .‬وال‪ff‬دليل‬
‫علي‪ff‬ه تعل‪ff‬ق العلم ب‪ff‬ه؛ فإن‪ff‬ه ملا مل ي‪ff‬ؤد إىل تغ‪ff‬ري يف ذات‪ff‬ه وال إىل مناقض‪ff‬ة ص‪ff‬فاته وال إىل الدالل‪ff‬ة على احلدوث‪،‬‬
‫سوى بينه وبني األجسام واألعراض يف جواز تعلق العلم بذاته وصفاته‪ .‬والرؤية ن‪f‬وع علم ال ي‪f‬وجب تعلق‪ff‬ه‬
‫ب ‪ff‬املرئي تغ ‪ff‬ري ص ‪ff‬فة وال ي ‪ff‬دل على ح ‪ff‬دوث‪ ،‬ف ‪ff‬وجب احلكم هبا على ك ‪ff‬ل موج ‪ff‬ود‪ ،‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل‪ :‬فكون ‪ff‬ه مرئي ‪ًf‬ا‬
‫يوجب كونه جبهة وكونه جبهة يوجب كونه عرضًا أو ج‪f‬وهرًا وه‪ff‬و حمال‪ ،‬ونظم القي‪f‬اس أن‪f‬ه إن ك‪f‬ان مرئي‪ًf‬ا‬
‫فهو جبهة من الرأي وهذا الالزم حمال فاملفض‪f‬ي إىل الرؤي‪f‬ة حمال‪ .‬قلن‪f‬ا‪ :‬أح‪f‬د األص‪f‬لني من ه‪f‬ذا القي‪f‬اس مس‪f‬لم‬
‫لكم‪ ،‬وه ‪ff‬و أن ه ‪ff‬ذا الالزم حمال‪ ،‬ولكن األص ‪ff‬ل األول وه ‪ff‬و ادع ‪ff‬اء ه ‪ff‬ذا الالزم على اعتق ‪ff‬اد الرؤي ‪ff‬ة ممن ‪ff‬وع‪.‬‬
‫فنق ‪ff‬ول مل قلتم إن ‪ff‬ه إن ك ‪ff‬ان مرئي ‪ًf‬ا فه ‪ff‬و جبه ‪ff‬ة من ال ‪ff‬رأي‪ ،‬أعلمتم ذل ‪ff‬ك بض ‪ff‬رورة‪ ،‬أم بنظ ‪ff‬ر ؟ وال س ‪ff‬بيل إىل‬
‫دع ‪ff‬وى الض ‪ff‬رورة‪ ،‬وأم ‪ff‬ا النظ ‪ff‬ر فال ب ‪ff‬د من بيان ‪ff‬ه‪ ،‬ومنته ‪ff‬اهم أهنم مل ي ‪ff‬روا إىل اآلن ش ‪ff‬يئًا إال وك ‪ff‬ان جبه ‪ff‬ة من‬
‫ال‪ff‬رأي خمصوص‪ff‬ة‪ ،‬فيق‪ff‬ال‪ :‬وم‪ff‬ا مل ي‪ff‬ر فال حيكم باس‪ff‬تحالته‪ ،‬ول‪ff‬و ج‪ff‬از ه‪ff‬ذا جلاز للمجس‪ff‬م أن يق‪ff‬ول إن‪ff‬ه تع‪ff‬اىل‬
‫جسم‪ ،‬ألنه فاعل‪ ،‬فإنن‪f‬ا مل ن‪f‬ر إىل اآلن ف‪f‬اعًال إال جس‪f‬مًا‪ .‬أو يق‪f‬ول إن ك‪f‬ان ف‪f‬اعًال وموج‪f‬ودًا فه‪f‬و إم‪f‬ا داخ‪f‬ل‬
‫العامل وإما خارجه‪ ،‬وإما متص‪f‬ل وإم‪f‬ا منفص‪f‬ل‪ ،‬وال ختل‪f‬و عن‪f‬ه اجله‪f‬ات الس‪f‬ت‪ ،‬فإن‪f‬ه مل يعلم موج‪f‬ود إال وه‪f‬و‬
‫كذلك فال فضل بينكم وبني هؤالء‪ .‬وحاصله يرجع إىل احلكم بأن ما شوهد وعلم ينبغي أن ال يعلم غ‪ff‬ريه‬
‫إال على وفقه‪ ،‬وهو كمن يعلم اجلسم وينكر العرض ويقول‪ :‬لو كان موجودًا لكان خيتص حبيز ومينع غريه‬
‫من الوج‪f‬ود حبيث ه‪f‬و كاجلس‪f‬م‪ .‬ومنش‪f‬أ ه‪f‬ذا إحال‪f‬ة موج‪f‬ودات اختالف املوج‪f‬ودات يف حق‪f‬ائق اخلواص م‪f‬ع‬
‫االش‪ff‬رتاك يف أم‪ff‬ور عام‪ff‬ة‪ .‬وذل‪ff‬ك حبكم ال أص‪ff‬ل ل‪ff‬ه‪ ،‬على أن ه‪ff‬ؤالء ال يغف‪ff‬ل عن معارض‪ff‬تهم ب‪ff‬أن اهلل ي‪ff‬رى‬
‫نفسه ويرى العامل وهو ليس جبهة من نفسه وال من الع‪f‬امل‪ ،‬ف‪f‬إذا ج‪f‬از ذل‪f‬ك فق‪f‬د بط‪f‬ل ه‪f‬ذا اخلي‪f‬ال‪ .‬وه‪f‬ذا مما‬
‫يع‪ff‬رتف ب‪ff‬ه أك‪ff‬ثر املعتزل‪ff‬ة وال خنرج عن‪ff‬ه ملن اع‪ff‬رتف ب‪ff‬ه ومن أنك‪ff‬ر منهم فال يق‪ff‬در على انك‪ff‬ار رؤي‪ff‬ة االنس‪ff‬ان‬
‫نفس‪ff‬ه يف املرآة‪ ،‬ومعل‪ff‬وم أن‪ff‬ه ليس يف مقابل‪ff‬ة نفس‪ff‬ه ف‪ff‬إن زعم‪ff‬وا أن‪ff‬ه ال ي‪ff‬رى نفس‪ff‬ه وإمنا ي‪ff‬رى ص‪ff‬ورة حماكي‪ff‬ة‬
‫لصورته منطبعة يف املرآة انطباع النفس يف احلائط‪ ،‬فيقال إن هذا ظاهر االستحالة‪ :‬فإن من تباع‪ff‬د عن م‪ff‬رآة‬
‫منص ‪ff‬وبة يف حائ ‪ff‬ط بق ‪ff‬در ذراعني ي ‪ff‬رى ص ‪ff‬ورته بعي ‪ff‬دة عن ج ‪ff‬رم املرآة ب ‪ff‬ذراعني‪ ،‬وإن تباع ‪ff‬د بثالث ‪ff‬ة أذرع‬
‫فك‪ff f‬ذلك‪ .‬فالبعي‪ff f‬د عن املرآة ب‪ff f‬ذراعني كي‪ff f‬ف يك‪ff f‬ون منطبع ‪ًf f‬ا يف املرآة ومسك املرآة رمبا ال يزي‪ff f‬د على مسك‬
‫ش‪ff f‬عرية ؟ ف‪ff f‬إن ك‪ff f‬انت الص‪ff f‬ورة يف ش‪ff f‬يء وراء املرآة فه‪ff f‬و حمال‪ ،‬إذ ليس وراء املرآة إال ج‪ff f‬دار أو ه‪ff f‬واء أو‬
‫شخص آخر ه‪f‬و حمج‪f‬وب عن‪f‬ه‪ ،‬وه‪f‬و ال ي‪f‬راه‪ .‬وك‪f‬ذا عن ميني املرآة ويس‪f‬ارها وفوقه‪f‬ا وحتته‪f‬ا وجه‪f‬ات املرآة‬
‫الس‪ff f‬ت‪ ،‬وه‪ff f‬و ي‪ff f‬رى ص‪ff f‬ورة بعي‪ff f‬دة عن املرآة ب‪ff f‬ذراعني‪ ،‬فلنطلب ه‪ff f‬ذه الص‪ff f‬ورة من ج‪ff f‬وانب املرآة‪ :‬فحيث‬
‫وج‪ff‬دت فه‪ff‬و املرئي وال وج‪ff‬ود ملث‪ff‬ل ه‪ff‬ذه الص‪ff‬ورة املرئي‪ff‬ة يف األجس‪ff‬ام احمليط‪ff‬ة ب‪ff‬املرآة إال يف جس‪ff‬م والن‪ff‬اظر‪،‬‬
‫فه‪ff f‬و املرئي إذًا بالض‪ff f‬رورة‪ .‬وق‪ff f‬د تطلب املقابل‪ff f‬ة واجله‪ff f‬ة وال ينبغي أن تس‪ff f‬تحقر ه‪ff f‬ذا اإلل‪ff f‬زام فإن‪ff f‬ه ال خمرج‬
‫للمعتزلة عنه‪ ،‬وحنن نعلم بالضرورة أن االنسان لو مل يبصر نفسه قط وال عرف املرآة وقي‪ff‬ل ل‪ff‬ه أن ميكن أن‬
‫تبص‪ff‬ر نفس‪ff‬ك يف م‪ff‬رآة احلكم بأن‪ff‬ه حمال‪ ،‬وق‪ff‬ال ال خيل‪ff‬و إم‪ff‬ا أن أرى نفس‪ff‬ي وأن‪ff‬ا يف املرآة فه‪ff‬و حمال‪ ،‬أو أرى‬
‫مث ‪ff f‬ل ص ‪ff f‬وريت يف ج ‪ff f‬رم املرآة وه ‪ff f‬و حمال‪ ،‬أو يف ج ‪ff f‬رم وراء املرآة وه ‪ff f‬و حمال‪ ،‬أو املرآة يف نفس ‪ff f‬ها ص ‪ff f‬ورة‬
‫ولألجس‪f‬ام احمليط‪f‬ة هبا جس‪f‬م ص‪f‬ور‪ ،‬وال جتتم‪f‬ع ص‪f‬ورتان يف جس‪f‬م واح‪f‬د إذ حمال أن يك‪f‬ون يف جس‪f‬م واح‪f‬د‬
‫ص‪f‬ورة إنس‪f‬ان ودي‪f‬د وحائ‪f‬ط وإن رأيت نفس‪f‬ي حيث أن‪f‬ا فه‪f‬و حمال‪ ،‬إذ لس‪f‬ت يف مقابل‪f‬ة نفس‪f‬ي فكي‪f‬ف أرى‬
‫نفسي‪ ،‬وال بد بني املقابلة بني الرائي واملرئي وهذا التقسيم صحيح عند املعتزيل ومعلوم أنه باطل‪ ،‬وبطالن‪ff‬ه‬
‫عن‪ff‬دنا لقول‪ff‬ه إين لس‪ff‬ت يف مقابل‪ff‬ة نفس‪ff‬ي فال أراه‪ff‬ا وإال فس‪ff‬ائر أقس‪ff‬ام كالم‪ff‬ه ص‪ff‬حيحة‪ ،‬فبه‪ff‬ذا يس‪ff‬تبني ض‪ff‬يق‬
‫حوص‪ff‬لة ه‪ff‬ؤالء عن التص‪ff‬ديق مبا مل ي‪ff‬ألفوه ومل ت‪ff‬أنس ب‪ff‬ه حواس‪ff‬هم‪ .‬املس‪ff‬لك الث‪ff‬اين‪ ،‬وه‪ff‬و الكش‪ff‬ف الب‪ff‬الغ أن‬
‫تقول إمنا أنكر اخلصم الرؤية ألنه مل يفهم ما تريده بالرؤي‪f‬ة ومل حيص‪f‬ل معناه‪f‬ا على التحقي‪f‬ق‪ ،‬وظن أن‪f‬ا نري‪f‬د‬
‫هبا حال ‪ff‬ة تس ‪ff‬اوي احلال ‪ff‬ة ال ‪ff‬يت ي ‪ff‬دركها ال ‪ff‬رأي عن ‪ff‬د النظ ‪ff‬ر إىل األجس ‪ff‬ام واألل ‪ff‬وان وهيه ‪ff‬ات ! فنحن نع ‪ff‬رتف‬
‫باستحالة ذل‪f‬ك يف ح‪f‬ق اهلل س‪f‬بحانه‪ ،‬ولكن ينبغي أن حنص‪f‬ل مع‪f‬ىن ه‪f‬ذا اللف‪f‬ظ يف املوض‪f‬ع املتف‪f‬ق‪ ،‬ونس‪f‬بكه مث‬
‫حنذف منه ما يستحيل يف حق اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فإن نفي من معانيه معىن مل يستحل يف ح‪f‬ق اهلل س‪f‬بحانه‬
‫وتع‪ff‬اىل وأمكن أن يس‪ff‬مى ذل‪ff‬ك املع‪ff‬ىن رؤي‪ff‬ة حقيق‪ff‬ة‪ ،‬أثبتن‪ff‬اه يف ح‪ff‬ق اهلل س‪ff‬بحانه وقض‪ff‬ينا بأن‪ff‬ه م‪ff‬رئي حقيق‪ff‬ة‪،‬‬
‫وإن مل يكى إطالق اسم الرؤية عليه إال باجملاز أطلقنا اللفظ عليه بإذن الشرع واعتقدنا املعىن كما دل عليه‬
‫العقل‪ .‬وحتصيله‪ ،‬أن الرؤية تدل على معىن له حمل وهو العني‪ ،‬وله متعلق وهو اللون والقدر واجلسم وسائر‬
‫املرئيات‪ ،‬فلننظر إىل حقيقة معناه وحمله‪ ،‬وإىل متعلقه ولنتأمل أن الركن من مجلتها يف إطالق هذا االسم م‪ff‬ا‬
‫ه‪ff‬و‪ ،‬فنق‪ff‬ول‪ :‬أم‪ff‬ا احملل فليس ب‪ff‬ركن يف ص‪ff‬حة ه‪ff‬ذه التس‪ff‬مية‪ ،‬ف‪ff‬إن احلال‪ff‬ة ال‪ff‬يت ن‪ff‬دركها ب‪ff‬العني من املرئي ل‪ff‬و‬
‫أدركناها بالقلب أو باجلبهة مثًال لكنا نقول قد رأينا الشيء وأبصرناه وص‪f‬دق كالمن‪f‬ا‪ ،‬ف‪f‬إن العني حمل وآل‪f‬ة‬
‫ال تراد لعينها بل لتحل فيه هذه احلالة‪ ،‬فحيث حلت احلالة متت احلقيقة وصح االس‪f‬م‪ .‬ولن‪f‬ا أن نق‪f‬ول علمن‪f‬ا‬
‫بقلبن‪ff‬ا أو ب‪ff‬دماغنا إن أدركن‪ff‬ا الش‪ff‬يء ب‪ff‬القلب‪ ،‬أو بال‪ff‬دماغ إن أدركن‪ff‬ا الش‪ff‬يء بال‪ff‬دماغ‪ ،‬وك‪ff‬ذلك إن أبص‪ff‬رنا‬
‫بالقلب أو باجلبهة أو بالعني‪ .‬وأما املتعلق بعينه فليس ركنًا يف إطالق هذا االس‪f‬م وثب‪f‬وت ه‪f‬ذه احلقيق‪f‬ة‪ .‬ف‪f‬إن‬
‫الرؤي‪ff‬ة ل‪ff‬و ك‪ff‬انت رؤي‪ff‬ة لتعلقه‪ff‬ا بالس‪ff‬واد ملا ك‪ff‬ان املتعل‪ff‬ق بالبي‪ff‬اض رؤي‪ff‬ة‪ ،‬ول‪ff‬و ك‪ff‬ان لتعلقه‪ff‬ا ب‪ff‬اللون ملا ك‪ff‬ان‬
‫املتعل‪f‬ق باحلرك‪f‬ة رؤي‪f‬ة‪ ،‬ول‪f‬و ك‪f‬ان لتعلقه‪f‬ا ب‪f‬العرض ملا ك‪f‬ان املتعل‪f‬ق باجلس‪f‬م رؤي‪f‬ة‪ ،‬ف‪f‬دل أن خص‪f‬وص ص‪f‬فات‬
‫املتعل‪ff‬ق ليس ركن‪ًf‬ا لوج‪ff‬ود ه‪ff‬ذه احلقيق‪ff‬ة‪ ،‬وإطالق ه‪ff‬ذا االس‪ff‬م‪ ،‬ب‪ff‬ل ال‪ff‬ركن في‪ff‬ه من حيث أن‪ff‬ه ص‪ff‬فة متعلق‪ff‬ة أن‬
‫يكون هلا متعلق موجود؛ أي موجود ك‪f‬ان وأي ذات ك‪f‬ان‪ .‬ف‪f‬إذًا ال‪f‬ركن ال‪f‬ذي االس‪f‬م مطل‪f‬ق علي‪f‬ه ه‪f‬و األم‪f‬ر‬
‫الثالث وهو حقيقة املعىن من غري التف‪ff‬ات إىل حمل‪f‬ه ومتعلق‪ff‬ه‪ ،‬فلنبحث عن احلقيق‪ff‬ة م‪ff‬ا هي‪ ،‬وال حقيق‪ff‬ة هلا إال‬
‫أهنا ن ‪ff‬وع إدراك ه ‪ff‬و كم ‪ff‬ال ومزي ‪ff‬د كش ‪ff‬ف باالض ‪ff‬افة إىل التخي ‪ff‬ل‪ ،‬فإن ‪ff‬ا ن ‪ff‬رى الص ‪ff‬ديق مثًال مث نغمض العني‬
‫فتكون صورة الصديق حاضرة يف دماغنا على سبيل التخيل والتصور‪ ،‬ولكنا لو فتحنا البصر أدركنا تفرقت‪f‬ه‬
‫وال ترج ‪ff‬ع تل ‪ff‬ك التفرق ‪ff‬ة إىل إدراك ص ‪ff‬ورة أخ ‪ff‬رى خمالف ‪ff‬ة ملا ك ‪ff‬انت يف اخلي ‪ff‬ال ب ‪ff‬ل الص ‪ff‬ورة املبص ‪ff‬رة مطابق ‪ff‬ة‬
‫للمتخيل‪ff f‬ة من غ ‪ff f‬ري ف‪ff f‬رق وليس بينهم‪ff f‬ا اف‪ff f‬رتاق‪ ،‬إال أن ه ‪ff f‬ذه احلال‪ff f‬ة الثاني‪ff f‬ة كاالس‪ff f‬تكمال حلال‪ff f‬ة التخي‪ff f‬ل‪،‬‬
‫وكالكش ‪ff‬ف هلا‪ ،‬فتح ‪ff‬دث فيه ‪ff‬ا ص ‪ff‬ورة الص ‪ff‬ديق عن ‪ff‬د فتح البص ‪ff‬ر ح ‪ff‬دوثًا أوض ‪ff‬ح وأمت وأكم ‪ff‬ل من الص ‪ff‬ورة‬
‫اجلارية يف اخليال‪ .‬واحلادثة يف البص‪f‬ر بعينه‪f‬ا تط‪f‬ابق بي‪f‬ان الص‪f‬ورة احلادث‪f‬ة يف اخلي‪f‬ال‪ ،‬ف‪f‬إذًا التخي‪f‬ل ن‪f‬وع إدراك‬
‫على رتب ‪ff‬ة‪ ،‬ووراءه رتب ‪ff‬ة أخ ‪ff‬رى هي أمت من ‪ff‬ه يف الوض ‪ff‬وح والكش ‪ff‬ف‪ ،‬ب ‪ff‬ل هي كالتكمي ‪ff‬ل ل ‪ff‬ه‪ ،‬فنس ‪ff‬مي ه ‪ff‬ذا‬
‫االس ‪ff‬تكمال باالض ‪ff‬افة إىل اخلي ‪ff‬ال رؤي ‪ff‬ة وإبص ‪ff‬ارًا‪ ،‬وك ‪ff‬ذا من األش ‪ff‬ياء م ‪ff‬ا نعلم ‪ff‬ه وال نتخيل ‪ff‬ه وه ‪ff‬و ذات اهلل‬
‫س ‪ff‬بحانه وتع ‪ff‬اىل وص ‪ff‬فاته‪ ،‬وك ‪ff‬ل م ‪ff‬ا ال ص ‪ff‬ورة ل ‪ff‬ه‪ ،‬أي ال ل ‪ff‬ون ل ‪ff‬ه وال ق ‪ff‬در مث ‪ff‬ل الق ‪ff‬درة والعلم والعش ‪ff‬ق‬
‫واإلبص‪ff‬ار واخلي‪ff‬ال؛ ف‪ff‬إن ه‪ff‬ذه أم‪ff‬ور نعلمه‪ff‬ا وال نتخيله‪ff‬ا والعلم هبا ن‪ff‬وع إدراك فلننظ‪ff‬ر ه‪ff‬ل حيي‪ff‬ل العق‪ff‬ل أن‬
‫يك‪ff‬ون هلذا االدراك مزي‪ff‬د اس‪ff‬تكمال نس‪ff‬بته إلي‪ff‬ه نس‪ff‬بة اإلبص‪ff‬ار إىل التخي‪ff‬ل؛ ف‪ff‬إن ك‪ff‬ان ذل‪ff‬ك ممكن‪ًf‬ا مسينا ذل‪ff‬ك‬
‫الكش‪ff‬ف واالس‪ff‬تكمال باالض‪ff‬افة إىل العلم رؤي‪ff‬ة‪ ،‬كم‪ff‬ا مسيناه باالض‪ff‬افة إىل التخي‪ff‬ل رؤي‪ff‬ة‪ .‬ومعل‪ff‬وم أن تق‪ff‬دير‬
‫هذا االستكمال يف االستيضاح واالستكشاف غري حمال يف املوج‪f‬ودات املعلوم‪f‬ة ال‪f‬يت ليس‪f‬ت متخيل‪f‬ة ك‪f‬العلم‬
‫والقدرة وغريمها‪ ،‬وكذا يف ذات اهلل سبحانه وصفاته‪ ،‬بل نكاد ن‪f‬درك ض‪f‬رورة من الطب‪f‬ع أن‪f‬ه يتقاض‪f‬ى طلب‬
‫مزي‪ff‬د استيض‪ff‬اح يف ذات اهلل وص‪ff‬فاته ويف ذوات ه‪ff‬ذه املع‪ff‬اين املعلوم‪ff‬ة كله‪ff‬ا‪ .‬فنن نق‪ff‬ول إن ذل‪ff‬ك غ‪ff‬ري حمال‬
‫فإنه ال حميل له بل العقل دليل على إمكانه بل على استدعاء الطبع ل‪f‬ه‪ .‬إال أن ه‪f‬ذا الكم‪f‬ال يف الكش‪f‬ف غ‪f‬ري‬
‫مب‪ff‬ذول يف ه‪ff‬ذا الع‪ff‬امل‪ ،‬والنفس يف ش‪ff‬غل الب‪ff‬دن وك‪ff‬دورة ص‪ff‬فائه‪ ،‬فه‪ff‬و جموب عن‪ff‬ه‪ .‬وكم‪ff‬ا ال يبع‪ff‬د أن يك‪ff‬ون‬
‫اجلفن أو الس ‪ff‬رت أو س ‪ff‬واد م ‪ff‬ا يف العني س ‪ff‬ببًا حبكم اط ‪ff‬راد الع ‪ff‬ادة المتن ‪ff‬اع اإلبص ‪ff‬ار للمتخيالت فال يبع ‪ff‬د أن‬
‫تكون كدورة النفس وتراكم حجب االشغال حبكم اطراد الع‪f‬ادة مانع‪ًf‬ا من إبص‪f‬ار املعلوم‪f‬ات‪ .‬ف‪f‬إذا بع‪f‬ثر م‪f‬ا‬
‫يف القبور وحصل ما يف الصدور‪ ،‬وزكيت القلوب بالشراب الطه‪f‬ور‪ ،‬وص‪f‬فيت ب‪f‬أنوع التص‪f‬فية والتنقي‪f‬ة‪ ،‬مل‬
‫ميتن ‪ff‬ع أن تش ‪ff‬تغل بس ‪ff‬ببها ملزي ‪ff‬د اس ‪ff‬تكمال واستيض ‪ff‬اح يف ذات اهلل س ‪ff‬بحانه أو يف س ‪ff‬ائر املعلوم ‪ff‬ات‪ ،‬يك ‪ff‬ون‬
‫ارتف ‪ff‬اع درجت ‪ff‬ه عن العلم املعه ‪ff‬ود كارتف ‪ff‬اع درج ‪ff‬ة اإلبص ‪ff‬ار عن التخي ‪ff‬ل‪ ،‬يع ‪ff‬رب عن ذل ‪ff‬ك بلق ‪ff‬اء اهلل تع ‪ff‬اىل‬
‫ومشاهدته أو رؤيته أو إبصاره أو ما شئت من العبارات‪ .‬فال مش‪f‬احة فيه‪ff‬ا وبع‪ff‬د إيض‪ff‬اح املع‪ff‬اين‪ .‬وإذا ك‪f‬ان‬
‫ذلك ممكنًا بأن خلقت هذه احلالة يف العني‪ ،‬كان اسم الرؤية حبكم وضع اللغة عليه أصدق وخلقه يف العني‬
‫غ‪ff‬ري مس‪ff‬تحيل‪ .‬كم‪ff‬ا أن خلقه‪ff‬ا يف القلب غ‪ff‬ري مس‪ff‬تحيل ف‪ff‬إذا فهم املراد مبا أطلق‪ff‬ه أه‪ff‬ل احلق من الرؤي‪ff‬ة‪ ،‬علم‬
‫أن العق ‪ff‬ل ال حييل ‪ff‬ه ب ‪ff‬ل يوجب ‪ff‬ه‪ ،‬وأن الش ‪ff‬رع ق ‪ff‬د ش ‪ff‬هد ل ‪ff‬ه فال يبقى للمنازع ‪ff‬ة وج ‪ff‬ه إال على س ‪ff‬بيل العن ‪ff‬اد أو‬
‫املش‪ff‬احنة يف إطالق عب‪ff‬ارة الرؤي‪ff‬ة أو القص‪ff‬ور عن درك ه‪ff‬ذه املع‪ff‬اين الدقيق‪ff‬ة ال‪ff‬يت ذكرناه‪ff‬ا‪ .‬ولنقتص‪ff‬ر يف ه‪ff‬ذا‬
‫املوجز على ه ‪ff‬ذا الق ‪ff‬در‪ .‬الط ‪ff‬رف الث ‪ff‬اين يف وقوع ‪ff‬ه ش ‪ff‬رعًا‪ .‬وق ‪ff‬د دل الش ‪ff‬رع على وقوع ‪ff‬ه ومدارك ‪ff‬ه كث ‪ff‬رية‪،‬‬
‫ولكثرهتا ميكن دع ‪ff f‬وى اإلمجاع على األولني يف ابته ‪ff f‬اهلم إىل اهلل س ‪ff f‬بحانه يف طلب ل ‪ff f‬ذة النظ ‪ff f‬ر إىل وجه ‪ff f‬ه‬
‫الك ‪ff‬رمي‪ .‬ونعلم قطع ‪ًf‬ا من عقائ ‪ff‬دهم أهنم ك ‪ff‬انوا ينتظ ‪ff‬رون ذل ‪ff‬ك وأهنم ك ‪ff‬انوا ق ‪ff‬د فهم ‪ff‬وا ج ‪ff‬واز انتظ ‪ff‬ار ذل ‪ff‬ك‬
‫وس‪f‬ؤاله من اهلل س‪f‬بحانه‪ ،‬بق‪f‬رائن أح‪f‬وال رس‪f‬ول اهلل ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم ومجل‪f‬ة من ألفاظ‪f‬ه الص‪f‬رحية ال‪f‬يت ال‬
‫ت‪ff‬دخل يف احلض ‪ff‬ر‪ ،‬باالمجاع ال‪ff‬ذي ي‪ff‬دل على خ‪ff‬روج املدارك عن احلص‪ff‬ر‪ .‬ومن أق‪ff‬وى م‪ff‬ا ي‪ff‬دل علي‪ff‬ه س‪ff‬ؤال‬
‫موس ‪ff‬ى ص ‪ff‬لى اهلل علي ‪ff‬ه وس ‪ff‬لم أرين أنظ ‪ff‬ر إلي ‪ff‬ك فإن ‪ff‬ه يس ‪ff‬تحيل أن خيفى عن ن ‪ff‬يب من أنبي ‪ff‬اء اهلل تع ‪ff‬اىل انتهى‬
‫منصبه إىل أن يكلمه اهلل سبحانه شفاهًا أن جيهل من صفات ذاته تعاىل م‪f‬ا عرف‪f‬ه املعتزل‪f‬ة‪ .‬وه‪f‬ذا معل‪f‬وم على‬
‫الضرورة‪ ،‬فإن اجلهل بكونه ممتنع الرؤية عند اخلصم يوجب التفكري أو التض‪ff‬ليل وه‪ff‬و جه‪ff‬ل بص‪ff‬فة ذات‪ff‬ه ألن‬
‫اس‪ff‬تحالتها عن‪ff‬دهم لذات‪ff‬ه وألن‪ff‬ه ليس جبه‪ff‬ة فكي‪ff‬ف مل يع‪ff‬رف موس‪ff‬ى علي‪ff‬ه أفض‪ff‬ل الص‪ff‬الة أن‪ff‬ه ليس جبه‪ff‬ة‪ ،‬أو‬
‫كي ‪ff‬ف ع ‪ff‬رف أن ‪ff‬ه ليس جبه ‪ff‬ة ومل يع ‪ff‬رف أن رؤي ‪ff‬ة م ‪ff‬ا ليس جبه ‪ff‬ة حمال ؟ فليت ش ‪ff‬عري م ‪ff‬اذا يض ‪ff‬مر اخلص ‪ff‬م‬
‫ويقدره من ذهول موس‪f‬ى ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم‪ ،‬أيق‪f‬دره معتق‪f‬دًا أن‪f‬ه جس‪f‬م يف جه‪f‬ة ذو ل‪f‬ون‪ ،‬واهتام األنبي‪f‬اء‬
‫صلوات اهلل سبحانه وتعاىل عليهم وسالمه كفر صراح‪ ،‬فإنه تكفري للنيب ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم‪ ،‬ف‪f‬إن القائ‪f‬ل‬
‫بأن اهلل سبحانه جسم وعابد الوثن والشمس واحد ! أو يقول علم استحالة كونه جبه‪f‬ة‪ ،‬ولكن‪f‬ه مل يعلم أن‬
‫ما ليس جبهة فال يرى‪ ،‬وهذا جتهيل للنيب عليه أفضل السالم ألن اخلص‪ff‬م يعتق‪f‬د أن ذل‪f‬ك من اجللي‪f‬ات ال من‬
‫النظريات‪ .‬فأنت اآلن أيه‪f‬ا املسرتش‪f‬د خمري من أن متي‪f‬ل إىل جتهي‪f‬ل الن‪f‬يب ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم تس‪f‬ليمًا‪ ،‬أو إىل‬
‫جتهي‪ff‬ل املع‪ff‬تزيل‪ ،‬ف‪ff‬اخرت لنفس‪ff‬ك م‪ff‬ا ألي‪ff‬ق ب‪ff‬ك والس‪ff‬الم‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬إن دل ه‪ff‬ذا لكم فق‪ff‬د دل عليكم‪ ،‬لس‪ff‬ؤاله‬
‫الرؤية يف الدنيا ودل عليكم قوله تعاىل "لن تراين" ودل قوله سبحانه "ال تدركه األبص‪f‬ار"‪ .‬قلن‪f‬ا‪ :‬أم‪f‬ا س‪f‬ؤاله‬
‫الرؤي ‪ff‬ة يف ال ‪ff‬دنيا فه ‪ff‬و دلي ‪ff‬ل على ع ‪ff‬دم معرفت ‪ff‬ه بوق ‪ff‬وع وقت م ‪ff‬ا ه ‪ff‬و ج ‪ff‬ائز يف نفس ‪ff‬ه‪ ،‬واألنبي ‪ff‬اء كلهم عليهم‬
‫أفض‪ff‬ل الس‪ff‬الم ال يعرف‪ff‬ون من الغيب إال م‪ff‬ا عرف‪ff‬وا‪ ،‬وه‪ff‬و القلي‪ff‬ل‪ ،‬فمن أين يبع‪ff‬د أن ي‪ff‬دعو الن‪ff‬يب علي‪ff‬ه أفض‪ff‬ل‬
‫السالم كشف غم‪f‬ة وإزال‪f‬ة بلي‪f‬ة وه‪f‬و ي‪f‬رجتي اإلجاب‪f‬ة يف وقت مل تس‪f‬بق يف علم اهلل تع‪f‬اىل اإلجاب‪f‬ة في‪f‬ه‪ .‬وه‪f‬ذا‬
‫من ذل‪ff‬ك الفن‪ .‬وأم‪ff‬ا قول‪ff‬ه س‪ff‬بحانه "لن ت‪ff‬راين" فه‪ff‬و دف‪ff‬ع ملا التمس‪ff‬ه‪ ،‬وإمنا التمس يف اآلخ‪ff‬رة‪ ،‬فل‪ff‬و ق‪ff‬ال أرين‬
‫انظر إليك يف اآلخرة‪ ،‬فقال لن تراين‪ ،‬لكان ذلك دليًال على نفي الرؤية‪ ،‬ولكن يف حق موسى ص‪f‬لوات اهلل‬
‫س ‪ff‬بحانه وس ‪ff‬المه علي ‪ff‬ه يف اخلص ‪ff‬وص ال على العم ‪ff‬وم‪ .‬وم ‪ff‬ا ك ‪ff‬ان أيض ‪ًf‬ا دليًال على االس ‪ff‬تحالة‪ ،‬فكي ‪ff‬ف وه ‪ff‬و‬
‫ج‪ff‬واب عن الس‪ff‬ؤال يف احلال ؟ وأم‪ff‬ا قول‪ff‬ه ال تدرك‪ff‬ه األبص‪ff‬ار أي ال حتي‪ff‬ط ب‪ff‬ه وال تكتنف‪ff‬ه من جوانب‪ff‬ه كم‪ff‬ا‬
‫حتيط الرؤية باألجسام‪ ،‬وذلك حق‪ ،‬أو هو ع‪f‬ام فأري‪f‬د ب‪f‬ة يف ال‪f‬دنيا‪ ،‬وذل‪f‬ك أيض‪ًf‬ا ح‪f‬ق‪ ،‬وه‪f‬و م‪f‬ا أراده بقول‪f‬ه‬
‫س‪ff‬بحانه "لن ت‪ff‬راين" يف ال‪ff‬دنيا‪ .‬ولنقتص‪ff‬ر على ه‪ff‬ذا الق‪ff‬در يف مس‪ff‬ألة الرؤي‪ff‬ة‪ ،‬ولينظ‪ff‬ر املنص‪ff‬ف كي‪ff‬ف اف‪ff‬رتقت‬
‫الفرق وحتزبت إىل مفرط ومفرط‪ .‬أما احلشوية فإهنم مل يتمكنوا من فهم موجود إال يف جهة‪ ،‬فأثبتوا اجله‪ff‬ة‬
‫ح‪f‬ىت أل‪f‬زمتهم بالض‪f‬رورة اجلس‪f‬مية والتق‪f‬دير واالختص‪f‬اص بص‪f‬فات احلدوث‪ .‬وأم‪f‬ا املعتزل‪f‬ة وف‪f‬اهنم نف‪f‬وا اجله‪f‬ة‬
‫ومل يتمكن‪f‬وا من إثب‪f‬ات الرؤي‪f‬ة دوهنا‪ ،‬وخ‪f‬الفوا ب‪f‬ه قواط‪ff‬ع الش‪f‬رع‪ ،‬وظن‪f‬وا أن يف إثباهتا إثب‪f‬ات اجله‪f‬ة‪ ،‬فه‪ff‬ؤالء‬
‫تغلغلوا يف التنزيه حمرتزين من التشبيه‪ ،‬فأفرطوا‪ .‬واحلش‪f‬وية أثبت‪f‬وا اجله‪ff‬ة اح‪f‬رتازًا من التعطي‪f‬ل فش‪f‬بهوا‪ ،‬فوق‪f‬ف‬
‫اهلل سبحانه أهل الس‪f‬نة للقي‪f‬ام ب‪f‬احلق‪ ،‬فتفطن‪f‬وا للمس‪f‬لك القص‪f‬د وعرف‪f‬وا أن اجله‪f‬ة منقي‪f‬ة ألهنا للجس‪f‬مية تابع‪f‬ة‬
‫وتتمة‪ ،‬وأن الرؤية ثابتة ألهنا رديف العلم وفريقه‪ ،‬وهي تكملة له؛ فانتفاء اجلسمية أوجب انتفاء اجلهة اليت‬
‫من لوازمه‪ff‬ا‪ .‬وثب‪ff‬وت العلم أوجب ثب‪ff‬وت الرؤي‪ff‬ة ال‪ff‬يت هي من روادف‪ff‬ه وتكمالت‪ff‬ه ومش‪ff‬اركة ل‪ff‬ه يف خاص‪ff‬يته‪،‬‬
‫وهي أهنا ال ت‪ff‬وجب تغي‪ff‬ريًا يف ذات املرئي‪ ،‬ب‪ff‬ل تتعل‪ff‬ق ب‪ff‬ه على م‪ff‬ا ه‪ff‬و علي‪ff‬ه ك‪ff‬العلم‪ .‬وال خيفى عن عاق‪ff‬ل أن‬
‫هذا هو االقتصاد يف االعتقاد‪.‬‬
‫الدعوى العاشرة‪ :‬ندعي أنه سبحانه واحد‪ .‬فإن كونه واح‪ff‬دًا يرج‪ff‬ع إىل ثب‪ff‬وت ذات‪ff‬ه ونفي غ‪ff‬ريه‪ ،‬فليس ه‪ff‬و‬
‫نظ‪f‬ر يف ص‪f‬فة زائ‪f‬دة على ال‪f‬ذات‪ ،‬ف‪f‬وجب ذك‪f‬ره يف ه‪f‬ذا القطب‪ .‬فنق‪f‬ول‪ :‬الواح‪f‬د ق‪f‬د يطلب وي‪f‬راد ب‪f‬ه أن‪f‬ه ال‬
‫يقب‪ff‬ل القس‪ff‬مة‪ ،‬أي ال كمي‪ff‬ة ل‪ff‬ه وال ج‪ff‬زء وال مق‪ff‬دار‪ ،‬والب‪ff‬اري تع‪ff‬اىل واح‪ff‬د مبع‪ff‬ىن س‪ff‬لب الكمي‪ff‬ة املص‪ff‬ححة‬
‫للقس ‪ff‬مة عن ‪ff‬ه؛ فإن ‪ff‬ه غ ‪ff‬ري قاب ‪ff‬ل لالنقس ‪ff‬ام‪ .‬إذ االنقس ‪ff‬ام ملا ل ‪ff‬ه كمي ‪ff‬ة‪ ،‬والتقس ‪ff‬يم تص ‪ff‬رف يف كمي ‪ff‬ة ب ‪ff‬التفريق‬
‫والتصغري‪ ،‬وما ال كمية له ال بتصور انقسامه‪ .‬وقد يطلق ويراد أنه ال نظ‪f‬ري ل‪f‬ه يف رتبت‪f‬ه كم‪f‬ا تق‪f‬ول الش‪f‬مس‬
‫واح‪ff‬دة‪ ،‬والب‪ff‬اري تع‪ff‬اىل أيض ‪ًf‬ا هبذا املع‪ff‬ىن واح‪ff‬د؛ فإن‪ff‬ه ال ن‪ff‬د ل‪ff‬ه‪ .‬فأم‪ff‬ا ان‪ff‬ه ال ض‪ff‬د ل‪ff‬ه فظ‪ff‬اهرًا‪ ،‬إذ املفه‪ff‬وم من‬
‫الضد هو الذي يتع‪f‬اقب م‪f‬ع الش‪f‬يء على حمل واح‪f‬د وال جتامع وم‪f‬ا ال حمل ل‪f‬ه فال ض‪f‬د ل‪f‬ه‪ ،‬والب‪f‬اري س‪f‬بحانه‬
‫ال حمل له فال ض‪f‬د ل‪f‬ه‪ .‬وأم‪f‬ا قولن‪f‬ا ال ن‪f‬د ل‪f‬ه‪ ،‬نع‪f‬ين ب‪f‬ه أن م‪f‬ا س‪f‬واه ه‪f‬و خالق‪f‬ه ال غ‪f‬ري‪ ،‬وبرهان‪f‬ه أن‪f‬ه ل‪f‬و ق‪f‬در ل‪f‬ه‬
‫شريك لكان مثله يف كل الوجوه أو أرف‪f‬ع من‪f‬ه أو ك‪f‬ان دون‪f‬ه‪ .‬وك‪f‬ل ذل‪f‬ك حمال‪ .‬فاملفض‪f‬ي إلي‪f‬ه حمال‪ ،‬ووج‪f‬ه‬
‫اس‪ff‬تحالة كون‪ff‬ه مثل‪ff‬ه من ك‪ff‬ل وج‪ff‬ه أن ك‪ff‬ل اث‪ff‬نني مها متغ‪ff‬ايران‪ ،‬ف‪ff‬إن مل يكن تغ‪ff‬اير مل تكن اإلثنيني‪ff‬ة معقول‪ff‬ة‪،‬‬
‫فإن ‪ff‬ا ال نعق ‪ff‬ل س ‪ff‬وادين إال يف حملني‪ ،‬أو يف حمل واح ‪ff‬د يف وق ‪ff‬تني‪ ،‬فيك ‪ff‬ون أح ‪ff‬دمها مفارق ‪ًf‬ا لآلخ ‪ff‬ر ومباين ‪ًf‬ا ل ‪ff‬ه‬
‫ومغ‪ff‬ايرًا إم‪ff‬ا يف احملل وإم‪ff‬ا يف ال‪ff‬وقت‪ ،‬والش‪ff‬يئان ت‪ff‬ارة يتغ‪ff‬ايران بتغ‪ff‬اير احلد واحلقيق‪ff‬ة‪ ،‬كتغ‪ff‬اير احلرك‪ff‬ة والل‪ff‬ون‬
‫فإهنما وإن اجتمعا يف حمل واحد يف وقت واح‪f‬د فهم‪f‬ا اثن‪f‬ان‪ ،‬إذ أح‪f‬دمها مغ‪f‬اير لآلخ‪f‬ر حبقيقت‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن اس‪f‬توى‬
‫اثنان يف احلقيقة واحلد كالسوادين‪ ،‬فيكون الفرق بينهما إما يف احملل أو يف الزمان؛ ف‪ff‬إن ف‪ff‬رض س‪ff‬وادان مثًال‬
‫يف ج‪f‬وهر واح‪f‬د يف حال‪f‬ة واح‪f‬دة ك‪f‬ان حماًال إذ مل تع‪f‬رف االثنيني‪f‬ة‪ .‬ول‪f‬و ج‪f‬از أن يق‪f‬ال مها اثن‪f‬ان وال مغ‪f‬ايرة‪،‬‬
‫جلاز أن يش‪ff‬ار إىل إنس‪ff‬ان واح‪ff‬د ويق‪ff‬ال أن‪ff‬ه انس‪ff‬انان ب‪ff‬ل عش‪ff‬رة وكله‪ff‬ا متس‪ff‬اوية متماثل‪ff‬ة يف الص‪ff‬فة واملك‪ff‬ان‬
‫ومجيع العوارض واللوازم‪ ،‬من غري فرق‪f‬ان‪ ،‬وذل‪f‬ك حمال بالض‪f‬رورة‪ ،‬ف‪f‬إن ك‪f‬ان ن‪f‬د اهلل س‪f‬بحانه متس‪f‬اويًا ل‪f‬ه يف‬
‫احلقيق‪ff‬ة والص‪ff‬فات اس‪ff‬تحال وج‪ff‬وده‪ ،‬إذ ليس مغ‪ff‬ايره باملك‪ff‬ان إذ ال مك‪ff‬ان وال زم‪ff‬ان فإهنم‪ff‬ا ق‪ff‬دميان‪ ،‬ف‪ff‬إذًا ال‬
‫فرق‪ff‬ان‪ ،‬وإذا ارتف‪ff‬ع ك‪ff‬ل ف‪ff‬رق ارتف‪ff‬ع الع‪ff‬دد بالض‪ff‬رورة‪ ،‬ول‪ff‬زمت الوح‪ff‬دة‪ .‬وحمال أن يق‪ff‬ال خيالف‪ff‬ه بكون‪ff‬ه أرف‪ff‬ع‬
‫من‪ff‬ه‪ .‬ف‪ff‬إن األرف‪ff‬ع ه‪ff‬و اإلل‪ff‬ه واإلل‪ff‬ه عب‪ff‬ارة عن أج‪ff‬ل املوج‪ff‬ودات وأرفعه‪ff‬ا‪ ،‬واآلخ‪ff‬ر املق‪ff‬در ن‪ff‬اقص ليس باإلل‪ff‬ه‪.‬‬
‫وحنن إمنا منن‪ff‬ع الع‪ff‬دد يف اإلل‪ff‬ه‪ ،‬واإلل‪ff‬ه ه‪ff‬و ال‪ff‬ذي يق‪ff‬ال في‪ff‬ه ب‪ff‬القول املطل‪ff‬ق أن‪ff‬ه أرف‪ff‬ع املوج‪ff‬ودات وأجله‪ff‬ا‪ .‬وإن‬
‫ك‪f‬ان أدىن من‪f‬ه ك‪f‬ان حماًال‪ ،‬ألن‪f‬ه ن‪f‬اقص وحنن نع‪ff‬رب باالل‪f‬ه عن أج‪f‬ل املوج‪f‬ودات فال يك‪f‬ون األج‪f‬ل إال واح‪f‬دًا‪،‬‬
‫وه‪ff‬و اإلل‪ff‬ه وال يتص‪ff‬ور اثن‪ff‬ان متس‪ff‬اويان يف ص‪ff‬فات اجلالل‪ ،‬إذ يرتف‪ff‬ع عن‪ff‬د ذل‪ff‬ك االف‪ff‬رتاق ويبط‪ff‬ل الع‪ff‬دد كم‪ff‬ا‬
‫سبق‪ .‬فإن قيل‪ :‬مب تنكرون على من ال ينازعكم يف إجياد من يطلق عليه اسم اإلله‪ ،‬مهما كان اإلل‪ff‬ه‪ ،‬عب‪ff‬ارة‬
‫عن أج‪ff‬ل املوج‪ff‬ودات‪ ،‬ولكن‪ff‬ه يق‪ff‬ول الع‪ff‬امل كل‪ff‬ه جبملت‪ff‬ه ليس مبخل‪ff‬وق خ‪ff‬الق واح‪ff‬د‪ ،‬ب‪ff‬ل ه‪ff‬و خمل‪ff‬وق خ‪ff‬القني‪،‬‬
‫أح ‪ff‬دمها مثًال خ ‪ff‬الق الس ‪ff‬ماء واآلخ ‪ff‬ر خ ‪ff‬الق األرض‪ ،‬أو أح ‪ff‬دمها خ ‪ff‬الق اجلم ‪ff‬ادات واآلخ ‪ff‬ر خ ‪ff‬الق احليوان ‪ff‬ات‬
‫وخ‪ff‬الق النب‪ff‬ات‪ :‬فم‪ff‬ا احملي‪ff‬ل هلذا ؟ ف‪ff‬إن مل يكن على اس‪ff‬تحالة ه ‪ff‬ذا دلي‪ff‬ل‪ ،‬فمن أين ينفعكم ق‪ff‬ولكم أن اس‪ff‬م‬
‫اإلل‪ff‬ه ال يطل‪ff‬ق على ه‪ff‬ؤالء ؟ ف‪ff‬إن ه‪ff‬ذا القائ‪ff‬ل يع‪ff‬رب باإلل‪ff‬ه عن اخلالق‪ ،‬أو يق‪ff‬ول أح‪ff‬دمها خ‪ff‬الق اخلري واآلخ‪ff‬ر‬
‫خ ‪ff‬الق الش ‪ff‬ر‪ ،‬أو أح ‪ff‬دمها خ ‪ff‬الق اجلواهر واآلخ ‪ff‬ر خ ‪ff‬الق األع ‪ff‬راض‪ ،‬فال ب ‪ff‬د من دلي ‪ff‬ل على اس ‪ff‬تحالة ذل ‪ff‬ك‪.‬‬
‫فنق ‪ff‬ول‪ :‬ي ‪ff‬دل على اس ‪ff‬تحالة ذل ‪ff‬ك أن ه ‪ff‬ذه التوزيع ‪ff‬ات للمخلوق ‪ff‬ات على اخلالقني يف تق ‪ff‬دير ه ‪ff‬ذا الس ‪ff‬ائل ال‬
‫تعدو قسمني‪ :‬إما أن تقتضي تقسيم اجلواهر واألعراض مجيعًا حىت خلق أحدمها بعض األجس‪ff‬ام واألع‪ff‬راض‬
‫دون البعض‪ ،‬أو يق‪ff f‬ال ك‪ff f‬ل األجس‪ff f‬ام من واح‪ff f‬د وك‪ff f‬ل األع‪ff f‬راض من واح‪ff f‬د‪ ،‬وباط‪ff f‬ل أن يق‪ff f‬ال إن بعض‬
‫األجسام خبلقها واحد كالسماء مثًال دون األرض؛ فإنا نقول خالق السماء هل هو قادر على خلق األرض‬
‫أم ال‪ ،‬ف ‪ff‬إن ك ‪ff‬ان ق ‪ff‬ادرًا كقدرت ‪ff‬ه‪ ،‬مل يتم ‪ff‬يز أح ‪ff‬دمها يف الق ‪ff‬درة عن اآلخ ‪ff‬ر‪ ،‬فال يتم ‪ff‬يز يف املق ‪ff‬دور عن اآلخ ‪ff‬ر‬
‫فيكون املقدور بني قادرين وال تكون نسبته إىل أحدمها بأوىل من اآلخر‪ ،‬وترج‪ff‬ع االس‪ff‬تحالة إىل م‪ff‬ا ذكرن‪ff‬اه‬
‫من تقدير تزاحم متماثلني من غري فرق‪ ،‬وه‪ff‬و حمال‪ .‬وإن مل يكن ق‪f‬ادرًا علي‪f‬ه فه‪ff‬و حمال ألن اجلواهر متماثل‪f‬ة‬
‫وأكواهنا اليت هي اختصاصات باألحياز متماثلة‪ ،‬والقادر على الشيء قادر على مثله إذ ك‪ff‬انت قدرت‪ff‬ه قدمية‬
‫حبيث جيوز أن يتعل ‪ff‬ق مبق ‪ff‬دورين وق ‪ff‬درة ك ‪ff‬ل واح ‪ff‬د منهم ‪ff‬ا تتعل ‪ff‬ق بع ‪ff‬دة من األجس ‪ff‬ام واجلواهر‪ ،‬فلم تتقي ‪ff‬د‬
‫مبق ‪ff‬دور واح ‪ff‬د‪ .‬وإذا ج ‪ff‬اوز املق ‪ff‬دور الواح ‪ff‬د على خالف الق ‪ff‬درة احلادث ‪ff‬ة‪ ،‬مل يكن بعض األع ‪ff‬داد ب ‪ff‬أوىل من‬
‫بعض‪ ،‬ب ‪ff‬ل جيب احلكم بنفي النهاي ‪ff‬ة عن مقدورات ‪ff‬ه وي ‪ff‬دخل ك ‪ff‬ل ج ‪ff‬وهر ممكن وج ‪ff‬وده يف قدرت ‪ff‬ه‪ .‬والقاس ‪ff‬م‬
‫الث‪ff‬اين أن يق‪ff‬ال‪ :‬أح‪ff‬دمها يق‪ff‬در على اجلوهر واآلخ‪ff‬ر على األع‪ff‬راض ومها خمتلف‪ff‬ان‪ ،‬فال جتب من الق‪ff‬درة على‬
‫أح ‪ff f‬دمها الق ‪ff f‬درة على اآلخ ‪ff f‬ر‪ ،‬وه ‪ff f‬ذا حمال‪ ،‬ألن الع ‪ff f‬رض ال يس ‪ff f‬تغين عن اجلوهر‪ ،‬واجلوهر ال يس ‪ff f‬تغين عن‬
‫الع‪ff‬رض‪ ،‬فيك‪ff‬ون فع‪ff‬ل ك‪ff‬ل واح‪ff‬د منهم‪ff‬ا موقوف ‪ًf‬ا على اآلخ‪ff‬ر‪ ،‬فكي‪ff‬ف خيلق‪ff‬ه ورمبا ال يس‪ff‬اعده خ‪ff‬الق اجلوهر‬
‫على خل‪f‬ق اجلوهر عن‪f‬د إرادت‪f‬ه خلل‪f‬ق الع‪f‬رض‪ ،‬فيبقى ع‪f‬اجزًا متح‪f‬ريًا والع‪f‬اجز ال يك‪f‬ون ق‪f‬ادرًا‪ .‬وك‪f‬ذلك خ‪f‬الق‬
‫اجلوهر إن أراد خل ‪ff‬ق اجلوهر مبا خالف ‪ff‬ه خ ‪ff‬الق الع ‪ff‬رض فيمتن ‪ff‬ع على اآلخ ‪ff‬ر خل ‪ff‬ق اجلوهر في ‪ff‬ؤدي ذل ‪ff‬ك إىل‬
‫التم‪ff‬انع‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬مهم‪ff‬ا أراد واح‪ff‬د منهم‪ff‬ا خل‪ff‬ق ج‪ff‬وهر س‪ff‬اعده اآلخ‪ff‬ر على الع‪ff‬رض وك‪ff‬ذا ب‪ff‬العكس‪ .‬قلن‪ff‬ا‪:‬‬
‫ه‪f‬ذه املس‪f‬اعدة ه‪f‬ل هي واجب‪f‬ة ال يتص‪f‬ور يف العق‪f‬ل خالفه‪f‬ا ف‪f‬إن أوجبتموه‪f‬ا فه‪f‬و حتكم‪ ،‬ب‪f‬ل ه‪f‬و أيض‪ًf‬ا مبط‪f‬ل‬
‫للق‪ff‬درة‪ ،‬ف‪ff‬إن خل‪ff‬ق اجلوهر من واح‪ff‬د كأن‪ff‬ه يض‪ff‬طر اآلخ‪ff‬ر إىل خل‪ff‬ق الع‪ff‬رض‪ ،‬وك‪ff‬ذا ب‪ff‬العكس؛ فال تك‪ff‬ون ل‪ff‬ه‬
‫ق‪f‬درة على ال‪f‬رتك وال تتحق‪f‬ق الق‪f‬درة م‪f‬ع ه‪f‬ذا‪ .‬وعلى اجلمل‪f‬ة ف‪f‬رتك املس‪f‬اعدة إن ك‪f‬ان ممكن‪ًf‬ا فق‪f‬د تع‪f‬ذر العق‪f‬ل‬
‫وبطل معىن املقدرة واملساعدة إن كانت واجب‪f‬ة ص‪f‬ار ال‪f‬ذي ال ب‪f‬د ل‪f‬ه من مس‪f‬اعدة مض‪f‬طرًا ال ق‪f‬درة ل‪f‬ه‪ .‬ف‪f‬إن‬
‫قي‪f‬ل‪ .‬فيك‪f‬ون أح‪f‬دمها خ‪f‬الق الش‪f‬ر واآلخ‪f‬ر خ‪f‬الق اخلري‪ ،‬قلن‪f‬ا‪ :‬ه‪ff‬ذا ه‪ff‬وس‪ ،‬ألن الش‪f‬ر ليس ش‪f‬رًا لذات‪f‬ه‪ ،‬ب‪f‬ل ه‪ff‬و‬
‫من حيث ذاته مساو للخري ومماثل له‪ ،‬والقدرة على الشيء ق‪f‬درة على مثل‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن إح‪f‬راق ب‪f‬دن املس‪f‬لم بالن‪f‬ار‬
‫ش‪f‬ر‪ ،‬وإح‪f‬راق ب‪f‬دن الك‪f‬افر خ‪f‬ري ودف‪f‬ع ش‪f‬ر‪ ،‬والش‪f‬خص الواح‪f‬د إذا تكلم بكلم‪f‬ة اإلس‪f‬الم انقلب اإلح‪f‬راق يف‬
‫حقه شرًا‪ ،‬فالقادر على إح‪f‬راق حلم‪f‬ه بالن‪f‬ار عن‪f‬د س‪f‬كوته عن كلم‪f‬ة اإلميان ال ب‪f‬د أن يق‪f‬در على إحراق‪f‬ه عن‪f‬د‬
‫النطق هبا‪ ،‬ألن نطقه هبا صوت ينقضي ال يغري ذات اللحم‪ ،‬وال ذات النار‪ ،‬وال ذات االح‪ff‬رتاق‪ ،‬وال يغلب‬
‫جنسًا فتكون االحرتاقات متماثلة‪ ،‬فيجب تعلق الق‪f‬درة بالك‪f‬ل ويقتض‪f‬ي ذل‪f‬ك متانع‪ًf‬ا وتزامحًا‪ .‬وعلى اجلمل‪f‬ة‪:‬‬
‫كيفما فرض األمر تولد منه اضطراب وفساد وهو الذي أراد اهلل سبحانه بقوله "لو كان فيهما آهلة إال الّل ه‬
‫لفس‪ff‬دتا" فال مزي‪ff‬د على بي‪ff‬ان الق‪ff‬رآن‪ .‬ولنختم ه‪ff‬ذا القطب بال‪ff‬دعوى العاش‪ff‬رة فلم يب‪ff‬ق مما يلي‪ff‬ق هبذا الفن إال‬
‫بي ‪ff‬ان اس ‪ff‬تحالة كون ‪ff‬ه س ‪ff‬بحانه حمًال للح ‪ff‬وادث‪ ،‬وسنش ‪ff‬ري إلي ‪ff‬ه يف أثن ‪ff‬اء الكالم يف الص ‪ff‬فات ردًا على من ق ‪ff‬ال‬
‫حبدوث العلم واإلرادة وغريمها‪.‬‬
‫القطب الثاين يف الصفات وفيه سبعة دعاوى إذ ندعى أنه سبحانه قادر ع‪ff‬امل حي مري‪ff‬د مسيع بص‪ff‬ري متكلم‪،‬‬
‫فهذه سبعة صفات‪ .‬ويتشعب عنها نظر يف أمرين أحدمها ما به ختص آحاد الصفات‪ ،‬والثاين ما تشرتك في‪ff‬ه‬
‫مجيع الصفات‪ .‬فلنفتح البداية بالقس‪f‬م األول وه‪f‬و اث‪f‬آت أص‪f‬ل الص‪f‬فات وش‪f‬رح خص‪f‬وص أحكامه‪f‬ا‪ .‬القس‪f‬م‬
‫األول أصل الص‪f‬فات الص‪f‬فة األوىل الق‪f‬درة ن‪f‬دعي أن حمدث الع‪f‬امل ق‪f‬ادر‪ ،‬ألن الع‪f‬امل فع‪f‬ل حمكم م‪f‬رتب متقن‬
‫منظوم مشتمل على أنواع من العجائب واآليات‪ ،‬وذلك يدل على القدرة‪.‬‬
‫ون‪ff‬رتب القي‪ff‬اس فنق‪ff‬ول‪ :‬ك‪ff‬ل فع‪ff‬ل حمكم فه‪ff‬و ص‪ff‬ادر من فاع‪ff‬ل ق‪ff‬ادر‪ ،‬والع‪ff‬امل فع‪ff‬ل حمكم فه‪ff‬و إذًا ص‪ff‬ادر من‬
‫فاعل قادر‪ ،‬ففي أي األصلني النزاع ؟‬
‫فإن قيل فلم قلتم أن العامل فعل حمكم‪،‬‬
‫قلن‪ff‬ا‪ :‬عنين‪ff‬ا بكون‪ff‬ه حمكم‪ًf‬ا ترتب‪ff‬ه ونظام‪ff‬ه وتناس‪ff‬به‪ ،‬فمن نظ‪ff‬ر يف أعض‪ff‬اء نفس‪ff‬ه الظ‪ff‬اهرة والباطن‪ff‬ة ظه‪ff‬ر ل‪ff‬ه من‬
‫عجائب االتقان ما يطول حصره‪ ،‬فهذا أصل تدرك معرفته باحلس واملشاهدة فال يسع جحده‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فبم عرفتم األصل اآلخر وهو أن كل فعل مرتب حمكم ففاعله قادر ؟‬
‫قلنا‪ :‬هذا مدركه ضرورة العقل؛ فالعقل يصدق به بغري دليل وال يقدر العاقل على جحده‪ ،‬ولكنا مع ه‪ff‬ذا‬
‫جنرد دليًال يقطع دابر اجلحود والعناد‪ ،‬فنقول‪ :‬نعين بكونه قادرًا أن الفعل الصادر منه ال خيلو إما أن يص‪ff‬در‬
‫عنه لذاته أو لزائد عليه‪ ،‬وباطل أن يقال صدر عنه لذاته‪ ،‬إذ لو كان كذلك لكان قدميًا مع الذات فدل أن‪ff‬ه‬
‫صدر لزائد على ذاته‪ ،‬والصفة الزائدة اليت هبا هتيأ للفعل املوجود نسميها قدرًة‪ ،‬إذ الق‪ff‬درة يف وض‪ff‬ع اللس‪f‬ان‬
‫عبارة عن الصفة اليت يتهيأ الفعل للفاعل وهبا يقع الفعل‪،‬‬
‫فإن قيل ينقلب عليكم هذا يف القدرة فإهنا قدمية والفعل ليس بقدمي‪،‬‬
‫قلن‪ff‬ا س‪ff‬يأيت جواب‪ff‬ه يف أحك‪ff‬ام اإلرادة فيم‪ff‬ا يق‪ff‬ع الفع‪ff‬ل ب‪ff‬ه‪ ،‬وه‪ff‬ذا الوص‪ff‬ف مما دل علي‪ff‬ه التقس‪ff‬يم الق‪ff‬اطع ال‪ff‬ذي‬
‫ذكرن ‪ff‬اه‪ .‬ولس ‪ff‬نا نع ‪ff‬ين بالق ‪ff‬درة إال ه ‪ff‬ذه الص ‪ff‬فة‪ ،‬وق ‪ff‬د أثبتناه ‪ff‬ا فلن ‪ff‬ذكر أحكامه ‪ff‬ا‪ .‬ومن حكمه ‪ff‬ا أهنا متعلق ‪ff‬ة‬
‫جبمي‪ff‬ع املق‪ff‬دورات‪ ،‬وأع‪ff‬ين باملق‪ff‬دورات املمكن‪ff‬ات كله‪ff‬ا ال‪ff‬يت ال هناي‪ff‬ة هلا‪ .‬وال خيفى أن املمكن‪ff‬ات ال هناي‪ff‬ة هلا‬
‫فال هناي ‪ff‬ة إذًا للمق ‪ff‬دورات‪ ،‬ونع ‪ff‬ين بقولن ‪ff‬ا ال هناي ‪ff‬ة للممكن ‪ff‬ات أن خل ‪ff‬ق احلوادث بع ‪ff‬د احلوادث ال ينتهي إىل‬
‫حد يستحيل يف العقل ح‪f‬دوث ح‪f‬ادث بع‪f‬ده‪ ،‬فاإلمك‪f‬ان مس‪f‬تمر أب‪f‬دًا والق‪f‬درة واس‪f‬عة جلمي‪f‬ع ذل‪f‬ك‪ ،‬وبره‪f‬ان‬
‫هذه الدعوى وهي عموم تعلق القدرة أنه قد ظهر أن صانع ك‪f‬ل الع‪f‬امل واح‪f‬د‪ ،‬فإم‪f‬ا أن يك‪f‬ون ل‪f‬ه ب‪f‬إزاء ك‪f‬ل‬
‫مقدور قدرة واملقدورات ال هناية هلا فتثبت قدرة متعددة ال هناية هلا وهو حمال كما سبق يف إبط‪f‬ال دورات‬
‫ال هناي‪f‬ة هلا‪ ،‬وإم‪f‬ا أن تك‪f‬ون الق‪f‬درة واح‪f‬دة كم‪f‬ا س‪f‬بق يف إبط‪f‬ال دورات ال هناي‪f‬ة هلا‪ ،‬وإم‪f‬ا أن تك‪f‬ون الق‪f‬درة‬
‫واح‪ff‬دة فيك‪ff‬ون تعلقه‪ff‬ا م‪ff‬ع احتاده‪ff‬ا مبا يتعل‪ff‬ق ب‪ff‬ه من اجلواهر واألع‪ff‬راض م‪ff‬ع اختالفه‪ff‬ا ألم‪ff‬ر تش‪ff‬رتك في‪ff‬ه وال‬
‫يشرتك يف أم‪f‬ر س‪f‬وى االمك‪f‬ان‪ ،‬فيل‪f‬زم من‪f‬ه أن ك‪f‬ل ممكن فه‪f‬و مق‪f‬دور ال حمال‪f‬ة وواق‪f‬ع بالق‪f‬درة‪ .‬وباجلمل‪f‬ة‪ ،‬إذا‬
‫ص‪f‬درت من‪f‬ه اجلواهر واألع‪f‬راض اس‪f‬تحال أن ال يص‪f‬در من‪f‬ه أمثاهلا‪ ،‬ف‪f‬إن الق‪f‬درة على الش‪f‬يء ق‪f‬درة على مثل‪f‬ه‬
‫إذ مل ميتن ‪ff‬ع التع ‪ff‬دد يف املق ‪ff‬دور لنس ‪ff‬بته إىل احلرك ‪ff‬ات كله ‪ff‬ا واألل ‪ff‬وان كله ‪ff‬ا على وت ‪ff‬رية واح ‪ff‬دة فتص ‪ff‬لح خلل ‪ff‬و‬
‫حركة بعد حركة على الدوام‪ ،‬وكذا لون بعد لون وجوهر بعد جوهر وهكذا ‪ ..‬وه‪ff‬و ال‪f‬ذي عنين‪f‬اه بقولن‪f‬ا‬
‫إن قدرت‪ff‬ه تع‪ff‬اىل متعلق‪ff‬ة بك‪ff‬ل ممكن ف‪ff‬إن اإلمك‪ff‬ان ال ينحص‪ff‬ر يف ع‪ff‬دد‪ .‬ومناس‪ff‬بة ذات الق‪ff‬درة ال ختتص بع‪ff‬دد‬
‫دون ع ‪ff‬دد وال ميكن أن يش ‪ff‬ار إىل حرك ‪ff‬ة فيق ‪ff‬ال أهنا خارج ‪ff‬ة عن إمك ‪ff‬ان تعل ‪ff‬ق الق ‪ff‬درة هبا‪ ،‬م ‪ff‬ع أهنا تعلقت‬
‫مبثلها إذ بالضرورة تعلم أن ما وجب للشيء وجب ملثله ويتش‪ff‬عب عن ه‪ff‬ذا ثالث‪f‬ة ف‪ff‬روع‪ .‬الف‪ff‬رع األول‪ :‬إن‬
‫ق‪ff‬ال قائ‪ff‬ل ه‪ff‬ل تقول‪ff‬ون أن خالف املعل‪ff‬وم مق‪ff‬دور ؟ قلن‪ff‬ا‪ :‬ه‪ff‬ذا مما اختل‪ff‬ف في‪ff‬ه‪ ،‬وال يتص‪ff‬ور اخلالف في‪ff‬ه إذا‬
‫حق ‪ff‬ق وأزي ‪ff‬ل تعقي ‪ff‬د األلف ‪ff‬اظ وبيان ‪ff‬ه أن ‪ff‬ه ق ‪ff‬د ثبت أن ك ‪ff‬ل ممكن مق ‪ff‬دور وأن احملال ليس مبق ‪ff‬دور‪ .‬ف ‪ff‬انظر أن‬
‫خالف املعلوم حمال أو ممكن وال تعرف ذل‪f‬ك إال إذا ع‪f‬رفت مع‪f‬ىن احملال واملمكن وحص‪f‬لت حقيقتهم‪f‬ا وإال‬
‫ف‪ff‬إن تس‪ff‬اهلت يف النظ‪ff‬ر‪ ،‬رمبا ص‪ff‬دق على خالف املعل‪ff‬وم أن‪ff‬ه حمال وأن‪ff‬ه ممكن وأن‪ff‬ه ليس مبح‪ff‬ال‪ ،‬ف‪ff‬إذًا ص‪ff‬دق‬
‫أنه حمال وأنه ليس مبحال والنقيضان ال يصدفان مع‪ًf‬ا‪ .‬ف‪f‬اعلم أن حتت اللف‪f‬ظ امجاًال وإمنا ينكش‪f‬ف ل‪f‬ك ذل‪f‬ك‬
‫مبا أقوله وه‪f‬و أن الع‪f‬امل مثًال يص‪f‬دق علي‪f‬ه أن‪f‬ه واجب وأن‪f‬ه حمال وأن‪f‬ه ممكن‪ .‬أم‪f‬ا كون‪f‬ه واجب‪ًf‬ا فمن حيث أن‪f‬ه‬
‫إذا فرض‪ff‬ت إرادة الق‪ff‬دمي موج‪ff‬ودة وج‪ff‬ودًا واجب ‪ًf‬ا ك‪ff‬ان املراد أيض ‪ًf‬ا واجب ‪ًf‬ا بالض‪ff‬رورة ال ج‪ff‬ائزًا‪ ،‬إذ يس‪ff‬تحيل‬
‫ع‪ff‬دم املراد م‪ff‬ع حتق‪ff‬ق اإلرادة القدمية وأم‪ff‬ا كون‪ff‬ه حماًال فه‪ff‬و أن‪ff‬ه ل‪ff‬و ق‪ff‬در ع‪ff‬دم تعل‪ff‬ق االرادة باجياده فيك‪ff‬ون ال‬
‫حمال‪ff‬ة حدوث‪ff‬ه حماًال إذ ي‪ff‬ؤدي إىل ح‪ff‬دوث ح‪ff‬ادث بال س‪ff‬بب وق‪ff‬د ع‪ff‬رف أن‪ff‬ه حمال‪ .‬وأم‪ff‬ا كون‪ff‬ه ممكن‪ًf‬ا فه‪ff‬و أن‬
‫تنظ‪ff f‬ر إىل ذات‪ff f‬ه فق‪ff f‬ط‪ ،‬وال تعت‪ff f‬رب مع‪ff f‬ه ال وج‪ff f‬ود اإلرادة وال ع‪ff f‬دمها‪ ،‬فيك‪ff f‬ون ل‪ff f‬ه وص‪ff f‬ف اإلمك‪ff f‬ان‪ ،‬ف‪ff f‬إذًا‬
‫االعتب‪ff‬ارات ثالث‪ff‬ة‪ :‬األول أن يش‪ff‬رتط في‪ff‬ه وج‪ff‬ود اإلرادة وتعلقه‪ff‬ا فه‪ff‬و هبذا االعتب‪ff‬ار واجب‪ .‬الث‪ff‬اين أن يعت‪ff‬رب‬
‫فق‪ff‬د اإلرادة فه‪ff‬و هبذا االعتب‪ff‬ار حمال‪ .‬الث‪ff‬الث أن نقط‪ff‬ع االلتف‪ff‬ات عن اإلرادة والس‪ff‬بب فال نعت‪ff‬رب وج‪ff‬وده وال‬
‫عدم‪ff‬ه وجنرد النظ‪ff‬ر إىل ذات الع‪ff‬امل فيبقى ل‪ff‬ه هبذا االعتب‪ff‬ار األم‪ff‬ر الث‪ff‬الث وه‪ff‬و اإلمك‪ff‬ان‪ .‬ونع‪ff‬ين ب‪ff‬ه أن‪ff‬ه ممكن‬
‫لذاته‪ ،‬أي إذا مل نشرتط غري ذاته كان ممكنًا فظهر منه أنه جيوز أن يكون الشيء الواحد ممكنًا حماًال‪ ،‬ولكن‬
‫ممكنًا باعتبار ذاته حماًال باعتبار غريه‪ ،‬وال جيوز أن يكون ممكنًا لذاته حماًال لذاته‪ ،‬فهما متناقض‪ff‬ان ف‪ff‬نرجع إىل‬
‫خالف املعل‪ff‬وم فنق‪ff‬ول‪ :‬إذا س‪ff‬بق يف علم اهلل تع‪ff‬اىل إمات‪ff‬ة زي‪ff‬د ص‪ff‬بيحة ي‪ff‬وم الس‪ff‬بت مثًال فنق‪ff‬ول‪ :‬خل‪ff‬ق احلي‪ff‬اة‬
‫لزي‪f‬د ص‪ff‬بيحة ي‪f‬وم الس‪f‬بت ممكن أم ليس مبمكن ؟ ف‪f‬احلق في‪f‬ه أن‪f‬ه ممكن وحمال؛ أي ه‪ff‬و ممكن باعتب‪f‬ار ذات‪f‬ه إن‬
‫قطع االلتفات إىل غريه‪ ،‬وحمال لغريه ال لذاته وذلك إذا اعترب معه االلتفات إىل تعل‪ff‬ق ذاهتا وه‪ff‬و ذات العلم‪،‬‬
‫إذ ينقلب جهًال‪ ،‬وحمال أن ينقلب جهًال فب‪ff‬ان أن‪ff‬ه ممكن لذات‪ff‬ه حمال لل‪ff‬زوم اس‪ff‬تحالة يف غ‪ff‬ريه‪ .‬ف‪ff‬إذا قلن‪ff‬ا حي‪ff‬اة‬
‫زي‪ff‬د يف ه‪ff‬ذا ال‪ff‬وقت مق‪ff‬دورة‪ ،‬مل ن‪ff‬رد ب‪ff‬ه إال أن احلي‪ff‬اة من حيث أهنا حي‪ff‬اة ليس مبح‪ff‬ال‪ ،‬ك‪ff‬اجلمع بني الس‪ff‬واد‬
‫والبي‪ff‬اض‪ .‬وق‪ff‬درة اهلل تع‪ff‬اىل من حيث أهنا ق‪ff‬درة ال تنب‪ff‬و عن التعل‪ff‬ق خبل‪ff‬ق احلي‪ff‬اة وال تتقاص‪ff‬ر عن‪ff‬ه لفت‪ff‬ور وال‬
‫ض ‪ff‬عف وال س ‪ff‬بب يف ذات الق ‪ff‬درة‪ ،‬وه ‪ff‬ذان أم ‪ff‬ران يس ‪ff‬تحيل إنكارمها‪ ،‬أع ‪ff‬ين نفي القص ‪ff‬ور عن ذات الق ‪ff‬درة‬
‫وثب‪ff‬وت اإلمك‪ff‬ان ل‪ff‬ذات احلي‪ff‬اة من حيث أهنا حي‪ff‬اة فق‪ff‬ط من غ‪ff‬ري التف‪ff‬ات إىل غريه‪ff‬ا‪ ،‬واخلص‪ff‬م إذا ق‪ff‬ال غ‪ff‬ري‬
‫مقدور على معىن أن وجوده يؤدي إىل استحالة فهو صادق يف هذا املعىن‪ ،‬فإنا لس‪f‬نا ننك‪f‬ره ويبقى النظ‪f‬ر يف‬
‫اللف ‪ff‬ظ ه ‪ff‬ل ه ‪ff‬و ص ‪ff‬واب من حيث اللغ ‪ff‬ة إطالق ه ‪ff‬ذا االس ‪ff‬م علي ‪ff‬ه أو س ‪ff‬لبه‪ ،‬وال خيفى أن الص ‪ff‬واب إطالق‬
‫اللفظ فإن الناس يقولون فالن قادر على احلركة والسكون‪ ،‬إن شاء حترك وإن شاء س‪f‬كن‪ ،‬ويقول‪f‬ون إن ل‪f‬ه‬
‫يف كل وقت قدرة على الضدين ويعلمون أن اجلاري يف علم اهلل تعاىل وقوع أح‪f‬دمها‪ ،‬فاالطالق‪f‬ات ش‪f‬اهدة‬
‫ملا ذكرن ‪ff‬اه وح ‪ff‬ظ املع ‪ff‬ىن في ‪ff‬ه ض ‪ff‬روري ال س ‪ff‬بيل إىل جح ‪ff‬ده‪ .‬الف ‪ff‬رع الث ‪ff‬اين‪ :‬إن ق ‪ff‬ال قائ ‪ff‬ل إذا ادعيتم عم ‪ff‬وم‬
‫الق‪ff f‬درة يف تعلقه‪ff f‬ا باملمكن‪ff f‬ات‪ ،‬فم‪ff f‬ا ق‪ff f‬ولكم يف مق‪ff f‬دورات احلي‪ff f‬وان وس‪ff f‬ائر األحي‪ff f‬اء من املخلوق‪ff f‬ات‪ ،‬أهي‬
‫مقدورة هلل تعاىل أم ال ؟ فإن قلتم ليس‪f‬ت مق‪f‬دورة‪ ،‬فق‪f‬د نقض‪f‬تم ق‪f‬ولكم إن تعل‪f‬ق الق‪f‬درة ع‪f‬ام‪ ،‬وإن قلتم إهنا‬
‫مق‪ff‬دورة ل‪ff‬ه ل‪ff‬زمكم إثب‪ff‬ات مق‪ff‬دور بني ق‪ff‬ادرين وه‪ff‬و حمال‪ ،‬وإنك‪ff‬ار ك‪ff‬ون اإلنس‪ff‬ان وس‪ff‬ائر احلي‪ff‬وان ق‪ff‬ادرًا فه‪ff‬و‬
‫مناكرة للضرورة وجماح‪f‬دة ملطالب‪f‬ات الش‪f‬ريعة‪ ،‬إذ تس‪f‬تحيل املطالب‪f‬ة مبا ال ق‪f‬درة علي‪f‬ه ويس‪f‬تحيل أن يق‪f‬ول اهلل‬
‫لعب ‪ff‬ده ينبغي أن تتع ‪ff‬اطى م ‪ff‬ا ه ‪ff‬و مق ‪ff‬دور يل وأن ‪ff‬ا مس ‪ff‬تأثر بالق ‪ff‬درة علي ‪ff‬ه وال ق ‪ff‬درة ل ‪ff‬ك علي ‪ff‬ه‪ .‬فنق ‪ff‬ول‪ :‬يف‬
‫االنفصال قد حتزب الناس يف هذا أحزابًا؛ فذهبت اجملربة إىل انكار قدرة العبد فلزمها إنكار ضرورة التفرق‪f‬ة‬
‫بني حرك‪f‬ة الرع‪ff‬دة واحلرك‪f‬ة االختياري‪f‬ة‪ ،‬ولزمه‪ff‬ا أيض‪ًf‬ا اس‪f‬تحالة تك‪f‬اليف الش‪f‬رع‪ ،‬وذهبت املعتزل‪f‬ة إىل انك‪f‬ار‬
‫تعل‪f‬ق ق‪f‬درة اهلل تع‪f‬اىل بأفع‪f‬ال العب‪f‬اد من احليوان‪f‬ات واملالئك‪f‬ة واجلن واإلنس والش‪f‬ياطني وزعمت أن مجي‪f‬ع م‪f‬ا‬
‫يصدر منها من خلق العباد واخرتاعهم ال قدرة هلل تعاىل عليها بنفي وال إجياب فلزمتها ش‪ff‬ناعتان عظيمت‪ff‬ان‪:‬‬
‫إحدامها انكار ما أطبق عليه السلف رضي اهلل عنهم من أنه ال خالق إال اهلل وال خمرتع سواه‪ ،‬والثاني‪ff‬ة نس‪ff‬بة‬
‫االخ ‪ff‬رتاع واخلل ‪ff‬ق إىل ق ‪ff‬درة من ال يعلم م ‪ff‬ا خلق ‪ff‬ه من احلرك ‪ff‬ات‪ ،‬ف ‪ff‬إن احلرك ‪ff‬ات ال ‪ff‬يت تص ‪ff‬در من اإلنس ‪ff‬ان‬
‫وسائر احلي‪f‬وان ل‪f‬و س‪f‬ئل عن ع‪f‬ددها وتفاص‪f‬يلها ومقاديره‪f‬ا مل يكن عن‪f‬ده خ‪f‬رب منه‪f‬ا‪ ،‬ب‪f‬ل الص‪f‬يب كم‪f‬ا ينفص‪f‬ل‬
‫من امله‪ff‬د ي‪ff‬دب إىل الث‪ff‬دي باختي‪ff‬اره وميتص‪ ،‬واهلرة كم‪ff‬ا ول‪ff‬دت ت‪ff‬دب إىل ث‪ff‬دي أمه‪ff‬ا وهي مغمض‪ff‬ة عينه‪ff‬ا‪،‬‬
‫والعنكبوت تنسج من البيوت أشكاًال غريبة يتحري املهندس يف استدارهتا وتوازي أضالعها وتناسب ترتيبها‬
‫وبالض ‪ff‬رورة تعلم انفكاكه ‪ff‬ا عن العلم مبا تعج ‪ff‬ز املهندس ‪ff‬ون عن معرفت ‪ff‬ه‪ ،‬والنح ‪ff‬ل تش ‪ff‬كل بيوهتا على ش ‪ff‬كل‬
‫التس‪ff‬ديس فال يك‪ff‬ون فهي‪ff‬ا مرب‪ff‬ع وال م‪ff‬دور وال مس‪ff‬بع وال ش‪ff‬كل آخ‪ff‬ر وذل‪ff‬ك لتم‪ff‬يز ش‪ff‬كل املس‪ff‬دس خباص‪ff‬ية‬
‫دلت عليه ‪ff‬ا ال ‪ff‬رباهني اهلندس ‪ff‬ية ال توج ‪ff‬د يف غريه ‪ff‬ا‪ ،‬وه ‪ff‬و مب ‪ff‬ين على اص ‪ff‬ول أح ‪ff‬دها‪ ،‬أن أح ‪ff‬وى األش ‪ff‬كال‬
‫وأوس‪ff‬عها الش‪ff‬كل املس‪ff‬تدير املنف‪ff‬ك عن الزواي‪ff‬ا اخلارج‪ff‬ة عن االس‪ff‬تقامة‪ ،‬والث‪ff‬اين‪ ،‬أن األش‪ff‬كال املس‪ff‬تديرة إذا‬
‫وض ‪ff‬عت مرتاص ‪ff‬ة بقيت بينه ‪ff‬ا ف ‪ff‬رج معطل ‪ff‬ة ال حمال ‪ff‬ة‪ ،‬والث ‪ff‬الث‪ ،‬أن أق ‪ff‬رب األش ‪ff‬كال القليل ‪ff‬ة األض ‪ff‬الع إىل‬
‫املستديرة يف االحت‪f‬واء ه‪f‬و ش‪f‬كل املس‪f‬دس‪ ،‬والراب‪f‬ع أن ك‪f‬ل األش‪f‬كال القريب‪f‬ة من املس‪f‬تديرة كاملس‪f‬بع واملثمن‬
‫واملخمس إذا وضعت مجلة مرتاص‪f‬ة متج‪f‬اورة بقيت بينه‪f‬ا ف‪f‬رج معطل‪f‬ة ومل تكن متالص‪f‬قة‪ ،‬وأم‪f‬ا املربع‪f‬ة فإهنا‬
‫متالصقة ولكنها بعيدة عن احتواء الدوائر لتباعد زواياه‪ff‬ا عن أوس‪f‬اطها‪ ،‬وملا ك‪f‬ان النح‪f‬ل حمتاج‪ًf‬ا إىل ش‪f‬كل‬
‫ق‪ff‬ريب من ال‪ff‬دوائر ليك‪ff‬ون حاوي ‪ًf‬ا لشخص‪ff‬ه فإن‪ff‬ه ق‪ff‬ريب من االس‪ff‬تدارة‪ ،‬وك‪ff‬ان حمتاج ‪ًf‬ا لض‪ff‬يق مكان‪ff‬ه وك‪ff‬ثرة‬
‫ع‪ff‬دده إىل أن ال يض‪ff‬يع موض‪ff‬عًا بف‪ff‬رج تتخل‪ff‬ل بني ال‪ff‬بيوت وال تتس‪ff‬ع ألشخاص‪ff‬ها ومل يكن يف األش‪ff‬كال م‪ff‬ع‬
‫خروجها عن النهاية شكل يقرب من االستدارة ول‪f‬ه ه‪f‬ذه اخلاص‪f‬ية وه‪f‬و ال‪f‬رتاص واخلل‪f‬و عن بق‪f‬اء الف‪f‬رج بني‬
‫أع‪ff‬دادها إال املس‪ff‬دس‪ ،‬فس‪ff‬خرها اهلل تع‪ff‬اىل الختي‪ff‬ار الش‪ff‬كل املس‪ff‬دس يف ص‪ff‬ناعة بيته‪ff‬ا؛ فليت ش‪ff‬عري أع‪ff‬رف‬
‫النح ‪ff‬ل ه ‪ff‬ذه ال ‪ff‬دقائق ال ‪ff‬يت يقص ‪ff‬ر عن دركه ‪ff‬ا أك ‪ff‬ثر عقالء اإلنس أم س ‪ff‬خره لني ‪ff‬ل م ‪ff‬ا ه ‪ff‬و مض ‪ff‬طر إلي ‪ff‬ه اخلالق‬
‫املنفرد باجلربوت وهو يف الوسط جمري فتقدير اهلل تع‪ff‬اىل جيري علي‪f‬ه وفي‪f‬ه‪ ،‬وه‪ff‬و ال يدري‪f‬ه وال ق‪f‬درة ل‪f‬ه على‬
‫االمتناع عنه‪ ،‬وإن يف صناعات احليوانات من هذا اجلنس عجائب ل‪f‬و أوردت منه‪ff‬ا طرف‪ًf‬ا المتألت الص‪ff‬دور‬
‫من عظم ‪ff‬ة اهلل تع ‪ff‬اىل وجالل ‪ff‬ه‪ ،‬فتعس ‪ًf‬ا لل ‪ff‬زائغني عن س ‪ff‬بيل اهلل املغ ‪ff‬رتين بق ‪ff‬درهتم القاص ‪ff‬رة ومكنتهم الض ‪ff‬عيفة‬
‫الظ‪ff f‬انني أهنم مس‪ff f‬امهون اهلل تع‪ff f‬اىل يف اخلل‪ff f‬ق واالخ‪ff f‬رتاع وإب‪ff f‬داع مث‪ff f‬ل ه‪ff f‬ذه العج‪ff f‬ائب واآلي‪ff f‬ات‪ .‬هيه‪ff f‬ات‬
‫هيه ‪ff‬ات ! ذلت املخلوق ‪ff‬ات وتف ‪ff‬رد باملل ‪ff‬ك وامللك ‪ff‬وت جب ‪ff‬ار األرض والس ‪ff‬موات فه ‪ff‬ذه أن ‪ff‬واع الش ‪ff‬ناعات‬
‫الالزمة على مذهب املعتزلة فانظر اآلن إىل أهل السنة كيف وفقوا للسداد ورشحوا لالقتصاد يف االعتق‪ff‬اد‪.‬‬
‫فق ‪ff‬الوا‪ :‬الق ‪ff‬ول ب ‪ff‬اجلرب حمال باط ‪ff‬ل‪ ،‬والق ‪ff‬ول ب ‪ff‬االخرتاع اقتح ‪ff‬ام هائ ‪ff‬ل‪ ،‬وإمنا احلق إثب ‪ff‬ات الق ‪ff‬درتني على فع ‪ff‬ل‬
‫واحد‪ .‬والقول مبقدور منسوب إىل ق‪f‬ادرين فال يبقى إال اس‪f‬تبعاد ت‪f‬وارد الق‪ff‬درتني على فع‪ff‬ل واح‪f‬د وه‪ff‬ذا إمنا‬
‫يبع ‪ff‬د إذا ك ‪ff‬ان تعل ‪ff‬ق الق ‪ff‬درتني على وج ‪ff‬ه واح ‪ff‬د‪ ،‬ف ‪ff‬إن اختلفت الق ‪ff‬درتان واختل ‪ff‬ف وج ‪ff‬ه تعلقهم ‪ff‬ا فت ‪ff‬وارد‬
‫التعلقني على ش‪ff f‬يء واح‪ff f‬د غ‪ff f‬ري حمال كم‪ff f‬ا س‪ff f‬نبينه‪ .‬ف‪ff f‬إن قي‪ff f‬ل فم‪ff f‬ا ال‪ff f‬ذي محلكم على اثب‪ff f‬ات مق‪ff f‬دور بني‬
‫ق ‪ff‬ادرين ؟ قلن ‪ff‬ا‪ :‬الربه ‪ff‬ان الق ‪ff‬اطع على أن احلرك ‪ff‬ة االختياري ‪ff‬ة مفارق ‪ff‬ة للرع ‪ff‬دة‪ ،‬وإن فرض ‪ff‬ت الرع ‪ff‬دة م ‪ff‬راد‬
‫للمرتعد ومطلوبة له أيضًا وال مفارق‪f‬ة إال بالق‪f‬درة‪ ،‬مث الربه‪f‬ان الق‪f‬اطع على أن ك‪f‬ل ممكن تتعل‪f‬ق ب‪f‬ه ق‪f‬درة اهلل‬
‫تعاىل وكل حادث ممكن وفعل العب‪f‬د ح‪f‬ادث فه‪f‬و إذًا ممكن ف‪f‬إن مل تتعل‪f‬ق ب‪f‬ه ق‪f‬درة اهلل تع‪f‬اىل فه‪f‬و حمال‪ ،‬فإن‪f‬ا‬
‫نقول‪ :‬احلركة االختياري‪f‬ة من حيث أهنا حرك‪f‬ة حادث‪f‬ة ممكن‪f‬ة مماثل‪f‬ة حلرك‪f‬ة الرع‪f‬دة فيس‪f‬تحيل أن تتعل‪f‬ق ق‪f‬درة‬
‫اهلل تع ‪ff‬اىل بإح ‪ff‬دامها وتقص ‪ff‬ر عن األخ‪ff‬رى وهي مثله ‪ff‬ا‪ ،‬ب ‪ff‬ل يل ‪ff‬زم علي ‪ff‬ه حمال آخ ‪ff‬ر وه ‪ff‬و أن اهلل تع ‪ff‬اىل ل ‪ff‬و أراد‬
‫تسكني يد العبد إذا أراد العبد حتريكها فال خيل‪f‬و إم‪f‬ا أن توج‪f‬د احلرك‪f‬ة والس‪f‬كون مجيع‪ًf‬ا أو كالمها ال يوج‪f‬د‬
‫في ‪ff‬ؤدي إىل اجتم ‪ff‬اع احلرك ‪ff‬ة والس ‪ff‬كون أو إىل اخلل ‪ff‬و عنهم ‪ff‬ا‪ ،‬واخلل ‪ff‬و عنهم ‪ff‬ا م ‪ff‬ع التن ‪ff‬اقض ي ‪ff‬وجب بطالن‬
‫الق‪ff‬درتني‪ ،‬إذ الق‪ff‬درة م‪ff‬ا حيص‪ff‬ل هبا املق‪ff‬دور عن‪ff‬د حتق‪ff‬ق اإلرادة وقب‪ff‬ول احملل‪ ،‬ف‪ff‬إن ظن اخلص‪ff‬م أن مق‪ff‬دور اهلل‬
‫تع‪ff‬اىل ي‪ff‬رتجح ألن قدرت‪ff‬ه أق‪ff‬وى فه‪ff‬و حمال‪ ،‬ألن تعل‪ff‬ق الق‪ff‬درة حبرك‪ff‬ة واح‪ff‬دة ال تفض‪ff‬ل تعل‪ff‬ق الق‪ff‬درة األخ‪ff‬رى‬
‫هبا‪ ،‬إذ ك‪ff‬انت فائ‪ff‬دة الق‪ff‬درتني االخ‪ff‬رتاع وإمنا قوت‪ff‬ه باقت‪ff‬داره على غ‪ff‬ريه واقت‪ff‬داره على غ‪ff‬ريه غ‪ff‬ري م‪ff‬رجح يف‬
‫احلرك ‪ff‬ة ال ‪ff‬يت فيه ‪ff‬ا الكالم‪ ،‬إذ ح ‪ff‬ظ احلرك ‪ff‬ة من ك ‪ff‬ل واح ‪ff‬دة من الق ‪ff‬درتني أن تص ‪ff‬ري خمرتع ‪ff‬ة هبا واالخ ‪ff‬رتاع‬
‫يتساوى فليس فيه أشد وال أضعف حىت يكون فيه ت‪f‬رجيح‪ ،‬ف‪f‬إذًا ال‪f‬دليل الق‪f‬اطع على إثب‪f‬ات الق‪f‬درتني س‪f‬اقنا‬
‫إىل إثبات مقدور بني قادرين‪ .‬فإن قيل‪ :‬ال‪f‬دليل ال يس‪f‬وق إىل حمال ال يفهم وم‪ff‬ا ذكرمتوه غ‪ff‬ري مفه‪ff‬وم‪ .‬قلن‪f‬ا‪:‬‬
‫علين‪ff‬ا تفهيم‪ff‬ه وه‪ff‬و أن‪ff‬ا نق‪ff‬ول اخ‪ff‬رتاع اهلل س‪ff‬بحانه للحرك‪ff‬ة يف العب‪ff‬د معق‪ff‬ول دون أن تك‪ff‬ون احلرك‪ff‬ة مق‪ff‬دورة‬
‫للعب‪ff‬د‪ ،‬فمهم‪ff‬ا خل‪ff‬ق احلرك‪ff‬ة وخل‪ff‬ق معه‪ff‬ا ق‪ff‬درة عليه‪ff‬ا ك‪ff‬ان ه‪ff‬و املس‪ff‬تبد ب‪ff‬االخرتاع للق‪ff‬درة واملق‪ff‬دور مجيع‪ًf‬ا‪،‬‬
‫فخ‪f‬رج من‪f‬ه أن‪f‬ه منف‪f‬رد ب‪f‬االخرتاع وأن احلرك‪f‬ة موج‪f‬ودة وأن املتح‪f‬رك عليه‪f‬ا ق‪f‬ادر وبس‪f‬بب كون‪f‬ه ق‪f‬ادرًا ف‪f‬ارق‬
‫حاله حال املرتعد فاندفعت اإلش‪f‬كاالت كله‪f‬ا‪ .‬وحاص‪f‬له أن الق‪f‬ادر الواس‪f‬ع الق‪f‬درة ه‪f‬و ق‪f‬ادر على االخ‪f‬رتاع‬
‫للقدرة واملقدور معًا‪ ،‬وملا كان اس‪f‬م اخلالق واملخ‪f‬رتع مطلق‪ًf‬ا على من أوج‪f‬د الش‪f‬يء بقدرت‪f‬ه وك‪f‬انت الق‪f‬درة‬
‫واملق‪ff‬دور مجيع‪ًf‬ا بق‪ff‬درة اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬مسي خالق‪ًf‬ا وخمرتع‪ًf‬ا‪ .‬ومل يكن املق‪ff‬دور خمرتع‪ًf‬ا بق‪ff‬درة العب‪ff‬د وإن ك‪ff‬ان مع‪ff‬ه‬
‫فلم يس‪ff f‬م خالق ‪ًf f‬ا وال خمرتع ‪ًf f‬ا ووجب أن يطلب هلذا النم‪ff f‬ط من النس‪ff f‬بة اس‪ff f‬م آخ‪ff f‬ر خمالف فطلب ل‪ff f‬ه اس‪ff f‬م‬
‫الكسب تيمنًا بكتاب اهلل تعاىل‪ ،‬فإنه وجد إطالق ذلك على أعمال العباد يف القرآن وأما اسم الفعل ف‪ff‬رتدد‬
‫يف إطالق ‪ff‬ه وال مش ‪ff‬احة يف األس ‪ff‬امي بع ‪ff‬د فهم املع ‪ff‬اين‪ .‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل‪ :‬الش ‪ff‬أن يف فهم املع ‪ff‬ىن وم ‪ff‬ا ذكرمتوه غ ‪ff‬ري‬
‫مفه ‪ff‬وم‪ ،‬ف ‪ff‬إن الق ‪ff‬درة املخلوق ‪ff‬ة احلادث ‪ff‬ة إن مل يكن هلا تعل ‪ff‬ق باملق ‪ff‬دور مل تفهم؛ إذ ق ‪ff‬درة ال مق ‪ff‬دور هلا حمال‪،‬‬
‫كعلم ال معل‪ff‬وم ل‪ff‬ه‪ .‬وإن تعلقت ب‪ff‬ه فال يعق‪ff‬ل تعل‪ff‬ق الق‪ff‬درة باملق‪ff‬دور إال من حيث الت‪ff‬أثري واالجياد وحص‪ff‬ول‬
‫املق‪ff‬دور ب‪ff‬ه‪ .‬فالنس‪ff‬بة بني املق‪ff‬دور والق‪ff‬درة نس‪ff‬بة املس‪ff‬بب إىل الس‪ff‬بب وه‪ff‬و كون‪ff‬ه ب‪ff‬ه‪ ،‬ف‪ff‬إذا مل يكن ب‪ff‬ه مل تكن‬
‫عالقة فلم تكن قدرة‪ ،‬إذ كل ما ال تعلق له فليس بقدرة إذ القدرة من الص‪f‬فات املتعلق‪f‬ة‪ .‬قلن‪f‬ا‪ :‬هي متعلق‪f‬ة‪،‬‬
‫وق‪ff‬ولكم أن التعل‪ff‬ق مقص‪ff‬ور على الوق‪ff‬وع ب‪ff‬ه يبط‪ff‬ل بتعل‪ff‬ق االرادة والعلم‪ ،‬وإن قلتم أن تعل‪ff‬ق الق‪ff‬درة مقص‪ff‬ور‬
‫على الوقوع هبا فقط فهو أيضًا باطل‪ ،‬فإن القدرة عندكم تبقى إذا فرض‪f‬ت قب‪f‬ل الفع‪f‬ل‪ ،‬فه‪f‬ل هي متعلق‪f‬ة أم‬
‫ال ؟ فإن قلتم ال فهو حمال‪ ،‬وإن قلتم نعم فليس املع‪f‬ين هبا وق‪f‬وع املق‪f‬دور هبا‪ ،‬إذ املق‪f‬دور بع‪f‬د مل يق‪f‬ع فال ب‪f‬د‬
‫من إثبات نوع آخر من التعلق سوى املوقوع هبا‪ ،‬إذ التعلق عند احلدوث يعرب عنه ب‪f‬الوقوع ب‪f‬ه والتعل‪f‬ق قب‪f‬ل‬
‫ذل‪ff‬ك خمالف ل‪ff‬ه فه‪ff‬و ن‪ff‬وع آخ‪ff‬ر من التعل‪ff‬ق‪ ،‬فق‪ff‬ولكم إن تعل‪ff‬ق الق‪ff‬درة ب‪ff‬ه منط واح‪ff‬د خط‪ff‬أ وك‪ff‬ذلك القادري‪ff‬ة‬
‫القدمية عن‪ff‬دهم فإهنا متعلق‪ff‬ة ب‪ff‬العلم يف األزل وقب‪ff‬ل خل‪ff‬ق الع‪ff‬امل‪ ،‬فقولن‪ff‬ا أهنا متعلق‪ff‬ة ص‪ff‬ادق وقولن‪ff‬ا أن الع‪ff‬امل‬
‫واق‪f‬ع هبا ك‪f‬اذب‪ ،‬ألن‪f‬ه مل يق‪ff‬ع بع‪ff‬د فل‪f‬و كان‪f‬ا عب‪f‬ارتني عن مع‪ff‬ىن واح‪f‬د لص‪ff‬دق أح‪f‬دمها حيث يص‪ff‬دق اآلخ‪f‬ر‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬مع‪f‬ىن تعل‪f‬ق الق‪f‬درة قب‪f‬ل وق‪f‬وع املق‪f‬دور أن املق‪f‬دور إذا وق‪f‬ع هبا‪ .‬قلن‪f‬ا‪ :‬فليس ه‪f‬ذا تعلق‪ًf‬ا يف احلال ب‪f‬ل‬
‫هو انتظار تعلق‪ ،‬فينبغي أن يقال القدرة موجودة وهي صفة ال تعل‪ff‬ق هلا ولكن ينتظ‪ff‬ر هلا تعل‪ff‬ق إذا وق‪ff‬ع وق‪ff‬ع‬
‫املق‪ff f‬دور هبا‪ ،‬وك‪ff f‬ذا القادري‪ff f‬ة ويل‪ff f‬زم علي‪ff f‬ه حمال‪ ،‬وه‪ff f‬و أن الص‪ff f‬فة ال‪ff f‬يت مل تكن من املتعلق‪ff f‬ات ص‪ff f‬ارت من‬
‫املتعلقات وهو حمال‪ .‬فإن قيل‪ :‬معناه أهنا متهيئة لوقوع املقدور هبا‪ .‬قلنا‪ :‬وال معىن للتهيؤ إال انتظار الوقوع‬
‫هبا‪ ،‬وذلك ال يوجب تعلقًا يف احلال‪ .‬فكما عقل عندكم قدرة موجودة متعلقة باملقدور واملقدور غ‪ff‬ري واق‪ff‬ع‬
‫هبا عق‪ff‬ل عن‪ff‬دنا أيض‪ًf‬ا ق‪ff‬درة ك‪ff‬ذلك واملق‪ff‬دور غ‪ff‬ري واق‪ff‬ع هبا ولكن‪ff‬ه واق‪ff‬ع بق‪ff‬درة اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬فلم خيالف م‪ff‬ذهبنا‬
‫ههن‪f‬ا م‪ff‬ذهبكم إال يف قولن‪f‬ا أهنا وقعت بق‪ff‬درة اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬ف‪f‬إذا مل يكن من ض‪ff‬رورة وج‪f‬ود الق‪ff‬درة وال تعلقه‪ff‬ا‬
‫باملق‪ff‬دور وج‪ff‬ود املق‪ff‬دور هبا؛ فمن أين يس‪ff‬تدعي ع‪ff‬دم وقوعه‪ff‬ا بق‪ff‬درة اهلل تع‪ff‬اىل ووج‪ff‬وده بق‪ff‬درة اهلل تع‪ff‬اىل ال‬
‫فض ‪ff‬ل ل ‪ff‬ه على عدم ‪ff‬ه من حيث انقط ‪ff‬اع النس ‪ff‬بة عن الق ‪ff‬درة احلادث ‪ff‬ة إذ النس ‪ff‬بة‪ ،‬إذا مل متتن ‪ff‬ع بع ‪ff‬دم املق ‪ff‬دور‪،‬‬
‫فكي‪ff‬ف متتن‪ff‬ع بوج‪ff‬ود املق‪ff‬دور ؟ وكي‪ff‬ف م‪ff‬ا ف‪ff‬رض املق‪ff‬دور موج‪ff‬ودًا أو مع‪ff‬دومًا فال ب‪ff‬د من ق‪ff‬درة متعلق‪ff‬ة ال‬
‫مقدور هلا يف احلال‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقدرة ال يقع هبا مقدور‪ ،‬والعجز‪ ،‬مبثابة واحدة‪ ،‬قلنا‪ :‬إن ع‪ff‬نيتم ب‪f‬ه أن احلال‪f‬ة‬
‫اليت يدركها اإلنسان عند وجودها مثل ما يدركها عند العجز يف الرع‪f‬دة فه‪f‬و من‪f‬اكرة للض‪f‬رورة وإن ع‪f‬نيتم‬
‫أهنا مبثاب‪ff f‬ة العج‪ff f‬ز يف أن املق‪ff f‬دور مل يق‪ff f‬ع هبا فه‪ff f‬و ص‪ff f‬دق ولكن تس‪ff f‬ميته عج‪ff f‬زًا خط‪ff f‬أ وإن ك‪ff f‬ان من حيث‬
‫القص‪f‬ور إذا نس‪f‬بت إىل ق‪f‬درة اهلل تع‪f‬اىل ظن أن‪f‬ه مث‪f‬ل العج‪f‬ز‪ ،‬وه‪f‬ذا كم‪f‬ا أن‪f‬ه ل‪f‬و قي‪f‬ل الق‪f‬درة قب‪f‬ل الفع‪f‬ل‪ ،‬على‬
‫أص‪f‬لهم‪ ،‬مس‪f‬اوية للعج‪f‬ز من حيث أن املق‪f‬دور غ‪f‬ري واق‪f‬ع هبا لك‪f‬ان اللف‪f‬ظ منك‪f‬رًا من حيث أهنا حال‪f‬ة مدرك‪f‬ة‬
‫يف ‪ff‬ارق إدراكه ‪ff‬ا يف النفس إدراك العج ‪ff‬ز‪ ،‬فك ‪ff‬ذلك ه ‪ff‬ذا‪ ،‬وال ف ‪ff‬رق وعلى اجلمل ‪ff‬ة فال ب ‪ff‬د من إثب ‪ff‬ات ق ‪ff‬درتني‬
‫متف ‪ff‬اوتتني‪ ،‬إح ‪ff‬دامها أعلى واألخ ‪ff‬رى ب ‪ff‬العجز أش ‪ff‬به مهم ‪ff‬ا أض ‪ff‬يفت إىل األعلى‪ ،‬وأنت باخلي ‪ff‬ار بني أن تثبت‬
‫للعب ‪ff‬د ق ‪ff‬درة ت ‪ff‬وهم نس ‪ff‬بة العج ‪ff‬ز للعب ‪ff‬د من وج ‪ff‬ه‪ ،‬وبني أن تثبت هلل س ‪ff‬بحانه ذل ‪ff‬ك تع ‪ff‬اىل اهلل عم ‪ff‬ا يق ‪ff‬ول‬
‫الزائغ ‪ff‬ون‪ .‬وال تس ‪ff‬رتيب إن كنت منص ‪ff‬فًا يف أن نس ‪ff‬بة القص ‪ff‬ور والعج ‪ff‬ز باملخلوق ‪ff‬ات أوىل ب ‪ff‬ل ال يق ‪ff‬ال أوىل‬
‫الستحالة ذلك يف حق اهلل تعاىل فهذا غاية ما حيتمله هذا املختصر من هذه املسألة‪ .‬الفرع الثالث‪ :‬فإن قال‬
‫قائل‪ :‬كيف تدعون عموم تعل‪f‬ق الق‪f‬درة جبمل‪f‬ة احلوادث وأك‪f‬ثر م‪f‬ا يف الع‪f‬امل من احلرك‪f‬ات وغريه‪f‬ا متول‪f‬دات‬
‫يتولد بعضها من بعض بالضرورة‪ ،‬فإن حركة اليد مثًال بالض‪ff‬رورة تول‪ff‬د حرك‪ff‬ة اخلامت‪ ،‬وحرك‪ff‬ة الي‪ff‬د يف املاء‬
‫تولد حركة املاء‪ ،‬وهو مشاهد‪ ،‬والعقل أيضًا يدل عليه إذ لو كانت حركة املاء واخلامت خبلق اهلل تع‪ff‬اىل جلاز‬
‫أن خيل ‪ff‬ق حرك ‪ff‬ة الي ‪ff‬د دون اخلامت وحرك ‪ff‬ة الي ‪ff‬د دون املاء‪ ،‬وه ‪ff‬و حمال‪ ،‬وك ‪ff‬ذا يف املتول ‪ff‬دات م ‪ff‬ع انش ‪ff‬عاهبا‪.‬‬
‫فنق‪ff‬ول‪ :‬م‪ff‬ا ال يفهم ال ميكن التص‪ff‬رف في‪ff‬ه ب‪ff‬الرد والقب‪ff‬ول‪ ،‬ف‪ff‬إن ك‪ff‬ون املذهب م‪ff‬ردودًا أو مقب‪ff‬وًال بع‪ff‬د كون‪ff‬ه‬
‫معق‪ff‬وًال‪ .‬واملعل‪ff‬وم عن‪ff‬دنا من عب‪ff‬ارة التول‪ff‬د أن خيرج جس‪ff‬م من ج‪ff‬وف جس‪ff‬م كم‪ff‬ا خيرج اجلنني من بطن األم‬
‫والنبات من بطن األرض‪ ،‬وهذا حمال يف األعراض؛ إذ ليس حلركة اليد جوف ح‪f‬ىت خترج من‪f‬ه حرك‪f‬ة اخلامت‬
‫وال ه‪ff‬و ش‪ff‬يء ح‪ff‬او ألش‪ff‬ياء ح‪ff‬ىت يرش‪ff‬ح من‪ff‬ه بعض م‪ff‬ا في‪ff‬ه‪ ،‬فحرك‪ff‬ة اخلامت إذا مل تكن كامن‪ff‬ة يف ذات حرك‪ff‬ة‬
‫الي‪ff‬د فم‪ff‬ا مع‪ff‬ىن تول‪ff‬دها منه‪ff‬ا ؟ فال ب‪ff‬د من تفهيم‪ff‬ه‪ ،‬وإذا مل يكن ه‪ff‬ذا مفهوم‪ًf‬ا فق‪ff‬ولكم إن‪ff‬ه مش‪ff‬اهد محاق‪ff‬ة‪ ،‬إذ‬
‫كوهنا حادثة معها مشاهد ال غري‪ ،‬فأما كوهنا متولد منها فغري مشاهد‪ ،‬وقولكم إنه لو ك‪f‬ان خبل‪f‬ق اهلل تع‪ff‬اىل‬
‫لقدر على أن خيلق حركة اليد دون اخلامت وحركة اليد دون املاء فهذا هوس يضاهي قول القائل لو مل يكن‬
‫العلم متولدًا من اإلرادة لقدر على أن خيلق االرادة دون العلم أو العلم دون احلياة‪ ،‬ولكن نق‪f‬ول‪ :‬احملال غ‪f‬ري‬
‫مق ‪ff‬دور ووج‪ff‬ود املش‪ff‬روط دون الش‪ff‬رط غ ‪ff‬ري معق ‪ff‬ول‪ ،‬واالرادة ش‪ff‬رطها العلم والعلم ش‪ff‬رطه احلي‪ff‬اة وك‪ff‬ذلك‬
‫شرط شغل اجلوهر حليز فراغ ذلك احليز‪ ،‬فإذا حرك اهلل تعاىل اليد فال بد أن يشغل هبا حيزًا يف ج‪f‬وار احليز‬
‫الذي كانت فيه‪ ،‬فما مل يفرغ‪f‬ه كي‪f‬ف يش‪f‬غله ب‪f‬ه ؟ ففراغ‪f‬ه ش‪f‬رط اش‪f‬تغاله بالي‪f‬د‪ ،‬إذ ل‪f‬و حترك ومل يف‪f‬رغ احليز‬
‫من املاء بعدم املاء أو حركته الجتمع جسمان يف ح‪f‬يز واح‪f‬د وه‪f‬و حمال‪ ،‬فك‪f‬ان خل‪f‬و أح‪f‬دمها ش‪f‬رطًا لآلخ‪f‬ر‬
‫فتالزما فظن أن أحدمها متولد من اآلخر وهو خطأ فأما الالزمات اليت ليست ش‪f‬رطًا فعن‪f‬دنا جيوز أن تنف‪f‬ك‬
‫عن االق ‪ff‬رتان مبا ه ‪ff‬و الزم هلا‪ ،‬ب ‪ff‬ل لزوم ‪ff‬ه حبكم ط ‪ff‬رد الع ‪ff‬ادة ك ‪ff‬احرتاق القطن عن ‪ff‬د جماورة الن ‪ff‬ار وحص ‪ff‬ول‬
‫الربودة يف اليد عند مماسة الثلج‪ ،‬فإن كل ذل‪f‬ك مس‪f‬تمر جبري‪f‬ان س‪f‬نة اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬وإال فالق‪ff‬درة من حيث ذاهتا‬
‫غ‪ff‬ري قاص‪ff‬رة عن خل‪ff‬ق ال‪ff‬ربودة يف الثلج واملماس‪ff‬ة يف الي‪ff‬د م‪ff‬ع خل‪ff‬ق احلرارة يف الي‪ff‬د ب‪ff‬دًال عن ال‪ff‬ربودة‪ .‬ف‪ff‬إذًا م‪ff‬ا‬
‫يراه اخلصم متولدًا قسمان‪ :‬أحدمها شرط فال يتص‪f‬ور في‪f‬ه إال االق‪f‬رتان‪ ،‬والث‪f‬اين ليس بش‪f‬رط فيتص‪f‬ور في‪f‬ه غ‪f‬ري‬
‫االقرتان إذ خرقت العادات‪ .‬فإن قال قائل مل تدلوا على بطالن التولد ولكن أنكرمت فهمه وهو مفهوم‪ ،‬فإنا‬
‫ال نري‪f‬د ب‪f‬ه ترش‪f‬ح احلرك‪f‬ة من احلرك‪f‬ة خبروجه‪f‬ا من جوفه‪f‬ا وال تول‪f‬د ب‪f‬رودة من ب‪f‬رودة الثلج خبروج ال‪f‬ربودة‬
‫من الثلج وانتقاهلا أو خبروجها من ذات الربودة‪ ،‬بل نعين به وج‪f‬ود موج‪f‬ود عقيب موج‪f‬ود وكون‪f‬ه موج‪f‬ودًا‬
‫وحادثًا به فاحلادث نسميه متول‪f‬دًا وال‪f‬ذي ب‪f‬ه احلدوث نس‪f‬ميه مول‪f‬دًا وه‪f‬ذه التس‪f‬مية مفهوم‪f‬ة فم‪f‬ا ال‪f‬ذي ي‪f‬دل‬
‫على بطالنه ؟ قلنا‪ :‬إذا أقررمت بذلك دل على بطالن‪f‬ه م‪f‬ا دل على بطالن ك‪f‬ون الق‪f‬درة احلادث‪f‬ة موج‪f‬ودة فإن‪f‬ا‬
‫إذا أحلن‪ff‬ا أن نق‪ff‬ول حص‪ff‬ل مق‪ff‬دور بق‪ff‬درة حادث‪ff‬ة فكي‪ff‬ف ال خيي‪ff‬ل احلص‪ff‬ول مبا ليس بق‪ff‬درة واس‪ff‬تحالته راجع‪ff‬ة‬
‫إىل عم ‪ff‬وم تعل ‪ff‬ق الق ‪ff‬درة‪ ،‬وإن خروج ‪ff‬ه عن الق ‪ff‬درة مبط ‪ff‬ل لعم ‪ff‬وم تعلقه ‪ff‬ا وه ‪ff‬و حمال مث ه ‪ff‬و م ‪ff‬وجب للعج ‪ff‬ز‬
‫والتمانع كما سبق‪ .‬نعم‪ ،‬وعلى املعتزل‪f‬ة الق‪f‬ائلني بالتول‪f‬د مناقض‪f‬ات يف تفص‪f‬يل التول‪f‬د ال حتص‪f‬ى‪ ،‬كق‪f‬وهلم إن‬
‫النظر يولد العلم‪ ،‬وتذكره ال يولده إىل غري ذلك مما ال نطول ب‪f‬ذكره‪ ،‬فال مع‪ff‬ىن لإلطن‪f‬اب فيم‪f‬ا ه‪ff‬و مس‪f‬تغىن‬
‫عن ‪ff‬ه‪ ،‬وق ‪ff‬د ع ‪ff‬رفت من مجل ‪ff‬ة ه ‪ff‬ذا أن احلادث ‪ff‬ات كله ‪ff‬ا‪ ،‬جواهره ‪ff‬ا وأعراض ‪ff‬ها احلادث ‪ff‬ة منه ‪ff‬ا يف ذات األحي ‪ff‬اء‬
‫واجلمادات‪ ،‬واقع‪f‬ة بق‪f‬درة اهلل تع‪f‬اىل‪ ،‬وه‪f‬و املس‪f‬تبد باخرتاعه‪f‬ا‪ ،‬وليس تق‪f‬ع بعض املخلوق‪f‬ات ببعض ب‪f‬ل الك‪f‬ل‬
‫يق‪ff‬ع بالق‪ff‬درة وذل‪ff‬ك م‪ff‬ا أردن‪ff‬ا أن ن‪ff‬بني من إثب‪ff‬ات ص‪ff‬فة الق‪ff‬درة هلل تع‪ff‬اىل وعم‪ff‬وم حكمه‪ff‬ا وم‪ff‬ا اتص‪ff‬ل هبا من‬
‫الف‪ff‬روع والل‪ff‬وازم‪ .‬الص‪ff‬فة الثاني‪ff‬ة العلم ن‪ff‬دعي أن اهلل تع‪ff‬اىل ع‪ff‬امل جبمي‪ff‬ع املعلوم‪ff‬ات املوج‪ff‬ودات واملع‪ff‬دومات؛‬
‫فإن املوجودات منقس‪f‬مة إىل ق‪f‬دمي وح‪f‬ادث‪ ،‬والق‪f‬دمي ذات‪f‬ه وص‪f‬فاته ومن علم غ‪f‬ريه فه‪f‬و بذات‪f‬ه وص‪f‬فاته أعلم‪،‬‬
‫فيجب ضرورة أن يك‪f‬ون بذات‪f‬ه عاملًا وص‪f‬فاته إن ثبت أن‪f‬ه ع‪f‬امل بغ‪f‬ريه‪ .‬ومعل‪f‬وم أن‪f‬ه ع‪f‬امل بغ‪f‬ريه ألن م‪f‬ا ينطل‪f‬ق‬
‫علي‪ff‬ه اس‪ff‬م الغ‪ff‬ري فه‪ff‬و ص‪ff‬نعه املتقن وفعل‪ff‬ه احملكم املرتب وذل‪ff‬ك ي‪ff‬دل على قدرت‪ff‬ه على م‪ff‬ا س‪ff‬بق؛ ف‪ff‬إن من رأى‬
‫خطوط‪ًf‬ا منظوم‪ff‬ة تص‪ff‬در على االتس‪ff‬اق من ك‪ff‬اتب مث اس‪ff‬رتاب يف كون‪ff‬ه عاملًا بص‪ff‬نعة الكتاب‪ff‬ة ك‪ff‬ان س‪ff‬فيهًا يف‬
‫اس‪ff‬رتابته‪ ،‬ف‪ff‬إذًا ق‪ff‬د ثبت أن‪ff‬ه ع‪ff‬امل بذات‪ff‬ه وبغ‪ff‬ريه‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل فه‪ff‬ل ملعلومات‪ff‬ه هناي‪ff‬ة ؟ قلن‪ff‬ا‪ :‬ال؛ ف‪ff‬إن املوج‪ff‬ودات يف‬
‫احلال وإن ك‪ff‬انت متناهي‪ff‬ة فاملمكن‪ff‬ات يف االس‪ff‬تقبال غ‪ff‬ري متناهي‪ff‬ة‪ ،‬ونعلم أن املمكن‪ff‬ات ال‪ff‬يت ليس‪ff‬ت مبوج‪ff‬ودة‬
‫أن‪ff‬ه س‪ff‬يوجدها أوال يوج‪ff‬دها‪ ،‬فيعلم إذًا م‪ff‬ا ال هناي‪ff‬ة ل‪ff‬ه ب‪ff‬ل ل‪ff‬و أردن‪ff‬ا أن نك‪ff‬ثر على ش‪ff‬يء واح‪ff‬د وجوه ‪ًf‬ا من‬
‫النس ‪ff‬ب والتق ‪ff‬ديرات خلرج عن النهاي ‪ff‬ة واهلل تع ‪ff‬اىل ع ‪ff‬امل جبميعه ‪ff‬ا‪ .‬فإن ‪ff‬ا نق ‪ff‬ول مثًال ض ‪ff‬عف االث ‪ff‬نني أربع ‪ff‬ة‪،‬‬
‫وضعف األربعة مثانية‪ ،‬وضعف الثمانية ستة عشر‪ ،‬وهكذا نضعف ض‪ff‬عف اإلث‪f‬نني وض‪ff‬عف ض‪ff‬عف الض‪ff‬عف‬
‫وال يتناهى‪ ،‬واإلنسان ال يعلم من مراتبها إال ما يقدره بذهنه‪ ،‬وسينقطع عمره ويبقى من التضعيفات ما ال‬
‫يتن ‪ff‬اهى‪ .‬ف ‪ff‬إذًا معرف ‪ff‬ة أض ‪ff‬عاف أض ‪ff‬عاف اإلث ‪ff‬نني‪ ،‬وه ‪ff‬و ع ‪ff‬دد واح ‪ff‬د‪ ،‬خيرج عن احلص ‪ff‬ر وك ‪ff‬ذلك ك ‪ff‬ل ع ‪ff‬دد‪،‬‬
‫فكي‪ff‬ف غ‪ff‬ري ذل‪ff‬ك من النس‪ff‬ب والتق‪ff‬ديرات‪ ،‬وه‪ff‬ذا العلم م‪ff‬ع تعلق‪ff‬ه مبعلوم‪ff‬ات ال هناي‪ff‬ة هلا واح‪ff‬د كم‪ff‬ا س‪ff‬يأيت‬
‫بيانه من بعد مع سائر الصفات‪ .‬الصفة الثالثة احلياة ندعي أنه تعاىل حي وهو معل‪ff‬وم بالض‪ff‬رورة‪ ،‬ومل ينك‪ff‬ره‬
‫أح‪ff‬د ممن اع‪ff‬رتف بكون‪ff‬ه تع‪ff‬اىل عاملًا ق‪ff‬ادرًا‪ .‬ف‪ff‬إن ك‪ff‬ون الع‪ff‬امل الق‪ff‬ادر حي ‪ًf‬ا ض‪ff‬روري إذ ال يع‪ff‬ين ب‪ff‬احلي إال م‪ff‬ا‬
‫يش‪ff‬عر بنفس‪ff‬ه ويعلم ذات‪ff‬ه وغ‪ff‬ريه‪ ،‬والع‪ff‬امل جبمي‪ff‬ع املعلوم‪ff‬ات والق‪ff‬ادر على مجي‪ff‬ع املق‪ff‬دورات كي‪ff‬ف ال يك‪ff‬ون‬
‫حيًا‪ ،‬وهذا واضح والنظر يف صفة احلي‪f‬اة ال يط‪f‬ول‪ .‬الص‪f‬فة الرابع‪f‬ة اإلرادة ن‪f‬دعي أن اهلل تع‪f‬اىل مري‪f‬د ألفعال‪f‬ه‬
‫وبرهانه أن الفعل الصادر منه خمتص بض‪f‬روب من اجلواز ال يتم‪f‬يز بعض‪f‬ها من البعض إال مبرجح‪ ،‬وال تكفي‬
‫ذاته للرتجيح‪ ،‬ألن نسبة الذات إىل الضدين واحدة فما الذي خصص أح‪ff‬د الض‪ff‬دين ب‪ff‬الوقوع يف ح‪ff‬ال دون‬
‫حال ؟ وك‪f‬ذلك الق‪f‬درة ال تكفي في‪f‬ه‪ ،‬إذ نس‪f‬بة الق‪f‬درة إىل الض‪f‬دين واح‪f‬دة‪ ،‬وك‪f‬ذلك العلم ال يكفي خالف‪ًf‬ا‬
‫للكعيب حيث اكتفى بالعلم عن اإلرادة ألن العلم يتبع املعل‪f‬وم ويتعل‪f‬ق ب‪f‬ه على م‪f‬ا ه‪f‬و علي‪f‬ه وال ي‪f‬ؤثر في‪f‬ه وال‬
‫يغريه‪ .‬فإن كان الشيء ممكنًا يف نفسه مساويًا للممكن اآلخر الذي يف مقابلته ف‪f‬العلم يتعل‪f‬ق ب‪f‬ه على م‪f‬ا ه‪f‬و‬
‫علي ‪ff‬ه وال جيع ‪ff‬ل أح ‪ff‬د املمك ‪ff‬نني مرجح ‪ًf‬ا على اآلخ ‪ff‬ر‪ ،‬ب ‪ff‬ل نعق ‪ff‬ل املمك ‪ff‬نني ويعق ‪ff‬ل تس ‪ff‬اويهما‪ ،‬واهلل س ‪ff‬بحانه‬
‫وتعاىل يعلم أن وجود العامل يف الوقت الذي وجد فيه ك‪f‬ان ممكن‪ًf‬ا‪ ،‬وأن وج‪f‬وده بع‪f‬د ذل‪f‬ك وقب‪f‬ل ذل‪f‬ك ك‪f‬ان‬
‫مس‪f‬اويًا ل‪f‬ه يف اإلمك‪f‬ان ألن ه‪ff‬ذه االمكان‪f‬ات متس‪f‬اوية‪ ،‬فح‪f‬ق العلم أن يتعل‪f‬ق هبا كم‪f‬ا ه‪ff‬و علي‪f‬ه ف‪f‬إن اقتض‪ff‬ت‬
‫ص‪ff‬فة اإلرادة وقوع‪ff‬ه يف وقت معني تعل‪ff‬ق العلم بتع‪ff‬يني وج‪ff‬وده يف ذل‪ff‬ك ال‪ff‬وقت لعل‪ff‬ة تعل‪ff‬ق االرادة ب‪ff‬ه فتك‪ff‬ون‬
‫اإلرادة للتع‪ff‬يني عل‪ff‬ة ويك‪ff‬ون العلم متعلق‪ًf‬ا ب‪ff‬ه تابع‪ًf‬ا ل‪ff‬ه غ‪ff‬ري م‪ff‬ؤثر في‪ff‬ه‪ ،‬ول‪ff‬و ج‪ff‬از أن يكتفى ب‪ff‬العلم عن االرادة‬
‫الكتفي ب‪ff‬ه عن الق‪ff‬درة‪ ،‬ب‪ff‬ل ك‪ff‬ان ذل‪ff‬ك يكفي يف وج‪ff‬ود أفعالن‪ff‬ا ح‪ff‬ىت ال حنت‪ff‬اج إىل اإلرادة‪ ،‬إذ ي‪ff‬رتجح أح‪ff‬د‬
‫اجلانبني بتعل ‪ff‬ق علم اهلل تع ‪ff‬اىل ب ‪ff‬ه وك ‪ff‬ل ذل ‪ff‬ك حمال‪ .‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل‪ :‬وه ‪ff‬ذا ينقلب عليكم يف نفس االرادة‪ ،‬ف ‪ff‬إن‬
‫الق ‪ff‬درة كم ‪ff‬ا ال تناس ‪ff‬ب أح ‪ff‬د الض ‪ff‬دين ف ‪ff‬االرادة القدمية أيض ‪ًf‬ا ال تتعني ألح ‪ff‬د الض ‪ff‬دين‪ ،‬فاختصاص ‪ff‬ها بأح ‪ff‬د‬
‫الضدين ينبغي أن يكون مبخصص ويتسلسل ذلك إىل غري هناية‪ ،‬إذ يقال ال‪f‬ذات ال تكفي للح‪f‬دوث‪ ،‬إذ ل‪f‬و‬
‫ح‪ff‬دث من ال‪ff‬ذات لك‪ff‬ان م‪ff‬ع ال‪ff‬ذات غ‪ff‬ري مت‪ff‬أخر فال ب‪ff‬د من الق‪ff‬درة والق‪ff‬درة ال تكفي إذ ل‪ff‬و ك‪ff‬ان للق‪ff‬درة ملا‬
‫اختص هبذا ال‪f‬وقت وم‪f‬ا قبل‪f‬ه وم‪f‬ا بع‪f‬ده يف النس‪f‬بة إىل ج‪f‬واز تعل‪f‬ق الق‪f‬درة هبا على وت‪f‬رية‪ ،‬فم‪f‬ا ال‪f‬ذي خص‪f‬ص‬
‫ه ‪ff‬ذا ال ‪ff‬وقت فيحت ‪ff‬اج إىل االرادة ؟ فيق ‪ff‬ال‪ :‬واالرادة ال تكفي‪ ،‬ف ‪ff‬إن اإلرادة القدمية عام ‪ff‬ة التعل ‪ff‬ق كالق ‪ff‬درة‪،‬‬
‫فنس‪ff‬بتها إىل األوق‪ff‬ات واح‪ff‬دة ونس‪ff‬بتها إىل الض‪ff‬دين واح‪ff‬دة‪ ،‬ف‪ff‬إن وق‪ff‬ع احلرك‪ff‬ة مثًال ب‪ff‬دًال عن الس‪ff‬كون ألن‬
‫االرادة تعلقت باحلرك ‪ff‬ة ال بالس ‪ff‬كون‪ .‬فيق ‪ff‬ال‪ :‬وه ‪ff‬ل ك ‪ff‬ان ميكن أن يتعل ‪ff‬ق بالس ‪ff‬كون ؟ ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل‪ :‬ال‪ ،‬فه ‪ff‬و‬
‫حمال؛ وإن قيل‪ :‬نعم‪ ،‬فهم‪f‬ا متس‪f‬اويان؛ أع‪ff‬ين احلرك‪f‬ة والس‪f‬كون يف مناس‪f‬بة اإلرادة القدمية فم‪f‬ا ال‪f‬ذي أوجب‬
‫ختص‪ff‬يص اإلرادة القدمية باحلرك‪ff‬ة دون الس‪ff‬كون فيحت‪ff‬اج إىل خمص‪ff‬ص مث يل‪ff‬زم الس‪ff‬ؤال يف خمص‪ff‬ص املخص‪ff‬ص‬
‫ويتسلس‪ff‬ل إىل غ‪ff‬ري هناي‪ff‬ة ‪ ..‬قلن‪ff‬ا‪ :‬ه‪ff‬ذا س‪ff‬ؤال غ‪ff‬ري معق‪ff‬ول ح‪ff‬ري عق‪ff‬ول الف‪ff‬رق ومل يوف‪ff‬ق للح‪ff‬ق إال أه‪ff‬ل الس‪ff‬نة‬
‫فالن‪ff‬اس في‪ff‬ه أرب‪ff‬ع ف‪ff‬رق‪ :‬قائ‪ff‬ل يق‪ff‬ول إن الع‪ff‬امل وج‪ff‬د ل‪ff‬ذات اهلل س‪ff‬بحانه وتع‪ff‬اىل وإن‪ff‬ه ليس لل‪ff‬ذات ص‪ff‬فة زائ‪ff‬دة‬
‫البتة‪ ،‬وملا كان الذات قدمية كان العامل قدميًا وكانت نسبة العامل إليه كنسبة املعل‪ff‬ول إىل العل‪ff‬ة‪ ،‬ونس‪ff‬بة الن‪ff‬ور‬
‫إىل الش‪ff‬مس‪ ،‬والظ‪ff‬ل إىل الش‪ff‬خص؛ وه‪ff‬ؤالء هم الفالس‪ff‬فة‪ .‬وقائ‪ff‬ل يق‪ff‬ول إن الع‪ff‬امل ح‪ff‬ادث ولكن ح‪ff‬دث يف‬
‫ال ‪ff‬وقت ال ‪ff‬ذي ح ‪ff‬دث في ‪ff‬ه ال قبل ‪ff‬ه وال بع ‪ff‬ده إلرادة حادث ‪ff‬ة ح ‪ff‬دثت ل ‪ff‬ه ال يف حمل فاقتض ‪ff‬ت ح ‪ff‬دوث الع ‪ff‬امل‪،‬‬
‫وه‪ff‬ؤالء هم املعتزل‪ff‬ة‪ .‬وقائ‪ff‬ل يق‪ff‬ول ح‪ff‬دث ب‪ff‬إرادة حادث‪ff‬ة ح‪ff‬دثت يف ذات‪ff‬ه‪ ،‬وه‪ff‬ؤالء هم الق‪ff‬ائلون بكون‪ff‬ه حمًال‬
‫للح‪ff‬وادث‪ .‬وقائ‪ff‬ل يق‪ff‬ول ح‪ff‬دث الع‪ff‬امل يف ال‪ff‬وقت ال‪ff‬ذي تعلقت االرادة القدمية حبدوث‪ff‬ه يف ذل‪ff‬ك ال‪ff‬وقت‪ ،‬من‬
‫غري حدوث إرادة ومن غري تغري صفة القدمي‪ ،‬فانظر إىل الفرق وانس‪f‬ب مق‪f‬ام ك‪f‬ل واح‪f‬د إىل اآلخ‪f‬ر‪ ،‬فإن‪f‬ه ال‬
‫ينف‪ff‬ك فري‪ff‬ق عن إش‪ff‬كال ال ميكن حل‪ff‬ه إال إش‪ff‬كال أه‪ff‬ل الس‪ff‬نة فإن‪ff‬ه س‪ff‬ريع االحنالل‪ .‬أم‪ff‬ا الفالس‪ff‬فة فق‪ff‬د ق‪ff‬الوا‬
‫بق‪f‬دم الع‪f‬امل‪ ،‬وه‪f‬و حمال‪ ،‬ألن الفع‪f‬ل يس‪f‬تحيل أن يك‪f‬ون ق‪f‬دميًا؛ إذ مع‪f‬ىن كون‪f‬ه فعًال أن‪f‬ه مل يكن مث ك‪f‬ان‪ ،‬ف‪f‬إن‬
‫ك‪ff‬ان موج‪ff‬ودًا م‪ff‬ع اهلل أب‪ff‬دًا فكي‪ff‬ف يك‪ff‬ون فعًال ؟ ب‪ff‬ل يل‪ff‬زم من ذل‪ff‬ك دورات ال هناي‪ff‬ة هلا على م‪ff‬ا س‪ff‬بق‪ ،‬وه‪ff‬و‬
‫حمال من وجوه‪ ،‬مث إهنم م‪f‬ع اقتح‪f‬ام ه‪f‬ذا اإلش‪f‬كال مل يتخلص‪f‬وا من أص‪f‬ل الس‪f‬ؤال وه‪f‬و أن اإلرادة مل تعلقت‬
‫باحلدوث يف وقت خمص‪ff‬وص ال قبل‪ff‬ه وال بع‪ff‬ده‪ ،‬م‪ff‬ع تس‪ff‬اوي نس‪ff‬ب األوق‪ff‬ات إىل اإلرادة‪ ،‬ف‪ff‬إهنم إن ختلص‪ff‬وا‬
‫عن خص ‪ff‬وص ال ‪ff‬وقت مل يتخلص ‪ff‬وا عن خص ‪ff‬وص الص ‪ff‬فات‪ ،‬إذ الع ‪ff‬امل خمص ‪ff‬وص مبق ‪ff‬دار خمص ‪ff‬وص ووض ‪ff‬ع‬
‫خمص‪ff‬وص‪ ،‬وك‪ff‬انت نقايض‪ff‬ها ممكن‪ff‬ة يف العق‪ff‬ل‪ ،‬وال‪ff‬ذات القدمية ال تناس‪ff‬ب بعض املمكن‪ff‬ات دون بعض‪ ،‬ومن‬
‫أعظم م‪ff‬ا يل‪ff‬زمهم في‪ff‬ه‪ ،‬وال ع‪ff‬ذر هلم عن‪ff‬ه أم‪ff‬ران أوردنامها يف كت‪ff‬اب هتافت الفالس‪ff‬فة وال حميص هلم عنهم‪ff‬ا‬
‫البت ‪ff‬ة‪ :‬أح ‪ff‬دمها‪ ،‬أن حرك ‪ff‬ات األفالك بعض ‪ff‬ها مش ‪ff‬رقية أي من املش ‪ff‬رق إىل املغ ‪ff‬رب‪ ،‬وبعض ‪ff‬ها مغربي ‪ff‬ة أي من‬
‫مغرب الشمس إىل املشرق‪ ،‬وكان عكس ذلك يف اإلمك‪f‬ان مس‪f‬اويًا ل‪f‬ه‪ ،‬إذ اجله‪f‬ات يف احلرك‪f‬ات متس‪f‬اوية‪،‬‬
‫فكي ‪ff‬ف ل ‪ff‬زم من ال ‪ff‬ذات القدمية أو من دورات األفالك وهي قدمية عن ‪ff‬دهم أن تتعني جه ‪ff‬ة عن جه ‪ff‬ة تقابله ‪ff‬ا‬
‫وتساويها من كل وجه ؟ وه‪f‬ذا ال ج‪f‬واب عن‪f‬ه‪ .‬الث‪f‬اين‪ ،‬أن الفل‪f‬ك األقص‪f‬ى ال‪f‬ذي ه‪f‬و الفل‪f‬ك التاس‪f‬ع عن‪f‬دهم‬
‫احملرك جلمي ‪ff‬ع الس ‪ff‬ماوات بطري ‪ff‬ق القه ‪ff‬ر يف الي ‪ff‬وم والليل ‪ff‬ة م ‪ff‬رة واح ‪ff‬دة يتح ‪ff‬رك على قط ‪ff‬بني مشايل وجن ‪ff‬ويب‪،‬‬
‫والقطب عب‪f‬ارة عن النقط‪f‬تني املتق‪f‬ابلتني على الك‪f‬رة الث‪f‬ابتتني عن‪f‬د حرك‪f‬ة الك‪f‬رة على نفس‪f‬ها‪ ،‬واملنطق‪f‬ة عب‪f‬ارة‬
‫عن دائ‪ff‬رة عظيم‪ff‬ة على وس‪ff‬ط الك‪ff‬رة بع‪ff‬دها من النقط‪ff‬تني واح‪ff‬د‪ .‬فنق‪ff‬ول‪ :‬ج‪ff‬رم الفل‪ff‬ك األقص‪ff‬ى متش‪ff‬ابه‪ ،‬وم‪ff‬ا‬
‫من نقطة إال ويتصور أن تك‪f‬ون قطب‪ًf‬ا‪ .‬فم‪f‬ا ال‪f‬ذي أوجب تع‪f‬يني نقط‪f‬تني من بني س‪f‬ائر النق‪f‬ط ال‪f‬يت ال هناي‪f‬ة هلا‬
‫عن‪ff‬دهم‪ ،‬فال ب‪ff‬د من وص‪ff‬ف زائ‪ff‬د على ال‪ff‬ذات من ش‪ff‬أنه ختص‪ff‬يص الش‪ff‬يء عن مثل‪ff‬ه وليس ذل‪ff‬ك إال اإلرادة‪.‬‬
‫وقد استوفينا حتقيق االلتزامني يف كتاب التهافت‪ .‬وأما املعتزلة فقد اقتحموا أمرين شنيعني باطلني‪ :‬أحدمها‪،‬‬
‫ك‪ff‬ون الب‪ff‬اري تع‪ff‬اىل مري‪ff‬دًا ب‪ff‬إرادة حادث‪ff‬ة ال يف حمل‪ ،‬وإذا مل تكن اإلرادة قائم‪ff‬ة ب‪ff‬ه فق‪ff‬ول القائ‪ff‬ل إن‪ff‬ه مري‪ff‬دها‬
‫هج‪ff‬ر من الكالم‪ ،‬كقول‪ff‬ه إن‪ff‬ه مري‪ff‬د ب‪ff‬إرادة قائم‪ff‬ة بغ‪ff‬ريه‪ .‬والث‪ff‬اين‪ ،‬أن اإلرادة مل ح‪ff‬دثت يف ه‪ff‬ذا ال‪ff‬وقت على‬
‫اخلصوص‪ ،‬فإن كانت بإرادة أخرى فالس‪f‬ؤال يف اإلرادة األخ‪f‬رى الزم‪ ،‬ويتسلس‪f‬ل إىل غ‪f‬ري هناي‪f‬ة‪ ،‬وإن ك‪f‬ان‬
‫ليس بإرادة فليحدث الع‪ff‬امل يف ه‪ff‬ذا ال‪f‬وقت على اخلص‪ff‬وص ال ب‪f‬ارادة‪ ،‬ف‪f‬إن افتق‪ff‬ار احلادث إىل االرادة جلوازه‬
‫ال لكون ‪ff‬ه جس ‪ff‬مًا أو امسًا أو إرادة أو علم ‪ًf‬ا‪ .‬واحلادث ‪ff‬ات يف ه ‪ff‬ذا متس ‪ff‬اوية‪ ،‬مث مل يتخلص ‪ff‬وا من اإلش ‪ff‬كال إذ‬
‫يق‪ff‬ال هلم مل ح‪ff‬دثت اإلرادة يف ه‪ff‬ذا ال‪ff‬وقت على اخلص‪ff‬وص ومل ح‪ff‬دثت إرادة احلرك‪ff‬ة دون إرادة الس‪ff‬كون‪،‬‬
‫فإن عندهم حيدث لكل حادث إرادة حادث‪f‬ة متعلق‪ff‬ة ب‪f‬ذلك احلادث فلم مل حتدث إرادة تتعل‪f‬ق بض‪ff‬ده ؟ وأم‪ff‬ا‬
‫ال‪ff‬ذين ذهب‪ff‬وا إىل ح‪ff‬دوث اإلرادة يف ذات‪ff‬ه تع‪ff‬اىل ال متعلق‪ff‬ة ب‪ff‬ذلك احلادث فق‪ff‬د دفع‪ff‬وا أح‪ff‬د اإلش‪ff‬كالني وه‪ff‬و‬
‫كون ‪ff‬ه مري ‪ff‬دًا ب ‪ff‬إرادة يف غ ‪ff‬ري ذات ‪ff‬ه ولكن زادوا إش ‪ff‬كاًال آخ ‪ff‬ر وه ‪ff‬و كون ‪ff‬ه حمًال للح ‪ff‬وادث‪ ،‬وذل ‪ff‬ك ي ‪ff‬وجب‬
‫حدوث‪ff f‬ه‪ .‬مث ق‪ff f‬د بقيت عليهم بقي‪ff f‬ة اإلش‪ff f‬كال ومل يتخلص‪ff f‬وا من الس‪ff f‬ؤال‪ .‬وأم‪ff f‬ا أه‪ff f‬ل احلق ف‪ff f‬إهنم ق‪ff f‬الوا إن‬
‫احلادث ‪ff‬ات حتدث ب ‪ff‬إرادة قدمية تعلقت هبا فميزهتا عن أض ‪ff‬دادها املماثل ‪ff‬ة هلا‪ ،‬وق ‪ff‬ول القائ ‪ff‬ل إن ‪ff‬ه مل تعلقت هبا‬
‫وأض‪ff‬دادها مثله‪ff‬ا يف االمك‪ff‬ان‪ ،‬ه‪ff‬ذا س‪ff‬ؤال خط‪ff‬أ ف‪ff‬إن اإلرادة ليس‪ff‬ت إال عب‪ff‬ارة عن ص‪ff‬فة ش‪ff‬أهنا متي‪ff‬يز الش‪ff‬يء‬
‫على مثله‪ .‬فقول القائل مل ميزت اإلرادة الش‪f‬يء عن مثل‪f‬ه‪ ،‬كق‪f‬ول القائ‪f‬ل مل أوجب العلم انكش‪f‬اف املعل‪f‬وم‪،‬‬
‫فيق‪ff‬ال‪ :‬ال مع‪ff‬ىن للعلم إال م‪ff‬ا أوجب انكش‪ff‬اف املعل‪ff‬وم‪ ،‬فق‪ff‬ول القائ‪ff‬ل مل أوجب االنكش‪ff‬اف كقول‪ff‬ه مل ك‪ff‬ان‬
‫العلم علم‪ًf f‬ا‪ ،‬ومل ك ‪ff‬ان املمكن ممكن‪ًf f‬ا‪ ،‬وال ‪ff‬واجب واجب‪ًf f‬ا‪ ،‬وه‪ff f‬ذا حمال؛ ألن العلم علم لذات ‪ff‬ه وك ‪ff‬ذا املمكن‬
‫والواجب وسائر ال‪f‬ذوات‪ ،‬فك‪f‬ذلك اإلرادة وحقيقته‪f‬ا متي‪f‬يز الش‪f‬يء عن مثل‪f‬ه‪ .‬فق‪f‬ول القائ‪f‬ل مل م‪f‬يزت الش‪f‬يء‬
‫عن مثله كقوله مل كانت اإلرادة إرادة والقدرة قدرة‪ ،‬وهو حمال‪ ،‬وكل فريق مضطر إىل اثبات ص‪ff‬فة ش‪ff‬أهنا‬
‫متييز الشيء عن مثل‪f‬ه وليس ذل‪f‬ك إال اإلرادة‪ ،‬فك‪f‬ان أق‪f‬وم الف‪f‬رق قيًال وأه‪f‬داهم س‪f‬بيًال من أثبت ه‪f‬ذه الص‪f‬فة‬
‫ومل جيعلها حادثة‪ ،‬بل قال هي قدمية متعلق‪ff‬ة باألح‪f‬داث يف وقت خمص‪ff‬وص‪ ،‬فك‪f‬ان احلدوث يف ذل‪f‬ك ال‪f‬وقت‬
‫ل‪ff‬ذلك‪ ،‬وه‪ff‬ذا م‪ff‬ا ال يس‪ff‬تغين عن‪ff‬ه فري‪ff‬ق من الف‪ff‬رق وب‪ff‬ه ينقط‪ff‬ع التسلس‪ff‬ل يف ل‪ff‬زوم ه‪ff‬ذا الس‪ff‬ؤال‪ .‬واآلن فكم‪ff‬ا‬
‫مته‪ff‬د الق‪ff‬ول يف أص‪ff‬ل اإلرادة ف‪ff‬اعلم اهنا متعلق‪ff‬ة جبمي‪ff‬ع احلادث‪ff‬ات عن‪ff‬دنا من حيث أن‪ff‬ه ظه‪ff‬ر أن ك‪ff‬ل ح‪ff‬ادث‬
‫فمخ ‪ff‬رتع بقدرت ‪ff‬ه‪ ،‬وك ‪ff‬ل خمرتع بالق ‪ff‬درة حمت‪ff‬اج إىل ارادة تص ‪ff‬رف الق ‪ff‬درة إىل املق ‪ff‬دور وختصص ‪ff‬ها ب ‪ff‬ه‪ ،‬فك ‪ff‬ل‬
‫مقدور مراد‪ ،‬وك‪f‬ل ح‪f‬ادث مق‪f‬دور‪ ،‬فك‪f‬ل ح‪f‬ادث م‪f‬راد والش‪f‬ر والكف‪f‬ر واملعص‪f‬ية ح‪f‬وادث‪ ،‬فهي إذًا ال حمال‪f‬ة‬
‫م‪ff‬رادة‪ .‬فم‪ff‬ا ش‪ff‬اء اهلل ك‪ff‬ان وم‪ff‬ا مل يش‪ff‬أ مل يكن‪ ،‬فه‪ff‬ذا م‪ff‬ذهب الس‪ff‬لف الص‪ff‬احلني ومعتق‪ff‬د أه‪ff‬ل الس‪ff‬نة أمجعني‬
‫وقد قامت عليه الرباهني‪ .‬وأما املعتزلة فإهنم يقولون إن املعاصي كله‪f‬ا والش‪f‬رور حادث‪f‬ة بغ‪f‬ري إرادت‪f‬ه‪ ،‬ب‪f‬ل ه‪f‬و‬
‫ك ‪ff‬اره هلا‪ .‬ومعل ‪ff‬وم أن أك ‪ff‬ثر م ‪ff‬ا جيري يف الع ‪ff‬امل املعاص ‪ff‬ي ف ‪ff‬إذًا م ‪ff‬ا يكره ‪ff‬ه أك ‪ff‬ثر مما يري ‪ff‬ده فه ‪ff‬و إىل العج ‪ff‬ز‬
‫والقصور أقرب بزعمهم‪ ،‬تعاىل رب العاملني عن قول الظاملني‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬فكي‪f‬ف ي‪f‬أمر مبا ال يري‪f‬د ؟ وكي‪f‬ف‬
‫يري ‪ff‬د ش ‪ff‬يئًا وينهى عن ‪ff‬ه ؟ وكي ‪ff‬ف يري ‪ff‬د الفج ‪ff‬ور واملعاص ‪ff‬ي والظلم والق ‪ff‬بيح ومري ‪ff‬د الق ‪ff‬بيح س ‪ff‬فيه ؟ قلن ‪ff‬ا‪ :‬إذا‬
‫كشفنا عن حقيقة األمر وبينا أنه مباين لإلرادة وكشفنا عن القبيح واحلسن وبينا أن ذلك يرجع إىل موافقة‬
‫األعراض وخمالفتها‪ ،‬وه‪f‬و س‪f‬بحانه م‪f‬نزه عن األع‪f‬راض فان‪f‬دفعت ه‪f‬ذه اإلش‪f‬كاالت وس‪f‬يأيت ذل‪f‬ك يف موض‪f‬عه‬
‫إن ش‪ff‬اء اهلل تع‪ff‬اىل‪ .‬الص‪ff‬فة اخلامس‪ff‬ة والسادس‪ff‬ة يف الس‪ff‬مع والبص‪ff‬ر ن‪ff‬دعي ان ص‪ff‬انع الع‪ff‬امل مسيع بص‪ff‬ري‪ ،‬وي‪ff‬دل‬
‫عليه الشرع والعقل‪ .‬أما الش‪f‬رع في‪f‬دل علي‪f‬ه آي‪f‬ات من الق‪f‬رآن كث‪f‬رية كقول‪f‬ه "وه‪f‬و الس‪f‬ميع البص‪f‬ري" وكق‪f‬ول‬
‫إبراهيم علي‪f‬ه الس‪f‬الم مل تعب‪f‬د م‪f‬ا ال يس‪f‬مع وال يبص‪f‬ر وال يع‪f‬ين عن‪f‬ك ش‪f‬يئًا ونعلم أن ال‪f‬دليل غ‪f‬ري منقلب علي‪f‬ه‬
‫يف معب ‪ff‬وده وأن ‪ff‬ه ك ‪ff‬ان يعب ‪ff‬د مسيعًا بص ‪ff‬ريًا وال يش ‪ff‬اركه يف اإلل ‪ff‬زام‪ .‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل‪ :‬إمنا أري ‪ff‬د ب ‪ff‬ه العلم‪ .‬قلن ‪ff‬ا‪ :‬إمنا‬
‫تص‪ff f‬رف ألف‪ff f‬اظ الش‪ff f‬ارع عن موض‪ff f‬وعاهتا املفهوم‪ff f‬ة الس‪ff f‬ابقة إىل األفه‪ff f‬ام إذا ك‪ff f‬ان يس‪ff f‬تحيل تق‪ff f‬ديرها على‬
‫املوض ‪ff‬وع‪ ،‬وال اس ‪ff‬تحالة يف كون ‪ff‬ه مسيعًا بص ‪ff‬ريًا‪ ،‬ب ‪ff‬ل جيب أن يك ‪ff‬ون ك ‪ff‬ذلك‪ ،‬فال مع ‪ff‬ىن للتحكم بإنك ‪ff‬ار م ‪ff‬ا‬
‫فهم‪ff f‬ه أه‪ff f‬ل اإلمجاع من الق‪ff f‬رآن‪ .‬ف‪ff f‬إن قي‪ff f‬ل‪ :‬وج‪ff f‬ه اس‪ff f‬تالته إن‪ff f‬ه إن ك‪ff f‬ان مسعه وبص‪ff f‬ره ح‪ff f‬ادثني ك‪ff f‬ان حمًال‬
‫للح‪ff‬وادث‪ ،‬وه‪ff‬و حمال‪ ،‬وإن كان‪ff‬ا ق‪ff‬دميني فكي‪ff‬ف يس‪ff‬مع ص‪ff‬وتًا مع‪ff‬دومًا وكي‪ff‬ف ي‪ff‬رى الع‪ff‬امل يف األزل والع‪ff‬امل‬
‫مع‪ff‬دوم واملع‪ff‬دوم ال ي‪ff‬رى ؟ قلن‪ff‬ا‪ :‬ه‪ff‬ذا الس‪ff‬وال يص‪ff‬در عن مع‪ff‬تزيل أو فلس‪ff‬في‪ .‬أم‪ff‬ا املع‪ff‬تزيل فدفع‪ff‬ه هني‪ ،‬فإن‪ff‬ه‬
‫س‪ff‬لم أن‪ff‬ه يعلم احلادث‪ff‬ات‪ ،‬فنق‪ff‬ول‪ :‬يعلم اهلل اآلن إن الع‪ff‬امل ك‪ff‬ان موج‪ff‬ودًا قب‪ff‬ل ه‪ff‬ذا فكي‪ff‬ف علم يف األزل أن‪ff‬ه‬
‫يكون موجودًا وهو بعد مل يكن موجودًا ؟ فإن جز إثبات صفة تك‪f‬ون عن‪f‬د وج‪f‬ود الع‪ff‬امل علم‪f‬ا بأن‪f‬ه ك‪f‬ائن‪،‬‬
‫وفعله بأنه سيكون وبعده بأنه كان وقبله بأنه سيكون‪ ،‬وهو ال يتغري ع‪ff‬رب عن‪f‬ه ب‪f‬العلم بالع‪ff‬امل والعلمي‪f‬ة‪ ،‬ج‪f‬از‬
‫ذلك يف السمع والسمعية والبصر والبصرية‪ .‬وإن صدر من فلسفي فهو منك‪f‬ر لكون‪f‬ه عاملًا باحلادث‪f‬ات املعين‪f‬ة‬
‫الداخلة يف املاض‪f‬ي واحلال واملس‪f‬تقبل‪ ،‬فس‪f‬بيلنا أن ننق‪f‬ل الكالم إىل العلم ونثبت علي‪f‬ه ج‪f‬واز علم ق‪f‬دمي متعل‪f‬ق‬
‫باحلادث‪ff‬ات كم‪ff‬ا س‪ff‬نذكره‪ ،‬مث إذا ثبت ذل‪ff‬ك يف العلم قس‪ff‬نا علي‪ff‬ه الس‪ff‬مع والبص‪ff‬ر‪ .‬وأم‪ff‬ا املس‪ff‬لك العقلي‪ ،‬فه‪ff‬و‬
‫أن نقول‪ :‬معلوم أن اخلالق أكمل من املخلوق‪ ،‬ومعلوم أن البصري أكمل ممن ال يبصر‪ ،‬والس‪f‬ميع أكم‪f‬ل ممن‬
‫ال يس‪f‬مع‪ ،‬فيس‪f‬تحيل أن يثبت وص‪ff‬ف الكم‪f‬ال للمخل‪f‬وق وال نثبت‪f‬ه للخ‪f‬الق‪ .‬وه‪ff‬ذان أص‪ff‬الن يوجب‪f‬ان اإلق‪f‬رار‬
‫بصحة دعوانا ففي أيهما النزاع ؟ فإن قيل‪ :‬ال‪f‬نزاع يف ق‪f‬ولكم واجب أن يك‪f‬ون اخلالق أكم‪f‬ل من املخل‪f‬وق‪.‬‬
‫قلن‪ff‬ا‪ :‬ه‪ff‬ذا مما جيب االع‪ff‬رتاف ب‪ff‬ه ش‪ff‬رعًا وعقًال‪ ،‬واألم‪ff‬ة والعقالء جممع‪ff‬ون علي‪ff‬ه‪ ،‬فال يص‪ff‬در ه‪ff‬ذا الس‪ff‬ؤال من‬
‫معتق‪ff‬د‪ .‬ومن اتس‪ff‬ع عقل‪ff‬ه لقب‪ff‬ول ق‪ff‬ادر يق‪ff‬در على اخ‪ff‬رتاع م‪ff‬ا ه‪ff‬و أعلى وأش‪ff‬رف من‪ff‬ه فق‪ff‬د اخنل‪ff‬ع عن غري‪ff‬زة‬
‫البش ‪ff‬رية ونط ‪ff‬ق لس ‪ff‬انه مبا ينب ‪ff‬و عن قبول ‪ff‬ه قلب ‪ff‬ه إن ك ‪ff‬ان يفهم م ‪ff‬ا يقول ‪ff‬ه‪ ،‬وهلذا ال ن ‪ff‬رى ع ‪ff‬اقًال يعتق ‪ff‬د ه ‪ff‬ذا‬
‫االعتقاد‪ .‬فإن قيل‪ :‬النزاع يف األصل الثاين‪ ،‬وقو قولكم إن البص‪ff‬ري أكم‪f‬ل وإن الس‪f‬مع والبص‪ff‬ر كم‪f‬ال‪ .‬قلن‪f‬ا‪:‬‬
‫هذا أيضًا مدرك ببديه‪f‬ة العق‪f‬ل‪ ،‬ف‪f‬إن العلم كم‪f‬ال والس‪f‬مع والبص‪f‬ر كم‪f‬ال ث‪f‬ان للعلم‪ ،‬فإن‪f‬ا بين‪f‬ا أن‪f‬ه اس‪f‬تكمال‬
‫للعلم والتخي‪ff‬ل‪ ،‬ومن علم ش‪ff‬يئًا ومل ي‪ff‬ره مث رآه اس‪ff‬تفاد مزي‪ff‬د كش‪ff‬ف وكم‪ff‬ال فكي‪ff‬ف يق‪ff‬ال إن ذل‪ff‬ك حاص‪ff‬ل‬
‫للمخل‪ff‬وق وليس حباص‪ff‬ل للخ‪ff‬الق أو يق‪ff‬ال إن ذل‪ff‬ك ليس بكم‪ff‬ال‪ ،‬ف‪ff‬إن مل يكن كم‪ff‬اًال فه‪ff‬و نقص أو ال ه‪ff‬و‬
‫نقص وال ه ‪ff‬و كم ‪ff‬ال‪ ،‬ومجي ‪ff‬ع ه ‪ff‬ذه األقس ‪ff‬ام حمال‪ ،‬فظه ‪ff‬ر ان احلق م ‪ff‬ا ذكرن ‪ff‬اه‪ .‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل‪ :‬ه ‪ff‬ذا يل ‪ff‬زمكم يف‬
‫اإلدراك احلاص ‪ff‬ل بالش ‪ff‬م وال ‪ff‬ذوق واللمس ألن فق ‪ff‬دها نقص ‪ff‬ان ووجوده ‪ff‬ا كم ‪ff‬ال يف اإلدراك‪ ،‬فليس كم ‪ff‬ال‬
‫علم من علم الرائح ‪ff‬ة ككم ‪ff‬ال علم من أدرك بالش ‪ff‬م‪ ،‬وك ‪ff‬ذلك بال ‪ff‬ذوق ف ‪ff‬أين العلم ب ‪ff‬الطعوم من إدراكه ‪ff‬ا‬
‫بال‪ff‬ذوق‪ .‬واجلواب إن احملققني من أه‪ff‬ل احلق ص‪ff‬رحوا بإثب‪ff‬ات أن‪ff‬واع اإلدراك‪ff‬ات م‪ff‬ع الس‪ff‬مع والبص‪ff‬ر والعلم‬
‫ال‪ff‬ذي ه‪ff‬و كم‪ff‬ال يف اإلدراك دون األس‪ff‬باب ال‪ff‬يت هي مقرتن‪ff‬ة هبا يف الع‪ff‬ادة من املماس‪ff‬ة واملالق‪ff‬اة‪ ،‬ف‪ff‬إن ذل‪ff‬ك‬
‫حمال على اهلل تعاىل‪ .‬كما جوزوا ادراك البص‪f‬ر من غ‪f‬ري مقابل‪f‬ة بين‪f‬ه وبني املبص‪f‬ر‪ ،‬ويف ط‪f‬رد ه‪f‬ذا القي‪f‬اس دف‪f‬ع‬
‫ه ‪ff‬ذا الس ‪ff‬ؤال وال م ‪ff‬انع من ‪ff‬ه ولكن ملا مل ي ‪ff‬رد الش ‪ff‬رع إال بلف ‪ff‬ظ العلم والس ‪ff‬مع والبص ‪ff‬ر فلم ميكن لن ‪ff‬ا إطالق‬
‫غ ‪ff‬ريه‪ .‬وأم ‪ff‬ا م ‪ff‬ا ه ‪ff‬و نقص ‪ff‬ان يف اإلدراك فال جيوز يف حق ‪ff‬ه تع ‪ff‬اىل البت ‪ff‬ة‪ ،‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل جير ه ‪ff‬ذا إىل إثب ‪ff‬ات التل ‪ff‬ذذ‬
‫والتأمل‪ ،‬فاخلدر الذي ال يتأمل بالضرب ناقص‪ ،‬والعنني ال‪f‬ذي ال يتل‪f‬ذذ باجلم‪f‬اع ن‪f‬اقص‪ ،‬وك‪f‬ذا فس‪f‬اد الش‪f‬هوة‬
‫نقص ‪ff‬ان‪ ،‬فينبغي أن نثبت يف حق ‪ff‬ه ش ‪ff‬هوة‪ ،‬قلن ‪ff‬ا ه ‪ff‬ذه األم ‪ff‬ور ت ‪ff‬دل على احلدوث وهي يف أنفس ‪ff‬ها إذا حبث‬
‫عنها نقصانات‪ ،‬وهي حموجة إىل أمور توجب احلدوث‪ ،‬فاألمل نقصان‪ ،‬مث هو حموج إىل س‪f‬بب ه‪f‬و ض‪f‬رب‪،‬‬
‫والض ‪ff‬رب مماس ‪ff‬ة جتري بني األجس ‪ff‬ام‪ ،‬والل ‪ff‬ذة ترج ‪ff‬ع إىل زوال األمل إذا حققت أو ترج ‪ff‬ع إىل درك م ‪ff‬ا ه ‪ff‬و‬
‫حمت‪f‬اج إلي‪f‬ه ومش‪f‬تاق إلي‪f‬ه‪ ،‬والش‪f‬وق واحلاج‪f‬ة نقص‪f‬ان‪ ،‬ف‪f‬املوقوف على النقص‪f‬ان ن‪f‬اقص‪ ،‬ومع‪f‬ىن الش‪f‬هوة طلب‬
‫الش‪ff‬يء املالئم وال طلب إال عن‪ff‬د فق‪ff‬د املطل‪ff‬وب وال ل‪ff‬ذة إال عن‪ff‬د ني‪ff‬ل م‪ff‬ا ليس مبوج‪ff‬ود‪ ،‬وك‪ff‬ل م‪ff‬ا ه‪ff‬و ممكن‬
‫وجوده هلل فهو موج‪f‬ود فليس يفوت‪f‬ه ش‪f‬يء ح‪f‬ىت يك‪f‬ون بطلب‪f‬ه مش‪f‬تهيًا وبنيل‪f‬ه ملت‪f‬ذًا‪ ،‬فلم تتص‪f‬ور ه‪f‬ذه األم‪f‬ور‬
‫يف حق‪f‬ه تع‪f‬اىل وإذا قي‪f‬ل إن فق‪f‬د الت‪f‬أمل واإلحس‪f‬اس بالض‪f‬رب نقص‪f‬ان يف ح‪f‬ق اخلدر‪ ،‬وإن إدراك‪f‬ه كم‪f‬ال وإن‬
‫سقوط الشهوة من معدته نقصان‪ ،‬وثبوهتا كمال أريد به أنه كمال باإلضافة إىل ض‪ff‬ده ال‪f‬ذي ه‪ff‬و مهل‪f‬ك يف‬
‫حق‪ff‬ه‪ ،‬فص‪ff‬ار كم‪ff‬اًال باإلض‪ff‬افة إىل اهلالك ألن النقص‪ff‬ان خ‪ff‬ري من اهلالك فه‪ff‬و إذًا ليس كم‪ff‬اًال يف ذات‪ff‬ه خبالف‬
‫العلم وه‪ff‬ذه االدراك‪ff‬ات‪ .‬الص‪ff‬فة الس‪ff‬ابعة الكالم ن‪ff‬دعي أن ص‪ff‬انع الع‪ff‬امل متكلم كم‪ff‬ا أمجع علي‪ff‬ه املس‪ff‬لمون‪،‬‬
‫واعلم أن من أراد إثبات الكالم بأن العقل يقضي جبواز كون اخللق مرددين حتت األم‪f‬ر والنهي وك‪f‬ل ص‪f‬فة‬
‫جائزة يف املخلوقات تستند إىل صفة واجبة يف اخلالق‪ ،‬فه‪ff‬و يف ش‪f‬طط‪ ،‬إذ يق‪ff‬ال ل‪f‬ه‪ :‬إن أردت ج‪f‬واز ك‪f‬وهنم‬
‫م ‪ff‬أمورين من جه ‪ff‬ة اخلل ‪ff‬ق ال ‪ff‬ذين يتص ‪ff‬ور منهم الكالم‪ ،‬فمس ‪ff‬لم‪ ،‬وإن أردت ج ‪ff‬وازه على العم ‪ff‬وم من اخلل ‪ff‬ق‬
‫واخلالق فق‪ff‬د أخ‪ff‬ذت حمل ال‪ff‬نزاع مس‪ff‬لمًا يف نفس ال‪ff‬دليل وه‪ff‬و غ‪ff‬ري مس‪ff‬لم‪ ،‬ومن أراد إثب‪ff‬ات الكالم باإلمجاع‬
‫أو بقول الرسول فقد سام نفسه خطة خسف ألن اإلمجاع يستند إىل قول الرس‪f‬ول علي‪f‬ه الس‪f‬الم ومن أنك‪f‬ر‬
‫كون الب‪f‬اري متكلم‪ًf‬ا فبالض‪f‬رورة ينك‪f‬ر تص‪f‬ور الرس‪f‬ول‪ ،‬إذ مع‪f‬ىن الرس‪f‬ول املبل‪f‬غ لرس‪f‬الة املرس‪f‬ل‪ ،‬ف‪f‬إن مل يكن‬
‫للكالم متصور يف حق من ادعى أنه مرس‪f‬ل كي‪f‬ف يتص‪f‬ور الرس‪f‬ول؟ ومن ق‪f‬ال أن‪f‬ا رس‪f‬ول األرض أو رس‪f‬ول‬
‫اجلب ‪ff‬ل إليكم فال يص‪ff f‬غى إلي ‪ff‬ه العتقادن ‪ff‬ا اس ‪ff‬تحالة الكالم والرس ‪ff‬الة من اجلب ‪ff‬ل واألرض‪ ،‬وهلل املث ‪ff‬ل األعلى‪،‬‬
‫ولكن من يعتق‪ff‬د اس‪f‬تحالة الكالم يف ح‪f‬ق اهلل تع‪ff‬اىل اس‪f‬تحال من‪f‬ه أن يص‪ff‬دق الرس‪f‬ول إذ املك‪f‬ذب ب‪f‬الكالم ال‬
‫ب ‪ff‬د أن يك ‪ff‬ذب بتبلي ‪ff‬غ الكالم‪ ،‬والرس ‪ff‬الة عب ‪ff‬ارة عن تبلي ‪ff‬غ الكالم‪ ،‬والرس ‪ff‬ول عب ‪ff‬ارة عن املبل ‪ff‬غ‪ ،‬فلع ‪ff‬ل األق ‪ff‬وم‬
‫منهج ث‪ff‬الث وه‪ff‬و ال‪ff‬ذي س‪ff‬لكناه يف اثب‪ff‬ات الس‪ff‬مع والبص‪ff‬ر يف أن الكالم للحي أم‪ff‬ا أن يق‪ff‬ال ه‪ff‬و كم‪ff‬ال أو‬
‫يقال هو نقص‪ ،‬أو يقال ال هو نقص وال هو كمال‪ ،‬وباط‪f‬ل أن يق‪f‬ال ه‪f‬و نقص أو ه‪f‬و ال نقص وال كم‪f‬ال‬
‫فثبت بالض‪ff‬رورة أن‪ff‬ه كم‪ff‬ال‪ ،‬وك‪ff‬ل كم‪ff‬ال وج‪ff‬د للمخل‪ff‬وق فه‪ff‬و واجب الوج‪ff‬ود للخ‪ff‬الق بطري‪ff‬ق األوىل كم‪ff‬ا‬
‫س‪ff‬بق‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬الكالم ال‪ff‬ذي جعلتم‪ff‬وه منش‪ff‬أ نظ‪ff‬ركم ه‪ff‬و كالم اخلل‪ff‬ق‪ ،‬وذل‪ff‬ك إم‪ff‬ا أن ي‪ff‬راد ب‪ff‬ه األص‪ff‬وات‬
‫واحلروف أو يراد ب‪f‬ه الق‪f‬درة على اجياد األص‪f‬وات واحلروف يف نفس الق‪f‬ادر أو ي‪f‬راد ب‪f‬ه مع‪f‬ىن ث‪f‬الث س‪f‬وامها‪،‬‬
‫ف‪ff‬إن أري‪ff‬د ب‪ff‬ه األص‪ff‬وات واحلروف فهي ح‪ff‬وادث ومن احلوادث م‪ff‬ا هي كم‪ff‬االت يف حقن‪ff‬ا ولكن ال يتص‪ff‬ور‬
‫قيامها يف ذات اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وإن قام بغريه مل يكن هو متكلمًا به ب‪f‬ل ك‪f‬ان املتكلم ب‪f‬ه احملل ال‪f‬ذي ق‪f‬ام‬
‫ب‪ff‬ه؛ وإن أري‪ff‬د ب‪ff‬ه الق‪ff‬درة على خل‪ff‬ق األص‪ff‬وات فه‪ff‬و كم‪ff‬ال ولكن املتكلم ليس متكلم ‪ًf‬ا باعتب‪ff‬ار قدرت‪ff‬ه على‬
‫خل‪ff‬ق األص‪ff‬وات فق‪ff‬ط ب‪ff‬ل باعتب‪ff‬ار خلق‪ff‬ه للكالم يف نفس‪ff‬ه‪ ،‬واهلل تع‪ff‬اىل ق‪ff‬ادر على خل‪ff‬ق األص‪ff‬وات فل‪ff‬ه كم‪ff‬ال‬
‫الق‪ff‬درة ولكن ال يك‪ff‬ون متكلم ‪ًf‬ا ب‪ff‬ه إال إذا خل‪ff‬ق الص‪ff‬وت يف نفس‪ff‬ه‪ ،‬وه‪ff‬و حمال إذ يص‪ff‬ري ب‪ff‬ه حمًال للح‪ff‬وادث‬
‫فاستحال أن يكون متكلمًا؛ وإن أريد بالكالم أمر ثالث فليس مبفه‪ff‬وم وإثب‪f‬ات م‪ff‬ا ال يفهم حمال‪ .‬قلن‪f‬ا‪ :‬ه‪ff‬ذا‬
‫التقس‪ff‬يم ص‪ff‬حيح والس‪ff‬ؤال يف مجي‪ff‬ع أقس‪ff‬امه مع‪ff‬رتف ب‪ff‬ه إال يف إنك‪ff‬ار القس‪ff‬م الث‪ff‬الث‪ ،‬فإن‪ff‬ا مع‪ff‬رتفون باس‪ff‬تحالة‬
‫قيام األصوات بذاته وباستحالة كونه متكلمًا هبذا االعتب‪f‬ار‪ .‬ولكن‪f‬ا نق‪f‬ول اإلنس‪f‬ان يس‪f‬مى متكلم‪ًf‬ا باعتب‪f‬ارين‬
‫أحدمها بالصوت واحلرف واآلخر بكالم النفس الذي ليس بصوت وحرف‪ ،‬وذلك كمال وهو يف حق اهلل‬
‫تع‪ff f f‬اىل غ‪ff f f‬ري حمال‪ ،‬وال ه‪ff f f‬و دال على احلدوث‪ .‬وحنن ال نثبت يف ح‪ff f f‬ق اهلل تع‪ff f f‬اىل إال كالم النفس‪ ،‬وكالم‬
‫النفس ال سبيل إىل إنكاره يف حق اإلنسان زائدًا على القدرة والصوت حىت يق‪f‬ول االنس‪f‬ان زورت البارح‪f‬ة‬
‫يف نفس‪ff‬ي كالم ‪ًf‬ا ويق‪ff‬ال يف نفس فالن كالم وه‪ff‬و يري‪ff‬د أن ينط‪ff‬ق ب‪ff‬ه ويق‪ff‬ول الش‪ff‬اعر‪ :‬ال يعجبن‪ff‬ك من أث‪ff‬ري‬
‫خطه=حىت يكون مع الكالم أصيال إن الكالم لفي الفؤاد وإمنا=جعل اللسان على الفؤاد دليًال وما ينطق به‬
‫الشعراء يدل على أن‪f‬ه من اجللي‪f‬ات ال‪f‬يت يش‪f‬رتك كاف‪f‬ة اخلل‪f‬ق يف دركه‪f‬ا فكي‪f‬ف ينك‪f‬ر‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬كالم النفس‬
‫هبذا التأوي ‪ff‬ل مع ‪ff‬رتف ب ‪ff‬ه ولكن ‪ff‬ه ليس خارج ‪ًf‬ا عن العل ‪ff‬وم اإلدراك ‪ff‬ات وليس جنس ‪ًf‬ا برأس ‪ff‬ه البت ‪ff‬ة‪ ،‬ولكن م ‪ff‬ا‬
‫يس‪ff‬ميه الن‪ff‬اس كالم النفس وح‪ff‬ديث النفس ه‪ff‬و العلم بنظم األلف‪ff‬اظ والعب‪ff‬ارات وت‪ff‬أليف املع‪ff‬اين املعلوم‪ff‬ة على‬
‫وجه خمصوص فليس يف القلب إال معاين معلومة وهي العلوم وألفاظ مس‪f‬موعة هي معلوم‪f‬ة بالس‪f‬ماع‪ ،‬وه‪f‬و‬
‫أيض‪ًf f‬ا علم معل ‪ff‬وم اللف ‪ff‬ظ‪ .‬وينض ‪ff‬اف إلي ‪ff‬ه ت ‪ff‬أليف املع ‪ff‬اين واأللف ‪ff‬اظ على ت ‪ff‬رتيب‪ .‬وذل ‪ff‬ك فع ‪ff‬ل يس ‪ff‬مى فك ‪ff‬رًا‬
‫وتسميه القدرة ال‪f‬يت عنه‪f‬ا يص‪f‬در الفع‪f‬ل ق‪f‬وة مفك‪f‬رة‪ .‬ف‪f‬إن أثبتم يف النفس ش‪f‬يئًا س‪f‬وى نفس الفك‪f‬ر ال‪f‬ذي ه‪f‬و‬
‫ت‪ff‬رتيب األلف‪ff‬اظ واملع‪ff‬اين وتأليفه‪ff‬ا‪ ،‬وس‪ff‬وى الق‪ff‬وة املفك‪ff‬رة ال‪ff‬يت هي ق‪ff‬درة علي‪ff‬ا وس‪ff‬وى العلم باملع‪ff‬اين مفرتقه‪ff‬ا‬
‫وجمموعه‪ff‬ا‪ ،‬وس‪ff‬وى العلم باأللف‪ff‬اظ املرتب‪ff‬ة من احلروف مفرتقه‪ff‬ا وجمموعه‪ff‬ا فق‪ff‬د أثبتم أم‪ff‬رًا منك‪ff‬رًا ال نعرف‪ff‬ه‪.‬‬
‫وإيض ‪ff‬احه أن الكالم إم ‪ff‬ا أم ‪ff‬ر أو هني أو خ ‪ff‬رب أو اس ‪ff‬تخبار‪ .‬أم ‪ff‬ا اخلرب فلف ‪ff‬ظ ي ‪ff‬دل على علم يف نفس املخ ‪ff‬رب‪،‬‬
‫فمن علم الش‪ff‬يء وعلم اللف‪ff‬ظ املوض‪ff‬وع للدالل‪ff‬ة على ذل‪ff‬ك الش‪ff‬يء كالض‪ff‬رب مثًال فإن‪ff‬ه مع‪ff‬ىن معل‪ff‬وم ي‪ff‬درك‬
‫ب‪ff‬احلس‪ ،‬ولف‪ff‬ظ الض‪ff‬رب ال‪ff‬ذي ه‪ff‬و مؤل‪ff‬ف من الض‪ff‬اد وال‪ff‬راء والب‪ff‬اء ال‪ff‬ذي وض‪ff‬عته الع‪ff‬رب للدالل‪ff‬ة على املع‪ff‬ىن‬
‫احملسوس وهي معرفة أخرى‪ ،‬فكان له قدرة على اكتساب هذه األصوات بلسانه‪ ،‬وكانت له إرادة للدالل‪ff‬ة‬
‫وإرادة الكتس‪ff‬اب اللف‪ff‬ظ مث من‪ff‬ه قول‪ff‬ه ض‪ff‬رب ومل يفتق‪ff‬ر إىل أم‪ff‬ر زائ‪ff‬د على ه‪ff‬ذه األم‪ff‬ور‪ .‬فك‪ff‬ل أم‪ff‬ر ق‪ff‬درمتوه‬
‫سوى هذا فنحن نقدر نفيه‪ ،‬ويتم مع ذلك قولك ضرب ويكون خربًا وكالم‪ًf‬ا‪ ،‬وأم‪ff‬ا االس‪f‬تخبار فه‪ff‬و دالل‪f‬ة‬
‫على أن يف النفس طلب معرفة‪ ،‬وأما األمر فهو داللة على أن يف النفس طلب فعل املأمور وعلى هذا يقاس‬
‫النهي وس ‪ff‬ائر األقس ‪ff‬ام من الكالم وال يعق ‪ff‬ل أم ‪ff‬ر آخ ‪ff‬ر خ ‪ff‬ارج عن ه ‪ff‬ذا وه ‪ff‬ذه اجلمل ‪ff‬ة‪ ،‬فبعض ‪ff‬ها حمال علي ‪ff‬ه‬
‫كاألص ‪ff‬وات وبعض ‪ff‬ها موج ‪ff‬ود هلل ك ‪ff‬االرادة والعلم والق ‪ff‬درة‪ ،‬وأم ‪ff‬ا م ‪ff‬ا ع ‪ff‬دا ه ‪ff‬ذا فغ ‪ff‬ري مفه ‪ff‬وم‪ .‬واجلواب أن‬
‫الكالم الذي نريده مع‪f‬ىن زائ‪f‬د على ه‪f‬ذه اجلمل‪f‬ة ولن‪f‬ذكره يف قس‪f‬م واح‪f‬د من أقس‪f‬ام الكالم وه‪f‬و األم‪f‬ر ح‪f‬ىت‬
‫ال يط‪ff‬ول الكالم‪ .‬فنق‪ff‬ول‪ :‬ق‪ff‬ول الس‪ff‬يد لغالم‪ff‬ه قم‪ ،‬لف‪ff‬ظ ي‪ff‬دل على مع‪ff‬ىن‪ ،‬واملع‪ff‬ىن املدلول علي‪ff‬ه يف نفس‪ff‬ه ه‪ff‬و‬
‫كالم‪ ،‬وليس ذل‪ff‬ك ش‪ff‬يئًا مما ذكرمتوه‪ ،‬وال حاج‪ff‬ة إىل اإلطن‪ff‬اب يف التقس‪ff‬يمات وإمنا بت‪ff‬وهم رده م‪ff‬ا أراد إىل‬
‫األم ‪ff‬ر أو إىل إرادة الدالل ‪ff‬ة وحمال أن يق ‪ff‬ال إن ‪ff‬ه إرادة الدالل ‪ff‬ة‪ ،‬ألن الدالل ‪ff‬ة تس ‪ff‬تدعي م ‪ff‬دلوًال واملدلول غ ‪ff‬ري‬
‫الدليل وغري إرادة الداللة‪ ،‬وحمال أن يقال إنه إرادة اآلمر ‪ ..‬ألنه قد يأمر وهو ال يريد االمتثال ب‪ff‬ل يكره‪ff‬ه‪،‬‬
‫كال‪ff‬ذي يعت‪ff‬ذر عن‪ff‬د الس‪ff‬لطان اهلام بقتل‪ff‬ه توبيخ ‪ًf‬ا ل‪ff‬ه على ض‪ff‬رب غالم‪ff‬ه‪ ،‬بأن‪ff‬ه إمنا ض‪ff‬ربه لعص‪ff‬يانه‪ ،‬وآيت‪ff‬ه أن‪ff‬ه‬
‫يأمره بني يدي امللك فيعصيه‪ ،‬فإذا أراد االحتجاج به وقال للغالم بني يدي امللك قم فإين عازم عليك بأمر‬
‫جزم ال عذر لك فيه وال يريد أن تقوم فه‪f‬و يف ه‪f‬ذا ال‪f‬وقت آم‪f‬ر بالقي‪f‬ام قطع‪ًf‬ا‪ ،‬وه‪f‬و غ‪f‬ري مري‪f‬د للقي‪f‬ام قطع‪ًf‬ا‪،‬‬
‫ف‪ff‬الطلب ال‪ff‬ذي ق‪ff‬ام بنفس‪ff‬ه ال‪ff‬ذي دل لف‪ff‬ظ األم‪ff‬ر علي‪ff‬ه ه‪ff‬و الكالم وه‪ff‬و غ‪ff‬ري إرادة القي‪ff‬ام وه‪ff‬ذا واض‪ff‬ح عن‪ff‬د‬
‫املصنف‪ .‬فإن قيل هذا الشخص ليس بآمر على احلقيقة ولكنه موهم أن‪ff‬ه أم‪ff‬ر‪ ،‬قلن‪ff‬ا‪ :‬ه‪ff‬ذا باط‪ff‬ل من وجهني‪:‬‬
‫أح‪f‬دمها‪ ،‬أن‪f‬ه ل‪f‬و مل يكن آم‪f‬رًا ملا مته‪f‬د ع‪f‬ذره عن‪f‬د املل‪f‬ك ولقي‪f‬ل ل‪f‬ه أنت يف ه‪f‬ذا ال‪f‬وقت ال يتص‪f‬ور من‪f‬ك األم‪f‬ر‬
‫ألن األم‪ff‬ر ه‪ff‬و طلب االمتث‪ff‬ال ويس‪ff‬تحيل أن تري‪ff‬د اآلن االمتث‪ff‬ال وه‪ff‬و س‪ff‬بب هالك‪ff‬ك‪ ،‬فكي‪ff‬ف تطم‪ff‬ع يف أن‬
‫حتتج مبعصيتك ألمرك وأنت عاجز عن أمره إذ أنت عاجز عن إرادة ما فيه هالكك ويف امتثال‪ff‬ه هالك‪ff‬ك ؟‬
‫وال ش‪ff‬ك يف أن‪ff‬ه ق‪ff‬ادر على االحتج‪ff‬اج وأن حجت‪ff‬ه قائم‪ff‬ة وممه‪ff‬دة لع‪ff‬ذره‪ ،‬وحجت‪ff‬ه مبعص‪ff‬ية األم‪ff‬ر‪ ،‬فل‪ff‬و تص‪ff‬ور‬
‫األم ‪ff‬ر م ‪ff‬ع حتق ‪ff‬ق كراه ‪ff‬ة االمتث ‪ff‬ال ملا تص ‪ff‬ور احتج ‪ff‬اج الس ‪ff‬يد ب ‪ff‬ذلك البت ‪ff‬ة‪ ،‬وه ‪ff‬ذا ق ‪ff‬اطع يف نفس ‪ff‬ه ملن تأمل ‪ff‬ه‪.‬‬
‫والثاين‪ ،‬هو أن ه‪f‬ذا الرج‪f‬ل ل‪f‬و حكى الواقع‪f‬ة للمفت‪f‬يني وحل‪f‬ف ب‪f‬الطالق الثالث إين أم‪f‬رت العب‪f‬د بالقي‪f‬ام بني‬
‫يدي امللك بعد جريان عقاب امللك فعص‪f‬ى‪ ،‬ألف‪f‬ىت ك‪f‬ل مس‪f‬لم ب‪f‬أن طالق‪f‬ه غ‪f‬ري واق‪f‬ع وليس للمف‪f‬يت أن يق‪f‬ول‬
‫أن ‪ff‬ا أعلم أن يس ‪ff‬تحيل أن تري ‪ff‬د يف مث ‪ff‬ل ه ‪ff‬ذا ال ‪ff‬وقت امتث ‪ff‬ال الغالم وه ‪ff‬و س ‪ff‬بب هالك ‪ff‬ك‪ ،‬واألم ‪ff‬ر ه ‪ff‬و إرادة‬
‫االمتثال فإذا ما أم‪f‬رت ه‪f‬ذا ل‪f‬و قال‪f‬ه املف‪f‬يت فه‪f‬و باط‪f‬ل باالتف‪f‬اق‪ ،‬فق‪f‬د انكش‪f‬ف الغط‪f‬اء والح وج‪f‬ود مع‪f‬ىن ه‪f‬و‬
‫مدلول اللفظ زائدًا على ما عداه من املعاين‪ ،‬وحنن نسمي ذلك كالمًا وهو جنس خمالف للعل‪ff‬وم واإلرادات‬
‫واالعتق ‪ff‬ادات‪ ،‬وذل ‪ff‬ك ال يس ‪ff‬تحيل ثبوت ‪ff‬ه هلل تع ‪ff‬اىل ب ‪ff‬ل جيب ثبوت ‪ff‬ه فإن ‪ff‬ه ن ‪ff‬وع كالم ف ‪ff‬إذا ه ‪ff‬و املع ‪ff‬ين ب ‪ff‬الكالم‬
‫الق‪ff f f‬دمي‪ .‬وأم‪ff f f‬ا احلروف فهي حادث‪ff f f‬ة وهي دالالت على الكالم وال‪ff f f‬دليل غ‪ff f f‬ري املدلول وال يتص‪ff f f‬ف بص‪ff f f‬فة‬
‫املدلول‪ ،‬وإن كانت داللته ذاتية كالعامل فإنه حادث ويدل على صانع قدمي فمن أين يبع‪ff‬د أن ت‪ff‬دل ح‪ff‬روف‬
‫حادثة على صفة قدمية مع أن هذه داللة باالصطالح ؟ وملا كان كل كالم النفس دقيقًا زل عى ذهن أكثر‬
‫الض‪ff‬عفاء فلم يثبت‪ff‬وا إال حروف‪ًf‬ا وأص‪ff‬واتًا ويتوج‪ff‬ه هلم على ه‪ff‬ذا املذهب أس‪ff‬ئلة واس‪ff‬تبعادات نش‪ff‬ري إىل بعض‪ff‬ها‬
‫ليس‪ff‬تدل هبا على طري‪ff‬ق ال‪ff‬دفع يف غريه‪ff‬ا‪ .‬االس‪ff‬تبعاد األول‪ :‬ق‪ff‬ول القائ‪ff‬ل كي‪ff‬ف مسع موس‪ff‬ى كالم اهلل تع‪ff‬اىل؛‬
‫أمسع صوتًا وحرفًا ؟ فإن قلتم ذلك فإذا مل يس‪f‬مع كالم اهلل ف‪f‬إن كالم اهلل ليس حبرف‪ ،‬وإن مل يس‪f‬مع حرف‪ًf‬ا‬
‫وال ص ‪ff‬وتًا فكي ‪ff‬ف يس ‪ff‬مع م ‪ff‬ا ليس حبرف وال ص ‪ff‬وت ؟ قلن ‪ff‬ا‪ :‬مسع كالم اهلل تع ‪ff‬اىل وه ‪ff‬و ص ‪ff‬فة قدمية قائم ‪ff‬ة‬
‫بذات اهلل تعاىل ليس حبرف وال صوت‪ ،‬فقولكم كيف مسع كالم اهلل تعاىل كالم من ال يفهم املطل‪ff‬وب من‬
‫س‪ff‬ؤال كي‪ff‬ف‪ ،‬وإن‪ff‬ه م‪ff‬اذا يطلب ب‪ff‬ه ومباذا ميكن جواب‪ff‬ه فلتفهم ذل‪ff‬ك ح‪ff‬ىت تع‪ff‬رف اس‪ff‬تحالة الس‪ff‬ؤال‪ .‬فنق‪ff‬ول‪:‬‬
‫الس‪ff‬مع ن‪ff‬وع إدراك‪ ،‬فق‪ff‬ول القائ‪ff‬ل كي‪ff‬ف مسع كق‪ff‬ول القائ‪ff‬ل كي‪ff‬ف أدركت حباس‪ff‬ة ال‪ff‬ذوق حالوة الس‪ff‬كر‪،‬‬
‫وه‪f‬ذا الس‪f‬ؤال ال س‪f‬بيل إىل ش‪f‬فائه إال ب‪f‬وجهني أح‪f‬دمها أن نس‪f‬لم س‪f‬كرًا إىل ه‪f‬ذا الس‪f‬ائل ح‪f‬ىت يذوق‪f‬ه وي‪f‬درك‬
‫طعم ‪ff‬ه وحالوت ‪ff‬ه‪ ،‬فنق ‪ff‬ول أدركت أن ‪ff‬ا كم ‪ff‬ا أدركت ‪ff‬ه أنت اآلن وه ‪ff‬ذا ه ‪ff‬و اجلواب الش ‪ff‬ايف والتعري ‪ff‬ف الت ‪ff‬ام‪.‬‬
‫والث‪ff‬اين أن يتع‪ff‬ذر ذل‪ff‬ك إم‪ff‬ا لفق‪ff‬د الس‪ff‬كر أو لع‪ff‬دم ال‪ff‬ذوق يف الس‪ff‬ائل للس‪ff‬كر‪ ،‬فنق‪ff‬ول‪ :‬أدركت طعم‪ff‬ه كم‪ff‬ا‬
‫أدركت أنت حالوة العسل فيكون هذا جوابًا صوابًا من وجه وخطأ من وجه‪ .‬أما وج‪f‬ه كون‪f‬ه ص‪ff‬وابًا فإن‪f‬ه‬
‫تعري‪ff‬ف بش‪ff‬يء يش‪ff‬به املس‪ff‬ؤول عن‪ff‬ه من وج‪ff‬ه‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان ال يش‪ff‬بهه من ك‪ff‬ل الوج‪ff‬وه وه‪ff‬و أص‪ff‬ل احلالوة‪ ،‬ف‪ff‬إن‬
‫طعم العس‪ff‬ل خيالف طعم الس‪ff‬كر وإن قارب‪ff‬ه من بعض الوج‪ff‬وه وه‪ff‬و أص‪ff‬ل احلالوة‪ ،‬وه‪ff‬ذا غاي‪ff‬ة املمكن‪ .‬ف‪ff‬إن‬
‫مل يكن السائل قد ذاق حالوة شيء أصًال تعذر جوابه وتفهيم م‪f‬ا س‪f‬أل عن‪f‬ه وك‪f‬ان ك‪f‬العنني يس‪f‬أل عن ل‪f‬ذه‬
‫اجلماع وقط ما أدركه فيمتنع تفهيمه‪ ،‬إال أن نشبهه له احلالة اليت يدركها اجملامع بل‪ff‬ذة األك‪ff‬ل فيك‪ff‬ون خط‪ff‬أ‬
‫من وجه إذ ل‪f‬ذة اجلم‪f‬اع واحلال‪f‬ة ال‪f‬يت ي‪f‬دركها اجملامع ال تس‪f‬اوي احلال‪f‬ة ال‪f‬يت ي‪f‬دركها اآلك‪f‬ل إال من حيث أن‬
‫عم‪ff‬وم الل‪ff‬ذة ق‪ff‬د مشلها ف‪ff‬إن مل يكن ق‪ff‬د الت‪ff‬ذ بش‪ff‬يء ق‪ff‬ط تع‪ff‬ذر أص‪ff‬ل اجلواب‪ .‬وك‪ff‬ذلك من ق‪ff‬ال كي‪ff‬ف مسع‬
‫كالم اهلل تع‪ff‬اىل فال ميكن ش‪ff‬فاؤه يف الس‪ff‬ؤال إال ب‪ff‬أن نس‪ff‬معه كالم اهلل تع‪ff‬اىل الق‪ff‬دمي وه‪ff‬و متع‪ff‬ذر‪ ،‬ف‪ff‬إن ذل‪ff‬ك‬
‫من خص‪ff‬ائص الكليم علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم‪ ،‬فنحن ال نق‪ff‬در على إمساعه أو تش‪ff‬بيه ذل‪ff‬ك بش‪ff‬يء من مس‪ff‬موعاته وليس‬
‫يف مسموعاته ما يشبه كالم اهلل تعاىل‪ ،‬فإن كل مسموعاته ال‪f‬يت ألفه‪f‬ا أص‪f‬وات واألص‪f‬وات ال تش‪f‬به م‪f‬ا ليس‬
‫بأصوات فيتعذر تفهيمه‪ ،‬بل األصم لو سأل وقال كيف تسمعون أنتم األصوات وهو ما مسع ق‪ff‬ط ص‪ff‬وتًا مل‬
‫نقدر على جوابه‪ ،‬فإنا إن قلنا كما تدرك أنت املبصرات فهو إدراك يف االذن كإدراك البص‪f‬ر يف العني ك‪f‬ان‬
‫هذا خطأ‪ ،‬فإن إدراك األصوات ال يشبه إبصار األلوان‪ ،‬فدل أن هذا السؤال حمال بل ل‪f‬و ق‪f‬ال القائ‪f‬ل كي‪f‬ف‬
‫يرى رب األرباب يف اآلخرة‪ ،‬كان جوابه حماًال ال حمالة ألنه يسأل عن كيفية ما ال كيفية له‪ ،‬إذ معىن قول‬
‫القائل كيف هو أي مثل أي شيء هو مما عرفناه‪ ،‬ف‪f‬إن ك‪f‬ان م‪f‬ا يس‪f‬أل عن‪f‬ه غ‪f‬ري مماث‪f‬ل لش‪f‬يء مما عرف‪f‬ه‪ ،‬ك‪f‬ان‬
‫اجلواب حماًال ومل يدل ذلك على عدم ذات اهلل تعاىل‪ ،‬فكذلك تعذر هذا ال ي‪ff‬دل على ع‪ff‬دم كالم اهلل تع‪ff‬اىل‬
‫بل ينبغي أن يعتقد أن كالمه س‪f‬بحانه ص‪ff‬فة قدمية ليس كمثله‪ff‬ا ش‪f‬ي‪ ،‬كم‪f‬ا أن ذات‪f‬ه ذات قدمية ليس كمثله‪ff‬ا‬
‫ش‪ff‬يء‪ ،‬وكم‪ff‬ا ت‪ff‬رى ذات‪ff‬ه رؤي‪ff‬ة ختالف رؤي‪ff‬ة األجس‪ff‬ام واألع‪ff‬راض وال تش‪ff‬بهها فيس‪ff‬مع كالم ‪ff‬ه مساعًا خيالف‬
‫احلروف واألص ‪ff‬وات وال يش ‪ff‬بهها‪ .‬االس ‪ff‬تبعاد الث ‪ff‬اين‪ :‬أن يق ‪ff‬ال كالم اهلل س ‪ff‬بحانه ح ‪ff‬ال يف املص ‪ff‬احف أم ال‪،‬‬
‫ف ‪ff‬إن ك ‪ff‬ان ح ‪ff‬اًال فكي ‪ff‬ف محل الق ‪ff‬دمي يف احلادث ؟ ف ‪ff‬إن قلتم ال‪ ،‬فه ‪ff‬و خالف اإلمجاع‪ ،‬إذ اح ‪ff‬رتام املص ‪ff‬حف‬
‫جمم‪ff‬ع علي‪ff‬ه ح‪ff‬ىت ح‪ff‬رم على احملدث مس‪ff‬ه وليس ذل‪ff‬ك إال ألن في‪ff‬ه كالم اهلل تع‪ff‬اىل‪ .‬فنق‪ff‬ول‪ :‬كالم اهلل تع‪ff‬اىل‬
‫مكت ‪ff f‬وب يف املص ‪ff f‬احف حمف ‪ff f‬وظ يف القل ‪ff f‬وب مق ‪ff f‬روء باأللس ‪ff f‬نة‪ ،‬وأم ‪ff f‬ا الكاغ ‪ff f‬د واحلرب والكتاب ‪ff f‬ة واحلروف‬
‫واألص ‪ff‬وات كله ‪ff‬ا حادث ‪ff‬ة ألهنا أجس ‪ff‬ام وأع ‪ff‬راض يف أجس ‪ff‬ام فك ‪ff‬ل ذل ‪ff‬ك ح ‪ff‬ادث‪ .‬وإن قلن ‪ff‬ا إن ‪ff‬ه مكت ‪ff‬وب يف‬
‫املص ‪ff‬حف‪ ،‬أع ‪ff‬ين ص ‪ff‬فة تع ‪ff‬اىل الق ‪ff‬دمي‪ ،‬مل يل ‪ff‬زم أن تك ‪ff‬ون ذات الق ‪ff‬دمي يف املص ‪ff‬حف‪ ،‬كم ‪ff‬ا أن ‪ff‬ا إذا قلن ‪ff‬ا الن ‪ff‬ار‬
‫مكتوب‪ff‬ة يف الكت‪ff‬اب مل يل‪ff‬زم من‪ff‬ه أن تك‪ff‬ون ذات الن‪ff‬ار حال‪ff‬ة في‪ff‬ه‪ ،‬إذ ل‪ff‬و حلت في‪ff‬ه الح‪ff‬رتق املص‪ff‬حف‪ ،‬ومن‬
‫تكلم بالن‪ff‬ار فل‪ff‬و ك‪ff‬انت ذات الن‪ff‬ار بلس‪ff‬انه الح‪ff‬رتق لس‪ff‬انه‪ ،‬فالن‪ff‬ار جس‪ff‬م ح‪ff‬ار وعلي‪ff‬ه دالل‪ff‬ة هي األص ‪ff‬وات‬
‫املقطع‪f‬ة تقطيع‪ًf‬ا حيص‪f‬ل من‪f‬ه الن‪f‬ون واألل‪f‬ف وال‪f‬راء‪ ،‬فاحلار احملرق ذات املدلول علي‪f‬ه ال نفس الدالل‪f‬ة‪ ،‬فك‪f‬ذلك‬
‫الكالم الق ‪ff‬دمي الق ‪ff‬ائم ب ‪ff‬ذات اهلل تع ‪ff‬اىل ه ‪ff‬و املدلول ال ذات ال ‪ff‬دليل واحلروف أدل ‪ff‬ة ولألدل ‪ff‬ة حرم ‪ff‬ة إذ جع ‪ff‬ل‬
‫الشرع هلا حرمة فل‪f‬ذلك وجب اح‪f‬رتام املص‪f‬حف ألن في‪f‬ه دالل‪f‬ة على ص‪f‬فة اهلل تع‪f‬اىل‪ .‬االس‪f‬تبعاد الث‪f‬الث‪ :‬إن‬
‫الق ‪ff‬رآن كالم اهلل تع ‪ff‬اىل أم ال ؟ ف ‪ff‬إن قلتم ال فق ‪ff‬د خ ‪ff‬رقتم اإلمجاع‪ ،‬وإن قلتم نعم فم ‪ff‬ا ه ‪ff‬و س ‪ff‬وى احلروف‬
‫واألص ‪ff‬وات‪ ،‬ومعل ‪ff‬وم أن ق ‪ff‬راءة الق ‪ff‬ارئ هي احلروف واألص ‪ff‬وات‪ .‬فنق ‪ff‬ول‪ :‬ه ‪ff‬ا هن ‪ff‬ا ثالث ‪ff‬ة ألف ‪ff‬اظ‪ :‬ق ‪ff‬راءة‪،‬‬
‫ومق‪f‬روء‪ ،‬وق‪f‬رآن‪ .‬أم‪f‬ا املق‪f‬روء فه‪f‬و كالم اهلل تع‪f‬اىل‪ ،‬أع‪f‬ين ص‪f‬فته القدمية القائم‪f‬ة بذات‪f‬ه‪ ،‬وأم‪f‬ا الق‪f‬راءة‪ :‬فهي يف‬
‫اللسان عبارة عن فعل القارئ الذي كان ابتدأه بعد أن كان تاركًا له‪ ،‬وال معىن للح‪f‬ادث إال أن‪f‬ه ابت‪f‬دأ بع‪f‬د‬
‫أن مل يكن‪ ،‬فإن كان اخلصم ال يفهم هذا من احلادث فلنرتك لفظ احلادث واملخلوق‪ ،‬ولكن نقول‪ :‬القراءة‬
‫فعل ابتدأه القارئ بعد أن مل يكن يفعله وهو حمس‪f‬وس‪ .‬وأم‪f‬ا الق‪f‬رآن‪ ،‬فق‪f‬د يطل‪f‬ق وي‪f‬راد ب‪f‬ه املق‪f‬روء ف‪f‬إن أري‪f‬د‬
‫به ذلك فهو قدمي غري خملوق وهو الذي أراده السلف رضوان اهلل عليهم بقوهلم القرآن كالم اهلل تع‪ff‬اىل غ‪ff‬ري‬
‫خمل ‪ff‬وق‪ ،‬أي املق ‪ff‬روء باأللس ‪ff‬نة‪ ،‬وإن أري ‪ff‬د ب ‪ff‬ه الق ‪ff‬راءة ال ‪ff‬يت هي فع ‪ff‬ل الق ‪ff‬ارئ ففع ‪ff‬ل الق ‪ff‬ارئ ال يس ‪ff‬بق وج ‪ff‬ود‬
‫القارئ وما ال يسبق وجود احلادث فهو حادث‪ .‬وعلى اجلملة‪ :‬من يقول ما أحدثته باختياري من الصوت‬
‫وتقطيع‪ff‬ه وكنت س‪ff‬اكتًا عن‪ff‬ه قبل‪ff‬ه فه‪ff‬و ق‪ff‬دمي‪ ،‬فال ينبغي أن خياطب ويكل‪ff‬ف ب‪ff‬ل ينبغي أن يعلم املس‪ff‬كني أن‪ff‬ه‬
‫ليس ي ‪ff‬دري م ‪ff‬ا يقول ‪ff‬ه‪ ،‬وال ه ‪ff‬و يفهم مع ‪ff‬ىن احلرف‪ ،‬وال ه ‪ff‬و يعلم مع ‪ff‬ىن احلادث‪ ،‬ول ‪ff‬و علمهم ‪ff‬ا لعلم أن ‪ff‬ه يف‬
‫نفسه إذا كان خملوقًا كان ما يصدر عنه خملوق‪ًf‬ا‪ ،‬وعلم أن الق‪f‬دمي ال ينتق‪f‬ل إىل ذات حادث‪f‬ة‪ .‬فلن‪f‬رتك التطوي‪f‬ل‬
‫يف اجلليات فإن قول القائل بسم اهلل إن مل تكن السني فيه بعد الباء مل يكن قرآنًا ب‪ff‬ل ك‪ff‬ان خط‪ff‬أ‪ ،‬وإذا ك‪ff‬ان‬
‫بعد غريه ومتأخرًا عنه فكيف يكون قدميًا وحنن نريد بالقدمي ما ال يتأخر عن غريه أصًال‪ .‬االس‪ff‬تبعاد الراب‪ff‬ع‪:‬‬
‫ق‪ff‬وهلم‪ :‬أمجعت األم‪ff‬ة على أن الق‪ff‬رآن معج‪ff‬زة للرس‪ff‬ول علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم وأن‪ff‬ه كالم اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬فإن‪ff‬ه س‪ff‬ور وآي‪ff‬ات‬
‫وهلا مق‪ff‬اطع ومف‪ff‬اتح ؟ وكي‪ff‬ف يك‪ff‬ون للق‪ff‬دمي مق‪ff‬اطع ومف‪ff‬اتح ؟ وكي‪ff‬ف ينقس‪ff‬م بالس‪ff‬ور واآلي‪ff‬ات ؟ وكي‪ff‬ف‬
‫يكون القدمي معجزة للرسول عليه السالم واملعجزة هي فعل خارق للعادة ؟ وك‪f‬ل فع‪ff‬ل فه‪ff‬و خمل‪f‬وق فكي‪f‬ف‬
‫يك ‪ff‬ون كالم اهلل تع ‪ff‬اىل ق ‪ff‬دميًا ؟ قلن ‪ff‬ا‪ :‬أتنك ‪ff‬رون أن لف ‪ff‬ظ الق ‪ff‬رآن مش ‪ff‬رتك بني الق ‪ff‬راءة واملق ‪ff‬روء أم ال ؟ ف ‪ff‬إن‬
‫اع‪ff‬رتفتم ب‪ff‬ه فك‪ff‬ل م‪ff‬ا أورده املس‪ff‬لمون من وص‪ff‬ف الق‪ff‬رآن مبا ه‪ff‬و ق‪ff‬دمي‪ ،‬كق‪ff‬وهلم الق‪ff‬رآن كالم اهلل تع‪ff‬اىل غ‪ff‬ري‬
‫خمل ‪ff‬وق‪ ،‬أرادوا ب ‪ff‬ه املق ‪ff‬روء وك ‪ff‬ل م ‪ff‬ا وص ‪ff‬فوه ب ‪ff‬ه مما ال حيتمل ‪ff‬ه الق ‪ff‬دمي‪ ،‬ككون ‪ff‬ه س ‪ff‬ورًا وآي ‪ff‬ات وهلا مق ‪ff‬اطع‬
‫ومف ‪ff‬اتح‪ ،‬أرادوا ب ‪ff‬ه العب ‪ff‬ارات الدال ‪ff‬ة على الص ‪ff‬فة القدمية ال ‪ff‬يت هي ق ‪ff‬راءة‪ ،‬وإذا ص ‪ff‬ار االس ‪ff‬م مش ‪ff‬رتكًا امتن ‪ff‬ع‬
‫التن ‪ff‬اقض‪ ،‬فاالمجاع منعق ‪ff‬د على أن ال ق ‪ff‬دمي إال اهلل تع ‪ff‬اىل‪ ،‬واهلل تع ‪ff‬اىل يق ‪ff‬ول ح ‪ff‬ىت ع ‪ff‬اد ك ‪ff‬العرجون الق ‪ff‬دمي‪.‬‬
‫ولكن نق ‪ff‬ول‪ :‬اس ‪ff‬م الق ‪ff‬دمي مش ‪ff‬رتك بني معن ‪ff‬يني‪ ،‬ف ‪ff‬إذا ثبت من وج ‪ff‬ه مل يس ‪ff‬تحل نفي ‪ff‬ه من وج ‪ff‬ه آخ ‪ff‬ر‪ ،‬فك ‪ff‬ذا‬
‫يس ‪ff‬مى الق ‪ff‬رآن وه ‪ff‬و ج ‪ff‬واب عن ك ‪ff‬ل م ‪ff‬ا يوردون ‪ff‬ه من اإلطالق ‪ff‬ات املتناقض ‪ff‬ة ف ‪ff‬إن أنك ‪ff‬روا كون ‪ff‬ه مش ‪ff‬رتكًا‪،‬‬
‫فنق‪f‬ول‪ :‬أم‪f‬ا إطالق‪f‬ه إلرادة املق‪f‬روء دل علي‪f‬ه كالم الس‪f‬لف رض‪f‬ي اهلل عنهم إن الق‪f‬رآن كالم اهلل س‪f‬بحانه غ‪f‬ري‬
‫خملوق‪ ،‬مع علمهم بأهنم وأصواهتم وق‪f‬راءاهتم وأفع‪f‬اهلم خملوق‪f‬ة وأم‪f‬ا إطالق‪f‬ه إلرادة الق‪f‬راءة فق‪f‬د ق‪f‬ال الش‪f‬اعر‪:‬‬
‫ض‪ff‬حوا بأمشط عن‪ff‬وان الس‪ff‬جود ب‪ff‬ه=يقّطع اللي‪ff‬ل تس‪ff‬بيحًا وقرآن‪ff‬ا يع‪ff‬ين الق‪ff‬راءة‪ ،‬وق‪ff‬د ق‪ff‬ال رس‪ff‬ول اهلل ص‪ff‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ :‬ما أذن اهلل لشيء كأذنه لنيب حسن الرتمن ب‪f‬القرآن وال‪f‬رتمن يك‪f‬ون ب‪f‬القراءة‪ .‬وق‪f‬ال كاف‪f‬ة الس‪f‬لف‪:‬‬
‫الق ‪ff‬رآن كالم اهلل غ ‪ff‬ري خمل ‪ff‬وق‪ .‬وق ‪ff‬الوا‪ :‬الق ‪ff‬رآن معج ‪ff‬زة‪ ،‬وهي فع ‪ff‬ل اهلل تع ‪ff‬اىل إذ علم ‪ff‬وا أن الق ‪ff‬دمي ال يك ‪ff‬ون‬
‫معج ‪ff‬زًا فب ‪ff‬ان أن ‪ff‬ه اس ‪ff‬م مش ‪ff‬رتك‪ .‬ومن مل يفهم اش ‪ff‬رتاك اللف ‪ff‬ظ ظن تناقض‪ًf f‬ا يف ه ‪ff‬ذه االطالق ‪ff‬ات‪ .‬االس ‪ff‬تبعاد‬
‫اخلامس‪ :‬أن يق ‪ff‬ال‪ :‬معل ‪ff‬وم أن ‪ff‬ه ال مس ‪ff‬موع اآلن إال األص ‪ff‬وات‪ ،‬وكالم اهلل مس ‪ff‬موع اآلن باإلمجاع وب ‪ff‬دليل‬
‫قول ‪ff‬ه تع ‪ff‬اىل "وإن أح ‪ff‬د من املش ‪ff‬ركني اس ‪ff‬تجارك ف ‪ff‬أجره ح ‪ff‬ىت يس ‪ff‬مع كالم الّل ه" فنق ‪ff‬ول‪ :‬إن ك ‪ff‬ان الص ‪ff‬وت‬
‫املس‪ff‬موع للمش‪ff‬رك عن‪ff‬د اإلج‪ff‬ارة ه‪ff‬و كالم اهلل تع‪ff‬اىل الق‪ff‬دمي الق‪ff‬ائم بذات‪ff‬ه ف‪ff‬أي فض‪ff‬ل ملوس‪ff‬ى علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم يف‬
‫اختصاص ‪ff‬ه بكون ‪ff‬ه كليم‪ًf f‬ا هلل على املش ‪ff‬ركني وهم يس ‪ff‬معون ؟ وال يتص ‪ff‬ور عن ه ‪ff‬ذا ج ‪ff‬واب إال أن نق ‪ff‬ول‪:‬‬
‫مسموع موسى عليه السالم صفة قدمية قائمة باهلل تعاىل‪ ،‬ومسموع املشرك أصوات دالة على تلك الص‪ff‬فة‪.‬‬
‫وت‪f‬بني ب‪f‬ه على القط‪f‬ع االش‪f‬رتاك إم‪f‬ا يف اس‪f‬م الكالم وه‪f‬و تس‪f‬مية ال‪f‬دالالت باس‪f‬م املدلوالت‪ ،‬ف‪f‬إن الكالم ه‪f‬و‬
‫كالم النفس حتقيق ‪ًf‬ا‪ ،‬ولكن األلف‪ff‬اظ ل‪ff‬داللتها علي‪ff‬ه أيض ‪ًf‬ا تس‪ff‬مى كالم ‪ًf‬ا كم‪ff‬ا تس‪ff‬مى علم ‪ًf‬ا؛ إذ يق‪ff‬ال مسعت‬
‫علم فالن وإمنا نسمع كالمه الدال على علمه‪ .‬وأما يف اسم املس‪f‬موع ف‪f‬إن املفه‪ff‬وم املعل‪f‬وم بس‪f‬ماع غ‪ff‬ريه ق‪f‬د‬
‫يسمى مسموعًا‪ ،‬كما يقال‪ :‬مسعت كالم األمري على لس‪f‬ان رس‪f‬وله ومعل‪f‬وم أن كالم األم‪f‬ري ال يق‪f‬وم بلس‪f‬ان‬
‫رسوله بل املسموع كالم الرسول الدال على كالم األمري‪ .‬فهذا ما أردنا أن نذكره يف إيضاح مذهب أهل‬
‫السنة يف كالم النفس املعدود من الغوامض‪ ،‬وبقية أحكام الكالم ن‪f‬ذكرها عن‪f‬د التع‪f‬رض ألحك‪f‬ام الص‪f‬فات‪.‬‬
‫القسم الثاين من ه‪f‬ذا القطب يف أحك‪f‬ام الص‪f‬فات عام‪f‬ة م‪f‬ا يش‪f‬رتك فيه‪f‬ا أو يف‪f‬رتق وهي أربع‪f‬ة أحك‪f‬ام احلكم‬
‫األول إن الصفات السبعة اليت دللنا عليها ليست هي الذات بل هي زائدة على ال‪f‬ذات‪ ،‬فص‪ff‬انع الع‪ff‬امل تع‪ff‬اىل‬
‫عن‪f‬دنا ع‪ff‬امل بعلم وحي حبي‪f‬اة وق‪f‬ادر بق‪ff‬درة‪ ،‬هك‪f‬ذا يف مجي‪f‬ع الص‪ff‬فات‪ ،‬وذهبت املعتزل‪f‬ة والفالس‪f‬فة إىل إنك‪f‬ار‬
‫ذل‪f‬ك‪ .‬وق‪f‬الوا‪ :‬الق‪f‬دمي ذات واح‪f‬دة قدمية وال جيوز إثب‪f‬ات ذوات قدمية متع‪f‬ددة‪ ،‬وإمنا ال‪f‬دليل ي‪f‬دل على كون‪f‬ه‬
‫عاملًا ق ‪ff‬ادرًا حي ‪ًf‬ا ال على العلم والق ‪ff‬درة واحلي ‪ff‬اة‪ .‬ولنعني العلم من الص ‪ff‬فات ح ‪ff‬ىت ال حنت ‪ff‬اج إىل تكري ‪ff‬ر مجي ‪ff‬ع‬
‫الصفات‪ ،‬وزعموا أن العلمية حال للذات وليست بصفة‪ ،‬لكن املعتزلة ناقضوا يف صفتني إذ ق‪ff‬الوا إن‪ff‬ه مري‪ff‬د‬
‫ب‪ff‬إرادة زائ‪ff‬دة على ال‪ff‬ذات ومتكلم بكالم ه‪ff‬و زائ‪ff‬د على ال‪ff‬ذات‪ ،‬إال أن اإلرادة خيلقه‪ff‬ا يف غ‪ff‬ري حمل والكالم‬
‫خيلقه يف جس‪f‬م مجاد ويك‪f‬ون ه‪f‬و املتكلم ب‪f‬ه‪ .‬والفالس‪f‬فة ط‪f‬ردوا قياس‪f‬هم يف اإلرادة‪ .‬وأم‪f‬ا الكالم ف‪f‬إهنم ق‪f‬الوا‬
‫إنه متكلم مبعىن أنه خيلق يف ذات النيب عليه السالم مساع أصوات منظومة‪ ،‬إما يف النوم وإما يف اليقظ‪ff‬ة‪ ،‬وال‬
‫يك‪ff‬ون لتل‪ff‬ك األص‪ff‬وات وج‪ff‬ود من خ‪ff‬ارج البت‪ff‬ة‪ ،‬ب‪ff‬ل يف مسع الن‪ff‬يب‪ ،‬كم‪ff‬ا ي‪ff‬رى الن‪ff‬ائم أشخاص‪ًf‬ا ال وج‪ff‬ود هلا‪،‬‬
‫ولكن حتدث صورها يف دماغه‪ ،‬وكذلك يسمع أصواتًا ال وجود هلا ح‪f‬ىت أن احلاض‪f‬ر عن‪f‬د الن‪f‬ائم ال يس‪f‬مع‪،‬‬
‫والن‪ff‬ائم ق‪ff‬د يس‪ff‬مع‪ ،‬ويهول‪ff‬ه الص‪ff‬وت اهلائ‪ff‬ل ويزعج‪ff‬ه وينتب‪ff‬ه خائف‪ًf‬ا م‪ff‬ذعورًا‪ .‬وزعم‪ff‬وا أن الن‪ff‬يب إذا ك‪ff‬ان ع‪ff‬ايل‬
‫الرتب ‪ff‬ة يف النب ‪ff‬وة ينتهي ص ‪ff‬فاء نفس ‪ff‬ه إىل أن ي ‪ff‬رى يف اليقظ ‪ff‬ة ص ‪ff‬ورًا عجيب ‪ff‬ة ويس ‪ff‬مع منه ‪ff‬ا أص ‪ff‬واتًا منظوم ‪ff‬ة‬
‫فيحفظه ‪ff‬ا‪ ،‬ومن حوالي ‪ff‬ه ال ي ‪ff‬رون وال يس ‪ff‬معون‪ .‬وه ‪ff‬ذا املع ‪ff‬ين عن ‪ff‬دهم برؤي ‪ff‬ه املالئك ‪ff‬ة ومساع الق ‪ff‬رآن منهم‪،‬‬
‫ومن ليس يف الدرجة العالي‪f‬ة يف النب‪f‬وة فال ي‪f‬رى ذل‪f‬ك إال يف املن‪f‬ام‪ .‬فه‪f‬ذا تفص‪f‬يل م‪f‬ذاهب الض‪f‬الل‪ ،‬والغ‪f‬رض‬
‫إثب‪ff‬ات الص‪ff‬فات والربه‪ff‬ان الق‪ff‬اطع ه‪ff‬و أن من س‪ff‬اعد على أن‪ff‬ه تع‪ff‬اىل ع‪ff‬امل فق‪ff‬د س‪ff‬اعد على أن ل‪ff‬ه علم‪ًf‬ا‪ ،‬ف‪ff‬إن‬
‫املفه ‪ff‬وم من قولن ‪ff‬ا ع ‪ff‬امل ومن ل ‪ff‬ه علم واح ‪ff‬د‪ ،‬ف ‪ff‬إن العاق ‪ff‬ل يعق ‪ff‬ل ذات ‪ًf‬ا ويعقله ‪ff‬ا على حال ‪ff‬ة وص ‪ff‬فة بع ‪ff‬د ذل ‪ff‬ك‪،‬‬
‫فيكون قد عقل صفة وموصوفًا والصفة علم مثًال‪ .‬وله عبارتان‪ :‬إحدامها طويل‪f‬ة وهي أن نق‪f‬ول ه‪f‬ذه ال‪f‬ذات‬
‫ق ‪ff‬د ق ‪ff‬ام هبا علم واألخ ‪ff‬رى وج ‪ff‬يزة أوج ‪ff‬زت بالتص‪ff f‬ريف واالش ‪ff‬تقاق‪ .‬وهي أن ال ‪ff‬ذات عاملة كم ‪ff‬ا نش ‪ff‬اهد‬
‫االنس ‪ff‬ان شخص‪ًf f‬ا ونش ‪ff‬اهد نعًال ونش ‪ff‬اهد دخ ‪ff‬ول رجل ‪ff‬ه يف النع ‪ff‬ل‪ ،‬فل ‪ff‬ه عب ‪ff‬ارة طويل ‪ff‬ة وه ‪ff‬و أن نق ‪ff‬ول ه ‪ff‬ذا‬
‫الش‪f‬خص رجل‪f‬ه داخل‪f‬ة يف نعل‪f‬ه أو نق‪ff‬ول ه‪ff‬و منتع‪ff‬ل وال مع‪ff‬ىن لكون‪f‬ه منتعًال إال أن‪f‬ه ذو نع‪ff‬ل وم‪ff‬ا يظن من أن‬
‫قي‪ff‬ام العلم بال‪ff‬ذات ي‪ff‬وجب لل‪ff‬ذات حال‪ff‬ة تس‪ff‬مى عاملي‪ff‬ة‪ ،‬ه‪ff‬وس حمض‪ ،‬ب‪ff‬ل العلم هي احلال‪ff‬ة‪ ،‬فال مع‪ff‬ىن لكون‪ff‬ه‬
‫عاملًا إال ك ‪ff‬ون ال ‪ff‬ذات على ص ‪ff‬فة وح ‪ff‬ال تل ‪ff‬ك الص ‪ff‬فة احلال وهي العلم فق ‪ff‬ط‪ ،‬ولكن من يأخ ‪ff‬ذ املع ‪ff‬اين من‬
‫األلفاظ فال بد أن يغلط‪ .‬فإذا تكررت األلفاظ باالشتقاقات فاشتقاق صفة العامل من لفظ العلم أورث هذا‬
‫الغلط‪ ،‬فال ينبغي أن يغ‪f‬رت ب‪f‬ه‪ .‬وهبذا يبط‪f‬ل مجي‪f‬ع م‪f‬ا قي‪f‬ل وط‪f‬ول من العل‪f‬ة واملعل‪f‬ول وبطالن ذل‪f‬ك جلي ب‪f‬أول‬
‫العق‪ff‬ل ملن مل يتك‪ff‬رر على مسعه تردي‪ff‬د تل‪ff‬ك األلف‪ff‬اظ‪ ،‬ومن عل‪ff‬ق ذل‪ff‬ك بفهم‪ff‬ه فال ميكن نزع‪ff‬ه من‪ff‬ه إال بكالم‬
‫طوي‪f‬ل ال حيتمل‪f‬ه ه‪f‬ذا املختص‪f‬ر‪ .‬واحلاص‪f‬ل ه‪f‬و أن‪f‬ا نق‪f‬ول للفالس‪f‬فة واملعتزل‪f‬ة‪ :‬ه‪f‬ل املفه‪f‬وم من قولن‪f‬ا ع‪f‬امل عني‬
‫املفهوم من قولنا موجودًا وفيه إشارة إىل وجود وزي‪f‬ادة‪ .‬ف‪f‬إن ق‪f‬الوا ال‪ ،‬ف‪f‬إذًا ك‪f‬ل من ق‪f‬ال ه‪f‬و موج‪f‬ود ع‪f‬امل‪،‬‬
‫كأن‪ff‬ه ق‪ff‬ال ه‪ff‬و موج‪ff‬ود وه‪ff‬ذا ظ‪ff‬اهر االس‪ff‬تحالة‪ ،‬وإذا ك‪ff‬ان يف مفهوم‪ff‬ه زي‪ff‬ادة فتل‪ff‬ك الزي‪ff‬ادة ه‪ff‬ل هي خمتص‪ff‬ة‬
‫ب‪ff‬ذات املوج‪ff‬ود أم ال ؟ ف‪ff‬إن ق‪ff‬الوا ال فه‪ff‬و حمال إذ خيرج ب‪ff‬ه عن أن يك‪ff‬ون وص‪ff‬فًا ل‪ff‬ه وإن ك‪ff‬ان خمتص ‪ًf‬ا بذات‪ff‬ه‬
‫فنحن ال نع‪ff‬ين ب‪ff‬العلم إال ذل‪ff‬ك وهي الزي‪ff‬ادة املختص‪ff‬ة بال‪ff‬ذات املوج‪ff‬ودة الزائ‪ff‬دة على الوج‪ff‬ود ال‪ff‬يت حيس‪ff‬ن أن‬
‫يش‪ff‬تق للموج‪ff‬ود بس‪ff‬ببه من‪ff‬ه اس‪ff‬م الع‪ff‬امل‪ ،‬فق‪ff‬د س‪ff‬اعدمت على املع‪ff‬ىن وع‪ff‬اد ال‪ff‬نزاع إىل اللف‪ff‬ظ‪ ،‬وإن أردت إي‪ff‬راده‬
‫على الفالسفة قلت‪ :‬مفهوم قولنا قادر مفهوم قولنا عامل أم غريه ؟ فإن كان هو ذلك بعينه فكأنا قلن‪ff‬ا ق‪ff‬ادر‬
‫قادر‪ ،‬فإنه تكرار حمض‪ ،‬وإن كان غريه فإذا هو املراد فقد أثبتم مفه‪f‬ومني أح‪f‬دمها يع‪f‬رب عن‪f‬ه بالق‪f‬درة واآلخ‪f‬ر‬
‫ب‪f‬العلم ورج‪f‬ع اإلنك‪f‬ار إىل اللف‪f‬ظ‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬ق‪f‬ولكم أم‪f‬ر مفهوم‪f‬ه عني املفه‪f‬وم من ق‪f‬ولكم آم‪f‬ر ون‪f‬اه وخمرب أو‬
‫غ‪ff‬ريه‪ ،‬ف‪ff‬إن ك‪ff‬ان عين‪ff‬ه فه‪ff‬و تك‪ff‬رار حمض‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان غ‪ff‬ريه فليكن ل‪ff‬ه كالم ه‪ff‬و أم‪ff‬ر وآخ‪ff‬ر ه‪ff‬و هني وآخ‪ff‬ر ه‪ff‬و‬
‫خرب‪ .‬وليكن خطاب كل شيء مفارقًا خلطاب غ‪f‬ريه‪ .‬وك‪f‬ذلك مفه‪f‬وم ق‪f‬ولكم إن‪f‬ه ع‪f‬امل ب‪f‬األعراض أه‪f‬و عني‬
‫مفهوم قولكم إنه عامل باجلواهر أو غريه ؟ فإن كان عين‪f‬ه فليكن اإلنس‪f‬ان الع‪ff‬امل ب‪f‬اجلوهر عاملًا ب‪f‬العرض بعني‬
‫ذل‪ff‬ك العلم‪ ،‬ح‪ff‬ىت يتعل‪ff‬ق علم واح‪ff‬د مبتعلق‪ff‬ات خمتلف‪ff‬ة ال هناي‪ff‬ة هلا‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان غ‪ff‬ريه فليكن هلل عل‪ff‬وم خمتلف‪ff‬ة ال‬
‫هناي ‪ff‬ة هلا وك ‪ff‬ذلك الكالم والق ‪ff‬درة واإلرادة وك ‪ff‬ل ص ‪ff‬فة ال هناي ‪ff‬ة ملتعلقاهتا ينبغي أن ال يك ‪ff‬ون ألع ‪ff‬داد تل ‪ff‬ك‬
‫الصفة هناي‪f‬ة‪ ،‬وه‪f‬ذا حمال‪ ،‬ف‪f‬إن ج‪f‬از أن تك‪f‬ون ص‪f‬فة واح‪f‬دة تك‪f‬ون هي األم‪f‬ر وهي النهي وهي اخلرب وتن‪f‬وب‬
‫عن ه‪ff‬ذه املختلف‪ff‬ات ج‪ff‬از أن تك‪ff‬ون ص‪ff‬فة واح‪ff‬دة تن‪ff‬وب عن العلم والق‪ff‬درة واحلي‪ff‬اة وس‪ff‬ائر الص‪ff‬فات‪ .‬مث إذا‬
‫ج‪ff‬از ذل‪ff‬ك ج‪ff‬از أن تك‪ff‬ون ال‪ff‬ذات بنفس‪ff‬ها كافي‪ff‬ة ويك‪ff‬ون فيه‪ff‬ا مع‪ff‬ىن الق‪ff‬درة والعلم وس‪ff‬ائر الص‪ff‬فات من غ‪ff‬ري‬
‫زي‪f‬ادة وعن‪f‬د ذل‪f‬ك يل‪f‬زم م‪ff‬ذهب املعتزل‪f‬ة والفالس‪f‬فة‪ .‬واجلواب أن نق‪ff‬ول‪ :‬ه‪ff‬ذا الس‪f‬ؤال حيرك قطب‪ًf‬ا عظيم‪ًf‬ا من‬
‫اشكاالت الصفات وال يليق حلها باملختصرات‪ .‬ولكن إذا سبق القلم إىل إيراده فلنرمز إىل مبدأ الطري‪ff‬ق يف‬
‫حل‪ff‬ه‪ ،‬وق‪ff‬د ك‪ff‬ع عن‪ff‬ه أك‪ff‬ثر احملص‪ff‬لني وع‪ff‬دلوا إىل التمس‪ff‬ك بالكت‪ff‬اب واإلمجاع‪ ،‬وق‪ff‬الوا ه‪ff‬ذه الص‪ff‬فات ق‪ff‬د ورد‬
‫الش ‪ff‬رع هبا‪ ،‬إذ دل الش ‪ff‬رع على العلم وفهم من ‪ff‬ه الواح ‪ff‬د ال حمال ‪ff‬ة والزائ ‪ff‬د على الواح ‪ff‬د مل ي ‪ff‬رد فال يعتق ‪ff‬ده‪.‬‬
‫وه‪ff‬ذا ال يك‪ff‬اد يش‪ff‬في فإن‪ff‬ه ق‪ff‬د ورد ب‪ff‬األمر والنهي واخلرب والت‪ff‬وراة واإلجني‪ff‬ل والق‪ff‬رآن فم‪ff‬ا املانع من أن يق‪ff‬ال‪:‬‬
‫األم‪ff‬ر غ‪ff‬ري النهي والق‪ff‬رآن غ‪ff‬ري الت‪ff‬وراة وق‪ff‬د ورد بأن‪ff‬ه تع‪ff‬اىل يعلم الس‪ff‬ر والعالني‪ff‬ة والظ‪ff‬اهر والب‪ff‬اطن وال‪ff‬رطب‬
‫واليابس وهلم جرا إىل ما يشتمل القرآن عليه ‪ ..‬فلعل اجلواب ما نشري إىل مطلع حتقيقه وهو أن كل فري‪ff‬ق‬
‫من العقالء مضطر إىل أن يعرتف بأن الدليل قد دل على أمر زائ‪ff‬د على وج‪ff‬ود ذات الص‪ff‬انع س‪ff‬بحانه‪ ،‬وه‪ff‬و‬
‫ال‪ff‬ذي يع‪ff‬رب عن‪ff‬ه بأن‪ff‬ه ع‪ff‬امل وق‪ff‬ادر وغ‪ff‬ريه‪ .‬واالحتم‪ff‬االت في‪ff‬ه ثالث‪ff‬ة‪ :‬طرف‪ff‬ان وواس‪ff‬طة‪ ،‬واالقتص‪ff‬اد أق‪ff‬رب إىل‬
‫السداد‪ .‬أما الطرفان فأحدمها يف التفري‪f‬ط وه‪f‬و االقتص‪f‬ار على ذات واح‪f‬دة ت‪f‬ؤدي مجي‪f‬ع ه‪f‬ذه املع‪f‬اين وتن‪f‬وب‬
‫عنه‪ff‬ا كم‪ff‬ا ق‪ff‬الت الفالس‪ff‬فة‪ .‬والث‪ff‬اين ط‪ff‬رف اإلف‪ff‬راط وه‪ff‬و إثب‪ff‬ات ص‪ff‬فة ال هناي‪ff‬ة آلحاده‪ff‬ا من العل‪ff‬وم والكالم‬
‫والقدرة‪ ،‬وذلك حبسب عدد متعلقات ه‪f‬ذه الص‪f‬فات؛ وه‪f‬ذا إس‪f‬راف ال ص‪f‬ائر إلي‪f‬ه إال بعض املعتزل‪f‬ة وبعض‬
‫الكرامي‪ff‬ة‪ .‬وال‪ff‬رأي الث‪ff‬الث ه‪ff‬و القص‪ff‬د والوس‪ff‬ط‪ .‬وه‪ff‬و أن يق‪ff‬ال‪ :‬املختلف‪ff‬ات الختالفه‪ff‬ا درج‪ff‬ات يف التق‪ff‬ارب‬
‫والتباع‪ff f‬د؛ ف‪ff f‬رب ش‪ff f‬يني خمتلفني ب‪ff f‬ذاتيهما ك‪ff f‬اختالف احلرك‪ff f‬ة والس‪ff f‬كون واختالف الق‪ff f‬درة والعلم اجلوهر‬
‫والع ‪ff‬رض‪ ،‬ورب ش ‪ff‬يئني ي ‪ff‬دخالن حتت ح ‪ff‬د وحقيق ‪ff‬ة واح ‪ff‬دة وال خيتلف ‪ff‬ان ل ‪ff‬ذاتيهما وإمنا يك ‪ff‬ون االختالف‬
‫فيهم‪ff f‬ا من جه‪ff f‬ة تغ‪ff f‬اير التعل‪ff f‬ق؛ فليس االختالف بني الق‪ff f‬درة والعلم ك‪ff f‬االختالف بني العلم بس‪ff f‬واد والعلم‬
‫بس ‪ff‬واد آخ ‪ff‬ر أو بي ‪ff‬اض آخ ‪ff‬ر‪ ،‬ول ‪ff‬ذلك إذ ح ‪ff‬ددت العلم جتد دخ ‪ff‬ل في ‪ff‬ه العلم باملعلوم‪ff f‬ات كله‪ff f‬ا‪ ،‬فنق ‪ff‬ول‪:‬‬
‫االقتص‪ff‬اد يف االعتق‪ff‬اد أن يق‪ff‬ال‪ :‬ك‪ff‬ل اختالف يرج‪ff‬ع إىل تب‪ff‬اين ال‪ff‬ذوات بأنفس‪ff‬ها فال ميكن أن يكفي الواح‪ff‬د‬
‫منه‪ff‬ا‪ ،‬وين‪ff‬وب عن املختلف‪ff‬ات‪ .‬ف‪ff‬وجب أن يك‪ff‬ون العلم غ‪ff‬ري الق‪ff‬درة وك‪ff‬ذلك احلي‪ff‬اة وك‪ff‬ذا الص‪ff‬فات الس‪ff‬بعة‪،‬‬
‫وأن تك‪ff‬ون الص‪ff‬فات غ‪ff‬ري ال‪ff‬ذات من حيث أن املباين‪ff‬ة بني ال‪ff‬ذات املوص‪ff‬وفة وبني الص‪ff‬فة أش‪ff‬د من املباين‪ff‬ة بني‬
‫الص‪ff‬فتني‪ .‬وأم‪ff‬ا العلم بالش‪ff‬يء فال خيالف العلم بغ‪ff‬ريه إال من جه‪ff‬ة تعلق‪ff‬ه ب‪ff‬املتعلق‪ ،‬فال يبع‪ff‬د أن تتم‪ff‬يز الص‪ff‬فة‬
‫القدمية هبذه اخلاصية وهو أن ال ي‪f‬وجب تب‪f‬اين املتعلق‪f‬ات فيه‪f‬ا تباين‪ًf‬ا وتع‪f‬ددًا‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل فليس يف ه‪f‬ذا ق‪f‬ع داب‪f‬ر‬
‫اإلش‪ff‬كال‪ ،‬ألن‪ff‬ك إذ اع‪ff‬رتفت ب‪ff‬اختالف م‪ff‬ا بس‪ff‬بب اختالف املتعل‪ff‬ق‪ ،‬فاإلش‪ff‬كال ق‪ff‬ائم‪ ،‬فم‪ff‬ا ل‪ff‬ك وللنظ‪ff‬ر يف‬
‫س‪ff‬بب االختالف بع‪ff‬د وج‪ff‬ود االختالف ‪ ..‬ف‪ff‬أقول‪ :‬غاي‪ff‬ة الناص‪ff‬ر ملذهب معني أن يظه‪ff‬ر على القط‪ff‬ع ت‪ff‬رجيح‬
‫اعتقاده على اعتقاد غريه‪ ،‬وقد حصل ه‪ff‬ذا على القط‪f‬ع‪ ،‬إذ ال طري‪f‬ق إال واح‪f‬د من ه‪ff‬ذه الثالث‪ ،‬أو اخ‪f‬رتاع‬
‫راب‪ff‬ع ال يعق‪ff‬ل‪ .‬وه‪ff‬ذا الواح‪ff‬د إذا قوب‪ff‬ل بطرفي‪ff‬ه املتق‪ff‬ابلني ل‪ff‬ه علم على القط‪ff‬ع رجحان‪ff‬ه‪ ،‬وإذ مل يكن ب‪ff‬د من‬
‫اعتق‪ff‬اد وال معتق‪ff‬د إال ه‪ff‬ذه الثالث‪ ،‬وه‪ff‬ذا أق‪ff‬رب الثالث‪ ،‬فيجب اعتق‪ff‬اده وإن بقي م‪ff‬ا حيب‪ff‬ك يف الص‪ff‬در من‬
‫اشكال يلزم على هذا‪ .‬والالزم على غ‪f‬ريه أعظم من‪f‬ه وتعلي‪f‬ل اإلش‪f‬كال ممكن إم‪f‬ا قطع‪f‬ه بالكلي‪f‬ة واملنظ‪f‬ور في‪f‬ه‬
‫هي الص‪f‬فات القدمية املتعالي‪f‬ة عن افه‪f‬ام اخلل‪f‬ق فه‪f‬و أم‪f‬ر ممتن‪f‬ع إال بتطوي‪f‬ل ال حيتمل‪f‬ه الكت‪f‬اب‪ ،‬ه‪f‬ذا ه‪f‬و الكالم‬
‫العام‪ .‬وأما املعتزلة فإنا خنصهم باالستفراق بني القدرة واإلرادة‪ .‬ونقول ل‪f‬و ج‪f‬از أن يك‪f‬ون ق‪f‬ادرًا بغ‪ff‬ري ق‪f‬درة‬
‫جاز أن يكون مريدًا بغري إرادة وال فرق‪f‬ان بينهم‪f‬ا‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬ه‪f‬و ق‪f‬ادر لنفس‪f‬ه فل‪f‬ذلك ك‪f‬ان ق‪f‬ادرًا على مجي‪f‬ع‬
‫املقدورات ولو كان مريدًا لنفسه لكان مريدًا جلملة املرادات‪ ،‬وهو حمال‪ ،‬ألن املتضادات ميكن إرادهتا على‬
‫البدل ال على اجلمع‪ ،‬وأما القدرة فيج‪f‬وز أن تتعل‪f‬ق بالض‪ff‬دين‪ .‬واجلواب أن نق‪ff‬ول‪ :‬قول‪f‬وا إن‪f‬ه مري‪f‬د لنفس‪f‬ه مث‬
‫خيتص ببعض احلادث ‪ff‬ات املرادات كم ‪ff‬ا قلتم ق ‪ff‬ادر لنفس ‪ff‬ه وال تتعل ‪ff‬ق قدرت ‪ff‬ه إال ببعض احلادث ‪ff‬ات‪ ،‬ف ‪ff‬إن مجل ‪ff‬ة‬
‫أفع‪ff‬ال احليوان‪ff‬ات واملتول‪ff‬دات خارج‪ff‬ة عن قدرت‪ff‬ه وإرادت‪ff‬ه مجيع‪ًf‬ا عن‪ff‬دكم‪ ،‬ف‪ff‬إذا ج‪ff‬از ذل‪ff‬ك يف الق‪ff‬درة ج‪ff‬از يف‬
‫اإلرادة أيض ‪ًf‬ا‪ .‬وأم‪ff‬ا الفالس‪ff‬فة ف‪ff‬إهنم ناقض‪ff‬وا يف الكالم وه‪ff‬و باط‪ff‬ل من وجهني‪ .‬أح‪ff‬دمها ق‪ff‬وهلم إن اهلل تع‪ff‬اىل‬
‫متكلم م‪ff‬ع اهنم ال يثبت‪ff‬ون كالم النفس وال يثبت‪ff‬ون األص‪ff‬وات يف الوج‪ff‬ود‪ ،‬وإمنا يثبت‪ff‬ون مساع الص‪ff‬وت ب‪ff‬احللق‬
‫يف اذن الن‪ff‬يب من غ‪ff‬ري ص‪ff‬وت من خ‪ff‬ارج‪ .‬ول‪ff‬و ج‪ff‬از أن يك‪ff‬ون ذل‪ff‬ك مبا حيدث يف دم‪ff‬اغ غ‪ff‬ريه موص‪ff‬وفًا بأن‪ff‬ه‬
‫متكلم جلاز أن يك ‪ff‬ون موص ‪ff‬وفًا بأن ‪ff‬ه مص ‪ff‬وت ومتح ‪ff‬رك لوج ‪ff‬ود الص ‪ff‬وت واحلرك ‪ff‬ة يف غ ‪ff‬ريه‪ ،‬وذل ‪ff‬ك حمال‪،‬‬
‫والث‪ff‬اين أن م‪ff‬ا ذك‪ff‬روه رد للش‪ff‬رع كل‪ff‬ه؛ ف‪ff‬إن م‪ff‬ا يدرك‪ff‬ه الن‪ff‬ائم خي‪ff‬ال ال حقيق‪ff‬ة ل‪ff‬ه‪ ،‬ف‪ff‬إذا رددت معرف‪ff‬ة الن‪ff‬يب‬
‫لكالم اهلل تع‪ff‬اىل إىل التخي‪ff‬ل ال‪ff‬ذي يش‪ff‬به اض‪ff‬غاث أحالم فال يث‪ff‬ق ب‪ff‬ه الن‪ff‬يب وال يك‪ff‬ون ذل‪ff‬ك علم ‪ًf‬ا‪ .‬وباجلمل‪ff‬ة‬
‫ه‪ff‬ؤالء ال يعتق‪ff‬دون ال‪ff‬دين واالس‪ff‬الم وإمنا يتجمل‪ff‬ون ب‪ff‬إطالق عب‪ff‬ارات اح‪ff‬رتاز من الس‪ff‬يف والكالم معهم يف‬
‫أص‪ff‬ل الفع‪ff‬ل‪ ،‬وح‪f‬دث الع‪ff‬امل والق‪ff‬درة فال تش‪f‬تغل معهم هبذه التفص‪ff‬يالت‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل أفتقول‪f‬ون إن ص‪ff‬فات اهلل‬
‫تعاىل غري اهلل تعاىل ؟ قلن‪f‬ا‪ :‬ه‪f‬ذا خط‪f‬أ فإن‪f‬ا إذا قلن‪f‬ا اهلل تع‪f‬اىل‪ ،‬فق‪f‬د دللن‪f‬ا ب‪f‬ه على ال‪f‬ذات م‪f‬ع الص‪f‬فات ال على‬
‫الذات مبجردها‪ ،‬إذ اسم اهلل تعاىل ال يص‪f‬دق على ذات ق‪f‬د أخلوه‪f‬ا عن ص‪f‬فات االهلي‪f‬ة‪ ،‬كم‪f‬ا ال يق‪f‬ال الفق‪f‬ه‬
‫غري الفقيه ويد زيد غري زيد ويد النجار غري النجار‪ ،‬ألن بعض الداخل يف االس‪ff‬م ال يك‪ff‬ون عني ال‪ff‬داخل يف‬
‫االسم‪ ،‬في‪f‬د زي‪f‬د ليس ه‪f‬و زي‪f‬د وال ه‪f‬و غ‪f‬ري زي‪f‬د ب‪f‬ل كال اللفظني حمال‪ ،‬وهك‪f‬ذا ك‪f‬ل بعض فليس غ‪f‬ري الك‪f‬ل‬
‫وال ه‪ff‬و بعين‪ff‬ه الك‪ff‬ل‪ ،‬فل‪ff‬و قي‪ff‬ل الفق‪ff‬ه غ‪ff‬ري االنس‪ff‬ان فه‪ff‬و جتوز وال جيوز أن يق‪ff‬ال غ‪ff‬ري الفقي‪ff‬ه‪ ،‬ف‪ff‬إن االنس‪ff‬ان ال‬
‫ي‪ff‬دل على ص‪ff‬فة الفق‪ff‬ه‪ ،‬فال ج‪ff‬رم جيوز أن يق‪ff‬ال الص‪ff‬فة غ‪ff‬ري ال‪ff‬ذات ال‪ff‬يت تق‪ff‬وم هبا الص‪ff‬فة‪ ،‬كم‪ff‬ا يق‪ff‬ال الع‪ff‬رض‬
‫الق ‪ff‬ائم ب ‪ff‬اجلوهر ه ‪ff‬و غ ‪ff‬ري اجلوهر على مع ‪ff‬ىن ان مفه ‪ff‬وم امسه غ ‪ff‬ري مفه ‪ff‬وم اس ‪ff‬م اآلخ ‪ff‬ر‪ ،‬وه ‪ff‬ذا حص ‪ff‬ر ج ‪ff‬ائز‬
‫بشرطني‪ :‬أحدمها‪ ،‬أن ال مينع الش‪f‬رع من اطالق‪f‬ه‪ ،‬وه‪ff‬ذا خمتص باهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬والث‪f‬اين‪ ،‬أن ال يفهم من الغ‪ff‬ري م‪ff‬ا‬
‫جيوز وجوده دون الذي هو غريه باإلضافات إليه‪ ،‬فإنه إن فهم ذلك مل ميكن أن يقال س‪f‬واد زي‪f‬د غ‪f‬ري زي‪f‬د‪،‬‬
‫ألن‪ff‬ه ال يوج‪ff‬د دون زي‪ff‬د‪ ،‬ق‪ff‬د انكش‪ff‬ف هبذا م‪ff‬ا ه‪ff‬و ح‪ff‬ظ املع‪ff‬ىن وم‪ff‬ا ه‪ff‬و ح‪ff‬ظ اللف‪ff‬ظ فال مع‪ff‬ىن للتطوي‪ff‬ل يف‬
‫اجلليات‪ .‬احلكم الثاين يف الص‪f‬فات‪ :‬ن‪f‬دعي أن ه‪f‬ذه الص‪f‬فات كله‪f‬ا قائم‪f‬ة بذات‪f‬ه ال جيوز أن يق‪f‬وم ش‪f‬يء منه‪f‬ا‬
‫بغ ‪ff‬ري ذات ‪ff‬ه‪ ،‬س ‪ff‬واء ك ‪ff‬ان يف حمل أو مل يكن يف حمل‪ .‬وأم ‪ff‬ا املعتزل ‪ff‬ة ف ‪ff‬إهنم حكم ‪ff‬وا ب ‪ff‬أن اإلرادة ال تق ‪ff‬وم بذات ‪ff‬ه‬
‫تعاىل‪ ،‬فإهنا حادثة وليس هو حمًال للحوادث‪ ،‬وال يق‪f‬وم مبح‪f‬ل آخ‪f‬ر ألن‪f‬ه ي‪f‬ؤدي إىل أن يك‪f‬ون ذل‪f‬ك احملل ه‪f‬و‬
‫املريد به‪ ،‬فهي توجد ال يف حمل‪ ،‬وزعموا أن الكالم ال يقوم بذات‪f‬ه ألن‪f‬ه ح‪f‬ادث ولكن يق‪ff‬وم جبس‪f‬م ه‪ff‬و مجاد‬
‫ح‪f‬ىت ال يك‪f‬ون ه‪ff‬و املتكلم ب‪f‬ه‪ ،‬ب‪f‬ل املتكلم ب‪f‬ه ه‪ff‬و اهلل س‪f‬بحانه‪ ،‬أم‪ff‬ا الربه‪f‬ان على أن الص‪ff‬فات ينبغي أن تق‪ff‬وم‬
‫بالذات فه‪f‬و عن‪f‬د من فهم م‪f‬ا ق‪f‬دمناه مس‪f‬تغىن عن‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن ال‪f‬دليل ملا دل على وج‪f‬ود الص‪f‬انع س‪f‬بحانه دل بع‪f‬ده‬
‫على أن الص‪ff‬انع تع‪ff‬اىل بص‪ff‬فة ك‪ff‬ذا وال نع‪ff‬ين بأن‪ff‬ه تع‪ff‬اىل على ص‪ff‬فة ك‪ff‬ذا‪ ،‬إال أن‪ff‬ه تع‪ff‬اىل على تل‪ff‬ك الص‪ff‬فة‪ ،‬وال‬
‫فرق بني كونه على تلك الص‪f‬فة وبني قي‪f‬ام الص‪f‬فة بذات‪f‬ه‪ .‬وق‪f‬د بين‪f‬ا أن مفه‪f‬وم قولن‪f‬ا ع‪f‬امل واح‪f‬د وبذات‪f‬ه تع‪f‬اىل‬
‫علم واحد‪ ،‬كمفهوم قولنا مريد‪ ،‬وقامت بذاته تعاىل إرادة واحدة‪ ،‬ومفه‪ff‬وم قولن‪ff‬ا مل تقم بذات‪ff‬ه إرادة وليس‬
‫مبري ‪ff‬د واح ‪ff‬د‪ .‬فتس ‪ff‬ميته ال ‪ff‬ذات مري ‪ff‬دة ب ‪ff‬إرادة مل تقم ب ‪ff‬ه كتس ‪ff‬ميته متحرك‪ًf f‬ا حبرك ‪ff‬ة مل تقم ب ‪ff‬ه‪ .‬وإذا مل تقم‬
‫االرادة بة فسواء كانت موجودة أو معدومة فقول القائل إنه مريد لفظ خطأ‪ ،‬ال معىن ل‪f‬ه‪ ،‬وهك‪f‬ذا املتكلم‪،‬‬
‫فإن‪f‬ه متكلم باعتب‪f‬ار كون‪f‬ه حمًال للكالم‪ ،‬إذ ال ف‪f‬رق بني قولن‪f‬ا ه‪ff‬و متكلم وبني قولن‪f‬ا ق‪f‬ام الكالم ب‪f‬ه‪ ،‬وال ف‪f‬رق‬
‫بني قولنا ليس مبتكلم وقولنا مل يقم بذاته كالم‪ ،‬كما يف كونه مصوتًا ومتحركًا‪ .‬فإن صدق على اهلل تع‪ff‬اىل‬
‫قولن‪ff‬ا مل يقم بذات‪ff‬ه كالم ص‪ff‬دق قولن‪ff‬ا ليس مبتكلم ألهنم‪ff‬ا عبارت‪ff‬ان عن مع‪ff‬ىن واح‪ff‬د‪ .‬والعجب من ق‪ff‬وهلم إن‬
‫اإلرادة توج‪ff f‬د ال يف حمل‪ ،‬ف‪ff f‬إن ج‪ff f‬از وج‪ff f‬ود ص‪ff f‬فة من الص‪ff f‬فات ال يف حمل فليج‪ff f‬ز وج‪ff f‬ود العلم والق‪ff f‬درة‬
‫والس‪f‬واد واحلرك‪f‬ة‪ ،‬ب‪f‬ل الكالم فلم ق‪f‬الوا خيل‪f‬ق األص‪f‬وات يف حمل فلتخل‪f‬ق يف غ‪f‬ري حمل‪ .‬وإن مل يعق‪f‬ل الص‪f‬وت‬
‫إال يف حمل ألنه عرض وصفة فكذا االرادة‪ .‬ولو عكس هذا لقيل إنه خلق كالمًا ال يف حمل وخل‪ff‬ق إرادة يف‬
‫حمل لك ‪ff‬ان العكس ك ‪ff‬الطرد‪ .‬ولكن ملا ك ‪ff‬ان أول املخلوق ‪ff‬ات حيت ‪ff‬اج إىل اإلرادة‪ ،‬واحملل خمل ‪ff‬وق‪ ،‬مل ميكنهم‬
‫تق‪ff f f‬دير حمل االرادة موج‪ff f f‬ودًا قب‪ff f f‬ل اإلرادة؛ فإن‪ff f f‬ه ال حمل قب‪ff f f‬ل اإلرادة إال ذات اهلل تع‪ff f f‬اىل ومل جيعل‪ff f f‬وه حمًال‬
‫للح‪ff‬وادث‪ .‬ومن جعل‪ff‬ه حمًال للح‪ff‬وادث أق‪ff‬رب ح‪ff‬ال منهم ف‪ff‬إن اس‪ff‬تحالة وج‪ff‬ود إرادة يف غ‪ff‬ري حمل‪ ،‬واس‪ff‬تحالة‬
‫كون‪ff‬ه مري‪ff‬دًا ب‪ff‬إرادة ال تق‪ff‬وم ب‪ff‬ه‪ ،‬واس‪ff‬تحالة ح‪ff‬دوث إرادة حادث‪ff‬ة ب‪ff‬ه بال إرادة ت‪ff‬درك ببديه‪ff‬ة العق‪ff‬ل أو نظ‪ff‬ره‬
‫اجللي فه ‪ff‬ذه ثالث ‪ff‬ة اس ‪ff‬تحاالت جلي ‪ff‬ة‪ .‬وام ‪ff‬ا اس ‪ff‬تحالة كون ‪ff‬ه حمًال للح ‪ff‬وادث فال ي ‪ff‬درك إال بنظ ‪ff‬ر دقي ‪ff‬ق كم ‪ff‬ا‬
‫سنذكر‪ .‬احلكم الثالث إن الصفات كلها قدمية‪ ،‬فإهنا إن كانت حادثة كان القدمي سبحانه حمًال للح‪ff‬وادث‪،‬‬
‫وه ‪ff‬و حمال‪ .‬أو ك ‪ff‬ان يتص ‪ff‬ف بص ‪ff‬فة ال تق ‪ff‬وم ب ‪ff‬ه وذل ‪ff‬ك أظه ‪ff‬ر اس ‪ff‬تحالة‪ ،‬كم ‪ff‬ا س ‪ff‬بق‪ ،‬ومل ي ‪ff‬ذهب أح ‪ff‬د إىل‬
‫ح ‪ff‬دوث احلي ‪ff‬اة والق ‪ff‬درة وإمنا اعتق ‪ff‬دوا ذل ‪ff‬ك يف العلم ب ‪ff‬احلوادث ويف اإلرادة ويف الكالم وحنن نس ‪ff‬تدل على‬
‫استحالة كونه حمًال للحوادث من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫ال‪ff‬دليل األول‪ :‬إن ك‪ff‬ل ح‪ff‬ادث فه‪ff‬و ج‪ff‬ائز الوج‪ff‬ود‪ ،‬والق‪ff‬دمي األزيل واجب الوج‪ff‬ود‪ ،‬ول‪ff‬و تط‪ff‬رق اجلواز إىل‬
‫ص‪ff‬فاته لك‪ff‬ان ذل‪ff‬ك مناقض‪ًf‬ا لوج‪ff‬وب وج‪ff‬وده ف‪ff‬إن اجلواز والوج‪ff‬وب يتناقض‪ff‬ان‪ .‬فك‪ff‬ل م‪ff‬ا ه‪ff‬و واجب ال‪ff‬ذات‬
‫فمن احملال أن يكون جائز الصفات وهذا واضح بنفسه‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬وهو األقوى‪ ،‬أن‪f‬ه ل‪f‬و ق‪f‬در حل‪f‬ول ح‪f‬ادث بذات‪f‬ه لك‪f‬ان ال خيل‪f‬و إم‪f‬ا أن ي‪f‬رتقي ال‪f‬وهم إىل ح‪f‬ادث‬
‫يستحيل قبله حادث‪ ،‬أو ال يرتقي إليه‪ ،‬بل كان حادث‪ ،‬فيجوز أن يكون قبله حادث‪ ،‬فإن مل يرتق ال‪ff‬وهم‬
‫إليه لزم ج‪f‬واز اتص‪f‬افه ب‪f‬احلوادث أب‪f‬دًا‪ ،‬ول‪f‬زم من‪f‬ه ح‪f‬وادث ال أول هلا‪ .‬وق‪f‬د ق‪f‬ام ال‪f‬دليل على اس‪f‬تحالته‪ .‬وه‪f‬ذا‬
‫القس ‪ff‬م م ‪ff‬ا ذهب إلي ‪ff‬ه أح ‪ff‬د من العقالء وإن ارتقى ال ‪ff‬وهم إىل ح ‪ff‬ادث اس ‪ff‬تحال قبل ‪ff‬ه ح ‪ff‬دوث ح ‪ff‬ادث فتل ‪ff‬ك‬
‫االستحالة لقبول احلادث يف ذاته‪ ،‬ال ختل‪f‬و إم‪f‬ا أن تك‪f‬ون لذات‪f‬ه أو لزائ‪f‬د علي‪f‬ه‪ .‬وباط‪f‬ل أن يك‪f‬ون لزائ‪f‬د علي‪f‬ه‪،‬‬
‫ف ‪ff‬إن ك ‪ff‬ل زائ ‪ff‬د يف ‪ff‬رض ممكن تق ‪ff‬دير عدم ‪ff‬ه‪ ،‬فيل ‪ff‬زم من ‪ff‬ه تواص ‪ff‬ل احلوادث أب ‪ff‬دًا وه ‪ff‬و حمال‪ ،‬فلم يب ‪ff‬ق إال أن‬
‫اس ‪ff‬تحالته من حيث أن واجب الوج ‪ff‬ود يك ‪ff‬ون على ص ‪ff‬فة يس ‪ff‬تحيل معه ‪ff‬ا قب ‪ff‬ول احلوادث لذات ‪ff‬ه‪ .‬ف ‪ff‬إذا ك ‪ff‬ان‬
‫ذلك مستحيًال يف ذاته أزًال‪ .‬فإن ذلك يبقى فيم‪f‬ا ال ي‪f‬زال ألن‪f‬ه لذات‪f‬ه ال يقب‪f‬ل الل‪f‬ون باتف‪f‬اق العقالء‪ .‬ومل جيز‬
‫أن تتغري تلك االستحالة إىل اجلواز فكذلك سائر احلوادث‪.‬‬
‫ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬ه‪ff‬ذا يبط‪ff‬ل حيدث الع‪ff‬امل‪ ،‬فإن‪ff‬ه ك‪ff‬ان ممكن‪ًf‬ا قب‪ff‬ل حدوث‪ff‬ه ومل يكن ال‪ff‬وهم ي‪ff‬رتقي إىل وقت يس‪ff‬تحيل‬
‫حدوثه قبله ومع ذلك يستحيل حدوثه أزًال ومل يستحل على اجلملة حدوثه‪.‬‬
‫قلنا ه‪f‬ذا اإلل‪f‬زام فاس‪f‬د؛ فإن‪f‬ا مل حنل إثب‪f‬ات ذات تنب‪f‬و عن قب‪f‬ول ح‪f‬ادث لكوهنا واجب‪f‬ة الوج‪f‬ود‪ ،‬مث تتقلب إىل‬
‫ج‪ff‬واز قب‪ff‬ول احلوادث‪ .‬والع‪ff‬امل ليس ل‪ff‬ه ذات قب‪ff‬ل احلدوث موص‪ff‬وفة بأهنا قابل‪ff‬ة للح‪ff‬دوث أو غ‪ff‬ري قابل‪ff‬ة ح‪ff‬ىت‬
‫ينقلب إىل قب‪f‬ول ج‪f‬واز احلدوث‪ ،‬فيل‪f‬زم ذل‪f‬ك على مس‪f‬اق دليلن‪f‬ا‪ ،‬نعم‪ ،‬يل‪f‬زم ذل‪f‬ك املعتزل‪f‬ة حيث ق‪f‬الوا للع‪ff‬امل‬
‫ذات يف الع ‪ff‬دم قدمية‪ ،‬قابل ‪ff‬ة للح ‪ff‬دوث‪ ،‬يط ‪ff‬رأ عليه ‪ff‬ا احلدوث بع ‪ff‬د أن مل يكن‪ ،‬فأم ‪ff‬ا على أص ‪ff‬لنا فغ ‪ff‬ري الزم‪،‬‬
‫وإمنا الذي نقوله يف العامل أنه فعل وقدم الفعل حمال‪ ،‬ألن القدمي ال يكون فعًال‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬هو أنا نقول‪ :‬إذا قدرنا قي‪f‬ام ح‪f‬ادث بذات‪f‬ه فه‪f‬و قب‪f‬ل ذل‪f‬ك إم‪f‬ا أن يتص‪f‬ف بض‪f‬د ذل‪f‬ك احلادث‬
‫أو باالنفكاك عن ذلك احلادث‪ .‬وذلك الضد أو ذلك االنفكاك إن ك‪f‬ان ق‪f‬دميًا اس‪f‬تحال بطالن‪f‬ه وزوال‪f‬ه ألن‬
‫الق ‪ff‬دمي ال يع ‪ff‬دم وإن ك ‪ff‬ان حادث ‪ًf‬ا ك ‪ff‬ان قبل ‪ff‬ه ح ‪ff‬ادث ال حمال ‪ff‬ة‪ ،‬وك ‪ff‬ذا قب ‪ff‬ل ذل ‪ff‬ك احلادث ح ‪ff‬ادث ي ‪ff‬ؤدي إىل‬
‫ح‪f‬وادث ال أول هلا وه‪f‬و حمال‪ ،‬ويتض‪f‬ح ذل‪f‬ك ب‪f‬أن تف‪f‬رض يف ص‪f‬فة معين‪f‬ة ك‪f‬الكالم مثًال‪ ،‬ف‪f‬إن الكرامي‪f‬ة ق‪f‬الوا‬
‫إنه يف األزل متكلم‪ ،‬على معىن أنه قادر على خلق الكالم يف ذاته‪ .‬ومهما أحدث شيئًا يف غري ذات‪ff‬ه أح‪ff‬دث‬
‫يف ذاته قوله كن وال بد أن يكون قبل إحداث هذا القول ساكتًا‪ ،‬ويكون سكوته قدميًا‪.‬‬
‫وإذا قال جهم أنه حيدث يف ذاته علمًا فال بد أن يكون قبله غافًال وتكون غفلته قدمية‪.‬‬
‫فنق‪ff‬ول‪ :‬الس‪ff‬كوت الق‪ff‬دمي والغفل‪ff‬ة القدمية يس‪ff‬تحيل بطالهنم‪ff‬ا ملا س‪ff‬بق من ال‪ff‬دليل على اس‪ff‬تحالة ع‪ff‬دم الق‪ff‬دمي‪.‬‬
‫فإن قيل السكوت ليس بشيء إمنا يرج‪f‬ع إىل ع‪f‬دم الكالم‪ ،‬والغفل‪f‬ة ترج‪f‬ع إىل ع‪f‬دم العلم واجله‪f‬ل وأض‪f‬داده‪،‬‬
‫ف ‪ff‬إذا وج‪ff f‬د الكالم مل يبط‪ff f‬ل ش‪ff f‬يء إذ مل يكن ش‪ff f‬يء إال ال‪ff f‬ذات القدمية‪ ،‬وهي باقي‪ff f‬ة‪ ،‬ولكن انض‪ff f‬اف إليه ‪ff‬ا‬
‫موجود آخر وهو الكالم والعلم‪.‬‬
‫فأما أن يقال‪ :‬انعدم شيء فالن ويتنزل ذلك منزلة وجود الع‪ff‬امل‪ ،‬فإن‪f‬ه يبط‪f‬ل الع‪ff‬دم الق‪ff‬دمي ولكن الع‪ff‬دم ليس‬
‫بشيء حىت يوصف بالقدم ويقدر بطالنه‪ .‬والواجب من وجهني أحدمها أن قول القائل الس‪f‬كوت ه‪ff‬و ع‪ff‬دم‬
‫الكالم وليس بصفة والغفلة عدم العلم وليست بصفة‪ ،‬كقوله البياض هو عدم السواد وسائر األل‪ff‬وان وليس‬
‫بلون‪ .‬والسكون هو ع‪f‬دم احلرك‪f‬ة وليس بع‪f‬رض‪ ،‬وذل‪f‬ك حمال‪ .‬وال‪f‬دليل ال‪f‬ذي دل على اس‪f‬تحالته بعين‪f‬ه ي‪f‬دل‬
‫على اس‪ff‬تحالة ه‪ff‬ذا‪ ،‬واخلص‪ff‬وم يف ه‪ff‬ذه املس‪ff‬ألة مع‪ff‬رتفون ب‪ff‬أن الس‪ff‬كون وص‪ff‬ف زائ‪ff‬د على ع‪ff‬دم احلرك‪ff‬ة‪ ،‬ف‪ff‬إن‬
‫ك ‪ff‬ل من ي ‪ff‬دعي أن الس ‪ff‬كون ه ‪ff‬و ع ‪ff‬دم احلرك ‪ff‬ة ال يق ‪ff‬در على اثب ‪ff‬ات ح ‪ff‬دوث الع ‪ff‬امل‪ .‬فظه ‪ff‬ور احلرك ‪ff‬ة بع ‪ff‬د‬
‫الس‪ff‬كون إذًا دل على ح‪ff‬دوث املتح‪ff‬رك‪ ،‬فك‪ff‬ذلك ظه‪ff‬ور الكالم بع‪ff‬د الس‪ff‬كوت ي‪ff‬دل على ح‪ff‬دوث املتكلم‪،‬‬
‫من غ‪ff‬ري ف‪ff‬رق‪ .‬إذ املس‪ff‬لك ال‪ff‬ذي ب‪ff‬ه يع‪ff‬رف ك‪ff‬ون الس‪ff‬كون مع‪ff‬ىن ه‪ff‬و مض‪ff‬اد للحرك‪ff‬ة بعين‪ff‬ه يع‪ff‬رف ب‪ff‬ه ك‪ff‬ون‬
‫السكوت معىن يضاد الكالم‪ ،‬وك‪f‬ون الغفل‪f‬ة مع‪f‬ىن يض‪f‬اد العلم‪ ،‬وه‪f‬و أن‪f‬ا إذا أدركن‪f‬ا تفرق‪f‬ة بني ح‪f‬اليت ال‪f‬ذات‬
‫الس‪ff‬اكنة واملتحرك‪ff‬ة ف‪ff‬إن ال‪ff‬ذات مدرك‪ff‬ة على احلالتني‪ .‬والتفرق‪ff‬ة مدرك‪ff‬ة بني احلالتني وال نرج‪ff‬ع التفرق‪ff‬ة إىل‬
‫زوال أمر وحدوث أمر فإن الشيء ال يفارق نفسه‪ ،‬فدل ذل‪f‬ك على أن ك‪f‬ل قاب‪f‬ل للش‪f‬يء فال خيل‪f‬و عن‪f‬ه‪ ،‬أو‬
‫عن ضده وهذا مط‪f‬رد يف الكالم‪ ،‬ويف العلم‪ .‬وال يل‪f‬زم على ه‪f‬ذا الف‪f‬رق بني وج‪f‬ود العلم وعدم‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن ذل‪f‬ك‬
‫ال يوجب ذاتني‪ .‬فإنه مل تدرك يف احلالتني ذات واحدة يطرأ عليها الوجود بل ال ذات للعامل قبل احلدوث‪،‬‬
‫والقدمي ذات قبل حدوث الكالم‪ ،‬علم على وج‪f‬ه خمالف للوج‪f‬ه ال‪f‬ذي علم علي‪f‬ه بع‪f‬د ح‪f‬دوث الكالم‪ ،‬يع‪f‬رب‬
‫عن ذل ‪ff‬ك الوج ‪ff‬ه بالس ‪ff‬كوت وعن ه‪ff f‬ذا ب ‪ff‬الكالم‪ ،‬فهم ‪ff‬ا وجه‪ff f‬ان خمتلف‪ff f‬ان أدركت عليهم ‪ff‬ا ذات مس ‪ff‬تمرة‬
‫الوج‪ff‬ود يف احلالتني ولل‪ff‬ذات هيئ‪ff‬ة وص‪ff‬فة وحال‪ff‬ة بكون‪ff‬ه س‪ff‬اكتًا‪ ،‬كم‪ff‬ا أن ل‪ff‬ه هيئ‪ff‬ة بكون‪ff‬ه متكلم‪ًf‬ا‪ ،‬وكم‪ff‬ا ل‪ff‬ه‬
‫هيئة بكونه ساكتًا ومتحركًا وأبيض وأسود وهذه املوازنة مطابقة ال خمرج منها‪ .‬الوجه الث‪ff‬اين يف االنفص‪ff‬ال‬
‫ه‪ff‬و أن يس‪ff‬لم أيض‪ًf‬ا أن الس‪ff‬كوت ليس مبع‪ff‬ىن‪ ،‬وإمنا يرج‪ff‬ع ذل‪ff‬ك إىل ذات منفك‪ff‬ة عن الكالم‪ ،‬فاالنفك‪ff‬اك عن‬
‫الكالم ح‪ff‬ال للمنف‪ff‬ك ال حمال‪ff‬ة ينع‪ff‬دم بطري‪ff‬ان الكالم‪ ،‬فح‪ff‬ال االنفك‪ff‬اك تس‪ff‬مى ع‪ff‬دمًا أو وج‪ff‬ودًا أو ص‪ff‬فة أو‬
‫هيئ‪ff‬ة‪ ،‬فق‪ff‬د انتفى الكالم واملنتفي ق‪ff‬دمي‪ .‬وق‪ff‬د ذكرن‪ff‬ا أن الق‪ff‬دمي ال ينتفي س‪ff‬واء ك‪ff‬ان ذات ‪ًf‬ا أو ح‪ff‬اًال أو ص‪ff‬فة‪،‬‬
‫وليس‪f‬ت االس‪f‬تحالة لكون‪f‬ه ذات‪ًf‬ا فق‪ff‬ط ب‪f‬ل لكون‪f‬ه ق‪f‬دميًا‪ ،‬وال يل‪f‬زم ع‪ff‬دم الع‪ff‬امل‪ ،‬فإن‪f‬ه انتفى م‪ff‬ع الق‪ff‬دمي ألن ع‪ff‬دم‬
‫العامل ليس بذات وال حصل منه حال لذات حىت يقدر تغريها وتبدهلا على الذات والفرق بينهما ظاهر‪.‬‬
‫فإن قيل األعراض كثرية واخلصم ال يدعي كون الباري حمل حدوث شيء منه‪f‬ا ك‪f‬األلوان واآلالم والل‪f‬ذات‬
‫وغريها‪ ،‬وإمنا الكالم يف الصفات السبعة اليت ذكرمتوها وال نزاع من مجلته‪f‬ا يف احلي‪f‬اة والق‪f‬درة‪ ،‬وإمنا ال‪f‬نزاع‬
‫يف ثالث ‪ff‬ة‪ :‬يف الق ‪ff‬درة واإلرادة والعلم‪ ،‬ويف مع ‪ff‬ىن العلم الس ‪ff‬مع والبص ‪ff‬ر عن ‪ff‬د من يثبتهم ‪ff‬ا‪ .‬وه ‪ff‬ذه الص ‪ff‬فات‬
‫الثالث‪ff‬ة ال ب‪ff‬د أن تك‪ff‬ون حادث‪ff‬ة‪ ،‬مث يس‪ff‬تحيل أن تق‪ff‬وم بغ‪ff‬ريه‪ ،‬ألن‪ff‬ه ال يك‪ff‬ون متص‪ff‬فًا هبا فيجب أن تق‪ff‬وم بذات‪ff‬ه‬
‫فيل‪ff‬زم من‪ff‬ه كون‪ff‬ه حمًال للح‪ff‬وادث‪ .‬أم‪ff‬ا العلم ب‪ff‬احلوادث فق‪ff‬د ذهب جهم إىل أهنا عل‪ff‬وم حادث‪ff‬ة وذل‪ff‬ك ألن اهلل‬
‫تعاىل اآلن عامل بأن العامل كان قد وجد قبل هذا‪ ،‬وهو يف األزل إن كان عاملًا بأنه كان قد وجد كان هذا‬
‫جهًال ال علمًا‪ ،‬وإذا مل يكن عاملًا بأنه قد وج‪f‬د ك‪f‬ان جهًال ال علم‪ًf‬ا‪ ،‬وإذا مل يكن عاملًا وه‪f‬و اآلن ع‪f‬امل فق‪f‬د‬
‫ظهر ح‪f‬دوث العلم ب‪f‬أن الع‪f‬امل ك‪f‬ان ق‪f‬د وج‪f‬د قب‪f‬ل ه‪f‬ذا‪ .‬وهك‪f‬ذا الق‪f‬ول يف ك‪f‬ل ح‪f‬ادث‪ .‬وأم‪f‬ا اإلرادة فال ب‪f‬د‬
‫من ح‪f‬دوثها فإهنا ل‪f‬و ك‪f‬انت قدمية لك‪f‬ان املراد معه‪ff‬ا‪ .‬ف‪f‬إن الق‪ff‬درة واالرادة مهم‪f‬ا متت‪f‬ا وارتفعت العوائ‪f‬ق منه‪ff‬ا‬
‫وجب حصول املراد‪ ،‬فكيف يتأخر املراد عن اإلرادة والق‪f‬درة من غ‪f‬ري ع‪f‬ائق ؟ فله‪f‬ذا ق‪f‬الت املعتزل‪f‬ة حبدوث‬
‫إرادة يف غري حمل وقالت الكرامية حبدوثها يف ذاته ورمبا عربوا عنه بأن‪f‬ه خيل‪f‬ق اجيادًا يف ذات‪f‬ه عن‪f‬د وج‪f‬ود ك‪f‬ل‬
‫موج‪ff‬ود وه‪ff‬ذا راج‪ff‬ع إىل االرادة‪ .‬وأم‪ff‬ا الكالم فكي‪ff‬ف يك‪ff‬ون ق‪ff‬دميًا وفي‪ff‬ه إخب‪ff‬ار عم‪ff‬ا مض‪ff‬ى‪ ،‬فكي‪ff‬ف ق‪ff‬ال يف‬
‫األزل "إن ‪ff‬ا أرس ‪ff‬لنا نوح ‪ًf‬ا إىل قوم ‪ff‬ه" ومل يكن ق ‪ff‬د خل ‪ff‬ق نوح ‪ًf‬ا بع ‪ff‬د‪ ،‬وكي ‪ff‬ف ق ‪ff‬ال يف األزل ملوس ‪ff‬ى "ف ‪ff‬اخلع‬
‫نعلي ‪ff‬ك" ومل خيل ‪ff‬ق بع ‪ff‬د موس ‪ff‬ى‪ ،‬فكي ‪ff‬ف أم ‪ff‬ر وهنى من غ ‪ff‬ري م ‪ff‬أمور وال منهي‪ .‬وإذا ك ‪ff‬ان ذل ‪ff‬ك حماًال مث علم‬
‫بالضرورة أنه آمر وناه‪ ،‬واستحال ذلك يف القدم‪ ،‬علم قطع‪ًf‬ا أن‪f‬ه ص‪f‬ار آم‪f‬رًا ناهي‪ًf‬ا بع‪f‬د أن مل يكن‪ ،‬فال مع‪f‬ىن‬
‫لكونه حمًال للحوادث إال هذا‪.‬‬
‫واجلواب أنا نقول‪ :‬مهما حللنا الشبهة يف هذه الص‪f‬فات الثالث‪f‬ة انتهض من‪f‬ه دلي‪f‬ل مس‪f‬تقل على إبط‪f‬ال كون‪f‬ه‬
‫حمًال للح ‪ff‬وادث‪ ،‬إذ مل ي ‪ff‬ذهب إلي ‪ff‬ه ذاهب إال بس ‪ff‬بب ه ‪ff‬ذه الش ‪ff‬بهة‪ ،‬وإذا انكش ‪ff‬ف ك ‪ff‬ان الق ‪ff‬ول هبا ب ‪ff‬اطًال‬
‫كالقول بأنه حمل لأللوان وغريها مما ال يدل دليل على االتصاف هبا‪.‬‬
‫فنق‪ff‬ول‪ :‬الب‪ff‬اري تع‪ff‬اىل يف األزل علم بوج‪ff‬ود الع‪ff‬امل يف وقت وج‪ff‬وده وه‪ff‬ذا العلم ص‪ff‬فة واح‪ff‬دة مقتض‪ff‬اها يف‬
‫األزل العلم بأن العامل يكون من بعد‪ ،‬وعند الوجود العلم بأنه كائن وبعده العلم بأنه كان‪ ،‬وهذه األحوال‬
‫تتع‪ff f‬اقب على الع‪ff f‬امل ويك‪ff f‬ون مكش‪ff f‬وفًا هلل تع‪ff f‬اىل تل‪ff f‬ك الص‪ff f‬فة وهي مل تتغ‪ff f‬ري‪ .‬وإمنا املتغ‪ff f‬ري أح‪ff f‬وال الع‪ff f‬امل‪،‬‬
‫وإيضاحه مبثال وه‪f‬و أن‪f‬ا إذا فرض‪f‬نا للواح‪f‬د من‪f‬ا علم‪ًf‬ا بق‪f‬دوم زي‪f‬د عن‪f‬د طل‪f‬وع الش‪f‬مس وحص‪f‬ل ل‪f‬ه ه‪f‬ذا العلم‬
‫قبل طلوع الش‪f‬مس ومل ينع‪f‬دم ب‪f‬ل بقي ومل خيل‪f‬ق ل‪f‬ه علم آخ‪f‬ر عن‪f‬د طل‪f‬وع الش‪f‬مس فم‪f‬ا ح‪f‬ال ه‪f‬ذا الش‪f‬خص‬
‫عند الطلوع‪ .،‬أيكون عاملًا بقدوم زيد أو غري عامل ؟ وحمال أن يكون غري عامل ألنه قدر بقاء العلم بالقدوم‬
‫عند الطلوع‪ ،‬وقد علم اآلن الطلوع فيلزمه بالضرورة أن يكون عاملًا بالقدوم‪ ،‬فلو دام عند انقضاء الطل‪ff‬وع‬
‫فال بد أن يكون عاملًا بأن كان قد ق‪f‬دم والعلم الواح‪f‬د أف‪f‬اد االحاط‪f‬ة بأن‪f‬ه س‪f‬يكون وإن‪f‬ه ك‪f‬ائن وأن‪f‬ه ق‪f‬د ك‪f‬ان‬
‫فهك‪ff f‬ذا ينبغي أن يفهم علم اهلل الق‪ff f‬دمي املوجب باالحاط‪ff f‬ة ب‪ff f‬احلوادث‪ ،‬وعلى ه‪ff f‬ذا ينبغي أن يق‪ff f‬ال الس‪ff f‬مع‬
‫والبصر‪ ،‬فإن كل واحد منهما صفة يتصف هبا املرئي واملسموع عند الوج‪f‬ود من غ‪f‬ري ح‪f‬دوث تل‪f‬ك الص‪f‬فة‬
‫وال ح ‪ff‬دوث أم ‪ff‬ر فيه ‪ff‬ا‪ ،‬وإمنا احلادث املس ‪ff‬موع واملرئي‪ .‬وال ‪ff‬دليل الق ‪ff‬اطع على ه ‪ff‬ذا ه ‪ff‬و أن االختالف بني‬
‫األح‪ff‬وال ش‪ff‬يء واح‪ff‬د يف انقس‪ff‬امه إىل ال‪ff‬ذي ك‪ff‬ان ويك‪ff‬ون وه‪ff‬و ك‪ff‬ائن ال يزي‪ff‬د على االختالف بني ال‪ff‬ذوات‬
‫املختلفة‪ .‬ومعلوم أن العلم ال يتعدد بتعدد الذوات فكيف يتعدد بتعدد أح‪f‬وال ذات واح‪f‬دة‪ .‬وإذا ك‪f‬ان علم‬
‫واحد يفيد اإلحاطة بذوات خمتلفة متباينة فمن أين يستحيل أن يكون علم واحد يفيد إحاطة ب‪f‬أحوال ذات‬
‫واحدة باالضافة إىل املاضي واملستقبل‪ ،‬وال شك أن جهمًا ينفي النهاي‪f‬ة عن معلوم‪f‬ات اهلل تع‪f‬اىل مث ال يثبت‬
‫علوم ‪ًf‬ا ال هناي ‪ff‬ة هلا فيلزم ‪ff‬ه أن يع ‪ff‬رتف بعلم واح ‪ff‬د يتعل ‪ff‬ق مبعلوم ‪ff‬ات خمتلف ‪ff‬ة فكي ‪ff‬ف يس ‪ff‬تبعد ذل ‪ff‬ك يف أح ‪ff‬وال‬
‫معلوم واحد حيققه أنه لو حدث له علم بكل حادث لكان ذلك العلم ال خيلو إما أن يك‪ff‬ون معلوم‪ًf‬ا أو غ‪ff‬ري‬
‫معل‪ff‬وم‪ ،‬ف‪ff‬إن مل يكن معلوم ‪ًf‬ا فه‪ff‬و حمال‪ ،‬ألن‪ff‬ه ح‪ff‬ادث‪ ،‬وإن ج‪ff‬از ح‪ff‬ادث ال يعلم‪ff‬ه م‪ff‬ع أن‪ff‬ه يف ذات‪ff‬ه أوىل ب‪ff‬أن‬
‫يك‪ff‬ون متض‪ff‬حًا ل‪ff‬ه فب‪ff‬ان جيوز أال يعلم احلوادث املباين‪ff‬ة لذات‪ff‬ه أوىل‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان معلوم‪ًf‬ا فإم‪ff‬ا أن يفتق‪ff‬ر إىل علم‬
‫آخ‪ff‬ر وك‪ff‬ذلك العلم يفتق ‪ff‬ر إىل عل‪ff‬وم أخ‪ff‬ر ال هناي‪ff‬ة هلا‪ ،‬وذل‪ff‬ك حمال‪ .‬وإم ‪ff‬ا أن يعلم احلادث والعلم باحلادث‬
‫نفس ذل‪ff‬ك العلم فتك‪ff‬ون ذات العلم واح‪ff‬دة وهلا معلوم‪ff‬ان‪ :‬أح‪ff‬دمها ذات‪ ،‬واآلخ‪ff‬ر ذات احلادث‪ ،‬فيل‪ff‬زم من‪ff‬ه‬
‫ال حمالة جتويز علم واحد يتعلق مبعلومني خمتلفني فكيف ال جيوز علم واحد يتعلق ب‪f‬أحوال معل‪f‬وم واح‪f‬د م‪ff‬ع‬
‫احتاد العلم وتنزه‪ff‬ه عن التغ‪ff‬ري‪ ،‬وه‪ff‬ذا ال خمرج من‪ff‬ه؛ فأم‪ff‬ا اإلرادة فق‪ff‬د ذكرن‪ff‬ا أن ح‪ff‬دوثها بغ‪ff‬ري إرادة أخ‪ff‬رى‬
‫حمال‪ ،‬وحدوثها بإرادة بتسلسل إىل غري هناية‪ ،‬وإن تعلق اإلرادة القدمية باألحداث غ‪ff‬ري حمال‪ .‬ويس‪ff‬تحيل أن‬
‫تتعل ‪ff‬ق اإلرادة بالق ‪ff‬دمي فلم يكن الع ‪ff‬امل ق ‪ff‬دميًا ألن اإلرادة تعلقت باحداث ‪ff‬ه ال بوج ‪ff‬وده يف الق ‪ff‬دم‪ .‬وق ‪ff‬د س ‪ff‬بق‬
‫إيضاح ذلك‪ .‬وكذلك الكرامي إذا قال حيدث يف ذاته إجيادًا يف ح‪f‬ال ح‪f‬دوث الع‪ff‬امل ب‪f‬ذلك حيص‪ff‬ل ح‪f‬دوث‬
‫العامل يف ذلك الوقت‪ ،‬فيحتاج إىل خمصص آخر فيل‪f‬زمهم يف اإلجياد م‪ff‬ا ل‪f‬زم املعتزل‪f‬ة يف اإلرادة احلادث‪f‬ة‪ ،‬ومن‬
‫قال منهم إن ذلك اإلجياد هو قوله كن‪ ،‬وهو صوت‪ ،‬فهو حمال من ثالثة أوجه‪،‬‬
‫أحدها‪ :‬استحالة قيام الصوت بذاته‪،‬‬
‫واآلخر‪ :‬أن قول‪f‬ه كن ح‪f‬ادث أيض‪ًf‬ا‪ ،‬ف‪f‬إن ح‪f‬دث من غ‪f‬ري أن يق‪f‬ول ل‪f‬ه كن فليح‪f‬دث الع‪f‬امل من غ‪f‬ري أن يق‪f‬ال‬
‫له كن‪ ،‬ف‪f‬إن افتق‪f‬ر قول‪f‬ه كن يف أن يك‪f‬ون‪ ،‬إىل ق‪f‬ول آخ‪f‬ر‪ ،‬افتق‪f‬ر الق‪f‬ول اآلخ‪f‬ر إىل ث‪f‬الث‪ ،‬والث‪f‬الث إىل راب‪f‬ع‪،‬‬
‫ويتسلسل إىل غري هناية‪ .‬مث ال ينبغي أن يناظر من انتهى عقله إىل أن يقول حيدث يف ذاته بعدد ك‪ff‬ل ح‪ff‬ادث‬
‫يف ك‪ff‬ل وقت‪ ،‬قول‪ff‬ه كن فيجتم‪ff‬ع آالف آالف أص‪ff‬وات يف ك‪ff‬ل حلظ‪ff‬ة‪ .‬ومعل‪ff‬وم أن الن‪ff‬ون والك‪ff‬اف ال ميكن‬
‫النطق هبما يف وقت واحد بل ينبغي أن تكون الن‪f‬ون بع‪f‬د الك‪f‬اف ألن اجلم‪f‬ع بني احلرفني حمال وإن مجع ومل‬
‫ي ‪ff‬رتب مل يكن ق ‪ff‬وًال مفهوم‪ًf f‬ا وال كالم‪ًf f‬ا‪ ،‬وكم ‪ff‬ا يس ‪ff‬تحيل اجلم ‪ff‬ع بني ح ‪ff‬رفني خمتلفني فك ‪ff‬ذلك بني ح ‪ff‬رفني‬
‫متماثلني‪ ،‬وال يعقل يف أوان ألف أل‪f‬ف ك‪f‬اف كم‪f‬ا ال يعق‪f‬ل الك‪f‬اف والن‪f‬ون فه‪f‬ؤالء حقهم أن يس‪f‬رتزقوا اهلل‬
‫عقًال وهو أهم هلم من االشتغال بالنظر‪.‬‬
‫والث ‪ff‬الث‪ :‬أن قول ‪ff‬ه كن خط ‪ff‬اب م ‪ff‬ع الع ‪ff‬امل يف حال ‪ff‬ة الع ‪ff‬دم أو يف حال ‪ff‬ة الوج ‪ff‬ود‪ ،‬ف ‪ff‬إن ك ‪ff‬ان يف حال ‪ff‬ة الع ‪ff‬دم‬
‫فاملعدوم ال يفهم اخلطاب‪ ،‬فكيف ميتثل بأن يتكون بقول‪f‬ه كن ؟ وإن ك‪f‬ان يف حال‪f‬ة الوج‪f‬ود فالك‪f‬ائن كي‪f‬ف‬
‫يقال له كن ؟ فانظر ماذا يفعل اهلل تعاىل مبن ض‪f‬ل عن س‪f‬بيله فق‪f‬د انتهى ركاك‪f‬ة عقل‪f‬ه إىل أن ال يفهم املع‪f‬ين‬
‫بقوله تعاىل "إذا أردناه أن نقول له كن فيكون" وأنه كناية عن نفاذ الق‪ff‬درة وكماهلا ح‪ff‬ىت اجنر هبم إىل ه‪ff‬ذه‬
‫املخازي‪ ،‬نعوذ باهلل من اخلزي والفضيحة ي‪f‬وم الف‪f‬زع األك‪f‬رب ي‪f‬وم تكش‪f‬ف الض‪f‬مائر وتبلى الس‪f‬رائر فيكش‪f‬ف‬
‫إذ ذاك سرت اهلل عن خبائث اجلهال‪ ،‬ويقال للجاهل الذي اعتقد يف اهلل تعاىل ويف صفاته غري ال‪ff‬رأي الس‪ff‬ديد‬
‫لقد كنت يف غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد‪.‬‬
‫وأم‪ff‬ا الكالم فه‪ff‬و ق‪ff‬دمي‪ ،‬وم‪ff‬ا اس‪ff‬تبعدوه من قول‪ff‬ه تع‪ff‬اىل "ف‪ff‬اخلع نعلي‪ff‬ك" ومن قول‪ff‬ه تع‪ff‬اىل "إن‪ff‬ا أرس‪ff‬لنا نوح‪ًf‬ا"‬
‫اس‪f‬تبعاد مس‪f‬تنده تق‪f‬ديرهم الكالم ص‪f‬وتًا وه‪f‬و حمال في‪f‬ه‪ ،‬وليس مبح‪f‬ال إذ فهم كالم النفس‪ .‬فإن‪f‬ا نق‪f‬ول يق‪f‬وم‬
‫بذات اهلل تعاىل خرب عن إرسال نوح العبارة عنه قبل إرساله‪ :‬إنا نرسله‪ ،‬وبع‪ff‬د إرس‪ff‬اله‪ :‬إن‪ff‬ا أرس‪ff‬لنا‪ ،‬واللف‪ff‬ظ‬
‫خيتلف باختالف األحوال واملعىن القائم بذاته تعاىل ال خيتلف‪ ،‬فإن حقيقته أنه خ‪f‬رب متعل‪f‬ق مبخ‪f‬رب ذل‪f‬ك اخلرب‬
‫ه‪ff‬و إرس‪f‬ال ن‪f‬وح يف ال‪f‬وقت املعل‪f‬وم وذل‪f‬ك ال خيتل‪f‬ف ب‪f‬اختالف األح‪f‬وال كم‪f‬ا س‪f‬بق يف العلم‪ ،‬وك‪f‬ذلك قول‪f‬ه‬
‫اخلع نعليك لفظة تدل على األمر واألمر اقتض‪f‬اء وطلب يق‪f‬وم ب‪f‬ذات األم‪ff‬ر وليس ش‪f‬رط قيام‪f‬ه ب‪f‬ه أن يك‪f‬ون‬
‫املأمور موج‪ff f‬ودًا ولكن جيوز أن يق‪ff f‬وم بذات‪ff f‬ه قب‪ff f‬ل وج‪ff f‬ود املأمور‪ ،‬ف‪ff f‬إذا وج‪ff f‬د املأمور ك‪ff f‬ان م‪ff f‬أمورًا ب‪ff f‬ذلك‬
‫االقتض‪ff‬اء بعين‪ff‬ه من غ‪ff‬ري حتدد اقتض‪ff‬اء آخ‪ff‬ر‪ .‬وكم من ش‪ff‬خص ليس ل‪ff‬ه ول‪ff‬د ويق‪ff‬وم بذات‪ff‬ه اقتض‪ff‬اء طلب العلم‬
‫منه على تقدير وجوده‪ ،‬إذ يقدر يف نفسه أن يق‪f‬ول لول‪f‬ده اطلب العلم وه‪f‬ذا االقتض‪f‬اء يتنج‪f‬ز يف نفس‪f‬ه على‬
‫تقدير الوجود‪ ،‬فلو وجد الول‪f‬د وخل‪f‬ق ل‪f‬ه عق‪f‬ل وخل‪f‬ق ل‪f‬ه علم مبا يف نفس األب من غ‪f‬ري تق‪f‬دير ص‪f‬ياغة لف‪f‬ظ‬
‫مسموع‪ ،‬وقدر بقاء ذل‪f‬ك االقتض‪ff‬اء على وج‪f‬وده لعلم االبن أن‪f‬ه م‪ff‬أمور من جه‪ff‬ة األب بطلب العلم يف غ‪ff‬ري‬
‫اس‪ff‬تئناف اقتض‪ff‬اء متج‪ff‬دد يف النفس‪ ،‬ب‪ff‬ل يبقى ذل‪ff‬ك االقتض‪ff‬اء نعم الع‪ff‬ادة جاري‪ff‬ة ب‪ff‬أن االبن ال حيدث ل‪ff‬ه علم‬
‫إال بلف‪ff‬ظ ي‪ff‬دل على االقتض‪ff‬اء الب‪ff‬اطن‪ ،‬فيك‪ff‬ون قول‪ff‬ه بلس‪ff‬انه أطلب العلم‪ ،‬دالل‪ff‬ة على االقتض‪ff‬اء ال‪ff‬ذي يف ذات‪ff‬ه‬
‫س‪ff‬واء ح‪ff‬دث يف ال‪ff‬وقت أو ك‪ff‬ان ق‪ff‬دميًا بذات‪ff‬ه قب‪ff‬ل وج‪ff‬ود ول‪ff‬ده‪ .‬فهك‪ff‬ذا ينبغي أن يفهم قي‪ff‬ام األم‪ff‬ر ب‪ff‬ذات اهلل‬
‫تعاىل فتكون األلفاظ الدالة علي‪f‬ه حادث‪f‬ة واملدلول ق‪f‬دميًا ووج‪f‬ود ذل‪f‬ك املدلول ال يس‪f‬تدعي وج‪f‬ود املأمور ب‪f‬ل‬
‫تصور وجوده مهما كان املأمور مقدر الوجود‪ ،‬فإن كان مستحيل الوج‪f‬ود رمبا ال يتص‪f‬ور وج‪f‬ود االقتض‪f‬اء‬
‫ممن يعلم استحالة وجوده‪ .‬فل‪f‬ذلك ال نق‪f‬ول إن اهلل تع‪f‬اىل يق‪f‬وم بذات‪f‬ه اقتض‪f‬اء فع‪f‬ل ممن يس‪f‬تحيل وج‪f‬وده‪ ،‬ب‪f‬ل‬
‫ممن علم وج‪ff‬وده‪ ،‬وذل‪ff‬ك غ‪ff‬ري حمال‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل أفتقول‪ff‬ون إن اهلل تع‪ff‬اىل يف األزل آم‪ff‬ر ون‪ff‬اه‪ ،‬ف‪ff‬إن قلتم أن‪ff‬ه آم‪ff‬ر‬
‫فكيف يكون آمر ال مأمور له ؟ وإن قلتم ال فق‪f‬د ص‪f‬ار آم‪f‬رًا بع‪f‬د أن مل يكن‪ .‬قلن‪f‬ا‪ :‬واختل‪f‬ف األص‪f‬حاب يف‬
‫جواب هذا‪ ،‬واملختار أن تق‪f‬ول ه‪f‬ذا نظ‪f‬ر يتعل‪f‬ق أح‪f‬د طرفي‪f‬ه ب‪f‬املعىن واآلخ‪f‬ر ب‪f‬إطالق االس‪f‬م من حيث اللغ‪f‬ة‪.‬‬
‫فأما حظ املعىن فق‪f‬د انكش‪f‬ف وه‪f‬و أن االقتض‪f‬اء الق‪f‬دمي معق‪f‬ول وإن ك‪f‬ان س‪f‬ابقًا على وج‪f‬ود املأمور كم‪f‬ا يف‬
‫حق الولد ينبغي أن يق‪f‬ال اس‪f‬م األم‪f‬ر ينطل‪f‬ق علي‪f‬ه بع‪f‬د فهم املأمور ووج‪f‬وده أم ينطل‪f‬ق علي‪f‬ه قبل‪f‬ه ؟ وه‪f‬ذا أم‪f‬ر‬
‫لفظي ال ينبغي للن‪ff‬اظر أن يش‪ff‬تغل بأمثال‪ff‬ه‪ ،‬ولكن احلق أن‪ff‬ه جيوز اطالق‪ff‬ه علي‪ff‬ه كم‪ff‬ا ج‪ff‬وزوا تس‪ff‬مية اهلل تع‪ff‬اىل‬
‫ق‪ff‬ادرًا قب‪ff‬ل وج‪ff‬ود املق‪ff‬دور‪ ،‬ومل يس‪ff‬تبعدوا ق‪ff‬ادرًا ليس ل‪ff‬ه مق‪ff‬دور موج‪ff‬ود ب‪ff‬ل ق‪ff‬الوا الق‪ff‬ادر يس‪ff‬تدعي مق‪ff‬دورًا‬
‫معلومًا ال موجودًا فكذلك اآلمر يستدعي مأمورًا معلومًا موجودًا واملعدوم معلوم الوجود قبل الوجود‪ ،‬بل‬
‫يس‪f‬تدعي األم‪f‬ر م‪f‬أمورًا ب‪f‬ه كم‪f‬ا يس‪f‬تدعي م‪f‬أمورًا ويس‪f‬تدعي آم‪f‬رًا أيض‪ًf‬ا واملأمور ب‪f‬ه يك‪f‬ون مع‪f‬دومًا وال يق‪f‬ال‬
‫إنه كيف يكون آمر من غري مأمور به‪ ،‬ب‪f‬ل يق‪f‬ال ل‪f‬ه م‪f‬أمور ب‪f‬ه ه‪f‬و معل‪f‬وم وليس يش‪f‬رتط كون‪f‬ه موج‪f‬ودًا‪ ،‬ب‪f‬ل‬
‫يشرتط كونه معدومًا بل من أمر ولده على سبيل الوصية بأمر مث ت‪f‬ويف ف‪f‬أتى الول‪f‬د مبا أوص‪f‬ي ب‪f‬ه يق‪f‬ال امتث‪f‬ل‬
‫أم‪ff‬ر وال‪ff‬ده واألم‪ff‬ر مع‪ff‬دوم واألم‪ff‬ر يف نفس‪ff‬ه مع‪ff‬دوم وحنن م‪ff‬ع ه‪ff‬ذا نطل‪ff‬ق اس‪ff‬م امتث‪ff‬ال األم‪ff‬ر‪ ،‬ف‪ff‬إذا مل يس‪ff‬تبعد‬
‫ك‪ff‬ون املأمور ممتثًال لألم‪ff‬ر وال وج‪ff‬ود لألم‪ff‬ر وال لآلم‪ff‬ر ومل يس‪ff‬تبعد ك‪ff‬ون األم‪ff‬ر أم‪ff‬رًا قب‪ff‬ل وج‪ff‬ود املأمور ب‪ff‬ه‪،‬‬
‫فمن أين يستدعي وجود املأمور ؟ فقد انكشف من هذا حظ اللفظ واملعىن مجيعًا وال نظر إال فيهم‪ff‬ا‪ .‬فه‪ff‬ذا‬
‫ما أردنا أن نذكره يف استحالة كونه حمًال للحوادث إمجاًال وتفصيًال‪.‬‬
‫احلكم الرابع إن األسامي املشتقة هلل تعاىل من هذه الصفات الس‪f‬بعة ص‪f‬ادقة علي‪f‬ه أزًال وأب‪f‬دًا‪ ،‬فه‪f‬و يف الق‪f‬دم‬
‫كان حيًا قادرًا عاملًا مسيعًا بصريًا متكلمًا‪ ،‬وأما ما يش‪f‬تق ل‪f‬ه من األفع‪f‬ال ك‪f‬الرازق واخلالق واملع‪f‬ز واملذل فق‪f‬د‬
‫اختل ‪ff‬ف يف أن ‪ff‬ه يص ‪ff‬دق يف األزل أم ال‪ .‬وه ‪ff‬ذا إذا كش ‪ff‬ف الغط ‪ff‬اء عن ‪ff‬ه ت ‪ff‬بني اس ‪ff‬تحالة اخلالف في ‪ff‬ه‪ .‬والق ‪ff‬ول‬
‫اجلامع أن األسامي اليت يسمى هبا اهلل تعاىل أربعة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ال يدل إال على ذاته كاملوجود‪ ،‬وهذا صادق أزًال وأبدًا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ما يدل على الذات مع زيادة سلب كالقدمي‪ ،‬فإنه يدل على وج‪f‬ود غ‪ff‬ري مس‪f‬بوق بع‪ff‬دم أزًال‪ ،‬والب‪f‬اقي‬
‫فإنه يدل على الوجود وسلب العدم عنه آخرًا وكالواحد فإنه يدل على الوجود وسلب الشريك‪ ،‬وك‪ff‬الغىن‬
‫فإنه يدل على الوجود وسلب احلاجة فهذا أيضًا يص‪f‬دق أزًال وأب‪f‬دًا ألن م‪f‬ا يس‪f‬لب عن‪f‬ه يس‪f‬لب لذات‪f‬ه فيالزم‬
‫الذات على الدوام‪.‬‬
‫الث ‪ff‬الث‪ :‬م ‪ff‬ا ي ‪ff‬دل على الوج ‪ff‬ود وص ‪ff‬فة زائ ‪ff‬دة من ص ‪ff‬فات املع ‪ff‬ىن ك ‪ff‬احلي والق ‪ff‬ادر واملتكلم واملري ‪ff‬د والس ‪ff‬ميع‬
‫والبصري والعامل وما يرج‪f‬ع إىل ه‪f‬ذه الص‪f‬فات الس‪f‬بعة ك‪f‬اآلمر والن‪f‬اهي واخلب‪f‬ري ونظ‪f‬ائره‪ ،‬ف‪f‬ذلك أيض‪ًf‬ا يص‪f‬دق‬
‫عليه أزًال وأبدًا عند من يعتقد قدم مجيع الصفات‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ما ي‪f‬دل على الوج‪f‬ود م‪f‬ع إض‪f‬افة إىل فع‪f‬ل من أفعال‪f‬ه ك‪f‬اجلواد وال‪f‬رزاق واخلالق واملع‪f‬ز واملذل وأمثال‪f‬ه‪،‬‬
‫وه‪ff‬ذا خمتل‪ff‬ف في‪ff‬ه‪ ،‬فق‪ff‬ال ق‪ff‬وم ه‪ff‬و ص‪ff‬ادق أزًال إذ ل‪ff‬و مل يص‪ff‬دق لك‪ff‬ان اتص‪ff‬افه ب‪ff‬ه موجب‪ًf‬ا للتغ‪ff‬ري وق‪ff‬ال ق‪ff‬وم ال‬
‫يصدق إذ ال خلق يف األزل فكيف خالقًا‪.‬‬
‫والكاشف للغطاء عن هذا أن السيف يف الغمد يسمى صارمًا وعند حصول القطع به ويف تل‪f‬ك احلال‪f‬ة على‬
‫االقرتان يسمى صارمًا‪ ،‬ومها مبعنيني خمتلفني‪ ،‬فهو يف الغمد صارم بالقوة وعند حصول القطع صارم بالفعل‬
‫وك ‪ff‬ذلك املاء يف الك ‪ff‬وز يس ‪ff‬مى مروي ‪ًf‬ا وعن ‪ff‬د الش ‪ff‬رب يس ‪ff‬مى مروي ‪ًf‬ا ومها إطالق ‪ff‬ان خمتلف ‪ff‬ان فمع ‪ff‬ىن تس ‪ff‬مية‬
‫الس ‪ff f‬يف يف الغم ‪ff f‬د ص ‪ff f‬ارمًا أن الص ‪ff f‬فة ال ‪ff f‬يت حيص ‪ff f‬ل هبا القط ‪ff f‬ع يف احلال لقص ‪ff f‬ور يف ذات الس ‪ff f‬يف وحدت‪ff f‬ه‬
‫واستعداده بل ألمر آخر وراء ذاته‪ .‬فباملعىن ال‪f‬ذي يس‪f‬مى الس‪f‬يف يف الغم‪f‬د ص‪f‬ارمًا يص‪f‬دق اس‪f‬م اخلالق على‬
‫اهلل تع‪ff‬اىل يف األزل ف‪ff‬إن اخلل‪ff‬ق إذ أج‪ff‬ري بالفع‪ff‬ل مل يكن لتج‪ff‬دد أم‪ff‬ر يف ال‪ff‬ذات مل يكن‪ ،‬ب‪ff‬ل ك‪ff‬ل م‪ff‬ا يش‪ff‬رتط‬
‫لتحقي‪f‬ق الفع‪f‬ل موج‪f‬ود يف األزل‪ .‬وب‪f‬املعىن ال‪f‬ذي يطل‪f‬ق حال‪f‬ة مباش‪f‬رة القط‪f‬ع للس‪f‬يف اس‪f‬م الص‪f‬ارم ال يص‪f‬دق‬
‫يف األزل فهذا حظ املعىن‪ .‬فقد ظهر أن من قال إنه ال يصدق يف األزل هذا االسم فهو حمق وأراد ب‪ff‬ه املع‪ff‬ىن‬
‫الثاين‪ ،‬ومن قال يصدق يف األزل فهو حمق وأراد به املعىن األول‪ .‬وإذا كشف الغطاء على هذا الوجه ارتفع‬
‫اخلالف‪ .‬فهذا متام ما أردنا ذكره يف قطب الصفات وقد اشتمل على سبعة دعاو‪ ،‬وتفرع عن صفة الق‪ff‬درة‬
‫ثالث ‪ff‬ة ف ‪ff‬روع‪ ،‬وعن ص ‪ff‬فة الكالم مخس ‪ff‬ة اس ‪ff‬تبعادات‪ ،‬واجتم ‪ff‬ع من األحك ‪ff‬ام املش ‪ff‬رتكة بني الص ‪ff‬فات أربع ‪ff‬ة‬
‫أحك ‪ff‬ام‪ ،‬فك ‪ff‬ان اجملم ‪ff‬وع قريب ‪ًf‬ا من عش ‪ff‬رين دع ‪ff‬وى هي أص ‪ff‬ول ال ‪ff‬دعاوى وإن ك ‪ff‬ان تنب ‪ff‬ين ك ‪ff‬ل دع ‪ff‬وى على‬
‫دعاوى هبا يتوصل إىل اثباهتا فلنشتغل بالقطب الثالث من الكتاب إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫القطب الثالث يف أفعال اهلل تعاىل‬


‫ومجلة أفعال جائزة ال يوصف شيء منها بالوجوب وندعي يف هذا القطب س‪f‬بعة أم‪f‬ور‪ :‬ن‪f‬دعي أن‪f‬ه جيوز هلل‬
‫تع ‪ff‬اىل أن ال يكل ‪ff‬ف عب ‪ff‬اده‪ ،‬وأن ‪ff‬ه جيوز أن يكلفهم م ‪ff‬ا ال يط ‪ff‬اق‪ ،‬وأن ‪ff‬ه جيوز من ‪ff‬ه إيالم العب ‪ff‬اد بغ ‪ff‬ري ع ‪ff‬وض‬
‫وجناي‪ff‬ة؛ وأن‪ff‬ه ال جيب رعاي‪ff‬ة األص‪ff‬لح هلم‪ ،‬وأن‪ff‬ه ال جيب علي‪ff‬ه ث‪ff‬واب الطاع‪ff‬ة وعق‪ff‬اب املعص‪ff‬ية‪ ،‬وأن العب‪ff‬د ال‬
‫جيب علي‪ff‬ه ش‪ff‬يء بالعق‪ff‬ل ب‪ff‬ل بالش‪ff‬رع‪ ،‬وأن‪ff‬ه ال جيب على اهلل بعث‪ff‬ه الرس‪ff‬ل‪ ،‬وأن‪ff‬ه ل‪ff‬و بعث مل يكن قبيح ‪ًf‬ا وال‬
‫حماًال بل أمكن اظهار صدقهم باملعجزة‪ ،‬ومجلة هذه الدعاوى تنبين على البحث عن معىن الواجب واحلس‪ff‬ن‬
‫والقبيح‪ ،‬ولقد خاض اخلائض‪f‬ون في‪f‬ه وطول‪f‬وا الق‪f‬ول يف أن العق‪f‬ل ه‪f‬ل حيس‪f‬ن ويقبح وه‪f‬ل ي‪f‬وجب‪ .‬وإمنا ك‪f‬ثر‬
‫اخلب‪ff‬ط ألهنم مل حيص‪ff‬لوا مع‪ff‬ىن ه‪ff‬ذه األلف‪ff‬اظ واختالف‪ff‬ات االص‪ff‬طالحات فيه‪ff‬ا وكي‪ff‬ف ختاطب خص‪ff‬مان يف أن‬
‫العق ‪ff‬ل واجب ومها بع ‪ff‬د مل يفهم ‪ff‬ا مع ‪ff‬ىن ال ‪ff‬واجب‪ ،‬فهم ‪ff‬ا حمص‪ًf f‬ال متفق‪ًf f‬ا علي ‪ff‬ه بينهم ‪ff‬ا‪ ،‬فلنق ‪ff‬دم البحث عن‬
‫االص ‪ff‬طالحات وال ب ‪ff‬د من الوق ‪ff‬وف على مع ‪ff‬ىن س ‪ff‬تة ألف ‪ff‬اظ وهي‪ :‬ال ‪ff‬واجب‪ ،‬واحلس ‪ff‬ن‪ ،‬والق ‪ff‬بيح‪ ،‬والعبث‪،‬‬
‫والس‪ff‬فه‪ ،‬واحلكم‪ff‬ة؛ ف‪ff‬إن ه‪ff‬ذه األلف‪ff‬اظ مش‪ff‬رتكة ومث‪ff‬ار األغالي‪ff‬ط إمجاهلا‪ ،‬والوج‪ff‬ه يف أمث‪ff‬ال ه‪ff‬ذه املب‪ff‬احث أن‬
‫نط‪ff‬رح األلف‪ff‬اظ وحنص ‪ff‬ل املع‪ff‬اين يف العق‪ff‬ل بعب‪ff‬ارات أخ‪ff‬رى مث نلتفت إىل األلف‪ff‬اظ املبح‪ff‬وث عنه‪ff‬ا وننظ‪ff‬ر إىل‬
‫تف ‪ff‬اوت االص ‪ff‬طالحات فيه ‪ff‬ا‪ ،‬فنق ‪ff‬ول‪ :‬أم ‪ff‬ا ال ‪ff‬واجب فإن ‪ff‬ه يطل ‪ff‬ق على فع ‪ff‬ل ال حمال ‪ff‬ة‪ ،‬ويطل ‪ff‬ق على الق ‪ff‬دمي إن ‪ff‬ه‬
‫واجب‪ ،‬وعلى الش ‪ff‬مس إذا غ ‪ff‬ربت إهنا واجب ‪ff‬ة‪ ،‬وليس من غرض ‪ff‬نا‪ .‬وليس خيفى أن الفع ‪ff‬ل ال ‪ff‬ذي ال ي ‪ff‬رتجح‬
‫فعل‪ff‬ه على ترك‪ff‬ه وال يك‪ff‬ون ص‪ff‬دوره من ص‪ff‬احبه أوىل من ترك‪ff‬ه ال يس‪ff‬مى واجب‪ًf‬ا وإن ت‪ff‬رجح وك‪ff‬ان أوًال ال‬
‫يسميه أيضًا بكل ت‪f‬رجيح ب‪f‬ل ال ب‪f‬د من خص‪f‬وص ت‪f‬رجيح‪ .‬ومعل‪f‬وم أن الفع‪f‬ل ق‪f‬د يك‪f‬ون حبيث يعلم أن‪f‬ه يعلم‬
‫أن‪ff‬ه نس‪ff‬تعقب ترك‪ff‬ه ض‪ff‬ررًا‪ ،‬أو يت‪ff‬وهم‪ ،‬وذل‪ff‬ك الض‪ff‬رر إم‪ff‬ا عاج‪ff‬ل يف ال‪ff‬دنيا وإم‪ff‬ا آج‪ff‬ل يف العاقب‪ff‬ة‪ ،‬وه‪ff‬و إم‪ff‬ا‬
‫قريب حمتمل وإما عظيم ال يطاق مثله‪ .‬فانقسام الفعل ووجوه ترجحه هلذه األقسام ثابت يف العقل من غري‬
‫لف‪ff‬ظ فل‪ff‬نرجع إىل اللف‪ff‬ظ فنق‪ff‬ول‪ :‬معل‪ff‬وم أن م‪ff‬ا في‪ff‬ه ض‪ff‬رر ق‪ff‬ريب حمتم‪ff‬ل ال يس‪ff‬مى واجب‪ًf‬ا؛ إذ العطش‪ff‬ان إذا مل‬
‫يبادر إىل شرب املاء تضرر تضررًا قريبًا وال يقال إن الشرب عليه واجب‪ .‬ومعلوم أن ما ال ضرر فيه أصًال‬
‫ولكن يف فعله فائدة ال يسمى واجبًا‪ ،‬فإن التجارة واكتساب املال والنوافل فيه فائدة وال يسمى واجبًا‪ ،‬بل‬
‫املخصوص باسم الواجب ما يف تركه ضرر ظاهر ف‪f‬إن ك‪f‬ان ذل‪f‬ك يف العاقب‪f‬ة أع‪f‬ين اآلخ‪f‬رة‪ ،‬وع‪f‬رف بالش‪f‬رع‬
‫فنحن نس‪ff‬ميه واجب ‪ًf‬ا‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان ذل‪ff‬ك يف ال‪ff‬دنيا وع‪ff‬رف بالعق‪ff‬ل فق‪ff‬د يس‪ff‬مى أيض ‪ًf‬ا ذل‪ff‬ك واجب ‪ًf‬ا‪ ،‬ف‪ff‬إن من ال‬
‫يعتق‪ff‬د الش‪ff‬رع ق‪ff‬د يق‪ff‬ول واجب على اجلائع ال‪ff‬ذي ميوت من اجلوع أن يأك‪ff‬ل إذا وج‪ff‬د اخلبز ونع‪ff‬ين بوج‪ff‬وب‬
‫األك ‪ff‬ل ت ‪ff‬رجح فعل ‪ff‬ه على ترك ‪ff‬ه مبا يتعل ‪ff‬ق من الض ‪ff‬رر برتك ‪ff‬ه‪ ،‬ولس ‪ff‬نا حنرم ه ‪ff‬ذا االص ‪ff‬طالح بالش ‪ff‬رع ف ‪ff‬إن‬
‫االص‪f‬طالحات مباح‪f‬ة ال حج‪f‬ر فيه‪f‬ا للش‪f‬رع وال للعق‪f‬ل‪ ،‬وإمنا متن‪f‬ع من‪f‬ه اللغ‪f‬ة إذا مل يكن على وف‪f‬ق املوض‪f‬وع‬
‫املعروف فقد حتص‪f‬لنا على معن‪f‬يني لل‪f‬واجب ورج‪f‬ع كالمها إىل التع‪f‬رض للض‪f‬رر وك‪f‬ان أح‪f‬دمها أعم ال خيتص‬
‫باآلخرة‪ ،‬واآلخر أخص وهو اصطالحنا‪ ،‬وقد يطلق الواجب مبعىن ثالث وهو الذي ي‪ff‬ؤدي ع‪ff‬دم وقوع‪ff‬ه إىل‬
‫أم ‪ff‬ر حمال‪ ،‬كم ‪ff‬ا يق ‪ff‬ال‪ :‬م ‪ff‬ا علم وقوع ‪ff‬ه فوقوع ‪ff‬ه واجب‪ ،‬ومعن ‪ff‬اه أن ‪ff‬ه إن مل يق ‪ff‬ع ي ‪ff‬ؤدي إىل أن ينقلب العلم‬
‫جهًال وذل‪ff‬ك حمال‪ ،‬فيك‪ff‬ون مع‪ff‬ىن وجوب‪ff‬ه أن ض‪ff‬ده حمال‪ ،‬فليس‪ff‬م ه‪ff‬ذا املع‪ff‬ىن الث‪ff‬الث ال‪ff‬واجب‪ .‬وأم‪ff‬ا احلس‪ff‬ن‬
‫فحظ املعىن منه أن الفعل يف حق الفاعل ينقسم إىل ثالثة أقسام أح‪ff‬دها أن توافق‪ff‬ه أي تالئم غرض‪ff‬ه‪ ،‬والث‪ff‬اين‬
‫أن ين ‪ff‬افر غرض ‪ff‬ه‪ ،‬والث ‪ff‬الث أن ال يك ‪ff‬ون ل ‪ff‬ه يف فعل ‪ff‬ه وال يف ترك ‪ff‬ه غ ‪ff‬رض‪ .‬وه ‪ff‬ذا االنقس ‪ff‬ام ث ‪ff‬ابت يف العق ‪ff‬ل؛‬
‫فالذي يوافق الفاعل يسمى حسنًا يف حقه وال معىن حلس‪f‬نه إال موافقت‪f‬ه لغرض‪f‬ه‪ ،‬وال‪f‬ذي ين‪f‬ايف غرض‪f‬ه يس‪f‬مى‬
‫قبيح ‪ًf‬ا وال مع‪ff‬ىن لقبح‪ff‬ه إال منافات‪ff‬ه لغرض‪ff‬ه‪ ،‬وال‪ff‬ذي ال ين‪ff‬ايف وال يواف‪ff‬ق يس‪ff‬مى عبث ‪ًf‬ا أي ال فائ‪ff‬دة في‪ff‬ه أص ‪ًf‬ال‪،‬‬
‫وفاع‪ff‬ل العبث يس‪ff‬مى عابث ‪ًf‬ا ورمبا يس‪ff‬مى س‪ff‬فيهًا‪ ،‬وفاع‪ff‬ل الق‪ff‬بيح أع‪ff‬ين الفع‪ff‬ل ال‪ff‬ذي ينض‪ff‬ر ب‪ff‬ه يس‪ff‬مى س‪ff‬فيهًا‬
‫واس‪ff‬م الس‪ff‬فيه أص‪ff‬دق من‪ff‬ه على الع‪ff‬ابث‪ ،‬وه‪ff‬ذا كل‪ff‬ه إذا مل يلتفت إىل غ‪ff‬ري الفاع‪ff‬ل أو مل يرتب‪ff‬ط الفع‪ff‬ل بغ‪ff‬رض‬
‫غري الفاعل‪ ،‬فإن ارتبط بغري الفاعل وكان موافقًا لغرضه مسي حسنًا يف حق من وافقه وإن ك‪ff‬ان منافي‪ًf‬ا مسي‬
‫قبيح‪ًf‬ا‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان موافق‪ًf‬ا لش‪ff‬خص دون ش‪ff‬خص مسي يف ح‪ff‬ق أح‪ff‬دمها حس‪ff‬نًا ويف ح‪ff‬ق اآلخ‪ff‬ر قبيح‪ًf‬ا إذ اس‪ff‬م‬
‫الق‪ff‬بيح واحلس‪ff‬ن ب‪ff‬أن املوافق‪ff‬ة واملخالف‪ff‬ة‪ ،‬ومها أم‪ff‬ران إض‪ff‬افيان‪ ،‬خمتلف‪ff‬ان باألش‪ff‬خاص وخيتل‪ff‬ف يف ح‪ff‬ق ش‪ff‬خص‬
‫واحد ب‪f‬األحوال وخيتل‪f‬ف يف ح‪f‬ال واح‪f‬د ب‪f‬األعراض؛ ف‪f‬رب فع‪f‬ل يواف‪f‬ق الش‪f‬خص من وج‪f‬ه وخيالف‪f‬ه من وج‪f‬ه‬
‫فيكون حسنًا من وجه قبيح‪ًf‬ا من وج‪f‬ه‪ ،‬فمن ال ديان‪f‬ة ل‪f‬ه يستحس‪f‬ن الزن‪f‬ا بزوج‪f‬ة الغ‪f‬ري ويع‪f‬د الظف‪f‬ر هبا نعم‪f‬ة‬
‫ويستقبح فعل الذي يكشف عررته ويسميه غم‪f‬ازًا ق‪f‬بيح الفع‪f‬ل واملت‪f‬دين يس‪f‬ميه حمتس‪f‬بًا حس‪f‬ن الفع‪f‬ل‪ ،‬وك‪f‬ل‬
‫حبس ‪ff‬ب غرض ‪ff‬ه يطل ‪ff‬ق اس ‪ff‬م احلس ‪ff‬ن والقبح ب ‪ff‬ل يقت ‪ff‬ل مل ‪ff‬ك من املل ‪ff‬وك فيستحس ‪ff‬ن فع ‪ff‬ل القات ‪ff‬ل مجي ‪ff‬ع أعدائ ‪ff‬ه‬
‫ويستقبحه مجيع أوليائه‪ ،‬بل هذا القات‪f‬ل يف احلس‪f‬ن املخص‪f‬وص ج‪f‬ار‪ ،‬ففي الطب‪f‬اع م‪f‬ا خل‪f‬ق م‪f‬ايًال من األل‪f‬وان‬
‫احلس‪ff‬ان إىل الس‪ff‬مرة‪ ،‬فص‪ff‬احبه يستحس‪ff‬ن األمسر ويعش‪ff‬قه‪ ،‬وال‪ff‬ذي خل‪ff‬ق م‪ff‬ايًال إىل البي‪ff‬اض املش‪ff‬رب ب‪ff‬احلمرة‬
‫يس ‪ff‬تقبحه ويس ‪ff‬تكرهه ويس ‪ff‬فه عق ‪ff‬ل املستحس ‪ff‬ن املس ‪ff‬تهرت ب ‪ff‬ه؛ فبه ‪ff‬ذا يت ‪ff‬بني على القط ‪ff‬ع أن احلس ‪ff‬ن والق ‪ff‬بيح‬
‫عبارت‪ff f‬ان عن اخلل ‪ff‬ق كلهم عن أم‪ff f‬رين إض‪ff f‬افيني خيتلف‪ff f‬ان باإلض‪ff f‬افات عن ص‪ff f‬فات ال‪ff f‬ذوات ال‪ff f‬يت ال ختتل ‪ff‬ف‬
‫باإلض ‪ff‬افة‪ .‬فال ج ‪ff‬رم ج ‪ff‬از أن يك ‪ff‬ون الش ‪ff‬يء حس ‪ff‬نًا يف ح ‪ff‬ق زي ‪ff‬د قبيح ‪ًf‬ا يف ح ‪ff‬ق عم ‪ff‬رو وال جيوز أن يك ‪ff‬ون‬
‫الش ‪ff‬يء أس ‪ff‬ود يف ح ‪ff‬ق زي ‪ff‬د أبيض يف ح ‪ff‬ق عم ‪ff‬رو ملا مل تكن األل ‪ff‬وان من األوص ‪ff‬اف اإلض ‪ff‬افية؛ ف ‪ff‬إذا فهمت‬
‫املعىن فافهم أن االصطالح يف لفظ احلسن أيضًا ثالثة‪ :‬فقائل يطلقه على كل ما يوافق الغ‪ff‬رض ع‪ff‬اجًال ك‪ff‬ان‬
‫أو آجًال؛ وقائل خيصص مبا يوافق الغرض يف اآلخر وهو الذي حسنه الشرع أي حث عليه ووعد ب‪ff‬الثواب‬
‫علي‪ff‬ه وه‪ff‬و اص‪ff‬طالح أص‪ff‬حابنا‪ ،‬والق‪ff‬بيح عن‪ff‬د ك‪ff‬ل فري‪ff‬ق م‪ff‬ا يقاب‪ff‬ل احلس‪ff‬ن‪ ،‬ف‪ff‬األول أعم وه‪ff‬ذا أخص‪ ،‬وهبذا‬
‫االصطالح قد يسمي بعض من ال يتحاشى فعل اهلل تعاىل قبيح‪ًf‬ا إذ ك‪f‬ان ال يواف‪f‬ق غرض‪ff‬هم‪ ،‬ول‪f‬ذلك ت‪f‬راهم‬
‫يس‪ff‬بون الفل‪ff‬ك وال‪ff‬دهر ويقول‪ff‬ون خ‪ff‬رف الفل‪ff‬ك وم‪ff‬ا أقبح أفعال‪ff‬ه ويعلم‪ff‬ون إن الفاع‪ff‬ل خ‪ff‬الق الفل‪ff‬ك؛ ول‪ff‬ذلك‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال تسبوا الدهر‪ ،‬فإن اهلل هو ال‪f‬دهر؛ وفي‪f‬ه اص‪f‬طالح ث‪f‬الث إذ ق‪f‬د يق‪f‬ال‬
‫فعل اهلل تعاىل حسن كيف كان مع إنه ال غرض يف حقه؛ ويكون معناه أنه ال تبعة عليه فيه وال الئمة وأنه‬
‫فاعل يف ملكه الذي ال يساهم فيه ما يشاء‪ .‬وأما احلكمة فتطلق على معنيني‪ :‬أحدمها االحاط‪ff‬ة اجملردة بنظم‬
‫األمور ومعانيها الدقيقة واجلليلة واحلكم عليها بأهنا كيف ينبغي أن تكون حىت تتم منها الغاي‪f‬ة املطلوب‪f‬ة هبا‪،‬‬
‫والثاين أن تنضاف إليه القدرة على إجياد الرتتيب والنظام واتقان‪f‬ه وإحكام‪ff‬ه فيق‪ff‬ال حكيم من احلكم‪f‬ة‪ ،‬وه‪ff‬و‬
‫ن ‪ff‬وع من العلم‪ ،‬ويق ‪ff‬ال حكيم من األحك ‪ff‬ام وه ‪ff‬و ن ‪ff‬وع من الفع ‪ff‬ل‪ ،‬فق ‪ff‬د اتض ‪ff‬ح ل ‪ff‬ك مع ‪ff‬ىن ه ‪ff‬ذه األلف ‪ff‬اظ يف‬
‫األصل ولكن ههنا ثالث غلطات للوهم يستفاد من الوقوف عليها اخلالص من إشكاالت تغرت هبا طوائ‪ff‬ف‬
‫كثرية‪ :‬الغلطة األوىل‪ :‬أن اإلنسان قد يطلق اسم القبيح على ما خيالف غرضه وإن كان يوافق غرض غ‪ff‬ريه‪،‬‬
‫ولكنه ال يلتفت إىل الغ‪f‬ري‪ ،‬فك‪f‬ل طب‪f‬ع مش‪f‬غوف بنفس‪f‬ه ومس‪f‬تحقر م‪f‬ا ع‪f‬داه ول‪f‬ذلك حيكم على الفع‪f‬ل مطلق‪ًf‬ا‬
‫بأنه قبيح وقد يقول أنه قبيح يف عينه‪ ،‬وسببه أنه قبيح يف حقه مبعىن أنه خمالف لغرضه‪ ،‬ولكن أغراض‪f‬ه كأن‪f‬ه‬
‫ك ‪ff‬ل الع‪ff f‬امل يف حق‪ff f‬ه فيت‪ff f‬وهم أن املخ‪ff f‬الف حلق‪ff f‬ه خمالف يف نفس‪ff f‬ه‪ ،‬فيض‪ff f‬يف القبح إىل ذات الش‪ff f‬يء وحيكم‬
‫باالطالق؛ فهو مصيب يف أصل االسقباح ولكنه خمطيء يف حكمه ب‪f‬القبح على االطالق؛ ويف إض‪f‬افة القبح‬
‫إىل ذات الش‪ff‬يء ومنش‪ff‬ؤه غفلت‪ff‬ه عن االلتف‪ff‬ات إىل غ‪ff‬ريه‪ ،‬ب‪ff‬ل عن االلتف‪ff‬ات إىل بعض أح‪ff‬وال نفس‪ff‬ه‪ ،‬فإن‪ff‬ه ق‪ff‬د‬
‫يستحسن يف بعض أحواله غري ما يستقبحه مهما انقلب موافقًا لغرضه‪ .‬الغلطة الثانية فيه‪ :‬أن ما ه‪ff‬و خمالف‬
‫لألغراض يف مجيع األحوال إال يف حالة نادرة‪ ،‬فق‪f‬د حيكم اإلنس‪f‬ان علي‪f‬ه مطلق‪ًf‬ا بأن‪f‬ه ق‪f‬بيح لذهول‪f‬ه عن احلال‪f‬ة‬
‫النادرة ورسوخ غالب األحوال يف نفسه واستيالئه على ذكره‪ ،‬فيقضي مثًال على الك‪ff‬ذب بأن‪ff‬ه ق‪ff‬بيح مطلق‪ًf‬ا‬
‫يف كل حال وأن قبحه ألنه ك‪f‬ذب لذات‪f‬ه فق‪f‬ط ال ملع‪f‬ىن زائ‪f‬د‪ ،‬وس‪f‬بب ذل‪f‬ك غفلت‪f‬ه عن ارتب‪f‬اط مص‪f‬احل كث‪f‬رية‬
‫بالكذب يف بعض األح‪f‬وال‪ ،‬ولكن ل‪f‬و وقعت تل‪f‬ك احلال‪f‬ة رمبا نف‪f‬ر طبع‪f‬ه عن استحس‪f‬ان الك‪f‬ذب لك‪f‬ثرة إلف‪f‬ه‬
‫باستقباحه‪ ،‬وذلك ألن الطبع ينفر عنه من أول الصبا بطريق التأديب واالستص‪ff‬الح‪ ،‬ويلقي إلي‪f‬ه أن الك‪f‬ذب‬
‫ق‪ff‬بيح يف نفس‪ff‬ه وأن‪ff‬ه ال ينبغي أن يك‪ff‬ذب ق‪ff‬ط‪ ،‬فه‪ff‬و ق‪ff‬بيح ولكن بش‪ff‬رط يالزم‪ff‬ه يف أك‪ff‬ثر األوق‪ff‬ات وإمنا يق‪ff‬ع‬
‫ن‪ff‬ادرًا‪ ،‬فل‪ff‬ذلك ال ينب‪ff‬ه على ذل‪ff‬ك الش‪ff‬رط ويغ‪ff‬رس يف طبع‪ff‬ه قبح‪ff‬ه والتنف‪ff‬ري عن‪ff‬ه مطلق ‪ًf‬ا‪ .‬الغلط‪ff‬ة الثالث‪ff‬ة‪ :‬س‪ff‬بق‬
‫ال‪f‬وهم إىل العكس‪ ،‬ف‪f‬إن م‪f‬ا رئي مقرون‪ًf‬ا بالش‪f‬يء يظن أن الش‪f‬يء أيض‪ًf‬ا ال حمال‪f‬ة يك‪f‬ون مقرون‪ًf‬ا ب‪f‬ه مطلق‪ًf‬ا وال‬
‫ي‪ff‬دري أن األخص أب‪ff‬دًا يك‪ff‬ون مقرون‪ًf‬ا ب‪ff‬األعم‪ ،‬وأم‪ff‬ا األعم فال يل‪ff‬زم أن يك‪ff‬ون مقرون‪ًf‬ا ب‪ff‬األخص‪ .‬ومثال‪ff‬ه م‪ff‬ا‬
‫يق‪ff‬ال من أن الس‪ff‬ليم‪ ،‬أع‪ff‬ين ال‪ff‬ذي هنش‪ff‬ته احلي‪ff‬ة‪ ،‬خياف من احلب‪ff‬ل املربقش الل‪ff‬ون‪ ،‬وه‪ff‬و كم‪ff‬ا قي‪ff‬ل‪ ،‬وس‪ff‬ببه أن‪ff‬ه‬
‫أدرك املؤذي وهو متصور بصورة حب‪f‬ل م‪f‬ربقش‪ ،‬ف‪f‬إذا أدرك احلب‪f‬ل س‪f‬بق ال‪f‬وهم إىل العكس وحكم بأن‪f‬ه م‪f‬ؤذ‬
‫فينفر الطبع تابعًا للوهم واخليال وإن ك‪f‬ان العق‪f‬ل مك‪f‬ذبًا ب‪f‬ه‪ ،‬ب‪f‬ل االنس‪f‬ان ق‪f‬د ينف‪f‬ر عن أك‪f‬ل اخلبيض األص‪f‬فر‬
‫لشبهه بالعذرة‪ ،‬فيكاد يتقيأ عند قول القائل إنه عذرة‪ ،‬يتعذر عليه تناوله مع كون العق‪f‬ل مك‪f‬ذبًا ب‪f‬ه‪ ،‬وذل‪f‬ك‬
‫لسبق الوهم إىل العكس فإنه أدرك املستقذر رطبًا أضفر ف‪f‬إذا رأى ال‪f‬رطب األص‪f‬فر حكم بأن‪f‬ه مس‪f‬تقذر‪ ،‬ب‪f‬ل‬
‫يف الطبع ما هو أعظم من هذا فإن األسامي اليت تطلق عليه‪f‬ا اهلن‪f‬ود والزن‪f‬وج ملا ك‪f‬ان يق‪f‬رتن قبح املس‪f‬مى ب‪f‬ه‬
‫ي ‪ff‬ؤثر يف الطب ‪ff‬ع ويبل ‪ff‬غ إىل ح ‪ff‬د ل ‪ff‬و مسى ب ‪ff‬ه أمجل األت‪ff‬راك وال ‪ff‬روم لنف ‪ff‬ر الطب ‪ff‬ع عن ‪ff‬ه‪ ،‬ألن ‪ff‬ه أدرك ال ‪ff‬وهم الق ‪ff‬بيح‬
‫مقرون ‪ًf‬ا هبذا االس‪ff‬م فيحكم ب‪ff‬العكس‪ ،‬ف‪ff‬إذا أدرك األس‪ff‬م حكم ب‪ff‬القبح على املس‪ff‬مى ونف‪ff‬ر الطب‪ff‬ع‪ .‬وه‪ff‬ذا م‪ff‬ع‬
‫وضوحه للعقل فال ينبغي أن يغفل عنه ألن إقدام اخللق وإحجامهم يف أقواهلم وعقائدهم وأفع‪ff‬اهلم ت‪ff‬ابع ملث‪f‬ل‬
‫ه ‪ff‬ذه األوه ‪ff‬ام‪ .‬وأم ‪ff‬ا اتب ‪ff‬اع العق ‪ff‬ل الص ‪ff‬رف فال يق ‪ff‬وى علي ‪ff‬ه إال أولي ‪ff‬اء اهلل تع ‪ff‬اىل ال ‪ff‬ذين أراهم اهلل احلق حق ‪ًf‬ا‬
‫وق‪ff f‬واهم على اتباع‪ff f‬ه‪ ،‬وإن أردت أن جترب ه‪ff f‬ذا يف االعتق‪ff f‬ادات ف‪ff f‬أورد على فهم الع‪ff f‬امي املع‪ff f‬تزيل مس‪ff f‬ألة‬
‫معقول‪ff‬ة جلي‪ff‬ة فيس‪ff‬ارع إىل قبوهلا‪ ،‬فل‪ff‬و قلت ل‪ff‬ه إن‪ff‬ه م‪ff‬ذهب األش‪ff‬عري رض‪ff‬ي اهلل عن‪ff‬ه لنف‪ff‬ر وامتن‪ff‬ع عن القب‪ff‬ول‬
‫وانقلب مكذبًا بعني ما صدق به مهما كان سيء الظن باألشعري‪ ،‬إذ كان قبح ذلك يف نفسه من‪ff‬ذ الص‪ff‬با‪.‬‬
‫وك‪ff‬ذلك تق‪ff‬رر أم‪ff‬رًا معق‪ff‬وًال عن‪ff‬د الع‪ff‬امي األش‪ff‬عري مث تق‪ff‬ول ل‪ff‬ه إن ه‪ff‬ذا ق‪ff‬ول املع‪ff‬تزيل فينف‪ff‬ر عن قبول‪ff‬ه بع‪ff‬د‬
‫التص‪ff‬ديق ويع‪ff‬ود يل التك‪ff‬ذيب‪ .‬ولس‪ff‬ت أق‪ff‬ول ه‪ff‬ذا طب‪ff‬ع الع‪ff‬وام ب‪ff‬ل طب‪ff‬ع أك‪ff‬ثر من رأيت‪ff‬ه من املتومسني باس‪ff‬م‬
‫العلم؛ فإهنم مل يفارقوا الع‪f‬وام يف أص‪f‬ل التقلي‪f‬د ب‪f‬ل أض‪f‬افوا إىل تقلي‪f‬د املذهب تقلي‪f‬د ال‪f‬دليل فهم يف نظ‪f‬رهم ال‬
‫يطلبون احلق بل يطلبون طريق احليلة يف نصرة م‪f‬ا اعتق‪f‬دوه حق‪ًf‬ا بالس‪f‬ماع والتقلي‪f‬د‪ ،‬ف‪f‬إن ص‪f‬ادفوا يف نظ‪f‬رهم‬
‫ما يؤكد عقائدهم ق‪f‬الوا ق‪f‬د ظفرن‪f‬ا بال‪f‬دليل‪ ،‬وإن ظه‪f‬ر هلم م‪f‬ا يض‪f‬عف م‪f‬ذهبهم ق‪f‬الوا ق‪f‬د عرض‪f‬ت لن‪f‬ا ش‪f‬بهة‪،‬‬
‫فيض‪ff‬عون االعتق‪ff‬اد املتلق‪ff‬ف بالتقلي‪ff‬د أص‪ًf‬ال وين‪ff‬بزون بالش‪ff‬بهة ك‪ff‬ل م‪ff‬ا خيالف‪ff‬ه‪ ،‬وبال‪ff‬دليل كلى م‪ff‬ا يوافق‪ff‬ه‪ ،‬وإمنا‬
‫احلق ضده؛ وهو أن ال يعتقد شيئًا أصًال وينظر إىل الدليل ويس‪f‬مي مقتض‪f‬اه حق‪ًf‬ا ونقيض‪f‬ه ب‪f‬اطًال وك‪f‬ل ذل‪f‬ك‬
‫منش‪f‬ؤه االستحس‪f‬ان واالس‪f‬تقباح بتق‪f‬دمي اإللف‪f‬ه والتخل‪f‬ق ب‪f‬أخالق من‪f‬ذ الص‪f‬با‪ .‬ف‪f‬إذا وقفت على ه‪f‬ذه املث‪f‬ارات‬
‫س‪ff‬هل علي‪ff‬ك دف‪ff‬ع االش‪ff‬كاالت‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬فق‪ff‬د رج‪ff‬ع كالمكم إىل أن احلس‪ff‬ن والق‪ff‬بيح يرجع‪ff‬ان إىل املوافق‪ff‬ة‬
‫واملخالف ‪ff‬ة لألغ ‪ff‬راض‪ ،‬وحنن ن ‪ff‬رى العاق ‪ff‬ل يستحس ‪ff‬ن م ‪ff‬ا ال فائ ‪ff‬دة ل ‪ff‬ه في ‪ff‬ه ويس ‪ff‬تقبح م ‪ff‬ا ل ‪ff‬ه في ‪ff‬ه فائ ‪ff‬دة‪ .‬أم ‪ff‬ا‬
‫االستحس‪ff‬ان فمن رأى إنس‪ff‬انًا أو حيوان‪ًf‬ا مش‪ff‬رفًا على اهلالك استحس‪ff‬ن إنق‪ff‬اذه ول‪ff‬و بش‪ff‬ربة م‪ff‬اء معأن‪ff‬ه رمبا ال‬
‫يعتق‪ff‬د الش‪ff‬رع وال يتوق‪ff‬ع من‪ff‬ه غرض ‪ًf‬ا يف ال‪ff‬دنيا وال ه‪ff‬و مبرآى من الن‪ff‬اس ح‪ff‬ىت ينتظ‪ff‬ر علي‪ff‬ه ثن‪ff‬اء ب‪ff‬ل ميكن أن‬
‫يقدر انتفاء ك‪f‬ل غ‪f‬رض وم‪f‬ع ذل‪f‬ك ي‪f‬رجح جه‪f‬ة االنق‪f‬اذ على جه‪f‬ة االمهال بتحس‪f‬ني ه‪f‬ذا وتق‪f‬بيح ذل‪f‬ك‪ .‬وأم‪f‬ا‬
‫الذي يس‪f‬تقبح م‪f‬ع األغ‪f‬راض‪ ،‬كال‪f‬ذي حيم‪f‬ل على كلم‪f‬ة الكف‪f‬ر بالس‪f‬يف والش‪f‬رع ق‪f‬د رخص ل‪f‬ه يف اطالقه‪f‬ا‪،‬‬
‫فإن‪ff‬ه ق‪ff‬د يستحس‪ff‬ن من‪ff‬ه الص‪ff‬رب على الس‪ff‬يف وت‪ff‬رك النط‪ff‬ق ب‪ff‬ه‪ .‬أو ال‪ff‬ذي ال يعتق‪ff‬د الش‪ff‬رع ومحل بالس‪ff‬يف على‬
‫نقض عه ‪ff‬د‪ ،‬وال ض ‪ff‬رر علي‪ff‬ه يف نقض ‪ff‬ه ويف الوف‪ff‬اء ب‪ff‬ه هالك‪ff‬ه‪ ،‬فإن‪ff‬ه يستحس‪ff‬ن الوف‪ff‬اء بالعه ‪ff‬د واالمتن‪ff‬اع من‬
‫النقض‪ .‬فب‪ff‬ان أن احلس‪ff‬ن والقبح مع‪ff‬ىن س‪ff‬وى م‪ff‬ا ذكرمتوه‪ .‬واجلواب أن يف الوق‪ff‬وف على الغلط‪ff‬ات املذكورة‬
‫م‪ff‬ا يش‪ff‬في ه‪ff‬ذا الغلي‪ff‬ل‪ .‬أم‪ff‬ا ت‪ff‬رجيح االنق‪ff‬اذ على االمهال يف ح‪ff‬ق من ال يعتق‪ff‬د الش‪ff‬رع فه‪ff‬و دف‪ff‬ع لألذى ال‪ff‬ذي‬
‫يلحق االنسان يف رقة اجلنسية‪ ،‬وهو طبع يستحيل االنفك‪f‬اك عن‪f‬ه‪ .‬وألن االنس‪f‬ان يق‪f‬در نفس‪f‬ه يف تل‪f‬ك البلي‪f‬ة‬
‫ويقدر غريه قادرًا على انقاذه مع اإلعراض عنه‪ ،‬وجيد من نفسه استقباح ذلك فيع‪f‬ود علي‪f‬ه ويق‪f‬در ذل‪f‬ك من‬
‫املش‪ff‬رف على اهلالك يف ح‪ff‬ق نفس‪ff‬ه فينف‪ff‬ره طبع‪ff‬ه عم‪ff‬ا يعتق‪ff‬ده من أن املش‪ff‬رف على اهلالك يف حق‪ff‬ه‪ ،‬فين‪ff‬دفع‬
‫ذلك عن نفسه باالنقاذ‪ ،‬فإن فرض ذلك يف هبيمة ال يتوهم اس‪f‬تقباحها أو ف‪f‬رض يف ش‪f‬خص ال رق‪f‬ة في‪f‬ه وال‬
‫رمحة فه‪ff‬ذا جمال تص‪ff‬وره‪ ،‬إذ االنس‪ff‬ان ال ينف‪ff‬ك عن‪ff‬ه ف‪ff‬إن ف‪ff‬رض على االس‪ff‬تحالة فيبقى أم‪ff‬ر آخ‪ff‬ر وه‪ff‬و الثن‪ff‬اء‬
‫حبسن اخللق والشفقة على اخللق‪ ،‬فإن فرض حيث ال يعلمه أحد فهو ممكن أن يعلمه‪ ،‬فإن فرض يف موضع‬
‫يس‪f‬تحيل أن يعلم فيبقى أيض‪ًf‬ا ت‪f‬رجيح يف نفس‪f‬ه ومي‪f‬ل يض‪ff‬اهي نف‪ff‬رة طب‪f‬ع الس‪f‬ليم عن اخلب‪f‬ل‪ ،‬وذل‪f‬ك أن‪f‬ه رأى‬
‫الثناء مقرونًا مبثل ه‪f‬ذا الفع‪f‬ل على االط‪f‬راد‪ ،‬وه‪f‬و ميي‪f‬ل إىل الثن‪f‬اء فيمي‪f‬ل إىل املق‪f‬رون ب‪f‬ه‪ .‬وإن علم بعقل‪f‬ه ع‪f‬دم‬
‫الثناء‪ .‬كما إنه ملا رأى األذى مقرونًا بصورة اخلبل‪ .‬وطبعه ينف‪f‬ر عن األذى فينف‪f‬ر عن املق‪ff‬رون ب‪f‬ه‪ ،‬وإن علم‬
‫بعقل‪ff‬ه ع‪ff‬دم األذى ب‪ff‬ل الطب‪ff‬ع إذا رأى من يعش‪ff‬قه يف موض‪ff‬ع وط‪ff‬ال مع‪ff‬ه أنس‪ff‬ه في‪ff‬ه فإن‪ff‬ه حيس من نفس‪ff‬ه تفرق‪ff‬ة‬
‫بني ذل ‪ff‬ك املوض ‪ff‬ع وحيطان ‪ff‬ه وبني س ‪ff‬ائر املواض ‪ff‬ع ول ‪ff‬ذلك ق ‪ff‬ال الش ‪ff‬اعر‪ :‬أم ‪ff‬ر على ج ‪ff‬دار دي ‪ff‬ار ليلى=أقب ‪ff‬ل ذا‬
‫اجلدار وذا اجلدارا وما تلك ال‪f‬ديار ش‪f‬غفن قل‪f‬يب=ولكن حب من س‪f‬كن ال‪f‬ديارا وق‪f‬ال ابن ال‪f‬رومي منبه‪ًf‬ا على‬
‫س‪f‬بب حب الن‪f‬اس األوط‪f‬ان ونعم م‪f‬ا ق‪f‬ال‪ :‬وحّبب أوط‪f‬ان الرج‪f‬ال إليهم=م‪f‬آرب قض‪f‬اها الش‪f‬باب هنالك‪f‬ا إذا‬
‫ذكروا أوطاهنم ذكرهتم=عهود الصبا فيها فحن‪f‬وا ل‪f‬ذلكا وإذا تتب‪f‬ع االنس‪f‬ان األخالق والع‪f‬ادات رأى ش‪f‬واهد‬
‫ه ‪ff‬ذا خارج ‪ff‬ة عن احلص ‪ff‬ر‪ ،‬فه ‪ff‬ذا ه ‪ff‬و الس ‪ff‬بب ال ‪ff‬ذي ه ‪ff‬و غل ‪ff‬ط املغ ‪ff‬رتين بظ ‪ff‬اهر األم ‪ff‬ور‪ ،‬ال ‪ff‬ذاهلني عن أس ‪ff‬رار‬
‫أخالق النفوس‪ ،‬اجلاهلني بأن هذا امليل وأمثال‪f‬ه يرج‪f‬ع إىل طاع‪ff‬ة النفس حبكم الفط‪f‬رة والطب‪f‬ع مبج‪f‬رد ال‪f‬وهم‪.‬‬
‫واخلي ‪ff‬ال ال ‪ff‬ذي ه ‪ff‬و غل ‪ff‬ط حيكم العق ‪ff‬ل ولكن خلقت ق ‪ff‬وى النفس مطيع ‪ff‬ة لألوه ‪ff‬ام والتخيالت حبكم اج ‪ff‬راء‬
‫العادات‪ ،‬حىت إذا ختيل اإلنسان طعامًا طيبًا بالتذكر أو بالرؤية سال يف احلال لعاب‪f‬ه وحتلبت أش‪f‬داقه‪ ،‬وذل‪f‬ك‬
‫بطاعة القوة اليت سخرها اهلل تع‪f‬اىل إلفاض‪f‬ة اللع‪f‬اب املعني على املض‪f‬غ للتخي‪f‬ل وال‪f‬وهم‪ ،‬ف‪f‬إن ش‪f‬أهنا أن تنبعث‬
‫حبسب التخيل وإن ك‪f‬ان الش‪f‬خص عاملًا بأن‪f‬ه ليس يري‪f‬د اإلق‪f‬دام على األك‪f‬ل بص‪f‬وم أو بس‪f‬بب آخ‪f‬ر وك‪f‬ذلك‬
‫يتخي‪ff‬ل الص‪ff‬ورة اجلميل‪ff‬ة ال‪ff‬يت يش‪ff‬تهي جمامعته‪ff‬ا‪ ،‬فكم‪ff‬ا ثبت ذل‪ff‬ك يف اخلي‪ff‬ال انبعثت الق‪ff‬وة الناش‪ff‬رة آلل‪ff‬ة الفع‪ff‬ل‬
‫وس ‪ff‬اقت الري ‪ff‬اح إىل جتاويف األعص ‪ff‬اب ومألهتا‪ ،‬وث ‪ff‬ارت الق ‪ff‬وة املأمورة بص ‪ff‬ب املذي ال ‪ff‬رطب املعني على‬
‫الوق‪ff‬اع‪ ،‬وذل‪ff‬ك كل‪ff‬ه م‪ff‬ع التحقي‪ff‬ق حبكم العق‪ff‬ل لالمتن‪ff‬اع عن الفع‪ff‬ل يف ذل‪ff‬ك ال‪ff‬وقت‪ .‬ولكن اهلل تع‪ff‬اىل خل‪ff‬ق‬
‫ه‪ff f‬ذه الق‪ff f‬وى حبكم ط‪ff f‬رد الع‪ff f‬ادة مطيع‪ff f‬ة مس‪ff f‬خرة حتت حكم اخلي‪ff f‬ال‪ ،‬وال‪ff f‬وهم س‪ff f‬اعد العق‪ff f‬ل ال‪ff f‬وهم أو مل‬
‫يس‪f‬اعده‪ ،‬فه‪ff‬ذا وأمثال‪f‬ه منش‪f‬أ الغل‪f‬ط يف س‪f‬بب ت‪f‬رجيح أح‪f‬د ج‪f‬انيب الفع‪ff‬ل على اآلخ‪f‬ر‪ .‬وك‪f‬ل ذل‪f‬ك راج‪f‬ع إىل‬
‫األغ ‪ff‬راض‪ ،‬فأم ‪ff‬ا النط ‪ff‬ق بكلم ‪ff‬ة الكف ‪ff‬ر وإن ك ‪ff‬ان ك ‪ff‬ذلك فال يس ‪ff‬تقبحه العاق ‪ff‬ل حتت الس ‪ff‬يف البت ‪ff‬ة ب ‪ff‬ل رمبا‬
‫يستقبح االص‪f‬رار‪ ،‬ف‪f‬إن استحس‪f‬ن االص‪ff‬رار فل‪f‬ه س‪f‬ببان‪ :‬أح‪f‬دمها‪ ،‬اعتق‪f‬اده أن الث‪f‬واب على الص‪f‬رب واالستس‪f‬الم‬
‫أكثر‪ ،‬واآلخ‪f‬ر‪ ،‬م‪f‬ا ينتظ‪f‬ر من من الثن‪f‬اء علي‪f‬ه بص‪f‬البته يف ال‪f‬دين‪ ،‬فكم من ش‪f‬جاع ميتطي منت اخلط‪f‬ر ويتهجم‬
‫على ع‪ff‬دد يعلم أن‪ff‬ه ال يطيقهم ويس‪ff‬تحقر م‪ff‬ا ينال‪ff‬ه مبا يعتاض‪ff‬ه عن‪ff‬ه من ل‪ff‬ذة الثن‪ff‬اء واحلم‪ff‬د بع‪ff‬د موت‪ff‬ه وك‪ff‬ذلك‬
‫االمتناع عن نقض العهد بسببه ثناء اخللق على من يفي بالعهد‪ ،‬وتواصيهم به على مر األوق‪f‬ات ملا فيه‪f‬ا من‬
‫مص‪ff‬احل الن‪ff‬اس‪ .‬ف‪ff‬إن ق‪ff‬در حيث ال ينتظ‪ff‬ر ثن‪ff‬اء فس‪ff‬ببه حكم ال‪ff‬وهم من حيث أن‪ff‬ه مل ي‪ff‬زل مقرون‪ًf‬ا بالثن‪ff‬اء ال‪ff‬ذي‬
‫ه‪f‬و لذي‪f‬ذ‪ ،‬واملق‪f‬رون باللذي‪f‬ذ لذي‪f‬ذ‪ ،‬كم‪f‬ا أن املق‪f‬رون ب‪f‬املكروه مك‪f‬روه كم‪f‬ا س‪f‬بق يف األمثل‪f‬ة‪ ،‬فه‪f‬ذا م‪f‬ا حيتمل‪f‬ه‬
‫هذا املختصر من بث أسرار هذا الفصل‪ ،‬وإمنا يعرف قدره من طال يف املعقوالت نظره‪ ،‬وقد استفدنا هبذه‬
‫املقدمة إجياز الكالم يف الدعاوى فلنرجع إليها‪ .‬الدعوى األوىل‪ :‬ندعي أنه جيوز هلل تعاىل أن ال خيلق اخلل‪ff‬ق‪،‬‬
‫وإذا خل ‪ff‬ق فلم يكن ذل ‪ff‬ك واجب ‪ًf‬ا علي ‪ff‬ه‪ ،‬وإذا خلقهم فل ‪ff‬ه أن ال يكلفهم‪ ،‬وإذا كلفهم فلم يكن ذل ‪ff‬ك واجب ‪ًf‬ا‬
‫عليه‪ .‬وقالت طائفة من املعتزلة جيب علي‪f‬ه اخلل‪f‬ق والتكلي‪f‬ف واجب‪ ،‬غ‪f‬ري مفه‪f‬وم؛ فإن‪f‬ا بين‪f‬ا أن املفه‪f‬وم عن‪f‬دنا‬
‫من لفظ الواجب ما ين‪f‬ال تارك‪f‬ه ض‪f‬رر‪ ،‬إم‪f‬ا ع‪f‬اجًال وإم‪f‬ا آجًال‪ ،‬أو م‪f‬ا يك‪f‬ون نقيض‪f‬ه حمال‪ ،‬والض‪f‬رر حمال يف‬
‫حق اهلل تعاىل‪ .‬وليس يف ترك التكليف وترك اخللق لزوم حمال‪ ،‬إال أن يقال كان يؤدي ذلك إىل خالف م‪ff‬ا‬
‫سبق به العلم يف األزل وما سبقت به املشيئة يف األزل‪ ،‬فهذا حق وهو هبذا التأويل واجب‪ ،‬ف‪ff‬إن اإلرادة إذا‬
‫فرضت موجودة‪ ،‬أو العلم إذا فرض متعلقًا بالشيء‪ ،‬كان حص‪f‬ول املراد واملعل‪f‬وم واجب‪ًf‬ا ال حمال‪f‬ة‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪:‬‬
‫إمنا جيب عليه ذلك لفائدة اخلل‪f‬ق ال لفائ‪f‬دة ترج‪f‬ع إىل اخلالق س‪f‬بحانه وتع‪f‬اىل‪ ،‬قلن‪f‬ا‪ :‬الكالم يف ق‪f‬ولكم لفائ‪f‬دة‬
‫اخللق للتعليل‪ ،‬واحلكم املعلل هو الوج‪f‬وب‪ ،‬وحنن نط‪f‬البكم بتفهيم احلكم فال يع‪ff‬نيكم ذك‪f‬ر العل‪f‬ة؛ فم‪f‬ا مع‪ff‬ىن‬
‫ق ‪ff‬ولكم إن ‪ff‬ه جيب لفائ ‪ff‬دة اخلل ‪ff‬ق وم ‪ff‬ا مع ‪ff‬ىن الوج ‪ff‬وب وحنن ال نفهم من الوج ‪ff‬وب إال املع ‪ff‬اين الثالث ‪ff‬ة‪ ،‬وهي‬
‫منعدم‪ff‬ة‪ ،‬ف‪ff‬إن أردمت مع‪ff‬ىن رابع‪ًf‬ا ففس‪ff‬روه أوًال مث اذك‪ff‬روا علت‪ff‬ه‪ ،‬فإن‪ff‬ا رمبا ال ننك‪ff‬ر أن للخل‪ff‬ق يف اخلل‪ff‬ق فائ‪ff‬دة‪،‬‬
‫وك ‪ff‬ذا يف التكلي ‪ff‬ف‪ ،‬ولكن م ‪ff‬ا في ‪ff‬ه فائ ‪ff‬دة غ ‪ff‬ريه مل جيب علي ‪ff‬ه إذا مل يكن ل ‪ff‬ه فائ ‪ff‬دة يف فائ ‪ff‬دة غ ‪ff‬ريه‪ .‬وه ‪ff‬ذا ال‬
‫خمرج عن‪ff‬ه أب‪ff‬دًا‪ ،‬على أن‪ff‬ا نق‪ff‬ول إمنا يس‪ff‬تقيم ه‪ff‬ذا الكالم يف اخلل‪f‬ق ال يف التكلي‪ff‬ف‪ ،‬وال يس‪ff‬تقيم يف ه‪ff‬ذا اخلل‪f‬ق‬
‫املوج‪ff f‬ود ب‪ff f‬ل يف أن خيلقهم يف اجلن‪ff f‬ة متنعمني‪ ،‬من غ‪ff f‬ري هم وض‪ff f‬رر وغم وأمل‪ ،‬وأم‪ff f‬ا ه‪ff f‬ذا اخلل‪ff f‬ق املوج‪ff f‬ود‬
‫ف‪f‬العقالء كلهم ق‪f‬د متن‪f‬وا الع‪f‬دم‪ ،‬وق‪f‬ال بعض‪f‬هم‪ :‬ليت‪f‬ين كنت نس‪f‬يًا منس‪f‬يًا‪ ،‬وق‪f‬ال آخ‪f‬ر ليت‪f‬ين مل أك ش‪f‬يئًا‪ ،‬وق‪f‬ال‬
‫آخ ‪ff‬ر ليت ‪ff‬ين كنت تبن ‪ff‬ة رفعه ‪ff‬ا من األرض‪ ،‬ق ‪ff‬ال آخ ‪ff‬ر يش ‪ff‬ري إىل ط ‪ff‬ائر ليت ‪ff‬ين كنت ذل ‪ff‬ك الط ‪ff‬ائر‪ .‬وه ‪ff‬ذا ق ‪ff‬ول‬
‫األنبياء واألولياء وهم العقالء‪ ،‬فبعضهم يتمىن عدم اخللق وبعضهم يتمىن عدم التكليف بأن يك‪ff‬ون مجادًا أو‬
‫ط‪ff‬ائرًا‪ ،‬فليت ش‪ff‬عري كي‪ff‬ف يس‪ff‬تجيز العاق‪ff‬ل يف أن يق‪ff‬ول‪ :‬للخل‪ff‬ق يف التكلي‪ff‬ف فائ‪ff‬دة وإمنا مع‪ff‬ىن الفائ‪ff‬دة نفي‬
‫الكلفة‪ ،‬والتكليف يف عينه إلزام كلفة وهو أمل‪ ،‬وإن نظر إىل الثواب فهو الفائ‪ff‬دة‪ ،‬وك‪ff‬ان ق‪ff‬ادرًا على إيص‪ff‬اله‬
‫إليهم بغري تكليف‪ ،‬فإن قيل‪ :‬الثواب إذا كان باستحقاق كان ألذ وأوقع من أن يك‪f‬ون باالمتن‪f‬ان واالبت‪f‬داء‪،‬‬
‫واجلواب‪ :‬أن االس‪ff‬تعاذة باهلل تع‪ff‬اىل من عق‪ff‬ل ينتهي إىل التك‪ff‬رب على اهلل ع‪ff‬ز وج‪ff‬ل وال‪ff‬رتفع من احتم‪ff‬ال منت‪ff‬ه‬
‫وتق‪ff‬دير الل‪f‬ذة يف اخلروج من نعمت‪f‬ه أوىل من االس‪f‬تعاذة باهلل من الش‪f‬يطان ال‪f‬رجيم؛ وليت ش‪f‬عري كي‪f‬ف يع‪ff‬د‬
‫من العقالء من خيط‪ff‬ر ببال‪ff‬ه مث‪ff‬ل ه‪ff‬ذه الوس‪ff‬اوس‪ ،‬ومن يس‪ff‬تثقل املق‪ff‬ام أب‪ff‬د اآلب‪ff‬اد يف اجلن‪ff‬ة من غ‪ff‬ري تق‪ff‬دم تعب‬
‫وتكلي‪ff‬ف أخس من أن ين‪ff‬اظر أو خياطب‪ .‬ه‪ff‬ذا ل‪ff‬و س‪ff‬لم أن الث‪ff‬واب بع‪ff‬د التكلي‪ff‬ف يك‪ff‬ون مس‪ff‬تحقًا‪ ،‬وس‪ff‬نبني‬
‫نقيض ‪ff‬ه‪ .‬مث ليت ش ‪ff‬عري الطاع ‪ff‬ة ال ‪ff‬يت هبا يس ‪ff‬تحق الث ‪ff‬واب من أين وج ‪ff‬دها العب ‪ff‬د ؟ وه ‪ff‬ل هلا س ‪ff‬بب س ‪ff‬وى‬
‫وج‪ff‬وده وقدرت‪ff‬ه وإرادت‪ff‬ه وص‪ff‬حة أعض‪ff‬ائه وحض‪ff‬ور أس‪ff‬بابه ؟ وه‪ff‬ل لك‪ff‬ل ذل‪ff‬ك مص‪ff‬در إال فض‪ff‬ل اهلل ونعمت‪ff‬ه؛‬
‫فنع‪f‬وذ باهلل من االخنالع عن غري‪f‬زة العق‪f‬ل بالكلي‪f‬ة‪ ،‬ف‪f‬إن ه‪f‬ذا الكالم من ه‪f‬ذا النم‪f‬ط‪ ،‬فينبغي أن يس‪f‬رتزق اهلل‬
‫تعاىل عقًال لص‪f‬احبه وال يش‪f‬تغل مبناظرت‪f‬ه‪ .‬ال‪f‬دعوى الثاني‪f‬ة‪ :‬إن هلل تع‪f‬اىل أن يكل‪f‬ف العب‪f‬اد م‪f‬ا يطيقون‪f‬ه وم‪f‬ا ال‬
‫يطيقونه‪ ،‬وذهب املعتزلة إىل انكار ذلك‪ ،‬ومعتقد أهل السنة أن التكليف له حقيقة يف نفس‪ff‬ه وه‪ff‬و أن‪ff‬ه كالم‬
‫وله مصدر وهو املكلف‪ ،‬وال شرط في‪f‬ه إال كون‪f‬ه متكلم‪ًf‬ا‪ ،‬ول‪f‬ه م‪f‬ورد وه‪f‬و املكل‪f‬ف وش‪f‬رطه أن يك‪f‬ون فامهًا‬
‫للكالم فال يس‪f‬مى الكالم م‪ff‬ع اجلم‪f‬اد واجملن‪f‬ون خطاب‪ًf‬ا وال تكليف‪ًf‬ا‪ ،‬والتكلي‪f‬ف ن‪f‬وع خط‪f‬اب ول‪f‬ه متعل‪f‬ق وه‪ff‬و‬
‫املكل‪ff‬ف ب‪ff‬ه وش‪ff‬رطه أن يك‪ff‬ون مفهوم ‪ًf‬ا فق‪ff‬ط‪ ،‬وأم‪ff‬ا كون‪ff‬ه ممكن ‪ًf‬ا فليس بش‪ff‬رط لتحقي‪ff‬ق الكالم ف‪ff‬إن التكلي‪ff‬ف‬
‫كالم‪ ،‬فإذا صدر ممن يفهم مع من يفهم فيما يفهم وكان املخ‪ff‬اطب دون املخ‪ff‬اطب مسي تكليف‪ًf‬ا‪ ،‬وإن ك‪ff‬ان‬
‫مثله مسي التماسًا‪ ،‬وإن كان فوقه مسي دعاء وسؤاًال‪ ،‬فاالقتضاء يف ذات‪f‬ه واح‪f‬د وه‪ff‬ذه األس‪f‬امي ختتل‪f‬ف علي‪f‬ه‬
‫ب‪ff‬اختالف النس‪ff‬بة‪ ،‬وبره‪ff‬ان ج‪ff‬واز ذل‪ff‬ك أن اس‪ff‬تحالته ال ختل‪ff‬و إم‪ff‬ا أن تك‪ff‬ون المتن‪ff‬اع تص‪ff‬ور ذات‪ff‬ه‪ ،‬كاجتم‪ff‬اع‬
‫السواد والبياض‪ ،‬أو ك‪f‬ان ألج‪f‬ل االس‪f‬تقباح‪ ،‬وباط‪f‬ل أن يك‪f‬ون امتناع‪f‬ه لذات‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن الس‪f‬واد والبي‪f‬اض ال ميكن‬
‫أن يف‪ff‬رض جمتمع ‪ًf‬ا‪ ،‬وف‪ff‬رض ه‪ff‬ذا ممكن إذ التكلي‪ff‬ف ال خيل‪ff‬و إم‪ff‬ا أن يك‪ff‬ون لفظ ‪ًf‬ا وه‪ff‬و م‪ff‬ذهب اخلص‪ff‬م وليس‬
‫مبس‪ff‬تحيل أن يق‪ff‬ول الرج‪ff‬ل لعب‪ff‬ده ال‪ff‬زمن قم‪ ،‬فه‪ff‬و على م‪ff‬ذهبهم أظه‪ff‬ر وأم‪ff‬ا حنن فإن‪ff‬ا نعتق‪ff‬د أن‪ff‬ه اقتض‪ff‬اء يق‪ff‬وم‬
‫بالنفس‪ .‬وكما يتصور أن يقوم اقتض‪f‬اء القي‪f‬ام ب‪f‬النفس من ق‪f‬ادر فيتص‪f‬ور ذل‪f‬ك من ع‪f‬اجز ب‪f‬ل رمبا يق‪f‬وم ذل‪f‬ك‬
‫بنفس‪f‬ه من ق‪f‬ادر مث يبقى ذل‪f‬ك االقتض‪f‬اء ونظ‪f‬ر الزمان‪f‬ة والس‪f‬يد ال ي‪f‬دري‪ .‬ويك‪f‬ون االقتض‪f‬اء قائم‪ًf‬ا بذات‪f‬ه وه‪f‬و‬
‫اقتضاء قائم من عاجز يف علم اهلل تعاىل‪ ،‬وإن مل يكن معلومًا عند املقتضي فإن علمه ال حييل بق‪f‬اء االقتض‪f‬اء‬
‫م‪ff‬ع العلم ب‪ff‬العجز عن الوف‪ff‬اء وباط‪ff‬ل أن يق‪ff‬ال بطالن ذل‪ff‬ك من جه‪ff‬ة االستحس‪ff‬ان‪ ،‬ف‪ff‬إن كالمن‪ff‬ا يف ح‪ff‬ق اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وذلك باطل يف حقه لتنزهه عن األغراض ورجوع ذلك إىل األغراض‪ .‬أم‪ff‬ا االنس‪ff‬ان العاق‪ff‬ل املض‪ff‬بوط‬
‫بغ‪ff‬الب األم‪ff‬ر فق‪ff‬د يس‪ff‬تقبح ذل‪ff‬ك وليس م‪ff‬ا يس‪ff‬تقبح من العب‪ff‬د يس‪ff‬تقبح من اهلل تع‪ff‬اىل‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬فه‪ff‬و مما ال‬
‫فائدة فيه وما ال فائدة فيه فه‪f‬و عبث والعبث على اهلل تع‪f‬اىل حمال‪ .‬قلن‪f‬ا‪ :‬ه‪f‬ذه ثالث دع‪f‬اوى‪ :‬األوىل‪ :‬إن‪f‬ه ال‬
‫فائدة فيه‪ ،‬وال نسلم‪ ،‬فلعل فيه فائدة لعب‪f‬اد اطل‪f‬ع اهلل عليه‪f‬ا‪ .‬وليس‪f‬ت الفائ‪f‬دة هي االمتث‪f‬ال والث‪f‬واب علي‪f‬ه ب‪f‬ل‬
‫رمبا يك‪ff‬ون يف إظه‪ff‬ار األم‪ff‬ر وم‪ff‬ا يتبع‪ff‬ه من اعتق‪ff‬اد التكلي‪ff‬ف فائ‪ff‬دة‪ ،‬فق‪ff‬د ينس‪ff‬خ األم‪ff‬ر قب‪ff‬ل االمتث‪ff‬ال كم‪ff‬ا أم‪ff‬ر‬
‫إبراهيم عليه السالم بذبح ولده مث نسخه قبل االمتثال‪ ،‬وأمر أب‪f‬ا جه‪f‬ل باالميان وأخ‪f‬رب أن‪f‬ه ال ي‪f‬ؤمن وخالف‬
‫خربه حمال‪ .‬الدعوى الثانية‪ :‬إن ما ال فائدة في‪f‬ه فه‪f‬و عبث‪ ،‬فه‪f‬ذا تكري‪f‬ر عب‪f‬ارة؛ فإن‪f‬ا بين‪f‬ا أن‪f‬ه ال ي‪f‬راد ب‪f‬العبث‬
‫إال ما ال فائدة فيه فإن أريد به غريه فهو غري مفهوم‪ .‬الدعوى الثالث‪f‬ة‪ :‬إن العبث على اهلل تع‪ff‬اىل حمال‪ ،‬وه‪ff‬ذا‬
‫في‪ff‬ه تل‪ff‬بيس‪ ،‬ألن ألن العبث عب‪ff‬ارة عن فع‪ff‬ل ال فائ‪ff‬دة في‪ff‬ه ممن يتع‪ff‬رض للفوائ‪ff‬د‪ ،‬فمن ال يتع‪ff‬رض هلا فتس‪ff‬ميته‬
‫عابث‪ًf f‬ا جماز حمض ال حقيق ‪ff‬ة ل ‪ff‬ه يض ‪ff‬اهي ق ‪ff‬ول القائ ‪ff‬ل ال ‪ff‬ريح عابث ‪ff‬ة بتحيكه ‪ff‬ا األش ‪ff‬جار إذ ال فائ ‪ff‬دة هلا في ‪ff‬ه‪،‬‬
‫ويضاهي قول القائل اجلدار غافل أي هو خ‪f‬ال عن العلم واجله‪f‬ل وه‪f‬ذا باط‪f‬ل ألن الغاف‪f‬ل يطل‪f‬ق على القاب‪f‬ل‬
‫للجهل والعلم إذا خال عنهم‪f‬ا‪ ،‬فاطالقهم‪f‬ا على ال‪f‬ذي ال يقب‪f‬ل العلم جماز ال أص‪ff‬ل ل‪f‬ه‪ ،‬وك‪f‬ذلك اطالق اس‪f‬م‬
‫الع ‪ff‬ابث على اهلل تع ‪ff‬اىل واطالق العبث على أفعال ‪ff‬ه س ‪ff‬بحانه وتع ‪ff‬اىل‪ ،‬وال ‪ff‬دليل الث ‪ff‬اين يف املس ‪ff‬ألة‪ ،‬وال حميص‬
‫ألحد عنه‪ ،‬أن اهلل تع‪f‬اىل كل‪f‬ف أب‪f‬ا جه‪f‬ل أن ي‪f‬ؤمن وعلم أن‪f‬ه ال ي‪f‬ؤمن‪ ،‬وأخ‪f‬رب عن‪f‬ه بأن‪f‬ه ال ي‪f‬ؤمن‪ ،‬فكأن‪f‬ه أم‪f‬ر‬
‫ب‪ff‬أن ي‪ff‬ؤمن بأن‪ff‬ه ال ي‪ff‬ؤمن‪ ،‬إذ ك‪ff‬ان من ق‪ff‬ول الرس‪ff‬ول ص‪ff‬لى اهلل علي‪ff‬ه وس‪ff‬لم إن‪ff‬ه ال ي‪ff‬ؤمن وك‪ff‬ان ه‪ff‬و م‪ff‬أمورًا‬
‫بتص‪ff‬ديقه‪ ،‬فق‪ff‬د قي‪ff‬ل ل‪ff‬ه ص‪ff‬دق بأن‪ff‬ك ال تص‪ff‬دق‪ ،‬وه‪ff‬ذا حمال‪ .‬وحتقيق‪ff‬ه أن خالف املعل‪ff‬وم حمال وقوع‪ff‬ه ولكن‬
‫ليس حماًال لذات ‪ff‬ه‪ ،‬ب ‪ff‬ل ه ‪ff‬و حمال لغ ‪ff‬ريه‪ ،‬واحملال لغ ‪ff‬ريه يف امتن ‪ff‬اع الوق ‪ff‬وع كاحملال لذات ‪ff‬ه‪ ،‬ومن ق ‪ff‬ال إن الكف ‪ff‬ار‬
‫الذين مل يؤمنوا ما كانوا مأمورين باالميان فقد جحد الشرع‪ ،‬ومن قال كان االميان منهم متص‪ff‬ورًا م‪ff‬ع علم‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل بأنه ال يقع‪ ،‬فقد اضطر كل فريق إىل القول بتصور األمر مبا ال يتصور امتثال‪ff‬ه‪ ،‬وال يغ‪ff‬ين‬
‫عن هذا قول القائل إنه كان مقدورًا عليه وكان للكافر عليه ق‪f‬درة‪ ،‬أم‪f‬ا على مثلن‪f‬ا فال ق‪f‬درة قب‪f‬ل الفع‪f‬ل ومل‬
‫تكن هلم قدرة إال على الكفر الذي صدر منهم‪ ،‬وأما عند املعتزلة فال ميتنع وجود القدرة ولكن القدرة غري‬
‫كافي ‪ff‬ة لوق ‪ff‬وع املق ‪ff‬دور ب ‪ff‬ل ل ‪ff‬ه ش ‪ff‬رط ك ‪ff‬االرادة وغريه ‪ff‬ا‪ ،‬ومن ش ‪ff‬روطه أن ال ينقلب علم اهلل تع ‪ff‬اىل جهًال‪.‬‬
‫والق‪ff‬درة ال ت‪ff‬راد لعينه‪ff‬ا ب‪ff‬ل لتيس‪ff‬يري الفع‪ff‬ل هبا‪ ،‬فكي‪ff‬ف يتيس‪ff‬ر فع‪ff‬ل ي‪ff‬ؤدي إىل انقالب العلم جهًال ؟ فاس‪ff‬تبان‬
‫أن هذا واقع يف ثبوت التكليف مبا هو حمال لغريه‪ ،‬فكذا يقاس عليه م‪f‬ا ه‪f‬و حمال لذات‪f‬ه إذ ال ف‪f‬رق بينهم‪f‬ا يف‬
‫إمكان التلفظ وال يف تصور االقتضاء وال يف االستقباح واالستحس‪f‬ان‪ .‬ال‪f‬دعوى الثالث‪f‬ة‪ :‬ن‪f‬دعي أن اهلل تع‪ff‬اىل‬
‫قادر على إيالم احليوان الربيء عن اجلنايات وال يلزم عليه ثواب‪ .‬وق‪f‬الت املعتزل‪f‬ة إن ذل‪f‬ك حمال ألن‪f‬ه ق‪f‬بيح‪،‬‬
‫ول ‪ff‬ذلك ل ‪ff‬زمهم املص ‪ff‬ري إىل أن ك ‪ff‬ل بق ‪ff‬ة وبرغ ‪ff‬وث أو ذي بع ‪ff‬رة أو ص ‪ff‬دمة ف ‪ff‬إن اهلل ع ‪ff‬ز وج ‪ff‬ل جيب علي ‪ff‬ه أن‬
‫حيشره ويثيبه عليه بثواب‪ ،‬وذهب ذاهبون إىل أن أرواحها تعود بالتناسخ إىل أبدان ُأخر ويناهلا من اللذة م‪f‬ا‬
‫يقابل تعبها؛ وهذا مذهب ال خيفى فساده‪ ،‬ولكنا نقول‪ :‬أما إيالم ال‪f‬ربيء عن اجلناي‪f‬ة من احلي‪f‬وان واألطف‪f‬ال‬
‫واجملانني فمق‪ff‬دور مبا ه‪ff‬و مش‪ff‬اهد حمس‪ff‬وس‪ ،‬فيبقى ق‪ff‬ول اخلص‪ff‬م إن ذل‪ff‬ك ي‪ff‬وجب علي‪ff‬ه احلش‪ff‬ر والث‪ff‬واب بع‪ff‬د‬
‫ذل ‪ff‬ك فيع ‪ff‬ود إىل مع ‪ff‬ىن ال ‪ff‬واجب‪ ،‬وق ‪ff‬د ب ‪ff‬ان اس ‪ff‬تحالته يف ح ‪ff‬ق اهلل تع ‪ff‬اىل‪ ،‬وإن فس ‪ff‬روه مبع ‪ff‬ىن راب ‪ff‬ع فه ‪ff‬و غ ‪ff‬ري‬
‫مفه ‪ff‬وم‪ ،‬وإن زعم ‪ff‬وا أن ترك ‪ff‬ه ين ‪ff‬اقض كون ‪ff‬ه حكيم ‪ًf‬ا فنق ‪ff‬ول‪ :‬إن احلكم ‪ff‬ة إن اري ‪ff‬د هبا العلم بنظ ‪ff‬ام األم ‪ff‬ور‬
‫والق‪ff‬درة على ترتيبه‪ff‬ا كم‪f‬ا س‪f‬بق فليس يف ه‪ff‬ذا م‪ff‬ا يناقض‪ff‬ه‪ ،‬وإن أري‪f‬د هبا أم‪ff‬رًا آخ‪f‬ر فليس جيب ل‪f‬ه عن‪f‬دنا من‬
‫احلكم إال ما ذكرناه‪ ،‬وما وراء ذلك لفظ ال مع‪f‬ىن ل‪f‬ه‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل في‪f‬ؤدي إىل أن يك‪f‬ون ظاملًا وق‪f‬د ق‪f‬ال‪" :‬وم‪f‬ا‬
‫ربك بظالم للعبيد" قلن‪f‬ا‪ :‬الظلم منفي عن‪f‬ه بطري‪f‬ق الس‪f‬لب احملض كم‪f‬ا تس‪f‬لب الغفل‪f‬ة عن اجلدار والعبث عن‬
‫الريح‪ ،‬فإن الظلم إمنا يتصور ممن ميكن أن يص‪ff‬ادف فعل‪f‬ه مل‪f‬ك غ‪ff‬ريه‪ ،‬وال يتص‪ff‬ور ذل‪f‬ك يف ح‪f‬ق اهلل تع‪ff‬اىل أو‬
‫ميكن أن يكون عليه أمر فيخالف فعله أمر غ‪f‬ريه‪ ،‬وال يتص‪f‬ور من االنس‪f‬ان أن يك‪f‬ون ظاملًا ملا يف مل‪f‬ك نفس‪f‬ه‬
‫بك‪f‬ل م‪f‬ا يفعل‪f‬ه إال إذا خ‪f‬الف أم‪f‬ر الش‪f‬رع فيك‪f‬ون ظاملًا هبذا املع‪f‬ىن‪ ،‬فمن ال يتص‪f‬ور من‪f‬ه أن يتص‪f‬رف يف مل‪f‬ك‬
‫غريه وال يتصور منه أن يكون حتت أمر غريه كان الظلم مس‪f‬لوبًا عن‪f‬ه لفق‪f‬د ش‪f‬رطه املص‪ff‬حح ل‪f‬ه ال لفق‪f‬ده يف‬
‫نفس‪f‬ه‪ ،‬فلتفهم ه‪f‬ذه الدقيق‪f‬ة فإهنا مزل‪f‬ة الق‪f‬دم‪ ،‬ف‪f‬إن فس‪f‬ر الظلم مبع‪f‬ىن س‪f‬وى ذل‪f‬ك فه‪f‬و غ‪f‬ري مفه‪f‬وم وال يتكلم‬
‫في‪ff‬ه بنفي وال إثب‪ff‬ات‪ .‬ال‪ff‬دعوى الرابع‪ff‬ة‪ :‬ن‪ff‬دعي أن‪ff‬ه ال جيب علي‪ff‬ه رعاي‪ff‬ة األص‪ff‬لح لعب‪ff‬اده‪ ،‬ب‪ff‬ل ل‪ff‬ه أن يفع‪ff‬ل م‪ff‬ا‬
‫يشاء وحيكم مبا يريد‪ ،‬خالفًا للمعتزلة فإهنم حجروا على اهلل تع‪ff‬اىل يف أفعال‪f‬ه وأوجب‪f‬وا علي‪f‬ه رعاي‪f‬ة األص‪ff‬لح‪.‬‬
‫ويدل على بطالن ذلك ما دل على نفي الوجوب على اهلل تعاىل كما سبق وتدل عليه املش‪f‬اهدة والوج‪f‬ود‪،‬‬
‫فإنا ن‪f‬ريهم من أفع‪f‬ال اهلل تع‪f‬اىل م‪f‬ا يل‪f‬زمهم االع‪f‬رتاف ب‪f‬ه بأن‪f‬ه ال ص‪f‬الح للعبي‪f‬د في‪f‬ه‪ ،‬فإن‪f‬ا نف‪f‬رض ثالث‪f‬ة أطف‪f‬ال‬
‫مات أحدهم وهو مسلم يف الصبا‪ ،‬وبلغ اآلخر وأسلم ومات مسلمًا بالغًا‪ ،‬وبل‪f‬غ الث‪f‬الث ك‪f‬افرًا وم‪ff‬ات على‬
‫الكفر‪ ،‬فإن الع‪f‬دل عن‪f‬دهم أن خيل‪f‬د الك‪f‬افر الب‪f‬الغ يف الن‪f‬ار‪ ،‬وأن يك‪f‬ون للب‪f‬الغ املس‪f‬لم يف اجلن‪f‬ة رتب‪f‬ة ف‪f‬وق رتب‪f‬ة‬
‫الصيب املسلم‪ ،‬فإذا قال الصيب املسلم‪ :‬يا رب مل حططت رتبيت عن رتبته ؟ فيقول‪ :‬ألنه بلغ فأط‪f‬اعين وأنت‬
‫مل تطعين بالعبادات بعد البلوغ‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب ألن‪f‬ك أمت‪f‬ين قب‪f‬ل البل‪f‬وغ فك‪f‬ان ص‪f‬الحي يف أن متدين باحلي‪f‬اة‬
‫ح‪ff‬ىت أبل‪ff‬غ ف‪ff‬أطيع فأن‪ff‬ال رتبت‪ff‬ه فلم حرمت‪ff‬ين ه‪ff‬ذه الرتب‪ff‬ة أب‪ff‬د اآلب‪ff‬دين وكنت ق‪ff‬ادرًا على أن توص‪ff‬لين هلا ؟ فال‬
‫يك ‪ff‬ون ل ‪ff‬ه ج ‪ff‬واب إال أن يق ‪ff‬ول‪ :‬علمت أن ‪ff‬ك ل ‪ff‬و بلغت لعص ‪ff‬يت وم ‪ff‬ا أطعت وتعرض ‪ff‬ت لعق ‪ff‬ايب وس ‪ff‬خطي‬
‫فرأيت هذه الرتبة النازلة أوىل بك وأصلح لك من العقوبة‪ ،‬فينادي الكافر البالغ من اهلاوية ويق‪ff‬ول‪ :‬ي‪ff‬ا رب‬
‫أو م‪ff‬ا علمت أين إذا بلغت كف‪ff‬رت فل‪ff‬و أمت‪ff‬ين يف الص‪ff‬با وأنزلت‪ff‬ين يف تل‪ff‬ك املنزل‪ff‬ة النازل‪ff‬ة لك‪ff‬ان أحب إيل من‬
‫ختلي ‪ff‬د الن ‪ff‬ار وأص ‪ff‬لح يل‪ ،‬فلم أحييت ‪ff‬ين وك ‪ff‬ان املوت خ ‪ff‬ريًا يل ؟ فال يبقى ل ‪ff‬ه ج ‪ff‬واب البت ‪ff‬ة‪ ،‬ومعل ‪ff‬وم أن ه ‪ff‬ذه‬
‫األقس‪ff‬ام الثالث‪ff‬ة موج‪ff‬ودة‪ ،‬وب‪ff‬ه يظه‪ff‬ر على القط‪ff‬ع أن األص‪ff‬لح للعب‪ff‬اد كلهم ليس ب‪ff‬واجب وال ه‪ff‬و موج‪ff‬ود‪.‬‬
‫ال‪ff‬دعوى اخلامس‪ff‬ة‪ :‬ن‪ff‬دعي أن اهلل تع‪ff‬اىل إذا كل‪ff‬ف العب‪ff‬اد فأط‪ff‬اعوه مل جيب علي‪ff‬ه الث‪ff‬واب‪ ،‬ب‪ff‬ل إن ش‪ff‬اء أث‪ff‬اهبم‬
‫وإن شاء عاقبهم وإن شاء أعدمهم ومل حيشرهم‪ ،‬وال يبايل لو غفر جلمي‪f‬ع الك‪f‬افرين وع‪f‬اقب مجي‪f‬ع املؤم‪f‬نني‪،‬‬
‫وال يس ‪ff‬تحيل ذل ‪ff‬ك يف نفس ‪ff‬ه وال ين ‪ff‬اقض ص ‪ff‬فة من ص ‪ff‬فات اإلهلي ‪ff‬ة‪ ،‬وه ‪ff‬ذا ألن التكلي ‪ff‬ف تص ‪ff‬رف يف عبي ‪ff‬ده‬
‫ومماليك‪ff‬ه‪ ،‬أم‪ff‬ا الث‪ff‬واب ففع‪ff‬ل آخ‪ff‬ر على س‪ff‬بيل االبت‪ff‬داء‪ ،‬وكون‪ff‬ه واجب ‪ًf‬ا باملع‪ff‬اين الثالث‪ff‬ة غ‪ff‬ري مفه‪ff‬وم وال مع‪ff‬ىن‬
‫للحسن والقبيح‪ ،‬وإن أريد له مع‪f‬ىن آخ‪f‬ر فليس مبفه‪f‬وم إال أن يق‪f‬ال إن‪f‬ه يص‪f‬ري وع‪f‬ده ك‪f‬ذبًا وه‪f‬و حمال‪ ،‬وحنن‬
‫نعتقد الوجوب هبذا املعىن وال ننكره‪ .‬فإن قيل‪ :‬التكليف مع القدرة على الث‪f‬واب وت‪f‬رك الث‪f‬واب ق‪f‬بيح‪ ،‬قلن‪f‬ا‪:‬‬
‫إن ع ‪ff‬نيتم ب ‪ff‬القبح أن ‪ff‬ه خمالف غ ‪ff‬رض املكل ‪ff‬ف فق ‪ff‬د تع ‪ff‬اىل املكل ‪ff‬ف وتق ‪ff‬دس عن األغ ‪ff‬راض‪ ،‬وإن ع ‪ff‬نيتم ب ‪ff‬ه أن ‪ff‬ه‬
‫خمالف غرض املكلف مسلم لكن ما هو قبيح عند املكلف مل ميتنع عليه فعله إذا ك‪f‬ان الق‪ff‬بيح واحلس‪f‬ن عن‪f‬ده‬
‫ويف حقه مبثابة واحدة‪ .‬على أنا لو نزلنا على فاسد معتقدهم فال نسلم أن من يس‪f‬تخدم عب‪f‬ده جيب علي‪f‬ه يف‬
‫العادة ثواب‪ ،‬ألن الث‪f‬واب يك‪f‬ون عوض‪ًf‬ا عن العم‪f‬ل فتبط‪f‬ل فائ‪f‬دة ال‪f‬رق وح‪f‬ق على العب‪f‬د أن خيدم م‪f‬واله ألن‪f‬ه‬
‫عبده‪ ،‬فإن كان ألج‪f‬ل ع‪f‬وض فليس ذل‪f‬ك خدم‪f‬ة‪ ،‬ومن العج‪f‬ائب ق‪f‬وهلم‪ :‬إن‪f‬ه جيب الش‪f‬كر على العب‪f‬اد ألهنم‬
‫عب‪ff‬اد‪ ،‬قض‪ff‬اًء حلق نعمت‪ff‬ه‪ ،‬مث جيب علي‪ff‬ه الث‪ff‬واب على الش‪ff‬كر وه‪ff‬ذا حمال؛ ألن املس‪ff‬تحق إذا وىف مل يلزم‪ff‬ه في‪ff‬ه‬
‫عوض‪ ،‬ولو جاز ذلك للزم على الثواب شكر جمدد وعلى هذا الشكر ثواب جمدد ويتسلسل إىل غري هناي‪ff‬ة‪،‬‬
‫ومل يزل العبد والرب كل واحد منهما أبدًا مقيدًا حبق اآلخ‪f‬ر‪ ،‬وه‪ff‬و حمال‪ .‬وأفحش من ه‪ff‬ذا ق‪f‬وهلم‪ :‬إن ك‪f‬ل‬
‫من كف‪f‬ر فيجب على اهلل تع‪f‬اىل أن يعاقب‪f‬ه أب‪f‬دًا وخيل‪f‬ده يف الن‪f‬ار‪ ،‬ب‪f‬ل ك‪f‬ل من ق‪f‬ارف كب‪f‬رية وم‪f‬ات قب‪f‬ل التوب‪f‬ة‬
‫خيلد يف النار‪ ،‬وهذا جهل بالكرم واملروءة والعقل والعادة والشرع ومجيع األمور‪ ،‬فإنا نقول‪ :‬العبادة قاضية‬
‫والعق‪ff‬ول مش‪ff‬رية إىل أن التج‪ff‬اوز والص‪ff‬فح أحس‪ff‬ن من العقوب‪ff‬ة‪ ،‬واالنتق‪ff‬ام وثن‪ff‬اء الن‪ff‬اس على الع‪ff‬ايف أك‪ff‬ثر من‬
‫ثنائهم للمنتقم‪ ،‬واستحساهنم للعفو أشد‪ ،‬فكيف يستقبح العفو واإلنعام ويستحسن طول االنتق‪ff‬ام ! مث ه‪ff‬ذا‬
‫يف ح‪ff‬ق من أذت‪ff‬ه اجلناي‪ff‬ة وغض‪ff‬ت من ق‪ff‬دره املعص‪ff‬ية‪ ،‬واهلل تع‪ff‬اىل يس‪ff‬توي يف حق‪ff‬ه الكف‪ff‬ر واالميان والطاع‪ff‬ات‬
‫والعصيان فهما يف حق إالهيته وجالله سيان‪ ،‬مث كي‪f‬ف يستحس‪f‬ن أن س‪f‬لك طري‪f‬ق اجملازاة واستحس‪f‬ن ذل‪f‬ك‬
‫تأييد العقاب خالدًا خملدًا يف مقابلته العص‪f‬يان بكلم‪f‬ة واح‪f‬دة يف حلظ‪f‬ة‪ .‬ومن انتهى عقل‪f‬ه يف االستحس‪f‬ان إىل‬
‫ه‪ff‬ذا احلد ك‪f‬انت دار املرض‪ff‬ى ألي‪f‬ق ب‪f‬ه من جمامع العلم‪f‬اء‪ .‬على أن‪f‬ا نق‪ff‬ول‪ :‬ل‪f‬و س‪f‬لك س‪f‬الك ض‪ff‬د ه‪ff‬ذا الطري‪f‬ق‬
‫بعينه كان أقوم قيال وأجرى على ق‪f‬انون االستحس‪f‬ان واالس‪f‬تقباح ال‪f‬ذي تقض‪f‬ي ب‪f‬ه األوه‪f‬ام واخلي‪f‬االت كم‪f‬ا‬
‫س ‪ff‬بق‪ ،‬وه ‪ff‬و أن نق ‪ff‬ول‪ :‬االنس ‪ff‬ان يقبح من ‪ff‬ه أن يع ‪ff‬اقب على جناي ‪ff‬ة س ‪ff‬بقت وجناي ‪ff‬ة ت ‪ff‬داركها إال ل ‪ff‬وجهني‪:‬‬
‫أح‪ff‬دمها‪ ،‬أن يك‪ff‬ون يف العقوب‪ff‬ة زج‪ff‬ر ورعاي‪ff‬ة مص‪ff‬لحة يف املس‪ff‬تقبل فيحس‪ff‬ن ذل‪ff‬ك خيف‪ff‬ة من ف‪ff‬وات غ‪ff‬رض يف‬
‫املستقبل‪ ،‬فإن مل يكن فيه مصلحة يف املستقبل أصًال فالعقوبة مبجرد اجملازاة على ما سبق قبيح ألنه ال فائدة‬
‫في ‪ff‬ه للمع ‪ff‬اقب وال ألح ‪ff‬د س ‪ff‬واه‪ ،‬واجلاين مت ‪ff‬أذ ب ‪ff‬ه ودف ‪ff‬ع األذى عن ‪ff‬ه أحس ‪ff‬ن‪ ،‬وإمنا حيس ‪ff‬ن األذى لفائ ‪ff‬دة وال‬
‫فائدة‪ ،‬وما مضى فال تدارك له فهو يف غاية القبح‪ .‬والوجه الثاين‪ ،‬أن نقول‪ :‬إنه إذا تأذى اجملين عليه واش‪ff‬تد‬
‫غيظه فذلك الغيظ مؤمل وشفاء الغيظ م‪f‬ريح من األمل‪ ،‬واألمل باجلاين ألي‪f‬ق‪ ،‬ومهم‪f‬ا ع‪f‬اقب اجلاين زال من‪f‬ه أمل‬
‫الغيظ واختص باجلاين فه‪f‬و أوىل‪ ،‬فه‪f‬ذا أيض‪ًf‬ا ل‪f‬ه وج‪f‬ه م‪f‬ا وإن ك‪f‬ان دليًال على نقص‪f‬ان العق‪f‬ل وغلب‪f‬ة الغض‪f‬ب‬
‫عليه‪ .‬فأما إجياب العقاب حيث ال يتعلق مبصلحة يف املستقبل ألحد يف عامل اهلل تعاىل وال فيه دفع أذى عن‬
‫اجملين علي ‪ff‬ه ففي غاي ‪ff‬ة القبح‪ ،‬فه ‪ff‬ذا أق ‪ff‬وم من ق ‪ff‬ول من يق ‪ff‬ول إن ت ‪ff‬رك العق ‪ff‬اب يف غاي ‪ff‬ة القبح‪ ،‬والك ‪ff‬ل باط ‪ff‬ل‬
‫واتباع املوجب األوهام اليت وقعت بتوهم األغراض‪ ،‬واهلل تعاىل متق‪f‬دس عنه‪f‬ا ولكن‪f‬ا أردن‪f‬ا معارض‪f‬ة الفاس‪f‬د‬
‫ليتبني به بطالن خياهلم‪ .‬الدعوى السادسة‪ :‬ندعي أنه لو مل ي‪f‬رد الش‪f‬رع ملا ك‪f‬ان جيب على العب‪f‬اد معرف‪f‬ة اهلل‬
‫تع ‪ff‬اىل وش ‪ff‬كر نعمت ‪ff‬ه‪ ،‬خالف ‪ًf‬ا للمعتزل ‪ff‬ة‪ ،‬حيث ق ‪ff‬الوا إن العق ‪ff‬ل مبج ‪ff‬رده م ‪ff‬وجب‪ ،‬وبرهان ‪ff‬ه أن نق ‪ff‬ول‪ :‬العق ‪ff‬ل‬
‫يوجب النظر وطلب املعرفة لفائدة مرتبة علي‪f‬ه أو م‪f‬ع االع‪f‬رتاف ب‪f‬أن وج‪f‬وده وعدم‪f‬ه يف ح‪f‬ق الفوائ‪f‬د ع‪f‬اجًال‬
‫وآجًال مبثابة واحدة‪ ،‬فإن قلتم‪ :‬يقتضي بالوجوب مع االعرتاف بأن‪f‬ه ال فائ‪f‬دة في‪f‬ه قطع‪ًf‬ا ع‪f‬اجًال وآجًال فه‪f‬ذا‬
‫حكم اجله‪ff‬ل ال حكم العق‪ff‬ل‪ ،‬ف‪ff‬إن العق‪ff‬ل ال يأم‪ff‬ل ب‪ff‬العبث‪ ،‬وكلم‪ff‬ا ه‪ff‬و خ‪ff‬ال عن الفوائ‪ff‬د كله‪ff‬ا فه‪ff‬و عبث‪،‬‬
‫وإن ك‪ff‬ان لفائ‪ff‬دة فال خيل‪ff‬و إم‪ff‬ا أن ترج‪ff‬ع إىل املعب‪ff‬ود تع‪ff‬اىل وتق‪ff‬دس عن الفوائ‪ff‬د‪ ،‬وإن رجعت إىل العب‪ff‬د فال‬
‫خيلو أن يكون يف احلال أو يف املآل‪ ،‬أما يف احلال فهو تعب ال فائدة فيه وأما يف املآل فاملتوقع الثواب‪ .‬ومن‬
‫أين علمتم أن‪ff‬ه يث‪ff‬اب على فعل‪ff‬ه ب‪ff‬ل رمبا يع‪ff‬اقب على فعل‪ff‬ه‪ ،‬ف‪ff‬احلكم علي‪ff‬ه ب‪ff‬الثواب محاق‪ff‬ة ال أص‪ff‬ل هلا ‪ ..‬ف‪ff‬إن‬
‫قيل‪ :‬خيطر بباله أن له ربًا إن شكره أثابه وأنعم عليه وإن كفر أنعمه عاقبه عليه‪ ،‬وال خيطر ببال‪f‬ه البت‪f‬ة ج‪f‬واز‬
‫العقوبة على الشكر واالحتزاز عن الضرر املوهوم يف قضية العقل كاالحرتاز عن العل‪ff‬وم‪ .‬قلن‪ff‬ا‪ :‬حنن ال ننك‪ff‬ر‬
‫أن العاق‪ff‬ل يس‪ff‬تحثه طبع‪ff‬ه عن االح‪ff‬رتاز من الض‪ff‬رر موهوم‪ًf‬ا ومعلوم‪ًf‬ا‪ ،‬فال مين‪ff‬ع من إطالق اس‪ff‬م االجياب على‬
‫هذا االستحثاث فإن االص‪f‬طالحات ال مش‪f‬احة فيه‪f‬ا‪ ،‬ولكن الكالم يف ت‪f‬رجيح جه‪f‬ة الفع‪f‬ل على جه‪f‬ة ال‪f‬رتك‬
‫يف تقرير الث‪f‬واب بالعق‪f‬اب م‪f‬ع العلم ب‪f‬أن الش‪f‬كر وترك‪f‬ه يف ح‪f‬ق اهلل تع‪f‬اىل س‪f‬يان ال كالواح‪f‬د من‪f‬ا فإن‪f‬ه يرت‪f‬اح‬
‫بالشكر والثناء ويه‪f‬تز ل‪f‬ه ويس‪f‬تلذه ويت‪f‬آمل ب‪f‬الكفران ويت‪f‬أذى ب‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إذا ظه‪f‬ر اس‪f‬تواء األم‪f‬رين يف ح‪f‬ق اهلل تع‪f‬اىل‬
‫فالرتجيح ألحد اجلانبني حمال‪ ،‬بل رمبا خيطر بباله نقيضه وهو أنه يعاقب على الش‪ff‬كر ل‪ff‬وجهني‪ :‬أح‪ff‬دمها‪ ،‬أن‬
‫اش‪ff‬تغاله ب‪ff‬ه تص‪ff‬رف يف فك‪ff‬ره وقلب‪ff‬ه باتعاب‪ff‬ه ص‪ff‬رفه عن املالذ والش‪ff‬هوات وه‪ff‬و عب‪ff‬د مرب‪ff‬وب خل‪ff‬ق ل‪ff‬ه ش‪ff‬هوة‬
‫ومكن من الش‪ff‬هوات‪ ،‬فلع‪ff‬ل املقص‪ff‬ود أن يش‪ff‬تغل بل‪ff‬ذات نفس‪ff‬ه واس‪ff‬تيفاء نعم اهلل تع‪ff‬اىل وأن ال يتعب نفس‪ff‬ه‬
‫فيم‪ff‬ا ال فائ‪ff‬دة هلل في‪ff‬ه فه ‪ff‬ذا االحتم‪ff‬ال أظه ‪ff‬ر‪ .‬الث‪ff‬اين‪ ،‬أن يقيس نفس‪ff‬ه على من يش‪ff‬كر ملك ‪ًf‬ا من املل‪ff‬وك ب‪ff‬أن‬
‫يبحث عن ص‪ff‬فاته وأخالق‪ff‬ه ومكان‪ff‬ه وموض‪ff‬ع نوم‪ff‬ه م‪ff‬ع أهل‪ff‬ه ومجي‪ff‬ع أس‪ff‬راره الباطن‪ff‬ة جمازاة على إنعام‪ff‬ه علي‪ff‬ه‪،‬‬
‫فيق‪ff‬ال ل‪ff‬ه أنت هبذا الش‪ff‬كر مس‪ff‬تحق حلز الرقب‪ff‬ة‪ ،‬فم‪ff‬ا ل‪ff‬ك وهلذا الفض‪ff‬ول ومن أنت ح‪ff‬ىت تبحث عن أس‪ff‬رار‬
‫امللوك وصفاهتم وأفعاهلم وأخالقهم‪ ،‬وملاذا ال تشتغل مبا يهمك‪ ،‬فالذي يطلب معرفة معرف‪ff‬ة اهلل تع‪ff‬اىل كأن‪ff‬ه‬
‫إن تعرف دقائق صفات اهلل تعاىل وأفعاله وحكمته وأسراره يف أفعال‪f‬ه وك‪f‬ل ذل‪f‬ك مما ال يؤه‪f‬ل ل‪f‬ه إال من ل‪f‬ه‬
‫منص‪ff‬ب فمن أين ع‪ff‬رف العب‪ff‬د أن‪ff‬ه مس‪ff‬تحق هلذا املنص‪ff‬ب ؟ فاس‪ff‬تبان أن م‪ff‬ا أخ‪ff‬ذهم أهنام رس‪ff‬خت منهم من‬
‫الع‪ff‬ادات‪ ،‬تعارض‪ff‬ها أمثاهلا وال حميص عنه‪ff‬ا‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬ف‪ff‬إن مل يكن م‪ff‬دركًا لوج‪ff‬وب مقتض‪ff‬ى العق‪ff‬ول أدى‬
‫ذلك إىل إفحام الرس‪f‬ول‪ ،‬فإن‪f‬ه إذا ج‪f‬اء ب‪f‬املعجزة وق‪f‬ال انظ‪f‬روا فيه‪f‬ا‪ ،‬فللمخ‪f‬اطب أن يق‪f‬ول إن مل يكن النظ‪f‬ر‬
‫واجبًا فال اقدم علي‪f‬ه وإن ك‪f‬ان واجب‪ًf‬ا فيس‪f‬تحيل أن يك‪f‬ون مدرك‪f‬ه العق‪f‬ل‪ ،‬والعق‪f‬ل ال ي‪f‬وجب‪ ،‬ويس‪f‬تحيل أن‬
‫يكون مدركه الشرع‪ ،‬والشرع ال يثبت إال بالنظر يف املعجزة وال جيب النظر قبل ثبوت الشرع فيؤدي إىل‬
‫أن ال يظهر صحة النبوة أصًال‪ .‬واجلواب أن هذا السؤال مصدره اجلهل حبقيقة الوجوب‪ ،‬وقد بينا أن مع‪ff‬ىن‬
‫الوج ‪ff‬وب ت ‪ff‬رجيح ج ‪ff‬انب الفع ‪ff‬ل على ال ‪ff‬رتك ب ‪ff‬دفع ض ‪ff‬رر موه ‪ff‬وم يف ال ‪ff‬رتك أو معل ‪ff‬وم‪ ،‬وإذا ك ‪ff‬ان ه ‪ff‬ذا ه ‪ff‬و‬
‫الوج‪ff‬وب ف‪ff‬املوجب ه‪ff‬و املرجح وه‪ff‬و اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬فإن‪ff‬ه إذا ن‪ff‬اط العق‪ff‬اب ب‪ff‬رتك النظ‪ff‬ر ت‪ff‬رجح فعل‪ff‬ه على ترك‪ff‬ه‪،‬‬
‫ومعىن قول النيب صلى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم إن‪f‬ه واجب م‪f‬رجح ب‪f‬رتجح اهلل تع‪f‬اىل يف ربط‪f‬ه العق‪f‬اب بأح‪f‬دمها‪ .‬وأم‪f‬ا‬
‫املدرك فعب ‪ff‬ارة عن جه ‪ff‬ة معرف ‪ff‬ة الوج ‪ff‬وب ال عن نفس الوج ‪ff‬وب‪ ،‬وليس ش ‪ff‬رط ال ‪ff‬واجب أن يك ‪ff‬ون وجوب ‪ff‬ه‬
‫معلومًا‪ ،‬بل أن يك‪f‬ون علم‪f‬ه متمكن‪ًf‬ا ملن أراده‪ .‬فيق‪f‬ول الن‪f‬يب إن الكف‪f‬ر س‪f‬م مهل‪f‬ك واإلميان ش‪f‬فاء مس‪f‬عد ب‪f‬أن‬
‫جع ‪ff‬ل اهلل تع ‪ff‬اىل أح ‪ff‬دمها مس ‪ff‬عدًا واآلخ ‪ff‬ر مهلك ‪ًf‬ا‪ ،‬ولس ‪ff‬ت أوجب علي ‪ff‬ك ش ‪ff‬يئًا‪ ،‬ف ‪ff‬زن االجياب ه ‪ff‬و ال ‪ff‬رتجيح‬
‫واملرجح ه‪ff‬و اهلل تع‪ff‬اىل وإمنا أن‪ff‬ا خمرب عن كون‪ff‬ه س‪ff‬م ومرش‪ff‬د ل‪ff‬ك إىل طري‪ff‬ق تع‪ff‬رف ب‪ff‬ه ص‪ff‬دقي وه‪ff‬و النظ‪ff‬ر يف‬
‫املعج‪ff‬زة‪ ،‬ف‪ff‬إن س‪ff‬لكت الطري‪ff‬ق ع‪ff‬رفت وجنوت؛ وإن ت‪ff‬ركت هلكت‪ .‬ومثال‪ff‬ه مث‪ff‬ال ط‪ff‬بيب انتهى إىل م‪ff‬ريض‬
‫وه‪ff‬و م‪ff‬رتدد بني دوائني موض‪ff‬وعني بني يدي‪ff‬ه‪ ،‬فق‪ff‬ال ل‪ff‬ه أم‪ff‬ا ه‪ff‬ذا فال تتناول‪ff‬ه فإن‪ff‬ه هلل‪ff‬ك للحي‪ff‬وان وأنت ق‪ff‬ادر‬
‫على معرفت‪f‬ه ب‪f‬أن تطعم‪f‬ه ه‪f‬ذا الس‪f‬نور فيم‪f‬وت على الف‪f‬ور فيظه‪f‬ر ل‪f‬ك م‪f‬ا قلت‪f‬ه‪ .‬وأم‪f‬ا ه‪f‬ذا ففي‪f‬ه ش‪f‬فاؤك وأنت‬
‫ق‪ff‬ادر على معرفت‪ff‬ه بالتجرب‪ff‬ات وه‪ff‬و إن تش‪ff‬ربه فتش‪ff‬فى فال ف‪ff‬رق يف حقي وال يف ح‪ff‬ق ُأس‪ff‬تاذي بني أن يهل‪ff‬ك‬
‫أو يشفى فإن ُأس‪f‬تاذي غ‪f‬ين عن بقائ‪f‬ك وأن‪f‬ا أيض‪ًf‬ا ك‪f‬ذلك‪ ،‬فعن‪f‬د ه‪f‬ذا ل‪f‬و ق‪f‬ال املريض ه‪f‬ذا جيب علي بالعق‪f‬ل‬
‫أو بقولك وما مل يظهر يل هذا مل أشتغل بالتجربة كان مهلكًا نفسه ومل يكن عليه ضرر‪ ،‬فكذلك الن‪ff‬يب ق‪ff‬د‬
‫أخ ‪ff‬ربه اهلل تع ‪ff‬اىل ب ‪ff‬أن الطاع ‪ff‬ة ش ‪ff‬فاء واملعص ‪ff‬ية داء وأن اإلميان مس ‪ff‬عد والكف ‪ff‬ر مهل ‪ff‬ك وأخ ‪ff‬ربه بأن ‪ff‬ه غ ‪ff‬ين عن‬
‫الع‪f‬املني س‪f‬عدوا أم ش‪f‬قوا فإمنا ش‪f‬أن الرس‪f‬ول أن يبل‪f‬غ ويرش‪f‬د إىل طريق‪f‬ة املعرف‪f‬ة وينص‪f‬رف‪ ،‬فمن نظ‪f‬ر فلنفس‪f‬ه‬
‫ومن قصر فعليها‪ ،‬وهذا واضح‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد رجع األم‪ff‬ر إىل أن العق‪ff‬ل ه‪ff‬و املوجب من حيث أن‪ff‬ه بس‪ff‬ماع‬
‫كالمه ودعواه يتوقع عقابًا فيحمل‪f‬ه العق‪f‬ل على احلذر وال حيص‪f‬ل إال ب‪f‬النظر في‪f‬وجب علي‪f‬ه النظ‪f‬ر‪ ،‬قلن‪f‬ا‪ :‬احلق‬
‫ال‪ff‬ذي يكش‪ff‬ف الغط‪ff‬اء يف ه‪ff‬ذا من غ‪ff‬ري اتب‪ff‬اع وهم وتقلي‪ff‬د أم‪ff‬ر ه‪ff‬و أن الوج‪ff‬وب كم‪ff‬ا ب‪ff‬أن عب‪ff‬ارة عن ن‪ff‬وع‬
‫رجح‪ff‬ان يف الفع‪ff‬ل‪ ،‬واملوجب ه‪ff‬و اهلل تع‪ff‬اىل ألن‪ff‬ه ه‪ff‬و املرجح‪ ،‬والرس‪ff‬ول خمرب عن ال‪ff‬رتجيح‪ ،‬واملعج‪ff‬زة دلي‪ff‬ل‬
‫على ص‪ff f‬دقه يف اخلرب‪ ،‬والنظ‪ff f‬ر س‪ff f‬بب يف معرف‪ff f‬ة الص‪ff f‬دق‪ ،‬والعق‪ff f‬ل آل‪ff f‬ة النظ‪ff f‬ر‪ ،‬والفهم مع‪ff f‬ىن اخلرب‪ ،‬والطب ‪ff‬ع‬
‫مس ‪ff‬تحث على احلذر بع ‪ff‬د فهم احملذور بالعق ‪ff‬ل‪ ،‬فال ب ‪ff‬د من طب ‪ff‬ع خيالف ‪ff‬ه العقوب ‪ff‬ة لل ‪ff‬دعوة ويوافق ‪ff‬ه الث ‪ff‬واب‬
‫املوع‪ff f‬ود ليك ‪ff‬ون مس ‪ff‬تحثًا‪ ،‬ولكن ال يس ‪ff‬تحث م‪ff f‬ا مل يفهم احملذور ومل يق‪ff f‬دره ظن‪ًf f‬ا أو علم‪ًf f‬ا‪ ،‬وال يفهم إال‬
‫بالعق ‪ff‬ل والعق ‪ff‬ل ال يفهم ال ‪ff‬رتجيح بنفس ‪ff‬ه ب ‪ff‬ل بس ‪ff‬ماعه من الرس ‪ff‬ول‪ ،‬والرس ‪ff‬ول ال ي ‪ff‬رجح الفع ‪ff‬ل على ال ‪ff‬رتك‬
‫بنفسه بل اهلل ه‪f‬و املرجح والرس‪f‬ول خمرب‪ ،‬وص‪f‬دق الرس‪f‬ول ال يظه‪f‬ر بنفس‪f‬ه ب‪f‬ل املعج‪f‬ز‪ ،‬واملعج‪f‬زة ال ت‪f‬دل م‪f‬ا‬
‫مل ينظ ‪ff‬ر فيه ‪ff‬ا‪ ،‬والنظ ‪ff‬ر بالعق ‪ff‬ل‪ ،‬ف ‪ff‬إذًا ق ‪ff‬د انكش ‪ff‬فت املع ‪ff‬اين‪ ،‬والص ‪ff‬حيح يف األلف ‪ff‬اظ أن يق ‪ff‬ال‪ :‬الوج ‪ff‬وب ه ‪ff‬و‬
‫الرجح ‪ff‬ان واملوجب ه ‪ff‬و اهلل تع ‪ff‬اىل‪ ،‬واملخ ‪ff‬رب ه ‪ff‬و الرس ‪ff‬ول‪ ،‬املع ‪ff‬رف للمح ‪ff‬ذور وص ‪ff‬دق الرس ‪ff‬ول ه ‪ff‬و العق ‪ff‬ل‪،‬‬
‫واملستحث على سلوك سبب اخلالص وهو الطبع‪ ،‬وكذلك ينبغي أن يفهم احلق يف هذه املسألة وال يلتفت‬
‫إىل الكالم املعتاد الذي ال يشفي الغليل وال يزيل الغموض‪ .‬الدعوى السابعة‪ :‬ندعي أن بعث‪f‬ة األنبي‪f‬اء ج‪f‬ائز‪،‬‬
‫وليس مبحال وال واجب‪ ،‬وقالت املعتزلة إنه واجب‪ ،‬وقد سبق وج‪f‬ه ال‪f‬رد عليهم‪ .‬وق‪f‬الت الربامهة إن‪f‬ه حمال‪،‬‬
‫وبره‪ff‬ان اجلواز أن‪ff‬ه مهم‪ff‬ا ق‪ff‬ام ال‪ff‬دليل على أن اهلل تع‪ff‬اىل متكلم وق‪ff‬ام ال‪ff‬دليل على أن‪ff‬ه ق‪ff‬ادر ال يعج‪ff‬ز على أن‬
‫ي ‪ff‬دل على كالم النفس خبل ‪ff‬ق ألف ‪ff‬اظ وأص ‪ff‬وات ورق ‪ff‬وم أو غريه ‪ff‬ا من ال ‪ff‬دالالت‪ ،‬وق ‪ff‬د ق ‪ff‬ام دلي ‪ff‬ل على ج ‪ff‬واز‬
‫إرسال الرسل‪ ،‬فإنا لسنا نعين به إال أن يقوم بذات اهلل تعاىل خ‪f‬رب عن األم‪f‬ر الن‪f‬افع يف اآلخ‪f‬رة واألم‪f‬ر الض‪f‬ار‬
‫حبكم إجراء الع‪f‬ادة‪ ،‬ويص‪f‬در من‪f‬ه فع‪f‬ل ه‪f‬و دالل‪f‬ة الش‪f‬خص على ذل‪f‬ك اخلرب وعلى أم‪f‬ره بتبلي‪f‬غ اخلرب‪ ،‬ويص‪f‬در‬
‫منه فعل خارق للعادة مقرونًا بدعوى ذلك الشخص الرسالة‪ ،‬فليس شيء من ذلك حماًال لذاته‪ ،‬فإن‪f‬ه يرج‪f‬ع‬
‫إىل كالم النفس وإىل اخرتاع ما هو داللة على الكالم وم‪ff‬ا ه‪ff‬و مص‪ff‬دق للرس‪f‬ول وإن حكم باس‪f‬تحالة ذل‪f‬ك‬
‫من حيث االس‪f‬تقباح واالستحس‪f‬ان‪ ،‬فق‪ff‬د استأص‪ff‬لنا ه‪ff‬ذا األص‪ff‬ل يف ح‪f‬ق اهلل تع‪ff‬اىل مث ال ميكن أن ي‪f‬دعي قبح‬
‫إرس‪ff‬ال الرس‪ff‬ول على ق‪ff‬انون االس‪ff‬تقباح‪ ،‬فاملعتزل‪ff‬ة م‪ff‬ع املص‪ff‬ري إىل ذل‪ff‬ك مل يس‪ff‬تقبحوا ه‪ff‬ذا فليس إدراك قبح‪ff‬ه‬
‫وال إدراك امتناعه يف ذاته ضروريًا فال بد من ذكر سببه‪ .‬وغاية ما هو به ثالثة ش‪f‬به‪ :‬األوىل‪ :‬ق‪f‬وهلم‪ :‬إن‪f‬ه ل‪f‬و‬
‫بعث النيب مبا تقتضيه العقول ففي العقول غني‪f‬ة عن‪f‬ه وبعث‪f‬ة الرس‪f‬ول عبث‪ ،‬وذل‪f‬ك وعلى اهلل حمال‪ ،‬وإن بعث‬
‫مبا خيالف العقول استحال التصديق والقبول‪ .‬الثانية‪ :‬إن‪f‬ه يس‪f‬تحيل العبث ألن‪f‬ه يس‪f‬تحيل تعري‪f‬ف ص‪f‬دقه‪ ،‬ألن‬
‫اهلل تع‪ff‬اىل ل‪ff‬و ش‪ff‬افه اخلل‪ff‬ق بتص‪ff‬ديقه وكلمهم جه‪ff‬ارًا فال حاج‪ff‬ة إىل رس‪ff‬ول‪ ،‬وإن مل يش‪ff‬افه ب‪ff‬ه فغايت‪ff‬ه الدالل‪ff‬ة‬
‫على ص‪ff‬دقه بفع‪ff‬ل خ‪ff‬ارق للع‪ff‬ادة‪ ،‬وال يتم‪ff‬يز ذل‪ff‬ك عن الس‪ff‬حر والطلس‪ff‬مات وعج‪ff‬ائب اخلواص وهي خارق‪ff‬ة‬
‫للعادات عند من ال يعرفها‪ ،‬وإذا اس‪f‬تويا يف خ‪f‬رق الع‪f‬ادة مل ي‪f‬ؤمن ذل‪f‬ك فال حيص‪ff‬ل العلم بالتص‪f‬ديق‪ .‬الثالث‪f‬ة‪:‬‬
‫إن‪ff‬ه إن ع‪ff‬رف متييزه‪ff‬ا عن الس‪ff‬حر والطلس‪ff‬مات والتخيالت فمن أين يع‪ff‬رف الص‪ff‬دق ؟ ولع‪ff‬ل اهلل تع‪ff‬اىل أراد‬
‫إضاللنا وإغواءنا بتصديقه ولع‪f‬ل ك‪f‬ل م‪f‬ا ق‪f‬ال الن‪f‬يب إن‪f‬ه مس‪f‬عد فه‪f‬و مش‪f‬قي‪ ،‬وكلم‪f‬ا ق‪f‬ال مش‪f‬قي فه‪f‬و مس‪f‬عد‪،‬‬
‫ولكن اهلل أراد أن يسوقنا إىل اهلالك ويغوينا بقول الرسول‪ ،‬فإن اإلضالل واإلغواء غري حمال على اهلل تع‪ff‬اىل‬
‫عندكم‪ ،‬إذ العقل ال حيسن وال يقبح؛ وهذه أقوى شبهة ينبغي أن جيادل هبا املعتزيل عند روم‪ff‬ه إل‪ff‬زام الق‪ff‬ول‬
‫بتقبيح العقل‪ ،‬إذ يقول‪ :‬إن مل يكن االغواء قبيحًا فال يعرف صدق الرس‪f‬ل ق‪f‬ط وال يعلم أن‪f‬ه ليس باض‪ff‬الل‪.‬‬
‫واجلواب أن نق ‪ff‬ول‪ :‬أم ‪ff‬ا الش ‪ff‬بهة األوىل فض ‪ff‬عيفة؛ ف ‪ff‬إن الن ‪ff‬يب ص ‪ff‬لى اهلل علي ‪ff‬ه وس ‪ff‬لم ي ‪ff‬رد خمربًا مبا ال تش ‪ff‬تغل‬
‫العق ‪ff‬ول مبعرفت ‪ff‬ه‪ ،‬ولكن تس ‪ff‬تقل بفهم ‪ff‬ه إذا ع ‪ff‬رف‪ ،‬ف ‪ff‬إن العق ‪ff‬ل ال يرش ‪ff‬د إىل الن ‪ff‬افع والض ‪ff‬ار من األعم ‪ff‬ال‬
‫واألق ‪ff‬وال واألخالق والعقائ ‪ff‬د‪ ،‬وال يف ‪ff‬رق بني املش ‪ff‬قى واملس ‪ff‬عد‪ ،‬كم ‪ff‬ا ال يس ‪ff‬تقل ب ‪ff‬درك خ ‪ff‬واص األدوي ‪ff‬ة‬
‫والعقاقري‪ ،‬ولكنه إذا عرف فهم وصدق وانتفع بالس‪f‬ماع فيجتنب اهلالك ويقص‪f‬د املس‪f‬عد‪ ،‬كم‪f‬ا ينتف‪f‬ع بق‪f‬ول‬
‫الط ‪ff‬بيب يف معرف ‪ff‬ة ال ‪ff‬داء وال ‪ff‬دواء‪ ،‬مث كم ‪ff‬ا يع ‪ff‬رف ص ‪ff‬دق الط ‪ff‬بيب بق ‪ff‬رائن األح ‪ff‬وال وأم ‪ff‬ور ُأخ ‪ff‬ر‪ ،‬فك ‪ff‬ذلك‬
‫يس‪ff‬تدل على ص‪ff‬دق الرس‪ff‬ول علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم مبعج‪ff‬زات وق‪ff‬رائن وح‪ff‬االت فال ف‪ff‬رق‪ .‬فأم‪ff‬ا الش‪ff‬بهة الثاني‪ff‬ة‪ ،‬وه‪ff‬و‬
‫ع ‪ff‬دم متي ‪ff‬يز املعج ‪ff‬زة عن الس ‪ff‬حر والتخي ‪ff‬ل‪ ،‬فليس ك ‪ff‬ذلك‪ .‬ف ‪ff‬إن أح ‪ff‬دًا من العقالء مل جيوز انته ‪ff‬اء الس ‪ff‬حر إىل‬
‫إحي ‪ff‬اء املوتى‪ ،‬وقلب العص ‪ff‬ا ثعبان ‪ًf‬ا‪ ،‬وفل ‪ff‬ق القم ‪ff‬ر‪ ،‬وش ‪ff‬ق البح ‪ff‬ر‪ ،‬وإب ‪ff‬راء األكم ‪ff‬ه واألب ‪ff‬رص‪ ،‬وأمث ‪ff‬ال ذل ‪ff‬ك‪.‬‬
‫والقول الوجيز إن هذا القائل إن ادعى أن كل مقدور هلل تعاىل فهو ممكن حتصيله بالسحر فه‪ff‬و ق‪ff‬ول معل‪ff‬وم‬
‫االس‪ff‬تحالة بالض‪ff‬رورة‪ ،‬وإن ف‪ff‬رق بني فع‪ff‬ل ق‪ff‬وم وفع‪ff‬ل ق‪ff‬وم فق‪ff‬د تص‪ff‬ور تص‪ff‬ديق الرس‪ff‬ول مبا يعلم أن‪ff‬ه ليس من‬
‫الس‪ff‬حر ويبقى النظ‪ff‬ر بع‪ff‬ده يف أعي‪ff‬ان الرس‪ff‬ل عليهم الس‪ff‬الم وآح‪ff‬اد املعج‪ff‬زات وأن م‪ff‬ا أظه‪ff‬روه من جنس م‪ff‬ا‬
‫ميكن حتصيله بالسحر أم ال‪ ،‬ومهما وقع الشك فيه مل حيص‪ff‬ل التص‪f‬ديق ب‪f‬ه م‪f‬ا مل يتح‪f‬د ب‪f‬ه الن‪f‬يب على مأل من‬
‫أك‪ff‬ابر الس‪ff‬حرة ومل ميهلهم م‪ff‬دة املعارض‪ff‬ة ومل يعج‪ff‬زوا عن‪ff‬ه‪ ،‬وليس اآلن من غرض‪ff‬نا آح‪ff‬اد املعج‪ff‬زات‪ .‬وأم‪ff‬ا‬
‫الش‪ff‬بهة الثالث‪ff‬ة‪ ،‬وه‪ff‬و تص‪ff‬ور اإلغ‪ff‬واء من اهلل تع‪ff‬اىل والتش‪ff‬كيك لس‪ff‬بب ذل‪ff‬ك‪ ،‬فنق‪ff‬ول‪ :‬مهم‪ff‬ا علم وج‪ff‬ه دالل‪ff‬ة‬
‫املعج‪ff‬زة على ص‪ff‬دق الن‪ff‬يب‪ ،‬علم أن ذل‪ff‬ك م‪ff‬أمون علي‪ff‬ه‪ ،‬وذل‪ff‬ك ب‪ff‬أن يع‪ff‬رف الرس‪ff‬الة ومعناه‪ff‬ا ويع‪ff‬رف وج‪ff‬ه‬
‫الداللة فنقول‪ :‬لو حتدى إنسان بني يدي ملك على جنده أن‪f‬ه رس‪f‬ول املل‪f‬ك إليهم وأن املل‪f‬ك أوجب طاعت‪f‬ه‬
‫عليهم يف قسمة األرزاق واالقطاعات‪ ،‬فطالبوه بالربهان وامللك ساكت‪ ،‬فقال‪ :‬أيها املل‪f‬ك إن كنت ص‪f‬ادقًا‬
‫يف م‪ff‬ا ادعيت‪ff‬ه فص‪ff‬دقين ب‪ff‬أن تق‪ff‬وم على س‪ff‬ريرك ثالث م‪ff‬رات على الت‪ff‬وايل وتقع‪ff‬د على خالف عادت‪ff‬ك؛ فق‪ff‬ام‬
‫امللك عقيب التماسه على التوايل ثالث م‪ff‬رات مث قع‪ff‬د‪ ،‬حص‪ff‬ل للحاض‪ff‬رين على ض‪ff‬روري بأن‪f‬ه رس‪f‬ول املل‪f‬ك‬
‫قب‪f‬ل أن خيط‪f‬ر بب‪f‬اهلم أن ه‪ff‬ذا املل‪f‬ك من عادت‪f‬ه اإلغ‪ff‬واء أم يس‪f‬تحيل يف حق‪ff‬ه ذل‪f‬ك‪ .‬ب‪f‬ل ل‪f‬و ق‪f‬ال املل‪f‬ك ص‪ff‬دقت‬
‫وق ‪ff‬د جعلت رس ‪ff‬وًال ووكيًال لعلم أن ‪ff‬ه وكي ‪ff‬ل ورس ‪ff‬ول‪ ،‬ف ‪ff‬إذا خ ‪ff‬الف الع ‪ff‬ادة بفعل ‪ff‬ه ك ‪ff‬ان ذل ‪ff‬ك كقول ‪ff‬ه أنت‬
‫رس‪ff‬ويل‪ ،‬وه‪ff‬ذا ابت‪ff‬داًء نص‪ff‬ب وتولي‪ff‬ة وتف‪ff‬ويض‪ ،‬وال يتص‪ff‬ور الك‪ff‬ذب يف التف‪ff‬ويض وإمنا يتص‪ff‬ور يف اإلخب‪ff‬ار‪،‬‬
‫والعلم يك ‪ff‬ون ه ‪ff‬ذا تص ‪ff‬ديقًا وتفويض ‪ًf‬ا ض ‪ff‬روريًا‪ ،‬ول ‪ff‬ذلك مل ينك ‪ff‬ر أح ‪ff‬د ص ‪ff‬دق األنبي ‪ff‬اء من ه ‪ff‬ذه اجله ‪ff‬ة‪ ،‬ب ‪ff‬ل‬
‫أنك‪f‬روا ك‪f‬ون م‪f‬ا ج‪f‬اء ب‪f‬ه األنبي‪f‬اء خارق‪ًf‬ا للع‪f‬ادة ومحل‪f‬وه على الس‪f‬حر والتل‪f‬بيس أو أنك‪f‬روا وج‪f‬ود رب متكلم‬
‫آمر ناه مصدق مرسل‪ ،‬فأما من اعرتف جبميع ذلك واع‪f‬رتف بك‪f‬ون املعج‪f‬زة فع‪f‬ل اهلل تع‪f‬اىل حص‪f‬ل ل‪f‬ه العلم‬
‫الض‪ff‬روري بالتص‪ff‬ديق‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬فهب أهنم رأوا اهلل تع‪ff‬اىل ب‪ff‬أعينهم ومسعوه ب‪ff‬آذاهنم وه‪ff‬و يق‪ff‬ول ه‪ff‬ذا رس‪ff‬ويل‬
‫ليخ ‪ff‬ربكم بطري ‪ff‬ق س ‪ff‬عادتكم وش ‪ff‬قاوتكم‪ ،‬فم ‪ff‬ا ال ‪ff‬ذي ي ‪ff‬ؤمنكم أن ‪ff‬ه أغ ‪ff‬وى الرس ‪ff‬ول واملرس ‪ff‬ل إلي ‪ff‬ه وأخ ‪ff‬رب عن‬
‫املش‪f‬قى بأن‪f‬ه مس‪f‬عد وعن املس‪f‬عد بأن‪f‬ه مش‪f‬قى ف‪f‬إن ذل‪f‬ك غ‪f‬ري حمال إذا مل تقول‪f‬وا بتق‪f‬بيح العق‪f‬ول ؟ ب‪f‬ل ل‪f‬و ق‪f‬در‬
‫عدم الرسول ولكن قال اهلل تعاىل ش‪f‬فاهًا وعيان‪ًf‬ا ومش‪f‬اهدة‪ :‬جناتكم يف الص‪ff‬وم والص‪ff‬الة والزك‪f‬اة وهالككم‬
‫يف تركه‪f‬ا‪ ،‬فبم نعلم ص‪f‬دقه؟ فلعل‪f‬ه يلبس علين‪f‬ا ليغوين‪f‬ا ويهلكن‪f‬ا‪ ،‬ف‪f‬إن الك‪f‬ذب عن‪f‬دكم ليس قبيح‪ًf‬ا لعين‪f‬ه وإن‬
‫ك ‪ff‬ان قبيح ‪ًf‬ا فال ميتن ‪ff‬ع على اهلل تع ‪ff‬اىل م ‪ff‬ا ه ‪ff‬و ق ‪ff‬بيح وظلم‪ ،‬وم ‪ff‬ا في ‪ff‬ه في ‪ff‬ه هالك اخلل ‪ff‬ق أمجعني‪ .‬واجلواب‪ :‬إن‬
‫الك‪f‬ذب م‪f‬أمون علي‪f‬ه‪ ،‬فإن‪f‬ه إمنا يك‪f‬ون يف الكالم وكالم اهلل تع‪f‬اىل ليس بص‪f‬وت وال ح‪f‬رف ح‪f‬ىت يتط‪f‬رق إلي‪f‬ه‬
‫التل‪ff‬بيس ب‪ff‬ل ه‪ff‬و مع‪ff‬ىن ق‪ff‬ائم بنفس‪ff‬ه س‪ff‬بحانه‪ ،‬فك‪ff‬ل م‪ff‬ا يعلم‪ff‬ه اإلنس‪ff‬ان يق‪ff‬وم بذات‪ff‬ه خ‪ff‬رب عن معلوم‪ff‬ه على وف‪ff‬ق‬
‫علمه وال يتصور الكذب فيه‪ ،‬وكذلك يف ح‪f‬ق اهلل تع‪f‬اىل‪ .‬وعلى اجلمل‪f‬ة‪ :‬الك‪f‬ذب يف كالم النفس حمال ويف‬
‫ذلك األمن عما قالوه‪ .‬وقد اتضح هبذا أن الفعل مهما علم أنه فعل اهلل تعاىل وأنه خارج عن مقدور البش‪ff‬ر‬
‫واقرتن بدعوى النبوة حص‪f‬ل العلم الض‪f‬روري بالص‪f‬دق وك‪f‬ان الش‪f‬ك من حيث الش‪f‬ك يف أن‪f‬ه مق‪f‬دور البش‪f‬ر‬
‫أم ال‪ ،‬فأم ‪ff‬ا بع ‪ff‬د معرفت‪ff‬ه كون‪ff‬ه من فع ‪ff‬ل اهلل تع ‪ff‬اىل ال يبقى للش‪ff‬ك جمال أص ‪ًf‬ال البت‪ff‬ة‪ .‬ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل فه ‪ff‬ل جتوزون‬
‫الكرامات ؟ قلنا‪ :‬اختلف الناس في‪f‬ه‪ ،‬واحلق ذل‪f‬ك ج‪f‬ائز فإن‪f‬ه يرج‪f‬ع إىل خ‪f‬رق اهلل تع‪f‬اىل الع‪f‬ادة ب‪f‬دعاء إنس‪f‬ان‬
‫أو عن ‪ff‬د حاجت ‪ff‬ه وذل ‪ff‬ك مما ال يس ‪ff‬تحيل يف نفس ‪ff‬ه ألن ‪ff‬ه ممكن‪ ،‬وال ي ‪ff‬ؤدي إىل حمال آخ ‪ff‬ر‪ ،‬فإن ‪ff‬ه ال ي ‪ff‬ؤدي إىل‬
‫بطالن املعجزة ألن الكرامة عبارة عما يظهر من غري اقرتان التح‪f‬دي ب‪f‬ه‪ ،‬ف‪f‬إن ك‪f‬ان م‪f‬ع التح‪f‬دي فإن‪f‬ا نس‪f‬ميه‬
‫معج‪ff‬زة وي‪ff‬دل بالض‪ff‬رورة على ص‪ff‬دق املتح‪ff‬دي؛ وإن مل تكن دع‪ff‬وى فق‪ff‬د جيوز ظه‪ff‬ور ذل‪ff‬ك على ي‪ff‬د فاس‪ff‬ق‬
‫ألن‪ff‬ه مق‪ff‬دور يف نفس‪ff‬ه؛ ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬فه‪ff‬ل من املق‪ff‬دور إظه‪ff‬ار معج‪ff‬زة على ي‪ff‬د ك‪ff‬اذب ؟ قلن‪ff‬ا‪ :‬املعج‪ff‬زة مقرون‪ff‬ة‬
‫بالتحدي منه سبحانه نازل‪f‬ة منزل‪f‬ة قول‪f‬ه ص‪f‬دقت وأنت رس‪f‬ول‪ ،‬وتص‪f‬ديق الك‪f‬اذب حمال لذات‪f‬ه وك‪f‬ل من ق‪f‬ال‬
‫له أنت رسويل صار رسوًال وخرج عن كونه كاذبًا‪ ،‬فاجلمع بني كونه كاذبًا وبني ما ينزل منزلة قوله أنت‬
‫رسويل حمال ألن معىن كونه كاذبًا أنه ما قيل له أنت رسويل‪ ،‬ومعىن املعج‪f‬زة أن‪f‬ه قي‪f‬ل ل‪f‬ه أنت رس‪f‬ويل؛ ف‪f‬إن‬
‫فعل املل‪f‬ك على م‪f‬ا ض‪f‬ربنا من املث‪f‬ال كقول‪f‬ه أنت رس‪f‬ويل بالض‪f‬رورة‪ ،‬فاس‪f‬تبان أن ه‪f‬ذا غ‪f‬ري مق‪f‬دور ألن‪f‬ه حمال‬
‫واحملال ال قدرة عليه‪ .‬فهذا متام هذا القطب ولنشرع يف إثبات نبوة نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلم وإثب‪ff‬ات‬
‫ما اخرب هو عنه واهلل أعلم‪.‬‬

‫القطب الرابع إثبات نبوة نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلم وإثبات ما أخرب هو عنه‬

‫وفيه أربعة أبواب‪:‬‬


‫الباب األول‪ :‬يف اثبات نبوة نبينا صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫الب‪ff‬اب الث‪ff‬اين‪ :‬يف بي‪ff‬ان إن م‪ff‬ا ج‪ff‬اء ب‪ff‬ه من احلش‪ff‬ر والنش‪ff‬ر والص‪ff‬راط وامليزان وع‪ff‬ذاب الق‪ff‬رب ح‪ff‬ق‪ ،‬وفي‪ff‬ه مقدم‪ff‬ة‬
‫وفصالن‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬فيه نظر يف ثالثة أطراف‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬يف بي‪f‬ان من جيب تكف‪f‬ريه من الف‪f‬رق ومن ال جيب‪ ،‬واالش‪f‬ارة إىل الق‪f‬وانني ال‪f‬يت ينبغي أن يع‪f‬ول‬
‫عليها يف التكفري‪ ،‬وبه اختتام الكتاب‪.‬‬

‫الباب األول يف اثبات نبوة نبينا حممد ص‪ff‬لى اهلل علي‪ff‬ه وس‪ff‬لم وإمنا نفتق‪ff‬ر إىل إثب‪ff‬ات نبوت‪ff‬ه‪ ،‬على اخلص‪ff‬وص‪،‬‬
‫وعلى ثالث ‪ff‬ة ف ‪ff‬رق‪ :‬الفرق ‪ff‬ة األوىل‪ ،‬العيس ‪ff‬وية‪ :‬حيث ذهب ‪ff‬وا إىل أن ‪ff‬ه رس ‪ff‬ول إىل الع ‪ff‬رب فق ‪ff‬ط ال إىل غ ‪ff‬ريهم‪،‬‬
‫وه‪ff‬ذا ظ‪ff‬اهر البطالن ف‪ff‬إهنم اع‪ff‬رتفوا بكون‪ff‬ه رس‪ff‬وًال حق‪ًf‬ا‪ ،‬ومعل‪ff‬وم أن الرس‪ff‬ول ال يك‪ff‬ذب‪ ،‬وق‪ff‬د ادعى ه‪ff‬و أن‪ff‬ه‬
‫رس‪ff‬ول مبع‪ff‬وث إىل الثقلني‪ ،‬وبعث رس‪ff‬وله إىل كس‪ff‬رى وقيص‪ff‬ر وس‪ff‬ائر مل‪ff‬وك العجم وت‪ff‬واتر ذل‪ff‬ك من‪ff‬ه فم‪ff‬ا‬
‫ق‪ff‬الوه حمال متن‪ff‬اقض‪ .‬الفرق‪ff‬ة الثاني‪ff‬ة‪ ،‬اليه‪ff‬ود‪ :‬ف‪ff‬إهنم انك‪ff‬روا ص‪ff‬دقه ال خبص‪ff‬وص نظ‪ff‬ر في‪ff‬ه ويف معجزات‪ff‬ه‪ ،‬ب‪ff‬ل‬
‫زعم‪ff‬وا أن‪ff‬ه ال ن‪ff‬يب بع‪ff‬د موس‪ff‬ى علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم‪ ،‬ف‪ff‬أنكروا نب‪ff‬وة حمم‪ff‬د وعيس‪ff‬ى عليهم‪ff‬ا الس‪ff‬الم‪ .‬فينبغي أن تثبت‬
‫عليهم نب ‪ff‬وة عيس ‪ff‬ى ألن ‪ff‬ه رمبا يقص ‪ff‬ر فهمهم عن درك إعج ‪ff‬از الق ‪ff‬رآن وال يقص ‪ff‬رون عن درك إعج ‪ff‬از إحي ‪ff‬اء‬
‫املوتى وإب‪f‬راء األكم‪f‬ه واألب‪f‬رص فيق‪f‬ال هلم م‪f‬ا ال‪f‬ذي محلكم على التفري‪f‬ق بني من يس‪f‬تدل على ص‪f‬دقه بإحي‪f‬اء‬
‫املوتى وبني من يستدل بقلب العصا ثعبانًا ؟ وال جيدون إليه س‪f‬بيًال البت‪f‬ة‪ ،‬إال أهنم ض‪f‬لوا بش‪f‬بهتني‪ :‬إح‪f‬دامها‪،‬‬
‫ق‪ff‬وهلم‪ :‬النس‪ff‬خ حمال يف نفس‪ff‬ه ألن‪ff‬ه ي‪ff‬دل على الب‪ff‬دء والتغي‪ff‬ري وذل‪ff‬ك حمال على اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬والثاني‪ff‬ة لفهم بعض‬
‫امللح‪f‬دة أن يقول‪f‬وا‪ :‬ق‪f‬د ق‪f‬ال موس‪f‬ى علي‪f‬ه الس‪f‬الم‪ :‬عليكم ب‪f‬ديين م‪f‬ا دامت الس‪f‬موات واألرض‪ ،‬وإن‪f‬ه ق‪f‬ال إين‬
‫خ‪ff‬امت األنبي‪ff‬اء‪ .‬أم‪ff‬ا الش‪ff‬بهة األوىل فبطالهنا بفهم النس‪ff‬خ‪ ،‬وه‪ff‬و عب‪ff‬ارة عن اخلط‪ff‬اب ال‪ff‬دال على ارتف‪ff‬اع احلكم‬
‫الثابت املشروط استمراره بعد حلقوق خطاب يرفعه‪ ،‬وليس من احملال أن يقول السيد لعبده قم مطلقًا‪ ،‬وال‬
‫يبني له مدة القيام‪ ،‬وهو يعلم أن القيام مقتض‪f‬ى من‪f‬ه إىل وقت بق‪f‬اء مص‪f‬لحته يف القي‪f‬ام‪ ،‬ويعلم م‪f‬دة مص‪f‬لحته‬
‫ولكن ال ينبه عليها‪ ،‬ويفهم العبد أن‪f‬ه م‪f‬أمور بالقي‪f‬ام مطلق‪ًf‬ا وأن ال‪f‬واجب االس‪f‬تمرار علي‪f‬ه أب‪f‬دًا إال أن خياطب‪f‬ه‬
‫السيد بالقعود؛ فإذا خاطبه بالقعود قعد ومل يتوهم بالسيد أنه بدا له أو ظهرت له مصلحة ك‪ff‬ان ال يعرفه‪ff‬ا‪،‬‬
‫واآلن قد عرفه‪f‬ا‪ ،‬ب‪f‬ل جيوز أن يك‪f‬ون ق‪f‬د ع‪f‬رف م‪f‬دة مص‪f‬لحة القي‪f‬ام وع‪f‬رف أن الص‪f‬الح يف أن ال ينب‪f‬ه العب‪f‬د‬
‫عليها ويطلق األمر له إطالقًا حىت يستمر على االمتثال‪ ،‬مث إذا تغريت مص‪ff‬لحته أم‪ff‬ره ب‪f‬القعود‪ ،‬فهك‪f‬ذا ينبغي‬
‫أن يفهم اختالف أحكام الش‪f‬رائع‪ .‬ف‪f‬إن ورود الن‪f‬يب ليس بناس‪f‬خ لش‪f‬رع من قبل‪f‬ه مبج‪f‬رد بعثت‪f‬ه‪ ،‬وال يف معظم‬
‫األحك‪ff‬ام‪ ،‬ولكن يف بعض األحك‪ff‬ام كتغ‪ff‬ري قبل‪ff‬ة وحتلي‪ff‬ل حمرم وغ‪ff‬ري ذل‪ff‬ك‪ ،‬وه‪ff‬ذه املص‪ff‬احل ختتل‪ff‬ف باألعص‪ff‬ار‬
‫واألحوال فليس فيه ما يدل على التغري وال على االس‪f‬تبانة بع‪ff‬د اجله‪ff‬ل وال على التن‪f‬اقض‪ .‬مث ه‪ff‬ذا إمنا يس‪f‬تمر‬
‫لليه ‪ff‬ود إذ ل ‪ff‬و اعتق ‪ff‬دوا أن ‪ff‬ه مل يكن ش ‪ff‬ريعة من ل ‪ff‬دن آدم إىل زمن موس ‪ff‬ى مل ينك ‪ff‬روا وج ‪ff‬ود ن ‪ff‬وح وإب ‪ff‬راهيم‬
‫وشرعهما‪ ،‬وال يتميزون فيه عمن ينكر نبوة موسى وشرعه وكل ذل‪ff‬ك إنك‪ff‬ار م‪ff‬ا علم على القط‪ff‬ع ب‪ff‬التواتر‪.‬‬
‫وأم‪ff‬ا الش‪ff‬بهة الثاني‪ff‬ة فس‪ff‬خيفة من وجهني‪ .‬أح‪ff‬دمها‪ ،‬أن‪ff‬ه ل‪ff‬و ص‪ff‬ح م‪ff‬ا ق‪ff‬الوه عن موس‪ff‬ى ملا ظه‪ff‬رت املعج‪ff‬زات‬
‫على ي‪ff‬د عيس‪ff‬ى‪ ،‬ف‪ff‬إن ذل‪ff‬ك تص‪ff‬ديق بالض‪ff‬رورة‪ ،‬فكي‪ff‬ف يص‪ff‬دق اهلل ب‪ff‬املعجزة من يك‪ff‬ذب موس‪ff‬ى وه‪ff‬و أيض‪ًf‬ا‬
‫مص ‪ff‬دق ل ‪ff‬ه‪ ،‬أفتنك ‪ff‬رون معج ‪ff‬زة عيس ‪ff‬ى وج ‪ff‬ودًا أو تنك ‪ff‬رون إحي ‪ff‬اء املوتى دليًال على ص ‪ff‬دق املتح ‪ff‬دي ؟ ف ‪ff‬إن‬
‫أنكروا ش‪f‬يئًا منهم ل‪f‬زمهم يف ش‪f‬رع موس‪f‬ى لزوم‪ًf‬ا ال جيدون عن‪f‬ه حميص‪ًf‬ا‪ ،‬وإذا اع‪f‬رتفوا ب‪f‬ه ل‪f‬زمهم تك‪f‬ذيب من‬
‫نقل إليهم من موسى عليه السالم قوله إين خامت األنبي‪f‬اء‪ .‬والث‪f‬اين‪ :‬أن ه‪f‬ذه الش‪f‬بهة إمنا لقنوه‪f‬ا بع‪f‬د بعث‪f‬ة نبين‪f‬ا‬
‫حمم‪ff‬د علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم وبع‪ff‬د وفات‪ff‬ه‪ ،‬ول‪ff‬و ك‪ff‬انت ص‪ff‬حيحة الحتج اليه‪ff‬ود هبا وق‪ff‬د محل‪ff‬وا بالس‪ff‬يف على االس‪ff‬الم‪،‬‬
‫وك ‪ff‬ان رس ‪ff‬ولنا علي ‪ff‬ه الس ‪ff‬الم مص ‪ff‬دقًا مبوس ‪ff‬ى علي ‪ff‬ه الس ‪ff‬الم وحاكم ‪ًf‬ا على اليه ‪ff‬ود ب ‪ff‬التوراة يف حكم ال ‪ff‬رجم‬
‫وغريه‪ ،‬فال عرض عليه من التوارة ذلك‪ ،‬وم‪f‬ا ال‪f‬ذي ص‪f‬رفهم عن‪f‬ه ومعل‪f‬وم قطع‪ًf‬ا أن اليه‪f‬ود مل حيتج‪f‬وا ب‪f‬ه ألن‬
‫ذلك لو كان لكان مفحمًا ال جواب عنه ولتواتر نقله‪ ،‬ومعلوم أهنم مل يرتكوه مع القدرة عليه ولق‪ff‬د ك‪ff‬انوا‬
‫حيرص‪f‬ون على الطعن يف ش‪f‬رعه بك‪f‬ل ممكن محاي‪ًf‬ة ل‪f‬دمائهم وأم‪f‬واهلم ونس‪f‬ائهم‪ ،‬ف‪f‬إذا ثبت عليهم نب‪f‬وة عيس‪f‬ى‬
‫أثبتن‪ff‬ا نب‪ff‬وة نبين‪ff‬ا علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم مبا نثبته‪ff‬ا على النص‪ff‬ارى‪ .‬الفرق‪ff‬ة الثالث‪ff‬ة‪ ،‬وهم جيوزون النس‪ff‬خ ولكنهم ينك‪ff‬رون‬
‫نب‪f‬وة نبين‪f‬ا من حيث أهنم ينك‪f‬رون معجزت‪f‬ه يف الق‪ff‬رآن‪ .‬ويف إثب‪f‬ات نبوت‪f‬ه ب‪f‬املعجزة طريقت‪f‬ان‪ :‬الطريق‪ff‬ة األوىل‪،‬‬
‫التمسك بالقرآن‪ ،‬فإنا نقول‪ :‬ال معىن للمعجزة إال م‪f‬ا يق‪f‬رتن بتح‪f‬دي الن‪f‬يب عن‪f‬د استش‪f‬هاده على ص‪f‬دقه على‬
‫وج‪ff‬ه يعج‪ff‬ز اخلل‪ff‬ق عن معارض‪ff‬ته‪ ،‬وحتدي‪ff‬ه على الع‪ff‬رب م‪ff‬ع ش‪ff‬غفهم بالفص‪ff‬احة وإغ‪ff‬راقهم فيه‪ff‬ا مت‪ff‬واتر‪ ،‬وع‪ff‬دم‬
‫املعارض‪ff‬ة معل‪ff‬وم‪ ،‬إذ ل‪ff‬و ك‪ff‬ان لظه‪ff‬ر‪ ،‬ف‪ff‬إن أرذل الش‪ff‬عراء ملا حتدوا بش‪ff‬عرهم وعورض‪ff‬وا ظه‪ff‬رت املعارض‪ff‬ات‬
‫واملناقض ‪ff‬ات اجلاري ‪ff‬ة بينهم‪ ،‬ف ‪ff‬إذًا ال ميكن إنك ‪ff‬ار حتدي ‪ff‬ه ب ‪ff‬القرآن وال ميكن إنك ‪ff‬ار اقت ‪ff‬دار الع ‪ff‬رب على طري ‪ff‬ق‬
‫الفص ‪ff‬احة وال ميكن انك ‪ff‬ار حرص ‪ff‬هم على دف ‪ff‬ع نبوت ‪ff‬ه بك ‪ff‬ل ممكن محاي ‪ff‬ة ل ‪ff‬دينهم ودمهم وم ‪ff‬اهلم وختلص ‪ًf‬ا من‬
‫سطوة املسلمني وقهرهم‪ ،‬وال ميكن إنكار عجزهم ألهنم لو قدروا لفعلوا‪ ،‬فإن العادة قاضية بالض‪ff‬رورة ب‪ff‬أن‬
‫الق ‪ff‬ادر على دف ‪ff‬ع اهلالك عن نفس ‪ff‬ه يش ‪ff‬تغل بدفع ‪ff‬ه‪ ،‬ول ‪ff‬و فعل ‪ff‬وا لظه ‪ff‬ر ذل ‪ff‬ك ونق ‪ff‬ل‪ .‬فه ‪ff‬ذه مق ‪ff‬دمات بعض ‪ff‬ها‬
‫ب‪ff‬التواتر وبعض‪ff‬ها جباري الع‪ff‬ادات وك‪ff‬ل ذل‪ff‬ك مما ي‪ff‬ورث اليقني فال حاج‪ff‬ة إىل التطوي‪ff‬ل‪ .‬ومبث‪ff‬ل ه‪ff‬ذا الطري‪ff‬ق‬
‫تثبت نب‪f‬وة عيس‪f‬ى وال يق‪f‬در النص‪f‬راين على إنك‪f‬ار ش‪f‬يء من ذل‪f‬ك؛ فإن‪f‬ه ميكن أن يقاب‪f‬ل بعيس‪f‬ى فينك‪f‬ر حتدي‪f‬ه‬
‫ب ‪ff‬النبوة أو استش ‪ff‬هاده باحي ‪ff‬اء املوتى أو وج ‪ff‬ود إحي ‪ff‬اء املوتى أو ع ‪ff‬دم املعارض ‪ff‬ة أو يق ‪ff‬ال ع ‪ff‬ورض ومل يظه ‪ff‬ر‪،‬‬
‫وكل ذلك جماحدات ال يقدر عليها املعرتف بأصل النبوات‪ ،‬فإن قيل‪ :‬ما وجه إعجاز القرآن ؟ قلن‪ff‬ا اجلزال‪ff‬ة‬
‫والفص‪ff f‬احة م‪ff f‬ع النظم العجيب واملنه‪ff f‬اج اخلارج عن من‪ff f‬اهج كالم الع‪ff f‬رب يف خطبهم وأش‪ff f‬عارهم وس‪ff f‬ائر‬
‫ص ‪ff‬نوف كالمهم‪ ،‬واجلم ‪ff‬ع بني ه ‪ff‬ذا النظم وه ‪ff‬ذه اجلزال ‪ff‬ة معج ‪ff‬ز خ ‪ff‬ارج عن مق ‪ff‬دور البش ‪ff‬ر‪ ،‬نعم رمبا ي ‪ff‬رى‬
‫للعرب أشعار وخطب حكم فيها باجلزال‪f‬ة‪ ،‬ورمبا ينق‪f‬ل عن بعض من قص‪f‬د املعارض‪f‬ة مراع‪f‬اة ه‪f‬ذا النظم بع‪f‬د‬
‫تعلم ‪ff‬ه من الق ‪ff‬رآن‪ ،‬ولكن من غ ‪ff‬ري جزال ‪ff‬ة ب ‪ff‬ل م ‪ff‬ع ركاك ‪ff‬ة كم ‪ff‬ا حيكى عن تره ‪ff‬ات مس ‪ff‬يلمة الك ‪ff‬ذاب حيث‬
‫ق‪ff‬ال‪ :‬الفي‪ff‬ل وم‪ff‬ا أدراك م‪ff‬ا الفي‪ff‬ل ل‪ff‬ه ذنب وثي‪ff‬ل وخرط‪ff‬وم طوي‪ff‬ل‪ .‬فه‪ff‬ذا وأمثال‪ff‬ه رمبا يق‪ff‬در علي‪ff‬ه م‪ff‬ع ركاك‪ff‬ة‬
‫يستغثها الفص‪f‬حاء ويس‪f‬تهزؤون هبا‪ ،‬وأم‪f‬ا جزال‪f‬ة الق‪f‬رآن فق‪f‬د قض‪f‬ى كاف‪f‬ة الع‪f‬رب منه‪f‬ا العجب ومل ينق‪f‬ل عن‬
‫واحد منهم تشبث بطعن يف فصاحته‪ ،‬فهذا إذًا معجز وخارج عن مقدور البش‪f‬ر من ه‪f‬ذين ال‪f‬وجهني‪ ،‬أع‪f‬ين‬
‫من اجتم ‪ff‬اع ه ‪ff‬ذين ال ‪ff‬وجهني‪ ،‬ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل‪ :‬لع ‪ff‬ل الع ‪ff‬رب اش ‪ff‬تغلت باحملارب ‪ff‬ة والقت ‪ff‬ال فلم تع ‪ff‬رج على معارض ‪ff‬ة‬
‫القرآن ولو قصدت لق‪f‬درت علي‪f‬ه‪ ،‬أو منعته‪f‬ا العوائ‪f‬ق عن االش‪f‬تغال ب‪f‬ه‪ ،‬واجلواب أن م‪f‬ا ذك‪f‬روه ه‪f‬وس‪ ،‬ف‪f‬إن‬
‫دف‪ff‬ع حتدي املتح‪ff‬دي بنظم كالم أه‪ff‬ون من ال‪ff‬دفع بالس‪ff‬يف م‪ff‬ع م‪ff‬ا ج‪ff‬رى على الع‪ff‬رب من املس‪ff‬لمني باألس‪ff‬ر‬
‫والقت ‪ff‬ل والس ‪ff‬يب وش ‪ff‬ن الغ ‪ff‬ارات‪ ،‬مث م ‪ff‬ا ذك ‪ff‬روه غ ‪ff‬ري داف ‪ff‬ع غرض ‪ff‬نا‪ ،‬ف ‪ff‬إن انص ‪ff‬رافهم عن املعارض ‪ff‬ة مل يكن إال‬
‫بص‪ff‬رف من اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬والص‪ff‬رف عن املق‪ff‬دور املعت‪ff‬اد من أعظم املعج‪ff‬زات‪ ،‬فل‪ff‬و ق‪ff‬ال ن‪ff‬يب آي‪ff‬ة ص‪ff‬دقي أين يف‬
‫ه‪ff‬ذا الي‪ff‬وم أح‪ff‬رك أص‪ff‬بعي وال يق‪ff‬در أح‪ff‬د من البش‪ff‬ر على معارض‪ff‬يت‪ ،‬فلم يعارض‪ff‬ه أح‪ff‬د يف ذل‪ff‬ك الي‪ff‬وم‪ ،‬ثبت‬
‫صدقه‪ ،‬وكان فقد قدرهتم على احلركة مع سالمة األعض‪f‬اء من أعظم املعج‪f‬زات‪ .‬وإن ف‪f‬رض وج‪f‬ود الق‪f‬درة‬
‫ففقد داعيتهم وصرفهم عن املعارضة من أعظم املعجزات‪ ،‬مهما ك‪f‬انت ح‪f‬اجتهم ماس‪ًf‬ة إىل ال‪f‬دفع باس‪f‬تيالء‬
‫الن ‪ff‬يب على رق ‪ff‬اهبم وأم ‪ff‬واهلم‪ ،‬وذل ‪ff‬ك كل ‪ff‬ه معل ‪ff‬وم على الض ‪ff‬رورة‪ .‬فه ‪ff‬ذا طري ‪ff‬ق تق ‪ff‬دير نبوت ‪ff‬ه على النص ‪ff‬ارى‪،‬‬
‫ومهما تشبثوا بانكار شيء من هذه األمور اجلليلة فال تشتغل إال مبعارضتهم مبثله يف معج‪ff‬زات عيس‪ff‬ى علي‪ff‬ه‬
‫الس‪ff‬الم‪ .‬الطريق‪ff‬ة الثاني‪ff‬ة‪ :‬أن تثبت نبوت‪ff‬ه جبمل‪ff‬ة من األفع‪ff‬ال اخلارق‪ff‬ة للع‪ff‬ادات ال‪ff‬يت ظه‪ff‬رت علي‪ff‬ه‪ ،‬كانش‪ff‬قاق‬
‫القمر‪ ،‬ونطق العجماء‪ ،‬وتفجر املاء من بني أصابعه‪ ،‬وتسبيح احلصى يف كفه‪ ،‬وتكثري الطعام القليل‪ ،‬وغريه‬
‫من خوارق العادات‪ ،‬وكل ذلك دليل على صدقه‪ .‬فإن قيل‪ :‬آحاد هذه الوق‪f‬ائع مل يبل‪f‬غ نقله‪f‬ا مبل‪f‬غ الت‪f‬واتر‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ذلك أيضًا إن سلم فال يقدح يف العرض مهما كان اجملموع بالغًا مبلغ الت‪f‬واتر‪ ،‬وه‪f‬ذا كم‪f‬ا أن ش‪f‬جاعة‬
‫علي رض‪ff‬وان اهلل علي‪ff‬ه وس‪ff‬خاوة ح‪ff‬امت معلوم‪ff‬ان بالض‪ff‬رورة على القط‪ff‬ع ت‪ff‬واترًا‪ ،‬وآح‪ff‬اد تل‪ff‬ك الوق‪ff‬ائع مل تثبت‬
‫تواترًا‪ ،‬ولكن يعلم من جمموع اآلحاد على القطع ثبوت صفة الش‪f‬جاعة والس‪f‬خاوة‪ ،‬فك‪f‬ذلك ه‪f‬ذه األح‪f‬وال‬
‫العجيبة بالغة مجلتها مبلغ التواتر‪ ،‬ال يسرتيب فيها مسلم أصًال‪ .‬فإن قال قائل من النصارى‪ :‬هذه األم‪ff‬ور مل‬
‫تت‪ff‬واتر عن‪ff‬دي ال مجلته‪ff‬ا وال آحاده‪ff‬ا‪ .‬فيق‪ff‬ال‪ :‬ول‪ff‬و احناز يه‪ff‬ودي إىل قط‪ff‬ر من األقط‪ff‬ار ومل خيال‪ff‬ط النص‪ff‬ارى‬
‫وزعم أن‪ff‬ه مل تت‪ff‬واتر عن‪ff‬ده معج‪ff‬زات عيس‪ff‬ى‪ ،‬وإن ت‪ff‬واترت فعلى لس‪ff‬ان النص ‪ff‬ارى وهم مهتم‪ff‬ون ب‪ff‬ه‪ ،‬فبم‪ff‬اذا‬
‫ينفص‪ff‬لون عن‪ff‬ه ؟ وال انفص‪ff‬ال عن‪ff‬ه إال أن يق‪ff‬ال‪ :‬ينبغي أن خيال‪ff‬ط الق‪ff‬وم ال‪ff‬ذين ت‪ff‬واتر ذل‪ff‬ك بينهم ح‪ff‬ىت يت‪ff‬واتر‬
‫ذلك إليك‪ ،‬فإن األصم ال تتواتر عنده األخب‪f‬ار‪ ،‬وك‪f‬ذا املتص‪f‬امم‪ ،‬فه‪f‬ذا أيض‪ًf‬ا ع‪f‬ذرنا عن‪f‬د إنك‪f‬ار واح‪f‬د منهم‬
‫التواتر على هذا الوجه‪.‬‬
‫الباب الثاين يف بيان وجوب التصديق بأمور ورد هبا الش‪ff‬رع وقض‪ff‬ى جبوازه‪ff‬ا العق‪ff‬ل وفي‪ff‬ه مقدم‪ff‬ة وفص‪ff‬الن‪،‬‬
‫أم ‪ff‬ا املقدم ‪ff‬ة‪ :‬فه ‪ff‬و أن م ‪ff‬ا ال يعلم بالض ‪ff‬رورة ينقس ‪ff‬م إىل م ‪ff‬ا يعلم ب ‪ff‬دليل العق ‪ff‬ل دون الش ‪ff‬رع‪ ،‬وإىل م ‪ff‬ا يعلم‬
‫بالش‪ff‬رع دون العق‪ff‬ل‪ ،‬وإىل م‪ff‬ا يعلم هبم‪ff‬ا‪ .‬أم‪ff‬ا املعل‪ff‬وم ب‪ff‬دليل العق‪ff‬ل دون الش‪ff‬رع فه‪ff‬و ح‪ff‬دث الع‪ff‬امل ووج‪ff‬ود‬
‫احملدث وقدرته وعلمه وارادته‪ ،‬فإن كل ذلك ما مل يثبت مل يثبت الشرع‪ ،‬إذ الش‪ff‬رع يب‪ff‬ىن على الكالم ف‪ff‬إن‬
‫مل يثبت كالم النفس مل يثبت الش ‪ff‬رع‪ .‬فك ‪ff‬ل م ‪ff‬ا يتق ‪ff‬دم يف الرتب ‪ff‬ة على كالم النفس يس ‪ff‬تحيل إثبات ‪ff‬ه بكالم‬
‫النفس وم‪ff‬ا يس‪ff‬تند إلي‪ff‬ه ونفس الكالم أيض ‪ًf‬ا فيم‪ff‬ا اخرتن‪ff‬اه ال ميكن اثبات‪ff‬ه بالش‪ff‬رع‪ .‬ومن احملققني من تكل‪ff‬ف‬
‫ذل‪ff‬ك وادع‪ff‬اه كم‪ff‬ا س‪ff‬بقت االش‪ff‬ارة إلي‪ff‬ه‪ .‬وأم‪ff‬ا املعل‪ff‬وم مبج‪ff‬رد الس‪ff‬مع فتخص‪ff‬يص أح‪ff‬د اجلائزين ب‪ff‬الوقوع ف‪ff‬إن‬
‫ذلك من موافق العقول‪ ،‬وإمنا يعرف من اهلل تعاىل بوحي واهلام وحنن نعلم من الوحي إليه بس‪f‬ماع كاحلش‪f‬ر‬
‫والنشر والثواب والعقاب وأمثاهلما‪ ،‬وأما املعلوم هبما فكل ما هو واقع يف جمال العقل ومتأخر يف الرتبة عن‬
‫إثب‪ff‬ات كالم اهلل تع‪ff‬اىل كمس‪ff‬ألة الرؤي‪ff‬ة وانف‪ff‬راد اهلل تع‪ff‬اىل خبل‪ff‬ق احلرك‪ff‬ات واألغ‪ff‬راض كله‪ff‬ا وم‪ff‬ا جيري ه‪ff‬ذا‬
‫اجملرى‪ ،‬مث كلم‪f‬ا ورد الس‪f‬مع ب‪f‬ه ينظ‪f‬ر‪ ،‬ف‪f‬إن ك‪f‬ان العق‪ff‬ل جموزًا ل‪f‬ه وجب التص‪ff‬ديق ب‪f‬ه قطع‪ًf‬ا إن ك‪f‬انت األدل‪f‬ة‬
‫الس‪f‬معية قاطع‪f‬ة يف متنه‪f‬ا ومس‪f‬تندها ال يتط‪f‬رق إليه‪f‬ا احتم‪f‬ال‪ ،‬وجب التص‪f‬ديق هبا ظن‪ًf‬ا إن ك‪f‬انت ظني‪f‬ة‪ ،‬ف‪f‬إن‬
‫وج‪ff‬وب التص‪ff‬ديق باللس‪ff‬ان والقلب عم‪ff‬ل يب‪ff‬ىن على األدل‪ff‬ة الظني‪ff‬ة كس‪ff‬ائر األعم‪ff‬ال فنحن نعلم قطع ‪ًf‬ا إنك‪ff‬ار‬
‫الصحابة على من يدعي كون العبد خالقًا لشيء من األشياء وع‪ff‬رض من األع‪ff‬راض‪ ،‬وك‪ff‬انوا ينك‪ff‬رون ذل‪ff‬ك‬
‫مبج‪ff‬رد قول‪ff‬ه تع‪ff‬اىل "خ‪ff‬الق ك‪ff‬ل ش‪ff‬يء" ومعل‪ff‬وم أن‪ff‬ه ع‪ff‬ام قاب‪ff‬ل للتخص‪ff‬يص فال يك‪ff‬ون عموم‪ff‬ه إال مظنون‪ًf‬ا‪ ،‬إمنا‬
‫ص ‪ff‬ارت املس ‪ff‬ألة قطعي ‪ff‬ة ب ‪ff‬البحث على الط ‪ff‬رق العقلي ‪ff‬ة ال ‪ff‬يت ذكرناه ‪ff‬ا‪ ،‬ونعلم أهنم ك ‪ff‬انوا ينك ‪ff‬رون ذل ‪ff‬ك قب ‪ff‬ل‬
‫البحث عن الط ‪ff‬رق العقلي ‪ff‬ة وال ينبغي أن يعتق ‪ff‬د هبم أهنم مل يلتفت ‪ff‬وا إىل املدارك الظني ‪ff‬ة إال يف الفقهي ‪ff‬ات ب ‪ff‬ل‬
‫اعتربوها أيضًا يف التصديقات االعتقادية والقولية‪ .‬وأما ما قضى العقل باس‪f‬تحالته فيجب في‪f‬ه تأوي‪f‬ل م‪f‬ا ورد‬
‫السمع به وال يتص‪f‬ور أن يش‪f‬مل الس‪f‬مع على ق‪f‬اطع خمالف للمعق‪f‬ول‪ ،‬وظ‪f‬واهر أح‪f‬اديث التش‪f‬بيه أكثره‪f‬ا غ‪f‬ري‬
‫صحيحة‪ ،‬والصحيح منها ليس بقاطع بل هو قاب‪f‬ل للتأوي‪f‬ل‪ ،‬ف‪f‬إن توق‪f‬ف العق‪f‬ل يف ش‪f‬يء من ذل‪f‬ك فلم يقض‬
‫فيه باستحالة وال جواز وجب التص‪f‬ديق أيض‪ًf‬ا ألدل‪f‬ة الس‪f‬مع فيكفي يف وج‪f‬وب التص‪f‬ديق انفك‪f‬اك العق‪f‬ل عن‬
‫القضاء باإلحالة‪ ،‬وليس يشرتط اشتماله على القضاء لتج‪f‬ويز‪ ،‬وبني الرتب‪f‬تني ف‪f‬رق رمبا ي‪f‬زل ذهن البلي‪f‬د ح‪f‬ىت‬
‫ال ي‪ff‬درك الف‪ff‬رق بني ق‪ff‬ول القائ‪ff‬ل‪ :‬اعلم أن األم‪ff‬ر ج‪ff‬ائز‪ ،‬وبني قول‪ff‬ه‪ :‬ال أدري إن‪ff‬ه حمال أم ج‪ff‬ائز‪ ،‬وبينهم‪ff‬ا م‪ff‬ا‬
‫بني الس ‪ff‬ماء واألرض‪ ،‬إذ األول ج ‪ff‬ائز على اهلل تع ‪ff‬اىل والث ‪ff‬اين غ ‪ff‬ري ج ‪ff‬ائز‪ ،‬ف ‪ff‬إن األول معرف ‪ff‬ة ب ‪ff‬اجلواز والث ‪ff‬اين‬
‫عدم معرفة باالحالة‪ ،‬ووجوب التصديق ج‪f‬ائز يف القس‪f‬مني مجيع‪ًf‬ا فه‪f‬ذه هي املقدم‪f‬ة‪ .‬أم‪f‬ا الفص‪f‬ل األول ففي‬
‫بيان قضاء العقل مبا ج‪f‬اء الش‪f‬رع ب‪f‬ه من احلش‪f‬ر والنش‪f‬ر وع‪f‬ذاب الق‪f‬رب والص‪f‬راط وامليزان أم‪f‬ا احلش‪f‬ر فيع‪f‬ىن ب‪f‬ه‬
‫إع‪ff‬ادة اخلل‪f‬ق وق‪f‬د دلت علي‪f‬ه القواط‪ff‬ع الش‪f‬رعية‪ ،‬وه‪ff‬و ممكن ب‪f‬دليل االبت‪f‬داء‪ .‬ف‪f‬إن االع‪ff‬ادة خل‪f‬ق ث‪f‬ان وال ف‪f‬رق‬
‫بينه وبني االبتداء وإمنا يسمى إعادة باالضافة إىل االبتداء السابق‪ ،‬والقادر على االنشاء واالبتداء ق‪ff‬ادر على‬
‫االع ‪ff‬ادة وه ‪ff‬و املع ‪ff‬ين بقول ‪ff‬ه‪ :‬ق ‪ff‬ل حيييه ‪ff‬ا ال ‪ff‬ذي أنش ‪ff‬أها أول م ‪ff‬رة ف ‪ff‬إن قي ‪ff‬ل فم ‪ff‬اذا تقول ‪ff‬ون‪ :‬أتع ‪ff‬دم اجلواهر‬
‫واألع‪ff‬راض مث يع‪ff‬ادان مجيع ‪ًf‬ا‪ ،‬أو تع‪ff‬دم األع‪ff‬راض دون اجلواهر وإمنا تع‪ff‬اد األع‪ff‬راض ؟ قلن‪ff‬ا‪ :‬ك‪ff‬ل ذل‪ff‬ك ممكن‬
‫وليس يف الش‪ff‬رع دلي‪ff‬ل ق‪ff‬اطع على تع‪ff‬يني أح‪ff‬د ه‪ff‬ذه املمكن‪ff‬ات‪ .‬وأح‪ff‬د ال‪ff‬وجهني أن تنع‪ff‬دم األع‪ff‬راض ويبقى‬
‫جسم االنسان متصورًا بصورة الرتاب مثًال‪ ،‬فتكون قد زالت منه احلياة والل‪f‬ون والرطوب‪f‬ة وال‪f‬رتكيب واهليئ‪f‬ة‬
‫ومجل ‪ff‬ة من األع ‪ff‬راض‪ ،‬ويك ‪ff‬ون مع ‪ff‬ىن إعادهتا أن تع ‪ff‬اد إليه ‪ff‬ا تل ‪ff‬ك األع ‪ff‬راض بعينه ‪ff‬ا وتع ‪ff‬اد إليه ‪ff‬ا أمثاهلا‪ ،‬ف ‪ff‬إن‬
‫الع ‪ff‬رض عن ‪ff‬دنا ال يبقى واحلي ‪ff‬اة ع ‪ff‬رض واملوج ‪ff‬ود عن ‪ff‬دنا يف ك ‪ff‬ل س ‪ff‬اعة ع ‪ff‬رض آخ ‪ff‬ر‪ ،‬واالنس ‪ff‬ان ه ‪ff‬و ذل ‪ff‬ك‬
‫االنس‪ff‬ان باعتب‪ff‬ار جس‪ff‬مه فإن‪ff‬ه واح‪ff‬د ال باعتب‪ff‬ار أعراض‪ff‬ه‪ ،‬ف‪ff‬إن ك‪ff‬ل ع‪ff‬رض يتج‪ff‬دد ه‪ff‬و غ‪ff‬ري اآلخ‪ff‬ر‪ ،‬فليس من‬
‫شرط اإلعادة فرض إعادة األعراض‪ ،‬وإمنا ذكرنا هذا ملصري بعض األصحاب إىل استحالة إعادة األع‪ff‬راض‪،‬‬
‫وذل ‪ff‬ك باط ‪ff‬ل‪ ،‬ولكن الق ‪ff‬ول يف إبطال ‪ff‬ه يط ‪ff‬ول وال حاج ‪ff‬ة إلي ‪ff‬ه يف غرض ‪ff‬نا ه ‪ff‬ذا‪ .‬والوج ‪ff‬ه اآلخ ‪ff‬ر أن تع ‪ff‬دم‬
‫األجسام أيضًا مث تعاد األجسام بأن خترتع‪ .‬مرة ثانية‪ ،‬فإن قيل‪ :‬فيم يتميز املعاد عن مثل األول ؟ وم‪f‬ا مع‪f‬ىن‬
‫ق‪f‬ولكم أن املع‪f‬اد ه‪f‬و عني األول ومل يب‪f‬ق للمع‪f‬دوم عني ح‪f‬ىت تع‪f‬اد ؟ قلن‪f‬ا‪ :‬املع‪f‬دوم منقس‪f‬م يف علم اهلل إىل م‪f‬ا‬
‫سبق له وجود وإىل ما مل يسبق له وجود‪ ،‬كما أن العدم يف األزل ينقسم إىل ما سيكون ل‪f‬ه وج‪f‬ود وإىل م‪f‬ا‬
‫علم اهلل تعاىل أنه ال يوج‪f‬د؛ فه‪f‬ذا االنقس‪f‬ام يف علم اهلل ال س‪f‬بيل إىل انك‪f‬اره‪ ،‬والعلم ش‪f‬امل والق‪f‬درة واس‪f‬عة‪،‬‬
‫فمعىن اإلعادة أن نبذل بالوجود العدم الذي سبق له الوجود‪ ،‬ومعىن املث‪ff‬ل أن خيرتع الوج‪ff‬ود لع‪ff‬دم مل يس‪ff‬بق‬
‫ل‪ff‬ه وج‪ff‬ود‪ ،‬فه‪ff‬ذا مع‪ff‬ىن اإلع‪ff‬ادة‪ ،‬ومهم‪ff‬ا ق‪ff‬در اجلس‪ff‬م باقي ‪ًf‬ا ورد األم‪ff‬ر إىل جتدي‪ff‬د أع‪ff‬راض متاث‪ff‬ل األول حص‪ff‬ل‬
‫تص‪ff‬ديق الش‪ff‬رع ووق‪ff‬ع اخلالص عن إش‪ff‬كال اإلع‪ff‬ادة ومتي‪ff‬يز املع‪ff‬اد عن املث‪ff‬ل‪ ،‬وق‪ff‬د أطنبن‪ff‬ا يف ه‪ff‬ذه املس‪ff‬ألة يف‬
‫كت‪ff‬اب الته‪ff‬افت‪ ،‬وس‪ff‬لكنا يف إبط‪ff‬ال م‪ff‬ذهبهم تقري‪ff‬ر بق‪ff‬اء النفس ال‪ff‬يت هي غ‪ff‬ري متح‪ff‬يز عن‪ff‬دهم وتق‪ff‬دير ع‪ff‬ود‬
‫تدبريها إىل البدن سواء كان ذلك البدن هو عني جسم االنسان أو غريه‪ ،‬وذلك إل‪f‬زام ال يواف‪f‬ق م‪f‬ا نعتق‪f‬ده؛‬
‫ف‪f‬إن ذل‪f‬ك الكت‪f‬اب مص‪ff‬نف البط‪f‬ال م‪ff‬ذهبهم ال الثب‪f‬ات املذهب احلق‪ ،‬ولكنهم ملا ق‪f‬دروا أن االنس‪f‬ان ه‪ff‬و م‪ff‬ا‬
‫ه ‪ff‬و باعتب‪ff‬ار نفس‪ff‬ه وأن اش‪ff‬تغاله بت‪ff‬دبري كالع ‪ff‬ارض ل‪ff‬ه والب‪ff‬دن آل‪ff‬ة هلم‪ ،‬ألزمن‪ff‬اهم بع ‪ff‬د اعتق ‪ff‬ادهم بق ‪ff‬اء النفس‬
‫وج‪ff‬وب التص‪ff‬ديق باالع‪ff‬ادة وذل‪ff‬ك برج‪ff‬وع النفس إىل ت‪ff‬دبري ب‪ff‬دن من األب‪ff‬دان‪ ،‬والنظ‪ff‬ر اآلن يف حتقي‪ff‬ق ه‪ff‬ذا‬
‫الفص ‪ff‬ل ينج ‪ff‬ر إىل البحث عن ال ‪ff‬روح والنفس واحلي ‪ff‬اة وحقائقه ‪ff‬ا‪ ،‬وال حتتم ‪ff‬ل املعتق ‪ff‬دات التغلغ ‪ff‬ل إىل ه ‪ff‬ذه‬
‫الغايات يف املعقوالت‪ ،‬فم‪f‬ا ذكرن‪f‬اه ك‪f‬اف يف بي‪f‬ان االقتص‪f‬اد يف االعتق‪f‬اد للتص‪f‬ديق مبا ج‪f‬اء ب‪f‬ه الش‪f‬رع‪ ،‬وأم‪f‬ا‬
‫عذاب القرب فقد دلت عليه قواطع الشرع إذ تواتر عن الن‪f‬يب ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم وعن الص‪f‬حابة رض‪f‬ي اهلل‬
‫عنهم باالس ‪ff‬تعاذة من ‪ff‬ه يف األدعي ‪ff‬ة واش ‪ff‬تهر قول ‪ff‬ه عن ‪ff‬د املرور بق ‪ff‬ربين‪ :‬إهنم ‪ff‬ا ليع ‪ff‬ذبان ودل علي ‪ff‬ه قول ‪ff‬ه تع ‪ff‬اىل‬
‫"وح‪f‬اق ب‪f‬آل فرع‪ff‬ون س‪f‬وء الع‪ff‬ذاب الن‪f‬ار يعرض‪ff‬ون عليه‪ff‬ا غ‪ff‬دوًا وعش‪f‬يًا" اآلي‪f‬ة‪ ،‬وه‪ff‬و ممكن‪ ،‬فيجب التص‪ff‬ديق‬
‫ب‪ff‬ه‪ .‬ووج‪ff‬ه إمكان‪ff‬ه ظ‪ff‬اهر‪ ،‬وإمنا تنك‪ff‬ره املعتزل‪ff‬ة من حيث يقول‪ff‬ون إن‪ff‬ا ن‪ff‬رى ش‪ff‬خص امليت مش‪ff‬اهدة وه‪ff‬و غ‪ff‬ري‬
‫مع‪ff‬ذب وإن امليت رمبا تفرتس‪ff‬ه الس‪ff‬باع وتأكل‪ff‬ه‪ ،‬وه‪ff‬ذا ه‪ff‬وس؛ أم‪ff‬ا مش‪ff‬اهدة الش‪ff‬خص فه‪ff‬و مش‪ff‬اهدة لظ‪ff‬واهر‬
‫اجلسم واملدرك للعقاب جزء من القلب أو من الباطن كيف كان وليس من ض‪f‬رورة الع‪f‬ذاب ظه‪f‬ور حرك‪f‬ة‬
‫يف ظ‪ff‬اهر الب‪ff‬دن‪ ،‬ب‪ff‬ل الن‪ff‬اظر إىل ظ‪ff‬اهر الن‪ff‬ائم ال يش‪ff‬اهد م‪ff‬ا يدرك‪ff‬ه الن‪ff‬ائم من الل‪ff‬ذة عن‪ff‬د االحتالم ومن األمل‬
‫عن‪ff‬د ختي‪ff‬ل الض‪ff‬رب وغ‪ff‬ريه‪ ،‬ول‪ff‬و انتب‪ff‬ه الن‪ff‬ائم وأخ‪ff‬رب عن مش‪ff‬اهداته وآالم‪ff‬ه ولذات‪ff‬ه من مل جير ل‪ff‬ه عه‪ff‬د ب‪ff‬النوم‬
‫لب‪ff‬ادر إىل االنك‪ff‬ار اغ‪ff‬رتارًا بس‪ff‬كون ظ‪ff‬اهر جس‪ff‬مه‪ ،‬كمش‪ff‬اهدة إنك‪ff‬ار املعتزل‪ff‬ة لع‪ff‬ذاب الق‪ff‬رب وأم‪ff‬ا ال‪ff‬ذي تأكل‪ff‬ه‬
‫السباع فغاية ما يف الباب أن يكون بطن السبع ق‪f‬ربًا‪ ،‬فاع‪f‬ادة احلي‪f‬اة إىل ج‪f‬زء ي‪f‬درك الع‪f‬ذاب ممكن‪ ،‬فم‪f‬ا ك‪f‬ل‬
‫مت‪ff‬أمل ي‪ff‬درك األمل من مجي‪ff‬ع بدن‪ff‬ه‪ ،‬وأم‪ff‬ا س‪ff‬ؤال منك‪ff‬ر ونك‪ff‬ري فح‪ff‬ق‪ ،‬والتص‪ff‬ديق ب‪ff‬ه واجب ل‪ff‬ورود الش‪ff‬رع ب‪ff‬ه‬
‫وامكانه‪ ،‬ف‪f‬إن ذل‪f‬ك ال يس‪f‬تدعي منهم‪f‬ا إال تفهيم‪ًf‬ا بص‪f‬وت أو بغ‪f‬ري ص‪f‬وت‪ ،‬وال يس‪f‬تدعي من‪f‬ه إال فهم‪ًf‬ا‪ ،‬وال‬
‫يستدعي الفهم إال حياة‪ ،‬واإلنسان ال يفهم جبميع بدنه بل جبزء من باطن قلب‪f‬ه‪ ،‬واحي‪f‬اء ج‪f‬زء يفهم الس‪f‬ؤال‬
‫وجييب ممكن مق‪f‬دور علي‪f‬ه‪ ،‬فيبقى ق‪f‬ول القائ‪f‬ل إن‪f‬ا ن‪f‬رى امليت وال نش‪f‬اهد منك‪f‬رًا ونك‪f‬ريًا وال نس‪f‬مع ص‪f‬وهتما‬
‫يف السؤال وال صوت امليت يف اجلواب‪ ،‬فهذا يلزمه منه أن ينكر مشاهدة النيب صلى اهلل عليه وسلم جلربيل‬
‫علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم ومساعه كالم‪ff‬ه ومساع جربي‪ff‬ل جواب‪ff‬ه وال يس‪ff‬تطيع مص‪ff‬دق الش‪ff‬رع أن ينك‪ff‬ر ذل‪ff‬ك‪ ،‬إذ ليس في‪ff‬ه‬
‫إال أن اهلل تع‪ff‬اىل خل‪ff‬ق ل‪ff‬ه مساعًا ل‪ff‬ذلك الص‪ff‬وت ومش‪ff‬اهدة ل‪ff‬ذلك الش‪ff‬خص‪ ،‬ومل خيل‪ff‬ق للحاض‪ff‬رين عن‪ff‬ده وال‬
‫لعائشة رضي اهلل تعاىل عنها وقد كانت تك‪f‬ون عن‪f‬ده حاض‪f‬رة يف وقت ظه‪f‬ور برك‪f‬ات ال‪f‬وحي‪ ،‬فانك‪f‬ار ه‪f‬ذا‬
‫مصدره اإلحلاد وإنكار سعة القدرة‪ ،‬وقد فرغنا عن إبطاله ويلزم منه أيضًا إنكار ما يشاهده الن‪f‬ائم ويس‪f‬معه‬
‫من األصوات اهلائلة املزعجة‪ ،‬ولوال التجربة لبادر إىل االنكار كل من مسع من النائم حكاية أحواله‪ ،‬فتعسًا‬
‫ملن ضاقت حوصلته عن تقدير اتساع القدرة هلذه األمور املستحقرة باالض‪f‬افة إىل خل‪f‬ق الس‪f‬موات واألرض‬
‫وما بينهما‪ ،‬مع م‪f‬ا فيهم‪f‬ا من العج‪f‬ائب‪ .‬والس‪f‬بب ال‪f‬ذي ينف‪f‬ر طب‪f‬اع أه‪f‬ل الض‪f‬الل عن التص‪f‬ديق هبذه األم‪f‬ور‬
‫بعين‪ff‬ه منف‪ff‬ر عن التص‪ff‬ديق خبل‪ff‬ق االنس‪ff‬ان من نطف‪ff‬ة ق‪ff‬ذرة م‪ff‬ع م‪ff‬ا في‪ff‬ه من العج‪ff‬ائب واآلي‪ff‬ات أوًال أن املش‪ff‬اهدة‬
‫تض ‪ff‬طره إىل التص ‪ff‬ديق ف‪ff‬إذًا م ‪ff‬ا ال بره ‪ff‬ان على إحالت‪ff‬ه ال ينبغي أن ينك‪ff‬ر مبج‪ff‬رد االس‪ff‬تبعاد‪ .‬وأم ‪ff‬ا امليزان فه ‪ff‬و‬
‫أيضًا حق وق‪f‬د دلت علي‪f‬ه قواط‪f‬ع الس‪f‬مع‪ ،‬وه‪f‬و ممكن ف‪f‬وجب التص‪f‬ديق ب‪f‬ه‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬كي‪f‬ف ت‪f‬وزن األعم‪f‬ال‬
‫وهي أع‪ff‬راض وق‪ff‬د انع‪ff‬دمت‪ ،‬واملع‪ff‬دوم ال ي‪ff‬وزن ؟ وإن ق‪ff‬درت إعادهتا وخلقه‪ff‬ا يف جس‪ff‬م امليزان ك‪ff‬ان حماًال‬
‫الس‪ff‬تحالة إع‪ff‬ادة األع‪ff‬راض‪ .‬مث كي‪ff‬ف ختل‪ff‬ق حرك‪ff‬ة ي‪ff‬د االنس‪ff‬ان وهي طاعت‪ff‬ه يف جس‪ff‬م امليزان ؟ أيتح‪ff‬رك هبا‬
‫امليزان فيكون ذل‪f‬ك حرك‪f‬ة امليزان ال حرك‪f‬ة ي‪f‬د االنس‪f‬ان أم ال تتح‪f‬رك فتك‪f‬ون احلرك‪f‬ة ق‪f‬د ف‪f‬اتت جبس‪f‬م ليس‬
‫ه‪ff f‬و متحرك ‪ًf f‬ا هبا‪ ،‬وه‪ff f‬و حمال ؟ مث إن حترك فيتف‪ff f‬اوت من امليزان بق‪ff f‬در ط‪ff f‬ول احلرك‪ff f‬ات وكثرهتا ال بق‪ff f‬در‬
‫مراتب األجور‪ ،‬فرب حركة جبرء من البدن يزيد إمثها على حرك‪f‬ة مجي‪f‬ع الب‪f‬دن فراس‪f‬خ فه‪ff‬ذا حمال‪ .‬فنق‪ff‬ول‪:‬‬
‫قد سئل الن‪f‬يب ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم عن ه‪f‬ذا فق‪f‬ال‪" :‬ت‪f‬وزن ص‪f‬حائف األعم‪f‬ال ف‪f‬إن الك‪f‬رام الك‪f‬اتبني يكتب‪f‬ون‬
‫األعم‪ff f‬ال يف ص‪ff f‬حائف هي أجس‪ff f‬ام‪ ،‬ف‪ff f‬إذا وض‪ff f‬عت يف امليزان خل‪ff f‬ق اهلل تع‪ff f‬اىل يف كفته‪ff f‬ا ميًال بق‪ff f‬در رتب‪ff f‬ة‬
‫الطاعات وهو على ما يشاء قدير"‪ .‬فإن قيل‪ :‬فأي فائدة يف هذا ؟ وما معىن احملاسبة ؟ قلنا‪ :‬ال نطلب لفعل‬
‫اهلل تعاىل فائدة‪" :‬ال يسأل عما يفعل وهو يسألون"‪ .‬مت قد دللن‪f‬ا على ه‪ff‬ذا‪ .‬مث أي بع‪ff‬د يف أن تك‪f‬ون الفائ‪f‬دة‬
‫في ‪ff‬ه أن يش ‪ff‬اهد العب ‪ff‬د مق ‪ff‬دار أعمال ‪ff‬ه ويعلم أن ‪ff‬ه جمزي هبا بالع ‪ff‬دل أو يتج ‪ff‬اوز عن ‪ff‬ه ب ‪ff‬اللطف‪ ،‬ومن يع ‪ff‬زم على‬
‫معاقب‪ff‬ة وكيل‪ff‬ه جبنايت‪ff‬ه يف أموال‪ff‬ه أو يع‪ff‬زم على اإلب‪ff‬راء فمن أين يبع‪ff‬د أن يعرف‪ff‬ه مق‪ff‬دار جنايت‪ff‬ه بأوض‪ff‬ح الط‪ff‬رق‬
‫ليعلم أن‪ff‬ه يف عقوبت‪ff‬ه ع‪ff‬ادل ويف التج‪ff‬اوز عن‪ff‬ه متفض‪ff‬ل‪ .‬ه‪ff‬ذا إن طلبت الفائ‪ff‬دة ألفع‪ff‬ال اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬وق‪ff‬د س‪ff‬بق‬
‫بطالن ذل‪f‬ك‪ .‬وأم‪f‬ا الص‪f‬راط فه‪f‬و أيض‪ًf‬ا ح‪f‬ق‪ ،‬والتص‪f‬ديق ب‪f‬ه واجب‪ ،‬ألن‪f‬ه ممكن‪ .‬فإن‪f‬ه عب‪f‬ارة عن جس‪f‬ر ممدود‬
‫على منت جهنم يرده اخللق كافة‪ ،‬فإذا توافوا عليه قيل للمالئكة "وقفوهم إهنم مسؤولون" ف‪ff‬إن قي‪ff‬ل‪ :‬كي‪ff‬ف‬
‫ميكن ذل‪ff‬ك وفيم‪ff‬ا روى أدق من الش‪ff‬عر وأح‪ff‬د من الس‪ff‬يف‪ ،‬فكي‪ff‬ف ميكن املرور علي‪ff‬ه ؟ قلن‪ff‬ا ه‪ff‬ذا إن ص‪ff‬در‬
‫ممن ينك‪ff‬ر ق‪ff‬درة اهلل تع ‪ff‬اىل‪ ،‬ف‪ff‬الكالم مع ‪ff‬ه يف إثب‪ff‬ات عم‪ff‬وم قدرت‪ff‬ه وق‪ff‬د فرغن‪ff‬ا عنه ‪ff‬ا‪ .‬وإن ص ‪ff‬در من مع ‪ff‬رتف‬
‫بالق ‪ff‬درة فليس املش ‪ff‬ي على ه ‪ff‬ذا ب ‪ff‬أعجب من املش ‪ff‬ي يف اهلواء‪ ،‬وال ‪ff‬رب تع ‪ff‬اىل ق ‪ff‬ادر على خل ‪ff‬ق ق ‪ff‬درة علي ‪ff‬ه‪،‬‬
‫ومعن‪ff‬اه أن خيل‪ff‬ق ل‪ff‬ه ق‪ff‬درة املش‪ff‬ي على اهلواء وال خيل‪ff‬ق يف ذات‪ff‬ه هوي ‪ًf‬ا إىل أس‪ff‬فل‪ ،‬وال يف اهلواء احنراف‪ ،‬ف‪ff‬إذا‬
‫أمكن ه‪f‬ذا يف اهلواء فالص‪f‬راط أثبت من اهلواء بك‪f‬ل ح‪f‬ال‪ .‬الفص‪f‬ل الث‪f‬اين‪ :‬يف االعت‪f‬ذار عن اإلخالل بفص‪f‬ول‬
‫ش‪ff‬حنت هبا املعتق‪ff‬دات ف‪ff‬رأيت اإلع‪ff‬راض عن ذكره‪ff‬ا أوىل ألن املعتق‪ff‬دات املختص‪ff‬رة حقه‪ff‬ا أن ال تش‪ff‬تمل إال‬
‫على املهم الذي ال ب‪f‬د من‪f‬ه يف ص‪f‬حة االعتق‪f‬اد‪ .‬أم‪f‬ا األم‪f‬ور ال‪f‬يت ال حاج‪f‬ة إىل إخطاره‪f‬ا بالب‪f‬ال‪ ،‬وإن خط‪f‬رت‬
‫بالبال فال معصية يف عدم معرفتها وعدم العلم بأحكامها‪ ،‬فاخلوض فيه‪ff‬ا حبث عن حق‪ff‬ائق األم‪ff‬ور وهي غ‪ff‬ري‬
‫الئق‪ff‬ة مبا ي‪ff‬راد من‪ff‬ه هتذيب االعتق‪ff‬اد‪ ،‬وذل‪ff‬ك الفن حتص‪ff‬ره ثالث‪ff‬ة فن‪ff‬ون‪ :‬عقلي‪ ،‬ولفظي‪ ،‬وفقهي‪ .‬أم‪ff‬ا العقلي‪،‬‬
‫ف‪ff‬البحث عن الق‪ff‬درة احلادث‪ff‬ة أهنا تتعل‪ff‬ق بالض‪ff‬دين أم ال‪ ،‬وتتعل‪ff‬ق باملختلف‪ff‬ات أم ال‪ ،‬وه‪ff‬ل جيوز ق‪ff‬درة حادث‪ff‬ة‬
‫تتعل‪f‬ق بفع‪ff‬ل مب‪f‬اين حملل الق‪ff‬درة وأمث‪f‬ال ل‪f‬ه‪ .‬وأم‪ff‬ا اللفظي فك‪f‬البحث عن املس‪f‬مى باس‪f‬م ال‪f‬رزق م‪ff‬ا ه‪ff‬و‪ ،‬ولف‪ff‬ظ‬
‫التوفي‪ff‬ق واخلذالن واالميان م‪ff‬ا ح‪ff‬دودها ومس‪ff‬بباهتا‪ .‬وأم‪ff‬ا الفقهي فك‪ff‬البحث عن األم‪ff‬ر ب‪ff‬املعروف م‪ff‬ىت جيب‪،‬‬
‫وعن التوبة ما حكمها‪ ،‬إىل نظائر ذلك‪ .‬وكل ذل‪f‬ك ليس مبهم يف ال‪f‬دين‪ ،‬ب‪f‬ل املهم أن ينفي االنس‪f‬ان الش‪f‬ك‬
‫عن نفس‪ff‬ه يف ذات اهلل تع‪ff‬اىل‪ ،‬على الق‪ff‬در ال‪ff‬ذي حق‪ff‬ق يف القطب األول‪ ،‬ويف ص‪ff‬فاته وأحكامه‪ff‬ا كم‪ff‬ا حق‪ff‬ق‬
‫يف القطب الث‪f‬اين‪ ،‬ويف أفعال‪f‬ه ب‪f‬أن يعتق‪f‬د فيه‪f‬ا اجلواز دون الوج‪f‬وب كم‪f‬ا يف القطب الث‪f‬الث‪ ،‬ويف رس‪f‬ول اهلل‬
‫ص‪ff‬لى اهلل علي‪ff‬ه وس‪ff‬لم ب‪ff‬أن يع‪ff‬رف ص‪ff‬دقه ويص‪ff‬دقه يف ك‪ff‬ل م‪ff‬ا ج‪ff‬اء ب‪ff‬ه كم‪ff‬ا ذكرن‪ff‬اه يف القطب الراب‪ff‬ع‪ ،‬وم‪ff‬ا‬
‫خرج عن هذا فغري مهم‪ .‬وحنن نورد من كل فن مما أمهلناه مسألة ليعرف هبا نظائره‪ff‬ا وحيق‪ff‬ق خروجه‪ff‬ا عن‬
‫املهم‪ff‬ات املقص‪ff‬ودات يف املعتق‪ff‬دات‪ .‬أم‪ff‬ا املس‪ff‬ألة األوىل العقلي‪ff‬ة‪ :‬فك‪ff‬اختالف الن‪ff‬اس يف أن من قت‪ff‬ل ه‪ff‬ل يق‪ff‬ال‬
‫إنه مات بأجله ؟ ول‪f‬و ق‪f‬در ع‪f‬دم قتل‪f‬ه ه‪f‬ل ك‪f‬ان جيب موت‪f‬ه أم ال ؟ وه‪f‬ذا فن من العلم ال يض‪f‬ر ترك‪f‬ه‪ ،‬ولكن‪f‬ا‬
‫نش‪ff‬ري إىل طري‪ff‬ق الكش‪ff‬ف في‪ff‬ه‪ .‬فنق‪ff‬ول‪ :‬ك‪ff‬ل ش‪ff‬يئني ال ارتب‪ff‬اط ألح‪ff‬دمها ب‪ff‬اآلخر‪ ،‬مث اقرتن‪ff‬ا يف الوج‪ff‬ود‪ ،‬فليس‬
‫يلزم من تقدير نفي أحدمها انتفاء اآلخر‪ .‬فلو مات زيد وعمرو معًا مث قدرنا عدم موت زي‪f‬د مل يل‪f‬زم من‪f‬ه ال‬
‫عدم موت عمرو وال وجود موته‪ ،‬وكذلك إذا مات زيد عن‪f‬د كس‪f‬وف القم‪f‬ر مثًال‪ ،‬فل‪f‬و ق‪f‬درنا ع‪f‬دم املوت‬
‫مل يل‪ff‬زم ع‪ff‬دم الكس‪ff‬وف بالض‪ff‬رورة‪ ،‬ول‪ff‬و ق‪ff‬درنا ع‪ff‬دم الكس‪ff‬وف مل يل‪ff‬زم ع‪ff‬دم املوت إذ ال ارتب‪ff‬اط ألح‪ff‬دمها‬
‫ب‪ff‬اآلخر‪ ،‬فأم‪ff‬ا الش‪ff‬يئان الل‪ff‬ذان بينهم‪ff‬ا عالق‪ff‬ة وارتب‪ff‬اط فهم‪ff‬ا ثالث‪ff‬ة أقس‪ff‬ام‪ :‬أح‪ff‬دها‪ :‬أن تك‪ff‬ون العالق‪ff‬ة متكافئ‪ff‬ة‬
‫كالعالقة بني اليمني والشمال والفوق والتحت‪ ،‬فهذا مما يلزم فقد أحدمها عند تقدير فقد اآلخ‪f‬ر ألهنم‪f‬ا من‬
‫املتضايفان اليت ال يتقوم حقيقة أحدمها إال مع اآلخر‪ .‬الثاين‪ :‬أن ال يك‪f‬ون على التك‪f‬افؤ‪ ،‬لكن ألح‪f‬دمها رتب‪f‬ة‬
‫التقدم كالشرط مع املشروط‪ .‬ومعلوم أنه يلزم عدم الشرط‪ ،‬فإذا رأينا علم الشخص م‪f‬ع حيات‪f‬ه وإرادت‪f‬ه م‪f‬ع‬
‫علم‪ff‬ه فيل‪ff‬زم ال حمال‪ff‬ة من تق‪ff‬دير انتف‪ff‬اء احلي‪ff‬اة انتف‪ff‬اء العلم‪ ،‬ومن تق‪ff‬دير انتف‪ff‬اء العلم انتف‪ff‬اء االرادة‪ ،‬ويع‪ff‬رب عن‬
‫ه‪ff‬ذا بالش‪ff‬رط وه‪ff‬و ال‪ff‬ذي ال ب‪ff‬د من‪ff‬ه لوج‪ff‬ود الش‪ff‬يء ولكن ليس وج‪ff‬ود الش‪ff‬يء ب‪ff‬ه ب‪ff‬ل عن‪ff‬ه ومع‪ff‬ه‪ .‬الث‪ff‬الث‪:‬‬
‫العالق ‪ff‬ة ال ‪ff‬يت بني العل ‪ff‬ة واملعل ‪ff‬ول‪ .‬ويل ‪ff‬زم من تق ‪ff‬دير ع ‪ff‬دم العل ‪ff‬ة ع ‪ff‬دم املعل ‪ff‬ول إن مل يكن للمعل ‪ff‬ول إال عل ‪ff‬ة‬
‫واح ‪ff‬دة‪ ،‬وإن تص ‪ff‬ور أن تك ‪ff‬ون ل ‪ff‬ه عل ‪ff‬ة أخ ‪ff‬رى فيل ‪ff‬زم من تق ‪ff‬دير نفي ك ‪ff‬ل العل ‪ff‬ل نفي املعل ‪ff‬ول‪ ،‬وال يل ‪ff‬زم من‬
‫تق‪ff‬دير نفي عل‪ff‬ة بعينه‪ff‬ا نفي املعل‪ff‬ول مطلق‪ًf‬ا‪ ،‬ب‪ff‬ل يل‪ff‬زم نفي معل‪ff‬ول تل‪ff‬ك العل‪ff‬ة على اخلص‪ff‬وص‪ .‬ف‪ff‬إذا مته‪ff‬د ه‪ff‬ذا‬
‫املع‪ff‬ىن رجعن‪ff‬ا إىل القت‪ff‬ل واملوت؛ فالقت‪ff‬ل عب‪ff‬ارة عن ح‪ff‬ز الرقب‪ff‬ة وه‪ff‬و راج‪ff‬ع إىل أع‪ff‬راض هي حرك‪ff‬ات يف ي‪ff‬د‬
‫الضارب والسيف وأعراض هي افرتاقات يف أجزاء رقبة املضروب‪ ،‬وقد اق‪f‬رتن هبا ع‪ff‬رض آخ‪f‬ر وه‪ff‬و املوت‪،‬‬
‫فإن مل يكن بني احلز واملوت ارتباط مل يل‪f‬زم من تق‪f‬دير نفي احلز نفي املوت فإهنم‪f‬ا ش‪f‬يئان خملوق‪f‬ان مع‪ًf‬ا على‬
‫االق‪ff‬رتان حبكم إج‪ff‬راء الع‪ff‬ادة ال ارتب‪ff‬اط ألح‪ff‬دمها ب‪ff‬آخر‪ ،‬فه‪ff‬و ك‪ff‬املقرتنني الل‪ff‬ذين مل جتر الع‪ff‬ادة باقرتاهنم‪ff‬ا وإن‬
‫ك‪ff‬ان احلز عل‪f‬ة املوت ومول‪ff‬ده‪ ،‬وإن مل تكن عل‪ff‬ة س‪ff‬واه ل‪ff‬زم من انتفائ‪ff‬ه انتف‪ff‬اء املوت‪ ،‬ولكن ال خالف يف أن‬
‫للموت علًال من أم‪f‬راض وأس‪f‬باب باطن‪f‬ة س‪f‬وى احلز عن‪f‬د الق‪f‬ائلني بالعل‪f‬ل‪ ،‬فال يل‪f‬زم من نفي احلز نفي املوت‬
‫مطلقًا ما مل يق‪f‬در م‪f‬ع ذل‪f‬ك إنتف‪f‬اء س‪f‬ائر العل‪f‬ل‪ ،‬ف‪f‬نرجع إىل غرض‪f‬نا فنق‪f‬ول‪ :‬من اعتق‪f‬د من أه‪f‬ل الس‪f‬نة أن اهلل‬
‫مستبد ب‪f‬االخرتاع بال تول‪f‬د‪ ،‬وال يك‪f‬ون خمل‪f‬وق عل‪f‬ة خمل‪f‬وق‪ ،‬فنق‪f‬ول‪ :‬املوت أم‪f‬ر اس‪f‬تبد ال‪f‬رب تع‪f‬اىل باخرتاع‪f‬ه‬
‫م‪ff f‬ع احلز‪ ،‬فال جيب من تق‪ff f‬دير ع‪ff f‬دم احلز ع‪ff f‬دم املوت وه‪ff f‬و احلق؛ ومن اعتق‪ff f‬د كون‪ff f‬ه عل‪ff f‬ة وانض‪ff f‬اف إلي‪ff f‬ه‬
‫مشاهدته صحة اجلسم وع‪f‬دم مهل‪f‬ك من خ‪f‬ارج اعتق‪f‬د أن‪f‬ه ل‪f‬و انتفى احلز وليس مث عل‪f‬ة أخ‪f‬رى وجب انتف‪f‬اء‬
‫املعلول النتفاء مجيع العلل‪ ،‬وهذا االعتقاد صحيح لو ص‪ff‬ح اعتق‪ff‬اد التعلي‪f‬ل وحص‪ff‬ر العل‪f‬ل فيم‪f‬ا ع‪ff‬رف انتف‪ff‬اؤه‬
‫فإذًا هذه املسألة يطول النزاع فيها‪ ،‬ومل يشعر أكثر اخلائضني فيها مبثارها فينبغي أن نطلب هذا من الق‪ff‬انون‬
‫الذي ذكرناه يف عموم قدرة اهلل تع‪f‬اىل وإبط‪f‬ال التول‪f‬د‪ .‬ويب‪f‬ىن على ه‪f‬ذا أن من‪f‬ق ت‪f‬ل ينبغي أن يق‪f‬ال إن‪f‬ه م‪f‬ات‬
‫بأجله ألن األجل عبارة عن الوقت الذي خلق اهلل تعاىل فيه موته سواء كان معه حز رقبة أو كسوف قم‪ff‬ر‬
‫أو ن ‪ff‬زول مط ‪ff‬ر أو مل يكن‪ ،‬ألن ك ‪ff‬ل ه ‪ff‬ذه عن ‪ff‬دنا مقرتن ‪ff‬ات وليس ‪ff‬ت م ‪ff‬ؤثرات ولكن اق ‪ff‬رتان بعض ‪ff‬ها يتك ‪ff‬رر‬
‫بالع ‪ff‬ادة‪ ،‬وبعض ‪ff‬ها ال يتك ‪ff‬رر‪ ،‬فأم ‪ff‬ا من جع ‪ff‬ل املوت س ‪ff‬ببًا طبيعي ‪ًf‬ا من الفط ‪ff‬رة وزعم أن ك ‪ff‬ل م ‪ff‬زاج فل ‪ff‬ه رتب ‪ff‬ة‬
‫معلوم‪ff‬ة يف الق‪ff‬وة إذا خليت ونفس‪ff‬ها متادت إىل منته‪ff‬ا م‪ff‬دهتا‪ ،‬ول‪ff‬و فس‪ff‬دت على س‪ff‬بيل االح‪ff‬رتام ك‪ff‬ان ذل‪ff‬ك‬
‫اس‪ff‬تعجاًال‪ ،‬باإلض‪ff‬افة إىل مقتض‪ff‬ى طباعه‪ff‬ا‪ ،‬واألج‪ff‬ل عب‪ff‬ارة عن املدة الطبيعي‪ff‬ة‪ ،‬كم‪ff‬ا يق‪ff‬ال احلائ‪ff‬ط مثًال يبقى‬
‫مائ‪ff‬ة س‪ff‬نة بق‪ff‬در إحك‪ff‬ام بنائ‪ff‬ه‪ ،‬وميكن أن يه‪ff‬دم بالف‪ff‬أس يف احلال‪ ،‬واألج‪ff‬ل يع‪ff‬رب ب‪ff‬ه عن مدت‪ff‬ه ال‪ff‬يت ل‪ff‬ه بذات‪ff‬ه‬
‫وقوته‪ ،‬فيلزم من ذلك أن يق‪f‬ال إذا ه‪f‬دم بالف‪f‬أس مل ينه‪f‬دم بأجل‪f‬ه وإن مل يتع‪f‬رض ل‪f‬ه من خ‪f‬ارج ح‪f‬ىت احنطت‬
‫أجزاؤه فيقال اهندم بأجل‪f‬ه‪ ،‬فه‪f‬ذا اللف‪f‬ظ ين‪f‬يبء على ذل‪f‬ك األص‪f‬ل‪ .‬املس‪f‬ألة الثاني‪f‬ة وهي اللفظي‪f‬ة‪ :‬فك‪f‬اختالفهم‬
‫يف أن االميان ه ‪ff‬ل يزي ‪ff‬د وينقص أم ه ‪ff‬و على رتب ‪ff‬ة واح ‪ff‬دة‪ .‬وه ‪ff‬ذا االختالف منش ‪ff‬ؤه اجله ‪ff‬ل بك ‪ff‬ون االس ‪ff‬م‬
‫مشرتكًا‪ ،‬أعين اس‪f‬م االميان‪ ،‬وإذا فص‪f‬ل مس‪f‬ميات ه‪f‬ذا اللف‪f‬ظ ارتف‪f‬ع اخلالف‪ .‬وه‪f‬و مش‪f‬رتك بني ثالث‪f‬ة مع‪f‬ان‪:‬‬
‫إذ قد يعرب به عن التصديق اليقني الربهاين‪ ،‬وقد يعرب به عن االعتق‪f‬اد التقلي‪f‬دي إذا ك‪f‬ان جزم‪ًf‬ا‪ ،‬وق‪f‬د يع‪f‬رب ب‪f‬ه‬
‫عن تص‪ff‬ديق مع‪ff‬ه العم‪ff‬ل مبوجب التص‪ff‬ديق ودلي‪ff‬ل اطالق‪ff‬ه على األول أن من ع‪ff‬رف اهلل تع‪ff‬اىل بال‪ff‬دليل وم‪ff‬ات‬
‫عقيب معرفت‪ff‬ه فإن‪ff‬ا حنكم بأن‪ff‬ه م‪ff‬ات مؤمن‪ًf‬ا‪ .‬ودلي‪ff‬ل اطالق‪ff‬ه على التص‪ff‬ديق التقلي‪ff‬دي أن مجاهري الع‪ff‬رب ك‪ff‬انوا‬
‫يصدقون رسول اهلل تعاىل صلى اهلل عليه وسلم مبجرد إحسانه إليهم وتلطفه هبم ونظ‪f‬رهم يف ق‪f‬وانني أحوال‪f‬ه‬
‫من غري نظر يف أدلة الواحدانية ووجه دالل‪f‬ة املعج‪f‬زة‪ ،‬وك‪f‬ان حيكم رس‪f‬ول اهلل ص‪ff‬لى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم بإمياهنم‬
‫وق ‪ff‬د ق ‪ff‬ال تع ‪ff‬اىل "وم ‪ff‬ا أنت مبؤمن لن ‪ff‬ا" أي مبص ‪ff‬دق‪ ،‬ومل يف ‪ff‬رق بني تص ‪ff‬ديق وتص ‪ff‬ديق‪ ،‬ودلي ‪ff‬ل إطالق ‪ff‬ه على‬
‫الفعل‪ ،‬قول‪f‬ه علي‪f‬ه الس‪f‬الم‪ :‬ال ي‪f‬زين ال‪f‬زاين وه‪f‬و م‪f‬ؤمن حني ي‪f‬زين وقول‪f‬ه علي‪f‬ه الس‪f‬الم‪ :‬االميان بض‪f‬عة وس‪f‬بعون‬
‫بابًا أدناها إماطة األذى عن الطريق فنرجع إىل املقص‪f‬ود ونق‪f‬ول‪ :‬إن أطل‪f‬ق اإلميان مبع‪f‬ىن التص‪f‬ديق الربه‪f‬اين مل‬
‫يتصور زيادته وال نقصانه‪ ،‬بل اليقني إن حصل بكمال‪f‬ه فال مزي‪f‬د علي‪f‬ه‪ .‬وإن مل حيص‪f‬ل بكمال‪f‬ه فليس بيقني‪،‬‬
‫وهي خط‪ff‬ة واح‪ff‬دة وال يتص‪ff‬ور فيه‪ff‬ا زي‪ff‬ادة ونقص‪ff‬ان إال أن ي‪ff‬راد ب‪ff‬ه زي‪ff‬ادة وض‪ff‬وح أي زي‪ff‬ادة طمأنين‪ff‬ة النفس‬
‫إليه ب‪f‬أن النفس تطمئن إىل اليقيني‪f‬ات النظري‪f‬ة يف االبت‪f‬داء إىل ح‪f‬ل م‪f‬ا‪ ،‬ف‪f‬إذا ت‪f‬واردت األدل‪f‬ة على ش‪f‬يء واح‪f‬د‬
‫أف‪ff f‬اد بظ‪ff f‬اهر األدل‪ff f‬ة زي‪ff f‬ادة طمأنين‪ff f‬ة‪ .‬وك‪ff f‬ل من م‪ff f‬ارس العل‪ff f‬وم أدرك تفاوت ‪ًf f‬ا يف طمأنيني‪ff f‬ة نفس‪ff f‬ه إىل العلم‬
‫الض ‪ff‬روري‪ ،‬وه ‪ff‬و العلم ب ‪ff‬أن االث ‪ff‬نني أك ‪ff‬ثر من الواح ‪ff‬د وإىل العلم حيدث الع ‪ff‬امل وإن حمدث ‪ff‬ه واح ‪ff‬د‪ ،‬مث ي ‪ff‬درك‬
‫أيض ‪ًf‬ا تفرق‪ff‬ة بني آح‪ff‬اد املس‪ff‬ائل بك‪ff‬ثرة أدلته‪ff‬ا وقلته‪ff‬ا‪ .‬فالتف‪ff‬اوت يف طمأنيني‪ff‬ة النفس مش‪ff‬اهد لك‪ff‬ل ن‪ff‬اظر من‬
‫باطنه‪ ،‬فإذا فسرت الزيادة به مل مينعه أيضًا يف هذا التصديق‪ .‬أما إذا أطلق مبعىن التصديق التقليدي فذلك ال‬
‫س‪ff‬بيل إىل جح‪ff‬د التف‪ff‬اوت في‪ff‬ه؛ فإن‪ff‬ا ن‪ff‬درك باملش‪ff‬اهدة من ح‪ff‬ال اليه‪ff‬ودي يف تص‪ff‬ميمه على عق‪ff‬ده ومن ح‪ff‬ال‬
‫النصراين واملسلم تفاوتًا‪ ،‬حىت أن الواحد منهم ال يؤثر يف نفسه وحل عقد ملبه التهويالت والتخويفات وال‬
‫التحقيقات العلمية وال التخيالت اإلقناعية‪ ،‬والواحد منهم م‪f‬ع كون‪f‬ه جازم‪ًf‬ا يف اعتق‪f‬اده تك‪f‬ون نفس‪f‬ه أط‪f‬وع‬
‫لقبول اليقني‪ ،‬وذلك ألن االعتقاد على القلب مثل عق‪f‬دة ليس فيه‪f‬ا انش‪f‬راح وب‪f‬رد يقني‪ .‬والعق‪f‬دة ختتل‪f‬ف يف‬
‫ش‪ff‬دهتا وض‪ff‬عفها فال ينك‪ff‬ر ه‪ff‬ذا التف‪ff‬اوت منص‪ff‬ف وإمنا ينك‪ff‬ره ال‪ff‬ذين مسعوا من العل‪ff‬وم واالعتق‪ff‬ادات أس‪ff‬اميها‬
‫ومل يدركوا من أنفسهم ذوقها‪ ،‬ومل يالحظوا اختالف أحواهلم وأحوال غريهم فيه‪f‬ا‪ .‬وأم‪f‬ا إذا أطل‪f‬ق ب‪f‬املعىن‬
‫الث‪ff‬الث وه‪ff‬و العم‪ff‬ل م‪ff‬ع التص‪ff‬ديق‪ ،‬فال خيفى بط‪ff‬رق التف‪ff‬اوت إىل نفس العم‪ff‬ل‪ ،‬وه‪ff‬ل يتط‪ff‬رق بس‪ff‬بب املواظب‪ff‬ة‬
‫على العمل تفاوت إىل نفس التصديق‪ ،‬هذا في‪f‬ه نظ‪f‬ر‪ ،‬وت‪f‬رك املداهن‪f‬ة يف مث‪f‬ل ه‪f‬ذا املق‪f‬ام أوىل واحلق أح‪f‬ق م‪f‬ا‬
‫قي‪ff‬ل‪ .‬ف‪ff‬أقول‪ :‬إن املواظب‪ff‬ة على الطاع‪ff‬ات هلا ت‪ff‬أثري يف تأكي‪ff‬د طمأنين‪ff‬ة النفس إىل االعتق‪ff‬اد التقلي‪ff‬دي ورس‪ff‬وخه‬
‫يف النفس‪ ،‬وه ‪ff‬ذا أم ‪ff‬ر ال يعرف‪ff‬ه إال من س‪ff‬رب أح‪ff‬وال نفس‪ff‬ه وراقبه ‪ff‬ا يف وقت املواظب‪ff‬ة على الطاع ‪ff‬ة ويف وقت‬
‫الف‪ff‬رتة والح‪ff‬ظ تف‪ff‬اوت احلال يف باطن‪ff‬ه‪ ،‬فإن‪ff‬ه ي‪ff‬زداد بس‪ff‬بب املواظب‪ff‬ة على العم‪ff‬ل أنس‪ff‬ة ملعتقدات‪ff‬ه‪ ،‬ويتأك‪ff‬د ب‪ff‬ه‬
‫طمأنينت‪ff‬ه‪ ،‬ح‪ff‬ىت أن املعتق‪ff‬د ال‪ff‬ذي ط‪ff‬الت من‪ff‬ه املواظب‪ff‬ة على العم‪ff‬ل مبوجب اعتق‪ff‬اده أعص‪ff‬ا نفس ‪ًf‬ا على احملاول‬
‫تغيريه وتشكيكه ممن مل تط‪f‬ل مواظبت‪f‬ه‪ ،‬ب‪f‬ل الع‪f‬ادات تقض‪f‬ي هبا‪ ،‬ف‪f‬إن من يعتق‪f‬د الرمحة يف قلب‪f‬ه على ي‪f‬تيم ف‪f‬إن‬
‫أق ‪ff‬دم على مس ‪ff‬ح رأس ‪ff‬ه وتفق ‪ff‬د أم ‪ff‬ره ص ‪ff‬ادف يف قلب ‪ff‬ه عن ‪ff‬د ممارس ‪ff‬ة العم ‪ff‬ل مبوجب الرمحة زي ‪ff‬ادة تأكي ‪ff‬د يف‬
‫الرمحة‪ ،‬ومن يتواضع بقلبه لغ‪f‬ريه ف‪f‬إذا عم‪f‬ل مبوجب‪f‬ه س‪f‬اجدًا ل‪f‬ه أو مقبًال ي‪f‬ده ازداد التعظيم والتواض‪f‬ع يف قلب‪f‬ه‬
‫ول‪ff‬ذلك تعب‪ff‬دنا باملواظب‪ff‬ة على أفع‪ff‬ال هي مقتض‪ff‬ى تعظيم القلب من الرك‪ff‬وع والس‪ff‬جود ل‪ff‬يزداد بس‪ff‬ببها تعظيم‬
‫القل‪ff f‬وب‪ ،‬فه‪ff f‬ذه أم‪ff f‬ور جيح‪ff f‬دها املتح‪ff f‬ذلقون يف الكالم ال‪ff f‬ذين أدرك‪ff f‬وا ت‪ff f‬رتيب العلم بس‪ff f‬ماع األلف‪ff f‬اظ ومل‬
‫ي‪ff‬دركوها ب‪ff‬ذوق النظ‪ff‬ر‪ .‬فه‪ff‬ذه حقيق‪ff‬ة املس‪ff‬ألة‪ ،‬ومن ه‪ff‬ذا اخلرب اختالفهم يف مع‪ff‬ىن ال‪ff‬رزق‪ .‬وق‪ff‬ول املعتزل‪ff‬ة‪ :‬إن‬
‫ذل‪ff‬ك خمص‪ff‬وص مبا ميلك‪ff‬ه اإلنس‪ff‬ان ح‪ff‬ىت ألزم‪ff‬وا أن‪ff‬ه ال رزق هلل تع‪ff‬ال على البه‪ff‬ائم‪ ،‬فرمبا ق‪ff‬الوا ه‪ff‬و مما مل حيرم‬
‫تناول‪ff‬ه‪ ،‬فقي‪ff‬ل هلم فالظلم‪ff‬ة م‪ff‬اتوا وق‪ff‬د عاش‪ff‬وا عم‪ff‬رهم مل يرزق‪ff‬وا‪ ،‬وق‪ff‬د ق‪ff‬ال أص‪ff‬حابنا إن‪ff‬ه عب‪ff‬ارة عن املنتف‪ff‬ع ب‪ff‬ه‬
‫كي‪ff‬ف ك‪ff‬ان‪ ،‬مث ه‪ff‬و منقس‪ff‬م إىل حالل وح‪ff‬رام‪ ،‬مث طول‪ff‬وا يف ح‪ff‬د ال‪ff‬رزق وح‪ff‬د النعم‪ff‬ة وتض‪ff‬ييع ال‪ff‬وقت هبذا‬
‫وأمثاله دأب من ال مييز بني املهم وغريه وال يعرف قدر بقية عمره‪ ،‬وإن‪f‬ه ال قيم‪f‬ة ل‪f‬ه فينبغي أن يض‪f‬يع العم‪f‬ر‬
‫إال ب ‪ff‬املهم وبني ي ‪ff‬دي األنظ ‪ff‬ار أم ‪ff‬ور مش ‪ff‬كلة البحث عنه ‪ff‬ا أهم من البحث عن م ‪ff‬وجب األلف ‪ff‬اظ ومقتض ‪ff‬ى‬
‫اإلطالقات‪ ،‬فنسأل اهلل أن يوفقن‪f‬ا لالش‪f‬تغال ملا يعنين‪f‬ا‪ .‬املس‪f‬ألة الثالث‪f‬ة الفقهي‪f‬ة‪ :‬فمث‪f‬ل اختالفهم يف أن الفاس‪f‬ق‬
‫هل ل‪f‬ه أن حيتس‪f‬ب ؟ وه‪f‬ذا نظ‪f‬ر فقهي‪ ،‬فمن أين يلي‪f‬ق ب‪f‬الكالم مث باملختص‪f‬رات‪ .‬ولكن‪f‬ا نق‪f‬ول احلق أن ل‪f‬ه أن‬
‫حيتسب وسبيله التدرج يف التصوير؛ وهو أن نقول‪ :‬هل يشرتط يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر ك‪ff‬ون‬
‫اآلم‪ff‬ر والن‪ff‬اهي معص‪ff‬ومًا عن الص‪ff‬غائر والكب‪ff‬ائر مجيع ‪ًf‬ا ؟ ف‪ff‬إن ش‪ff‬رط ذل‪ff‬ك ك‪ff‬ان خرق ‪ًf‬ا لالمجاع‪ ،‬ف‪ff‬إن عص‪ff‬مة‬
‫األنبياء عن الكبائر إمنا عرفت شرعًا‪ ،‬وعن الصغائر خمتل‪f‬ف فيه‪ff‬ا‪ ،‬فم‪f‬ىت يوج‪f‬د يف ال‪f‬دنيا معص‪ff‬وم ؟ وإن قلتم‬
‫إن ذل‪ff‬ك ال يش‪ff‬رتط ح‪ff‬ىت جيوز لالبس احلري‪ff‬ر مثًال وه‪ff‬و ع‪ff‬اص ب‪ff‬ه أن مين‪ff‬ع من ال‪ff‬زىن وش‪ff‬رب اخلم‪ff‬ر‪ ،‬فنق‪ff‬ول‪:‬‬
‫وهل لش‪f‬ارب اخلم‪f‬ر أن حيتس‪f‬ب على الك‪f‬افر ومينع‪f‬ه من الكف‪f‬ر ويقاتل‪f‬ه علي‪f‬ه ؟ ف‪f‬إن ق‪f‬الوا ال‪ ،‬خرق‪f‬وا االمجاع‬
‫إذ جن‪ff‬ود املس‪ff‬لمني مل ت‪ff‬زل مش‪ff‬تملة على العص‪ff‬اة واملطيعني ومل مينع‪ff‬وا من الغ‪ff‬زو ال يف عص‪ff‬ر الن‪ff‬يب ص‪ff‬لى اهلل‬
‫عليه وس‪f‬لم وال يف عص‪f‬ر الص‪f‬حابة رض‪f‬ي اهلل عنهم والت‪f‬ابعني‪ ،‬ف‪f‬إن ق‪f‬الوا نعم‪ ،‬فنق‪f‬ول‪ :‬ش‪f‬ارب اخلم‪f‬ر ه‪f‬ل ل‪f‬ه‬
‫أن مينع من القتل أم ال ؟ فإن قيل ال‪ ،‬قلنا‪ :‬فما الفرق بني هذا وبني البس احلري‪f‬ر إذا من‪f‬ع من اخلم‪f‬ر وال‪f‬زاين‬
‫إذا منع من الكف‪f‬ر ؟ وكم‪f‬ا أن الكب‪f‬رية ف‪f‬وق الص‪f‬غرية فالكب‪f‬ائر أيض‪ًf‬ا متفاوت‪f‬ة‪ ،‬ف‪f‬إن ق‪f‬الوا نعم‪ ،‬وض‪f‬بطوا ذل‪f‬ك‬
‫بأن املقدم على شيء ال مينع من مثله وال فيما دونه وله أن مينع مما فوقه‪ ،‬فهذا احلكم ال مس‪ff‬تند ل‪ff‬ه إذ ال‪ff‬زىن‬
‫ف ‪ff‬وق الش ‪ff‬رب وال يبع ‪ff‬د أن ي ‪ff‬زين ومين ‪ff‬ع من الش ‪ff‬راب ومين ‪ff‬ع من ‪ff‬ه‪ ،‬رمبا يش ‪ff‬رب ومين ‪ff‬ع غلمان ‪ff‬ه وأص ‪ff‬حابه من‬
‫الشرب‪ ،‬ويقول‪ :‬ت‪f‬رك ذل‪f‬ك واجب عليكم وعلي واألم‪ff‬ر ب‪f‬رتك احملرم واجب علي م‪ff‬ع ال‪f‬رتك فلي أن أتق‪ff‬رب‬
‫بأحد الواجبني‪ ،‬ومل يلزمين مع ترك أحدمها ترك اآلخ‪f‬ر‪ ،‬ف‪f‬إذن كم‪f‬ا جيوز أن ي‪f‬رتك اآلم‪f‬ر ب‪f‬رتك الش‪f‬رب وه‪f‬و‬
‫برتكه جيوز أن يشرب ويأمر ب‪f‬الرتك فهم‪f‬ا واجب‪f‬ان فال يل‪f‬زم ب‪f‬رتك أح‪f‬دمها ت‪f‬رك اآلخ‪f‬ر‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬فيل‪f‬زم على‬
‫ه‪ff‬ذا أم‪ff‬ور ش‪ff‬نيعة وه‪ff‬و أن ي‪ff‬زين الرج‪ff‬ل ب‪ff‬امرأة مكره ‪ًf‬ا إياه‪ff‬ا على التمكني‪ ،‬ف‪ff‬إن ق‪ff‬ال هلا يف أثن‪ff‬اء ال‪ff‬زىن عن‪ff‬د‬
‫كش‪ff‬فها وجهه‪ff‬ا باختياره‪ff‬ا ال تكش‪ff‬في وجه‪ff‬ك ف‪ff‬اين لس‪ff‬ت حمرم ‪ًf‬ا ل‪ff‬ك‪ ،‬والكش‪ff‬ف لغ‪ff‬ري احملرم ح‪ff‬رام‪ ،‬وأنت‬
‫مكره‪ff‬ة على ال‪ff‬زىن خمت‪f‬ارة يف كش‪ff‬ف الوج‪ff‬ه فأمنع‪ff‬ك من ه‪ff‬ذا‪ ،‬فال ش‪ff‬ك من أن ه‪ff‬ذه حس‪ff‬بة ب‪ff‬اردة ش‪ff‬نيعة ال‬
‫يص‪ff‬ري إليه‪ff‬ا عاق‪ff‬ل؛ وك‪ff‬ذلك قول‪ff‬ه إن ال‪ff‬واجب علي ش‪ff‬يئان العم‪ff‬ل واألم‪ff‬ر للغ‪ff‬ري‪ ،‬وأن‪ff‬ا أتع‪ff‬اطى أح‪ff‬دمها وإن‬
‫تركت الثاين كقوله‪ :‬إن الواجب علي الوض‪f‬وء دون الص‪f‬الة وأن‪f‬ا أص‪f‬لي وإن ت‪f‬ركت الوض‪f‬وء‪ ،‬واملس‪f‬نون يف‬
‫حقي الص ‪ff‬وم والتس ‪ff‬حر وأن ‪ff‬ا أتس ‪ff‬حر وإن ت ‪ff‬ركت الص ‪ff‬وم‪ ،‬وذل ‪ff‬ك حمال‪ ،‬ألن الس ‪ff‬حور للص ‪ff‬وم والوض ‪ff‬وء‬
‫للص ‪ff‬الة‪ ،‬وك‪ff‬ل واح‪ff‬د ش‪ff‬رط اآلخ‪ff‬ر وه ‪ff‬و متق ‪ff‬دم يف الرتب‪ff‬ة على املش‪ff‬روط‪ ،‬فك‪ff‬ذلك نفس املرء مقدم ‪ff‬ة على‬
‫غ‪ff‬ريه‪ ،‬فليه‪ff‬ذب نفس‪ff‬ه أوال مث غ‪ff‬ريه أم‪ff‬ا إذا أمهل نفس‪ff‬ه واش‪ff‬تغل بغ‪ff‬ريه ك‪ff‬ان ذل‪ff‬ك عكس ال‪ff‬رتتيب ال‪ff‬واجب‪،‬‬
‫خبالف م‪ff‬ا إذا ه‪ff‬ذب نفس‪ff‬ه وت‪ff‬رك احلس‪ff‬بة وهتذيب غ‪ff‬ريه‪ ،‬ف‪ff‬إن ذل‪ff‬ك معص‪ff‬ية ولكن‪ff‬ه ال تن‪ff‬اقض في‪ff‬ه‪ .‬وك‪ff‬ذلك‬
‫الكافر ليس له والية الدعوة إىل االسالم ما مل يسلم هو بنفسه‪ ،‬فلو ق‪f‬ال ال‪f‬واجب علي ش‪f‬يئان ويل أن أت‪f‬رك‬
‫أح‪ff‬دمها دون الث‪ff‬اين مل يكن من‪ff‬ه‪ ،‬واجلواب أن حس‪ff‬بة ال‪ff‬زاين ب‪ff‬املرأة عليه‪ff‬ا ومنعه‪ff‬ا من كش‪ff‬فها وجهه‪ff‬ا ج‪ff‬ائزة‬
‫عندنا‪ ،‬وق‪f‬ولكم إن ه‪f‬ذه حس‪f‬بة ب‪f‬اردة ش‪f‬نيعة فليس الكالم يف أهنا ح‪f‬ارة أو ب‪f‬اردة مس‪f‬تلذة أو مستبش‪f‬عة‪ ،‬ب‪f‬ل‬
‫الكالم يف أهنا حق أو باطل وكم من حق مس‪f‬تربد مس‪f‬تثقل وكم من باط‪f‬ل مس‪f‬تحلى مس‪f‬تعذب‪ ،‬ف‪f‬احلق غ‪f‬ري‬
‫اللذي‪ff‬ذ والباط‪ff‬ل غ‪ff‬ري الش‪ff‬نيع‪ ،‬والربه‪ff‬ان الق‪ff‬اطع في‪ff‬ه ه‪ff‬و أن‪ff‬ا نق‪ff‬ول‪ :‬قول‪ff‬ه هلا ال تكش‪ff‬في وجه‪ff‬ك فإن‪ff‬ه ح‪ff‬رام‪،‬‬
‫ومنع‪ff‬ه إياه‪ff‬ا بالعم‪ff‬ل ق‪ff‬ول وفع‪ff‬ل‪ ،‬وه‪ff‬ذا الق‪ff‬ول والفع‪ff‬ل إم‪ff‬ا أن يق‪ff‬ال ه‪ff‬و ح‪ff‬رام أو يق‪ff‬ال واجب أو يق‪ff‬ال ه‪ff‬و‬
‫مباح‪ ،‬فإن قلتم إنه واجب فهو املقصود‪ ،‬وإن قلتم إنه مباح فل‪f‬ه أن يفع‪f‬ل م‪f‬ا ه‪f‬و مب‪f‬اح‪ ،‬وإن قلتم إن‪f‬ه ح‪f‬رام‬
‫فما مستند حترميه ؟ وقد كان هذا واجبًا قبل اشتغاله بالزىن فمن أين يصري الواجب حرام‪ًf‬ا باقتحام‪ff‬ه حمرم‪ًf‬ا‪،‬‬
‫وليس يف قوله األخري صدق عن الشرع بأن‪f‬ه ح‪f‬رام‪ ،‬وليس يف فعل‪f‬ه إال املن‪f‬ع من احتاد م‪ff‬ا ه‪ff‬و ح‪f‬رام‪ ،‬والق‪ff‬ول‬
‫بتح ‪ff‬رمي واح ‪ff‬د منهم ‪ff‬ا حمال‪ .‬ولس ‪ff‬نا نع ‪ff‬ين بقولن ‪ff‬ا للفاس ‪ff‬ق والي ‪ff‬ة احلس ‪ff‬بة إال أن قول ‪ff‬ه ح ‪ff‬ق وفعل ‪ff‬ه ليس حبرام‪،‬‬
‫وليس ه ‪ff‬ذا كالص ‪ff‬الة والوض ‪ff‬وء ف ‪ff‬إن الص ‪ff‬الة هي املأمور هبا وش ‪ff‬رطها الوض ‪ff‬وء‪ ،‬فهي بغ ‪ff‬ري وض ‪ff‬وء معص ‪ff‬ية‬
‫وليست بصالة‪ ،‬بل خترج عن كوهنا صالة وهذا القول مل خيرج عن كونه حق‪ًf‬ا وال الفع‪f‬ل خ‪f‬رج عن كون‪f‬ه‬
‫منع‪ًf‬ا من احلرام‪ ،‬وك‪ff‬ذلك الس‪ff‬حور عب‪ff‬ارة عن االس‪ff‬تعانة على الص‪ff‬وم بتق‪ff‬دمي الطع‪ff‬ام وال تعق‪ff‬ل االس‪ff‬تعانة من‬
‫غ ‪ff‬ري الع ‪ff‬زم على اجياد املس ‪ff‬تعان علي ‪ff‬ه‪ .‬وأم ‪ff‬ا ق ‪ff‬ولكم أن هتذيب ‪ff‬ه نفس ‪ff‬ه أيض ‪ًf‬ا ش ‪ff‬رط لتهذيب ‪ff‬ه غ ‪ff‬ريه‪ ،‬فه ‪ff‬ذا حمل‬
‫النزاع‪ .‬فمن أين عرفتم ذلك ؟ ولو قال قائل‪ :‬هتذيب نفسه عن املعاصي شرط للغري ومنع الكف‪f‬ار‪ ،‬وهتذيب‪f‬ه‬
‫نفس‪ff‬ه عن الص‪ff‬غائر ش‪ff‬رط للمن‪ff‬ع عن الكب‪ff‬ائر ك‪ff‬ان قول‪ff‬ه مث‪ff‬ل ق‪ff‬ولكم‪ ،‬وه‪ff‬و خ‪ff‬رق لالمجاع‪ .‬وأم‪ff‬ا الك‪ff‬افر ف‪ff‬إن‬
‫محل كافرًا آخر بالسيف على اإلسالم فال مينعه منه‪ ،‬ويقول علي‪f‬ه أن يق‪f‬ول ال إل‪f‬ه إال اهلل وأن حمم‪f‬دًا رس‪f‬ول‬
‫اهلل وأن يأمر غريه به ومل يثبت أن قوله شرط ألمره‪ ،‬فل‪f‬ه أن يق‪ff‬ول وأن ي‪f‬أمر وإن مل ينط‪f‬ق‪ .‬فه‪ff‬ذا غ‪ff‬ور ه‪ff‬ذه‬
‫املسألة‪ ،‬وإمنا أردنا إيرادها لتعلم أن أمثال ه‪ff‬ذه املس‪f‬ائل ال تلي‪f‬ق بفن الكالم وال س‪f‬يما باملعتق‪ff‬دات املختص‪ff‬رة‬
‫واهلل أعلم بالصواب‪.‬‬
‫الباب الثالث يف االمامة النظ‪ff‬ر يف اإلمام‪ff‬ة أيض ‪ًf‬ا ليس من املهم‪ff‬ات‪ ،‬وليس أيض ‪ًf‬ا من فن املعق‪ff‬والت فيه‪ff‬ا من‬
‫الفقهيات‪ ،‬مث إهنا مثار للتعص‪f‬بات واملع‪ff‬رض عن اخلوض فيه‪f‬ا أس‪f‬لم من اخلائض ب‪f‬ل وإن أص‪f‬اب‪ ،‬فكي‪f‬ف إذا‬
‫أخطأ ! ولكن إذا جرى الرسم باختت‪f‬ام املعتق‪f‬دات ب‪f‬ه أردن‪f‬ا أن نس‪f‬لك املنهج املعت‪f‬اد ف‪f‬إن القل‪f‬وب عن املنهج‬
‫املخ ‪ff‬الف للم ‪ff‬ألوف ش ‪ff‬ديدة النف ‪ff‬ار‪ ،‬ولكن ‪ff‬ا ن ‪ff‬وجز الق ‪ff‬ول في ‪ff‬ه ونق ‪ff‬ول‪ :‬النظ ‪ff‬ر في ‪ff‬ه ي ‪ff‬دور على ثالث ‪ff‬ة أط ‪ff‬راف‪:‬‬
‫الطرف األول‪ :‬يف بيان وج‪f‬وب نص‪f‬ب اإلم‪f‬ام‪ .‬وال ينبغي أن تظن أن وج‪f‬وب ذل‪f‬ك م‪f‬أخوذ من العق‪f‬ل‪ ،‬فإن‪f‬ا‬
‫بين‪ff‬ا أن الوج‪ff‬وب يؤخ‪ff‬ذ من الش‪ff‬رع إال أن يفس‪ff‬ر ال‪ff‬واجب بالفع‪ff‬ل ال‪ff‬ذي في‪ff‬ه فائ‪ff‬دة ويف ترك‪ff‬ه أدىن مض‪ff‬رة‪،‬‬
‫وعن‪ff‬د ذل‪ff‬ك ال ينك‪ff‬ر وج‪ff‬وب نص‪ff‬ب اإلم‪ff‬ام ملا في‪ff‬ه من الفوائ‪ff‬د ودف‪ff‬ع املض‪ff‬ار يف ال‪ff‬دنيا‪ ،‬ولكن‪ff‬ا نقيم الربه‪ff‬ان‬
‫القطعي الش‪ff‬رعي على وجوب‪ff‬ه ولس‪ff‬نا نكتفي مبا في‪ff‬ه من إمجاع األم‪ff‬ة‪ ،‬ب‪ff‬ل ننب‪ff‬ه على مس‪ff‬تند اإلمجاع ونق‪ff‬ول‪:‬‬
‫نظ‪ff‬ام أم‪ff‬ر ال‪ff‬دين مقص‪ff‬ود لص‪ff‬احب الش‪ff‬رع علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم قطع‪ًf‬ا‪ ،‬وه‪ff‬ذه مقدم‪ff‬ة قطعي‪ff‬ة ال يتص‪ff‬ور ال‪ff‬نزاع فيه‪ff‬ا‪،‬‬
‫ونض‪ff‬يف إليه‪ff‬ا مقدم‪ff‬ة أخ‪ff‬رى وه‪ff‬و أن‪ff‬ه ال حيص‪ff‬ل نظ‪ff‬ام ال‪ff‬دين إال بإم‪ff‬ام مط‪ff‬اع فيحص‪ff‬ل من املق‪ff‬دمتني ص‪ff‬حة‬
‫الدعوى وهو وجوب نصب اإلمام‪ .‬فإن قيل‪ :‬املقدمة األخرية غري مسلمة وهو أن نظام الدين ال حيصل إال‬
‫بإم‪ff‬ام مط‪ff‬اع‪ ،‬ف‪ff‬دلوا عليه‪ff‬ا‪ .‬فنق‪ff‬ول‪ :‬الربه‪ff‬ان عي‪ff‬ه أن نظ‪ff‬ام ال‪ff‬دين ال حيص‪ff‬ل إال بنظ‪ff‬ام ال‪ff‬دنيا‪ ،‬ونظ‪ff‬ام ال‪ff‬دنيا ال‬
‫حيص‪f‬ل إال بإم‪f‬ام مط‪f‬اع‪ ،‬فهات‪f‬ان مق‪f‬دمتان ففي أيهم‪f‬ا ال‪f‬نزاع ؟ ف‪f‬إن قي‪f‬ل مل قلتم إن نظ‪f‬ام ال‪f‬دين ال حيص‪f‬ل إال‬
‫بنظ‪ff‬ام ال‪ff‬دنيا‪ ،‬ب‪ff‬ل ال حيص‪ff‬ل إال خبراب ال‪ff‬دنيا‪ ،‬ف‪ff‬إن ال‪ff‬دين وال‪ff‬دنيا ض‪ff‬دان واالش‪ff‬تغال بعم‪ff‬ارة أح‪ff‬دمها خ‪ff‬راب‬
‫اآلخ‪ff‬ر‪ ،‬قلن‪ff‬ا‪ :‬ه‪ff‬ذا كالم من ال يفهم م‪ff‬ا نري‪ff‬ده بال‪ff‬دنيا اآلن‪ ،‬فإن‪ff‬ه لف‪ff‬ظ مش‪ff‬رتك ق‪ff‬د يطل‪ff‬ق على فض‪ff‬ول التنعم‬
‫والتلذذ والزيادة على احلاجة والضرورة‪ ،‬وقد يطلق على مجي‪f‬ع م‪f‬ا ه‪f‬و حمت‪f‬اج إلي‪f‬ه قب‪f‬ل املوت‪ .‬وأح‪f‬دمها ض‪f‬د‬
‫ال‪ff‬دين واآلخ‪ff‬ر ش‪ff‬رطه‪ ،‬وهك‪ff‬ذا يغل‪ff‬ط من ال مييز بني مع‪ff‬اين األلف‪ff‬اظ املش‪ff‬رتكة‪ .‬فنق‪ff‬ول‪ :‬نظ‪ff‬ام ال‪ff‬دين باملعرف‪ff‬ة‬
‫والعب ‪ff‬ادة ال يتوص ‪ff‬ل إليهم ‪ff‬ا إال بص ‪ff‬حة الب ‪ff‬دن وبق ‪ff‬اء احلي ‪ff‬اة وس ‪ff‬المة ق ‪ff‬در احلاج ‪ff‬ات من الكس ‪ff‬وة واملس ‪ff‬كن‬
‫واألقوات‪ ،‬واألمن هو آخر اآلفات‪ ،‬ولعمري من أصبح آمنًا يف سربه معاىف يف بدن‪ff‬ه ول‪ff‬ه ق‪ff‬وت يوم‪ff‬ه فكأمنا‬
‫حيزت له الدنيا حبذافريها‪ ،‬وليس يأمن اإلنس‪f‬ان على روح‪f‬ه وبدن‪f‬ه ومال‪f‬ه ومس‪f‬كنه وقوت‪f‬ه يف مجي‪f‬ع األح‪f‬وال‬
‫بل يف بعضها‪ ،‬فال ينتظم الدين إال بتحقيق األمن على هذه املهمات الضرورية‪ ،‬وإال فمن كان مجيع أوقات‪ff‬ه‬
‫مس ‪ff‬تغرقًا حبراس ‪ff‬ة نفس ‪ff‬ه من س ‪ff‬يوف الظلم ‪ff‬ة وطلب قوت ‪ff‬ه من وج ‪ff‬وه الغلب ‪ff‬ة‪ ،‬م ‪ff‬ىت يتف ‪ff‬رغ للعلم والعم ‪ff‬ل ومها‬
‫وس‪ff‬يلتاه إىل س‪ff‬عادة اآلخ‪ff‬رة‪ ،‬ف‪ff‬إذن ب‪ff‬ان نظ‪ff‬ام ال‪ff‬دنيا‪ ،‬أع‪ff‬ين مق‪ff‬ادير احلاج‪ff‬ة ش‪ff‬رط لنظ‪ff‬ام ال‪ff‬دين‪ .‬وأم‪ff‬ا املقدم‪ff‬ة‬
‫الثانية وهو أن الدنيا واألمن على األنفس واألموال ال ينتظم إال بس‪f‬لطان مط‪f‬اع فتش‪f‬هد ل‪f‬ه مش‪f‬اهدة أوق‪f‬ات‬
‫الفنت مبوت الس‪ff‬الطني واألئم‪ff‬ة‪ ،‬وإن ذل‪ff‬ك ل‪ff‬و دام ومل يت‪ff‬دارك بنص‪ff‬ب س‪ff‬لطان آخ‪ff‬ر مط‪ff‬اع دام اهلرج وعم‬
‫السيف ومشل القحط وهلكت املواشي وبطلت الصناعات‪ ،‬وكان كل غلب سلب ومل يتفرغ أح‪f‬د للعب‪f‬ادة‬
‫والعلم إن بقي حيًا‪ ،‬واألك‪f‬ثرون يهلك‪f‬ون حتت ظالل الس‪f‬يوف‪ ،‬وهلذا قي‪f‬ل‪ :‬ال‪f‬دين والس‪f‬لطان توأم‪f‬ان‪ ،‬وهلذا‬
‫قيل‪ :‬الدين أس والسلطان حارس وما ال أس له فمهدوم وما ال حارس له فضائع‪ .‬وعلى اجلملة ال يتم‪ff‬ارى‬
‫العاق‪f‬ل يف أن اخلل‪f‬ق على اختالف طبق‪ff‬اهتم وم‪ff‬ا هم علي‪f‬ه من تش‪f‬تت األه‪ff‬واء وتب‪f‬اين اآلراء ل‪f‬و خل‪f‬وا وراءهم‬
‫وملي كن رأي مطاع جيمع شتاهتم هللكوا من عند آخ‪f‬رهم‪ ،‬وه‪f‬ذا داء ال عالج ل‪f‬ه إال بس‪f‬لطان ق‪f‬اهر مط‪f‬اع‬
‫جيمع شتات اآلراء‪ ،‬فبان أن السلطان ضروري يف نظام الدنيا‪ ،‬ونام ال‪ff‬دنيا ض‪ff‬روري يف نظ‪ff‬ام ال‪ff‬دين‪ ،‬ونظ‪ff‬ام‬
‫ال ‪ff‬دين ض ‪ff‬روري يف الف ‪ff‬وز بس ‪ff‬عادة اآلخ ‪ff‬رة وه ‪ff‬و مقص ‪ff‬ود األنبي ‪ff‬اء قطع ‪ًf‬ا‪ ،‬فك ‪ff‬ان وج ‪ff‬وب نص ‪ff‬ب اإلم ‪ff‬ام من‬
‫ضروريات الش‪f‬رع ال‪f‬ذي ال س‪f‬بيل إىل ترك‪f‬ه ف‪f‬اعلم ذل‪f‬ك‪ .‬الط‪f‬رف الث‪f‬اين‪ :‬يف بي‪f‬ان من يتعني من س‪f‬ائر اخلل‪f‬ق‬
‫ألن ينص‪ff‬ب إمام‪ًf‬ا‪ .‬فنق‪ff‬ول‪ :‬ليس خيفى أن التنص‪ff‬يص على واح‪ff‬د جنعل‪ff‬ه إمام‪ًf‬ا بالتش‪ff‬هي غ‪ff‬ري ممكن‪ ،‬فال ب‪ff‬د ل‪ff‬ه‬
‫من متيز خباصية يفارق سائر اخللق هبذا‪ ،‬فتلك خاصية يف نفس‪f‬ه وخاص‪f‬ية من جه‪f‬ة غ‪f‬ريه‪ .‬أم‪f‬ا من نفس‪f‬ه ف‪f‬أن‬
‫يك ‪ff‬ون أهًال لت ‪ff‬دبري اخلل ‪ff‬ق ومحلهم على مراش ‪ff‬دهم‪ .‬وذل ‪ff‬ك بالكفاي ‪ff‬ة والعلم وال ‪ff‬ورع‪ ،‬وباجلمل ‪ff‬ة خص ‪ff‬ائص‬
‫القضاة تشرتط فيه مع زيادة نسب قريش؛ وعلم هذا الشرط الرابع بالس‪f‬مع حيث ق‪f‬ال الن‪f‬يب ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه‬
‫وس ‪ff‬لم‪ :‬األئم ‪ff‬ة من ق ‪ff‬ريش فه ‪ff‬ذا متيزه عن أك ‪ff‬ثر اخلل ‪ff‬ق ولكن رمبا جيتم ‪ff‬ع يف ق ‪ff‬ريش مجاع ‪ff‬ة موص ‪ff‬وفون هبذه‬
‫الص ‪ff‬فة فال ب ‪ff‬د من خاص ‪ff‬ية أخ ‪ff‬رى متيزه‪ ،‬وليس ذل ‪ff‬ك إال التولي ‪ff‬ة أو التف ‪ff‬ويض من غ ‪ff‬ريه‪ ،‬فإمنا يتعني لإلمام ‪ff‬ة‬
‫مهم‪f‬ا وج‪f‬دت التولي‪f‬ة يف حق‪f‬ه على اخلص‪f‬وص من دون غ‪f‬ريه‪ ،‬فيبقى اآلن النظ‪f‬ر يف ص‪f‬فة املوىل ف‪f‬إن ذل‪f‬ك ال‬
‫يسلم لكل أحد بل ال ب‪f‬د في‪f‬ه من خاص‪f‬ية وذل‪f‬ك ال يص‪f‬در إال من أح‪f‬د ثالث‪f‬ة‪ :‬إم‪f‬ا التنص‪f‬يص من جه‪f‬ة الن‪f‬يب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وإما التنص‪f‬يص من جه‪f‬ة إم‪f‬ام العص‪f‬ر ب‪f‬أن يعني لوالي‪f‬ة العه‪f‬د شخص‪ًf‬ا معين‪ًf‬ا من أوالده‬
‫أو سائر قريش‪ ،‬وإما التفويض من رجل ذي شوكة يقتضي انقياده وتفويضه متابعة اآلخرين ومبادرهتم إىل‬
‫املبايعة‪ ،‬وذلك قد يسلم يف بعض األعص‪f‬ار لش‪f‬خص واح‪f‬د مرم‪f‬وق يف نفس‪f‬ه م‪f‬رزوق باملتابع‪f‬ة مس‪f‬ؤول على‬
‫الكاف‪f‬ة‪ ،‬ففي بيعت‪f‬ه وتفويض‪ff‬ه كفاي‪f‬ة عن تف‪ff‬ويض غ‪ff‬ريه ألن املقص‪ff‬ود أن جيتم‪f‬ع ش‪f‬تات اآلراء لش‪f‬خص مط‪f‬اع‬
‫وق‪ff‬د ص‪ff‬ار اإلم‪ff‬ام مببايع‪ff‬ة ه‪ff‬ذا املط‪ff‬اع مطاع‪ًf‬ا‪ ،‬وق‪ff‬د ال يتف‪ff‬ق ذل‪ff‬ك لش‪ff‬خص واح‪ff‬د ب‪ff‬ل لشخص‪ff‬ني أو ثالث‪ff‬ة أو‬
‫مجاع‪ff‬ة فال ب‪ff‬د من اجتم‪ff‬اعهم وبيعتهم واتف‪ff‬اقهم على التف‪ff‬ويض ح‪ff‬ىت تتم الطاع‪ff‬ة‪ .‬ب‪ff‬ل أق‪ff‬ول‪ :‬ل‪ff‬و مل يكن بع‪ff‬د‬
‫وفاة اإلمام االقرشي واحد مطاع متبع فنهض باإلمام‪f‬ة وتواله‪f‬ا بنفس‪f‬ه ونش‪f‬أ بش‪f‬وكته وتش‪f‬اغل هبا واس‪f‬تتبع‬
‫كافة اخللق بشوكته وكفايته وكان موصوفًا بصفات األئمة فقد انعقدت إمامت‪f‬ه ووجبت طاعت‪f‬ه‪ ،‬فإن‪f‬ه تعني‬
‫حبكم ش‪ff‬وكته وكفايت‪ff‬ه‪ ،‬ويف منازعت‪ff‬ه إث‪ff‬ارة الفنت إال أن من ه‪ff‬ذا حال‪ff‬ه فال يعج‪ff‬ز أيض ‪ًf‬ا عن أخ‪ff‬ذ البيع‪ff‬ة من‬
‫أك‪ff‬ابر الزم‪ff‬ان وأه‪ff‬ل احلل والعق‪ff‬د‪ ،‬وذل‪ff‬ك أبع‪ff‬د من الش‪ff‬بهة فل‪ff‬ذلك ال يتف‪ff‬ق مث‪ff‬ل ه‪ff‬ذا يف الع‪ff‬ادة إال عن بيع‪ff‬ة‬
‫وتفويض‪ .‬فإن قيل‪ :‬فإن كان املقصود حصول ذي رأي مط‪f‬اع جيم‪f‬ع ش‪f‬تات اآلراء ومين‪f‬ع اخلل‪f‬ق من احملارب‪f‬ة‬
‫والقت‪ff‬ال وحيملهم على مص‪ff‬احل املع‪ff‬اش واملع‪ff‬اد‪ ،‬فل‪ff‬و انتهض هلذا األم‪ff‬ر من في‪ff‬ه الش‪ff‬روط كله‪ff‬ا س‪ff‬وى ش‪ff‬روط‬
‫القض ‪ff‬اء ولكن ‪ff‬ه م ‪ff‬ع ذل ‪ff‬ك يراج ‪ff‬ع العلم ‪ff‬اء ويعم ‪ff‬ل بق ‪ff‬وهلم فم ‪ff‬اذا ت ‪ff‬رون في ‪ff‬ه‪ ،‬أجيب خلع ‪ff‬ه وخمالفت ‪ff‬ه أم جتب‬
‫طاعت ‪ff‬ه ؟ قلن ‪ff‬ا‪ :‬ال ‪ff‬ذي ن ‪ff‬راه ونقط ‪ff‬ع أن ‪ff‬ه جيب خلع ‪ff‬ه إن ق ‪ff‬در على أن يس ‪ff‬تبدل عن ‪ff‬ه من ه ‪ff‬و موص ‪ff‬وف جبمي ‪ff‬ع‬
‫الشروط من غري إثارة فتنة وهتييج قتال‪ ،‬وإن مل يكن ذلك إال بتحري‪ff‬ك قت‪ff‬ال وجبت طاعت‪ff‬ه وحكم بإمامت‪ff‬ه‬
‫ألن ما يفوتنا من املصارفة بني كونه عاملًا بنفسه أو مستفتيًا من غريه دون م‪f‬ا يفوتن‪f‬ا بتقلي‪f‬د غ‪f‬ريه إذا افتقرن‪f‬ا‬
‫إىل هتييج فتن ‪ff‬ة ال ن ‪ff‬دري عاقبته ‪ff‬ا‪ .‬ورمبا ي ‪ff‬ؤدي ذل ‪ff‬ك إىل هالك النف ‪ff‬وس واألم ‪ff‬وال‪ ،‬وزي ‪ff‬ادة ص ‪ff‬فة العلم إمنا‬
‫ت ‪ff‬راعى مزي ‪ff‬ة وتتم ‪ff‬ة للمص ‪ff‬احل فال جيوز أن يعط ‪ff‬ل أص ‪ff‬ل املص ‪ff‬احل يف التش ‪ff‬وق إىل مزاياه ‪ff‬ا وتكمالهتا‪ ،‬وه ‪ff‬ذه‬
‫مسائل فقهية فيلون املستعبد ملخالفته املشهود على نفسه استبعاده ولينزل من غلوائه فاألمر أهون مما يظن‪ff‬ه‪،‬‬
‫وقد استقضينا حتقيق هذا املعىن يف الكتاب امللقب باملستظهري املصنف يف الرد على الباطني‪f‬ة‪ ،‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل ف‪f‬إن‬
‫تساحمتم خبصلة العلم لزمكم التسامح خبصلة العدالة وغري ذل‪f‬ك من اخلص‪ff‬ال‪ ،‬قلن‪f‬ا‪ :‬ليس‪f‬ت ه‪ff‬ذه مس‪f‬احمة عن‬
‫االختي ‪ff‬ار ولكن الض ‪ff‬رورات ت ‪ff‬بيح احملظ ‪ff‬وارت‪ ،‬فنحن نعلم أن تن ‪ff‬اول امليت ‪ff‬ة حمظ ‪ff‬ور ولكن املوت أش ‪ff‬د من ‪ff‬ه‪،‬‬
‫فليت ش‪ff‬عري من ال يس‪ff‬اعد على ه‪ff‬ذا ويقض‪ff‬ي ببطالن اإلمام‪ff‬ة يف عص‪ff‬رنا لف‪ff‬وات ش‪ff‬روطها وه‪ff‬و ع‪ff‬اجز عن‬
‫االستبدال باملتصدي هلا ب‪f‬ل ه‪f‬و فاق‪f‬د للمتص‪f‬ف بش‪f‬روطها‪ ،‬ف‪f‬أي أحوال‪f‬ه أحس‪f‬ن‪ :‬أن يق‪f‬ول القض‪f‬اة معزول‪f‬ون‬
‫والواليات باطلة واألنكحة غري منعقدة ومجيع تصرفات الوالة يف أقطار العامل غري ناف‪ff‬ذة‪ ،‬وإمنا اخلل‪ff‬ق كلهم‬
‫مق‪ff‬دمون على احلرام‪ ،‬أو أن يق‪ff‬ول اإلمام‪ff‬ة منعق‪ff‬دة والتص‪ff‬رفات والوالي‪ff‬ات ناف‪ff‬ذة حبكم احلال واالض‪ff‬طرار‪،‬‬
‫فهو بني ثالثة أمور إما أن مينع الن‪f‬اس من األنكح‪f‬ة والتص‪f‬رفات املنوط‪f‬ة بالقض‪f‬اة وه‪f‬و مس‪f‬تحيل وم‪f‬ؤدي إىل‬
‫تعطي ‪ff‬ل املع ‪ff‬ايش كله ‪ff‬ا ويفض ‪ff‬ي إىل تش ‪ff‬تيت اآلراء ومهل ‪ff‬ك للجم ‪ff‬اهري وال ‪ff‬دمهاء أو يق ‪ff‬ول إهنم يق ‪ff‬دمون على‬
‫األنكح ‪ff‬ة والتص ‪ff‬رفات ولكنهم مق ‪ff‬دمون على احلرام‪ ،‬إال أن ‪ff‬ه ال حيكم بفس ‪ff‬قهم ومعص ‪ff‬يتهم لض ‪ff‬رورة احلال‪،‬‬
‫وإما أن نقول حيكم بانعقاد اإلمامة مع فوات شروطها لض‪ff‬رورة احلال ومعل‪f‬وم أن البعي‪f‬د م‪ff‬ع األبع‪ff‬د ق‪f‬ريب‪،‬‬
‫وأه‪f‬ون الش‪f‬رين خ‪f‬ري باالض‪f‬افة‪ ،‬وجيب على العاق‪f‬ل اختي‪f‬اره‪ ،‬فه‪f‬ذا حتقي‪f‬ق ه‪f‬ذا الفص‪f‬ل وفي‪f‬ه غني‪f‬ة عن‪f‬د البص‪f‬ري‬
‫عن التطوي‪ff‬ل ولكن من مل يفهم حقيق‪ff‬ة الش‪ff‬يء وعلت‪ff‬ه وإمنا يثبت بط‪ff‬ول األلف‪ff‬ة يف مسعه فال ت‪ff‬زال النف‪ff‬رة عن‬
‫نقيضه يف طبعه إذ فطام الض‪f‬عفاء عن املألوف ش‪f‬ديد عج‪f‬ز عن‪f‬ه األنبي‪f‬اء فكي‪f‬ف غ‪f‬ريهم‪ .‬ف‪f‬إن قي‪f‬ل‪ :‬فهال قلتم‬
‫إن التنصيص واجب من الن‪f‬يب واخلليف‪f‬ة كي يقط‪f‬ع ذل‪f‬ك داب‪f‬ر االختالف كم‪f‬ا ق‪f‬الت بعض اإلمامي‪f‬ة إذ ادع‪f‬وا‬
‫أنه واجب‪ ،‬قلنا‪ :‬ألنه لو كان واجبًا لنص عليه الرسول عليه السالم‪ ،‬ومل ينص هو ومل ينص عمر أيضًا ب‪ff‬ل‬
‫ثبتت إمامة أبو بكر وإمامة عثمان وإمامة علي رضي اهلل عنهم بالتفويض‪ ،‬فال تلتفت إىل جتاه‪ff‬ل من ي‪ff‬دعي‬
‫أنه ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم نص على علي لقط‪f‬ع ال‪f‬نزاع ولكن الص‪f‬حابة ك‪f‬ابروا النص وكتم‪f‬وه‪ ،‬فأمث‪f‬ال ذل‪f‬ك‬
‫يع ‪ff‬ارض مبثل‪ff‬ه ويق ‪ff‬ال‪ :‬مب تنك‪ff‬رون على من ق‪ff‬ال إن‪ff‬ه نص على أيب بك‪ff‬ر ف‪ff‬أمجع الص ‪ff‬حابة على موافقت‪ff‬ه النص‬
‫ومتابعت‪ff f‬ه‪ ،‬وه‪ff f‬و أق‪ff f‬رب من تق‪ff f‬دير مك‪ff f‬ابرهتم النص وكتمان‪ff f‬ه‪ ،‬مث إمنا يتخي‪ff f‬ل وج‪ff f‬وب ذل‪ff f‬ك لتع‪ff f‬ذر قط‪ff f‬ع‬
‫االختالف وليس ذلك مبعتذر‪ ،‬فإن البيعة تقط‪f‬ع م‪ff‬ادة االختالف وال‪f‬دليل علي‪f‬ه ع‪ff‬دم االختالف يف زم‪ff‬ان أيب‬
‫بك‪ff‬ر وعثم‪ff‬ان رض‪ff‬ي اهلل عنهم‪ ،‬وق‪ff‬د تولي‪ff‬ا البيع‪ff‬ة‪ ،‬وكثرت‪ff‬ه يف زم‪ff‬ان علي رض‪ff‬ي اهلل عن‪ff‬ه ومعتق‪ff‬د اإلمامي‪ff‬ة أن‪ff‬ه‬
‫توىل بالنص‪ .‬الط‪f‬رف الث‪f‬الث‪ :‬يف ش‪f‬رح عقي‪f‬دة أه‪f‬ل الس‪f‬نة يف الص‪f‬حابة واخللف‪f‬اء الراش‪f‬دين رض‪f‬ي اهلل عنهم‪.‬‬
‫اعلم أن للن‪ff‬اس يف الص‪ff‬حابة واخللف‪ff‬اء إس‪ff‬راف يف أط‪ff‬راف؛ فمن مب‪ff‬الغ يف الثن‪ff‬اء ح‪ff‬ىت ي‪ff‬دعي العص‪ff‬مة لألئم‪ff‬ة‪،‬‬
‫ومنهم متهجم على الطعن بطلق اللسان بذم الصحابة‪ .‬فال تكونن من الف‪f‬ريقني واس‪f‬لك طري‪f‬ق االقتص‪f‬اد يف‬
‫االعتق‪f‬اد‪ .‬واعلم أن كت‪f‬اب اهلل مش‪f‬تمل على الثن‪f‬اء على امله‪f‬اجرين واألنص‪f‬ار وت‪f‬واترت األخب‪f‬ار بتزكي‪f‬ة الن‪f‬يب‬
‫صلى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم إي‪f‬اهم بألف‪f‬اظ خمتلف‪f‬ة‪ ،‬كقول‪f‬ه أص‪f‬حايب ك‪f‬النجوم ب‪f‬أيهم اقت‪f‬ديتم اهت‪f‬ديتم وكقول‪f‬ه‪ :‬خ‪f‬ري‬
‫الن ‪ff‬اس ق ‪ff‬رين مث ال ‪ff‬ذين يل ‪ff‬وهنم وم ‪ff‬ا من واح ‪ff‬د إال وورد علي ‪ff‬ه ثن ‪ff‬اء خ ‪ff‬اص يف حق ‪ff‬ه يط ‪ff‬ول نقل ‪ff‬ه‪ ،‬فينبغي أن‬
‫تستص ‪ff‬حب ه ‪ff‬ذا االعتق ‪ff‬اد يف حقهم وال تس ‪ff‬يء الظن هبم كم ‪ff‬ا حيكى عن أح ‪ff‬وال ختالف مقتض ‪ff‬ى حس ‪ff‬ن‬
‫الظن‪ ،‬فأكثر ما ينقل خمرتع بالتعصب يف حقهم وال أصل له وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه ومل جيز م‪ff‬ا‬
‫ال يتسع العقل لتجويز اخلطأ والسهو فيه‪ ،‬ومحل أفعاهلم على قصد اخلري وإن مل يصيبوه‪ .‬واملشهور من قتال‬
‫معاوي‪ff‬ة م‪ff‬ع علي ومس‪ff‬ري عائش‪ff‬ه رض‪ff‬ي اهلل عنهم إىل البص‪ff‬رة والظن بعائش‪ff‬ة أهنا ك‪ff‬انت تطلب تطفئ‪ff‬ة الفتن‪ff‬ة‬
‫ولكن خ ‪ff‬رج األم ‪ff‬ر من الض ‪ff‬بط‪ ،‬ف ‪ff‬أواخر األم ‪ff‬ور ال تبقى على وف ‪ff‬ق طلب أوائله ‪ff‬ا‪ ،‬ب ‪ff‬ل تنس ‪ff‬ل عن الض ‪ff‬بط‪،‬‬
‫والظن مبعاوي ‪ff‬ة أن ‪ff‬ه ك ‪ff‬ان على تأوي ‪ff‬ل وظن فيم ‪ff‬ا ك ‪ff‬ان يتعاط ‪ff‬اه وم ‪ff‬ا حيكى س ‪ff‬وى ه ‪ff‬ذا من رواي ‪ff‬ات اآلح ‪ff‬اد‬
‫فالصحيح منه خمتلط بالباطل واالختالف أكثره اخرتاعات ال‪f‬روافض واخلوارج وأرب‪f‬اب الفض‪ff‬ول اخلائض‪ff‬ون‬
‫يف هذه الفنون‪ .‬فينبغي أن تالزم اإلنكار يف كل ما مل يثبت‪ ،‬وما ثبت فيستنبط له تأويًال‪ .‬فما تع‪ff‬ذر علي‪ff‬ك‬
‫فقل‪ :‬لعل له تأويًال وعذرًا مل أطلع علي‪f‬ه‪ .‬واعلم أن‪f‬ك يف ه‪f‬ذا املق‪f‬ام بني أن تس‪f‬يء الظن مبس‪f‬لم وتطعن علي‪f‬ه‬
‫وتك ‪ff‬ون كاذب‪ًf f‬ا أو حتس ‪ff‬ن الظن ب ‪ff‬ه وتك ‪ff‬ف لس ‪ff‬انك عن الطعن وأنت خمطئ مثًال‪ ،‬واخلط ‪ff‬أ يف حس ‪ff‬ن الظن‬
‫باملس‪ff‬لم أس‪ff‬لم من الص‪ff‬واب ب‪ff‬الطعن فيهم‪ ،‬فل‪ff‬و س‪ff‬كت إنس‪ff‬ان مثًال عن لعن ابليس أو لعن أيب جه‪ff‬ل أو أيب‬
‫هلب أو من ش‪ff‬ئت من األش‪ff‬رار ط‪ff‬ول عم‪ff‬ره مل يض‪ff‬ره الس‪ff‬كوت‪ ،‬ول‪ff‬و هف‪ff‬ا هف‪ff‬وة ب‪ff‬الطعن يف مس‪ff‬لم مبا ه‪ff‬و‬
‫ب‪ff‬ريء عن‪ff‬د اهلل تع‪ff‬اىل من‪ff‬ه فق‪ff‬د تع‪ff‬رض للهالك‪ ،‬ب‪ff‬ل أك‪ff‬ثر م‪ff‬ا يعلم يف الن‪ff‬اس ال حيل النط‪ff‬ق ب‪ff‬ه لتعظيم الش‪ff‬رع‬
‫الزجر عن الغيبة‪ ،‬م‪f‬ع أن‪f‬ه إخب‪f‬ار عم‪f‬ا ه‪f‬و متحق‪f‬ق يف املغت‪f‬اب‪ .‬فمن يالح‪f‬ظ ه‪f‬ذه الفص‪f‬ول ومل يكن يف طبع‪f‬ه‬
‫مي‪ff‬ل إىل الفض‪ff‬ول آث‪ff‬ر مالزمت‪ff‬ه الس‪ff‬كوت وحس‪ff‬ن الظن بكاف‪ff‬ة املس‪ff‬لمني وإطالق اللس‪ff‬ان بالثن‪ff‬اء على مجي‪ff‬ع‬
‫الس‪ff‬لف الص‪ff‬احلني‪ .‬ه‪ff‬ذا حكم الص‪ff‬حابة عام‪ff‬ة‪ .‬فأم‪ff‬ا اخللف‪ff‬اء الراش‪ff‬دون فهم أفض‪ff‬ل من غ‪ff‬ريهم‪ ،‬وت‪ff‬رتيبهم يف‬
‫الفض‪ff‬ل عن‪ff‬د أه‪ff‬ل الس‪ff‬نة ك‪ff‬رتتيبهم يف اإلمام‪ff‬ة‪ ،‬وه‪ff‬ذا ملك‪ff‬ان أن قولن‪ff‬ا فالن أفض‪ff‬ل من فالن أن معن‪ff‬اه إن حمل‪f‬ه‬
‫عن ‪ff‬د اهلل تع ‪ff‬اىل يف اآلخ ‪ff‬رة أرف ‪ff‬ع‪ ،‬وه ‪ff‬ذا غيب ال يطل ‪ff‬ع علي ‪ff‬ه إال اهلل ورس ‪ff‬وله إن أطلع ‪ff‬ه علي ‪ff‬ه‪ ،‬وال ميكن أن‬
‫يدعي نصوص قاطعة من صاحب الشرع متواترة مقتضية للفضيلة على هذا الرتتيب‪ ،‬بل املنقول الثناء على‬
‫مجيعهم‪ .‬واس‪ff‬تنباط حكم الرتجيح‪ff‬ات يف الفض‪ff‬ل من دق‪ff‬ائق ثنائ‪ff‬ه عليهم رمي يف عماي‪ff‬ة واقتح‪ff‬ام أم‪ff‬ر آخ‪ff‬ر‬
‫أغنان‪ff‬ا اهلل عن‪ff‬ه‪ ،‬ويع‪ff‬رف الفض‪ff‬ل عن‪ff‬د اهلل تع‪ff‬اىل باألعم‪ff‬ال مش‪ff‬كل أيض‪ًf‬ا وغايت‪ff‬ه رجم ظن‪ ،‬فكم من ش‪ff‬خص‬
‫متح‪f‬رم الظ‪f‬اهر وه‪f‬و عن‪f‬د اهلل مبك‪f‬ان ليس يف قلب‪f‬ه وخل‪f‬ق خفي يف باطن‪f‬ه‪ ،‬وكم من م‪f‬زين بالعب‪f‬ادات الظ‪f‬اهرة‬
‫وه ‪ff‬و يف س ‪ff‬خط اهلل خلبث مس ‪ff‬تكن يف باطن ‪ff‬ه فال مطل ‪ff‬ع على الس ‪ff‬رائر إال اهلل تع ‪ff‬اىل‪ .‬ولكن إذا ثبت أن ‪ff‬ه ال‬
‫يع‪ff‬رف الفض‪ff‬ل إال ب‪ff‬الوحي وال يع‪ff‬رف من الن‪ff‬يب إال بالس‪ff‬ماع وأوىل الن‪ff‬اس بالس‪ff‬ماع م‪ff‬ا ي‪ff‬دل على تف‪ff‬اوت‬
‫الفض‪ff‬ائل الص‪ff‬حابة املالزم‪ff‬ون ألح‪ff‬وال الن‪ff‬يب ص‪ff‬لى اهلل علي‪ff‬ه وس‪ff‬لم‪ ،‬وهم ق‪ff‬د أمجع‪ff‬وا على تق‪ff‬دمي أيب بك‪ff‬ر‪ ،‬مث‬
‫نص أب‪ff f‬و بك‪ff f‬ر على عم‪ff f‬ر‪ ،‬مث أمجع‪ff f‬وا بع‪ff f‬ده على عثم‪ff f‬ان‪ ،‬مث على علي رض‪ff f‬ي اهلل عنهم‪ .‬وليس يظن منهم‬
‫اخليان ‪ff‬ة يف دين اهلل تع ‪ff‬اىل لغ ‪ff‬رض من األغ ‪ff‬راض‪ ،‬وك ‪ff‬ان إمجاعهم على ذل ‪ff‬ك من أحس ‪ff‬ن م ‪ff‬ا يس ‪ff‬تدل ب ‪ff‬ه على‬
‫مراتبهم يف الفضل‪ ،‬ومن هذا اعتقد أهل السنة هذا الرتتيب يف الفضل مث حبثوا عن األخبار فوجدوا فيها م‪f‬ا‬
‫عرف به مستند الصحابة وأهل اإلمجاع يف هذا الرتتيب‪ .‬فهذا م‪ff‬ا أردن‪f‬ا أن نقتص‪ff‬ر علي‪f‬ه من أحك‪f‬ام اإلمام‪ff‬ة‬
‫واهلل أعلم وأحكم‪.‬‬
‫الباب الرابع بيان من جيب تكفريه من الفرق اعلم أن للفرق يف هذا مبالغات وتعص ‪ff‬بات‪ ،‬فرمبا انتهى بعض‬
‫الطوائف إىل تكفري كل فرقة سوى الفرقة اليت يعزى إليها‪ ،‬فإذا أردت أن تعرف سبيل احلق فيه ف‪ff‬اعلم قب‪ff‬ل‬
‫ك‪f‬ل ش‪f‬يء أن ه‪f‬ذه مس‪f‬ألة فقهي‪f‬ة‪ ،‬أع‪f‬ين احلكم بتكف‪f‬ري من ق‪f‬ال ق‪f‬وًال وتع‪f‬اطى فعًال‪ ،‬فإهنا ت‪f‬ارة تك‪f‬ون معلوم‪f‬ة‬
‫بأدلة مسعية وتارة تك‪f‬ون مظنون‪f‬ة باالجته‪f‬اد‪ ،‬وال جمال ل‪f‬دليل العق‪f‬ل فيه‪f‬ا البت‪f‬ة‪ ،‬وال ميكن تفهيم ه‪f‬ذا إال بع‪f‬د‬
‫تفهيم قولن‪ff‬ا‪ :‬إن ه‪ff‬ذا الش‪ff‬خص ك‪ff‬افر والكش‪ff‬ف عن معن‪ff‬اه‪ ،‬وذل‪ff‬ك يرج‪ff‬ع إىل اإلخب‪ff‬ار عن مس‪ff‬تقره يف ال‪ff‬دار‬
‫اآلخ‪ff‬رة وأن‪ff‬ه يف الن‪ff‬ار على التأبي‪ff‬د‪ ،‬وعن حكم‪ff‬ه يف ال‪ff‬دنيا وأن‪ff‬ه ال جيب القص‪ff‬اص بقتل‪ff‬ه وال ميكن من نك‪ff‬اح‬
‫مس‪ff‬لمة وال عص‪ff‬مة لدم‪ff‬ه ومال‪ff‬ه‪ ،‬إىل غ‪ff‬ري ذل‪ff‬ك من األحك‪ff‬ام‪ ،‬وفي‪ff‬ه أيض ‪ًf‬ا إخب‪ff‬ار عن ق‪ff‬ول ص‪ff‬ادر من‪ff‬ه وه‪ff‬و‬
‫ك ‪ff‬ذب‪ ،‬أو اعتق ‪ff‬اد وه ‪ff‬و جه ‪ff‬ل‪ ،‬وجيوز أن يع ‪ff‬رف بأدل ‪ff‬ة العق ‪ff‬ل ك ‪ff‬ون الق ‪ff‬ول ك ‪ff‬ذبًا وك ‪ff‬ون االعتق ‪ff‬اد جهًال‪،‬‬
‫ولكن ك‪ff‬ون ه‪ff‬ذا الك‪ff‬ذب واجله‪ff‬ل موجب ‪ًf‬ا للتكف‪ff‬ري أم‪ff‬ر آخ‪ff‬ر‪ ،‬ومعن‪ff‬اه كون‪ff‬ه مس‪ff‬لطًا على س‪ff‬فك دم‪ff‬ه وأخ‪ff‬ذ‬
‫أمواله‪ ،‬ومعىن كونه مسلطًا على س‪f‬فك دم‪f‬ه وأخ‪f‬ذ أموال‪f‬ه ومبيح‪ًf‬ا إلطالق الق‪f‬ول بأن‪f‬ه خمل‪f‬د يف الن‪f‬ار؛ وه‪f‬ذه‬
‫األمور شرعية وجيوز عندنا أن يرد الشرع ب‪f‬أن الك‪f‬ذاب أو اجلاه‪f‬ل أو املك‪f‬ذب خمل‪f‬د يف اجلن‪f‬ة وغ‪f‬ري مك‪f‬رتث‬
‫بكفره‪ ،‬وإن ماله ودمه معصوم وجيوز أن يرد بالعكس أيضًا نعم ليس جيور أن يرد بأن الكذب ص‪ff‬دق وأن‬
‫اجله‪f‬ل علم‪ ،‬وذل‪f‬ك ليس ه‪f‬و املطل‪f‬وب هبذه املس‪f‬ألة ب‪f‬ل املطل‪f‬وب أن ه‪f‬ذا اجله‪f‬ل والك‪f‬ذب ه‪f‬ل جعل‪f‬ه الش‪f‬رع‬
‫سببًا إلبطال عصمته واحلكم بأنه خملد يف النار ؟ وه‪f‬و كنظرن‪f‬ا يف أن الص‪f‬يب إذا تكلم بكلم‪f‬يت الش‪f‬هادة فه‪f‬و‬
‫كافر بعد أو مسلم ؟ أي هذا اللفظ الذي صدر منه وهو صدق‪ ،‬واالعتقاد ال‪f‬ذي وج‪f‬د يف قلب‪f‬ه وه‪ff‬و ح‪f‬ق‪،‬‬
‫هل جعله الشرع سببًا لعصمة دمه وماله أم ال ؟ وهذا إىل الشرع‪ .‬فأما وصف قوله بأن‪f‬ه ك‪f‬ذب أو اعتق‪ff‬اده‬
‫بأنه جهل‪ ،‬فليس إىل الش‪f‬رع‪ ،‬ف‪f‬إذًا معرف‪f‬ة الك‪f‬ذب واجله‪f‬ل جيوز أن يك‪f‬ون عقلي‪ًf‬ا وأم‪f‬ا معرف‪f‬ة كون‪f‬ه ك‪f‬افر أو‬
‫مس‪ff‬لمًا فليس إال ش‪ff‬رعيًا‪ ،‬ب‪ff‬ل ه‪ff‬و كنظرن‪ff‬ا يف الفق‪ff‬ه يف أن ه‪ff‬ذا الش‪ff‬خص رقي‪ff‬ق أو ح‪ff‬ر‪ ،‬ومعن‪ff‬اه أن الس‪ff‬بب‬
‫ال ‪ff‬ذي ج ‪ff‬رى ه ‪ff‬ل نص ‪ff‬به الش ‪ff‬رع مبطًال لش ‪ff‬هادته وواليت ‪ff‬ه وم ‪ff‬زيًال ألمالك ‪ff‬ه ومس ‪ff‬قطًا للقص ‪ff‬اص عن س ‪ff‬يده‬
‫املس ‪ff‬تويل علي ‪ff‬ه‪ ،‬إذا قتل ‪ff‬ه‪ ،‬فيك ‪ff‬ون ك ‪ff‬ل ذل ‪ff‬ك طلب ‪ًf‬ا ألحك ‪ff‬ام ش ‪ff‬رعية ال يطلب دليله ‪ff‬ا إال من الش ‪ff‬رع‪ .‬وجيوز‬
‫الفت‪ff‬وى يف ذل‪ff‬ك ب‪ff‬القطع م‪ff‬رة وب‪ff‬الظن واالجته‪ff‬اد أخ‪ff‬رى‪ ،‬ف‪ff‬إذا تق‪ff‬رر ه‪ff‬ذا األص‪ff‬ل فق‪ff‬د قررن‪ff‬ا يف أص‪ff‬ول الفق‪ff‬ه‬
‫وفروع‪ff‬ه أن ك‪ff‬ل حكم ش‪ff‬رعي يدعي‪ff‬ه م‪ff‬دع فإم‪ff‬ا أن يعرف‪ff‬ه بأص‪ff‬ل من أص‪ff‬ول الش‪ff‬رع من إمجاع أو نق‪ff‬ل أو‬
‫بقياس على أصل‪ ،‬وكذلك كون الشخص كافرًا إما أن يدرك بأصل أو بقياس على ذلك األصل‪ ،‬واألصل‬
‫املقط ‪ff‬وع ب ‪ff‬ه أن ك ‪ff‬ل من ك ‪ff‬ذب حمم ‪ff‬دًا ص ‪ff‬لى اهلل علي ‪ff‬ه وس ‪ff‬لم فه ‪ff‬و ك ‪ff‬افر أي خمل ‪ff‬د يف الن ‪ff‬ار بع ‪ff‬د املوت‪،‬‬
‫ومستباح الدم واملال يف احلياة‪ ،‬إىل مجلة األحكام‪ .‬إال أن التكذيب على مراتب‪.‬‬
‫الرتبة األوىل‪ :‬تكذيب اليهود والنصارى وأه‪ff‬ل املل‪f‬ل كلهم من اجملوس وعب‪f‬دة األوث‪f‬ان وغ‪ff‬ريهم‪ ،‬فتكف‪ff‬ريهم‬
‫منصوص عليه يف الكتاب وجممع عليه بني األمة‪ ،‬وهو األصل وما عداه كامللحق به‪.‬‬
‫الرتب ‪ff‬ة الثاني ‪ff‬ة‪ :‬تك ‪ff‬ذيب الربامهة املنك ‪ff‬رين ألص ‪ff‬ل النب ‪ff‬وات‪ ،‬والدهري ‪ff‬ة املنك ‪ff‬رين لص ‪ff‬انع الع ‪ff‬امل‪ .‬وه ‪ff‬ذا ملح ‪ff‬ق‬
‫باملنصوص بطريق األوىل‪ ،‬ألن هؤالء كذبوه وك‪f‬ذبوا غ‪f‬ريه من األنبي‪f‬اء‪ ،‬أع‪f‬ين الربامهة‪ ،‬فك‪f‬انوا ب‪f‬التكفري أوىل‬
‫من النص‪ff‬ارى واليه‪ff‬ود‪ ،‬والدهري‪ff‬ة أوىل ب‪ff‬التكفري من الربامهة ألهنم أض‪ff‬افوا إىل تك‪ff‬ذيب األنبي‪ff‬اء إنك‪ff‬ار املرس‪ff‬ل‬
‫ومن ض ‪ff‬رورة إنك ‪ff‬ار النب ‪ff‬وة‪ ،‬ويلتح ‪ff‬ق هبذه الرتب ‪ff‬ة ك ‪ff‬ل من ق ‪ff‬ال ق ‪ff‬وًال ال تثبت النب ‪ff‬وة يف أص ‪ff‬لها أو نب ‪ff‬وة نبين ‪ff‬ا‬
‫حممد على اخلصوص إال بعد بطالن قوله‪.‬‬
‫الرتبة الثالثة‪ :‬الذين يصدقون بالصانع والنبوة ويصدقون النيب‪ ،‬ولكن يعتقدون أمورًا ختالف نصوص الشرع‬
‫ولكن يقول ‪ff‬ون أن الن ‪ff‬يب حمق‪ ،‬وم ‪ff‬ا قص ‪ff‬د مبا ذك ‪ff‬ره إال ص ‪ff‬الح اخلل ‪ff‬ق ولكن مل يق ‪ff‬در على التص ‪ff‬ريح ب ‪ff‬احلق‬
‫لكالل أفه ‪ff‬ام اخلل ‪ff‬ق عن درك ‪ff‬ه‪ ،‬وه ‪ff‬ؤالء هم الفالس ‪ff‬فة‪ .‬وجيب القط ‪ff‬ع بتكف ‪ff‬ريهم يف ثالث ‪ff‬ة مس ‪ff‬ائل وهي‪:‬‬
‫إنك‪ff‬ارهم حلش‪ff‬ر األجس‪ff‬اد والتع‪ff‬ذيب بالن‪ff‬ار‪ ،‬والتنعيم يف اجلن‪ff‬ة ب‪ff‬احلور ب‪ff‬العني واملأكول واملش‪ff‬روب وامللب‪ff‬وس‪.‬‬
‫واألخ ‪ff‬رى‪ :‬ق ‪ff‬وهلم إن اهلل ال يعلم اجلزئي ‪ff‬ات وتفص ‪ff‬يل احلوادث وإمنا يعلم الكلي ‪ff‬ات‪ ،‬وإمنا اجلزئي ‪ff‬ات تعلمه ‪ff‬ا‬
‫املالئك‪ff‬ة الس‪ff‬ماوية‪ .‬والثالث‪ff‬ة‪ :‬ق‪ff‬وهلم إن الع‪ff‬امل ق‪ff‬دمي وإن اهلل تع‪ff‬اىل متق‪ff‬دم على الع‪ff‬امل بالرتب‪ff‬ة مث‪ff‬ل تق‪ff‬دم العل‪ff‬ة‬
‫على املعل ‪ff‬ول‪ ،‬وإال فلم ت ‪ff‬ر يف الوج ‪ff‬ود إال متس ‪ff‬اويني‪ .‬وه ‪ff‬ؤالء إذا أوردوا عليهم آي ‪ff‬ات الق ‪ff‬رآن زعم ‪ff‬وا أن‬
‫الل‪ff‬ذات العقلي‪ff‬ة تقص‪ff‬ر األفه‪ff‬ام عن دركه‪ff‬ا‪ ،‬فمث‪ff‬ل هلم ذل‪ff‬ك بالل‪ff‬ذات احلس‪ff‬ية وه‪ff‬ذا كف‪ff‬ر ص‪ff‬ريح‪ ،‬والق‪ff‬ول ب‪ff‬ه‬
‫إبط‪ff‬ال لفائ‪ff‬دة الش‪ff‬رائع وس‪ff‬د لب‪ff‬اب االهت‪ff‬داء بن‪ff‬ور الق‪ff‬رآن واس‪ff‬تبعاد للرش‪ff‬د من ق‪ff‬ول الرس‪ff‬ل‪ ،‬فإن‪ff‬ه إذا ج‪ff‬از‬
‫عليهم الكذب ألج‪f‬ل املص‪f‬احل بطلت الثق‪f‬ة ب‪f‬أقواهلم فم‪f‬ا من ق‪f‬ول يص‪f‬در عنهم إال ويتص‪f‬ور أن يك‪f‬ون ك‪f‬ذبًا‪،‬‬
‫وإمنا قالوا ذلك ملصلحة‪ .‬فإن قيل‪ :‬فلم قلتم مع ذلك بأهنم كفرة ؟ قلنا ألنه عرف قطع‪ًf‬ا من الش‪ff‬رع أن من‬
‫كذب رسول اهلل فهو كافر وهؤالء مكذبون مث معاملون للكذب مبعاذير فاس‪f‬دة وذل‪f‬ك ال خيرج الكالم عن‬
‫كونه كذبًا‪.‬‬
‫الرتب‪ff‬ة الرابع‪ff‬ة‪ :‬املعتزل‪ff‬ة واملش‪ff‬بهة والف‪ff‬رق كله‪ff‬ا س‪ff‬وى الفالس‪ff‬فة‪ ،‬وهم ال‪ff‬ذين يص‪ff‬دقون وال جيوزون الك‪ff‬ذب‬
‫ملص‪ff‬لحة وغ‪ff‬ري مص‪ff‬لحة‪ ،‬وال يش‪ff‬تغلون بالتعلي‪ff‬ل ملص‪ff‬لحة الك‪ff‬ذب ب‪ff‬ل بالتأوي‪ff‬ل ولكنهم خمطئ‪ff‬ون يف التأوي‪ff‬ل‪،‬‬
‫فهؤالء أمرهم يف حمل االجتهاد‪ .‬والذي ينبغي أن مييل احملصل إليه االحرتاز من التكفري ما وجد إليه س‪ff‬بيًال‪.‬‬
‫ف‪f‬إن اس‪f‬تباحة ال‪f‬دماء واألم‪f‬وال من املص‪f‬لني إىل القبل‪f‬ة املص‪f‬رحني بق‪f‬ول ال إل‪f‬ه إال اهلل حمم‪f‬د رس‪f‬ول اهلل خط‪f‬أ‪،‬‬
‫واخلطأ يف ترك ألف كافر يف احلياة أهون من اخلطأ يف سفك حمجمة من دم مسلم‪ .‬وقد قال صلى اهلل عليه‬
‫وس‪ff‬لم‪ :‬أم‪ff‬رت أن أقات‪ff‬ل الن‪ff‬اس ح‪ff‬ىت يقول‪ff‬وا ال إل‪ff‬ه إال اهلل حمم‪ff‬د رس‪ff‬ول اهلل‪ ،‬ف‪ff‬إذا قالوه‪ff‬ا فق‪ff‬د عص‪ff‬موا م‪ff‬ين‬
‫دماءهم وأمواهلم إال حبقها‪ .‬وهذه الفرق منقسمون إىل مس‪ff‬رفني وغالة‪ ،‬وإىل مقتص‪ff‬دين باإلض‪ff‬افة إليهم‪ ،‬مث‬
‫اجملته ‪ff‬د ي ‪ff‬رى تكف ‪ff‬ريهم وق ‪ff‬د يك ‪ff‬ون ظن ‪ff‬ه يف بعض املس ‪ff‬ائل وعلى بعض الف ‪ff‬رق أظه ‪ff‬ر‪ .‬وتفص ‪ff‬يل آح ‪ff‬اد تل ‪ff‬ك‬
‫املس ‪ff‬ائل يط ‪ff‬ول مث يث ‪ff‬ري الفنت واألحق ‪ff‬اد‪ ،‬ف ‪ff‬إن أك ‪ff‬ثر اخلائض ‪ff‬ني يف ه ‪ff‬ذا إمنا حيركهم التعص ‪ff‬ب واتب ‪ff‬اع تكف ‪ff‬ري‬
‫املكذب للرسول‪ ،‬وهؤالء ليس‪f‬وا مك‪f‬ذبني أص‪ًf‬ال ومل يثبت لن‪f‬ا أن اخلط‪f‬أ يف التأوي‪f‬ل م‪f‬وجب للتكف‪f‬ري‪ ،‬فال ب‪f‬د‬
‫من دلي‪ff‬ل علي‪ff‬ه‪ ،‬وثبت أن العص‪ff‬مة مس‪ff‬تفادة من ق‪ff‬ول ال إل‪ff‬ه إال اهلل قطع‪ًf‬ا‪ ،‬فال ي‪ff‬دفع ذل‪ff‬ك إال بق‪ff‬اطع‪ .‬وه‪ff‬ذا‬
‫القدر ك‪f‬اف يف التنبي‪f‬ه على أن إس‪f‬راف من ب‪f‬الغ يف التكف‪f‬ري ليس عن بره‪f‬ان ف‪f‬إن الربه‪f‬ان إم‪f‬ا أص‪f‬ل أو قي‪f‬اس‬
‫على أص ‪ff‬ل‪ ،‬واألص ‪ff‬ل ه ‪ff‬و التك ‪ff‬ذيب الص ‪ff‬ريح ومن ليس مبك ‪ff‬ذب فليس يف مع ‪ff‬ىن الك ‪ff‬ذب أص ‪ًf‬ال فيبقى حتت‬
‫عموم العصمة بكلمة الشهادة‪.‬‬
‫الرتب‪ff‬ة اخلامس‪ff‬ة‪ :‬من ت‪ff‬رك التك‪ff‬ذيب الص‪ff‬ريح ولكن ينك‪ff‬ر أص ‪ًf‬ال من أص‪ff‬ول الش‪ff‬رعيات املعلوم‪ff‬ة ب‪ff‬التواتر من‬
‫رس ‪ff‬ول اهلل ص ‪ff‬لى اهلل علي ‪ff‬ه وس ‪ff‬لم‪ ،‬كق ‪ff‬ول القائ ‪ff‬ل‪ :‬الص ‪ff‬لوات اخلمس غ ‪ff‬ري واجب ‪ff‬ة‪ ،‬ف ‪ff‬إذا ق ‪ff‬رئ علي ‪ff‬ه الق ‪ff‬رآن‬
‫واألخب ‪ff‬ار ق ‪ff‬ال‪ :‬لس ‪ff‬ت أعلم ص ‪ff‬در ه ‪ff‬ذا من رس ‪ff‬ول اهلل‪ ،‬فلعل ‪ff‬ه غل ‪ff‬ط وحتري ‪ff‬ف‪ .‬وكمن يق ‪ff‬ول‪ :‬أن ‪ff‬ا مع ‪ff‬رتف‬
‫بوجوب احلج ولكن ال أدري أين مكة وأين الكعبة‪ ،‬وال أدري أن البلد الذي تستقبله الن‪ff‬اس وحيجون‪ff‬ه ه‪ff‬ل‬
‫هي البل‪ff‬د ال‪ff‬يت حجه‪ff‬ا الن‪ff‬يب علي‪ff‬ه الس‪ff‬الم ووص‪ff‬فها الق‪ff‬رآن‪ .‬فه‪ff‬ذا أيض ‪ًf‬ا ينبغي أن حيكم بكف‪ff‬ره ألن‪ff‬ه مك‪ff‬ذب‬
‫ولكن‪ff f‬ه حمرتز عن التص‪ff f‬ريح‪ ،‬وإال ف‪ff f‬املتواترات تش‪ff f‬رتك يف دركه‪ff f‬ا الع‪ff f‬وام واخلواص وليس بطالن م ‪ff‬ا يقول ‪ff‬ه‬
‫كبطالن مذهب املعتزلة فإن ذلك خيتص لدركه اؤلوا البصائر من النظار إال أن يكون هذا الش‪ff‬خص ق‪ff‬ريب‬
‫العهد باالس‪f‬الم ومل يت‪f‬واتر عن‪f‬ده بع‪f‬د ه‪f‬ذه األم‪f‬ور فيمهل‪f‬ه إىل أن يت‪f‬واتر عن‪f‬ده‪ ،‬ولس‪f‬نا نكف‪f‬ره ألن‪f‬ه أنك‪f‬ر أم‪f‬رًا‬
‫معلومًا بالتواتر‪ ،‬وإنه لو أنكر غزوة من غزوات النيب صلى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم املت‪f‬واترة أو أنك‪f‬ر نكاح‪f‬ه حفص‪ff‬ة‬
‫بنت عمر‪ ،‬أو أنكر وجود أيب بكر وخالفته مل يلزم تكف‪ff‬ريه ألن‪f‬ه ليس تك‪f‬ذيبًا يف أص‪ff‬ل من أص‪ff‬ول ال‪f‬دين مما‬
‫جيب التصديق به خبالف احلج والصالة وأرك‪f‬ان اإلس‪f‬الم‪ ،‬ولس‪f‬نا نكف‪ff‬ره مبخالف‪ff‬ة االمجاع‪ ،‬ف‪f‬إن لن‪f‬ا نظ‪f‬رة يف‬
‫تكفري النظام املنكر ألصل االمجاع‪ ،‬ألن الشبه كثرية يف كون االمجاع حجة قاطعة وإمنا االمجاع عب‪ff‬ارة عن‬
‫التطابق على رأي نظري وهذا ال‪f‬ذي حنن في‪f‬ه تط‪f‬ابق على األخب‪f‬ار غ‪f‬ري حمس‪f‬وس‪ ،‬وتط‪f‬ابق الع‪f‬دد الكب‪f‬ري على‬
‫األخب ‪ff‬ار غ ‪ff‬ري حمس ‪ff‬وس على س ‪ff‬بيل الت ‪ff‬واتر املوجب للعلم الض ‪ff‬روري‪ ،‬وتط ‪ff‬ابق أه ‪ff‬ل احلق والعق ‪ff‬د على رأي‬
‫واح‪ff‬د نظ‪ff‬ري ال ي‪ff‬وجب العلم إال من جه‪ff‬ة الش‪ff‬رع ول‪ff‬ذلك ال جيوز أن يس‪ff‬تدل على ح‪ff‬دوث الع‪ff‬امل بت‪ff‬واتر‬
‫األخبار من النظار الذين حكموا به‪ ،‬بل ال تواتر إال يف احملسوسات‪.‬‬
‫الرتبة السادسة‪ :‬أن ال يصرح بالتكذيب وال يكذب أيضًا أمرًا معلومًا على القطع بالتواتر من أص‪ff‬ول ال‪ff‬دين‬
‫ولكن منك‪ff‬ر م ‪ff‬ا علم ص ‪ff‬حته إال االمجاع‪ ،‬فأم ‪ff‬ا الت‪ff‬واتر فال يش‪ff‬هد ل‪ff‬ه كالنظ‪ff‬ام مثًال‪ ،‬إذ أنك‪ff‬ر ك‪ff‬ون االمجاع‬
‫حج ‪ff‬ة قاطع ‪ff‬ة يف أص ‪ff‬له‪ .‬وق ‪ff‬ال‪ :‬ليس ي ‪ff‬دل على اس ‪ff‬تحالة اخلط ‪ff‬أ على أه ‪ff‬ل االمجاع دلي ‪ff‬ل عقلي قطعي وال‬
‫ش‪ff‬رعي مت‪ff‬واتر ال حيتم‪ff‬ل التأوي‪ff‬ل‪ ،‬فكلم‪ff‬ا تستش‪ff‬هد ب‪ff‬ه من األخب‪ff‬ار واآلي‪ff‬ات ل‪ff‬ه تأوي‪ff‬ل بزعم‪ff‬ه‪ ،‬وه‪ff‬و يف قول‪ff‬ه‬
‫خ‪f‬ارق إلمجاع الت‪f‬ابعني؛ فإن‪f‬ا نعلم إمجاعهم على أن م‪f‬ا أمجع علي‪f‬ه الص‪f‬حابة ح‪f‬ق مقط‪f‬وع ب‪f‬ه ال ميكن خالف‪f‬ه‬
‫فق‪ff‬د أنك‪ff‬ر اإلمجاع وخ‪ff‬رق اإلمجاع وه‪ff‬ذا يف حمل االجته‪ff‬اد‪ ،‬ويل في‪ff‬ه نظ‪ff‬ر‪ ،‬إذ االش‪ff‬كاالت كث‪ff‬رية يف وج‪ff‬ه‬
‫كون االمجاع حجة فيكاد يكون ذلك املمهد للعذر ولكن لو فتح هذا الباب اجنر إىل أم‪ff‬ور ش‪ff‬نيعة وه‪ff‬و أن‬
‫قائًال لو قال‪ :‬جيوز أن يبعث رسول بعد نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فيبعد التوقف يف تكف‪ff‬ريه ومس‪ff‬تند‬
‫اس‪ff‬تحالة ذل‪ff‬ك عن‪ff‬د البحث تس‪ff‬تمد من االمجاع ال حمال‪ff‬ة ف‪ff‬إن العق‪ff‬ل ال حييل‪ff‬ه وم‪ff‬ا نق‪ff‬ل في‪ff‬ه من قول‪ff‬ه‪ :‬ال ن‪ff‬يب‬
‫بعدي ومن قوله تعاىل‪ :‬خامت النبيني فال يعجز هذا القائل عن تأويله فيقول‪ :‬خ‪f‬امت النب‪f‬يني أراد ب‪f‬ه أويل الع‪f‬زم‬
‫من الرس‪f‬ل‪ ،‬ف‪f‬إن ق‪f‬الوا النب‪f‬يني ع‪f‬ام‪ ،‬فال يبع‪f‬د ختص‪f‬يص الع‪f‬ام‪ .‬وقول‪f‬ه ال ن‪f‬يب بع‪f‬دي مل ي‪f‬رد ب‪f‬ه الرس‪f‬ول‪ ،‬وف‪f‬رق‬
‫بني النيب والرسول والن‪f‬يب أعلى رتب‪f‬ة من الرس‪f‬ول إىل غ‪f‬ري ذل‪f‬ك من أن‪f‬واع اهلذيان‪ .‬فه‪f‬ذا وأمثال‪f‬ه ال ميكن أن‬
‫ن‪ff‬دعي اس‪ff‬تحالته من حيث جمرد اللف‪ff‬ظ فإن‪ff‬ا يف تأوي‪ff‬ل ظ‪ff‬واهر التش‪ff‬بيه قض‪ff‬ينا باحتم‪ff‬االت أبع‪ff‬د من ه‪ff‬ذه ومل‬
‫يكن ذل ‪ff‬ك مبطًال للنص ‪ff‬وص‪ ،‬ولكن ال ‪ff‬رد على ه ‪ff‬ذا القائ ‪ff‬ل أن األم ‪ff‬ة فهمت باإلمجاع من ه ‪ff‬ذا اللف ‪ff‬ظ ومن‬
‫ق‪f‬رائن أحوال‪f‬ه أن‪f‬ه أفهم ع‪ff‬دم ن‪f‬يب بع‪ff‬ده أب‪f‬دًا وع‪ff‬دم رس‪f‬ول اهلل أب‪f‬دًا وأن‪f‬ه ليس في‪f‬ه تأوي‪f‬ل وال ختص‪ff‬يص فمنك‪f‬ر‬
‫هذا ال يكون إال منكر اإلمجاع‪ ،‬وعند هذا يتفرع مسائل متقاربة مش‪f‬تبكة يفتق‪f‬ر ك‪f‬ل واح‪f‬د منه‪f‬ا إىل نظ‪f‬ر‪،‬‬
‫واجملته‪ff‬د يف مجي‪ff‬ع ذل‪ff‬ك حيكم مبوجب ظن‪ff‬ه يقين‪ًf‬ا وإثبات‪ًf‬ا والغ‪ff‬رض اآلن حتري‪ff‬ر معاق‪ff‬د األص‪ff‬ول ال‪ff‬يت ي‪ff‬ايت عليه‪ff‬ا‬
‫التكف ‪ff‬ري وق ‪ff‬د نرج ‪ff‬ع إىل ه ‪ff‬ذه املراتب الس ‪ff‬لتة وال يع ‪ff‬رتض ف ‪ff‬رع إال وين ‪ff‬درج حتت رتب ‪ff‬ة من ه ‪ff‬ذه ال ‪ff‬رتب‪،‬‬
‫فاملقصود التأصيل دون التفصيل‪ .‬فإن قي‪f‬ل‪ :‬الس‪f‬جود بني ي‪f‬دي الص‪ff‬نم كف‪ff‬ر‪ ،‬وه‪ff‬و فع‪ff‬ل جمرد ال ي‪f‬دخل حتت‬
‫هذه الروابط‪ ،‬فهل هو أصل آخ‪f‬ر ؟ قلن‪f‬ا‪ :‬ال‪ ،‬ف‪f‬إن الكف‪f‬ر يف اعتق‪f‬اده تعظيم الص‪f‬نم‪ ،‬وذل‪f‬ك تك‪f‬ذيب لرس‪f‬ول‬
‫اهلل ص‪f‬لى اهلل علي‪f‬ه وس‪f‬لم والق‪f‬رآن ولكن يع‪f‬رف اعتق‪f‬اده تعظيم الص‪f‬نم ت‪f‬ارة بتص‪f‬ريح لفظ‪f‬ه‪ ،‬وت‪f‬ارًة باإلش‪f‬ارة‬
‫إن كان أخرسًا‪ ،‬وتارة بفعل ي‪f‬دل علي‪f‬ه دالل‪f‬ة قاطع‪f‬ة كالس‪f‬جود حيث ال حيتم‪f‬ل أن يك‪f‬ون الس‪f‬جود هلل وإمنا‬
‫الصنم بني يدي‪f‬ه كاحلائ‪f‬ط وه‪f‬و غاف‪f‬ل عن‪f‬ه أو غ‪f‬ري معتق‪f‬د تعظيم‪f‬ه‪ ،‬وذل‪f‬ك يع‪f‬رف ب‪f‬القرائن‪ .‬وه‪f‬ذا كنظرن‪f‬ا أن‬
‫الكافر إذا صلى جبماعتن‪f‬ا ه‪f‬ل حيكم باس‪f‬المه‪ ،‬أي ه‪f‬ل يس‪f‬تدل على اعتق‪f‬اد التص‪f‬ديق ؟ فليس ه‪f‬ذا إذن نظ‪f‬رًا‬
‫خارجًا عما ذكرناه‪ .‬ولنقتصر على هذا القدر يف تعريف مدارك التكفري وإمنا أوردناه من حيث أن الفقهاء‬
‫مل يتعرضوا له واملتكلمون مل ينظروا فيه نظ‪f‬رًا فقهي‪ًf‬ا‪ ،‬إذ مل يكن ذل‪f‬ك من فنهم‪ ،‬ومل ينب‪f‬ه بعض‪ff‬هم هبا لق‪ff‬رب‬
‫املسألة من الفقهيات‪ ،‬ألن النظر يف األسباب املوجبة للتكفري من حيث أهنا أكاذيب وجهاالت نظر عقلي‪،‬‬
‫ولكن النظ ‪ff‬ر من حيث أن تل ‪ff‬ك اجله ‪ff‬االت مقتض ‪ff‬ية بطالن العص ‪ff‬مة وإمنا اخلل ‪ff‬ود يف الن ‪ff‬ار نظ ‪ff‬ر فقهي وه ‪ff‬و‬
‫املطلوب‪.‬‬
‫ولنختم الكتاب هبذا‪ ،‬فقد أظهرنا االقتصاد يف االعتقاد وح‪f‬ذفنا احلش‪f‬و والفض‪f‬ول املس‪f‬تغىن عن‪f‬ه‪ ،‬اخلارج من‬
‫أمهات العقائد‪ ،‬وقواع‪f‬دها‪ ،‬واقتص‪f‬رنا من أدل‪f‬ة م‪f‬ا أوردن‪f‬اه على اجللي الواض‪f‬ح ال‪f‬ذي ال تقص‪f‬ر أك‪f‬ثر األفه‪f‬ام‬
‫عن درك‪ff‬ه‪ ،‬فنس‪ff‬أل اهلل تع‪ff‬اىل أال جيعل‪ff‬ه وب‪ff‬اًال علين‪ff‬ا‪ ،‬وأن يض‪ff‬عه يف م‪ff‬يزان الص‪ff‬احلات إذا ردت إلين‪ff‬ا أعمالن‪ff‬ا‪،‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل على حممد خامت النبيني وعلى آله وسلم تسليمًا كثريًا آمني‪.‬‬

‫مت الكتاب حبمد اهلل وفضله‪ ،‬نرجو من القاري الكرمي أن ال يبخل علينا مبلحظاوته القيمة‪.‬‬
‫مع حتيات موقع الفلسفة اإلسالمية‬
‫شارك يف هذا االجناز‪ :‬حممد حزين يف ايلول (سبتمر) ‪2002‬م‬

‫موقع األمام الغزايل‬ ‫عودة إىل موقع الفلسفة اإلسالمية ‪-‬‬

You might also like