Professional Documents
Culture Documents
د. يزوف ةولاع ةميسم ةعماج - رئازجلا ينورتكللاا ديربلا: fouzi1977dz@
د. يزوف ةولاع ةميسم ةعماج - رئازجلا ينورتكللاا ديربلا: fouzi1977dz@
تاريخ نشر المقال2016 / 09 / 20 : تاريخ قبول نشر المقال2016 / 07 / 06 : تاريخ استقبال المقال2016 / 03 / 02 :
د.عالوة فوزي
جامعة مسيمة-الجزائر
ممخص :
لقد أصبح مصطمح الصناعات الثقافية يحتل حي از ميما في النشاط االقتصادي العالمي كما في حقل
الدراسات األكاديمية ،ومفيوم الصناعات الثقافية يشير إلى النشاط الذي يعيد إنتاج أعمال ثقافية أصمية وفق
مبادئ اإلنتاج الصناعي والقيام بتسويقيا كما تسوق السمع الصناعية ،ومن أىم األشكال المعروفة ليذا النوع
من الصناعات نذكر ما يمي - :الكتاب - .الصحافة المكتوبة - .التمفزيون - .السينما - .التسجيل
الموسيقي - .العاب الفيديو.
much attention from many countries, those industries producing and distribung
cultural goods generally includes the following fields : Book industry. Newspape.
TV.
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 203 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
مقدمة:
إن فكرة تحويل األعمال والمواد الثقافية إلى سمع قد وجدت منذ فترة طويمة وتعود بدايتيا بشكل عام إلى
االختراع الثوري لمطباعة باألحرف المتحركة في القرن الخامس عشر ثم بعد ذلك الثورة الصناعية و
مختمف االختراعات العممية التي رافقتيا ،فظيرت الصحافة الجماىيرية أوال ثم التسجيل الموسيقي والسينما
والراديو والتمفزيون ...الخ ،وكميا سمحت لشرائح اجتماعية واسعة من استيالك المواد الثقافية بشكل واسع
وذلك بعد أن كانت ىذه المواد في متناول طبقة معينة فقط ،أما مصطمح "الصناعات الثقافية فمم يبرز
كموضوع أكاديمي إال في أربعينيات القرن العشرين وذلك من خالل نص معنون "باإلنتاج الصناعي لممواد
) ، (Horkheimerو الثقافية" الذي نجده في كتاب "جدل العقل التنويري" لكل من "ماكس ىوركيايمر "
"تيودور أدورنو" ) ، (Adornoو كل منيما ينتمي إلى ما يعرف بمدرسة فرنكفورت النقدية ،وقد استخدم ىذا
المصطمح في ىذه المرحمة بصيغة المفرد أي الصناعة الثقافية وذلك لمداللة عمى سمبية تحول الثقافة إلى
قيمة تبادلية ،لكن بداية من سنوات السبعينيات من القرن العشرين تحول المصطمح إلى صيغة الجمع أي
الصناعات الثقافية ،وذلك بعد أن أصبح ىذا النوع من الصناعات يحتل حي از ميما في النشاط االقتصادي
العالمي كما في النشاط األكاديمي ،وفي ىذه الورقة سنحاول أن نحدد مفيوم الصناعات الثقافية بيدف
السماح لمباحثين الميتمين بيذا الموضوع باالستفادة من ذلك في بحوثيم العممية.
لتحقيق الفيم العميق ليذا المصطمح المركب ال بد من تناول كل مفردة عمى حدة أي مفيوم الصناعة من
جية ،ومفيوم الثقافة من جية أخرى وذلك قبل المرور إلى مصطمح الصناعات الثقافية.
أوال:الصناعة:
لقد عاشت البشرية مراحل عديدة ولم تصل إلى ما وصمت إليو اليوم دون المرور عمى ىذه المراحل،
والمرحمة التي تعيشيا البشرية اليوم ىي مرحمة المجتمع الصناعي القائم عمى أساس الصناعة ،ومصطمح
الصناعة الذي نحن بصدد التطرق لو ليس الصناعة بالمعنى المغوي لمكممة والذي يستخدم لمداللة عمى
القدرة عمى القيام بشيء ما ،بل ىو الصناعة الذي يدل عمى ذلك النمط اإلنتاجي الذي عرفتو البشرية في
المرحمة الحديثة والمعاصرة من تاريخيا ،ولفيم ىذا المصطمح بمفيومو الحديث وبشكل عميق البد من
التطرق لممرحمة التاريخية التي ظير فييا وكذا الظروف التي سمحت لو بالتطور لكي يصبح نمط إنتاجي
جديد سيغير بشكل جذري الكثير من مظاىر الحياة اإلجتماعية واالقتصادية والثقافية وذلك بداية بالقارة
األوربية وبعد ذلك في باقي مناطق العالم األخرى ،وقد جاءت مرحمة الصناعة بعد مرحمة اإلقطاع القائم
عمى ممكية األرض والذي سيطر عمى المجتمعات األوربية لقرون طويمة قبل ذلك ،وىذا النظام بدأ يتخمخل
ويتراجع ليترك المكان لمنظام الصناعي الجديد ،وكانت ىناك مجموعة من العوامل التي ساىمت في تراجع
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 204 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
ىذا النمط من جية وبروز النمط الصناعي من جية أخرى ،ومن أىميا يمكن ذكر ما يمي:
وىي حدث ميم ومركزي بالنسبة لألوربيين وقد بدأت ب وادرىا في نيايات - 1عصر النهضة األوربية:
العصور الوسطى وبدايات العصور الحديثة ،وخالليا سيبدأ األوربيين باالىتمام وبالرجوع إلى التراث القديم
لإلغريق والرومان ،وىو ما سيسمح ليم باالنطالق في تحوالت أخرى في مجاالت أخرى ،وقد انطمقت ىذه
النيضة من فمورنسا بإيطاليا لتنتشر بعد ذلك في مختمف األقطار األوربية األخرى ،ومشكمة بذلك النواة
الصمبة التي سيقوم عمييا المجتمع الصناعي الجديد الذي ستعرفو أوروب ا.
لقد كانت الكشوف الجغرافية التي بدأتيا أوروب ا في - 2الكشوف الجغرافية وظهور الرأسمالية التجارية:
المرحمة الحديثة من تاريخيا حدثا ميما ومركزيا كذلك ،فأوروب ا التي انطوت عمى نفسيا طويال في ظل
النظام اإلقطاعي ستتحول تدريجيا إلى العالم الخارجي بيدف البحث عن موارد اقتصادية أخرى ،وىذا ما
،) Mercantilismeوالبداية كانت مع اإلسبان سيؤدي إلى ظيور ما يسمى بالرأسمالية التجارية (
والبرتغاليين ،ثم ظيرت بعد ذلك الشركات التجارية واالحتكارية اإلنكميزية واليولندية ،وأدى كل ذلك إلى تراكم
كبير لرؤوس األموال ،والذي لم تعرف أوروب ا لو مثيال في السابق مما سمح بتبمور وتكون طبقة اجتماعية
واقتصادية جديدة رأسمالية ستنافس الطبقات األرستقراطية واإلقطاعية القديمة.
كما ىو معروف فإن المجتمع اإلقطاعي القديم كان مرتبط عضويا - 3حركة اإلصالح الديني:
بالكنيسة البابوية في روما ،أي أنو ال يمكن فصل السيطرة االقتصادية والسياسية لإلقطاع عن السيطرة
الفكرية لمكنيسة ،لذا فإن حركة اإلصالح الديني باعتبارىا كانت موجية ضد الكنيسة ستؤثر حتما عمى
النظام اإلقطاعي ،وىذا ما جعل المجتمع الجديد الرأسمالي مرتبط بأفكار حركة اإلصالح الديني ،وىذا ما
جعل المفكر األلماني "ماكس فيبر" في مؤلفو الشيير "األفكار البروتستانتية وروح الرأسمالية" يربط بين حركة
اإلصالح الديني وظيور المجتمع الصناعي ،أي أن السبب الحقيقي لمرأسمالية ىو سبب ديني فكري
باألساس فيي التي ساىمت باألساس في انتقال المجتمع األوروبي من المجتمع القديم اإلقطاعي إلى
المجتمع الجديد الصناعي والتجاري.
في المنتصف الثاني من القرن الثامن عشر ستعرف أوروب ا تحوال آخر وىو األىم - 4الثورة الصناعية:
في تاريخ النظام الرأسمالي وىو ما يصطمح عميو اليوم بتسمية الثورة الصناعية ،أو ما كان يطمق عميو في
تمك الفترة بالنظام االنجميزي ،ألن بداية ىذه الثورة كانت في انكمت ار ثم انتشرت بعد ذلك إلى دول أخرى،
ويشير مصطمح الثورة الصناعية بشكل عام إلى ذلك التطور الكبير الذي عرفتو تقنيات اإلنتاج خاصة بعد
، 1871ويحدد "دافيد الند" David LANDالخصائص األساسية ليذه الثورة كما يمي - 1 " :تعويض اآللة
لمميارة والجيد اإلنساني - 2تعويض مصادر الطاقة الغير حيوانية لممصادر الحيوانية – - 3تعويض مواد
( ،) 1ومجمل ىذه أولية جديدة ومتوفرة بشكل كبير خاصة المعدنية والصناعية لممواد النباتية والحيوانية"
التحوالت ىي التي ستؤدي إلى بروز شكل إنتاجي ضخم لمسمع و ىذا األخير سيتطمب حتما سوقا لتصريف
ىذه المنتجات لذا سيصبح االستيالك مفيوما مركزيا ومحوريا لإلنتاج الصناعي ،فالرأسمالية الصناعية
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 205 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
تطورت عمى أساس اإلنتاج الموجو لمتسويق وذلك "عمى خالف أنظمة اإلنتاج السابقة التي كانت تقوم
بشكل أو بآخر عمى اقتصاد االكتفاء الذاتي ،أما النظام الرأسمالي فقد توجو منذ الوىمة األولى نحو السوق
فيو ينتج لكي يبيع" ( ، ) 2إذن ىذا النظام قائم عمى اإلنتاج بداية ثم ليتم استيالك ىذا اإلنتاج في مرحمة
الحقة ،وال يمكن ليذا النظام أن يستمر بدون ىذين العنصرين ،فإن تأثر اإلنتاج فإن في ذلك تيديد لمنظام
الصناعي بشكل كبير ،وكذلك فإن ىذا النظام سيتأثر وبشكل أكبر إن لم يكن قاد ار عمى تصريف وتسويق
منتجاتو ،فالكساد ىو أكبر خطر ييدد أي مستثمر في أي مجال إنتاج صناعي وما حدث في العالم في
ثالثينيات القرن العشرين أو ما يعرف بالكساد الكبير إال دليل عمى ذلك ،وقد انعكس ىذا النمط اإلنتاجي
الجديد بداية عمى الحياة االجتماعية من خالل بروز مظاىر جديدة وتغيرات جذرية اعتبرىا الكثيرون بأنيا
نتائج مفجعة لمنظام الرأسمالي ألنيا اقتمعت العامل من بيئتو وجذوره العائمية وجعمتو يستقر بالمراكز
الحضرية الصناعية "والتي أصبحت موطنا لمتفكك والعزلة العقمية والنفسية واالغتراب وغير ذلك من
المشكالت التي نجمت عن ىجرة قوى العمل من الريف ،وما ترتب عمييا من مشاكل في الخدمات وظيور
() 3
وىذا ما أدى ربما إلى بروز األحياء المتخمفة وتدىور أوضاع الطبقة العمالية في المدينة وغير ذلك"،
أفكار انتقدت ىذا النظام والتي كان عمى رأسيا األفكار الماركسية ،لكن أحوال العمال تحسنت في المراحل
الالحقة نتيجة تحول ظروف العمل بشكل عام بسبب ظيور النقابات المدافعة عن حقوقيم ،وانخفاض
ساعات العمل ،وارتفاع األجور ،وذلك ألن العامل لم يعد فقط منتجا بل كذلك مستيمك البد من أن يتوفر لو
المال والوقت لالستيالك ،ولفيم أكثر التحوالت التي شيدىا المجتمع الصناعي البد من التطرق إلى المراحل
التي مرت بيا الثورة الصناعية بشكل عام وىي كما يمي:
وىي التي بدأت حين عرفت أوروب ا ظيور اآللة البخارية والتي سمحت - 1- 4الثورة الصناعية األولى:
بتطور وسائل النقل من القطارات والبواخر وكذا تطور تقنيات اإلنتاج وذلك بفضل االختراع الثوري "لجيمس
واط" ، WATTوكانت البداية بإنكمت ار ثم انتشرت في باقي األقطار األوربية بعد ذلك ،وكانت الصناعات
األكثر انتشا ار في ىذه المرحمة ىي صناعات النسيج وكذا الصناعات التحويمية خاصة المتعمقة منيا
بالتعدين ،وىذه المرحمة ىي التي عاش فييا اإلنسان األوروبي ظروف عمل قاسية وصعبة.
ويعتبر اختراع الطاقة الكيربائية كأىم معمم في ىذه المرحمة التي تعتبر - 2- 4الثورة الصناعية الثانية:
بالفعل مرحمة جديدة ستشيد الكثير من التحوالت االجتماعية واالقتصادية وحتى الثقافية بسبب ظيور
اختراعات جديدة ومتسارعة ،وكل ذلك كان في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر ،وخالل ىذه
المرحمة كذلك ستتحسن أحوال الطبقة العاممة بشكل تدريجي و بالخصوص مع بروز األفكار الفوردية
Fordismeفي الواليات المتحدة األميركية و التي شكمت عالمة فارقة آنذاك من خالل أنيا ساىمت في
زيادة معدالت االستيالك بشكل كبير.
يعتبر البعض أن التطورات اليائمة التي عرفتيا التكنولوجيات الحديثة - 3- 4الثورة الصناعية الثالثة:
لإلعالم واالتصال قد أثرت وغيرت الكثير من المبادئ التي قام عمييا النظام الصناعي ،وبالتالي يمكن
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 206 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
اعتبار ذلك كثورة صناعية ثالثة "فاكتشاف الرقاقة االلكترونية PUCEفي سنوات 1970قد أطمق الثورة
الصناعية الثالثة ،ومنذ ذلك الحين فإن التكنولوجيا الرقمية ساىمت بشكل كبير في إعادة النظر في كثير
() 4
من القواعد التي ارتبطت بالنظام الصناعي خالل القرن التاسع عشر والعشرين".
وبناءا عمى ما سبق ذكره فإن الصناعة ىي ذلك النشاط اإلنتاجي الجديد الذي ظير في المرحمة
الحديثة والمعاصرة من التاريخ اإلنساني والذي اعتمد باألساس عمى تطوير تقنيات اإلنتاج الجديدة والتي
أدت إلى زيادة الكميات المنتجة بشكل غير مسبوق وىو ما سمح لشرائح واسعة من المجتمع بامتالك المقدرة
عمى الوصول إلى ىذه المنتجات واستيالكيا ،وبعبارة أخرى فإن ىذا المصطمح يشير إلى ذلك النشاط
االقتصادي المرتبط باإلنتاج الضخم لممواد والسمع الموجية لالستيالك الجماىيري ،ويقوم ىذا النشاط
االقتصادي باألساس عمى اآللة والتكنولوجيا الحديثة ،وىذا ما شكل االختالف الحقيقي بينو وبين نمط
اإلنتاج الحرفي واليدوي الذي ساد في المراحل السابقة ،وعمى العموم فإن أبرز ما أنتجتو ظاىرة الصناعة
وما أصبح يعرف بالمجتمع الصناعي يمكن اختزالو في نقطتين أساسيتين ىما-:نظام إنتاجي ضخم
-استيالك جماىيري لإلنتاج الضخم.
ثانيا :الثقافة:
ىو اآلخر مفيوم محوري في الصناعات الثقافية ،ويتميز ىذا المصطمح بأنو مثير لمنقاش ويتم
تناولو من جوانب متعددة ،فيناك من يتطرق لو بشكل عام وفمسفي وىناك من يتناولو بشكل خاص ليتالءم
مع الظاىرة والموضوع المدروس أو الميتم بو ،ومما ال شك فيو فإن مفيوم الثقافة المرتبط بموضوع
الصناعات الثقافية يختمف عن المفيوم الفمسفي واألنثروبولوجي العام لمثقافة ،إال أننا سنتناول أوال ىذا
المفيوم العام ألنو سيسمح لنا بفيم أعمق.
الثقافة ىي خاصية متعمقة باإلنسان أساسا وذلك رغم وجود بعض الدراسات - 1المفهوم العام لمثقافة:
التي تتكمم عن الثقافة الحيوانية ،وربما فإن مصدر ىذا التمييز الذي حظي بو اإلنسان ىو امتالكو لممكة
العقل التي جعمتو يتطور ويتقدم ،وىذا التقدم بعناصره المختمفة والمتعددة ىو الذي يمكن أن نصطمح عميو
cultureالتي جاءت بالثقافة ،واألصول الالتينية لممصطمح تدل عمى ذلك "فالمعنى األصمي لكممة الثقافة
من المصطمح الالتيني culturaوالذي يرمز إلى االىتمام بالحقل وفالحة األرض ،وىذه األرض المزروعة
تختمف حتما عن األرض البور أو غير المزروعة ومن ىنا استعمل واستعير ىذا المصطمح ليشير إلى
خدمة الروح ،ويشير كذلك إلى الشخص الذي يطور إمكانياتو الفكرية والحسية من خالل التربية ،القراءة،
التعمم ،الدراسة ،التفكير ،السفر والعالقات اإلنسانية" ( ، ) 5إذا خدمة اإلنسان لألرض ىي بيدف إعطائيا شكل
آخر مخالف لشكميا األصمي أو الطبيعي وذلك من خالل جعميا تنتج أشياء جديدة وبطرق مختمفة ،وبناءا
عمى ىذا يمكن اعتبار الثقافة بأنيا تمك اإلضافة التي أضافيا اإلنسان لمطبيعة ،ويكفي أن نتأمل ونالحظ
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 207 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
ما حولنا لنجد أن اإلنسان ىو المخموق ربما الوحيد الذي استطاع إدخال تعديالت معتبرة عمى محيطو
الطبيعي ،فطور مسكنو ،لباسو ،طعامو ،ولجأ إلى أنواع جديدة من الطاقة...الخ ،أي أن "الثقافة لم
تسمح لإلنسان فقط بالتأقمم مع محيطو ،لكن كذلك لتكييف ىذا األخير لو ولحاجاتو ولمشاريعو ،وبعبارة
أخرى فإن الثقافة ىي التي سمحت بإمكانية تغيير الطبيعة" ( ،) 6إذا لفيم الثقافة بشكميا العام ال بد من العودة
( ،) 7وعمى لمصطمح الطبيعة لكن باعتبار "أن الثقافة تختمف عن حالة الطبيعة وليس الطبيعة في حد ذاتيا"
المستوى األنثروبولوجي كذلك فإن معنى الثقافة ال يبتعد كثي ار عن المفيوم الفمسفي ،فيي حسب
األنثروبولوجيا الثقافية "ىي كل ما ال يولد بو البشر ،ومن ثم فيي تشمل مخترعات اإلنسان وانتاجو المادي
أو غير المادي" ( ،) 8وربما ىذا ما ينصرف إليو التعريف المشيور "لـ فريديريك تايمور" في كتاب "الحياة
البدائية" والذي يعرف فيو الثقافة بأنيا "الكل المركب الذي يشمل عمى المعرفة والمعتقدات واألخالق والقانون
والعرف وغير ذلك من اإلمكانيات والعادات التي يكتسبيا اإلنسان باعتباره عضوا في المجتمع".
في ىذا المستوى تتعدد مفاىيم الثقافة ويكفي أن نالحظ كيف يتم - 2المفهوم الخاص لمثقافة:
استخداميا في كل المجاالت تقريبا ،فيقال مثال ثقافة وطنية ،ثقافة عمالية ،ثقافة طالبية...الخ ،إذا فإن
مصطمح الثقافة يتم استدعاؤه في كثير من الخطابات المختمفة لمداللة عمى موضوع معين ،وىذا ما يدعونا
إلى تبيان مفيوم الثقافة في إطار الصناعات الثقافية ،والتي تشير باألساس إلى مجموعة من األنشطة
اإلنسانية ذات الصبغة الفنية والفكرية ،ولكي يتم اعتبار أي نشاط بمثابة نشاط ثقافي ال بد من أن توفر فيو
ثالثة خصائص ىي -":يجب أن يجسد بطريقة ما شكال لإلبداع في إنتاجو.
-يجب أن يجسد عمى األقل شكال من أشكال الممكية الفكرية" (.) 9
وعميو وحسب ىذه المعايير فإن األدب ،المسرح ،السينما ،الغناء ،التصوير...الخ ،يمكن أن يتضمنيا ىذا
المفيوم ،أي أن المفيوم الخاص لمثقافة ينصرف بشكل كبير لمفيوم الفن الذي يعبر عن عمل خاص
بشخص واحد أو مجموعة من المبدعين "ويفرض عمى كل األعمال التي تريد أن تكون ضمن "األعمال
الفنية" أن تتوفر عمى شرطين ىما :األصالة فالعمل الفني يجب أن يكون أصيال بمعنى أنو نتاج عمل
فنانين أي بعيد قدر اإلمكان عن تقسيم العمل ،وكذلك أن يكون متفردا أي أن العمل الفني يجب أن يكون
() 10
والصناعات الثقافية مرتبطة بيذه األعمال اإلبداعية الفنية لكن ليس مجمميا ،بل فقط فريدا وناد ار".
القابمة إلعادة اإلنتاج وفق مبادئ اإلنتاج الصناعي.
بناء عمى ما سبق التطرق لو في مفيومي الصناعة والثقافة فإنو يمكن لنا -ثالثا:الصناعات الثقافية:
أن نعتبر أن الصناعات الثقافية ىي األنشطة التي تنتج وتعيد إنتاج األعمال الثقافية حسب مبادئ اإلنتاج
الصناعي ،أي أن األعمال الثقافية و الفنية األصمية يمكن أن تحول صناعيا إلى سمع استيالكية تعرض
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 208 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
في السوق مثميا مثل السمع الصناعية األخرى وذلك من خالل اإلنتاج الضخم ليا والذي يقابمو حتما
استيالك جماىيري ضخم ،وتعرف كذلك بأنيا "مجمل األنشطة اإلنتاجية والتبادلية لممواد الثقافية التي ىي
في تطور مستمر والتي تخضع لمقواعد التجارية ،وتكون فييا تقنيات اإلنتاج متطورة بشكل كبير أو بشكل
أقل لكن العمل فييا يكون خاضعا أكثر لمنمط الرأسمالي من خالل الفصل المزدوج بين المنتج وانتاجو ،وبين
( ،) 11وتشمل األعمال اإلبداعية وتنفيذىا ،وىذا الفصل ينتج فقدان العاممين المراقبة عمى إنتاجيم ونشاطيم"
الصناعات الثقافية عمى أشكال عديدة يتم حصرىا عادة في أربعة محاور ىي كما يمي:
"الطباعة والكتاب.
-الموسيقى المسجمة.
() 12
-اإلعالم والصحافة".
وتحت ىذه المحاور األساسية نجد عديد الصناعات الثقافية كالتمفزيون الراديو ،السينما ،ألعاب الفيديو،
الصحافة المكتوبة ...الخ ،وكل ىذه األشكال ينطبق عمييا مفيوم الصناعات الثقافية من حيث أنيا أعمال
يمكن إعادة إنتاجيا صناعيا وتسويقيا مثل السمع األخرى ،وتعد خاصية القابمية لإلعادة لإلنتاج من أىم
خصائص الصناعات الثقافية ،ألن العمل الفني الغير قابل لإلعادة اإلنتاج ال يدخل ضمن أشكال
الصناعات الثقافية فمثال العروض الحية سواء تعمق األمر بالمسرح أو حفمة موسيقية أو تظاىرة سيرك ال
يمكن إدراجيا في إطار الصناعات الثقافية ألنيا غير قابمة لعممية إعادة اإلنتاج التي تقوم باألساس عمى
العمل عمى استنساخ عمل إبداعي أصمي من خالل الفصل بين المحتوى والوسائط التي تحمل ىذا المحتوى
"فإعادة اإلنتاج خاصية أساسية لمصناعات الثقافية ،فيي تخص الوسائط التي تسمح بالتوزيع (نسخة من
() 13
فيمم ،شريط فيديو ،قرص مسجل) وال تخص العمل اإلبداعي في حد ذاتو".
الصناعات الثقافية كغيرىا من الصناعات األخرى تقوم عمى عناصر أساسية ،والتي يمكن استخالصيا من
المفيوم الذي سبقت اإلشارة إليو و ىي كما يمي:
ال يمكن الكالم عن الصناعات الثقافية دون ىذا العنصر األساسي وذلك ألنو - 1- 1العمل اإلبداعي:
يمثل العمل أو المادة التي خضعت لعممية إعادة اإلنتاج ،لذا البد من االىتمام باإلبداع بشكل عام في كل
مراحل حياة الفرد ،ويعد الوسط الثقافي واالجتماعي الذي يحيا فيو األفراد مصد ار لألعمال اإلبداعية في
العموم وذلك من خالل النشاط الثقافي والفني لألفراد في الحياة اليومية أو من خالل التربية الفنية في
المدارس أو في المراكز الثقافية واإلعالمية ،وكذلك من خالل تكوين وتأطير الفنانين المشتغمين في الميدان
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 209 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
الثقافي بإنشاء مراكز ومدارس متخصصة في ذلك ،ويمكن مماثمة األعمال اإلبداعية التي ينتجيا األفراد
بالمادة الخام التي تعتمد عمييا الصناعات األخرى.
ىذا العمل يستدعي تدخل الكثير من العناصر في العمل - 2- 1العمل التحويمي آو اإلنتاجي:
اإلبداعي ألن إنتاجو واعادة إنتاجو بيدف تقديمو في شكل جديد يتطمب توفير إمكانيات عديدة وضخمة،
ويتم ذلك باستثمار األموال في إنشاء المؤسسات واليياكل القاعدية الالزمة ،و كذا مواكبة التطورات
الحاصمة في ىذا المجال من خالل المجوء الستخدام التقنيات الحديثة.
ىذا المستوى الثالث يمكن اعتباره بأنو أىم عنصر في الصناعات - 3- 1العمل التوزيعي والتسويقي:
الثقافية ،وذلك ألن ىذه األخيرة مثميا مثل الصناعات األخرى يجب أن تبحث عن المستيمكين ،أي السوق
التصريف منتجاتيا ،ويتم ذلك من خالل االستفادة من التقنيات المعاصرة في التسويق كدراسات السوق و
كذا االعتماد عمى اإلشيار والترويج.
ىناك مصطمحات تتقاطع مع الصناعات الثقافية في نقاط معينة ولكنيا تختمف عنيا في جوانب أخرى ،
ولمتمكن من مصطمح الصناعات الثقافية بشكل أكبر البد من تبيان الفروق األساسية بينيا وبين ىذه
المصطمحات والتي يعد أىميا ما يمي:
- 1- 2الصناعة الثقافية والصناعات الثقافية :لقد استعمل مصطمح صناعة الثقافة بصيغة المفرد ألول
مرة من طرف رواد مدرسة فرنكفورت أو ما يعرف في بعض األحيان بتسمية الماركسية الجديدة من أجل
رفض ونقد فكرة تحويل الثقافة إلى سمعة صناعية وذلك في سنوات األربعينيات من القرن العشرين ،لكن
بداية من سنوات السبعينيات عاد المصطمح بصيغة الجمع مجردا من صبغتو النقدية والماركسية وذلك
لمداللة عمى أىمية المجال أو الميدان الثقافي في الحياة االقتصادية واالجتماعية لمشعوب والمجتمعات ،
وبالتالي دعوة الحكومات والدول لتشجيع النشاطات االقتصادية المرتبطة بالفنون والثقافة لما ليا من فوائد
عديدة ومختمفة اجتماعيا واقتصاديا ،إذن فان مصطمح الصناعات الثقافية "ظير من جديد عمى السطح
() 14
،وىذا نياية سنوات ، 1970لكن بصيغة الجمع ،وبدون الداللة السمبية التي التصقت بو في البداية"
الفرق بين المصطمحين ىناك من ال يأخذ بو ويستعمل كال المصطمحين وكأن ليما نفس الداللة ،لكن في
الواقع فإن صيغة المفرد ىي أقرب لمفيوم الثقافة الجماىيرية منو إلى مصطمح الصناعات الثقافية لذا نجد
ربما "تيودور أدورنو " ADORNOبعد سنوات من كتابة المؤلف الشيير "جدل العقل التنويري " يستدرك
األمر ويكتب في مقال لو أنو "في بدايات العمل كانت المسألة متعمقة بالثقافة الجماىيرية ،لكننا تخمينا عن
() 15
. ىذا المصطمح لتعويضو بالصناعة الثقافية"
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 210 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
- 2- 2الثقافة الجماهيرية والصناعات الثقافية :يستعمل مصطمح الثقافة الجماىيرية لإلشارة إلى مجموع
األعمال والمواد الثقافية المنتجة والمصنوعة في إطار مبادئ اإلنتاج الصناعي والتي تعرض في السوق
وتستيمك كأي سمعة صناعية أخرى ،أما مصطمح الصناعات الثقافية فيو يشير إلى األنشطة التي تؤدي
إلى إنتاج ىذه األعمال والمواد الثقافية باألساس وليس إلى ىذه األعمال والمواد في حد ذاتيا ،أي بعبارة
أخرى يمكن أن نصف الثقافة الجماىيرية بأنيا نتاج الصناعات الثقافية.
- 3- 2الصناعات اإلبداعية والصناعات الثقافية :كثي ار ما يتم استعمال مصطمح الصناعات الثقافية مع
الصناعات اإلبداعية لمداللة عمى نفس الشيء وفي أحيان أخرى يتم جمعيما مع بعضيما البعض من خالل
إستخدام مصطمح الصناعات الثقافية واإلبداعية ،ويسود نقاش حول الفرق بين المصطمحين في األوساط
األوروب ية الميتمة بالثقافة وسبب ىذا النقاش ىو محاولة تحديد كيفية إعداد اإلحصائيات المرتبطة بالثقافة،
وفي الواقع فإن الصناعات اإلبداعية تختمف عن الصناعات الثقافية من حيث أن األولى شديدة العموم ،أما
الثانية فيي خاصة باألعمال والمواد الثقافية القابمة لإلعادة اإلنتاج وفق مبادئ اإلنتاج الصناعي ،ومصطمح
الصناعات اإلبداعية الذي تم استعمالو أول مرة في بريطانيا كان بيدف "جمع مجمل النشاطات التي يعتمد
() 16
، إنتاجيا عمى اإلبداع أو األفكار التي يمكن أن تكون قانونيا محمية ،وتكون منتجاتيا موجية لمسوق"
وبالتالي يمكن لنا القول أن الصناعات اإلبداعية ىي مصطمح أكثر عمومية من الصناعات الثقافية لكن
يمكن اعتبار ىذه األخيرة كجزء من الصناعات اإلبداعية ،ويمكن القول بعبارة أخرى أن الصناعات الثقافية
ىي صناعات إبداعية لكن الصناعات اإلبداعية ليست صناعات ثقافية.
- 3أهم أنواع الصناعات الثقافية :مما سبق اإلشارة إليو من أن مصطمح الصناعات الثقافية يشير إلى
النشاط الذي يسمح بإعادة إنتاج أعمال وم واد ثقافية حسب مبادئ اإلنتاج الصناعي ،فإن كل ما يندرج
تحت ىذا المصطمح يجب أن ينطبق عميو ىذا المفيوم ولذا نجد أن أىم أنواع الصناعات الثقافية تتمثل
فيما يمي - 1:صناعة الكتاب.
- 2صناعة الصحافة المكتوبة.
- 3صناعة السينما.
- 4صناعة التمفزيون.
- 5صناعة الموسيقى.
- 6صناعة ألعاب الفيديو.
وجدير باإلشارة أن ىناك صناعات أخرى يمكن التطرق إلييا كالراديو ،الفيديو...الخ.
- 1- 3صناعة الكتاب :ربما يعد الكتاب أول الصناعات الثقافية ،وذلك باعتبار أن االختراع الثوري
لكن في القرن التاسع لمطباعة باألحرف المتحركة ىو من أعمن عن بداية تحول العمل الثقافي إلى سمعة،
عشر سيعيش نشاط صناعة الكتاب بداياتو الفعمية مع التطور الذي حصل في تقنيات الطباعة وكذلك إلى
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 211 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
وكل ىذه العوامل ساىمت في تحول الكتاب إلى سمعة مطموبة في األسواق من شرائح واسعة في المجتمع
وليس فقط شريحة معينة نخبوية فقط كما كان الحال في السابق ،فأضحت ىناك سوق لمكتاب الجامعي
والعممي ،وسوق لكتاب التسمية من روايات وقصص بوليسية ،وسوق لكتاب مدرسي ...الخ ،وكغيرىا من
الصناعات التي تقوم بتحويل المواد األولية الخام إلى مواد قابمة لالستيالك ،فإن صناعة الكتاب تيدف إلى
إعادة إنتاج أعمال إبداعية أصمية واستنساخيا بيدف تسويقيا وخاصة في ظل التطور اليائل الذي عرفتو
تقنيات الطباعة بداية من القرن التاسع عشر الذي كان فيو "عدد الكتاب غير كاف ليمد اآلالت الجديدة
لمطباعة ،وذلك بسبب اإلمكانيات التقنية الجديدة والسوق المحتممة لمقراء التي تجاوزت قدرات الكتاب في
اإلنتاج"( ،) 18لذا سيؤدي ىذا إلى ظيور كتاب ومبدعين ينتجون أعمال موجية باألساس إلى ما تحتاجو
السوق وما تطمبو "فظير نوع جديد من المحررين من الوسط الصحفي ،فنجد الصحفيين المنتمين إلى
الجرائد الكبيرة ،كتاب التقارير الصحفية ،أجراء القمم ،كتاب األعمدة ،والمسمسالت وكل ىؤالء سيتجاوزون
بشكل كبير الكتاب اإلنسانيين والتنويريين" ( ،) 19وفي ظل ىذه األوضاع أصبح لمسوق سمطة واضحة عل
الكتاب وذلك بسبب تحولو إلى سمعة استيالكية كغيره من السمع األخرى المعروضة في السوق.
لقد تطورت الصحافة المكتوبة بشكل كبير في القرن الثامن عشر في كل - 2- 3الصحافة المكتوبة:
من أوروب ا وأمريكا من خالل ظيور عديد العناوين الصحفية التي لعبت دو ار ميما في التطورات اإلجتماعية
واالقتصادية آنذاك ،لكن رغم ىذه األىمية فإن انتشار ىذه الصحافة جماىيريا لم يكن كبيرا ،بل كان عمييا
أن تنتظر حمول القرن التاسع عشر لتصبح صحافة جماىيرية بمعنى الكممة ،خاصة مع ما ميز ىذا القرن
من "تعميم لمتعميم ،تطور النقل بكل أشكالو ،الظيور التدريجي لمديمقراطية في الحياة السياسية ،انخفاض
أسعار الجرائد الشعبية ،بداية تحسن ظروف الحياة االجتماعية" ( ،) 20كل ىذه الظروف اجتمعت لكي تسمح
لمصحافة المكتوبة أن تعيش عصرىا الذىبي في نياية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وذلك قبل
ظيور وسائل إعالم جماىيرية أخرى ،فمن الناحية االجتماعية ساىمت سياسات فرض التعميم التي بدأت
تظير في أوربا تدريجيا في ظيور طبقة متعممة سترتبط بيذه الصحافة ،وكذلك فإن المجتمع أصبح جزء منو
يعيش في المدينة ويمتمك قدرات شرائية معينة وثابتة سمحت لو باقتناء الصحف بيدف الحصول عمى
المعمومة ،أما العامل األكثر أىمية في تطور الصحافة المكتوبة فكان بال شك تطور تقنيات الطباعة التي
سمحت لمصحف بأن تسحب عشرات اآلالف من النسخ يوميا ،والبد من اإلشارة كذلك أن الصحافة المكتوبة
قد ارتبطت عضويا بالمجتمع الصناعي " لذا نالحظ أن من بداياتيا قد لعبت دورين أساسيين في النظام
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 212 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
االقتصادي ،من جية فإن ىذا النوع من اإلعالم ساىم في عمل ىذا النظام االقتصادي في كل مراحمو من
إنتاج ،توزيع ،واستيالك لمختمف المواد الصناعية وكذا الخدمات ،ومن جية أخرى فإن المعمومة أصبحت
كذلك مادة إنتاجية خاضعة لمسار التصنيع كغيرىا من المواد األخرى" ( ،) 21وربما فإن من أكثر أوجو ارتباط
الصحافة المكتوبة بالمجتمع الصناعي ىو اإلشيار الذي يعد موردا أساسيا لممداخل التي تحققيا وبالتالي
سببا في بقائيا واستمرارىا إلى يومنا ىذا كواحدة من أىم الصناعات الثقافية واإلعالمية التي ال تزال تحقق
أرباح وتوظف أعدادا معتبرة من العاممين ،وذلك رغم األزمات التي عرفتيا والمنافسة القوية التي واجيتيا في
ظل تطور وظيور وسائل وتقنيات إعالم جديدة.
تعد السينما أكثر الصناعات الثقافية وضوحا حتى أنو يطمق عمييا في أحيان - 3- 3صناعة السينما:
كثيرة صناعة السينما ،ولقد كان ظيورىا في نيايات القرن التاسع عشر في أوروب ا وفي فرنسا بالخصوص
لتنتقل الحقا إلى الواليات المتحدة األمريكية لكي تصبح واحدة من أىم الصناعات الثقافية في ىذا البمد
وكانت البداية الفعمية ليذا النشاط بو بعد الحرب العالمية األولى ،ومن أىم العوامل التي ساعدت عمى
ازدىار نشاط صناعة السينما في الواليات المتحدة األمريكية ىو السوق المحمية الواسعة من جية ،والسيطرة
عمى السوق العالمية من جية أخرى ،وخاصة إذا عممنا أن اإلنتاج السينمائي كإنتاج ثقافي أصبح رائجا
ومطموبا في السوق " ،ففي عديد البمدان أصبحت قاعات السينما كشيء مسمم بو فأصبحت جزءا من
واقعيا" ( ،) 22فأضحى الذىاب إلى السينما تقميدا راسخا لدى المستيمكين ولم يؤثر عمى ىذا النشاط ظيور
وسائل إعالم جديدة كالتمفزيون الفضائي والرقمي وذلك رغم إدخال تكنولوجيا حديثة عميو ،وتبرز األىمية
االقتصادية والثقافية لإلنتاج السينمائي في لجوء الدول إلى دعم وحماية إنتاجيا من المنافسة األمريكية ،
وسياسات فرنسا في ىذا المجال دليل واضح عمى ذلك.
يعد التمفزيون أكثر وسائل اإلعالم الجماىيري انتشا ار فبمجرد ظيوره وتطوره في - 4- 3التمفزيون:
المنتصف الثاني لمقرن العشرين أصبح يحتل مكانة ميمة في حياة الناس في كل مناطق العالم بدون استثناء
وما زاد من أىميتو ىو االنتقال إلى البث الفضائي والرقمي ،فزادت نتيجة لذلك عدد القنوات التمفزيونية وكذا
مؤسسات اإلنتاج التمفزيوني وبالتالي زيادة المشتغمين بيذا القطاع وارتفاع عائدات االستثمار فيو ،وكل ذلك
برغم ظيور وسائل إعالمية جديدة.
تعد الموسيقى بشكل عام إبداعا مرتبط باإلنسان ،وقد استخدميا لمتعبير عن - 5- 3صناعة الموسيقى:
مشاعره وأحاسيسو وكذلك في كل المجاالت المرتبطة بحياتو فكانت حاضرة في نشاطاتو االقتصادية،
العالجية ،وفي صراعاتو ،واحتفاالتو ،وحياتو الروحية...الخ ،وعمى خالف كل المخموقات أنتج اإلنسان
أصواتا جديدة وأبتكر آالت موسيقية عديدة ومختمفة ،فالموسيقى تعتبر من أىم األشكال الثقافية والفنية التي
أنتجيا اإلنسان عمى مر تاريخو ،لكن تحول الموسيقى إلى ميدان إنتاجي صناعي لم يكن إال في نيايات
Edisonأن يضع آلية تقنية سمحت بتثبيت الصوت عمى القرن التاسع عشر "عند ما توصل أديسون
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 213 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
وسيط مادي وسمح ذلك بسيولة إعادة إنتاجو وتوزيعو وىو ما جعل من االستماع لمموسيقى ألول مرة
( ،) 23أي أن ىذا االختراع ىو الذي جعل من الموسيقى ثقافة منفصال عن المكان الذي تعزف فيو "
جماىيرية متاحة لشرائح واسعة من الناس وذلك في الوقت والمكان الذي يختارونو وذلك عمى عكس المراحل
السابقة التي كانت تستمزم حضور العرض الموسيقي ،كما سمح ىذا االختراع بإمكانية سماع الموسيقى
يشكل فردي بعد أن كان يتم ذلك في غالب األحيان بشكل جماعي ،وجدير بالذكر أن مصطمح صناعة
الموسيقى قد يطمق في بعض األحيان عمى العروض الحية لمموسيقى في إطار الحفالت أو الميرجانات
والمسابقات ،لكن المعنى الدقيق لصناعة الموسيقى كواحدة من الصناعات الثقافية ىي الموسيقى المعاد
إنتاجيا من خالل تثبيتيا عمى وسيط معين مما يسمح بتسويقيا كسمعة ،والوسائط التي اعتمدت عمييا
صناعة الموسيقى شيدت تحوالت متعددة وذلك بداية من اختراع توماس أديسون لالسطوانة ومرو ار بشريط
الكاسيت والقرص المضغوط ووصوال إلى mp3ومختمف التطبيقات الحديثة لتكنولوجيات اإلعالم واالتصال
،وفي خضم تطورىا واجيت صناعة الموسيقى أزمات متعددة كان أوليا مع ظيور الراديو وانتشاره بداية
من عشرينيات القرن العشرين الذي سمح بإمكانية االستماع لمموسيقى في المنزل مجانيا ،ثم بعد ذلك كانت
األزمة الثانية مع ظيور شريط الكاسيت في نياية السبعينات الذي كان من السيل القيام بتقميده وىو ما شكل
CDفي 1983انتعشت صناعة الموسيقى تيديدا فعميا ليذا النشاط ،لكن مع اختراع القرض المضغوط
من جديد وسيستمر ىذا االنتعاش إلى نياية 1999حيث ستتعرض ىذه الصناعة لتراجع كبير في أرباحيا
فيما بعد ،ويمكن اإلشارة إلى أن مبيعات القرص المضغوط استمرت في االرتفاع طوال فترة التسعينات من
القرن العشرين " فخالل ىده العشرية بمغت المبيعات من ىدا القرص 3.2مميار نسخة في سنة 1994ثم بعد
دلك بمغت 3،6مميار نسخة سنة ،) 24( " 1998و بعد دلك حمت مرحمة جديدة مع دخول العالم في األلفية
الثالثة خاصة"مع ظيور االنترنت كمنافس قوي أدى إلى تراجع أرباح الصناعة العالمية لمقرص بداية من
() 25
والدليل عمى دلك ىو األرقام التي تبين دلك سنة 2001لكن التراجع الكبير سيكون بعد سنة ،" 2002
بوضوح"فبين سنوات 2002وبداية 2007ستعرف ىذه الصناعة تراجع حقيقي من خالل سقوط رقم أعماليا
بنسبة 50في المئة" ( ،) 26والمفارقة التي عاشتيا الموسيقى خالل القرن الواحد والعشرين "ىي انو لم يسبق
لمموسيقى أن تم استماعيا في العالم كما تم ذلك في ىذه المرحمة وذلك رغم أن القطاع المنتج ليا يعيش
() 27
. في أزمة حقيقية"
تعد صناعة ألعاب الفيديو من أحدث الصناعات الثقافية" ،التي لم تكن في - 6- 3ألعاب الفيديو:
البداية إال امتداد بسيط لمتمفزيون ،لكن ىذه الوسيمة اإلعالمية الجديدة ستتحول بسرعة إلى العب أساسي في
مجتمع اليوم ،واختراع أول األلعاب اإللكترونية يعود إلى سنوات ، 1960لكن بداية من سنوات 1970سيتم
(،) 28 اكتشافيا من طرف الجميور لذا يمكن أن نطمق عمى ىذه الفترة تسمية الجيل األول من ىذه األلعاب"
وكغيرىا من االختراعات واالبتكارات الجديدة كانت ألعاب الفيديو عسكرية في البداية وكان ابتكارىا في إطار
محاولة طمأنة األمريكيين من خالل تعريفيم بالعمل الذي يقوم بو الجيش األمريكي لحماية الواليات المتحدة
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 214 ) 2016- 203
د .عالوة فوزي مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
األمريكية من حرب نووية وشيكة ،وتعد ألعاب الفيديو كذلك نتيجة لمتطور اإللكتروني اليائل الذي شيده
العالم في المنتصف الثاني من القرن العشرين وخاصة ما تعمق منيا بظيور الكمبيوتر واإلعالم اآللي لذا
نجد من يطمق عمييا كذلك تسمية األلعاب اإللكترونية وذلك العتمادىا الكمي عمى ىذا الميدان ،وتعد
صناعة ألعاب الفيديو من أكثر الصناعات الثقافية تطو ار ونموا وىو ما جعل الكثير من الدول والمستثمرين
الخواص ييتمون بيا "فرقم األعمال العالمي لأللعاب الفيديو وصل إل خمسين مميار دوالر سنة 2009مع
() 29
ومن أىم األسباب التي جعمت ألعاب نسبة نمو سنوية تقدر بـ %15بين سنوات 2003و ،" 2006
الفيديو تحقق ىذا التطور في السوق العالمية ىو الحرية التي تقدميا لمستخدمييا في التعامل مع محتواىا،
وذلك عمى عكس السينما والتمفزيون مثال المذان يكون محتواىما محدد مسبقا ،ومن أىم عوامل تطور ألعاب
الفيديو ىو ارتباطيا بالتكنولوجيا الحديثة لإلعالم واالتصال بشكل عام من انترنت وى واتف ذكية وأجيزة
كمبيوتر بان واعيا المختمفة.
خاتمة:
إن الورقة التي قمنا بتقديميا ىي عمل نظري ييدف إلى إثراء مجال البحث في ميدان الصناعات الثقافية
من خالل إمكانية استفادة الباحثين الميتمين بيذا الموضوع ،وخاصة إذا عممنا أن البحوث الميدانية ىي
دائما في حاجة إلى بحوث نظرية توجييا ،وأىمية موضوع الصناعات الثقافية ىو من أىمية الدور الذي
أضحت تمعبو عمى المستويات االقتصادية واالجتماعية ،فعمى المستوى االقتصادي يعد ىذا النوع من
الصناعات من أكثر القطاعات اإلنتاجية نموا وتطو ار في عالم اليوم ،وعمى المستوى االجتماعي فيي عامل
ميم لمحفاظ عمى اليوية والثقافة المحمية لمشعوب ،وفي ظل ىذه األوضاع عمى الباحث األكاديمي مواكبة
تطور ىذا المفيوم من خالل البحوث العممية بشكل عام والبحوث الميدانية بشكل خاص .
الهوامش:
)) 1
– Claude JESSUA, Le capitalisme, PNF, Paris(France), 2001, p28.
)) 2
– Philippe PARAIRE, Le livre noir du capitalisme, Le temps des cerises, 2001, Pantin
(France), p14.
)) 3
– محمود عودة ،تاريخ علم االجتماع (الجزء األول) ،دار النهضة العربية ،بيروت (لبنان) ،بدون سنة نشر ،ص 31.
)) 4
– Aymeric BOURDIN, Le numérique locomotive de la 3 révolution industrielle, ELL
iposes, Paris (France), 2013, p04.
)) 5
– Gérard RE HBLA N, La culture , Analyse et prospective, Edition ZGHARTA, Beloeil
Québec (Canada), 1983, p12.
)) 6
– Denys CUCHE, La nation de culture dans les sciences sociales, La découverte,
Paris (France), troisième édition, 2004, p03.
)) 7
Gérard RE HBLA N, Op.cit, p48. -
)) 8
، 1دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، -يحي مرسي عيد بدر،أصول علم اإلنسان األنثروبولوجيا ،الجزء األول ،ط
اإلسكندرية( ،مصر) ،بدون سنة نشر ،ص 27.
)) 9
– Marc MENA RD, Eléments pour une économie des industries culturelles, SODE C
Montréal (Canada), 2004, p58.,
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية -جامعة الشييد حمة لخضر -ال وادي العدد ، 17سبتمبر 2016ص ص( 215 ) 2016- 203
عالوة فوزي.د مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية
)01)
Joëlle FARCHY, La fin de l’exception culturelle, CNRS édition, Paris (France), 1999, –
p10.
)11)
Gaëtan TREMBLAY, Les industries de la culture et de la communication au Québec –
et au Canada, presse de l'université du Québec, Québec (Canada), 1990, p44.
)21)
Philippe BOUQUILLION, Bernard MIEGE et Pierre MOEGLIN, L'industrialisation des –
biens symboliques, les industries, créatives au regard des industries culturelles , PUG,
Grenoble (Franc e, 2013), p83.
)31)
Joëlle FA RCHY, Op, cit, p 07. –
)41)
Marc MENA RD, Op, cit, p61. –
)51)
Theodor w, ADORNO, L'industrie culturelle, in, communication, 3, 1964, p12. –
)61)
Philippe BOUQUILLION, Creative economy, créative industries des notions a –
traduire, Presse Universitaire de Vincennes (PUV ), Paris, (France), 2012, p09.
)71)
Laurence BASCLE, Parkansky Marc PRIEUX, Le mark eting du livre, promotion et –
outils de communication, Édition du cercle de la librairie, paris (France), 2010, p213.
)81)
Jacques MICHON, L'édition du livre populaire, Les éditions ex libres, Sherbrooke –
(Québec ), 1988, p13.
)91)
Ibid, p14.–
)) 20
Guy GOUE ZEL, La presse écrite, MGL "médiation et information", N°12-13, 2000, –
p28.
1)) 2
Eric GEORGE, L'accélération de la circulation de l'information, une pers pective –
historique, économique, technique et sociale, Les cahiers du journalisme N°22/23-
automne, 2011, p170.
)) 22
Laurent CRE TON et Kira KITS OPANIDOU, Les salles de cinéma, enjeux, défis et –
perspectives, Armand Colin, Paris (Franc e), 2013, p11.
)) 23
Lucien PERICE Z, La mise en musique du quotidien in l'industrie musical à l'aube du –
XXI siècle, approches critiques, sous la direction de Jacob, T.MA TTEWS et Lucien
PERICE Z, L'harmattan, Paris (France), 2012, p27.
(24)
-ludovic TOURNES,Musique ! du phonographie au MP3 ,Edition
Autrement,2001,Paris(France), p144 .
(25)
-Ibid ,p147.
(26)
–Ibid ,p148.
27))
Alain BUSSON, Y ves EVRARD, Les industries culturelles et créatives, économie et –
stratégie, Vuibert, Paris, (France), 2013, p127.
28))
Mark CHAMBLE R- DUBOSSON, Comprendre l'impact des jeux vidéo, Chronique –
sociale, Lyon (Franc e), 2010, p08.
29))
Françoise BENHAMOU, L'économie de la culture, Septième édition, La découverte, –
Paris (France), 2011, p81.
216 ) 2016- 203 ( ص ص2016 سبتمبر، 17ال وادي العدد- جامعة الشييد حمة لخضر- مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية