Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫د‪ .

‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫تاريخ نشر المقال‪2016 / 09 / 20 :‬‬ ‫تاريخ قبول نشر المقال‪2016 / 07 / 06 :‬‬ ‫تاريخ استقبال المقال‪2016 / 03 / 02 :‬‬

‫مساه مة يف صياغ ة م فهوم ال صناع ات ال ثقافية‬

‫د‪.‬عالوة فوزي‬

‫جامعة مسيمة‪-‬الجزائر‬

‫البريد االلكتروني‪fouzi1977dz@yahoo.fr :‬‬

‫ممخص ‪:‬‬

‫لقد أصبح مصطمح الصناعات الثقافية يحتل حي از ميما في النشاط االقتصادي العالمي كما في حقل‬
‫الدراسات األكاديمية‪ ،‬ومفيوم الصناعات الثقافية يشير إلى النشاط الذي يعيد إنتاج أعمال ثقافية أصمية وفق‬
‫مبادئ اإلنتاج الصناعي والقيام بتسويقيا كما تسوق السمع الصناعية‪ ،‬ومن أىم األشكال المعروفة ليذا النوع‬
‫من الصناعات نذكر ما يمي‪ - :‬الكتاب‪ - .‬الصحافة المكتوبة‪ - .‬التمفزيون‪ - .‬السينما‪ - .‬التسجيل‬
‫الموسيقي‪ - .‬العاب الفيديو‪.‬‬

‫الكممات المفتاحية‪ :‬الصناعة ‪ ،‬الثقافة ‪ ،‬الصناعات الثقافية ‪ ،‬الثقافة الجماىيرية‪.‬‬

‫‪Contribute to the definition of the concept of cultural industries‬‬


‫‪Abstract :‬‬
‫‪In recent years, the economic sector of the cultural industries has aroused‬‬

‫‪much attention from many countries, those industries producing and distribung‬‬
‫‪cultural goods generally includes the following fields : Book industry. Newspape.‬‬
‫‪TV.‬‬

‫‪-Film industry. -Music. -Video game.‬‬

‫‪Keywords : Culture , Industry , Cultural industries , Popular culture.‬‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪203 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن فكرة تحويل األعمال والمواد الثقافية إلى سمع قد وجدت منذ فترة طويمة وتعود بدايتيا بشكل عام إلى‬
‫االختراع الثوري لمطباعة باألحرف المتحركة في القرن الخامس عشر ثم بعد ذلك الثورة الصناعية و‬
‫مختمف االختراعات العممية التي رافقتيا‪ ،‬فظيرت الصحافة الجماىيرية أوال ثم التسجيل الموسيقي والسينما‬
‫والراديو والتمفزيون‪ ...‬الخ‪ ،‬وكميا سمحت لشرائح اجتماعية واسعة من استيالك المواد الثقافية بشكل واسع‬
‫وذلك بعد أن كانت ىذه المواد في متناول طبقة معينة فقط‪ ،‬أما مصطمح "الصناعات الثقافية فمم يبرز‬
‫كموضوع أكاديمي إال في أربعينيات القرن العشرين وذلك من خالل نص معنون "باإلنتاج الصناعي لممواد‬
‫)‪ ، (Horkheimer‬و‬ ‫الثقافية" الذي نجده في كتاب "جدل العقل التنويري" لكل من "ماكس ىوركيايمر "‬
‫"تيودور أدورنو" )‪ ، (Adorno‬و كل منيما ينتمي إلى ما يعرف بمدرسة فرنكفورت النقدية‪ ،‬وقد استخدم ىذا‬
‫المصطمح في ىذه المرحمة بصيغة المفرد أي الصناعة الثقافية وذلك لمداللة عمى سمبية تحول الثقافة إلى‬
‫قيمة تبادلية‪ ،‬لكن بداية من سنوات السبعينيات من القرن العشرين تحول المصطمح إلى صيغة الجمع أي‬
‫الصناعات الثقافية‪ ،‬وذلك بعد أن أصبح ىذا النوع من الصناعات يحتل حي از ميما في النشاط االقتصادي‬
‫العالمي كما في النشاط األكاديمي‪ ،‬وفي ىذه الورقة سنحاول أن نحدد مفيوم الصناعات الثقافية بيدف‬
‫السماح لمباحثين الميتمين بيذا الموضوع باالستفادة من ذلك في بحوثيم العممية‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم الصناعات الثقافية‪:‬‬

‫لتحقيق الفيم العميق ليذا المصطمح المركب ال بد من تناول كل مفردة عمى حدة أي مفيوم الصناعة من‬
‫جية‪ ،‬ومفيوم الثقافة من جية أخرى وذلك قبل المرور إلى مصطمح الصناعات الثقافية‪.‬‬

‫أوال‪:‬الصناعة‪:‬‬
‫لقد عاشت البشرية مراحل عديدة ولم تصل إلى ما وصمت إليو اليوم دون المرور عمى ىذه المراحل‪،‬‬
‫والمرحمة التي تعيشيا البشرية اليوم ىي مرحمة المجتمع الصناعي القائم عمى أساس الصناعة‪ ،‬ومصطمح‬
‫الصناعة الذي نحن بصدد التطرق لو ليس الصناعة بالمعنى المغوي لمكممة والذي يستخدم لمداللة عمى‬
‫القدرة عمى القيام بشيء ما‪ ،‬بل ىو الصناعة الذي يدل عمى ذلك النمط اإلنتاجي الذي عرفتو البشرية في‬
‫المرحمة الحديثة والمعاصرة من تاريخيا‪ ،‬ولفيم ىذا المصطمح بمفيومو الحديث وبشكل عميق البد من‬
‫التطرق لممرحمة التاريخية التي ظير فييا وكذا الظروف التي سمحت لو بالتطور لكي يصبح نمط إنتاجي‬
‫جديد سيغير بشكل جذري الكثير من مظاىر الحياة اإلجتماعية واالقتصادية والثقافية وذلك بداية بالقارة‬
‫األوربية وبعد ذلك في باقي مناطق العالم األخرى‪ ،‬وقد جاءت مرحمة الصناعة بعد مرحمة اإلقطاع القائم‬
‫عمى ممكية األرض والذي سيطر عمى المجتمعات األوربية لقرون طويمة قبل ذلك‪ ،‬وىذا النظام بدأ يتخمخل‬
‫ويتراجع ليترك المكان لمنظام الصناعي الجديد‪ ،‬وكانت ىناك مجموعة من العوامل التي ساىمت في تراجع‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪204 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫ىذا النمط من جية وبروز النمط الصناعي من جية أخرى‪ ،‬ومن أىميا يمكن ذكر ما يمي‪:‬‬
‫وىي حدث ميم ومركزي بالنسبة لألوربيين وقد بدأت ب وادرىا في نيايات‬ ‫‪ - 1‬عصر النهضة األوربية‪:‬‬
‫العصور الوسطى وبدايات العصور الحديثة‪ ،‬وخالليا سيبدأ األوربيين باالىتمام وبالرجوع إلى التراث القديم‬
‫لإلغريق والرومان‪ ،‬وىو ما سيسمح ليم باالنطالق في تحوالت أخرى في مجاالت أخرى‪ ،‬وقد انطمقت ىذه‬
‫النيضة من فمورنسا بإيطاليا لتنتشر بعد ذلك في مختمف األقطار األوربية األخرى‪ ،‬ومشكمة بذلك النواة‬
‫الصمبة التي سيقوم عمييا المجتمع الصناعي الجديد الذي ستعرفو أوروب ا‪.‬‬
‫لقد كانت الكشوف الجغرافية التي بدأتيا أوروب ا في‬ ‫‪ - 2‬الكشوف الجغرافية وظهور الرأسمالية التجارية‪:‬‬
‫المرحمة الحديثة من تاريخيا حدثا ميما ومركزيا كذلك‪ ،‬فأوروب ا التي انطوت عمى نفسيا طويال في ظل‬
‫النظام اإلقطاعي ستتحول تدريجيا إلى العالم الخارجي بيدف البحث عن موارد اقتصادية أخرى‪ ،‬وىذا ما‬
‫‪ ،) Mercantilisme‬والبداية كانت مع اإلسبان‬ ‫سيؤدي إلى ظيور ما يسمى بالرأسمالية التجارية (‬
‫والبرتغاليين‪ ،‬ثم ظيرت بعد ذلك الشركات التجارية واالحتكارية اإلنكميزية واليولندية‪ ،‬وأدى كل ذلك إلى تراكم‬
‫كبير لرؤوس األموال‪ ،‬والذي لم تعرف أوروب ا لو مثيال في السابق مما سمح بتبمور وتكون طبقة اجتماعية‬
‫واقتصادية جديدة رأسمالية ستنافس الطبقات األرستقراطية واإلقطاعية القديمة‪.‬‬
‫كما ىو معروف فإن المجتمع اإلقطاعي القديم كان مرتبط عضويا‬ ‫‪ - 3‬حركة اإلصالح الديني‪:‬‬
‫بالكنيسة البابوية في روما‪ ،‬أي أنو ال يمكن فصل السيطرة االقتصادية والسياسية لإلقطاع عن السيطرة‬
‫الفكرية لمكنيسة‪ ،‬لذا فإن حركة اإلصالح الديني باعتبارىا كانت موجية ضد الكنيسة ستؤثر حتما عمى‬
‫النظام اإلقطاعي‪ ،‬وىذا ما جعل المجتمع الجديد الرأسمالي مرتبط بأفكار حركة اإلصالح الديني‪ ،‬وىذا ما‬
‫جعل المفكر األلماني "ماكس فيبر" في مؤلفو الشيير "األفكار البروتستانتية وروح الرأسمالية" يربط بين حركة‬
‫اإلصالح الديني وظيور المجتمع الصناعي‪ ،‬أي أن السبب الحقيقي لمرأسمالية ىو سبب ديني فكري‬
‫باألساس فيي التي ساىمت باألساس في انتقال المجتمع األوروبي من المجتمع القديم اإلقطاعي إلى‬
‫المجتمع الجديد الصناعي والتجاري‪.‬‬

‫في المنتصف الثاني من القرن الثامن عشر ستعرف أوروب ا تحوال آخر وىو األىم‬ ‫‪ - 4‬الثورة الصناعية‪:‬‬
‫في تاريخ النظام الرأسمالي وىو ما يصطمح عميو اليوم بتسمية الثورة الصناعية‪ ،‬أو ما كان يطمق عميو في‬
‫تمك الفترة بالنظام االنجميزي‪ ،‬ألن بداية ىذه الثورة كانت في انكمت ار ثم انتشرت بعد ذلك إلى دول أخرى‪،‬‬
‫ويشير مصطمح الثورة الصناعية بشكل عام إلى ذلك التطور الكبير الذي عرفتو تقنيات اإلنتاج خاصة بعد‬
‫‪ ، 1871‬ويحدد "دافيد الند" ‪ David LAND‬الخصائص األساسية ليذه الثورة كما يمي‪ - 1 " :‬تعويض اآللة‬
‫لمميارة والجيد اإلنساني ‪ - 2‬تعويض مصادر الطاقة الغير حيوانية لممصادر الحيوانية – ‪ - 3‬تعويض مواد‬
‫(‪ ،) 1‬ومجمل ىذه‬ ‫أولية جديدة ومتوفرة بشكل كبير خاصة المعدنية والصناعية لممواد النباتية والحيوانية"‬
‫التحوالت ىي التي ستؤدي إلى بروز شكل إنتاجي ضخم لمسمع و ىذا األخير سيتطمب حتما سوقا لتصريف‬
‫ىذه المنتجات لذا سيصبح االستيالك مفيوما مركزيا ومحوريا لإلنتاج الصناعي‪ ،‬فالرأسمالية الصناعية‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪205 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫تطورت عمى أساس اإلنتاج الموجو لمتسويق وذلك "عمى خالف أنظمة اإلنتاج السابقة التي كانت تقوم‬
‫بشكل أو بآخر عمى اقتصاد االكتفاء الذاتي‪ ،‬أما النظام الرأسمالي فقد توجو منذ الوىمة األولى نحو السوق‬
‫فيو ينتج لكي يبيع" (‪ ، ) 2‬إذن ىذا النظام قائم عمى اإلنتاج بداية ثم ليتم استيالك ىذا اإلنتاج في مرحمة‬
‫الحقة‪ ،‬وال يمكن ليذا النظام أن يستمر بدون ىذين العنصرين‪ ،‬فإن تأثر اإلنتاج فإن في ذلك تيديد لمنظام‬
‫الصناعي بشكل كبير‪ ،‬وكذلك فإن ىذا النظام سيتأثر وبشكل أكبر إن لم يكن قاد ار عمى تصريف وتسويق‬
‫منتجاتو‪ ،‬فالكساد ىو أكبر خطر ييدد أي مستثمر في أي مجال إنتاج صناعي وما حدث في العالم في‬
‫ثالثينيات القرن العشرين أو ما يعرف بالكساد الكبير إال دليل عمى ذلك‪ ،‬وقد انعكس ىذا النمط اإلنتاجي‬
‫الجديد بداية عمى الحياة االجتماعية من خالل بروز مظاىر جديدة وتغيرات جذرية اعتبرىا الكثيرون بأنيا‬
‫نتائج مفجعة لمنظام الرأسمالي ألنيا اقتمعت العامل من بيئتو وجذوره العائمية وجعمتو يستقر بالمراكز‬
‫الحضرية الصناعية "والتي أصبحت موطنا لمتفكك والعزلة العقمية والنفسية واالغتراب وغير ذلك من‬
‫المشكالت التي نجمت عن ىجرة قوى العمل من الريف‪ ،‬وما ترتب عمييا من مشاكل في الخدمات وظيور‬
‫(‪) 3‬‬
‫وىذا ما أدى ربما إلى بروز‬ ‫األحياء المتخمفة وتدىور أوضاع الطبقة العمالية في المدينة وغير ذلك"‪،‬‬
‫أفكار انتقدت ىذا النظام والتي كان عمى رأسيا األفكار الماركسية‪ ،‬لكن أحوال العمال تحسنت في المراحل‬
‫الالحقة نتيجة تحول ظروف العمل بشكل عام بسبب ظيور النقابات المدافعة عن حقوقيم‪ ،‬وانخفاض‬
‫ساعات العمل‪ ،‬وارتفاع األجور‪ ،‬وذلك ألن العامل لم يعد فقط منتجا بل كذلك مستيمك البد من أن يتوفر لو‬
‫المال والوقت لالستيالك‪ ،‬ولفيم أكثر التحوالت التي شيدىا المجتمع الصناعي البد من التطرق إلى المراحل‬
‫التي مرت بيا الثورة الصناعية بشكل عام وىي كما يمي‪:‬‬

‫وىي التي بدأت حين عرفت أوروب ا ظيور اآللة البخارية والتي سمحت‬ ‫‪- 1- 4‬الثورة الصناعية األولى‪:‬‬
‫بتطور وسائل النقل من القطارات والبواخر وكذا تطور تقنيات اإلنتاج وذلك بفضل االختراع الثوري "لجيمس‬
‫واط"‪ ، WATT‬وكانت البداية بإنكمت ار ثم انتشرت في باقي األقطار األوربية بعد ذلك‪ ،‬وكانت الصناعات‬
‫األكثر انتشا ار في ىذه المرحمة ىي صناعات النسيج وكذا الصناعات التحويمية خاصة المتعمقة منيا‬
‫بالتعدين‪ ،‬وىذه المرحمة ىي التي عاش فييا اإلنسان األوروبي ظروف عمل قاسية وصعبة‪.‬‬
‫ويعتبر اختراع الطاقة الكيربائية كأىم معمم في ىذه المرحمة التي تعتبر‬ ‫‪- 2- 4‬الثورة الصناعية الثانية‪:‬‬
‫بالفعل مرحمة جديدة ستشيد الكثير من التحوالت االجتماعية واالقتصادية وحتى الثقافية بسبب ظيور‬
‫اختراعات جديدة ومتسارعة‪ ،‬وكل ذلك كان في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬وخالل ىذه‬
‫المرحمة كذلك ستتحسن أحوال الطبقة العاممة بشكل تدريجي و بالخصوص مع بروز األفكار الفوردية‬
‫‪ Fordisme‬في الواليات المتحدة األميركية و التي شكمت عالمة فارقة آنذاك من خالل أنيا ساىمت في‬
‫زيادة معدالت االستيالك بشكل كبير‪.‬‬
‫يعتبر البعض أن التطورات اليائمة التي عرفتيا التكنولوجيات الحديثة‬ ‫‪- 3- 4‬الثورة الصناعية الثالثة‪:‬‬
‫لإلعالم واالتصال قد أثرت وغيرت الكثير من المبادئ التي قام عمييا النظام الصناعي ‪ ،‬وبالتالي يمكن‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪206 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫اعتبار ذلك كثورة صناعية ثالثة "فاكتشاف الرقاقة االلكترونية ‪ PUCE‬في سنوات ‪ 1970‬قد أطمق الثورة‬
‫الصناعية الثالثة‪ ،‬ومنذ ذلك الحين فإن التكنولوجيا الرقمية ساىمت بشكل كبير في إعادة النظر في كثير‬
‫(‪) 4‬‬
‫من القواعد التي ارتبطت بالنظام الصناعي خالل القرن التاسع عشر والعشرين"‪.‬‬

‫وبناءا عمى ما سبق ذكره فإن الصناعة ىي ذلك النشاط اإلنتاجي الجديد الذي ظير في المرحمة‬
‫الحديثة والمعاصرة من التاريخ اإلنساني والذي اعتمد باألساس عمى تطوير تقنيات اإلنتاج الجديدة والتي‬
‫أدت إلى زيادة الكميات المنتجة بشكل غير مسبوق وىو ما سمح لشرائح واسعة من المجتمع بامتالك المقدرة‬
‫عمى الوصول إلى ىذه المنتجات واستيالكيا‪ ،‬وبعبارة أخرى فإن ىذا المصطمح يشير إلى ذلك النشاط‬
‫االقتصادي المرتبط باإلنتاج الضخم لممواد والسمع الموجية لالستيالك الجماىيري‪ ،‬ويقوم ىذا النشاط‬
‫االقتصادي باألساس عمى اآللة والتكنولوجيا الحديثة‪ ،‬وىذا ما شكل االختالف الحقيقي بينو وبين نمط‬
‫اإلنتاج الحرفي واليدوي الذي ساد في المراحل السابقة‪ ،‬وعمى العموم فإن أبرز ما أنتجتو ظاىرة الصناعة‬
‫وما أصبح يعرف بالمجتمع الصناعي يمكن اختزالو في نقطتين أساسيتين ىما‪-:‬نظام إنتاجي ضخم‬
‫‪-‬استيالك جماىيري لإلنتاج الضخم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الثقافة‪:‬‬

‫ىو اآلخر مفيوم محوري في الصناعات الثقافية ‪ ،‬ويتميز ىذا المصطمح بأنو مثير لمنقاش ويتم‬
‫تناولو من جوانب متعددة ‪ ،‬فيناك من يتطرق لو بشكل عام وفمسفي وىناك من يتناولو بشكل خاص ليتالءم‬
‫مع الظاىرة والموضوع المدروس أو الميتم بو ‪ ،‬ومما ال شك فيو فإن مفيوم الثقافة المرتبط بموضوع‬
‫الصناعات الثقافية يختمف عن المفيوم الفمسفي واألنثروبولوجي العام لمثقافة ‪ ،‬إال أننا سنتناول أوال ىذا‬
‫المفيوم العام ألنو سيسمح لنا بفيم أعمق‪.‬‬

‫الثقافة ىي خاصية متعمقة باإلنسان أساسا وذلك رغم وجود بعض الدراسات‬ ‫‪- 1‬المفهوم العام لمثقافة‪:‬‬
‫التي تتكمم عن الثقافة الحيوانية ‪ ،‬وربما فإن مصدر ىذا التمييز الذي حظي بو اإلنسان ىو امتالكو لممكة‬
‫العقل التي جعمتو يتطور ويتقدم‪ ،‬وىذا التقدم بعناصره المختمفة والمتعددة ىو الذي يمكن أن نصطمح عميو‬
‫‪ culture‬التي جاءت‬ ‫بالثقافة ‪ ،‬واألصول الالتينية لممصطمح تدل عمى ذلك "فالمعنى األصمي لكممة الثقافة‬
‫من المصطمح الالتيني ‪ cultura‬والذي يرمز إلى االىتمام بالحقل وفالحة األرض‪ ،‬وىذه األرض المزروعة‬
‫تختمف حتما عن األرض البور أو غير المزروعة ومن ىنا استعمل واستعير ىذا المصطمح ليشير إلى‬
‫خدمة الروح‪ ،‬ويشير كذلك إلى الشخص الذي يطور إمكانياتو الفكرية والحسية من خالل التربية‪ ،‬القراءة‪،‬‬
‫التعمم‪ ،‬الدراسة‪ ،‬التفكير‪ ،‬السفر والعالقات اإلنسانية" (‪ ، ) 5‬إذا خدمة اإلنسان لألرض ىي بيدف إعطائيا شكل‬
‫آخر مخالف لشكميا األصمي أو الطبيعي وذلك من خالل جعميا تنتج أشياء جديدة وبطرق مختمفة ‪ ،‬وبناءا‬
‫عمى ىذا يمكن اعتبار الثقافة بأنيا تمك اإلضافة التي أضافيا اإلنسان لمطبيعة ‪ ،‬ويكفي أن نتأمل ونالحظ‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪207 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫ما حولنا لنجد أن اإلنسان ىو المخموق ربما الوحيد الذي استطاع إدخال تعديالت معتبرة عمى محيطو‬
‫الطبيعي ‪ ،‬فطور مسكنو ‪ ،‬لباسو ‪ ،‬طعامو ‪ ،‬ولجأ إلى أنواع جديدة من الطاقة‪...‬الخ ‪ ،‬أي أن "الثقافة لم‬
‫تسمح لإلنسان فقط بالتأقمم مع محيطو ‪ ،‬لكن كذلك لتكييف ىذا األخير لو ولحاجاتو ولمشاريعو ‪ ،‬وبعبارة‬
‫أخرى فإن الثقافة ىي التي سمحت بإمكانية تغيير الطبيعة" (‪ ،) 6‬إذا لفيم الثقافة بشكميا العام ال بد من العودة‬
‫(‪ ،) 7‬وعمى‬ ‫لمصطمح الطبيعة لكن باعتبار "أن الثقافة تختمف عن حالة الطبيعة وليس الطبيعة في حد ذاتيا"‬
‫المستوى األنثروبولوجي كذلك فإن معنى الثقافة ال يبتعد كثي ار عن المفيوم الفمسفي ‪ ،‬فيي حسب‬
‫األنثروبولوجيا الثقافية "ىي كل ما ال يولد بو البشر‪ ،‬ومن ثم فيي تشمل مخترعات اإلنسان وانتاجو المادي‬
‫أو غير المادي" (‪ ،) 8‬وربما ىذا ما ينصرف إليو التعريف المشيور "لـ فريديريك تايمور" في كتاب "الحياة‬
‫البدائية" والذي يعرف فيو الثقافة بأنيا "الكل المركب الذي يشمل عمى المعرفة والمعتقدات واألخالق والقانون‬
‫والعرف وغير ذلك من اإلمكانيات والعادات التي يكتسبيا اإلنسان باعتباره عضوا في المجتمع"‪.‬‬

‫في ىذا المستوى تتعدد مفاىيم الثقافة ويكفي أن نالحظ كيف يتم‬ ‫‪- 2‬المفهوم الخاص لمثقافة‪:‬‬
‫استخداميا في كل المجاالت تقريبا‪ ،‬فيقال مثال ثقافة وطنية‪ ،‬ثقافة عمالية‪ ،‬ثقافة طالبية‪...‬الخ‪ ،‬إذا فإن‬
‫مصطمح الثقافة يتم استدعاؤه في كثير من الخطابات المختمفة لمداللة عمى موضوع معين‪ ،‬وىذا ما يدعونا‬
‫إلى تبيان مفيوم الثقافة في إطار الصناعات الثقافية ‪ ،‬والتي تشير باألساس إلى مجموعة من األنشطة‬
‫اإلنسانية ذات الصبغة الفنية والفكرية ‪ ،‬ولكي يتم اعتبار أي نشاط بمثابة نشاط ثقافي ال بد من أن توفر فيو‬
‫ثالثة خصائص ىي‪ -":‬يجب أن يجسد بطريقة ما شكال لإلبداع في إنتاجو‪.‬‬

‫‪ -‬يجب أن ينتج ويعبر عن مواد رمزية‪.‬‬

‫‪ -‬يجب أن يجسد عمى األقل شكال من أشكال الممكية الفكرية" (‪.) 9‬‬

‫وعميو وحسب ىذه المعايير فإن األدب‪ ،‬المسرح‪ ،‬السينما‪ ،‬الغناء‪ ،‬التصوير‪...‬الخ ‪ ،‬يمكن أن يتضمنيا ىذا‬
‫المفيوم ‪ ،‬أي أن المفيوم الخاص لمثقافة ينصرف بشكل كبير لمفيوم الفن الذي يعبر عن عمل خاص‬
‫بشخص واحد أو مجموعة من المبدعين "ويفرض عمى كل األعمال التي تريد أن تكون ضمن "األعمال‬
‫الفنية" أن تتوفر عمى شرطين ىما‪ :‬األصالة فالعمل الفني يجب أن يكون أصيال بمعنى أنو نتاج عمل‬
‫فنانين أي بعيد قدر اإلمكان عن تقسيم العمل‪ ،‬وكذلك أن يكون متفردا أي أن العمل الفني يجب أن يكون‬
‫(‪) 10‬‬
‫والصناعات الثقافية مرتبطة بيذه األعمال اإلبداعية الفنية لكن ليس مجمميا‪ ،‬بل فقط‬ ‫فريدا وناد ار"‪.‬‬
‫القابمة إلعادة اإلنتاج وفق مبادئ اإلنتاج الصناعي‪.‬‬

‫بناء عمى ما سبق التطرق لو في مفيومي الصناعة والثقافة فإنو يمكن لنا‬ ‫‪-‬ثالثا‪:‬الصناعات الثقافية‪:‬‬
‫أن نعتبر أن الصناعات الثقافية ىي األنشطة التي تنتج وتعيد إنتاج األعمال الثقافية حسب مبادئ اإلنتاج‬
‫الصناعي ‪ ،‬أي أن األعمال الثقافية و الفنية األصمية يمكن أن تحول صناعيا إلى سمع استيالكية تعرض‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪208 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫في السوق مثميا مثل السمع الصناعية األخرى وذلك من خالل اإلنتاج الضخم ليا والذي يقابمو حتما‬
‫استيالك جماىيري ضخم ‪ ،‬وتعرف كذلك بأنيا "مجمل األنشطة اإلنتاجية والتبادلية لممواد الثقافية التي ىي‬
‫في تطور مستمر والتي تخضع لمقواعد التجارية‪ ،‬وتكون فييا تقنيات اإلنتاج متطورة بشكل كبير أو بشكل‬
‫أقل لكن العمل فييا يكون خاضعا أكثر لمنمط الرأسمالي من خالل الفصل المزدوج بين المنتج وانتاجو‪ ،‬وبين‬
‫(‪ ،) 11‬وتشمل‬ ‫األعمال اإلبداعية وتنفيذىا‪ ،‬وىذا الفصل ينتج فقدان العاممين المراقبة عمى إنتاجيم ونشاطيم"‬
‫الصناعات الثقافية عمى أشكال عديدة يتم حصرىا عادة في أربعة محاور ىي كما يمي‪:‬‬
‫"الطباعة والكتاب‪.‬‬

‫‪ -‬الموسيقى المسجمة‪.‬‬

‫‪ -‬السينما والسمعي البصري‪.‬‬

‫(‪) 12‬‬
‫‪ -‬اإلعالم والصحافة"‪.‬‬

‫وتحت ىذه المحاور األساسية نجد عديد الصناعات الثقافية كالتمفزيون الراديو‪ ،‬السينما‪ ،‬ألعاب الفيديو‪،‬‬
‫الصحافة المكتوبة‪ ...‬الخ‪ ،‬وكل ىذه األشكال ينطبق عمييا مفيوم الصناعات الثقافية من حيث أنيا أعمال‬
‫يمكن إعادة إنتاجيا صناعيا وتسويقيا مثل السمع األخرى‪ ،‬وتعد خاصية القابمية لإلعادة لإلنتاج من أىم‬
‫خصائص الصناعات الثقافية‪ ،‬ألن العمل الفني الغير قابل لإلعادة اإلنتاج ال يدخل ضمن أشكال‬
‫الصناعات الثقافية فمثال العروض الحية سواء تعمق األمر بالمسرح أو حفمة موسيقية أو تظاىرة سيرك ال‬
‫يمكن إدراجيا في إطار الصناعات الثقافية ألنيا غير قابمة لعممية إعادة اإلنتاج التي تقوم باألساس عمى‬
‫العمل عمى استنساخ عمل إبداعي أصمي من خالل الفصل بين المحتوى والوسائط التي تحمل ىذا المحتوى‬
‫"فإعادة اإلنتاج خاصية أساسية لمصناعات الثقافية‪ ،‬فيي تخص الوسائط التي تسمح بالتوزيع (نسخة من‬
‫(‪) 13‬‬
‫فيمم‪ ،‬شريط فيديو‪ ،‬قرص مسجل) وال تخص العمل اإلبداعي في حد ذاتو"‪.‬‬

‫‪- 1‬عناصر الصناعات الثقافية‪:‬‬

‫الصناعات الثقافية كغيرىا من الصناعات األخرى تقوم عمى عناصر أساسية ‪ ،‬والتي يمكن استخالصيا من‬
‫المفيوم الذي سبقت اإلشارة إليو و ىي كما يمي‪:‬‬

‫ال يمكن الكالم عن الصناعات الثقافية دون ىذا العنصر األساسي وذلك ألنو‬ ‫‪ - 1- 1‬العمل اإلبداعي‪:‬‬
‫يمثل العمل أو المادة التي خضعت لعممية إعادة اإلنتاج ‪ ،‬لذا البد من االىتمام باإلبداع بشكل عام في كل‬
‫مراحل حياة الفرد‪ ،‬ويعد الوسط الثقافي واالجتماعي الذي يحيا فيو األفراد مصد ار لألعمال اإلبداعية في‬
‫العموم وذلك من خالل النشاط الثقافي والفني لألفراد في الحياة اليومية أو من خالل التربية الفنية في‬
‫المدارس أو في المراكز الثقافية واإلعالمية‪ ،‬وكذلك من خالل تكوين وتأطير الفنانين المشتغمين في الميدان‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪209 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫الثقافي بإنشاء مراكز ومدارس متخصصة في ذلك‪ ،‬ويمكن مماثمة األعمال اإلبداعية التي ينتجيا األفراد‬
‫بالمادة الخام التي تعتمد عمييا الصناعات األخرى‪.‬‬

‫ىذا العمل يستدعي تدخل الكثير من العناصر في العمل‬ ‫‪ - 2- 1‬العمل التحويمي آو اإلنتاجي‪:‬‬
‫اإلبداعي ألن إنتاجو واعادة إنتاجو بيدف تقديمو في شكل جديد يتطمب توفير إمكانيات عديدة وضخمة‪،‬‬
‫ويتم ذلك باستثمار األموال في إنشاء المؤسسات واليياكل القاعدية الالزمة‪ ،‬و كذا مواكبة التطورات‬
‫الحاصمة في ىذا المجال من خالل المجوء الستخدام التقنيات الحديثة‪.‬‬
‫ىذا المستوى الثالث يمكن اعتباره بأنو أىم عنصر في الصناعات‬ ‫‪ - 3- 1‬العمل التوزيعي والتسويقي‪:‬‬
‫الثقافية‪ ،‬وذلك ألن ىذه األخيرة مثميا مثل الصناعات األخرى يجب أن تبحث عن المستيمكين‪ ،‬أي السوق‬
‫التصريف منتجاتيا‪ ،‬ويتم ذلك من خالل االستفادة من التقنيات المعاصرة في التسويق كدراسات السوق و‬
‫كذا االعتماد عمى اإلشيار والترويج‪.‬‬

‫‪- 2‬الصناعات الثقافية وبعض المفاهيم القريبة منها‪:‬‬

‫ىناك مصطمحات تتقاطع مع الصناعات الثقافية في نقاط معينة ولكنيا تختمف عنيا في جوانب أخرى ‪،‬‬
‫ولمتمكن من مصطمح الصناعات الثقافية بشكل أكبر البد من تبيان الفروق األساسية بينيا وبين ىذه‬
‫المصطمحات والتي يعد أىميا ما يمي‪:‬‬

‫‪- 1- 2‬الصناعة الثقافية والصناعات الثقافية‪ :‬لقد استعمل مصطمح صناعة الثقافة بصيغة المفرد ألول‬
‫مرة من طرف رواد مدرسة فرنكفورت أو ما يعرف في بعض األحيان بتسمية الماركسية الجديدة من أجل‬
‫رفض ونقد فكرة تحويل الثقافة إلى سمعة صناعية وذلك في سنوات األربعينيات من القرن العشرين‪ ،‬لكن‬
‫بداية من سنوات السبعينيات عاد المصطمح بصيغة الجمع مجردا من صبغتو النقدية والماركسية وذلك‬
‫لمداللة عمى أىمية المجال أو الميدان الثقافي في الحياة االقتصادية واالجتماعية لمشعوب والمجتمعات ‪،‬‬
‫وبالتالي دعوة الحكومات والدول لتشجيع النشاطات االقتصادية المرتبطة بالفنون والثقافة لما ليا من فوائد‬
‫عديدة ومختمفة اجتماعيا واقتصاديا‪ ،‬إذن فان مصطمح الصناعات الثقافية "ظير من جديد عمى السطح‬
‫(‪) 14‬‬
‫‪ ،‬وىذا‬ ‫نياية سنوات ‪ ، 1970‬لكن بصيغة الجمع‪ ،‬وبدون الداللة السمبية التي التصقت بو في البداية"‬
‫الفرق بين المصطمحين ىناك من ال يأخذ بو ويستعمل كال المصطمحين وكأن ليما نفس الداللة ‪ ،‬لكن في‬
‫الواقع فإن صيغة المفرد ىي أقرب لمفيوم الثقافة الجماىيرية منو إلى مصطمح الصناعات الثقافية لذا نجد‬
‫ربما "تيودور أدورنو " ‪ ADORNO‬بعد سنوات من كتابة المؤلف الشيير "جدل العقل التنويري " يستدرك‬
‫األمر ويكتب في مقال لو أنو "في بدايات العمل كانت المسألة متعمقة بالثقافة الجماىيرية‪ ،‬لكننا تخمينا عن‬
‫(‪) 15‬‬
‫‪.‬‬ ‫ىذا المصطمح لتعويضو بالصناعة الثقافية"‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪210 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫‪- 2- 2‬الثقافة الجماهيرية والصناعات الثقافية‪ :‬يستعمل مصطمح الثقافة الجماىيرية لإلشارة إلى مجموع‬
‫األعمال والمواد الثقافية المنتجة والمصنوعة في إطار مبادئ اإلنتاج الصناعي والتي تعرض في السوق‬
‫وتستيمك كأي سمعة صناعية أخرى ‪ ،‬أما مصطمح الصناعات الثقافية فيو يشير إلى األنشطة التي تؤدي‬
‫إلى إنتاج ىذه األعمال والمواد الثقافية باألساس وليس إلى ىذه األعمال والمواد في حد ذاتيا‪ ،‬أي بعبارة‬
‫أخرى يمكن أن نصف الثقافة الجماىيرية بأنيا نتاج الصناعات الثقافية‪.‬‬

‫‪- 3- 2‬الصناعات اإلبداعية والصناعات الثقافية‪ :‬كثي ار ما يتم استعمال مصطمح الصناعات الثقافية مع‬
‫الصناعات اإلبداعية لمداللة عمى نفس الشيء وفي أحيان أخرى يتم جمعيما مع بعضيما البعض من خالل‬
‫إستخدام مصطمح الصناعات الثقافية واإلبداعية‪ ،‬ويسود نقاش حول الفرق بين المصطمحين في األوساط‬
‫األوروب ية الميتمة بالثقافة وسبب ىذا النقاش ىو محاولة تحديد كيفية إعداد اإلحصائيات المرتبطة بالثقافة‪،‬‬
‫وفي الواقع فإن الصناعات اإلبداعية تختمف عن الصناعات الثقافية من حيث أن األولى شديدة العموم‪ ،‬أما‬
‫الثانية فيي خاصة باألعمال والمواد الثقافية القابمة لإلعادة اإلنتاج وفق مبادئ اإلنتاج الصناعي‪ ،‬ومصطمح‬
‫الصناعات اإلبداعية الذي تم استعمالو أول مرة في بريطانيا كان بيدف "جمع مجمل النشاطات التي يعتمد‬
‫(‪) 16‬‬
‫‪،‬‬ ‫إنتاجيا عمى اإلبداع أو األفكار التي يمكن أن تكون قانونيا محمية‪ ،‬وتكون منتجاتيا موجية لمسوق"‬
‫وبالتالي يمكن لنا القول أن الصناعات اإلبداعية ىي مصطمح أكثر عمومية من الصناعات الثقافية لكن‬
‫يمكن اعتبار ىذه األخيرة كجزء من الصناعات اإلبداعية‪ ،‬ويمكن القول بعبارة أخرى أن الصناعات الثقافية‬
‫ىي صناعات إبداعية لكن الصناعات اإلبداعية ليست صناعات ثقافية‪.‬‬

‫‪- 3‬أهم أنواع الصناعات الثقافية‪ :‬مما سبق اإلشارة إليو من أن مصطمح الصناعات الثقافية يشير إلى‬
‫النشاط الذي يسمح بإعادة إنتاج أعمال وم واد ثقافية حسب مبادئ اإلنتاج الصناعي‪ ،‬فإن كل ما يندرج‬
‫تحت ىذا المصطمح يجب أن ينطبق عميو ىذا المفيوم ولذا نجد أن أىم أنواع الصناعات الثقافية تتمثل‬
‫فيما يمي‪ - 1:‬صناعة الكتاب‪.‬‬
‫‪ - 2‬صناعة الصحافة المكتوبة‪.‬‬
‫‪ - 3‬صناعة السينما‪.‬‬
‫‪ - 4‬صناعة التمفزيون‪.‬‬
‫‪ - 5‬صناعة الموسيقى‪.‬‬
‫‪ - 6‬صناعة ألعاب الفيديو‪.‬‬
‫وجدير باإلشارة أن ىناك صناعات أخرى يمكن التطرق إلييا كالراديو‪ ،‬الفيديو‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪ - 1- 3‬صناعة الكتاب‪ :‬ربما يعد الكتاب أول الصناعات الثقافية‪ ،‬وذلك باعتبار أن االختراع الثوري‬
‫لكن في القرن التاسع‬ ‫لمطباعة باألحرف المتحركة ىو من أعمن عن بداية تحول العمل الثقافي إلى سمعة‪،‬‬
‫عشر سيعيش نشاط صناعة الكتاب بداياتو الفعمية مع التطور الذي حصل في تقنيات الطباعة وكذلك إلى‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪211 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫توفر مجموعة من الظروف المالئمة لتطور ىذا النشاط ومن أىميا‪:‬‬


‫" – تقمص معدالت األمية من خالل بروز فكرة المدرسة لمجميع‪.‬‬
‫‪ -‬ظيور مجتمع التسمية‪.‬‬
‫‪ -‬التحضر (المدينة)‪.‬‬
‫(‪) 17‬‬
‫‪ -‬الولوج لمدراسات العميا "‪.‬‬

‫وكل ىذه العوامل ساىمت في تحول الكتاب إلى سمعة مطموبة في األسواق من شرائح واسعة في المجتمع‬
‫وليس فقط شريحة معينة نخبوية فقط كما كان الحال في السابق ‪ ،‬فأضحت ىناك سوق لمكتاب الجامعي‬
‫والعممي‪ ،‬وسوق لكتاب التسمية من روايات وقصص بوليسية‪ ،‬وسوق لكتاب مدرسي ‪...‬الخ‪ ،‬وكغيرىا من‬
‫الصناعات التي تقوم بتحويل المواد األولية الخام إلى مواد قابمة لالستيالك‪ ،‬فإن صناعة الكتاب تيدف إلى‬
‫إعادة إنتاج أعمال إبداعية أصمية واستنساخيا بيدف تسويقيا وخاصة في ظل التطور اليائل الذي عرفتو‬
‫تقنيات الطباعة بداية من القرن التاسع عشر الذي كان فيو "عدد الكتاب غير كاف ليمد اآلالت الجديدة‬
‫لمطباعة‪ ،‬وذلك بسبب اإلمكانيات التقنية الجديدة والسوق المحتممة لمقراء التي تجاوزت قدرات الكتاب في‬
‫اإلنتاج"(‪ ،) 18‬لذا سيؤدي ىذا إلى ظيور كتاب ومبدعين ينتجون أعمال موجية باألساس إلى ما تحتاجو‬
‫السوق وما تطمبو "فظير نوع جديد من المحررين من الوسط الصحفي‪ ،‬فنجد الصحفيين المنتمين إلى‬
‫الجرائد الكبيرة‪ ،‬كتاب التقارير الصحفية‪ ،‬أجراء القمم‪ ،‬كتاب األعمدة‪ ،‬والمسمسالت وكل ىؤالء سيتجاوزون‬
‫بشكل كبير الكتاب اإلنسانيين والتنويريين" (‪ ،) 19‬وفي ظل ىذه األوضاع أصبح لمسوق سمطة واضحة عل‬
‫الكتاب وذلك بسبب تحولو إلى سمعة استيالكية كغيره من السمع األخرى المعروضة في السوق‪.‬‬

‫لقد تطورت الصحافة المكتوبة بشكل كبير في القرن الثامن عشر في كل‬ ‫‪- 2- 3‬الصحافة المكتوبة‪:‬‬
‫من أوروب ا وأمريكا من خالل ظيور عديد العناوين الصحفية التي لعبت دو ار ميما في التطورات اإلجتماعية‬
‫واالقتصادية آنذاك‪ ،‬لكن رغم ىذه األىمية فإن انتشار ىذه الصحافة جماىيريا لم يكن كبيرا‪ ،‬بل كان عمييا‬
‫أن تنتظر حمول القرن التاسع عشر لتصبح صحافة جماىيرية بمعنى الكممة‪ ،‬خاصة مع ما ميز ىذا القرن‬
‫من "تعميم لمتعميم‪ ،‬تطور النقل بكل أشكالو‪ ،‬الظيور التدريجي لمديمقراطية في الحياة السياسية‪ ،‬انخفاض‬
‫أسعار الجرائد الشعبية‪ ،‬بداية تحسن ظروف الحياة االجتماعية" (‪ ،) 20‬كل ىذه الظروف اجتمعت لكي تسمح‬
‫لمصحافة المكتوبة أن تعيش عصرىا الذىبي في نياية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وذلك قبل‬
‫ظيور وسائل إعالم جماىيرية أخرى ‪ ،‬فمن الناحية االجتماعية ساىمت سياسات فرض التعميم التي بدأت‬
‫تظير في أوربا تدريجيا في ظيور طبقة متعممة سترتبط بيذه الصحافة‪ ،‬وكذلك فإن المجتمع أصبح جزء منو‬
‫يعيش في المدينة ويمتمك قدرات شرائية معينة وثابتة سمحت لو باقتناء الصحف بيدف الحصول عمى‬
‫المعمومة ‪ ،‬أما العامل األكثر أىمية في تطور الصحافة المكتوبة فكان بال شك تطور تقنيات الطباعة التي‬
‫سمحت لمصحف بأن تسحب عشرات اآلالف من النسخ يوميا‪ ،‬والبد من اإلشارة كذلك أن الصحافة المكتوبة‬
‫قد ارتبطت عضويا بالمجتمع الصناعي " لذا نالحظ أن من بداياتيا قد لعبت دورين أساسيين في النظام‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪212 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫االقتصادي‪ ،‬من جية فإن ىذا النوع من اإلعالم ساىم في عمل ىذا النظام االقتصادي في كل مراحمو من‬
‫إنتاج‪ ،‬توزيع‪ ،‬واستيالك لمختمف المواد الصناعية وكذا الخدمات ‪ ،‬ومن جية أخرى فإن المعمومة أصبحت‬
‫كذلك مادة إنتاجية خاضعة لمسار التصنيع كغيرىا من المواد األخرى" (‪ ،) 21‬وربما فإن من أكثر أوجو ارتباط‬
‫الصحافة المكتوبة بالمجتمع الصناعي ىو اإلشيار الذي يعد موردا أساسيا لممداخل التي تحققيا وبالتالي‬
‫سببا في بقائيا واستمرارىا إلى يومنا ىذا كواحدة من أىم الصناعات الثقافية واإلعالمية التي ال تزال تحقق‬
‫أرباح وتوظف أعدادا معتبرة من العاممين‪ ،‬وذلك رغم األزمات التي عرفتيا والمنافسة القوية التي واجيتيا في‬
‫ظل تطور وظيور وسائل وتقنيات إعالم جديدة‪.‬‬

‫تعد السينما أكثر الصناعات الثقافية وضوحا حتى أنو يطمق عمييا في أحيان‬ ‫‪- 3- 3‬صناعة السينما‪:‬‬
‫كثيرة صناعة السينما‪ ،‬ولقد كان ظيورىا في نيايات القرن التاسع عشر في أوروب ا وفي فرنسا بالخصوص‬
‫لتنتقل الحقا إلى الواليات المتحدة األمريكية لكي تصبح واحدة من أىم الصناعات الثقافية في ىذا البمد‬
‫وكانت البداية الفعمية ليذا النشاط بو بعد الحرب العالمية األولى‪ ،‬ومن أىم العوامل التي ساعدت عمى‬
‫ازدىار نشاط صناعة السينما في الواليات المتحدة األمريكية ىو السوق المحمية الواسعة من جية ‪ ،‬والسيطرة‬
‫عمى السوق العالمية من جية أخرى ‪ ،‬وخاصة إذا عممنا أن اإلنتاج السينمائي كإنتاج ثقافي أصبح رائجا‬
‫ومطموبا في السوق ‪" ،‬ففي عديد البمدان أصبحت قاعات السينما كشيء مسمم بو فأصبحت جزءا من‬
‫واقعيا" (‪ ،) 22‬فأضحى الذىاب إلى السينما تقميدا راسخا لدى المستيمكين ولم يؤثر عمى ىذا النشاط ظيور‬
‫وسائل إعالم جديدة كالتمفزيون الفضائي والرقمي وذلك رغم إدخال تكنولوجيا حديثة عميو ‪ ،‬وتبرز األىمية‬
‫االقتصادية والثقافية لإلنتاج السينمائي في لجوء الدول إلى دعم وحماية إنتاجيا من المنافسة األمريكية ‪،‬‬
‫وسياسات فرنسا في ىذا المجال دليل واضح عمى ذلك‪.‬‬

‫يعد التمفزيون أكثر وسائل اإلعالم الجماىيري انتشا ار فبمجرد ظيوره وتطوره في‬ ‫‪- 4- 3‬التمفزيون‪:‬‬
‫المنتصف الثاني لمقرن العشرين أصبح يحتل مكانة ميمة في حياة الناس في كل مناطق العالم بدون استثناء‬
‫وما زاد من أىميتو ىو االنتقال إلى البث الفضائي والرقمي‪ ،‬فزادت نتيجة لذلك عدد القنوات التمفزيونية وكذا‬
‫مؤسسات اإلنتاج التمفزيوني وبالتالي زيادة المشتغمين بيذا القطاع وارتفاع عائدات االستثمار فيو ‪ ،‬وكل ذلك‬
‫برغم ظيور وسائل إعالمية جديدة‪.‬‬

‫تعد الموسيقى بشكل عام إبداعا مرتبط باإلنسان‪ ،‬وقد استخدميا لمتعبير عن‬ ‫‪- 5- 3‬صناعة الموسيقى‪:‬‬
‫مشاعره وأحاسيسو وكذلك في كل المجاالت المرتبطة بحياتو فكانت حاضرة في نشاطاتو االقتصادية‪،‬‬
‫العالجية‪ ،‬وفي صراعاتو‪ ،‬واحتفاالتو ‪ ،‬وحياتو الروحية‪...‬الخ‪ ،‬وعمى خالف كل المخموقات أنتج اإلنسان‬
‫أصواتا جديدة وأبتكر آالت موسيقية عديدة ومختمفة ‪ ،‬فالموسيقى تعتبر من أىم األشكال الثقافية والفنية التي‬
‫أنتجيا اإلنسان عمى مر تاريخو‪ ،‬لكن تحول الموسيقى إلى ميدان إنتاجي صناعي لم يكن إال في نيايات‬
‫‪ Edison‬أن يضع آلية تقنية سمحت بتثبيت الصوت عمى‬ ‫القرن التاسع عشر "عند ما توصل أديسون‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪213 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫وسيط مادي وسمح ذلك بسيولة إعادة إنتاجو وتوزيعو وىو ما جعل من االستماع لمموسيقى ألول مرة‬
‫(‪ ،) 23‬أي أن ىذا االختراع ىو الذي جعل من الموسيقى ثقافة‬ ‫منفصال عن المكان الذي تعزف فيو "‬
‫جماىيرية متاحة لشرائح واسعة من الناس وذلك في الوقت والمكان الذي يختارونو وذلك عمى عكس المراحل‬
‫السابقة التي كانت تستمزم حضور العرض الموسيقي‪ ،‬كما سمح ىذا االختراع بإمكانية سماع الموسيقى‬
‫يشكل فردي بعد أن كان يتم ذلك في غالب األحيان بشكل جماعي‪ ،‬وجدير بالذكر أن مصطمح صناعة‬
‫الموسيقى قد يطمق في بعض األحيان عمى العروض الحية لمموسيقى في إطار الحفالت أو الميرجانات‬
‫والمسابقات‪ ،‬لكن المعنى الدقيق لصناعة الموسيقى كواحدة من الصناعات الثقافية ىي الموسيقى المعاد‬
‫إنتاجيا من خالل تثبيتيا عمى وسيط معين مما يسمح بتسويقيا كسمعة ‪ ،‬والوسائط التي اعتمدت عمييا‬
‫صناعة الموسيقى شيدت تحوالت متعددة وذلك بداية من اختراع توماس أديسون لالسطوانة ومرو ار بشريط‬
‫الكاسيت والقرص المضغوط ووصوال إلى ‪ mp3‬ومختمف التطبيقات الحديثة لتكنولوجيات اإلعالم واالتصال‬
‫‪ ،‬وفي خضم تطورىا واجيت صناعة الموسيقى أزمات متعددة كان أوليا مع ظيور الراديو وانتشاره بداية‬
‫من عشرينيات القرن العشرين الذي سمح بإمكانية االستماع لمموسيقى في المنزل مجانيا ‪ ،‬ثم بعد ذلك كانت‬
‫األزمة الثانية مع ظيور شريط الكاسيت في نياية السبعينات الذي كان من السيل القيام بتقميده وىو ما شكل‬
‫‪ CD‬في ‪ 1983‬انتعشت صناعة الموسيقى‬ ‫تيديدا فعميا ليذا النشاط ‪ ،‬لكن مع اختراع القرض المضغوط‬
‫من جديد وسيستمر ىذا االنتعاش إلى نياية ‪ 1999‬حيث ستتعرض ىذه الصناعة لتراجع كبير في أرباحيا‬
‫فيما بعد ‪ ،‬ويمكن اإلشارة إلى أن مبيعات القرص المضغوط استمرت في االرتفاع طوال فترة التسعينات من‬
‫القرن العشرين " فخالل ىده العشرية بمغت المبيعات من ىدا القرص ‪ 3.2‬مميار نسخة في سنة ‪ 1994‬ثم بعد‬
‫دلك بمغت ‪ 3،6‬مميار نسخة سنة ‪ ،) 24( " 1998‬و بعد دلك حمت مرحمة جديدة مع دخول العالم في األلفية‬
‫الثالثة خاصة"مع ظيور االنترنت كمنافس قوي أدى إلى تراجع أرباح الصناعة العالمية لمقرص بداية من‬
‫(‪) 25‬‬
‫والدليل عمى دلك ىو األرقام التي تبين دلك‬ ‫سنة‪ 2001‬لكن التراجع الكبير سيكون بعد سنة ‪،" 2002‬‬
‫بوضوح"فبين سنوات‪ 2002‬وبداية ‪ 2007‬ستعرف ىذه الصناعة تراجع حقيقي من خالل سقوط رقم أعماليا‬
‫بنسبة‪ 50‬في المئة" (‪ ،) 26‬والمفارقة التي عاشتيا الموسيقى خالل القرن الواحد والعشرين "ىي انو لم يسبق‬
‫لمموسيقى أن تم استماعيا في العالم كما تم ذلك في ىذه المرحمة وذلك رغم أن القطاع المنتج ليا يعيش‬
‫(‪) 27‬‬
‫‪.‬‬ ‫في أزمة حقيقية"‬

‫تعد صناعة ألعاب الفيديو من أحدث الصناعات الثقافية‪" ،‬التي لم تكن في‬ ‫‪- 6- 3‬ألعاب الفيديو‪:‬‬
‫البداية إال امتداد بسيط لمتمفزيون‪ ،‬لكن ىذه الوسيمة اإلعالمية الجديدة ستتحول بسرعة إلى العب أساسي في‬
‫مجتمع اليوم‪ ،‬واختراع أول األلعاب اإللكترونية يعود إلى سنوات ‪ ، 1960‬لكن بداية من سنوات ‪ 1970‬سيتم‬
‫(‪،) 28‬‬ ‫اكتشافيا من طرف الجميور لذا يمكن أن نطمق عمى ىذه الفترة تسمية الجيل األول من ىذه األلعاب"‬
‫وكغيرىا من االختراعات واالبتكارات الجديدة كانت ألعاب الفيديو عسكرية في البداية وكان ابتكارىا في إطار‬
‫محاولة طمأنة األمريكيين من خالل تعريفيم بالعمل الذي يقوم بو الجيش األمريكي لحماية الواليات المتحدة‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪214 ) 2016- 203‬‬
‫د‪ .‬عالوة فوزي‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬

‫األمريكية من حرب نووية وشيكة ‪ ،‬وتعد ألعاب الفيديو كذلك نتيجة لمتطور اإللكتروني اليائل الذي شيده‬
‫العالم في المنتصف الثاني من القرن العشرين وخاصة ما تعمق منيا بظيور الكمبيوتر واإلعالم اآللي لذا‬
‫نجد من يطمق عمييا كذلك تسمية األلعاب اإللكترونية وذلك العتمادىا الكمي عمى ىذا الميدان‪ ،‬وتعد‬
‫صناعة ألعاب الفيديو من أكثر الصناعات الثقافية تطو ار ونموا وىو ما جعل الكثير من الدول والمستثمرين‬
‫الخواص ييتمون بيا "فرقم األعمال العالمي لأللعاب الفيديو وصل إل خمسين مميار دوالر سنة ‪ 2009‬مع‬
‫(‪) 29‬‬
‫ومن أىم األسباب التي جعمت ألعاب‬ ‫نسبة نمو سنوية تقدر بـ ‪ %15‬بين سنوات ‪ 2003‬و ‪،" 2006‬‬
‫الفيديو تحقق ىذا التطور في السوق العالمية ىو الحرية التي تقدميا لمستخدمييا في التعامل مع محتواىا‪،‬‬
‫وذلك عمى عكس السينما والتمفزيون مثال المذان يكون محتواىما محدد مسبقا‪ ،‬ومن أىم عوامل تطور ألعاب‬
‫الفيديو ىو ارتباطيا بالتكنولوجيا الحديثة لإلعالم واالتصال بشكل عام من انترنت وى واتف ذكية وأجيزة‬
‫كمبيوتر بان واعيا المختمفة‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إن الورقة التي قمنا بتقديميا ىي عمل نظري ييدف إلى إثراء مجال البحث في ميدان الصناعات الثقافية‬
‫من خالل إمكانية استفادة الباحثين الميتمين بيذا الموضوع‪ ،‬وخاصة إذا عممنا أن البحوث الميدانية ىي‬
‫دائما في حاجة إلى بحوث نظرية توجييا‪ ،‬وأىمية موضوع الصناعات الثقافية ىو من أىمية الدور الذي‬
‫أضحت تمعبو عمى المستويات االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فعمى المستوى االقتصادي يعد ىذا النوع من‬
‫الصناعات من أكثر القطاعات اإلنتاجية نموا وتطو ار في عالم اليوم‪ ،‬وعمى المستوى االجتماعي فيي عامل‬
‫ميم لمحفاظ عمى اليوية والثقافة المحمية لمشعوب‪ ،‬وفي ظل ىذه األوضاع عمى الباحث األكاديمي مواكبة‬
‫تطور ىذا المفيوم من خالل البحوث العممية بشكل عام والبحوث الميدانية بشكل خاص ‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫‪)) 1‬‬
‫– ‪Claude JESSUA, Le capitalisme, PNF, Paris(France), 2001, p28.‬‬
‫‪)) 2‬‬
‫– ‪Philippe PARAIRE, Le livre noir du capitalisme, Le temps des cerises, 2001, Pantin‬‬
‫‪(France), p14.‬‬
‫)‪) 3‬‬
‫– محمود عودة‪ ،‬تاريخ علم االجتماع (الجزء األول)‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت (لبنان)‪ ،‬بدون سنة نشر‪ ،‬ص ‪31.‬‬
‫‪)) 4‬‬
‫– ‪Aymeric BOURDIN, Le numérique locomotive de la 3 révolution industrielle, ELL‬‬
‫‪iposes, Paris (France), 2013, p04.‬‬
‫‪)) 5‬‬
‫– ‪Gérard RE HBLA N, La culture , Analyse et prospective, Edition ZGHARTA, Beloeil‬‬
‫‪Québec (Canada), 1983, p12.‬‬
‫‪)) 6‬‬
‫– ‪Denys CUCHE, La nation de culture dans les sciences sociales, La découverte,‬‬
‫‪Paris (France), troisième édition, 2004, p03.‬‬
‫‪)) 7‬‬
‫‪Gérard RE HBLA N, Op.cit, p48. -‬‬
‫)‪) 8‬‬
‫‪ ، 1‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪،‬‬ ‫‪ -‬يحي مرسي عيد بدر‪،‬أصول علم اإلنسان األنثروبولوجيا‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ط‬
‫اإلسكندرية‪( ،‬مصر)‪ ،‬بدون سنة نشر‪ ،‬ص ‪27.‬‬
‫‪)) 9‬‬
‫– ‪Marc MENA RD, Eléments pour une économie des industries culturelles, SODE C‬‬
‫‪Montréal (Canada), 2004, p58.,‬‬

‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪-‬جامعة الشييد حمة لخضر ‪-‬ال وادي العدد‪ ، 17‬سبتمبر ‪ 2016‬ص ص( ‪215 ) 2016- 203‬‬
‫ عالوة فوزي‬.‫د‬ ‫مساىمة في صياغة مفيوم الصناعات الثقافية‬
)01)
Joëlle FARCHY, La fin de l’exception culturelle, CNRS édition, Paris (France), 1999, –
p10.
)11)
Gaëtan TREMBLAY, Les industries de la culture et de la communication au Québec –
et au Canada, presse de l'université du Québec, Québec (Canada), 1990, p44.
)21)
Philippe BOUQUILLION, Bernard MIEGE et Pierre MOEGLIN, L'industrialisation des –
biens symboliques, les industries, créatives au regard des industries culturelles , PUG,
Grenoble (Franc e, 2013), p83.
)31)
Joëlle FA RCHY, Op, cit, p 07. –
)41)
Marc MENA RD, Op, cit, p61. –
)51)
Theodor w, ADORNO, L'industrie culturelle, in, communication, 3, 1964, p12. –
)61)
Philippe BOUQUILLION, Creative economy, créative industries des notions a –
traduire, Presse Universitaire de Vincennes (PUV ), Paris, (France), 2012, p09.
)71)
Laurence BASCLE, Parkansky Marc PRIEUX, Le mark eting du livre, promotion et –
outils de communication, Édition du cercle de la librairie, paris (France), 2010, p213.
)81)
Jacques MICHON, L'édition du livre populaire, Les éditions ex libres, Sherbrooke –
(Québec ), 1988, p13.
)91)
Ibid, p14.–
)) 20
Guy GOUE ZEL, La presse écrite, MGL "médiation et information", N°12-13, 2000, –
p28.
1)) 2
Eric GEORGE, L'accélération de la circulation de l'information, une pers pective –
historique, économique, technique et sociale, Les cahiers du journalisme N°22/23-
automne, 2011, p170.
)) 22
Laurent CRE TON et Kira KITS OPANIDOU, Les salles de cinéma, enjeux, défis et –
perspectives, Armand Colin, Paris (Franc e), 2013, p11.
)) 23
Lucien PERICE Z, La mise en musique du quotidien in l'industrie musical à l'aube du –
XXI siècle, approches critiques, sous la direction de Jacob, T.MA TTEWS et Lucien
PERICE Z, L'harmattan, Paris (France), 2012, p27.
(24)
-ludovic TOURNES,Musique ! du phonographie au MP3 ,Edition
Autrement,2001,Paris(France), p144 .
(25)
-Ibid ,p147.
(26)
–Ibid ,p148.
27))
Alain BUSSON, Y ves EVRARD, Les industries culturelles et créatives, économie et –
stratégie, Vuibert, Paris, (France), 2013, p127.
28))
Mark CHAMBLE R- DUBOSSON, Comprendre l'impact des jeux vidéo, Chronique –
sociale, Lyon (Franc e), 2010, p08.
29))
Françoise BENHAMOU, L'économie de la culture, Septième édition, La découverte, –
Paris (France), 2011, p81.

216 ) 2016- 203 (‫ ص ص‬2016 ‫ سبتمبر‬، 17‫ال وادي العدد‬- ‫جامعة الشييد حمة لخضر‬- ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية‬

You might also like