Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫شبهة ‪ :‬الدولة الدينية " الثيوقراطية "‬

‫الطالب ‪ /‬عليوة‬

‫لعل هذه الشبهة من بني الشبهات األكثر طرح ًا وإحلاح ًا من قبل بعض القطاعات الفكرية واألحزاب السياسية‬
‫التي تدعوا إىل استدعاء النموذج الغريب لتسيري لغة احلكم يف املجتمعات اإلسالمية وهي يف نفس الوقت تشن حرب ًا‬
‫شعواء عىل حتكيم الرشيعة اإلسالمية متكئني عىل بعض املزاعم الواهية كالقول إن تطبيق الرشيعة اإلسالمية من شأنه‬
‫أن يعيد األمة إىل مستنقع احلكم الديني الذي حيكم باحلق اإلهلي ‪ ،‬ويدمغ خصومه بالكفر ويقيم حماكم التفتيش التي‬
‫(‪)1‬‬
‫حتاسب الناس عىل مكنونات صدورهم بدعوى حراسة الدين ومحاية اإليامن ‪.‬‬

‫وسوف نعالج هذه الشبهة من خالل نقطتني ‪:‬‬

‫النقطة األوىل ‪ :‬عرض مفهوم الثيوقراطية أو الدولة الدينية ‪.‬‬


‫النقطة الثانية ‪ :‬بيان موقف اإلسالم من الدولة الدينية (( الثيوقراطية ))‬

‫النقطة األوىل ‪ :‬مفهوم الدولة الدينية‬

‫لقد تعددت تعبريات التغربيني عن هذا املفهوم ‪ ،‬فتارة يسموهنا ((الدولة الدينية)) ‪ ،‬وتارة يسموهنا ((احلكم‬
‫اإلهلي)) وتارة ثالثة يسموهنا ((حكومة اهلل)) ‪.‬‬

‫ولكنهم ويف كل احلاالت وعند توظفها نجدهم يسقطون نموذج احلكم الغريب يف العصور الوسطى عىل هذه احلكومة‬
‫التي يتحدثون عنها ويوجهون إليها مهومهم ‪.‬‬

‫الدولة الدينية تستمد سلطتها من اهلل ‪.‬‬

‫يقول د ‪/‬حممد خلف اهلل (( مفاهيم الدولة الدينية والدولة املدنية مفاهيم سياسية قديمة معروفة‪،‬ألنه يف التاريخ القديم‬
‫(‪)2‬‬
‫كان امللوك حيكمون باحلق اإلهلي أي يستمدون سلطتهم من اهلل سواء أكان هذا اإلسرتداد حقيقة أو إدعاء ))‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ – 1‬راجع د ‪ .‬محمود الصاوي الفكر الليبرالي تحت المجهر الشرعي ‪ ،‬دار بالل بن رباح ‪.‬‬
‫‪ – 2‬صالح الصاوي ‪ ،‬مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية ( مناظرة بين اإلسالم والعلمانية في معرض القاهرة الدولي للكتاب ) ط ـ ‪2‬‬
‫‪ 2111‬ص ـ ‪. 131‬‬

‫‪1‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫ويقول يف موضع آخر (( الدولة الدينية تستمتد سلطتها من اهلل والدولة املدنية تستمد سلطتها من الشعب))‬

‫احلاكم مفوض من قبل اهلل يتمتع بالقداسة والعصمة ‪.‬‬

‫يقول د ‪ /‬حممد سعيد العشاموي ‪ (( :‬إنام يكون احلكم دينيا حني يضفى عىل احلاكم صفات دينية ‪ ..‬والواقع هو‬
‫الدين وهو الرشيعة ما يقوله هو قول اهلل وما يفعله هو فعل اهلل وما حيكم به هو حكم اهلل وال يعارضه أحد إال وصار‬
‫مارق ًا من الدين ))‬

‫احلكم الديني ال يستند عىل قيم الدين وال أحكام الرشيعة‬

‫ويقول د ‪ /‬حممد سعيد العشاموي يف تعريف احلكومة الدينية ‪ ((:‬أما احلكم الديني فإنه ليس احلكم الذي يستند‬
‫عىل قيم الدين أو أحكام الرشيعة أو احلكم الذي يطبقه هذه وتلك وإنام يكون احلكم ديني ًا حيث يضفي عىل احلاكم‬
‫(‪) 2‬‬
‫صفات دينية ))‬

‫إذا تأملنا التعريفني السابقني نجد أهنام يتضمنان نفس مفهوم الثيوقراطية الغربية ‪ ،‬وينطلقان يف فهم استرشاقي‬
‫للدين كام أراد املسترشقون النصارى ‪ ،‬وكام توارثته احلضارة الغربية ‪ ،‬ذلك أن النظام الثيوقراطي هو الذي يتكئ عىل‬
‫حكم رجال الدين كالبابوية التي ترى أهنا تتلقى الوحي من السامء وهذا جيعلها تتعاىل عىل كافة الطبقات فال تقبل‬
‫منهم مناقشة وال نقد ًا وال رأي ًا ألهنا معصومة من الزلل ‪.‬‬

‫ويقول ضياء الدين الريس ‪ (( :‬إن الثيوقراطية بام أهنا حكومة اإلله أو اآلهلة التي ترى أهنا تتلقى الوحي من‬
‫(‪) 3‬‬
‫السامء وهذا جيعلها تتعاىل عىل كافة الطبقات ))‬

‫ويقول أيض ًا ‪ ((:‬إن الثيوقراطية إنام يقصد هبا حكومة اإلله أو اآلهلة الذين يكونون ممثلني برجال الكهنوت أو‬
‫زعامء روحيني مقدسني ‪،‬ومن أمثاهلا حكومة الباباوات يف العصور الوسطى فيكون هلوؤالء الرؤساء سلطة روحية‬
‫(‪) 4‬‬
‫وهلم حق الغفران واحلرمان ))‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ – 1‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫‪ – 2‬محمد سعيد العشماوي الخالفة اإلسالمية ص ‪ ، 8‬ط ‪1111‬م ‪.‬‬
‫‪ – 3‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫‪ – 4‬المرجع السابق ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫احلكومة الدينية عند الغربيني ‪ ((:‬أ‪ ،‬حيكم احلاكم رعاياه مدعي ًا أنه مستمد سلطانه من الرب فيرشع هلم هبواه‬
‫رشائع أبعد ما تكون عن احلق والعدل واخلرب إهنا حكومة دينية اس ًام والدين مزعوم هبا زور ًا وهبتان ًا لصالح احلاكم‬
‫(‪)1‬‬
‫املتسلط ))‪.‬‬

‫يقول الشيخ حممد عبده ‪ (( :‬ليس يف اإلسالم ما يسمى عند القوم بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه وال جيوز‬
‫لصحيح النظر أن خيلط اخلليفة عند املسلمني بام يسميه اإلفرنج ( ثيوقراطية ) وله يف رقاب الناس حق الطاعة ال بالبيعة‬
‫(‪)2‬‬
‫بل بمقتىض اإليامن )) ‪.‬‬

‫ويقول الشيخ رضيد رضا ‪ (( :‬ليس ألحد بعد اهلل ورسوله سلطان عىل عقيدة أحد وال سيطرة عىل إيامنه )) ثم‬
‫يقول (( إن اخلليفة عند املسلمني ليس باملعصوم وال هو مهبط الوحي وال من حقه اإلستئثار بتفسري الكتاب العزيز ثم‬
‫(‪)3‬‬
‫رشط فيه أن يكون جمتهد ًا لكي يتمكن بنفسه من التمييز بني احلق والباطل )) ‪.‬‬

‫وإذا اعوج قوموه بالنصيحة واإلعذار إليه عن حممد بن سريين قال سمعت عمران بن احلصني يقول ‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم (( ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق )) فإن فارق الكتاب والسنة يف عمله وجب‬
‫عليهم أن يستبدلوا به غريه ما لك يكن يف استبداله مفسدة تفوق املصلحة ‪.‬‬

‫‪ – 2‬ولعل منشأ هذه الشبهة كام يقول د ‪ /‬صالح الصاوي ‪ ((:‬هو اخللط بني مصدر السلطة السياسية والنظا م القانوين‬
‫فالسلطة يف اإلسالم مصدرها األمة ‪ ،‬ولكن النظام القانوين مصدره الرشع وهذا املصدر الرباين للنظام القانوين ال‬
‫يضفي أيه قداسة عىل النظام السيايس وال يعني بالرضورة أن السلطة تستمد رشعيتها من احلق اإلهلي بل عىل النقيض‬
‫من ذلك فإنه يمثل ضامنة حتول دون طغيان السلطة السياسية ألن النظام القانوين خياطب احلاكم كام خياطب‬
‫(‪) 4‬‬
‫املحكومني )) ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ – 1‬الدولة اإلسالمية ‪ ،‬د ‪ /‬محمود الصاوي ‪.‬‬
‫‪ – 2‬الدولة اإلسالمية ‪ ،‬د ‪ /‬محمود الصاوي ‪.‬‬
‫‪ – 3‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫‪ – 4‬صالح الصاوي ‪ ،‬مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية‬

‫‪3‬‬
‫فإذا كان نظام احلكم يف الدولة اإلسالمية إمامة أو خالفة عن صاحب الرشع يف حراسة الدين وسياسة الدنيا‬
‫به فال يعني هذا أن حكومتها ثيوقراطية أو إن حاكمها معصوم وملا دعي أبو بكر خليفة اهلل قال ( لست خليفة اهلل‬
‫ولكني خليفة رسول اهلل )‬

‫فاحلاكم يف الدولة اإلسالمية يستمد سلطته من الشعب الذي إختاره بمقتىض عقد البيعة ملتزم ًا يف احلكم‬
‫بأحكام الرشيعة اإلسالمية عىل أساس من الشورى واحلرية والعدل واملساواة وحماسبة الشعب عىل خطأه أو خروجه‬
‫عىل أحكام الرشيعة ومن هنا كانت نظرة السيادة يف نظام احلكم اإلسالمي عامال مؤثرا يف الفصل بني السلطات حيث‬
‫(‪) 1‬‬
‫الترشيع هلل والتنفيذ للحاكم )‬

‫‪ – 3‬شهادة املسترشق توماس أرنولد‬

‫وأعتقد أنه ال يمكن أن يتهم بالتحيز لإلسالم فلم يكن مسل ًام يقول يف كتابه اخلالفة (( إن البابا مميز بسلطته الروحية‬
‫ووظائفه الدينية وهو يقود أرواح الناس وليس شخص ًا مسيحيا عادي ًا بل إن له سلطة دينية خاصة يستطيع هبا أن يرشع‬
‫وأن يغفر السيئات أما اخلليفة اإلسالمي فال يوحى إليه وال يرشع وال يعدو كونه منفذ ًا ألحكام الدين وأما سلطة‬
‫تفسري اآليات القرآنية واألحاديث النبوية موكولة إىل العلامء وأهل افقه ‪ ،‬وإن اإلمامة يف الصالة التي تعود اخلليفة أن‬
‫يتوالها من املمكن أن يقوم هبا أقل فرد من املسلمني والبابا عند املسيحيني له سلطان إهلي فهو ينفرد بتلقي الرشيعة‬
‫عن اهلل وله القول بالترشيع وله يف رقاب الناس حق الطاعة ال بالبيعة بل بمقتىض اإليامن فليس للمسيحي ما دام‬
‫( ‪)1‬‬
‫مسيحيا أن خيالفه ))‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ – 1‬الدولة اإلسالمية ‪ ،‬د ‪ /‬محمود الصاوي ‪.‬‬
‫‪ – 2‬المرجع السابق ‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like