Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 102

‫مستقبل العامل بني اخلري والشر‬

‫دراسة تفصيلية لحديث حذيفة رضي اهلل عنه عن الخير والشر‬

‫إعداد‪ :‬د‪ .‬فهمي إسالم جيوانتو‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫امحلد هلل اذلي هداان ل إلسلم والإميان وما كنا لهنتدي لو ل أن هدان هللا‪،‬‬
‫وصلة وسلما عىل رسول الهدي محمد بن عبد هللا وعىل أهل وحصابته والتابعني هلم‬
‫بإحسان اإىل يوم ادلين‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬فاإن موضوع اخلري والرش هيم لك اإنسان‪ ،‬ول تتغري أمهيته همام تغري الزمان‬
‫واملاكن‪ ،‬وتتأكد وتش تد احلاجة اإىل التعرف عليه ومراجعته وادلقيق فيه يف وقت ضاعت‬
‫عن الناس معامل احلق‪ ،‬وابتعدت عن ثقافهتم أسس الهدي املس تقمي‪ ،‬واشتبكت يف‬
‫حياهتم مؤرشات الرض والنفع واشتهبت دلهيم أمارات الصواب واخلط إا‪.‬‬
‫ومن أمه املواد العلمية اليت تتحدث عن اخلري والرش حديث حذيفة بن الامين‬
‫ريض هللا عنه وهو حديث عظمي يكشف عن حبااي املس تقبل وأرساره‪ ،‬يبني عن‬
‫املنعطفات التارخيية اليت مرت وس متر بلمة الإسلمية مع ما ينطوي عليه من اخملاطر‬
‫واملزالق‪ ،‬وما جيب عىل املسمل أن يعلمه ويترصف جتاهه‪.‬‬
‫هو حديث خطري‪ ،‬ومع خطورته مل حيظ بعناية لئقة تفصل دقائقه‪ ،‬وتمل ش تات‬
‫أجزائه‪ ،‬تبني مهبامته وتفرس مجملته‪ .‬فقد حاولت يف هذه الرساةل أن أفصل ما أمجهل‬
‫رشاح احلديث‪ ،‬وأمجع ما فرقته الرواايت املنترشة يف كتب الس نة‪ ،‬وأضع مهبامت احلديث‬
‫بني يدي حمكامت القرأن‪ ،‬ليكون القارئ عىل بينة اتمة من معاين هذا احلديث العظمي‪.‬‬
‫فقد اكنت القراءة العميقة من الصحايب اجلليل س يدان حذيفة بن الامين للحداث‬
‫وإادراكه ملا س تؤول اإليه المور أوقفته عىل الس ئةل النادرة اليت مل يسأل عهنا غريه‪ ،‬واكن ‪-‬‬
‫‪2‬‬
‫ريض هللا عنه‪ -‬يمتتع بنباهة فائقة جتعهل يتطلع اإىل خفااي المور اليت تكون أاثرها أمه‬
‫وأخطر من تكل اليت هيمت هبا الناس‪ .‬فقد جرى حوار بني النيب صىل هللا عليه وسمل‬
‫وبني أمني رسه حذيفة ريض هللا عنه‪ ،‬واكن من أمه احلوارات اليت أجراها حذيفة ريض‬
‫هللا عنه مع النيب صىل هللا عليه وسمل‪.‬‬
‫قال خادل محمد خادل‪" :‬ولقد أويت حذيفة من احلصافة ما جعهل يدرك أن اخلري يف‬
‫هذه احلياة واحض ملن يريده‪ ..‬وامنا الرش هو اذلي يتنكر ويتخفى‪ ،‬ومن مث جيب عىل‬
‫الريب أن يعىن بدراسة الرش يف مأتيه‪ ،‬ومظانه‪"..‬‬
‫فبيامن اكن معظم حصابة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يسألون رسول هللا صىل‬
‫هللا عليه وسمل عن اخلري‪ ،‬اكن س يدان حذيفة يسأل عن الشق الخر‪ ،‬يف جو من الفرح‬
‫العارم اذلي ساد أجواء املدينة مبجيء رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬وبظهور هذا‬
‫ادلين اجلديد اذلي يبرش املؤمنني بنفتاح أبواب اخلري وس يادة أهل اخلري‪ ،‬اكن ريض هللا‬
‫عنه مل يفته الوجه الخر من تقلب الوضاع‪ ،‬كام اكن الناس قبل جميء النيب صىل هللا‬
‫عليه وسمل اكنوا يف جاهلية هجلء ورش مس تحمك‪ ،‬مث انقلبت احلال وأل المر اإىل ظهور‬
‫اخلري ومتكني ادلين‪ ،‬أحلّ يف نفس حذيفة ريض هللا عنه سؤال يف غاية اخلطورة‪ ،‬سؤال‬
‫انبع عن اإدراك طبيعة احلياة اليت ل تعرف الثبات املطلق‪ ،‬ول تشهد غري التغري املس متر‪،‬‬
‫ويح التجارب اليت تويح بأن دوام احلال من احملال‪ .‬من حق الناس أن يفرحوا وحيتفوا‬
‫هبذا اخلري اذلي جاءمه من عند هللا بقدوم النيب صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬ولكن عل مم أي ا‬
‫أن يتأكدوا هل هذا اخلري س يدوم ويس متر اإىل البد؟ أم أن الوضع سينقلب‪ ،‬وأن هذا‬
‫اخلري س ينهتيي أوانه وينقيض زمانه؟ سؤال خطري وملمح دقيق‪...‬‬
‫وإاليمك نص احلديث كام يف الصحيحني‪:‬‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل اع ْن‬ ‫قال ريض هللا عنه‪ :‬ااك ان النَّ ُاس ي ْاسأَلُ ا‬
‫ون ار ُسو ال َّ ه‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬
‫الْخ ْ هاري او ُك ْن ُت َأ ْسأَ ُ ُهل اع ْن َّ ّ ه‬
‫الرش امخاافا اة َأ ْن يُدْ هركا هِن‪،‬‬

‫رجال حول الرسول ص‪84‬‬


‫‪3‬‬
‫اّلل هبه ا اذا الْخ ْ هاري‪ ،‬فاه ْال ب ا ْعدا‬‫رش‪ ،‬فا اج ااءانا َّ ُ‬ ‫اّلل اانَّ ُكنَّا هيف اجا هه هل َّي ٍة او ا ّ ٍ‬ ‫فا ُقلْ ُت‪ :‬ااي ار ُسو ال َّ ه‬
‫ِ‬
‫رش؟‬ ‫ه ااذا الْخ ْ هاري هم ْن ا ّ ٍ‬
‫قاا ال‪ :‬ن ا اع ْم‪.‬‬
‫الرش هم ْن خ ْ ٍاري؟‬ ‫قُلْ ُت‪ :‬اوه ْال ب ا ْعدا اذ ه اِل َّ ّ ه‬
‫قاا ال‪ :‬ن ا اع ْم او هفي هه ادخان‪.‬‬
‫قُلْ ُت‪ :‬او اما اد اخنُهُ؟‬
‫ون هبغ ْ هاري اهدْ هِي تا ْع هر ُف همهنْ ُ ْم اوتُ ْن هك ُر‪.‬‬ ‫قاا ال‪ :‬قا ْوم هيا ْدُ ا‬
‫رش؟‬ ‫قُلْ ُت‪ :‬فاه ْال ب ا ْعدا اذ ه اِل الْخ ْ هاري هم ْن ا ّ‬
‫قاا ال‪ :‬ن ا اع ْم ُدعااة ا اىل َأبْ او هاب ا اهجَّنَّ ا ام ْن َأ اجاهبا ُ ْم الا مْ اا قا اذفُو ُه هف ماا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قُلْ ُت‪ :‬ااي ار ُسو ا ِل َّ ه‬
‫اّلل هص ْفه ُْم لاناا‪.‬‬
‫ون هبأَلْ هس نا هتناا‪.‬‬ ‫فاقاا ال‪ْ ُ :‬مه هم ْن هج ْ اْل هتناا اوياتا اَكَّ ُم ا‬
‫قُلْ ُت‪ :‬فا اما تاأْ ُم ُر هين ا ْن َأد اْر اك هِن اذ ه اِل؟‬
‫ِ‬
‫قاا ال‪ :‬تالْ از ُم ا امجاعا اة الْ ُم ْس هل هم اني اوا اما امه ُْم‪.‬‬
‫قُلْ ُت‪ :‬فاا ْن لا ْم يا ُك ْن لاه ُْم ا امجاعاةِ او ال ا امام؟‬
‫ِ‬ ‫قاا ال‪ :‬فاا ِْع ا هَت ْل هت ْ ا‬
‫كل الْ هف ار اق ُُكَّهاا اولا ْو َأ ْن تا اع َّض هبأَ ْص هل اَش اار ٍة اح ََّّت يُدْ هر اك اك الْ ام ْو ُت‬
‫او َأن اْت عا اىل اذ ه اِل‪.‬‬

‫سؤال يعقبه حوار من العيار الثقيل‪ ،‬ومعلومات خطرية تتدفق من مف رسول هللا‬
‫صىل هللا عليه وسمل‪ .‬ومن حق هذا احلوار أن يُدرس دراسة معيقة‪ ،‬ومن حقه أن تفرد‬
‫تفصل تكل املفاصل التارخيية اليت أخرب هبا النيب صىل هللا عليه‬
‫ملكنوانته جمْلات خضمة ّ‬
‫تكوهنا‪،‬‬
‫وسمل‪ ،‬وعىل العلامء والباحثني أن يكتشفوا أعراض مراحل اترخي المة وعوامل ّ‬
‫والطريق المثل ملواهجهتا والتعامل مع حتدايهتا والاس تفادة من معطياهتا‪.‬‬

‫‪ 874/‬رقم‪ )7557 :‬ومسلم (‪ 347/4‬رقم‪)3838 :‬‬ ‫‪ 834/‬رقم‪،3334 :‬‬ ‫أخرجه البخاري (‬


‫‪4‬‬
‫وأعتقد أننا حنن املسلمني مقرصون يف التعاطي مع هذا اخلرب النبوي‪ ،‬فقد اكن‬
‫رشاح احلديث يبينون معاين الَكامت ويفرسون بعض العبارات لهذا احلديث‪ ،‬ولكننا‬ ‫ُّ‬
‫حنتاج اإىل ما هو أبعد من ذِل‪ ،‬حنتاج اإىل أن نفقه هذا احلديث حق الفقه‪ ،‬ونس تفيد منه‬
‫أكرب اس تفادة‪.‬‬
‫واحلقيقة أن فهم الواقع وسرب التارخي واستشفاف املس تقبل عىل ضوء هذا‬
‫احلديث ل يصح أن يمت من خلل قراءة سطحية وحمك مترسع جملرد حلظ بعض التشابه‬
‫يف الحداث والوقائع‪ ،‬فاإننا يف احلقيقة حنتاج اإىل قراءة أمعق للنصوص مع اس تح ار‬
‫الوقائع التارخيية جنبا اإىل جنب بنوع من التأين واحلذر‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فهم الواقع وخطورة التشخيص الخاطئ‬

‫اإن الالكم عن أحاديث الفنت قد تكون مفيدة وقد تكون ضارة‪ ،‬وفوائدها يف‬
‫كشف عوار الفنت وف ح أحصاهبا واحضة‪ ،‬ولكهنا ل تأيت من هق ابل قراءة خالية عن التدقيق‬
‫والتأين يف احلمك‪ .‬فاإننا اإذا أخطأان يف تزنيلها الواقعي فقد قلبنا اخلري رشا والرش خريا‪ ،‬أو‬
‫خامصنا أصدقاء وصادقنا أعداء‪ ،‬فبسبب خطورة هذا املوضوع وصعوبة تفادي خطره فقد‬
‫أثر الكثري السكوت وعدم اخلوض فيه‪ .‬ولول احلاجة امللحة لفهم جمرايت الحداث‬
‫وكشف حتدايت املس تقبل لاكن هذا الالكم خماطرة كبرية‪ .‬ولكننا أثران امليض يف املوضوع‬
‫ملا رأينا من الخطاء املتكررة واملشالك املتشاهبة والفنت اليت تعود مرة بعد أخرى بسبب‬
‫اجلهل بحلقائق املهمة اليت قد كشفها الرسول صىل هللا عليه وسمل وسكت عهنا الكثري‪.‬‬
‫اإن الخطاء الشائعة عند كثري من الناس اذلين يتَكمون عن أحاديث الفنت‬
‫وأرشاط الساعة أهنم يترسعون يف تزنيل النصوص عىل واقعهم املشهود قبل التأكد من‬
‫تطابقها متاما للواقع الفعيل‪ .‬اإن شدة تصديقهم رمبا دفعهتم اترة اإىل تصوير الواقع مبا يشالك‬
‫تصورمه اخلاص للنصوص أو اإىل تفسري النصوص مبا يرونه يف الواقع‪ ،‬وهذه مهنجية‬
‫مغلوطة تظمل الواقع والنصوص معا‪.‬‬
‫اإن أحاديث الرسول صىل هللا عليه وسمل عن الفنت وامللمح وأرشاط الساعة قد‬
‫يراد مهنا مرحةل معينة من اترخي الإسلم الطويل ول تنطبق عىل بيق املراحل‪ .‬نعم كرثت‬
‫الوقائع اليت طابقت ما قاهل الرسول صىل هللا عليه وسمل قبل وقوعها‪ ،‬وذِل معجزة من‬
‫معجزات الرسول صىل هللا عليه وسمل‪ .‬ولكن اإذا فُ ّرست أحاديث الفنت بغري ما أريد لها‬
‫فقد وصفنا الواقع بغري حقيقته‪ ،‬وهذا جناية عىل الواقع وانهتاك حلرمة النصوص يف أن‬
‫واحد‪.‬‬
‫ومن خماطر خط إا فهم تكل الحاديث حسب املسلمني من املشاركة يف الحداث‬
‫يف الظرف اذلي يطلب فيه املسمل اإىل الاندفاع يف معركة البناء أو حماربة الفساد خوفا‬
‫من الفنت‪ ،‬مع أن الواقع اذلي يتحدث فيه الرسول صىل هللا عليه وسمل وأمر فيه‬

‫‪6‬‬
‫املسلمني بلنعزال ليس هو ذِل الواقع اذلي ل يصلح فيه أمر املسلمني اإل بتظافر‬
‫اجلهود عىل البناء والتعاون عىل الرب والتقوى‪ .‬ومك جىن ذِل الفهم اخلاطئ عىل متسك‬
‫وحدة املسلمني وحفظ قوهتم!؟ فقد أدى ذِل الفهم اإىل حسب بعض الناس عن شغل‬
‫دورمه يف تغيري الواقع‪ ،‬فقد ظنوا أن اخملرج الوحيد من الفنت يف لك العصور هو الاعَتال‬
‫والتقوقع والتفرج عىل الواقع املؤمل دون أي شعور بملسؤولية أو مشاركة يف زايدة خري أو‬
‫تقليل رش‪ .‬وهو موقف انجت عن قراءة خالية عن الفقه والفهم‪.‬‬
‫وذِل اإجحام يف موضع الإقدام‪ ،‬ومن نتاجئ سوء الفهم أي ا اإقدام يف موضع‬
‫الإجحام‪ ،‬وذِل بتورط الغرار يف مشاركة كثري من الزمات مبا يزيدها تعقيدا وتفامقا‪،‬‬
‫ويزيد الفنت اش تعال وانتشار‪ ،‬فالفهم الشامل واملعرفة الاكمةل ملعاين النصوص ومقاصدها‬
‫يه اليت تدل مواضع الإقدام وأوقات الإجحام‪.‬‬
‫حيرف النصوص عن مقصدها الصيل وبني فقه‬ ‫وللمتيزي بني احلمك املترسع اذلي ّ‬
‫النصوص اذلي يكشف ماكمن اخلطر ويدل عىل الطريق القوم يف لك املع لت حنتاج‬
‫اإىل أن ن ع لك النصوص املتعلقة بملوضوع يف طاوةل واحدة لرنكّب هبا صورة مكمتةل ‪-‬‬
‫ولو نسبيا‪ -‬ملا قصدته تكل الحاديث‪ .‬فالعامتد عىل نص واحد مث جعلها قالبا اثبتا لتفصيل‬
‫لك الحداث عىل مقاسها معلية مقلوبة بعيدة عىل املهنجية العلمية اليت علمنا اإايها قرأننا‬
‫الكرمي وأرشدان اإل ما ديننا القومي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أهمية جمع الروايات لفهم الحديث‬

‫حَّت نمتكن من اإفادة هذا احلديث لتوصيف الواقع ل بد من مجع رواايت هذا‬
‫احلديث‪ ،‬فاإن الرواية الواحدة للحديث يف كثري من الحيان غري اكفية لفهم معناه وتصور‬
‫مغزاه‪ .‬ومجع الرواايت هو مهنج أمئة احلديث الوائل يوم اكن أهل احلديث أهل للحديث‪.‬‬
‫قال الإمام أمحد‪" :‬احلديث اإذا مل جتمع طرقه مل تفهمه‪ ،‬واحلديث يفرس بع ه بع ا"‪.‬‬
‫وقال حيىي بن معني ‪" :‬لو مل نكتب احلديث من ثلثني وهجا ما عقلناه"‪.‬‬
‫وقال عيل بن املديِن‪" :‬الباب اإذا مل جتمع طرقه مل يتبني خطؤه‪".‬‬
‫واحلقيقة املهمة اليت مل يتطرق اإل ما كثري من املتَكمني لهذا املوضوع أن رواية‬
‫الصحيحني ل تش متل عىل اكمل احلوار اذلي جرى بني الرسول صىل هللا عليه وسمل وبني‬
‫حذيفة‪ ،‬فاإن أجزاء هممة مهنا ذكرت يف املصادر الخرى وإان اكنت أقل حصة حسب‬
‫معايري الش يخني لكهنا أمه من حيث ثقل امل مون وعظم الفائدة‪ .‬فقد ورد يف سنن أيب‬
‫داود والنسايئ ومس ند الإمام أمحد وحصيح ابن حبان ومس تدرك احلامك بأسانيد حصاح أن‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسمل قال حلذيفة قبل أن جييب تكل الإجابت املذكورة‪ " :‬ااي‬
‫اب َّ ه‬
‫اّلل تا اع ااىل‬ ‫اّلل اوات َّ هب ْع اما هفي هه" ويف رواية احلامك‪ " :‬ااي ُح اذيْ اف ُة تا اع َّ ْمل هكتا ا‬
‫اب َّ ه‬
‫ُح اذيْ اف ُة‪ ،‬تا اع َّ ْمل هكتا ا‬
‫نفصلها بعد اإيراد هذه الرواية‪:‬‬ ‫امع ْل هب اما هفي هه"‪ ،‬وكررها مرارا‪ ،‬وهذا هل دلةل عظمية ّ‬ ‫او ْ ا‬
‫قال حذيفة‪ :‬اكن الناس يسألون رسول هللا صىل هللا عليه وسمل عن اخلري‪،‬‬
‫وكنت أسأهل عن الرش كامي أعرفه فأتقيه‪ ،‬وعلمت أن اخلري ل يفوتِن‪ ،‬قلت‪" :‬اي رسول‬
‫هللا هل بعد اخلري من رش؟"‬
‫قال‪" :‬اي حذيفة تعمل كتاب هللا وامعل مبا فيه!"‬
‫فأعدت عليه القول ثلاث‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الخطيب البغدادي ‪ :‬الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع ج ص‬
‫‪8‬‬
‫المصدر السابق‬
‫‪5‬‬
‫مقدمة ابن الصالح ص‪7‬‬
‫‪8‬‬
‫فقال يف الثالثة‪" :‬فتنة واختلف‪".‬‬
‫قلت‪ :‬اي رسول هللا هل بعد ذِل الرش من خري؟‬
‫قال‪" :‬اي حذيفة تعمل كتاب هللا وامعل مبا فيه!" ثلاث‬
‫مث قال يف الثالثة‪" :‬هدنة عىل دخن‪ ،‬وجامعة عىل قذى ف ما‪".‬‬
‫قلت‪" :‬اي رسول هللا هل بعد ذِل اخلري من رش؟‬
‫قال‪" :‬اي حذيفة تعمل كتاب هللا وامعل مبا فيه!" ثلاث‬
‫مث قال يف الثالثة‪" :‬فنت عىل أبواهبا دعاة اإىل النار‪ ،‬فلن متوت وأنت عاض عىل‬
‫جذل خري ِل من أن تتبع أحدا مهنم‪".‬‬
‫ويف هذه الرواية معلومات اإضافية هممة رمغ أهنا كذِل ترتك بعض أجزاء احلوار‬
‫كام سرنى يف رواايت أخرى لحقا‪ ،‬وهذا شأن اجلهد البرشي‪ ،‬ومن أراد احلقيقة اكمةل ل‬
‫حيصل عل ما براحة اجلسم – كام قاهل حيىي بن أيب كثري رمحه هللا‪ -‬بل عليه أن يتكبد عناء‬
‫البحث ومشقة التدقيق والتحقيق‪.‬‬
‫اب َّ ه‬
‫اّلل تا اع ااىل‬ ‫اإن تكرار الرسول صىل هللا عليه وسمل قوهل " ااي ُح اذيْ اف ُة‪ ،‬تا اع َّ ْمل هكتا ا‬
‫امع ْل هب اما هفي هه" يويح بشلك واحض بأن ما يف القرأن ما يكشف عام تساءل عنه حذيفة‬ ‫او ْ ا‬
‫من تصور الوضاع القادمة واحللول يف تكل الزمات املتوقعة‪ .‬وقد تكون من بدهيات‬
‫عقيدة املسمل أن يف القرأن بيان للك ما يعرتيه الإنسان من املشالكت‪ ،‬وذِل لقوهل‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭼ وقوهل‪ :‬ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬

‫‪ 7‬أحرجه النسائي في السنن الكبرى (‪ 4/5‬رقم‪ )4333 :‬الحاكم في المستدرك (‪ 37/ 4‬رقم‪)4884 :‬‬
‫اإل ْسَن ِاد‪َ ،‬ولَ ْم ُي ْخ ِر َجاهُ‪ ".‬وعبد الرحمن بن قرط صحابي من أصحابة الصفة وكان واليا‬
‫يح ِ‬ ‫يث ِ‬
‫صح ُ‬
‫ِ‬
‫وقال‪َ " :‬ه َذا َحد ٌ َ‬
‫على حمص في زمان عمر‪( .‬اإلصابة في معرفة الصحابة‪) 34/ :‬‬
‫‪7‬‬
‫سورة النحل‪44 :‬‬
‫‪9‬‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭼ وقوهل‪:‬‬
‫ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ وقوهل‪:‬‬
‫ﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌ‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕ‬ ‫ﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮖ ﮗﭼ‬
‫ومل يقل الرسول صىل هللا عليه وسمل اإن اجلواب قريب جاهز يف القرأن‪ ،‬ولكنه‬
‫أمر حذيفة بتعمل القرأن حَّت جيد أجوبة عىل تكل التساؤلت‪ .‬نعم مل يذكر القرأن أحداث‬
‫املس تقبل بشلك رصحي‪ ،‬ولكن القرأن يكون عقلية قادرة عىل التعامل مع الحداث‬
‫الصعبة‪ ،‬ونفس ية مس تعصية عىل ضغوط الزمات‪ .‬والقرأن ل يعطي شيئا واحدا يريض‬
‫ف ول الاس تطلع لغيوب املس تقبل‪ ،‬ولكنه يعدّ اإنساان واعيا انجضا رزينا يس تعد ملواهجة‬
‫التحدايت‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫سورة يوسف‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫سورة اإلسراء‪4 :‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة المائدة‪7 - 5 :‬‬
‫‪11‬‬
‫معطيات القرآن في معالجة مشكالت الواقع‬

‫اإن للقرأن الكرمي معطيات هممة حيال مشالكت الواقع‪ ،‬تمتثل يف مخس ُح ازم من‬
‫الهدي الإلهيي القومي‪ ،‬لك حزمة حتتاج لتفصيلها اإىل كتاب مس تقل ولكن نوردها بإجياز‬
‫شديد اكلتايل‪:‬‬
‫( ) فهم سنن احلياة‪ ،‬اإن القرأن الكرمي يبني طبيعة احلياة كيف تسري‪ ،‬وعىل أي‬
‫منط يتكون املشهد القادم‪ .‬اإن هناك مجموعة هممة من القوانني الثابتة حتمك جمرايت المور‬
‫يف لك العصور‪ .‬اإن استيعاب هذه القوانني أو ما يسمى يف املصطلح القرأين بـ"س نة هللا"‬
‫جيعل الإنسان واعيا بلك ما حيدث عىل وجه البس يطة‪ ،‬ويعرف أن الايم يداولها هللا بني‬
‫الناس‪ ،‬وأن عاقبة المور دامئا ملعسكر اخلري ‪ -‬وإان اكن للرش جوةل مدة من الزمن‪ ،‬وأن‬
‫تغري الوضاع العامة يبدأ من تغري النفوس‪ ،‬وهكذا فاإن السنن املقررة املبثوثة يف القرأن‬
‫تعطي ل إلنسان تصورا واحضا ملا حوهل من الحداث وملا س يأيت من التغريات‪.‬‬
‫( ) تكوين عقلية علمية واعية للواقع‪ ،‬اإن القرأن الكرمي يريب املسمل عىل منط‬
‫التفكري العلمي ادلقيق‪ ،‬فاإنه أمره بأل يتقبل أي خرب اورد بدون التأكد والتحقق‪ ،‬وأن ل‬
‫يقبل رأاي بدون برهان‪ ،‬وحيث القرأن دامئا عىل السري يف الرض لكتساب معلومات‬
‫ميدانية مفيدة‪ ،‬ول يرتك الإنسان يتقوقع يف ذهنية منغلقة قابعة عىل قناعات جامدة‪ .‬هذه‬
‫تكوهنا‬
‫يه العقلية اليت يريدها القرأن‪ ،‬وسرنى كيف أن التخيل عن هذه العقلية وعدم ّ‬
‫دلى رشحية كبرية من املسلمني اكن وراء سبب لك الفنت اليت عصفت حبياة املسلمني‬
‫قدميا وحديثا‪ .‬كام أن القرأن أي ا يعمل نسبية احلقائق الاجامتعية‪ ،‬حبيث ل جير الإنسان‬
‫يف احلمك العام اذلي ل يس تثِن أحدا‪ ،‬فاإن الق ااي الاجامتعية ل ختلو من الاس تثناءات‬
‫اليت يكون التغايض عهنا ظلام لشخاص كثريين‪.‬‬
‫( ) هتذيب النفوس من رعوانهتا‪ ،‬فاإن لك مصائب العامل ومشاُكه جاء اإما من‬
‫قبل فساد العقل أو رعونة النفس‪ .‬اإن القرأن الكرمي رفع الإنسان من ضغط الغرائز‬
‫احليوانية اإىل التحليق الرويح اذلي جينبه الرصاع عىل حظوظ النفس ال يقة‪ ،‬يرتفع‬

‫‪11‬‬
‫الإنسان القرأين عن التورط يف سفاسف املسائل‪ ،‬وحَّت اإذا اضطر اإىل خوض معركة‬
‫ترصف بأخلقية عالية جتعل من املعركة مرسحا للسمو الإنساين ل مرتعا للزناع‬ ‫مفروضة ّ‬
‫احليواين‪ ،‬وهو بطبيعته خيترص طريق اخللص وجينب الوقوع يف دوامة التناطح عىل‬
‫املصاحل‪.‬‬
‫( ) اكتساب سلوكيات مطلوبة حيال الزمات‪ ،‬ومن أمه ما جاء به القرأن هو‬
‫تربية الناس عىل سلوكيات انجضة وأخلقيات راقية جتنب الناس من ارتاكب حامقات‬
‫توقعهم يف معارك مه يف غىن عهنا‪ّ .‬عمل القرأن الإنسان حتري اللفاظ املهذبة لئل يساء‬
‫فهمها وتؤدي اإىل عداوات جراء سوء تفامه‪ ،‬وعلمنا الصفح والعفو لئل تطول املشالك‬
‫بسلسةل من الانتقام واحلقد املتنايم‪ ،‬وقد اكن أكرث الفنت اليت وقعت يف اترخينا الطويل مل‬
‫خي ُل من خط إا الترصف من هذا النوع‪ ،‬لو مل يكن هناك سوء تفامه بني الصحابة مل يتطور‬
‫اخللف اإىل التحارب‪ ،‬وإاذا اكن لش يعة عيل ُكهم أخلق السامحة والصفح اليت‬
‫اتسمت هبا أل البيت مل يكونوا وقودا للفنت اليت جاءت بعد ذِل‪ .‬وإان اكنت وراء تكل‬
‫الفنت أطراف خارجية أشعلهتا وجاهدت من أجل بقاءها مش تعةل‪ ،‬ولكن اإذا اكن الوقود مل‬
‫يقبل الاحرتاق مل يكن ملشعيل الفنت أي منفذ‪ .‬ولكن قدر هللا وما شاء فعل‪ ،‬حلمكة‬
‫أرادها هللا‪ ،‬وهللا يف لك ما قىض حكمي علمي‪.‬‬
‫( ) ومن أمه ما يعطيه القرأن ل إلنسان يف حياته‪ :‬معرفة البوصةل الثابتة وسط‬
‫العواصف‪ .‬اإن القرأن يقدم ل إلنسان "فلسفة احلياة املس تقمية"‪ ،‬فهام للحياة خيتلف عام‬
‫يفهمه أكرث البرش اذلين ل يعرفون اإل ظاهرا من احلياة ادلنيا‪ .‬اإن القرأن الكرمي نزل مواكبا‬
‫للحداث الصعبة اليت عاشها رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬فاكنت توج مات القرأن‬
‫دامئا تشري اإىل الوهجة املطلوبة والرؤية الثابتة اليت ينبغي أن يتجه اإل ما الرسول صىل هللا‬
‫عليه وسمل‪ ،‬ولك هذا رصيد همم من املفاهمي والتصورات واملبادئ والتوج مات اليت‬
‫يسَتيد هبا املؤمن يف ظل ظروفه القاس ية والفنت احلالكة‪.‬‬

‫أقصد تلك الطوائف التي ادعت المناصرة ألهل البيت‪ ،‬أما من كان مع علي رضي اهلل عنه من الصحابة‬
‫والتابعين له بإحسان فقد تصافحوا وتصالحوا وأخمدوا الفتن في آخر المطاف‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫هذه يه أمه ما يس متده الإنسان من معني القرأن الفائر بلنور والهدى واجللء‬
‫والروح والقوة‪ ،‬فهو حبل هللا املتني وذكره احلكمي وهو الرصاط املس تقمي‪ ،‬فيه أنباء املايض‬
‫وأحاكم احلارض وأخبار املس تقبل‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ضرورة الرجوع إلى القرآن‬

‫توقع الناس غالبا أن تكون أجوبة الرسول صىل هللا عليه وسمل أجوبة هنائية‪،‬‬
‫وأن القارئ لحاديث الرسول عليه الصلة والسلم ل حيتاج اإىل حبث وبذل هجد علمي‬
‫بعدها‪ .‬وجلأ الناس اإىل فهم حريف للحاديث‪ ،‬وليهتم قرؤوا الحاديث بلك طرقها‬
‫ورواايهتا‪ ،‬فاملؤسف أن أكرثمه اكتفوا برواية واحدة ويعتقدون أهنا تش متل عىل لك‬
‫احلقائق‪.‬‬
‫وقد تبني من خلل مجع الرواايت أن الرسول صىل هللا عليه وسمل حث حذيفة‬
‫عىل دراسة القرأن لكتشاف تكل الس ئةل اخلطرية‪ .‬وقد أكد هذا رواايت عدة عن رسول‬
‫لين‪ ،‬اع ْن ُم اعا هذ‬ ‫هللا صىل هللا عليه وسمل مرفوعا كام روى الطرباين اع ْن َأ هيب اد هْر ايس الْخ ْاو ه ه ّ‬
‫ِ‬ ‫بن اجبا ٍل‪ ،‬قاا ال‪ :‬اذ اك ار ار ُس ُ‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل ي ا ْوما الْ هف ا انت فا اع َّظ امهاا او اش َّد ادهاا‪،‬‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫ول َّ ه‬
‫اّلل‪ ،‬فا اما الْ امخْ ار ُج همهناا؟‬ ‫فاقاا ال عا ه ُّيل بن َأ هيب اطا هل ٍب‪ :‬ااي ار ُسو ال َّ ه‬
‫يث اما قا ْبلا ُ ْمك‪ ،‬اون ا ابأُ اما ب ا ْعدا ُ ْمك‪ ،‬اوفا ْص ُل اما ب ا ْينا ُ ْمك‪ ،‬ام ْن تا ار اك ُه‬ ‫اّلل‪ ،‬هفي هه اح هد ُ‬ ‫اب َّ ه‬ ‫فاقاا ال‪ ":‬هك ات ُ‬
‫اّلل الْ ام هت ُني‪ ،‬اوا َّذل ْك ُر‬‫اّلل‪ ،‬ه اُو اح ْب ُل َّ ه‬ ‫اّلل‪ ،‬او ام ْن تاتابَّ اع الْهُدا ى هيف غا ْ هري هه أَضا َّ ُهل َّ ُ‬ ‫هم ْن اجبَّ ٍار قا اص ام ُه َّ ُ‬
‫الرص ُاط الْ ُم ْس تا هق ُمي‪ ،‬ه اُو َّ هاذلي لا َّما ا هَس اع ْت ُه الْجه ُّن‪ ،‬قاالا ْت‪{ :‬اانَّ ا هَس ْعناا قُ ْرأان ا اعبا} ‪،‬‬ ‫الْ اح هك ُمي‪ ،‬او ه ّ ا‬
‫ِ‬
‫ه اُو َّ هاذلي ل ا ْختتا هل ُف هب هه ا َللْ ُس ُن‪ ،‬اول ُ ْخت هل ُق ُه اك ْ ارث ُة َّالر ه ّد"‪.‬‬
‫والرجوع اإىل القرأن يف اإجياد أجوبة عىل أس ئةل الواقع اكن هو السلوك السائد يف‬
‫صدر الإسلم‪ ،‬واكن الصحابة ريض هللا عنه يبدؤون بلرجوع اإىل القرأن يف لك مسأةل‬
‫يكونون أراءمه بعد‬ ‫عرضت عل مم‪ ،‬مث يلجؤون اإىل الس نة بعد اس تقراهئم للقرأن‪ ،‬مث ّ‬
‫مراجعهتم لهذين الصلني‪.‬‬

‫سورة الجن‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫أخرجه الطبراني في المعجم الكبير‪ 84 / 3( :‬رقم‪ ) 7547 :‬بسند صحيح إال عمرو بن واقد فهو متروك‬
‫)‪ .‬وأخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية (‪ .) 53/5‬وهذا أصح الطرق‬ ‫(مجمع الزوائد‪ 78/7 :‬رقم‪754 :‬‬
‫للحديث مع العلم أن أكثر الرواة أخرجوه عن طريق حارث األعور وهو طريق معضل‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫وهذا هو طريق اإجياد احلل المثل يف فض منازعات املسلمني‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ‬
‫ﰐﰑﰒﰓ ﭼ‬
‫ومن مقت يات العقيدة ا إلسلمية أن ل يتقدم املسمل اإىل ءيء اإل بعد "ضوء‬
‫أخرض" من القرأن وس نة رسوهل‪ ،‬قال تعاىل ‪ { :‬ااي َأهيُّ اا َّ هاذل اين أ امنُوا ال تُقا ّهد ُموا ب ا ْ اني يادا هي‬
‫اّلل ا هَسيع عا هلمي} أي ‪ -‬كام قال ابن القمي‪ -‬ل تقولوا حَّت يقول‬ ‫اّلل او ار ُس ه ه‬
‫وهل اوات َّ ُقوا َّ ا‬
‫اّلل ا َّن َّ ا‬ ‫َّ ه‬
‫ِ‬
‫‪ ،‬ول تأمروا حَّت يأمر ‪ ،‬ول تفتوا حَّت يفيت ‪ ،‬ول تقطعوا أمرا حَّت يكون هو اذلي‬
‫حيمك فيه ومي يه‪.‬‬
‫وظل املسلمون الوائل يلَتمون هبذه املهنجية‪ ،‬حَّت ضعف التعلق بلقرأن يف‬
‫اجليل التايل‪ ،‬وق ّل العلامء بكتاب هللا‪ ،‬وأجحم الناس عن الغوص يف معاين كتاب هللا‪،‬‬
‫فلجأ الناس اإىل ما هو أسهل منه وهو ظاهر الس نة املروية عن النيب صىل هللا عليه‬
‫يقرصوا يف تعمل القرأن‬ ‫قلت ظاهر الس نة لنه اإذا معلوا بلس نة اكمةل‪ ،‬مل ّ‬ ‫وسمل‪ .‬وإامنا ُ‬
‫وتزنيهل يف واقعهم‪ ،‬ولكهنم اكتفوا بدللةل الظاهرة للس نة وأمهلوا ادلللت العميقة مهنا‪،‬‬
‫ولكن الوضع العام مل يزل خبري ما دام الناس اهمتوا بس نة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪،‬‬
‫ولو وقفوا عند حدود الظاهر مهنا‪ .‬مث تدهور الوضع أكرث حني ضعف العمل بلس نة‪،‬‬
‫واس تصعب الناس استيعاهبا والرجوع اإل ما‪ ،‬فاكتفوا بلرأي اجملرد عن الويح‪ ،‬فكرث‬
‫اخللف وقلّت القناعات اجلامعة للناس وضاقت املساحة املشرتكة يف مقابل اتساع‬
‫مساحة اخللف‪ ،‬فهناِل معت احلرية عقول الناس‪ ،‬وغلب احلشو عىل اللب‪،‬‬
‫واس تحمكت الفنت‪ ،‬فمل يبق للمسمل منجاة حينئذ اإل بلمتسك بأدىن قدر مما يعرف من‬
‫أصول ادلين املتبقية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫سورة النساء‪54 :‬‬
‫‪5‬‬
‫سورة الحجرات‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫إعالم الموقعين‪77/ :‬‬
‫‪15‬‬
‫عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪ « :‬تعمل هذه المة‬
‫برهة بكتاب هللا ‪ ،‬مث تعمل برهة بس نة رسول هللا ‪ ،‬مث تعمل بلرأي ‪ ،‬فاإذا معلوا بلرأي‬
‫فقد ضلوا وأضلوا »‬
‫واستنطاق القرأن حيتاج اإىل علوم تساعد عىل اكتشاف دللته الظاهرة‬
‫والاكمنة‪ ،‬فاإن حمتوى القرأن هل أربعة مس توايت‪ ،‬كام روى الطرباين عن ابن عباس ‪،‬‬
‫ريض هللا عنه قال‪ُ « :‬أنزل القرأن عىل أربعة وجوه‪ :‬فوجه حلل وحرام ول يسع أحدا‬
‫هجالته‪ ،‬ووجه تعرفه العرب‪ ،‬ووجه تأويل يعلمه العلامء‪ ،‬ووجه تأويل ل يعلمه اإل هللا عز‬
‫وجل‪ ،‬من انتحل منه علام فقد كذب»‪.‬‬
‫واكن معر بن اخلطاب ريض هللا عنه يعرف خطورة انتقال تكل املرحةل اليت اكن‬
‫املسلمون ل يشغلهم ف ما كتاب غري كتاب هللا‪ .‬فمل يرد أن يفتح الباب يف زمانه‪ ،‬مع أن‬
‫كتابة الس نة مفيدة‪ ،‬لكن مل يزل الناس يف عهده يعرفون الس نة معليا ويرووهنا شفواي‪.‬‬
‫واكنت هناك هجود فردية لتدوين الس نة وحفظها يف الكتب‪ ،‬ولكن مل تدع احلاجة اإىل‬
‫تعبئة المة لهذا المر‪.‬‬
‫أخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة أن معر بن اخلطاب أراد أن‬
‫يكتب السنن‪ ،‬فاستشار أحصاب رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يف ذِل ‪ ،‬فأشاروا‬
‫عليه أن يكتهبا ‪ ،‬فطفق يس تخري هللا ف ما شهرا‪ ،‬مث أصبح يوما وقد عزم هللا هل‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫رقم‪ )57 3 :‬والخطيب‬ ‫‪/‬‬ ‫أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي وأبو يعلى الموصلي (‬
‫البغدادي في الفقيه والمتفقه ( ‪ 5/‬رقم‪ )875 :‬وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (‪ 335/3‬رقم‪:‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪44‬‬
‫‪4‬‬
‫رواه الطبراني في مسند الشاميين وابن جرير وأبو نصر السجزى عن ابن عباس مرفوعا وقال ابن جرير ‪:‬‬
‫في إسناده نظر‪ .‬ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن االنباري في الوقف موقوفا على ابن عباس ( انظر جامع‬
‫‪ ،54‬كنز العمال رقم‪)3347 :‬‬ ‫األحاديث للسيوطي‪ 78/7 :‬رقم‪:‬‬
‫‪16‬‬
‫"اإين كنت أريد أن أكتب السنن‪ ،‬وإاين ذكرت قوما اكنوا قبلمك كتبوا كتبا‪ ،‬فأكبوا عل ما‬
‫وتركوا كتاب هللا‪ ،‬وإاين وهللا ل ألبس كتاب هللا بشئ أبدا‪".‬‬
‫وليس معىن ذِل أن الناس ليسوا حباجة اإىل الس نة‪ ،‬وأنه جيب الاس تغناء‬
‫بلقرأن فقط‪ ،‬مل يكن هذا هو مهنج معر ول غريه من الصحابة‪ ،‬بل أراد معر بن اخلطاب‬
‫أن يتيح للناس فرصة أكرب للتعمق يف القرأن‪ ،‬ليكون فهمهم للس نة مبنيا عىل تش بعهم‬
‫رش ْحيا عا اىل‬ ‫اّلل اع ْن ُه ُ ا‬ ‫ِض َّ ُ‬ ‫الش ْع ه ه ّب قاا ال ‪ :‬لا َّما ب ا اع اث ُ امع ُر ْب ُن الْخ َّاط هاب ار ه ا‬
‫بروح القرأن‪ .‬اع هن َّ‬
‫اّلل‪ ،‬فا ال ت ا ْسأَلا َّن اع ْن ُه أَ احدا‪ ،‬او اما لا ْم ياتابا َّ ْني‬ ‫قا ا ا هء ْال ُكوفا هة قاا ال‪ :‬ان ُْظ ْر اما تا اب َّ اني ا اِل هِف هك ات هاب َّ ه‬
‫الس نَّ هة فا ْاجهتا ه دْ هفي هه ار ْأي ا اك‪.‬‬ ‫اّلل فاات َّ هب ْع هفي هه ُّ‬
‫الس نَّ اة‪ ،‬او اما لا ْم ياتابا َّ ْني ا اِل هِف ُّ‬ ‫ا اِل هِف هك ات هاب َّ ه‬
‫هكذا ّعمل معر مهنجية الفكر الإسليم‪ ،‬جيب البدء بلقرأن مث بلس نة مث اللجوء‬
‫اإىل الرأي بعد التش بع بلقرأن والس نة‪.‬‬
‫وقد أنكر الصحابة جدا عىل دعوى الاس تغناء بلقرأن فقط دون س نة رسول‬
‫هللا عليه وسمل‪ ،‬كام ورد عن معران بن حصني ريض هللا عنه‪ :‬أهنم تذاكروا عنده‬
‫الحاديث عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬فقال رجل عند معران بن حصني ‪:‬‬
‫"دعوان من احلديث ‪ ،‬وهاتوا كتاب هللا تعاىل‪ ".‬فقال معران بن حصني ‪ « :‬اإنك لمحق‪،‬‬
‫أجتد يف كتاب هللا الصلة مفرسة؟ يف كتاب هللا الصيام مفرسا؟ الكتاب أحمكه والس نة‬
‫فرسته »‬
‫واملقصود أنه جيب الرجوع اإىل القرأن والس نة معا‪ ،‬ول جيوز الفصل بيهنام‪ ،‬اإن‬
‫المتسك بلس نة دون الرجوع اإىل القرأن "تسطيح" لْلين وإابعاد عن روحه‪ ،‬والاكتفاء‬
‫بلقرأن دون الس نة برت لْلين وجتريد عن تفاصيهل املهمة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ 54/‬رقم‪ ) 3848 :‬والخطيب البغدادي في تقييد العلم ص‪،43-77‬‬ ‫أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (‬
‫وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله رقم‪ ، 55 :‬وابن سعد (‪.) 47/3‬‬
‫‪3‬‬
‫أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (‪)344/ 3‬‬
‫مسند عبد اهلل بن مبارك ( ‪ 34/‬رقم‪ ،) 38 :‬الفقيه والمتفقه ( ‪ 7 /‬رقم‪ ،) 3 :‬جامع بيان العلم‬
‫‪ ،) 8‬اإلبانة الكبرى البن بطة ( ‪ 73/‬رقم‪)74 :‬‬ ‫وفضله (‪ 4/8‬رقم‪:‬‬
‫‪17‬‬
‫ما هو "الشر" بعد عهد النبوة؟‬

‫ذِل ما يتعلق بلقرأن وكيف أن رسول هللا صىل هللا وسمل أمر حذيفة بتعمل‬
‫القرأن ملعرفة التحدايت املس تقبلية‪ .‬وملا أرص حذيفة ريض هللا عنه عىل السؤال قال النيب‬
‫صىل هللا عليه وسمل‪ :‬نعم‪ .‬مل تذكر رواية الصحيحني ما هو الرش اذلي بعد خري عهد‬
‫النبوة‪ ،‬ولكن جاء يف رواية احلامك والطرباين يف الوسط ّبني الرسول أنه "فتنة واختلف"‬
‫ويف رواية أمحد وأبو داود والنسايئ‪" :‬فتنة ورش"‪.‬‬
‫وقوهل "فتنة واختلف" أو "فتنة ورش" يدل عىل أن منشأ ذِل الرش هو‬
‫اختلف الناس وتنازعهم وعدم قدرهتم عىل جتاوز سوء التفامه بيهنم‪ ،‬فنشأ من ذِل فتنة‬
‫تُوقع الناس يف التقاتل والتعارك‪.‬‬
‫وقال العلمة الطييب رمحه هللا تعاىل‪ :‬اإن املراد بلرش‪ :‬الفتنة وو اهن عرى‬
‫الإسلم واستيلء ال لةل وفشو البدعة‪ .‬وهو يف احلقيقة رش حمدود‪ ،‬لن اخلري اذلي‬
‫تركه عهد النبوة مل يزل تأثريه قواي يف الناس‪ ،‬ومل يزل ادلين الإسليم هو املهمين عىل‬
‫احلياة العامة‪ ،‬ذلِل رأى الطييب أن املقصود بلرش هنا "حدوث بعض رش" وليس‬
‫الرش املطلق‪.‬‬

‫اإلمام المشهور الحسن بن محمد بن عبد اهلل الطيبي‪ ،‬شارح الكشاف‪ ،‬العالمة في المعقول والعربية‬
‫والمعاني والبيان‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن‪ ،‬مقبال على نشر العلم‪،‬‬
‫متواضعا حسن المعتقد‪ ،‬شديد الرد على الفالسفة‪ ،‬مظه ار فضائحهم مع استيالئهم حينئذ‪ ،‬شيديد الحب هلل‬
‫ورسوله‪ ،‬كثير الحياء‪ ،‬مالزما الشغال الطلبة في العلوم اإلسالمية بغير طمع‪ ،‬بل يجديهم ويعينهم ويعير‬
‫الكتب النفيسة ألهل بلده وغيرهم من يعرف ومن ال يعرف‪ ،‬محبا لمن عرف منه تعظيم الشريعة‪ ،‬وكان ذا ثروة‬
‫من اإلرث والتجارة‪ ،‬فلم يزل ينفقها في وجوه الخيرات حتى صار في آخر عمره فقيرا‪ ،‬صنف شرح الكشاف‬
‫والتفسير‪ ،‬والتبيان في المعاني والبيان‪ ،‬وشرحه وشرح المشكاة‪ ،‬وكان يشغل في التفسير من بكرة إلى الظهر‬
‫ومن ثم إلى العصر في الحديث إلى يوم مات يوم الثالثاء ‪ 3‬شعبان سنة ‪783‬هـ (شذرات الذهب ‪- 37/3‬‬
‫‪) 34‬‬
‫‪3‬‬
‫مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪334/ 5 :‬‬
‫‪8‬‬
‫المصدر السابق‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫وقد ذهب احلافظ ابن جحر اإىل التحديد أكرث فقال‪" :‬واملراد بلرش ما يقع من‬
‫الفنت من بعد قتل عامثن وهمل جرا‪ ،‬أو ما يرتتب عىل ذِل من عقوبت الخرة‪".‬‬
‫ومعىن ذِل أن هذه الفتنة وهذا "الرش" وقع يف فرتة القرون املف ةل اليت قال‬
‫عهنا النيب صىل هللا عليه وسمل أهنا خري القرون‪ ،‬كام يف احلديث املتفق عليه‪" :‬قاا ال خ ْ ُاري‬
‫النَّ هاس قا ْر هين ُ َّمث َّ هاذل اين يالُوهنا ُ ْم ُ َّمث َّ هاذل اين يالُوهنا ُ ْم‪ ".‬فكيف نصف ذِل الزمن بلرش مع كونه‬
‫خري القرون؟‬
‫واجلواب أن الرش والفتنة اليت وقعت بني الصحابة اإمنا يه حاةل طارئة مل تدم‬
‫طويةل‪ ،‬أما اخلريية فهيي صفة اثبتة هلم وغالبة يف حقهم‪ ،‬ويؤكد ذِل عودة اخلري بعد ذِل‬
‫الرش‪ .‬أضف اإىل ذِل ما س بق نقهل عن الطييب أن املراد بلرش هو "حدوث بعض‬
‫رش"‪ ،‬والفتنة س نة اإلهية ل يسمل مهنا برش‪ ،‬وكام قال تعاىل يف حادثة الإفك‪ { :‬ال ا ْحت اس ُبو ُه‬
‫رشا لا ُ ْمك ب ا ْل ه اُو خ ْاري لا ُ ْمك} ‪ ،‬فلك فتنة حدثت يف املؤمنني اإمنا هو اختبار لإمياهنم وصدقهم‬ ‫ا ًّ‬
‫وثباهتم‪ ،‬فيجازي هللا احملس نني واملس يئني‪ ،‬لك حسب أعامهل ومواقفه‪ ،‬ويتوب هللا عىل‬
‫ون}‬ ‫من اتب‪ .‬ولك اإىل هللا راجع‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬اون ا ْبلُو ُ ْمك هب َّ ّ ه‬
‫لرش اوالْخ ْ هاري هف ْتناة اوالا ْيناا تُ ْر اج ُع ا‬
‫ِ‬

‫‪5‬‬
‫فتح الباري‪ 44/ 3 :‬رقم‪7557 :‬‬
‫‪7‬‬
‫سورة النور‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫سورة األنبياء‪35 :‬‬
‫‪19‬‬
‫الكالم عن الفتنة بما ال ينتج فتنة أخرى‬

‫لكن املأساة العظم ليست يه ما حدث بني الصحابة‪ ،‬لهنم قد أف وا اإىل ما‬
‫معلوا‪ ،‬وما علينا من حساهبم من ءيء‪ ،‬وما من حسابنا عل مم من ءيء‪ .‬وقد تصاحلوا‬
‫عام امجلاعة يف خلفة احلسن بن عيل ريض هللا عنه وعن أبيه وأمه‪ ،‬وصىل هللا وسمل‬
‫عىل جده املصطفى أعظم الصلة وأمت التسلمي‪ .‬اإن الاكرثة احلقيقية أن يكون هناك من‬
‫جيرت تكل املأيس ويعيدها أعظم مما اكنت‪ ،‬ويوسع دائرهتا أوسع من جحمها احلقيقي‪ .‬وهؤلء‬ ‫ّ‬
‫اإما مغرض انمق ل إلسلم وأههل وإاما جاهل مغفّل اتبع لك انعق‪ .‬أما عقلء املسلمني‬
‫فعرفوا أن الفتنة ل تعاجل بفتنة أخرى‪ ،‬وأن املشالك اإذا انهتت ومخدت ل جيوز تكرارها‬
‫ونبشها والتبايك عل ما‪ ،‬فاحلياة جيب أن تس متر‪ ،‬والمة عل ما أن تواصل املسرية اإىل المام‪،‬‬
‫وعل ما من الواجبات واملهامت ما يشغلها عن ربط وجودها بتكل الاكرثة التارخيية اليت قد‬
‫ولّت‪.‬‬
‫وقد س ئل ابن املبارك عن الفتنة اليت وقعت بني عيل ومعاوية ‪ -‬ريض هللا عن‬
‫مجيع حصابة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ‪ -‬فقال‪« :‬فتنة عصم هللا مهنا س يوفنا فلْنا ه‬
‫عص ْم‬
‫مهنا ألس نتانا»‪.‬‬
‫وس ئل احلسن البرصي عن قتاهلم فقال‪« :‬قتال شهده أحصاب محمد ‪ -‬صىل هللا‬
‫عليه وأهل وسمل ‪ -‬و هغ ْبناا‪ ،‬وعلموا وهجلنا‪ ،‬واجمتعوا فات َّ اب ْعنا‪ ،‬واختلفوا فوقا ْفنا»‪.‬‬
‫وهذا معر بن عبد العزيز الإمام الراشد‪ ،‬اإمام الهدى‪ ،‬ملا س ئل عن الفتنة اليت‬
‫فمل ل نزنه‬‫دارت بني عيل ومعاوية ريض هللا عهنام قال‪" :‬فتنة جنى هللا تعاىل مهنا س يوفنا‪ ،‬ه ا‬
‫عهنا ألس نتنا؟!"‬
‫وقد اتفق أهل الس نة وامجلاعة – وهو موقف الش يعة أي ا‪ -‬عىل أن عيل بن أيب‬
‫طالب اكن عىل حق‪ ،‬واكن معاوية خمطئا‪ ،‬ويكفي ذِل القدر من اتفاق املسلمني بعد أن‬

‫‪4‬‬
‫‪ )3‬في تفسير سورة الحجرات‪.‬‬ ‫الجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪/ 7‬‬
‫‪4‬‬
‫شرح اإلبانة في أصول الديانة‪ ،‬أبو األشبال حسن الزهيري آل مندوه‪. 4/ 3 ،‬‬
‫‪21‬‬
‫ننجر بعد ذِل وراء زائغي القلوب اذلين ما يزالون يتخذون‬ ‫وضعت احلرب أوزارها‪ ،‬ول ّ‬
‫تكل الحداث ب اعة رخيصة يعكرون هبا حياة املسلمني‪ ،‬ويشتتون هبا وحدهتم‪،‬‬
‫ويرصفون هبا عن الهداف الكربى اليت جاء هبا الإسلم لإسعاد البرشية وإاخراج العامل‬
‫من الظلامت اإىل النور‪.‬‬
‫وإان اكن للمسأةل بقية مفا علينا غري الاس تفادة من ادلروس التارخيية املهمة‬
‫لنكتسب مهنا الن ج الس يايس والوعي التارخيي‪ ،‬فالرشور لها أس باب ولتنام ما طرق‬
‫وجتليات‪ ،‬فالكياسة املطلوبة ليست يف اجرتارها و"تطوير" تداعياهتا‪ ،‬وشن جهوم عىل‬
‫اإخوان لنا مسلمني ليس هلم يف الق ية انقة ول مجل‪ ،‬بل املطلوب معرفة أس باهبا وطرق‬
‫تقليصها والنجاة مهنا‪.‬‬
‫قد اكتسبنا درسا هم ّما أن أعداء الإسلم لن يتوقفوا حَّت يف وقت اكن املسلمون‬
‫يف أوج قوهتم ووحدهتم‪ ،‬اإذا مل يقدر العداء عىل حماربة علنية فاإهنم مل يتوانوا يف بذل‬
‫اجلهود اجلبارة يف اإضعاف املسلمني بزرع املندسني يفرقون صف املسلمني ويشككون يف‬
‫مصداقية أمئهتم‪ ،‬ويزعزعون اس تقرارمه وهيددون أمهنم‪.‬‬
‫واكتسبنا درسا همام أي ا أن الغوغائيني وإان اكنوا يف البداية قةل يتاكثرون مع قةل‬
‫وعي الناس اذلين مل يرخس الإميان يف قلوهبم‪ ،‬وأن امحلاسة الزائدة اخلالية عن الوعي والعمل‬
‫الرصني يه املادة الرسيعة الاش تعال‪ ،‬تنترش الفنت بسبهبا‪.‬‬
‫ولكن ادلرس المه للمسلمني من هذا الرصاع بني الصحابة هو أن ليس لك‬
‫خلف بني طرفني يس تلزم أن يكون أحدهام عىل الباطل الخر عىل احلق بشلك قاطع‪،‬‬
‫قد يكون سبب اخللف هو سوء التفامه بني الطرفني ل أكرث ول أقل‪ ،‬والك الطرفني‬
‫يريد احلق‪ ،‬وإان التبس وجه احلق عىل أحدهام‪.‬‬
‫ول يصح يف هذه املسأةل بذلات اهتام معاوية بلنفاق وأن لك من معه منافقون‪.‬‬
‫حصيح أن احلق اكن مع الإمام عيل ريض هللا عنه وكرم هللا وهجه‪ ،‬ولكن الطرف الخر‬
‫ليس بلرضوري عىل الباطل الرصف‪ ،‬فاإن معهم أس باب ظنوها مرشوعة‪ .‬اإن معسكر‬
‫معاوية وعيل ُكهم داخل معسكر الإسلم والإميان‪ ،‬وقد جاهدوا يف سبيل هللا وقاتلوا‬
‫قوى الكفر يف الرشق والغرب قبل وبعد تكل الفتنة‪ .‬واذلي حصل هو تفكّك الصف‬
‫‪21‬‬
‫الإسليم ادلاخيل بسبب أطراف مشاغبة تعكّر اجلو ومتنع التوصل اإىل موقف مشرتك‪.‬‬
‫وقد يتكرر مثل هذه الحداث داخل الصف الإسليم‪ ،‬فاإن الش يطان لن يتوقف عن‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‪" :‬ا ّن َّ‬
‫الش ْي اط اان قادْ أَ هي اس‬ ‫اإفساد العلقة بني املؤمنني‪ .‬كام قال النَّ ه ّيب اص َّىل َّ ُ‬
‫ِ‬
‫ون هيف اج هز اير هة الْ اع ار هب اولا هك ْن هيف التَّ ْح هر هيش بايْهنا ُ ْم‪".‬‬
‫َأ ْن ي ا ْع ُبدا ُه الْ ُم اصل ُّ ا‬
‫وهمام تكن من الحداث املؤسفة اإل أن حتكمي العقل واعامتد احلمكة مل يرخص‬
‫لحد أن يزيد تكل النار اش تعال ول أن يكرس لهذه الفتنة اس مترارا‪ ،‬وإايقاف الفتنة بعد‬
‫حدوهثا بقرون أسهل من مواهجهتا حني وقوعها‪ ،‬مفن قةل العقل أن يبقى بعض املسلمني‬
‫يرددون هذه املأساة يف لك مناس بة ويعيدوهنا اإىل الوجود بعد أن طويت صفحهتا‪ ،‬فعندان‬
‫للبطالني أن يشغلوا‬ ‫من املشالك الواقعية ما يغطي لك أوقاتنا ويس تدعي لك طاقاتنا‪ ،‬مفا ّ‬
‫الناس ببطالهتم وقةل وع مم؟!!‬
‫اإن مسرية المة الإسلمية مل تتوقف بعد تكل الحداث املؤملة‪ ،‬قد واصل‬
‫املسلمون طريقهم لنرش الإسلم وخدمة ادلين وتطوير احلياة الإنسانية‪ .‬واحلكامء والعلامء‬
‫من املسلمني قدموا للعامل رقيا ح اراي فاق لك من س بقهم من ساكن الرض‪ .‬مل يتوقف‬
‫املد الإسليم رشقا وغرب بعد تكل الفتنة العابرة‪ ،‬وقد عاد املسلمون اإىل مواقع اجلهاد بعد‬
‫أن تصاحلوا‪ ،‬نعم مل يكن الوضع عىل اخلري التام اذلي تركه النيب صىل هللا عليه وسمل‪،‬‬
‫وقد شابه شوائب احلقد واجلهل والهوى‪ ،‬ولكن اخمللصني مل يتأثروا‪ ،‬ومه كرث‪ ،‬واجملاهدون‬
‫مل يتوقفوا‪ ،‬ومه الصل‪ .‬وبقي الإسلم دينا ظاهرا عىل لك الداين ولو كره املرشكون‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ 8 8/ 3‬رقم‪)5333 :‬‬
‫‪22‬‬
‫قاعدة قرآنية ثابتة‪" :‬زوال الشر وبقاء الخير"‬

‫كل ْ َال َّاي ُم ن ُدا ا هولُهاا ب ا ْ اني‬ ‫اإن تعاقب اخلري والرش س نة كونية اثبتة‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬او هت ْ ا‬
‫تتوهجا‪ ،‬ويه أن البقاء للخري‪ ،‬قال هللا تعاىل‪:‬‬ ‫النَّ هاس} ‪ ،‬ولكن هناك س نة أخرى تمكّلها و ّ‬
‫ون عالا ْي هه‬‫الس ْي ُل ازبادا ارابهيا‪ ،‬او هم َّما يُو هقدُ ا‬ ‫الس اما هء اماء فا اسال ا ْت َأ ْو هدياة هبقادا هرهاا فاا ْحتا ام ال َّ‬ ‫{ َأ ْن از ال هم ان َّ‬
‫اّلل الْ اح َّق اوالْ ابا هطل‪ ،‬فاأَ َّما َّالزبادُ‬ ‫رض ُب َّ ُ‬ ‫هيف النَّ هار ابْ هتغ اااء هحلْ اي ٍة َأ ْو امتاا ٍع ازباد همث ُ ُْهل‪ ،‬اك اذ ه اِل ي ا ْ ه‬
‫اّلل ْ َال ْمث اا ال}‬
‫رض ُب َّ ُ‬ ‫فا اي ْذه ُاب ُج افاء او َأ َّما اما ي ا ْنفا ُع النَّ ااس فايا ْم ُك ُث هيف ْ َال ْر هض‪ ،‬اك اذ ه اِل ي ا ْ ه‬
‫نعم‪ ،‬الرش واخلري يتعاقبان ويتداولن‪ ،‬ولكن هناية املطاف اإىل اخلري دامئا‪،‬‬
‫والعاقبة للتقوى واملتقني‪.‬‬
‫اإن احلق اثبت وبق‪ ،‬قىض عىل الباطل بلزوال‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬اوقُ ْل اج ااء الْ اح ُّق‬
‫او ازه ااق الْ ابا هط ُل ا َّن الْ ابا هط ال ااك ان ازهُوقا} ‪ ،‬وقال تعاىل‪{ :‬قُ ْل اج ااء الْ اح ُّق او اما ي ُ ْب هدئُ الْ ابا هط ُل‬
‫ِ‬
‫او اما يُ هعيدُ } ‪.‬‬
‫ولكن هذه ادلار دار ابتلء‪ ،‬فاإن هللا مكّن لهل الباطل أن يكون هلم جوةل‬
‫اّلل َّ هاذل اين أ امنُوا اوياتَّ هخ اذ همنْ ُ ْمك‬ ‫وصوةل فرتة من الزمن عىل أهل احلق لس باب‪ { :‬هل اي ْع ا امل َّ ُ‬
‫اّلل َّ هاذل اين أ امنُوا} ويف الخري { اوي ا ْم اح اق ْال ااك هف هر اين}‪.‬‬ ‫ُشهادا ااء} وكذِل { او هل ُي ام هّح اص َّ ُ‬
‫فذلِل مل يكن جواب الرسول صىل هللا عليه وسمل غريبا ملا س ئل " اوه ْال ب ا ْعدا‬
‫الرش هم ْن خ ْ ٍاري؟" فقال‪ :‬نعم‪ .‬فل بد للرش أن يزول‪ ،‬ول بد للخري أن يبقى ويرجع‬ ‫اذ ه اِل َّ ّ ه‬
‫للظهور‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سورة آل عمران‪83 :‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة الرعد‪7 :‬‬
‫‪33‬‬
‫سورة االسراء‪4 :‬‬
‫‪38‬‬
‫سورة سـبأ‪84:‬‬
‫‪35‬‬
‫سورة آل عمران‪83 :‬‬
‫‪37‬‬
‫سورة آل عمران‪8 :‬‬
‫‪23‬‬
‫وليس معىن ذِل أن املسلمني ل يلقون هزمية قط‪ ،‬بل النرص والهزمية والنجاح‬
‫والفشل والراحة والتعب والفرح واحلزن ُكها نصيب لك اإنسان‪ ،‬وُكها حما ّل اختبار‬
‫وأدوات القياس‪.‬‬
‫قال القايض عياض رمحه هللا‪ :‬قيل املراد بخلري بعد الرش أايم معر بن عبد العزير‬
‫ريض هللا عنه‪ .‬وهذا حصيح اإذا حرصان اخلري يف اجملال الس يايس‪ ،‬ولكن خري الإسلم‬
‫يف هذه املرحةل أوسع من ذِل‪ .‬لقد عاش املسلمون زمن اخلري الطويل حيث انترش ادلين‬
‫وقويت شوكة املسلمني ومتكنوا من بناء ح ارة قوية مبنية عىل التوحيد امتدت أاثرها‬
‫ماكان زماان‪ ،‬قروان وقارات‪ ،‬وهو اخلري اذلي مل تشهده المم قبلنا حيث اكنت احل ارات‬
‫السابقة ُكها قامئة عىل الرشك‪ ،‬واكن التوحيد عندمه حمصورا يف زوااي التارخي ومركوان يف‬
‫خباايه‪ ،‬فكرم هللا هذه المة بإقامة التوحيد ونرشه وترمجته اإىل أمناط ح ارية متعددة من‬
‫العلوم والفنون والصناعات واملامرسات احلياتية‪ ،‬وهلل امحلد واملنة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪) 34/‬‬ ‫شرح النووي (‬
‫‪24‬‬
‫فقه "الدخن"‬

‫ولكن مل يكن اخلري اذلي جاء بعد عرص الفنت عىل الصفاء الول‪ ،‬بل فيه‬
‫شوائب‪ ،‬سامها الرسول صىل هللا عليه وسمل "دخنا" – كام يف الصحيحني‪ .‬ويف رواية‬
‫أمحد وأيب داود والطرباين يف الوسط جاء وصف هذه املرحةل بأهنا‪ُ " :‬هدْ ن اة عا اىل ادخ ٍان‬
‫او ا امجاعاة عا اىل َأ ْق اذا ٍء" ويف رواية لمحد‪" :‬ا ام اارة عا اىل َأ ْق اذا ٍء‪ ،‬او ُهدْ ن اة عا اىل ادخ ٍان" ‪.‬‬
‫ِ‬
‫أما "هدنة عىل دخن" معناه أن ذِل الاختلف والتقاتل يف املرحةل السابقة‬
‫ينهتيي اإىل صلح بيهنم ولكن يشوبه كدر‪ ،‬وقد سأل حذيفة كيف يكون ذِل؟ كام يف‬
‫اّلل‪ ،‬الْهُدْ ن ا ُة عا اىل ادلَّ خ هان اما ه ا‬
‫يه؟ قاا ال‪:‬‬ ‫مس ند أمحد وسنن أيب داود قال‪ :‬قُلْ ُت‪ :‬ااي ار ُسو ال َّ ه‬
‫وب َأ ْق اوا ٍم عا اىل َّ هاذلي ااكن ْات عالا ْي هه‪.‬‬
‫ال تا ْر هج ُع قُلُ ُ‬
‫قد تصاحل املسلمون يف خلفة احلسن بن عيل بتنازهل عن اخللفة ملعاوية ولكن‬
‫مل يرجع املسلمون اإىل الوحدة الوىل والصفاء الول‪ ،‬بل ظل هناك رشخ غري هني بني‬
‫ش يعة عيل بن أيب طالب وأنصار معاوية بن أيب سفيان ريض هللا عن حصابة رسول هللا‬
‫أمجعني‪ .‬ذلِل وصف ذِل عىل أنه‪ " :‬ا امجاعاة عا اىل َأ ْق اذا ٍء" أو "ا ام اارة عا اىل َأ ْق اذا ٍء"‪ ،‬أي أن‬
‫ِ‬
‫املسلمني رجعوا اإىل امجلاعة املوحدة والإمارة الواحدة ولكهنا تقوم عىل أذية غري قليةل‪.‬‬
‫الرشاب هم ْن غُ ابار او او اخس‪.‬‬ ‫و"أقذاء" ا ْمجع قاذى ‪ ،‬اوه اُو اما ياقاع هيف الْ اع ْني او َّ ا‬
‫قال النووي فامي نقهل عن أيب عبيد وغريه‪ :‬اإن ادلا اخن بفتح ادلال املهمةل واخلاء‬
‫املعجمة؛ أصهل أن تكون يف لون ادلابة كدورة اإىل سواد‪ ،‬قالوا‪ :‬واملراد هنا أن ل تصفو‬
‫القلوب بع ها لبعض‪ ،‬ول يزول خبهثا‪ ،‬ول ترجع اإىل ما اكنت عليه من الصفاء‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ 3 4/‬رقم‪ ،3737 :‬ومعجم الطبراني األوسط‬ ‫‪ ،‬وسنن أبي داود‪:‬‬ ‫مسند أحمد‪ 78/87 :‬رقم‪45 :‬‬
‫(‪ 33/ 7‬رقم‪)7558 :‬‬
‫‪34‬‬
‫مسند أحمد‪ 833/87 :‬رقم‪338 :‬‬
‫‪83‬‬
‫‪ 3 4/‬رقم‪3737 :‬‬ ‫‪ ،‬وسنن أبي داود‪:‬‬ ‫مسند أحمد‪ 78/87 :‬رقم‪45 :‬‬
‫‪8‬‬
‫عون المعبود (‪ 44/4‬رقم‪)3737 :‬‬
‫‪8‬‬
‫‪) 37/‬‬ ‫شرح النووي (‬
‫‪25‬‬
‫وقال ابن جحر يف معىن ادلخن أنه هو احلقد‪ .‬وقيل‪ :‬ادلغل‪ .‬وقيل‪ :‬فساد يف‬
‫القلب‪ .‬ومعىن الثلثة متقارب‪ ،‬يشري إاىل أن اخلري اذلي جييء بعد الرش ل يكون خريا‬
‫خالصا‪ ،‬بل فيه كدر‪ .‬وقيل‪ :‬املراد بدلخن ادلخان‪ ،‬ويشري بذِل إاىل كدر احلال‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ادلخن لك أمر مكروه‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬يفرس املراد هبذا احلديث احلديث الخر "ل‬
‫ترجع قلوب قوم عىل ما اكنت عليه‪ ".‬وأصهل أن يكون يف لون ادلابة كدورة بحلق‪ .‬املعىن‬
‫أن قلوهبم ل يصفو بع ها لبعض‪.‬‬
‫وهذه ُكها نتيجة ذِل الرصاع املرير اذلي مل يكن يعاجل من أساسه‪ ،‬بل زاده‬
‫الناس معقا واتساعا‪ ،‬فقد اكن اخللف س ياس يا حبتا‪ ،‬ولكن أحصاب الهوى وأهل اجلهل‬
‫طوروه" اإىل مسأةل عقدية‪ ،‬وقد رأينا كيف صارت املسأةل "متطورة" جدا‪،‬‬ ‫حولوه و" ّ‬ ‫ّ‬
‫تكونت عىل أساسها مذاهب وجامعات ودول‪ ،‬وقامت عىل أنقاضها حروب ورصاعات‬
‫طويةل‪ .‬ويه يف الصل مل يكن غري اختلف وهجة نظر يف التعامل مع قتةل عامثن ريض‬
‫هللا عنه‪ ،‬واكنوا متفقني عىل وجوب القصاص يف حقه‪ ،‬وإامنا اختلفوا يف توقيته فقط!‬
‫فنعرف كيف اكنت أزمة النفوس وأزمة التفكري تس بق الزمات الكبرية‪ ،‬ومل نقل يف حق‬
‫الصحابة اإل لك خري‪ ،‬ومه برش خيطئ ويصيب‪ ،‬واكن صواهبم أكرث من خطهئم‪ ،‬لكن‬
‫الدىه من ذِل اخللف أن من بعدمه مل يبنوا عىل الصلح احلاصل‪ ،‬بل بنوا عىل اخللف‬
‫اذلي قد تصاحلوا عليه!؟ وهذه املسأةل أهون من أن تشغل المة قروان طويةل‪ ،‬يه أزمة‬
‫مرت وعوجلت بشلك من الشاكل‪ ،‬فالواجب املفرتض للجيل اللحق أن يبنوا عىل‬
‫صواهبم واتفاقهم‪ ،‬ل أن يدققوا الخطاء الفائتة واخللف املنقيض‪.‬‬
‫واحلق الغائب من الك الفريقني ‪ -‬أي ما بعد اخللفاء الراشدين‪ -‬أهنم مل حياولوا‬
‫اإرجاع مؤسسة الشورى اليت اكنت يف عهد اخللفاء الراشدين‪ ،‬ومل يدع أي واحد مهنم‬
‫اإىل جعل احلمك شورى بني املسلمني‪ ،‬بل تنازع لك فرقة عىل املُكل‪ ،‬وظن لك فريق مهنم‬
‫أهنم أحق بملكل من الخر‪ ،‬وهكذا انق ت العروة الوىل من عرى الإسلم‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫فتح الباري (‪)35/ 3‬‬
‫‪26‬‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‬ ‫كام ورد يف احلديث اع ْن َأ هيب ُأ اما ام اة الْ ابا هه ه ه ّيل اع ْن ار ُسوله َّ ه‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬
‫قاا ال‪ :‬لا ُي ْنقا ا َّن ع اُرى ْال ْس ال هم ع ُْر اوة ع ُْر اوة‪ ،‬فا َُكَّ اما انْتاقا ا ْت ع ُْر اوة تاشا ب َّ اث النَّ ُاس هبل َّ هيت تا هل ماا‪،‬‬
‫ِ‬
‫الص ال ُة‪.‬‬‫او َأ َّولُه َُّن ن ا ْق ا الْ ُح ْ ُمك اوأ هخ ُره َُّن َّ‬
‫والخطر يف هذه املرحةل ليس يف ذِل اخللف‪ ،‬فاإن احلياة تتقدم رمغ ذِل ُكه‪،‬‬
‫ولكن ما أفرزه ذِل اجلو العكر من بروز أقوام خيلطون بني اخلري والرش‪ ،‬وبني النور‬
‫والظلم‪ ،‬بني الس نة والبدعة‪ ،‬بني الإسلم وأاثر اجلاهلية‪ ،‬فكام جاء يف الصحيحني أهنم‪:‬‬
‫ون هبغ ْ هاري ُسن َّ هيت‬ ‫ون هبغ ْ هاري اهدْ هِي‪ ،‬تا ْع هر ُف همهنْ ُ ْم اوتُ ْن هك ُر‪ ".‬ويف رواية ملسمل‪" :‬قا ْوم ي ْاستان ُّ ا‬ ‫"قا ْوم هيا ْدُ ا‬
‫ون هبغ ْ هاري اهدْ هِي‪ ،‬تا ْع هر ُف همهنْ ُ ْم اوتُ ْن هك ُر‪".‬‬
‫اوهيا ْدُ ا‬
‫قال ابن جحر يف معىن قوهل "تعرف مهنم وتنكر"‪ :‬يعِن من أعامهلم‪ ،‬ويف حديث‬
‫أم سلمة عند مسمل "مفن أنكر برئ ومن كره سمل"‪ .‬وقال‪ :‬وقوهل بعده (تعرف مهنم‬
‫وتنكر) أهنم هؤلء القوم خلطوا املعروف بملنكر‪ ،‬فتعرف مهنم أمورا محمودة وتنكر ف مم‬
‫أش ياء مذمومة‪.‬‬
‫وجاء عن أم سلمة زوج النيب صىل هللا عليه وسمل عن النيب صىل هللا عليه‬
‫وسمل أنه قال‪ :‬اإنه ي ُس تعمل عليمك أمراء فتعرفون وتنكرون‪ ،‬مفن كره فقد برئ‪ ،‬ومن أنكر‬
‫فقد سمل‪ ،‬ولكن من ريض واتبع‪ .‬قالوا‪ :‬اي رسول هللا أل نقاتلهم؟ قال‪ :‬ل ما صلوا‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫) وابن حبان (‪ 87 / 7‬رقم‪ )7434 :‬والحاكم في المستدرك‬ ‫أخرجه أحمد (‪ 38/85‬رقم‪34 :‬‬
‫‪ )7‬وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ‪ 34/‬رقم‪)57 :‬‬ ‫(‪ 388/ 7‬رقم‪:‬‬
‫‪85‬‬
‫صحيح مسلم (‪ 347/4‬رقم‪)3838 :‬‬
‫‪87‬‬
‫فتح الباري‪ 44/ 3 :‬رقم‪7557 :‬‬
‫‪87‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ 84 /3‬رقم ‪) 458‬‬
‫‪27‬‬
‫هدي الشرع إذا اختلطت األمور‬

‫مل خيرج ذِل النوع من اخللط عن صفة اخلري كام وَسه الرسول صىل هللا عليه‬
‫وسمل‪ ،‬لن اخلري ما زال هو الغالب واملهمين يف هذه املرحةل‪ .‬ولكن بدأ املسلمون يف‬
‫خوض معركة أخرى أكرث تعقيدا‪ ،‬ومه يف هذه املرحةل أحوج اإىل العمل مهنم اإىل السلح‪،‬‬
‫ومل يكن الس يف ذا فائدة انجعة ف ما‪ .‬فاإذا اكن رفع الس يف يف علج المترد مرشوعا‬
‫وانجعا وقت الردة يف عهد أيب بكر‪ ،‬ومرشوعا غري انجع يف عهد عيل بن أيب طالب ‪-‬‬
‫اللهم اإل يف قتاهل ضد اخلوارج‪ ،‬مفا بعد ذِل يف الغالب ليس مبرشوع ول انجع‪.‬‬
‫وللك مرحةل حلولها اخلاصة وأسلحهتا اللئقة هبا‪ ،‬والفرق بني هذه املراحل هو‬
‫يف درجة وضوح احلق ف ما‪ ،‬ففي عهد أيب بكر الصديق فاإن احلق فيه أوحض من أن‬
‫يناقش‪ ،‬ولك العرب قد أقروا بلإسلم وعرفوا ادلين احلق وعرفوا ماكنة أيب بكر عند‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسمل وعند املسلمني‪ ،‬وأن املسلمني بيعوه بيعة حصيحة‪،‬‬
‫فالعلج يف هذه احلاةل هو احلسم العسكري‪.‬‬
‫وأما يف عهد أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب ريض هللا عنه فاإن هل احلق يف‬
‫المر والهنيي‪ ،‬وعىل املسلمني ُكهم واجب الطاعة والان واء حتت رايته‪ ،‬ولكن ملعاوية‬
‫ريض هللا عنه ش هبة حق يف مطالبة القصاص لعامثن‪ ،‬وما اكن هل أن يرفع الس يف ضد‬
‫أمري املؤمنني‪ ،‬ولكن مل ّا اكن هل جحته اخلاصة به‪ ،‬والوضع غري مس تقر‪ ،‬وقد عاىن الناس‬
‫من عدم الاس تقرار جراء هؤلء اذلين أاثروا الفتنة ضد عامثن مما أدى اإىل قتاهل‪ ،‬فالمر‬
‫مشتبه عند بعض الناس‪ ،‬فمل يتبني هلم وجه احلق فيه‪ .‬فاكن احلسم العسكري فيه وإان‬
‫اكن مرشوعا فاإنه غري قاطع ملادة اخللف‪ .‬وساعد معاوية كونه حاكام للشام اذلي عنده من‬
‫القوة العسكرية ما يسانده‪.‬‬
‫ل حنتاج اإىل التش نج والاحتقان يف فهم املسأةل مع مرارهتا وسوء أاثرها‪ ،‬اإن‬
‫املفرتض من علامء املسلمني أن يرتقوا اإىل ن ج س يايس يف قراءة مثل هذه الإشاكلية‪ ،‬ل‬
‫أن يزنلوا اإىل مس توى العامة يف التبايك عىل املايض أو تكريس رشعية املأيس وتعميق‬

‫‪28‬‬
‫حدة اخللف ونبش مشالك عفا عل ما الزمان‪ .‬ول ندري قد يكون هؤلء ممن قال هللا‬
‫رس ٍر ُمتاقاا هب هل اني}‪ .‬واكن سلوك املؤمنني‬ ‫ف مم { اونا از ْعناا اما هيف ُصدُ هور ه ْمه هم ْن هغ ٍ ّل اخ اْواان عا اىل ُ ُ‬
‫ِ‬
‫جتاه اإخواهنم السابقني دامئا كام قال هللا تعاىل‪ { :‬او َّ هاذل اين اجا ُءوا هم ْن ب ا ْع هد ه ْمه ي ا ُقولُ ا‬
‫ون اربَّناا ا ْغ هف ْر‬
‫لاناا او هلخ اْوا هنناا َّ هاذل اين اس اب ُقوانا هب ْلمي ا هان او ال ا ْجت اع ْل هيف قُلُو هبناا هغ ًّل هل َّ هذل اين أ امنُوا اربَّناا ان َّ اك ار ُءوف‬
‫ِ‬ ‫ر هحمي} ِ مفن قال غري ذِل ِ‬
‫فليس من املؤمنني املهتدين‪.‬‬ ‫ا‬
‫حنن غري حماس بني مبا فعهل الناس قبلنا‪ ،‬فواجبنا فقط أن نبذل ما ميكن بذهل‬
‫ل إلصلح‪ ،‬ل أن حنافظ عىل أاثر أخطاهئم ف ل أن نزيدها سوءا وتوسعا وتشعبا‪ .‬قدر‬
‫هللا أن يمت المر كام حدث‪ ،‬ولكنا نعتقد أهنم لو اس تقبلوا من أمرمه ما اس تدبروه ملا‬
‫جلؤوا اإىل السلح‪ ،‬بل ف لوا أن يعاجل الإشاكل بحلوار‪ ،‬ولكن اكن هناك أطراف‬
‫مش بوهة معلوا يف اإشعال فتيل الفنت وإاربك الناس وتفريق املسلمني‪ ،‬فاكن ما اكن‪،‬‬
‫وهللا غالب عىل أمره ولكن أكرث الناس ل يعلمون‪.‬‬
‫واملقصود أن هذه املرحةل اليت خرج املسلمون من تكل الفتنة املؤملة بدؤوا ف ما‬
‫مرحةل جديدة تتسم بختلط اخلري بلرش‪ ،‬واكن اخلري ف ما هو الغالب‪ ،‬ولكن تتحدامه‬
‫أخلط رش حتتاج اإىل معاجلة خاصة‪ .‬فهنا نرجع مرة أخرى اإىل هدي القرأن اذلي فيه‬
‫تبيان لك ءيء‪ .‬ونتذكر مرة أخرى قول الرسول اذلي كرره حلذيفة‪" :‬اي حذيفة تعمل كتاب‬
‫هللا واتبع ما فيه!!" ففي كتاب هللا أجوبة شافية عىل هذه الإشاكليات اجلديدة‪.‬‬
‫اإن خلط المور بني احلق والباطل واخلري والرش سلوك قدمي مارس ته المم قبلنا‪،‬‬
‫فقد اكن أحصاب الهوى من ال مود والنصارى يلبسون احلق بلباطل فقد قال هللا يف‬
‫ون} وقال‪:‬‬ ‫ون الْ اح َّق هبلْ ابا هط هل اوتا ْك ُت ُم ا‬
‫ون الْ اح َّق او َأن ُ ْْمت تا ْعلا ُم ا‬ ‫حقهم { ااي َأ ْه ال ْال هكتا هاب هل ام تالْب ُهس ا‬
‫ون} ذلِل ضاعت معامل الهدى‬ ‫{ او ال تالْب ُهسوا الْ اح َّق هبلْ ابا هط هل اوتا ْك ُت ُموا الْ اح َّق او َأن ُ ْْمت تا ْعلا ُم ا‬

‫‪84‬‬
‫سورة الحجر‪87 :‬‬
‫‪84‬‬
‫سورة الحشر‪8 :‬‬
‫‪53‬‬
‫سورة آل عمران‪7 :‬‬
‫‪5‬‬
‫سورة البقرة‪8 :‬‬
‫‪29‬‬
‫عندمه‪ ،‬فصاروا أمما مغ وب عل مم وضالني‪ ،‬بعد أن اكنوا هداة همتدين أتباع النبياء‬
‫ومتبعي الكتب املزنةل من عند هللا‪.‬‬
‫قد بدأ املسلمون مرحةل تتسم مبا سامه الرسول صىل هللا عليه وسمل "سنن من‬
‫اكن قبلمك"‪ ،‬فعن أيب سعيد اخلدري قال‪ :‬قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪" :‬لتتبعن‬
‫سنن اذلين من قبلمك شربا بشرب وذراعا بذراع‪ ،‬حَّت لو دخلوا يف حجر ضب لتبعمتومه‪".‬‬
‫قلنا‪ :‬اي رسول هللا أل مود والنصارى؟‬
‫قال‪" :‬مفن؟"‬
‫وقد أخرج الطرباين من حديث املس تورد بن شداد رفعه‪" :‬ل ترتك هذه المة‬
‫شيئا من سنن الولني حَّت تأتيه‪".‬‬
‫ووقع يف حديث عبد هللا بن معرو عند الشافعي بس ند حصيح‪" :‬لرتكنب س نة‬
‫من اكن قبلمك حلوها ومرها"‪.‬‬
‫لقد أىت عىل املسلمني ما أىت عىل المم قبلهم من دخول املتطفلني عىل طريق‬
‫الهدى‪ ،‬فهذه يه حاةل ادلين اإذا كتب هل المتكني‪ ،‬فاإن رف ه علنية أمر صعب‪ ،‬فمل يبق‬
‫ملنكري ادلين اإل طريق التخليط‪ ،‬ليغطي بحلق بطلهم‪.‬‬
‫وسبب اخللط أمران‪ :‬اإما ظمل أو هجل‪ .‬أما الظمل فهو سوء القصد وخبث‬
‫الطوية‪ ،‬يريد صاحبه اإفساد ادلين معدا وجر الناس اإىل مستنقع الهوى قصدا‪ ،‬ومبا أن‬
‫الباطل الرصحي والرش احملض ل حيبه الناس معوما وتكرهه النفس يف الغالب معد أحصاب‬
‫الهوى ودعاة الرش اإىل لبسه بصورة احلق حَّت ل يرف ه الناس ول يتبينون وهجه‬
‫احلقيقي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫رقم ‪ 774/7 ،3 74‬رقم ‪ )7444‬ومسلم (‪ 358/8‬رقم ‪) 774‬‬ ‫أخرجه البخاري (‪78/3‬‬
‫‪53‬‬
‫المستورد بن شداد بن عمرو بن حسل بن األحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر‬
‫القرشي الفهري المكي نزيل الكوفة له وأبيه صحبة‪ .‬توفي باإلسكندرية سنة خمس وأربعين من الهجرة (اإلصابة‬
‫‪)43/7‬‬
‫‪58‬‬
‫أخرجه الطبراني في األوسط ( ‪ 3 /‬رقم ‪ )3 3‬قال الهيثمي‪ :‬ورجاله ثقات (مجمع الزوائد ‪) 7 /7‬‬
‫‪55‬‬
‫وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ 874/7‬رقم ‪)37377‬‬
‫‪31‬‬
‫مثال ذِل ما فعهل اجلهمية يف طمس معامل الإميان بهلل‪ ،‬فاإهنم ل يدعون الناس‬
‫اإىل الكفر بهلل‪ ،‬بل جلؤوا اإىل نفي الصفات عن هللا حبجة تزنهيه عن مشاهبة اخمللوقني‪،‬‬
‫وماذا يعِن الإميان بهلل مع اإناكر صفاته؟ يعِن ذِل الإميان بملعدوم‪ ،‬لن من ل صفات هل‬
‫ل وجود هل‪ ،‬فتساوى الإميان وعدمه يف هذه احلاةل‪ .‬ومثل اجلهمية يف هذا اخلط املعَتةل‪،‬‬
‫وإان اكنوا أقل مهنم رضاوة ووقاحة‪ ،‬لكهنم اشرتكوا يف طمس معامل العقيدة الصافية‪ ،‬لقد‬
‫الس همي ُع الْ اب هص ُري} هاداي واحضا للمؤمنني‬ ‫اكن قول هللا عز وجل {لايْ اس ا هَكث ه هْهل ا ْ‬
‫ءيء اوه اُو َّ‬
‫الراخسني يف العمل‪ ،‬لكنه ُمشتبهه ملعوب به لصاحب الهوى‪ .‬وهكذا تكون البدعة الفكرية‬
‫وغريها عكرت صفو ادلين ونقاءه‪.‬‬
‫عامل الظمل عام ال‬
‫وتتابعت صور اخللط يف المة وتاكثرت‪ ،‬خاصة اإذا أضيف مع ه‬
‫اجلهل‪ .‬قد اكن بعض اجلهال من املسلمني أفسدوا ادلين ومه قصدوا اإصلحه وخدمته‪.‬‬
‫فرب مريد للخري مل يبلغه‪َ ،‬كن وضع أحاديث مكذوبة عىل رسول هللا صىل هللا عليه‬
‫وسمل يف ف ائل سور القرأن لقصد ترغيب الناس ف ما‪ .‬وَكن اخرتعوا عبادات ما أنزل‬
‫هللا هبا من سلطان بقصد زايدة اخلري والاجهتاد يف التقرب اإىل هللا‪ .‬وقد جت ّمعت عرب‬
‫اترخينا الطويل زايدات عىل ادلين الإسليم جعلته مشوشا ومعقدا وضعيف الفاعلية‬
‫لختلط الصواب الصيل بخلط إا الكثري‪ ،‬وهللا املس تعان‪.‬‬
‫هذا ُكه يف المور ادلينية التعبدية‪ ،‬أما يف المور احلياتية العامة والس ياس ية فقد‬
‫مت اخللط أي ا بصورة أسوأ‪ ،‬فقد اكن احلمك عند املسلمني الوائل أمانة هياب الناس‬
‫حتملها مث صار مغامن ومطمعا تاكلب الناس عليه‪ ،‬فتغري سلوك احلاكم والولة يف ممارس ته‪،‬‬
‫مع أهنم مل يزالوا ميارسون كثريا من التعالمي ادلينية اكلصلة والصوم واحلج وغريه‪ ،‬ويعتقدون‬
‫عقيدة املسلمني مجةل وتفصيل‪ ،‬ويقرون برشيعة هللا‪ ،‬ولكن سلوك العدل والورع والرفق‬
‫بلناس قرصوا فيه وبدّلوه قسوة وظلام ورشها‪ .‬فعندمه من املعروف ما يربر بقاءمه عىل‬
‫كريس احلمك ولكن عندمه من املنكر ما جيب اإناكره‪ .‬فهؤلء مه من قصدمه الرسول بقوهل‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫سورة الشورى‪:‬‬
‫‪31‬‬
‫"اإنه ي ُس تعمل عليمك أمراء فتعرفون وتنكرون‪ ،‬مفن كره فقد برئ‪ ،‬ومن أنكر فقد سمل‪،‬‬
‫ولكن من ريض واتبع‪ ".‬وملا س ئل‪ :‬اي رسول هللا أل نقاتلهم؟ قال‪" :‬ل ما صلوا‪".‬‬
‫ويف هذا اخلط فقد اتبعوا سنن أمم ظاملة يف شؤون احلمك اكلفرس والروم‪ ،‬كام‬
‫ورد عن أيب هريرة ريض هللا عنه عن النيب صىل هللا عليه وسمل قال‪ :‬ل تقوم الساعة‬
‫حَّت تأخذ أميت بأخذ القرون قبلها‪ ،‬شربا بشرب‪ ،‬وذراعا بذراع‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬كفارس والروم؟‬
‫فقال‪ :‬ومن الناس اإل أولئك؟‬
‫قال ابن جحر يف املقارنة بني حديث أيب هريرة املذكور وحديث أيب سعيد‬
‫الس بق‪ ،‬حيث ذكر هنا فارس والروم وذكر يف الول ال مود والنصارى‪" :‬وحيمتل أن‬
‫يكون اجلواب اختلف حبسب املقام‪ .‬حفيث قال فارس والروم اكن هناك قرينة تتعلق‬
‫بحلمك بني الناس وس ياسة الرعية‪ .‬وحيث قيل ال مود والنصارى اكن هناك قرينة تتعلق‬
‫بأمور ادلايانت أصولها وفروعها‪".‬‬
‫وما يزيد المر مغوضا أن ما دلى تكل المم ليس ُكه سيئا‪ ،‬بل عندها من العلوم‬
‫والفلسفات والدبيات ما ميكن اإفادهتا وما يغري بتباعها‪ ،‬فاخلري عندمه غري صاف‪،‬‬
‫والصواب ف مم خملوط بأخطاء غري قليةل‪ .‬فهذه مرحةل تكون ف ما لغة التغليب والتعممي‬
‫والتبس يط يزيد الإنسان حرية وبعدا عن احلمك الصحيح ويزيد اخللط أكرث معقا وتعقيدا‪،‬‬
‫بيامن يكون منطق المتيزي والتفصيل والتدقيق ف ما أكرث نفعا وأقوم قيل‪.‬‬
‫ول بد من الخذ بلعتبار قاعدة املوازنة بني املصاحل واملفاسد يف حاةل اختلط‬
‫المور‪ ،‬والناس يف حاةل اختلط املفاسد واملصاحل دامئا عىل خلف يصبح فيه احللمي‬
‫حريان‪ .‬وقرر ابن تميية فيه قاعدة أنه اإذا اختلطت احلس نات بلسيئات ووقع الاشتباه‬

‫‪57‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ 84 /3‬رقم ‪) 458‬‬
‫‪54‬‬
‫أخرجه الخاري (‪ 774/7‬رقم ‪ )7444‬وأحمد ( ‪ 3 5/‬رقم ‪ 337/ ،4 4‬رقم ‪ 377/ ،48 8‬رقم‬
‫‪ 4 /‬رقم ‪ )7 4‬واللفظ للبخاري‪.‬‬ ‫‪ )474‬وأبو يعلى في مسنده (‬
‫‪54‬‬
‫فتح الباري (‪)33 / 3‬‬
‫‪32‬‬
‫والتلزم‪ ،‬والناس هنا عىل أقسام‪ :‬الول‪ :‬أقوام ينظرون اإىل احلس نات فريحجون هذا‬
‫اجلانب وإان ت من سيئات عظمية‪ .‬الثاين‪ :‬أقوام ينظرون اإىل السيئات فريحجون هذا‬
‫اجلانب وإان ت من ترك حس نات عظمية‪ .‬الثالث‪ :‬املتوسطون اذلين ينظرون اإىل المرين‬
‫فريحجون الراحج مهنام‪.‬‬
‫فالفئة الوىل ل يبالون بلفنت العامة ول الفوِض العارمة فهم جمازفون مهتورون‪،‬‬
‫والفئة الثانية خيافون يسري الرضر وي خمون قليل اخلطر فهم مثبطون حمطمون للمل‪،‬‬
‫فأحمك الناس أقدرمه عىل املوازنة وحتصيل أكرب املنافع بأقل املفاسد‪ .‬وليس بلزم أن يمت‬
‫اخليار يف ترجيح أحد اخليارين‪ ،‬وقد جيد احلكمي حصيف الرأي دقيق امللحظة واسع‬
‫الثقافة طريقا أخر اثلثا جيمع بني حتقيق املنافع والسلمة من امل ار أو احتواهئا‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪)54-57/ 3‬‬
‫‪33‬‬
‫أدوات التمييز‬

‫وهمام اختلطت المور فاإن المتيزي بني احلق والباطل وبني الطيب واخلبيث أمر‬
‫خمتلطني‪،‬‬ ‫متجاورين أو متعاق ابني أو ا‬ ‫ا‬ ‫رضوري‪ .‬وهذه يه طبيعة ادلنيا اليت ف ما خري ورش‬
‫الطيّ ُهب‬ ‫جيب التعامل معهام حس امب يناسب املقام‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬قُ ْل ال ي ْاس تا هوي الْ اخب ُ‬
‫هيث او َّ‬
‫ون}‬‫اّلل ااي ُأ هويل ْ َاللْ اب هاب لا اعل َّ ُ ْمك تُ ْف هل ُح ا‬ ‫هيث فاات َّ ُقوا َّ ا‬‫اولا ْو َأ ْ اع اب اك اك ْ ارث ُة الْ اخب ه‬
‫للمتيزي بني اخلري والرش وبني الطيب واخلبيث حيتاج اإىل عمل‪ ،‬عمل بملاهية وعمل‬
‫بلكيفية‪ .‬ملعرفة اخلري من الرش طرق عدة ‪ :‬أولها وأكرثها وضوحا يه ما دل عليه القرأن‬
‫والس نة رصاحة‪ ،‬مفا أحل هللا ورسوهل فهو طيب وخري‪ ،‬وما حرمه فهو خبيث ورش‪،‬‬
‫وما أمر هللا به ورسوهل فهو خري وصلح وما هنيى هللا عنه ورسوهل فهو رش وفساد‪ .‬قال‬
‫ات} وقال يف ملخص تعالمي الرسول‬ ‫تعاىل‪{ :‬ي ْاسأَلُون ااك اما اذا ُأ هح َّل لاه ُْم قُ ْل ُأ هح َّل لا ُ ُمك ا َّلط ه ّي اب ُ‬
‫ات او ُ احي ّ هر ُم‬ ‫امه اع هن الْ ُم ْن اك هر او ُ هحي ُّل لاهُ ُم ا َّلط ه ّي اب ه‬ ‫وف اوياهنْ ا ُ ْ‬ ‫عليه الصلة والسلم‪{ :‬ياأْ ُم ُر ُ ْمه هبلْ ام ْع ُر ه‬
‫عالا مْ ه ُم الْ اخ ابائه اث}‬
‫قال عبد هللا بن مسعود ريض هللا عنه‪" :‬اإذا َسعت هللا يقول‪" :‬اي أهيا اذلين‬
‫أمنوا" فأرعها َسعك فاإنه خري يأمره‪ ،‬أو رش يهنيى عنه"‪ .‬وهكذا فاإن القرأن والس نة‬
‫ف مام بيان واحض للخري والرش‪.‬‬
‫والطريقة الثانية ملعرفة اخلري والرش‪ :‬ما يدل عليه العقل السلمي‪ ،‬فاإن أهل النار مل‬
‫يقعوا يف النار اإل لهنم ل يُعملون عقوهلم يف معرفة اخلري والرش‪ ،‬قال تعاىل يف حقهم‪:‬‬
‫الس هع هري}‬ ‫حص هاب َّ‬ ‫{ اوقاالُوا لا ْو ُكنَّا ن ا ْس ام ُع َأ ْو ن ا ْع هق ُل اما ُكنَّا هيف َأ ْ ا‬

‫‪7‬‬
‫سورة المائدة‪33 :‬‬
‫‪7‬‬
‫سورة المائدة‪8 :‬‬
‫‪73‬‬
‫سورة األعراف‪57 :‬‬
‫‪78‬‬
‫أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( ‪ 43/‬رقم‪ 37/7 ، 337 :‬رقم‪)4733 :‬‬
‫‪75‬‬
‫سورة الملك‪3 :‬‬
‫‪34‬‬
‫قال العز بن عبد السلم‪" :‬ومعظم مصاحل ادلنيا ومفاسدها معروف بلعقل‪،‬‬
‫وذِل يف معظم الرشائع‪ ،‬اإذ ل خيفى عىل عاقل قبل ورود الرشع أن حتصيل املصاحل‬
‫احمل ة ودرء املفاسد احمل ة عن نفس الإنسان وعن غريه محمود حسن‪ ،‬وأن تقدمي أرحج‬
‫املصاحل فأرحجها محمود حسن‪ ،‬وأن درء أفسد املفاسد فأفسدها محمود حسن‪ ....‬واتفق‬
‫احلكامء عىل ذِل‪ ،‬وكذِل الرشائع عىل حترمي ادلماء والب اع والموال والعراض‪....‬‬
‫وإان اختلف يف بعض ذِل‪ ،‬فالغالب أن ذِل لجل الاختلف يف التساوي والرحجان‪...‬‬
‫واعمل أن تقدمي الصلح فالصلح ودرء الفسد فالفسد مركوز يف طبائع العباد هلم من رب‬
‫الربب‪ ...‬فلو خريت الصيب الصغري بني الذليذ والذل لختار الذل‪ ،‬ولو خري بني احلسن‬
‫والحسن لختار الحسن‪"... ،‬‬
‫الثالثة‪ :‬طمأنينة القلب وراحة ال مري‪ ،‬فاإن القلب السلمي والفطرة الإنسانية‬
‫النظيفة تطمنئ مع اخلري وتنفر من الرش‪،‬‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل اع ْن‬ ‫اع ْن النَّ َّو هاس ْب هن ه َْس اع اان ْ َالن اْص هار هّي قاا ال اسأَلْ ُت ار ُسو ال َّ ه‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬
‫الْ ه ّهرب او ْال ْ همث‪ ،‬فاقاا ال‪ :‬الْ ه ُّرب ُح ْس ُن الْ ُخلُ هق او ْال ْ ُمث اما احاكا هيف اصدْ رهكا او اك هره اْت َأ ْن ي ا َّط هل اع عالا ْي هه‬
‫ِ‬ ‫الناس‪ِ .‬‬
‫َّ ُ‬
‫اّلل ‪-‬صىل هللا عليه وسمل‪ -‬قاا ال هل اواب اهص اة‬ ‫و اع ْن اواب اهص اة ْب هن ام ْع اب ٍد ا َل اس هد هّى َأ َّن ار ُسو ال َّ ه‬
‫‪ « :‬هجئ اْت ت ا ْسأَ ُل اع هن الْ ه ّهرب اوال ْ همث؟»‪.‬‬
‫ِ‬
‫رض اب هبه اا اصدْ ار ُه‪.‬‬‫قاا ال قُلْ ُت ‪ :‬ن ا اع ْم‪ .‬قاا ال ‪ :‬فا اج ام اع أَ اصا هب اع ُه فا ا ا‬
‫اوقاا ال ‪ْ «:‬اس تا ْف هت ن ا ْف اس اك‪ْ ،‬اس تا ْف هت قالْ اب اك ااي اواب اهص ُة ‪ -‬ثا الاث ‪ -‬الْ ه ُّرب اما ْاط امأَن َّْت الا ْي هه‬
‫ِ‬
‫الصدْ هر اوا ْن َأفْتااكا النَّ ُاس‬ ‫النَّ ْف ُس او ْاط امأَ َّن الا ْي هه الْقالْ ُب ‪ ،‬اوال ْ ُمث اما احاكا هِف النَّ ْف هس اوتا ار َّد اد هِف َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫او َأفْتا ْوكا »‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫قواعد األحكام‪7-5/ :‬‬
‫‪77‬‬
‫‪ 838/‬رقم‪)8733 :‬‬ ‫‪ 833/‬رقم‪،873 :‬‬ ‫أخرجه مسلم (‬
‫‪74‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ 883/37‬رقم‪ ) 73 3 :‬والدارمي (‪ 4/4‬رقم‪ ) 544 :‬حسنه األلباني في صحيح الترغيب‬
‫والترهيب ( ‪ 5 /‬رقم‪) 738 :‬‬
‫‪35‬‬
‫اإن الوضعية السلمية أن ينسجم العقل والقلب مع هدي الرشع‪ ،‬ورشع هللا ٍ‬
‫جار‬
‫عىل مقتىض العقول كام قال الشاطيب رمحه هللا‪ ..." .‬أن الاس تقراء دل عىل جرايهنا [أي‬
‫جراين الرشيعة] عىل مقتىض العقول‪ ،‬حبيث تصدقها العقول الراحجة‪ ،‬وتنقاد لها طائعة أو‬
‫اكرهة‪".‬‬
‫اإن هللا اذلي خلق العقل هو اذلي أنزل الرشع‪ ،‬وأراد هللا للعقل أن يتبع الرشع‪،‬‬
‫فاكن من الطبيعي أن جيد العقل أن رشع هللا حق وعدل وخري ُكه‪.‬‬
‫قال ابن القمي‪" :‬فاإن الرشيعة مبناها وأساسها عىل ا هحل امك ومصاحل العباد يف املعاش‬
‫واملعاد ‪ ،‬ويه عدل ُكها ‪ ،‬ورمحة ُكها ‪ ،‬ومصاحل ُكها ‪ ،‬وحمكة ُكها؛ فلك مسأةل‬
‫خرجت عن العدل اإىل اجلور‪ ،‬وعن الرمحة اإىل ضدها‪ ،‬وعن املصلحة اإىل املفسدة‪ ،‬وعن‬
‫احلمكة اإىل العبث؛ فليست من الرشيعة وإان أدخلت ف ما بلتأويل‪".‬‬
‫وهذه الش ياء تعرف اإذا اكنت العقول والقلوب عىل حالهتا الطبيعية السلمية‪ ،‬أما‬
‫اإذا اكن للعقل عطب أوعطل وللقلب فساد اوزيغ‪ ،‬فهنا تأيت املشَكة‪ .‬وفساد العقل‬
‫رضب يف القوة العلمية وفساد القلب رخر يف القوة ا إلرادية‪ ،‬وأخطاء البرش اإما بسبب‬
‫عدم القدرة عىل املعرفة الصحيحة وإاما عدم ا إلرادة أو ضعفها يف فعل الصحيح‪.‬‬
‫فاإذا ضل العقل أو فسد القلب فامللجأ اإىل رشع هللا اذلي ل يأتيه الباطل من‬
‫اّلل اعهنْ ُ اما ‪َ :‬أ َّن ار ُسو ال‬ ‫ِض َّ ُ‬ ‫بني يديه ومن خلفه‪ ،‬تزنيل من حكمي محيد‪ .‬ف اع هن ا ْب هن اع َّب ٍاس ار ه ا‬
‫اّلل ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪ -‬خ ااط اب النَّ ااس هِف اح َّج هة الْ اوداا هع فاقاا ال ‪ :‬ااي َأهيُّ اا النَّ ُاس ا ه ّىن قادْ‬ ‫َّ ه‬
‫ِ‬
‫اّلل او ُس نَّ اة ن ا هب هيّ هه‪.‬‬ ‫يمك اما ا هن ا ْعتا اص ْم ُ ْمت هب هه فالا ْن تا ه لُّوا َأبادا هكتا ا‬
‫اب َّ ه‬ ‫تا ار ْك ُت هف ُ ْ‬
‫ِ‬
‫وعلج العقل بلعمل الصحيح وعلج القلب بهتذيب النفوس والرتبية الصحيحة‪.‬‬
‫والقرأن خياطب العقل والقلب معا ليصلحهام وهيدهيام ويرق مام‪ .‬ولك ما قام به الرسول صىل‬
‫هللا عليه وسمل يرتكز عىل أعامل ثلثة‪ :‬تلوة القرأن وتعلمي الناس وهتذيب نفوسهم‪ ،‬قال‬

‫‪74‬‬
‫الموافقات‪4/3 :‬‬
‫‪73‬‬
‫إعالم الموقعين ‪84/3‬‬
‫‪7‬‬
‫أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )837/ 3‬ورواه مالك من بالغاته في الموطإ ( ‪ 444/‬رقم‪)3 :‬‬
‫‪36‬‬
‫تعاىل‪{ :‬ه اُو َّ هاذلي ب ا اع اث هيف ْ ُال هّميّ اهني ار ُسول همهنْ ُ ْم ي ا ْتلُو عالا مْ ه ْم أ ااي هت هه اويُ از هكّ ه م ْم اويُ اع هلّ ُمهُ ُم ْال هكتا ا‬
‫اب‬
‫اوالْ هح ْمكا اة اوا ْن ااكنُوا هم ْن قا ْب ُل لا هفي ضا اللٍ ُمبهنيٍ }‬
‫ِفاكتساب القدرة عىل المتيزي بني اخلري والرش يأيت من قبل طلب العمل الرشعي‬
‫والتزنه عن هوى النفس يف اتباع احلق برتبية النفس عىل معاين الصدق والإخلص‬
‫والصرب والزهد والورع والوفاء اإخل‪.‬‬
‫وهنا ينبغي التنبيه أن الرشيعة مس تعمةل يف الكم الناس – كام قال ش يخ‬
‫مزنل‪ ،‬وهو ما رشعه هللا ورسوهل‪.‬‬ ‫الإسلم ابن تميية‪ -‬عىل ثلثة أحناء‪ :‬الول‪ :‬رشع َّ‬
‫مؤول‪ ،‬وهو ما ساغ فيه الاجهتاد وتنازع فيه الفقهاء‪ ،‬فاتباع‬ ‫الثاين‪ :‬رشع َّ‬
‫اجملهتدين فيه جائز‪ ،‬ملن اعتقد جحة متبو هعه يه القوية أو ملن ساغ هل تقليده‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬رشع مبدَّل‪ ،‬وهو ما اكن من الكذب والفجور اذلي يفعهل املبطلون‬
‫بظاهر الرشع‪ ،‬مثل الحاديث املوضوعة والتأويلت الفاسدة والفتيا الباطةل والتقليد احملرم‬
‫فهذا حيرم اتباعه‪.‬‬
‫مفن اتبع الرشع عىل املعنيني الول والثاين فهو عىل الطريق الصحيح والرصاط‬
‫املس تقمي ‪ -‬وإان اكن الثاين أقل اإلزامية من الول‪ -‬ومن وجد الثالث فطريقه هجاد العمل‬
‫والبيان ضد الاحنراف وال لل‪ .‬وسلحه المتكن يف عمل الكتاب والس نة وألت‬
‫اس تنتاهجام‪ .‬وطريق طلب العمل حيتاج اإىل الاجهتاد العقيل واجلسدي وطهارة القصد‬
‫وسلمة القلب‪.‬‬
‫والوصفة القرأنية ملن حبث عن اخملرج من لك ضيق وأزمة يه تقوى هللا عز‬
‫اّلل ا ْجي اع ْل ا ُهل امخْ ارجا} فتقوى هللا جتعل الإنسان يتجنب‬ ‫وجل‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬او ام ْن ياتَّ هق َّ ا‬
‫تعقيد املشالك وخيرج الإنسان من اتباع هواه‪ ،‬بل يتحرى ما هو أقرب اإىل رِض هللا‬
‫وإاىل الصواب‪ ،‬فاإن اتباع الهوى هو اذلي يعمي البصرية ويعمق املشالك‪ ،‬وتقوى هللا متنح‬

‫‪7‬‬
‫سورة الجمعة‪:‬‬
‫‪73‬‬
‫مجموع فتاوى ابن تيمية‪334/ 4 :‬‬
‫‪78‬‬
‫سورة الطالق‪:‬‬
‫‪37‬‬
‫الإنسان القدرة الفائقة عىل التفريق بني اخلري والرش واحللل واحلرام وبني مرايض هللا‬
‫اّلل ا ْجي اع ْل لا ُ ْمك فُ ْرقااان}‬
‫ومساخطه‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬ااي َأهيُّ اا َّ هاذل اين أ امنُوا ا ْن تاتَّ ُقوا َّ ا‬
‫ِ‬
‫ويكون ترك احلرام واتقاء الش هبات أمه ما يتطلبه أمر التقوى اإذا اشتهبت‬
‫المور‪ ،‬وأمه ما ورد يف هذا اخلصوص هو ما رواه الش يخان وغريهام عن النعامن بن بشري‬
‫ريض هللا عنه أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يقول‪ :‬ا َّن الْ اح ال ال ب ا ه ّني اوا َّن الْ اح ارا ام‬
‫ات ْاس ِتا ْ ارب َأ ه هدلي هن هه‬ ‫ب ا ه ّني‪ ،‬اوبايْهنا ُ اما ُم ْشتاهبه اات ال ي ا ْعلا ُمه َُّن اك هثري هم ْن النَّ هاس‪ ،‬فا ام ْن ات َِّقاى ُّ‬
‫الش هبُ ا ه‬
‫وش ُك َأ ْن‬ ‫ات اوقا اع هيف الْ اح ارا هم‪ ،‬ااك َّلرا هعي يا ْر اعى اح ْو ال الْ هح امى يُ ه‬ ‫الش هبُ ا ه‬‫او هع ْر هض هه‪ ،‬او ام ْن اوقا اع هيف ُّ‬
‫اّلل ام اح هار ُم ُه‪َ ،‬أ ال اوا َّن هيف الْ اج اس هد ُم ْ غاة‬ ‫كل همحى‪َ ،‬أ ال اوا َّن ه امحى َّ ه‬ ‫يا ْرتا اع هفي هه‪َ ،‬أ ال اوا َّن هل ُ هّ‬
‫لك ام ه ٍ‬
‫ِا اذا اصلا اح ْت اص ِلا اح الْ اج اسدُ ُُكُّ ُه اوا اذا فا اسدا ِ ْت فا اسدا الْ اج اسدُ ُُكُّ ُه‪َ ،‬أ ال او ه ِ ا‬
‫يه الْقالْب‪.‬‬
‫وبطبيعة احلال هذا ال ِإجامل ل يغِن عن التفصيل‪ ،‬فاإن الش يطان – كام يقولون‪-‬‬
‫يمكن يف التفاصيل‪ .‬ولكن املبدأ ل يتغري‪ ،‬فكام أن التقوى يه املفتاح يف مجمل المور‪،‬‬
‫فاإهنا أي ا تفتح املغاليق يف تفاصيلها‪ .‬ول جيب أن نتصور أن الإسلم يقدم لنا عصا‬
‫حسرية حتل لك مشالك الناس برضبة واحدة‪ ،‬بل الإسلم دلةل عىل الطريق ومعامل تبني‬
‫الوهجات وأضواء تسلط عىل ملمح المور‪ ،‬مث عىل الإنسان الاجهتاد يف اإكامل املسري‬
‫وفقا لتكل املعطيات‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫سورة األنفال‪4 :‬‬
‫‪77‬‬
‫أخرجه البخاري ( ‪ 43/‬رقم‪ 3 /7 ،53 :‬رقم‪ ) 4 3 :‬ومسلم (‪ 43/4‬رقم‪ ) 447 :‬واللفظ له‬
‫‪38‬‬
‫فقه االختالف واالئتالف‬

‫وليس من الرضوري أن حنسم لك خلف حصل بني الناس‪ ،‬بل هناك‬


‫مساحات واسعة أاتح الرشع الاختلف ف ما‪ ،‬وإامنا اخلطر هو يف اخللف اذلي يؤدي‬
‫اإىل الزناع والشقاق‪ ،‬والاختلف س نة كونية يف البرش‪ ،‬وقد اختلف النبياء فامي بيهنم كام‬
‫اختلف داود مع سلامين واختلف موىس مع هارون ‪ ،‬واختلف أي ا موىس مع‬
‫خرض ‪ ،‬واختلف أي ا امللئكة فامي بيهنم ‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهذا ُكه خلف داخل اإطار‬

‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ان ِفي ا ْلحر ِث إِ ْذ َنفَ َش ْ ِ ِ‬


‫ت فيه َغَن ُم ا ْلقَ ْوِم َو ُكَّنا ل ُح ْكم ِه ْم َشاهد َ‬ ‫ان إِ ْذ َي ْح ُك َم ِ‬ ‫‪77‬‬
‫ين ‪.‬‬ ‫َْ‬ ‫ود َو ُسلَْي َم َ‬
‫قال تعالى‪َ { :‬وَد ُاو َ‬
‫ان َو ُك اال آَتَْيَنا ُح ْك ًما َو ِع ْل ًما} [سورة األنبياء‪ ]74 – 74 :‬أخرج البيهقي والحاكم َع ِن ْاب ِن َم ْس ُعوٍد‬ ‫اها ُسلَْي َم َ‬ ‫َّمَن َ‬
‫فَفَه ْ‬
‫ت ِف ِ‬ ‫ان ِفى ا ْل َح ْر ِث إِ ْذ َنفَ َش ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫يه َغَن ُم ا ْلقَ ْوِم) قَا َل‪َ :‬ك ْرٌم‬ ‫ان إِ ْذ َي ْح ُك َم ِ‬‫َرض َى اللهُ َع ْنهُ فى قَ ْولِه َعَّز َو َج َّل ( َوَد ُاوَد َو ُسلَْي َم َ‬
‫لسالَم بِا ْل َغَنِم لِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َعَن ِاق ُ‬
‫ان‪َ :‬غ ْي َر َه َذا َيا‬ ‫صاح ِب ا ْل َك ْرِم‪ .‬فَقَا َل ُسلَْي َم ُ‬ ‫َ‬ ‫ضى َد ُاوُد َعلَْيه ا َّ ُ‬ ‫يدهُ فَأَ ْف َس َدتْهُ‪ .‬قَا َل‪ :‬فَقَ َ‬ ‫َوقَ ْد أ َْنَبتَ ْ‬
‫وم َعلَْي ِه َحتَّى َي ُع َ‬
‫ود‬ ‫ِ‬ ‫ك؟ قَا َل‪ :‬تَ ْدفَع ا ْل َك ْرم إِلَى َ ِ ِ‬
‫صاحب ا ْل َغَنم‪ ،‬فََيقُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َنبِ َّى اللَّ ِه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قَا َل‪َ :‬و َما َذا َ‬
‫احبِ ِه‬
‫ت ا ْل َكرم إِلَى ص ِ‬
‫َ‬ ‫ان َدفَ ْع َ ْ َ‬ ‫ان ا ْل َك ْرُم َك َما َك َ‬ ‫يب م ْنهَا َحتَّى إِ َذا َك َ‬
‫ص ِ‬ ‫ِ‬
‫صاح ِب ا ْل َك ْرِم‪ ،‬فَُي ُ‬
‫ِ‬
‫ان‪َ ،‬وتَ ْدفَعُ ا ْل َغَن َم إِلَى َ‬ ‫َك َما َك َ‬
‫احبِهَا‪( .‬السنن الكبرى‪ 8 7/ 3 :‬باب اجتهاد الحاكم فيما يسوغ فيه االجتهاد وهو من‬ ‫ت ا ْل َغَنم إِلَى ص ِ‬ ‫َوَدفَ ْع َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سليمان ولم َيلُم‬
‫َ‬ ‫أهل االجتهاد‪ .‬والمستدرك‪ 834/4 :‬رقم‪ )8 33 :‬وقال البخاري معلقا هذه القضية‪" :‬فحمد‬
‫داود‪ ،‬ولوال ما ذكر اهلل من أمر هذين‪ ،‬لرأيت أن القضاة هلكوا‪ ،‬فإنه أثنى على هذا بعلمه‪ ،‬وعذر هذا‬
‫‪ 4 /‬باب متى يستوجب الرجل القضاء)‪.‬‬ ‫باجتهاده‪( ".‬صحيح البخاري‪:‬‬
‫‪74‬‬
‫انظر سورة األعراف‪ 53 :‬وسورة مريم‪48-4 :‬‬
‫‪74‬‬
‫سورة الكهف‪4 -73 :‬‬
‫َن‬‫ي أ َّ‬‫‪ 43‬فقد اختلفوا في رجل قتل مائة نفس ثم تاب ولم يعمل خي ار قط كما روى الشيخان َع ْن أَبِي َس ِع ٍيد ا ْل ُخ ْد ِر ِّ‬
‫َه ِل‬‫َعلَِم أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َنبِ َّي اللَّ ِه صلَّى اللَّه علَْي ِه وسلَّم قَا َل َك ِ‬
‫ين َن ْف ًسا فَ َسأَ َل َع ْن أ ْ‬ ‫ان قَْبلَ ُك ْم َر ُج ٌل قَتَ َل ت ْس َعةً َوتِ ْسع َ‬ ‫يم ْن َك َ‬ ‫ان ف َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َََ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ين َن ْف ًسا فَهَ ْل لَهُ م ْن تَ ْوَبة فَقَا َل َال فَقَتَلَهُ فَ َك َّم َل به م َائةً ثَُّم‬ ‫ض فَ ُد َّل َعلَى َراهب فَأَتَاهُ فَقَا َل إنهُ قَتَ َل ت ْس َعةً َوت ْسع َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ْاأل َْر ِ‬
‫س فَهَ ْل لَهُ ِم ْن تَ ْوَب ٍة فَقَا َل َن َع ْم َو َم ْن َي ُحو ُل‬ ‫ض فَ ُد َّل َعلَى َر ُج ٍل َعالٍِم فَقَا َل إَِّنهُ قَتَ َل ِم َائةَ َن ْف ٍ‬ ‫َه ِل ْاألَْر ِ‬ ‫َعلَِم أ ْ‬
‫َسأَ َل َع ْن أ ْ‬
‫اعب ْد اللَّه معهم وَال تَر ِجع إِلَى أَر ِ‬ ‫َّ‬ ‫َب ْيَنهُ وَب ْي َن التَّ ْوَب ِة ْانطَلِ ْق إِلَى أ َْر ِ‬
‫ك‬‫ضَ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ُْ َ ْ ْ‬ ‫ون اللهَ فَ ْ ُ‬ ‫ض َك َذا َو َك َذا فَِإ َّن بِهَا أَُن ً‬
‫اسا َي ْعُب ُد َ‬ ‫َ‬
‫َّحم ِة وم َالئِ َكةُ ا ْل َع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اب‬ ‫الر‬
‫ََ َ ُ ْ َ َ َ‬ ‫ة‬ ‫ك‬ ‫ئ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫يه‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫اخ‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫َ َ ُ َْْ ُ َ ْ َ َ َ ْ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫اه‬ ‫َت‬
‫أ‬ ‫يق‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫الط‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫ن‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ا‬‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ى‬ ‫ت‬ ‫فَِإَّنهَا ْ ُ َ ْ َ ْ ََ َ َ‬
‫ح‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫ان‬‫ف‬ ‫ء‬‫ٍ‬‫و‬ ‫س‬ ‫ض‬ ‫َر‬
‫أ‬
‫ك ِفي‬ ‫ُّ‬ ‫ت م َالئِ َكةُ ا ْل َع َذ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّحم ِة َج َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم َملَ ٌ‬ ‫اب إَِّنهُ لَ ْم َي ْع َم ْل َخ ْي ًار قَط فَأَتَ ُ‬ ‫اء تَائًبا ُم ْقب ًال ب َق ْلبه إلَى الله َوقَالَ ْ َ‬ ‫ت َم َالئ َكةُ الر ْ َ‬ ‫فَقَالَ ْ‬
‫اسوهُ فَ َو َج ُدوهُ أ َْدَنى إِلَى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صورِة َ ِ‬
‫ان أ َْدَنى فَهُ َو لَهُ فَقَ ُ‬ ‫ض ْي ِن فَِإلَى أَيَّت ِه َما َك َ‬ ‫يسوا َما َب ْي َن ْاأل َْر َ‬‫آدم ٍّي فَ َج َعلُوهُ َب ْيَنهُ ْم فَقَا َل ق ُ‬ ‫ُ َ‬
‫‪39‬‬
‫متفق عليه‪ ،‬فليس اخللف يف الإطار العام الواسع اذلي ل جيوز اخلروج عنه‪ ،‬ولكن يف‬
‫تفاصيل داخل الإطار وهو سائغ مقبول رشعا ول يرض‪.‬‬
‫والاختلف نوعان‪ ،‬اختلف تنوع واختلف ت اد‪ ،‬أما اختلف التنوع فهو‬
‫يؤدي اإىل الرثاء الفكري وكرثة اخليارات والتوسعة عىل الناس‪ ،‬واختلف الت اد قد‬
‫يؤدي اإىل تصحيح الخطاء أو حتسني الش ياء أو تمكيل الناقص أو اإىل اكتشاف جديد‬
‫أف ل‪ ،‬ول يؤدي اإىل الزناع والشقاق اإل يف حاةل غياب أدب اخللف وا إلرصار عىل‬
‫اخلط إا أو عدم الاس تعداد للمراجعة أو عدم سعة الصدر لوجود الرأي الخر‪.‬‬
‫وقد دعت نصوص القرأن والس نة اإىل احلفاظ عىل وحدة المة وعدم الاختلف‬
‫املؤدي اإىل التفرق‪ ،‬واكن أمه راكئز دعوة النبياء عىل أمرين هام اإقامة ادلين وعدم التفرق‬
‫رش اع لا ُ ْمك هم ان ّ هادل هين اما او ََّّص هب هه ن ُوحا او َّ هاذلي َأ ْو اح ْيناا ال ا ْي اك او اما او َّص ْيناا هب هه‬ ‫فيه‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬ا ا‬
‫ِ‬
‫وىس او هع ايس‪َ :‬أ ْن َأ هقميُوا ّ هادل اين او ال تا ات اف َّرقُوا هفي هه}‬ ‫ا ْب ارا هه امي او ُم ا‬
‫ِ‬
‫قال ابن كثري يف تفسري هذه الية‪ :‬وَّص هللا تعاىل مجيع النبياء‪ ،‬عل مم السلم‪،‬‬
‫بلئتلف وامجلاعة‪ ،‬وهنامه عن الافرتاق والاختلف‪.‬‬
‫قال الش يخ محمد أمني الش نقيطي‪" :‬وما ت منته هذه الية الكرمية من الهنيي عن‬
‫الافرتاق يف ادلين‪ ،‬جاء مبينا يف غري هذا املوضع‪ ،‬وقد بني تعاىل أنه وَّص خلقه بذِل‪،‬‬
‫مفن الايت ادلاةل عىل ذِل‪ ،‬قوهل تعاىل {واعتصموا ه احب ْب هل هللا ا همجيعا او ال تا اف َّرقُو ْا} الية ‪.‬‬
‫رصا هطي ُم ْس تا هقامي فاتبعوه او ال تات َّ هب ُعو ْا الس بل فاتا اف َّر اق هب ُ ْمك اعن اسب ه ه‬
‫هيهل‬ ‫وقوهل تعاىل ‪ { :‬او َأ َّن هذا ه ا‬
‫ون} وقد بني تعاىل يف بعض املواضع أن بعض الناس ل جيتنبون‬ ‫ذلمك او َّص ُ ْامك هب هه لا اعل َّ ُ ْمك تاتَّ ُق ا‬
‫هذا الهنيي ‪ ،‬وعددمه عىل ذِل كقوهل تعاىل ‪{ :‬ا َّن اذلين فا َّرقُو ْا هديهنا ُ ْم او ااكنُو ْا هش ايعا ل َّ ْس ات‬
‫ِ‬

‫‪ ،3‬ومسلم‪ 334/ 3 :‬رقم‪:‬‬ ‫‪ 44/‬رقم‪:‬‬ ‫َّح َم ِة‪( .‬أخرجه البخاري‪:‬‬


‫ضتْهُ َم َالئِ َكةُ الر ْ‬ ‫ْاألَر ِ َّ ِ‬
‫ض التي أ ََر َاد فَقََب َ‬ ‫ْ‬
‫‪)8477‬‬
‫‪4‬‬
‫سورة الشورى‪8 :‬‬
‫‪4‬‬
‫تفسير القرآن العظيم‪45/7 :‬‬
‫‪43‬‬
‫سورة آل عمران ‪33 :‬‬
‫‪48‬‬
‫سورة األنعام ‪53 :‬‬
‫‪41‬‬
‫ون} لن قوهل { ل َّ ْس ات همهنْ ُ ْم هيف‬ ‫ءي ٍء ان َّ امأ َأ ْم ُر ُ ْمه ا اىل هللا ُ َّمث يُنا هبّهئُ ُم هب اما ااكنُو ْا ي ا ْف اعلُ ا‬
‫ْ‬ ‫همهنْ ُ ْم هيف ا‬
‫ِ ْ ُ ِ‬
‫ون } فيه هتديد عظمي هلم‪.‬‬ ‫ءيء } اإىل قوهل { ي اف اعل ا‬ ‫اْ‬
‫وقوهل تعاىل يف سورة {قادْ أَفْلا اح املؤمنون} ‪ { :‬اوا َّن هذه أُ َّم ُت ُ ْمك ُأ َّمة اوا هحدا ة او َأانا ْ‬
‫ون فا اذ ْر ُ ْمه هيف ا ْمغ ارهته ه ْم حَّت‬ ‫لك هح ْز ٍب هب اما ا ادلهيْ ه ْم ِفا هر ُح ا‬ ‫اربُّ ُ ْمك فاتقون فتقطعوا َأ ْم ار ُ ْمه بايْهنا ُ ْم ُزبُرا ُ ُّ‬
‫هحنيٍ } ‪.‬‬
‫فقوهل { اوا َّن هذه ُأ َّم ُت ُ ْمك ُأ َّمة اوا هحدا ة } أي اإن هذه رشيعتمك رشيعة واحدة ودينمك‬
‫وربمك واحد فل تتفرقوا يف ادلين‪.‬‬ ‫دين واحد ‪ِ ،‬‬
‫وقوهل جل وعل ‪ { :‬فتقطعوا َأ ْم ار ُ ْمه بايْهنا ُ ْم ُزبُرا } دليل عىل أهنم مل جيتنبوا ما هنوا‬
‫عنه من ذِل ‪.‬‬
‫وقوهل تعاىل ‪ { :‬فا اذ ْر ُ ْمه هيف ا ْمغ ارهته ه ْم حَّت هحنيٍ } فيه هتديد هلم ووعيد عظمي عىل‬
‫ذِل ‪ .‬ونظري ذِل قوهل تعاىل يف سورة النبياء ‪ { :‬ا َّن هذه ُأ َّم ُت ُ ْمك ُأ َّمة اوا هحدا ة او َأانا ْ اربُّ ُ ْمك‬
‫لك ال ا ْيناا ار هاج ُعون }‬ ‫ون } ِفقوهل تعاىل ‪ٌّ ُ { :‬‬ ‫لك الا ْيناا ار هاج ُع ا‬ ‫فاعبدون وتقطعوا َأ ْم ار ُ ْمه بايْهنا ُم ُ ٌّ‬
‫ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫فيه اي ا هتديد هلم ووعيد عىل ذِل وقد أوحضنا تفسري هذه الايت يف أخر سورة‬
‫النبياء يف الالكم عىل قوهل تعاىل { ا َّن هذه ُأ َّمتُ ُ ْمك ُأ َّمة اوا هحدا ة } الية ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ونبه ابن عاشور رمحه هللا أن اخللف املهنيي هنا هو اخللف يف أصوهل وقواعده‬
‫يل ب ا ْع ه هاا فا اي ْن اخ هر ُم ب ا ْع ُض َأ اس هاس‬ ‫ومقاصده‪ ،‬فاا َّن هال ْخ هت ال اف هيف ْ ُال ُصوله يُ ْف هيض ا اىل تا ْع هط ه‬
‫ِ‬
‫ّ هادل هين‪ .‬مث ِقال‪ " :‬اوأما هال ْخ هت ال ُف هيف فُ ُرو هع هه ه احب اس هب ا ْس تهنْ اب هاط َأه هْل الْ هع ْ همل هب ّ هدل هين فا اذ ه اِل هم ان‬

‫‪45‬‬
‫سورة األنعام ‪54 :‬‬
‫‪47‬‬
‫سورة المؤمنون ‪:‬‬
‫‪47‬‬
‫سورة المؤمنون‪58 - 5 :‬‬
‫‪44‬‬
‫سورة األنبياء ‪43 - 4 :‬‬
‫‪44‬‬
‫سورة اإلنبياء ‪4 :‬‬
‫‪43‬‬
‫أضواء البيان‪73/7 :‬‬
‫‪4‬‬
‫التحرير والتنوير‪57/ 5 :‬‬
‫‪41‬‬
‫اّلل هب هه خ ْاريا يُ اف هقّهُ ُه هيف‬
‫هللا عالا ْي هه او اس َّ امل ‪ « :‬ام ْن يُ هر هد َّ ُ‬
‫التَّ افقُّ هه الْ او هار هد هفي هه قاول النيبء اص َّىل ُ‬
‫ّ هادل هين» ‪".‬‬
‫وقال اللويس‪" :‬ول تتفرقوا يف ادلين اذلي هو عبارة عام تقدم من الصول بأن‬
‫يأيت به بعض ول يأيت بعض ويأيت بعض ببعض منه دون بعض وهو مراد مقاتل أي ل‬
‫ختتلفوا فيه ‪ ،‬ول يشمل هذا الهنيي عن الاختلف يف الفروع فاإهنا ليست من الصول‬
‫نمك ه ْ‬
‫رشعاة‬ ‫لك اج اعلْناا هم ُ ْ‬ ‫املرادة هنا ومل يتحد هبا النبيون كام يؤذن بذِل قوهل تعاىل ‪ { :‬هل ُ ّ‬
‫ومهناجا} ‪".‬‬
‫ول شك أن التفاق يف الفروع اإذا أمكن التوصل اإليه فيه فاإنه مطلب عزيز‬
‫ومرغوب فيه‪ ،‬ولكن مسائل الفروع أصعب من أن تن بط‪ ،‬وحصوهل عىل وجه اكمل‬
‫حمال‪ ،‬وقد اكن حصابة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل اختلفوا عىل مسائل كثرية يف‬
‫الفروع‪ ،‬ومه أعمل الناس بدلين‪ ،‬وأعرفهم بلدةل‪ ،‬ومع ذِل مل مينع ذِل من الاختلف يف‬
‫فروع الفقه‪ ،‬فاخللف يف الفروع ل مفر منه‪ ،‬ولكنه ل جيوز أن يؤدي اإىل التفرق‪ ،‬فاإن‬
‫أصول ادلين العامة مجعت املسلمني اكفة رمغ اختلفهم يف الفروع‪.‬‬
‫قال ش يخ الإسلم ابن تميية رمحه هللا‪" :‬اكنوا يتناظرون يف املسائل العلمية‬
‫والعملية مع بقاء اللفة والعصمة وأخوة ادلين‪ ،‬ولو اكن ُكام اختلف مسلامن يف ءيء‬
‫هتاجرا مل يبق بني املسلمني عصمة ول أخوة‪".‬‬
‫والصل يف املسلمني أن يتحدوا همام اختلفت أراؤمه يف مسائل ل متس أصل‬
‫الإميان ول تعارض أسس الإسلم‪ ،‬والتنازل عن الفرع من أجل أبقاء الصل هو عني‬
‫احلمكة‪ ،‬وعرب عن ذِل خري تعبري ابن تميية حيث يقول‪" :‬الاعتصام بمجلاعة واللفة أصل‬

‫‪4‬‬
‫رقم‪ )74 :‬ومسلم (‪ 34/5‬رقم‪) 7 4 :‬‬ ‫أخرجه البخاري ( ‪7/‬‬
‫‪43‬‬
‫التحرير والتنوير‪57/ 5 :‬‬
‫‪48‬‬
‫سورة المائدة ‪84 :‬‬
‫‪45‬‬
‫روح المعاني‪84/ 4 :‬‬
‫‪47‬‬
‫مجموع الفتاوى‪73– 7 /8 :‬‬
‫‪42‬‬
‫من أصول ادلين‪ ،‬والفرع املتنازع من الفروع اخلفية فكيف يقدح يف الصل حبفظ‬
‫الفرع"‬
‫وللعلمة محمد رش يد رضا يف تفسري هذه قول هللا تعاىل‪ { :‬اوا ْعتا هص ُموا ه احب ْب هل َّ ه‬
‫اّلل‬
‫ا همجيعا او ال تا اف َّرقُوا} الكم نفيس أنقهل بطوهل قال‪ ..." :‬فهو يوجب علينا أن جنعل أن‬
‫اجامتعنا ووحدتنا بكتابه ‪ ،‬عليه جنمتع ‪ ،‬وبه نتحد ‪ ،‬ل جبنس يات نتبعها ‪ ،‬ول مبذاهب‬
‫نبتدعها ‪ ،‬ول مبواضعات ن عها ‪ ،‬ول بس ياسات رخرتعها ‪ ،‬مث هناان عن التفرق والانفصام‬
‫بعد هذا الاجامتع والاعتصام ‪ ،‬ملا يف التفرق من زوال الوحدة اليت يه معقد العزة والقوة‬
‫‪ ،‬وبلعزة يعَت احلق فيعلو يف العاملني ‪ ،‬وبلقوة حيفظ هو وأههل من جهامت املواثبني وكيد‬
‫الاكئدين‪ ،‬فهذا المر والهنيي يف معىن المر والهنيي يف قوهل ‪ -‬تعاىل ‪{ : -‬وأن هذا رصاطي‬
‫مس تقامي فاتبعوه ول تتبعوا الس بل فتفرق بمك عن سبيهل} حفبل هللا هو رصاطه وسبيهل‬
‫‪ ،‬وما أرشان اإليه هنا من بيان أنواع التفرق هو الس بل اليت هنيي عن اتباعها يف تكل الية‬
‫‪ ،‬ويه قد نزلت قبل هذه اليت نفرسها ؛ لهنا يف سورة النعام ويه مكية ‪ ،‬وسورة أل‬
‫معران مدنية ‪ ،‬فكنه قال ‪ :‬ول تفرقوا بتباع الس بل غري سبيل هللا اذلي هو كتابه ‪.‬‬
‫مفن تكل الس بل املفرقة ‪ :‬اإحداث املذاهب والش يع يف ادلين كام قال ‪ :‬اإن اذلين‬
‫فرقوا ديهنم واكنوا ش يعا لست مهنم يف ءيء}‬
‫ومهنا عصبية اجلنس ية اجلاهلية ويه اليت نزلت الية اليت نفرسها وما معها ف ما ‪،‬‬
‫ملا اكن بني الوس واخلزرج ما اكن كام تقدم ‪ ،‬وورد يف الهنيي عهنا أحاديث كثرية حصاح‬
‫وحسان كقوهل ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪ : -‬أبغض الناس اإىل هللا ثلثة ‪ :‬ملحد يف احلرم ‪،‬‬
‫ومبتغ يف الإسلم س نة اجلاهلية ‪ ،‬ومطلب دم امرئ مسمل بغري حق ل مريق دمه رواه‬

‫‪47‬‬
‫‪58/‬‬ ‫مجموع الفتاوى‪:‬‬
‫‪44‬‬
‫سورة آل عمران‪33 :‬‬
‫‪44‬‬
‫سورة األنعام‪53 :‬‬
‫‪33‬‬
‫سورة األنعام ‪54 :‬‬
‫‪43‬‬
‫البخاري من حديث ابن عباس ‪ ،‬وقوهل ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪ : -‬ليس منا من دعا اإىل‬
‫عصبية رواه أبو داود من حديث جبري بن مطعم ‪.‬‬
‫وقد اعتصم يف هذا العرص أهل أورب بلعصبية اجلنس ية كام اكنت العرب يف‬
‫اجلاهلية ‪ ،‬فرسى مس ذِل اإىل كثري من متفرجنة املسلمني ‪ ،‬حفاول بع هم أن جيعلوا يف‬
‫املسلمني جنس يات وطنية لتعذر اجلنس ية النسبية ‪ ،‬ويوجد يف مرص من يدعو اإىل هذه‬
‫العصبية اجلاهلية خمادعني للناس بأهنم بذِل يهن ون بلوطن ويعلون شأنه ‪ ،‬وليس المر‬
‫كذِل فاإن حياة الوطن وارتقاءه بحتاد لك املقميني فيه عىل اإحيائه ‪ ،‬ل يف تفرقهم ووقوع‬
‫العداوة والبغ اء بيهنم ول س امي املتحدين مهنم يف اللغة وادلين أو أحدهام ‪ ،‬فاإن هذا من‬
‫مقدمات اخلراب وادلمار ‪ ،‬ل من وسائل التقدم والعمران ‪ ،‬فالإسلم يأمر بحتاد اتفاق‬
‫لك قوم ت مهم أرض وحتمكهم الرشيعة عىل اخلري واملصلحة ف ما ‪ -‬وإان اختلفت أدايهنم‬
‫وأجناسهم ‪ -‬ويأمر مع ذِل بتفاق أوسع ‪ ،‬وهو الاعتصام حببل هللا بني مجيع القوام‬
‫والجناس ‪ ،‬لتتحقق بذِل الخوة يف هللا ؛‬
‫مث قال انقل عن الس تاذ المام محمد عبده‪ :‬التفرق والاختلف قسامن ‪ :‬قسم ل‬
‫ميكن أن يسمل منه البرش ‪ ،‬فالهنيي عنه من قبيل تَكيف ما ل يس تطاع ‪ ،‬وليس مبراد يف‬
‫الايت ‪ ،‬وقسم ميكن الاحرتاس منه وهو املراد هبا ‪.‬‬
‫أما الول ‪ :‬فهو اخللف يف الفهم والرأي ‪ ،‬ول مفر منه لنه مما فطر عليه البرش‬
‫‪ ،‬كام قال ‪ -‬تعاىل ‪{ : -‬ول يزالون خمتلفني اإل من رمح ربك وذلِل خلقهم} فاس تواء‬
‫الناس يف العقول والفهام مما ل سبيل اإليه ول مطمع فيه ‪ ،‬اإذ هو من قبيل احلب‬
‫والبغض ‪ ،‬فالإخوة الشقاء يف البيت الواحد ختتلف أفهاهمم يف اليشء كام خيتلف حهبم هل‬
‫وميلهم اإليه ‪.‬‬
‫وأما الثاين ‪ - :‬وهو ما جاءت الداين حملوه ‪ -‬فهو حتكمي الهواء يف ادلين‬
‫والحاكم ‪ ،‬وهو أشد الش ياء رضرا يف البرش ؛ لنه يطمس أعلم الهداية اليت يلجأ اإل ما‬
‫يف إازاةل امل ار اليت يف النوع الول من اخللف ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪4،‬‬ ‫سورة هود‪4 :‬‬
‫‪44‬‬
‫أما كون القسم الول غري ضار فهو ما يعرفه لك أحد من نفسه ‪ ،‬ذكر ذِل‬
‫الس تاذ الإمام ورضب هل املثل بنفسه ‪ ،‬فقال ما مثاهل ‪ :‬اإن بيِن وبني بعض أحصايب‬
‫الصادقني يف حمبيت وإارادة اخلري يل خلفا يف اإلقاء هذا ادلرس هنا ‪ ،‬فأان أعتقد أن اإلقاء‬
‫درس التفسري يف الزهر معل واجب عيل وخري يل ‪ ،‬ول أشك يف هذا كام أنِن ل أشك‬
‫يف هذا ال وء اذلي أمايم ‪ ،‬ويوجد من أحصايب من يعتقد أن ترك هذا ادلرس خري يل‬
‫من قراءته ‪ ،‬وحياجوين يف ذِل قائلني ‪ :‬اإن تأخري لجل ادلرس اإىل الليل ضار بصحيت‬
‫وإانه مثري حلسد احلاسدين يل ‪ ،‬ودافع هلم اإىل الكيد وا إليذاء ‪ ،‬وأن ادلرس نفسه عقمي ؛‬
‫لن أكرث اذلين يسمعونه ل يفقهون ما أقول ول يفهمون ‪ ،‬ومن فهم ل يرىج أن يعمل به‬
‫لغلبة فساد الخلق ‪ ،‬هذه جحة بعض أحصايب يف خمالفة رأِي واعتقادي يرصحون يل هبا‬
‫‪ ،‬ومع ذِل ألقامه ويلقونِن مل ينقص ذِل من مودتنا شيئا ‪ ،‬ف ل عن أن يكون مثارا‬
‫للعداوة والبغ اء بيننا ‪ ،‬فأان أعذرمه يف رأهيم مع اعتقادي بإخلصهم ‪ ،‬ومه يعذرونِن‬
‫كذِل ‪ ،‬ولنفرض أن اخللف بيننا يف مسأةل دينية كن أعتقد أان أن فعل كذا حرام ومه‬
‫يعتقدون حهل ‪ ،‬أاكن يكون بيننا تفرق لجهل ؟ الك ل ريب عندي ‪ ،‬اإنه ل فرق بني‬
‫اخللفني وإاننا نبقى عىل هذا اخللف أصدقاء ‪.‬‬
‫مث قال ما مثاهل مبسوطا ‪ :‬كذِل اكن اخللف بني علامء السلف وأمئة الفقهاء ‪.‬‬
‫مفاِل قد نشأ يف املدينة ورأى ما اكن عليه أهلها من حسن احلال وسلمة القلوب ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬اإن معل أهل املدينة أصل من أصويل ؛ لهنم عىل حسن حاهلم وقرب عهدمه‬
‫بلنيب وأحصابه ل يتفقون عىل غري ما م ت عليه الس نة معل ‪ .‬وأما أبو حنيفة فنشأ يف‬
‫العراق‪ ،‬فهو معذور اإذ مل حيتج بعملهم ول بعمل غريمه قياسا عل مم ‪ ،‬ولو اجمتعا لعذر لك‬
‫مهنام الخر ؛ لنه بذل هجده يف استبانة احلق مع الإخلص هلل ‪ -‬تعاىل ‪ ، -‬وإارادة اخلري‬
‫والطاعة ‪ ،‬وقد نقل عن المئة أن لك واحد اكن يعذر الخرين فامي خالفوه فيه ‪ ،‬ولكن‬
‫تنكب هذه الطريقة طوائف جاءت بعدمه تقْلمه فامي نقل من مذاههبم ل يف سريهتم ‪،‬‬
‫حَّت صار الهوى هو احلامك يف ادلين ‪ ،‬وصار املسلمون ش يعا ‪ ،‬يتعصب لك فريق اإىل‬
‫رأي من مسائل اخللف ‪ ،‬ويعادي الخر اإذا خالفه فيه ‪ ،‬واكن من جراء ذِل ما هو‬
‫مدون يف التارخي ‪ ،‬وما ذِل اإل لن احلق مل يكن هو مطلوب هؤلء املتعصبني ‪ ،‬وإال‬
‫‪45‬‬
‫فباهلل كيف يصدق أن يكون الإمام الشافعي – مثل‪ -‬مصيبا يف لك ما خالف به غريه ؟‬
‫وإاذا اكن الصواب يف بعض املسائل الاجهتادية مع غريه ؟ فكيف يعقل أن مير أكرث من‬
‫ألف س نة عىل فقهاء مذهبه ول يظهر هلم ءيء من ذِل فريجعوا عن قوهل اإىل ما ظهر‬
‫هلم أنه الصواب من مذهب غريه كيب حنيفة أو ماِل ؟ وهذا ما يقال يف أتباع لك‬
‫مذهب ‪.‬‬
‫هذا النوع من اخللف هو اذلي ذلت به المم بعد عزها ‪ ،‬وهوت بعد رفعهتا‬
‫وضعفت بعد قوهتا ‪ ،‬هو الافرتاق يف ادلين وذهاب أههل مذاهب جتعلهم ش يعا تتحمك‬
‫ف مم الهواء كام حصل من الفرق الإسلمية ‪ ،‬ل ياكد أحدمه يعمل أن الخر خالفه يف‬
‫رأي اإل ويبادر اإىل الرد عليه بلتأليف وبذل اجلهد يف ت ليهل وتفنيد مذهبه ‪ ،‬ويقابهل‬
‫الخر مبثل ذِل ‪ ،‬ل حياول أحد مهنم حمادثة الخر والاطلع عىل دلئهل ووزهنا مبزيان‬
‫الإنصاف والعدل ‪ ،‬فالواجب أول ‪ :‬حماوةل الفهم والإفهام يف البحث واملذاكرة ‪ -‬أي ولو‬
‫كتابة ‪ -‬واثنيا ‪ :‬أل يكون اخللف مفرقا بني اخملتلفني يف ادلين ‪ .‬قال ‪ :‬مفا دام املسمل ل‬
‫خيل بنصوص كتاب هللا ول بحرتام الرسول ‪ -‬صىل هللا عليه وسمل ‪ -‬فهو عىل اإسلمه‬
‫ل يكفر ول خيرج من جامعة املسلمني ‪ ،‬فاإذا حتمك الهوى فلعن بع هم بع ا وكفر بع هم‬
‫بع ا فقد بء هبا من قالها كام ورد يف احلديث ‪.‬‬
‫مث قال ‪ :‬ومثل الاختلف يف ادلين الاختلف يف املعامةل ‪ ،‬ل جيوز أن يكون‬
‫مفرقا بني املؤمنني ‪ ،‬بل يرجعون يف الزناع اإىل حمك هللا وأهل اذلكر مهنم ؛ يعِن أويل‬
‫المر ‪ ،‬ومه أهل العمل والرأي يف مصاحل المة ‪ .‬فاإذا امتثلنا أمر هللا وهنيه فاتقينا اخللف‬
‫اذلي لنا عنه مندوحة ‪ ،‬وحمكنا كتاب هللا ومن أمر هللا بلرجوع اإل مم يف مسائل الزناع‬
‫فامي نتنازع فيه أمنا من غائةل اخللف ‪ ،‬وكنا من املهتدين ‪.‬‬
‫ويدخل يف ُكمة املعامةل اليت ذكرها الس تاذ الإمام لك ما يتعلق بملصاحل العامة‬
‫من املسائل الس ياس ية واملدنية ‪ ،‬فاملرجع ف ما ُكها اإىل هدي الكتاب العزيز وس نة الرسول‬
‫ورأي أويل المر‪.‬‬
‫قال الس تاذ الإمام ‪ -‬رمحه هللا تعاىل ‪ -‬ما مثاهل ‪ :‬اإن هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬قد وضع لنا‬
‫بف هل ورمحته قاعدة نرجع اإل ما عند تفرق الهواء واختلف الراء ‪ ،‬ويه الاعتصام‬
‫‪46‬‬
‫حببهل ؛ وذلِل هناان عن التفرق بعد المر بلعتصام ‪ ،‬اذلي قلنا يف تفسريه ‪ :‬اإنه متثيل‬
‫مجلع أهواهئم وضبط إارادهتم ‪ .‬ومن القواعد املسلمة ‪ :‬أنه ل تقوم لقوم قامئة اإل اإذا اكن هلم‬
‫جامعة ت مهم ووحدة جتمعهم وتربط بع هم ببعض ‪ ،‬فيكونون بذِل أمة حية كهنا جسد‬
‫واحد ‪ ،‬كام ورد يف حديث ‪ :‬مثل املؤمنني يف توادمه وترامحهم وتعاطفهم مثل اجلسد اإذا‬
‫اش تىك منه ع و تداعى هل سائر اجلسد بلسهر وامحلى رواه أمحد ومسمل من حديث‬
‫النعامن بن بشري ‪ .‬وحديث ‪ :‬املؤمن للمؤمن اكلبنيان يشد بع ه بع ا رواه الش يخان‬
‫والرتمذي ‪ ،‬والنسايئ من حديث أيب موىس ‪ .‬فاإذا اكنت اجلامعة املوحدة للمة يه‬
‫مصدر حياهتا ‪ -‬سواء أاكنت مؤمنة أم اكفرة ‪ -‬فل شك أن املؤمنني أوىل بلوحدة من‬
‫غريمه لهنم يعتقدون أن هلم اإلها واحدا يرجعون يف مجيع ش ئوهنم اإىل حمكه اذلي يعلو‬
‫مجيع الهواء ‪ ،‬وحيول دون التفرق واخللف ‪ ،‬بل هذا هو ينبوع احلياة الاجامتعية ملا‬
‫دون المم من امجلعيات حَّت البيوت (العائلت) وملا اكن للك جامعة ولك وحدة حفاظ‬
‫حيفظها أرشدان ‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪ -‬اإىل ما حنفظ به جامعتنا اليت يه مناط وحدتنا ‪-‬‬
‫وأعِن هبا الاعتصام حببهل ‪ -‬فقال ‪ :‬ولتكن منمك أمة يدعون اإىل اخلري ويأمرون بملعروف‬
‫ويهنون عن املنكر وأولئك مه املفلحون ‪.‬اهـ‬

‫‪3‬‬
‫تفسير المنار‪3- 7/8 :‬‬
‫‪47‬‬
‫إصالح ذات البين‬

‫ذلِل فقد حث الرشع عىل تفادي اخللف والسعي احلثيث ل إلصلح بني‬
‫الناس‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭼ ‪ ،‬وقال‪ :‬ﭽ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛ ﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫وقال‪ :‬ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫ﭡﭢ ﭼ‬
‫وقال‪ :‬ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ﯥﯦﯧﭼ‬
‫ﮟﮠ ﭼ ‪ ،‬وقال‪ :‬ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂﮃﮄﭼ‬
‫عن أنس بن ماِل أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل قال‪ " :‬ال ا احت ااسدُ وا او ال‬
‫اّلل اخ اْواان‪ ،‬ا امَك َأ ام ارُ ْمك َّ ُ‬
‫اّلل‪".‬‬ ‫تا اباغا ُ وا او ال تاقا ااط ُعوا او ُكونُوا هع ابا اد َّ ه‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال‪" :‬ا َّاي ُ ْمك‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬‫اّلل اع ِ ْن ُه َأ َّن ار ُسو ال َّ ه‬ ‫يض َّ ُ‬ ‫و اع ْن َأ هيب ه اُرْي ار اة ار ه ا‬
‫ِ‬ ‫الظ َّن َأ ْك اذ ُب الْ اح هد ه‬
‫يث‪ ،‬او ال ا احت َّس ُسوا او ال ا اجت َّس ُسوا او ال تاناا اج ُشوا او ال ا احت ااسدُ وا‬ ‫الظ َّن فاا َّن َّ‬
‫او َّ‬
‫اّلل اخ اْواان‪".‬‬ ‫او ال تا اباغا ِ ُ وا او ال تادا ابا ُروا‪ ،‬او ُكونُوا هع ابا اد َّ ه‬
‫ِ‬

‫‪33‬‬
‫سورة األنفال‪:‬‬
‫‪38‬‬
‫سورة النساء‪8 :‬‬
‫‪35‬‬
‫سورة الحجرات‪3 :‬‬
‫‪37‬‬
‫سورة الحجرات‪4 :‬‬
‫‪37‬‬
‫سورة آل عم ارن‪33 :‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ 8 5/‬رقم‪)878 :‬‬ ‫أخرجه مسلم (‬
‫‪34‬‬
‫‪ 8‬رقم‪)8787 :‬‬ ‫‪/‬‬ ‫رقم‪ )5737 :‬ومسلم (‬ ‫أخرجه البخاري (‪/ 4‬‬
‫‪48‬‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‪َ :‬أ ال ُأخ ه ُْربُ ْمك هبأَفْ ا ال هم ْن‬ ‫ول َّ ه‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫و اع ْن َأ هيب ادلَّ ْرداا هء قاا ال قاا ال ار ُس ُ‬
‫الصدا قا هة؟‬
‫الص ال هة او َّ‬ ‫الص ايا هم او َّ‬ ‫د اار اج هة ّ ه‬
‫قاالُوا‪ :‬ب ا اىل‪.‬‬
‫يه الْ احا هلقا ُة‪ ،‬ال َأقُو ُل ا ْحت هل ُق‬ ‫قاا ال‪ :‬إا اص ال ُح اذ هات الْ اب ْ هني‪ ،‬فا ِا َّن فا اسا اد اذ هات الْ اب ْ هني ه ا‬
‫الش اع ار اولا هك ْن ا ْحت هل ُق ّ هادل اين‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪3‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ 74/ 3‬رقم‪ )8 73 :‬والترمذي واللفظ له (‪ 84/4‬رقم‪ ) 833 :‬وأحمد (‪ 88/57‬رقم‪:‬‬
‫رقم‪)5 43 :‬‬ ‫‪8/‬‬ ‫‪ ) 3 37‬وابن حبان (‬
‫‪49‬‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودوره في بقاء الخير‬

‫ومن المور اليت تعصم المة من أرضار "ادلخن" اذلي شاب حياة املسلمني‬
‫قياهما بلمر بملعروف والهنيي عن املنكر‪ ،‬وهذا المر هو ضامن بقاء اخلري يف أمة‬
‫الإسلم‪.‬‬
‫وف اوياهنْ ا ْو ان اع هن‬ ‫ون هبلْ ام ْع ُر ه‬ ‫قال تعاىل‪ { :‬اولْ ات ُك ْن هم ْن ُ ْمك ُأ َّمة يادْ ع ا‬
‫ُون ا اىل الْخ ْ هاري اوياأْ ُم ُر ا‬
‫ِ‬
‫ون} حفرص الفلح يف هؤلء القامئني بملعروف الناهني عن‬ ‫الْ ُم ْن اك هر او ُأولا هئ اك ُ ُمه الْ ُم ْف هل ُح ا‬
‫املنكر‪.‬‬
‫وف اوتاهنْ ا ْو ان اع هن‬ ‫ون هبلْ ام ْع ُر ه‬ ‫وقال تعاىل‪ُ { :‬ك ْن ُ ْمت خ ْ ااري ُأ َّم ٍة ُأ ْخ هر اج ْت هللنَّ هاس تاأْ ُم ُر ا‬
‫ون هب َّ هّلل}‬ ‫الْ ُم ْن اك هر اوت ُْؤ همنُ ا‬
‫يض‬ ‫" اوالْ ام ْع ُر ُوف – كام قال ابن عاشور‪ -‬ه اُو اما يُ ْع ار ُف اوه اُو ام اجاز هيف الْ ام ْق ُبوله الْ ام ْر ه هّ‬
‫اليش اء ا اذا ااك ان ام ْع ُروفا ااك ان امأْلُوفا ام ْق ُبول ام ْر هض ًّيا هب هه‪ ،‬او ُأ هريدا هب هه ُهناا اما يُ ْق اب ُل هع ْندا‬ ‫ْ‬ ‫هب هه‪ ،‬ه َل َّن َّ‬
‫ِ‬
‫الص ال ُح‪ ،‬ه َل َّن اذ ه اِل ام ْق ُبول هع ْندا انْ هت افا هء الْ اع او هار هض‪.‬‬ ‫الرشائهعه‪ ،‬اوه اُو الْ اح ُّق او َّ‬ ‫َأه هْل الْ ُع ُقوله ‪ ،‬او هيف َّ ا‬
‫اوالْ ُم ْن اك ُر ام اجاز هيف الْ ام ْك ُرو هه‪ ،‬او ْال ُك ْر ُه ال هزم ل إلناكر ل ّن النكر هيف َأ ْص هل ال هلّ اس هان ه اُو الْ اجهْ ُل‬
‫وف نا هك ارة‪ ،‬او ُأ هريدا هب هه ُهناا الْ ابا هط ُل اوالْ اف اسادُ‪ ،‬ه َلهنَّ ُ اما هم ان الْ ام ْك ُرو هه هيف‬ ‫او همنْ ُه ت ا ْس هم اي ُة غا ْ هري الْ امأْلُ ه‬
‫الْجه ب َّ ههةل هع ْندا انْ هت افا هء الْ اع او هار هض‪ .‬اوالتَّ ْع هر ُيف هيف (الْخ ْ هاري‪ -‬اوالْ ام ْع ُروف‪ -‬اوالْ ُمنكر) تا ْع هر ُيف‬
‫هال ْس هتغ اْر هاق‪ ،‬فا ُي هفيدُ الْ ُع ُمو ام هيف الْ ُم اعا ام ال هت ه احب ْس هب اما يانْهتا ه يي الا ْي هه الْ هع ْ ُمل اوالْ ام ْق هد ار ُة فاي ُْش هب ُه‬
‫ِ‬
‫هال ْس هتغ اْر ااق الْ ُع ْر ه َّيف‪".‬‬
‫فاخلريية للمة الإسلمية مرهونة بقياهما هبذه الوظائف الإصلحية‪ .‬وبقدر أداهئا‬
‫لها تكتسب قميهتا وماكنهتا بني المم‪ .‬فاإذا قرصت المة يف أداء هذه املهمة فمل تفقد ماكنهتا‬
‫فقط بل الدىه من ذِل أهنا تفقد قدرهتا عىل المتيزي وبلتايل تفقد القدرة عىل اختيار ما‬

‫سورة آل عمران‪38 :‬‬


‫سورة آل عمران‪3 :‬‬
‫‪3‬‬
‫التحرير والتنوير‪83/8 :‬‬
‫‪51‬‬
‫يصلح لها من املصاحل العامة‪ ،‬وبسبب انعدام المتيزي بني الرش واخلري‪ ،‬يتصدر الرشار‬
‫ليَتمع الناس‪ ،‬فتبدأ املأساة تتفامق‪ ،‬روى ابن أيب شيبة بس نده اع ْن ُعثْ ام اان بن عفان ريض‬
‫رش ُارُ ْمك‪ ،‬فايادْ ع اُوا‬
‫وف اواهنْ ا ْوا اع هن الْ ُم ْن اك هر قا ْب ال َأ ْن ي ُ اسلَّطا عالا ْي ُ ْمك ه ا‬ ‫هللا عنه قال‪ُ " :‬م ُروا هبلْ ام ْع ُر ه‬
‫اب لاه ُْم‪".‬‬ ‫عالا مْ ه ْم هخ اي ُارُ ْمك‪ ،‬فا ال ي ُ ْس تا اج ُ‬
‫وعن عائشة ريض هللا عهنا أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يقول‪ " :‬ااي َأهيُّ اا‬
‫وف اواهنْ ا ْوا اع ْن الْ ُم ْن اك هر هم ْن قا ْب هل َأ ْن تادْ ع هُوين فا ال‬ ‫اّلل اع َّز او اج َّل ي ا ُقو ُل‪ُ :‬م ُروا هبلْ ام ْع ُر ه‬ ‫النَّ ُاس ا َّن َّ ا‬
‫ْرصُ ْمك‪".‬‬
‫رص هوين فا ال َأن ُ ُ‬ ‫ُأ هجي ُب ُ ْمك ِ اوت ا ْسأَلُ هوين فا ال ُأع هْط ُ ْ‬
‫يمك اوت ا ْست ا ْن ه ُ‬
‫اإن المر بملعروف والهنيي عن املنكر واجب اجامتعي‪ ،‬اإذا قرص اجملموع جترع‬
‫اللك عواقب التقصري‪ ،‬وبلخص اإذا صارت املنكرات ظاهرة اجامتعية وسلواك مشرتاك‪.‬‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال امث ا ُل‬
‫اّلل اعهنْ ُ اما اع ْن النَّ ه ه ّيب اص َّىل َّ ُ‬ ‫يض َّ ُ‬ ‫عن النُّ ْع ام اان ْب ان ب ا هش ٍري ار ه ا‬
‫اب ب ا ْع ُ ه ُْم َأ ْع الهاا‬ ‫اّلل اوالْ اوا هقع ه هف ماا اَكاث هال قا ْو ٍم ْاس هتا ا ُموا عا اىل اس هفينا ٍة فاأَ اص ا‬ ‫اِئ عا اىل ُحدُ و هد َّ ه‬ ‫الْقا ه ه‬
‫اوب ا ْع ُ ه ُْم َأ ْس افلاهاا فا ااك ان َّ هاذل اين هيف َأ ْس اف هلهاا ا اذا ْاس اتقا ْوا هم ْن الْ اما هء ام ُّروا عا اىل ام ْن فا ْوقاه ُْم فاقاالُوا لا ْو‬
‫ِ‬
‫ومه او اما َأ ارا ُدوا هالا ُكوا ا همجيعا اوا ْن َأخ ُاذوا‬ ‫َأانَّ خ اار ْقناا هيف ن هاصي هبناا خ ْارقا اولا ْم ن ُْؤ هذ ام ْن فا ْوقاناا فاا ْن ي ا ْ ُرت ُك ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عا اىل َأيْ هد ههي ْم ا اجن ْوا او ا اجن ْوا ا همجيعا‪.‬‬
‫وعن جرير بن عبد هللا قال قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪" :‬ما من قوم‬
‫يعملون بملعايص وف مم رجل أعز مهنم وأمنع ل يغريه اإل معهم هللا بعقاب أو أصاهبم‬
‫العقاب‪".‬‬
‫وروى الإمام أمحد يف املس ند أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يقول‪ :‬اإن هللا‬
‫عز وجل ل يعذب العامة بعمل اخلاصة حَّت يروا املنكر بني ظهران مم ومه قادرون عىل‬
‫أن ينكروه فل ينكروه‪ ،‬فاإذا فعلوا ذِل عذب هللا اخلاصة والعامة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ 533/7‬رقم‪)3775 :‬‬
‫‪5‬‬
‫أخرجه أحمد ( ‪ 5 /5‬رقم‪ ) 8348 :‬وابن حبان في صحيحه ( ‪ 77/‬رقم‪) 44 :‬‬
‫‪7‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ 344/4‬رقم‪) 3 3 :‬‬
‫‪7‬‬
‫أخرجه أحمد (‪)37 /8‬‬
‫‪51‬‬
‫ويع د هذا احلديث ما رواه ماِل يف املوطأ أن معر بن عبد العزيز يقول‪ :‬اكن‬
‫يقال‪ :‬إان هللا تبارك وتعاىل ل يعذب العامة بذنب اخلاصة ولكن اإذا معل املنكر هجارا‬
‫ُكهم‪.‬‬
‫وللك أفة اجامتعية نتيجهتا السلبية اخلاصة تلحق اجملمتع بأمجعه‪ ،‬كام ورد اع ْن اع ْب هد‬
‫رش الْ ُمه هااج هر اين!‬ ‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل فاقاا ال‪ :‬ااي ام ْع ا ا‬ ‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫ول َّ ه‬ ‫اّلل ْب هن ُ امع ار قاا ال‪َ :‬أ ْق اب ال عالا ْيناا ار ُس ُ‬ ‫َّ ه‬
‫يمت هبه ه َّن‪ ،‬او َأعُو ُذ هب َّ هّلل َأ ْن تُدْ هر ُكوه َُّن‪:‬‬ ‫ا ْمخس ِا اذا ابْ ُت هل ُ ْ‬
‫ُون‬‫الطاع ُ‬ ‫‪ -‬لا ْم ت ْاظه ْار الْ افا هحشا ُة هيف قا ْو ٍم قاطُّ اح ََّّت يُ ْع هل ُنوا هبه اا ا َّل فاشا ا هف ه م ْم َّ‬
‫ِ‬
‫او ْ َال ْو اجا ُع ال َّ هيت لا ْم تا ُك ْن ام ا ْت هيف َأ ْس ال هفه ْهم َّ هاذل اين ام ا ْوا‪،‬‬
‫‪ -‬اولا ْم ي ا ْن ُق ُصوا الْ هم ْك ايا ال اوالْ هم ازي اان ا َّل ُأ هخ ُذوا هب هّلس هن اني او هش َّد هة الْ ام ُئون ا هة او اج ْو هر‬
‫ِ‬
‫السلْ اط هان عالا مْ ه ْم‪،‬‬‫ُّ‬
‫الس اما هء اولا ْو ال الْهبا ا ه ُ‬
‫اِئ لا ْم يُ ْم اط ُروا‪،‬‬ ‫‪ -‬اولا ْم ي ا ْمنا ُعوا از ااك اة َأ ْم اوا هلهه ْم ِا َّل ُم هن ُعوا الْقا ْط ار هم ْن َّ‬
‫اّلل عالا مْ ه ْم عادُ ًّوا هم ْن غا ْ هري ه ْمه‬ ‫وهل ا َّل اسلَّطا َّ ُ‬ ‫اّلل او اعهْدا ار ُس ه ه‬ ‫‪ -‬اولا ْم ي ا ْن ُق ُ وا اعهْدا َّ ه‬
‫ِ‬
‫فاأَخ ُاذوا ب ا ْع اض اما هيف َأيْ هد ههي ْم‪،‬‬
‫اّلل ا َّل اج اع ال َّ ُ‬
‫اّلل باأْ اسهُ ْم‬ ‫اّلل اوياتاخ َّ ُاريوا هم َّما َأ ْن از ال َّ ُ‬‫‪ -‬او اما لا ْم ا ْحت ُ ْمك َأئه َّمهتُ ُ ْم هب هكتا هاب َّ ه‬
‫ِ‬
‫بايْهنا ُ ْم‪.‬‬
‫اإن اجلزاء من جنس العمل‪ ،‬وإان تكل العواقب املؤسفة اليت أعقبت تكل‬
‫املنكرات ما يه اإل نتاجئ طبيعية ملا ارتكبه الناس من قبل وأرصوا عليه‪ ،‬وأخص بلتنبيه‬
‫النقطة الخرية اليت ذكرها الرسول صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬فاإن عدم الاحتاكم اإىل كتاب‬
‫هللا جيعل مساحة اخللف كبرية‪ ،‬وإاذا اتسعت رقعة اخللف فاإن كرثة الزناع وضعف‬
‫الوازع ادليِن مل ينتج غري الشقاق والاقتتال‪ ،‬عياذا بهلل من الفنت‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ) 4 /8‬قال الهيثمي‪ :‬أخرجه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما ثقات (مجمع الزوائد‬
‫‪) 77/7‬‬
‫‪4‬‬
‫الموطأ ( ‪ 44 /‬رقم ‪ ) 744‬والبيهقي في الشعب (‪ 44/7‬رقم ‪)773‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ 5/‬رقم‪ )8334 :‬والطبراني في األوسط (‪ 348/ 3‬رقم‪ )84 7 :‬والبيهقي في‬ ‫أخرجه ابن ماجه (‬
‫الشعب (‪ 3 8/7‬رقم‪ )3 73 :‬وصححه األلباني في السلسلة الصحيحة ( ‪ 35/‬رقم‪) 37 :‬‬
‫‪52‬‬
‫فذلِل يتعني بذل أقىص اجلهد ملقاومة املنكرات يف همدها قبل تفامقها‪ ،‬وقد َسى‬
‫الرسول صىل هللا عليه وسمل مقاومة املنكر هجادا‪ ،‬كام روى مسمل وغريه اع ْن اع ْب هد َّ ه‬
‫اّلل ْب هن‬
‫اّلل هيف ُأ َّم ٍة قا ْب هيل ا َّل ااك ان‬ ‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال‪ :‬اما هم ْن ن ه ٍّايب ب ا اعثا ُه َّ ُ‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫ام ْس ُعو ٍد َأ َّن ار ُسو ال َّ ه‬
‫ِ‬
‫ون ب ُهسن َّ هت هه اوي ا ْقتادُ و ان هبأَ ْم هر هه‪َّ ُ ،‬مث اهنَّ اا ا ْختلُ ُف هم ْن ب ا ْع هد ه ْمه‬
‫حصاب ياأْخ ُُذ ا‬ ‫ون او َأ ْ ا‬ ‫ا ُهل هم ْن ُأ َّم هت هه اح او هاري ُّ ا‬
‫ِ‬
‫ون‪ ،‬فا ام ْن اجاهادا ُ ْمه هب اي هد هه فاه اُو ُم ْؤ همن‪ ،‬او ام ْن‬ ‫ون اما ال يُ ْؤ ام ُر ا‬ ‫ون اما ال ي ا ْف اعلُ ا‬
‫ون اوي ا ْف اعلُ ا‬ ‫ُخلُوف ي ا ُقولُ ا‬
‫اجاهادا ُ ْمه هب هل اسا هن هه فاه اُو ُم ْؤ همن‪ ،‬او ام ْن اجاهادا ُ ْمه هبقالْ هب هه فاهُ او ُم ْؤ همن‪ ،‬اولايْ اس او ار ااء اذ ه اِل هم ْن ْالمي ا هان‬
‫ِ‬ ‫احبَّ ُة خ ْار ادلٍ ‪.‬‬

‫أخرجه مسلم ( ‪ 74/‬رقم‪)7 :‬‬


‫‪53‬‬
‫دور المجددين في تصحيح المسار‬

‫واحلقيقة الثابتة يف اترخي المة وأثبهتا القرأن والس نة أن أمة الإسلم مل ولن تعدم‬
‫من يقوم هلل بحلجة‪ ،‬ويظهر للناس بنرصة ادلين‪ ،‬وقد تكفل هللا بس مترار حركة‬
‫الإصلح والتصحيح يف جسد المة‪ .‬قال هللا تعاىل‪ :‬ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬
‫ﯡﯢﯣﯤﭼ‬
‫قال ابن كثري رمحه هللا‪ :‬يقول تعاىل خمربا عن قدرته العظمية أنه من توىل عن‬
‫نرصة دينه وإاقامة رشيعته فاإن هللا يستبدل به من هو خري لها منه وأشد منعة وأقوم‬
‫سبيل‪ ،‬كام قال تعاىل‪ { :‬اوا ْن تاتا اول َّ ْوا ي ْاست ا ْب هد ْل قا ْوما غا ْ اريُ ْمك ُ َّمث ل يا ُكونُوا َأ ْمث االا ُ ْمك} وقال تعاىل‪:‬‬
‫اّلل هب اع هزي ٍز) أي مبمتنع ول‬ ‫(ا ْن ياشا أْ يُ ْذ هه ْب ُ ْمك اوياأْ هت ِ ه اخبلْ ٍق اج هدي ٍد ‪ .‬او اما اذ ه اِل عا اىل َّ ه‬
‫ِ‬
‫صعب‪.‬‬
‫وقد ثبت يف الصحيحني وغريهام أن النيب صىل هللا عليه وسمل قال‪ :‬ال يا از ُال‬
‫اّلل او ُ ْمه اظا هه ُر ا‬
‫ون‪.‬‬ ‫اطائه افة هم ْن ُأ َّم هيت اظا هه هر اين اح ََّّت ياأْ هت ما ُ ْم َأ ْم ُر َّ ه‬

‫سورة المائدة‪58 :‬‬


‫‪3‬‬
‫سورة محمد‪34 :‬‬
‫‪8‬‬
‫سورة إبراهيم‪3- 4 :‬‬
‫‪5‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ( ‪)73/‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ ) 4‬بلفظ‪" :‬لن يزال قوم من‬ ‫‪، 4‬‬ ‫أخرجه البخاري (‪ 777/7‬رقم ‪ )744‬ومسلم (‪ 5 3/3‬رقم‬
‫أمتي"‬
‫‪54‬‬
‫ويف الصحيحني أي ا قال الرسول صىل هللا عليه وسمل‪ :‬ال تا از ُال اطائه افة هم ْن ُأ َّم هيت‬
‫ون عا اىل‬ ‫رض ُ ْمه ام ْن خ ااذلاه ُْم َأ ْو خاالا افه ُْم اح ََّّت ياأْ ه ايت َأ ْم ُر َّ ه‬
‫اّلل او ُ ْمه اظا هه ُر ا‬ ‫اّلل ال ي ا ُ ُّ‬
‫قاائه امة هبأَ ْم هر َّ ه‬
‫النَّ هاس‪.‬‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‪ :‬ال تا از ُال‬ ‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫ول َّ ه‬ ‫و اع ْن ثا ْو اب ان ريض هللا عنه قاا ال‪ :‬قاا ال ار ُس ُ‬
‫اّلل او ُ ْمه‬ ‫رض ُ ْمه ام ْن خ ااذلاه ُْم اح ََّّت ياأْ ه ايت َأ ْم ُر َّ ه‬ ‫اطائه افة هم ْن ُأ َّم هيت اظا هه هر اين عا اىل الْ اح ّ هق ال ي ا ُ ُّ‬
‫اك اذ ه اِل‪.‬‬
‫ول‪ :‬ال تا از ُال اطائه افة هم ْن‬ ‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل ي ا ُق ُ‬
‫اّلل أن النَّ ه َّيب اص َّىل َّ ُ‬‫وعن اجا هب ار ْب ان اع ْب هد َّ ه‬
‫اّلل‬‫ون عا اىل الْ اح ّ هق اظا هه هر اين ا اىل ي ا ْو هم الْ هق ايا ام هة‪ .‬قاا ال‪ :‬فا اي ْ هزن ُل هع ايس ا ْب ُن ام ْر ا امي اص َّىل َّ ُ‬ ‫ُأ َّم هيت يُقاا هتلُ ا‬
‫ول‪ :‬ال‪ ،‬ا َّن ب ا ْع ا ُ ْمك عا اىل ب ا ْع ٍض ُأ ام ارا ُء‪ ،‬تا ْك هر ام اة‬ ‫ول َأ هم ُري ُ ْمه‪ :‬تا اعا ال ا ِص ه ّل لاناا‪ .‬فا اي ُق ُ‬
‫عالا ْي هه او اس َّ امل‪ ،‬فا اي ُق ُ‬
‫ِ‬
‫اّلل اه هذ هه ْ ُال َّم اة‪.‬‬
‫َّ ه‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‪ :‬ال تا از ُال اطائه افة‬ ‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬‫ول َّ ه‬ ‫و اع ْن ه ْمع ار اان ْب هن ُح اص ْ ٍني قاا ال قاا ال ار ُس ُ‬
‫ون عا اىل الْ اح ّ هق اظا هه هر اين عا اىل ام ْن انا اوأَ ُ ْمه اح ََّّت يُقاا هت ال أ هخ ُر ُ ْمه الْ ام هس ايح‬ ‫هم ْن ُأ َّم هيت يُقاا هتلُ ا‬
‫ادلَّ َّجا ال‪.‬‬
‫هذه الحاديث أكدت ما أثبتته الايت السابقة أن هذه المة لن ينقطع عهنا‬
‫اخلري ول تتوقف عهنا قياهما بإحقاق احلق وإابطال الباطل‪ .‬وهؤلء املوفقون ل يقترص‬
‫هجادمه يف جمال دون جمال ويف دائرة دون أخرى‪ ،‬بل تتعدد جمالهتم ويتوزع وجودمه‪.‬‬
‫قال ابن جحر‪ :‬قال النووي‪ :‬جيوز أن تكون الطائفة جامعة متعددة من أنواع‬
‫املؤمنني ما بني َشاع وبصري بحلرب وفقيه وحمدث ومفرس وقاِئ بلمر بملعروف والهنيي‬
‫عن املنكر وزاهد وعابد‪ ،‬ول يلزم أن يكونوا جممتعني يف بْل واحد‪ ،‬بل جيوز اجامتعهم يف‬
‫قطر واحد وافرتاقهم يف أقطار الرض‪ ،‬وجيوز أن جيمتعوا يف البْل الواحد وان يكونوا يف‬

‫‪7‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ 777/7‬رقم ‪ )744‬ومسلم (‪ 5 8/3‬رقم ‪ ) 337‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ 37/ 3‬رقم‪)3588 :‬‬
‫‪4‬‬
‫)‬ ‫أخرجه مسلم ( ‪ 373/‬رقم‪5 :‬‬
‫‪33‬‬
‫)‬ ‫أخرجه أبو داود (‪ 847/7‬رقم‪5 :‬‬
‫‪55‬‬
‫بعض منه دون بعض‪ ،‬وجيوز إاخلء الرض ُكها من بع هم أول فأول إاىل أن ل يبقى الا‬
‫فرقة واحدة ببْل واحد‪ ،‬فاإذا انقرضوا جاء أمر هللا‪.‬‬
‫ويف املعىن نفسه أخرب رسول هللا صىل هللا عليه وسمل أن هللا ل يرتك أمة‬
‫الإسلم تفقد من يوهجها ويصحح مسارها‪ ،‬بل هللا عز وجل سيبعث لهذه المة يف لك‬
‫فرتة اترخيية مفصلية من يقوم بتجديد ما اندرس من معامل ادلين احلنيف وتصحيح ما‬
‫احنرف من السلوكيات العامة وتذكري من نُيس وتُرك من تعالمي الإسلم‪ .‬كام روى أبو‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال‪ :‬ا َّن َّ ا‬
‫اّلل ي ا ْب اع ُث هلها هذ هه ْ ُال َّم هة‬ ‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬‫داود واحلامك والطرباين أن ار ُسول َّ ه‬
‫ِ‬
‫لك همائ ا هة اس نا ٍة ام ْن ُ اجي ّهد ُد لاهاا هديهنا اا‪.‬‬
‫عا اىل ار ْأ هس ُ هّ‬
‫قال ابن جحر يف هذا احلديث يعِن "أنه ل يلزم أن يكون يف رأس لك مائة س نة‬
‫واحد فقط‪ ،‬بل يكون المر فيه كام ذكر يف الطائفة ‪ -‬أي الطائفة املنصورة‪ -‬وهو متجه‪،‬‬
‫ف إان احملتاج إاىل جتديدها ل ينحرص يف نوع من أنواع اخلري‪ .‬ول يلزم أن مجيع خصال اخلري‬
‫ُكها يف خشص واحد‪ ،‬إال أن يدعى ذِل يف معر بن عبد العزيز‪ ،‬فأنه قام بلمر عىل‬
‫رأس املائة الوىل بتصافه جبميع صفات اخلري وتقدمه ف ما‪ ،‬ومن مث أطلق أمحد أهنم اكنوا‬
‫حيملون احلديث عليه‪ .‬وأما من جاء بعده اكلشافعي وإان اكن متصفا بلصفات امجليةل إال‬
‫أنه مل يقم بأمر اجلهاد واحلمك بلعدل‪ .‬فعىل هذا لك من اكن متصفا بيشء من ذِل عند‬
‫رأس املائة هو املراد سواء تعدد أم ل"‪.‬‬
‫"وقال املناوي يف مقدمة فيض القدير –كام نقهل صاحب عون املعبود‪ -‬واختلف‬
‫يف رأس املائة هل يعترب من املودل النبوي أو البعثة أو الهجرة أو الوفاة ولو قيل بأقربية‬
‫الثاين مل يبعد‪ ،‬لكن صنيع الس بيك وغريه مرصح بأن املراد الثالث‪ .‬انهتيى‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فتح الباري (‪ ) 45/ 3‬بتصرف‬
‫‪3‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ 34/8‬رقم‪ )8 4 :‬والحاكم (‪ 847/ 4‬رقم‪ )4734 :‬والطبراني في الكبير (‪877/ 4‬‬
‫) واألوسط (‪ 43/ 8‬رقم‪ )77 5 :‬وصححه التبريزي في مشكاة المصابيح ( ‪ 53/‬رقم‪) 87 :‬‬ ‫رقم‪4 :‬‬
‫واأللباني في السلسلة الصحيحة ( ‪ 44/‬رقم‪)544 :‬‬
‫‪33‬‬
‫فتح الباري (‪) 45/ 3‬‬
‫‪56‬‬
‫وقال‪( :‬من جيدد) مفعول (يبعث لها) أي لهذه المة ديهنا أي يبني الس نة من‬
‫البدعة ويكرث العمل وينرص أههل ويكرس أهل البدعة ويذهلم‪ .‬قالوا‪ :‬ول يكون اإل عاملا‬
‫بلعلوم ادلينية الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫وقال العلقمي يف رشحه‪ :‬معىن التجديد اإحياء ما اندرس من العمل بلكتاب‬
‫لس نة والمر مبقت اهام‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن جحر يف توايل التأسيس‪ :‬قال أبو بكر الزبار ‪َ :‬سعت عبد‬
‫املكل ابن عبد امحليد املميوين يقول‪ :‬كنت عند أمحد بن حنبل جفرى ذكر الشافعي‬
‫فرأيت أمحد يرفعه‪ ،‬وقال‪ :‬روي عن النيب يقول اإن هللا تعاىل يقيض يف رأس لك مائة‬
‫س نة من يعمل الناس ديهنم‪ .‬قال‪ :‬فاكن معر بن عبد العزيز يف رأس املائة الوىل وأرجو أن‬
‫يكون الشافعي عىل رأس املائة الخرى‪".‬اهـ‬
‫ول شك أن مرور أكرث من ألف وأربعامئة س نة من اترخي الإسلم قد ظهر ف ما‬
‫جمددون ُكرث لهذه المة‪ ،‬وقد يكون تعيني أسامهئم ليس بوسعنا‪ ،‬ولكن العامل التجديدية‬
‫اليت قام هبا أعلم المة وعلامؤمه املشهودون هلم بلعمل والاس تقامة يه اليت هتمنا‪ ،‬فاإنه ما‬
‫من بدعة ظهرت اإل وقد تصدى لها من يبني وهجها للناس‪ ،‬وما من فتنة وقعت اإل وقام‬
‫لها من حيذر الناس مهنا ويدهلم عىل هدي الرشع ف ما‪ .‬وقد يكونون قةل من الناس ولكهنم‬
‫حظوا برعاية هللا وتوفيقه فسدد خطامه وحفظ أاثرمه‪ ،‬وامحلد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الشيخ شمس الدين محمد بن العلقمي الشافعي المتوفى سنة ‪ 4 4‬له الكوكب المنير شرح فيض القدير‬
‫(كشف الظنون ‪)573/‬‬
‫‪35‬‬
‫الحافظ العالمة الشهير أبو بكرأحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير رحل في‬
‫آخر عمره إلى أصبهان والشام بنشر علمه مات بالرملة سنة اثنتين وتسعين ومائتين (طبقات الحفاظ ‪) 44/‬‬
‫‪37‬‬
‫أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني الجزري صاحب االمام أحمد روى عنه وعن أبيه عبد‬
‫الحميد وجماعة وعنه النسائي ووثقه أبو حاتم وآخرون مات سنة أربع وسبعين ومائتين (طبقات الحفاظ‬
‫‪) 77/‬‬
‫‪37‬‬
‫‪ ) 73/‬مختص ار‬ ‫عون المعبود (‬
‫‪57‬‬
‫عودة الشر بعد الخير َّ‬
‫مجددا‬

‫اإن سؤال حذيفة ريض هللا عنه بعد مرحةل ادلخن اليت اكن اخلري ف ما هو‬
‫الغالب‪" :‬فاه ْال ب ا ْعدا اذ ه اِل الْخ ْ هاري هم ْن ا ّ‬
‫رش؟ٍ" اكن جواب الرسول صىل هللا عليه وسمل أب ا‬
‫بـ"نعم"‪ .‬فاإهنا س نة هللا اليت ل تتبدل‪ ،‬أراد هللا أن يكون للخري خفوت مؤقت وللرش‬
‫ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ‬ ‫ظهور طارئ‪ ،‬اختبارا للناس وامتحاان هلم‪،‬‬
‫ﰅﰆ ﭼ‬
‫فاإذا اكنت املشَكة يف املرحةل السابقة يه يف أانس خلطوا اخلري بلرش‪،‬‬
‫واملعروف بملنكر‪ ،‬فاإن الإشاكل يف هذه املرحةل أانس جترؤوا عىل دعوة الناس اإىل رش‬
‫موبق ُم ٍفض اإىل الكفر‪ ،‬وصفهم الرسول صىل هللا عليه وسمل بأهنم‪ُ " :‬دعااة ا اىل َأبْ او هاب‬
‫ِ‬
‫ا اهجَّنَّ ا‪ ،‬ام ْن َأ اجاهبا ُ ْم الا مْ اا قا اذفُو ُه هف ماا‪ ".‬وملا سأل حذيفة عن صفاهتم‪ ،‬قال عليه الصلة‬
‫ُ ه هِ‬
‫ون هبأَلْ هس نا هتناا‪".‬‬ ‫م‬‫َّ‬ ‫َك‬‫ا‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ه‬
‫ت‬ ‫ا‬
‫والسلم‪ْ " :‬مه م ْن ا ا ا ُ ا‬
‫ْل‬ ‫ْ‬ ‫ج‬
‫اإهنا مع ةل وأية مع ةل‪ ،‬والنجاة مهنا ليست هينة سهةل‪ ،‬ولكن احلقيقة اإن هللا مل‬
‫يرتك املسلمني يف هذه احلاةل بل دليل ول ام اعمل‪ ،‬بل يف كتاب هللا سبيل الهدى ف ما‪،‬‬
‫يتأكد ذِل يف رواية ل إلمام أمحد‪ ،‬فقد روى بس نده عن حذيفة اإذ قال‪ :‬قُلْ ُت‪ :‬ااي ار ُسو ال‬
‫رش ؟‬ ‫رش ا امَك ااك ان قا ْب ا ُهل ا ٌّ‬ ‫هللا‪ ،‬ه ْال ب ا ْعدا ه ااذا الْخ ْ هاري ا ٌّ‬ ‫ه‬
‫امع ْل هب اما هفي هه "‪،‬‬ ‫هللا او ْ ا‬‫اب ه‬ ‫قاا ال‪ " :‬ااي ُح اذيْ اف ُة‪ ،‬ا ْق ار ْأ هكتا ا‬
‫قال حذيفة‪ :‬فاأَع اْر اض اع ه ِّن‪ ،‬فاأَعادْ ُت عالا ْي هه ثا ال اث ام َّر ٍات‪ ،‬اوعا هل ْم ُت َأن َّ ُه ا ْن ااك ان خ ْاريا‬
‫ِ‬
‫رشا ا ْجتانابْ ُتهُ‪ ،‬فا ُقلْ ُت‪ :‬ه ْال ب ا ْعدا ه ااذا الْخ ْ هاري هم ْن ا ّ ٍ‬
‫رش ؟‬ ‫ات َّ اب ْع ُت ُه اوا ْن ااك ان ا ًّ‬
‫ِ قاا ال‪ " :‬ن ا اع ْم‪ "...،‬وذكر بقية احلديث‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫سورة األنبياء‪35 :‬‬
‫‪34‬‬
‫مسند أحمد (‪ 834/34‬رقم‪) 3884 :‬‬
‫‪58‬‬
‫لقد شدد الرسول صىل هللا عليه وسمل عىل حذيفة أن يبحث عن الإجابة يف‬
‫كتاب هللا‪ ،‬ففيه من املعلومات والرسار ما يكشف عام تساءهل حذيفة‪ ،‬مع أنه عليه‬
‫الصلة والسلم مل ميتنع يف الخري عن الإجابة اخملترصة للسؤال‪ ،‬ولكن هذا السؤال ولك‬
‫تكل الس ئةل اليت سألها حذيفة ل تكفي يف التعامل معها تكل الإجابت اخملترصة‪ ،‬بل ل‬
‫بد من التعمق ف ما والتعرف عىل طبائعها وأعراضها وأس باهبا وحسن التعامل معها‪ ،‬ويؤكد‬
‫الصا هم هت‪ ،‬اع ْن ُح اذيْ اف اة‪ ،‬قاا ال‪ :‬قُلْ ُت‪ :‬ااي‬ ‫ذِل رواية ابن حبان يف حصيحه‪ :‬اع ْن اع ْب هد َّ ه‬
‫اّلل ْب هن َّ‬
‫اّلل‪ ،‬ه ْال ب ا ْعدا ه ااذا الْخ ْ هاري َّ هاذلي ا ْحن ُن هفي هه هم ْن ا ّ ٍ‬
‫رش ا ْحن اذ ُر ُه؟‪ ،‬قاا ال‪ « :‬ااي ُح اذيْ اف ُة عالا ْي اك‬ ‫ار ُسو ال َّ ه‬
‫اّلل فاتا اعل َّ ْمهُ‪ ،‬اوات َّ هب ْع اما هفي هه خ ْاريا ا اِل»‪.‬‬
‫هب هكتا هاب َّ ه‬
‫نعم‪ ،‬اإن يف كتاب هللا دلةل هادية للك ما يعرتضه الإنسان من امللامت‪ ،‬كام قال‬
‫الإمام الشافعي‪" :‬ليست تزنل يف أحد من أهل دين هللا انزةل اإل ويف كتاب هللا ادلليل‬
‫عىل سبيل الهدى ف ما‪".‬‬
‫ومع ذِل مل يكن تبس يط املسأةل أي ا خمرجا حصيحا وخاصة اإذا اكنت الق ية‬
‫ذات أبعاد متعددة ولها تشعبات متشابكة‪ .‬اإن دعاة الرش مل يكونوا يرصحون بوجه من‬
‫الرش رصحي‪ ،‬بل هلم جحج ومربرات تومه الناس أهنم دعاة خري‪ .‬وتفصيل ذِل يف الالكم‬
‫عن املنافقني وكيفية خداعهم للناس وحتسني مواقفهم هلم‪ .‬وبيان القرأن يف هذه املع ةل‬
‫ليس مقصورا يف ماكن واحد‪ ،‬بل حيتاج اإىل س باحة طويةل وغوص معيق مع الايت‬
‫املتفرقة هنا وهناك‪ ،‬حَّت يتكون دلى الإنسان البيان الوايف لتصور املسأةل‪ ،‬اإهنا تندرج‬
‫حتت موضوعات خمتلفة‪:‬‬
‫موضوع سلوك أهل الكتاب السابقني وكيفية نكس هتم وتلبيسهم احلق بلباطل‪،‬‬
‫موضوع النفاق وكيفية ظهوره وتلونه عىل الناس‪،‬‬
‫موضوع معاداة أهل الكفر ل إلسلم وعدم توقفهم عن صد الناس عن سبيل هللا‪،‬‬
‫موضوع طبيعة النفس الإنسانية ورصاعها مع هوى النفس المارة بلسوء‪،‬‬

‫‪83‬‬
‫)‬ ‫صحيح ابن حبان ( ‪ 3 /‬رقم‪7 :‬‬
‫‪8‬‬
‫الرسالة ص‪3‬‬
‫‪59‬‬
‫موضوع الش يطان وطرق اإغوائه للناس وتنوع خطواته لإبعادمه عن الرصاط‬
‫املس تقمي‪،‬‬
‫وهكذا فاإن مجموع ذِل وغريه هو اذلي يشري ويدل عىل ملمح وطبائع الرش‬
‫مصا ُء" ‪ ،‬فهيي وضعية صعبة‬ ‫اليت وصفها الرسول صىل هللا عليه وسمل أهنا " هف ْتناة ا ْمع ايا ُء ا َّ‬
‫ل هيتدي ف ما اإىل الصواب أكرث الناس‪ .‬اإهنا معياء وصامء لهنا حمرية‪ ،‬اإما بسبب كرثة من‬
‫دعا اإىل الرش أو قوهتم أو شدة اإغراهئم أو بسبب اشتباه المور وعدم تبني ملحمها‪.‬‬
‫قال النووي رمحه هللا‪ :‬وقوهل صىل هللا عليه وسمل (دعاة عىل أبواب هجَّن من‬
‫أجاهبم اإل ما قذفوه ف ما)‪ ،‬قال العلامء‪ :‬هؤلء من اكن من المراء يدعو اإىل بدعة أو ضلل‬
‫أخر اكخلوارج والقرامطة وأحصاب الفتنة‪.‬‬
‫قال ابن جحر‪ :‬قوهل (عىل أبواب هجَّن) أطلق عل مم ذِل بعتبار ما يؤول إاليه‬
‫حاهلم كام يقال ملن أمر بفعل حمرم‪ :‬وقف عىل شفري هجَّن‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن يفرس العلامء هؤلء ادلعاة اإىل أبواب هجَّن بتكل الفرق ال اةل‬
‫اليت ظهرت يف الزمنة السابقة‪ ،‬ومه فعل دعاة الفنت وأربب الرش‪ .‬ولكن أحاديث‬
‫الرسول صىل هللا عليه وسمل ل تقترص مصداقيهتا عىل ما س بق من الحداث فقط‪ ،‬فاإن‬
‫الزمنة القادمة س تكشف عام هو أصدق وأقرب اإىل وصف الرسول صىل هللا عليه‬
‫وسمل‪ .‬اإن تكل الفرق ال اةل وإان اكنت عقائدمه فاسدة وخمالفة لنصوص القرأن والس نة‪،‬‬
‫ولكهنا تبِن عقائدها عىل النصوص اليت أ َّولوها تأويلت فاسدة‪ ،‬مع اإقرارمه اإجامل بهلل‬
‫وملئكته وكتبه ورسهل واليوم الخر‪ ،‬وقد أظهرت الزمنة املتأخرة فئات أخرى أبعد عن‬
‫احلق وألصق بلرش من هؤلء‪ ،‬فقد ظهرت العلامنية امللحدة اليت تدعو اإىل ترك ادلين‬
‫مجةل وتفصيل‪ ،‬ل تؤمن بهلل ول بليوم الخر‪ ،‬ول حتتاج اإىل تأويلت النصوص لتربير‬

‫‪8‬‬
‫‪ 3 4/‬رقم‪ )3737 :‬والنسائي في الكبرى (‪ 4/5‬رقم‪ )433 :‬وأحمد (‪ 78/87‬رقم‪:‬‬ ‫سنن أبي داود (‬
‫) وابن حبان (‪ 878/ 8‬رقم‪)7378 :‬‬ ‫‪45‬‬
‫‪83‬‬
‫‪) 34- 37/‬‬ ‫شرح النووي (‬
‫‪88‬‬
‫فتح الباري (‪)37/ 3‬‬
‫‪61‬‬
‫أفاكرمه‪ ،‬فاإهنم ل يعرتفون هبا أصل‪ ،‬ويف ظل احلياة العلامنية برزت أفاكر وتكونت بعدها‬
‫سلوكيات ونشأت مؤسسات ُكها ضد ادلين وضد الإميان‪ ،‬فهذه الفرق اجلديدة أحق‬
‫بوصف "دعاة اإىل أبواب هجَّن‪ ".‬اإن فكرة العلامنية والإحلاد والإبحية مل تنشأ يف بلد‬
‫املسلمني بل هو عدوى جاءت من الغرب احلائر بني ادلين احملرف وبني العمل املمترد‪،‬‬
‫فانترص مترد العمل عىل حتريف ادلين‪ ،‬وصادف ذِل حاةل ال عف عند املسلمني‪ ،‬فتلقف‬
‫ضعاف العقول من املسلمني تكل الفة ونرشوها بني املسلمني‪.‬‬
‫فصار هؤلء ُكهم كام وصفهم الرسول صىل هللا عليه وسمل "مه من جْلتنا‬
‫ويتَكمون بألس نتنا‪".‬‬
‫قال ابن جحر‪ :‬قوهل (مه من جْلتنا) أي من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا‪ .‬وفيه‬
‫اإشارة إاىل أهنم من العرب‪ .‬وقال ادلاودي ‪ :‬أي من بِن أدم‪ .‬وقال القابيس ‪ :‬معناه‬
‫أهنم يف الظاهر عىل ملتنا ويف الباطن خمالفون‪ .‬وجْلة اليشء ظاهره‪ .‬ويه يف الصل‬
‫غشاء البدن‪.‬‬
‫ومن الرضوري هنا التنبيه أن س نة هللا الثابتة يف اخلري والرش ل تتبدل‪ ،‬وهذا‬
‫احلديث ل يس تثِن هذا القانون اذلي خلق هللا الكون عىل وفقه‪ .‬اإن عوامل اخلري‬
‫وأس باب الرش يف تعارك داِئ‪ ،‬والرش يف صعود وأفول متعاقبني‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯭ‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﭼ‬

‫‪85‬‬
‫أبو جعفر أحمد بن سعيد الداودي وهو ممن ينقل عنه بن التين في شرحه للبخاري (كشف الظنون‬
‫‪)585/‬‬
‫‪87‬‬
‫أبو الحسن القابسي علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الفقيه شيخ المالكية أخذ عن ابن مسرور‬
‫الدباغ وفي الرحلة عن حمزة الكتاني وطائفة وصنف تصانيف فائقة في األصول والفروع وكان مع تقدمه في‬
‫العلوم حافظا صالحا تقيا ورعا حافظا للحديث وعلله منقطع القرين وكان ضري ار توفي سنة ‪833‬هـ (شذرات‬
‫الذهب ‪) 74/‬‬
‫‪87‬‬
‫فتح الباري (‪)37/ 3‬‬
‫‪84‬‬
‫سورة الرعد‪7 :‬‬
‫‪61‬‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬ ‫ﮠﭼ‬
‫ﮣﭼ‬
‫تغول أحصاب البدع حَّت هددوا كيان المة‪ ،‬مث انمكشوا‬ ‫وهكذا فقد شهد اترخينا ُّ‬
‫وبقيت المة تواصل مسريها‪ ،‬اكن اخلوارج ّهزوا أراكن ادلوةل أايم الإمام عيل بن أيب‬
‫طالب مث انترص احلق عىل الباطل‪ ،‬وبقوا هيددون ادلوةل أايم احللفة الموية ومل يلبثوا‬
‫اإىل أن انزنووا يف عزةل بعيدة عن احلياة العامة‪ ،‬وأكرثمه قد رجعوا أنفسهم وأصلحوا‬
‫مذههبم‪ .‬مث ظهرت فتنة املعَتةل حَّت متكنوا من اإقناع اخلليفة العبايس أايم الإمام أمحد‬
‫واكدت المة أن تفنت يف ديهنا‪ ،‬ولكن ثبت هللا علامءها ويف مقدمهتم الإمام أمحد بن‬
‫حنبل رمحه هللا‪ ،‬مث انقشعت الغمة ومخدت الفتنة‪ ،‬وظهر احلق ومتكن أههل‪ .‬وهكذا فاإن‬
‫الرش همام بلغ من العلو الظاهر فاإنه ل يدوم‪ ،‬ومل يبق اإل ما أثبته هللا للناس‪.‬‬
‫ومل ينف ذِل أن للفنت أاثرها املتبقية واملؤثرة اإىل حد ما يف الزمنة التالية‪ ،‬فاإهنا‬
‫يه "ادلخن" اذلي وصفه الرسول صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬يأيت عقب لك فتنة ظهرت مث‬
‫مخدت‪ ،‬مث مل تعد القلوب عىل الصفاء الول‪ ،‬ولكن اخلري دامئا هو اذلي انترص يف مغالبة‬
‫الباطل‪ .‬ومن أراد احلق وأرص عىل اخلري وجد طريقه‪ ،‬وقد ل تكون سهةل هينة‪ ،‬ويه‬
‫طبيعة ادلنيا اليت خلقت للختبار‪ ،‬وكام قال الشاعر‪:‬‬
‫وما نيل املطالب بلمتِن ***ولكن تؤخذ ادلنيا غلب‬

‫‪84‬‬
‫سورة األنبياء‪4 :‬‬
‫‪53‬‬
‫سورة اإلسراء‪4 :‬‬
‫‪62‬‬
‫لزوم جماعة المسلمين‬

‫اإن مرحةل الرش الثانية هذه أصعب من مرحلته الوىل اليت اكنت تمتثل يف الفتنة‬
‫والاختلف بني املسلمني‪ ،‬اكن الرصاع واملواهجة يف الوىل لك طرف فيه يدعو اإىل‬
‫لك من وهجة نظره اخلاص‪ .‬ولكن يف هذه املرحةل ظهرت ادلعوة إاىل الكفر وإاىل‬ ‫احلق ٌّ‬
‫اخلروج من ا إلطار الإسليم‪ .‬فاملواهجة هنا بني احلق والباطل‪ ،‬وبني الإميان والكفر‪ ،‬ففي‬
‫هذه املرحةل حيتاج املؤمن اإىل ملج إا يلجؤ اإليه ومعسكر يتحصن به ويسمل قياده هل‪ .‬فاكن‬
‫جواب سؤال حذيفة "فا اما تاأْ ُم ُر هين ا ْن َأد اْر اك هِن اذ ه اِل؟" أن يقول الرسول صىل هللا عليه‬
‫ِ‬
‫وسمل‪ " :‬تالْ از ُم ا امجاعا اة الْ ُم ْس هل هم اني اوا اما امه ُْم‪".‬‬
‫اإن احلفاظ عىل ادلين ِ حيتاج اإىل جممتع يقوم فيه وجامعة ينخرط ف ما ومؤسسة‬
‫تتحقق مقاصده هبا‪ .‬ووحدة املسلمني من أمه ضامانت احلفاظ عىل ادلين‪ ،‬مفن هنا تأيت‬
‫الوامر القرأنية الكثرية عىل الاعتصام حببل هللا وإاقامة ادلين وعدم التفرق فيه‪ ،‬وقد‬
‫رسدان تكل الايت يف الكمنا عن فقه الاختلف والئتلف‪ .‬ويف هذا الس ياق أي ا‬
‫وردت أحاديث الرسول عليه الصلة والسلم عن لزوم امجلاعة واحلرص عىل التشبث‬
‫هبا‪.‬‬
‫ورد يف سنن الرتمذي عن ابن معر ريض هللا عهنام أن قال رسول هللا صىل هللا‬
‫الش ْي اط اان ام اع الْ اوا هح هد اوه اُو هم ْن هالثْنا ْ هني‬ ‫عليه وسمل‪" :‬عالا ْي ُ ْمك هبلْ اج اماعا هة‪ ،‬اوا َّاي ُ ْمك اوالْ ُف ْرقا اة‪ ،‬فاا َّن َّ‬
‫َأبعدُ ‪ ،‬من َأراد ُ ْحببوح اة الْجن هة فالْيلْ ِزم الْجماع اة‪ِ ".‬‬
‫ْ ا ا ْ ا ا ُ ا ا َّ ا ا ْ ا ا ا‬
‫وعن عبد هللا بن مسعود أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪" :‬ثا الث ال يُ هغ ُّل‬
‫احص ُة َأئه َّم هة الْ ُم ْس هل هم اني‪ ،‬اولُ ُزو ُم ا امجا اعهته ه ْم فاا َّن‬
‫عالا مْ ه َّن قالْ ُب ُم ْس ه ٍمل‪ :‬اخ اْل ُص الْ اع ام هل ه َّ هّلل‪ ،‬او ُمنا ا ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ادلَّ ع اْو اة ُ هحتيطُ هم ْن او اراهئه ه ْم‪".‬‬

‫‪5‬‬
‫أخرجه الترمذي (‪ 74/4‬رقم‪ ) 34 :‬وقال هذا حديث صحيح حسن غريب ووافقه الذهبي‪ ،‬وأخرجه‬
‫‪ )4‬وابن أبي عاصم في السنة ( ‪ 44/‬رقم‪ )77 :‬وصححه األلباني في‬ ‫النسائي في الكبرى (‪ 344/5‬رقم‪5 :‬‬
‫ظالل الجنة ( ‪ 37/‬رقم‪)447 :‬‬
‫‪63‬‬
‫وعن جابر بن َسرة قال‪ :‬خطبنا معر بن اخلطاب بجلابية‪ ،‬فقال‪ :‬قام فينا رسول‬
‫هللا صىل هللا عليه وسمل مقايم فيمك اليوم‪ ،‬فقال‪ « :‬أل أحس نوا اإىل أحصايب‪ ،‬مث اذلين‬
‫يلوهنم‪ ،‬مث يفشو الكذب حَّت يشهد الرجل عىل الشهادة ل يسألها‪ ،‬وحيلف الرجل عىل‬
‫الميني ل يسألها‪ ،‬مفن أراد منمك حببوحة اجلنة فليلزم امجلاعة‪ ،‬فاإن الش يطان مع الواحد‪،‬‬
‫وهو من الثنني أبعد »‪.‬‬
‫وعن أيب ذر قال ‪ :‬قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ‪ « :‬من خالف جامعة‬
‫املسلمني شربا ‪ ،‬فقد خلع ربقة الإسلم من عنقه » ‪.‬‬
‫ويف معىن لزوم امجلاعة جاء يف الرساةل ل إلمام الشافعي‪:‬‬
‫"قال‪ :‬مفا معىن أمر النيب صىل هللا عليه وسمل بلزوم جامعهتم؟‬
‫قلت‪ :‬ل معىن هل اإل واحد‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكيف ل حيمتل اإل واحدا؟‬
‫قلت‪ :‬اإذا اكنت جامعهتم متفرقة يف البْلان فل يقدر أحد أن يلزم جامعة أبدان‬
‫قوم متفرقني‪ ،‬وإان وجدت البدان تكون جممتعة من املسلمني والاكفرين والتقياء والفجار‪،‬‬
‫فمل يكن يف لزوم البدان معىن لنه ل ميكن‪ ،‬ولن البدان ل يصنع شيئا‪ ،‬فمل يكن للزوم‬
‫جامعهتم معىن اإل ما عليه جامعهتم من التحليل والتحرمي والطاعة ف مام‪".‬‬
‫قال الطربي‪ :‬اختلف يف هذا المر ويف امجلاعة‪ ،‬فقال قوم‪ :‬هو السواد العظم مث‬
‫ساق عن محمد بن سريين عن أيب مسعود أنه وَّص من سأهل ملا قتل عامثن‪" :‬عليك‬
‫بمجلاعة‪ ،‬ف إان هللا مل يكن ليجمع أمة محمد عىل ضلةل‪ ".‬وقال قوم‪ :‬املراد بمجلاعة الصحابة‬

‫‪5‬‬
‫) وأحمد (‪ 8 4/ 7‬رقم‪:‬‬ ‫أخرجه الترمذي (‪ 73/4‬رقم‪ ) 54 :‬وابن ماجه ( ‪ 77/‬رقم‪7 :‬‬
‫) والدارمي ( ‪ 54/‬رقم‪ ) 38 :‬والحكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ( ‪ 48/‬رقم‪:‬‬ ‫‪47‬‬
‫‪ ) 74‬وابن حبان في صحيحه ( ‪ 858/‬رقم‪)843 :‬‬
‫‪53‬‬
‫أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ 73/ 4‬رقم‪)877 :‬‬
‫‪58‬‬
‫‪ 375/‬رقم‪ )8 3 :‬والترمذي (‪ 44/ 3‬رقم‪ ) 743 :‬وأحمد (‪ 3 /35‬رقم‪:‬‬ ‫أخرجه أبو داود (‬
‫‪ ) 758‬والحاكم وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ( ‪ 344/‬رقم‪.)374 :‬‬
‫‪55‬‬
‫الرسالة ‪875 :‬‬
‫‪64‬‬
‫دون من بعدمه‪ .‬وقال قوم‪ :‬املراد هبم أهل العمل لن هللا جعلهم جحة عىل اخللق‪ ،‬والناس‬
‫تبع هلم يف أمر ادلين‪.‬‬
‫وهذا هو اذلي ذهب اإليه الإمام البخاري من أن املراد بمجلاعة يف تكل‬
‫الحاديث مه أهل العمل‪.‬‬
‫ولك تكل القوال تتفق يف أن املراد بمجلاعة يه الإطار العلمي الاعتقادي اذلي‬
‫جيب أن تتفق عليه المة من مسائل قطعية اثبتة بلكتاب والس نة والإجامع واتباع ما‬
‫اكن عليه السلف الصاحل من لزوم احلق واتباع الس نة وجمانبة البدع واحملداثت‪ .‬ويقابل‬
‫امحلاعة هبذا املعىن التفرق يف ادلين‪ .‬واخملالفون لها مه الفرق ال اةل وأهل الهواء‪.‬‬
‫ول إلمام الطربي فيه رأي أخر‪ ،‬قال‪ :‬والصواب أن املراد يف اخلرب لزوم امجلاعة‬
‫اذلين يف طاعة من اجمتعوا عىل تأمريه مفن نكث بيعته خرج عن امجلاعة‪.‬‬
‫وهذا القول يعِن أن امجلاعة يه الإطار الس يايس املؤسيس اذلي جيب أن‬
‫ينخرط فيه لك أفراد المة من خرج عنه فقد خلع ربقة الإسلم من عنقه‪ .‬وامجلاعة هبذا‬
‫املعىن تقع يف مقابةل البغي والتفرق يف الراية‪ ،‬ويسمى املفارق لها بغيا وانكثا وإان اكن من‬
‫أهل الس نة‪.‬‬
‫يدل عىل املعىن الول‪ :‬أحاديث مهنا‪ :‬حديث‪ " :‬إان أهل الكتابني افرتقوا يف ديهنم‬
‫عىل ثنتني وس بعني مةل‪ ،‬وإان هذه المة س تفرتق عىل ثلث وس بعني مةل يعِن الهواء‬
‫ُكها يف النار إال واحدة ويه امجلاعة‪".‬‬
‫ومما يدل عىل املعىن الثاين أحاديث مهنا‪ :‬حديث‪" :‬من رأى من أمريه شيئا يكرهه‬
‫فليصرب‪ ،‬فاإنه من فارق امجلاعة شربا مفات مفيتة جاهلية"‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫فتح الباري (‪)37/ 3‬‬
‫صحيح البخاري كتاب االعتصام بالكتاب والسنة باب قَ ْولِ ِه تَ َعالَى { َو َك َذلِ َ‬
‫‪57‬‬
‫َم َر‬
‫طا } َو َما أ َ‬
‫ُمةً َو َس ً‬
‫ك َج َع ْلَنا ُك ْم أ َّ‬
‫َه ُل ا ْل ِع ْلِم‪.‬‬
‫اع ِة َو ُه ْم أ ْ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه و َسلَّم بِلُُز ِ‬
‫وم ا ْل َج َم َ‬ ‫النبِ ُّي َ‬
‫َّ‬
‫َ َ‬
‫‪54‬‬
‫فتح الباري (‪)37/ 3‬‬
‫‪54‬‬
‫رقم ‪)883‬‬ ‫أخرجه أحمد (‪ ) 3 /8‬والحاكم ( ‪4/‬‬
‫‪73‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ 877/3‬رقم ‪) 484‬‬
‫‪65‬‬
‫ول تناقض بني الرأيني‪ ،‬ف إان امجليع يؤول عند التحقيق اإىل ش يئني يمكل الواحد‬
‫تكون جامعهتم ل بد من عنرصين اثنني معا‪ :‬العنرص‬ ‫مهنام الخر‪ ،‬وإان اجامتع املسلمني و ّ‬
‫ملؤسيس‬
‫العلمي الاعتقادي اذلي اتفق عليه املسلمون مبا أمجع عليه علامؤمه‪ ،‬والعنرص ا َّ‬
‫اذلي جيمعهم وينظم حياهتم يو ّحد كياهنم‪ .‬جفامعة املسلمني لها معنيان‪:‬‬
‫"الول‪ :‬أن امجلاعة يه جامعة العلامء من أهل الس نة أي الاجامتع عىل احلق‬
‫اذلي متثهل القرون الثلثة الفاضةل‪ ،‬وحيمل لواءه يف لك عرص الثقات العدول من أمئة أهل‬
‫الس نة‪ ،‬ومه ميثلون السواد العام من املسلمني‪ ،‬لن العامة بلفطرة تبع هلم‪ ،‬ويه بذِل‬
‫تقع يف مقابةل أهل الهواء والبدع‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن امجلاعة يه المة يف اجامتعها عىل الإمام ما دام يف امجلةل مقامي لحاكم‬
‫الإسلم‪.‬‬
‫وهكذا تتفق دللت النصوص‪ ،‬ومألت أقوال أهل العمل يف بيان املقصود مبعىن‬
‫امجلاعة وأهنا تت من الك املعنيني السابقني‪".‬‬
‫"وهذا يعِن– بناء عىل عىل ما س بق من بيان املقصود بمجلاعة‪ -‬أن لزوم امجلاعة‬
‫يت من أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬اجلانب العلمي والاعتقادي‪ :‬ويعِن رضورة اتباعهم فامي اكنوا عليه من‬
‫الاعتقاد والتحليل والتحرمي وحنو ذِل مما يؤول اإىل هذا اجلانب‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اجلانب الس يايس ويعِن اتباعهم فامي اتفقوا عليه من تقدمي الإمام والطاعة هل‬
‫يف غري معصية‪ ،‬وعدم اخلروج عليه اإل بلكفر البواح‪.‬‬
‫وهذا هو اذلي خلص اإليه الشاطيب رمحه هللا بعد عرضه لقوال العلامء يف معىن‬
‫امجلاعة املرادة يف تكل الحاديث قال‪" :‬وحاصهل‪ :‬أن امجلاعة راجعة اإىل الاجامتع عىل‬

‫‪7‬‬
‫جماعة المسلمين‪ :‬مفهومها وكيفية لزومها في واقعنا المعاصر‪ ،‬د‪ .‬صالح الصاوي ‪ ،‬دار الصفوة‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 8‬هـ‪ ،‬ص‬ ‫القاهرة‪ ،‬ط سنة‬
‫‪7‬‬
‫المصدر السابق ص‪3‬‬
‫‪66‬‬
‫الإمام املوافق للكتاب والس نة‪ ،‬وذِل ظاهر يف أن الاجامتع عىل غري س نة خارج عن‬
‫معىن امجلاعة املذكور يف الحاديث املذكورة‪ ،‬اكخلوارج ومن جرى جمرامه‪".‬‬

‫‪73‬‬
‫االعتصام‪777/ :‬‬
‫‪67‬‬
‫ثبات اإلطار العلمي‬

‫اإن الالَتام بلإطار العلمي الاعتقادي الإسليم أمر ل مناص منه للمسمل‪،‬‬
‫ورشط اثبت للهوية الإسلمية ل جيوز التنازل عنه ول الهتاون فيه‪ .‬فاإن العقيدة يه اليت‬
‫متزي املسمل من غريه‪ ،‬وتفرق بني املؤمن وغريه‪ .‬أما الإطار املؤسيس والس يايس فهو يمكل‬
‫ادلين وحيفظ كيانه ويرعى مصاحله وحيقق مقاصده‪ .‬فالإطار الول أساس والثاين بناء‪،‬‬
‫والول مقصد والثاين وس يةل‪.‬‬
‫اإن الإطار العلمي القميي حيميه الإطار الس يايس املؤسيس ليكون الإسلم كياان‬
‫قواي منظام‪ ،‬ويكون املسلمون املو هّحدون مو َّحدين يف ظل جممتع مرتابط ودوةل مامتسكة‪.‬‬
‫وهذا هو حال املسلمني يف عرص النبوة وعهد اخللفاء الراشدين‪ .‬فاكن مسمى امجلاعة‬
‫واحض ادللةل وبرز املعامل‪" .‬والصل أن ينشأ الإطار الس يايس للجامعة عىل أساس من‬
‫اإطارها العلمي الَتاما به‪ ،‬وحامية هل‪ ،‬ودعوة اإليه‪ .‬وهكذا اكن احلال أايم الراشدين‪ .‬فقد‬
‫اكنوا أعلم الس نة وخلفاء المة‪ ".‬وهذا الوضع هو الصل يف جامعة املسلمني‪ ،‬والمر‬
‫بلزوم امجلاعة يف هذه احلاةل ل غبار عليه ول اإشاكل فيه‪.‬‬
‫أما الإطار الول فهو م مون حبفظ هللا‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜ ﮝﭼ‬
‫قال صاحب أضواء البيان‪" :‬يبني تعاىل يف هذه الية الكرمية أنه هو اذلي نزل‬
‫القرأن العظمي‪ ،‬وأنه حافظ هل من أن يزاد فيه أو ينقص أو يتغري منه ءيء أو يبدل‪ ،‬وبني‬
‫هذا املعىن يف مواضع أخر كقوهل‪ :‬ﭽﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫‪78‬‬
‫جماعة المسلمين ص‪3‬‬
‫‪75‬‬
‫سورة الحجر‪4 :‬‬
‫‪68‬‬
‫وقوهل ‪ :‬ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬ ‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ‬
‫اإىل قوهل ‪ :‬ﭽ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬ ‫ﯼ ﯽﯾﯿﰀﰁ ﰂﰃﭼ‬
‫وهذا هو الصحيح يف معىن هذه الية أن ال مري يف قوهل ‪ :‬ﭽ ﮛ ﮜ‬ ‫ﰍﭼ‬
‫ﮝ ﮞ ﭼ راجع اإىل اذلكر اذلي هو القرأن‪.‬‬
‫قال ابن عاشور‪" :‬ومشل حفظه احلفظ من التلءي‪ ،‬واحلفظ من الزايدة‬
‫والنقصان فيه‪ ،‬بأن يرس تواتره وأس باب ذِل‪ ،‬وسلمه من التبديل والتغيري حَّت حفظته‬
‫المة عن ظهور قلوهبا من حياة النيبء صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬فاس تقر بني المة مبسمع‬
‫من النيبء صىل هللا عليه وسمل وصار حفاظه بلغني عدد التواتر يف لك مرص‪".‬‬
‫ومل يقترص احلفظ عىل ضامن بقاء القرأن سلامي‪ ،‬بل وقد أخرب الرسول صىل هللا‬
‫عليه وسمل اس مترار بقاء طائفة من املسلمني ممتسكني بحلق رمغ التحدايت املناوئة هلم‪،‬‬
‫كام س بق أن أوردان حديث الرسول صىل هللا عليه وسمل يف الصحيحني وغريهام‪ :‬ال تا از ُال‬
‫رض ُ ْمه ام ْن خ ااذلاهُ ْم َأ ْو خاالا افه ُْم اح ََّّت ياأْ ه ايت َأ ْم ُر َّ ه‬
‫اّلل او ُ ْمه‬ ‫اّلل ال ي ا ُ ُّ‬
‫اطائه افة هم ْن ُأ َّم هيت قاائه امة هبأَ ْم هر َّ ه‬
‫ون عا اىل النَّ هاس‪ .‬وقد س بق تقرير هذا يف الكمنا عن دور اجملددين‪.‬‬ ‫اظا هه ُر ا‬
‫والصل أن يقوم البناء عىل أساسه وأن حتقق الوس يةل مقصدها‪ ،‬فهذا هو الوضع‬
‫الصحيح مجلاعة املسلمني‪ ،‬اإن دوائر الإسلم ل تكمتل اإل بقيام امجلاعة‪ ،‬فاإن أراكن ادلين‬
‫لن تؤ ادى اكمةل اإل يف جامعة من املسلمني‪ ،‬فالصلوات والزكوات واحلج واجلهاد ُكها أسس‬

‫‪77‬‬
‫سورة فصلت‪8 - 8 :‬‬
‫‪77‬‬
‫سورة القيامة‪7 - 7 :‬‬
‫‪74‬‬
‫سورة القيامة‪4 :‬‬
‫‪74‬‬
‫سورة الحجر‪4 :‬‬
‫‪73‬‬
‫أضواء البيان ( ‪) 5 - 5 /‬‬
‫‪7‬‬
‫)‬ ‫التحرير والتنوير (‪/ 8‬‬
‫‪7‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ 777/7‬رقم ‪ )744‬ومسلم (‪ 5 8/3‬رقم ‪ ) 337‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫الإسلم اليت ل تكمتل متطلباهتا اإل يف هيئة منظمة جامعية‪ ،‬ف ل عن متطلبات اإقامة‬
‫العدل وواجب العمران‪.‬‬
‫ذلِل قال معر بن اخلطاب ريض هللا عنه‪" :‬ل اإسلم إال جبامعة‪ ،‬ول جامعة إال‬
‫بإمارة‪ ،‬ول اإمارة اإل بطاعة‪ ،‬مفن سوده قومه عىل الفقه اكن حياة هل وهلم‪ ،‬ومن سوده‬
‫قومه عىل غري فقه اكن هلاك هل وهلم‪".‬‬
‫قال ابن تميية رمحه هللا‪" :‬جيب أن يعرف أن ولية أمر الناس من أعظم واجبات‬
‫ادلين‪ ،‬بل ل قيام لْلين اإل هبا‪ .‬فاإن بِن أدم ل تمت مصلحهتم اإل بلجامتع‪ ،‬حلاجة بع هم‬
‫اإىل بعض‪ .‬ول بد هلم عند الاجامتع من رأس‪ ،‬حَّت قال النيب صىل هللا عليه وسمل‪" :‬اإذا‬
‫خرج ثلثة يف سفر فليؤمروا أحدمه‪ ".‬رواه أبو داود من حديث أيب سعيد وأيب‬
‫هريرة‪ .‬وروى الإمام أمحد يف املس ند عن عبد هللا بن معرو أن النيب صىل هللا عليه‬
‫وسمل قال‪" :‬ل حيل لثلثة يكونون بفلة من الرض اإل أمروا عل مم أحدمه‪ ".‬فأوجب‬
‫صىل هللا عليه وسمل تأمري الواحد يف الاجامتع القليل العارض يف السفر تنب ما بذِل عىل‬
‫سائر أنواع الاجامتع‪ .‬ولن هللا تعاىل أوجب المر بملعروف والهنيي عن املنكر‪ .‬ول يمت‬
‫ذِل اإل بقوة وإامارة‪ .‬وكذِل سائر ما أوجبه من اجلهاد والعدل وإاقامة احلج وامجلع‬
‫والعياد ونرص املظلوم وإاقامة احلدود ل تمت اإل بلقوة والإمارة‪".‬‬

‫‪73‬‬
‫أخرجه الدارمي في سننه ( ‪ 4 /‬رقم ‪) 5‬‬
‫‪78‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ 37/3‬رقم ‪ ) 734 ، 734‬وأخرجه ابن خزيمة عن عمر (‪ 8 /8‬رقم ‪) 58‬‬
‫‪ 7‬رقم ‪ ) 7 3‬وصححه‪.‬‬ ‫والحاكم ( ‪/‬‬
‫‪75‬‬
‫أخرجه أحمد ( ‪ 77/‬رقم ‪)7787‬‬
‫‪77‬‬
‫السياسة الشرعية‪ ،‬البن تيمية ص‪37- 37‬‬
‫‪71‬‬
‫إذا افترق اإلطاران‬

‫وهكذا فاإن لزوم امجلاعة مبعىن المتسك بعقيدة املسلمني وما اتفق عليه علامؤمه ل‬
‫خيتلف من زمان اإىل زمان‪ ،‬ول من ماكن اإىل ماكن لن السس العلمية لْلين الإسليم‬
‫اثبتة حمفوظة‪ ،‬وهذا هو اذلي يشلك جامعة املسلمني بإطارها العلمي القميي العقدي‪ ،‬أما‬
‫جامعة املسلمني بإطارها الس يايس فيعرتضها التغري ويصيهبا الاحنراف عن مسارها الول‪،‬‬
‫فاإن سلوك احلاكم ونظام احلمك الإسليم بعد عهد الراشدين قد ابتعد شيئا فشيئا عن‬
‫تعالمي القرأن والس نة وسرية سلف المة‪.‬‬
‫فلزوم امجلاعة يف اإطارها الس يايس املؤسيس مل يكن جبلء لزوم امجلاعة يف اإطارها‬
‫العلمي القميي‪ ،‬لن احلاكم برش يعرتهيم خطأ ورشود عن احلق‪ .‬ففي حاةل خمالفة واحنراف‬
‫النظام احلامك فاإن واجب لزوم امجلاعة اعرتاه اإشاكل مريب‪ ،‬لن الإطارين مل يكوان‬
‫متطابقني‪ ،‬اإن الَتم املسمل بلإطار العلمي املبديئ واهجه ظمل احلاكم‪ ،‬وإان وافق احلاكم‬
‫فقد خالف مبادئ الإسلم‪ ،‬ففي هذه احلاةل اكن التوجيه النبوي ادلقيق‪:‬‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال‪ :‬اس ات ُك ُ‬
‫ون ُأ ام ارا ُء فاتا ْع هرفُ ا‬
‫ون‬ ‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫اع ْن ُأ ّهم اسلا ام اة َأ َّن ار ُسو ال َّ ه‬
‫يض اواتا ب ا اع‪ .‬قاالُوا‪َ :‬أفا ال نُقاا هتلُه ُْم؟ قاا ال‪:‬‬ ‫ون فا ام ْن اع ار اف با هر ائ او ام ْن َأ ْن اك ار اس ه امل اولا هك ْن ام ْن ار ه ا‬
‫اوتُ ْن هك ُر ا‬
‫ال اما اصل َّ ْوا‪ .‬يف رواية أمحد وابن حبان‪ :‬قاا ال " ال اما اصل َّ ْوا لا ُ ْمك الْ اخ ْم اس‪".‬‬
‫فاإناكر املنكر واجب اثبت وهو طريق السلمة من الفنت‪ ،‬وليس للمسمل أن يُقر‬
‫اخملالفة الرشعية حَّت ولو جاء من قبل حامك رشعي‪ .‬مث اإن رفع السلح ل يلجأ اإليه يف‬
‫مواهجة حامك ظامل اإذا حافظ عىل أراكن ادلين والَتم هبا‪ ،‬وخاصة الصلة اليت يه سلوك‬
‫يويم وركن عظمي من أراكن الإسلم‪ .‬وهو رأي مجهور العلامء‪.‬‬
‫ورأى بع هم أن اخلروج عىل حامك ظامل مرشوع‪ ،‬كام فعهل عبد هللا بن الزبري‬
‫واحلسني بن عيل وزيد بن عيل زين العابدين ريض هللا عهنم‪ ،‬ومن بعدمه عبد الرمحن بن‬
‫الشعث وأمحد بن نرص اخلزاعي من أقران الإمام أمحد بن حنبل‪ ،‬فهؤلء رأوا مرشوعية‬

‫‪77‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ 833/4‬رقم‪)3885 :‬‬
‫‪71‬‬
‫اخلروج عىل احلاكم الظلمة‪ ،‬وهو مذهب للسلف قدمي كام قال ابن جحر يف هتذيب‬
‫الهتذيب‪ ،‬ولكن اس تقر رأي الكرث بعدمه عىل عدم اخلروج‪.‬‬
‫واحلفاظ عىل اس تقرار النظام الس يايس مطلوب يف حاةل بقاء احلاكم داخل‬
‫الإطار الإسليم العام‪ ،‬كام يف الصحيحني عن عبادة بن الصامت ريض هللا عنه قاا ال‪:‬‬
‫الس ْمع ه‬ ‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل فا اباي ا ْعناا ُه فا ااك ان هفمياا أَخ ااذ عالا ْيناا‪َ :‬أ ْن ابي ا اعناا عا اىل َّ‬ ‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫ول َّ ه‬ ‫ادعااانا ار ُس ُ‬
‫ُرسانا او َأث اار ٍة عالا ْيناا او َأ ْن ال نُنا هاز اع ْ َال ْم ار َأه ا ُْهل‪ ،‬قاا ال‪:‬‬ ‫ُرسانا اوي ْ ه‬ ‫الطاعا هة هيف امنْشا هطناا او ام ْك ار ههناا اوع ْ ه‬ ‫او َّ‬
‫اّلل هفي هه بُ ْرهاان‪.‬‬‫ا َّل َأ ْن تا ار ْوا ُك ْفرا ب ا اواحا هع ْندا ُ ْمك هم ْن َّ ه‬
‫ِ‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال‪ :‬هخ اي ُار َأئه َّم هت ُ ْمك‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫اِل اع ْن ار ُسوله َّ ه‬ ‫وعن اع ْو هف ْب هن ام ه ٍ‬
‫رش ُار َأئه َّم هت ُ ْمك َّ هاذل اين تُ ْب هغ ُ وهنا ُ ْم‬
‫ون عالا مْ ه ْم‪ ،‬او ه ا‬ ‫ون عالا ْي ُ ْمك اوت اُصل ُّ ا‬ ‫َّ هاذل اين ُ هحت ُّبوهنا ُ ْم او ُ هحي ُّبونا ُ ْمك اويُ اصل ُّ ا‬
‫اويُ ْب هغ ُ ونا ُ ْمك اوتالْ اع ُنوهنا ُ ْم اويالْ اع ُنونا ُ ْمك‪.‬‬
‫اّلل َأفا ال نُنااب ُهذ ُ ْمه هب َّلس ْي هف؟‬ ‫هقي ال‪ :‬ااي ار ُسو ال َّ ه‬
‫الص ال اة‪ ،‬اوا اذا ار َأيْ ُ ْمت هم ْن ُو ال هت ُ ْمك اشيْئا تا ْك ار ُهون ا ُه فاا ْك ار ُهوا ا امع ا ُهل‬ ‫يمك َّ‬‫فاقاا ال‪ :‬ال‪ ،‬اما َأقاا ُموا هف ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫او ال ت ْ هازن ُعوا يادا هم ْن اطاعا ٍة‪.‬‬
‫ومن البدهييي أن معىن الطاعة املطلوبة هنا ليس الطاعة املطلقة‪ ،‬فل جتب‬
‫الطاعة املطلقة يف الإسلم اإل هلل ورسوهل‪ ،‬أما الطاعة للبرش فهيي مقيدة دامئا حبدود‬
‫الرشع‪ ،‬ففي حاةل اخملالفة الرشعية فل جتب ف ما الطاعة‪ ،‬كام دل عىل ذِل رواية‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‪:‬‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫الصحيحني اع ْن عا ه ٍّيل بن أيب طالب ريض هللا عنه َأ َّن ار ُسو ال َّ ه‬
‫ب ا اع اث اجيْشا او َأ َّم ار عالا مْ ه ْم ار ُجل‪ ،‬فاأَ ْوقادا انا را‪،‬‬
‫اوقاا ال‪" :‬ا ْد ُخلُوهاا‪".‬‬
‫فاأَ ارا اد انا س َأ ْن يادْ ُخلُوهاا‪.‬‬
‫ون‪" :‬اانَّ قادْ فا ار ْرانا همهنْ اا‪".‬‬ ‫اوقاا ال ْالخ ُار ا‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‪،‬‬‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫فا ُذ هك ار اذ ه اِل هل ار ُسوله ِ َّ ه‬

‫‪74‬‬
‫‪ 888/‬رقم‪ )753 :‬ومسلم (‪ 378/4‬رقم‪)38 7 :‬‬ ‫أخرجه البخاري (‬
‫‪74‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ 833/4‬رقم‪)3887 :‬‬
‫‪72‬‬
‫فاقاا ال هل َّ هذل اين َأ ارا ُدوا َأ ْن يادْ ُخلُوهاا‪" :‬لا ْو اد اخلْ ُت ُموهاا لا ْم تا ازالُوا هف ماا ا اىل ي ا ْو هم الْ هق ايا ام هة‪".‬‬
‫الطاعا ُة هيف‬ ‫اّلل‪ ،‬ان َّ اما َّ‬ ‫اوقاا ال هل ْل اخ هر اين قا ْول اح اس نا‪ ،‬اوقاا ال‪ " :‬ال اطاعا اة هيف ام ْع هص اي هة ِ َّ ه‬
‫ِ‬ ‫الْ ام ْع ُر ه‬
‫وف‪".‬‬
‫فليس معىن عدم اخلروج عىل احلاكم املسلمني هو الاستسلم والإقرار‬
‫للحنراف احلاصل أو السكوت عىل الظمل الفاحش‪ ،‬بل يبقى واجب النصح والبيان‬
‫والإصلح‪ ،‬وإامنا اذلي هنيى عنه الرسول صىل هللا عليه وسمل وهو اإحداث فتنة داخلية‬
‫تنسف دعاِئ احلمك الإسليم‪ .‬ويبقى هناك هجاد سلمي يف سبيل اإصلح الوضع‬
‫والنصح بليت يه أحسن‪ ،‬وبلك الساليب املمكنة املؤدية اإىل صلح الحوال‪.‬‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‬‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫اّلل ْب هن ام ْس ُعو ٍد َأ َّن ار ُسو ال َّ ه‬ ‫روى مسمل وغريه اع ْن اع ْب هد َّ ه‬
‫ون‬ ‫حصاب ياأْخ ُُذ ا‬ ‫ون او َأ ْ ا‬ ‫اّلل هيف ُأ َّم ٍة قا ْب هيل ا َّل ااك ان ا ُهل هم ْن ُأ َّم هت هه اح او هاري ُّ ا‬ ‫قاا ال‪ :‬اما هم ْن ن ه ٍّايب ب ا اعثا ُه َّ ُ‬
‫ِ‬
‫ون اما ال‬ ‫ون اوي ا ْف اعلُ ا‬ ‫ون اما ال ي ا ْف اعلُ ا‬ ‫ون هبأَ ْم هر هه‪َّ ُ ،‬مث اهنَّ اا ا ْختلُ ُف هم ْن ب ا ْع هد ه ْمه ُخلُوف ي ا ُقولُ ا‬
‫ب ُهسن َّ هت هه اوي ا ْقتادُ ا‬
‫ِ‬
‫ون‪ ،‬فا ام ْن اجاهادا ُ ْمه هب اي هد هه فاه اُو ُم ْؤ همن‪ ،‬او ام ْن اجاهادا ُ ْمه هب هل اسا هن هه فاه اُو ُم ْؤ همن‪ ،‬او ام ْن اجاهادا ُ ْمه‬ ‫يُ ْؤ ام ُر ا‬
‫هبقالْ هب هه فاه اُو ُم ْؤ همن‪ ،‬اولايْ اس او ار ااء اذ ه اِل هم ْن ْالمي ا هان احبَّ ُة خ ْار ادلٍ ‪.‬‬
‫فسمى الرسول صىل هللا عليه ِوسمل تكل املواهجة السلمية هجادا‪ ،‬بل هو أعظم‬
‫اّلل عالا ْي هه‬
‫هجاد كام يف روى أحصاب السنن وغريمه اع ْن َأ هيب اس هعي ٍد الْ ُخدْ هر هّي َأ َّن النَّ ه َّيب اص َّىل َّ ُ‬
‫او اس َّ امل قاا ال‪َ :‬أفْ ا ُل الْجه هاا هد ا هُك ام ُة عادْ لٍ هع ْندا ُسلْ اط ٍان اجائه ٍر‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫رقم‪ )77 7 :‬ومسلم (‪ 37 /4‬رقم‪37 /4 ،38 8 :‬‬ ‫‪4/‬‬ ‫‪،77‬‬ ‫‪ 53/‬رقم‪:‬‬ ‫أخرجه البخاري (‬
‫رقم‪)38 5 :‬‬
‫‪4‬‬
‫كل هذا الكالم متعلق بالحاكم الذي يقر باإلسالم شرعا ملزما‪ ،‬أما الذي ال يعترف باإلسالم نظاما للحياة‬
‫فليس له عالقة‪ ،‬ألنه ال يكتسب شرعيته من اإلسالم أصال‪ ،‬فكيف يحتمي به ويسمتد منه بقاء؟‬
‫‪4‬‬
‫أخرجه مسلم ( ‪ 74/‬رقم‪)7 :‬‬
‫‪43‬‬
‫) والنسائي‬ ‫‪ 8 4/‬رقم‪ )374 :‬والترمذي وحسنه (‪ 43/4‬رقم‪33 :‬‬ ‫أخرجه أبو داود واللفظ له (‬
‫‪ 37 /‬رقم‪ ) 37 7 :‬والحاكم‬ ‫‪ 5/‬رقم‪ )833 :‬وأحمد (‬ ‫رقم‪ )8 34 :‬وابن ماجه (‬ ‫(‪/ 3‬‬
‫(‪ 883/ 4‬رقم‪ )4745 :‬وصححه األلباني في السلسلة ( ‪ 843/‬رقم‪)84 :‬‬
‫‪73‬‬
‫وإاذا تعرض هذا املصلح للقتل من قبل احلاكم فهو شهيد بل س يد الشهداء‬
‫بشهادة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬فعن جابر ريض هللا عنه‪ ،‬عن النيب صىل هللا‬
‫عليه وسمل قال‪ « :‬س يد الشهداء محزة بن عبد املطلب ‪ ،‬ورجل قال اإىل اإمام جائر فأمره‬
‫وهناه فقتهل »‪.‬‬
‫اإن افرتاق الإطار الس يايس عن الإطار العلمي املبديئ يوقف املسمل عىل مفرتق‬
‫الطريق وي عه أمام خيارين أحلهام مر‪ ،‬ولكن الرسول صىل هللا عليه وسمل وَّص أمته‬
‫بأن تمتسك بحلق همام ُكفها المر‪ ،‬فعن معاذ بن جبل أن رسول هللا صىل هللا عليه‬
‫اب‬ ‫وسمل قال‪َ " :‬أل ا َّن ار اَح ال ْسل هم داائه ارة‪ ،‬فادُ ُوروا ام اع ْال هكتا هاب اح ْي ُث د ااار‪َ ،‬أل ا َّن ْال هكتا ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون عالا ْي ُ ْمك ُأ ام ارا ُء ي ا ْق ُ ا‬
‫ون َلنْ ُف هسهه ْم‬ ‫اب‪َ ،‬أل ان َّ ُه اس اي ُك ُ‬ ‫السلْ اط اان اس اي ْف ا هرتقا هان‪ ،‬فال تُ اف هارقُوا ْال هكتا ا‬
‫او ُّ‬
‫ِ‬
‫ومه َأضا لُّو ُ ْمك"‪ ،‬قاالُوا‪ :‬ااي ار ُسو ال َّ ه‬
‫اّلل‪،‬‬ ‫ون لا ُ ْمك‪ ،‬ا ْن اع اص ْي ُت ُم ُ ْ‬
‫ومه قاتالُو ُ ْمك‪ ،‬اوا ْن َأ اط ْع ُت ُم ُ ْ‬ ‫اما ل ي ا ْق ُ ا‬
‫رشوا هبلْ امنا هاش اري‪ ،‬او ُ همحلُوا عا اىل‬ ‫يس ا ْب هن ام ْر ا امي‪ ،‬ن ُ ه ُ‬ ‫اب هع ا ِ‬ ‫اك ْي اف ن ْاصنا ُع؟ قاا ال‪ ِ":‬ا امَك اصنا اع َأ ْ ا‬
‫حص ُ‬
‫اّلل‪".‬‬‫اّلل خ ْاري هم ْن اح ايا ٍة هيف ام ْع هص اي هة َّ ه‬ ‫الْخاشا هب‪ ،‬ام ْوت هيف اطاعا هة َّ ه‬
‫وقد اكن علامء الإسلم عرب اترخينا الطويل ي حون بأنفسهم ويتعرضون للتعذيب‬
‫والسجن والقتل بسبب معارضهتم جتاه احلاكم الظلمة‪ ،‬ولول تكل املواقف الصلبة ل اع‬
‫ادلين وفلتت المة من طريقها‪ ،‬وهذه المة أمة مباركة فاإهنا مل ولن تعدم من يقوم هلل‬
‫بنرصة احلق ومقاومة الظمل‪ ،‬ويف لك عرص هناك جامعات من العلامء واملصلحني قاموا ضد‬
‫الظمل وضد املنكرات اثبتني حَّت يأيت أمر هللا ومه ظاهرون‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫رقم‪ )847 :‬والطبراني في‬ ‫‪8/‬‬ ‫أخرجه الحاكم في المستدرك وقال‪" :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه" (‬
‫‪ )8‬وصححه األلباني في السلسلة الصحيحة ( ‪ 373/‬رقم‪)378 :‬‬ ‫األوسط (‪ 43/4‬رقم‪7 :‬‬
‫‪45‬‬
‫أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (‪ 844/ 8‬رقم‪ ) 7544 :‬والصغير (‪ 343/ 3‬رقم‪ )753 :‬قال‬
‫الهيثمى‪ :‬يزيد بن مرثد لم يسمع من معاذ ‪ ،‬والوضين بن عطاء وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جماعة وبقية‬
‫رقم‪.)4 53 :‬‬ ‫رجاله ثقات (مجمع الزوائد‪7/5 :‬‬
‫‪74‬‬
‫إذا صارت الجماعة جماعات‬

‫اكنت تكل الحاديث ُكها تتحدث عىل أن املسلمني جتمعهم جامعة واحدة‬
‫ويتفقون عىل كيان س يايس واحد‪ ،‬ولكن وقد ألت أمور املسلمني منذ قرون اإىل تعدد‬
‫تكل الكياانت الس ياس ية وتفرقوا يف ألوية متعددة‪ ،‬واس مترت احلال اإىل ما عش ناه يف‬
‫واقعنا احلايل حيث تتعدد الطر الس ياس ية واملؤسس ية للمسلمني‪ ،‬فل بد من فقه‬
‫للنصوص يس توعب مكوانت الواقع‪ ،‬ويزنل النصوص يف مناطها الصحيح‪.‬‬
‫زاد تنوع الطر اجلامعة للمسلمني ُكام احنلت عقدة من عقد املنظومة املؤسس ية‬
‫اليت تنتظم ف ما شؤون املسلمني‪ ،‬كنوع تعويض ملا نقص من ادلين جراء احنلل عقدة من‬
‫عقد الإسلم‪ ،‬وقد يكون ذِل تدهورا من حيث عدم الانتظام املؤسيس املوحد‪ ،‬ولكن‬
‫من الناحية الخرى ميكن اعتبار ذِل تطورا وترقيا دلور اجملمتع املدين يف بناء احل ارة‪.‬‬
‫فنشوء املذاهب الفقهية اخملتلفة اليت بذرت بذورها الوىل خارج نطاق مؤسسة ادلوةل‬
‫يعترب ظاهرة حصية بل ارتقاء ح اراي وتقدما علميا‪ ،‬حيث توسع النشاط العلمي وتنوعت‬
‫اخليارات الفقهية العملية لتغطي جممتعات مسلمة جديدة لها ق اايها وثقافاهتا اجلديدة‪.‬‬
‫ولك ذِل التنوع نشأ ونشط حرا طليقا خارج دائرة املؤسسة الس ياس ية‪ ،‬مع‬
‫ان باطه والَتامه يف ظل الإطار العقدي املشرتك ويف ظل الراء الكثرية والتصورات‬
‫اجلامعة اليت أمجعوا عل ما‪ ،‬وهبذا املعىن يكون تفسري الإمام الشافعي ملعىن لزوم امجلاعة هو‬
‫اللئق واملمكن‪ ،‬كام قدمنا قوهل أن لزوم جامعة املسلمني ل معىن هل اإل واحد‪ ،‬يعِن كام‬
‫قال رمحه هللا‪" :‬اإذا اكنت جامعهتم متفرقة يف البْلان فل يقدر أحد أن يلزم جامعة أبدان‬
‫قوم متفرقني‪ ،‬وإان وجدت البدان تكون جممتعة من املسلمني والاكفرين والتقياء والفجار‪،‬‬
‫فمل يكن يف لزوم البدان معىن لنه ل ميكن‪ ،‬ولن البدان ل يصنع شيئا‪ ،‬فمل يكن للزوم‬
‫جامعهتم معىن اإل ما عليه جامعهتم من التحليل والتحرمي والطاعة ف مام‪".‬‬

‫‪47‬‬
‫انظر‪ :‬الرسالة ص‪875‬‬
‫‪75‬‬
‫ففي عهد الإمام الشافعي مل يكن لزوم امجلاعة مبعىن الَتام جامعة واحدة حمددة أمرا‬
‫ممكنا‪ ،‬لن املسلمني توزعوا عىل أقطار شاسعة يف مشارق الرض ومغارهبا‪ ،‬واكن الإطار‬
‫الس يايس متثهل دولتان متعاديتان العباس ية والموية‪ ،‬وتتابع الانقسام الس يايس فامي بعد‬
‫أكرث فأكرث مما يؤكد أن الالَتام بلإطار الس يايس احملدد ليس هو املعىن املمكن تطبيقه‪.‬‬
‫ومع التذكري بملبادئ اليت أسسها الرسول من أمهية وحدة املسلمني وذم التفرق والرجوع‬
‫اإىل القرأن والس نة حاةل الاختلف‪ ،‬وإال أن املواقف الرشعية اليت ُأمر املسلمون هبا ل‬
‫خترج بملثالية عن الواقعية‪ ،‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﭼ فقد تبقى‬
‫املثالية يه القبةل اليت نتجه اإل ما‪ ،‬ولكن الانطلق والارتاكز ل بد أن يكون عىل املساس‬
‫بلواقع‪ ،‬ل يتجاوزه أو يتجاههل‪.‬‬
‫مث اإن احلاةل العلمية العقدية للمسلمني أي ا أصاهبا ما أصاهبا من شوائب الفكر‬
‫واختلط املفاهمي مث اختلفها وت ارهبا‪ ،‬مما جعلت الإطار العقدي يبتعد عن طبيعته‬
‫الواحضة الناصعة‪ ،‬فصار مفهوم لزوم امجلاعة أكرث تعقيدا‪ .‬اإن معىن امجلاعة اذلي أشار اإليه‬
‫تعرفه اإل العلامء أو من يف دائرهتم‪ .‬مفن يقدر عىل استيعاب‬ ‫الإمام الشافعي ل يقدر عىل ّ‬
‫املسائل اليت أمجع عليه العلامء غري العلامء؟وبلتايل فاإن واجب لزوم امجلاعة صار معل‬
‫تقريبيا ل حتديداي‪ ،‬لصعوبة حتقيقه بدقة وعىل وجه اكمل‪.‬‬
‫والقاعدة املفيدة يف مثل هذه المور أنه ُكام أوغل المر يف التفرع والتشعب‬
‫والتشابك والتشابه رجع اإىل الصل واجلذر ل الامتدي يف التفرع والتشعب‪ ،‬كام أن القرأن‬
‫علّمنا اإرجاع املتشاهبات اإىل احملكامت‪ .‬اإن الإغراق يف فروع املسائل بعيدا عن راكئز‬
‫القرأن والس نة يؤدي اإىل نشوء تصورات غام ة‪ .‬وقد ل يوجد ف ما نص قاطع حيسم‬
‫املسأةل‪ ،‬وإامنا هناك فهوم وتفسريات ُكها برشية الطبع نسبية القمية‪ .‬فل معىن لعامتدها يف‬
‫س ياق الَتام امجلاعة املسلمة‪ ،‬وإامنا العمدة بقواطع النصوص وحمكامهتا والسس العامة‬

‫‪47‬‬
‫سورة البقرة‪47 :‬‬
‫‪76‬‬
‫الواحضة اجملمع عل ما مبدئيا‪ ،‬مث الاختلف فامي عدا ذِل ميكن التغايض عنه أو اإرجاؤه‬
‫ومداراته‪.‬‬
‫فعىل ذِل تقوم فتاوى العلامء الراخسني احملققني‪ ،‬فهذا ش يخ الإسلم ابن تميية ملا‬
‫س ئل عن تكوين الحزاب قال رمحه هللا‪ :‬وأما "رأس احلزب " فاإنه رأس الطائفة اليت‬
‫تتحزب أي تصري حزب‪ ،‬فاإن اكنوا جممتعني عىل ما أمر هللا به ورسوهل من غري زايدة ول‬
‫نقصان فهم مؤمنون‪ ،‬هلم ما هلم وعل مم ما عل مم‪ .‬وإان اكنوا قد زادوا يف ذِل ونقصوا مثل‬
‫التعصب ملن دخل يف حزهبم بحلق والباطل والإعراض معن مل يدخل يف حزهبم سواء‬
‫اكن عىل احلق والباطل‪ ،‬فهذا من التفرق اذلي ذمه هللا تعاىل ورسوهل‪ .‬فاإن هللا ورسوهل‬
‫أمرا بمجلاعة والئتلف وهنيا عن التفرقة والاختلف وأمرا بلتعاون عىل الرب والتقوى‬
‫وهنيا عن التعاون عىل الإمث والعدوان‪.‬‬
‫وهكذا أرجع ش يخ الإسلم املسأةل اإىل السس الإسلمية العامة‪ ،‬ل حتديد‬
‫جامعة معينة مبواصفات حمددة ل تصدق اإل عىل أانس معينني‪ .‬وهذا الرأي يعطي رشعية‬
‫لتعدد امجلاعات ما دامت ملَتمة عىل أمر هللا ورسوهل‪ ،‬واكن معدته رمحه هللا يه املبادئ‬
‫العامة املعروفة من المر بلجامتع والئتلف والتعاون عىل الرب والتقوى والهنيي عن‬
‫التفرق والاختلف‪.‬‬
‫وأبعد من ذِل فاإن تكوين مجموعات اإسلمية وإان اكنت يف نطاق صغري يبقى‬
‫أمرا مطلوب‪ ،‬وقد س بق نقل الكم ابن تميية اإذ قال‪" :‬جيب أن يعرف أن ولية أمر الناس‬
‫من أعظم واجبات ادلين‪ ،‬بل ل قيام لْلين اإل هبا‪ .‬فاإن بِن أدم ل تمت مصلحهتم اإل‬
‫بلجامتع‪ ،‬حلاجة بع هم اإىل بعض‪ .‬ول بد هلم عند الاجامتع من رأس‪ ،‬حَّت قال النيب‬
‫صىل هللا عليه وسمل‪" :‬اإذا خرج ثلثة يف سفر فليؤمروا أحدمه‪ ".‬رواه أبو داود من‬
‫حديث أيب سعيد وأيب هريرة‪ .‬وروى الإمام أمحد يف املس ند عن عبد هللا بن معرو أن‬

‫‪44‬‬
‫‪4 /‬‬ ‫مجموع الفتاوى‬
‫‪44‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ 37/3‬رقم ‪ ) 734 ، 734‬وأخرجه ابن خزيمة عن عمر (‪ 8 /8‬رقم ‪) 58‬‬
‫‪ 7‬رقم ‪ ) 7 3‬وصححه‪.‬‬ ‫والحاكم ( ‪/‬‬
‫‪77‬‬
‫النيب صىل هللا عليه وسمل قال‪" :‬ل حيل لثلثة يكونون بفلة من الرض اإل أمروا عل مم‬
‫أحدمه‪ ".‬فأوجب صىل هللا عليه وسمل تأمري الواحد يف الاجامتع القليل العارض يف‬
‫السفر تنب ما بذِل عىل سائر أنواع الاجامتع‪ .‬ولن هللا تعاىل أوجب المر بملعروف‬
‫والهنيي عن املنكر‪ .‬ول يمت ذِل اإل بقوة وإامارة‪ .‬وكذِل سائر ما أوجبه من اجلهاد والعدل‬
‫وإاقامة احلج وامجلع والعياد ونرص املظلوم وإاقامة احلدود ل تمت اإل بلقوة والإمارة‪".‬‬
‫ومثل ذِل قال الإمام الشواكين‪ِ :‬ف نيل الوطار‪" :‬بب وجوب نصب ولية‬
‫الق اء والإمارة وغريهام" مث ساق رواايت حديث الرسول "اإذا خرج ثلثة يف سفر‬
‫فليأ ّمروا أحدمه" مث قال‪ :‬وف ما دليل عىل أنه يرشع للك عدد بلغ ثلثة فصاعدا أن يؤمروا‬
‫عل مم أحدمه‪ ،‬لن يف ذِل السلمة من اخللف اذلي يؤدي اإىل التلف‪ ،‬مفع عدم التأمري‬
‫يستبد لك واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه ف ملكون‪ ،‬ومع التأمري يقل الاختلف وجتمتع‬
‫الَكمة‪ ،‬وإاذا رشع هذا لثلثة يكونون يف فلة من الرض أو يسافرون فرشعيته لعدد‬
‫أكرث يسكنون القرى والمصار وحيتاجون دلفع التظامل وفصل التخامص أوىل وأحرى‪.‬‬
‫وهكذا صار التعدد مرشوعا بل مطلوب‪ .‬والعربة يف مدى الَتام تكل امجلاعات‬
‫بملبادئ الإسلمية وعدم تصادهما فامي بيهنا وعدم تعصب أفرادها مما يؤدي اإىل التفرق‬
‫البغيض‪.‬‬
‫وقد حدث مع الصحابة يف عهد الرسول صىل هللا عليه وسمل أن تواجه‬
‫املهاجرون والنصار واكد أن حيصل الاقتتال‪.‬‬
‫اّلل عالا ْي هه‬
‫ول‪ :‬غا از ْوانا ام اع النَّ ه ه ّيب اص َّىل َّ ُ‬
‫اّلل اعهنْ ُام ي ا ُق ُ‬ ‫عن اجا هبر بن عبد هللا ار ه ا‬
‫يض َّ ُ‬
‫او اس َّ امل‪ ،‬اوقادْ ااث اب ام اع ُه انا س هم ْن الْ ُمه هااج هر اين اح ََّّت اك ُ ُرثوا‪ ،‬او ااك ان هم ْن الْ ُمه هااج هر اين ار ُجل لا َّعاب‪،‬‬
‫فا اك اس اع َأن اْص هار ًّاي فاغا ه اب ْ َالن اْص هار ُّي غا ا با اش هديدا‪ ،‬اح ََّّت تادا ا اع ْوا‪ ،‬اوقاا ال ْ َالن اْص هار ُّي‪ :‬ااي‬
‫لا ْ َلن اْص هار!‬

‫‪43‬‬
‫أخرجه أحمد ( ‪ 77/‬رقم ‪)7787‬‬
‫‪4‬‬
‫السياسة الشرعية‪ ،‬البن تيمية ص‪37- 37‬‬
‫‪4‬‬
‫نيل االوطار ‪48/4‬‬
‫‪78‬‬
‫اوقاا ال الْ ُمه هااج هر ُّي‪ :‬ااي لالْ ُمه هااج هر اين!‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‪ ،‬فاقاا ال‪ :‬اما اب ُل ادع اْوى َأه هْل الْ اجا هه هل َّي هة!!‬ ‫فاخ اار اج النَّ ه ُّيب اص َّىل َّ ُ‬
‫ُ َّمث قاا ال‪ :‬اما اشأْهنُ ُ ْم؟‬
‫فاأُخ ه اْرب هب اك ْس اع هة الْ ُمه هااج هر هّي ْ َالن اْص هار َّي‪،‬‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‪ :‬ادعُوهاا فااهنَّ اا اخبهيثاة‪ .‬ويف رواية ملسمل‪:‬‬ ‫قاا ال فاقاا ال النَّ ه ُّيب اص َّىل َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫"فاإهنا منتنة‪".‬‬
‫ويف رواية أخرى ملسمل‪ :‬اع ْن اجا هب ٍر قاا ال‪ :‬ا ْقتاتا ال غُ ال ام هان غُ الم هم ْن الْ ُمه هااج هر اين اوغُ الم‬
‫ون‪ :‬ااي لالْ ُمه هااج هر اين!‬‫هم ْن ْ َالن اْص هار‪ ،‬فانااداى الْ ُمه هااج ُر َأ ْو الْ ُمه هااج ُر ا‬
‫اوانا داى ْ َالنْ اص هار ُّي‪ :‬ااي لا ْ َلن اْص هار!‬
‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل فاقاا ال‪ :‬اما ه ااذا ادع اْوى َأه هْل الْ اجا هه هل َّي هة؟!‬ ‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫ول َّ ه‬ ‫فاخ اار اج ار ُس ُ‬
‫اّلل‪ ،‬ا َّل َأ َّن غُ ال ام ْ هني ا ْقتاتا ال فا اك اس اع َأ احدُ ُ امها ْالخ اار‪.‬‬ ‫قاالُوا‪ :‬ال ااي ار ُسو ال َّ ه‬
‫ا ا ا ا ْ لْ ِ‬
‫رص َّالر ُج ُل َأخاا ُه اظا هلما َأ ْو ام ْظلُوما‪ ،‬ا ْن ااك ان اظا هلما فالْ ايهنْ ا ُه فاان َّ ُه‬ ‫قال‪ :‬فل باأ اس‪ ،‬او اي ْن ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ُهل ن ْارص اوا ْن ااك ان ام ْظلُوما فالْ اي ْن ُ ْ‬
‫رص ُه‪.‬‬
‫ِقال ابن تميية رمحه هللا ‪ -‬كام يف مجموع الفتاوى‪ :‬فهاذان الإسامن "املهاجرون"‬
‫و"النصار" اسامن رشعيان جاء هبام الكتاب والس نة وسامهام هللا هبام كام سامان املسلمني‬
‫من قبل ويف هذا‪ .‬وانتساب الرجل اإىل املهاجرين والنصار انتساب حسن محمود عند هللا‬
‫وعند رسوهل‪ ،‬ليس من املباح اذلي يقصد به التعريف فقط اكلنتساب اإىل القبائل‬
‫والمصار‪ ،‬ول من املكروه أو احملرم اكلنتساب اإىل ما يفيض اإىل بدعة أو معصية أخرى‪.‬‬
‫مث مع هذا ملا دعا لك واحد مهنام طائفة منترصا هبا أنكر النيب صىل هللا عليه وسمل ذِل‬
‫وسامها دعوى اجلاهلية‪ ،‬حَّت قيل هل اإن ادلاعي هبا اإمنا هام غلمان مل يصدر ذِل من‬
‫امجلاعة‪ ،‬فأمر مبنع الظامل وإاعانة املظلوم‪ ،‬ليبني النيب صىل هللا عليه وسمل أن احملذور من‬

‫‪43‬‬
‫‪ 878/‬رقم‪)874 :‬‬ ‫‪ 383/‬رقم‪ )3 57 :‬ومسلم (‬ ‫أخرجه البخاري (‬
‫‪48‬‬
‫‪ 873/‬رقم‪)874 :‬‬ ‫أخرجه مسلم (‬
‫‪79‬‬
‫ذِل اإمنا هو تعصب الرجل لطائفته مطلقا‪ ،‬هفعل أهل اجلاهلية‪ ،‬فأما نرصها بحلق من غري‬
‫عدوان حفسن واجب أو مس تحب‪.‬‬
‫فانقسام املسلمني حتت مجموعات صغرية اكنقساهمم بني املهاجرين والنصار‪،‬‬
‫والوس واخلزرج وتقس اميت أخرى داخل دائرة السس الإسلمية الصحيحة مل يرض اإذا‬
‫مل يؤد اإىل الانشقاق والتنازع‪ ،‬وهللا أعمل‪.‬‬
‫وقد أفتت اللجنة ادلامئة للبحوث العلمية والإفتاء املكونة من سامحة الش يخ عبد‬
‫العزيز بن عبد هللا بن بز رئيسا والش يخ ‪ ...‬عبد الرزاق عفيفي انئب رئيس والش يخ‬
‫عبد هللا بن قعود ع وا والش يخ عبد هللا بن غداين ع وا‪ ،‬حيث ورد السؤال‪" :‬يف‬
‫هذا الزمان عديد من امجلاعات والتفريعات‪ ،‬ولك مهنا يدعي الان واء حتت الفرقة‬
‫الناجية‪ ،‬ول ندري أهيا عىل حق فنتبعه‪ ،‬ونرجو من س يادتمك أن تدلوان عىل أف ل هذه‬
‫امجلاعات وأخريها؛ فنتبع احلق ف ما مع اإبراز الدةل؟"‬
‫واكن اجلواب‪ :‬لك من هذه امجلاعات تدخل يف الفرقة الناجية اإل من أىت مهنم‬
‫مبكفر خيرج عن أصل الإميان‪ ،‬لكهنم تتفاوت درجاهتم قوة وضعفا بقدر اإصابهتم للحق‬
‫ومعلهم به وخطهئم يف فهم الدةل والعمل‪ ،‬فأهدامه أسعدمه بدلليل فهام ومعل‪ ،‬فاعرف‬
‫وهجات نظرمه‪ ،‬وكن مع أتبعهم للحق وألزهمم هل‪ ،‬ول تبخس الخرين اإخوهتم يف الإسلم‬
‫فرتد عل مم ما أصابوا فيه من احلق‪ ،‬بل اتبع احلق حيامث اكن ولو ظهر عىل لسان من‬
‫خيالفك يف بعض املسائل‪ ،‬فاحلق رائد املؤمن‪ ،‬وقوة ادلليل من الكتاب والس نة يه‬
‫الفيصل بني احلق والباطل‪ .‬وبهلل التوفيق‪ .‬وصىل هللا عىل نبينا محمد‪ ،‬وأهل وحصبه‬
‫وسمل‪.‬‬
‫وقد س ئلت اللجنة أي ا‪ : :‬بناء عىل قوهل تعاىل‪ { :‬اوتا اع ااونُوا عا اىل الْ ه ّهرب اوالتَّ ْق اوى او ال‬
‫تا اع ااونُوا عا اىل ْال ْ همث اوالْ ُعدْ او هان}‪ ،‬يقال اإنه جيب التعاون مع لك امجلاعات الإسلمية‪ ،‬وإان‬
‫اكنت ختتلف ِبيهنا يف مناجه وطريق دعوهتم‪ ،‬فاإن جامعة التبليغ طريق دعوهتا غري طريق‬
‫الإخوان املسلمني أو حزب التحرير أو جامعة اجلهاد أو السلفيني ‪.‬مفا هو ال ابط لهذا‬

‫‪45‬‬
‫‪.7‬‬ ‫فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء رقم‬
‫‪81‬‬
‫التعاون؟ وهل ينحرص مثل يف املشاركة يف املؤمترات والندوات؟ وماذا عند توجيه‬
‫ادلعوة اإىل غري املسلمني؟ حيث قد يكون هناك التباس كبري دلى املسلمني اجلدد‪ ،‬فاإن‬
‫لك جامعة من هذه امجلاعات سوف توهجهم اإىل مراكزمه وإاىل علامهئم‪ ،‬فيكونون يف حرية‬
‫من أمرمه‪ .‬فكيف ميكن تفادي هذه المور؟‬
‫واكن اجلواب‪" :‬الواجب التعاون مع امجلاعة اليت تسري عىل مهنج الكتاب والس نة‬
‫وما عليه سلف المة يف ادلعوة اإىل توحيد هللا س بحانه‪ ،‬وإاخلص العبادة هل‪ ،‬والتحذير‬
‫من الرشك والبدع واملعايص‪ ،‬ومناحصة امجلاعات اخملالفة ذلِل‪ ،‬فاإن رجعت اإىل الصواب‬
‫فاإنه يتعاون معها‪ ،‬وإان اس مترت عىل اخملالفة وجب الابتعاد عهنا والَتام الكتاب‬
‫والس نة‪ ،‬والتعاون مع امجلاعة امللَتمة ملهنج الكتاب والس نة يكون يف لك ما فيه خري وبر‬
‫وتقوى من الندوات واملؤمترات وادلروس واحملارضات‪ ،‬ولك ما فيه نفع ل إلسلم‬
‫واملسلمني‪ .‬وبهلل التوفيق وصىل هللا عىل نبينا محمد وأهل وحصبه وسمل‪".‬‬
‫وقع عىل هذه الفتوى‪ :‬الش يخ بكر أبو زيد ع وا‪ ،‬والش يخ صاحل الفوزان ع وا‬
‫والش يخ عبد هللا بن غداين ع وا والش يخ عبد العزيز أل الش يخ انئب رئيس والش يخ‬
‫عبد العزيز بن عبد هللا بن بز رئيسا‪.‬‬
‫و س ئل الش يخ بن بز رمحه هللا‪ :‬هل تعترب قيام جامعات اإسلمية يف البْلان‬
‫الإسلمية لحت ان الش باب وتربيهتم عىل الإسلم من اإجيابيات هذا العرص؟‬
‫قال‪ :‬وجود هذه امجلاعات الإسلمية فيه خري للمسلمني‪ ،‬ولكن عل ما أن جتهتد يف اإي اح‬
‫احلق مع دليهل وأن ل تتنافر مع بع ها‪ ،‬وأن جتهتد بلتعاون فامي بيهنا‪ ،‬وأن حتب اإحداها‬
‫الخرى ‪،‬وتنصح لها وتنرش حماس هنا ‪ ،‬وحترص عىل ترك ما يشوش بيهنا وبني‬
‫غريها‪ ،‬ولمانع أن تكون هناك جامعات اإذا اكنت تدعو اإىل كتاب هللا وس نة رسوهل –‬
‫صىل هللا عليه وسمل‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء رقم ‪4473‬‬
‫‪47‬‬
‫من مجموعة فتاوى سماحة الشيخ ابن باز (‪) 7 /5‬‬
‫‪81‬‬
‫بين االنخراط واالعتزال‬

‫اإن الرض ل ختلو من جامعة من املسلمني تقوم عىل احلق وتدعو اإليه‪ ،‬ويه‬
‫احلاةل الطبيعية جملرايت احلياة فوق هذه املعمورة‪.‬‬
‫عن معر بن اخلطاب ريض هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪:‬‬
‫« ل تزال طائفة من أميت ظاهرين عىل احلق حَّت تقوم الساعة »‪.‬‬
‫وهذه احلاةل من بقاء طائفة منصورة من املسلمني تس متر اإىل أن تقرتب ادلنيا من‬
‫هنايهتا‪ ،‬ول يبقى قبيل قيام الساعة مؤمن واحد‪ ،‬لن الساعة ل تقوم حَّت يقبض هللا لك‬
‫نفس مؤمنة‪ .‬وقد اكنت هذه املسأةل حمل اإشاكل دلى بعض الصحابة حيث استشلك‬
‫بع هم كيف خيرب الرسول ببقاء الطائفة املنصورة من أمته اإىل قيام الساعة مع أنه أخرب أن‬
‫الساعة ل تقوم اإل عىل رشار اخللق؟ يبني ذِل هذه الرواية يف حصيح مسمل‪:‬‬
‫عن عبد هللا بن معرو بن العاص قال‪" :‬ل تقوم الساعة اإل عىل رشار اخللق‪ ،‬مه‬
‫رش من أهل اجلاهلية‪ ،‬ل يدعون هللا بيشء اإل رده عل مم‪".‬‬
‫فبيامن مه عىل ذِل أقبل عقبة بن عامر فقال هل مسلمة‪ :‬اي عقبة‪ ،‬اَسع ما يقول‬
‫عبد هللا‪.‬‬
‫فقال عقبة‪ :‬هو أعمل‪ ،‬وأما أان فسمعت رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يقول‪" :‬ل‬
‫تزال عصابة من أميت يقاتلون عىل أمر هللا قاهرين لعدومه ل يرضمه من خالفهم حَّت‬
‫تأت مم الساعة ومه عىل ذِل‪".‬‬

‫‪44‬‬
‫أخرجه الحاكم(‪ 73/ 4‬رقم‪ )4534 :‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد‪ ،‬ولم يخرجاه‪ ،‬وقال الهيثمي‪ :‬رواه‬
‫الطبراني في الصغير والكبير ورجال الكبير رجال الصحيح (مجمع الزوائد‪.) 44/7 :‬‬
‫عقبة بن عامر الجهني من أصحاب الصفة كان عقبة بن عامر يقول خرج إلينا رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫‪44‬‬

‫وسلم يوما ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان وتوفي بمصر (حلية األولياء ‪)4/‬‬
‫‪82‬‬
‫فقال عبد هللا‪ :‬أجل‪ ،‬مث يبعث هللا رحيا كرحي املسك‪ ،‬مسها مس احلرير‪ ،‬فل‬
‫ترتك نفسا يف قلبه مثقال حبة من الإميان اإل قب ته‪ ،‬مث يبقى رشار الناس عل مم تقوم‬
‫الساعة‪.‬‬
‫ويؤكد ذِل حديث طويل رواه الإمام مسمل يف حصيحه عن الحداث الواقعة‬
‫قبل قيام الساعة عن النواس بن َسعان ريض هللا عنه قال‪ :‬ذكر رسول هللا صىل هللا‬
‫عليه وسمل ادلجال ذات غداة‪ ،‬خففض فيه ورفع ‪ ،‬حَّت ظنناه يف طائفة النخل‪ .‬فلام‬
‫رحنا اإليه‪ ،‬عرف ذِل فينا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما شأنمك؟‬
‫قلنا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬ذكرت ادلجال غداة‪ ،‬خفف ت فيه ورفعت‪ ،‬حَّت ظنناه يف‬
‫طائفة النخل‪.‬‬
‫فقال‪ :‬غري ادلجال أخوفِن عليمك ‪ ،‬اإن خيرج فأان جحيجه دونمك‪ ،‬وإان خيرج‬
‫ولست فيمك فامرؤ جحيج نفسه‪ ،‬وهللا خليفيت عىل لك مسمل‪،‬‬

‫أخرجه مسلم (‪ 5 8/3‬رقم ‪) 4 8‬‬ ‫‪33‬‬

‫النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط بن عبد اهلل بن أبي بكر بن كالب العامري الكالبي له‬ ‫‪3‬‬

‫وألبيه صحبة وحديثه عند مسلم في صحيحه (اإلصابة ‪)874/7‬‬


‫قال النووي‪ :‬قوله (ذكر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه فى‬ ‫‪3‬‬

‫طائفة النخل) هو بتشديد الفاء فيهما‪ ،‬وفي معناه قوالن (أحدهما) أن خفض بمعنى حقر وقوله (رفع) أى‬
‫عظمه وفخمه‪ .‬فمن تحقيره وهو أن اهلل تعالى عوره‪ ،‬ومنه قوله صلى اهلل عليه وسلم "و أهون على اهلل من‬
‫ذلك"‪ ،‬وأنه اليقدر على قتل أحد إال ذلك الرجل‪ ،‬ثم يعجز عنه‪ ،‬وأنه يضمحل أمره‪ ،‬ويقتل بعد ذلك هو‬
‫وأتباعه‪ .‬ومن تفخيمه وتعظيم فتنته والمحنة به هذه األمور الخارقة للعادة‪ ،‬وأنه ما من نبى إال وقد أنذره قومه‪.‬‬
‫(والوجه الثانى) أنه خفض من صوته فى حال الكثرة‪ ،‬فيما تكلم فيه‪ ،‬فخفض بعد طول الكالم‪ ،‬والتعب‬
‫ليستريح‪ ،‬ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد(شرح النووي ‪.)73/ 4‬‬
‫‪33‬‬
‫قال النووي نقال عن شيخه أبي عبد اهلل بن مالك رحمه اهلل‪ :‬وأما معنى الحديث ففيه أوجه‪( :‬أظهرها)‬
‫أنه من أفعل التفضيل‪( :‬الدجال) أخوف مخوفاتى عليكم ثم أضيف إلى الياء‪ ،‬ومنه "أخوف ما أخاف على‬
‫أمتى األئمة المضلون‪ ".‬معناه‪ :‬أن األشياء التى أخافها على أمتى أحقها بأن تخاف األئمة المضلون‪( .‬والثانى)‬
‫بأن يكون أخوف من أخاف بمعنى خوف الدجال أشد موجبات خوفى عليكم‪( .‬والثالث) أن يكون من باب‬
‫‪83‬‬
‫اإنه شاب قطط ‪ ،‬عينه طافئة‪ ،‬كين أش هبه بعبد العزي بن قطن‪ ،‬مفن أدركه‬
‫منمك فليقرأ عليه فواحت سورة الكهف‪ ،‬اإنه خارج خةل بني الشام والعراق ‪ ،‬فعاث ميينا‬
‫وعاث شامل ‪ ،‬اي عباد هللا! فأثبتوا!‬
‫قلنا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬وما لبثه يف الرض؟‬
‫قال‪ :‬أربعون يوما‪ ،‬يوم كس نة‪ ،‬ويوم كشهر‪ ،‬ويوم كجمعة‪ ،‬وسائر أايمه‬
‫كايممك ‪.‬‬

‫وصف المعانى بما يوصف به األعيان على سبيل المبالغة كقولهم فى الشعر الفصيح‪ :‬شعر شاعر‪ .‬وخوف‬
‫فالن أخوف من خوفك وتقديره الدجال أخوف خوفى عليكم ثم األول ثم الثانى هذا آخر كالم الشيخ رحمه اهلل‪.‬‬
‫ثم قال النووي‪ :‬وألفعل التفضيل أيضا شبه بالفعل‪ ،‬وخصوصا بفعل التعجب‪ ،‬فجاز أن تلحقه النون المذكورة‬
‫فى الحديث‪ ،‬كما لحقت فى األبيات المذكورة‪ .‬هذا هو األظهر فى هذه النون هنا‪ .‬ويحتمل أن يكون معناه‬
‫أخوف لى فأبدلت النون من الالم‪ ،‬ككما أبدلت فى لعن وعن بمعنى لعل وعل (شرح النووي ‪)78/ 4‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (إنه شاب قطط) هو بفتح القاف والطاء‪ :‬أى شديد جعودة الشعر‪ ،‬مباعدة‬ ‫‪38‬‬

‫للجعودة المحبوبة (شرح النووي ‪)78/ 4‬‬


‫‪35‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (أنه خارج خلة بين الشام والعراق) هكذا فى نسخ بالدنا‪َ :‬خلَّة بفتح الخاء‬
‫المعجمة والالم وتنوين الهاء‪ .‬وقال القاضى‪ :‬المشهور فيه حلة بالحاء المهملة ونصب التاء منونة‪ .‬قيل‪ :‬معناه‬
‫سمت ذلك وقبالته‪ .‬وفى كتاب العين الحلة موضع حزن وصخور‪ .‬قال‪ :‬ورواه بعضهم ُحله بضم الالم‪ ،‬وبها‬
‫الضمير‪ ،‬أى نزوله وحلوله‪ .‬قال‪ :‬وكذا ذكره الحميدى فى الجمع بين الصحيحين‪ .‬قال‪ :‬وذكره الهروى خلة‬
‫بالخاء المعجمة وتشديد الالم المفتوحتين‪ ،‬وفسره بأنه ما بين البلدين‪ .‬هذا آخر ماذكره القاضى‪.‬‬
‫وهذا الذى ذكره عن الهروى هو الموجود فى نسخ بالدنا‪ ،‬وفى الجمع بين الصحيحين أيضا ببالدنا‪ ،‬وهو‬
‫الذى رجحه صاحب نهاية الغريب‪ ،‬وفسره بالطريق بينهما (شرح النووي ‪)78/ 4‬‬
‫‪37‬‬
‫قوله (فعاث يمينا وعاث شماال) هو بعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحة‪ :‬وهو فعل ماض والعيث‪ :‬الفساد أو‬
‫ٍ‬
‫فعاث بكسر الثاء منونة‬ ‫أشد الفساد‪ ،‬واإلسراع فيه‪ ،‬يقال‪ :‬منه عاث يعيث‪ .‬وحكى القاضى أنه رواه بعضهم‪:‬‬
‫اسم فاعل‪ ،‬وهو بمعنى األول‪(.‬شرح النووي ‪)75-78/ 4‬‬
‫‪37‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم) قال العلماء‪:‬‬
‫هذا الحديث على ظاهره‪ ،‬وهذه األيام الثالثة طويلة على هذا القدر المذكور فى الحديث‪ ،‬يدل عليه قوله صلى‬
‫اهلل عليه وسلم "وسائر أيامه كأيامكم‪( ".‬شرح النووي ‪)75/ 4‬‬
‫‪84‬‬
‫قلنا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬فذِل اليوم اذلي كس نة‪ ،‬أتكفينا فيه صلة يوم؟‬
‫قال‪ :‬ل اقدروا هل قدره‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬وما إارساعه يف الرض؟‬
‫قال‪ :‬اكلغيث اس تدبرته الرحي‪ ،‬فيأيت عىل القوم فيدعومه فيؤمنون به‪،‬‬
‫ويس تجيبون هل‪ ،‬فيأمر السامء فمتطر‪ ،‬والرض فتنبت‪ ،‬فرتوح عل مم سارحهتم أطول ما‬
‫اكنت ذرا‪ ،‬وأس بغه رضوعا‪ ،‬وأمده خوارص‪،‬‬
‫مث يأيت القوم فيدعومه فريدون عليه قوهل‪ ،‬فينرصف عهنم‪ ،‬فيصبحون ممحلني‪،‬‬
‫ليس بأيدهيم ءيء من أمواهلم‪ ،‬ومير بخلربة‪ ،‬فيقول‪ :‬لها أخريج كنوزك! فتتبعه كنوزها‬
‫كيعاسيب النحل ‪،‬‬

‫وأما قولهم (يا رسول اهلل فذلك اليوم الذى كسنة أتكفينا فيه صالة يوم؟ قال‪ :‬ال اقدروا له قدره) فقال‬ ‫‪34‬‬

‫القاضى وغيره‪ :‬هذا حكم مخصوص بذلك اليوم‪ ،‬شرعه لنا صاحب الشرع‪ .‬قالوا‪ :‬ولوال هذا الحديث ووكلنا إلى‬
‫اجتهادنا القتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند األوقات المعروفة فى غيره من األيام (شرح النووي‬
‫‪)75/ 4‬‬
‫ومعنى (اقدروا له قدره) أنه اذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا‬ ‫‪34‬‬

‫الظهر‪ ،‬ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر‪ ،‬واذا مضى بعد هذا قدر ما يكون‬
‫بينها وبين المغرب فصلوا المغرب‪ ،‬وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا‪ ،‬حتى ينقضى‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلها مؤداة فى وقتها‪ .‬وأما الثانى الذى كشهر‪ ،‬والثالث الذى‬
‫كجمعة فقياس اليوم األول أن يقدر لهما كاليوم األول على ما ذكرناه‪ .‬واهلل أعلم (شرح النووي ‪)75/ 4‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذ ار‪ ،‬وأسبغه ضروعا‪ ،‬وأمده خواصر)‬ ‫‪3‬‬

‫أما (تروح) فمعناه ترجع آخر النهار‪ ،‬و(السارحة) هى الماشية التى تسرح أى تذهب أول النهار إلى المرعى‪.‬‬
‫وأما (ال ُذ َرى) فبضم الذال المعجمة وهى األعالى واألسمنة‪ ،‬جمع ِذ ُُروة بضم الذال وكسرها وقوله (وأسبغه)‬
‫بالسين المهملة والغين المعجمة أى أطوله‪ ،‬لكثرة اللبن‪ .‬وكذا (أمده) خواصر لكثرة امتالئها من الشبع (شرح‬
‫النووي ‪)75/ 4‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) هى ذكور النحل‪ .‬هكذا فسره ابن قتيبة‬
‫وآخرون‪ .‬قال القاضى‪ :‬المراد جماعة النحل ال ذكورها خاصة‪ ،‬لكنه كذا عن الجماعة باليعسوب وهو أميرها‪،‬‬
‫ألنه متى طار تبعته جماعته‪ .‬واهلل أعلم (شرح النووي ‪)75/ 4‬‬
‫‪85‬‬
‫رمية‬ ‫مث يدعو رجل ممتلئا ش باب‪ ،‬فيرضبه بلس يف‪ ،‬فيقطعه جزلتني‬
‫الغرض ‪ ،‬مث يدعوه فيقبل ويهتلل وهجه ي حك‪،‬‬
‫فبيامن هو كذِل‪ ،‬اإذ بعث هللا املس يح بن مرمي‪ ،‬فيزنل عند املنارة البي اء‬
‫رشيق دمشق بني همرودتني ‪ ،‬واضعا كفيه عىل أجنحة ملكني‪ ،‬اإذا طأطأ رأسه قطر‪،‬‬
‫وإاذا رفعه حتدر منه جامن اكللؤلؤ ‪،‬‬
‫فل حيل لاكفر جيد رحي نفسه اإل مات‪ ،‬ونفسه ينهتيي حيث ينهتيي طرفه‪،‬‬
‫فيطلبه حَّت يدركه بباب دل فيقتهل‪،‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (فيقطعه جزلتين رمية الغرض) بفتح الجيم على المشهور‪ ،‬وحكى ابن دريد‬
‫كسرها‪ ،‬أى قطعتين (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬
‫ومعنى (رمية الغرض) أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رميته‪ .‬هذا هو الظاهر المشهور‪ .‬وحكى القاضى‬ ‫‪3‬‬

‫هذا‪ ،‬ثم قال‪ :‬وعندى أن فيه تقديما وتأخي ار‪ ،‬وتقديره فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين‪ .‬والصحيح‬
‫األول (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬
‫قوله (فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين) أما المنارة فبفتح الميم‪ .‬وهذه المنارة قائمة‬ ‫‪8‬‬

‫اليوم (شرقى دمشق) ودمشق بكسر الدال وفتح الميم‪ ،‬وهذا هو المشهور‪ .‬وحكى صاحب المطالع كسر الميم‪.‬‬
‫وهذا الحديث من فضائل دمشق وفى (عند) ثالث لغات كسر العين وضمها وفتحها والمشهور الكسر (شرح‬
‫النووي ‪)77/ 4‬‬
‫وأما (المهروذتان) فروى بالدال المهملة والذال المعجمة‪ .‬والمهملة أكثر‪ .‬والوجهان مشهوران للمتقدمين‬ ‫‪5‬‬

‫والمتأخرين من أهل اللغة والغريب وغيرهم‪ .‬وأكثر ما يقع فى النسخ بالمهملة‪ ،‬كما هو المشهور‪ .‬ومعناه‪ :‬البس‬
‫مهروذتين أى ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران‪ ،‬وقيل‪ :‬هما شقتان والشقة نصف المالءة (شرح النووي‬
‫‪)77/ 4‬‬
‫‪ 7‬قوله صلى اهلل عليه وسلم (تحدر منه ُج َمان كاللؤلؤ) الجمان بضم الجيم وتخفيف الميم هى حبات من‬
‫الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار‪ .‬والمراد يتحدر منه الماء على هيئة اللولؤ فى صفاته فسمى الماء جمانا‬
‫لشبهه به فى الصفاء (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (فال يحل لكافر يجد ريح نفسه إال مات) هكذا الرواية "فال ِ‬
‫يحل" بكسر الحاء‬ ‫‪7‬‬

‫و(نفَسه) بفتح الفاء ومعنى ال يحل ال يمكن وال يقع‪ .‬وقال القاضى‪ :‬معناه عندى حق وواجب‪ .‬قال‪ :‬ورواه‬
‫بعضهم بضم الحاء وهو وهم وغلط (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (يدركه بباب لُد) هو بضم الالم وتشديد الدال مصروف‪ ،‬وهو بلدة المساجد من‬ ‫‪4‬‬

‫بيت المقدس (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬


‫‪86‬‬
‫مث يأيت عيس بن مرمي قوم قد عصمهم هللا منه‪ ،‬فميسح عن وجوههم‬
‫وحيدهثم بدرجاهتم يف اجلنة‪ ،‬فبيامن هو كذِل اإذ أوَح هللا اإىل عيس‪" :‬اإين قد أخرجت‬
‫عبادا يل ل يدان لحد بقتاهلم ‪ ،‬حفرز عبادي اإىل الطور‪".‬‬
‫ويبعث هللا يأجوج ومأجوج ومه من لك حدب ينسلون‪ ،‬فمير أوائلهم عىل‬
‫حبرية طربية فيرشبون ما ف ما‪ ،‬ومير أخرمه فيقولون‪ :‬لقد اكن هبذه مرة ماء‪ .‬وحيرص نيب‬
‫هللا عيس وأحصابه حَّت يكون رأس الثور لحدمه خريا من مائة دينار لحدمك اليوم‪،‬‬
‫فريغب نيب هللا عيس وأحصابه‪ ،‬فريسل هللا عل مم النغف يف رقاهبم فيصبحون فريس‬
‫َكوت نفس واحدة‪،‬‬
‫مث هيبط نيب هللا عيس وأحصابه اإىل الرض‪ ،‬فل جيدون يف الرض موضع شرب‬
‫اإل مله زمههم ونتهنم ‪ ،‬فريغب نيب هللا عيس وأحصابه اإىل هللا‪ ،‬فريسل هللا طريا‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (ثم يأتى عيسى صلى اهلل عليه وسلم قوما قد عصمهم اهلل منه فيمسح عن‬ ‫‪4‬‬

‫وجوههم) قال القاضى‪ :‬يحتمل أن هذا المسح حقيقة على ظاهره‪ ،‬فيمسح على وجوههم تبركا وب ار‪ ،‬ويحتمل أنه‬
‫إشارة إلى كشف ما هم فيه من الشدة والخوف (شرح النووي ‪)77-77/ 4‬‬
‫قوله تعالى (أخرجت عبادا لى اليدان ألحد بقتالهم فحرز عبادى إلى الطور) فقوله ال يدان بكسر النون‬ ‫‪3‬‬

‫تثنية يد‪ .‬قال العلماء‪ :‬معناه ال قدرة وال طاقة‪ .‬يقال‪ :‬مالى بهذا األمر يد‪ ،‬ومالى به يدان‪ ،‬ألن المباشرة والدفع‬
‫إنما يكون باليد‪ ،‬وكان يديه معدومتان‪ ،‬لعجزه عن دفعه‪ .‬ومعنى حرزهم إلى الطور أى ضمهم واجعله لهم‬
‫حر از‪ .‬يقال‪ :‬أحرزت الشىء أحرزه إح از از اذا حفظته وضممته إليك وصنته عن األخذ‪ .‬ووقع فى بعض النسخ‬
‫حزب بالحاء والزاى والباء أى أجمعهم‪ .‬قال القاضى‪ :‬وروى حوز بالواو والزاى‪ ،‬ومعناه نحهم وأزلهم عن‬
‫طريقهم إلى الطور (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬
‫قوله (وهم من كل حدب ينسلون) الحدب‪ :‬النشز‪ ،‬وينسلون‪ :‬يمشون مسرعين (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (فيرسل اهلل تعالى عليهم النغف فى رقابهم فيصبحون فرسى) النغف بنون وغين‬
‫معجمة مفتوحتين ثم فاء‪ ،‬وهو دود يكون فى أنوف اإلبل والغنم‪ ،‬الواحدة نغفة‪ .‬والفرسى بفتح الفاء مقصور أى‬
‫قتلى‪ ،‬واحدهم فريس (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬
‫قوله (مأله زهمهم ونتنهم) هو بفتح الهاء أى دسمهم ورائحتهم الكريهة (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪87‬‬
‫كعناق البخت‪ ،‬فتحملهم فتطرهحم حيث شاء هللا‪ ،‬مث يرسل هللا مطرا ل يكن منه بيت‬
‫مدر ول وبر فيغسل الرض حَّت يرتكها اكلزلقة‪،‬‬
‫مث يقال للرض‪" :‬أنبيت مثرتك‪ ،‬وردي بركتك‪ ".‬فيومئذ تألك العصابة من الرمانة‪،‬‬
‫ويس تظلون بقحفها‪ ،‬ويبارك يف الرسل حَّت أن اللقحة من الإبل لتكفي‬
‫الفئام من الناس‪ ،‬واللقحة من البقر لتكفي القبيةل من الناس‪ ،‬واللقحة من الغَّن لتكفي‬
‫الفخذ من الناس‪،‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (ال يكن منه بيت مدر) أى ال يمنع من نزول الماء (بيت المدر) بفتح الميم‬ ‫‪8‬‬

‫والدال‪ ،‬وهو الطين الصلب (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬


‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (فيغسل األرض حتى يتركها كالزلقة) روى بفتح الزاى والالم والقاف‪ ،‬وروى‬ ‫‪5‬‬

‫الزلَفة بفتح الزاى والالم وبالفاء‪ .‬وقال القاضى‪ :‬روى بالفاء‬


‫الزلفة بضم الزاى واسكان الالم وبالفاء‪ ،‬وروى َ‬
‫ُ‬
‫والقاف وبفتح الالم وباسكانها‪ ،‬وكلها صحيحة‪ .‬قال فى المشارق‪ :‬والزاى مفتوحة‪ .‬واختلفوا فى معناه‪ .‬فقال‬
‫ثعلب وأبو زيد وآخرون معناه‪ :‬كالمرآة‪ .‬وحكى صاحب المشارق هذا عن ابن عباس أيضا‪ ،‬شبهها بالمرآة فى‬
‫صفائها ونظافتها‪ .‬وقيل‪ :‬كمصانع الماء أى إن الماء يستنقع فيها‪ ،‬حتى تصير كالمصنع الذى يجتمع فيه‬
‫الماء‪ .‬وقال أبو عبيد‪ :‬معناه كاإلجانة الخضراء‪ .‬وقيل‪ :‬كالصفحة‪ .‬وقيل‪ :‬كالروضة (شرح النووي ‪)77/ 4‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها) العصابة الجماعة‪ .‬وقحفها بكسر‬ ‫‪7‬‬

‫القاف هو مقعر قشرها‪ ،‬شبهها بقحف الرأس وهو الذى فوق الدماغ‪ .‬وقيل‪ :‬ما انفلق من جمجمته وانفصل‬
‫(شرح النووي ‪)74/ 4‬‬
‫ِ‬
‫الرسل بكسر الراء واسكان السين‪ :‬هو اللبن (شرح النووي ‪)74/ 4‬‬ ‫‪7‬‬

‫و(اللقحة) بكسر الالم وفتحها لغتان مشهورتان‪ ،‬والكسر أشهر‪ ،‬وهى القريبة العهد بالوالدة‪ ،‬وجمعها لقح‬ ‫‪4‬‬

‫بكسر الالم وفتح القاف‪ ،‬كبركة وبرك‪ .‬واللقوح ذات اللبن وجمعها لقاح (شرح النووي ‪)74/ 4‬‬
‫و(الفئام) بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة‪ ،‬وهى الجماعة الكثيرة‪ .‬هذا هو المشهور والمعروف فى اللغة‬ ‫‪4‬‬

‫وكتب الغريب‪ .‬ورواية الحديث أنه بكسر الفاء وبالهمز‪ .‬قال القاضى‪ :‬ومنهم من ال يجيز الهمز بل يقوله‬
‫بالياء‪ .‬وقال فى المشارق‪ :‬وحكاه الخليل بفتح الفاء‪ ،‬وهى رواية القابسى‪ .‬قال‪ :‬وذكره صاحب مهموز فأدخله‬
‫فى حرف الياء وحكى الخطابى أن بعضهم ذكره بفتح الفاء وتشديد الياء وهو غلط فاحش (شرح النووي‬
‫‪)74/ 4‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (لتكفى الفخذ من الناس) قال أهل اللغة الفخذ‪ :‬الجماعة من األقارب‪ ،‬وهم دون‬ ‫‪33‬‬

‫البطن‪ .‬والبطن دون القبيلة‪ .‬قال القاضى‪ :‬قال ابن فارس‪ :‬الفخذ هنا بإسكان الخاء فال يقال إال بإسكانها‪،‬‬
‫بخالف الفخذ التى هى العضو‪ ،‬فإنها تكسر و تسكن (شرح النووي ‪)74/ 4‬‬
‫‪88‬‬
‫فبيامن مه كذِل‪ ،‬اإذ بعث هللا رحيا طيبة‪ ،‬فتأخذمه حتت أبطهم‪ ،‬فتقبض روح لك‬
‫مؤمن ولك مسمل ‪ ،‬ويبقى رشار الناس يهتارجون ف ما هتارج امحلر ‪ ،‬فعل مم تقوم‬
‫الساعة‪.‬‬
‫فدل هذا احلديث وغريه من الرواايت املوافقة هل أن خلو الرض من امجلاعة‬
‫املسلمة لن حيدث اإل قبيل قيام الساعة بعد قتال املسلمني ادلجال وبعد نزول عيس ابن‬
‫مرمي عليه السلم‪ ،‬وبعد خروج يأجوج ومأجوج‪ ،‬فاإذا مل يبق عىل الرض مؤمن أو‬
‫مسمل واحد مل يكن هناك عىل وجه الرض وجود اإسليم‪ .‬وبناء عىل ذِل فالرخراط يف‬
‫جامعة املسلمني يبقى معل ممكنا خلل أزمنة طويةل ممتدة من وفاة الرسول صىل هللا عليه‬
‫وسمل اإىل قرب يوم القيامة‪ .‬وبلتايل سؤال حذيفة ريض هللا عنه "فاا ْن لا ْم يا ُك ْن لاه ُْم ا امجاعاة‬
‫او ال ا امام؟" يكون هذا السؤال افرتاضا اس تثنائيا‪ ،‬وليس حاةل يقاس ِ عل ما ول أصل يعمتد‬
‫ِ‬
‫عليه‪ .‬فالصل يف املسمل هو الاختلط بلناس والارخراط يف حياهتم العامة والان واء‬
‫يف الكياانت الإسلمية القامئة ما داموا متعاونني عىل الرب والتقوى‪.‬‬
‫ويبقى الاعَتال اس تثناء حيتاج اإىل مربرات معقوةل ومقبوةل للجوء اإليه‪ ،‬فليس‬
‫من هدي الرسول صىل هللا عليه وسمل الهروب من معرتك احلياة‪ ،‬فاإن المل يف اإصلح‬
‫الناس يبقى قامئا‪ ،‬ومقاومة الرش وادلعوة اإىل اخلري تظل مطلوبة ومتاحة رمغ الصعوبت‬
‫والتحدايت‪.‬‬
‫ولكن ينبغي التنبيه هنا أنه ليس معىن بقاء الطائفة املنصورة وظهورها يف الناس‬
‫أهنا منترشة ومتواجدة يف لك ماكن ويف لك بْل‪ ،‬بل هؤلء الطائفة قد تقل وقد تكرث‪،‬‬
‫وحاةل القةل يه الغالبة‪ ،‬فهنا جاءت مناس بة السؤال‪ :‬كيف اإذا مل يمتكن الإنسان من‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم) هكذا هو فى جميع نسخ مسلم "وكل مسلم"‬ ‫‪3‬‬

‫بالواو (شرح النووي ‪)74/ 4‬‬


‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (يتهارجون تهارج الحمير) أى يجامع الرجال النساء بحضرة الناس‪ ،‬كما يفعل‬ ‫‪3‬‬

‫الحمير‪ .‬وال يكترثون لذلك‪ .‬والهرج بإسكان الراء الجماع‪ .‬يقال‪ :‬هرج زوجته أي جامعها‪ ،‬يهرجها‪ ،‬بفتح الراء‬
‫وضمها وكسرها (شرح النووي ‪)74/ 4‬‬
‫رقم ‪) 437‬‬ ‫‪58-‬‬ ‫أخرجه مسلم (‪5 /8‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪89‬‬
‫التوصل اإىل جامعة املسلمني القامئني عىل احلق أو مل يعرف تواجدمه؟ كن يعيش الإنسان‬
‫يف بْل الكفر وليس فيه مسمل صاحل للجامتع معه والتعاون معه عىل الرب والتقوى‪ ،‬أو‬
‫يسكن املسمل يف بْل يغلب عليه أحصاب البدع والعقائد الفاسدة‪ ،‬ففي مثل هذه الظروف‬
‫يسوغ الاعتقاد بأنه ليس هناك جامعة املسلمني ول اإمام هلم يلجأ اإل مم‪.‬‬
‫ولكن قبل اللجوء اإىل خيار الاعَتال جيب عىل املسمل الاجهتاد يف البحث عن‬
‫جامعة من املسلمني تتعاون عىل الرب والتقوى جتمعهم عقيدة التوحيد وتربطهم وحدة‬
‫الانامتء اإىل المة الإسلمية‪ .‬قال هللا تعاىل‪ { :‬ااي َأهيُّ اا َّ هاذل اين أ امنُوا ات َّ ُقوا َّ ا‬
‫اّلل او ُكونُوا ام اع‬
‫الصا هد هق اني} ‪ ،‬مع الصادقني يف انامتهئم لهذا ادلين‪ ،‬والصادقني يف العمل ابتغاء رضوان‬ ‫َّ‬
‫هللا‪ .‬واملسمل احلريص عىل دينه حيرص عىل اختيار أحصابه فقد قال النيب صىل هللا عليه‬
‫يهل فالْ اي ْن ُظ ْر َأ احدُ ُ ْمك ام ْن ُ اخياله ُل‪ ".‬وإان السلمة من اخلرسان‬ ‫وسمل‪َّ " :‬الر ُج ُل عا اىل هد هين اخ هل ه ه‬
‫احملقق حمصورة عىل هؤلء اذلين اجمتعوا عىل الإميان والعمل الصاحل والتوايص بحلق‬
‫ات‬ ‫ُرس ‪ .‬ا َّل َّ هاذل اين أ امنُوا او ا همعلُوا َّ‬
‫الصا هل اح ه‬ ‫رص ‪ .‬ا َّن ْ هالن ْ اس اان لا هفي خ ْ ٍ‬ ‫والصرب عليه { اوالْ اع ْ ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اوت ااو ااص ْوا هبلْ اح ّ هق اوت ااو ااص ْوا هب َّلص ْ هرب}‪.‬‬
‫مث اإذا مل يتسن العيش مع أانس صاحلني صادقني يتواصون بحلق والصرب‪ ،‬فعليه‬
‫أن يبذل هجدا للهجرة اإىل أرض الإسلم واملسلمني حيث مكن ف ما الإسلم‪ .‬وقد حىك‬
‫هللا يف القرأن عن أانس مظلومني مقهورين يف أمرمه‪ ،‬ومل يعذرمه هللا اإل اإذا عزوا عن‬
‫الهجرة اإىل أرض متكهنم من أداء واجباهتم‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ :‬ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬

‫‪38‬‬
‫سورة التوبة‪4:‬‬
‫‪35‬‬
‫رقم‪:‬‬ ‫‪ 854/‬رقم‪ )8 43 :‬والترمذي (‪ 343/4‬رقم‪ ) 333 :‬وحسنه وأحمد (‪7/ 7‬‬ ‫أخرجه أبو داود (‬
‫‪ )7745‬والحاكم وقال صحيح إن شاء اهلل (‪ 75/ 7‬رقم‪ )78 7 :‬وصححه األلباني (‪ /3‬رقم‪)4 7 :‬‬
‫‪37‬‬
‫سورة العصر‪3- :‬‬
‫‪91‬‬
‫ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ‬
‫فاإذا مل ميكل الإنسان القدرة عىل الانتقال اإىل ماكن ميكنه من الارخراط يف جامعة‬
‫املسلمني أو مل يعرف وجود جامعة املسلمني‪ ،‬وحارصته الفرق ال اةل ادلاعية اإىل أبواب‬
‫هجَّن‪ ،‬مفا عليه اإل اعَتال احلياة العامة‪ ،‬وعليه أن هيمت بشؤونه اخلاصة‪ ،‬وأل يشارك أهل‬
‫الباطل يف بطلهم‪ .‬وهذا هو املعىن اللئق لقول الرسول عليه الصلة والسلم‪" :‬اعَتل‬
‫تكل الفرق ُكها"‪.‬‬
‫وال هفرق املأمور اعَتالها يه املشار اإل ما يف احلديث "دعاة عىل أبواب هجَّن‪ ،‬من‬
‫أجاهبم اإل ما قذفوه ف ما‪ ".‬وامجلاعة املأمور الَتاهما يه جامعة املؤمنني امللَتمني لطاعة هللا‬
‫ورسوهل‪ ،‬وهمام قل عددمه‪ ،‬كام قال ابن مسعود ريض هللا عنه‪" :‬اإمنا امجلاعة ما وافق‬
‫طاعة هللا وإان كنت وحدك‪".‬‬
‫وال افرق بني امجلاعة اليت أمران بلزوهما وبني ال هف ارق اليت أمران بعَتالها هو أن‬
‫الوىل تدعو اإىل اخلري والمتسك بتعالمي الإسلم مجةل وتفصيل وادلعوة الكتاب والس نة‬
‫علام ومعل‪ ،‬أما الثانية فهيي كام قال الرسول صىل هللا عليه وسمل تدعو اإىل أبواب هجَّن‪،‬‬
‫فهيي تدعو اإىل خمالفة أوامر هللا ورسوهل‪ ،‬ويغلفون دعوهتم بأغلفة خمتلفة تغطي بطلهم‬
‫وتزين ضلهلم‪.‬‬
‫والمر الخر اذلي يربر الاعَتال هو تفامق حاةل اتباع الهوى والاننية والمتسك‬
‫بلرأي الباطل مما جيعل النصح والمر بملعروف والهنيي عن املنكر أمر مس تحيل‪.‬‬
‫يظل املسمل مطالبا بلمر بملعروف والهنيي عن املنكر حَّت اإذا وجد أن الناس‬
‫قد اس تحمكت ف مم الهواء واس تعصوا عىل النصح مفا عىل املسمل اإل أن يعكف عىل‬
‫نفسه ويعتِن بنجاة نفسه عن الفنت ويمتسك بحلق رمغ اإعراض الناس عنه‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫سورة النساء‪44 - 47 :‬‬
‫‪34‬‬
‫اعتقاد أهل السنة‪ ،‬هبة اهلل الاللكائي‪ ، 34/ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪ 83 ،‬هـ‬
‫‪91‬‬
‫وصفة عالجية ال تصلح إال في محلها‬

‫اإن الإسلم حيبذ املشاركة الفعاةل يف معرتك احلياة‪ ،‬واملسمل احلارض الصابر عىل‬
‫الناس أف ل من غريه الغائب املدبر عن احلياة الفاعةل‪ ،‬روى ابن وماجه عن ا ْب هن ُ امع ار قاا ال‬
‫امه َأع اْظ ُم‬‫اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل‪ :‬الْ ُم ْؤ هم ُن َّ هاذلي ُ اخيا هلطُ النَّ ااس اوي ا ْص ه ُرب عا اىل َأ اذ ُ ْ‬ ‫ول َّ ه‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫قاا ال ار ُس ُ‬
‫َأ ْجرا هم ْن الْ ُم ْؤ هم هن َّ هاذلي ال ُ اخيا هلطُ النَّ ااس او ال ي ا ْص ه ُرب عا اىل َأ اذ ُ ْ‬
‫امه‪.‬‬
‫فتكل العزةل اليت أمر هبا الرسول صىل هللا عليه وسمل ما يه اإل وصفة ملعاجلة‬
‫واقع اس تثنايئ‪ ،‬وهو واقع كام وصفه الرسول صىل هللا عليه وسمل "فتنة معياء صامء"‬
‫وتغلب ف ما "دعاة عىل أبواب هجَّن"‪ .‬فهذه الفتنة ‪ -‬اليت تَكم عهنا الرسول صىل هللا عليه‬
‫وسمل‪ -‬معياء وصامء‪ ،‬قال املل عيل القاري رمحه هللا‪ :‬هو فتنة عظمية وبلية جس مية‬
‫(معياء) أي يعمى ف ما الإنسان عن أن يرى احلق‪( ،‬صامء) أي يصم أهلها عن أن يسمع‬
‫ف ما ُكمة احلق أو النصيحة‪.‬‬
‫قال القايض عياض رمحه هللا‪ :‬املراد بكوهنا "معياء صامء" أن تكون حبيث ل يرى‬
‫مهنا خمرجا ول يوجد دوهنا مس تغااث‪ ،‬أو أن يقع الناس ف ما عىل غرة من غري بصرية‪،‬‬
‫فيعمون ف ما ويصمون عن تأمل قول احلق واس امتع النصح‪.‬‬
‫قال القاري رمحه هللا‪ :‬وميكن أن يكون وصف الفتنة هبام كناية عن ظلمهتا وعدم‬
‫ظهور احلق ف ما وعن شدة أمرها وصلبة أهلها وعدم التفات بع هم اإىل بعض يف‬
‫املشاهدة واملاكملة وأمثالها‪.‬‬
‫ويف معىن قوهل عليه الصلة والسلم "عل ما دعاة عىل أبواب هجَّن" قال رمحه‬
‫هللا‪( :‬عل ما) أي عىل تكل الفتنة (دعاة) أي جامعة قامئة بأمرها وداعية للناس اإىل قبولها‬

‫‪34‬‬
‫‪ )83‬والترمذي (‪ 87/4‬رقم‪ ) 83 :‬وأحمد (‪ 3 7/ 3‬رقم‪)8743 :‬‬ ‫‪ 34/‬رقم‪:‬‬ ‫أخرجه ابن ماجه (‬
‫وصححه الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح (‪ 33/3‬رقم‪ )5347 :‬واأللباني في السلسلة الصحيحة‬
‫(‪ 3/3‬رقم‪)434 :‬‬
‫‪83‬‬
‫مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (‪)37 / 5‬‬
‫‪92‬‬
‫(عىل أبواب النار) حال أي فكهنم اكئنون عىل شفا جرف من النار يدعون اخللق اإل ما‬
‫حَّت يتفقوا عىل ادلخول ف ما (فاإن مت) ب م املمي وكرسها (اي حذيفة وأنت عاض عىل‬
‫جذل) أي واحلال أنك عىل هذا املنوال من اختيار الاعَتال والقناعة بألك قرش الَشار‬
‫واملنام فوق الجحار (خري ِل من أن تتبع) بتشديد التاء الثانية وكرس املوحدة وجيوز‬
‫ختفيفها وفتح الباء (أحدا مهنم) أي من أهل الفتنة أو من دعاهتم‪.‬‬
‫فهذه احلاةل ل تقع يف لك الحوال‪ ،‬فهيي حاةل تعذر وجود جامعة من املسلمني‬
‫يدعون الناس اإىل اخلري ويأمرون بملعروف ويهنون عن املنكر‪.‬‬
‫اين قاا ال‪َ :‬أتايْ ُت َأ اب ثا ْعلا اب اة الْخ اُش ه َِّن‬ ‫كام روى الرتمذي وغريه اع ْن َأ هيب ُأ اميَّ اة َّ‬
‫الش ْع اب ه ه ّ‬
‫فا ُقلْ ُت ا ُهل‪ :‬اك ْي اف ت ْاصنا ُع هبه ا هذ هه ْالي ا هة؟‬
‫قاا ال‪َ :‬أي َّ ُة أي ا ٍة؟‬
‫رضُ ْمك ام ْن ضا َّل ا اذا‬ ‫قُلْ ُت‪ :‬قا ْو ُ ُهل تا اع ااىل‪ { :‬ااي َأهيُّ اا َّ هاذل اين أ امنُوا عالا ْي ُ ْمك َأنْ ُف اس ُ ْمك ال ي ا ُ ُّ‬
‫ِ‬
‫ا ْه اتدا يْ ُ ْمت }‬
‫اّلل عالا ْي هه‬
‫اّلل اص َّىل َّ ُ‬ ‫اّلل لاقادْ اسأَلْ ات اعهنْ اا اخبهريا اسأَلْ ُت اعهنْ اا ار ُسو ال َّ ه‬ ‫قاا ال‪َ :‬أ اما او َّ ه‬
‫او اس َّ امل‪،‬‬
‫وف اوتانااه ْاوا اع ْن الْ ُم ْن اك هر‪ ،‬اح ََّّت ا اذا ار َأيْ ات ُُشًّا ُم اطاعا‬ ‫فاقاال‪" :‬ب ا ْل ائْ ات هم ُروا هبلْ ام ْع ُر ه‬
‫ِ‬
‫لك هذي ار ْأ ٍي هب ار ْأ هي هه فا اعلا ْي اك ه اخب َّاص هة ن ا ْف هس اك او اد ْع الْ اع اوا َّم‪،‬‬ ‫اب ُ هّ‬ ‫اوهاوى ُمتَّ ابعا او ُدنْ ايا ُم ْؤث اارة اوا ْ اع ا‬
‫الص ْ ُربِ هف ه م َّن همثْ ُل الْقا ْب هض عا اىل الْ اج ْم هر هللْ اعا هم هل هف ه م َّن همثْ ُل َأ ْج هر ا ْمخ هس اني‬ ‫فاا َّن هم ْن او ارائه ُ ْمك َأ َّايما َّ‬
‫اّلل َأ ْج ُر ا ْمخ هس اني همنَّا َأ ْو همهنْ ُ ْم؟ قاا ال‪ :‬ب ا ْل َأ ْج ُر‬ ‫ارِ ُجل ي ا ْع املُو ان همثْ ال ا امع هل ُ ْمك‪ .‬هقي ال‪ :‬ااي ار ُسو ال َّ ه‬
‫ا ْمخ هس اني هم ْن ُ ْمك‪".‬‬

‫‪8‬‬
‫مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (‪)37 / 5‬‬
‫‪8‬‬
‫سورة المائدة‪35 :‬‬
‫‪83‬‬
‫‪ 3‬رقم‪ ) 448 :‬وقال‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪ ،‬وابن حبان في صحيحه‬ ‫أخرجه الترمذي (‪/ 3‬‬
‫( ‪ 7 /‬رقم‪ )347 :‬والحاكم في المستدرك (‪ 47/ 4‬رقم‪ )43 4 :‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم‬
‫يخرجاه‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫وكام روى احلامك عن عبد هللا بن معرو ريض هللا عهنام قال‪ :‬كنا حنن حول رسول‬
‫هللا صىل هللا عليه وسمل جلوسا اإذ ذكر الفتنة أو ذكرت عنده ‪ ،‬فقال رسول هللا صىل‬
‫هللا عليه وسمل ‪" :‬اإذا رأيت الناس قد مرجت عهودمه وخفّت أماانهتم واكنوا هكذا‪".‬‬
‫وش بك بني أانمهل‪ ،‬فقمت اإليه‪ ،‬فقلت‪ :‬كيف أفعل اي رسول هللا؟ جعلِن هللا فداك!‬
‫قال ‪" :‬الزم بيتك‪ ،‬وامكل عليك لسانك‪ ،‬وخذ ما تعرف ودع ما تنكر‪ ،‬وعليك‬
‫خباصة أمر نفسك‪ ،‬ودع عنك أمر العامة"‪.‬‬
‫فهناك من الناس من عندمه نزعة انطوائية يربرون موقفهم السليب بلنصوص‬
‫ادلينية‪ ،‬وبلتايل يشجعون املتدينني عىل الانسحاب والانعزال فتفرغ الساحة للفساد‬
‫واملفسدين‪ .‬وعزةل أحصاب ادلين عن مواقع التأثري يزيد الناس بعدا عن ادلين احلق‪ ،‬مفا‬
‫دام عندمه قبول وإاقبال دليهنم فل يلجأ املؤمن اإىل عزلهتم‪.‬‬
‫فالنسحاب من معرتك احلياة وعدم حماوةل اإصلح الناس ليس هو الصل يف‬
‫سلوك املؤمن ول هو الصل يف هدي الإسلم‪ ،‬بل يبقى املؤمن يبذل هجده يف ذِل‪،‬‬
‫حَّت اإذا وجد أن املسأةل أكرب من اإماكنيته وإاذا بلغ فساد الناس حدا ل ميكن اإصلحه‬
‫فهنا حيرص عىل أل ينشغل بلناس‪ ،‬وعليه أل يرض نفسه بلحتاكك بتكل البيئة الفاسدة‪،‬‬
‫ويرتك أمر عامة الناس اإىل هللا‪ ،‬فلك اإنسان حسيب نفسه‪ ،‬وهللا هيدي اإليه من ينيب‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫مرجت ‪ :‬اختلفت وفسدت‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫رقم‪ )7477 :‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ .‬وصححه األلباني‬ ‫أخرجه الحاكم (‪/ 4‬‬
‫في صحيح الجامع الصغير ( ‪ 78/‬رقم‪)578 :‬‬
‫‪94‬‬
‫ثبات وسط العواصف‬

‫فهذه الوصفة اخلاصة اليت خصها الرسول صىل هللا عليه وسمل يف الفتنة احلالكة‬
‫كل الْ هف ار اق ُُكَّهاا اولا ْو َأ ْن تا اع َّض هبأَ ْص هل‬
‫والفوِض العارمة قاال عليه الصلة والسلم‪ :‬فاا ْع ا هَت ْل هت ْ ا‬
‫اَش اار ٍة اح ََّّت يُدْ هر اك اك الْ ام ْو ُت او َأن اْت عا اىل اذ ه اِل‪.‬‬
‫قال الطربي كام نقهل عنه ابن جحر‪ :‬أنه مَّت مل يكن للناس اإمام فافرتق الناس‬
‫أحزاب فل يتبع أحدا يف الفرقة ويعَتل امجليع اإن اس تطاع ذِل خش ية من الوقوع يف‬
‫الرش‪ ،‬وعىل ذِل يتزنل ما جاء يف سائر الحاديث‪ ،‬وبه جيمع بني ما ظاهره الاختلف‬
‫مهنا‪.‬‬
‫وقال الش يخ عبد احملسن العباد يف رشحه لسنن أيب داود‪ :‬اإذا اكنت الفنت‬
‫والاضطرابت والفوِض‪ ،‬وليس هناك ولية تقمي ادلين وتردع املعتدين وتقيض عىل‬
‫اجملرمني‪ ،‬واكن الناس متفرقني فاعَتل تكل الفرق‪ ،‬ولو أاتك املوت وأنت عاض عىل جذل‬
‫َشرة‪ ،‬أي‪ :‬أصل َشرة‪ ،‬تبقى حتهتا وتلزهما مبتعدا عن الرشور والفنت اليت حصلت بني‬
‫الناس‪ .‬اهـ‬
‫ويف معىن العض بأصل الشجرة للعلامء قولن‪ ،‬ورحج الإمام البي اوي أنه كناية‬
‫عن ماكبدة املشقة كقوهلم فلن يعض احلجارة من شدة المل‪ ،‬ويؤيد هذا القول ما ورد يف‬

‫‪87‬‬
‫‪ 874/‬رقم‪ )7557 :‬ومسلم (‪ 347/4‬رقم‪)3838 :‬‬ ‫‪ 834/‬رقم‪،3334 :‬‬ ‫أخرجه البخاري (‬
‫‪87‬‬
‫فتح الباري‪ 44/ 3 :‬رقم‪7557 :‬‬
‫‪84‬‬
‫عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد اهلل بن حمد بن عثمان ال بدر‪ ،‬تولى التدريس في المسجد‬
‫النبوي بالمدينة المنورة في أول عام ‪ 1406‬هـ‪ ،‬حيث درس فيه الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي وجامع‬
‫الترمذي وسنن بن ماجه‪ ،‬ودرس أيضا ألفية السيوطي في المصطلح‪ ،‬ودرس مقدمة ابن أبي زيد القيرواني‬
‫وتطهير االعتقاد للصنعاني وشرح الصدور للشوكاني‪ ،‬ودري شرح شروط الصالة وكتاب آداب المشي إلى‬
‫الصالة لمحمد بن عبد الوهاب‪( .‬عبد_المحسن_العباد‪)http://ar.wikipedia.org/wiki/‬‬
‫‪95‬‬
‫رواايت غري الصحيحني "فاإن مت وأنت عاض عىل جذل خري ِل من أن تتبع أحدا‬
‫مهنم‪ ".‬وهذا هو اذلي انسجم مع س ياق احلديث‪.‬‬
‫وأما ذهب اإليه ابن جحر رمحه هللا من أنه كناية عن لزوم جامعة املسلمني وطاعة‬
‫سلطيهنم ولو عصوا‪ .‬فهو رشود عن مساق احلديث لن هذا اجلواب من الرسول‬
‫صىل هللا عليه وسمل جاء بعد سؤال حذيفة‪ " :‬فاا ْن لا ْم يا ُك ْن لاه ُْم ا امجاعاة او ال ا امام؟" وكذِل‬
‫ِ‬ ‫قول ابن بطال أن "فيه جحة مجلاعة الفقهاء يف ِ‬
‫وجوب لزوم جامعة املسلمني وترك اخلروج‬
‫عىل أمئة اجلور‪ ،‬لنه وصف الطائفة الخرية بأهنم "دعاة عىل أبواب هجَّن" ومل يقل ف مم‬
‫"تعرف وتنكر" كام قال يف الولني‪ ،‬ومه ل يكونون كذِل اإل ومه عىل غري حق‪ ،‬وأمر مع‬
‫ذِل بلزوم امجلاعة" فهذا القول جمانب للصواب جدا لن وصف "دعاة عىل أبواب‬
‫هجَّن" ل يصح أن يطلق عىل جامعة املسلمني وإاماهمم حبال من الحوال‪ ،‬فهو مناقض‬
‫لسس ادلين املعروفة وللك القمي الإنسانية السلمية‪ ،‬بل لزوم امجلاعة وإامام املسلمني هو‬
‫من أجل الاحامتء من هؤلء ادلعاة الرشار‪ .‬فاإذا اكن جامعة املسلمني وإاماهمم مه أنفسهم‬
‫دعاة الرش فهل من املعقول واملقبول أن يأمر الرسول صىل هللا عليه وسمل بلزوم هؤلء؟!‬
‫فهذا أمر مرفوض بداهة‪ ،‬بل احلديث واحض يف المر بعَتال أولئك‪ ،‬وقد س بق أن رأينا‬
‫النصوص املتظافرة اليت تدل عىل هذا املعىن اذلي اخرتانه‪.‬‬
‫واحلديث ظاهر يف تثبيت املسمل عىل احلق وتعلميه كيفية اختاذ القرار الصحيح يف‬
‫املواقف الصعبة‪ ،‬واحلديث يبني بوضوح أن املسمل يف أحكل الظروف ل بد أن يعرف‬
‫طريقه وخيتار موقفه الصحيح رمغ الظروف الصعبة اليت تعصف بلك من حوهل‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري‪ 44/ 3 :‬رقم‪7557 :‬‬
‫‪53‬‬
‫المصدر نفسه‬
‫‪5‬‬
‫المصدر نفسه‬
‫‪96‬‬
‫الخالصة‬

‫اإن هذا احلديث الرشيف يكشف أرسارا خطرية ختبهئا الزمنة وتربزها‬
‫الحداث‪ .‬أثبت احلديث أن الايم دول‪ ،‬والمور قلّب‪ ،‬وقد حدّث التارخي بظهور أمم‬
‫وسقوطها‪ ،‬جميء اخلري وذهابه‪ ،‬وأن زمن اخلري يف ادلنيا همام بلغ من القوة والس يطرة اإل‬
‫ويعقبه زمن أخر ميتحن هللا فيه املؤمنني وخيترب الصادقني و ّميزي فيه الصابرين عن غريمه‪ .‬مل‬
‫يتفاجأ حذيفة ريض هللا عنه من اإجابة الرسول صىل هللا عليه وسمل حني أخربه أن هذا‬
‫اخلري اذلي مه فيه ‪ -‬مع معق أثره وسعة انتشاره وقوة مصدره‪ -‬ل بد أن يشهد حتول ل‬
‫تس تثنيه س نة هللا اليت ل تتبدل‪ .‬ذلِل مل يقف حذيفة كثريا عند هذه النقطة‪ ،‬فاإهنا‬
‫الرش هم ْن‬ ‫معروفة دليه سابقا ومتوقعه عنده قبل‪ ،‬فبادر بسؤال ما بعده‪ " :‬اوه ْال ب ا ْعدا اذ ه اِل َّ ّ ه‬
‫خ ْ ٍاري؟"‬
‫فأجاب الرسول صىل هللا عليه وسمل بلإجياب‪ ،‬وهو متوقع أي ا‪ ،‬ولكن أضافه‬
‫مبعلومة جديدة هممة‪ ،‬ويه أن ذِل اخلري ل يكون صافيا‪ ،‬بل فيه دخن يشوبه‪ .‬ما هو‬
‫ون هبغ ْ هاري اهدْ هِي تا ْع هر ُف همهنْ ُ ْم‬ ‫ذِل ادلخن؟ أجاب النيب صىل هللا عليه وسمل‪ :‬قا ْوم هيا ْدُ ا‬
‫ون هبغ ْ هاري‬ ‫اوتُ ْن هك ُر‪ .‬ويف رواية ملسمل‪ :‬قُلْ ُت‪ :‬او اما اد اخنُ ُه؟ قاا ال‪ :‬قا ْوم ي ْاستان ُّ ا‬
‫ون هبغ ْ هاري ُسن َّ هيت اوهيا ْدُ ا‬
‫اهدْ هِي تا ْع هر ُف همهنْ ُ ْم اوتُ ْن هكر‪.‬‬
‫نعم يرجع ذِل اخلري اذلي غطاه رش الفتنة العارمة احلادثة يف مرحةل سابقة‪،‬‬
‫ولكن مل يرجع ذِل الصفاء اذلي اكن يف العرص الول‪ .‬فظهر اخلري وظهر معه أانس‬
‫خيلطون املعروف بملنكر‪ ،‬ويلبسون احلق بلباطل‪ .‬ومع هذا اخللط وعدم صفاء المور‬
‫وعدم مت ُّحض اخلري فقد اوصفه الرسول صىل هللا عليه وسمل بخلري‪ ،‬لن العربة بلغالب‬
‫واحلمك للكرث‪ّ ،‬عمل الرسول صىل هللا عليه وسمل التوازن والاعتدال يف احلمك عىل‬
‫الوضاع العامة‪ ،‬نعم هناك خلط وفيه شوائب لكن اخلري سائد‪ ،‬هو خري يف الغالب لكن‬
‫أي ا ينبغي العمل بوجود ادلخن‪ ،‬وجيب الانتباه بوجود أانس خيلطون اخلري بلرش‬
‫ويلبسون احلق بلباطل‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫مث أخرب الرسول صىل هللا عليه وسمل مبجيء طور أخر أسوأ‪ ،‬وهو زمن رش‬
‫رش؟ٍ قاا ال عليه الصلة والسلم‪ :‬ن ا اع ْم‬ ‫أخر‪ ،‬سأل ريض هللا عنه‪ :‬فاه ْال ب ا ْعدا اذ ه اِل الْخ ْ هاري هم ْن ا ّ‬
‫ُدعااة ا اىل َأبْ او هاب ا اهجَّنَّ ا ام ْن َأ اجاهبا ُ ْم الا مْ اا قا اذفُو ُه هف ماا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قد تكون تكل ادلعوة اإىل أبواب هجَّن "تطورا" من اخللط احلاصل يف املرحةل‬
‫السابقة‪ ،‬فلام اكن عند املسلمني ذِل اخللط وعدم المتيزي بني اخلري والرش واحلق‬
‫والباطل‪ ،‬جاء بعده أانس يدعون اإىل رش همكل يؤدي اإىل الكفر اذلي يدخل صاحبه اإىل‬
‫النار‪ .‬اكن الرش من قبل حمدودا‪ ،‬واملعروف اكن خملوطا‪ ،‬ولكن يف هذه املرحةل جترأ‬
‫الناس اإىل رش واحض ومنكر صارخ‪ .‬وليس هذا هو السوأ يف املسأةل‪ ،‬فالخطر من ذِل‬
‫ون هبأَلْ هس نا هتناا"‪ .‬فيصعب بذِل جتنب‬ ‫أن هؤلء ادلعاة الرشار " ُ ْمه هم ْن هج ْ اْل هتناا اوياتا اَكَّ ُم ا‬
‫خماطر تكل الفتنة العمياء اإذ اخلطر يأيت من داخل البيت الإسليم ويتَكم أحصابه بلسان‬
‫املسلمني‪ .‬تكل فتنة أصعب من الوىل‪ ،‬يه فتنة ضاعت ف ما املعامل الواحضة اليت اكنت‬
‫الناس هيتدي هبا ويقيسون هبا المور‪ .‬فذلِل كام يف رواية النسايئ‪ :‬قال الرسول صىل‬
‫هللا عليه وسمل حلذيفة‪" :‬فتنة معياء صامء عل ما دعاة عىل أبواب النار‪ ،‬وأن متوت اي حذيفة‬
‫وأنت عاض عىل جذل خري ِل من أن تتبع أحدا مهنم‪".‬‬
‫اإذا اكنت ادلعوة النبوية املباركة قد طردت الكفر من اجلزيرة العربية وما حلقها من‬
‫مناطق املسلمني فاإن أعراض الكفر رجعت بلباس أخر جديد مل يعرفه املسلمون‪ .‬وما‬
‫ذِل اإل نتيجة اخللط والتلبيس اذلي أفقد املسلمني قدرهتم عىل المتيزي وأضعف‬
‫حساسيهتم جتاه املنكرات‪.‬‬
‫ولكن هل يعِن هذا أنه ل خمرج من هذه املصيبة العاتية؟ بطبيعة احلال ل يصل‬
‫المر اإىل ذِل احلد‪ ،‬فاإن هللا ل يَكف الناس فوق ما يقدرون عىل فعهل‪ .‬فذلِل سأل‬
‫حذيفة طريق النجاة يف ذِل الوضع الصعب‪ .‬قال‪ :‬فا اما تاأْ ُم ُر هين ا ْن َأد اْر اك هِن اذ ه اِل؟ فقاا ال‬
‫ِ‬
‫عليه الصلة والسلم‪ :‬تالْ از ُم ا امجاعا اة الْ ُم ْس هل هم اني اوا اما امه ُْم‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪5‬‬
‫سنن النسائي الكبرى ‪ 4/5‬رقم ‪433‬‬
‫‪98‬‬
‫اإن المتسك بوحدة المة وملزمة جامعة املسلمني واحلفاظ عىل ما اجمتع عليه‬
‫املسلمون هو احلل لتكل الفتنة اليت متزق الكيان الإسليم وتشتت قواه‪.‬‬
‫وهذا يف حاةل ما اإذا اكن للمسلمني كيان منظم وجامعة قامئة‪ ،‬أما يف حاةل ال ياع‬
‫العام اذلي ليس للمسلمني فيه كيان جامع ول قائد ها ٍد صامد‪ ،‬بل تتشت المة يف راايت‬
‫ش َّت مت اربة وت يع معامل ادلين يف وسط هجل عام وعامية غالبة‪ ،‬فلك فرد يمتسك مبا‬
‫عنده من أصل اخلري‪ ،‬ويتشدد يف الاس متساك بأصل ادلين وأساس يات الإسلم املتبقية‪.‬‬
‫قال س يدان حذيفة ريض هللا عنه‪ :‬فاا ْن لا ْم يا ُك ْن لاهُ ْم ا امجاعاة او ال ا امام؟ فقاا ال النيب عليه‬
‫ِ‬
‫كل الْ هف ار اق ُ ُِكَّهاا اولا ْو َأ ْن تا اع َّض هبأَ ْص هل اَش اار ٍة اح ََّّت يُدْ هر اك اك الْ ام ْو ُت‬
‫الصلة والسلم‪ :‬فاا ْع ا هَت ْل هت ْ ا‬
‫او َأن اْت عا اىل اذ ه اِل‪.‬‬
‫مث هل بعد هذا الرش من خري؟ ويبدو أن احلديث قد أبرز أمناط التحولت‬
‫التارخيية اليت ميكن القياس عل ما‪.‬‬
‫ومثل ذِل حديث "بدأ الإسلم غريبا‪ ،‬وس يعود كام بدأ غريبا‪ ،‬فطوىب‬
‫للغربء‪ ".‬فاإنه يتحدث عن منط التحرك التارخيي‪ .‬فاإن س نة التداول بني اخلري والرش‬
‫ترسي عىل لك مراحل التارخي بطراد‪ .‬قال العلمة الش يخ يوسف القرضاوي‪" :‬واذلي‬
‫أراه أن احلديث يتحدث عن دورات أو (موجات) تأيت وتذهب‪ .‬وإان الإسلم يعرض هل‬
‫ما يعرض للك ادلعوات والرسالت من القوة وال عف‪ ،‬والامتداد والانكامش‪،‬‬
‫والازدهار واذلبول‪ ،‬وفق س نة هللا اليت ل تتبدل‪ .‬فهو كغريه خاضع لهذه السنن الإلهية‪،‬‬
‫اليت ل تعامل الناس بوهجني‪ ،‬ول تكيل هلم بكيلني‪ .‬مفا جيري عىل الداين واملذاهب‬
‫جيري عىل الإسلم‪ .‬وما جيري عىل سائر المم جيري عىل أمة الإسلم‪".‬‬
‫وخلصة لك ذِل مبثوثة يف كتاب هللا وبيان اخملرج من لك فتنة مثبت يف اذلكر‬
‫احلكمي‪ ،‬ملن تدبره وغاص يف أعامقه‪ ،‬وهللا املوفق اإىل أقوم السبيل‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫أخرجه مسلم ( ‪ 33/‬رقم ‪) 85‬‬
‫‪58‬‬
‫المبشرات بانتصار اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 8 4 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪ 444‬م‪ ،‬ص‪3‬‬
‫‪99‬‬
‫وامحلد هلل وصىل هللا عىل س يدان محمد وعىل أهل وحصبه والتابعني‬

‫م‬ ‫مارس‬ ‫هـ‪/‬‬ ‫جامدى الوىل‬ ‫صنعاء‪،‬‬

‫‪111‬‬
‫الفهرس‬

‫مقدمة ‪2 ......................................................................‬‬
‫فهم الواقع وخطورة التشخيص اخلاطئ ‪6 .........................................‬‬
‫أمهية مجع الروايات لفهم احلديث ‪8 ..............................................‬‬
‫معطيات القرآن يف معاجلة مشكالت الواقع ‪11 ...................................‬‬
‫ضرورة الرجوع إىل القرآن ‪14 ...................................................‬‬
‫ما هو "الشر" بعد عهد النبوة؟ ‪18 ..............................................‬‬
‫الكالم عن الفتنة مبا ال ينتج فتنة أخرى ‪21 ......................................‬‬
‫قاعدة قرآنية ثابتة‪" :‬زوال الشر وبقاء اخلري" ‪23 ...................................‬‬
‫فقه "الدخن" ‪25 ..............................................................‬‬
‫هدي الشرع إذا اختلطت األمور ‪28 ............................................‬‬
‫أدوات التمييز ‪34 .............................................................‬‬
‫فقه االختالف واالئتالف‪39 ...................................................‬‬
‫إصالح ذات البني ‪48 .........................................................‬‬
‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر ودوره يف بقاء اخلري ‪51 ..........................‬‬
‫دور اجملددين يف تصحيح املسار ‪54 .............................................‬‬
‫عودة الشر بعد اخلري جمدَّدا ‪58 .................................................‬‬

‫‪111‬‬
‫لزوم مجاعة املسلمني ‪63 .......................................................‬‬
‫ثبات اإلطار العلمي ‪68 .......................................................‬‬
‫إذا افرتق اإلطاران ‪71 .........................................................‬‬
‫إذا صارت اجلماعة مجاعات ‪75 ................................................‬‬
‫بني االخنراط واالعتزال ‪82 ......................................................‬‬
‫وصفة عالجية ال تصلح إال يف حملها‪92 .........................................‬‬
‫ثبات وسط العواصف ‪95 ......................................................‬‬
‫اخلالصة ‪97 ..................................................................‬‬

‫‪112‬‬

You might also like