Professional Documents
Culture Documents
مستقبل العالم بين الخير والشر
مستقبل العالم بين الخير والشر
1
مقدمة
امحلد هلل اذلي هداان ل إلسلم والإميان وما كنا لهنتدي لو ل أن هدان هللا،
وصلة وسلما عىل رسول الهدي محمد بن عبد هللا وعىل أهل وحصابته والتابعني هلم
بإحسان اإىل يوم ادلين.
وبعد ،فاإن موضوع اخلري والرش هيم لك اإنسان ،ول تتغري أمهيته همام تغري الزمان
واملاكن ،وتتأكد وتش تد احلاجة اإىل التعرف عليه ومراجعته وادلقيق فيه يف وقت ضاعت
عن الناس معامل احلق ،وابتعدت عن ثقافهتم أسس الهدي املس تقمي ،واشتبكت يف
حياهتم مؤرشات الرض والنفع واشتهبت دلهيم أمارات الصواب واخلط إا.
ومن أمه املواد العلمية اليت تتحدث عن اخلري والرش حديث حذيفة بن الامين
ريض هللا عنه وهو حديث عظمي يكشف عن حبااي املس تقبل وأرساره ،يبني عن
املنعطفات التارخيية اليت مرت وس متر بلمة الإسلمية مع ما ينطوي عليه من اخملاطر
واملزالق ،وما جيب عىل املسمل أن يعلمه ويترصف جتاهه.
هو حديث خطري ،ومع خطورته مل حيظ بعناية لئقة تفصل دقائقه ،وتمل ش تات
أجزائه ،تبني مهبامته وتفرس مجملته .فقد حاولت يف هذه الرساةل أن أفصل ما أمجهل
رشاح احلديث ،وأمجع ما فرقته الرواايت املنترشة يف كتب الس نة ،وأضع مهبامت احلديث
بني يدي حمكامت القرأن ،ليكون القارئ عىل بينة اتمة من معاين هذا احلديث العظمي.
فقد اكنت القراءة العميقة من الصحايب اجلليل س يدان حذيفة بن الامين للحداث
وإادراكه ملا س تؤول اإليه المور أوقفته عىل الس ئةل النادرة اليت مل يسأل عهنا غريه ،واكن -
2
ريض هللا عنه -يمتتع بنباهة فائقة جتعهل يتطلع اإىل خفااي المور اليت تكون أاثرها أمه
وأخطر من تكل اليت هيمت هبا الناس .فقد جرى حوار بني النيب صىل هللا عليه وسمل
وبني أمني رسه حذيفة ريض هللا عنه ،واكن من أمه احلوارات اليت أجراها حذيفة ريض
هللا عنه مع النيب صىل هللا عليه وسمل.
قال خادل محمد خادل" :ولقد أويت حذيفة من احلصافة ما جعهل يدرك أن اخلري يف
هذه احلياة واحض ملن يريده ..وامنا الرش هو اذلي يتنكر ويتخفى ،ومن مث جيب عىل
الريب أن يعىن بدراسة الرش يف مأتيه ،ومظانه"..
فبيامن اكن معظم حصابة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يسألون رسول هللا صىل
هللا عليه وسمل عن اخلري ،اكن س يدان حذيفة يسأل عن الشق الخر ،يف جو من الفرح
العارم اذلي ساد أجواء املدينة مبجيء رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ،وبظهور هذا
ادلين اجلديد اذلي يبرش املؤمنني بنفتاح أبواب اخلري وس يادة أهل اخلري ،اكن ريض هللا
عنه مل يفته الوجه الخر من تقلب الوضاع ،كام اكن الناس قبل جميء النيب صىل هللا
عليه وسمل اكنوا يف جاهلية هجلء ورش مس تحمك ،مث انقلبت احلال وأل المر اإىل ظهور
اخلري ومتكني ادلين ،أحلّ يف نفس حذيفة ريض هللا عنه سؤال يف غاية اخلطورة ،سؤال
انبع عن اإدراك طبيعة احلياة اليت ل تعرف الثبات املطلق ،ول تشهد غري التغري املس متر،
ويح التجارب اليت تويح بأن دوام احلال من احملال .من حق الناس أن يفرحوا وحيتفوا
هبذا اخلري اذلي جاءمه من عند هللا بقدوم النيب صىل هللا عليه وسمل ،ولكن عل مم أي ا
أن يتأكدوا هل هذا اخلري س يدوم ويس متر اإىل البد؟ أم أن الوضع سينقلب ،وأن هذا
اخلري س ينهتيي أوانه وينقيض زمانه؟ سؤال خطري وملمح دقيق...
وإاليمك نص احلديث كام يف الصحيحني:
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل اع ْن قال ريض هللا عنه :ااك ان النَّ ُاس ي ْاسأَلُ ا
ون ار ُسو ال َّ ه
اّلل اص َّىل َّ ُ
الْخ ْ هاري او ُك ْن ُت َأ ْسأَ ُ ُهل اع ْن َّ ّ ه
الرش امخاافا اة َأ ْن يُدْ هركا هِن،
سؤال يعقبه حوار من العيار الثقيل ،ومعلومات خطرية تتدفق من مف رسول هللا
صىل هللا عليه وسمل .ومن حق هذا احلوار أن يُدرس دراسة معيقة ،ومن حقه أن تفرد
تفصل تكل املفاصل التارخيية اليت أخرب هبا النيب صىل هللا عليه
ملكنوانته جمْلات خضمة ّ
تكوهنا،
وسمل ،وعىل العلامء والباحثني أن يكتشفوا أعراض مراحل اترخي المة وعوامل ّ
والطريق المثل ملواهجهتا والتعامل مع حتدايهتا والاس تفادة من معطياهتا.
5
فهم الواقع وخطورة التشخيص الخاطئ
اإن الالكم عن أحاديث الفنت قد تكون مفيدة وقد تكون ضارة ،وفوائدها يف
كشف عوار الفنت وف ح أحصاهبا واحضة ،ولكهنا ل تأيت من هق ابل قراءة خالية عن التدقيق
والتأين يف احلمك .فاإننا اإذا أخطأان يف تزنيلها الواقعي فقد قلبنا اخلري رشا والرش خريا ،أو
خامصنا أصدقاء وصادقنا أعداء ،فبسبب خطورة هذا املوضوع وصعوبة تفادي خطره فقد
أثر الكثري السكوت وعدم اخلوض فيه .ولول احلاجة امللحة لفهم جمرايت الحداث
وكشف حتدايت املس تقبل لاكن هذا الالكم خماطرة كبرية .ولكننا أثران امليض يف املوضوع
ملا رأينا من الخطاء املتكررة واملشالك املتشاهبة والفنت اليت تعود مرة بعد أخرى بسبب
اجلهل بحلقائق املهمة اليت قد كشفها الرسول صىل هللا عليه وسمل وسكت عهنا الكثري.
اإن الخطاء الشائعة عند كثري من الناس اذلين يتَكمون عن أحاديث الفنت
وأرشاط الساعة أهنم يترسعون يف تزنيل النصوص عىل واقعهم املشهود قبل التأكد من
تطابقها متاما للواقع الفعيل .اإن شدة تصديقهم رمبا دفعهتم اترة اإىل تصوير الواقع مبا يشالك
تصورمه اخلاص للنصوص أو اإىل تفسري النصوص مبا يرونه يف الواقع ،وهذه مهنجية
مغلوطة تظمل الواقع والنصوص معا.
اإن أحاديث الرسول صىل هللا عليه وسمل عن الفنت وامللمح وأرشاط الساعة قد
يراد مهنا مرحةل معينة من اترخي الإسلم الطويل ول تنطبق عىل بيق املراحل .نعم كرثت
الوقائع اليت طابقت ما قاهل الرسول صىل هللا عليه وسمل قبل وقوعها ،وذِل معجزة من
معجزات الرسول صىل هللا عليه وسمل .ولكن اإذا فُ ّرست أحاديث الفنت بغري ما أريد لها
فقد وصفنا الواقع بغري حقيقته ،وهذا جناية عىل الواقع وانهتاك حلرمة النصوص يف أن
واحد.
ومن خماطر خط إا فهم تكل الحاديث حسب املسلمني من املشاركة يف الحداث
يف الظرف اذلي يطلب فيه املسمل اإىل الاندفاع يف معركة البناء أو حماربة الفساد خوفا
من الفنت ،مع أن الواقع اذلي يتحدث فيه الرسول صىل هللا عليه وسمل وأمر فيه
6
املسلمني بلنعزال ليس هو ذِل الواقع اذلي ل يصلح فيه أمر املسلمني اإل بتظافر
اجلهود عىل البناء والتعاون عىل الرب والتقوى .ومك جىن ذِل الفهم اخلاطئ عىل متسك
وحدة املسلمني وحفظ قوهتم!؟ فقد أدى ذِل الفهم اإىل حسب بعض الناس عن شغل
دورمه يف تغيري الواقع ،فقد ظنوا أن اخملرج الوحيد من الفنت يف لك العصور هو الاعَتال
والتقوقع والتفرج عىل الواقع املؤمل دون أي شعور بملسؤولية أو مشاركة يف زايدة خري أو
تقليل رش .وهو موقف انجت عن قراءة خالية عن الفقه والفهم.
وذِل اإجحام يف موضع الإقدام ،ومن نتاجئ سوء الفهم أي ا اإقدام يف موضع
الإجحام ،وذِل بتورط الغرار يف مشاركة كثري من الزمات مبا يزيدها تعقيدا وتفامقا،
ويزيد الفنت اش تعال وانتشار ،فالفهم الشامل واملعرفة الاكمةل ملعاين النصوص ومقاصدها
يه اليت تدل مواضع الإقدام وأوقات الإجحام.
حيرف النصوص عن مقصدها الصيل وبني فقه وللمتيزي بني احلمك املترسع اذلي ّ
النصوص اذلي يكشف ماكمن اخلطر ويدل عىل الطريق القوم يف لك املع لت حنتاج
اإىل أن ن ع لك النصوص املتعلقة بملوضوع يف طاوةل واحدة لرنكّب هبا صورة مكمتةل -
ولو نسبيا -ملا قصدته تكل الحاديث .فالعامتد عىل نص واحد مث جعلها قالبا اثبتا لتفصيل
لك الحداث عىل مقاسها معلية مقلوبة بعيدة عىل املهنجية العلمية اليت علمنا اإايها قرأننا
الكرمي وأرشدان اإل ما ديننا القومي.
7
أهمية جمع الروايات لفهم الحديث
حَّت نمتكن من اإفادة هذا احلديث لتوصيف الواقع ل بد من مجع رواايت هذا
احلديث ،فاإن الرواية الواحدة للحديث يف كثري من الحيان غري اكفية لفهم معناه وتصور
مغزاه .ومجع الرواايت هو مهنج أمئة احلديث الوائل يوم اكن أهل احلديث أهل للحديث.
قال الإمام أمحد" :احلديث اإذا مل جتمع طرقه مل تفهمه ،واحلديث يفرس بع ه بع ا".
وقال حيىي بن معني " :لو مل نكتب احلديث من ثلثني وهجا ما عقلناه".
وقال عيل بن املديِن" :الباب اإذا مل جتمع طرقه مل يتبني خطؤه".
واحلقيقة املهمة اليت مل يتطرق اإل ما كثري من املتَكمني لهذا املوضوع أن رواية
الصحيحني ل تش متل عىل اكمل احلوار اذلي جرى بني الرسول صىل هللا عليه وسمل وبني
حذيفة ،فاإن أجزاء هممة مهنا ذكرت يف املصادر الخرى وإان اكنت أقل حصة حسب
معايري الش يخني لكهنا أمه من حيث ثقل امل مون وعظم الفائدة .فقد ورد يف سنن أيب
داود والنسايئ ومس ند الإمام أمحد وحصيح ابن حبان ومس تدرك احلامك بأسانيد حصاح أن
رسول هللا صىل هللا عليه وسمل قال حلذيفة قبل أن جييب تكل الإجابت املذكورة " :ااي
اب َّ ه
اّلل تا اع ااىل اّلل اوات َّ هب ْع اما هفي هه" ويف رواية احلامك " :ااي ُح اذيْ اف ُة تا اع َّ ْمل هكتا ا
اب َّ ه
ُح اذيْ اف ُة ،تا اع َّ ْمل هكتا ا
نفصلها بعد اإيراد هذه الرواية: امع ْل هب اما هفي هه" ،وكررها مرارا ،وهذا هل دلةل عظمية ّ او ْ ا
قال حذيفة :اكن الناس يسألون رسول هللا صىل هللا عليه وسمل عن اخلري،
وكنت أسأهل عن الرش كامي أعرفه فأتقيه ،وعلمت أن اخلري ل يفوتِن ،قلت" :اي رسول
هللا هل بعد اخلري من رش؟"
قال" :اي حذيفة تعمل كتاب هللا وامعل مبا فيه!"
فأعدت عليه القول ثلاث،
3
. الخطيب البغدادي :الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع ج ص
8
المصدر السابق
5
مقدمة ابن الصالح ص7
8
فقال يف الثالثة" :فتنة واختلف".
قلت :اي رسول هللا هل بعد ذِل الرش من خري؟
قال" :اي حذيفة تعمل كتاب هللا وامعل مبا فيه!" ثلاث
مث قال يف الثالثة" :هدنة عىل دخن ،وجامعة عىل قذى ف ما".
قلت" :اي رسول هللا هل بعد ذِل اخلري من رش؟
قال" :اي حذيفة تعمل كتاب هللا وامعل مبا فيه!" ثلاث
مث قال يف الثالثة" :فنت عىل أبواهبا دعاة اإىل النار ،فلن متوت وأنت عاض عىل
جذل خري ِل من أن تتبع أحدا مهنم".
ويف هذه الرواية معلومات اإضافية هممة رمغ أهنا كذِل ترتك بعض أجزاء احلوار
كام سرنى يف رواايت أخرى لحقا ،وهذا شأن اجلهد البرشي ،ومن أراد احلقيقة اكمةل ل
حيصل عل ما براحة اجلسم – كام قاهل حيىي بن أيب كثري رمحه هللا -بل عليه أن يتكبد عناء
البحث ومشقة التدقيق والتحقيق.
اب َّ ه
اّلل تا اع ااىل اإن تكرار الرسول صىل هللا عليه وسمل قوهل " ااي ُح اذيْ اف ُة ،تا اع َّ ْمل هكتا ا
امع ْل هب اما هفي هه" يويح بشلك واحض بأن ما يف القرأن ما يكشف عام تساءل عنه حذيفة او ْ ا
من تصور الوضاع القادمة واحللول يف تكل الزمات املتوقعة .وقد تكون من بدهيات
عقيدة املسمل أن يف القرأن بيان للك ما يعرتيه الإنسان من املشالكت ،وذِل لقوهل
تعاىل :ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹ ﭼ وقوهل :ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
7أحرجه النسائي في السنن الكبرى ( 4/5رقم )4333 :الحاكم في المستدرك ( 37/ 4رقم)4884 :
اإل ْسَن ِادَ ،ولَ ْم ُي ْخ ِر َجاهُ ".وعبد الرحمن بن قرط صحابي من أصحابة الصفة وكان واليا
يح ِ يث ِ
صح ُ
ِ
وقالَ " :ه َذا َحد ٌ َ
على حمص في زمان عمر( .اإلصابة في معرفة الصحابة) 34/ :
7
سورة النحل44 :
9
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭼ وقوهل:
ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ وقوهل:
ﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌ
ﮑﮒﮓﮔﮕ ﮍﮎﮏﮐ
ﮖ ﮗﭼ
ومل يقل الرسول صىل هللا عليه وسمل اإن اجلواب قريب جاهز يف القرأن ،ولكنه
أمر حذيفة بتعمل القرأن حَّت جيد أجوبة عىل تكل التساؤلت .نعم مل يذكر القرأن أحداث
املس تقبل بشلك رصحي ،ولكن القرأن يكون عقلية قادرة عىل التعامل مع الحداث
الصعبة ،ونفس ية مس تعصية عىل ضغوط الزمات .والقرأن ل يعطي شيئا واحدا يريض
ف ول الاس تطلع لغيوب املس تقبل ،ولكنه يعدّ اإنساان واعيا انجضا رزينا يس تعد ملواهجة
التحدايت.
4
سورة يوسف:
4
سورة اإلسراء4 :
3
سورة المائدة7 - 5 :
11
معطيات القرآن في معالجة مشكالت الواقع
اإن للقرأن الكرمي معطيات هممة حيال مشالكت الواقع ،تمتثل يف مخس ُح ازم من
الهدي الإلهيي القومي ،لك حزمة حتتاج لتفصيلها اإىل كتاب مس تقل ولكن نوردها بإجياز
شديد اكلتايل:
( ) فهم سنن احلياة ،اإن القرأن الكرمي يبني طبيعة احلياة كيف تسري ،وعىل أي
منط يتكون املشهد القادم .اإن هناك مجموعة هممة من القوانني الثابتة حتمك جمرايت المور
يف لك العصور .اإن استيعاب هذه القوانني أو ما يسمى يف املصطلح القرأين بـ"س نة هللا"
جيعل الإنسان واعيا بلك ما حيدث عىل وجه البس يطة ،ويعرف أن الايم يداولها هللا بني
الناس ،وأن عاقبة المور دامئا ملعسكر اخلري -وإان اكن للرش جوةل مدة من الزمن ،وأن
تغري الوضاع العامة يبدأ من تغري النفوس ،وهكذا فاإن السنن املقررة املبثوثة يف القرأن
تعطي ل إلنسان تصورا واحضا ملا حوهل من الحداث وملا س يأيت من التغريات.
( ) تكوين عقلية علمية واعية للواقع ،اإن القرأن الكرمي يريب املسمل عىل منط
التفكري العلمي ادلقيق ،فاإنه أمره بأل يتقبل أي خرب اورد بدون التأكد والتحقق ،وأن ل
يقبل رأاي بدون برهان ،وحيث القرأن دامئا عىل السري يف الرض لكتساب معلومات
ميدانية مفيدة ،ول يرتك الإنسان يتقوقع يف ذهنية منغلقة قابعة عىل قناعات جامدة .هذه
تكوهنا
يه العقلية اليت يريدها القرأن ،وسرنى كيف أن التخيل عن هذه العقلية وعدم ّ
دلى رشحية كبرية من املسلمني اكن وراء سبب لك الفنت اليت عصفت حبياة املسلمني
قدميا وحديثا .كام أن القرأن أي ا يعمل نسبية احلقائق الاجامتعية ،حبيث ل جير الإنسان
يف احلمك العام اذلي ل يس تثِن أحدا ،فاإن الق ااي الاجامتعية ل ختلو من الاس تثناءات
اليت يكون التغايض عهنا ظلام لشخاص كثريين.
( ) هتذيب النفوس من رعوانهتا ،فاإن لك مصائب العامل ومشاُكه جاء اإما من
قبل فساد العقل أو رعونة النفس .اإن القرأن الكرمي رفع الإنسان من ضغط الغرائز
احليوانية اإىل التحليق الرويح اذلي جينبه الرصاع عىل حظوظ النفس ال يقة ،يرتفع
11
الإنسان القرأين عن التورط يف سفاسف املسائل ،وحَّت اإذا اضطر اإىل خوض معركة
ترصف بأخلقية عالية جتعل من املعركة مرسحا للسمو الإنساين ل مرتعا للزناع مفروضة ّ
احليواين ،وهو بطبيعته خيترص طريق اخللص وجينب الوقوع يف دوامة التناطح عىل
املصاحل.
( ) اكتساب سلوكيات مطلوبة حيال الزمات ،ومن أمه ما جاء به القرأن هو
تربية الناس عىل سلوكيات انجضة وأخلقيات راقية جتنب الناس من ارتاكب حامقات
توقعهم يف معارك مه يف غىن عهناّ .عمل القرأن الإنسان حتري اللفاظ املهذبة لئل يساء
فهمها وتؤدي اإىل عداوات جراء سوء تفامه ،وعلمنا الصفح والعفو لئل تطول املشالك
بسلسةل من الانتقام واحلقد املتنايم ،وقد اكن أكرث الفنت اليت وقعت يف اترخينا الطويل مل
خي ُل من خط إا الترصف من هذا النوع ،لو مل يكن هناك سوء تفامه بني الصحابة مل يتطور
اخللف اإىل التحارب ،وإاذا اكن لش يعة عيل ُكهم أخلق السامحة والصفح اليت
اتسمت هبا أل البيت مل يكونوا وقودا للفنت اليت جاءت بعد ذِل .وإان اكنت وراء تكل
الفنت أطراف خارجية أشعلهتا وجاهدت من أجل بقاءها مش تعةل ،ولكن اإذا اكن الوقود مل
يقبل الاحرتاق مل يكن ملشعيل الفنت أي منفذ .ولكن قدر هللا وما شاء فعل ،حلمكة
أرادها هللا ،وهللا يف لك ما قىض حكمي علمي.
( ) ومن أمه ما يعطيه القرأن ل إلنسان يف حياته :معرفة البوصةل الثابتة وسط
العواصف .اإن القرأن يقدم ل إلنسان "فلسفة احلياة املس تقمية" ،فهام للحياة خيتلف عام
يفهمه أكرث البرش اذلين ل يعرفون اإل ظاهرا من احلياة ادلنيا .اإن القرأن الكرمي نزل مواكبا
للحداث الصعبة اليت عاشها رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ،فاكنت توج مات القرأن
دامئا تشري اإىل الوهجة املطلوبة والرؤية الثابتة اليت ينبغي أن يتجه اإل ما الرسول صىل هللا
عليه وسمل ،ولك هذا رصيد همم من املفاهمي والتصورات واملبادئ والتوج مات اليت
يسَتيد هبا املؤمن يف ظل ظروفه القاس ية والفنت احلالكة.
أقصد تلك الطوائف التي ادعت المناصرة ألهل البيت ،أما من كان مع علي رضي اهلل عنه من الصحابة
والتابعين له بإحسان فقد تصافحوا وتصالحوا وأخمدوا الفتن في آخر المطاف.
12
هذه يه أمه ما يس متده الإنسان من معني القرأن الفائر بلنور والهدى واجللء
والروح والقوة ،فهو حبل هللا املتني وذكره احلكمي وهو الرصاط املس تقمي ،فيه أنباء املايض
وأحاكم احلارض وأخبار املس تقبل.
13
ضرورة الرجوع إلى القرآن
توقع الناس غالبا أن تكون أجوبة الرسول صىل هللا عليه وسمل أجوبة هنائية،
وأن القارئ لحاديث الرسول عليه الصلة والسلم ل حيتاج اإىل حبث وبذل هجد علمي
بعدها .وجلأ الناس اإىل فهم حريف للحاديث ،وليهتم قرؤوا الحاديث بلك طرقها
ورواايهتا ،فاملؤسف أن أكرثمه اكتفوا برواية واحدة ويعتقدون أهنا تش متل عىل لك
احلقائق.
وقد تبني من خلل مجع الرواايت أن الرسول صىل هللا عليه وسمل حث حذيفة
عىل دراسة القرأن لكتشاف تكل الس ئةل اخلطرية .وقد أكد هذا رواايت عدة عن رسول
لين ،اع ْن ُم اعا هذ هللا صىل هللا عليه وسمل مرفوعا كام روى الطرباين اع ْن َأ هيب اد هْر ايس الْخ ْاو ه ه ّ
ِ بن اجبا ٍل ،قاا ال :اذ اك ار ار ُس ُ
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل ي ا ْوما الْ هف ا انت فا اع َّظ امهاا او اش َّد ادهاا،
اّلل اص َّىل َّ ُ ول َّ ه
اّلل ،فا اما الْ امخْ ار ُج همهناا؟ فاقاا ال عا ه ُّيل بن َأ هيب اطا هل ٍب :ااي ار ُسو ال َّ ه
يث اما قا ْبلا ُ ْمك ،اون ا ابأُ اما ب ا ْعدا ُ ْمك ،اوفا ْص ُل اما ب ا ْينا ُ ْمك ،ام ْن تا ار اك ُه اّلل ،هفي هه اح هد ُ اب َّ ه فاقاا ال ":هك ات ُ
اّلل الْ ام هت ُني ،اوا َّذل ْك ُراّلل ،ه اُو اح ْب ُل َّ ه اّلل ،او ام ْن تاتابَّ اع الْهُدا ى هيف غا ْ هري هه أَضا َّ ُهل َّ ُ هم ْن اجبَّ ٍار قا اص ام ُه َّ ُ
الرص ُاط الْ ُم ْس تا هق ُمي ،ه اُو َّ هاذلي لا َّما ا هَس اع ْت ُه الْجه ُّن ،قاالا ْت{ :اانَّ ا هَس ْعناا قُ ْرأان ا اعبا} ، الْ اح هك ُمي ،او ه ّ ا
ِ
ه اُو َّ هاذلي ل ا ْختتا هل ُف هب هه ا َللْ ُس ُن ،اول ُ ْخت هل ُق ُه اك ْ ارث ُة َّالر ه ّد".
والرجوع اإىل القرأن يف اإجياد أجوبة عىل أس ئةل الواقع اكن هو السلوك السائد يف
صدر الإسلم ،واكن الصحابة ريض هللا عنه يبدؤون بلرجوع اإىل القرأن يف لك مسأةل
يكونون أراءمه بعد عرضت عل مم ،مث يلجؤون اإىل الس نة بعد اس تقراهئم للقرأن ،مث ّ
مراجعهتم لهذين الصلني.
سورة الجن:
3
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 84 / 3( :رقم ) 7547 :بسند صحيح إال عمرو بن واقد فهو متروك
) .وأخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية ( .) 53/5وهذا أصح الطرق (مجمع الزوائد 78/7 :رقم754 :
للحديث مع العلم أن أكثر الرواة أخرجوه عن طريق حارث األعور وهو طريق معضل.
14
وهذا هو طريق اإجياد احلل المثل يف فض منازعات املسلمني ،قال تعاىل :ﭽ
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ
ﰐﰑﰒﰓ ﭼ
ومن مقت يات العقيدة ا إلسلمية أن ل يتقدم املسمل اإىل ءيء اإل بعد "ضوء
أخرض" من القرأن وس نة رسوهل ،قال تعاىل { :ااي َأهيُّ اا َّ هاذل اين أ امنُوا ال تُقا ّهد ُموا ب ا ْ اني يادا هي
اّلل ا هَسيع عا هلمي} أي -كام قال ابن القمي -ل تقولوا حَّت يقول اّلل او ار ُس ه ه
وهل اوات َّ ُقوا َّ ا
اّلل ا َّن َّ ا َّ ه
ِ
،ول تأمروا حَّت يأمر ،ول تفتوا حَّت يفيت ،ول تقطعوا أمرا حَّت يكون هو اذلي
حيمك فيه ومي يه.
وظل املسلمون الوائل يلَتمون هبذه املهنجية ،حَّت ضعف التعلق بلقرأن يف
اجليل التايل ،وق ّل العلامء بكتاب هللا ،وأجحم الناس عن الغوص يف معاين كتاب هللا،
فلجأ الناس اإىل ما هو أسهل منه وهو ظاهر الس نة املروية عن النيب صىل هللا عليه
يقرصوا يف تعمل القرأن قلت ظاهر الس نة لنه اإذا معلوا بلس نة اكمةل ،مل ّ وسمل .وإامنا ُ
وتزنيهل يف واقعهم ،ولكهنم اكتفوا بدللةل الظاهرة للس نة وأمهلوا ادلللت العميقة مهنا،
ولكن الوضع العام مل يزل خبري ما دام الناس اهمتوا بس نة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل،
ولو وقفوا عند حدود الظاهر مهنا .مث تدهور الوضع أكرث حني ضعف العمل بلس نة،
واس تصعب الناس استيعاهبا والرجوع اإل ما ،فاكتفوا بلرأي اجملرد عن الويح ،فكرث
اخللف وقلّت القناعات اجلامعة للناس وضاقت املساحة املشرتكة يف مقابل اتساع
مساحة اخللف ،فهناِل معت احلرية عقول الناس ،وغلب احلشو عىل اللب،
واس تحمكت الفنت ،فمل يبق للمسمل منجاة حينئذ اإل بلمتسك بأدىن قدر مما يعرف من
أصول ادلين املتبقية.
8
سورة النساء54 :
5
سورة الحجرات:
7
إعالم الموقعين77/ :
15
عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل « :تعمل هذه المة
برهة بكتاب هللا ،مث تعمل برهة بس نة رسول هللا ،مث تعمل بلرأي ،فاإذا معلوا بلرأي
فقد ضلوا وأضلوا »
واستنطاق القرأن حيتاج اإىل علوم تساعد عىل اكتشاف دللته الظاهرة
والاكمنة ،فاإن حمتوى القرأن هل أربعة مس توايت ،كام روى الطرباين عن ابن عباس ،
ريض هللا عنه قالُ « :أنزل القرأن عىل أربعة وجوه :فوجه حلل وحرام ول يسع أحدا
هجالته ،ووجه تعرفه العرب ،ووجه تأويل يعلمه العلامء ،ووجه تأويل ل يعلمه اإل هللا عز
وجل ،من انتحل منه علام فقد كذب».
واكن معر بن اخلطاب ريض هللا عنه يعرف خطورة انتقال تكل املرحةل اليت اكن
املسلمون ل يشغلهم ف ما كتاب غري كتاب هللا .فمل يرد أن يفتح الباب يف زمانه ،مع أن
كتابة الس نة مفيدة ،لكن مل يزل الناس يف عهده يعرفون الس نة معليا ويرووهنا شفواي.
واكنت هناك هجود فردية لتدوين الس نة وحفظها يف الكتب ،ولكن مل تدع احلاجة اإىل
تعبئة المة لهذا المر.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة أن معر بن اخلطاب أراد أن
يكتب السنن ،فاستشار أحصاب رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يف ذِل ،فأشاروا
عليه أن يكتهبا ،فطفق يس تخري هللا ف ما شهرا ،مث أصبح يوما وقد عزم هللا هل ،فقال:
7
رقم )57 3 :والخطيب / أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي وأبو يعلى الموصلي (
البغدادي في الفقيه والمتفقه ( 5/رقم )875 :وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ( 335/3رقم:
). 44
4
رواه الطبراني في مسند الشاميين وابن جرير وأبو نصر السجزى عن ابن عباس مرفوعا وقال ابن جرير :
في إسناده نظر .ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن االنباري في الوقف موقوفا على ابن عباس ( انظر جامع
،54كنز العمال رقم)3347 : األحاديث للسيوطي 78/7 :رقم:
16
"اإين كنت أريد أن أكتب السنن ،وإاين ذكرت قوما اكنوا قبلمك كتبوا كتبا ،فأكبوا عل ما
وتركوا كتاب هللا ،وإاين وهللا ل ألبس كتاب هللا بشئ أبدا".
وليس معىن ذِل أن الناس ليسوا حباجة اإىل الس نة ،وأنه جيب الاس تغناء
بلقرأن فقط ،مل يكن هذا هو مهنج معر ول غريه من الصحابة ،بل أراد معر بن اخلطاب
أن يتيح للناس فرصة أكرب للتعمق يف القرأن ،ليكون فهمهم للس نة مبنيا عىل تش بعهم
رش ْحيا عا اىل اّلل اع ْن ُه ُ ا ِض َّ ُ الش ْع ه ه ّب قاا ال :لا َّما ب ا اع اث ُ امع ُر ْب ُن الْخ َّاط هاب ار ه ا
بروح القرأن .اع هن َّ
اّلل ،فا ال ت ا ْسأَلا َّن اع ْن ُه أَ احدا ،او اما لا ْم ياتابا َّ ْني قا ا ا هء ْال ُكوفا هة قاا ال :ان ُْظ ْر اما تا اب َّ اني ا اِل هِف هك ات هاب َّ ه
الس نَّ هة فا ْاجهتا ه دْ هفي هه ار ْأي ا اك. اّلل فاات َّ هب ْع هفي هه ُّ
الس نَّ اة ،او اما لا ْم ياتابا َّ ْني ا اِل هِف ُّ ا اِل هِف هك ات هاب َّ ه
هكذا ّعمل معر مهنجية الفكر الإسليم ،جيب البدء بلقرأن مث بلس نة مث اللجوء
اإىل الرأي بعد التش بع بلقرأن والس نة.
وقد أنكر الصحابة جدا عىل دعوى الاس تغناء بلقرأن فقط دون س نة رسول
هللا عليه وسمل ،كام ورد عن معران بن حصني ريض هللا عنه :أهنم تذاكروا عنده
الحاديث عن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ،فقال رجل عند معران بن حصني :
"دعوان من احلديث ،وهاتوا كتاب هللا تعاىل ".فقال معران بن حصني « :اإنك لمحق،
أجتد يف كتاب هللا الصلة مفرسة؟ يف كتاب هللا الصيام مفرسا؟ الكتاب أحمكه والس نة
فرسته »
واملقصود أنه جيب الرجوع اإىل القرأن والس نة معا ،ول جيوز الفصل بيهنام ،اإن
المتسك بلس نة دون الرجوع اإىل القرأن "تسطيح" لْلين وإابعاد عن روحه ،والاكتفاء
بلقرأن دون الس نة برت لْلين وجتريد عن تفاصيهل املهمة.
4
54/رقم ) 3848 :والخطيب البغدادي في تقييد العلم ص،43-77 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (
وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله رقم ، 55 :وابن سعد (.) 47/3
3
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ()344/ 3
مسند عبد اهلل بن مبارك ( 34/رقم ،) 38 :الفقيه والمتفقه ( 7 /رقم ،) 3 :جامع بيان العلم
،) 8اإلبانة الكبرى البن بطة ( 73/رقم)74 : وفضله ( 4/8رقم:
17
ما هو "الشر" بعد عهد النبوة؟
ذِل ما يتعلق بلقرأن وكيف أن رسول هللا صىل هللا وسمل أمر حذيفة بتعمل
القرأن ملعرفة التحدايت املس تقبلية .وملا أرص حذيفة ريض هللا عنه عىل السؤال قال النيب
صىل هللا عليه وسمل :نعم .مل تذكر رواية الصحيحني ما هو الرش اذلي بعد خري عهد
النبوة ،ولكن جاء يف رواية احلامك والطرباين يف الوسط ّبني الرسول أنه "فتنة واختلف"
ويف رواية أمحد وأبو داود والنسايئ" :فتنة ورش".
وقوهل "فتنة واختلف" أو "فتنة ورش" يدل عىل أن منشأ ذِل الرش هو
اختلف الناس وتنازعهم وعدم قدرهتم عىل جتاوز سوء التفامه بيهنم ،فنشأ من ذِل فتنة
تُوقع الناس يف التقاتل والتعارك.
وقال العلمة الطييب رمحه هللا تعاىل :اإن املراد بلرش :الفتنة وو اهن عرى
الإسلم واستيلء ال لةل وفشو البدعة .وهو يف احلقيقة رش حمدود ،لن اخلري اذلي
تركه عهد النبوة مل يزل تأثريه قواي يف الناس ،ومل يزل ادلين الإسليم هو املهمين عىل
احلياة العامة ،ذلِل رأى الطييب أن املقصود بلرش هنا "حدوث بعض رش" وليس
الرش املطلق.
اإلمام المشهور الحسن بن محمد بن عبد اهلل الطيبي ،شارح الكشاف ،العالمة في المعقول والعربية
والمعاني والبيان .قال ابن حجر :كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن ،مقبال على نشر العلم،
متواضعا حسن المعتقد ،شديد الرد على الفالسفة ،مظه ار فضائحهم مع استيالئهم حينئذ ،شيديد الحب هلل
ورسوله ،كثير الحياء ،مالزما الشغال الطلبة في العلوم اإلسالمية بغير طمع ،بل يجديهم ويعينهم ويعير
الكتب النفيسة ألهل بلده وغيرهم من يعرف ومن ال يعرف ،محبا لمن عرف منه تعظيم الشريعة ،وكان ذا ثروة
من اإلرث والتجارة ،فلم يزل ينفقها في وجوه الخيرات حتى صار في آخر عمره فقيرا ،صنف شرح الكشاف
والتفسير ،والتبيان في المعاني والبيان ،وشرحه وشرح المشكاة ،وكان يشغل في التفسير من بكرة إلى الظهر
ومن ثم إلى العصر في الحديث إلى يوم مات يوم الثالثاء 3شعبان سنة 783هـ (شذرات الذهب - 37/3
) 34
3
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح334/ 5 :
8
المصدر السابق.
18
وقد ذهب احلافظ ابن جحر اإىل التحديد أكرث فقال" :واملراد بلرش ما يقع من
الفنت من بعد قتل عامثن وهمل جرا ،أو ما يرتتب عىل ذِل من عقوبت الخرة".
ومعىن ذِل أن هذه الفتنة وهذا "الرش" وقع يف فرتة القرون املف ةل اليت قال
عهنا النيب صىل هللا عليه وسمل أهنا خري القرون ،كام يف احلديث املتفق عليه" :قاا ال خ ْ ُاري
النَّ هاس قا ْر هين ُ َّمث َّ هاذل اين يالُوهنا ُ ْم ُ َّمث َّ هاذل اين يالُوهنا ُ ْم ".فكيف نصف ذِل الزمن بلرش مع كونه
خري القرون؟
واجلواب أن الرش والفتنة اليت وقعت بني الصحابة اإمنا يه حاةل طارئة مل تدم
طويةل ،أما اخلريية فهيي صفة اثبتة هلم وغالبة يف حقهم ،ويؤكد ذِل عودة اخلري بعد ذِل
الرش .أضف اإىل ذِل ما س بق نقهل عن الطييب أن املراد بلرش هو "حدوث بعض
رش" ،والفتنة س نة اإلهية ل يسمل مهنا برش ،وكام قال تعاىل يف حادثة الإفك { :ال ا ْحت اس ُبو ُه
رشا لا ُ ْمك ب ا ْل ه اُو خ ْاري لا ُ ْمك} ،فلك فتنة حدثت يف املؤمنني اإمنا هو اختبار لإمياهنم وصدقهم ا ًّ
وثباهتم ،فيجازي هللا احملس نني واملس يئني ،لك حسب أعامهل ومواقفه ،ويتوب هللا عىل
ون} من اتب .ولك اإىل هللا راجع ،قال تعاىل { :اون ا ْبلُو ُ ْمك هب َّ ّ ه
لرش اوالْخ ْ هاري هف ْتناة اوالا ْيناا تُ ْر اج ُع ا
ِ
5
فتح الباري 44/ 3 :رقم7557 :
7
سورة النور:
7
سورة األنبياء35 :
19
الكالم عن الفتنة بما ال ينتج فتنة أخرى
لكن املأساة العظم ليست يه ما حدث بني الصحابة ،لهنم قد أف وا اإىل ما
معلوا ،وما علينا من حساهبم من ءيء ،وما من حسابنا عل مم من ءيء .وقد تصاحلوا
عام امجلاعة يف خلفة احلسن بن عيل ريض هللا عنه وعن أبيه وأمه ،وصىل هللا وسمل
عىل جده املصطفى أعظم الصلة وأمت التسلمي .اإن الاكرثة احلقيقية أن يكون هناك من
جيرت تكل املأيس ويعيدها أعظم مما اكنت ،ويوسع دائرهتا أوسع من جحمها احلقيقي .وهؤلء ّ
اإما مغرض انمق ل إلسلم وأههل وإاما جاهل مغفّل اتبع لك انعق .أما عقلء املسلمني
فعرفوا أن الفتنة ل تعاجل بفتنة أخرى ،وأن املشالك اإذا انهتت ومخدت ل جيوز تكرارها
ونبشها والتبايك عل ما ،فاحلياة جيب أن تس متر ،والمة عل ما أن تواصل املسرية اإىل المام،
وعل ما من الواجبات واملهامت ما يشغلها عن ربط وجودها بتكل الاكرثة التارخيية اليت قد
ولّت.
وقد س ئل ابن املبارك عن الفتنة اليت وقعت بني عيل ومعاوية -ريض هللا عن
مجيع حصابة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل -فقال« :فتنة عصم هللا مهنا س يوفنا فلْنا ه
عص ْم
مهنا ألس نتانا».
وس ئل احلسن البرصي عن قتاهلم فقال« :قتال شهده أحصاب محمد -صىل هللا
عليه وأهل وسمل -و هغ ْبناا ،وعلموا وهجلنا ،واجمتعوا فات َّ اب ْعنا ،واختلفوا فوقا ْفنا».
وهذا معر بن عبد العزيز الإمام الراشد ،اإمام الهدى ،ملا س ئل عن الفتنة اليت
فمل ل نزنهدارت بني عيل ومعاوية ريض هللا عهنام قال" :فتنة جنى هللا تعاىل مهنا س يوفنا ،ه ا
عهنا ألس نتنا؟!"
وقد اتفق أهل الس نة وامجلاعة – وهو موقف الش يعة أي ا -عىل أن عيل بن أيب
طالب اكن عىل حق ،واكن معاوية خمطئا ،ويكفي ذِل القدر من اتفاق املسلمني بعد أن
4
)3في تفسير سورة الحجرات. الجامع ألحكام القرآن للقرطبي (/ 7
4
شرح اإلبانة في أصول الديانة ،أبو األشبال حسن الزهيري آل مندوه. 4/ 3 ،
21
ننجر بعد ذِل وراء زائغي القلوب اذلين ما يزالون يتخذون وضعت احلرب أوزارها ،ول ّ
تكل الحداث ب اعة رخيصة يعكرون هبا حياة املسلمني ،ويشتتون هبا وحدهتم،
ويرصفون هبا عن الهداف الكربى اليت جاء هبا الإسلم لإسعاد البرشية وإاخراج العامل
من الظلامت اإىل النور.
وإان اكن للمسأةل بقية مفا علينا غري الاس تفادة من ادلروس التارخيية املهمة
لنكتسب مهنا الن ج الس يايس والوعي التارخيي ،فالرشور لها أس باب ولتنام ما طرق
وجتليات ،فالكياسة املطلوبة ليست يف اجرتارها و"تطوير" تداعياهتا ،وشن جهوم عىل
اإخوان لنا مسلمني ليس هلم يف الق ية انقة ول مجل ،بل املطلوب معرفة أس باهبا وطرق
تقليصها والنجاة مهنا.
قد اكتسبنا درسا هم ّما أن أعداء الإسلم لن يتوقفوا حَّت يف وقت اكن املسلمون
يف أوج قوهتم ووحدهتم ،اإذا مل يقدر العداء عىل حماربة علنية فاإهنم مل يتوانوا يف بذل
اجلهود اجلبارة يف اإضعاف املسلمني بزرع املندسني يفرقون صف املسلمني ويشككون يف
مصداقية أمئهتم ،ويزعزعون اس تقرارمه وهيددون أمهنم.
واكتسبنا درسا همام أي ا أن الغوغائيني وإان اكنوا يف البداية قةل يتاكثرون مع قةل
وعي الناس اذلين مل يرخس الإميان يف قلوهبم ،وأن امحلاسة الزائدة اخلالية عن الوعي والعمل
الرصني يه املادة الرسيعة الاش تعال ،تنترش الفنت بسبهبا.
ولكن ادلرس المه للمسلمني من هذا الرصاع بني الصحابة هو أن ليس لك
خلف بني طرفني يس تلزم أن يكون أحدهام عىل الباطل الخر عىل احلق بشلك قاطع،
قد يكون سبب اخللف هو سوء التفامه بني الطرفني ل أكرث ول أقل ،والك الطرفني
يريد احلق ،وإان التبس وجه احلق عىل أحدهام.
ول يصح يف هذه املسأةل بذلات اهتام معاوية بلنفاق وأن لك من معه منافقون.
حصيح أن احلق اكن مع الإمام عيل ريض هللا عنه وكرم هللا وهجه ،ولكن الطرف الخر
ليس بلرضوري عىل الباطل الرصف ،فاإن معهم أس باب ظنوها مرشوعة .اإن معسكر
معاوية وعيل ُكهم داخل معسكر الإسلم والإميان ،وقد جاهدوا يف سبيل هللا وقاتلوا
قوى الكفر يف الرشق والغرب قبل وبعد تكل الفتنة .واذلي حصل هو تفكّك الصف
21
الإسليم ادلاخيل بسبب أطراف مشاغبة تعكّر اجلو ومتنع التوصل اإىل موقف مشرتك.
وقد يتكرر مثل هذه الحداث داخل الصف الإسليم ،فاإن الش يطان لن يتوقف عن
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل" :ا ّن َّ
الش ْي اط اان قادْ أَ هي اس اإفساد العلقة بني املؤمنني .كام قال النَّ ه ّيب اص َّىل َّ ُ
ِ
ون هيف اج هز اير هة الْ اع ار هب اولا هك ْن هيف التَّ ْح هر هيش بايْهنا ُ ْم".
َأ ْن ي ا ْع ُبدا ُه الْ ُم اصل ُّ ا
وهمام تكن من الحداث املؤسفة اإل أن حتكمي العقل واعامتد احلمكة مل يرخص
لحد أن يزيد تكل النار اش تعال ول أن يكرس لهذه الفتنة اس مترارا ،وإايقاف الفتنة بعد
حدوهثا بقرون أسهل من مواهجهتا حني وقوعها ،مفن قةل العقل أن يبقى بعض املسلمني
يرددون هذه املأساة يف لك مناس بة ويعيدوهنا اإىل الوجود بعد أن طويت صفحهتا ،فعندان
للبطالني أن يشغلوا من املشالك الواقعية ما يغطي لك أوقاتنا ويس تدعي لك طاقاتنا ،مفا ّ
الناس ببطالهتم وقةل وع مم؟!!
اإن مسرية المة الإسلمية مل تتوقف بعد تكل الحداث املؤملة ،قد واصل
املسلمون طريقهم لنرش الإسلم وخدمة ادلين وتطوير احلياة الإنسانية .واحلكامء والعلامء
من املسلمني قدموا للعامل رقيا ح اراي فاق لك من س بقهم من ساكن الرض .مل يتوقف
املد الإسليم رشقا وغرب بعد تكل الفتنة العابرة ،وقد عاد املسلمون اإىل مواقع اجلهاد بعد
أن تصاحلوا ،نعم مل يكن الوضع عىل اخلري التام اذلي تركه النيب صىل هللا عليه وسمل،
وقد شابه شوائب احلقد واجلهل والهوى ،ولكن اخمللصني مل يتأثروا ،ومه كرث ،واجملاهدون
مل يتوقفوا ،ومه الصل .وبقي الإسلم دينا ظاهرا عىل لك الداين ولو كره املرشكون.
33
أخرجه مسلم ( 8 8/ 3رقم)5333 :
22
قاعدة قرآنية ثابتة" :زوال الشر وبقاء الخير"
كل ْ َال َّاي ُم ن ُدا ا هولُهاا ب ا ْ اني اإن تعاقب اخلري والرش س نة كونية اثبتة ،قال تعاىل { :او هت ْ ا
تتوهجا ،ويه أن البقاء للخري ،قال هللا تعاىل: النَّ هاس} ،ولكن هناك س نة أخرى تمكّلها و ّ
ون عالا ْي ههالس ْي ُل ازبادا ارابهيا ،او هم َّما يُو هقدُ ا الس اما هء اماء فا اسال ا ْت َأ ْو هدياة هبقادا هرهاا فاا ْحتا ام ال َّ { َأ ْن از ال هم ان َّ
اّلل الْ اح َّق اوالْ ابا هطل ،فاأَ َّما َّالزبادُ رض ُب َّ ُ هيف النَّ هار ابْ هتغ اااء هحلْ اي ٍة َأ ْو امتاا ٍع ازباد همث ُ ُْهل ،اك اذ ه اِل ي ا ْ ه
اّلل ْ َال ْمث اا ال}
رض ُب َّ ُ فا اي ْذه ُاب ُج افاء او َأ َّما اما ي ا ْنفا ُع النَّ ااس فايا ْم ُك ُث هيف ْ َال ْر هض ،اك اذ ه اِل ي ا ْ ه
نعم ،الرش واخلري يتعاقبان ويتداولن ،ولكن هناية املطاف اإىل اخلري دامئا،
والعاقبة للتقوى واملتقني.
اإن احلق اثبت وبق ،قىض عىل الباطل بلزوال ،قال تعاىل { :اوقُ ْل اج ااء الْ اح ُّق
او ازه ااق الْ ابا هط ُل ا َّن الْ ابا هط ال ااك ان ازهُوقا} ،وقال تعاىل{ :قُ ْل اج ااء الْ اح ُّق او اما ي ُ ْب هدئُ الْ ابا هط ُل
ِ
او اما يُ هعيدُ } .
ولكن هذه ادلار دار ابتلء ،فاإن هللا مكّن لهل الباطل أن يكون هلم جوةل
اّلل َّ هاذل اين أ امنُوا اوياتَّ هخ اذ همنْ ُ ْمك وصوةل فرتة من الزمن عىل أهل احلق لس باب { :هل اي ْع ا امل َّ ُ
اّلل َّ هاذل اين أ امنُوا} ويف الخري { اوي ا ْم اح اق ْال ااك هف هر اين}. ُشهادا ااء} وكذِل { او هل ُي ام هّح اص َّ ُ
فذلِل مل يكن جواب الرسول صىل هللا عليه وسمل غريبا ملا س ئل " اوه ْال ب ا ْعدا
الرش هم ْن خ ْ ٍاري؟" فقال :نعم .فل بد للرش أن يزول ،ول بد للخري أن يبقى ويرجع اذ ه اِل َّ ّ ه
للظهور.
3
سورة آل عمران83 :
3
سورة الرعد7 :
33
سورة االسراء4 :
38
سورة سـبأ84:
35
سورة آل عمران83 :
37
سورة آل عمران8 :
23
وليس معىن ذِل أن املسلمني ل يلقون هزمية قط ،بل النرص والهزمية والنجاح
والفشل والراحة والتعب والفرح واحلزن ُكها نصيب لك اإنسان ،وُكها حما ّل اختبار
وأدوات القياس.
قال القايض عياض رمحه هللا :قيل املراد بخلري بعد الرش أايم معر بن عبد العزير
ريض هللا عنه .وهذا حصيح اإذا حرصان اخلري يف اجملال الس يايس ،ولكن خري الإسلم
يف هذه املرحةل أوسع من ذِل .لقد عاش املسلمون زمن اخلري الطويل حيث انترش ادلين
وقويت شوكة املسلمني ومتكنوا من بناء ح ارة قوية مبنية عىل التوحيد امتدت أاثرها
ماكان زماان ،قروان وقارات ،وهو اخلري اذلي مل تشهده المم قبلنا حيث اكنت احل ارات
السابقة ُكها قامئة عىل الرشك ،واكن التوحيد عندمه حمصورا يف زوااي التارخي ومركوان يف
خباايه ،فكرم هللا هذه المة بإقامة التوحيد ونرشه وترمجته اإىل أمناط ح ارية متعددة من
العلوم والفنون والصناعات واملامرسات احلياتية ،وهلل امحلد واملنة.
37
) 34/ شرح النووي (
24
فقه "الدخن"
ولكن مل يكن اخلري اذلي جاء بعد عرص الفنت عىل الصفاء الول ،بل فيه
شوائب ،سامها الرسول صىل هللا عليه وسمل "دخنا" – كام يف الصحيحني .ويف رواية
أمحد وأيب داود والطرباين يف الوسط جاء وصف هذه املرحةل بأهناُ " :هدْ ن اة عا اىل ادخ ٍان
او ا امجاعاة عا اىل َأ ْق اذا ٍء" ويف رواية لمحد" :ا ام اارة عا اىل َأ ْق اذا ٍء ،او ُهدْ ن اة عا اىل ادخ ٍان" .
ِ
أما "هدنة عىل دخن" معناه أن ذِل الاختلف والتقاتل يف املرحةل السابقة
ينهتيي اإىل صلح بيهنم ولكن يشوبه كدر ،وقد سأل حذيفة كيف يكون ذِل؟ كام يف
اّلل ،الْهُدْ ن ا ُة عا اىل ادلَّ خ هان اما ه ا
يه؟ قاا ال: مس ند أمحد وسنن أيب داود قال :قُلْ ُت :ااي ار ُسو ال َّ ه
وب َأ ْق اوا ٍم عا اىل َّ هاذلي ااكن ْات عالا ْي هه.
ال تا ْر هج ُع قُلُ ُ
قد تصاحل املسلمون يف خلفة احلسن بن عيل بتنازهل عن اخللفة ملعاوية ولكن
مل يرجع املسلمون اإىل الوحدة الوىل والصفاء الول ،بل ظل هناك رشخ غري هني بني
ش يعة عيل بن أيب طالب وأنصار معاوية بن أيب سفيان ريض هللا عن حصابة رسول هللا
أمجعني .ذلِل وصف ذِل عىل أنه " :ا امجاعاة عا اىل َأ ْق اذا ٍء" أو "ا ام اارة عا اىل َأ ْق اذا ٍء" ،أي أن
ِ
املسلمني رجعوا اإىل امجلاعة املوحدة والإمارة الواحدة ولكهنا تقوم عىل أذية غري قليةل.
الرشاب هم ْن غُ ابار او او اخس. و"أقذاء" ا ْمجع قاذى ،اوه اُو اما ياقاع هيف الْ اع ْني او َّ ا
قال النووي فامي نقهل عن أيب عبيد وغريه :اإن ادلا اخن بفتح ادلال املهمةل واخلاء
املعجمة؛ أصهل أن تكون يف لون ادلابة كدورة اإىل سواد ،قالوا :واملراد هنا أن ل تصفو
القلوب بع ها لبعض ،ول يزول خبهثا ،ول ترجع اإىل ما اكنت عليه من الصفاء.
34
3 4/رقم ،3737 :ومعجم الطبراني األوسط ،وسنن أبي داود: مسند أحمد 78/87 :رقم45 :
( 33/ 7رقم)7558 :
34
مسند أحمد 833/87 :رقم338 :
83
3 4/رقم3737 : ،وسنن أبي داود: مسند أحمد 78/87 :رقم45 :
8
عون المعبود ( 44/4رقم)3737 :
8
) 37/ شرح النووي (
25
وقال ابن جحر يف معىن ادلخن أنه هو احلقد .وقيل :ادلغل .وقيل :فساد يف
القلب .ومعىن الثلثة متقارب ،يشري إاىل أن اخلري اذلي جييء بعد الرش ل يكون خريا
خالصا ،بل فيه كدر .وقيل :املراد بدلخن ادلخان ،ويشري بذِل إاىل كدر احلال .وقيل:
ادلخن لك أمر مكروه .وقال أبو عبيدة :يفرس املراد هبذا احلديث احلديث الخر "ل
ترجع قلوب قوم عىل ما اكنت عليه ".وأصهل أن يكون يف لون ادلابة كدورة بحلق .املعىن
أن قلوهبم ل يصفو بع ها لبعض.
وهذه ُكها نتيجة ذِل الرصاع املرير اذلي مل يكن يعاجل من أساسه ،بل زاده
الناس معقا واتساعا ،فقد اكن اخللف س ياس يا حبتا ،ولكن أحصاب الهوى وأهل اجلهل
طوروه" اإىل مسأةل عقدية ،وقد رأينا كيف صارت املسأةل "متطورة" جدا، حولوه و" ّ ّ
تكونت عىل أساسها مذاهب وجامعات ودول ،وقامت عىل أنقاضها حروب ورصاعات
طويةل .ويه يف الصل مل يكن غري اختلف وهجة نظر يف التعامل مع قتةل عامثن ريض
هللا عنه ،واكنوا متفقني عىل وجوب القصاص يف حقه ،وإامنا اختلفوا يف توقيته فقط!
فنعرف كيف اكنت أزمة النفوس وأزمة التفكري تس بق الزمات الكبرية ،ومل نقل يف حق
الصحابة اإل لك خري ،ومه برش خيطئ ويصيب ،واكن صواهبم أكرث من خطهئم ،لكن
الدىه من ذِل اخللف أن من بعدمه مل يبنوا عىل الصلح احلاصل ،بل بنوا عىل اخللف
اذلي قد تصاحلوا عليه!؟ وهذه املسأةل أهون من أن تشغل المة قروان طويةل ،يه أزمة
مرت وعوجلت بشلك من الشاكل ،فالواجب املفرتض للجيل اللحق أن يبنوا عىل
صواهبم واتفاقهم ،ل أن يدققوا الخطاء الفائتة واخللف املنقيض.
واحلق الغائب من الك الفريقني -أي ما بعد اخللفاء الراشدين -أهنم مل حياولوا
اإرجاع مؤسسة الشورى اليت اكنت يف عهد اخللفاء الراشدين ،ومل يدع أي واحد مهنم
اإىل جعل احلمك شورى بني املسلمني ،بل تنازع لك فرقة عىل املُكل ،وظن لك فريق مهنم
أهنم أحق بملكل من الخر ،وهكذا انق ت العروة الوىل من عرى الإسلم.
83
فتح الباري ()35/ 3
26
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل كام ورد يف احلديث اع ْن َأ هيب ُأ اما ام اة الْ ابا هه ه ه ّيل اع ْن ار ُسوله َّ ه
اّلل اص َّىل َّ ُ
قاا ال :لا ُي ْنقا ا َّن ع اُرى ْال ْس ال هم ع ُْر اوة ع ُْر اوة ،فا َُكَّ اما انْتاقا ا ْت ع ُْر اوة تاشا ب َّ اث النَّ ُاس هبل َّ هيت تا هل ماا،
ِ
الص ال ُة.او َأ َّولُه َُّن ن ا ْق ا الْ ُح ْ ُمك اوأ هخ ُره َُّن َّ
والخطر يف هذه املرحةل ليس يف ذِل اخللف ،فاإن احلياة تتقدم رمغ ذِل ُكه،
ولكن ما أفرزه ذِل اجلو العكر من بروز أقوام خيلطون بني اخلري والرش ،وبني النور
والظلم ،بني الس نة والبدعة ،بني الإسلم وأاثر اجلاهلية ،فكام جاء يف الصحيحني أهنم:
ون هبغ ْ هاري ُسن َّ هيت ون هبغ ْ هاري اهدْ هِي ،تا ْع هر ُف همهنْ ُ ْم اوتُ ْن هك ُر ".ويف رواية ملسمل" :قا ْوم ي ْاستان ُّ ا "قا ْوم هيا ْدُ ا
ون هبغ ْ هاري اهدْ هِي ،تا ْع هر ُف همهنْ ُ ْم اوتُ ْن هك ُر".
اوهيا ْدُ ا
قال ابن جحر يف معىن قوهل "تعرف مهنم وتنكر" :يعِن من أعامهلم ،ويف حديث
أم سلمة عند مسمل "مفن أنكر برئ ومن كره سمل" .وقال :وقوهل بعده (تعرف مهنم
وتنكر) أهنم هؤلء القوم خلطوا املعروف بملنكر ،فتعرف مهنم أمورا محمودة وتنكر ف مم
أش ياء مذمومة.
وجاء عن أم سلمة زوج النيب صىل هللا عليه وسمل عن النيب صىل هللا عليه
وسمل أنه قال :اإنه ي ُس تعمل عليمك أمراء فتعرفون وتنكرون ،مفن كره فقد برئ ،ومن أنكر
فقد سمل ،ولكن من ريض واتبع .قالوا :اي رسول هللا أل نقاتلهم؟ قال :ل ما صلوا.
88
) وابن حبان ( 87 / 7رقم )7434 :والحاكم في المستدرك أخرجه أحمد ( 38/85رقم34 :
)7وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 34/رقم)57 : ( 388/ 7رقم:
85
صحيح مسلم ( 347/4رقم)3838 :
87
فتح الباري 44/ 3 :رقم7557 :
87
أخرجه مسلم ( 84 /3رقم ) 458
27
هدي الشرع إذا اختلطت األمور
مل خيرج ذِل النوع من اخللط عن صفة اخلري كام وَسه الرسول صىل هللا عليه
وسمل ،لن اخلري ما زال هو الغالب واملهمين يف هذه املرحةل .ولكن بدأ املسلمون يف
خوض معركة أخرى أكرث تعقيدا ،ومه يف هذه املرحةل أحوج اإىل العمل مهنم اإىل السلح،
ومل يكن الس يف ذا فائدة انجعة ف ما .فاإذا اكن رفع الس يف يف علج المترد مرشوعا
وانجعا وقت الردة يف عهد أيب بكر ،ومرشوعا غري انجع يف عهد عيل بن أيب طالب -
اللهم اإل يف قتاهل ضد اخلوارج ،مفا بعد ذِل يف الغالب ليس مبرشوع ول انجع.
وللك مرحةل حلولها اخلاصة وأسلحهتا اللئقة هبا ،والفرق بني هذه املراحل هو
يف درجة وضوح احلق ف ما ،ففي عهد أيب بكر الصديق فاإن احلق فيه أوحض من أن
يناقش ،ولك العرب قد أقروا بلإسلم وعرفوا ادلين احلق وعرفوا ماكنة أيب بكر عند
رسول هللا صىل هللا عليه وسمل وعند املسلمني ،وأن املسلمني بيعوه بيعة حصيحة،
فالعلج يف هذه احلاةل هو احلسم العسكري.
وأما يف عهد أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب ريض هللا عنه فاإن هل احلق يف
المر والهنيي ،وعىل املسلمني ُكهم واجب الطاعة والان واء حتت رايته ،ولكن ملعاوية
ريض هللا عنه ش هبة حق يف مطالبة القصاص لعامثن ،وما اكن هل أن يرفع الس يف ضد
أمري املؤمنني ،ولكن مل ّا اكن هل جحته اخلاصة به ،والوضع غري مس تقر ،وقد عاىن الناس
من عدم الاس تقرار جراء هؤلء اذلين أاثروا الفتنة ضد عامثن مما أدى اإىل قتاهل ،فالمر
مشتبه عند بعض الناس ،فمل يتبني هلم وجه احلق فيه .فاكن احلسم العسكري فيه وإان
اكن مرشوعا فاإنه غري قاطع ملادة اخللف .وساعد معاوية كونه حاكام للشام اذلي عنده من
القوة العسكرية ما يسانده.
ل حنتاج اإىل التش نج والاحتقان يف فهم املسأةل مع مرارهتا وسوء أاثرها ،اإن
املفرتض من علامء املسلمني أن يرتقوا اإىل ن ج س يايس يف قراءة مثل هذه الإشاكلية ،ل
أن يزنلوا اإىل مس توى العامة يف التبايك عىل املايض أو تكريس رشعية املأيس وتعميق
28
حدة اخللف ونبش مشالك عفا عل ما الزمان .ول ندري قد يكون هؤلء ممن قال هللا
رس ٍر ُمتاقاا هب هل اني} .واكن سلوك املؤمنني ف مم { اونا از ْعناا اما هيف ُصدُ هور ه ْمه هم ْن هغ ٍ ّل اخ اْواان عا اىل ُ ُ
ِ
جتاه اإخواهنم السابقني دامئا كام قال هللا تعاىل { :او َّ هاذل اين اجا ُءوا هم ْن ب ا ْع هد ه ْمه ي ا ُقولُ ا
ون اربَّناا ا ْغ هف ْر
لاناا او هلخ اْوا هنناا َّ هاذل اين اس اب ُقوانا هب ْلمي ا هان او ال ا ْجت اع ْل هيف قُلُو هبناا هغ ًّل هل َّ هذل اين أ امنُوا اربَّناا ان َّ اك ار ُءوف
ِ ر هحمي} ِ مفن قال غري ذِل ِ
فليس من املؤمنني املهتدين. ا
حنن غري حماس بني مبا فعهل الناس قبلنا ،فواجبنا فقط أن نبذل ما ميكن بذهل
ل إلصلح ،ل أن حنافظ عىل أاثر أخطاهئم ف ل أن نزيدها سوءا وتوسعا وتشعبا .قدر
هللا أن يمت المر كام حدث ،ولكنا نعتقد أهنم لو اس تقبلوا من أمرمه ما اس تدبروه ملا
جلؤوا اإىل السلح ،بل ف لوا أن يعاجل الإشاكل بحلوار ،ولكن اكن هناك أطراف
مش بوهة معلوا يف اإشعال فتيل الفنت وإاربك الناس وتفريق املسلمني ،فاكن ما اكن،
وهللا غالب عىل أمره ولكن أكرث الناس ل يعلمون.
واملقصود أن هذه املرحةل اليت خرج املسلمون من تكل الفتنة املؤملة بدؤوا ف ما
مرحةل جديدة تتسم بختلط اخلري بلرش ،واكن اخلري ف ما هو الغالب ،ولكن تتحدامه
أخلط رش حتتاج اإىل معاجلة خاصة .فهنا نرجع مرة أخرى اإىل هدي القرأن اذلي فيه
تبيان لك ءيء .ونتذكر مرة أخرى قول الرسول اذلي كرره حلذيفة" :اي حذيفة تعمل كتاب
هللا واتبع ما فيه!!" ففي كتاب هللا أجوبة شافية عىل هذه الإشاكليات اجلديدة.
اإن خلط المور بني احلق والباطل واخلري والرش سلوك قدمي مارس ته المم قبلنا،
فقد اكن أحصاب الهوى من ال مود والنصارى يلبسون احلق بلباطل فقد قال هللا يف
ون} وقال: ون الْ اح َّق هبلْ ابا هط هل اوتا ْك ُت ُم ا
ون الْ اح َّق او َأن ُ ْْمت تا ْعلا ُم ا حقهم { ااي َأ ْه ال ْال هكتا هاب هل ام تالْب ُهس ا
ون} ذلِل ضاعت معامل الهدى { او ال تالْب ُهسوا الْ اح َّق هبلْ ابا هط هل اوتا ْك ُت ُموا الْ اح َّق او َأن ُ ْْمت تا ْعلا ُم ا
84
سورة الحجر87 :
84
سورة الحشر8 :
53
سورة آل عمران7 :
5
سورة البقرة8 :
29
عندمه ،فصاروا أمما مغ وب عل مم وضالني ،بعد أن اكنوا هداة همتدين أتباع النبياء
ومتبعي الكتب املزنةل من عند هللا.
قد بدأ املسلمون مرحةل تتسم مبا سامه الرسول صىل هللا عليه وسمل "سنن من
اكن قبلمك" ،فعن أيب سعيد اخلدري قال :قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل" :لتتبعن
سنن اذلين من قبلمك شربا بشرب وذراعا بذراع ،حَّت لو دخلوا يف حجر ضب لتبعمتومه".
قلنا :اي رسول هللا أل مود والنصارى؟
قال" :مفن؟"
وقد أخرج الطرباين من حديث املس تورد بن شداد رفعه" :ل ترتك هذه المة
شيئا من سنن الولني حَّت تأتيه".
ووقع يف حديث عبد هللا بن معرو عند الشافعي بس ند حصيح" :لرتكنب س نة
من اكن قبلمك حلوها ومرها".
لقد أىت عىل املسلمني ما أىت عىل المم قبلهم من دخول املتطفلني عىل طريق
الهدى ،فهذه يه حاةل ادلين اإذا كتب هل المتكني ،فاإن رف ه علنية أمر صعب ،فمل يبق
ملنكري ادلين اإل طريق التخليط ،ليغطي بحلق بطلهم.
وسبب اخللط أمران :اإما ظمل أو هجل .أما الظمل فهو سوء القصد وخبث
الطوية ،يريد صاحبه اإفساد ادلين معدا وجر الناس اإىل مستنقع الهوى قصدا ،ومبا أن
الباطل الرصحي والرش احملض ل حيبه الناس معوما وتكرهه النفس يف الغالب معد أحصاب
الهوى ودعاة الرش اإىل لبسه بصورة احلق حَّت ل يرف ه الناس ول يتبينون وهجه
احلقيقي.
5
رقم 774/7 ،3 74رقم )7444ومسلم ( 358/8رقم ) 774 أخرجه البخاري (78/3
53
المستورد بن شداد بن عمرو بن حسل بن األحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر
القرشي الفهري المكي نزيل الكوفة له وأبيه صحبة .توفي باإلسكندرية سنة خمس وأربعين من الهجرة (اإلصابة
)43/7
58
أخرجه الطبراني في األوسط ( 3 /رقم )3 3قال الهيثمي :ورجاله ثقات (مجمع الزوائد ) 7 /7
55
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 874/7رقم )37377
31
مثال ذِل ما فعهل اجلهمية يف طمس معامل الإميان بهلل ،فاإهنم ل يدعون الناس
اإىل الكفر بهلل ،بل جلؤوا اإىل نفي الصفات عن هللا حبجة تزنهيه عن مشاهبة اخمللوقني،
وماذا يعِن الإميان بهلل مع اإناكر صفاته؟ يعِن ذِل الإميان بملعدوم ،لن من ل صفات هل
ل وجود هل ،فتساوى الإميان وعدمه يف هذه احلاةل .ومثل اجلهمية يف هذا اخلط املعَتةل،
وإان اكنوا أقل مهنم رضاوة ووقاحة ،لكهنم اشرتكوا يف طمس معامل العقيدة الصافية ،لقد
الس همي ُع الْ اب هص ُري} هاداي واحضا للمؤمنني اكن قول هللا عز وجل {لايْ اس ا هَكث ه هْهل ا ْ
ءيء اوه اُو َّ
الراخسني يف العمل ،لكنه ُمشتبهه ملعوب به لصاحب الهوى .وهكذا تكون البدعة الفكرية
وغريها عكرت صفو ادلين ونقاءه.
عامل الظمل عام ال
وتتابعت صور اخللط يف المة وتاكثرت ،خاصة اإذا أضيف مع ه
اجلهل .قد اكن بعض اجلهال من املسلمني أفسدوا ادلين ومه قصدوا اإصلحه وخدمته.
فرب مريد للخري مل يبلغهَ ،كن وضع أحاديث مكذوبة عىل رسول هللا صىل هللا عليه
وسمل يف ف ائل سور القرأن لقصد ترغيب الناس ف ما .وَكن اخرتعوا عبادات ما أنزل
هللا هبا من سلطان بقصد زايدة اخلري والاجهتاد يف التقرب اإىل هللا .وقد جت ّمعت عرب
اترخينا الطويل زايدات عىل ادلين الإسليم جعلته مشوشا ومعقدا وضعيف الفاعلية
لختلط الصواب الصيل بخلط إا الكثري ،وهللا املس تعان.
هذا ُكه يف المور ادلينية التعبدية ،أما يف المور احلياتية العامة والس ياس ية فقد
مت اخللط أي ا بصورة أسوأ ،فقد اكن احلمك عند املسلمني الوائل أمانة هياب الناس
حتملها مث صار مغامن ومطمعا تاكلب الناس عليه ،فتغري سلوك احلاكم والولة يف ممارس ته،
مع أهنم مل يزالوا ميارسون كثريا من التعالمي ادلينية اكلصلة والصوم واحلج وغريه ،ويعتقدون
عقيدة املسلمني مجةل وتفصيل ،ويقرون برشيعة هللا ،ولكن سلوك العدل والورع والرفق
بلناس قرصوا فيه وبدّلوه قسوة وظلام ورشها .فعندمه من املعروف ما يربر بقاءمه عىل
كريس احلمك ولكن عندمه من املنكر ما جيب اإناكره .فهؤلء مه من قصدمه الرسول بقوهل:
57
سورة الشورى:
31
"اإنه ي ُس تعمل عليمك أمراء فتعرفون وتنكرون ،مفن كره فقد برئ ،ومن أنكر فقد سمل،
ولكن من ريض واتبع ".وملا س ئل :اي رسول هللا أل نقاتلهم؟ قال" :ل ما صلوا".
ويف هذا اخلط فقد اتبعوا سنن أمم ظاملة يف شؤون احلمك اكلفرس والروم ،كام
ورد عن أيب هريرة ريض هللا عنه عن النيب صىل هللا عليه وسمل قال :ل تقوم الساعة
حَّت تأخذ أميت بأخذ القرون قبلها ،شربا بشرب ،وذراعا بذراع،
فقيل :اي رسول هللا ،كفارس والروم؟
فقال :ومن الناس اإل أولئك؟
قال ابن جحر يف املقارنة بني حديث أيب هريرة املذكور وحديث أيب سعيد
الس بق ،حيث ذكر هنا فارس والروم وذكر يف الول ال مود والنصارى" :وحيمتل أن
يكون اجلواب اختلف حبسب املقام .حفيث قال فارس والروم اكن هناك قرينة تتعلق
بحلمك بني الناس وس ياسة الرعية .وحيث قيل ال مود والنصارى اكن هناك قرينة تتعلق
بأمور ادلايانت أصولها وفروعها".
وما يزيد المر مغوضا أن ما دلى تكل المم ليس ُكه سيئا ،بل عندها من العلوم
والفلسفات والدبيات ما ميكن اإفادهتا وما يغري بتباعها ،فاخلري عندمه غري صاف،
والصواب ف مم خملوط بأخطاء غري قليةل .فهذه مرحةل تكون ف ما لغة التغليب والتعممي
والتبس يط يزيد الإنسان حرية وبعدا عن احلمك الصحيح ويزيد اخللط أكرث معقا وتعقيدا،
بيامن يكون منطق المتيزي والتفصيل والتدقيق ف ما أكرث نفعا وأقوم قيل.
ول بد من الخذ بلعتبار قاعدة املوازنة بني املصاحل واملفاسد يف حاةل اختلط
المور ،والناس يف حاةل اختلط املفاسد واملصاحل دامئا عىل خلف يصبح فيه احللمي
حريان .وقرر ابن تميية فيه قاعدة أنه اإذا اختلطت احلس نات بلسيئات ووقع الاشتباه
57
أخرجه مسلم ( 84 /3رقم ) 458
54
أخرجه الخاري ( 774/7رقم )7444وأحمد ( 3 5/رقم 337/ ،4 4رقم 377/ ،48 8رقم
4 /رقم )7 4واللفظ للبخاري. )474وأبو يعلى في مسنده (
54
فتح الباري ()33 / 3
32
والتلزم ،والناس هنا عىل أقسام :الول :أقوام ينظرون اإىل احلس نات فريحجون هذا
اجلانب وإان ت من سيئات عظمية .الثاين :أقوام ينظرون اإىل السيئات فريحجون هذا
اجلانب وإان ت من ترك حس نات عظمية .الثالث :املتوسطون اذلين ينظرون اإىل المرين
فريحجون الراحج مهنام.
فالفئة الوىل ل يبالون بلفنت العامة ول الفوِض العارمة فهم جمازفون مهتورون،
والفئة الثانية خيافون يسري الرضر وي خمون قليل اخلطر فهم مثبطون حمطمون للمل،
فأحمك الناس أقدرمه عىل املوازنة وحتصيل أكرب املنافع بأقل املفاسد .وليس بلزم أن يمت
اخليار يف ترجيح أحد اخليارين ،وقد جيد احلكمي حصيف الرأي دقيق امللحظة واسع
الثقافة طريقا أخر اثلثا جيمع بني حتقيق املنافع والسلمة من امل ار أو احتواهئا.
73
مجموع الفتاوى ()54-57/ 3
33
أدوات التمييز
وهمام اختلطت المور فاإن المتيزي بني احلق والباطل وبني الطيب واخلبيث أمر
خمتلطني، متجاورين أو متعاق ابني أو ا ا رضوري .وهذه يه طبيعة ادلنيا اليت ف ما خري ورش
الطيّ ُهب جيب التعامل معهام حس امب يناسب املقام .قال تعاىل{ :قُ ْل ال ي ْاس تا هوي الْ اخب ُ
هيث او َّ
ون}اّلل ااي ُأ هويل ْ َاللْ اب هاب لا اعل َّ ُ ْمك تُ ْف هل ُح ا هيث فاات َّ ُقوا َّ ااولا ْو َأ ْ اع اب اك اك ْ ارث ُة الْ اخب ه
للمتيزي بني اخلري والرش وبني الطيب واخلبيث حيتاج اإىل عمل ،عمل بملاهية وعمل
بلكيفية .ملعرفة اخلري من الرش طرق عدة :أولها وأكرثها وضوحا يه ما دل عليه القرأن
والس نة رصاحة ،مفا أحل هللا ورسوهل فهو طيب وخري ،وما حرمه فهو خبيث ورش،
وما أمر هللا به ورسوهل فهو خري وصلح وما هنيى هللا عنه ورسوهل فهو رش وفساد .قال
ات} وقال يف ملخص تعالمي الرسول تعاىل{ :ي ْاسأَلُون ااك اما اذا ُأ هح َّل لاه ُْم قُ ْل ُأ هح َّل لا ُ ُمك ا َّلط ه ّي اب ُ
ات او ُ احي ّ هر ُم امه اع هن الْ ُم ْن اك هر او ُ هحي ُّل لاهُ ُم ا َّلط ه ّي اب ه وف اوياهنْ ا ُ ْ عليه الصلة والسلم{ :ياأْ ُم ُر ُ ْمه هبلْ ام ْع ُر ه
عالا مْ ه ُم الْ اخ ابائه اث}
قال عبد هللا بن مسعود ريض هللا عنه" :اإذا َسعت هللا يقول" :اي أهيا اذلين
أمنوا" فأرعها َسعك فاإنه خري يأمره ،أو رش يهنيى عنه" .وهكذا فاإن القرأن والس نة
ف مام بيان واحض للخري والرش.
والطريقة الثانية ملعرفة اخلري والرش :ما يدل عليه العقل السلمي ،فاإن أهل النار مل
يقعوا يف النار اإل لهنم ل يُعملون عقوهلم يف معرفة اخلري والرش ،قال تعاىل يف حقهم:
الس هع هري} حص هاب َّ { اوقاالُوا لا ْو ُكنَّا ن ا ْس ام ُع َأ ْو ن ا ْع هق ُل اما ُكنَّا هيف َأ ْ ا
7
سورة المائدة33 :
7
سورة المائدة8 :
73
سورة األعراف57 :
78
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ( 43/رقم 37/7 ، 337 :رقم)4733 :
75
سورة الملك3 :
34
قال العز بن عبد السلم" :ومعظم مصاحل ادلنيا ومفاسدها معروف بلعقل،
وذِل يف معظم الرشائع ،اإذ ل خيفى عىل عاقل قبل ورود الرشع أن حتصيل املصاحل
احمل ة ودرء املفاسد احمل ة عن نفس الإنسان وعن غريه محمود حسن ،وأن تقدمي أرحج
املصاحل فأرحجها محمود حسن ،وأن درء أفسد املفاسد فأفسدها محمود حسن ....واتفق
احلكامء عىل ذِل ،وكذِل الرشائع عىل حترمي ادلماء والب اع والموال والعراض....
وإان اختلف يف بعض ذِل ،فالغالب أن ذِل لجل الاختلف يف التساوي والرحجان...
واعمل أن تقدمي الصلح فالصلح ودرء الفسد فالفسد مركوز يف طبائع العباد هلم من رب
الربب ...فلو خريت الصيب الصغري بني الذليذ والذل لختار الذل ،ولو خري بني احلسن
والحسن لختار الحسن"... ،
الثالثة :طمأنينة القلب وراحة ال مري ،فاإن القلب السلمي والفطرة الإنسانية
النظيفة تطمنئ مع اخلري وتنفر من الرش،
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل اع ْن اع ْن النَّ َّو هاس ْب هن ه َْس اع اان ْ َالن اْص هار هّي قاا ال اسأَلْ ُت ار ُسو ال َّ ه
اّلل اص َّىل َّ ُ
الْ ه ّهرب او ْال ْ همث ،فاقاا ال :الْ ه ُّرب ُح ْس ُن الْ ُخلُ هق او ْال ْ ُمث اما احاكا هيف اصدْ رهكا او اك هره اْت َأ ْن ي ا َّط هل اع عالا ْي هه
ِ الناسِ .
َّ ُ
اّلل -صىل هللا عليه وسمل -قاا ال هل اواب اهص اة و اع ْن اواب اهص اة ْب هن ام ْع اب ٍد ا َل اس هد هّى َأ َّن ار ُسو ال َّ ه
« :هجئ اْت ت ا ْسأَ ُل اع هن الْ ه ّهرب اوال ْ همث؟».
ِ
رض اب هبه اا اصدْ ار ُه.قاا ال قُلْ ُت :ن ا اع ْم .قاا ال :فا اج ام اع أَ اصا هب اع ُه فا ا ا
اوقاا ال ْ «:اس تا ْف هت ن ا ْف اس اكْ ،اس تا ْف هت قالْ اب اك ااي اواب اهص ُة -ثا الاث -الْ ه ُّرب اما ْاط امأَن َّْت الا ْي هه
ِ
الصدْ هر اوا ْن َأفْتااكا النَّ ُاس النَّ ْف ُس او ْاط امأَ َّن الا ْي هه الْقالْ ُب ،اوال ْ ُمث اما احاكا هِف النَّ ْف هس اوتا ار َّد اد هِف َّ
ِ ِ ِ
او َأفْتا ْوكا ».
77
قواعد األحكام7-5/ :
77
838/رقم)8733 : 833/رقم،873 : أخرجه مسلم (
74
أخرجه أحمد ( 883/37رقم ) 73 3 :والدارمي ( 4/4رقم ) 544 :حسنه األلباني في صحيح الترغيب
والترهيب ( 5 /رقم) 738 :
35
اإن الوضعية السلمية أن ينسجم العقل والقلب مع هدي الرشع ،ورشع هللا ٍ
جار
عىل مقتىض العقول كام قال الشاطيب رمحه هللا ..." .أن الاس تقراء دل عىل جرايهنا [أي
جراين الرشيعة] عىل مقتىض العقول ،حبيث تصدقها العقول الراحجة ،وتنقاد لها طائعة أو
اكرهة".
اإن هللا اذلي خلق العقل هو اذلي أنزل الرشع ،وأراد هللا للعقل أن يتبع الرشع،
فاكن من الطبيعي أن جيد العقل أن رشع هللا حق وعدل وخري ُكه.
قال ابن القمي" :فاإن الرشيعة مبناها وأساسها عىل ا هحل امك ومصاحل العباد يف املعاش
واملعاد ،ويه عدل ُكها ،ورمحة ُكها ،ومصاحل ُكها ،وحمكة ُكها؛ فلك مسأةل
خرجت عن العدل اإىل اجلور ،وعن الرمحة اإىل ضدها ،وعن املصلحة اإىل املفسدة ،وعن
احلمكة اإىل العبث؛ فليست من الرشيعة وإان أدخلت ف ما بلتأويل".
وهذه الش ياء تعرف اإذا اكنت العقول والقلوب عىل حالهتا الطبيعية السلمية ،أما
اإذا اكن للعقل عطب أوعطل وللقلب فساد اوزيغ ،فهنا تأيت املشَكة .وفساد العقل
رضب يف القوة العلمية وفساد القلب رخر يف القوة ا إلرادية ،وأخطاء البرش اإما بسبب
عدم القدرة عىل املعرفة الصحيحة وإاما عدم ا إلرادة أو ضعفها يف فعل الصحيح.
فاإذا ضل العقل أو فسد القلب فامللجأ اإىل رشع هللا اذلي ل يأتيه الباطل من
اّلل اعهنْ ُ اما َ :أ َّن ار ُسو ال ِض َّ ُ بني يديه ومن خلفه ،تزنيل من حكمي محيد .ف اع هن ا ْب هن اع َّب ٍاس ار ه ا
اّلل -صىل هللا عليه وسمل -خ ااط اب النَّ ااس هِف اح َّج هة الْ اوداا هع فاقاا ال :ااي َأهيُّ اا النَّ ُاس ا ه ّىن قادْ َّ ه
ِ
اّلل او ُس نَّ اة ن ا هب هيّ هه. يمك اما ا هن ا ْعتا اص ْم ُ ْمت هب هه فالا ْن تا ه لُّوا َأبادا هكتا ا
اب َّ ه تا ار ْك ُت هف ُ ْ
ِ
وعلج العقل بلعمل الصحيح وعلج القلب بهتذيب النفوس والرتبية الصحيحة.
والقرأن خياطب العقل والقلب معا ليصلحهام وهيدهيام ويرق مام .ولك ما قام به الرسول صىل
هللا عليه وسمل يرتكز عىل أعامل ثلثة :تلوة القرأن وتعلمي الناس وهتذيب نفوسهم ،قال
74
الموافقات4/3 :
73
إعالم الموقعين 84/3
7
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ( )837/ 3ورواه مالك من بالغاته في الموطإ ( 444/رقم)3 :
36
تعاىل{ :ه اُو َّ هاذلي ب ا اع اث هيف ْ ُال هّميّ اهني ار ُسول همهنْ ُ ْم ي ا ْتلُو عالا مْ ه ْم أ ااي هت هه اويُ از هكّ ه م ْم اويُ اع هلّ ُمهُ ُم ْال هكتا ا
اب
اوالْ هح ْمكا اة اوا ْن ااكنُوا هم ْن قا ْب ُل لا هفي ضا اللٍ ُمبهنيٍ }
ِفاكتساب القدرة عىل المتيزي بني اخلري والرش يأيت من قبل طلب العمل الرشعي
والتزنه عن هوى النفس يف اتباع احلق برتبية النفس عىل معاين الصدق والإخلص
والصرب والزهد والورع والوفاء اإخل.
وهنا ينبغي التنبيه أن الرشيعة مس تعمةل يف الكم الناس – كام قال ش يخ
مزنل ،وهو ما رشعه هللا ورسوهل. الإسلم ابن تميية -عىل ثلثة أحناء :الول :رشع َّ
مؤول ،وهو ما ساغ فيه الاجهتاد وتنازع فيه الفقهاء ،فاتباع الثاين :رشع َّ
اجملهتدين فيه جائز ،ملن اعتقد جحة متبو هعه يه القوية أو ملن ساغ هل تقليده.
والثالث :رشع مبدَّل ،وهو ما اكن من الكذب والفجور اذلي يفعهل املبطلون
بظاهر الرشع ،مثل الحاديث املوضوعة والتأويلت الفاسدة والفتيا الباطةل والتقليد احملرم
فهذا حيرم اتباعه.
مفن اتبع الرشع عىل املعنيني الول والثاين فهو عىل الطريق الصحيح والرصاط
املس تقمي -وإان اكن الثاين أقل اإلزامية من الول -ومن وجد الثالث فطريقه هجاد العمل
والبيان ضد الاحنراف وال لل .وسلحه المتكن يف عمل الكتاب والس نة وألت
اس تنتاهجام .وطريق طلب العمل حيتاج اإىل الاجهتاد العقيل واجلسدي وطهارة القصد
وسلمة القلب.
والوصفة القرأنية ملن حبث عن اخملرج من لك ضيق وأزمة يه تقوى هللا عز
اّلل ا ْجي اع ْل ا ُهل امخْ ارجا} فتقوى هللا جتعل الإنسان يتجنب وجل ،قال تعاىل { :او ام ْن ياتَّ هق َّ ا
تعقيد املشالك وخيرج الإنسان من اتباع هواه ،بل يتحرى ما هو أقرب اإىل رِض هللا
وإاىل الصواب ،فاإن اتباع الهوى هو اذلي يعمي البصرية ويعمق املشالك ،وتقوى هللا متنح
7
سورة الجمعة:
73
مجموع فتاوى ابن تيمية334/ 4 :
78
سورة الطالق:
37
الإنسان القدرة الفائقة عىل التفريق بني اخلري والرش واحللل واحلرام وبني مرايض هللا
اّلل ا ْجي اع ْل لا ُ ْمك فُ ْرقااان}
ومساخطه ،قال تعاىل { :ااي َأهيُّ اا َّ هاذل اين أ امنُوا ا ْن تاتَّ ُقوا َّ ا
ِ
ويكون ترك احلرام واتقاء الش هبات أمه ما يتطلبه أمر التقوى اإذا اشتهبت
المور ،وأمه ما ورد يف هذا اخلصوص هو ما رواه الش يخان وغريهام عن النعامن بن بشري
ريض هللا عنه أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يقول :ا َّن الْ اح ال ال ب ا ه ّني اوا َّن الْ اح ارا ام
ات ْاس ِتا ْ ارب َأ ه هدلي هن هه ب ا ه ّني ،اوبايْهنا ُ اما ُم ْشتاهبه اات ال ي ا ْعلا ُمه َُّن اك هثري هم ْن النَّ هاس ،فا ام ْن ات َِّقاى ُّ
الش هبُ ا ه
وش ُك َأ ْن ات اوقا اع هيف الْ اح ارا هم ،ااك َّلرا هعي يا ْر اعى اح ْو ال الْ هح امى يُ ه الش هبُ ا هاو هع ْر هض هه ،او ام ْن اوقا اع هيف ُّ
اّلل ام اح هار ُم ُهَ ،أ ال اوا َّن هيف الْ اج اس هد ُم ْ غاة كل همحىَ ،أ ال اوا َّن ه امحى َّ ه يا ْرتا اع هفي ههَ ،أ ال اوا َّن هل ُ هّ
لك ام ه ٍ
ِا اذا اصلا اح ْت اص ِلا اح الْ اج اسدُ ُُكُّ ُه اوا اذا فا اسدا ِ ْت فا اسدا الْ اج اسدُ ُُكُّ ُهَ ،أ ال او ه ِ ا
يه الْقالْب.
وبطبيعة احلال هذا ال ِإجامل ل يغِن عن التفصيل ،فاإن الش يطان – كام يقولون-
يمكن يف التفاصيل .ولكن املبدأ ل يتغري ،فكام أن التقوى يه املفتاح يف مجمل المور،
فاإهنا أي ا تفتح املغاليق يف تفاصيلها .ول جيب أن نتصور أن الإسلم يقدم لنا عصا
حسرية حتل لك مشالك الناس برضبة واحدة ،بل الإسلم دلةل عىل الطريق ومعامل تبني
الوهجات وأضواء تسلط عىل ملمح المور ،مث عىل الإنسان الاجهتاد يف اإكامل املسري
وفقا لتكل املعطيات.
75
سورة األنفال4 :
77
أخرجه البخاري ( 43/رقم 3 /7 ،53 :رقم ) 4 3 :ومسلم ( 43/4رقم ) 447 :واللفظ له
38
فقه االختالف واالئتالف
45
سورة األنعام 54 :
47
سورة المؤمنون :
47
سورة المؤمنون58 - 5 :
44
سورة األنبياء 43 - 4 :
44
سورة اإلنبياء 4 :
43
أضواء البيان73/7 :
4
التحرير والتنوير57/ 5 :
41
اّلل هب هه خ ْاريا يُ اف هقّهُ ُه هيف
هللا عالا ْي هه او اس َّ امل « :ام ْن يُ هر هد َّ ُ
التَّ افقُّ هه الْ او هار هد هفي هه قاول النيبء اص َّىل ُ
ّ هادل هين» ".
وقال اللويس" :ول تتفرقوا يف ادلين اذلي هو عبارة عام تقدم من الصول بأن
يأيت به بعض ول يأيت بعض ويأيت بعض ببعض منه دون بعض وهو مراد مقاتل أي ل
ختتلفوا فيه ،ول يشمل هذا الهنيي عن الاختلف يف الفروع فاإهنا ليست من الصول
نمك ه ْ
رشعاة لك اج اعلْناا هم ُ ْ املرادة هنا ومل يتحد هبا النبيون كام يؤذن بذِل قوهل تعاىل { :هل ُ ّ
ومهناجا} ".
ول شك أن التفاق يف الفروع اإذا أمكن التوصل اإليه فيه فاإنه مطلب عزيز
ومرغوب فيه ،ولكن مسائل الفروع أصعب من أن تن بط ،وحصوهل عىل وجه اكمل
حمال ،وقد اكن حصابة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل اختلفوا عىل مسائل كثرية يف
الفروع ،ومه أعمل الناس بدلين ،وأعرفهم بلدةل ،ومع ذِل مل مينع ذِل من الاختلف يف
فروع الفقه ،فاخللف يف الفروع ل مفر منه ،ولكنه ل جيوز أن يؤدي اإىل التفرق ،فاإن
أصول ادلين العامة مجعت املسلمني اكفة رمغ اختلفهم يف الفروع.
قال ش يخ الإسلم ابن تميية رمحه هللا" :اكنوا يتناظرون يف املسائل العلمية
والعملية مع بقاء اللفة والعصمة وأخوة ادلين ،ولو اكن ُكام اختلف مسلامن يف ءيء
هتاجرا مل يبق بني املسلمني عصمة ول أخوة".
والصل يف املسلمني أن يتحدوا همام اختلفت أراؤمه يف مسائل ل متس أصل
الإميان ول تعارض أسس الإسلم ،والتنازل عن الفرع من أجل أبقاء الصل هو عني
احلمكة ،وعرب عن ذِل خري تعبري ابن تميية حيث يقول" :الاعتصام بمجلاعة واللفة أصل
4
رقم )74 :ومسلم ( 34/5رقم) 7 4 : أخرجه البخاري ( 7/
43
التحرير والتنوير57/ 5 :
48
سورة المائدة 84 :
45
روح المعاني84/ 4 :
47
مجموع الفتاوى73– 7 /8 :
42
من أصول ادلين ،والفرع املتنازع من الفروع اخلفية فكيف يقدح يف الصل حبفظ
الفرع"
وللعلمة محمد رش يد رضا يف تفسري هذه قول هللا تعاىل { :اوا ْعتا هص ُموا ه احب ْب هل َّ ه
اّلل
ا همجيعا او ال تا اف َّرقُوا} الكم نفيس أنقهل بطوهل قال ..." :فهو يوجب علينا أن جنعل أن
اجامتعنا ووحدتنا بكتابه ،عليه جنمتع ،وبه نتحد ،ل جبنس يات نتبعها ،ول مبذاهب
نبتدعها ،ول مبواضعات ن عها ،ول بس ياسات رخرتعها ،مث هناان عن التفرق والانفصام
بعد هذا الاجامتع والاعتصام ،ملا يف التفرق من زوال الوحدة اليت يه معقد العزة والقوة
،وبلعزة يعَت احلق فيعلو يف العاملني ،وبلقوة حيفظ هو وأههل من جهامت املواثبني وكيد
الاكئدين ،فهذا المر والهنيي يف معىن المر والهنيي يف قوهل -تعاىل { : -وأن هذا رصاطي
مس تقامي فاتبعوه ول تتبعوا الس بل فتفرق بمك عن سبيهل} حفبل هللا هو رصاطه وسبيهل
،وما أرشان اإليه هنا من بيان أنواع التفرق هو الس بل اليت هنيي عن اتباعها يف تكل الية
،ويه قد نزلت قبل هذه اليت نفرسها ؛ لهنا يف سورة النعام ويه مكية ،وسورة أل
معران مدنية ،فكنه قال :ول تفرقوا بتباع الس بل غري سبيل هللا اذلي هو كتابه .
مفن تكل الس بل املفرقة :اإحداث املذاهب والش يع يف ادلين كام قال :اإن اذلين
فرقوا ديهنم واكنوا ش يعا لست مهنم يف ءيء}
ومهنا عصبية اجلنس ية اجلاهلية ويه اليت نزلت الية اليت نفرسها وما معها ف ما ،
ملا اكن بني الوس واخلزرج ما اكن كام تقدم ،وورد يف الهنيي عهنا أحاديث كثرية حصاح
وحسان كقوهل -صىل هللا عليه وسمل : -أبغض الناس اإىل هللا ثلثة :ملحد يف احلرم ،
ومبتغ يف الإسلم س نة اجلاهلية ،ومطلب دم امرئ مسمل بغري حق ل مريق دمه رواه
47
58/ مجموع الفتاوى:
44
سورة آل عمران33 :
44
سورة األنعام53 :
33
سورة األنعام 54 :
43
البخاري من حديث ابن عباس ،وقوهل -صىل هللا عليه وسمل : -ليس منا من دعا اإىل
عصبية رواه أبو داود من حديث جبري بن مطعم .
وقد اعتصم يف هذا العرص أهل أورب بلعصبية اجلنس ية كام اكنت العرب يف
اجلاهلية ،فرسى مس ذِل اإىل كثري من متفرجنة املسلمني ،حفاول بع هم أن جيعلوا يف
املسلمني جنس يات وطنية لتعذر اجلنس ية النسبية ،ويوجد يف مرص من يدعو اإىل هذه
العصبية اجلاهلية خمادعني للناس بأهنم بذِل يهن ون بلوطن ويعلون شأنه ،وليس المر
كذِل فاإن حياة الوطن وارتقاءه بحتاد لك املقميني فيه عىل اإحيائه ،ل يف تفرقهم ووقوع
العداوة والبغ اء بيهنم ول س امي املتحدين مهنم يف اللغة وادلين أو أحدهام ،فاإن هذا من
مقدمات اخلراب وادلمار ،ل من وسائل التقدم والعمران ،فالإسلم يأمر بحتاد اتفاق
لك قوم ت مهم أرض وحتمكهم الرشيعة عىل اخلري واملصلحة ف ما -وإان اختلفت أدايهنم
وأجناسهم -ويأمر مع ذِل بتفاق أوسع ،وهو الاعتصام حببل هللا بني مجيع القوام
والجناس ،لتتحقق بذِل الخوة يف هللا ؛
مث قال انقل عن الس تاذ المام محمد عبده :التفرق والاختلف قسامن :قسم ل
ميكن أن يسمل منه البرش ،فالهنيي عنه من قبيل تَكيف ما ل يس تطاع ،وليس مبراد يف
الايت ،وقسم ميكن الاحرتاس منه وهو املراد هبا .
أما الول :فهو اخللف يف الفهم والرأي ،ول مفر منه لنه مما فطر عليه البرش
،كام قال -تعاىل { : -ول يزالون خمتلفني اإل من رمح ربك وذلِل خلقهم} فاس تواء
الناس يف العقول والفهام مما ل سبيل اإليه ول مطمع فيه ،اإذ هو من قبيل احلب
والبغض ،فالإخوة الشقاء يف البيت الواحد ختتلف أفهاهمم يف اليشء كام خيتلف حهبم هل
وميلهم اإليه .
وأما الثاين - :وهو ما جاءت الداين حملوه -فهو حتكمي الهواء يف ادلين
والحاكم ،وهو أشد الش ياء رضرا يف البرش ؛ لنه يطمس أعلم الهداية اليت يلجأ اإل ما
يف إازاةل امل ار اليت يف النوع الول من اخللف .
3
4، سورة هود4 :
44
أما كون القسم الول غري ضار فهو ما يعرفه لك أحد من نفسه ،ذكر ذِل
الس تاذ الإمام ورضب هل املثل بنفسه ،فقال ما مثاهل :اإن بيِن وبني بعض أحصايب
الصادقني يف حمبيت وإارادة اخلري يل خلفا يف اإلقاء هذا ادلرس هنا ،فأان أعتقد أن اإلقاء
درس التفسري يف الزهر معل واجب عيل وخري يل ،ول أشك يف هذا كام أنِن ل أشك
يف هذا ال وء اذلي أمايم ،ويوجد من أحصايب من يعتقد أن ترك هذا ادلرس خري يل
من قراءته ،وحياجوين يف ذِل قائلني :اإن تأخري لجل ادلرس اإىل الليل ضار بصحيت
وإانه مثري حلسد احلاسدين يل ،ودافع هلم اإىل الكيد وا إليذاء ،وأن ادلرس نفسه عقمي ؛
لن أكرث اذلين يسمعونه ل يفقهون ما أقول ول يفهمون ،ومن فهم ل يرىج أن يعمل به
لغلبة فساد الخلق ،هذه جحة بعض أحصايب يف خمالفة رأِي واعتقادي يرصحون يل هبا
،ومع ذِل ألقامه ويلقونِن مل ينقص ذِل من مودتنا شيئا ،ف ل عن أن يكون مثارا
للعداوة والبغ اء بيننا ،فأان أعذرمه يف رأهيم مع اعتقادي بإخلصهم ،ومه يعذرونِن
كذِل ،ولنفرض أن اخللف بيننا يف مسأةل دينية كن أعتقد أان أن فعل كذا حرام ومه
يعتقدون حهل ،أاكن يكون بيننا تفرق لجهل ؟ الك ل ريب عندي ،اإنه ل فرق بني
اخللفني وإاننا نبقى عىل هذا اخللف أصدقاء .
مث قال ما مثاهل مبسوطا :كذِل اكن اخللف بني علامء السلف وأمئة الفقهاء .
مفاِل قد نشأ يف املدينة ورأى ما اكن عليه أهلها من حسن احلال وسلمة القلوب ،
فقال :اإن معل أهل املدينة أصل من أصويل ؛ لهنم عىل حسن حاهلم وقرب عهدمه
بلنيب وأحصابه ل يتفقون عىل غري ما م ت عليه الس نة معل .وأما أبو حنيفة فنشأ يف
العراق ،فهو معذور اإذ مل حيتج بعملهم ول بعمل غريمه قياسا عل مم ،ولو اجمتعا لعذر لك
مهنام الخر ؛ لنه بذل هجده يف استبانة احلق مع الإخلص هلل -تعاىل ، -وإارادة اخلري
والطاعة ،وقد نقل عن المئة أن لك واحد اكن يعذر الخرين فامي خالفوه فيه ،ولكن
تنكب هذه الطريقة طوائف جاءت بعدمه تقْلمه فامي نقل من مذاههبم ل يف سريهتم ،
حَّت صار الهوى هو احلامك يف ادلين ،وصار املسلمون ش يعا ،يتعصب لك فريق اإىل
رأي من مسائل اخللف ،ويعادي الخر اإذا خالفه فيه ،واكن من جراء ذِل ما هو
مدون يف التارخي ،وما ذِل اإل لن احلق مل يكن هو مطلوب هؤلء املتعصبني ،وإال
45
فباهلل كيف يصدق أن يكون الإمام الشافعي – مثل -مصيبا يف لك ما خالف به غريه ؟
وإاذا اكن الصواب يف بعض املسائل الاجهتادية مع غريه ؟ فكيف يعقل أن مير أكرث من
ألف س نة عىل فقهاء مذهبه ول يظهر هلم ءيء من ذِل فريجعوا عن قوهل اإىل ما ظهر
هلم أنه الصواب من مذهب غريه كيب حنيفة أو ماِل ؟ وهذا ما يقال يف أتباع لك
مذهب .
هذا النوع من اخللف هو اذلي ذلت به المم بعد عزها ،وهوت بعد رفعهتا
وضعفت بعد قوهتا ،هو الافرتاق يف ادلين وذهاب أههل مذاهب جتعلهم ش يعا تتحمك
ف مم الهواء كام حصل من الفرق الإسلمية ،ل ياكد أحدمه يعمل أن الخر خالفه يف
رأي اإل ويبادر اإىل الرد عليه بلتأليف وبذل اجلهد يف ت ليهل وتفنيد مذهبه ،ويقابهل
الخر مبثل ذِل ،ل حياول أحد مهنم حمادثة الخر والاطلع عىل دلئهل ووزهنا مبزيان
الإنصاف والعدل ،فالواجب أول :حماوةل الفهم والإفهام يف البحث واملذاكرة -أي ولو
كتابة -واثنيا :أل يكون اخللف مفرقا بني اخملتلفني يف ادلين .قال :مفا دام املسمل ل
خيل بنصوص كتاب هللا ول بحرتام الرسول -صىل هللا عليه وسمل -فهو عىل اإسلمه
ل يكفر ول خيرج من جامعة املسلمني ،فاإذا حتمك الهوى فلعن بع هم بع ا وكفر بع هم
بع ا فقد بء هبا من قالها كام ورد يف احلديث .
مث قال :ومثل الاختلف يف ادلين الاختلف يف املعامةل ،ل جيوز أن يكون
مفرقا بني املؤمنني ،بل يرجعون يف الزناع اإىل حمك هللا وأهل اذلكر مهنم ؛ يعِن أويل
المر ،ومه أهل العمل والرأي يف مصاحل المة .فاإذا امتثلنا أمر هللا وهنيه فاتقينا اخللف
اذلي لنا عنه مندوحة ،وحمكنا كتاب هللا ومن أمر هللا بلرجوع اإل مم يف مسائل الزناع
فامي نتنازع فيه أمنا من غائةل اخللف ،وكنا من املهتدين .
ويدخل يف ُكمة املعامةل اليت ذكرها الس تاذ الإمام لك ما يتعلق بملصاحل العامة
من املسائل الس ياس ية واملدنية ،فاملرجع ف ما ُكها اإىل هدي الكتاب العزيز وس نة الرسول
ورأي أويل المر.
قال الس تاذ الإمام -رمحه هللا تعاىل -ما مثاهل :اإن هللا -تعاىل -قد وضع لنا
بف هل ورمحته قاعدة نرجع اإل ما عند تفرق الهواء واختلف الراء ،ويه الاعتصام
46
حببهل ؛ وذلِل هناان عن التفرق بعد المر بلعتصام ،اذلي قلنا يف تفسريه :اإنه متثيل
مجلع أهواهئم وضبط إارادهتم .ومن القواعد املسلمة :أنه ل تقوم لقوم قامئة اإل اإذا اكن هلم
جامعة ت مهم ووحدة جتمعهم وتربط بع هم ببعض ،فيكونون بذِل أمة حية كهنا جسد
واحد ،كام ورد يف حديث :مثل املؤمنني يف توادمه وترامحهم وتعاطفهم مثل اجلسد اإذا
اش تىك منه ع و تداعى هل سائر اجلسد بلسهر وامحلى رواه أمحد ومسمل من حديث
النعامن بن بشري .وحديث :املؤمن للمؤمن اكلبنيان يشد بع ه بع ا رواه الش يخان
والرتمذي ،والنسايئ من حديث أيب موىس .فاإذا اكنت اجلامعة املوحدة للمة يه
مصدر حياهتا -سواء أاكنت مؤمنة أم اكفرة -فل شك أن املؤمنني أوىل بلوحدة من
غريمه لهنم يعتقدون أن هلم اإلها واحدا يرجعون يف مجيع ش ئوهنم اإىل حمكه اذلي يعلو
مجيع الهواء ،وحيول دون التفرق واخللف ،بل هذا هو ينبوع احلياة الاجامتعية ملا
دون المم من امجلعيات حَّت البيوت (العائلت) وملا اكن للك جامعة ولك وحدة حفاظ
حيفظها أرشدان -س بحانه وتعاىل -اإىل ما حنفظ به جامعتنا اليت يه مناط وحدتنا -
وأعِن هبا الاعتصام حببهل -فقال :ولتكن منمك أمة يدعون اإىل اخلري ويأمرون بملعروف
ويهنون عن املنكر وأولئك مه املفلحون .اهـ
3
تفسير المنار3- 7/8 :
47
إصالح ذات البين
ذلِل فقد حث الرشع عىل تفادي اخللف والسعي احلثيث ل إلصلح بني
الناس ،قال تعاىل :ﭽﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭼ ،وقال :ﭽ ﭒ
ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛ ﭜﭝﭞﭟﭠ
وقال :ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﭡﭢ ﭼ
وقال :ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﯥﯦﯧﭼ
ﮟﮠ ﭼ ،وقال :ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂﮃﮄﭼ
عن أنس بن ماِل أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل قال " :ال ا احت ااسدُ وا او ال
اّلل اخ اْواان ،ا امَك َأ ام ارُ ْمك َّ ُ
اّلل". تا اباغا ُ وا او ال تاقا ااط ُعوا او ُكونُوا هع ابا اد َّ ه
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال" :ا َّاي ُ ْمك
اّلل اص َّىل َّ ُاّلل اع ِ ْن ُه َأ َّن ار ُسو ال َّ ه يض َّ ُ و اع ْن َأ هيب ه اُرْي ار اة ار ه ا
ِ الظ َّن َأ ْك اذ ُب الْ اح هد ه
يث ،او ال ا احت َّس ُسوا او ال ا اجت َّس ُسوا او ال تاناا اج ُشوا او ال ا احت ااسدُ وا الظ َّن فاا َّن َّ
او َّ
اّلل اخ اْواان". او ال تا اباغا ِ ُ وا او ال تادا ابا ُروا ،او ُكونُوا هع ابا اد َّ ه
ِ
33
سورة األنفال:
38
سورة النساء8 :
35
سورة الحجرات3 :
37
سورة الحجرات4 :
37
سورة آل عم ارن33 :
34
8 5/رقم)878 : أخرجه مسلم (
34
8رقم)8787 : / رقم )5737 :ومسلم ( أخرجه البخاري (/ 4
48
اّلل عالا ْي هه او اس َّ املَ :أ ال ُأخ ه ُْربُ ْمك هبأَفْ ا ال هم ْن ول َّ ه
اّلل اص َّىل َّ ُ و اع ْن َأ هيب ادلَّ ْرداا هء قاا ال قاا ال ار ُس ُ
الصدا قا هة؟
الص ال هة او َّ الص ايا هم او َّ د اار اج هة ّ ه
قاالُوا :ب ا اىل.
يه الْ احا هلقا ُة ،ال َأقُو ُل ا ْحت هل ُق قاا ال :إا اص ال ُح اذ هات الْ اب ْ هني ،فا ِا َّن فا اسا اد اذ هات الْ اب ْ هني ه ا
الش اع ار اولا هك ْن ا ْحت هل ُق ّ هادل اين.
َّ
3
أخرجه أبو داود ( 74/ 3رقم )8 73 :والترمذي واللفظ له ( 84/4رقم ) 833 :وأحمد ( 88/57رقم:
رقم)5 43 : 8/ ) 3 37وابن حبان (
49
األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودوره في بقاء الخير
ومن المور اليت تعصم المة من أرضار "ادلخن" اذلي شاب حياة املسلمني
قياهما بلمر بملعروف والهنيي عن املنكر ،وهذا المر هو ضامن بقاء اخلري يف أمة
الإسلم.
وف اوياهنْ ا ْو ان اع هن ون هبلْ ام ْع ُر ه قال تعاىل { :اولْ ات ُك ْن هم ْن ُ ْمك ُأ َّمة يادْ ع ا
ُون ا اىل الْخ ْ هاري اوياأْ ُم ُر ا
ِ
ون} حفرص الفلح يف هؤلء القامئني بملعروف الناهني عن الْ ُم ْن اك هر او ُأولا هئ اك ُ ُمه الْ ُم ْف هل ُح ا
املنكر.
وف اوتاهنْ ا ْو ان اع هن ون هبلْ ام ْع ُر ه وقال تعاىلُ { :ك ْن ُ ْمت خ ْ ااري ُأ َّم ٍة ُأ ْخ هر اج ْت هللنَّ هاس تاأْ ُم ُر ا
ون هب َّ هّلل} الْ ُم ْن اك هر اوت ُْؤ همنُ ا
يض " اوالْ ام ْع ُر ُوف – كام قال ابن عاشور -ه اُو اما يُ ْع ار ُف اوه اُو ام اجاز هيف الْ ام ْق ُبوله الْ ام ْر ه هّ
اليش اء ا اذا ااك ان ام ْع ُروفا ااك ان امأْلُوفا ام ْق ُبول ام ْر هض ًّيا هب هه ،او ُأ هريدا هب هه ُهناا اما يُ ْق اب ُل هع ْندا ْ هب هه ،ه َل َّن َّ
ِ
الص ال ُح ،ه َل َّن اذ ه اِل ام ْق ُبول هع ْندا انْ هت افا هء الْ اع او هار هض. الرشائهعه ،اوه اُو الْ اح ُّق او َّ َأه هْل الْ ُع ُقوله ،او هيف َّ ا
اوالْ ُم ْن اك ُر ام اجاز هيف الْ ام ْك ُرو هه ،او ْال ُك ْر ُه ال هزم ل إلناكر ل ّن النكر هيف َأ ْص هل ال هلّ اس هان ه اُو الْ اجهْ ُل
وف نا هك ارة ،او ُأ هريدا هب هه ُهناا الْ ابا هط ُل اوالْ اف اسادُ ،ه َلهنَّ ُ اما هم ان الْ ام ْك ُرو هه هيف او همنْ ُه ت ا ْس هم اي ُة غا ْ هري الْ امأْلُ ه
الْجه ب َّ ههةل هع ْندا انْ هت افا هء الْ اع او هار هض .اوالتَّ ْع هر ُيف هيف (الْخ ْ هاري -اوالْ ام ْع ُروف -اوالْ ُمنكر) تا ْع هر ُيف
هال ْس هتغ اْر هاق ،فا ُي هفيدُ الْ ُع ُمو ام هيف الْ ُم اعا ام ال هت ه احب ْس هب اما يانْهتا ه يي الا ْي هه الْ هع ْ ُمل اوالْ ام ْق هد ار ُة فاي ُْش هب ُه
ِ
هال ْس هتغ اْر ااق الْ ُع ْر ه َّيف".
فاخلريية للمة الإسلمية مرهونة بقياهما هبذه الوظائف الإصلحية .وبقدر أداهئا
لها تكتسب قميهتا وماكنهتا بني المم .فاإذا قرصت المة يف أداء هذه املهمة فمل تفقد ماكنهتا
فقط بل الدىه من ذِل أهنا تفقد قدرهتا عىل المتيزي وبلتايل تفقد القدرة عىل اختيار ما
8
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 533/7رقم)3775 :
5
أخرجه أحمد ( 5 /5رقم ) 8348 :وابن حبان في صحيحه ( 77/رقم) 44 :
7
أخرجه البخاري ( 344/4رقم) 3 3 :
7
أخرجه أحمد ()37 /8
51
ويع د هذا احلديث ما رواه ماِل يف املوطأ أن معر بن عبد العزيز يقول :اكن
يقال :إان هللا تبارك وتعاىل ل يعذب العامة بذنب اخلاصة ولكن اإذا معل املنكر هجارا
ُكهم.
وللك أفة اجامتعية نتيجهتا السلبية اخلاصة تلحق اجملمتع بأمجعه ،كام ورد اع ْن اع ْب هد
رش الْ ُمه هااج هر اين! اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل فاقاا ال :ااي ام ْع ا ا اّلل اص َّىل َّ ُ ول َّ ه اّلل ْب هن ُ امع ار قاا الَ :أ ْق اب ال عالا ْيناا ار ُس ُ َّ ه
يمت هبه ه َّن ،او َأعُو ُذ هب َّ هّلل َأ ْن تُدْ هر ُكوه َُّن: ا ْمخس ِا اذا ابْ ُت هل ُ ْ
ُونالطاع ُ -لا ْم ت ْاظه ْار الْ افا هحشا ُة هيف قا ْو ٍم قاطُّ اح ََّّت يُ ْع هل ُنوا هبه اا ا َّل فاشا ا هف ه م ْم َّ
ِ
او ْ َال ْو اجا ُع ال َّ هيت لا ْم تا ُك ْن ام ا ْت هيف َأ ْس ال هفه ْهم َّ هاذل اين ام ا ْوا،
-اولا ْم ي ا ْن ُق ُصوا الْ هم ْك ايا ال اوالْ هم ازي اان ا َّل ُأ هخ ُذوا هب هّلس هن اني او هش َّد هة الْ ام ُئون ا هة او اج ْو هر
ِ
السلْ اط هان عالا مْ ه ْم،ُّ
الس اما هء اولا ْو ال الْهبا ا ه ُ
اِئ لا ْم يُ ْم اط ُروا، -اولا ْم ي ا ْمنا ُعوا از ااك اة َأ ْم اوا هلهه ْم ِا َّل ُم هن ُعوا الْقا ْط ار هم ْن َّ
اّلل عالا مْ ه ْم عادُ ًّوا هم ْن غا ْ هري ه ْمه وهل ا َّل اسلَّطا َّ ُ اّلل او اعهْدا ار ُس ه ه -اولا ْم ي ا ْن ُق ُ وا اعهْدا َّ ه
ِ
فاأَخ ُاذوا ب ا ْع اض اما هيف َأيْ هد ههي ْم،
اّلل ا َّل اج اع ال َّ ُ
اّلل باأْ اسهُ ْم اّلل اوياتاخ َّ ُاريوا هم َّما َأ ْن از ال َّ ُ -او اما لا ْم ا ْحت ُ ْمك َأئه َّمهتُ ُ ْم هب هكتا هاب َّ ه
ِ
بايْهنا ُ ْم.
اإن اجلزاء من جنس العمل ،وإان تكل العواقب املؤسفة اليت أعقبت تكل
املنكرات ما يه اإل نتاجئ طبيعية ملا ارتكبه الناس من قبل وأرصوا عليه ،وأخص بلتنبيه
النقطة الخرية اليت ذكرها الرسول صىل هللا عليه وسمل ،فاإن عدم الاحتاكم اإىل كتاب
هللا جيعل مساحة اخللف كبرية ،وإاذا اتسعت رقعة اخللف فاإن كرثة الزناع وضعف
الوازع ادليِن مل ينتج غري الشقاق والاقتتال ،عياذا بهلل من الفنت.
4
أخرجه أحمد ( ) 4 /8قال الهيثمي :أخرجه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما ثقات (مجمع الزوائد
) 77/7
4
الموطأ ( 44 /رقم ) 744والبيهقي في الشعب ( 44/7رقم )773
3
5/رقم )8334 :والطبراني في األوسط ( 348/ 3رقم )84 7 :والبيهقي في أخرجه ابن ماجه (
الشعب ( 3 8/7رقم )3 73 :وصححه األلباني في السلسلة الصحيحة ( 35/رقم) 37 :
52
فذلِل يتعني بذل أقىص اجلهد ملقاومة املنكرات يف همدها قبل تفامقها ،وقد َسى
الرسول صىل هللا عليه وسمل مقاومة املنكر هجادا ،كام روى مسمل وغريه اع ْن اع ْب هد َّ ه
اّلل ْب هن
اّلل هيف ُأ َّم ٍة قا ْب هيل ا َّل ااك ان اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال :اما هم ْن ن ه ٍّايب ب ا اعثا ُه َّ ُ
اّلل اص َّىل َّ ُ ام ْس ُعو ٍد َأ َّن ار ُسو ال َّ ه
ِ
ون ب ُهسن َّ هت هه اوي ا ْقتادُ و ان هبأَ ْم هر ههَّ ُ ،مث اهنَّ اا ا ْختلُ ُف هم ْن ب ا ْع هد ه ْمه
حصاب ياأْخ ُُذ ا ون او َأ ْ ا ا ُهل هم ْن ُأ َّم هت هه اح او هاري ُّ ا
ِ
ون ،فا ام ْن اجاهادا ُ ْمه هب اي هد هه فاه اُو ُم ْؤ همن ،او ام ْن ون اما ال يُ ْؤ ام ُر ا ون اما ال ي ا ْف اعلُ ا
ون اوي ا ْف اعلُ ا ُخلُوف ي ا ُقولُ ا
اجاهادا ُ ْمه هب هل اسا هن هه فاه اُو ُم ْؤ همن ،او ام ْن اجاهادا ُ ْمه هبقالْ هب هه فاهُ او ُم ْؤ همن ،اولايْ اس او ار ااء اذ ه اِل هم ْن ْالمي ا هان
ِ احبَّ ُة خ ْار ادلٍ .
واحلقيقة الثابتة يف اترخي المة وأثبهتا القرأن والس نة أن أمة الإسلم مل ولن تعدم
من يقوم هلل بحلجة ،ويظهر للناس بنرصة ادلين ،وقد تكفل هللا بس مترار حركة
الإصلح والتصحيح يف جسد المة .قال هللا تعاىل :ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ
ﯡﯢﯣﯤﭼ
قال ابن كثري رمحه هللا :يقول تعاىل خمربا عن قدرته العظمية أنه من توىل عن
نرصة دينه وإاقامة رشيعته فاإن هللا يستبدل به من هو خري لها منه وأشد منعة وأقوم
سبيل ،كام قال تعاىل { :اوا ْن تاتا اول َّ ْوا ي ْاست ا ْب هد ْل قا ْوما غا ْ اريُ ْمك ُ َّمث ل يا ُكونُوا َأ ْمث االا ُ ْمك} وقال تعاىل:
اّلل هب اع هزي ٍز) أي مبمتنع ول (ا ْن ياشا أْ يُ ْذ هه ْب ُ ْمك اوياأْ هت ِ ه اخبلْ ٍق اج هدي ٍد .او اما اذ ه اِل عا اىل َّ ه
ِ
صعب.
وقد ثبت يف الصحيحني وغريهام أن النيب صىل هللا عليه وسمل قال :ال يا از ُال
اّلل او ُ ْمه اظا هه ُر ا
ون. اطائه افة هم ْن ُأ َّم هيت اظا هه هر اين اح ََّّت ياأْ هت ما ُ ْم َأ ْم ُر َّ ه
7
أخرجه البخاري ( 777/7رقم )744ومسلم ( 5 8/3رقم ) 337واللفظ للبخاري.
4
أخرجه مسلم ( 37/ 3رقم)3588 :
4
) أخرجه مسلم ( 373/رقم5 :
33
) أخرجه أبو داود ( 847/7رقم5 :
55
بعض منه دون بعض ،وجيوز إاخلء الرض ُكها من بع هم أول فأول إاىل أن ل يبقى الا
فرقة واحدة ببْل واحد ،فاإذا انقرضوا جاء أمر هللا.
ويف املعىن نفسه أخرب رسول هللا صىل هللا عليه وسمل أن هللا ل يرتك أمة
الإسلم تفقد من يوهجها ويصحح مسارها ،بل هللا عز وجل سيبعث لهذه المة يف لك
فرتة اترخيية مفصلية من يقوم بتجديد ما اندرس من معامل ادلين احلنيف وتصحيح ما
احنرف من السلوكيات العامة وتذكري من نُيس وتُرك من تعالمي الإسلم .كام روى أبو
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال :ا َّن َّ ا
اّلل ي ا ْب اع ُث هلها هذ هه ْ ُال َّم هة اّلل اص َّىل َّ ُداود واحلامك والطرباين أن ار ُسول َّ ه
ِ
لك همائ ا هة اس نا ٍة ام ْن ُ اجي ّهد ُد لاهاا هديهنا اا.
عا اىل ار ْأ هس ُ هّ
قال ابن جحر يف هذا احلديث يعِن "أنه ل يلزم أن يكون يف رأس لك مائة س نة
واحد فقط ،بل يكون المر فيه كام ذكر يف الطائفة -أي الطائفة املنصورة -وهو متجه،
ف إان احملتاج إاىل جتديدها ل ينحرص يف نوع من أنواع اخلري .ول يلزم أن مجيع خصال اخلري
ُكها يف خشص واحد ،إال أن يدعى ذِل يف معر بن عبد العزيز ،فأنه قام بلمر عىل
رأس املائة الوىل بتصافه جبميع صفات اخلري وتقدمه ف ما ،ومن مث أطلق أمحد أهنم اكنوا
حيملون احلديث عليه .وأما من جاء بعده اكلشافعي وإان اكن متصفا بلصفات امجليةل إال
أنه مل يقم بأمر اجلهاد واحلمك بلعدل .فعىل هذا لك من اكن متصفا بيشء من ذِل عند
رأس املائة هو املراد سواء تعدد أم ل".
"وقال املناوي يف مقدمة فيض القدير –كام نقهل صاحب عون املعبود -واختلف
يف رأس املائة هل يعترب من املودل النبوي أو البعثة أو الهجرة أو الوفاة ولو قيل بأقربية
الثاين مل يبعد ،لكن صنيع الس بيك وغريه مرصح بأن املراد الثالث .انهتيى.
3
فتح الباري ( ) 45/ 3بتصرف
3
أخرجه أبو داود ( 34/8رقم )8 4 :والحاكم ( 847/ 4رقم )4734 :والطبراني في الكبير (877/ 4
) واألوسط ( 43/ 8رقم )77 5 :وصححه التبريزي في مشكاة المصابيح ( 53/رقم) 87 : رقم4 :
واأللباني في السلسلة الصحيحة ( 44/رقم)544 :
33
فتح الباري () 45/ 3
56
وقال( :من جيدد) مفعول (يبعث لها) أي لهذه المة ديهنا أي يبني الس نة من
البدعة ويكرث العمل وينرص أههل ويكرس أهل البدعة ويذهلم .قالوا :ول يكون اإل عاملا
بلعلوم ادلينية الظاهرة والباطنة.
وقال العلقمي يف رشحه :معىن التجديد اإحياء ما اندرس من العمل بلكتاب
لس نة والمر مبقت اهام.
قال احلافظ ابن جحر يف توايل التأسيس :قال أبو بكر الزبار َ :سعت عبد
املكل ابن عبد امحليد املميوين يقول :كنت عند أمحد بن حنبل جفرى ذكر الشافعي
فرأيت أمحد يرفعه ،وقال :روي عن النيب يقول اإن هللا تعاىل يقيض يف رأس لك مائة
س نة من يعمل الناس ديهنم .قال :فاكن معر بن عبد العزيز يف رأس املائة الوىل وأرجو أن
يكون الشافعي عىل رأس املائة الخرى".اهـ
ول شك أن مرور أكرث من ألف وأربعامئة س نة من اترخي الإسلم قد ظهر ف ما
جمددون ُكرث لهذه المة ،وقد يكون تعيني أسامهئم ليس بوسعنا ،ولكن العامل التجديدية
اليت قام هبا أعلم المة وعلامؤمه املشهودون هلم بلعمل والاس تقامة يه اليت هتمنا ،فاإنه ما
من بدعة ظهرت اإل وقد تصدى لها من يبني وهجها للناس ،وما من فتنة وقعت اإل وقام
لها من حيذر الناس مهنا ويدهلم عىل هدي الرشع ف ما .وقد يكونون قةل من الناس ولكهنم
حظوا برعاية هللا وتوفيقه فسدد خطامه وحفظ أاثرمه ،وامحلد هلل رب العاملني.
38
الشيخ شمس الدين محمد بن العلقمي الشافعي المتوفى سنة 4 4له الكوكب المنير شرح فيض القدير
(كشف الظنون )573/
35
الحافظ العالمة الشهير أبو بكرأحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير رحل في
آخر عمره إلى أصبهان والشام بنشر علمه مات بالرملة سنة اثنتين وتسعين ومائتين (طبقات الحفاظ ) 44/
37
أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني الجزري صاحب االمام أحمد روى عنه وعن أبيه عبد
الحميد وجماعة وعنه النسائي ووثقه أبو حاتم وآخرون مات سنة أربع وسبعين ومائتين (طبقات الحفاظ
) 77/
37
) 73/مختص ار عون المعبود (
57
عودة الشر بعد الخير َّ
مجددا
اإن سؤال حذيفة ريض هللا عنه بعد مرحةل ادلخن اليت اكن اخلري ف ما هو
الغالب" :فاه ْال ب ا ْعدا اذ ه اِل الْخ ْ هاري هم ْن ا ّ
رش؟ٍ" اكن جواب الرسول صىل هللا عليه وسمل أب ا
بـ"نعم" .فاإهنا س نة هللا اليت ل تتبدل ،أراد هللا أن يكون للخري خفوت مؤقت وللرش
ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ظهور طارئ ،اختبارا للناس وامتحاان هلم،
ﰅﰆ ﭼ
فاإذا اكنت املشَكة يف املرحةل السابقة يه يف أانس خلطوا اخلري بلرش،
واملعروف بملنكر ،فاإن الإشاكل يف هذه املرحةل أانس جترؤوا عىل دعوة الناس اإىل رش
موبق ُم ٍفض اإىل الكفر ،وصفهم الرسول صىل هللا عليه وسمل بأهنمُ " :دعااة ا اىل َأبْ او هاب
ِ
ا اهجَّنَّ ا ،ام ْن َأ اجاهبا ُ ْم الا مْ اا قا اذفُو ُه هف ماا ".وملا سأل حذيفة عن صفاهتم ،قال عليه الصلة
ُ ه هِ
ون هبأَلْ هس نا هتناا". مَّ َكا ا ت يو ا ن ه
ت ا
والسلمْ " :مه م ْن ا ا ا ُ ا
ْل ْ ج
اإهنا مع ةل وأية مع ةل ،والنجاة مهنا ليست هينة سهةل ،ولكن احلقيقة اإن هللا مل
يرتك املسلمني يف هذه احلاةل بل دليل ول ام اعمل ،بل يف كتاب هللا سبيل الهدى ف ما،
يتأكد ذِل يف رواية ل إلمام أمحد ،فقد روى بس نده عن حذيفة اإذ قال :قُلْ ُت :ااي ار ُسو ال
رش ؟ رش ا امَك ااك ان قا ْب ا ُهل ا ٌّ هللا ،ه ْال ب ا ْعدا ه ااذا الْخ ْ هاري ا ٌّ ه
امع ْل هب اما هفي هه "، هللا او ْ ااب ه قاا ال " :ااي ُح اذيْ اف ُة ،ا ْق ار ْأ هكتا ا
قال حذيفة :فاأَع اْر اض اع ه ِّن ،فاأَعادْ ُت عالا ْي هه ثا ال اث ام َّر ٍات ،اوعا هل ْم ُت َأن َّ ُه ا ْن ااك ان خ ْاريا
ِ
رشا ا ْجتانابْ ُتهُ ،فا ُقلْ ُت :ه ْال ب ا ْعدا ه ااذا الْخ ْ هاري هم ْن ا ّ ٍ
رش ؟ ات َّ اب ْع ُت ُه اوا ْن ااك ان ا ًّ
ِ قاا ال " :ن ا اع ْم "...،وذكر بقية احلديث.
34
سورة األنبياء35 :
34
مسند أحمد ( 834/34رقم) 3884 :
58
لقد شدد الرسول صىل هللا عليه وسمل عىل حذيفة أن يبحث عن الإجابة يف
كتاب هللا ،ففيه من املعلومات والرسار ما يكشف عام تساءهل حذيفة ،مع أنه عليه
الصلة والسلم مل ميتنع يف الخري عن الإجابة اخملترصة للسؤال ،ولكن هذا السؤال ولك
تكل الس ئةل اليت سألها حذيفة ل تكفي يف التعامل معها تكل الإجابت اخملترصة ،بل ل
بد من التعمق ف ما والتعرف عىل طبائعها وأعراضها وأس باهبا وحسن التعامل معها ،ويؤكد
الصا هم هت ،اع ْن ُح اذيْ اف اة ،قاا ال :قُلْ ُت :ااي ذِل رواية ابن حبان يف حصيحه :اع ْن اع ْب هد َّ ه
اّلل ْب هن َّ
اّلل ،ه ْال ب ا ْعدا ه ااذا الْخ ْ هاري َّ هاذلي ا ْحن ُن هفي هه هم ْن ا ّ ٍ
رش ا ْحن اذ ُر ُه؟ ،قاا ال « :ااي ُح اذيْ اف ُة عالا ْي اك ار ُسو ال َّ ه
اّلل فاتا اعل َّ ْمهُ ،اوات َّ هب ْع اما هفي هه خ ْاريا ا اِل».
هب هكتا هاب َّ ه
نعم ،اإن يف كتاب هللا دلةل هادية للك ما يعرتضه الإنسان من امللامت ،كام قال
الإمام الشافعي" :ليست تزنل يف أحد من أهل دين هللا انزةل اإل ويف كتاب هللا ادلليل
عىل سبيل الهدى ف ما".
ومع ذِل مل يكن تبس يط املسأةل أي ا خمرجا حصيحا وخاصة اإذا اكنت الق ية
ذات أبعاد متعددة ولها تشعبات متشابكة .اإن دعاة الرش مل يكونوا يرصحون بوجه من
الرش رصحي ،بل هلم جحج ومربرات تومه الناس أهنم دعاة خري .وتفصيل ذِل يف الالكم
عن املنافقني وكيفية خداعهم للناس وحتسني مواقفهم هلم .وبيان القرأن يف هذه املع ةل
ليس مقصورا يف ماكن واحد ،بل حيتاج اإىل س باحة طويةل وغوص معيق مع الايت
املتفرقة هنا وهناك ،حَّت يتكون دلى الإنسان البيان الوايف لتصور املسأةل ،اإهنا تندرج
حتت موضوعات خمتلفة:
موضوع سلوك أهل الكتاب السابقني وكيفية نكس هتم وتلبيسهم احلق بلباطل،
موضوع النفاق وكيفية ظهوره وتلونه عىل الناس،
موضوع معاداة أهل الكفر ل إلسلم وعدم توقفهم عن صد الناس عن سبيل هللا،
موضوع طبيعة النفس الإنسانية ورصاعها مع هوى النفس المارة بلسوء،
83
) صحيح ابن حبان ( 3 /رقم7 :
8
الرسالة ص3
59
موضوع الش يطان وطرق اإغوائه للناس وتنوع خطواته لإبعادمه عن الرصاط
املس تقمي،
وهكذا فاإن مجموع ذِل وغريه هو اذلي يشري ويدل عىل ملمح وطبائع الرش
مصا ُء" ،فهيي وضعية صعبة اليت وصفها الرسول صىل هللا عليه وسمل أهنا " هف ْتناة ا ْمع ايا ُء ا َّ
ل هيتدي ف ما اإىل الصواب أكرث الناس .اإهنا معياء وصامء لهنا حمرية ،اإما بسبب كرثة من
دعا اإىل الرش أو قوهتم أو شدة اإغراهئم أو بسبب اشتباه المور وعدم تبني ملحمها.
قال النووي رمحه هللا :وقوهل صىل هللا عليه وسمل (دعاة عىل أبواب هجَّن من
أجاهبم اإل ما قذفوه ف ما) ،قال العلامء :هؤلء من اكن من المراء يدعو اإىل بدعة أو ضلل
أخر اكخلوارج والقرامطة وأحصاب الفتنة.
قال ابن جحر :قوهل (عىل أبواب هجَّن) أطلق عل مم ذِل بعتبار ما يؤول إاليه
حاهلم كام يقال ملن أمر بفعل حمرم :وقف عىل شفري هجَّن.
ومن الطبيعي أن يفرس العلامء هؤلء ادلعاة اإىل أبواب هجَّن بتكل الفرق ال اةل
اليت ظهرت يف الزمنة السابقة ،ومه فعل دعاة الفنت وأربب الرش .ولكن أحاديث
الرسول صىل هللا عليه وسمل ل تقترص مصداقيهتا عىل ما س بق من الحداث فقط ،فاإن
الزمنة القادمة س تكشف عام هو أصدق وأقرب اإىل وصف الرسول صىل هللا عليه
وسمل .اإن تكل الفرق ال اةل وإان اكنت عقائدمه فاسدة وخمالفة لنصوص القرأن والس نة،
ولكهنا تبِن عقائدها عىل النصوص اليت أ َّولوها تأويلت فاسدة ،مع اإقرارمه اإجامل بهلل
وملئكته وكتبه ورسهل واليوم الخر ،وقد أظهرت الزمنة املتأخرة فئات أخرى أبعد عن
احلق وألصق بلرش من هؤلء ،فقد ظهرت العلامنية امللحدة اليت تدعو اإىل ترك ادلين
مجةل وتفصيل ،ل تؤمن بهلل ول بليوم الخر ،ول حتتاج اإىل تأويلت النصوص لتربير
8
3 4/رقم )3737 :والنسائي في الكبرى ( 4/5رقم )433 :وأحمد ( 78/87رقم: سنن أبي داود (
) وابن حبان ( 878/ 8رقم)7378 : 45
83
) 34- 37/ شرح النووي (
88
فتح الباري ()37/ 3
61
أفاكرمه ،فاإهنم ل يعرتفون هبا أصل ،ويف ظل احلياة العلامنية برزت أفاكر وتكونت بعدها
سلوكيات ونشأت مؤسسات ُكها ضد ادلين وضد الإميان ،فهذه الفرق اجلديدة أحق
بوصف "دعاة اإىل أبواب هجَّن ".اإن فكرة العلامنية والإحلاد والإبحية مل تنشأ يف بلد
املسلمني بل هو عدوى جاءت من الغرب احلائر بني ادلين احملرف وبني العمل املمترد،
فانترص مترد العمل عىل حتريف ادلين ،وصادف ذِل حاةل ال عف عند املسلمني ،فتلقف
ضعاف العقول من املسلمني تكل الفة ونرشوها بني املسلمني.
فصار هؤلء ُكهم كام وصفهم الرسول صىل هللا عليه وسمل "مه من جْلتنا
ويتَكمون بألس نتنا".
قال ابن جحر :قوهل (مه من جْلتنا) أي من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا .وفيه
اإشارة إاىل أهنم من العرب .وقال ادلاودي :أي من بِن أدم .وقال القابيس :معناه
أهنم يف الظاهر عىل ملتنا ويف الباطن خمالفون .وجْلة اليشء ظاهره .ويه يف الصل
غشاء البدن.
ومن الرضوري هنا التنبيه أن س نة هللا الثابتة يف اخلري والرش ل تتبدل ،وهذا
احلديث ل يس تثِن هذا القانون اذلي خلق هللا الكون عىل وفقه .اإن عوامل اخلري
وأس باب الرش يف تعارك داِئ ،والرش يف صعود وأفول متعاقبني ،قال تعاىل :ﭽ ﯭ
وقال تعاىل :ﭽ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﭼ
85
أبو جعفر أحمد بن سعيد الداودي وهو ممن ينقل عنه بن التين في شرحه للبخاري (كشف الظنون
)585/
87
أبو الحسن القابسي علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الفقيه شيخ المالكية أخذ عن ابن مسرور
الدباغ وفي الرحلة عن حمزة الكتاني وطائفة وصنف تصانيف فائقة في األصول والفروع وكان مع تقدمه في
العلوم حافظا صالحا تقيا ورعا حافظا للحديث وعلله منقطع القرين وكان ضري ار توفي سنة 833هـ (شذرات
الذهب ) 74/
87
فتح الباري ()37/ 3
84
سورة الرعد7 :
61
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
وقال تعاىل :ﭽﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮠﭼ
ﮣﭼ
تغول أحصاب البدع حَّت هددوا كيان المة ،مث انمكشوا وهكذا فقد شهد اترخينا ُّ
وبقيت المة تواصل مسريها ،اكن اخلوارج ّهزوا أراكن ادلوةل أايم الإمام عيل بن أيب
طالب مث انترص احلق عىل الباطل ،وبقوا هيددون ادلوةل أايم احللفة الموية ومل يلبثوا
اإىل أن انزنووا يف عزةل بعيدة عن احلياة العامة ،وأكرثمه قد رجعوا أنفسهم وأصلحوا
مذههبم .مث ظهرت فتنة املعَتةل حَّت متكنوا من اإقناع اخلليفة العبايس أايم الإمام أمحد
واكدت المة أن تفنت يف ديهنا ،ولكن ثبت هللا علامءها ويف مقدمهتم الإمام أمحد بن
حنبل رمحه هللا ،مث انقشعت الغمة ومخدت الفتنة ،وظهر احلق ومتكن أههل .وهكذا فاإن
الرش همام بلغ من العلو الظاهر فاإنه ل يدوم ،ومل يبق اإل ما أثبته هللا للناس.
ومل ينف ذِل أن للفنت أاثرها املتبقية واملؤثرة اإىل حد ما يف الزمنة التالية ،فاإهنا
يه "ادلخن" اذلي وصفه الرسول صىل هللا عليه وسمل ،يأيت عقب لك فتنة ظهرت مث
مخدت ،مث مل تعد القلوب عىل الصفاء الول ،ولكن اخلري دامئا هو اذلي انترص يف مغالبة
الباطل .ومن أراد احلق وأرص عىل اخلري وجد طريقه ،وقد ل تكون سهةل هينة ،ويه
طبيعة ادلنيا اليت خلقت للختبار ،وكام قال الشاعر:
وما نيل املطالب بلمتِن ***ولكن تؤخذ ادلنيا غلب
84
سورة األنبياء4 :
53
سورة اإلسراء4 :
62
لزوم جماعة المسلمين
اإن مرحةل الرش الثانية هذه أصعب من مرحلته الوىل اليت اكنت تمتثل يف الفتنة
والاختلف بني املسلمني ،اكن الرصاع واملواهجة يف الوىل لك طرف فيه يدعو اإىل
لك من وهجة نظره اخلاص .ولكن يف هذه املرحةل ظهرت ادلعوة إاىل الكفر وإاىل احلق ٌّ
اخلروج من ا إلطار الإسليم .فاملواهجة هنا بني احلق والباطل ،وبني الإميان والكفر ،ففي
هذه املرحةل حيتاج املؤمن اإىل ملج إا يلجؤ اإليه ومعسكر يتحصن به ويسمل قياده هل .فاكن
جواب سؤال حذيفة "فا اما تاأْ ُم ُر هين ا ْن َأد اْر اك هِن اذ ه اِل؟" أن يقول الرسول صىل هللا عليه
ِ
وسمل " :تالْ از ُم ا امجاعا اة الْ ُم ْس هل هم اني اوا اما امه ُْم".
اإن احلفاظ عىل ادلين ِ حيتاج اإىل جممتع يقوم فيه وجامعة ينخرط ف ما ومؤسسة
تتحقق مقاصده هبا .ووحدة املسلمني من أمه ضامانت احلفاظ عىل ادلين ،مفن هنا تأيت
الوامر القرأنية الكثرية عىل الاعتصام حببل هللا وإاقامة ادلين وعدم التفرق فيه ،وقد
رسدان تكل الايت يف الكمنا عن فقه الاختلف والئتلف .ويف هذا الس ياق أي ا
وردت أحاديث الرسول عليه الصلة والسلم عن لزوم امجلاعة واحلرص عىل التشبث
هبا.
ورد يف سنن الرتمذي عن ابن معر ريض هللا عهنام أن قال رسول هللا صىل هللا
الش ْي اط اان ام اع الْ اوا هح هد اوه اُو هم ْن هالثْنا ْ هني عليه وسمل" :عالا ْي ُ ْمك هبلْ اج اماعا هة ،اوا َّاي ُ ْمك اوالْ ُف ْرقا اة ،فاا َّن َّ
َأبعدُ ،من َأراد ُ ْحببوح اة الْجن هة فالْيلْ ِزم الْجماع اةِ ".
ْ ا ا ْ ا ا ُ ا ا َّ ا ا ْ ا ا ا
وعن عبد هللا بن مسعود أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل" :ثا الث ال يُ هغ ُّل
احص ُة َأئه َّم هة الْ ُم ْس هل هم اني ،اولُ ُزو ُم ا امجا اعهته ه ْم فاا َّن
عالا مْ ه َّن قالْ ُب ُم ْس ه ٍمل :اخ اْل ُص الْ اع ام هل ه َّ هّلل ،او ُمنا ا ا
ِ ِ
ادلَّ ع اْو اة ُ هحتيطُ هم ْن او اراهئه ه ْم".
5
أخرجه الترمذي ( 74/4رقم ) 34 :وقال هذا حديث صحيح حسن غريب ووافقه الذهبي ،وأخرجه
)4وابن أبي عاصم في السنة ( 44/رقم )77 :وصححه األلباني في النسائي في الكبرى ( 344/5رقم5 :
ظالل الجنة ( 37/رقم)447 :
63
وعن جابر بن َسرة قال :خطبنا معر بن اخلطاب بجلابية ،فقال :قام فينا رسول
هللا صىل هللا عليه وسمل مقايم فيمك اليوم ،فقال « :أل أحس نوا اإىل أحصايب ،مث اذلين
يلوهنم ،مث يفشو الكذب حَّت يشهد الرجل عىل الشهادة ل يسألها ،وحيلف الرجل عىل
الميني ل يسألها ،مفن أراد منمك حببوحة اجلنة فليلزم امجلاعة ،فاإن الش يطان مع الواحد،
وهو من الثنني أبعد ».
وعن أيب ذر قال :قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل « :من خالف جامعة
املسلمني شربا ،فقد خلع ربقة الإسلم من عنقه » .
ويف معىن لزوم امجلاعة جاء يف الرساةل ل إلمام الشافعي:
"قال :مفا معىن أمر النيب صىل هللا عليه وسمل بلزوم جامعهتم؟
قلت :ل معىن هل اإل واحد.
قال :فكيف ل حيمتل اإل واحدا؟
قلت :اإذا اكنت جامعهتم متفرقة يف البْلان فل يقدر أحد أن يلزم جامعة أبدان
قوم متفرقني ،وإان وجدت البدان تكون جممتعة من املسلمني والاكفرين والتقياء والفجار،
فمل يكن يف لزوم البدان معىن لنه ل ميكن ،ولن البدان ل يصنع شيئا ،فمل يكن للزوم
جامعهتم معىن اإل ما عليه جامعهتم من التحليل والتحرمي والطاعة ف مام".
قال الطربي :اختلف يف هذا المر ويف امجلاعة ،فقال قوم :هو السواد العظم مث
ساق عن محمد بن سريين عن أيب مسعود أنه وَّص من سأهل ملا قتل عامثن" :عليك
بمجلاعة ،ف إان هللا مل يكن ليجمع أمة محمد عىل ضلةل ".وقال قوم :املراد بمجلاعة الصحابة
5
) وأحمد ( 8 4/ 7رقم: أخرجه الترمذي ( 73/4رقم ) 54 :وابن ماجه ( 77/رقم7 :
) والدارمي ( 54/رقم ) 38 :والحكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ( 48/رقم: 47
) 74وابن حبان في صحيحه ( 858/رقم)843 :
53
أخرجه ابن حبان في صحيحه ( 73/ 4رقم)877 :
58
375/رقم )8 3 :والترمذي ( 44/ 3رقم ) 743 :وأحمد ( 3 /35رقم: أخرجه أبو داود (
) 758والحاكم وقال :صحيح على شرط الشيخين ( 344/رقم.)374 :
55
الرسالة 875 :
64
دون من بعدمه .وقال قوم :املراد هبم أهل العمل لن هللا جعلهم جحة عىل اخللق ،والناس
تبع هلم يف أمر ادلين.
وهذا هو اذلي ذهب اإليه الإمام البخاري من أن املراد بمجلاعة يف تكل
الحاديث مه أهل العمل.
ولك تكل القوال تتفق يف أن املراد بمجلاعة يه الإطار العلمي الاعتقادي اذلي
جيب أن تتفق عليه المة من مسائل قطعية اثبتة بلكتاب والس نة والإجامع واتباع ما
اكن عليه السلف الصاحل من لزوم احلق واتباع الس نة وجمانبة البدع واحملداثت .ويقابل
امحلاعة هبذا املعىن التفرق يف ادلين .واخملالفون لها مه الفرق ال اةل وأهل الهواء.
ول إلمام الطربي فيه رأي أخر ،قال :والصواب أن املراد يف اخلرب لزوم امجلاعة
اذلين يف طاعة من اجمتعوا عىل تأمريه مفن نكث بيعته خرج عن امجلاعة.
وهذا القول يعِن أن امجلاعة يه الإطار الس يايس املؤسيس اذلي جيب أن
ينخرط فيه لك أفراد المة من خرج عنه فقد خلع ربقة الإسلم من عنقه .وامجلاعة هبذا
املعىن تقع يف مقابةل البغي والتفرق يف الراية ،ويسمى املفارق لها بغيا وانكثا وإان اكن من
أهل الس نة.
يدل عىل املعىن الول :أحاديث مهنا :حديث " :إان أهل الكتابني افرتقوا يف ديهنم
عىل ثنتني وس بعني مةل ،وإان هذه المة س تفرتق عىل ثلث وس بعني مةل يعِن الهواء
ُكها يف النار إال واحدة ويه امجلاعة".
ومما يدل عىل املعىن الثاين أحاديث مهنا :حديث" :من رأى من أمريه شيئا يكرهه
فليصرب ،فاإنه من فارق امجلاعة شربا مفات مفيتة جاهلية".
57
فتح الباري ()37/ 3
صحيح البخاري كتاب االعتصام بالكتاب والسنة باب قَ ْولِ ِه تَ َعالَى { َو َك َذلِ َ
57
َم َر
طا } َو َما أ َ
ُمةً َو َس ً
ك َج َع ْلَنا ُك ْم أ َّ
َه ُل ا ْل ِع ْلِم.
اع ِة َو ُه ْم أ ْ صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه و َسلَّم بِلُُز ِ
وم ا ْل َج َم َ النبِ ُّي َ
َّ
َ َ
54
فتح الباري ()37/ 3
54
رقم )883 أخرجه أحمد ( ) 3 /8والحاكم ( 4/
73
أخرجه مسلم ( 877/3رقم ) 484
65
ول تناقض بني الرأيني ،ف إان امجليع يؤول عند التحقيق اإىل ش يئني يمكل الواحد
تكون جامعهتم ل بد من عنرصين اثنني معا :العنرص مهنام الخر ،وإان اجامتع املسلمني و ّ
ملؤسيس
العلمي الاعتقادي اذلي اتفق عليه املسلمون مبا أمجع عليه علامؤمه ،والعنرص ا َّ
اذلي جيمعهم وينظم حياهتم يو ّحد كياهنم .جفامعة املسلمني لها معنيان:
"الول :أن امجلاعة يه جامعة العلامء من أهل الس نة أي الاجامتع عىل احلق
اذلي متثهل القرون الثلثة الفاضةل ،وحيمل لواءه يف لك عرص الثقات العدول من أمئة أهل
الس نة ،ومه ميثلون السواد العام من املسلمني ،لن العامة بلفطرة تبع هلم ،ويه بذِل
تقع يف مقابةل أهل الهواء والبدع.
الثاين :أن امجلاعة يه المة يف اجامتعها عىل الإمام ما دام يف امجلةل مقامي لحاكم
الإسلم.
وهكذا تتفق دللت النصوص ،ومألت أقوال أهل العمل يف بيان املقصود مبعىن
امجلاعة وأهنا تت من الك املعنيني السابقني".
"وهذا يعِن– بناء عىل عىل ما س بق من بيان املقصود بمجلاعة -أن لزوم امجلاعة
يت من أمرين:
الول :اجلانب العلمي والاعتقادي :ويعِن رضورة اتباعهم فامي اكنوا عليه من
الاعتقاد والتحليل والتحرمي وحنو ذِل مما يؤول اإىل هذا اجلانب.
الثاين :اجلانب الس يايس ويعِن اتباعهم فامي اتفقوا عليه من تقدمي الإمام والطاعة هل
يف غري معصية ،وعدم اخلروج عليه اإل بلكفر البواح.
وهذا هو اذلي خلص اإليه الشاطيب رمحه هللا بعد عرضه لقوال العلامء يف معىن
امجلاعة املرادة يف تكل الحاديث قال" :وحاصهل :أن امجلاعة راجعة اإىل الاجامتع عىل
7
جماعة المسلمين :مفهومها وكيفية لزومها في واقعنا المعاصر ،د .صالح الصاوي ،دار الصفوة،
. 8هـ ،ص القاهرة ،ط سنة
7
المصدر السابق ص3
66
الإمام املوافق للكتاب والس نة ،وذِل ظاهر يف أن الاجامتع عىل غري س نة خارج عن
معىن امجلاعة املذكور يف الحاديث املذكورة ،اكخلوارج ومن جرى جمرامه".
73
االعتصام777/ :
67
ثبات اإلطار العلمي
اإن الالَتام بلإطار العلمي الاعتقادي الإسليم أمر ل مناص منه للمسمل،
ورشط اثبت للهوية الإسلمية ل جيوز التنازل عنه ول الهتاون فيه .فاإن العقيدة يه اليت
متزي املسمل من غريه ،وتفرق بني املؤمن وغريه .أما الإطار املؤسيس والس يايس فهو يمكل
ادلين وحيفظ كيانه ويرعى مصاحله وحيقق مقاصده .فالإطار الول أساس والثاين بناء،
والول مقصد والثاين وس يةل.
اإن الإطار العلمي القميي حيميه الإطار الس يايس املؤسيس ليكون الإسلم كياان
قواي منظام ،ويكون املسلمون املو هّحدون مو َّحدين يف ظل جممتع مرتابط ودوةل مامتسكة.
وهذا هو حال املسلمني يف عرص النبوة وعهد اخللفاء الراشدين .فاكن مسمى امجلاعة
واحض ادللةل وبرز املعامل" .والصل أن ينشأ الإطار الس يايس للجامعة عىل أساس من
اإطارها العلمي الَتاما به ،وحامية هل ،ودعوة اإليه .وهكذا اكن احلال أايم الراشدين .فقد
اكنوا أعلم الس نة وخلفاء المة ".وهذا الوضع هو الصل يف جامعة املسلمني ،والمر
بلزوم امجلاعة يف هذه احلاةل ل غبار عليه ول اإشاكل فيه.
أما الإطار الول فهو م مون حبفظ هللا ،قال تعاىل :ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛﮜ ﮝﭼ
قال صاحب أضواء البيان" :يبني تعاىل يف هذه الية الكرمية أنه هو اذلي نزل
القرأن العظمي ،وأنه حافظ هل من أن يزاد فيه أو ينقص أو يتغري منه ءيء أو يبدل ،وبني
هذا املعىن يف مواضع أخر كقوهل :ﭽﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
78
جماعة المسلمين ص3
75
سورة الحجر4 :
68
وقوهل :ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ
اإىل قوهل :ﭽ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﯼ ﯽﯾﯿﰀﰁ ﰂﰃﭼ
وهذا هو الصحيح يف معىن هذه الية أن ال مري يف قوهل :ﭽ ﮛ ﮜ ﰍﭼ
ﮝ ﮞ ﭼ راجع اإىل اذلكر اذلي هو القرأن.
قال ابن عاشور" :ومشل حفظه احلفظ من التلءي ،واحلفظ من الزايدة
والنقصان فيه ،بأن يرس تواتره وأس باب ذِل ،وسلمه من التبديل والتغيري حَّت حفظته
المة عن ظهور قلوهبا من حياة النيبء صىل هللا عليه وسمل ،فاس تقر بني المة مبسمع
من النيبء صىل هللا عليه وسمل وصار حفاظه بلغني عدد التواتر يف لك مرص".
ومل يقترص احلفظ عىل ضامن بقاء القرأن سلامي ،بل وقد أخرب الرسول صىل هللا
عليه وسمل اس مترار بقاء طائفة من املسلمني ممتسكني بحلق رمغ التحدايت املناوئة هلم،
كام س بق أن أوردان حديث الرسول صىل هللا عليه وسمل يف الصحيحني وغريهام :ال تا از ُال
رض ُ ْمه ام ْن خ ااذلاهُ ْم َأ ْو خاالا افه ُْم اح ََّّت ياأْ ه ايت َأ ْم ُر َّ ه
اّلل او ُ ْمه اّلل ال ي ا ُ ُّ
اطائه افة هم ْن ُأ َّم هيت قاائه امة هبأَ ْم هر َّ ه
ون عا اىل النَّ هاس .وقد س بق تقرير هذا يف الكمنا عن دور اجملددين. اظا هه ُر ا
والصل أن يقوم البناء عىل أساسه وأن حتقق الوس يةل مقصدها ،فهذا هو الوضع
الصحيح مجلاعة املسلمني ،اإن دوائر الإسلم ل تكمتل اإل بقيام امجلاعة ،فاإن أراكن ادلين
لن تؤ ادى اكمةل اإل يف جامعة من املسلمني ،فالصلوات والزكوات واحلج واجلهاد ُكها أسس
77
سورة فصلت8 - 8 :
77
سورة القيامة7 - 7 :
74
سورة القيامة4 :
74
سورة الحجر4 :
73
أضواء البيان ( ) 5 - 5 /
7
) التحرير والتنوير (/ 8
7
أخرجه البخاري ( 777/7رقم )744ومسلم ( 5 8/3رقم ) 337واللفظ للبخاري.
69
الإسلم اليت ل تكمتل متطلباهتا اإل يف هيئة منظمة جامعية ،ف ل عن متطلبات اإقامة
العدل وواجب العمران.
ذلِل قال معر بن اخلطاب ريض هللا عنه" :ل اإسلم إال جبامعة ،ول جامعة إال
بإمارة ،ول اإمارة اإل بطاعة ،مفن سوده قومه عىل الفقه اكن حياة هل وهلم ،ومن سوده
قومه عىل غري فقه اكن هلاك هل وهلم".
قال ابن تميية رمحه هللا" :جيب أن يعرف أن ولية أمر الناس من أعظم واجبات
ادلين ،بل ل قيام لْلين اإل هبا .فاإن بِن أدم ل تمت مصلحهتم اإل بلجامتع ،حلاجة بع هم
اإىل بعض .ول بد هلم عند الاجامتع من رأس ،حَّت قال النيب صىل هللا عليه وسمل" :اإذا
خرج ثلثة يف سفر فليؤمروا أحدمه ".رواه أبو داود من حديث أيب سعيد وأيب
هريرة .وروى الإمام أمحد يف املس ند عن عبد هللا بن معرو أن النيب صىل هللا عليه
وسمل قال" :ل حيل لثلثة يكونون بفلة من الرض اإل أمروا عل مم أحدمه ".فأوجب
صىل هللا عليه وسمل تأمري الواحد يف الاجامتع القليل العارض يف السفر تنب ما بذِل عىل
سائر أنواع الاجامتع .ولن هللا تعاىل أوجب المر بملعروف والهنيي عن املنكر .ول يمت
ذِل اإل بقوة وإامارة .وكذِل سائر ما أوجبه من اجلهاد والعدل وإاقامة احلج وامجلع
والعياد ونرص املظلوم وإاقامة احلدود ل تمت اإل بلقوة والإمارة".
73
أخرجه الدارمي في سننه ( 4 /رقم ) 5
78
أخرجه أبو داود ( 37/3رقم ) 734 ، 734وأخرجه ابن خزيمة عن عمر ( 8 /8رقم ) 58
7رقم ) 7 3وصححه. والحاكم ( /
75
أخرجه أحمد ( 77/رقم )7787
77
السياسة الشرعية ،البن تيمية ص37- 37
71
إذا افترق اإلطاران
وهكذا فاإن لزوم امجلاعة مبعىن المتسك بعقيدة املسلمني وما اتفق عليه علامؤمه ل
خيتلف من زمان اإىل زمان ،ول من ماكن اإىل ماكن لن السس العلمية لْلين الإسليم
اثبتة حمفوظة ،وهذا هو اذلي يشلك جامعة املسلمني بإطارها العلمي القميي العقدي ،أما
جامعة املسلمني بإطارها الس يايس فيعرتضها التغري ويصيهبا الاحنراف عن مسارها الول،
فاإن سلوك احلاكم ونظام احلمك الإسليم بعد عهد الراشدين قد ابتعد شيئا فشيئا عن
تعالمي القرأن والس نة وسرية سلف المة.
فلزوم امجلاعة يف اإطارها الس يايس املؤسيس مل يكن جبلء لزوم امجلاعة يف اإطارها
العلمي القميي ،لن احلاكم برش يعرتهيم خطأ ورشود عن احلق .ففي حاةل خمالفة واحنراف
النظام احلامك فاإن واجب لزوم امجلاعة اعرتاه اإشاكل مريب ،لن الإطارين مل يكوان
متطابقني ،اإن الَتم املسمل بلإطار العلمي املبديئ واهجه ظمل احلاكم ،وإان وافق احلاكم
فقد خالف مبادئ الإسلم ،ففي هذه احلاةل اكن التوجيه النبوي ادلقيق:
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال :اس ات ُك ُ
ون ُأ ام ارا ُء فاتا ْع هرفُ ا
ون اّلل اص َّىل َّ ُ اع ْن ُأ ّهم اسلا ام اة َأ َّن ار ُسو ال َّ ه
يض اواتا ب ا اع .قاالُواَ :أفا ال نُقاا هتلُه ُْم؟ قاا ال: ون فا ام ْن اع ار اف با هر ائ او ام ْن َأ ْن اك ار اس ه امل اولا هك ْن ام ْن ار ه ا
اوتُ ْن هك ُر ا
ال اما اصل َّ ْوا .يف رواية أمحد وابن حبان :قاا ال " ال اما اصل َّ ْوا لا ُ ْمك الْ اخ ْم اس".
فاإناكر املنكر واجب اثبت وهو طريق السلمة من الفنت ،وليس للمسمل أن يُقر
اخملالفة الرشعية حَّت ولو جاء من قبل حامك رشعي .مث اإن رفع السلح ل يلجأ اإليه يف
مواهجة حامك ظامل اإذا حافظ عىل أراكن ادلين والَتم هبا ،وخاصة الصلة اليت يه سلوك
يويم وركن عظمي من أراكن الإسلم .وهو رأي مجهور العلامء.
ورأى بع هم أن اخلروج عىل حامك ظامل مرشوع ،كام فعهل عبد هللا بن الزبري
واحلسني بن عيل وزيد بن عيل زين العابدين ريض هللا عهنم ،ومن بعدمه عبد الرمحن بن
الشعث وأمحد بن نرص اخلزاعي من أقران الإمام أمحد بن حنبل ،فهؤلء رأوا مرشوعية
77
أخرجه مسلم ( 833/4رقم)3885 :
71
اخلروج عىل احلاكم الظلمة ،وهو مذهب للسلف قدمي كام قال ابن جحر يف هتذيب
الهتذيب ،ولكن اس تقر رأي الكرث بعدمه عىل عدم اخلروج.
واحلفاظ عىل اس تقرار النظام الس يايس مطلوب يف حاةل بقاء احلاكم داخل
الإطار الإسليم العام ،كام يف الصحيحني عن عبادة بن الصامت ريض هللا عنه قاا ال:
الس ْمع ه اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل فا اباي ا ْعناا ُه فا ااك ان هفمياا أَخ ااذ عالا ْينااَ :أ ْن ابي ا اعناا عا اىل َّ اّلل اص َّىل َّ ُ ول َّ ه ادعااانا ار ُس ُ
ُرسانا او َأث اار ٍة عالا ْيناا او َأ ْن ال نُنا هاز اع ْ َال ْم ار َأه ا ُْهل ،قاا ال: ُرسانا اوي ْ ه الطاعا هة هيف امنْشا هطناا او ام ْك ار ههناا اوع ْ ه او َّ
اّلل هفي هه بُ ْرهاان.ا َّل َأ ْن تا ار ْوا ُك ْفرا ب ا اواحا هع ْندا ُ ْمك هم ْن َّ ه
ِ
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل قاا ال :هخ اي ُار َأئه َّم هت ُ ْمك
اّلل اص َّىل َّ ُ اِل اع ْن ار ُسوله َّ ه وعن اع ْو هف ْب هن ام ه ٍ
رش ُار َأئه َّم هت ُ ْمك َّ هاذل اين تُ ْب هغ ُ وهنا ُ ْم
ون عالا مْ ه ْم ،او ه ا ون عالا ْي ُ ْمك اوت اُصل ُّ ا َّ هاذل اين ُ هحت ُّبوهنا ُ ْم او ُ هحي ُّبونا ُ ْمك اويُ اصل ُّ ا
اويُ ْب هغ ُ ونا ُ ْمك اوتالْ اع ُنوهنا ُ ْم اويالْ اع ُنونا ُ ْمك.
اّلل َأفا ال نُنااب ُهذ ُ ْمه هب َّلس ْي هف؟ هقي ال :ااي ار ُسو ال َّ ه
الص ال اة ،اوا اذا ار َأيْ ُ ْمت هم ْن ُو ال هت ُ ْمك اشيْئا تا ْك ار ُهون ا ُه فاا ْك ار ُهوا ا امع ا ُهل يمك َّفاقاا ال :ال ،اما َأقاا ُموا هف ُ ْ
ِ او ال ت ْ هازن ُعوا يادا هم ْن اطاعا ٍة.
ومن البدهييي أن معىن الطاعة املطلوبة هنا ليس الطاعة املطلقة ،فل جتب
الطاعة املطلقة يف الإسلم اإل هلل ورسوهل ،أما الطاعة للبرش فهيي مقيدة دامئا حبدود
الرشع ،ففي حاةل اخملالفة الرشعية فل جتب ف ما الطاعة ،كام دل عىل ذِل رواية
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل:
اّلل اص َّىل َّ ُ الصحيحني اع ْن عا ه ٍّيل بن أيب طالب ريض هللا عنه َأ َّن ار ُسو ال َّ ه
ب ا اع اث اجيْشا او َأ َّم ار عالا مْ ه ْم ار ُجل ،فاأَ ْوقادا انا را،
اوقاا ال" :ا ْد ُخلُوهاا".
فاأَ ارا اد انا س َأ ْن يادْ ُخلُوهاا.
ون" :اانَّ قادْ فا ار ْرانا همهنْ اا". اوقاا ال ْالخ ُار ا
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل،اّلل اص َّىل َّ ُ فا ُذ هك ار اذ ه اِل هل ار ُسوله ِ َّ ه
74
888/رقم )753 :ومسلم ( 378/4رقم)38 7 : أخرجه البخاري (
74
أخرجه مسلم ( 833/4رقم)3887 :
72
فاقاا ال هل َّ هذل اين َأ ارا ُدوا َأ ْن يادْ ُخلُوهاا" :لا ْو اد اخلْ ُت ُموهاا لا ْم تا ازالُوا هف ماا ا اىل ي ا ْو هم الْ هق ايا ام هة".
الطاعا ُة هيف اّلل ،ان َّ اما َّ اوقاا ال هل ْل اخ هر اين قا ْول اح اس نا ،اوقاا ال " :ال اطاعا اة هيف ام ْع هص اي هة ِ َّ ه
ِ الْ ام ْع ُر ه
وف".
فليس معىن عدم اخلروج عىل احلاكم املسلمني هو الاستسلم والإقرار
للحنراف احلاصل أو السكوت عىل الظمل الفاحش ،بل يبقى واجب النصح والبيان
والإصلح ،وإامنا اذلي هنيى عنه الرسول صىل هللا عليه وسمل وهو اإحداث فتنة داخلية
تنسف دعاِئ احلمك الإسليم .ويبقى هناك هجاد سلمي يف سبيل اإصلح الوضع
والنصح بليت يه أحسن ،وبلك الساليب املمكنة املؤدية اإىل صلح الحوال.
اّلل عالا ْي هه او اس َّ املاّلل اص َّىل َّ ُ اّلل ْب هن ام ْس ُعو ٍد َأ َّن ار ُسو ال َّ ه روى مسمل وغريه اع ْن اع ْب هد َّ ه
ون حصاب ياأْخ ُُذ ا ون او َأ ْ ا اّلل هيف ُأ َّم ٍة قا ْب هيل ا َّل ااك ان ا ُهل هم ْن ُأ َّم هت هه اح او هاري ُّ ا قاا ال :اما هم ْن ن ه ٍّايب ب ا اعثا ُه َّ ُ
ِ
ون اما ال ون اوي ا ْف اعلُ ا ون اما ال ي ا ْف اعلُ ا ون هبأَ ْم هر ههَّ ُ ،مث اهنَّ اا ا ْختلُ ُف هم ْن ب ا ْع هد ه ْمه ُخلُوف ي ا ُقولُ ا
ب ُهسن َّ هت هه اوي ا ْقتادُ ا
ِ
ون ،فا ام ْن اجاهادا ُ ْمه هب اي هد هه فاه اُو ُم ْؤ همن ،او ام ْن اجاهادا ُ ْمه هب هل اسا هن هه فاه اُو ُم ْؤ همن ،او ام ْن اجاهادا ُ ْمه يُ ْؤ ام ُر ا
هبقالْ هب هه فاه اُو ُم ْؤ همن ،اولايْ اس او ار ااء اذ ه اِل هم ْن ْالمي ا هان احبَّ ُة خ ْار ادلٍ .
فسمى الرسول صىل هللا عليه ِوسمل تكل املواهجة السلمية هجادا ،بل هو أعظم
اّلل عالا ْي هه
هجاد كام يف روى أحصاب السنن وغريمه اع ْن َأ هيب اس هعي ٍد الْ ُخدْ هر هّي َأ َّن النَّ ه َّيب اص َّىل َّ ُ
او اس َّ امل قاا الَ :أفْ ا ُل الْجه هاا هد ا هُك ام ُة عادْ لٍ هع ْندا ُسلْ اط ٍان اجائه ٍر.
43
رقم )77 7 :ومسلم ( 37 /4رقم37 /4 ،38 8 : 4/ ،77 53/رقم: أخرجه البخاري (
رقم)38 5 :
4
كل هذا الكالم متعلق بالحاكم الذي يقر باإلسالم شرعا ملزما ،أما الذي ال يعترف باإلسالم نظاما للحياة
فليس له عالقة ،ألنه ال يكتسب شرعيته من اإلسالم أصال ،فكيف يحتمي به ويسمتد منه بقاء؟
4
أخرجه مسلم ( 74/رقم)7 :
43
) والنسائي 8 4/رقم )374 :والترمذي وحسنه ( 43/4رقم33 : أخرجه أبو داود واللفظ له (
37 /رقم ) 37 7 :والحاكم 5/رقم )833 :وأحمد ( رقم )8 34 :وابن ماجه ( (/ 3
( 883/ 4رقم )4745 :وصححه األلباني في السلسلة ( 843/رقم)84 :
73
وإاذا تعرض هذا املصلح للقتل من قبل احلاكم فهو شهيد بل س يد الشهداء
بشهادة رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ،فعن جابر ريض هللا عنه ،عن النيب صىل هللا
عليه وسمل قال « :س يد الشهداء محزة بن عبد املطلب ،ورجل قال اإىل اإمام جائر فأمره
وهناه فقتهل ».
اإن افرتاق الإطار الس يايس عن الإطار العلمي املبديئ يوقف املسمل عىل مفرتق
الطريق وي عه أمام خيارين أحلهام مر ،ولكن الرسول صىل هللا عليه وسمل وَّص أمته
بأن تمتسك بحلق همام ُكفها المر ،فعن معاذ بن جبل أن رسول هللا صىل هللا عليه
اب وسمل قالَ " :أل ا َّن ار اَح ال ْسل هم داائه ارة ،فادُ ُوروا ام اع ْال هكتا هاب اح ْي ُث د ااارَ ،أل ا َّن ْال هكتا ا
ِ ِ ِ
ون عالا ْي ُ ْمك ُأ ام ارا ُء ي ا ْق ُ ا
ون َلنْ ُف هسهه ْم ابَ ،أل ان َّ ُه اس اي ُك ُ السلْ اط اان اس اي ْف ا هرتقا هان ،فال تُ اف هارقُوا ْال هكتا ا
او ُّ
ِ
ومه َأضا لُّو ُ ْمك" ،قاالُوا :ااي ار ُسو ال َّ ه
اّلل، ون لا ُ ْمك ،ا ْن اع اص ْي ُت ُم ُ ْ
ومه قاتالُو ُ ْمك ،اوا ْن َأ اط ْع ُت ُم ُ ْ اما ل ي ا ْق ُ ا
رشوا هبلْ امنا هاش اري ،او ُ همحلُوا عا اىل يس ا ْب هن ام ْر ا امي ،ن ُ ه ُ اب هع ا ِ اك ْي اف ن ْاصنا ُع؟ قاا ال ِ":ا امَك اصنا اع َأ ْ ا
حص ُ
اّلل".اّلل خ ْاري هم ْن اح ايا ٍة هيف ام ْع هص اي هة َّ ه الْخاشا هب ،ام ْوت هيف اطاعا هة َّ ه
وقد اكن علامء الإسلم عرب اترخينا الطويل ي حون بأنفسهم ويتعرضون للتعذيب
والسجن والقتل بسبب معارضهتم جتاه احلاكم الظلمة ،ولول تكل املواقف الصلبة ل اع
ادلين وفلتت المة من طريقها ،وهذه المة أمة مباركة فاإهنا مل ولن تعدم من يقوم هلل
بنرصة احلق ومقاومة الظمل ،ويف لك عرص هناك جامعات من العلامء واملصلحني قاموا ضد
الظمل وضد املنكرات اثبتني حَّت يأيت أمر هللا ومه ظاهرون.
48
رقم )847 :والطبراني في 8/ أخرجه الحاكم في المستدرك وقال" :صحيح اإلسناد ولم يخرجاه" (
)8وصححه األلباني في السلسلة الصحيحة ( 373/رقم)378 : األوسط ( 43/4رقم7 :
45
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 844/ 8رقم ) 7544 :والصغير ( 343/ 3رقم )753 :قال
الهيثمى :يزيد بن مرثد لم يسمع من معاذ ،والوضين بن عطاء وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جماعة وبقية
رقم.)4 53 : رجاله ثقات (مجمع الزوائد7/5 :
74
إذا صارت الجماعة جماعات
اكنت تكل الحاديث ُكها تتحدث عىل أن املسلمني جتمعهم جامعة واحدة
ويتفقون عىل كيان س يايس واحد ،ولكن وقد ألت أمور املسلمني منذ قرون اإىل تعدد
تكل الكياانت الس ياس ية وتفرقوا يف ألوية متعددة ،واس مترت احلال اإىل ما عش ناه يف
واقعنا احلايل حيث تتعدد الطر الس ياس ية واملؤسس ية للمسلمني ،فل بد من فقه
للنصوص يس توعب مكوانت الواقع ،ويزنل النصوص يف مناطها الصحيح.
زاد تنوع الطر اجلامعة للمسلمني ُكام احنلت عقدة من عقد املنظومة املؤسس ية
اليت تنتظم ف ما شؤون املسلمني ،كنوع تعويض ملا نقص من ادلين جراء احنلل عقدة من
عقد الإسلم ،وقد يكون ذِل تدهورا من حيث عدم الانتظام املؤسيس املوحد ،ولكن
من الناحية الخرى ميكن اعتبار ذِل تطورا وترقيا دلور اجملمتع املدين يف بناء احل ارة.
فنشوء املذاهب الفقهية اخملتلفة اليت بذرت بذورها الوىل خارج نطاق مؤسسة ادلوةل
يعترب ظاهرة حصية بل ارتقاء ح اراي وتقدما علميا ،حيث توسع النشاط العلمي وتنوعت
اخليارات الفقهية العملية لتغطي جممتعات مسلمة جديدة لها ق اايها وثقافاهتا اجلديدة.
ولك ذِل التنوع نشأ ونشط حرا طليقا خارج دائرة املؤسسة الس ياس ية ،مع
ان باطه والَتامه يف ظل الإطار العقدي املشرتك ويف ظل الراء الكثرية والتصورات
اجلامعة اليت أمجعوا عل ما ،وهبذا املعىن يكون تفسري الإمام الشافعي ملعىن لزوم امجلاعة هو
اللئق واملمكن ،كام قدمنا قوهل أن لزوم جامعة املسلمني ل معىن هل اإل واحد ،يعِن كام
قال رمحه هللا" :اإذا اكنت جامعهتم متفرقة يف البْلان فل يقدر أحد أن يلزم جامعة أبدان
قوم متفرقني ،وإان وجدت البدان تكون جممتعة من املسلمني والاكفرين والتقياء والفجار،
فمل يكن يف لزوم البدان معىن لنه ل ميكن ،ولن البدان ل يصنع شيئا ،فمل يكن للزوم
جامعهتم معىن اإل ما عليه جامعهتم من التحليل والتحرمي والطاعة ف مام".
47
انظر :الرسالة ص875
75
ففي عهد الإمام الشافعي مل يكن لزوم امجلاعة مبعىن الَتام جامعة واحدة حمددة أمرا
ممكنا ،لن املسلمني توزعوا عىل أقطار شاسعة يف مشارق الرض ومغارهبا ،واكن الإطار
الس يايس متثهل دولتان متعاديتان العباس ية والموية ،وتتابع الانقسام الس يايس فامي بعد
أكرث فأكرث مما يؤكد أن الالَتام بلإطار الس يايس احملدد ليس هو املعىن املمكن تطبيقه.
ومع التذكري بملبادئ اليت أسسها الرسول من أمهية وحدة املسلمني وذم التفرق والرجوع
اإىل القرأن والس نة حاةل الاختلف ،وإال أن املواقف الرشعية اليت ُأمر املسلمون هبا ل
خترج بملثالية عن الواقعية ،ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﭼ فقد تبقى
املثالية يه القبةل اليت نتجه اإل ما ،ولكن الانطلق والارتاكز ل بد أن يكون عىل املساس
بلواقع ،ل يتجاوزه أو يتجاههل.
مث اإن احلاةل العلمية العقدية للمسلمني أي ا أصاهبا ما أصاهبا من شوائب الفكر
واختلط املفاهمي مث اختلفها وت ارهبا ،مما جعلت الإطار العقدي يبتعد عن طبيعته
الواحضة الناصعة ،فصار مفهوم لزوم امجلاعة أكرث تعقيدا .اإن معىن امجلاعة اذلي أشار اإليه
تعرفه اإل العلامء أو من يف دائرهتم .مفن يقدر عىل استيعاب الإمام الشافعي ل يقدر عىل ّ
املسائل اليت أمجع عليه العلامء غري العلامء؟وبلتايل فاإن واجب لزوم امجلاعة صار معل
تقريبيا ل حتديداي ،لصعوبة حتقيقه بدقة وعىل وجه اكمل.
والقاعدة املفيدة يف مثل هذه المور أنه ُكام أوغل المر يف التفرع والتشعب
والتشابك والتشابه رجع اإىل الصل واجلذر ل الامتدي يف التفرع والتشعب ،كام أن القرأن
علّمنا اإرجاع املتشاهبات اإىل احملكامت .اإن الإغراق يف فروع املسائل بعيدا عن راكئز
القرأن والس نة يؤدي اإىل نشوء تصورات غام ة .وقد ل يوجد ف ما نص قاطع حيسم
املسأةل ،وإامنا هناك فهوم وتفسريات ُكها برشية الطبع نسبية القمية .فل معىن لعامتدها يف
س ياق الَتام امجلاعة املسلمة ،وإامنا العمدة بقواطع النصوص وحمكامهتا والسس العامة
47
سورة البقرة47 :
76
الواحضة اجملمع عل ما مبدئيا ،مث الاختلف فامي عدا ذِل ميكن التغايض عنه أو اإرجاؤه
ومداراته.
فعىل ذِل تقوم فتاوى العلامء الراخسني احملققني ،فهذا ش يخ الإسلم ابن تميية ملا
س ئل عن تكوين الحزاب قال رمحه هللا :وأما "رأس احلزب " فاإنه رأس الطائفة اليت
تتحزب أي تصري حزب ،فاإن اكنوا جممتعني عىل ما أمر هللا به ورسوهل من غري زايدة ول
نقصان فهم مؤمنون ،هلم ما هلم وعل مم ما عل مم .وإان اكنوا قد زادوا يف ذِل ونقصوا مثل
التعصب ملن دخل يف حزهبم بحلق والباطل والإعراض معن مل يدخل يف حزهبم سواء
اكن عىل احلق والباطل ،فهذا من التفرق اذلي ذمه هللا تعاىل ورسوهل .فاإن هللا ورسوهل
أمرا بمجلاعة والئتلف وهنيا عن التفرقة والاختلف وأمرا بلتعاون عىل الرب والتقوى
وهنيا عن التعاون عىل الإمث والعدوان.
وهكذا أرجع ش يخ الإسلم املسأةل اإىل السس الإسلمية العامة ،ل حتديد
جامعة معينة مبواصفات حمددة ل تصدق اإل عىل أانس معينني .وهذا الرأي يعطي رشعية
لتعدد امجلاعات ما دامت ملَتمة عىل أمر هللا ورسوهل ،واكن معدته رمحه هللا يه املبادئ
العامة املعروفة من المر بلجامتع والئتلف والتعاون عىل الرب والتقوى والهنيي عن
التفرق والاختلف.
وأبعد من ذِل فاإن تكوين مجموعات اإسلمية وإان اكنت يف نطاق صغري يبقى
أمرا مطلوب ،وقد س بق نقل الكم ابن تميية اإذ قال" :جيب أن يعرف أن ولية أمر الناس
من أعظم واجبات ادلين ،بل ل قيام لْلين اإل هبا .فاإن بِن أدم ل تمت مصلحهتم اإل
بلجامتع ،حلاجة بع هم اإىل بعض .ول بد هلم عند الاجامتع من رأس ،حَّت قال النيب
صىل هللا عليه وسمل" :اإذا خرج ثلثة يف سفر فليؤمروا أحدمه ".رواه أبو داود من
حديث أيب سعيد وأيب هريرة .وروى الإمام أمحد يف املس ند عن عبد هللا بن معرو أن
44
4 / مجموع الفتاوى
44
أخرجه أبو داود ( 37/3رقم ) 734 ، 734وأخرجه ابن خزيمة عن عمر ( 8 /8رقم ) 58
7رقم ) 7 3وصححه. والحاكم ( /
77
النيب صىل هللا عليه وسمل قال" :ل حيل لثلثة يكونون بفلة من الرض اإل أمروا عل مم
أحدمه ".فأوجب صىل هللا عليه وسمل تأمري الواحد يف الاجامتع القليل العارض يف
السفر تنب ما بذِل عىل سائر أنواع الاجامتع .ولن هللا تعاىل أوجب المر بملعروف
والهنيي عن املنكر .ول يمت ذِل اإل بقوة وإامارة .وكذِل سائر ما أوجبه من اجلهاد والعدل
وإاقامة احلج وامجلع والعياد ونرص املظلوم وإاقامة احلدود ل تمت اإل بلقوة والإمارة".
ومثل ذِل قال الإمام الشواكينِ :ف نيل الوطار" :بب وجوب نصب ولية
الق اء والإمارة وغريهام" مث ساق رواايت حديث الرسول "اإذا خرج ثلثة يف سفر
فليأ ّمروا أحدمه" مث قال :وف ما دليل عىل أنه يرشع للك عدد بلغ ثلثة فصاعدا أن يؤمروا
عل مم أحدمه ،لن يف ذِل السلمة من اخللف اذلي يؤدي اإىل التلف ،مفع عدم التأمري
يستبد لك واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه ف ملكون ،ومع التأمري يقل الاختلف وجتمتع
الَكمة ،وإاذا رشع هذا لثلثة يكونون يف فلة من الرض أو يسافرون فرشعيته لعدد
أكرث يسكنون القرى والمصار وحيتاجون دلفع التظامل وفصل التخامص أوىل وأحرى.
وهكذا صار التعدد مرشوعا بل مطلوب .والعربة يف مدى الَتام تكل امجلاعات
بملبادئ الإسلمية وعدم تصادهما فامي بيهنا وعدم تعصب أفرادها مما يؤدي اإىل التفرق
البغيض.
وقد حدث مع الصحابة يف عهد الرسول صىل هللا عليه وسمل أن تواجه
املهاجرون والنصار واكد أن حيصل الاقتتال.
اّلل عالا ْي هه
ول :غا از ْوانا ام اع النَّ ه ه ّيب اص َّىل َّ ُ
اّلل اعهنْ ُام ي ا ُق ُ عن اجا هبر بن عبد هللا ار ه ا
يض َّ ُ
او اس َّ امل ،اوقادْ ااث اب ام اع ُه انا س هم ْن الْ ُمه هااج هر اين اح ََّّت اك ُ ُرثوا ،او ااك ان هم ْن الْ ُمه هااج هر اين ار ُجل لا َّعاب،
فا اك اس اع َأن اْص هار ًّاي فاغا ه اب ْ َالن اْص هار ُّي غا ا با اش هديدا ،اح ََّّت تادا ا اع ْوا ،اوقاا ال ْ َالن اْص هار ُّي :ااي
لا ْ َلن اْص هار!
43
أخرجه أحمد ( 77/رقم )7787
4
السياسة الشرعية ،البن تيمية ص37- 37
4
نيل االوطار 48/4
78
اوقاا ال الْ ُمه هااج هر ُّي :ااي لالْ ُمه هااج هر اين!
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل ،فاقاا ال :اما اب ُل ادع اْوى َأه هْل الْ اجا هه هل َّي هة!! فاخ اار اج النَّ ه ُّيب اص َّىل َّ ُ
ُ َّمث قاا ال :اما اشأْهنُ ُ ْم؟
فاأُخ ه اْرب هب اك ْس اع هة الْ ُمه هااج هر هّي ْ َالن اْص هار َّي،
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل :ادعُوهاا فااهنَّ اا اخبهيثاة .ويف رواية ملسمل: قاا ال فاقاا ال النَّ ه ُّيب اص َّىل َّ ُ
ِ "فاإهنا منتنة".
ويف رواية أخرى ملسمل :اع ْن اجا هب ٍر قاا ال :ا ْقتاتا ال غُ ال ام هان غُ الم هم ْن الْ ُمه هااج هر اين اوغُ الم
ون :ااي لالْ ُمه هااج هر اين!هم ْن ْ َالن اْص هار ،فانااداى الْ ُمه هااج ُر َأ ْو الْ ُمه هااج ُر ا
اوانا داى ْ َالنْ اص هار ُّي :ااي لا ْ َلن اْص هار!
اّلل عالا ْي هه او اس َّ امل فاقاا ال :اما ه ااذا ادع اْوى َأه هْل الْ اجا هه هل َّي هة؟! اّلل اص َّىل َّ ُ ول َّ ه فاخ اار اج ار ُس ُ
اّلل ،ا َّل َأ َّن غُ ال ام ْ هني ا ْقتاتا ال فا اك اس اع َأ احدُ ُ امها ْالخ اار. قاالُوا :ال ااي ار ُسو ال َّ ه
ا ا ا ا ْ لْ ِ
رص َّالر ُج ُل َأخاا ُه اظا هلما َأ ْو ام ْظلُوما ،ا ْن ااك ان اظا هلما فالْ ايهنْ ا ُه فاان َّ ُه قال :فل باأ اس ،او اي ْن ُ ْ
ِ ِ
ا ُهل ن ْارص اوا ْن ااك ان ام ْظلُوما فالْ اي ْن ُ ْ
رص ُه.
ِقال ابن تميية رمحه هللا -كام يف مجموع الفتاوى :فهاذان الإسامن "املهاجرون"
و"النصار" اسامن رشعيان جاء هبام الكتاب والس نة وسامهام هللا هبام كام سامان املسلمني
من قبل ويف هذا .وانتساب الرجل اإىل املهاجرين والنصار انتساب حسن محمود عند هللا
وعند رسوهل ،ليس من املباح اذلي يقصد به التعريف فقط اكلنتساب اإىل القبائل
والمصار ،ول من املكروه أو احملرم اكلنتساب اإىل ما يفيض اإىل بدعة أو معصية أخرى.
مث مع هذا ملا دعا لك واحد مهنام طائفة منترصا هبا أنكر النيب صىل هللا عليه وسمل ذِل
وسامها دعوى اجلاهلية ،حَّت قيل هل اإن ادلاعي هبا اإمنا هام غلمان مل يصدر ذِل من
امجلاعة ،فأمر مبنع الظامل وإاعانة املظلوم ،ليبني النيب صىل هللا عليه وسمل أن احملذور من
43
878/رقم)874 : 383/رقم )3 57 :ومسلم ( أخرجه البخاري (
48
873/رقم)874 : أخرجه مسلم (
79
ذِل اإمنا هو تعصب الرجل لطائفته مطلقا ،هفعل أهل اجلاهلية ،فأما نرصها بحلق من غري
عدوان حفسن واجب أو مس تحب.
فانقسام املسلمني حتت مجموعات صغرية اكنقساهمم بني املهاجرين والنصار،
والوس واخلزرج وتقس اميت أخرى داخل دائرة السس الإسلمية الصحيحة مل يرض اإذا
مل يؤد اإىل الانشقاق والتنازع ،وهللا أعمل.
وقد أفتت اللجنة ادلامئة للبحوث العلمية والإفتاء املكونة من سامحة الش يخ عبد
العزيز بن عبد هللا بن بز رئيسا والش يخ ...عبد الرزاق عفيفي انئب رئيس والش يخ
عبد هللا بن قعود ع وا والش يخ عبد هللا بن غداين ع وا ،حيث ورد السؤال" :يف
هذا الزمان عديد من امجلاعات والتفريعات ،ولك مهنا يدعي الان واء حتت الفرقة
الناجية ،ول ندري أهيا عىل حق فنتبعه ،ونرجو من س يادتمك أن تدلوان عىل أف ل هذه
امجلاعات وأخريها؛ فنتبع احلق ف ما مع اإبراز الدةل؟"
واكن اجلواب :لك من هذه امجلاعات تدخل يف الفرقة الناجية اإل من أىت مهنم
مبكفر خيرج عن أصل الإميان ،لكهنم تتفاوت درجاهتم قوة وضعفا بقدر اإصابهتم للحق
ومعلهم به وخطهئم يف فهم الدةل والعمل ،فأهدامه أسعدمه بدلليل فهام ومعل ،فاعرف
وهجات نظرمه ،وكن مع أتبعهم للحق وألزهمم هل ،ول تبخس الخرين اإخوهتم يف الإسلم
فرتد عل مم ما أصابوا فيه من احلق ،بل اتبع احلق حيامث اكن ولو ظهر عىل لسان من
خيالفك يف بعض املسائل ،فاحلق رائد املؤمن ،وقوة ادلليل من الكتاب والس نة يه
الفيصل بني احلق والباطل .وبهلل التوفيق .وصىل هللا عىل نبينا محمد ،وأهل وحصبه
وسمل.
وقد س ئلت اللجنة أي ا : :بناء عىل قوهل تعاىل { :اوتا اع ااونُوا عا اىل الْ ه ّهرب اوالتَّ ْق اوى او ال
تا اع ااونُوا عا اىل ْال ْ همث اوالْ ُعدْ او هان} ،يقال اإنه جيب التعاون مع لك امجلاعات الإسلمية ،وإان
اكنت ختتلف ِبيهنا يف مناجه وطريق دعوهتم ،فاإن جامعة التبليغ طريق دعوهتا غري طريق
الإخوان املسلمني أو حزب التحرير أو جامعة اجلهاد أو السلفيني .مفا هو ال ابط لهذا
45
.7 فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء رقم
81
التعاون؟ وهل ينحرص مثل يف املشاركة يف املؤمترات والندوات؟ وماذا عند توجيه
ادلعوة اإىل غري املسلمني؟ حيث قد يكون هناك التباس كبري دلى املسلمني اجلدد ،فاإن
لك جامعة من هذه امجلاعات سوف توهجهم اإىل مراكزمه وإاىل علامهئم ،فيكونون يف حرية
من أمرمه .فكيف ميكن تفادي هذه المور؟
واكن اجلواب" :الواجب التعاون مع امجلاعة اليت تسري عىل مهنج الكتاب والس نة
وما عليه سلف المة يف ادلعوة اإىل توحيد هللا س بحانه ،وإاخلص العبادة هل ،والتحذير
من الرشك والبدع واملعايص ،ومناحصة امجلاعات اخملالفة ذلِل ،فاإن رجعت اإىل الصواب
فاإنه يتعاون معها ،وإان اس مترت عىل اخملالفة وجب الابتعاد عهنا والَتام الكتاب
والس نة ،والتعاون مع امجلاعة امللَتمة ملهنج الكتاب والس نة يكون يف لك ما فيه خري وبر
وتقوى من الندوات واملؤمترات وادلروس واحملارضات ،ولك ما فيه نفع ل إلسلم
واملسلمني .وبهلل التوفيق وصىل هللا عىل نبينا محمد وأهل وحصبه وسمل".
وقع عىل هذه الفتوى :الش يخ بكر أبو زيد ع وا ،والش يخ صاحل الفوزان ع وا
والش يخ عبد هللا بن غداين ع وا والش يخ عبد العزيز أل الش يخ انئب رئيس والش يخ
عبد العزيز بن عبد هللا بن بز رئيسا.
و س ئل الش يخ بن بز رمحه هللا :هل تعترب قيام جامعات اإسلمية يف البْلان
الإسلمية لحت ان الش باب وتربيهتم عىل الإسلم من اإجيابيات هذا العرص؟
قال :وجود هذه امجلاعات الإسلمية فيه خري للمسلمني ،ولكن عل ما أن جتهتد يف اإي اح
احلق مع دليهل وأن ل تتنافر مع بع ها ،وأن جتهتد بلتعاون فامي بيهنا ،وأن حتب اإحداها
الخرى ،وتنصح لها وتنرش حماس هنا ،وحترص عىل ترك ما يشوش بيهنا وبني
غريها ،ولمانع أن تكون هناك جامعات اإذا اكنت تدعو اإىل كتاب هللا وس نة رسوهل –
صىل هللا عليه وسمل.
47
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء رقم 4473
47
من مجموعة فتاوى سماحة الشيخ ابن باز () 7 /5
81
بين االنخراط واالعتزال
اإن الرض ل ختلو من جامعة من املسلمني تقوم عىل احلق وتدعو اإليه ،ويه
احلاةل الطبيعية جملرايت احلياة فوق هذه املعمورة.
عن معر بن اخلطاب ريض هللا عنه قال :قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل:
« ل تزال طائفة من أميت ظاهرين عىل احلق حَّت تقوم الساعة ».
وهذه احلاةل من بقاء طائفة منصورة من املسلمني تس متر اإىل أن تقرتب ادلنيا من
هنايهتا ،ول يبقى قبيل قيام الساعة مؤمن واحد ،لن الساعة ل تقوم حَّت يقبض هللا لك
نفس مؤمنة .وقد اكنت هذه املسأةل حمل اإشاكل دلى بعض الصحابة حيث استشلك
بع هم كيف خيرب الرسول ببقاء الطائفة املنصورة من أمته اإىل قيام الساعة مع أنه أخرب أن
الساعة ل تقوم اإل عىل رشار اخللق؟ يبني ذِل هذه الرواية يف حصيح مسمل:
عن عبد هللا بن معرو بن العاص قال" :ل تقوم الساعة اإل عىل رشار اخللق ،مه
رش من أهل اجلاهلية ،ل يدعون هللا بيشء اإل رده عل مم".
فبيامن مه عىل ذِل أقبل عقبة بن عامر فقال هل مسلمة :اي عقبة ،اَسع ما يقول
عبد هللا.
فقال عقبة :هو أعمل ،وأما أان فسمعت رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يقول" :ل
تزال عصابة من أميت يقاتلون عىل أمر هللا قاهرين لعدومه ل يرضمه من خالفهم حَّت
تأت مم الساعة ومه عىل ذِل".
44
أخرجه الحاكم( 73/ 4رقم )4534 :وقال :هذا حديث صحيح اإلسناد ،ولم يخرجاه ،وقال الهيثمي :رواه
الطبراني في الصغير والكبير ورجال الكبير رجال الصحيح (مجمع الزوائد.) 44/7 :
عقبة بن عامر الجهني من أصحاب الصفة كان عقبة بن عامر يقول خرج إلينا رسول اهلل صلى اهلل عليه 44
وسلم يوما ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان وتوفي بمصر (حلية األولياء )4/
82
فقال عبد هللا :أجل ،مث يبعث هللا رحيا كرحي املسك ،مسها مس احلرير ،فل
ترتك نفسا يف قلبه مثقال حبة من الإميان اإل قب ته ،مث يبقى رشار الناس عل مم تقوم
الساعة.
ويؤكد ذِل حديث طويل رواه الإمام مسمل يف حصيحه عن الحداث الواقعة
قبل قيام الساعة عن النواس بن َسعان ريض هللا عنه قال :ذكر رسول هللا صىل هللا
عليه وسمل ادلجال ذات غداة ،خففض فيه ورفع ،حَّت ظنناه يف طائفة النخل .فلام
رحنا اإليه ،عرف ذِل فينا.
فقال :ما شأنمك؟
قلنا :اي رسول هللا ،ذكرت ادلجال غداة ،خفف ت فيه ورفعت ،حَّت ظنناه يف
طائفة النخل.
فقال :غري ادلجال أخوفِن عليمك ،اإن خيرج فأان جحيجه دونمك ،وإان خيرج
ولست فيمك فامرؤ جحيج نفسه ،وهللا خليفيت عىل لك مسمل،
النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط بن عبد اهلل بن أبي بكر بن كالب العامري الكالبي له 3
طائفة النخل) هو بتشديد الفاء فيهما ،وفي معناه قوالن (أحدهما) أن خفض بمعنى حقر وقوله (رفع) أى
عظمه وفخمه .فمن تحقيره وهو أن اهلل تعالى عوره ،ومنه قوله صلى اهلل عليه وسلم "و أهون على اهلل من
ذلك" ،وأنه اليقدر على قتل أحد إال ذلك الرجل ،ثم يعجز عنه ،وأنه يضمحل أمره ،ويقتل بعد ذلك هو
وأتباعه .ومن تفخيمه وتعظيم فتنته والمحنة به هذه األمور الخارقة للعادة ،وأنه ما من نبى إال وقد أنذره قومه.
(والوجه الثانى) أنه خفض من صوته فى حال الكثرة ،فيما تكلم فيه ،فخفض بعد طول الكالم ،والتعب
ليستريح ،ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد(شرح النووي .)73/ 4
33
قال النووي نقال عن شيخه أبي عبد اهلل بن مالك رحمه اهلل :وأما معنى الحديث ففيه أوجه( :أظهرها)
أنه من أفعل التفضيل( :الدجال) أخوف مخوفاتى عليكم ثم أضيف إلى الياء ،ومنه "أخوف ما أخاف على
أمتى األئمة المضلون ".معناه :أن األشياء التى أخافها على أمتى أحقها بأن تخاف األئمة المضلون( .والثانى)
بأن يكون أخوف من أخاف بمعنى خوف الدجال أشد موجبات خوفى عليكم( .والثالث) أن يكون من باب
83
اإنه شاب قطط ،عينه طافئة ،كين أش هبه بعبد العزي بن قطن ،مفن أدركه
منمك فليقرأ عليه فواحت سورة الكهف ،اإنه خارج خةل بني الشام والعراق ،فعاث ميينا
وعاث شامل ،اي عباد هللا! فأثبتوا!
قلنا :اي رسول هللا ،وما لبثه يف الرض؟
قال :أربعون يوما ،يوم كس نة ،ويوم كشهر ،ويوم كجمعة ،وسائر أايمه
كايممك .
وصف المعانى بما يوصف به األعيان على سبيل المبالغة كقولهم فى الشعر الفصيح :شعر شاعر .وخوف
فالن أخوف من خوفك وتقديره الدجال أخوف خوفى عليكم ثم األول ثم الثانى هذا آخر كالم الشيخ رحمه اهلل.
ثم قال النووي :وألفعل التفضيل أيضا شبه بالفعل ،وخصوصا بفعل التعجب ،فجاز أن تلحقه النون المذكورة
فى الحديث ،كما لحقت فى األبيات المذكورة .هذا هو األظهر فى هذه النون هنا .ويحتمل أن يكون معناه
أخوف لى فأبدلت النون من الالم ،ككما أبدلت فى لعن وعن بمعنى لعل وعل (شرح النووي )78/ 4
قوله صلى اهلل عليه وسلم (إنه شاب قطط) هو بفتح القاف والطاء :أى شديد جعودة الشعر ،مباعدة 38
وأما قولهم (يا رسول اهلل فذلك اليوم الذى كسنة أتكفينا فيه صالة يوم؟ قال :ال اقدروا له قدره) فقال 34
القاضى وغيره :هذا حكم مخصوص بذلك اليوم ،شرعه لنا صاحب الشرع .قالوا :ولوال هذا الحديث ووكلنا إلى
اجتهادنا القتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند األوقات المعروفة فى غيره من األيام (شرح النووي
)75/ 4
ومعنى (اقدروا له قدره) أنه اذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا 34
الظهر ،ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر ،واذا مضى بعد هذا قدر ما يكون
بينها وبين المغرب فصلوا المغرب ،وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا ،حتى ينقضى
ذلك اليوم ،وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلها مؤداة فى وقتها .وأما الثانى الذى كشهر ،والثالث الذى
كجمعة فقياس اليوم األول أن يقدر لهما كاليوم األول على ما ذكرناه .واهلل أعلم (شرح النووي )75/ 4
قوله صلى اهلل عليه وسلم (فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذ ار ،وأسبغه ضروعا ،وأمده خواصر) 3
أما (تروح) فمعناه ترجع آخر النهار ،و(السارحة) هى الماشية التى تسرح أى تذهب أول النهار إلى المرعى.
وأما (ال ُذ َرى) فبضم الذال المعجمة وهى األعالى واألسمنة ،جمع ِذ ُُروة بضم الذال وكسرها وقوله (وأسبغه)
بالسين المهملة والغين المعجمة أى أطوله ،لكثرة اللبن .وكذا (أمده) خواصر لكثرة امتالئها من الشبع (شرح
النووي )75/ 4
قوله صلى اهلل عليه وسلم (فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) هى ذكور النحل .هكذا فسره ابن قتيبة
وآخرون .قال القاضى :المراد جماعة النحل ال ذكورها خاصة ،لكنه كذا عن الجماعة باليعسوب وهو أميرها،
ألنه متى طار تبعته جماعته .واهلل أعلم (شرح النووي )75/ 4
85
رمية مث يدعو رجل ممتلئا ش باب ،فيرضبه بلس يف ،فيقطعه جزلتني
الغرض ،مث يدعوه فيقبل ويهتلل وهجه ي حك،
فبيامن هو كذِل ،اإذ بعث هللا املس يح بن مرمي ،فيزنل عند املنارة البي اء
رشيق دمشق بني همرودتني ،واضعا كفيه عىل أجنحة ملكني ،اإذا طأطأ رأسه قطر،
وإاذا رفعه حتدر منه جامن اكللؤلؤ ،
فل حيل لاكفر جيد رحي نفسه اإل مات ،ونفسه ينهتيي حيث ينهتيي طرفه،
فيطلبه حَّت يدركه بباب دل فيقتهل،
قوله صلى اهلل عليه وسلم (فيقطعه جزلتين رمية الغرض) بفتح الجيم على المشهور ،وحكى ابن دريد
كسرها ،أى قطعتين (شرح النووي )77/ 4
ومعنى (رمية الغرض) أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رميته .هذا هو الظاهر المشهور .وحكى القاضى 3
هذا ،ثم قال :وعندى أن فيه تقديما وتأخي ار ،وتقديره فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين .والصحيح
األول (شرح النووي )77/ 4
قوله (فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين) أما المنارة فبفتح الميم .وهذه المنارة قائمة 8
اليوم (شرقى دمشق) ودمشق بكسر الدال وفتح الميم ،وهذا هو المشهور .وحكى صاحب المطالع كسر الميم.
وهذا الحديث من فضائل دمشق وفى (عند) ثالث لغات كسر العين وضمها وفتحها والمشهور الكسر (شرح
النووي )77/ 4
وأما (المهروذتان) فروى بالدال المهملة والذال المعجمة .والمهملة أكثر .والوجهان مشهوران للمتقدمين 5
والمتأخرين من أهل اللغة والغريب وغيرهم .وأكثر ما يقع فى النسخ بالمهملة ،كما هو المشهور .ومعناه :البس
مهروذتين أى ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران ،وقيل :هما شقتان والشقة نصف المالءة (شرح النووي
)77/ 4
7قوله صلى اهلل عليه وسلم (تحدر منه ُج َمان كاللؤلؤ) الجمان بضم الجيم وتخفيف الميم هى حبات من
الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار .والمراد يتحدر منه الماء على هيئة اللولؤ فى صفاته فسمى الماء جمانا
لشبهه به فى الصفاء (شرح النووي )77/ 4
قوله صلى اهلل عليه وسلم (فال يحل لكافر يجد ريح نفسه إال مات) هكذا الرواية "فال ِ
يحل" بكسر الحاء 7
و(نفَسه) بفتح الفاء ومعنى ال يحل ال يمكن وال يقع .وقال القاضى :معناه عندى حق وواجب .قال :ورواه
بعضهم بضم الحاء وهو وهم وغلط (شرح النووي )77/ 4
قوله صلى اهلل عليه وسلم (يدركه بباب لُد) هو بضم الالم وتشديد الدال مصروف ،وهو بلدة المساجد من 4
قوله صلى اهلل عليه وسلم (ثم يأتى عيسى صلى اهلل عليه وسلم قوما قد عصمهم اهلل منه فيمسح عن 4
وجوههم) قال القاضى :يحتمل أن هذا المسح حقيقة على ظاهره ،فيمسح على وجوههم تبركا وب ار ،ويحتمل أنه
إشارة إلى كشف ما هم فيه من الشدة والخوف (شرح النووي )77-77/ 4
قوله تعالى (أخرجت عبادا لى اليدان ألحد بقتالهم فحرز عبادى إلى الطور) فقوله ال يدان بكسر النون 3
تثنية يد .قال العلماء :معناه ال قدرة وال طاقة .يقال :مالى بهذا األمر يد ،ومالى به يدان ،ألن المباشرة والدفع
إنما يكون باليد ،وكان يديه معدومتان ،لعجزه عن دفعه .ومعنى حرزهم إلى الطور أى ضمهم واجعله لهم
حر از .يقال :أحرزت الشىء أحرزه إح از از اذا حفظته وضممته إليك وصنته عن األخذ .ووقع فى بعض النسخ
حزب بالحاء والزاى والباء أى أجمعهم .قال القاضى :وروى حوز بالواو والزاى ،ومعناه نحهم وأزلهم عن
طريقهم إلى الطور (شرح النووي )77/ 4
قوله (وهم من كل حدب ينسلون) الحدب :النشز ،وينسلون :يمشون مسرعين (شرح النووي )77/ 4
قوله صلى اهلل عليه وسلم (فيرسل اهلل تعالى عليهم النغف فى رقابهم فيصبحون فرسى) النغف بنون وغين
معجمة مفتوحتين ثم فاء ،وهو دود يكون فى أنوف اإلبل والغنم ،الواحدة نغفة .والفرسى بفتح الفاء مقصور أى
قتلى ،واحدهم فريس (شرح النووي )77/ 4
قوله (مأله زهمهم ونتنهم) هو بفتح الهاء أى دسمهم ورائحتهم الكريهة (شرح النووي )77/ 4 3
87
كعناق البخت ،فتحملهم فتطرهحم حيث شاء هللا ،مث يرسل هللا مطرا ل يكن منه بيت
مدر ول وبر فيغسل الرض حَّت يرتكها اكلزلقة،
مث يقال للرض" :أنبيت مثرتك ،وردي بركتك ".فيومئذ تألك العصابة من الرمانة،
ويس تظلون بقحفها ،ويبارك يف الرسل حَّت أن اللقحة من الإبل لتكفي
الفئام من الناس ،واللقحة من البقر لتكفي القبيةل من الناس ،واللقحة من الغَّن لتكفي
الفخذ من الناس،
قوله صلى اهلل عليه وسلم (ال يكن منه بيت مدر) أى ال يمنع من نزول الماء (بيت المدر) بفتح الميم 8
القاف هو مقعر قشرها ،شبهها بقحف الرأس وهو الذى فوق الدماغ .وقيل :ما انفلق من جمجمته وانفصل
(شرح النووي )74/ 4
ِ
الرسل بكسر الراء واسكان السين :هو اللبن (شرح النووي )74/ 4 7
و(اللقحة) بكسر الالم وفتحها لغتان مشهورتان ،والكسر أشهر ،وهى القريبة العهد بالوالدة ،وجمعها لقح 4
بكسر الالم وفتح القاف ،كبركة وبرك .واللقوح ذات اللبن وجمعها لقاح (شرح النووي )74/ 4
و(الفئام) بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة ،وهى الجماعة الكثيرة .هذا هو المشهور والمعروف فى اللغة 4
وكتب الغريب .ورواية الحديث أنه بكسر الفاء وبالهمز .قال القاضى :ومنهم من ال يجيز الهمز بل يقوله
بالياء .وقال فى المشارق :وحكاه الخليل بفتح الفاء ،وهى رواية القابسى .قال :وذكره صاحب مهموز فأدخله
فى حرف الياء وحكى الخطابى أن بعضهم ذكره بفتح الفاء وتشديد الياء وهو غلط فاحش (شرح النووي
)74/ 4
قوله صلى اهلل عليه وسلم (لتكفى الفخذ من الناس) قال أهل اللغة الفخذ :الجماعة من األقارب ،وهم دون 33
البطن .والبطن دون القبيلة .قال القاضى :قال ابن فارس :الفخذ هنا بإسكان الخاء فال يقال إال بإسكانها،
بخالف الفخذ التى هى العضو ،فإنها تكسر و تسكن (شرح النووي )74/ 4
88
فبيامن مه كذِل ،اإذ بعث هللا رحيا طيبة ،فتأخذمه حتت أبطهم ،فتقبض روح لك
مؤمن ولك مسمل ،ويبقى رشار الناس يهتارجون ف ما هتارج امحلر ،فعل مم تقوم
الساعة.
فدل هذا احلديث وغريه من الرواايت املوافقة هل أن خلو الرض من امجلاعة
املسلمة لن حيدث اإل قبيل قيام الساعة بعد قتال املسلمني ادلجال وبعد نزول عيس ابن
مرمي عليه السلم ،وبعد خروج يأجوج ومأجوج ،فاإذا مل يبق عىل الرض مؤمن أو
مسمل واحد مل يكن هناك عىل وجه الرض وجود اإسليم .وبناء عىل ذِل فالرخراط يف
جامعة املسلمني يبقى معل ممكنا خلل أزمنة طويةل ممتدة من وفاة الرسول صىل هللا عليه
وسمل اإىل قرب يوم القيامة .وبلتايل سؤال حذيفة ريض هللا عنه "فاا ْن لا ْم يا ُك ْن لاه ُْم ا امجاعاة
او ال ا امام؟" يكون هذا السؤال افرتاضا اس تثنائيا ،وليس حاةل يقاس ِ عل ما ول أصل يعمتد
ِ
عليه .فالصل يف املسمل هو الاختلط بلناس والارخراط يف حياهتم العامة والان واء
يف الكياانت الإسلمية القامئة ما داموا متعاونني عىل الرب والتقوى.
ويبقى الاعَتال اس تثناء حيتاج اإىل مربرات معقوةل ومقبوةل للجوء اإليه ،فليس
من هدي الرسول صىل هللا عليه وسمل الهروب من معرتك احلياة ،فاإن المل يف اإصلح
الناس يبقى قامئا ،ومقاومة الرش وادلعوة اإىل اخلري تظل مطلوبة ومتاحة رمغ الصعوبت
والتحدايت.
ولكن ينبغي التنبيه هنا أنه ليس معىن بقاء الطائفة املنصورة وظهورها يف الناس
أهنا منترشة ومتواجدة يف لك ماكن ويف لك بْل ،بل هؤلء الطائفة قد تقل وقد تكرث،
وحاةل القةل يه الغالبة ،فهنا جاءت مناس بة السؤال :كيف اإذا مل يمتكن الإنسان من
قوله صلى اهلل عليه وسلم (فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم) هكذا هو فى جميع نسخ مسلم "وكل مسلم" 3
الحمير .وال يكترثون لذلك .والهرج بإسكان الراء الجماع .يقال :هرج زوجته أي جامعها ،يهرجها ،بفتح الراء
وضمها وكسرها (شرح النووي )74/ 4
رقم ) 437 58- أخرجه مسلم (5 /8 33
89
التوصل اإىل جامعة املسلمني القامئني عىل احلق أو مل يعرف تواجدمه؟ كن يعيش الإنسان
يف بْل الكفر وليس فيه مسمل صاحل للجامتع معه والتعاون معه عىل الرب والتقوى ،أو
يسكن املسمل يف بْل يغلب عليه أحصاب البدع والعقائد الفاسدة ،ففي مثل هذه الظروف
يسوغ الاعتقاد بأنه ليس هناك جامعة املسلمني ول اإمام هلم يلجأ اإل مم.
ولكن قبل اللجوء اإىل خيار الاعَتال جيب عىل املسمل الاجهتاد يف البحث عن
جامعة من املسلمني تتعاون عىل الرب والتقوى جتمعهم عقيدة التوحيد وتربطهم وحدة
الانامتء اإىل المة الإسلمية .قال هللا تعاىل { :ااي َأهيُّ اا َّ هاذل اين أ امنُوا ات َّ ُقوا َّ ا
اّلل او ُكونُوا ام اع
الصا هد هق اني} ،مع الصادقني يف انامتهئم لهذا ادلين ،والصادقني يف العمل ابتغاء رضوان َّ
هللا .واملسمل احلريص عىل دينه حيرص عىل اختيار أحصابه فقد قال النيب صىل هللا عليه
يهل فالْ اي ْن ُظ ْر َأ احدُ ُ ْمك ام ْن ُ اخياله ُل ".وإان السلمة من اخلرسان وسملَّ " :الر ُج ُل عا اىل هد هين اخ هل ه ه
احملقق حمصورة عىل هؤلء اذلين اجمتعوا عىل الإميان والعمل الصاحل والتوايص بحلق
ات ُرس .ا َّل َّ هاذل اين أ امنُوا او ا همعلُوا َّ
الصا هل اح ه رص .ا َّن ْ هالن ْ اس اان لا هفي خ ْ ٍ والصرب عليه { اوالْ اع ْ ه
ِ ِ
اوت ااو ااص ْوا هبلْ اح ّ هق اوت ااو ااص ْوا هب َّلص ْ هرب}.
مث اإذا مل يتسن العيش مع أانس صاحلني صادقني يتواصون بحلق والصرب ،فعليه
أن يبذل هجدا للهجرة اإىل أرض الإسلم واملسلمني حيث مكن ف ما الإسلم .وقد حىك
هللا يف القرأن عن أانس مظلومني مقهورين يف أمرمه ،ومل يعذرمه هللا اإل اإذا عزوا عن
الهجرة اإىل أرض متكهنم من أداء واجباهتم ،قال هللا تعاىل :ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
38
سورة التوبة4:
35
رقم: 854/رقم )8 43 :والترمذي ( 343/4رقم ) 333 :وحسنه وأحمد (7/ 7 أخرجه أبو داود (
)7745والحاكم وقال صحيح إن شاء اهلل ( 75/ 7رقم )78 7 :وصححه األلباني ( /3رقم)4 7 :
37
سورة العصر3- :
91
ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ
فاإذا مل ميكل الإنسان القدرة عىل الانتقال اإىل ماكن ميكنه من الارخراط يف جامعة
املسلمني أو مل يعرف وجود جامعة املسلمني ،وحارصته الفرق ال اةل ادلاعية اإىل أبواب
هجَّن ،مفا عليه اإل اعَتال احلياة العامة ،وعليه أن هيمت بشؤونه اخلاصة ،وأل يشارك أهل
الباطل يف بطلهم .وهذا هو املعىن اللئق لقول الرسول عليه الصلة والسلم" :اعَتل
تكل الفرق ُكها".
وال هفرق املأمور اعَتالها يه املشار اإل ما يف احلديث "دعاة عىل أبواب هجَّن ،من
أجاهبم اإل ما قذفوه ف ما ".وامجلاعة املأمور الَتاهما يه جامعة املؤمنني امللَتمني لطاعة هللا
ورسوهل ،وهمام قل عددمه ،كام قال ابن مسعود ريض هللا عنه" :اإمنا امجلاعة ما وافق
طاعة هللا وإان كنت وحدك".
وال افرق بني امجلاعة اليت أمران بلزوهما وبني ال هف ارق اليت أمران بعَتالها هو أن
الوىل تدعو اإىل اخلري والمتسك بتعالمي الإسلم مجةل وتفصيل وادلعوة الكتاب والس نة
علام ومعل ،أما الثانية فهيي كام قال الرسول صىل هللا عليه وسمل تدعو اإىل أبواب هجَّن،
فهيي تدعو اإىل خمالفة أوامر هللا ورسوهل ،ويغلفون دعوهتم بأغلفة خمتلفة تغطي بطلهم
وتزين ضلهلم.
والمر الخر اذلي يربر الاعَتال هو تفامق حاةل اتباع الهوى والاننية والمتسك
بلرأي الباطل مما جيعل النصح والمر بملعروف والهنيي عن املنكر أمر مس تحيل.
يظل املسمل مطالبا بلمر بملعروف والهنيي عن املنكر حَّت اإذا وجد أن الناس
قد اس تحمكت ف مم الهواء واس تعصوا عىل النصح مفا عىل املسمل اإل أن يعكف عىل
نفسه ويعتِن بنجاة نفسه عن الفنت ويمتسك بحلق رمغ اإعراض الناس عنه.
37
سورة النساء44 - 47 :
34
اعتقاد أهل السنة ،هبة اهلل الاللكائي ، 34/ ،دار طيبة ،الرياض 83 ،هـ
91
وصفة عالجية ال تصلح إال في محلها
اإن الإسلم حيبذ املشاركة الفعاةل يف معرتك احلياة ،واملسمل احلارض الصابر عىل
الناس أف ل من غريه الغائب املدبر عن احلياة الفاعةل ،روى ابن وماجه عن ا ْب هن ُ امع ار قاا ال
امه َأع اْظ ُماّلل عالا ْي هه او اس َّ امل :الْ ُم ْؤ هم ُن َّ هاذلي ُ اخيا هلطُ النَّ ااس اوي ا ْص ه ُرب عا اىل َأ اذ ُ ْ ول َّ ه
اّلل اص َّىل َّ ُ قاا ال ار ُس ُ
َأ ْجرا هم ْن الْ ُم ْؤ هم هن َّ هاذلي ال ُ اخيا هلطُ النَّ ااس او ال ي ا ْص ه ُرب عا اىل َأ اذ ُ ْ
امه.
فتكل العزةل اليت أمر هبا الرسول صىل هللا عليه وسمل ما يه اإل وصفة ملعاجلة
واقع اس تثنايئ ،وهو واقع كام وصفه الرسول صىل هللا عليه وسمل "فتنة معياء صامء"
وتغلب ف ما "دعاة عىل أبواب هجَّن" .فهذه الفتنة -اليت تَكم عهنا الرسول صىل هللا عليه
وسمل -معياء وصامء ،قال املل عيل القاري رمحه هللا :هو فتنة عظمية وبلية جس مية
(معياء) أي يعمى ف ما الإنسان عن أن يرى احلق( ،صامء) أي يصم أهلها عن أن يسمع
ف ما ُكمة احلق أو النصيحة.
قال القايض عياض رمحه هللا :املراد بكوهنا "معياء صامء" أن تكون حبيث ل يرى
مهنا خمرجا ول يوجد دوهنا مس تغااث ،أو أن يقع الناس ف ما عىل غرة من غري بصرية،
فيعمون ف ما ويصمون عن تأمل قول احلق واس امتع النصح.
قال القاري رمحه هللا :وميكن أن يكون وصف الفتنة هبام كناية عن ظلمهتا وعدم
ظهور احلق ف ما وعن شدة أمرها وصلبة أهلها وعدم التفات بع هم اإىل بعض يف
املشاهدة واملاكملة وأمثالها.
ويف معىن قوهل عليه الصلة والسلم "عل ما دعاة عىل أبواب هجَّن" قال رمحه
هللا( :عل ما) أي عىل تكل الفتنة (دعاة) أي جامعة قامئة بأمرها وداعية للناس اإىل قبولها
34
)83والترمذي ( 87/4رقم ) 83 :وأحمد ( 3 7/ 3رقم)8743 : 34/رقم: أخرجه ابن ماجه (
وصححه الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ( 33/3رقم )5347 :واأللباني في السلسلة الصحيحة
( 3/3رقم)434 :
83
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ()37 / 5
92
(عىل أبواب النار) حال أي فكهنم اكئنون عىل شفا جرف من النار يدعون اخللق اإل ما
حَّت يتفقوا عىل ادلخول ف ما (فاإن مت) ب م املمي وكرسها (اي حذيفة وأنت عاض عىل
جذل) أي واحلال أنك عىل هذا املنوال من اختيار الاعَتال والقناعة بألك قرش الَشار
واملنام فوق الجحار (خري ِل من أن تتبع) بتشديد التاء الثانية وكرس املوحدة وجيوز
ختفيفها وفتح الباء (أحدا مهنم) أي من أهل الفتنة أو من دعاهتم.
فهذه احلاةل ل تقع يف لك الحوال ،فهيي حاةل تعذر وجود جامعة من املسلمني
يدعون الناس اإىل اخلري ويأمرون بملعروف ويهنون عن املنكر.
اين قاا الَ :أتايْ ُت َأ اب ثا ْعلا اب اة الْخ اُش ه َِّن كام روى الرتمذي وغريه اع ْن َأ هيب ُأ اميَّ اة َّ
الش ْع اب ه ه ّ
فا ُقلْ ُت ا ُهل :اك ْي اف ت ْاصنا ُع هبه ا هذ هه ْالي ا هة؟
قاا الَ :أي َّ ُة أي ا ٍة؟
رضُ ْمك ام ْن ضا َّل ا اذا قُلْ ُت :قا ْو ُ ُهل تا اع ااىل { :ااي َأهيُّ اا َّ هاذل اين أ امنُوا عالا ْي ُ ْمك َأنْ ُف اس ُ ْمك ال ي ا ُ ُّ
ِ
ا ْه اتدا يْ ُ ْمت }
اّلل عالا ْي هه
اّلل اص َّىل َّ ُ اّلل لاقادْ اسأَلْ ات اعهنْ اا اخبهريا اسأَلْ ُت اعهنْ اا ار ُسو ال َّ ه قاا الَ :أ اما او َّ ه
او اس َّ امل،
وف اوتانااه ْاوا اع ْن الْ ُم ْن اك هر ،اح ََّّت ا اذا ار َأيْ ات ُُشًّا ُم اطاعا فاقاال" :ب ا ْل ائْ ات هم ُروا هبلْ ام ْع ُر ه
ِ
لك هذي ار ْأ ٍي هب ار ْأ هي هه فا اعلا ْي اك ه اخب َّاص هة ن ا ْف هس اك او اد ْع الْ اع اوا َّم، اب ُ هّ اوهاوى ُمتَّ ابعا او ُدنْ ايا ُم ْؤث اارة اوا ْ اع ا
الص ْ ُربِ هف ه م َّن همثْ ُل الْقا ْب هض عا اىل الْ اج ْم هر هللْ اعا هم هل هف ه م َّن همثْ ُل َأ ْج هر ا ْمخ هس اني فاا َّن هم ْن او ارائه ُ ْمك َأ َّايما َّ
اّلل َأ ْج ُر ا ْمخ هس اني همنَّا َأ ْو همهنْ ُ ْم؟ قاا ال :ب ا ْل َأ ْج ُر ارِ ُجل ي ا ْع املُو ان همثْ ال ا امع هل ُ ْمك .هقي ال :ااي ار ُسو ال َّ ه
ا ْمخ هس اني هم ْن ُ ْمك".
8
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ()37 / 5
8
سورة المائدة35 :
83
3رقم ) 448 :وقال" :هذا حديث حسن غريب" ،وابن حبان في صحيحه أخرجه الترمذي (/ 3
( 7 /رقم )347 :والحاكم في المستدرك ( 47/ 4رقم )43 4 :وقال :هذا حديث صحيح اإلسناد ولم
يخرجاه.
93
وكام روى احلامك عن عبد هللا بن معرو ريض هللا عهنام قال :كنا حنن حول رسول
هللا صىل هللا عليه وسمل جلوسا اإذ ذكر الفتنة أو ذكرت عنده ،فقال رسول هللا صىل
هللا عليه وسمل " :اإذا رأيت الناس قد مرجت عهودمه وخفّت أماانهتم واكنوا هكذا".
وش بك بني أانمهل ،فقمت اإليه ،فقلت :كيف أفعل اي رسول هللا؟ جعلِن هللا فداك!
قال " :الزم بيتك ،وامكل عليك لسانك ،وخذ ما تعرف ودع ما تنكر ،وعليك
خباصة أمر نفسك ،ودع عنك أمر العامة".
فهناك من الناس من عندمه نزعة انطوائية يربرون موقفهم السليب بلنصوص
ادلينية ،وبلتايل يشجعون املتدينني عىل الانسحاب والانعزال فتفرغ الساحة للفساد
واملفسدين .وعزةل أحصاب ادلين عن مواقع التأثري يزيد الناس بعدا عن ادلين احلق ،مفا
دام عندمه قبول وإاقبال دليهنم فل يلجأ املؤمن اإىل عزلهتم.
فالنسحاب من معرتك احلياة وعدم حماوةل اإصلح الناس ليس هو الصل يف
سلوك املؤمن ول هو الصل يف هدي الإسلم ،بل يبقى املؤمن يبذل هجده يف ذِل،
حَّت اإذا وجد أن املسأةل أكرب من اإماكنيته وإاذا بلغ فساد الناس حدا ل ميكن اإصلحه
فهنا حيرص عىل أل ينشغل بلناس ،وعليه أل يرض نفسه بلحتاكك بتكل البيئة الفاسدة،
ويرتك أمر عامة الناس اإىل هللا ،فلك اإنسان حسيب نفسه ،وهللا هيدي اإليه من ينيب.
88
مرجت :اختلفت وفسدت.
85
رقم )7477 :وقال :هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه .وصححه األلباني أخرجه الحاكم (/ 4
في صحيح الجامع الصغير ( 78/رقم)578 :
94
ثبات وسط العواصف
فهذه الوصفة اخلاصة اليت خصها الرسول صىل هللا عليه وسمل يف الفتنة احلالكة
كل الْ هف ار اق ُُكَّهاا اولا ْو َأ ْن تا اع َّض هبأَ ْص هل
والفوِض العارمة قاال عليه الصلة والسلم :فاا ْع ا هَت ْل هت ْ ا
اَش اار ٍة اح ََّّت يُدْ هر اك اك الْ ام ْو ُت او َأن اْت عا اىل اذ ه اِل.
قال الطربي كام نقهل عنه ابن جحر :أنه مَّت مل يكن للناس اإمام فافرتق الناس
أحزاب فل يتبع أحدا يف الفرقة ويعَتل امجليع اإن اس تطاع ذِل خش ية من الوقوع يف
الرش ،وعىل ذِل يتزنل ما جاء يف سائر الحاديث ،وبه جيمع بني ما ظاهره الاختلف
مهنا.
وقال الش يخ عبد احملسن العباد يف رشحه لسنن أيب داود :اإذا اكنت الفنت
والاضطرابت والفوِض ،وليس هناك ولية تقمي ادلين وتردع املعتدين وتقيض عىل
اجملرمني ،واكن الناس متفرقني فاعَتل تكل الفرق ،ولو أاتك املوت وأنت عاض عىل جذل
َشرة ،أي :أصل َشرة ،تبقى حتهتا وتلزهما مبتعدا عن الرشور والفنت اليت حصلت بني
الناس .اهـ
ويف معىن العض بأصل الشجرة للعلامء قولن ،ورحج الإمام البي اوي أنه كناية
عن ماكبدة املشقة كقوهلم فلن يعض احلجارة من شدة المل ،ويؤيد هذا القول ما ورد يف
87
874/رقم )7557 :ومسلم ( 347/4رقم)3838 : 834/رقم،3334 : أخرجه البخاري (
87
فتح الباري 44/ 3 :رقم7557 :
84
عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد اهلل بن حمد بن عثمان ال بدر ،تولى التدريس في المسجد
النبوي بالمدينة المنورة في أول عام 1406هـ ،حيث درس فيه الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي وجامع
الترمذي وسنن بن ماجه ،ودرس أيضا ألفية السيوطي في المصطلح ،ودرس مقدمة ابن أبي زيد القيرواني
وتطهير االعتقاد للصنعاني وشرح الصدور للشوكاني ،ودري شرح شروط الصالة وكتاب آداب المشي إلى
الصالة لمحمد بن عبد الوهاب( .عبد_المحسن_العباد)http://ar.wikipedia.org/wiki/
95
رواايت غري الصحيحني "فاإن مت وأنت عاض عىل جذل خري ِل من أن تتبع أحدا
مهنم ".وهذا هو اذلي انسجم مع س ياق احلديث.
وأما ذهب اإليه ابن جحر رمحه هللا من أنه كناية عن لزوم جامعة املسلمني وطاعة
سلطيهنم ولو عصوا .فهو رشود عن مساق احلديث لن هذا اجلواب من الرسول
صىل هللا عليه وسمل جاء بعد سؤال حذيفة " :فاا ْن لا ْم يا ُك ْن لاه ُْم ا امجاعاة او ال ا امام؟" وكذِل
ِ قول ابن بطال أن "فيه جحة مجلاعة الفقهاء يف ِ
وجوب لزوم جامعة املسلمني وترك اخلروج
عىل أمئة اجلور ،لنه وصف الطائفة الخرية بأهنم "دعاة عىل أبواب هجَّن" ومل يقل ف مم
"تعرف وتنكر" كام قال يف الولني ،ومه ل يكونون كذِل اإل ومه عىل غري حق ،وأمر مع
ذِل بلزوم امجلاعة" فهذا القول جمانب للصواب جدا لن وصف "دعاة عىل أبواب
هجَّن" ل يصح أن يطلق عىل جامعة املسلمني وإاماهمم حبال من الحوال ،فهو مناقض
لسس ادلين املعروفة وللك القمي الإنسانية السلمية ،بل لزوم امجلاعة وإامام املسلمني هو
من أجل الاحامتء من هؤلء ادلعاة الرشار .فاإذا اكن جامعة املسلمني وإاماهمم مه أنفسهم
دعاة الرش فهل من املعقول واملقبول أن يأمر الرسول صىل هللا عليه وسمل بلزوم هؤلء؟!
فهذا أمر مرفوض بداهة ،بل احلديث واحض يف المر بعَتال أولئك ،وقد س بق أن رأينا
النصوص املتظافرة اليت تدل عىل هذا املعىن اذلي اخرتانه.
واحلديث ظاهر يف تثبيت املسمل عىل احلق وتعلميه كيفية اختاذ القرار الصحيح يف
املواقف الصعبة ،واحلديث يبني بوضوح أن املسمل يف أحكل الظروف ل بد أن يعرف
طريقه وخيتار موقفه الصحيح رمغ الظروف الصعبة اليت تعصف بلك من حوهل.
84
انظر :فتح الباري 44/ 3 :رقم7557 :
53
المصدر نفسه
5
المصدر نفسه
96
الخالصة
اإن هذا احلديث الرشيف يكشف أرسارا خطرية ختبهئا الزمنة وتربزها
الحداث .أثبت احلديث أن الايم دول ،والمور قلّب ،وقد حدّث التارخي بظهور أمم
وسقوطها ،جميء اخلري وذهابه ،وأن زمن اخلري يف ادلنيا همام بلغ من القوة والس يطرة اإل
ويعقبه زمن أخر ميتحن هللا فيه املؤمنني وخيترب الصادقني و ّميزي فيه الصابرين عن غريمه .مل
يتفاجأ حذيفة ريض هللا عنه من اإجابة الرسول صىل هللا عليه وسمل حني أخربه أن هذا
اخلري اذلي مه فيه -مع معق أثره وسعة انتشاره وقوة مصدره -ل بد أن يشهد حتول ل
تس تثنيه س نة هللا اليت ل تتبدل .ذلِل مل يقف حذيفة كثريا عند هذه النقطة ،فاإهنا
الرش هم ْن معروفة دليه سابقا ومتوقعه عنده قبل ،فبادر بسؤال ما بعده " :اوه ْال ب ا ْعدا اذ ه اِل َّ ّ ه
خ ْ ٍاري؟"
فأجاب الرسول صىل هللا عليه وسمل بلإجياب ،وهو متوقع أي ا ،ولكن أضافه
مبعلومة جديدة هممة ،ويه أن ذِل اخلري ل يكون صافيا ،بل فيه دخن يشوبه .ما هو
ون هبغ ْ هاري اهدْ هِي تا ْع هر ُف همهنْ ُ ْم ذِل ادلخن؟ أجاب النيب صىل هللا عليه وسمل :قا ْوم هيا ْدُ ا
ون هبغ ْ هاري اوتُ ْن هك ُر .ويف رواية ملسمل :قُلْ ُت :او اما اد اخنُ ُه؟ قاا ال :قا ْوم ي ْاستان ُّ ا
ون هبغ ْ هاري ُسن َّ هيت اوهيا ْدُ ا
اهدْ هِي تا ْع هر ُف همهنْ ُ ْم اوتُ ْن هكر.
نعم يرجع ذِل اخلري اذلي غطاه رش الفتنة العارمة احلادثة يف مرحةل سابقة،
ولكن مل يرجع ذِل الصفاء اذلي اكن يف العرص الول .فظهر اخلري وظهر معه أانس
خيلطون املعروف بملنكر ،ويلبسون احلق بلباطل .ومع هذا اخللط وعدم صفاء المور
وعدم مت ُّحض اخلري فقد اوصفه الرسول صىل هللا عليه وسمل بخلري ،لن العربة بلغالب
واحلمك للكرثّ ،عمل الرسول صىل هللا عليه وسمل التوازن والاعتدال يف احلمك عىل
الوضاع العامة ،نعم هناك خلط وفيه شوائب لكن اخلري سائد ،هو خري يف الغالب لكن
أي ا ينبغي العمل بوجود ادلخن ،وجيب الانتباه بوجود أانس خيلطون اخلري بلرش
ويلبسون احلق بلباطل.
97
مث أخرب الرسول صىل هللا عليه وسمل مبجيء طور أخر أسوأ ،وهو زمن رش
رش؟ٍ قاا ال عليه الصلة والسلم :ن ا اع ْم أخر ،سأل ريض هللا عنه :فاه ْال ب ا ْعدا اذ ه اِل الْخ ْ هاري هم ْن ا ّ
ُدعااة ا اىل َأبْ او هاب ا اهجَّنَّ ا ام ْن َأ اجاهبا ُ ْم الا مْ اا قا اذفُو ُه هف ماا.
ِ ِ
قد تكون تكل ادلعوة اإىل أبواب هجَّن "تطورا" من اخللط احلاصل يف املرحةل
السابقة ،فلام اكن عند املسلمني ذِل اخللط وعدم المتيزي بني اخلري والرش واحلق
والباطل ،جاء بعده أانس يدعون اإىل رش همكل يؤدي اإىل الكفر اذلي يدخل صاحبه اإىل
النار .اكن الرش من قبل حمدودا ،واملعروف اكن خملوطا ،ولكن يف هذه املرحةل جترأ
الناس اإىل رش واحض ومنكر صارخ .وليس هذا هو السوأ يف املسأةل ،فالخطر من ذِل
ون هبأَلْ هس نا هتناا" .فيصعب بذِل جتنب أن هؤلء ادلعاة الرشار " ُ ْمه هم ْن هج ْ اْل هتناا اوياتا اَكَّ ُم ا
خماطر تكل الفتنة العمياء اإذ اخلطر يأيت من داخل البيت الإسليم ويتَكم أحصابه بلسان
املسلمني .تكل فتنة أصعب من الوىل ،يه فتنة ضاعت ف ما املعامل الواحضة اليت اكنت
الناس هيتدي هبا ويقيسون هبا المور .فذلِل كام يف رواية النسايئ :قال الرسول صىل
هللا عليه وسمل حلذيفة" :فتنة معياء صامء عل ما دعاة عىل أبواب النار ،وأن متوت اي حذيفة
وأنت عاض عىل جذل خري ِل من أن تتبع أحدا مهنم".
اإذا اكنت ادلعوة النبوية املباركة قد طردت الكفر من اجلزيرة العربية وما حلقها من
مناطق املسلمني فاإن أعراض الكفر رجعت بلباس أخر جديد مل يعرفه املسلمون .وما
ذِل اإل نتيجة اخللط والتلبيس اذلي أفقد املسلمني قدرهتم عىل المتيزي وأضعف
حساسيهتم جتاه املنكرات.
ولكن هل يعِن هذا أنه ل خمرج من هذه املصيبة العاتية؟ بطبيعة احلال ل يصل
المر اإىل ذِل احلد ،فاإن هللا ل يَكف الناس فوق ما يقدرون عىل فعهل .فذلِل سأل
حذيفة طريق النجاة يف ذِل الوضع الصعب .قال :فا اما تاأْ ُم ُر هين ا ْن َأد اْر اك هِن اذ ه اِل؟ فقاا ال
ِ
عليه الصلة والسلم :تالْ از ُم ا امجاعا اة الْ ُم ْس هل هم اني اوا اما امه ُْم.
ِ
5
سنن النسائي الكبرى 4/5رقم 433
98
اإن المتسك بوحدة المة وملزمة جامعة املسلمني واحلفاظ عىل ما اجمتع عليه
املسلمون هو احلل لتكل الفتنة اليت متزق الكيان الإسليم وتشتت قواه.
وهذا يف حاةل ما اإذا اكن للمسلمني كيان منظم وجامعة قامئة ،أما يف حاةل ال ياع
العام اذلي ليس للمسلمني فيه كيان جامع ول قائد ها ٍد صامد ،بل تتشت المة يف راايت
ش َّت مت اربة وت يع معامل ادلين يف وسط هجل عام وعامية غالبة ،فلك فرد يمتسك مبا
عنده من أصل اخلري ،ويتشدد يف الاس متساك بأصل ادلين وأساس يات الإسلم املتبقية.
قال س يدان حذيفة ريض هللا عنه :فاا ْن لا ْم يا ُك ْن لاهُ ْم ا امجاعاة او ال ا امام؟ فقاا ال النيب عليه
ِ
كل الْ هف ار اق ُ ُِكَّهاا اولا ْو َأ ْن تا اع َّض هبأَ ْص هل اَش اار ٍة اح ََّّت يُدْ هر اك اك الْ ام ْو ُت
الصلة والسلم :فاا ْع ا هَت ْل هت ْ ا
او َأن اْت عا اىل اذ ه اِل.
مث هل بعد هذا الرش من خري؟ ويبدو أن احلديث قد أبرز أمناط التحولت
التارخيية اليت ميكن القياس عل ما.
ومثل ذِل حديث "بدأ الإسلم غريبا ،وس يعود كام بدأ غريبا ،فطوىب
للغربء ".فاإنه يتحدث عن منط التحرك التارخيي .فاإن س نة التداول بني اخلري والرش
ترسي عىل لك مراحل التارخي بطراد .قال العلمة الش يخ يوسف القرضاوي" :واذلي
أراه أن احلديث يتحدث عن دورات أو (موجات) تأيت وتذهب .وإان الإسلم يعرض هل
ما يعرض للك ادلعوات والرسالت من القوة وال عف ،والامتداد والانكامش،
والازدهار واذلبول ،وفق س نة هللا اليت ل تتبدل .فهو كغريه خاضع لهذه السنن الإلهية،
اليت ل تعامل الناس بوهجني ،ول تكيل هلم بكيلني .مفا جيري عىل الداين واملذاهب
جيري عىل الإسلم .وما جيري عىل سائر المم جيري عىل أمة الإسلم".
وخلصة لك ذِل مبثوثة يف كتاب هللا وبيان اخملرج من لك فتنة مثبت يف اذلكر
احلكمي ،ملن تدبره وغاص يف أعامقه ،وهللا املوفق اإىل أقوم السبيل.
53
أخرجه مسلم ( 33/رقم ) 85
58
المبشرات بانتصار اإلسالم ،د .يوسف القرضاوي ،المكتب اإلسالمي ،بيروت ،الطبعة الثالثة 8 4 ،هـ-
444م ،ص3
99
وامحلد هلل وصىل هللا عىل س يدان محمد وعىل أهل وحصبه والتابعني
111
الفهرس
مقدمة 2 ......................................................................
فهم الواقع وخطورة التشخيص اخلاطئ 6 .........................................
أمهية مجع الروايات لفهم احلديث 8 ..............................................
معطيات القرآن يف معاجلة مشكالت الواقع 11 ...................................
ضرورة الرجوع إىل القرآن 14 ...................................................
ما هو "الشر" بعد عهد النبوة؟ 18 ..............................................
الكالم عن الفتنة مبا ال ينتج فتنة أخرى 21 ......................................
قاعدة قرآنية ثابتة" :زوال الشر وبقاء اخلري" 23 ...................................
فقه "الدخن" 25 ..............................................................
هدي الشرع إذا اختلطت األمور 28 ............................................
أدوات التمييز 34 .............................................................
فقه االختالف واالئتالف39 ...................................................
إصالح ذات البني 48 .........................................................
األمر باملعروف والنهي عن املنكر ودوره يف بقاء اخلري 51 ..........................
دور اجملددين يف تصحيح املسار 54 .............................................
عودة الشر بعد اخلري جمدَّدا 58 .................................................
111
لزوم مجاعة املسلمني 63 .......................................................
ثبات اإلطار العلمي 68 .......................................................
إذا افرتق اإلطاران 71 .........................................................
إذا صارت اجلماعة مجاعات 75 ................................................
بني االخنراط واالعتزال 82 ......................................................
وصفة عالجية ال تصلح إال يف حملها92 .........................................
ثبات وسط العواصف 95 ......................................................
اخلالصة 97 ..................................................................
112