- - مجلة وطني العدد 14

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 120

‫ؤ‬

‫‪5‬‬ ‫أولالكالم‬

‫نصوص‬ ‫مقـــــــــــاالت‬

‫‪95‬‬ ‫داخل مرآتي‬ ‫‪14‬‬ ‫القبالة اليهودية و عقائد و أفكار الديانات الشرقية‬

‫‪96‬‬ ‫حلم‬ ‫‪16‬‬ ‫خواطر من مصر احملروسة‬

‫‪97‬‬ ‫شهيد القدس‬ ‫‪17‬‬ ‫الشائعات و اإلعالم !‬

‫‪98‬‬ ‫مملكة األشواق‬ ‫‪19‬‬ ‫نظافتك حتكي عن مستوى ثقافتك‬

‫‪99‬‬ ‫أقساط املنزل ‪..‬‬ ‫‪21‬‬ ‫دنيا وفيها العجائب سرادقات العزاء !‬

‫‪100‬‬ ‫أحالم واتس آبية‬ ‫‪22‬‬ ‫الصالة و ما فيها من أسرار‬

‫‪101‬‬ ‫ضحية‬
‫أدب األطفال‬
‫‪104‬‬ ‫صرخة‬
‫‪27‬‬ ‫القراءة و أبعادهــا العاملي ــة‬
‫‪105‬‬ ‫متاهات‬
‫‪28‬‬ ‫جنيب كيَّالي ‪ :‬أدب األطفال رئيت األدبية ‪ ،‬وأمجلُ هواياتي‬
‫‪106‬‬ ‫انتظار‬
‫‪32‬‬ ‫بنات و بنني يف معرب أرقني ـ احللقة األوىل‬
‫‪107‬‬ ‫الي ــومْ ‪... :‬هِيَ حني هَلَّتْ!‪...‬‬
‫‪34‬‬ ‫حنان‬
‫‪108‬‬ ‫محى األسئلة ‪..‬‬
‫‪36‬‬ ‫سيخرب اهلل عنهم ‪..‬‬
‫‪109‬‬ ‫طيف احلب‬
‫‪39‬‬ ‫العلم غايتنا‬
‫‪110‬‬ ‫تعاتبين باهلجر‬
‫‪40‬‬ ‫خميلة الطفل بني اللعب و القصص‬
‫‪110‬‬ ‫أتذكرني‬
‫‪42‬‬ ‫احلوار يف مرحلة الطّفولة املبكرة و دوره يف إعداد الطّفل‬
‫‪112‬‬ ‫فصول‬
‫مسرحيات مستمدة من تاريخ بطوالت السويس للكاتب جمدي مرعي ‪44‬‬
‫‪113‬‬ ‫جمدٌ سكران‬
‫‪46‬‬ ‫جزيرة األماني الغامضة‬
‫‪114‬‬ ‫منتهي الصالحية‬
‫أنا هالك‬
‫‪115‬‬ ‫حبيبيت فراشة‬
‫‪65‬‬ ‫ملف خاص نعي للراحل عبد العزيز املقاحل‬
‫‪116‬‬ ‫أطالل قليب‬

‫فنون ‪ .‬مسرح ‪ .‬سينما‬ ‫دراسات‬

‫‪70‬‬ ‫عن الرواية و الرتمجة و العاملية‬

‫لوحة الفنان التشكيلي املصري د‪ .‬عبد الناصر السعدني‬ ‫‪72‬‬ ‫قراءة يف صرير الواقع للقاصة دعاء عبد املؤمن السعيدي‬
‫‪118‬‬ ‫خطوط الزمن‬
‫‪77‬‬ ‫مراجعة كتاب أطروحات ما بعد التنمية‬

‫‪82‬‬ ‫اللهجة التهامية يف مصادر اللغة العربية القرآن الكريم أمنوذجاً‬

‫‪43‬‬ ‫سرية وطن ‪ ..‬يف رواية " أين أبي " للروائية جهاد اجلفري‬

‫‪86‬‬ ‫قراءة نقدية يف ديوان (أراني أعصر ضوءا)‬

‫‪90‬‬ ‫السلطة و التوظيف السياسي للنص الديين مقاربة تارخيية‬

‫‪119‬‬ ‫آخر الكالم‬


‫أول الكالم‬

‫فنارات‬
‫‪ ..‬من عهد اإلمام علي لمالك األشتر ‪..‬‬
‫يهتدون ‪..‬‬
‫(‬ ‫لعلهم‬ ‫د ‪ .‬أحمد عزي صغير‬

‫رئيس التحرير‬
‫إن أفضل قرة عني الوالة استقامة العدل يف البالد‪ ،‬وظهور مودة‬ ‫إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو خميلة ‪،‬فانظر‬
‫الرعية‪ .‬وإنه ال تظهر مودتهم إال بسالمة صدورهم‪ ،‬وال تصح‬ ‫إىل عظم ملك اهلل فوقك وقدرته منك على ما ال تقدر عليه‬
‫نصيحتهم إال حبيطتهم على والة أمورهم‪ ،‬وقلة استثقال‬ ‫من نفسك‪ ،‬فإن ذلك يطامن إليك من طماحك‪ ،‬ويكف‬
‫دوهلم‪ ،‬وترك استبطاء انقطاع مدتهم‪ .‬فافسح يف آماهلم‪،‬‬ ‫عنك من غربك‪ ،‬ويفئ إليك مبا عزب عنك من عقلك‪،‬‬
‫وواصل يف حسن الثناء عليهم‪ ،‬وتعديد ما أبلى ذوو البالء‬ ‫إياك ومساماة اهلل يف عظمته والتشبه به يف جربوته‪ ،‬فإن اهلل‬
‫منهم‪ .‬فإن كثرة الذكر حلسن أفعاهلم تهز الشجاع وحترض‬ ‫يذل كل جبار ويهني كل خمتال أنصف اهلل وأنصف الناس‬
‫الناكل إن شاء اهلل‪ .‬ثم أعرف لكل امرئ منهم ما أبلى‪ ،‬وال‬ ‫من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من‬
‫تضيفن بالء امرئ إىل غريه‪ ،‬وال تقصرن به دون غاية بالئه‪ ،‬وال‬ ‫رعيتك‪ ،‬فإنك إال تفعل تظلم‪ ،‬ومن ظلم عباد اهلل كان اهلل‬
‫يدعونك شرف امرئ إىل أن تعظم من بالئه ما كان صغرياً‪،‬‬ ‫خصمه دون عباده‪ ،‬ومن خاصمه اهلل أدحض حجته وكان هلل‬
‫وال ضعة امرئ إىل أن تستصغر من بالئه ما كان عظيماً‪.‬‬ ‫حرباً حتى ينزع ويتوب‪ .‬وليس شيء أدعى إىل تغيري نعمة اهلل‬

‫وإياك واملن على رعيتك بإحسانك‪ ،‬أو التزيد فيما كان من‬ ‫وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم‪ ،‬فإن اهلل مسيع دعوة‬

‫فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعدك خبلفك‪ ،‬فإن املن يبطل‬ ‫املضطهدين ( و هو للظاملني باملرصاد ( ‪.‬‬
‫اإلحسان والتزيد يذهب بنور احلق‪ ،‬واخللف يوجب املقت عند‬ ‫) إن شر وزرائك من كان لألشرار قبلك وزيراً‪ ،‬ومن شاركهم‬
‫اهلل والناس‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اهللِ أَنْ تَقُولُوا مَا ال‬ ‫يف اآلثام ! فال يكونن لك بطانة‪ ،‬فإنهم أعوان األمثة وإخوان‬
‫تَفْعَلُونَ‪ .‬وإياك والعجلة باألمور قبل أوانها‪ ،‬أو التسقط فيها‬ ‫الظلمة‪ ،‬وأنت واجد منهم خري اخللف ممن له مثل آرائهم‬
‫عند إمكانها‪ ،‬أو اللجاجة فيها إذا تنكرت‪ ،‬أو الوهن عنها إذا‬ ‫ونفاذهم‪ ،‬وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم‪ ،‬ممن مل يعاون‬
‫استوضحت‪ .‬فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه‪.‬‬ ‫ظاملاً على ظلمه وال آمثا على إمثه‪ .‬أولئك أخف عليك‬
‫وإياك واالستئثار مبا الناس فيه أسوة‪ ،‬و التغابي عما يعنى به‬ ‫مؤونة‪ ،‬وأحسن لك معونة‪ ،‬وأحنى عليك عطفا‪ ،‬وأقل لغريك‬
‫مما قد وضح للعيون‪ ،‬فإنه مأخوذ منك لغريك‪ .‬وعما قليل‬ ‫إلفاً‪ ،‬فاختذ أولئك خاصة خللواتك وحفالتك)‬
‫تنكشف عنك أغطية األمور وينتصف منك للمظلوم‪.‬‬ ‫ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول‪ ،‬وقلة‬
‫وإن ظنت الرعية بك حيفاً فأصحر هلم بعذرك‪ ،‬واعدل عنك‬ ‫إنصاف يف معاملة‪ ،‬فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك‬
‫ظنونهم بإصحارك‪ ،‬فإن يف ذلك رياضة منك لنفسك‪ ،‬ورفقاً‬ ‫األحوال‪ .‬وال تقطعن ألحد من حاشيتك وحامتك قطيعة‪،‬‬
‫برعيتك‪ ،‬وإعذاراً تبلغ به حاجتك من تقوميهم على احلق‪.‬‬ ‫وال يطمعن منك يف اعتقاد عقدة تضر مبن يليها من الناس‪،‬‬

‫وال تطولن احتجابك عن رعيتك‪ ،‬فإن احتجاب الوالة عن‬ ‫يف شرب أو عمل مشرتك حيملون مؤونته على غريهم‪ ،‬فيكون‬

‫الرعية شعبة من الضيق‪ ،‬وقلة علم باألمور ‪ ،‬و االحتجاب منهم‬ ‫مهنأ ذلك هلم دونك‪ ،‬وعيبه عليك يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه‪ ،‬فيصغر عندهم الكبري‪،‬‬ ‫وألزم احلق من لزمه من القريب والبعيد‪ ،‬وكن يف ذلك‬
‫ويعظم الصغري‪ ،‬ويقبح احلسن وحيسن القبيح‪ ،‬ويشاب احلق‬ ‫صابراً حمتسباً‪ ،‬واقعاً ذلك من قرابتك وخاصتك حيث‬
‫بالباطل‪.‬‬ ‫وقع‪ ،‬وابتغ عاقبته مبا يثقل عليك منه‪ ،‬فإن مغبة ذلك‬
‫حممود‪.‬‬

‫‪ 5‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫ّ‬
‫صدر عن دار قمرة للبحوث والنشر في بيروت‬

‫سيرة أخرى للطنطل‬


‫رواية جديدة لليافعين‬

‫للكاتب العراقي فاضل الكعبي‬

‫تقرير ‪ :‬عبد الرمحن حممد عبد املعطي داوود ـ مصر‬

‫تشبه إىل حد ما ملحمة كلكامش وقصة الطوفان قبل مخسة‬ ‫( سرية أخرى للطنطل) رواية لليافعني للكاتب فاضل الكعيب‬
‫آالف سنة ‪ ،‬أما طنطل روايتنا هذه فمختلف متاماً بشخصيته‬ ‫‪ ،‬صدرت عن دار قمّرة للبحوث والنشر يف بريوت ‪ ،‬رواية متزج بني‬
‫وأفعاله و مواقفه ‪ ،‬فقد أتت هنا لتصحح بعض املسارات‬ ‫اخليال والواقع بأحداث واقعية تتلبس اخليال بغرائبية مثرية‬
‫باالجتاه الصحيح لبين البشر ‪ ،‬وحتارب الظلم و الفساد‬ ‫ومشوقة ‪ ،‬حيلم و يتمنى بطل الرواية بامتالك القوة اخلارقة‬
‫والفاسدين وهلذا فقد جاءت لتكون مرضيّة للسّواد األعظم من‬ ‫اليت ميتلكها سوبرمان أو الطنطل لكي يتمكن عربها من‬
‫الناس ومرغوبة لديهم ‪ ،‬ألنَّها حققت هلم ما يرغبون به مما‬ ‫القضاء على جربوت الظاملني والفاسدين والسّراق يف واقع‬
‫عجزوا عن حتقيقه ‪ ،‬وهذا ما ميكن التوصل إليه ومعرفته من‬ ‫احلياة ‪ ،‬ولكي يشيع اخلري واجلمال وينتصر اخلري واجلمال‬
‫خالل أحداث الرواية املثرية والغريبة واملشوقة من البداية حتى‬ ‫على الشر واألشرار ‪ ،‬و قد استخدم الطنطل رمزاً عضويا‬
‫النهاية ‪ ،‬وبطل الرواية الذي راح يتمنى وحيلم بلقاء الطنطل‬ ‫وحمورياً لسري أحداث الرواية و غرائبيتها ‪ ،‬والطنطل اسم‬
‫و احلصول منه على شيء من القوة اخلارقة للطنطل ‪ ،‬وعندما‬ ‫مأخوذ من األساطري السومرية يف العراق وأهواره يف اجلنوب‬
‫يتحقق له اللقاء بالطنطل يف ذلك املوقف الغريب يعلم‬ ‫لكائن أسطوري بارز و شهري يف الرتاث الشعيب العراقي ‪،‬‬
‫الطنطل أن يف داخله قوة خارقة ‪ ،‬نعم لإلنسان قوة خارقة‬ ‫والطنطل خملوق غريب أقوى من البشر وأكثر شرَّاً وشراسة‬
‫ميتلكها يف أعماقه ‪ ،‬ترى ماهي هذه القوة ‪ ،‬وأين تكمن ‪ ،‬وكيف‬ ‫من اجلن ‪ ،‬ويوصف كما هو يف ذاكرة املتخيّل املتوارث بأنه‬
‫الوصول إليها ؟‪ ..‬هذا سرّ من أسرار هذه الرواية املثرية اليت‬ ‫عمالق طويل وخميف ‪ ،‬وكائن متحوّل يتلبّس شكل إنسان أو‬
‫كتبت بأسلوب سردي حديث ومثري ومشوق يثري القراءة‬ ‫حيوان أو مجاد ‪ ،‬خيرج للناس يف الليل والناس ختشاه وختاف‬
‫ويشدها يف لغة عذبة وشاعرية ‪.‬‬ ‫منه لسطوته والمتالكه للقوَّة اخلارقة ‪ ،‬وأسطورة الطنطل‬

‫‪ 6‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫ملتقى عليسة يحتفي بـ‬

‫تونس عاصمة الفنون‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يجمعهن االختالف و حب الفن‬

‫ريم البياتي ‪ :‬تشرفت بزيارة الشقيقة‬


‫تونس ‪ ،‬حيث رأيت دمشق في كل العيون‬
‫تقرير الشاعرة ‪ :‬ريم البياتي‬

‫الفنانة السورية ليندا بيطار‪ ،‬ذاك الصوت اجلهوري سيغين‬ ‫ملتقى عليسة الدولي للمبدعات هو امتداد طبيعي‬
‫باقة من اغانيها واغاني طربية جلمهور تونس ويشرف على‬ ‫لنضاالت املرأة التونسية اليت خاضتها يف خمتلف اجملاالت‬
‫قيادة الفرقة الدكتور مسيح احملجوبي «ليندا صوتها‬ ‫االجتماعية و الثقافية و السياسية حسب تعبري مديره‬
‫مجيل وهلا إ حساس خمتلف يف تعاملها مع املوسيقى‬ ‫عادل اجلريدي والتظاهرة حتتفي باملرأة مبدعة وكاتبة‪،‬‬
‫واألغاني ‪.‬‬ ‫حتتفي بنضاالت النساء وتقدمها للقارئ واجلمهور‪ ،‬اميانا‬
‫بأنّ الفن افضل السبل للدفاع عن حقوق النساء والفنّ‬
‫وبإجنازاتهن‪.‬‬ ‫بهنّ‬ ‫للتعريف‬ ‫الطرق‬ ‫امجل‬
‫تنطلق الدورة اخلامسة مللتقى عليسة الدولي حتت شعار‬
‫«تونس عاصمة املبدعات» وتشارك يف هذه الدورة كل من‬
‫ليبيا حبضور الشاعرتني خلود الفالح وحليمة الصادق‬
‫العايب‪ ،‬واملغرب ومتثلها الشاعرة ليلى نسيمي واالستاذ‬
‫حممد شخمان رئيس املركز املغربي للثقافة واالبداع‬
‫وفلسطني من خالل تكريم ايقونة الثورة واملقاومة ليلى‬
‫خالدو سوريا اليت ستمثلها الشاعرة ريم البياتي ومتثل‬
‫الشاعرة نارميان علوش دولة لبنان‪ ،‬كما حتضر األردن من‬
‫خالل مشاركة والبحرين واليونان ضيفة شرف متثلها‬

‫ويكرم امللتقى يف دورته اخلامسة من خالل وضع صورتها‬ ‫الشاعرة ‪ voula memou‬ومتثل تونس جمموعة من‬

‫على املعلقة الرمسية شاعرة كانت من الركائز االساسية‬ ‫الشاعرات على غرار الثريا رمضان وسلوى البحري وماجدة‬
‫لنجاح التظاهرات السابقة‪ ،‬شاعرة سال حربها كثريا‬ ‫الظاهري وفضة خليفة وسلوى الراحبي ومجيعهنّ سيقرأن‬

‫للدفاع عن حقوق النساء واختارت ان يكون قلمها وشعرها‬ ‫الشعر وتصدح كلماتهنّ يف خبايا الروح‪ ،‬باإلضافة اىل‬

‫صوتا ملرضى سرطان الثدي وصوتا لكل املستضعفات‪،‬‬ ‫القراءات الشعرية تقدم جمموعة من اللقاءات العلمية‬

‫شاعرة اختطفها املوت قبيل املهرجان بأيام‪ ،‬فاطمة بن‬ ‫والندوات حمورها « الثقايف والنضالي يف االدب النسوي ‪».‬‬

‫فضيلة حتضر روحا وشعرا وتغيب جسدا‪.‬‬ ‫للموسيقى حضورها يف برنامج املهرجان ويكون عشاق‬
‫الطربية والكلمة امللتزمة اللقاء مساء‬ ‫االغنية‬
‫السبت‪22‬اكتوبر يف مسرج اجلهات مبدينة الثقافة مع‬

‫‪ 7‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫ً‬
‫صدر حديثا عن شركة مسارات المستقبل للتعليم‬
‫سلسلة كتب قيمة لرياض األطفال‬
‫للدكتور محمد أحمد زغاري‬

‫األناشيد اليت مت تأليفها وغنائها على يد أفضل من هم يف‬ ‫كتبت ‪ :‬فرح حممد حمسن السروي ‪ -‬دمياط – مصر‬
‫اجملال‪ ..‬مت ربط مجيع حمتويات الكتب بـ ‪Qr Code‬‬ ‫صدر حديثاً عن شركة مسارات املستقبل للتعليم سلسلة‬
‫كتب قيمة لرياض األطفال ‪ ،‬نهج‬
‫علمي تربوي متكامل ملرحلة رياض‬
‫األطفال للدكتور حممد أمحد‬
‫زغاري ‪.‬‬

‫من‪ 2.5‬إىل ‪ 7‬سنوات ‪ ،‬نشرت حاليا‬


‫بالسعودية حيث قسم منهج رياض‬
‫األطفال إلي ثالث مراحل حسب‬
‫الدراسة باململكة ‪ ،‬وأيضا قسم املنهج‬
‫يوصل ولي األمر أو املربي إىل مجيع احملتويات للقصص‬
‫إلي سنتني حسب باقي الدول العربية كمصر ‪.‬‬
‫واألناشيد ليستمع إليها طفل الروضة ‪ ،‬ليس هذا فحسب‬
‫بل املنهج يضم جمموعة كبرية جدا من اخلطوات‬ ‫يقول الدكتور زغاري مؤلف السلسلة والذي يعمل أستاذاً‬
‫والنصائح الرتبوية للتغلب على املشكالت السلوكية عند‬ ‫مساعداً بكلية الرتبية جامعة امللك سعود ‪ ،‬واملشرف علي‬
‫األطفال ‪ ،‬املنهج مطبوع على ورق فاخر وطباعة دجييتال‬ ‫هذه السلسلة ‪ :‬عكفت يف هذه السلسلة ما يقارب ثالث‬
‫بألوان طبيع ية ومقاس الكتب هو املقاس األمريكي األكثر‬ ‫سنوات توقفت فيها عن البحوث والكتب بسبب هذا املشروع‬
‫مناسبة ألطفال الروضة ‪.‬‬ ‫الذي وضعت فيه خالصة كل ما أتقنته يف جمال تأليف‬
‫املناهج و طرائق التدريس ‪.‬‬
‫املنهج مصمم بشخصيات مت رمسها هلذا العمل و ألوان‬
‫وتصميمات رائعة جتذب طفل الروضة ‪.‬‬ ‫حمتويات املنهج ‪ -1 :‬كتاب األنشطة ما قبل األكادميية‪.‬‬

‫املنهج فيه مزيجٌ فريدٌ ‪ ،‬فإذا كنت تبحث عن أنشطة‬ ‫‪ -2‬ثالثة كتب يف اللغة العربية‪ -3 .‬كتاب الرياضيات‪.‬‬
‫منتسوري ووالدورف فستجد ما هو أكثر‪ ،‬وإذا كنت تبحث‬ ‫‪ -4‬كتاب مهارات اإلبداع والذكاء‪ -5 .‬كتاب العقيدة‪.‬‬
‫عن مزايا املنهج السنغافوري فستجد ما هو أكثر ‪.‬‬
‫‪ -6‬القيم و اآلداب ‪.‬‬
‫اجملموعة مناسبة ألولياء األمور يطبقونها مع أوالدهم‬
‫يقول املؤلف ‪ :‬أتبعت يف تأليف هذه اجملموعة أحدث‬
‫ومناسبة ملعلمي رياض األطفال وللروضات واألكادمييات‬
‫فلسفات التعليم وأكثرها مناسبة جملتمعنا ‪ ،‬اجملموعة‬
‫‪ ،‬ومدارس االون الين واملدارس العاملية واألهلية ‪.‬‬
‫ليست عبارة عن جمموعة كتب لرياض األطفال وحسب ‪،‬‬
‫وقد ألف األناشيد اليت وضعت يف هذه املناهج الشاعر‬ ‫بل هي موسوعة شاملة وتفاعلية حتتوي على مئات‬
‫املصري د‪ /‬شاكر صربي ‪ ،‬كما اشرتك أيضا يف تأليف‬ ‫األنشطة وعلى جمموعة كبرية جدا من القصص اليت مت‬
‫القصص الكاتبة سارة زين و الكاتبة نورا عماد‬ ‫تأليفها بعناية وتسجيلها بأفضل أستوديوهات لتخرج‬
‫بشكل احرتايف وجبودة فائقة وأيضا تضم جمموعة من‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪8‬‬
‫صدر حديثا عن دار الفينيق للنشر والتوزيع‬
‫التجانس واالختالف في العرض المسرحي‬
‫"المصدر‪ ،‬المجال‪ ،‬الحد"‬
‫للبروفيسور قاسم مؤنس عزيز‬

‫يتطرق هذا الكتاب إىل مفصلني مهمني هما‪ :‬التجانس واالختالف يف املسرح‪ ،‬انطالقا من سؤال مفاده ايهما أفضل يف املسرح‬
‫التجانس بني الكتابة األدبية والكتابة البصرية‪ ،‬أم االختالف بينهما‪ .‬ميكن وضع السؤال بصورة أخرى‪ ،‬ما هي قوة املسرح‬
‫ومتاسك عناصره‪ ،‬هل هو التجانس أم االختالف‪ ،‬والرجوع بتاريخ املسرح بكل مدارسه و تياراته والتأمل يف نصوصه األدبية‬
‫جند أن غريزة العاملني باملسرح تسعى إىل التجانس والبحث عن الشبيه‪.‬‬

‫واالبتعاد جهد اإل مكان عن االختالف‪ ،‬وهذا االختالف يقرتن بالعرق احياناً أو اللون أو الرأي املختلف بني الشخصيات‪ .‬وبناءً‬
‫على ما تقدم هل أن األصل يف تكوين املسرح يعود إىل التجانس أم االختالف؟‪ ،‬ويكون اإلمضاء باإل جابة عن هذا السؤال‬
‫بالقول ان التجانس هو األصل يف تكوين املسرح يف حني أن االختالف األصل يف الفعل البشري‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪9‬‬


‫محمود محمد طه في الفضاء العلمي العراقي‬
‫جامعة المثنى تعزز الحرية األكاديمية وتجسد‬
‫االنفتاح وتحتفي بالفكر الحر عبر دراسته‬

‫و تقول الباحثة زينب‬ ‫الربوفيسور‬ ‫بإشراف‬


‫رسول‪ :‬سأواصل دراسيت‬ ‫خلف جابر‬ ‫متعب‬
‫للدكتوراة يف عامل هذا‬ ‫جامعة‬ ‫الريشاوي‬
‫الرجل العمالق و ما أمتع‬ ‫املثنى متنح الباحثة‬
‫الكتابة عن العمالقة ‪.‬‬ ‫زينب عجمي رسول‬

‫وقد تألفت جلنة املناقشة‬ ‫املاجستري‬ ‫درجة‬

‫من األساتيذ املدرجة‬ ‫يف‬ ‫امتياز‬ ‫بتقدير‬

‫امسائهم أدناه ‪:‬‬ ‫دراستها بعنوان‪ :‬الشيخ‬


‫حممود حممد طه‬
‫‪.١‬ا‪.‬د عماد جاسم حسن‪/‬‬
‫الفكري‬ ‫ودوره‬
‫جامعة ذي قار ‪ -‬رئيسا ‪.‬‬
‫والسياسي يف السودان ‪.١٩٨٥ - ١٩٠٩‬‬
‫‪. ٢‬ا‪.‬م‪.‬د خليل جودة عبد‪/‬جامعة كربالء ‪ -‬عضوا‬
‫يقول الريشاوي‪ :‬إن تغييب طه عن دوائر البحث العلمي يف‬
‫‪. ٣‬ا ‪.‬م‪ .‬د أمحد إبراهيم حممد‪/‬جامعة املثنى عضوا‬ ‫الفضاء اإلسالمي يعود لغياب احلرية األكادميية‬
‫‪. ٤‬ا‪ .‬د متعب خلف جابر ‪ /‬جامعة املثنى ‪-‬عضوا ومشرفا‬ ‫والتعتيم اإلعالمي وعدم االنفتاح الفكري وهيمنة تيارات‬
‫إسالمية معينة على اجملال األكادميي ‪ ،‬و‬
‫قال ‪ :‬عندما تعرفت على فكر طه ذُهلت‬
‫لرقي طرحه الفكري وقدرته على حتريك‬
‫حبر الفكر الساكن وباملزيد من قراءته‬
‫ازداد شغفي بفكره و ألزمت نفسي بطرحه‬
‫للتداول يف الدراسات األكادميية ‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪10‬‬


‫صدر حديثا عن دار النهضة في بيروت‬

‫رواية العرافة ذات المنقار األسود‬


‫للكاتب و الروائي اللبناني محمد إقبال حرب‬

‫صدر عن دار النهضة يف بريوت رواية " العرّافة ذات املنقار‬


‫األسود " للروائي حممد إقبال حرب ‪ ،‬و حرب من مواليد‬
‫قرية مشسطار البقاعية يف لبنان‪ ،‬نشأ يف سد البوشرية يف‬
‫جبل لبنان ‪ ،‬كاتب وروائي و شاعر لبناني‪ ،‬درس التمريض‬
‫يف اجلامعة األمريكية يف بريوت‪ ،‬ودرس البصريات يف‬
‫الواليات املتحدة ‪ ،‬عمل يف عيادة ‪Reitna Associates‬‬
‫يف مدينة بوسطن كمشرف على العيادات الفرعية ثم‬
‫انتقل للعمل كأخصائي بصريات يف مدينة الظهران يف‬
‫السعودية ‪ ،‬و هو نائب رئيس االحتاد العاملي للمثقفني‬
‫العرب للشؤون الثقافية ‪ ،‬صدر له أربع روايات "احلقيقة‪،‬‬
‫هنا ترقد الغاوية‪ ،‬امللعون املقدّس‪ ،‬العرّافة ذات املنقار‬
‫األسود" كما صدر له ثالث جمموعات قصصية "موت‬
‫شاعرة‪ ،‬يعيش النظام‪ ،‬العميان اجلدد" كذلك جمموعة‬
‫شعرية "عاشق النسيان" وخمتارات منها ترمجت للغة‬
‫االنكليزية بعنوان "‪ ، "Birth Of A Poet‬أما عن رواية‬
‫سَردٍ حافلٍ باألحدَاث ومُشبَع بالرُموز واإلشارات‪ ،‬ليخرُجَ من‬ ‫العرافة ذات املنقار األسود ‪ ،‬اليت جرى حفل توقيعها مؤخراً‬
‫بني يديه سَجّادة رِوائية خارِقة يف نَسيجِها وخُيوطها‬ ‫ضمن معرض بريوت العربي الدولي للكتاب يف دورته الرابعة‬
‫وصُورِها وإحياءاتها‪ ،‬بفنيّة إبداعية رفيعَة لُغةً وبَالغةً‬ ‫والستني “أنا أقرأ بتوقيت بريوت‪ ، ”.‬يقول عنها الفيلسوف‬
‫ولوحاتٍ وأفكارًا‪" :‬يف الناحِيَة األُخرى حيث يبسُط عامل‬ ‫اللبناني علي حرب ‪ :‬إنها رِوا ية متثّل جرَس اإلنذار املدوّي‬
‫الوَحدة القُدسيّة على لوحَة الطبيعَة مُرتنّـمًا بأغصانِ‬ ‫يقرَع آذانَ الغافِلني الساجِدين ألصنام آهلتِهم اجلُدد‬
‫الشجرِ اليت تعزِفُ على أوتار الوُجود حلنَ الريح والنسيم‪،‬‬ ‫سلُ وينتفِخون‬
‫واملسلّمني رقابهم ألتباعٍ تُكبّلهم السال ِ‬
‫فيما إيقاعُ العصافري املغرّدة يُدغدغ مَشاعِر ودّان اهلائِمة يف‬ ‫كصَولة األسَد ويستَنسِرون فوق الرُبى فيما هم بُغاث يف‬
‫عامل الصوفيّة اليت تُقرّبه من احلَقيقَة اليت تُنري دربَ عُرفِه‬ ‫قفَصٍ مُحكَمٍ‪.‬‬
‫املقَدَّس"‬
‫وتُبهرنا حقًّا براعةُ الكاتِب الفَريدة يف حتويل ما دُوّن من‬
‫تاريخ البَشَريّة‪ ،‬بوقائِعه وأساطريه‪ ،‬بأبطالِه وحمتشِديه‬
‫"الكومبارس"‪ ،‬وما لفّه من غوامِض وأسرَار‪ ،‬وإسقَاطِه يف‬

‫‪ 11‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫ً‬
‫صدر حديثا عن دار الرائدية للنشر والتوزيع‬

‫وجف كل شيء‬
‫مجموعة قصصية‬

‫للكاتب السعودي محمد علي مدخلي‬

‫تصميم الغالف‪ :‬دار الرائدية ‪،‬‬


‫الكتاب عبارة عن جمموعة‬
‫مابني‬ ‫متنوعة‬ ‫قصصية‬
‫القصرية والقصرية جدا‪.‬‬

‫يسلط الضوء على قضايا‬


‫إجتماعية وشخصية هلموم‬
‫وإرهاصات نفسية‬ ‫اجملتمع‬
‫صعبة ومعقدة متر بها الذات‪.‬‬

‫الكتاب متوفر يف معرض‬


‫الكتاب يف جدة لعام ‪. 2022‬‬

‫يف جناح دار الرائدية للنشر‬


‫صدرت‬ ‫‪، i19‬‬ ‫والتوزيع‬
‫للمدخلي جمموعتني قصصية‬
‫قصرية وقصرية جدا األوىل بعنوان " مثن احلرية واليت‬ ‫صدر حديثاً عن دار الرائدية للنشر والتوزيع لعام ‪2022‬‬

‫ترمجت بلغة برايل للمكفوفني عن طريق جمموعة معازف‬ ‫كتاب (وجف كل شيء )‪ ،‬تأليف أ‪ .‬حممد علي هادي‬

‫فكر" للمكفوفني بالتعاون مع ملتقى القصة اإللكرتوني و‬ ‫مدخلي ‪.‬‬

‫الثانية بعنوان " كان له أمل" ‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪12‬‬


‫من األساطير اليهودية‬
‫إلى إرهاب الصهيونية‬
‫القبالة اليهودية و عقائد و أفكار‬
‫الديانات الشرقية ( ‪) 5‬‬
‫د ‪ .‬عبدالكريم بنداري‬

‫األستاذ املساعد لعلم األديان‬


‫و املذاهب الفكرية املعاصرة *‬

‫وذلك ألن كالً من التوارة والتلمود‬ ‫‪ ،‬و السمو الروحي و الزهد و التقشف و‬ ‫لعبت القبالة اليهودية دورا بارزا يف‬
‫ميثالن لليهود ( بشكل خاص )‬ ‫التصوف فقد تأثرت فيه القَبَّالة‬ ‫تشكيل العقلية اليهودية العنصرية؛ وقد‬
‫املصدر األساسي ملعتقداتهم و فكرهم‬ ‫اليهودية من الفلسفة البوذية ‪.‬‬ ‫استقت القَبَّالة اليهودية كثريا من‬
‫‪ ،‬بل و طقوس عباداتهم ‪ ،‬و أسلوب‬ ‫ولقد كانت فكرة اخلالص ـ املسيح‬ ‫وأفكارها‪ ،‬من‬ ‫تعاليمها‪ ،‬وعقائدها‬
‫حياتهم ‪.‬‬
‫لكن املتتبع لتاريخ الديانة اليهودية‬
‫يرى أن " العهد القديم" ( التوراة )‬
‫ليس الكتاب املقدس الوحيد عند‬
‫اليهود ‪ ،‬و إمنا هناك مصادر أخرى‬
‫يضفي اليهود عليها قداسة ‪ ،‬و‬
‫يستمدون منها التوجيه ‪ ،‬كـ‬
‫"التلمود " و ( بروتوكوالت حكماء‬
‫صهيون ) ‪ ،‬و هذين املصدرين هلما‬
‫صلتهما الوثيقة وجذورها العميقة‬
‫بـ" القَبَّالة"‪ ،‬مما كان له أكرب األثر‬
‫املخلص ـ اليت تعد من أهم املعتقدات‬
‫و املمارسة‬ ‫يف وصف الفكر‬ ‫عقائد و أفكار الديانات الشرقية مثل"‬
‫القَبَّالية ‪( ،‬وقد تناولناها معكم يف العدد‬
‫اليهوديتني بالعنف ‪ ،‬و العنصرية و‬ ‫والبوذية‬ ‫والزرادشتية‬ ‫اهلندوكية‪،‬‬
‫املاضي ) و هي القاسم املشرتك الذي‬
‫التسلط ‪ ،‬والقهر ‪.‬‬ ‫والفكر الغنوصي فتأثرت القَبَّالة يف‬
‫جيمع بينها و بني الديانات الشرقية‬
‫فقد جاء يف حمتويات التوراة احملرفة‬ ‫جانبها العقائدي مثل ‪ :‬عقائد احللول‬
‫القدمية‪.‬‬
‫و‪ -‬املتداولة اليوم ‪ -‬أن إله اليهود يُعلم‬ ‫والتجسد ‪ ،‬و التناسخ ‪ ،‬باهلندوكية‪،‬‬
‫• أما بالنسبة إىل تأثري التعاليم‬
‫شعبه اخلاص العداء للشعوب ‪ ،‬و يثري‬ ‫وتأثرت ـ كذلك ـ بفكرة اخلري و الشر‬
‫التوراتية و التلمودية على الفكر‬
‫فيهم روح التعصب و التمييز العنصري‬ ‫وإله النور و إله الظالم يف الديان ة‬
‫القَبَّالي‪ ،‬فقد كان شديداً جدا؛‬
‫‪ ،‬و مل يكن هذا االصطفاء فقط يتناول‬ ‫الزرادشتية ‪ ،‬أما فكرة اجلموح و اخليال‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪14‬‬


‫ثم إىل الوثنيني ؛ أي "االغيار"‪ ( ،‬أي كل‬ ‫يف بنائها العقائدي ‪ ،‬بينها و بني القَبَّالة‬ ‫" شعب اهلل املختار " ـ كما يعتقدون ـ و‬
‫من هو غري يهودي ) حتى ترجع بعد‬ ‫اليهودية؛ "‬ ‫إمنا تطرق إىل اصطفاء األرض و‬
‫ذلك إىل جسد يهودي بعد تطهريها ‪.‬‬ ‫فالقَبَّالة اليهودية و اهلندوكية‬ ‫•‬ ‫قدسيتها ؛ من خالل الفكر احللولي ‪ ،‬و‬

‫يعتقدون بنجاسة‬ ‫و يف اهلندوكية‬ ‫تؤمنان بفكرة التناسخ" فانتقال الروح‬ ‫هكذا ‪ ..‬استقت القَبَّالة اليهودية كثرياً‬

‫غريهم من " املنبوذين"(مسيحيون‬ ‫من جسد إىل جسد‪ ،‬هي إحدى ثوابت‬ ‫من مفاهيمها وطقوسها من الديانات‬

‫ومسلمون) وغريهم ‪ ،‬و هذا هو اعتقاد‬ ‫الفكر العقائدي يف اهلندوكية "‬ ‫الشرقية القدمية ؛ اليت كان هلا أثرها‬

‫اليهود أيضاً ‪.‬‬ ‫و قد استقى اليهود عقيدة " تناسخ‬ ‫الواضح على العقائد اليهودية‪ ،‬ال سيما‬
‫األرواح" من ديانات اهلند القدمية‪ ،‬و من‬ ‫الفكر القَبَّالي على وجه اخلصوص‪.‬‬
‫اليهودية‬ ‫التلمودية‬ ‫وإذا كانت‬
‫ثم تأثرت بها القَبَّالة اليهودية يف‬ ‫يطالع‬ ‫الذي‬ ‫• و‬
‫القَبَّالية تقدس األرض "‬
‫ارض امليعاد " ـ فلسطني‬ ‫التعاليم القَبَّالية جيد‬

‫يؤمنون‬ ‫و‬ ‫ـ‬ ‫احملتلة‬ ‫تطابقاً كبرياً بينها‬

‫بقدسيتها وطهارتها؛ حيث‬ ‫وبني العقائد و املفاهيم‬

‫حيرصون على دفن املتقني‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫اهلندوكية‬

‫أرض‬ ‫يف‬ ‫موتاهم‬ ‫من‬ ‫الزرادشتية ‪ ،‬والبوذية ‪ ،‬و‬

‫فلسطني ‪ ،‬منذ قديم الزمان‬ ‫كذلك يف املذاهب و‬

‫‪ ،‬فإذا مل يتيسر هلم ذلك ‪،‬‬ ‫األفكار الدينية األخرى‬

‫وضعوا مع الكفن شيئاً من‬ ‫كالغنوصية ‪.‬‬

‫من‬ ‫جيلب ـ ـ ـ ـونه‬ ‫تراب‬ ‫وقد أدى اختالط الشعوب و‬


‫فلس ـ ـ ـ ـ ـطني‪ ،‬فـ ـ ـ ـإن ذلك‬ ‫األجناس يف اجملتمعات‬

‫ـ أيضاً ـ ما تؤمن به‬ ‫صهر‬ ‫إىل‬ ‫‪،‬‬ ‫اآلسيوية‬

‫اهلندوكية‪ ،‬حيث يقدسون‬ ‫الديانات بعضها يف بعض ‪ ،‬و‬

‫" نهر "جاجنا"‪ ،‬إذ يضعون‬ ‫امتزاج كثري من األفكار و‬

‫رماد موتاهم فيه‪ ،‬بغض‬ ‫املفاهيم كلٌ يف اآلخر ‪ ،‬و‬

‫النظر عن أي مكان من‬ ‫من ثم تداخلت الديانات‬

‫األرض اليت مات فيها ميتهم‬ ‫الشرقية يف السامية ‪ ،‬و‬

‫‪ ،‬فإن مل يتيسر هلم ذلك يقوموا بوضع‬ ‫تعاليمها‪ ،‬وأسرارها ففي " التلمود "‬ ‫‪،‬‬ ‫اإلغريقية‬ ‫األساطري‬

‫قطرات من نهر "جاجنا" فوق كفن‬ ‫تتناسخ األرواح حيث تدخل يف‬ ‫والبابلية فضالً عن الطقوس اليهودية‪،‬‬

‫امليت قبل حرق جثته"‪.‬‬ ‫احليوانات و النباتات ‪ ،‬ثم تذهب إىل‬ ‫فتأثر بذلك الفكر القَبَّالي ‪.‬‬
‫اجلحيم ‪ ،‬و تعذب عذابا أليماً إثين عشر‬ ‫املتأمل يف الديانة‬ ‫فمثال‬ ‫•‬
‫و هذا يؤكد حجم تأثري الديانات و‬
‫شهراً ‪ ،‬ثم تعود ثانية لتدخل يف‬ ‫"اهلندوكية" جيد فيها متاثالً كبري اً‬
‫أفكار‬ ‫على‬ ‫الشرقية‬ ‫األفكار‬
‫اجلمادات ‪ ،‬و منها إىل احليوانات ‪ ،‬و من‬
‫ومعتقدات اليهود قدميا وحديثا‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪15‬‬


‫‪.‬‬

‫خواطر‬
‫من مصر المحروسة ‪6:1‬‬
‫بروف ‪ /‬عثمان أبوزيد عثمان‬

‫أكادميي و كاتب ‪ .‬سوداني‬

‫استقبلتنا الفتة يف مطار القاهرة الدولي‬


‫حتمل اآلية الكرمية "ادخلوا مصر إن شاء اهلل‬
‫آمنني" ‪ ،‬بعد غياب ‪ ٣٤‬عاما دخلت مصر ‪ ،‬سائق‬
‫التاكسي ملا قلت له ذلك رد ببديهة مصرية‬
‫حاضرة ‪ :‬باين حضرتك كنت خاصمت‬
‫السادات!‬
‫يف الطريق من املطار مررنا يف طريقنا بعدد‬
‫من املباني العسكرية بطرازها العتيد رمبا‬
‫تكون من بقايا عهد حممد علي ‪ ،‬يساورني‬
‫شعور بأن بلدا مثل مصر لن تكون حمكومة إال عن طريق‬
‫يف الصباح الباكر أطللت على الشارع من البلكونة لكي أرى‬ ‫العسكر‪ ،‬غري أن حادثة يف الطريق تكاد تبدد عندي هذا‬
‫منظر الناس و هي تندفع إىل أعماهلا يف ذلك املشهد‬ ‫الشعور‪ ، ...‬دخل علينا ميكرو باص من اخللف ‪ ،‬ونزل‬
‫العجيب؛ املشهد الذي انطبع يف الذهن منذ أيام رحليت‬ ‫السائق غاضبا جدا ‪ ،‬ذهب إىل جندي يف طرف الشارع‬
‫التدريبية عام ‪ ٧٥‬حني نبهنا إليه أستاذنا الدكتور طه ربيع‬ ‫يستنجد به ‪ ،‬فأشار عليه بأال يعطل السري ‪ ،‬جاء السائق‬
‫(مصري)‪:‬‬ ‫يتأفف ‪ :‬يبقى دا حكومة ويقول لي روحوا اتفاهموا ‪ ،‬و ما‬
‫‪ -‬شوفوا يا أبنائي إ زاي الشعب املصري بيخرج مندفع‬ ‫تعطلوش الشارع !‬
‫للعمل يف نشاط وحيوية‪ ...‬الزم تاخدوا درس من املنظر ده!‬ ‫ظلت السيارة حتدث صوتا و هي تسري يف زحام عجيب‪...‬‬
‫فوجئت بأن الشارع خامد و احملالت مغلقة‪.‬‬ ‫يقول السائق غاضبا‪ :‬ما أخلصش من التعليقة دي وال‬
‫نسيت أن اليوم هو الثالثني من يونيو ذكرى احلركة اليت‬ ‫بألف جنيه! ‪ ،‬يعطي هذا انطباعا عندي بقيمة النقود‬
‫أتت برئيس مصر احلالي عبد الفتاح السيسي إىل احلكم‪.‬‬ ‫املصرية يف الوقت احلاضر ‪.‬‬

‫واليوم أيضا يف السودان تتعطل األعمال بسبب ‪ ٣٠‬يونيو‬ ‫يعين املبلغ يساوى مائيت ريال سعودي ‪ ،‬إنه مبلغ زهيد على‬
‫آخر حياول فيه البعض االنتفاضة على العسكر احلاكمني‬ ‫كل حال ‪ ،‬لكن صديقا لي أوصى بأال أحسب قيمة‬
‫و إزاحتهم من السلطة‪.‬‬ ‫احلاجات يف مصر بالريال السعودي! ‪ ،‬و بالطبع ال أقارن‬

‫و على كل حال مل يعد الناس هنا يستيقظون باكرا‪،‬‬ ‫قيمة النقود بني املاضي واحلاضر‪.‬‬

‫وتظل احملالت مغلقة حتى العاشرة صباحا‪ .‬هذا أول تغيري‬ ‫يف أول زيارة لي ملصر حولت عشرة جنيهات سودانية‬
‫(نواصل)‬ ‫جذري لفت نظري يف شوارع القاهرة ‪.‬‬ ‫وتسلمت عشرين جنيها مصريا ‪ ،‬كفتين نثريات و طعام‬
‫شهر كامل‪.‬‬

‫‪ 16‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫الشائعات و اإلعالم !‬
‫د ‪ .‬بسام الخالد‬

‫قاص و كاتب‪ .‬سوريا‬

‫واحلروب واجلائحات واألزمات‪ ،‬وتتسع أكثر حني تُحاط‬ ‫تتغلغل الشائعات يف حياتنا السياسية واالقتصادية و‬
‫بتعتيم إعالمي أو بالغموض‪ ،‬لذلك تصبح الشائعة أكثر‬ ‫االجتماعية بشكل كبري‪ ،‬وتؤثر يف توجهات أفراد اجملتمع‬
‫انتشاراً كلما كان املوضوع هاماً‪ ،‬من ناحية‪ ،‬وغامضاً من‬ ‫وتضعف روحهم املعنوية‪ ،‬ومثة شائعات ختلق البلبلة لدى‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬وتفشل الشائعة عندما تكون املعلومات حول‬ ‫الرأي العام وتفكك اللحمة الوطنية والقومية وتؤثر يف‬
‫املوضوع واضحة وحمددة‪ ،‬بينما يتوقف جناح الشائعة على‬ ‫مسارات األحداث بكل أنواعها وأشكاهلا‪.‬‬
‫قوتها‪ ،‬حيث تنشط أكثر حني يكون املوضوع مهماً جداً‬ ‫فالشائعة هي خرب أو قصة أو حدث يتناقله الناس بدون‬
‫للناس حلظة إطالق الشائعة‪ ،‬حبيث تكون الرتكيبة‬ ‫تدقيق أو حتقق من صحته‪ ،‬وغالباً ما يكون مبالغاً فيه‬
‫النفسية للشرائح املستهدَفة جاهزة لالستقبال‪ ،‬والغريب‬ ‫بالتهويل غري الصحيح‪ ،‬وتنتشر الشائعة أكثر يف وقت‬
‫اليوم أن وسائل اإلعالم واالتصال تروِّج للشائعات لتحقيق‬ ‫األزمات والظروف الضاغطة‪ ،‬أو املثرية للقلق‪ ،‬كاحلوادث‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪17‬‬


‫إضعاف الروح املعنوية للناس‪ ،‬من خالل عمليات التضليل‬ ‫املزيد من االنتشار‪ ،‬على عكس املبدأ املعروف أن الشائعات‬
‫ونشر ثقافة اخلوف واليأس وانعدام األمان وبثّ الرعب يف‬ ‫ختتفي كلما كانت وسائل اإلعالم أكثر انتشاراً‪!..‬‬
‫القلوب والنفوس‪.‬‬ ‫من أنواع الشائعات ميكننا أن نذكر‪( :‬الشائعة الزاحفة )‬
‫وهنا يأتي دور وسائل اإلعالم الوطنية يف التوعية والشفافية‬ ‫واليت تنتشر ببطء وسرّية‪ ،‬و(الشائعة االندفاعية) اليت‬
‫واملكاشفة وتفنيد الشائعات وتوضيح أهدافها ال جتاوزها‬ ‫تنتشر بسرعة فائقة مستندة إىل مشاعر انفعالية عنيفة‪،‬‬
‫والسكوت عنها‪ ،‬وهذا يتطلب منا مجيعاً أن نفكر مبا نسمع‪،‬‬ ‫و(الشائعة الغاطسة) اليت تنتشر يف ظروف معيّنة ثم‬
‫وندقق ما يُنقل لنا‪ ،‬ونعزز من ثقافة القراءة واالطالع‪.‬‬ ‫ختتفي وتغطس لتعاود الظهور يف ظروف مماثلة‪ ،‬وهناك‬

‫جيب أال نُؤخذ بإبهار الصورة وإثارة اخلرب‪ ،‬دعونا نعطي‬ ‫(الشائعة األمل) اليت تنتشر يف األوساط اليت تتمنى‬

‫للعقل دوره يف التحليل‪ ،‬وللمنطق مساحته يف احملاكمة‪،‬‬ ‫تصديقها‪ ،‬و(شائعة اخليانة) اليت تنتشر بصفة خاصة يف‬

‫دعونا نؤكد على اليقظة يف البحث عن احلقيقة برتوٍ‬ ‫أوقات احلروب واألزمات‪ ،‬حيث يلعب فيها الطابور اخلامس‬

‫وحكمة‪ ،‬مع إدراكنا أن احلقيقة‪ ،‬يف عصر املعلومات‬ ‫دوراً فاعالً‪ ،‬وترتكز عادة على الفئات املسؤولة عن املواجهة‬

‫وانتشار وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬هي الضحية!‬ ‫مثل القادة واجلماعات املنظّمة‪ ،‬وأخرياً (شائعة اخلوف )‬
‫اليت تكثر يف أجواء التهديد املولّدة للمخاوف‪ ،‬مثل‬
‫هامش‪ :‬أشيع أن سقراط يُفسد عقول الشباب مبا يطرح‬
‫األمراض واألوبئة والغالء والفساد‪ ،‬وذلك لدفع اخلائفني‬
‫عليهم من أفكار وتساؤالت فلسفية خمرّبة للعقول‪ ،‬ونتيجة‬
‫إىل االستسالم‪ ،‬وهذا ما حيدث اآلن بعد انتشار "فايروس‬
‫لتلك الشائعات مت حشد الرأي العام ضده و املطالبة‬
‫كورونا" املستجد‪ ،‬حيث نعيش‪ ،‬اليوم‪ ،‬أزمة حقيقية ذات‬
‫مبحاكمته وقتله‪ ،‬وقد حتقق ذلك فعالً حني جترّع‬
‫أبعاد متشعبة‪ ،‬لعل أخطرها اإلعالم املستسهِل وغري املهين‬
‫سقراط كأس السم نتيجة لتلك الشائعات اليت تبيّن‬
‫الذي يستمد مادته من مصادر غري موثوقة‪ ،‬تؤدي إىل‬
‫بطالنها فيما بعد!‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪18‬‬


‫نظافتك تحكي عن‬
‫مستوى ثقافتك‬
‫بشرى الشامي‬

‫كاتبة ‪ .‬اليمن‬

‫لكل تاريخ عنوان‪ ،‬ولكل عنوان حكاية‪ .‬وحديثنا يف هذا‬


‫املقال عن إحدى أسس احلضارة والثقافة اليت ضاعت لدى‬
‫الكثري من املسلمني‪ ،‬ضيعوها جلهلهم بأهميتها وقيمتها‪،‬‬
‫متناسني اآلثار السلبية واخلطرية الناجتة عن هذا‬
‫التفريط‪.‬‬

‫فلو أتينا لنقارن بني صورتني للماضي واحلاضر بني كل‬


‫من الغرب والعرب املسلمني‪ ،‬لرأينا أن الغرب رغم ماضيهم‬
‫كان ت أوروبا يف األمس من أقذر البلدان‪ ،‬وأناسها من ملوك‬ ‫املتخلف قد أصبحوا اليوم يف مقدمة الشعوب املتحضرة‬
‫وأفراد طبقات اجملتمع بكل فئاته مل يكونوا يعرفون ما‬ ‫واملتقدمة‪ ،‬كذلك العرب املسلمني لو أتينا لتارخيهم‬
‫معنى النظافة‪.‬‬ ‫األصل لوجدنا أنه كان يف أوج ازدهاره و تقدمه يف ظل‬
‫الدين احلنيف وتعاليمه القيمة عكس ما هو عليه اآلن‪ ،‬وما‬
‫فاألوربيون كانوا كريهي الرائحة بشكل ال يطاق من شدة‬
‫بني املاضي واحلاضر شتان!‬
‫القذارة‪ ،‬وكانوا يعتربون االستحمام للنظافة كفرًا‪،‬‬
‫وكما أن الروس أنفسهم وصفهم الرحالة أمحد بن فضالن‬ ‫ولو أتينا حاليًا بصورتني من احلاضر للمقارنة‪ ،‬إحداهما‬
‫أنهم " أقذر خلق اهلل" ال يستنجون من بول وال غائط‪.‬‬ ‫لدول الغرب و أخرى ألحد دولنا حنن املسلمني لوجدنا‬
‫فارقًا كبريًا جداً بني تلك الصورتني‪.‬‬
‫و اجلدير بالذكر أن العطور الفرنسية اليت اشتهرت بها‬
‫باريس مت اخرتاعها حتى تطغى على الرائحة النتنة‪.‬‬ ‫فالدول األوروبية نرى أساس مجاهلا وروعة مناظرها ال‬
‫يكتمل إال يف نظافتها‪ ،‬والعكس كذلك مع معظم البلدان‬
‫و بسبب هذه القذارة كانت تتفشى فيهم األمراض‪ ،‬و كان‬
‫العربية لوجدنا أن أكرب أسباب تأخرها وتراجعها هو‬
‫يأتي الطاعون فيحصد نصفهم أو ثلثهم كل فرتة‪.‬‬
‫ختلفها وتفريطها بتعاليم الدين احلنيف الذي حثنا على‬
‫حيث كانت أكرب املدن األوروبية كـ"باريس" و"لندن"‬
‫النظافة‪.‬‬
‫مثالً يصل تعداد سكانها ‪ ٣٠‬او ‪ ٤٠‬ألفًا بأقصى التقديرات‪.‬‬
‫فماذا تعرف عن أوروبا يف املاضي؟!‬
‫بينما كانت املدن اإلسالمية تتعدى حاجز املليون‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪19‬‬


‫كما يقول املؤرخ الفرنسي دريبار‪" :‬حنن األوروبيون مدينون‬ ‫وكان اهلنود احلمر يضعون الورود يف أنوفهم حني لقائهم‬
‫للعرب(يقصد املسلمني) باحلصول على أسباب الرفاه يف‬ ‫بالغزاة األوربيون بسبب رائحتهم اليت ال تطاق‪.‬‬
‫حياتنا العامة ‪ ،‬فاملسلمون علمونا كيف حنافظ على‬ ‫فاإلسالم كان املنارة اليت انطلقت منها املبادئ والقيم‬
‫نظافة أجسادنا ‪ ،‬إنهم كانوا عكس األوربيون الذين ال‬ ‫واألخالق لتجعل من اإلنسان قيمة ومعنى‪ ،‬فديننا وقرأننا‬
‫يغريون ثيابهم إال بعد أن تتسخ وتفوح منها روائح كريهة‪،‬‬ ‫ورسولنا حيثوننا على الطهارة والنظافة‪.‬‬
‫فقد بدأنا نقلدهم يف خلع ثيابنا وغسلها‪.‬‬
‫فمنذ الصف األول االبتدائي وحنن نتعلم أهمية عنوان‬
‫وكان املسلمون يلبسون املالبس النظيفة الزاهية حتى أن‬ ‫النظافة الذي جتلى يف قول رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم‬
‫بعضهم كان يزينها باألحجار الكرمية كالزمرد والياقوت‬
‫واملرجان‪.‬‬
‫‪" :‬النظافة من اإلميان" وبالتالي فالوساخة من الشيطان‪.‬‬
‫وعرف عن قرطبة انها كانت تزخر حبماماتها الثالمثائة‬
‫يف حني كانت كنائس أوروبا تنظر اىل االستحمام كأداة‬ ‫فاليوم ولألسف الشديد نرى أن معظم الشوارع واألماكن‬

‫كفر وخطيئة ‪ ،‬فما فعله األوروبيون هو أنهم أخذوا منا‬ ‫العامة يف معظم بالد العرب متتلئ بالقاذورات من خملفات‬

‫أمجل ما فينا وأورثونا أسوأ ما فيهم‪.‬‬ ‫ومياه الصرف الصحي وغريها‪ ،‬فتكون سببًا رئيسيًا لتفشي‬
‫األمراض اخلطرية واملستعصية يف ظل تلوث أجواء البيئة‪،‬‬
‫فنحن كمسلمون جيب علينا احلفاظ على عنوان ثقافتنا‬
‫وذلك بسبب عدم االلتزام بالنظافة بشكل عام‪.‬‬
‫وهو النظافة‪.‬‬
‫فالغرب مل يعرفوا النظافة إال من العرب واملسلمني وذلك‬
‫من خالل احلروب اليت حدثت بينهم‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪20‬‬


‫دنيا وفيها العجائب‬
‫سرادقات العزاء !‬
‫أمير شفيق حسانين‬

‫كاتب و قاص ‪ .‬مصر‬

‫سبحان اهلل العظيم (دنيا وفيها العجائب ) ‪ ،‬إذ وحنن يف ذلك‬


‫العصر العجيب املزدحم املشغولة مجيع ثوانيه ودقائقه ‪،‬‬
‫والذي يعاني فيه معظم الشباب املسكني املطحون من ضيق‬
‫الوقت ‪ ،‬وانشغاهلم اهلائل للعمل ليالً ونهاراً ‪ ،‬سعياً وراء لقمة‬
‫العيش‪ ،‬ملواجهة متطلبات احلياه الصعبة‪ ،‬والنضال ضد غالء‬
‫املعيشة الفاحش ورغم ذلك ‪ ،‬فإنك جتد فئة أخرى(شباباً‬
‫وفِتياناً أشداء أصحاء)‪ ،‬لديهم وقت فراغ قاتل مُسبِب هلم‬
‫معاناة شديدة ‪ ،‬وال يدرون كيف يُصرِفون وقت فراغهم‬
‫ظروفنا ألداء واجب العزاء ‪ ،‬وقتما كان ‪ ،‬وليس هديف مُطلقاً‬ ‫(ختيلوا) ! ولذا قد يلجئ ‪ ،‬بعض الشباب ( أرباب الوقت‬
‫‪ ،‬مُهامجة شباب العزاء الذين لديهم وقت هائل و مديد‬ ‫الكثري) ‪ ،‬لتفريغ شُحنات فراغهم ‪ ،‬يف التجول على سُرادقات‬
‫(وعليه يُحسدون) خاصةً وحنن يف زمن قلة الوقت بسبب‬ ‫ودواوير العزاء ‪ ،‬لتقديم واجب العزاء هلذا أو ذاك بل لديهم‬
‫زِحام احلياه‪ ،‬ولكنين أرى أن هناك ظُلم جمتمعي (غري‬ ‫القدرة على الذهاب ألكثر من عزاء يف يوم واحد ‪ ،‬ولو يف‬
‫مقصود رمبا) صنعته ظروف كل شخص ‪ ،‬بأن ينشغل وقت‬ ‫آخر الدنيا بل األعجب من ذلك مُتابعتهم لصفحات وأخبار‬
‫هذا عن آخره ‪ ،‬لدرجة أن معظم الشباب ‪ ،‬خيرجون صباحاً و‬ ‫وفيات البالد والعباد على صفحات الفيسبوك وغريها ‪ ،‬ولست‬
‫أوالدهم نياماً ‪ ،‬ويرجعون ليالً ‪ ،‬و أوالدهم قد ناموا ‪.‬‬ ‫أنا سَيئ الظن ببعضهم ‪ ،‬إذا قلت بأن مِن بني هؤالء املعزيني ‪،‬‬

‫وأشخاصاً آ خرين ‪ ،‬جتد لديهم فائض هائل جداً من الوقت ‪،‬‬ ‫مَن يتجول ألجل الواجب واملواساة احلقيقية ومنهم من‬

‫بل يعانون من امتالكهم كميات فراغ وقيت قاتلة ‪ ،‬فال‬ ‫يتجول ألجل الشهرة واالنتشار بني الناس بامسه وهيئته ‪..‬‬

‫يدرون كيف يُصرفونها ‪.،‬هل يف النوم العميق أم الفُسح أم‬ ‫ومنهم من ينتظم يف حضور العزاءات كي يقال أن فالن ابن‬

‫اجللوس أمام التلفاز أو تصفح اإلنرتنت ‪ ،‬أو حتى اجللوس‬ ‫فالن (صاحب واجب) بل هو أبو الواجب ‪ ،‬كما أن مِن بني‬

‫على املصاطب أمام ديارهم لتبادل أطراف احلديث يف النافع‬ ‫املُعزيني يف كل وقت وحني مَنْ يُعزي ‪ ،‬بنوايا سياسية مثالً ‪،‬‬
‫والضار من الكالم ‪ ،‬ليس هديف نقد (املواسني ألصحاب‬ ‫أي بغرض عمل دعاية انتخابية وتأسيس أرضية انتخابية يف‬

‫املصائب) ‪ ،‬ألن العزاء سُنة ‪ ،‬ومواساة ألهل املُتويف وتطييب‬ ‫دائرته فيعتاد أهل دائرته التمتع برؤية وجهه الناضر يف كل‬

‫خاطر ‪ ،‬لكن مهالً مبن انشغلت أوقاته ولتلتمسوا هلم األعذار‬ ‫عزاء ‪ ،‬صبا حاً ومساء ‪.‬‬

‫‪ ،‬إذا ما قصروا يف الواجبات االجتماعية فأصحاب أوقات‬ ‫ولعلك تلحظ أن بعض املُعزيني املُغرمني ‪ ،‬حيرصون على‬
‫الفراغ ‪ ،‬هم نواب عن معدومي أوقات الفراغ ‪ ،‬ليس فقط يف‬ ‫ارتداء الثياب الفاخرة القيِمة (اجللباب البلدي) ‪ ،‬ماسكاً‬
‫العزاءات ‪ ،‬بل يف مجيع املناسبات وشكر اهلل سعيكم وغفر‬ ‫بعضهم باملسابح ‪ ،‬وأيضاً حيرص آخرون على ارتداء البِدل‬
‫لكم ذنوبكم ‪.‬‬ ‫الكاملة والكرافتات والنظارات الشمسية‪ ..‬ليظهرواً مجيعهم‬
‫يف أبهي زينة ‪ ،‬أداء الواجب االجتماعي ال لوم عليه مطلقاً‬
‫وال عتاب ‪ ..‬بالعكس ‪..‬ليتنا مجيعاً ‪ ،‬تسمح أوقاتنا أو تتهيئ‬
‫‪ 21‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫الصالة و ما فيها‬
‫من أسرار‬ ‫د ‪ .‬شاكر صبري‬

‫شاعر و قاص ‪ .‬مصر‬

‫النظافة للفم يف كل وضوء مهم جدا للصحة العامة‬ ‫الصالة هي الدعاء قال تعاىل " وما كان صالتهم عند البيت‬
‫واحلالة الصحية لإلنسان ‪.‬‬ ‫اال مكاءً وتصدية " واملقصود بالبيت ‪ :‬البيت احلرام واملكاء‬
‫فوائد الصالة الدنيوية لإلنسان‬ ‫والتصدية الصفري و التصفيق ‪ ،‬و الصالة وهي ما نعرفها ‪:‬‬
‫الجانب االجتماعي‬ ‫هي صلة بني العبد وربه وهي كما عرفها أهل اللغة أقوال‬
‫الصالة يف مجاعة وااللتزام بالصفوف يعوِّ ُد الناس علي‬ ‫وأفعال مفتَتَحة بالتكبري خمتَتَمة بالتسليم ‪ ،‬كان النيب‬
‫الطاعة والوالء وعدم اخلروج علي ولي األمر ‪ ،‬إىل جانب أن‬ ‫صلي اهلل عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ فزع إىل الصالة و قال"‬
‫الناس جيتمعون كل يوم يف املسجد يري كل منهم اآلخر‬ ‫ارحنا بها يا بالل" ‪..‬‬
‫فيستحي كل واحد من املصلني أن يعود إىل املسجد و قد‬ ‫حقا فالصالة وحدها كفيلة بإذابة اهلموم ‪ ،‬وعمل حاجز‬
‫علم الناس عنه ما يسيء إليه و فعال تنهى الصالة عن‬ ‫قوي و منيع بني اإلنسان وبني همومه ومشاكله لعدة أسباب‬
‫الفحشاء و املنكر ألن العاقل رغما عنه خياف من أن يلومه‬ ‫‪:‬‬
‫الناس فتنهاه صالته عن فعل األمور اليت خياف أن ينكرها‬
‫أوال ‪ :‬الوضوء‬
‫عليه اجملتمع ‪.‬‬
‫فالوضوء طهارة للجسم وخاصة األماكن اليت تتعرض‬
‫إىل جانب ما يقرأ فيها من قرآن ‪ ،‬و ما يتعلمه الفرد بقراءته‬ ‫للغبار و االتساخ من ناحية ‪ ،‬و تطهري من امليكروبات‬
‫للقرآن من مواعظ ‪ ،‬إىل جانب ما يقوم به بعض العلماء من‬ ‫واألمراض اليت ميكن أن تتعلق بهذه األماكن و قد أقبل‬
‫تعليم الناس ببعض القيم يف املسجد أحيانا ‪...‬‬ ‫علينا يف العصر احلديث فريوس الكورونا ‪ ،‬وعلمنا أن من أهم‬
‫أيضا التكافل االجتماعي فأي تغيري على فرد من األفراد‬ ‫أساليب الوقاية منه هي غسل اليدين باستمرار ‪.‬‬
‫يلحظه املرتددون على املسجد دون أن يشعروا و بالتالي‬ ‫إىل جانب أن شحنات اجلسم اليت تتحرك بسبب الذنوب‬
‫يواسونه يف العزاء ويهنئونه يف األفراح و يتعاطفون معه يف‬ ‫اليت يقرتفها اإلنسان خترج يف هذه األماكن فمجرد مرور‬
‫األمل ألنهم يرون بعضهم البعض كل يوم تقريبا يف‬ ‫املاء عليها يتم إعادة هلا و لو نسبية إىل وضعها الطبيعي و‬
‫املسجد ‪ ،‬و أيضا يف السالم بالكفني إذابة لشحنات البغضاء‬ ‫إزالة هذه الشحنات الزائدة املسببة لشعور املسلم بشيء من‬
‫والعداوة من نفوس املصلني و إن كانت هناك بعض‬ ‫التوتر فيساعد الوضوء على الشعور باهلدوء النفسي لكي‬
‫اخلالفات البسيطة اليت هل أقل من احلقد أو الكرب ذابت مع‬ ‫يستعد اإلنسان للوقوف بني يدي اهلل يف الصالة ‪ ،‬و إن كان‬
‫سالم املصلني خاصة مع صفاء القلب وخضوع اجلميع بني‬ ‫غاضبا بسبب أمرٍ دنيوي أياً كان ‪ ،‬وهذا أمر حمتمل كما‬
‫يدي اهلل ‪.‬‬ ‫نعلم من أثر املاء على الغاضب كان املاء مزيال لتوتره ‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪22‬‬


‫بدرجات خمتلفة يصلي واقفا فإن مل يستطع فجالسا وهكذا‬ ‫الصلة مع الله‬

‫املهم أن يؤدي الصالة حسب ما يستطيع ‪....‬‬ ‫لعل اجلانب الروحاني يف الصالة ال مثيل له وإذا أردت أن تكون‬
‫مع اهلل أدخل يف‬
‫والصالة رياضة بدنية تتحرك فيها الكثري من األعضاء‬
‫من‬ ‫الصالة‬
‫بأسلوبٍ هادئ و متزن فتساعد على وقاية اجلسم من الكثري‬
‫خالهلا تستطيع‬
‫من األمراض خاصة لكبار السن ‪ ،‬السجود فيه تفريغ‬
‫ان تدعو ولك‬
‫لشحنات اجلسم الضارة إىل األرض و اليت تنتج من التوتر‬
‫اإلجابة وأقرب‬
‫النفسي أو أ حيانا من وجود شحنات متتصها من األجهزة‬
‫ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وكان النيب صلي اهلل عليه‬
‫الكهربائية أو غريه ‪ ،‬السجود فيه قلب للرئة و بالتالي تفريغ‬
‫وسلم إذا حزبه أمر هرع إلي الصالة أي أسرع إليها ليناجي‬
‫السموم منها و هلذا جند أن اإلمام بعد الركعة األوىل يف‬
‫ربه ويشكو إليه ‪...‬و هو قدوَتُنا صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫الصالة اجلهرية أكثر نشاطا و حيوية يف القراءة من‬
‫فوقوفك بني يدي اهلل و أنت طاهر و متأهبٌ نفسياً ملناجاته‬
‫الركعة األوىل لنشاط الرئة بعد السجود يف الركعة األوىل‬
‫يذيب كثري من العوائق النفسية و يذهب كثريا من اهلموم‬
‫فيصبح صوته أكثر قوة ‪ ،‬و هناك حقيقة علمية تقول أن‬
‫اليت رمبا ال ميكن أن تذهب إال بهذه الوقفة ألنك حتى و‬
‫الوزن احلقيقي للمخ يف اجلمجمة ‪ 1700‬جرام ‪ ،‬فلماذا ال‬
‫لو مل تشكو همك فيكفي أنك تعلم أن هناك رب مطلع‬
‫نشعر بهذا الوزن يف الرأس؟!‬
‫عليك يرى حالك فتشعر بأمان داخلي ‪ ،‬و أيضا القوة‬
‫و السبب هو أن ا ملخ يطفو يف سائل النخاع الشَّوْكي ‪ ،‬وطبقا‬
‫اإلميانية واالرتباط باهلل و وقوفك بني يديه مخس مرات‬
‫للقاعدة الفيزيائية ‪ :‬كل جسم يُغمر يف سائل يفقد من وزنه‬
‫يوميا و رمبا أكثر ملن يؤدي النوافل جيعلك تشعر مبراقبة‬
‫بقدر وزن السائل املزاح ‪ ،‬ولذلك ال نشعر بوزنه ‪ ،‬ويصبح وزنه‬
‫اهلل لك يف كل أعمالك ‪ ..‬فحني تفكر يف املعصية و دخلت‬
‫‪ 59‬جرام ‪...‬وسائل النخاع الشوكي يتولد من منطقة يف‬
‫يف الصالة عادت نفسك و شعرت بتأنيب الضمري ‪ ،‬إن مل تأت‬
‫الدماغ تسمى الظفرة الشبكية ‪The corogy plaxis‬‬
‫هذه املرة كانت يف املرة األخرى ‪ ،‬و حيت و إن مل تستطع‬
‫ويدور يف مساحته ‪ ..‬و هذه الدورة تكون يف اليوم و الليلة ‪5‬‬
‫مقاومة املعصية تشعر بتسليم أمرك هلل يف تطهريك منها‬
‫مرات بقدر عدد الصلوات ‪ ..‬ومن فوائد حركة الصالة أن هذا‬
‫‪...‬‬
‫السائل يتحرك أعلى و أسفل عند السجود و الركوع فيعطي‬
‫أيضا حني تؤدي الصالة فأنت تؤدي ضريبة نفسية هلل ‪،‬‬
‫نوع من املساج للدماغ ‪ ،‬و هذا هو أحد أسباب الراحة النفسية‬
‫ألنك خملوق و وجودك بني يدي خالقك هو إذعان وخضوع‬
‫بعد الصالة ‪ ،‬الصالة هي أعظم أنواع اليوجا اليت مارسها‬
‫وعبادة ‪ ،‬و هو حق اخلالق عليك فحني تؤدي حقه اليومي ‪،‬‬
‫اإلنسان على مر التاريخ فالسكون و اهلدوء و الرتكيز يف‬
‫فتشعر بالراحة والسكن ألن هذه الضريبة شعور داخلك‬
‫عالقتك مع اهلل وترك مشاغل الدنيا قدر اإلمكان هو يوجا‬
‫مثل الدين الذي عليك للناس لن ترتاح إن كنت تريد أداءه‬
‫من طراز فريد فأنت تتحرك بهدوء وال تتكلم مع أحد و أيضا‬
‫إال إذا أديته ‪ ،‬هكذا الصالة تشعر بأنك تؤدي واجبا عليك‬
‫أنت تركز يف أمر واحد هو عالقتك مع موالك وهو أعظم‬
‫و تفرغ من دين تؤديه ملن خلقك وسوَّاك ‪..‬‬
‫شعور نفسي بالرضا واألمان ويعطي قوة يوجا أعظم بكثري‬
‫من الرياضات األخرى اليت جتلس فيها بال هدف ‪...‬‬ ‫قال تعاىل ‪ " :‬وما خلقت اجلن واالنس اال ليعبدون " و أيضا‬
‫بارتباطك باهلل تستطيع أن تتغلَّب على كل الصعاب ‪.‬‬
‫وجانب مهم جدا وحيوي هو توجهك للقبلة أي الكعبة وهي‬
‫مركز جاذبية األ رض وبالتالي االجتاه إىل هذا املركز‬ ‫الجانب البدني‬

‫يساعدك علي تفتيت كل الشحنات اجلسمية الضارة و‬ ‫الصالة يف حد ذاتها رياضة بسيطة تناسب كل األعمار‬
‫أيضا الناجتة‬ ‫واأل جناس والصحة املختلفة حيت العليل ميكنه أداء الصالة‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪23‬‬
‫فكأنك تعيد تنشيط بعض غدد اجلسم مع كل ما سبق‬ ‫عن املعاصي فتعود شحنات جسمك بقدر اإلمكان فعال إىل‬
‫فتكون صالة القيام عالج ومقاومة للكثري من األمراض‬ ‫موقعها الطبيعي فتشعر باهلدوء و االتزان النفسي‬
‫النفسية واجلسمية لوجود السكون أكثر ولكثرة الرياضة‬ ‫خلمْسُ‪،‬‬
‫وعن أَبي هُريرة أن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ‪ :‬الصَّلواتُ ا َ‬
‫بها إلي جانب العمق والقرب وبينك وبني اهلل ومناجاتك‬ ‫جلمُعَةِ‪ ،‬كفَّارةٌ ِلمَا بَيْنهُنَّ‪ ،‬مَا لَمْ تُغش الكبَائِرُ‬
‫جلمُعةُ إِىل ا ُ‬
‫وا ُ‬
‫إياه ‪.‬‬ ‫رواه مسلم ‪ ،‬ما مل‬
‫وحقا ‪ :‬إن مل تكن‬ ‫ترتكب الكبائر اليت‬
‫الصالة مانعة لإلنسان‬ ‫يصعب عليك إعادتها‬
‫من ارتكاب املعاصي‬ ‫إال بالكفارة أو التوبة‬
‫وفعل املنكرات فكأنه‬ ‫الصادقة ‪.‬‬
‫ما صلى ألن الصالة‬ ‫وعن عثمانَ بنِ عفان‬
‫مل تؤد دورها هو مل‬ ‫قالَ‪ :‬مسِعْتُ رسولَ اللَّه‬
‫ينل من صالته إال‬ ‫ﷺ يقولُ‪ :‬ما مِن امرئ‬
‫القيام و القعود ‪ ،‬و قد‬ ‫مُسْلِمٍ حتضُرُهُ صالةٌ‬
‫قال رسول اهلل صلى‬ ‫فَيُحْسِنُ‬ ‫مَكتُوبةٌ‬
‫اهلل عليه وسلم ‪( :‬من‬ ‫وُضُوءَهَا‪ ،‬وَخُشوعَهَا‪،‬‬
‫لن تنهه صالته عن‬ ‫وَرُكُوعَها‪ ،‬إِالَّ كَانَتْ‬
‫الفحشاء و املنكر فال‬ ‫كَفَّارةً ِلمَا قَبْلَهَا مِنْ‬
‫صالة له ) ألنه مع‬ ‫الذنُوبِ مَا لَمْ تُ ْؤتَ‬
‫كل هذه األمور اليت‬ ‫كَبِريةٌ‪ ،‬وَذلكَ الدَّهْرَ‬
‫تساعده على الطهارة‬ ‫كلَّهُ رواه مسلم‬
‫والنقاء ومع ذلك مل‬
‫و حتى مرتكب الكبائر‬
‫تؤثر فيه فهو دليل‬
‫تدعوه صالته كما‬
‫مل‬ ‫على أن باطنه‬
‫وضحنا يف كل أمورها إلي التوبة والتكفري عن ذنوبه‬
‫يصل إليه النور ومل يستفد من صالته بشيء وبالتالي‬
‫وتساعده على الرجوع عنها ‪" ...‬‬
‫كيف يقبل اهلل صالة من عبدٍ قد اطَّلع على قلبه فوجده‬
‫صالة القيام‬
‫مغلقاً ‪...‬‬
‫هلا سحرٌ خاص وذلك أ ن اجلسم بيولوجيا يكون يف حالة‬
‫لعلنا قصَّرنا فعفا اهلل عنا ‪.‬‬
‫اسرتخاء والناس نيام و الكون هادئ حولك فحني تصلي‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪24‬‬


‫باب أدب األطفال‬
‫املهتمني بأدب الطفل يف الوطن العربي هم ‪:‬‬ ‫دأبت األمم على االهتمام بأدب األطفال ‪ ،‬ملا له‬
‫كامل كيالني ‪ ،‬روضة فهيم الفرخ ‪ ،‬أمحد‬ ‫من أهمية قصوى يف تشكيل هذا الطفل الذي‬
‫حممود جنيب ‪ ،‬حممد سعيد العريان ‪ ،‬العربي‬ ‫سيغدو يوماً لبنة يف بناء اجملتمع ‪..‬‬
‫بنجلون ‪ ،‬طارق البكري ‪ ،‬يعقوب إسحاق ‪ ،‬و‬ ‫و يعد أدب األطفال جنس أدبي قائم ‪ ،‬و يشمل‬
‫غريهم الكثري ‪...‬‬ ‫القصص و القصائد و القصص املصورة ‪ ،‬و‬
‫يف هذا العدد يسرنا أن نبحر سوياً يف عامل‬ ‫كل ما هو موجه للطفل بوجه خاص ‪..‬‬
‫ميتزج باجلمال و الرقة ‪ ،‬إنه‬ ‫و يرى دارسوا األدب أن أدب‬
‫عامل أدب الطفل من خالل‬ ‫الطفل جاء ابتداءً من ‪1697‬م‬
‫إضاءة على جتربة األديب‬ ‫حني صدرت حكاية أمي األوزة‬
‫جنيب‬ ‫املهاجر‬ ‫السوري‬ ‫‪ ،..‬و هو رأي مردود متاماً ‪ ،‬فكلنا‬
‫الكيالي ‪ ،‬و من لبنان نقرأ‬ ‫و عرب األجيال تناقلنا قصصاً‬
‫مقالة للرجل الذي كرس‬ ‫موجهة لألطفال ‪ ،..‬و بالتالي‬
‫نفسه ألدب األطفال و هو‬ ‫فأدب األطفال موجود منذ أمد‬
‫الدكتور طارق البكري ‪ ،‬و من مصر مع‬ ‫بعيد ‪ ،..‬حتى أن بعض الباجثني وجدوا‬
‫الدكتورة غالية الزامل و من سوريا نبقى مع‬ ‫نصوصاً موجهة لألطفال على أوراق الربدي‬
‫األديب حممد حممود شباط و األديب حممد‬ ‫املصرية من الفرتة الفرعونية ‪ ،..‬لكن رمبا‬
‫أمني الساطي و من العراق الشاعر إمساعيل‬ ‫لنفل أنه تبلور أو تشكل ‪ ،‬أو صار لديه صبغة‬
‫خوشناو ‪ ،‬و من لبنان نبقى مع مقالة قيمة‬ ‫عصرية ‪ ،..‬و هذا تطور طبيعي و ليس نشوءاً‬
‫أنطوان‬ ‫الربوفيسور‬ ‫النفسي‬ ‫للمحلل‬ ‫من العدم ‪ ، ..‬و يرى بعض الدارسني أن بوادر‬
‫الشرتوني ‪ ..‬و آخرون ‪ ،‬قدموا كلهم عصارة‬ ‫الكتابة لألطفال يف البالد العربية جاءت على‬
‫جهدهم خدمة هلذا اجملال ‪..‬‬ ‫يد الشاعر أمحد شوقي فألف قصائد شعرية‬
‫و يشرف على الباب و حيرره كاتب أدب‬ ‫موجهة لألطفال و من هذه القصائد " الصياد‬
‫األطفال د ‪ .‬شاكر صربي حافظ ‪.‬‬ ‫و العصفورة " ‪ ،‬و " الديك اهلندي " ‪ ،‬و "‬
‫الدجاج البلدي " ‪ ،‬و لعل أفضل أدباء العربية‬
‫‪ 26‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫القراءة‬
‫و أبعادهــا العالميـــة‬
‫د ‪ .‬طارق البكري‬

‫مؤسس مجاعة أدب الطفل‬


‫كاتب قصصي ‪ .‬لبناني مقيم يف الكويت‬

‫تعطي املذاق نفسه يف اللغة اليت كتبت فيها‪ ،‬وكذلك‬ ‫األدب عموما يتميز بأنه لغة عاملية‪ ،‬فمعظم ما يكتب يف‬
‫األدب املنثور‪ ،‬لكن الرتمجة تساعد اجلميع على االطالع‬ ‫الشرق ميكن أن يناسب ليقرأه الغرب‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬
‫والتعمق يف آداب اآلخرين‪ ،‬ال سيما أن‬ ‫قد تكون بعض القيم االجتماعية‬
‫لغات العامل كثرية و متعددة‪ ،‬وال ميكن‬ ‫خمتلفة‪ ،‬وكذلك بعض األسس‬
‫لشخص واحد اإلحاطة بها مجيعها‪.‬‬ ‫واالختالفات الدينية‪ ،‬لكن االرتباط بني‬
‫و يف الفرتة األخرية اطلعت على بعض‬ ‫الشرق والغرب حتمي‪ ،‬وجيمع بينهما‬
‫القصص املرتمجة من اللغة الرتكية‬ ‫أكثر مما يفرقهما‪ ،‬وال سيما األدب‬
‫اإليطالية‬ ‫اللغة‬ ‫من‬ ‫وكذلك‬ ‫اخلاص بالطفل‪.‬‬
‫القصص‬ ‫واإلسبانية‪ ،‬فضال عن‬ ‫وأعتقد أن الرتمجة شيء نافع للجميع‪،‬‬
‫املرتمجة من الفرنسية واإلنكليزية‪..‬‬ ‫ولطاملا وصلنا الكثري يف تراثنا العربي‬
‫فهذا االطالع مينح القارئ‪ ،‬سواء‬ ‫القديم ما يتصل برتاث األمم اليت‬
‫األديب‬ ‫وحتى‬ ‫والناشئ‪،‬‬ ‫الطفل‬ ‫كانت على متاس مع العرب‪ ،‬وهناك‬
‫والباحث واملهتم‪ ،‬مساحة واسعة من‬ ‫من يرى أن كتاب (كلِيلَة ودِمْنَة)‬
‫التعرف على ثقافات وأساليب متفرقة‪،‬‬ ‫الذي يتضمّن جمموعة من القصص ‪،‬‬
‫وإن كانت الرتمجة يف أغلب األحوال ليس بإمكانها أن‬ ‫و ترمجَهُ عبد اهلل ابـن املقفع من الفهلوية إىل اللغة العربية‬
‫تقدم نسخة مطابقة متاما للنص األصلي ‪ ،‬إمنا هذا‬ ‫يف العصر العباسي ‪ ،‬و حتديدًا يف القرن الثاني اهلجري‪، ..‬‬
‫جيعلنا ننطلق إىل عوامل أخرى تفتح للقارئ فضاءات‬ ‫و قال بعضهم غري ذلك ‪ ،‬لكن هذا هو املشهور‪.‬‬
‫ملونة تزيد من معارفه املتنوعة‪.‬‬
‫كما أننا اليوم نرى الكثري من كتب األطفال مرتجم إىل‬
‫وال شك أن الطفل العربي اليوم بات مطلعا و قادرا على‬ ‫العربية من لغات شتى ‪ ،‬و قد يكون أبرزها اإلنكليزية و‬
‫الوصول إىل كثري من النصوص من خالل االنرتنت‪ ،‬ال‬ ‫الفرنسية‪ ،‬كما أن بعض الكتب ترمجت عن الرتكية و‬
‫سيما أن االنرتنت يوفر فرصة ترمجة فورية وإن كانت غري‬ ‫اإليطالية و غريها من اللغات كاألوروبية واآلسيوية و‬
‫متقنة‪ ،‬وال ميكن أن تكون لغتها أدبية‪ ،‬لذا فإن الرتمجة‬ ‫األفريقية‪.‬‬
‫األدبية ضرورية‪ ،‬لتبيان املعاني املطلوبة‪ ،‬وحماولة تقديم‬
‫وال شك أن قراءة األدب عموما بلغته األصلية هو األفضل‪،‬‬
‫أقصى مطابقة للنص‪ ،‬حتى حيصد القارئ كل ما نرجوه‬
‫فال ميكن االعتقاد أن ترمجة قصيدة إىل أي لغة ميكن أن‬
‫من وراء القراءة ذات األبعاد العاملية‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪27‬‬


‫َّ‬
‫نجيب كيالي ‪:‬‬
‫األطفال رئتي األدبية ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أدب‬
‫وأجمل هواياتي‬
‫حوار أجراه د ‪ .‬شاكر صبري‬

‫ضيفنا في هذا العدد هو كاتب األطفال نجيب كيالي‬


‫ولد كاتبنا في محافظة إدلب في سوريا‪ ،‬عام ‪ ، 1953‬مدرسة أبي تمام االبتدائية التي قضيتُ على مقاعدها ستَّ‬
‫سنوات‪.‬‬
‫وحصل علي إجازةً جامعية في األدب العربي‪ ،‬وفي هذه المرحلة يقول الكاتب ‪ :‬وفي مرحلة اليفاعة قبلها كنتُ‬
‫حب المطالعة‪،‬‬ ‫َ‬
‫محظوظين بأساتذة يحبون الثقافة على خالف معظم األساتذة في هذه األيام‪ ،‬فغرسوا فينا َّ‬ ‫وأقراني‬
‫وأغر ْونا بمصاحبة الكتب‪.‬‬
‫َ‬
‫وعن حبه لمجال الكتابة للطفل يقول ‪:‬‬
‫‪ -3‬من أدب األطفال أنطلق إىل الطفل الوطين الذي‬ ‫إنَّ األديب يف احلقيقة ال خيتار نوعَ أدبه كما خيتار‬
‫هو صانعُ املستقبل أو هو املستقبل ‪ ،‬وأحاول أن‬ ‫نوع ألبسته‪ ،‬ورمبا كان الصواب أنَّ األدب هو الذي‬
‫أُسيِّجَه‪ ،‬و أُحصِّنَه ضد موجات الغزو اليت تستهدفه‬ ‫خيتار الكاتب ‪ ،‬ويوجهه إىل جنس من أجناسه‬
‫يف عقر روحه‪ ،‬وأخالقه ‪ ،‬وعروبته‪.‬‬ ‫بطريقة أكاد أصفها بأنها (ديكتاتورية أو شبه‬

‫‪ -4‬من أدب األطفال أخرياً أخفقُ‬ ‫ديكتاتورية) ‪ ،‬ومع إدراكي ملا سبق ميكن أن‬

‫بأجنحيت ألطري إىل ملكوت املعاني غريِ‬ ‫أتلمس بعض األسباب الهتمامي بأدب الطفولة ‪:‬‬

‫املغشوشة ‪( :‬احلب ـ البساطة ـ السماحة‬ ‫‪ -1‬من أدب األطفال أستطيع أن أركب القطار‪،‬‬
‫ـ املرَح) اليت أجدبتْ منها حياة الكبار‬ ‫وأمضي إىل طفوليت البعيدة القريبة ألالعبَ‬
‫املادية االستهالكية‪.‬‬ ‫ذلك الطفل الذي كان أنا‪ ..‬أالعبه ‪ ،‬وأواسيه ‪،‬‬

‫يف هذا األدب املوجه للصغار كتبتُ‬ ‫وأعوَّضه عن حرماناته الكثرية‪ .‬هل يف هذا نوع‬

‫القصة ‪ ،‬والقصيدة ‪ ،‬واملقالة الرتبوية‪،‬‬ ‫من الذاتية واألنانية؟ رمبا‪.‬‬

‫واخلاطرة ‪ ،‬ومسرحيةً واحدة ال غري‪ ،‬لكنين مل‬ ‫‪ -2‬من أدب األطفال ميكنين أن أتواصل مع الطفل‬
‫أقتصر يف إنتاجي على أدب األطفال ‪ ،‬فقد ساهمتُ‬ ‫اآلخر‪ ،‬طفل اليوم الذي أراه ـ رغم بهارج الرفاهية ـ‬
‫يف جماالتٍ أدبية أخرى موجهة للكبار‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫مل يصل إىل كل ما حيتاج إليه ‪ ،‬خاصةً يف مسألة‬

‫القصة القصرية ‪ ،‬القصة القصرية جداً ‪ ،‬القصيدة‬ ‫الثقافة‪.‬‬

‫‪ ،‬اخلاطرة ‪ ،‬املقالة ‪.‬‬ ‫تواصلي غايتُه املساهمة يف تزويد هذا الطفل‬

‫ب عديدة ‪ ،‬لكنَّ أدبَ‬


‫ولي يف تلك األجناس كت ٌ‬ ‫بالطاقة الروحية أو الداخلية اليت جتعله قادراً على‬

‫األطفال هو رئيت األدبية وهواييت األمجل ‪ ،‬وكثرياً‬ ‫أن حييا بشكل أسعد‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪28‬‬


‫* جائزة‬
‫مريا بنت‬
‫هزَّاع‬
‫لثقافة‬
‫الطفل‬
‫يف‬ ‫العربي‬
‫دولة اإلمارات العربية ـ املركز الثاني‬
‫يف جمال الشِّعر عن جمموعة‪( :‬طفل ونافورة) ـ‬
‫ما أشعر أنَّ كلَّ تلك األجناس هي عندي مبنزلة‬
‫الدورة العاشرة عام ‪. 2006‬‬
‫واحدة كمنزلة مخسةِ أبناءٍ أو ستة من قلب أبيهم‬
‫* جائزة الطيِّب صاحل‪ -‬السودان‪ -‬املركز الثاني يف‬
‫جمموع كتيب يف األدب املوجه للطفل ثالثةَ عشرَ‬
‫جمال قصص األطفال عن جمموعة‪( :‬العيد‬
‫كتاباً مل يُطبَع منها إال ستة ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫واألرجوحة)‪ -‬الدورة السادسة‪ -‬عام ‪2016‬‬
‫‪ -1‬الطبل املثقوب ـ قصص ـ دار الينابيع‪ -‬بالتعاون‬
‫* جائزة عبد احلميد شومان‪ -‬األردن‪ -‬املركز األول‬
‫مع احتاد الكتَّاب العرب يف سوريا ‪1992‬‬
‫يف جمال شِعر األطفال عن جمموعة‪( :‬طفل يلهو)‬
‫‪ -2‬أمرية السُّـكَّر ـ قصص ـ احتاد الكتاب العرب ‪-‬‬
‫عام ‪2016‬‬
‫سوريا ‪2003‬‬
‫* جائزة ناجي نعمان‪ -‬لبنان‪ -2019 -‬كتاب‪:‬‬
‫‪ -3‬العيد واألرجوحة ‪ -‬قصص ‪ -‬جائزة الطيّب‬
‫(شجرة رمستها العصافري)‪ -‬قصص األطفال‪.‬‬
‫صاحل‪ -‬السودان ‪2016‬‬
‫* جائزة مصطفى عزُّوز‪ -‬تونس‪ -2021 -‬كتاب‪:‬‬
‫‪ -4‬طفل يلهو‪ -‬قصائد ضمن جمموعة مشرتكة‪،‬‬
‫(قمرٌ فوق دفرتي)‪ -‬قصائد‬
‫عنوانها‪ :‬مرايا الشِّعر واللون‪ -‬جائزة عبد احلميد‬
‫* جائزة الطيِّب صاحل‪ -‬السودان‪ -‬الدورة ‪-2022 -12‬‬
‫شومان‪ -‬األردن ‪2016‬‬
‫كتاب‪( :‬ضحكة األمرية)‪ -‬قصص‪ -‬املركز الثاني‪.‬‬
‫‪ -5‬قمرٌ فوقَ دفرتي‪ -‬قصائد لألطفال‪ -‬جائزة‬
‫يقول الكاتب عن حبه وعشقه لمجال الطفولة ‪:‬‬
‫مصطفى عزُّوز‪ -‬تونس ‪2021‬‬
‫إنين رغمَ الظروف السيئة ‪ -‬أنظر بإجالل ألدب‬
‫الطفولة‪ ،‬وأزداد حباً له مع مرور الزمن ‪ ،‬وأشعر بأنَّ‬ ‫‪ -6‬رجل طويل جداً‪ -‬قصص لألطفال‪ -‬دار ليفانت‪-‬‬
‫عل كاهلي مسؤوليةً كربى هذه األي ام هي إنقاذ‬ ‫مصر‪ ،‬اإلسكندرية ‪2022‬‬
‫أطفالنا من تفاهة العصر املتمثلة يف طغيان األلعاب‬ ‫نشرتُ بعضاً من نصوصي املوجهة للصغار يف‬
‫اإللكرتونية‪ ،‬وجنونِ اللهو والعبث‪ ..‬حتى بات كأنَّ‬ ‫جمالت عديدة ‪ ،‬منها ‪( :‬أسامة ـ الطليعي‪ -‬سامر‬
‫يف داخل كل منهم عفريتاً صغرياً ‪ ،‬فهم ال يتوقفون‬ ‫اللبنانية ـ ماجد ـ وسام‪ -‬العربي الصغري‪ -‬عطاء‪-‬‬
‫عن القفز واحلركة والتمايل مع عطشٍ ال يرتوي‬ ‫جملة وطين)‪.‬‬
‫للتسلية وإضاعةِ الوقت ‪ ،‬يقابل ذلك إهمالٌ‬
‫وبالنسبة للجوائز األدبية حصلت على ست منها‪،‬‬
‫لدروسهم‪ ،‬واستخفافٌ بكل أنواع الواجبات األسرية‬
‫هي‪:‬‬
‫واحلياتية‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪29‬‬


‫العقبات اليت تصادفين يف عالقيت مع األدب‬ ‫هنا ميكن للنص الطفلي اجليد أن جيذبَ الصغري‪،‬‬
‫الطفلي‪ ،‬فضالً عمَّا سبق أجد صعوبةً يف نشر‬ ‫ويهمسَ يف روحه همساتٍ إجيابية بطريقةٍ غريِ‬
‫أعمالي يف اجملالت الورقية اليت تُقدِّم مكافآتٍ‬ ‫مباشرة ‪ ،‬لكنَّ هذا يقتضي‪ -‬مع جودة النص‪ -‬كتاباً‬
‫للكتَّاب لقاءَ نصوصهم‪ ،‬هذه اجملالت حتوَّلَ أكثرُها‬ ‫ذا إخراجٍ حَسَن ترافقه رسومٌ توضيحيةٌ ممتازة أو‬
‫مع األسف إىل ما يشبه املافيات األدبية‪ ،‬فلكل جملة‬ ‫جملةً جيدةَ احملتوى رخيصةَ الثمن أو جمانيةً تُوزَّع‬
‫مجاعتها من الكتبة ‪ ،‬وإذا نشروا لواحدٍ من خارج‬ ‫يف املدارس‪.‬‬
‫اجلماعة ال يدفعون له تعويضه! والسؤال اآلن‪ :‬من‬ ‫وهنا أحبُّ أن أقول شيئاً يسبب لي غصَّة يف صدري‪،‬‬
‫أين يعيش الكاتب أو الكاتبة يف النهاية ؟ هل يفتح‬ ‫وهي أنَّ هذا األدب الذي نتحدث عنه‪ -‬رغم الضجة‬
‫فمه للسماء؟ وهل يطعم أوالده من حفيف اهلواء؟!‬ ‫اإلعالمية املثارة حوله‪ -‬هو يف أغلب األحيان جمرد‬
‫ومع ما سلف كلِّه ‪ ،‬بتنا نالحظ حنن الكتَّابُ‬ ‫ديكور ثقايف‪ ،‬فمسابقاتُه وما أكثرَها بعد إعالن‬
‫السوريون أنه جيري أقصاؤنا عن دائرة الفوز يف‬ ‫النتائج ال تقوم بطباعة خمطوطات الفائزين‬
‫املسابقات ال ل شيء إال ألننا سوريون! كأنَّ جنسيتنا‬ ‫والفائزات يف كُتبٍ الئقة ‪ ،‬وإنْ فعلتْ ذلك ال تُوزّعها‬
‫وحالَنا املسكينة بسبب احلرب بدالً من أن حتظيا‬ ‫على األطفال احملتاجني إليها بصورة ماسَّة‪ ،‬وإمنا‬
‫بالعطف أصبحتا لعنةً علينا!‬ ‫يُوزَّع قسمٌ منها على بعض اجلهات الثقافية ‪ ،‬ويُرمَى‬
‫أقول أخرياً‪ :‬إنَّ العمل يف جمال أدب األطفال‬ ‫قسمُها األكرب يف املستودعات‪.‬‬
‫يقتضي نقاءً يف النوايا‪ ،‬واندفاعاً حقيقياً صافياً‬ ‫ومثَّةَ مشكلةٌ أخرى قاسية ‪ ،‬وهي أنَّ كاتب األطفال‬
‫خلدمة الطفولة‪ ،‬ومحاساً جلودة النصوص دونَ‬ ‫الغائصَ يف الفقر حتى أذنيه هذه األيام تقوم دور‬
‫النظر ألمساء أصحابها‪.‬‬ ‫النشر بإرغامه على شراءِ عددٍ من نسخ كتابه الذي‬
‫الطفل برباءته ينادينا لنقرتبَ منه‪ ،‬فعلينا أن نذهب‬ ‫طبعَهُ عند هذه الدار أو تلك‪ ..‬أي أنَّ نفقةَ الطباعة‬
‫إليه يف موكب من الزهر والفراشات‪ ،‬وملءَ أيدينا‬ ‫جتري على حسابه ‪ ،‬وال يناله أيُّ عائد يف النهاية‬
‫أغنياتٌ نقيةٌ طاهرة‪.‬‬ ‫بدعوى شُح املبيعات !‬
‫وقد اخترنا نصوصا ثالثة لكاتبنا الجليل ‪:‬‬
‫يا هلا من حالٍ بائسة !‬
‫طفل يلهو ( قصيدة للطفل )‬
‫و أعتقد أنَّ عالج املشكلة كلها يقتضي أن‬
‫الصحراءِ‬ ‫يف‬ ‫حبراً‬ ‫أرسمُ‬ ‫تقوم عِدَّةُ أطراف بدورها املطلوب ‪ ،‬فالبيت‬
‫املاءِ‬ ‫فوقَ‬ ‫ميشي‬ ‫قِطَّاً‬ ‫واملدرسة عليهما أن يزرعا حبَّ القراءة يف‬
‫خنلَهْ‬ ‫من‬ ‫يتدلَّى‬ ‫عنباً‬ ‫الطفل ليبحث عن كتابه اخلاص به‬
‫حنلَهْ‬ ‫صارتْ‬ ‫طارتْ‪،‬‬ ‫بنتاً‬ ‫‪ ،‬عندئذ تتمكن دور النشر من رفع‬
‫صَبيَّا‬ ‫عادَ‬ ‫جدِّي‬ ‫أرسمُ‬ ‫مستوى املبيعات ‪ ،‬ويصلُ دخلُ جيدٌ‬
‫الصيفيَّا‬ ‫بنطالي‬ ‫يلبسُ‬ ‫للكاتب ‪ ،‬وعلى هذا أن يُقدِّم جلمهوره من‬
‫مروانْ‬ ‫أستاذي‬ ‫يضحكُ‬ ‫الصغار كُتباً الئقة تتسم باإلبداع وروحِ‬
‫ألوانْ‬ ‫علبةَ‬ ‫يُهديين‬ ‫الطفولة الشفافة املتوثبة‪.‬‬
‫َّ‬
‫أما عن العقبات فيقول الكاتب ‪:‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪30‬‬


‫لكنْ سطراً أو سطرينْ‬ ‫قصيدة‬ ‫رقصةُ الكلمات (‬

‫أمضي وأنا حمزونُ العيننيْ‬ ‫لألطفال)‬

‫أخجلُ يا أمِّي من كسلي‬ ‫آتي كي أكتبَ موضوعَ التعبريْ‬

‫أتذكَّرُ ما قالَ األستاذْ‪:‬‬ ‫كلماتي ترقصُ يا أمِّي‬

‫اِقرأْ كُتباً‪ ،‬وجمالتْ‬ ‫تهربُ مين‬

‫اِمجعْ عسالً كالنحالتْ‬ ‫يف اجلوِّ تطريْ‬

‫أمساءُ األشجار ( قصة لألطفال )‬ ‫أحبثُ عنها وأنا نعسانْ‬

‫يف قريةٍ مجيلةٍ عاشت فلَّاحةٌ‪ ،‬هلا طب ٌع غريب‪..‬‬ ‫كفَراشٍ تاهَ عن البستانْ‬

‫كانت كلَّما أجنبتْ مولوداً ذكراً كان أو أنثى‬ ‫أحبثُ عنها يف رأسي‬
‫زرعتْ يف حقلهم شجريةً‪ ،‬وأطلقتْ عليها اسمَ‬ ‫عندَ البابِ‪ ،‬وخلفَ الكأسِ‬
‫مولودها‪ ،‬فشجريةٌ صار امسُها‪ :‬مصطفى‪ ،‬وأخرى‪:‬‬
‫لكنْ‪ ..‬ما أقسى الكِلْماتْ!‬
‫فوزيَّة‪ ،‬وثالثة‪ :‬نبهان‪ ،‬ورابعة‪ :‬نبيهة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫طِرْنَ بعيداً كالنجماتْ!‬
‫تعجَّبَ الناسُ يف القرية ممَّا تفعلُه تلك الفلَّاحة‪،‬‬
‫وبعضُهم سَـخِرَ منها‪ ،‬لكنَّ أطفالَها كانوا يتباهَوْن‬ ‫آتي كي أكتبَ موضوعَ التعبريْ‬

‫بأشجارهم تلك‪ ،‬ويقيسونَ قاماتِهم بها‪ ،‬وخيدمونها‬ ‫والوقتُ قصريْ‬


‫بأنفسهم خدمةً حنونةً رائعة حتَّى كربوا‪ ،‬وكربتْ‬
‫أتذكَّرُ ما قالَ األستاذْ‪:‬‬
‫أشجارُهم أيضاً‪ ،‬كانوا فرحنيَ‬
‫ذَاكِرْ‪ ..‬ذَاكِرْ‬
‫جداً ينظرونَ إليها قائلني‪ :‬حنن‬
‫نشبُهها وهي تشبُهنا‪ ،‬إننا نشعرُ‬ ‫اِقرأْ كُتباً‪ ،‬وجمالتْ‬
‫أحياناً كأنَّ لنا مثاراً تنبتُ فوقَ‬ ‫اِمجعْ عسالً كالنحالتْ‬
‫أكتافنا أو تتدلَّى من أيدينا!‬
‫لكين مل أفعلْ‬
‫ذاتَ سنة تعرَّضتْ قريتُهم‬
‫فماذا‬ ‫الوقتُ‪،‬‬ ‫ضاقَ‬
‫لعدوانٍ شَـرس‪ ،‬فرَّ كثريون من‬
‫أعملْ؟‬
‫القرية‪ ،‬لكنَّهم مل يفعلوا ذلك‪.‬‬
‫كلماتي ترقصُ يا أمِّي‬
‫لقد مسعوا من ناحيةِ أشجارهم‬
‫همساً يقول هلم‪ :‬هل نسيتُم‬ ‫تضحكُ مين!‬
‫أنكم شجر؟ والشَّجر ال يتزحزحُ‬ ‫عندَ الصبحِ الفتَّانِ‬
‫من مكانه‪.‬‬
‫والدنيا بستانُ حنانِ‬
‫حنيَ انتصرت القرية أسرعَ اجلميعُ إىل الفلَّاحة اليت‬
‫ألوانُ شعوري تهتزّْ‬
‫صارت عجوزاً‪ ،‬فوضعوا على رأسها تاجَ النصر‪.‬‬
‫من حولي عصفورٌ غنَّى‪ ،‬ومتايلَ وردْ‬

‫ال أكتبُ موضوعاً‬


‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪31‬‬
‫بنات و بنين‬
‫في معبر أرقين‬
‫الحلقة األولى‬ ‫د ‪ .‬غالية الزامل‬

‫كاتبة و روائية ‪ .‬مصر‬

‫فيلما كرتونيا كاألفالم اليت نشاهدها يف ديزني‪ ،‬كأفالم‬ ‫همست "منة "خاليت أعطيين دفاره‪...‬‬
‫"توم و جريي"‪ ،‬أو كأنك يف األدغال‪.‬‬ ‫حبيبيت ماذا تريدين؟! إيش تقصدي؟!‬
‫يأتي عليك الليل وأنت جالس وسط هذه القلوب‬ ‫عايزة أقلم ظوافري‪.....‬وضعت كل قروشي يف واحدة‬
‫اجلميلة‪ ،‬ما كنت أحلم بأن أرى هذه األيام‪ ،‬ليلة حتسب‬ ‫لكنها طلعت مش زينة!!‬
‫من العمر‪ ،‬بطعامها‪ ،‬باألسرة اليت جلست ثم منت عليها‪،‬‬
‫عادت بي الذاكرة إىل جدتي ألمي ‪ ،‬و كيف أنها كانت‬
‫باحلديث و بالسمر‪ ،‬بالليل الصايف بقمره وجنومه ولونه‬
‫تقول على أظافرها (حوافري)‪...‬ضحكت ضحكة خفيفة‪،‬‬
‫الذي ما كنت أراه وسط زحام وصخب الشوارع ‪ ،‬بهذه‬
‫تهلل وجهي وأنا أخرج هلا (قصافة أظافر)كما نسميها‬
‫الصحبة من البنات والنساء‪ ،‬بالرجال و الفتيان وهم‬
‫مبصر‪ ،‬كنت قد اشرتيتها قبل سفري للسودان مباشرة‪..‬‬
‫يتجمعون وقت الصالة ‪ ،‬جيلسون سويا على األرض ‪،‬‬
‫يتناولون الطعام ‪ ،‬يشربون الشاي أو اجلبنة "القهوة"‪ ،‬و‬ ‫أخذت "منة "القصافة‪ ،‬أخرجتها من علبتها‪ ،‬ثم بدأت يف‬

‫هناك من يستلقي على الرمال بكل بساطة ‪ ،‬حكت البنات‬ ‫تقليم أظافرها‪ ،‬وهي حتكي لي عن وضعها للحناء‪ ،‬و كيف‬

‫عن أحالمها وتطلعاتها ‪ ،‬شاركنين الطعام ‪ ،‬العدس‬ ‫أنها وكل البنات بالسودان حيبون احلناء‪ ،‬نظرت هلا وهي‬

‫والفول واجلبنة املدفرة واخلبز السوداني‪ ،‬و أيضا شاركنين‬ ‫تتحدث ‪ ،‬منهمكة يف عملها وأسنانها البيضاء الالمعة‬

‫طموحاتهن و أحالمهن و آماهلن وبهجتهن بزيارة مصر ‪،‬‬ ‫كأنها عقد من اللؤلؤ الناصع البياض‪..‬‬

‫والفسحة اليت حظني بها ‪ ،‬وعن مجال مدينة اإلسكندرية‬ ‫مر الوقت سريعا والطفلة ذات األعوام العشر جتلس‬
‫عروس البحر املتوسط ‪ ،‬و العيش فيها ‪ ،‬ومتنني أن تكون‬ ‫جبانيب ‪ ،‬هونت علي عناء السفر‪ ،‬مل أشعر بالتعب بعد‬
‫مصر وطنهن‪ ،‬أو أن يكون وطنهن كمصر ‪ ،‬حيلمن‬ ‫دخولي من معرب أرقني احلدودي بني مصر والسودان ‪ ،‬مل‬
‫بركوب القطار ‪ ،‬حيلمن بأن يذهنب إىل جامعتهن بالقطار‬ ‫أعبأ بالطريق الذي خيلو من أي متهيد أو تصليح ‪ ،‬مليء‬
‫‪ ،‬وأن يذهنب إىل املدرسة باملرتو‪ ،‬و أن حيدث عندهن كل‬ ‫باملطبات ‪ ،‬مليء بالكسور‪ ،‬مليء بالتصدعات ‪ ،‬مع أن األرض‬
‫جديد‪.‬‬ ‫ممهدة على اجلانبني‪ ،‬صفراء كلون الذهب‪ ،‬تنادي على‬

‫جتمعت حولي الفتيات ‪ ،‬هذه سارة و تلك أمرية ‪ ،‬أخواتي ‪،‬‬ ‫عشاقها كعروس تطلب املهر ‪ ،‬لكنك ال ترى أي مظهر‬

‫ولي أخ امسه حممد مل يأت معنا‪" ،‬منة"و هي تضع يدها‬ ‫للحياة‪ ،‬وكأنك تسري يف صحراء خالية من البشر متاما‬

‫علي كتفي وأنا جالسة على السرير معهن يف اسرتاحة‬ ‫‪،‬ال يتخللها إال األكمنة اليت تفاجئك كل ربع ساعة على‬
‫أشبه بأرض بور‪ ،‬رمال يف كل مكان وعلى امتداد البصر‪،‬‬ ‫األكثر‪..‬‬

‫دورات املياه مل تتعدى كونها حفر صغرية باألرض حتيطها‬ ‫وقبل أن يأتي املساء متنع من دخول املدن ‪ ،‬تقف على‬
‫أربعة جدران‪ ،‬وجردل به مياه مليئة بالطحالب ‪ ،‬ال تسمع‬ ‫الطرقات ‪ ،‬حتدث لك أشياء ما كنت حتلم بها ‪ ،‬تدخل‬

‫‪ 32‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫ما أن خرج السائق حنو الطريق املؤدي إلي اخلرطوم من‬ ‫نعيق الضفادع الصاخب ليال بل تراها و هي تتقافز‬
‫والية الشمالية ‪ ،‬حتى ع اود سرعته اجلنونية‪ ،‬البنات‬ ‫حولك!!!‬
‫يصرخن و البنني حيذرونه من السرعة الشديدة ‪ ، ..‬و‬ ‫يستخدم الناس بالسودان النت حبرفية شديدة‪ ،‬يعرفون‬
‫السائق يف عامله اخلاص‪ ،‬مل يعبأ بصراخ الفتيات وال تذمر‬ ‫الفيس وكل وسائل التواصل و التكنولوجيا احلديثة‪ ،‬أنهم‬
‫الفتيان!!‬ ‫ال يفتقرون للذكاء وال املعرفة مطلقا ‪،‬ال يفتقرون إىل‬
‫استمر الوضع ألكثر من مخس ساعات‪ ،‬تارة يدخل مقهى‬ ‫اخليال‪ ،‬ال يفتقرون إىل األحالم‪ ،‬بل يفتقرون إىل حتقيق‬
‫على الطريق‪ ،‬و أخرى يركن الباص جبانب الطريق‬ ‫األحالم ‪..‬‬
‫الوحيد الضيق حيث نسري‪ ،‬ويبدو أن البنات و البنني قد‬ ‫ما زال نسيم الليل يسري حولي ‪ ،‬عم الصمت واهلدوء يف‬
‫استسلموا للوضع ‪ ،‬هناك من دخل عامله االفرتاضي على‬ ‫االسرتاحة أو الكافيرتيا (البدائية) ‪،‬مسعت صوت أذان‬
‫هاتفه احملمول‪ ،‬و آخر أخذ يف احلديث مع جاره باملقعد‪،‬‬ ‫الفجر كأنه احللم ‪ ،‬جاء صوت سلمى(أم الفتيات) هامسا‬
‫وتلك تضحك و تثرثر مع رفيقتها بالسفر ‪ ،‬و األمهات‬ ‫"هيا انهضي نتوضأ قبل الكل ما يفيقوا‪ ،‬هناك زولة دخلت‬
‫يدعني اهلل بأن يسلمهن من ذاك السائق املتهور ‪ ،‬و ما أن‬ ‫‪ ،‬يلّا نروح معاها"‪.‬‬
‫الحت يف األفق البعيد معامل مدينة قندهار أو " غندهار"‬
‫ما أن مسعت الفتيات صوت األم حتى فقن ‪ ،‬أتني خلفنا‬
‫كما قالت "سلمى" ‪ ..‬هتف اجلميع "احلمد هلل ‪...‬أخريا‬
‫مسرعات‪ ،‬فرحت بصحبتهن و كأني عدت تلك الطفلة‬
‫غندهار كأننا وصلنا!!!!‬
‫العابثة ‪ ،‬أجري و أتسابق اخلطوات‪ ،‬أمسك بأيديهن ‪،‬‬
‫وفجأة صوت اصطدااام‪(......‬يتبع)‬ ‫نتبادل النكات والضحكات‪.‬‬
‫وإىل اللقاء باحللقة القادمة‪،،،،‬‬ ‫وما أن ظهر أول شعاع لضوء الصباح حتى نادى السائق‬
‫"حان وقت املغادرة"‪ ...‬انزعجت الفتيات من ذاك النداء‪،‬‬
‫السائق املتهور ثانية‪ ،‬إنه يقود بسرعة جنونية ‪ ،‬وال بديل عن‬
‫ركوب الباص والرجوع إىل بيتهن يف" أم درمان"!!!‬

‫‪ 33‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫حنــــــــــــان‬
‫محمد محمود شباط‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬سوريا‬

‫وبينما هي متشي حتت ظالل أشجار تلكم اجلنة و على‬ ‫كانت السماء تنهمر بغزارة عندما كانت حنان تسعى‬
‫ضفاف أنهارها إذا بها متر بصبية يلعبون حتت تلة صغرية‪،‬‬ ‫جهدها كي تصل إىل بيت جدتها‪.‬‬
‫صبية رائعي اجلمال بل هم أمجل من كل قطع اجلمال‬ ‫و بعد ألي وصلت متعبة جمهدة ترتعد فرائصها من شدة‬
‫املوجودة يف تلكم اجلنة؛ اقرتبت منهم ألقت التحية عليهم‬ ‫الربد فقربتها اجلدة من املدفأة و املاء يتقاطر من رأسها‬
‫فردوا مجيعاً بأحسن منها و دعوها لتلعب معهم فأجابتهم‬ ‫حتى أمخص قدميها؛ بدلت اجلدة مالبسها و دثرتها‬
‫بفرح وسرور وعندما أصابهم اجلهد جلسوا جبانب حبرية‬ ‫بدثار أمحر مجيل جبانب املدفأة ‪ ،‬فغطت‬
‫صغرية ليأخذوا قسطا من الراحة‪.‬‬ ‫بنوم عميق على إثر شعورها بدفء‬
‫فسألتهم ‪ :‬من أنتم أيها‬ ‫وحنان اجلدة‪.‬‬
‫الصبية؟ فأجابوا برباءة‬ ‫فإذا بها يف عامل األحالم‬
‫وطهر ونقاء الطفولة ‪،‬‬ ‫غارقة ؛ لقد رأت أنها يف‬
‫حنن أبناء (( الرباءة‬ ‫جو السماء صاعدة‬
‫وهذا‬ ‫والنقاء ))‬ ‫فإذا بها تدخل مكاناً‬
‫املكان خمصص لنا‬ ‫رائعا خالبا يأخذ‬
‫فكل من يأتيه يكون‬ ‫باأللباب قد ابدعته‬
‫نقيا طاهرا بريئاً ال‬ ‫يد اخلالق أميا إبداع ‪،‬‬
‫حيمل يف خبايا نفسه‬ ‫أنهارا و أشجار؛ و أطيارا‬
‫حقدا وال حسدا وال خبثا‬ ‫ومثار؛ فيها ما ال عني رأت‬
‫يسود صفحة حياته ‪ ،‬سعدت‬ ‫وال أذن مسعت وال خطر على‬
‫حنان بالتعرف إليهم ومتنت لو أن‬ ‫قلب بشر يف احلياة األرضية‪.‬‬
‫سكان األرض كهؤالء !!‪..‬‬
‫كل ما فيها بديع ‪ ،‬أشكال أشجارها و أ زاهريها‪ ،‬خرير مياه‬
‫ودعتهم وأكملت مسريها فانتهت قدماها إىل لوحة فنية‬ ‫أنهارها و جداوهلا ‪ ،‬تغريد أطيارها‪ ،‬أصناف حيواناتها ‪،‬‬
‫بديعة استوقفتها‪ ،‬ظيب وظبية يردا املاء ؛ اقرتبت حنان‬ ‫لقد كان بالفعل مكانا ساحرا خالبا ال يرغب املرء نعيما‬
‫لتمأل ناظريها من مجاهلما فإذا بها حتت ظل شجرة تفاح‬ ‫أكرب منه وال ميل البقاء فيه الدهر كله‪.‬‬
‫وإذا رجل و امرأة هناك قد أدار كل منهم ظهره لآلخر‬
‫وبطريقة مفزعة كان كل واحد منهما خيرج قلبه من‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪34‬‬


‫أجاب الشاب ‪ :‬حنن حبيبني يف األرض مل يكتب لنا‬ ‫صدره و يلوكه حتى يأتي عليه كامالً ‪ ،‬فكلما انتهى‬
‫االرتباط ‪ ،‬فكتمنا حبنا يف صدرينا و مل نرتكب حراما‬ ‫الواحد منهما من مضغ قلبه ‪ ،‬عاد إىل مكانه ليستخرجه‬
‫يوصلنا إىل غايتنا بل صربنا واحتسبنا واحتملنا لوعة‬ ‫مرة أخرى فيفعل فيه ما فعل يف سابقتها‪.‬‬
‫احلب و اكتوين ا بنارها بهدوء وثبات فها حنن ننعم بوصل‬ ‫اقرتبت حنان منهما حبذر شديد و رعب مأل أركان‬
‫احلب ليل نهار وهذا جزاء الصابرين احملتسبنب ‪.‬‬ ‫جسدها سألتهم ا من أنتما و ملاذا تفعالن هذا األمر‬
‫قالت الفتاة ‪ :‬حنن شابني أحب أحدنا اآلخر حتى ما يطيق‬ ‫الغريب فأجابا بصوت واحد حنن (( أبناء احلسد )) ‪ ،‬فكل‬
‫حياته وال خياهلا دون وصاله؛ ولكن ظلم البشر حال بيننا‬ ‫حاسد يف احلياة الدنيا يأكل قلبه يف هذا املكان حسرة و‬
‫وبني ما نريد فكظمنا حبنا يف صدرينا و اكتوينا بناره يف‬ ‫ندما على ما كان منه يف غابر أيامه ؟!‬
‫خافقينا لنصل إىل هذه اجلنة حيث ترينا ‪..‬‬ ‫مل حتتمل حنان البقاء يف هذا املكان فاستأذنتهما و‬
‫تأثرت حنان تأثراً شديداً وأسرت يف نفسها ‪ :‬عجبا من ظلم‬ ‫أكملت مسريها حتى آواها التعب إىل أكمة رائعة‬
‫البشر؛ و أعجب منه عدالة رب البشر ‪ ، ..‬و سرت مبا وصال‬ ‫اجلمال مبا فيها من بساط عشيب أخضر و مياه رقراقة‬
‫إليه يف اجلنة ‪ ،‬ودعتهما متمنية هلما حياة ملؤها السعادة‬ ‫عذبة اقرتبت من جدول املاء و شربت حتى ارتوت و بينما‬
‫و اهلناء بعيداً عن حسد احلاسدين و ظلم الظاملني‪.‬‬ ‫هي على هذه احلال ‪ ،‬فاجأها صوت خافت من وراء صخرة‬

‫وبينا هي متشي يف خرفة تلك اجلنة إذا بيد حانية‬ ‫مشرفة ذهبت لتنظر ‪ ،‬فإذا شاب و فتاة يتبادالن أطراف‬

‫توقظها برفق لتعود إىل األرض مرة أخرى وتقص ما رأت‬ ‫احلديث و ينظر أحدهما إىل اآلخر بشكل ال يرى معه غريه‬

‫على جدتها أثناء تناول العشاء‪.....‬‬ ‫؛ اقرتبت حنان منهما ألقت التحية فأجابا بطريقة شعرت‬
‫حنان من خالهلا كم هما سعيدين‪ ،‬سألتهما من تكونان؟‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪35‬‬


‫سيخبر الله عنهم ‪..‬‬
‫محمد أمين الساطي‬

‫روائي و قاص ‪ .‬سوري مقيم يف دبي‬

‫األرض و صف عليها علب حمارم‬ ‫الورق وعلب الكربيت عليها ؛ قبل‬ ‫فتح عينيه بفتور شديد على صوتها‬
‫الورق وعلب الكربيت ‪ ،‬الساعة‬ ‫مغادرته البيت سلمته خالته عشرين‬ ‫األجش " قوم خيرب بيتك ما بتشبع‬
‫السابعة صباحاً وحركة السري ما‬ ‫علبة من احملارم و دزينتني من علب‬ ‫نوم ‪ ،‬تأخرت على شغلك " ‪ .‬كان‬
‫زالت خفيفة ‪ ،‬توقع أن يصل صديقه‬ ‫الكربيت ‪ ،‬و أكدت عليه بأن ال يعود‬ ‫الوقت باكراً يف صبيحة ذلك اليوم‬
‫خالد بعد قليل ‪ ،‬ليضع بسطته‬ ‫إىل البيت قبل أن يبيع مجيع علب‬ ‫من شهر يناير ‪ ،‬و الشمس تشرق للتو‬
‫جبانبه ‪ ،‬حيث يبيع علب املسكة‬ ‫احملارم ‪ ،‬مرددة بأن البيت ليس خاناً‬ ‫‪ ،‬شعر بان أصابع قدميه قد جتمدت‬
‫األجنبية و أكياس النايلون الصغرية‬ ‫‪ ،‬و عليه أن يدفع مثن إقامته و‬ ‫من شدة الربد ‪ ،‬فهذه البطانية‬
‫‪ ،‬لكنه عملياً ‪ ،‬يقوم ببيع أكياس‬ ‫مصروفه ‪ ،‬لكنها نسيت أن تقول نفس‬ ‫الصغرية اخلفيفة بالكاد تكفي أن‬
‫النايلون اليت يف داخلها مادة الصقة‬ ‫هذا الكالم البنها ‪ ،‬إنه يشعر‬ ‫تغطي جسمه النحيل ‪ ،‬لكنه مع كل‬
‫من الغراء ‪ ،‬مادة الشعلة ‪ ،‬فيقوم‬ ‫بكراهية غريبة هلذه املخلوقة ‪ ،‬ولقد‬ ‫هذا فهو ال يستطيع أن جيابه زوجة‬
‫بشرائها بعض األطفال املشردين و‬ ‫امتدت هذه الكراهية إىل ابيه الذي‬ ‫أبيه ‪.‬‬
‫العمال املياومني ‪ .‬الستنشاقها على‬ ‫أصبح شخصاً آخر ‪ ،‬بعد أن توفيت‬ ‫قام متثاقالً من فرشته على األرض ‪،‬‬
‫قارعة الطرقات أو يف احلدائق العامة‬ ‫أمه و تزوج من هذه املرأة الشريرة ‪ ،‬و‬ ‫ونظر إىل أخيه الذي يصغره‬
‫‪ ،‬و عادة ما يطلبون املزيد من‬ ‫أضحى كل همه إرضائها ‪ ،‬ما دفعه‬ ‫بأربعة أعوام ‪ ،‬فما زال نائماً حتت‬
‫رائحتها لتخدير أ جسامهم املتعبة‪،‬‬ ‫ذلك للحقد على أخيه الصغري‬ ‫بطانية واسعة ومسيكة ‪ ،‬ومل توقظه‬
‫للهروب من هذا الشقاء الذي ال‬ ‫أيضاً ‪ ،‬لطاملا فكر أن يقوم أثناء الليل‬ ‫أمه حتى اآلن ‪ ،‬من أجل الذهاب إىل‬
‫ينتهي ‪ ،‬لقد أعطاه صديقه خالد‬ ‫و يرش مادة الكاز بأرضية البيت و‬ ‫مدرسته ‪.‬‬
‫مرة كيساً صغرياً وجربها ومشها ‪،‬‬ ‫يشعله وحيرقهم مجيعاً ‪ ،‬هذه الفكرة‬
‫جلس على الطاولة الصغرية باملطبخ‪،‬‬
‫إنها بديالً رخيصاً عن املخدرات و‬ ‫مازالت تراوده طوال الوقت ‪ ،‬وال‬
‫وسكبت له زوجة أبيه كاسة‬
‫لكنها أكثر خطورة منها ‪ ،‬و تؤدي‬ ‫يستطيع التخلص منها ‪ ،‬تغذيها‬
‫من الشاي الساخن ‪ ،‬و أعطته‬
‫بالنهاية إىل اإلدمان ‪ ،‬انتابه بعد‬ ‫الغرية من أخيه ‪ ،‬و غريزة االنتقام من‬
‫رغيفني مع قطعة صغرية من اجلبنة‬
‫مشها نوعاً من النشاط و االنتعاش و‬ ‫أجل حتقيق العدالة ‪ ،‬بالرغم من أن‬
‫‪ ،‬فهذه ستكون وجبته الرئيسية هلذا‬
‫لكنه سرعان ما اضمحل بعد وقت‬ ‫حلظات اللذة هلذه التخيالت ال تدوم‬
‫اليوم ‪ ،‬عليه أن ميشي اآلن على‬
‫قليل ‪ ،‬وعاودته الرغبة يف شم املزيد‬ ‫طويالً ‪ ،‬إال انها تساعده على‬
‫قدميه ألكثر من ساعة حتى يصل‬
‫منها ‪ ،‬لكن ليس لديه ما يكفي من‬ ‫االستمرار ‪.‬‬
‫إىل حتت جسر الكوال يف بريوت ‪،‬‬
‫النقود ليتعود على شراء مادة‬ ‫وصل إىل موقعه حتت جسر الكوال ‪،‬‬ ‫حيث يفرد بسطته على األرض‬
‫الشعلة ‪ ،‬كان اجلو بارداً ‪ ،‬وضع‬ ‫بسط قطعة صغرية من القماش على‬ ‫لينشر بضاعته من علب حمارم‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪36‬‬


‫أ جابه بأنه رمبا قد متر على اجلسر‬ ‫يبع السجائر فأرباحها مضمونة و‬ ‫قطعة كرتون كبرية حيملها عادة‬
‫دورية للشرطة ‪ ،‬فنضطر لرتك‬ ‫زبائنها كثريين ‪.‬‬ ‫مع بضاعته وتربع عليها ‪ ،‬منتظراً أن‬
‫البسطة للهروب منهم ‪ .‬فيستولي‬ ‫الوقت مير ببطء أكثر من املعتاد‪،‬‬ ‫مير زبوناً عابراً ليشرتي من‬
‫البضاعة‬ ‫على‬ ‫الدورية‬ ‫رجال‬ ‫ولعل الربد القارس ال يشجع العامل‬ ‫بسطته‪ ،‬قاعداً غارقاً يف أحالم‬
‫ويتقامسونها فيما بينهم ‪ ،‬فقررا‬ ‫على التسكع يف الشوارع ‪ ،‬السماء‬ ‫اليقظة ‪ ،‬سارحاً بتفكريه يف املاضي‬
‫البقاء يف مكانهما املنعزل حتت جسر‬ ‫ملبدة بالغيوم الكثيفة و الفضاء‬ ‫‪ ،‬حول أمه اليت تركته وماتت منذ‬
‫الكوال ‪.‬‬ ‫قامتاً ‪ ،‬ينذر مبوجة أخرى من‬ ‫ستة سنوات ‪ .‬حماوالً أن يصيغ هذه‬

‫اآلن قد مضى عليه أكثر من مخس‬ ‫األمطار ‪ ،‬إنه يكره األمطار ألنها تقلل‬ ‫اهلواجس بشكل خريطة لطريق قد‬

‫ساعات ومل يستفتح بلرية لبنانية‬ ‫من فرصه لبيع علب احملارم ‪ ،‬كما‬ ‫جيمعه معها من جديد ‪ ،‬فيخرجه‬

‫واحدة ‪ ،‬فأخذ يقنع نفسه من جديد‬ ‫أنها تدخل الكآبة إىل نفسه ‪ ،‬حاول أن‬ ‫من يومياته املثقلة بالفراغ ‪ ،‬إن سوء‬

‫بأن الطقس بدأ يتحسن و بعد قليل‬ ‫يقنع نفسه بأن الوقت مازال مبكراً ‪،‬‬ ‫معاملة زوجة أبيه شجعته على‬
‫سيزداد عدد املا رة وسيبيعهم علب‬ ‫وبعد‬ ‫االنفصال عن هذا العامل القاسي‬

‫الغيوم‬ ‫حمارم الورق ‪ ،‬لكن‬ ‫املخيف ‪ ،‬لقد مضى اآلن أكثر من‬

‫الرمادية الداكنة اللعينة‬ ‫ساعة ومل حيضر خالد ‪ ،‬حاول أن‬

‫حتجب‬ ‫مازالت‬ ‫يبعد عن تفكريه بأنه رمبا كان‬

‫الشمس ‪ ،‬كانت قليلة‬ ‫مريضاً ‪ ،‬أو أن عناصر من‬

‫عند الفجر ولكنها‬ ‫القوى األمنية قد ألقت‬


‫آخذة يف التكاثر مع‬ ‫القبض عليه‪ ،‬ألنه يبيع‬

‫مرور الوقت ‪ ،‬مما‬ ‫مادة الشعلة ‪ ،‬بعد‬

‫دفعه إىل التشاؤم من‬ ‫قليل جاء سعيد و هو‬

‫جديد ‪ ،‬أحس بأن‬ ‫ولد آخر يبيع بسطة‬

‫درجات احلرارة آخذة‬ ‫الدخان حتت اجلسر ‪ ،‬فرش‬

‫باالخنفاض ‪ ،‬و بدأ‬ ‫قطعة الكرتون على بعد عدة‬


‫يشعر ببعض الصعوبات يف‬ ‫أمتار منه ‪ ،‬و وضع عليها ثالثة أنواع‬

‫حتريك أصابع قدميه ‪.‬‬ ‫من بواكيت الدخان املفتوحة ‪ ،‬ألنه‬

‫قليل‬ ‫يبيع بالسيكارة الواحدة ‪ ،‬وصف‬


‫إنه يدرك أن بيع علب احملارم خارج‬
‫ستمتلئ الساحة حتت اجلسر باملارة ‪،‬‬ ‫جبانبها علب الكربيت ‪ ،‬إنه ال مييل‬
‫عن سيطرته ‪ ،‬و أن كل ما عليه هو‬
‫و سيبيع عدداً من علب احملارم ‪ ،‬راقب‬ ‫إىل هذا الشخص ‪ ،‬و لعل تلك‬
‫االنتظار ‪ ،‬فهذه املواقف الرتيبة‬
‫بطرف عينه بسطة الدخان فوجد‬ ‫الكراهية تعود إىل علب الكربيت ‪،‬‬
‫تبطئ الوقت‪ .‬بدأ يفكر جدياً مباذا‬
‫أنها خالية اآلن من الزبائن أيضاً ‪ ،‬مر‬ ‫اليت خلقت بينهما عداوة كار‬
‫سوف يقول لزوجة أبيه عندما يعود‬
‫خباطره أ ن اليوم هو األربعاء‪ ،‬وهو‬ ‫‪ ،‬الوقت ميضي بتمهل ‪ ،‬رمبا بسبب‬
‫باملساء إىل البيت ‪ ،‬و متنى يف هذه‬
‫منحوس الن أمه ماتت يف يوم‬ ‫شعوره بامللل ‪ .‬حتى اآلن مل يبع وال‬
‫اللحظة لو ان أمه كانت موجودة‬
‫األربعاء ‪ ،‬سأل الصيب اجلالس خلف‬ ‫علبة حمارم واحدة ‪ ،‬بينما رأى بأن‬
‫لتستقبله عندما يفتح باب البيت ‪.‬‬
‫بسطة الدخان ‪ ،‬فيما لو أنهما ينقالن‬ ‫سعيد قد مر عليه أكثر من ستة أو‬
‫لقد دخل العصر ‪ ،‬ومل يعد هناك أمل‬ ‫سبعة زبائن ‪ ،‬إنه يفكر أحياناً أن‬
‫بسطتهما إىل فوق اجلسر و يبيعان‬
‫يف أ ن حيضر خالد ملساعدته ‪ ،‬و عليه‬ ‫يرتك بيع علب حمارم الورق ‪ ،‬و أن‬
‫بضاعتهما على الرصيف ‪ ،‬فعدد املارة‬
‫أن يتدبر أمره بنفسه ‪ ،‬لو كان خالد‬
‫هناك أكثر من هنا ‪ ،‬لكن رفيقه‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪37‬‬
‫‪ ،‬لينسحب من على الرصيف بهدوء ‪،‬‬ ‫أصابعها بصعوبة ‪ ،‬لقد آن األوان‬ ‫موجوداً الشرتى منه مخسة أو ستة‬
‫لكن الشرطي قبض على يده ومنعه‬ ‫ملغادرة املوقع ‪ ،‬فجمع بضاعته ولفها‬ ‫علب من أجل مساعدته ‪ .‬وعندما‬
‫من ذلك ‪ ،‬فما كان منه إال أن دفع‬ ‫بقطعة القماش‪ ،‬ومحل قطعة‬ ‫تكون أ حوال خالد جيدة فإنه يعطيه‬
‫يد الشرطي برفق ‪ ،‬وحاول إكمال‬ ‫الكرتون حتت إبطه واجته إىل فوق‬ ‫ألفي لرية لبنانية لشراء ساندويشة‬
‫عمله ‪ ،‬هنا صاح الشرطي " كمان‬ ‫اجلسر ‪.‬‬ ‫فالفل أثناء عودته إىل بيته ‪ ،‬قطع‬
‫عّم تعتدي على رجال الشرطة "‬ ‫وضع بسطته على الرصيف فوق‬ ‫تفكريه مشاهدة الصيب بائع بسطة‬
‫ولطمه بكفه على وجهه ‪ ،‬بالرغم من‬ ‫اجلسر ‪ ،‬و أ خذ يراقب حبذر دوريات‬ ‫الدخان ‪ ،‬يلوح له بيده مودعاً ‪ ،‬لقد‬
‫كل هذا اإلحباط الذي يعيش فيه ‪،‬‬ ‫الشرطة ‪ ،‬ما زالت درجة احلرارة‬ ‫رصد بعينيه أن مبيعات السجائر مل‬
‫قرر أ ن ال يسمح للشرطي بأن يدوس‬ ‫تنخفض مع قدوم الظالم ‪ ،‬أحس‬ ‫تكن جيدة يف هذا اليوم ‪ ،‬لكن بالرغم‬
‫على كرامته ‪ ،‬مل يبقى هناك شيئاً‬ ‫بالربد يدخل إىل أعماقه فينخر‬ ‫من هذا ‪ ،‬فإن صاحب البسطة عاد‬
‫ليخسره ‪ ،‬فلكم الشرطي بكل قوته‬ ‫عظامه ‪ ،‬لكنه يعرف أنه من‬ ‫إىل منزله ‪ ،‬ال شك بأن أمه موجودة‬
‫على وجه ‪ ،‬باغتت اللكمة الشرطي‬ ‫املستحيل أن يعود إىل البيت قبل أن‬ ‫يف البيت لتدافع عنه أمام ابوه ‪.‬‬
‫وتعثرت‬ ‫الوراء‬ ‫إىل‬ ‫فانثنى‬ ‫يبيع على األقل عشرة علب من‬ ‫الوقت ميضي ‪ ،‬بدأت العتمة ختيم‬
‫قدميه فوقع على األرض ‪ ،‬فما كان‬ ‫احملارم للهروب من هذا الربد القارس‬ ‫على املكان ‪ ،‬و متددت الظالل تدرجيياً‬
‫من شريكه الشرطي اآلخر ‪ ،‬إال أن‬ ‫‪ ،‬عاد ملمارسة أحالم اليقظة ‪ ،‬فتخيل‬ ‫حتت اجلسر ‪ ،‬ال أحد جيوب املكان ‪،‬‬
‫هجم على الولد الصغري كاجملنون‬ ‫أ ن أمه جتلس مرتبعة جبانبه على‬ ‫لقد أصبح من اخلطر عليه أن يبقى‬
‫صارخاً " كمان عّم تضرب رجال‬ ‫الرصيف و أصابع يدها تداعب‬ ‫وحيداً حتت اجلسر ‪ ،‬قد خيطر ألي‬
‫األمن " ‪ .‬وبدأ يضربه ويرفسه برجليه‬ ‫خصلة شعره املتهدلة على جبينه ‪،‬‬ ‫رجل كبري أن يهجم عليه ويأخذ‬
‫‪ ،‬مل يستطع أ حد من املارة التدخل يف‬ ‫فشعر بنوع من السعادة و أحس‬ ‫بضاعته ‪ ،‬مل يبع حتى اآلن وال علبة‬
‫هذه املعركة الغري متكافئة ‪ ،‬و‬ ‫بالديفء ينساب يف جسمه ‪ ،‬إنه لن‬ ‫واحدة ‪ ،‬و مل يعد باستطاعته أن يعود‬
‫متالك الشرطي امللقى على األرض‬ ‫يدعها ترتكه هذه املرة وتذهب‬ ‫إىل بيته ‪ ،‬حاول أن يقف ‪ ،‬لكن قدمه‬
‫نفسه ‪ ،‬ومن شدة شعوره باإلحراج‬ ‫لوحدها ‪ ،‬لقد قرر أن يرافقها لكي ال‬ ‫اليسرى مل تتحمل وزنه ‪ ،‬فلقد‬
‫أمام الناس احمليطني به ‪ ،‬قام من‬ ‫يبقى وحيداً‪ .‬مل تعد لديه القدرة‬ ‫كانت متجمدة من شدة الربد ‪ ،‬خلع‬
‫مكانه ميلؤوه احلقد و قبضة يده‬ ‫على حتمل احلياة ‪.‬‬ ‫يدلك‬ ‫أن‬ ‫وحاول‬ ‫حذائه‬
‫اليمنى مشدودة مصراً على إيذائه ‪ ،‬و‬ ‫أصابع قدمه ‪ ،‬لكنها مازالت متجمدة‬
‫قطع احالمه فجأة صوت الشرطي ‪" ،‬‬
‫حبركة سريعة سدد لكمة قوية‬ ‫كالثلج ‪ ،‬فشعر باخلوف ‪ ،‬و بطريقة‬
‫ما بتعرف إن التبسيط بالشوارع‬
‫لوجه الصيب ‪ ،‬فاختل توازنه و سقط‬ ‫ال شعورية أخذ عود ثقاب من علبة‬
‫ممنوع ‪ ،‬تعال معنا على املخفر ‪ ،‬و‬
‫من فوق جسر الكوال ‪.‬‬ ‫الكربيت و أشعل علبة حمارم ‪ ،‬ثم‬
‫البضاعة مصادرة " ‪ ،‬كان هدفهما‬
‫خالل فرتة سقوطه من هذا االرتفاع‬ ‫ختويفه لكي يركض هارباً ‪،‬‬ ‫قرب قدمه منها ‪ ،‬احرتقت العلبة‬
‫الذي ال يزيد عن مثانية أمتار ‪ ،‬شعر‬ ‫فيصادران البضاعة ليتقامسوها‬ ‫بكاملها بسرعة‪ ،‬ناشرة كمية صغرية‬
‫بسعادة كبرية وهو يودع هذا العامل ‪،‬‬ ‫بينهما ‪ ،‬لكنه مل يتحرك من مكانه ‪،‬‬ ‫من احلرارة فشعر ببعض االرتياح ‪،‬‬
‫الذي مل يعرف فيه إال التعاسة ‪ ،‬و‬ ‫إ ن هذه العلب السخيفة أصبحت‬ ‫لكن أصابع قدمه ما زالت متجمدة ‪،‬‬
‫هو اآلن ذاهباً يف طريقه ملالقاة أمه ‪،‬‬ ‫متثل الفرق بني احلياة و املوت‬ ‫فأشعل علبة ثانية من حمارم الورق ‪،‬‬
‫و سيخرب اهلل عنهم ‪.‬‬ ‫بالنسبة له ‪ ،‬قام من مكانه وحاول أن‬ ‫فساهمت احلرارة املنبعثة منها‬

‫يضب البضاعة داخل قطعة القماش‬ ‫بتدفئة قدمه ‪ ،‬فتمكن من حتريك‬

‫‪ 38‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫العلم غايتنا‬

‫إسماعيل خوشناو‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬عراقي‬

‫****‬

‫تابِعْ خُطَى قَلَمٍ وَارْسُمْ عُال كَلِمٍ‬

‫وَالْأَدَبِ‬ ‫بالْعِلْمِ‬ ‫فَالْعَ ْقلُ مُكْ َت ِملٌ‬

‫كُنْ عاقِالً فَطِناً لِلْوَقْتِ كُنْ حَذِراً‬

‫فَالْوَقْتُ يَقْطَعُ مَنْ قَدْ هامَ بالشَّغَبِ‬

‫جَ ْهلٌ فَال مَرْحَبَاً كُنْ خاسِراً عَدَماً‬

‫وَالْعَجَبِ‬ ‫تَأْتي لَئِنْ زُرْتَنا بِالشُّؤْمِ‬

‫نالِي وَشَوْقي هُما كُرْدٌ وَقُدْوَتُنا‬

‫قَدْ أَصْبَحا عَلَناً أَعلَى مِنَ السُّحُبِ‬

‫عَهْدٌ إِىل أَهْلِنا نُهْدي لَهُمْ سَنَداً‬

‫كَما الْعِنَبِ‬ ‫عِلْماً وَمَعْرِفَةً عَذْباً‬

‫****‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪39‬‬


‫مخيلة الطفل‬

‫بين اللعب و القصص‬


‫د ‪ .‬أنطوان الشرتوني‬

‫حملل نفسي‬

‫قاص و كاتب ‪ .‬لبناني‬

‫إذ ختتلف خميّلة كل واحد منهم ومنوّها عن اآلخر‪.‬‬ ‫يتعلّم الطفل كثرياً من اخلصال‪ ،‬أكانت جيدة أو سيّئة‪،‬‬
‫فنرى أنّ األطفال الذين يشاهدون التلفاز ساعات‬ ‫من خالل تقليد والديه واملقرّبني منه‪ .‬ومن اخلصال‬
‫وساعات‪ ،‬يكونون حمدودي املخيّلة‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬أقلّ‬ ‫اجليّدة القراءة وحبّ املطالعة‪ .‬فالطفل ولدى مشاهدته‬
‫ختيّالً من األطفال الذين ينتظرون كل ليلة موعد‬ ‫منذ صغره‪ ،‬والديه يقرآن كل يوم‪ ،‬سيتلقّن هذه‬
‫«قراءة قصة» على لسان أهلهم‪ ،‬موعد ينمّي بينهم أيضاً‬ ‫«اخلصلة» اإلجيابية وسيصبح قارئاً نهماً بامتياز‪ .‬ولكن‬
‫عالقة وطيدة وأساسية حلياتهم‪.‬‬ ‫ال ميكن تعزيز القراءة عند الصغري فقط من خالل‬

‫أمّا بالنسبة للطفل الذي يستعمل طول الوقت هاتف أهله‬ ‫مشاهدة اآلخرين وتقليدهم‪ ،‬بل جيب وضع الكتاب إىل‬

‫لأللعاب اإللكرتونية أو الـ‪ iPad‬للغرض نفسه‪ ،‬فيكون‬ ‫جانبه دائماً وإحاطته باجملالت والقصص اجلميلة اليت‬
‫صعبَ املراس وعنيداً وال يتمتّع مبخيّلة واسعة بل يُظهر‬ ‫جتذب القارئ الصغري ما يساعده يف اكتساب «حبّ‬
‫عدوانية مفرطة مقلّداً أبطال األلعاب اإللكرتونية‪.‬‬ ‫املطالعة»‪ .‬ولكن ما عالقة «املخيّلة» بالقراءة عند‬
‫األطفال؟ وكيف ميكن لألهل أن ينمّوا هذه املخيلة عند‬
‫لذا تُعترب القصّة مهمّة ألنّها تدفع الطفل للتفاعل مع‬
‫أطفاهلم؟ وما هو دورها يف حياتهم اليومية؟‬
‫أحداثها ولتخيّل شخصيّاتها وطريقة حلّ املشكالت‬
‫مبنطق وسالسة‪ .‬فهي حتمل الطفل إىل عامل اخليال‬ ‫يبدأ الطفل عند عمر السنتني تقريباً بطلب سرد‬

‫ومفعوهلا ليس موقتاً بل يستمرّ لسنني كثرية‪ .‬فكم منّا‪،‬‬ ‫القصص له‪ .‬وتلعب هذه القصص دوراً بارزاً يف تنمية‬

‫ما زال يتأثّر بقصّة قرأها خالل طفولته وما زال حيبّها‬ ‫خميّلته حيث سيتخيّل نفسه جزءاً من القصّة ويعيش‬

‫ألنّها تعيده إىل زمن الطفولة اخلالي من اهلموم‪.‬‬ ‫جتارب جديدة مل يعشها من قبل أو جتارب يريد أن‬
‫يعيشها عرب أحداث القصة‪ .‬فهذه العملية الفكرية‪ ،‬أي‬
‫وال ميكن أن ننكر أهمّية اللعب يف تنمية خميّلة الطفل‬
‫االنتقال مع القصة وأحداثها‪ ،‬حتدث من خالل املخيّلة‬
‫الذي يتعلّم الكثري من األمور مثل التحكّم باألشياء‬
‫اليت تنمو من دون توقف عند الطفل‪.‬‬
‫امللموسة املوجودة يف العامل اخلارجي‪ .‬كما يساعد اللعب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المخيلة وأهميتها في حياة أطفالنا‬
‫الطفل يف فهم األفكار والتصرّفات الناجتة عن سلوك‬
‫خالل سرد األهل قصة لطفلهم‪ ،‬يعيش هذا الطفل أحداث‬
‫معيّن‪.‬‬
‫القصة ويصبح «بطلها»‪ .‬كما خيترب جتارب جديدة‬
‫فمثالً‪ ،‬يفهم الطفل أنّه من املهم أحياناً مواجهة الشرّ‬
‫تنمّي خميّلته وحسّه اإلدراكي‪ .‬وطبعاً هناك اختالفٌ‬
‫بأفعال اخلري‪ ،‬أو مواجهة طفل «شرّير» بطلب منه حبزم‬ ‫جذريّ ما بني الطفل الذي يشاهد التلفاز وطفل آخر‬
‫التوقف عن املضايقة أو حتى تعلّم الدفاع عن النفس و‬ ‫يلعب فقط باأللعاب اإللكرتونية وطفل تُسرَد له كل يوم‬
‫تهدئة الذات وغريها من األمور احلياتية اليت يواجهها‬ ‫القصص‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪40‬‬


‫عليه‪ ،‬بل ميكن مراقبته فقط وطرح األسئلة عليه بعد‬ ‫الطفل‪ .‬وطبعاً يساعد اللعب يف اكتشاف العامل الذي‬
‫انتهاء وقت اللعب‪.‬‬ ‫حييط بالطفل الصغري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جيب ختصيص مكان مناسب للطفل لكي يلعب بألعابه أو‬ ‫القصة و المخيلة‬

‫ميارس اللعب اخليالي من خالل جعل احليوانات‬ ‫تبقى أحداث القصة اليت يسردها األهل لطفلهم أو‬
‫البالستيكية أو الدمى املتحرّكة تتكلّم وتتحاور‪.‬‬ ‫يقرأها الطفل بنفسه‪ ،‬مرسّخة يف ذهن الطفل‪ .‬فيكون قد‬
‫تأثّر مباشرة أو غري مباشرة بأحداثها اليت تردّ على‬
‫تشجيع الطفل على قراءة القصص كلّ ليلة وبدون‬
‫حاجاته اليومية أو قلق يعيشه الطفل‪.‬‬
‫انقطاع‪.‬‬
‫ولكن ليست هذه األسباب الوحيدة لرتسيخ القصة يف ذهن‬
‫كما ميكن لألهل أن يساعدوا طفلهم إذا كان يف طور‬
‫األطفال بل هناك أيضاً أسباب أخرى أهمّها أنّ القراءة‬
‫تعلّم األحرف والقراءة‪.‬‬
‫تتطلّب من الطفل جهداً ليفهم ويتخيّل أحداثها‪.‬‬
‫ميكن تنظيم نشاطات خيالية لألطفال‪ ،‬يف املدرسة أو‬
‫وعندما يعتاد القارئ الصغري على تلك العملية الفكرية‪،‬‬
‫حتى يف البيت‪ ،‬حيث تستعمل املربية أو األم األقالم‬
‫تصبح عنده عادة يومية أساسية‪ .‬فعندما يقرأ الطفل‬
‫واألوراق البيضاء والصور امللوّنة ليقصّها األطفال‬
‫قصة مثالً‪ ،‬يستعمل خمزونه الصوَري يف ذاكرته وخيلق‬
‫ويصنعوا لوحة تتعلّق مبوضوع معيّن‪ ...‬فهناك آالف‬
‫صوراً مناسبة لكلمات القصّة وأبطاهلا وأحداثها‪ .‬كما‬
‫النشاطات الفنّية اليت ميكن تطبيقها مع األطفال‪.‬‬
‫يدمج أحاسيسه ومشاعره فتصبح القصة اليت يقرأها‬
‫تشجيع الطفل على متثيل القصّة اليت قرأها أو اليت‬
‫مطبوعة يف خميّلته‪.‬‬
‫مسعها‪ .‬وميكن لألهل مساعدته يف التمثيل ولعب دور‬ ‫ّ‬
‫مساعدة األهل في تنمية مخيلة طفلهم‬
‫معيّن‪.‬‬
‫تتعدّد اخلطوات اليت ميكن أن يقوم بها األهل لتنمية‬
‫جيب على األهل ختفيف ساعات مشاهدة التلفاز‬ ‫خميّلة أطفاهلم من خالل القراءة واللعب‪ .‬وأهمّها‪:‬‬
‫واستبداهلا بساعة قراءة ولعب ونشاطات جسدية أو‬
‫عندما يكون الطفل مستغرقاً يف خياله ويلعب بألعابه‬
‫ثقافية‪.‬‬
‫ويتكلّم معها‪ ،‬ال جيب أن خياف األهل ألنّ ولدهم مستسلم‬
‫اصطحاب الطفل منذ صغره إىل املتاحف ودور السينما و‬ ‫خلياله‪ .‬وال جيب أبداً مقاطعته وال حتى طرح االسئلة‬
‫األماكن الثقافية و االستماع إىل احلفالت املوسيقية‬
‫الكالسيكية‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪41‬‬


‫ّ‬
‫الحوار في مرحلة الطفولة المبكرة‬
‫ّ‬
‫ودوره في إعداد الطفل للتفوق‪،‬‬
‫رندة حلوم‬
‫وإعمار الذات‬
‫شاعرة و كاتبة ‪ .‬سوريا‬

‫يفتح الباب لقنوات االتصال‪ ،‬فتبقى مفتوحة لتحريض‬ ‫رغم التّقدم التّربوي الكبري واالنتباه ملرحلة الطّفولة املبكرة‬
‫الطّفل على التّفكري والتّخيل‪ ،‬وإشباع فضوله إىل املعرفة‪،‬‬ ‫يف العديد من اجملتمعات‪ ،‬إلّا أنّ جمتمعنا العربي اليزال يف‬
‫والتّحليق مع أفكاره إىل االبتكار واإلبداع مما له الدّور املهم‬ ‫مرحلة التّأخر ومل تستطع بعض البلدان اخلروج من أزمتها‪،‬‬
‫يف تفتح قدرات الطّفل العقلية فاندفاع الطّفل حنو اكتشاف‬ ‫يف التّعامل مع عقل الطّفل على الرّغم مما أحدثته ثورة‬
‫حميطه عن طريق السؤال واحلوار ووجود البيئة احملفزة هو‬ ‫املعلومات من ثورة موازية يف النّظر إىل أساليب تربية الطّفل‬
‫األساس يف ارتقاء قدراته العقلية واللّغوية والسّلوكية‪ ،‬على‬ ‫عامليّاً‪ ،‬ويذهب املفكر األملاني يورغن هابرماس للقول‪“ :‬إنّ‬
‫عكس الطّفل الذي مل جيد جواباً على فضوله املعريف وبقي‬
‫خياله حبيس الفكرة املقطوعة من قبيل قول أحد الوالدين‪:‬‬
‫اصمت أيها الصّغري ‪ ...‬ال تسأل ‪ ...‬ال تقل ‪ ...‬ال رأي لك أيها‬
‫الصّغري‪ ...‬اخل من عبارات الكبت والقمع األسري وهو من أشد‬
‫ضروب التّنشئة األسرية يف أذيّة معمار الدّماغ ومعمار الذّات‬
‫ومعمار الشّخصية‪ ،‬فينشأ الطّفل مكبوتاً مقموعاً‪ ،‬يفتقر إىل‬
‫القدرة على التّواصل مع احمليط بشكل إجيابي‪ ،‬ال بل عدم‬
‫فهم هذا احمليط واختيار العزلة واالنطواء‪.‬‬
‫أفضل قيمة أخالقيّة يف عصر العلم والتّقانة هي احلوار‪”.‬‬
‫رياض األطفال وتنميّة النّشاط املعريف من خالل حوار الطّفل‬
‫دور األسرة يف إعداد طفلها للتفوق وتنمية قدراته من خالل‬
‫مع أقرانه ومعلميه‪:‬‬
‫احلوار‪:‬‬
‫مع تقدم عمر الطّفل تتسع البيئة اليت يتعامل معها‪ ،‬فهو‬
‫يسود خطأ شائع لدى العديد من األسر إىل أنّ الطّفل‬
‫يلعب مع أقرانه يف رياض األطفال‪ ،‬ويتصل مع معلميه‪ ،‬ومع‬
‫الطّبيعي خالل طفولته املبكرة املمتدة من (‪ )6-0‬هو الطّفل‬
‫اتساع هذه الدّائرة أصبح املطلوب من البيئة اجلديدة تنمية‬
‫اهلادئ املستكني بينما العكس هو الصحيح‪ ،‬فالطّفل‬
‫مهارات التّواصل‪ ،‬واللّجوء إىل املالحظة والقياس من أجل‬
‫الطّبيعي هو الطّفل اللّحوح كثري األسئلة مثل ‪ :‬ما هذا يا‬
‫حتديد مستوى املهارة اليت حصل عليها الطّفل من األسرة‬
‫ماما؟ من أين يأتي املطر؟ ‪ ...‬اخل من األسئلة اليت من املمكن‬
‫والتّدخل لتعديل وتطوير تلك املهارة‪ ،‬ففقر مهارة احلوار‬
‫أن يسأهلا الطّفل واعتماد احلوار من قبل األهل وجواب‬
‫عند الطّفل ذات صلة مباشرة بفقر القدرة االجتماعية على‬
‫الطّفل عن أسئلته مبا يتناسب مع عمره املعريف من شأنه أن‬
‫التواصل مع احمليط ‪ ،‬والسيما األقران يف رياض األطفال ‪.‬‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪42‬‬
‫واستخدامها الحقاً يف مرحلة املدرسة وما بعدها حتّى‪ ،‬ألنها‬ ‫فمن أهم األساليب الدّاعمة إلعداد العقل املبتكر يف مرحلة‬
‫حترض العقل للعمل إلنتاج الفكر اجلديد‪ ،‬والسيما مهارة‬ ‫رياض األطفال أسلوب احلوار‪ ،‬ألنّ هذه املرحلة هي الفرتة‬
‫حوار األطفال مع بعضهم واستثمارها من خالل اللّعب‬ ‫الزمنيّة املناسبة الكتساب املهارات يف تدريب الطّفل على‬
‫والنّشاطات املختلفة ضمن رياض األطفال‪ ،‬وضرورة إفساح‬ ‫النّقاش‪ ،‬وإبداء الرأي‪ ،‬مما حيمّل رياض األطفال مسؤولية‬
‫اجملال‪ .‬حلوار األطفال فيما بينهم وحتّى اجملادلة‪،‬‬ ‫االعتماد على هذا املبدأ يف مناشطها كافةً‪ ،‬واعتماد احلوار‬
‫فاالتصاالت الشّفويٌة والعمليّة من شأنها مساعدتهم يف‬ ‫بني األطفال أنفسهم ومع معلميهم‪ ،‬مما ينتج عنه تنمية‬
‫التّعبري والتّفاعل االجتماعي املنطقي وإعمار شخصية طفل‬ ‫الفكر املنطقي‪ ،‬وارتقاء النّمو اللّغوي واالجتماعي‪ ،‬وتنامي‬
‫مبتكر قادر على التفكري واحلوار وصوالً إىل التّفوق واإلبداع‪.‬‬ ‫الوعي بأهميّة اآلخر وتقبله‪ ،‬و تنميّة القدرة على التّكيف مع‬
‫احمليط‪ ،‬والشّعور بلذة العمل املشرتك وروح الفريق‪ ،‬وإعداد‬
‫الطّفل للتّفوق بني أقرانه من خالل تنميّة تلك املهارة‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪43‬‬


‫مسرحيات مستمدة‬
‫من تاريخ بطوالت منطقة قناة السويس‬

‫للكاتب مجدي مرعي‬


‫أحمد محمد محسن السروي‬

‫كاتب ‪ .‬مصر‬

‫كتاب مصر ‪ ،‬موجه عام تربية مسرحية ‪ ،‬خمرج ومؤلف‬ ‫يستعد كاتب األطفال املصري جمدي مرعي لكتابة‬
‫مسرحي لألطفال ‪ ،‬قدم ما يقرب من ‪ 75‬عمل مسرحي‬ ‫مسرحيات مستمدة من تاريخ بطوالت منطقة قناة السويس‬
‫للمسرح املدرسي ‪.‬‬ ‫‪ ،‬كاتب األطفال املصري جمدي مرعي كاتب نشط يف‬

‫حصل على جائزة أحسن خمرج وأحسن عرض يف املهرجان‬ ‫جمال الطفولة ‪ ،‬له إسهامات كثرية يف هذا اجملال ‪ ،‬عمل‬

‫املسرحي األول ملسرح الطفل للهيئة العامة لقصور الثقافة‬


‫عن مسرحية " قمر احلواديت " ‪ ،‬قدم ملسرح الطفل باهليئة‬
‫العامة لقصور الثقافة من إخراجه " اخرتاع جينن ‪ ،‬تأليف أ‪.‬د‬
‫مصطفى سليم ‪ ،‬ومسرحية ( إمرباطور البلى )‬

‫أصدر كتابه األول " زيارة ملدينة األحالم " وهو يضم مخس‬
‫مسرحيات‬

‫للطفل ‪. ،‬وكتابه الثاني "عرايس قماش " وهو يضم أربع‬


‫مسرحيات للطفل وهى إصدار اهليئة العامة لقصور الثقافة‬
‫‪ ،‬قدم ملسرح ذوى اإلعاقة من تأليفه وإخراجه مسرحيات ‪:‬‬ ‫خمرجا ملسرح الطفل ‪ ،‬فاقرتب أكثر من ميدان أدب الطفل‬
‫"خليك مكاني "‪ " ،‬مجهورية جحا املتحدة " ‪ " ،‬الدنيا حلوة‬ ‫‪ ،‬واطلع علي الكثري من أسراره فأحبه وعشقه ‪ ،‬وعمل يف مهنة‬
‫"‪ " ،‬عرايس قماش " و من إخراجه " سيدة الفجر " للكاتب‬ ‫التدريس فازدادت خربته وفهمه جملال الطفولة ومتطلباته ‪،‬‬
‫االسباني " اليخاندرو كاسونا " و"حصحص احلبوب "‬ ‫وقد أحيل حاليا للمعاش ‪ ،‬فهو يعيش أحلى مراحل التميز‬
‫للكاتب "توفيق احلكيم "‬ ‫للكاتب ‪ ،‬وهي بعد إحالته للمعاش ليتفرغ للكتابة حامال معه‬
‫خربات السنني ‪ ،‬والفراغ من املسئوليات ‪ ،‬ليبدع اكثر يف عامل‬
‫حصل على جائزة أحسن متثيل على مستوى اجلامعات عن‬
‫الطفل ‪ ،‬و بسعدنا أن نلقي نظرة سريعة على سريته األدبية‬
‫مسرحية " امللوك يدخلون القرية "و اليت قدمت من كلية‬
‫من مواليد حمافظة القاهرة ‪ ،‬حاصل على بكالوريوس علوم‬
‫الرتبية جامعة قناة السويس‪.‬‬
‫وتربية ‪ ،‬دبلوم املعهد العالي للنقد الفين ‪ ،‬عضو احتاد‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪44‬‬


‫ومل ختل جعبة كاتبنا جمدي مرعي من اإلبداع ‪ ،‬فهو حاليا‬ ‫حصل على جائزة التميز يف التأليف املسرحي عن مونودراما‬
‫يستعد إلعداد كتاب عن تاريخ املسرح اإلمساعيلي ‪ ،‬من‬ ‫" فل يا فل "من مهرجان اإلسكندرية اإلقليمي ملسرح الغرفة‬
‫ثالثينات القرن املاضي حتى الوقت احلاضر‬ ‫" الدورة االوىل "مسرح بره العلبة‪.‬‬

‫و هو على أهبة االستعداد ملؤمتر أدب الطفل جبامعة حلوان‬ ‫قام باملشاركة يف املؤمتر الثالث واخلامس ألدب الطفل‬
‫‪ ،‬وجيهز لالستعداد ملؤمتر أدب الطفل ملركز توثيق وحبوث‬ ‫ملركز و حبوث أدب الطفل باهليئة العامة للكتاب ومؤمتر أدب‬
‫أدب الطفل‪ ،‬وأيضا ملؤمتر أدب الطفل الحتاد كتاب مصر ‪،‬‬ ‫الطفل اخلامس عشر جلامعة حلوان ومؤمتر مسرح الطفل‬
‫كما يستعد كاتبنا إلخراج عمل مسرحي جديد للطفل ‪،‬‬ ‫باحتاد كتاب مصر بأوراق حبثية ‪.‬‬
‫وحالي يستعد إلخراج مسرحية من تأليفه بعنوان ( لعبة‬ ‫مارس اإلخراج املسرحي للثقافة واجلامعة ومركز اإلعالم‬
‫تفوت ) ‪.‬‬ ‫والطالئع للشباب والرياضة وجلمعيات متحدى اإلعاقة‬
‫حتية لكاتب األطفال الكبري جمدي مرعي ‪ ،‬علي نشاطه‬ ‫البصرية والذهنية ‪ .‬قام مبهام املشرف الفين إلقليم القناة‬
‫الدؤوب يف جمال الطفولة ‪.‬‬ ‫وسيناء الثقايف ملسرح اجلرن حتى دورته احلالية ‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪45‬‬


‫جزيرة األماني الغامضة‬

‫أسماء عبد المحسن عبد المجيد علي‬

‫كاتبة و قاصة ‪ .‬مصر‬

‫أعلمه ألطفال اململكة ‪ ،‬كانت الشمس قد غابت ‪ ،‬و هو مل‬ ‫كلما رأى األمري مندور شيئا غريب ‪ ،‬و قال ‪ :‬هذا ما أريد‬
‫يعرف بعد ماذا يريد ‪ ،‬حضر القمر لينور له طريقه ‪ ،‬و يرتجاه‬ ‫‪،‬هذا هو هديف ‪ ،‬ولكن مبجرد أن يرى شيئا أغ رب ‪ ،‬ردد وقال‪:‬‬
‫أن يقول ماذا يريد ‪ ،‬مل يستمع له األمري ممدود ‪ ،‬و ظل خيتار‬ ‫هذا ما أريد ‪،‬هذا هو هديف ‪ ،‬احتار امللك جدا‪ ،‬وطالب ابنه‬
‫شيئا و يرتكه ‪ ،‬فما كان من القمر إال أن اختفى خلف‬ ‫بأن يصبح ملكا للبالد بدال عنه ‪،‬و لكنه صرخ و قال ‪ :‬يا أبي‬
‫و مأل‬ ‫الغيوم ‪،‬‬ ‫لدي أحالم كثرية ‪،‬‬
‫جزيرة‬ ‫الضباب‬ ‫أريد حتقيقها ‪..‬‬
‫الغامضة‪،‬‬ ‫األماني‬ ‫وعندما سأله حكيم‬
‫مالمح‬ ‫فاختفت‬ ‫هي‬ ‫ما‬ ‫‪:‬‬ ‫اململكة‬
‫اجلميلة‪،‬‬ ‫األشياء‬ ‫أحالمك يا موالي ؟ مل‬
‫أمامه فلم يرى شيئًا‬ ‫يعرف مباذا جييب ‪ ،‬سأل‬
‫على اإلطالق ‪ ،‬نادى‬ ‫نفسه‪ :‬ماذا أريد؟!‬
‫أن‬ ‫على الشمس‬
‫ظل أياما وأسابيعا يسأل‬
‫تظهر ‪ ،‬فردت عليه‬
‫نفسه‪ :‬ماذا أريد ومل‬
‫الشمس من خلف الظالم و قالت ‪ :‬لقد انتظرتك طويال ومل‬
‫يعرف ؟‬
‫ختتار شيء ‪ ،‬نظر إىل القمر خلف الغيوم و قال ‪ :‬تنور لي‬
‫طريقي ‪ ،‬فأنا ال أرى شيئًا ‪ ،‬قال له ‪ :‬ساحمين دوري قد انتهى‬ ‫اقرتح حكيم اململكة على امللك ‪ ،‬أن يذهب ولي العهد إىل‬
‫‪ ،‬فلتعرفه وحدك ‪ ،‬اختفى داخل الضباب ‪ ،‬رأى والده حزين و‬ ‫جزيرة األماني الغامضة!!‬
‫حمتار ‪ ،‬و أهل مملكته منهم الصياد ‪ ،‬الذي يذهب كل‬ ‫وهناك سيعرف ماذا يريد‪ ،‬وفعال ذهب األمري مندور إىل‬
‫صباح مبكرًا‪ ،‬للصيد مودعا أطفاله و زوجته ‪ ،‬و حطاب جيمع‬ ‫اجلزيرة ‪ ،‬لفت نظره ‪ ،‬منظر الكمان الذي يعزف وحده ‪،‬‬
‫احلطب من الغابة‪ ،‬مجيعهم حيملون السالح ‪ ،‬و حيمون‬ ‫فاقرتب منه و تعلم العزف عليه ‪ ،‬حتى أحس بامللل فرتكه ‪،‬‬
‫حدود اململكة‪ ،‬صرخ بأعلى صوته وقال ‪ :‬ممملكيت و شعيب‬ ‫فجذب انتباهه هذه الفرشاة السحرية ‪ ،‬اليت تلون نفسها‬
‫حييط بهم الضباب ‪ ،‬البد و أن أمحيهم ‪ ،‬رمى بنفسه داخل‬ ‫أكثر من لون ‪ ،‬منتظرة من يرسم بها على اللوحة البيضاء‪،‬‬
‫الضباب ‪ ،‬و راح حيارب و يقاتل‪ ،‬دون أن يشعر مبلل أو تعب ‪،‬‬ ‫ضحك قائال ‪:‬ما أمجلها و أروعها!!‬
‫حتى اختفى مع الضباب نادى على اجلميع ‪ :‬متاسكوا وال‬
‫ظل أسبوعا يرسم و يبدع ‪ ،‬فقال يف سعادة ‪ :‬لقد عرفت اآلن‬
‫تضعفوا ‪ ،‬فشقت صرخاته الصخر ‪ ،‬فوجد نفسه داخل‬
‫ما ذا أريد‪ ،‬ولكن منظر األطفال الصغرية ‪ ،‬و هم يكتبون على‬
‫الغرفة ‪ ،‬واحلكيم يدلك يديه يف حنان قائال ‪ :‬اآلن أهال بك‬
‫ورق األشجار ‪ ،‬كلمات ختتفي ‪ ،‬و لن يراها إال من ذهبت إليه‬
‫يا بين قائدا و حاميا جليش اململكة العظيم‪..‬‬
‫هذه الكلمات ‪ ،‬جعله يصرخ ويقول يف سعادة ‪ :‬سأتعلم هذا و‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪46‬‬


‫األديب الراحل‬
‫عبد العزيز المقالح‬
‫مروان يحيى الشرعبي‬

‫قاص و كاتب و صانع حمتوى ‪ .‬اليمن‬

‫كالشمس ساطعة تضيء أفق احلياة‪ ،‬نارٌ على عَلَم ومنهج شعري حداثي القصيدة كان‬
‫الشاعر والباحث اليمين العربي عبد العزيز املقاحل‪.‬‬

‫منذ أن بدأ كتابة الشعر بي ربيع الرابعة عشر من عمره بدأت دائرة فكرة تتوسع ليصبح بعدها‬
‫صاحب إنتاج شعري تعمق يف قصيدة التفعيلة وعشق لغته رغم قصائده اليت رمست صورة‬
‫املعاناة واألمل‪..‬‬

‫عبد العزيز املقاحل أيقونة الشعر ليس على مستوى اليمن فحسب‪ ،‬بل يعد أحد كبار الشعراء‬
‫العرب والنقاد الذين تركوا بصماتهم يف ترسيخ منهج اللغة يف فكر الدارسني والباحثني‬
‫املتعمقني يف أغوار اللغة واألدب‪.‬‬
‫األب الذي تربى على سريته الشعراء والنقاد واختذوا من رؤيته األدبية نافذة لبالغة األسلوب‬
‫وفصاحة الكلمة‪.‬‬
‫من وحي قلمه استلهم الشعراء قواعد البناء يف قصيدة احلر اليت تزوجها قلمه وأجنب‬
‫حسناوات القصائد‪.‬‬
‫على منواله األدبي تسري قوافل العشق‪ ،‬يف طريق األدب منذ زمن ومل تزل على درب التعلم‬
‫تسلك منهجه‪.‬‬
‫حني ميوت أرباب اللغة وكواكب الشعر تبكي السطور وتهتز القصيدة تعبريا عن الفقد‬
‫واألسى بقلب كل كاتب وشاعر عشق القصيدة‪.‬‬
‫أيها األديب الراحل عبد العزيز املقاحل مل يكن الرثاء سهالً‬

‫لكن القصائد بعد ثكلى‪ ،‬ترثي رحيلك‬

‫باكية األقالم على السطور‪.‬‬

‫انتظار‬

‫‪.........‬‬

‫‪ 48‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫المقالح ارتقى ولم‬
‫محمد الغربي عمران‬ ‫يتوفى‬
‫قاص و كاتب و روائي ‪ .‬اليمن‬

‫أنا‬ ‫ال ميوت املبدع‪ ،‬لكنه يرتجل‪ .‬فالكثري‬


‫سعيد‬ ‫ممن نعيش معهم هم أموات منذ‬
‫أن‬ ‫مولدهم‪ .‬املقاحل كاملتنيب وأبي فراس‬
‫تشرق‬ ‫والربدوني واحملضار والسياب وحمفوظ‬
‫مشس‬ ‫إىل آخر اخلالدين عصيني ال ميوتون‪.‬‬
‫غد‬ ‫اليوم نستقبله بشكل خمتلف‪ ،‬فها هي‬
‫وبعد‬ ‫روحه أبدية معنا‪ ،‬وستظل إىل ما شاء‬
‫غد و‬ ‫اهلل من خالل أعماله بصمته فينا‬
‫كمجتمع وكطالب له‪.‬‬
‫كثريون سيتحدثون عن ذكرياتهم‬
‫معه‪ ،‬وأنا أحتدث عن قادم األيام معه من خالل شعره‬
‫املقاحل حي بيننا حي بني جيل قادم بل أجيال وأجيال‪،‬‬
‫ونقده وفكره‪ ،‬من خالل توجيهاته من خالل علمه‬
‫فها هو ابو قاسم الشابي حي و ها هو البياتي ودرويش‬
‫وأخالقه وقيمه أن نعيش كما كان هلذا اجملتمع أن‬
‫واحلكيم و آالف من عرب و أفارقة و أوربيني ‪ ...‬يعيشون‬
‫يعيش وجدانا وطنيا وجهدا أدبيا‪ .‬املبدع حني يرتجل‬
‫وسيعيشون ‪.‬‬
‫يبعث من جديد‪ ،‬حلياة أبدية ال تشبه حياته اليت عاشها‬
‫لروحه السالم ‪ ،‬ولنا أن نستدفئ بضي مشسك وأن ننعم‬ ‫مكابدا ومناضال ومبدعا‪.‬‬
‫بعظيم عطاك ونفاخر أمام شعوب األرض أن لنا جنما‬
‫حياة ترحل فينا من جيل إىل جيل كما يرحل فينا‬
‫يسكن السماء متوهج دوما وأبدا‬
‫الزبريي والشوكاني‪ ،‬ويرحل فينا حممد عبد الولي‬
‫املاحل املعلم والوطين واملربي اإلنسان واملبدع الفنان‪ ،‬نبعه‬ ‫ولطفي جعفر أمان وعظماء الفكر واألدب‪.‬‬
‫ال يزال وسيستمر يتدفق‪ .‬وعلينا أن نرتشف منه لنحيا‬
‫إذا جيب أن تبعث كتبه‪ ،‬أن تطبع وتوزع على كل‬
‫ونضاعف حيواتنا‪ .‬أن نتزود‪ ،‬ونتأسى به ونتمثل لنحيا‬
‫املكتبات العامة واجلامعية‪ ،‬جيب أن ننشئ اجلوائز‬
‫حياة مضاعفة من خالل السري على خطاه ككائن ملهم‬
‫بامسه‪ ،‬واملنتديات واجلامعات واملراكز الثقافية ومسمى‬
‫أن نغين وننشد ونكتب ونرسم ونبدع لنحيا وحنيا مثلما‬
‫الشوارع‪ .‬فذلك أن حنيا مع عظمة هامة ننتمي إلينا‬
‫بعد أن نرتجل ‪ ،‬بعد أن علمنا كيف حنيا إىل األبد‪ ،‬وال‬
‫وننتمي إليها‪.‬‬
‫نعيش أموات‪.‬‬
‫أشفق على من حيزن لرتجل هذا العظيم‪ ،‬وأنصحه أن‬
‫شكرا أيها العظيم شكرا مقاحل اإلنسان فكرا وقيما‬
‫حيزن على ذاته‪ ،‬وال حيزن على خالد مثل املقاحل‪ .‬كم‬
‫ومبادئ وإبداعا‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪49‬‬


‫مرثية‬
‫في أستاذنا و أديب اإلنسانية‬
‫الدكتور عبد العزيز المقالح‬
‫بروف آمنة محمد يوسف‬
‫طيب الله ثراه‬
‫شاعرة و ناقدة و كاتبة ‪ .‬اليمن‬

‫وكنت الذي للحياة حمب‬ ‫أصرت أخريا رفيق القبور‬

‫متد إىل احلب كل اجلسور‬ ‫رفيق الظالم‪ ،‬بال أي نور ؟!‬

‫أبؤس البالد الذي اعرتانا‬ ‫وأنت الذي نوره صاغ فينا‬

‫مجيعا‪ ،‬ثم استوى يف الصدور‬ ‫مشوس التحدي وعشق البحور‬

‫أأحالمنا الضائعات هنالك‬ ‫وأنت الذي كنت فينا األماني‬

‫بني الثريا وبني العصور‬ ‫وكان فؤادك خري اجلسور‬

‫أسرا ختبئه صار شوقا‬ ‫وأنت الذي كم شدونا بشعر‬

‫إىل املوت يعرب قبل العبور‬ ‫له ظل يسكن بني النحور‬

‫*‬
‫وقبل الشروق وقبل الغروب‬ ‫أصرت غيابا‪ ،‬غيابا طويال‬
‫وقبل الذي كان بني السطور ؟!!!‬ ‫وكنت على الرحب كل احلضور‬

‫( ‪ / ٢٩‬نوفمرب ‪ ٢٠٢٢ /‬م )‬ ‫على الرغم باغتك املوت حتى‬

‫شهقت اغتباطا يشي بالسرور‬

‫‪ 50‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫اإلنسان الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح‬
‫حتى الرثاء لم يكلفنا ‪...‬‬

‫فرثى نفسه قبل رحيله‬


‫د ‪ .‬بلقيس أحمد الكبسي‬

‫أكادميية و كاتبة ‪ .‬اليمن‬

‫جسدي يشيخُ‬ ‫القلوب فتساقطت حُزنا وحَزناً ورثاءً‬ ‫كان فجراً عابساً حزيناً ذلك الذي‬

‫ومثله لغيت وصوتي‬ ‫وقهراً‪ ،‬رحل الشاعر ابن الوطن‬ ‫محل صباحه نعي الرحيل‪ ،‬األثنني‬
‫حمزوناً مغبوناً على شعبٍ ووطنٍ باعه‬ ‫‪ 28/11/2022‬قبل الفاجعة ببضع‬
‫ذهبَ الذين أحبهم‬
‫أبناءٌ عصاه بثمنٍ خبس‪ ،‬وقبل أن‬ ‫آهات ونصف أنني استيقظتْ األعني‬
‫وفقدتُ أسئليت ووقيت‬ ‫يرحل رثى نفسه ووطنه وشعبه‪ ،‬رثى‬ ‫مفزوعة ًعلى نبأ رحيل الشاعر‬
‫أنا سائ ٌر وسط القبورِ‬ ‫احلرف والكلمة والنص والقصيدة‪،‬‬ ‫الدكتور عبد العزيز املقاحل ؛ فصار‬
‫رثى الصوت والصدى‪ ،‬رثى الصمت‬ ‫يف سجل التاريخ األليم يوماً حزيناً‬
‫أفرُّ من صميت‬
‫والصرب والبكاء‪ ،‬حلظة فَقَدَ السؤال‬ ‫منذ بدايته األوىل‪ ،‬يومها دثرت اليمن‬
‫لصميت‬ ‫والوقت وهو جيتاز مسافات الفناء‪،‬‬ ‫الثكلى فلذت كبدها وشدت على‬
‫أبكي‬ ‫وقبل أن خيبو تغلغل يف دواخل القلوب‬ ‫كفنه األبيض الذي يقطرُ عطراً وأملاً‬

‫فتضحكُ من بكائي‬ ‫وأعماق األفئدة‪ ،‬حبث فيها عن قواسم‬ ‫وحزناً وكتبتْ حمزونة على قربه ما‬
‫مشرتكة فما وجد فيها غري احلزن‬ ‫أراده ذات حزن على ذاته ووطنه وشعبه‬
‫دورُ العبادةِ واملالهي‬
‫واليأس واألسى ثالوث مقيت يقتات‬ ‫وأهله الطيبني حني قال‪:‬‬
‫وأمّدُ كفي للسماء‬ ‫عليها‪ ،‬حلظتها أعلن يأسه جماهرة‬ ‫"دثّريين‬
‫تقولُ‪ :‬رفقاً يا إهلي‬ ‫ومن ثم أغمض عينيه وأسلم الروح‬
‫وشدّي على كفين‬
‫لبارئها‪ ،‬وأسلمنا اليقني بأن البقاء‬
‫اخللقُ كل اخللق –‬
‫حمال إال هلل وحده‪ ،‬رحل املقاحل‬ ‫واكتيب فوق قربي‪:‬‬
‫من بشرٍ‪ ،‬ومن طيـرٍ‬ ‫وكان رحيله كما اشتهاهُ سهالً‬ ‫هنا واحد من ضحايا احلروب اليت‬
‫ومن شجرٍ‬ ‫سلسالً بعد أن يأس من احلياة برمتها‪،‬‬ ‫عافها‬
‫وقبل أن يرحل قاهلا يقيناً برحيل ٍ‪-‬‬
‫تكاثر حزنْهم‬ ‫ثم قال لقادتها قبل أن يبدأوها‪:‬‬
‫عاجلٍ غري آجل‪ -‬هو احلقيقة الباقية‪،‬‬
‫واليأسُ يأخذهم صباحَ مساءَ –‬ ‫احلروب إذا دخلت قرية أكلت أهلها‬
‫احلتمي‬ ‫املوقن بالرحيل‬ ‫قاهلا‬
‫من آهٍـ‪ ..‬آلهـ‬ ‫مستغرباً تأجيله مستعجالً تأخريهُ‪،‬‬ ‫الطيبني"‬

‫حاولتُ أالَّ أرتدي‬ ‫قاهلا رثاءً يف قصيدته اإلنسانية‬ ‫غادرنا عزيزنا املقاحل يف رحيل موجع‬
‫الشهرية أعلنت اليأس‪:‬‬ ‫هز كيان الكلمة وأوصال احلرف ‪ ،‬هز‬
‫يأسي‬
‫"أنا هالكٌ حتماً‬ ‫غطرسة الشعراء وزهو األدباء وغرور‬
‫وأبدوا مطمئناً‬ ‫البقاء‪ ،‬هز جذوع الضمائر وخناع‬
‫فما الداعي إىل تأجيل موتي‬

‫‪ 51‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫والوئام وحمبة البشر والطري واحلجر‬ ‫وللحروبِ‬ ‫بني أعدائي وصحيب‬
‫ألنهم مجيعا ميثلون الوطن‪ ،‬رحل‬ ‫ومشت على أشالئهِ‬ ‫لكنين ملا رحلتُ‬
‫الوضاء‬ ‫الرباء‬ ‫الوجه‬ ‫صاحب‬
‫زم ُر املناصب واملذاهب‬ ‫إىل دواخلهم‬
‫األكادميي املثقف وجه اليمن‬
‫األمجل عربياً وعاملياً‪ ،‬من ال يعرف‬ ‫والفنت"‬ ‫عرفتُ بأنهم مثلي‬
‫املقاحل مل يلج أبواب الشعر وبوابات‬ ‫رحل الشاعر عبد العزيز املقاحل‬ ‫وأن اليأس ينهشُ‬
‫القصائد‪ ،‬املقاحل ذلك الذي كنًّ‬ ‫مباغتة وقبل أن يرحل ذاق قساوة‬ ‫كل قلبِ ‪.‬‬
‫ويكنُّ له اجلميع (أصدقاء وأعداء‬
‫) كل تقدير وحمبة واحرتام‬ ‫أعلنتُ يأسي للجميع‬
‫وعلمه‬ ‫ووفاء ‪ ،‬كان حربه‬ ‫وقلتُ إني لن اخبـي‬
‫ومشورته متاحات ملن قصدها‪ ،‬مل‬ ‫هذا زمانٌ للتعاسة‬
‫يبخل يوماً ومل يوصد باباً كما‬
‫والكآبة‬
‫يفعل املتغطرسون ‪ ،‬كيف ال وهو‬
‫املقاحل ابن اليمن األصيل‪ ،‬رحل‬ ‫مل يرتك الشيطانُ فيهِ‬
‫املقاحل بعد أن أثرى املكتبات‬ ‫مساحةً للضوء‬
‫اليمنية والعربية والعاملية شعراً‬
‫أو وقتاً لتذكار احملبةِ‬
‫ونثراً وتأليفاً وعلماً وكتاباً‬
‫وإشرافاً على رسائل علمية‪ ،‬كان‬ ‫والصبابة‬
‫جنماً بني الشعراء‪ ،‬وأستاذاً‬ ‫أيامهُ مغربّةُ‬
‫جامعياً بني طلبته ‪ ،‬ورئيساً‬ ‫ومساؤُه مغربّةُ‬
‫أكادميياً يف صروح العلم‪.‬‬
‫ورياحه السوداء‬
‫رحل اإلنسان عبد العزيز املقاحل‬
‫تعصف بالرؤوس العاليات‬
‫بهدوء وسالم بعد أكثر من‬
‫مخسني عاماً من العطاء والثراء‬ ‫الرحيل املباغت عندما خيلعنا املوت‬ ‫وتزدري التاريخ‬
‫العلمي واألدبي والثقايف واإلبداعي و‬ ‫ويرجعنا إىل ضمري الرتاب الذي جئنا‬ ‫تهزأُ بالكتابة‬
‫الوطين‪ ،‬عزيزنا املقاحل من مطمئناً‬ ‫منه وهو حياكي بذلك حالتنا‬
‫أنا ليس لي وطنٌ‬
‫ساملاً يف ضيافة الرمحن لروحك‬ ‫عندما قال‪:‬‬
‫الرمحة واملغفرة والسالم‪ ،‬خالداً ال‬ ‫أفاخر بامسهِ‬
‫"والرَّحِيل املباغتَ قاسٍ‪،‬‬
‫تُنسى بإبداعك ونتاجك وفكرك‬ ‫وأقول حني أراه‪:‬‬
‫وليس سوى املوتِ خيلعنا‬
‫وعلمك‪ ،‬وخُلقك وأخالقك ورقيك‬
‫فليحيا الوطن‬
‫حاضراً ال تغيب بني حمبيك‬ ‫ثمَّ يرجعُنا لضمريِ الرتاب‪".‬‬
‫وطين هو الكلماتُ‬
‫وصحبك وكل من يُكن لك الود و‬ ‫رحل عبد العزيز املقاحل اإلنسان‬
‫اللد على حدٍ سواء‪.‬‬ ‫الشاعر األستاذ الدكتور العامل‬ ‫والذكرى‬
‫والكاتب واملؤلف واألديب اخللوق‬ ‫وبعضٌ من مرارات الشجنْ‬
‫املتواضع املُؤثر على نفسه صاحب‬
‫باعوه للمستثمرين وللصوص‬
‫العطاء‪ ،‬الداعي للحب والسالم‬

‫‪ 52‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫ألنه منحة السماء‬

‫المنح ال تموت‬

‫سكينة شجاع الدين‬

‫شاعرة و قاصة و ناقدة ‪ .‬اليمن‬

‫حمفزا قويا مينحين اهلمة ملواصلة‬ ‫ترافقين سنوات دراسيت وبعدها حيث‬ ‫حني يدور يف خلدك احلديث عن‬
‫الطريق للقراءة للبحث للتقصي‬ ‫كنت احتفظ بكل صفحة فيها‬ ‫هامة أدبية سامقة كما هو لسان‬
‫أمتمت دراسيت وعدت للقرية وأنا‬ ‫مقالة أو شعر للمقاحل لكنين يف‬ ‫الوقت وأنا أدربه بكلماته املتعثرة‬
‫أمحل الكثري من احلكايات عنه وعن‬ ‫السنة الرابعة التقيت به واقعا كان‬ ‫وصوته املبحوح يف حماوليت البائسة‬
‫مشواري اجلامعي أسعد بها والدي‬ ‫يعلمنا لك أن تستوعب أن يكون‬ ‫للحديث عن أبينا الروحي أستاذ‬
‫الذي كان يفرح كثريا حني أسرد له‬ ‫حلمك حقيقة ماثلة أمام عينيك‬ ‫دكتور عبد العزيز املقاحل أجد رهبة‬
‫موضوعا مل يعرفه من قبل حني أقرأ‬ ‫نعم كانت مادة األدب احلديث هي‬ ‫لي ست عادية كيف ملثلي أن يلم‬
‫عليه نصا من نصوص الدكتور‬ ‫مهبط اخلري لروحي أللتقي ذلك‬ ‫مبقامه وهيئته ومكانته ليست وليدة‬
‫ليدعو لي أن استطيع الوصول‬ ‫الكبري الذي اكن له احلب واالمتنان‬ ‫اللحظات عالقيت به منذ بداية‬
‫لتحقيق حلمي وهو يسمع خربشاتي‬ ‫من خالل كلماته اليت كنت أقرأها‬ ‫التسعينات إن مل يكن قبلها وأنا امسع‬
‫اليت كنت أكتبها لكنه رحل ومل‬ ‫دخل علينا يف أوىل حماضراته‬ ‫عنه من أخي مدير مدرسيت ‪ ،‬حيث‬
‫ينتظر خترجي ومل أسرد له حكاية‬ ‫وكأني حبلم امسع صوته اهلادئ وهو‬ ‫كنت أعرب هلم عن حيب للغة العربية‬
‫تزوجت‬ ‫حكاياتي‬ ‫من‬ ‫واحدة‬ ‫يتحدث إلينا ليسرد لنا ما سنأخذه‬ ‫ورغبيت يف دراستها والتوسع يف عواملها‬
‫وطحنتين احلياة بني فكيها وانشغلت‬ ‫خالل الرتم عن األدب احلديث‬ ‫كان مينحين كل ما يبعث يف نفسي‬
‫مبا صرت إليه من مسؤوليات ولكثرة‬ ‫مفهومه نشأته تطوره أعالمه و كلنا‬ ‫الرغبة يف البحث والتحري عمن‬
‫ما كان علي القيام به فكنت أحدث‬ ‫نصغي إليه وحنرص على التقاط‬ ‫سيكون قدوتي يف هديف صحف تلك‬
‫نفسي متى يأتي الوقت الذي أكون‬ ‫كلماته بصوته احلنون واهلادئ‬ ‫الفرتة اليت كان حيرص على أن‬
‫فيه أنا مل أنس القراءة ومل أترك‬ ‫كانت تلك األيام اليت نتجشم فيها‬ ‫يأتيين بها كل يوم يف دراسيت‬
‫الكتابة وأن اختلف منحاها ظلت‬ ‫عناء الذهاب لآلداب من أروع أيامي‬ ‫بني‬ ‫أجري‬ ‫وكنت‬ ‫اجلامعية‬
‫نصائحه عالقة يف ذهين وكأني فقط‬ ‫الدراسية ألنها جتعلنا نلتقي بذلك‬ ‫صفحاتها وكأن احلياة فيها ال تكون‬
‫انتظر الوقت املناسب ‪ ،‬وحني عدت إىل‬ ‫القلب الكبري الذي كان حريصا على‬ ‫إال يف صفحة األدباء اليت كنت أجد‬
‫صنعاء بعد عقد من الزمن وأصبحت‬ ‫اجلميع حيدثنا عن املستقبل والوعي‬ ‫فيها صورة الدكتور عبد العزيز و ما‬
‫متفرغة نوعا ما لي كان ذهين عالقا‬ ‫وأننا أساس ذلك املستقبل ولن‬ ‫يكتبه من أطروحات أو نصوص‬
‫يف مكان واحد هل بإمكاني رؤيته‬ ‫ينهض بالشعوب سوانا بالعلم بالوعي‬ ‫فاقرأها وأنا أتابع كلما يقوله ثم‬

‫بالقراءة الدائمة ظلت كلماته‬ ‫حيدثين أخي تابعيه لو أردت فعال أن‬
‫تكون كاتبة ظلت تلك الصفحات‬
‫‪ 53‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫هو الدكتور عبد العزيز املقاحل مع‬ ‫كما عهدت ذلك القلب احملب‬ ‫والتحدث إليه ‪ ،‬وهل قدمت شيئا‬
‫الكل د ون استثناء متواضعا حمبا‬ ‫املتواضع عرفته بنفسي وحدثته أني‬ ‫أستطيع أن اضعه بني يديه؟‬
‫ناصحا داعما ‪.‬‬ ‫كنت من طالبه وأني أتيت إليه اليوم‬ ‫فكل ما أكتبه لست راضية عنه أشعر‬
‫مل ميت ألنه تاريخ والتاريخ ال ميوت‬ ‫ألريه ما أكتب ‪ ،‬فريد علي ‪":‬أنه‬ ‫أنه ناقص وباهت كيف يرقى لشيء‬
‫يسمع عين أني أكتب بصورة جيدة"‬ ‫يقدم ليقرأه دكتور حبجم املقاحل؟‬
‫مل ميت ألنه منحة السماء واملنح ال‬
‫ألسعد بكالمه ثم يقول لي "ال تقفي‬
‫تنتهي مل ميت ألنه ترك أثرا سيخلده‬ ‫رغم معرفيت ألبوته وتشجيعه للكثري‬
‫يف مكانك عليك أن تنشري ما‬
‫عرب األزمنة سيظل يف أرواحنا ما‬ ‫من املبدعني وكم كنت أمتنى أن‬
‫تكتبني يف كل مكان ال تتوقفي"‬
‫حيينا ألنه كان إنسانا عظيما وقامة‬ ‫يضمين جملسه الذي كان مفتوحا‬
‫كلماته تلك زادتين بهجة فعربت له‬
‫ال يشبهه أحد ‪.‬‬ ‫لكل من طرق بابه فكانت زيارته مثابة‬
‫عن امتناني حمبة واعرتافا بفضله‬
‫هدف وأمنية أود حتقيقها ‪.‬‬
‫ليس من اليوم بل منذ زمن بعيد‬
‫وشكره زوجي وخرجت من عنده وأنا‬ ‫يا إهلي كم مضى علي منذ رأيته؟‬

‫أمحل الدنيا كلها بني جنيب هكذا‬ ‫وكيف كانت سعادتي برؤيته؟ الزال‬

‫‪ 54‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫‪+‬‬

‫المثقف حالما يغدو‬


‫ً‬
‫وطنا‬
‫نجيب التركي‬

‫شاعر و ناقد ‪ .‬اليمن‬

‫ليس باليسري‪ ،‬وال بالشيء‬


‫الذي تستطيع احلروف يف‬
‫كم سطر أن نتحدث عنه‪،‬‬
‫ماذا‬ ‫عن‬ ‫هل تعرفون‬
‫أحتدث؟‬

‫احلديث عن األستاذ امللهم‪،‬‬


‫"عبد العزيز املقاحل" ذو‬
‫شجون جير بعضها بعضا‪،‬‬
‫ويتدحرج ككرة ثلج خياهلا‬
‫الرائي كما لو كانت‬
‫سعادة يف هيئة إنسان‪.‬‬

‫البيضاء ملا نتلكأ به أمامه‪ ،‬حقا إنه اإلنسان الذي خلقه اهلل‬ ‫هامة أدبية‪ ،‬منارة يُهتدى‬
‫على صورته‪.‬‬ ‫بها‪ ،‬عرفه اجلميع بتفانيه‪ ،‬بكتبه املتنوعة‪ ،‬بِشعره املتفرد‪،‬‬
‫حبديثه العذب عندما حتاوره‪ ،‬كأنه من أهل اجلنة أهداه‬
‫أكاد أجزم أن ‪ 95٪‬من سكان اليمن يعرفون "املقاحل"‪ ،‬وهذا‬
‫اهلل لليمن وللعامل‪ ،‬فكيف لنا أن نتحدث عن اجلنة وأهلها‪،‬‬
‫غري وارد يف ذاكرة شعب مليئة باحلروب‪ ،‬وإن دل على شيء‬
‫ومل نبلغ بعد مرحلة التجلي ؟‬
‫فإمنا على املكانة اليت فرضها الدكتور بأخالقه وقلمه‪ ،‬ولو‬
‫شئنا أن نصفه بني مراتب خنبة املثقفني حلصل على املرتبة‬ ‫ليس من شك أن أستاذنا القدير قد تعرّض هلجمات‬
‫الثانية بعد شاعر اليمن األعظم" عبد اهلل الربدوني"‪ ،‬وإنين‬ ‫تكفريية عِدّة‪ ،‬وألن يف البدء كانت الكلمة‪ ،‬كانت كلمات‬
‫إذ حضرت تشييع جنازته املمتدة من (السبعني إىل نهاية‬ ‫الدكتور مبثابة الكالم املقدس الذي يتطاول عليها األقزام‪،‬‬
‫شارع جماهد) فقد تبني لي مدى تأثري الثق افة املمتزجة‬ ‫اجلهل مبا ميكن للكلمة أن تصنعه‪ ،‬معضلة‬
‫باحلب‪ ،‬وإنين ألغبطه حتى وهو يف مثواه‪ ،‬فأين حنن منه‪،‬‬ ‫ال يدركها من ال يرى أبعد من أنفه!‬
‫وأنّا لنا أن نقدم بعضا من إجنازاته‪.‬‬
‫عرفت الدكتور وهو مل يزل يف صحة جيدة‪ ،‬زرته يف مقيله‪،‬‬
‫ومكتبه‪ ،‬يف مركز الدراسات والبحوث‪ ،‬ويف جامعة صنعاء‬
‫أثناء ما كان رئيسا هلا‪ ،‬وزرته يف مرضه‪ ،‬كأن طينه عجن‬
‫مباء الذهب‪ ،‬فلم تتغري نظرته احلانية حملدثه‪ ،‬وال ابتسامته‬
‫‪ 55‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫فقدناك‬

‫يا آخر العظماء‬


‫د ‪ .‬جمال عبد الرحمن الحضرمي‬

‫أكادميي و باحث ‪ .‬اليمن‬

‫معاصريه ‪ ..‬ولعل أهم تأثر لي به هو بعد قراءتي لكتابه‬ ‫طلب مين احد االصدقاء الكتابة عن االستاذ الدكتور عبد‬
‫عن املعتزلة يف اليمن الصادر عن مركز الدراسات والبحوث‬ ‫العزيز صاحل املقاحل ‪..‬هذا االسم الذي تردد على مسامعي‬
‫منذ طفوليت املبكرة بعد ان جاءت جملة العربي الصادرة عن‬
‫دولة الكويت الشقيقة إىل مدينة زبيد يف عام ‪١٩٧٣‬م وكنا‬
‫حينها طالبا يف املرحلة املتوسطة ‪ ،‬وكان يدير قضاء زبيد‬
‫شخصية قبلية مثقفة يدعى صاحل بن مرشد املقاحل ‪،‬‬
‫وعندما جتاوزنا تلك املرحلة وقرأنا قصيدة لشاعر مينى‬
‫كان يدرس يف مصر احلبيبة امسها قصيدة العبور‪...‬اليت‬
‫عرب فيها عن ملحمة اكتوبر والنصر العظيم فيها ‪ ..‬سجل‬
‫يف ذ اكرتنا حينها اسم الدكتور الشاعر واالديب عبد‬
‫العزيز صاحل املقاحل ابن ذلك االسم الذي تردد يف ذاكرتنا‬
‫منذ الصغر ‪ ..‬و بعد ان التحقنا باملرحلة الثانوية واجلامعية‬
‫‪ ..‬كنا ننتظر كل مخيس صحيفة ‪٢٦‬سبتمرب اليت يكتب‬
‫فيها علمني بارزين من أدباء اليمن هما االديب و الشاعر‬
‫عبد اهلل الربدوني و الدكتور املقاحل ‪ ..‬كنت حينها أقعد‬
‫لكي أقرأ املقال يف مربز أخي و صديقي الشاعر املرحوم‬
‫اليمين والذي حتدث فيه عن مرحلة هامة من مراحل‬ ‫حسني غالب العلي أ و مع استاذنا الفاضل املرحوم حيي‬
‫احلكم يف اليمن وكان بدوره رئيسا للمركز‪ ، ..‬أداره حبكمة‬ ‫عوض حممد احلداد ‪ ..‬وال انسى حركة أصابع أخي‬
‫العلماء و أ صدر العديد من الكتب والدوريات اهلامة ‪ ، ..‬لقد‬ ‫املرحوم األديب و الشاعر أمحد عبدالرمحن البطاح حني‬
‫افتقدنا مدرسة أ دبية كبرية ينهل منها طالب العلم ‪، ..‬‬ ‫يأ خذ اجمللة ليقرأ هو املقال بدال عين فيقف عند كل سطر‬
‫ويستفيد منها تالميذه ‪ ، ..‬و دكتورنا املقاحل مدرسة يف‬ ‫وكلمة يف املقال ‪ ، ..‬هذا الفقدان حلركة االدب وانتشاره‬
‫اإلدارة التعليمية ‪ ،‬و جناحه طوال ربع قرن يف رئاسة جامعة‬ ‫وتعلمه هو ما فقدناه حنن طالب املدرستني األدبيتني‬
‫صنعاء دليل على ذلك ‪ ، ..‬كما أنه نبع مستمر وخالد‬ ‫الربدوني واملقاحل ‪ ، ..‬و بعد خترجي من اجلامعة كان‬
‫وعلم ينتفع به رحم اهلل دكتورنا خالد الذكر د‪/‬عبد‬ ‫للحديث والتواجد يف زيارات متقطعة مع دكتورنا املقاحل‬
‫العزيز صاحل املقاحل ‪ ..‬رمحه اهلل رمحة األبرار ونفعنا بعلمه‬ ‫أثرا كبريا يف أسلوب الكتابة األدبية و الفكرية لدى جيل‬
‫إىل يوم يبعثون ‪.‬‬

‫‪ 56‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫إهداء‬
‫نبيل قاسم حسين‬

‫شاعر و ناقد ‪ .‬اليمن‬

‫ه ـ ل مثل حرف ـ ـ ـ ـك يستقيم كالم‬ ‫(رف ـ ـ ـ ـع الكـ ـ ـ ـالم وج ـ ـ ـ فت األقـ ـ ـالم)‬

‫من شه ـ ـ ـد ثغـ ـ ـ ـ ـرك يف املدى األيام‬ ‫يشدو بهيبت ـ ـ ـك القريض وترتوي‬

‫تشت ـ ـ ـ ـ ـمه األنـ ـ ـ ـ ـداء و األنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـام‬ ‫ف ــ ـ ـألنت عطر للزم ـ ـ ـ ـ ـ ـان أريـ ـ ـج ـ ـ ـه‬

‫عل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ترفرف حـ ـ ـ ـ ـوله األع ـ ـ ـالم‬ ‫متواض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع طلق احمليا باسـ ـ ـ ـ ـ ـــم‬

‫و ببع ـض بوحك تن ـ ـتشي األحالم‬ ‫بع ـ ـ ـ ـ ـ ـض احلروف مت ـ ـ ـلها أذواق ـ ـ ـنا‬


‫ذاقت ح ـ ـ ـ ـالوة نبـ ـ ـعك األف ـ ـ ـ ـ ـ ـهام‬ ‫تدنو النجوم فتجتين أدب ـ ـ ـا وكـ ـم‬

‫فه ـ ـ ـ ـطول حرفك للق ـ ـلوب م ـ ـدام‬ ‫مل نتخذ ك ـ ـ ـ ـأس الك ـ ـ ـ ـ روم مدامة‬

‫أذكت نف ـ ـ ـوسا ه ـ ـ ـ ـدها است ـ ـسالم‬ ‫سل ـ ـ ـ ـ ـمت أيادي ـــهم مشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاعل عزة‬

‫فاست ـ ـ ـ ـقبل ـتك و وجه ـ ـ ـ ـ ـ ـها بسام‬ ‫يوما تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغنى صغ ـ ـ ـ ـ ـ ـتها ح ـ ـبا هلا‬

‫غنت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـروعة وقع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـها األنغ ـام‬ ‫وع ـ ـ ـزفت من نب ـ ـض الفؤاد حلونها‬

‫من قبـ ـ ـل مـ ـ ـ ـ ـأرب تنحين األه ـ ـرام‬ ‫ولك الـمآثر ينـ ـ ـ ـحين إجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالهلا‬
‫وحك ـ ـ ـ ـ ـت صـ ـ ـداه عراقـ ـ ـنا و الـشام‬ ‫ج ـ ـ ـسر العبـ ـــور تفاخ ـ ـ ـرت سينا به‬

‫جذبـ ـ ـ ـ ـوا الس ـ ـماء فتنتهي األوهام‬ ‫إن الش ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـوب إذا استفاق شبابها‬

‫حل الشـ ـ ـ ـ ـقاق و عم ـها اإلظ ـ ـ ـ ـ ـالم‬ ‫ملا أمي ـ ـ ـ ـط عن الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ عوب وئامها‬

‫وشحذت سيف احلرف وهو كهام‬ ‫يامن نثـ ـ ـ ـرت من الب ـ ـ ـيـ ـ ـان جواهرا‬

‫وعلي ـ ـ ـ ـك من مهج الق ـ ـلوب سالم‬ ‫فإليك من غيث احلـ ـ ـروف حتـ ـ ـية‬

‫‪ 57‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫جائزة البريكس في اليمن‬
‫و الدكتور عبد العزيز المقالح‬
‫المستشار فؤاد الغفاري‬

‫مؤسس بريكس اليمن‬

‫ميثل رحيل األب املقاحل أمانة عظيمة حلمل رسالته اليت بذل‬
‫الكثري من أجل ترسيخها عرب مواقف حياته الثورية‬
‫واإلنسانية والسياسية واألدبية‪ ،‬وإن املتتبع ملواقف احلزن‬
‫العربي عامة يدرك متاماً أن مثل األب املقاحل لو كان يف دولة‬
‫أخرى خللدوا حضوره قبل وفاته‪ ،‬لكن األب املقاحل ورغم‬
‫التحدي اليمين واإلرهاق العربي استطاع يف خامتته أن‬
‫جيمع الصوت العربي حول الشعر واألدب واحلب لإلنسان‬
‫واألرض‪ ،‬وهذا التخليد سيبقى أوقع يومياً من أي مراسيم‬
‫قادمة للسلطة أو النخب لتخليد ذكرى األب املقاحل‪ ،‬وإذا‬
‫كان زعيم األمة اهلندية غاندي صدر قرار وطين مبناداته‬
‫باملهامتا من قبل الداخل وأمام اخلارج‪ ،‬فال أقل من قرار وطين‬
‫وشعيب ملناداة الراحل عبدالعزيز املقاحل بصفة جامعة وفاء‬
‫لذكرى حياته امللهمة لألجيال حتى آخر حلظات نضاله‪..‬‬
‫لإلبداع واالقتصاد معاً كخطوة غري مسبوقة‪ ،‬وكم كانت‬ ‫و حنن من موقعنا وحزننا البد أن نؤكد بأننا سنمضي يف‬
‫سعادتنا غامرة وهو يتابع يف ‪ ٢٣‬نوفمرب من العام املاضي فوز‬ ‫رسالة طريق احلرير الثقايف اليمين الذي رعاه األب املقاحل‬
‫عدد من الشخصيات بهذه اجلائزة اليت أطلقنا عليها جائزة‬ ‫من خالل تدشينه األول عربياً لقراءة تقرير " من طريق‬
‫الربيكس‪ ،‬ملعاني السيادة الكاملة اليت كان يتحدث عنها‬ ‫احلرير اجلديد إىل اجلسر الربي العاملي " منذ ‪ ٢٦‬مارس‬
‫األب املقاحل‪ ،‬رمحة اهلل عليه‪..‬‬ ‫‪٢٠١٦‬م إىل ‪ ٨‬أكتوبر ‪٢٠١٦‬م‪ ،‬وهي الدعوة اليت ناصرها األب‬
‫الزالت أتذكر الكلمات األوىل ملشروع إحياء طريق اللبان‬ ‫املقاحل بعد لقاء يف ‪٢٠١٤‬م مع السفري الصيين آنذاك يف‬
‫والبخور اليمين يف اليمن عند بداية مارس ‪٢٠١٦‬م‪ ،‬وكما‬ ‫بالدنا ويف ذلك اللقاء دعى األب املقاحل بانتمائه العربي إىل‬
‫وثقته يف منهج بريكس اجلامعي التجرييب‪ ،‬عندما قال لي‬ ‫مستقبل طريق احلرير العربي‪ ،‬ولعله ليس من قبيل الصدفة‬
‫األب املقاحل وهو يأذن لتقرير اجلسر الربي العاملي أن يبدأ‬ ‫أن تأتي كتابة هذه السطور مع ترقب قمة صينية عربية يف‬
‫حلقاته؛ هذا التقرير طارد للكسل منقذ للشعوب‪ ،‬فكانت‬ ‫األيام القادمة " ‪ ٩‬ديسمرب " وهي تسطر لطريق احلرير عربياً‬
‫البداية‪!...‬‬ ‫كما كان حلم األب املقاحل‪..‬‬

‫ويف عجالة ثانية نشري لسبق األب املقاحل يف إطالق جائزة‬


‫اقتصادية من طاولة األدب قال عنها يف ‪٢٠١٦‬م؛ إنها نواة‬

‫‪ 58‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫األستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح‬
‫ٌ‬
‫الجمال‬
‫ِ‬ ‫بامتداد‬
‫ِ‬ ‫شاعر‬
‫ٌ‬
‫بحجم الوطن‬
‫ِ‬ ‫‪ ،‬و أديب‬
‫بروف إبراهيم أبو طالب‬

‫أستاذ األدب والنقد احلديث املشارك‬


‫أكادميي و شاعر ‪ .‬اليمن‬

‫مشاربهم وجنسياتهم‪ ،‬وميثِّل منتدى‬ ‫يزن‪ ،‬والزير سامل‪ ،‬والسرية اهلاللية‬ ‫كان التَّتلمذُ على يديهِ بالنسبة إليَّ‬
‫ثقافيًّا مكتملًا‪.‬‬ ‫وغريها من السِّيَر‪ ،‬ومن كتب األدب‬ ‫حُلمًا انتظرته حتَّى حتقَّقَ يف مقررين‬

‫وكان عنوانًا ملن أراد أن يلتقي‬ ‫الشعيب‪ ،‬ومثلها يف املقرر اآلخر من‬ ‫اثنني‪ ،‬هما‪" :‬األدب الشعيب"‪ ،‬و"األدب‬

‫بالدكتور املقاحل أو جيلس إليه من‬ ‫خالل موضوعات األدب احلديث‬ ‫احلديث"‪ ،‬وكان حضوره إىل قاعة‬

‫زوَّار اليمن أو من أبنائها‪ ،‬كما كان‬ ‫وقضاياه‪ ،‬وبالنسبة لدفعتنا كان‬ ‫الدرس يف بداية كلِّ مقرر مع أداء‬

‫له جملس آخر كل ثالثاء يُعقد يف‬ ‫يكملُ بعض حماضراتِه عند انشغاله‬ ‫عدد من حماضراته أمرًا نتطلَّعُ إليه‬

‫منزله مل نكن جنرؤ على الذهاب إليه‪،‬‬ ‫الدكتور علي جعفر العلَّاق‪.‬‬ ‫حنن طالب كلييت الرتبية واآلداب‪.‬‬

‫وحنن طالب على الرغم من توقنا إىل‬ ‫كان ذلك بالنسبةِ لي ممتعًا‪ ،‬وفيه‬ ‫وكانت حماضراته موجزة مركَّزة‬
‫ذلك كونه يضمُّ اخلاصَّة من‬ ‫الكثري من اللذة يف القراءة أولًا‪ ،‬ثم يف‬ ‫يُمليها علينا يف القاعة إمالءً‪ ،‬ثم‬
‫جلسائه ومن أساتذة اجلامعات حتى‬ ‫االطالع مباشرة على الكتب واإلمساك‬ ‫حييلُ إىل مراجع للقراءة واالستزادة‪،‬‬
‫تَحقق لي ذلك بعد حني‪ ،‬عندما‬ ‫بها‪ ،‬ومشِّها والتعرف عليها تعرفًا‬ ‫وما تزال تلك احملاضرات يف دفرتي‬
‫أصبحتُ أكثرَ قربًا من أستاذي‬ ‫ملموسًا‪ ،‬وإلشباع نهم االستزادة‬ ‫الذي أحتفظ به من سنوات الدراسة‬
‫وإحساسًا بأنَّه رمبا حيقُّ لي احلضور‬ ‫املعرفية من ناحية‪ ،‬ولكي أثب تَ‬ ‫اجلامعية‪.‬‬
‫والزيارة واجللوس يف ديوانه العامر يوم‬ ‫ألستاذي املثقف الكبري‪ ،‬وشاعر اليمن‬ ‫كان أسلوبه مميزًا يقوم على تركيز‬
‫الثالثاء‪ ،‬وما كان ممنوعًا عين‬ ‫القدير أنين قادرٌ على تلبية طلبه‪،‬‬ ‫حماضراته يف موضوعات حمدَّدة‬
‫حضوره قبل ذلك‪ ،‬وأنَّى للمقاحل‬ ‫وحمبٌّ ملا دَلّنا عليه‪ ،‬ومتابعٌ ملا يفتح‬ ‫ضمن مفردات املقرر؛ كل حماضرة‬
‫بأخالقه أن مينعَ زائرًا‪ ،‬ولكن مهابته‬ ‫آفاق التّميُّز من قراءات جيدة‪ ،‬وتكوين‬ ‫تعاجل موضوعًا واحدًا دون تشتيت‪،‬‬
‫رغم تواضعه اجلمِّ وامسه الكبري هي‬ ‫حصيلة ال بأس بها عند اإلجابة يف‬ ‫ولذلك كان يعطينا ملخصًا عن‬
‫من كان حيول نفسيًا دونَ ذلك‪ ،‬وما‬ ‫نهاية الفصل من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫إحدى السِّيَر الشعبية مثلًا يف‬
‫عُرفَ عنه من أخالق عالية يف‬ ‫كنتُ حريصًا على زيارة جملسه‬ ‫احملاضرة‪ ،‬ثم حيثنا على القراءة‬
‫االستماع إىل الناس واجللوس إىل‬ ‫(مقيل املقاحل) كل يوم أحد يف‬ ‫حوهلا‪ ،‬وبفضل توجيهاته رجعنا إىل‬
‫األدباء‪ ،‬والباحثني‪ ،‬ورجال الثقافة‬ ‫مركز الدراسات والبحوث اليمين‪،‬‬ ‫املكتبة املركزية ومكتبة كلية اآلداب‬
‫والسياسة‪ ،‬واستيعاب كل املواهب من‬ ‫ذلك املركز الذي يزوره فيه املثقفون‬ ‫لالطالع على سرية األمرية ذات اهلمة‬
‫الشباب والطاقات اإلبداعية من‬ ‫واألكادمييون واألدباء على اختالف‬ ‫مبجلداتها الكبرية وسرية سيف بن ذي‬
‫‪ 59‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫والثقافية اليمنية اخلاصَّة‪ ،‬ولعلَّ من‬ ‫أسبوعي ال بدَّ منه‪ ،‬وخباصَّة بعد‬ ‫خمتلف أبناء اليمن‪ ،‬ومن غريهم‬
‫أهم أهداف تلك التجربة أنها تقدِّم‬ ‫رجوعي من القاهرة بني عامي ‪-2009‬‬ ‫واملتابعة والرعاية لكل جديد ومتميز‪.‬‬
‫رسالة لالهتمام باملسرح لعزوف‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬وكنتُ إذا غبتُ عنه لظرفٍ ما‬ ‫كان كل ذلك يزيده يف قليب حُبًّا‬
‫اليمنيني ـ ـ وخباصَّة النخبة ـ ـ عن‬ ‫من سفر أو انشغال سرعان ما أعاود‬ ‫وإجالال ومهابة‪:‬‬
‫الذهاب إىل املسرح بسبب جملس‬ ‫الزيارة واالستزادة من ضوء ألقه‪،‬‬
‫(يغضي حياءً ويغضَى من مهابته ‪...‬‬
‫القات وما يأخذه من وقتهم‪ ،‬وما قد‬ ‫وروعة جملسه املقاحليِّ املميز‪.‬‬
‫فما يكلَّم إال حني يبتسمُ)‬
‫حيدثُ فيه من مظاهر مسرحية رمبا‬ ‫ألستاذنا طريقة يف فتح آفاق املعرفة‬
‫تُغين عن املسرح من خالل طبيعة‬ ‫ظلَّ أستاذي املقاحلُ حاضرًا معي؛‬
‫جللَّاسه من األدباء والشُّعراء الشباب‬
‫اجمللس اليمين الذي يكون أوَّله للنكتة‬ ‫كما هو حاضرٌ مع كلِّ ميين كونه‬
‫حيثُ جتري على اجلميع فرصة‬
‫والدعابة‪ ،‬ونشوة اللقاء واحلديث‪،‬‬ ‫رمزًا معرفيًّا وشاعرًا كبريًا له حضوره‬
‫أو‬ ‫اإللقاء ملا لديهم من قصائدَ‬
‫وأوسطه للسياسة والقضايا العامة‪،‬‬ ‫العربي‪ ،‬نَشـرُفُ باحلديث عنه‪ ،‬وتقديم‬
‫نصوص سردية‪ ،‬كلٌّ حبسب جديده‪،‬‬
‫وآخره للتأمل والصمت‪ ،‬فكانت الفكرة‬ ‫أنفسنا باعتبارنا طالبه‪ ،‬وحمبيه‬
‫ورغبته يف اإللقاء‪ ،‬وميرُّ عليهم الدورُ‬
‫لدى املسرحي العراقي "كريم جثري"‪-‬‬ ‫ومقرَّبني منه‪ ،‬ومتحدثني عنه يف كلِّ‬
‫يف اإللقاء أو احلديث واملشاركة مبا‬
‫وبتشجيع من الدكتور املقاحل‪ -‬أنه لِمَ‬ ‫حمفل أو مناسبة‪.‬‬
‫أو االكتفاء باالستماع‬ ‫لديهم‬
‫ال يأتي املسرح إىل اجمللس‪ ،‬بل مل ال‬ ‫واجللوس‪ ،‬وهو يستمعُ إىل اجلميع‬ ‫وظلَّ أستاذي حاضرًا يف روحي‪ ،‬كلَّما‬
‫يغزوه‪ ،‬وحيوّل املقيل إىل مسرح‬ ‫بكلِّ إنصات وتشجيع واهتمام‪ ،‬ثم رمبا‬ ‫جنحتُ أحسستُ أنِّي ألبِّي رغبة عميقة‬
‫بإمكانات ديكورية بسيطة ومتاحة يف‬ ‫تدار يف اجمللس قضيةٌ يتحدث عنها‬ ‫ٍّ مع النَّفس أثبتُ له وهلا بأنِّي‬
‫يف حتد‬
‫اجمللس نفسه؟‪ ،‬فكانت جتربةً ناجحةً‬ ‫اجلميع أو قد يقرأ من كتاب أو يشري‬ ‫جديرٌ بالتتلمذِ عليك؛ أيها املعلِّم‬
‫ٍّ ما ـ ـ مارسها‪ ،‬وطبَّقها ألكثر‬
‫ـ ـ إىل حد‬ ‫إىل ديوان لشاعر أو رواية أو جمموعة‬ ‫الكبري‪ ،‬وكلَّما ألفتُ كتابًا نقديًّا أو‬
‫من أسبوع بنصوصٍ إبداعيةٍ مسرحيةٍ‬ ‫قصصية جديدة‪ ،‬أو مقال أدبي يف‬ ‫شعريًّا أهديته إياه إىل مكتبه العامر‬
‫مع طالب من ثانوية الكويت؛ حيث‬ ‫جملة عربية أو حملية‪ ،‬وقد حتوَّل‬ ‫ليتابعَ نشاطي‪ ،‬ويرى طالبَه املُحبَّ‬
‫كان يُدرِّس فيها األستاذ كريم جثري‬ ‫اجمللس يف منتصف عقد التسعينيات‬ ‫ينمو‪ ،‬وهو بروحه احلانية وأبوَّته‬
‫رمحه اهلل‪.‬‬ ‫من القرن املاضي ـ ـ وخباصة مقيل يوم‬ ‫املوجِّهة يشجعين كما يشجِّع كلَّ‬

‫تُجبى إىل املقاحل مثارُ املطابع‬ ‫األحد يف مركز البحوث‪ -‬إىل (مسرحٍ‬ ‫الشباب والكتَّاب واملثقفني ويتابعهم‬

‫العربية‪ ،‬وتأتيه من أصحابها الكتبُ‬ ‫للمقيل)‪ ،‬وهي فكرة جتريبية متميزة‬ ‫كعا دته‪ ،‬إنه عنوانٌ مفتوح لكلِّ الناس‪،‬‬

‫والدراسات واإلبداعات‪ ،‬وهو يشاركُ‬ ‫كان قد أتى بها‪ ،‬وجرَّبها األديب‬ ‫فهذا مكتبه‪ -‬ومن قبله قلبه الطيب‬

‫جلساءَه احلديثَ فيها أو عنها‪،‬‬ ‫املسرحي العراقي "كريم جثري"‪،‬‬ ‫اهلادئ‪ -‬صار مزارًا لكلِّ مثقفٍ مينيًّا‬

‫ويطلعهم على اجلديد الذي وصله أو‬ ‫هدفها أن يقدِّم نصًّا مسرحيًا مثثيليًّا‬ ‫كان أم عربيًّا يف مشوخ الشمس‬

‫عن االحتفاء واالحتفال الذي يريد أن‬ ‫يف جملس املقيل عند املقاحل‪ ،‬وأمام‬ ‫وتواضع األرض‪ ،‬يَهرَعُ اجلميع إىل‬

‫يقيمه يف اجلامعة أو يف مركز‬ ‫اجلالسني واحلاضرين لديه مبا ميثِّل‬ ‫ضوئه‪ ،‬ويتلمسون دفء حمبته وسحر‬

‫الدراسات والبحوث اليمين الذي ميثِّل‬ ‫فكرة ذات مغازٍ كثرية ضمن جتربة‬ ‫جاذبيته‪ ،‬و"كاريزما" شخصيته‪.‬‬

‫املقاحل‪ ،‬واملقاحلُ فيه هو صوت الثقافة‬ ‫"جثري" املنفردة يف وَلَعِه باملسرح‪،‬‬ ‫نزوره كما تنبغي الزيارة ملثله؛ حيثُ‬
‫اليمنية‪ ،‬وعنوانها‪ ،‬وانعكاس مراياها‪.‬‬ ‫ومبسرح الغرفة حتديدًا‪ ،‬وباقتحام‬ ‫(جملس‬ ‫ومنزله‬ ‫مكتبه‬ ‫حتوَّل‬
‫املقيل ذي اخلصوصية السيسيولوجية‬ ‫الثالثاء) بالنسبة لي إىل طقس‬

‫‪ 60‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫تعلَّمتُ منه كيف يكون اإلخالص‬ ‫قامته األدبية‪ ،‬وتواضعه اجلمِّ‪ ،‬إنَّه‬ ‫وميرُّ الزمانُ ويف مناسبة االحتفال‬
‫للفنِّ الذي يؤمنُ به‪ ،‬واملثابرة على‬ ‫إنسانٌ مبعنى الكلمة‪ ،‬كلَّما زاد‬ ‫بيوم اللغة العربية أقمنا ندواتٍ يف‬
‫تقدميه دون كَ َللٍ أو ملل‪ ،‬ورعايته دون‬ ‫ارتفاعًا زادَ تواضعًا وجاللًا‪.‬‬ ‫مركز الدراسات والبحوث بإشراف‬
‫تفريط أو تقصري‪.‬‬ ‫تعلَّمتُ منه ـ كما تعلَّم غريي ـ‬ ‫أستاذنا وحضوره ورعايته‪ ،‬كان‬

‫قدَّمين يف ديواني األول (ملهميت‬ ‫اجلدِّيةَ يف العمل‪ ،‬واملثابرةَ على‬ ‫يدعمُنا بذلك التشجيع واحلضور‪،‬‬

‫واحلروف األوىل)‪1999 ،‬م‪ ،‬فكان ذلك‬ ‫الكتابة‪ ،‬وتقديم مشروعه ورعايته‪ ،‬بل‬ ‫ومن قسم اللغة العربية بكلية الرتبية‬

‫التقديمُ مدعاة اعتزاز ومسؤولية‬ ‫وإبداعه بنفسِه‬ ‫وإدارته ملوهبته‬ ‫ـ ـ أرحب الذي كنتُ رئيسًا له من العام‬

‫بالنسبة لتجربيت الشعرية الناشئة‪،‬‬ ‫واإلخالص لذلك اإلبداع واإلنتاج‪،‬‬ ‫‪ 2009‬حتى ‪2013‬م أقمنا أكثر من‬

‫وحني كتبتُ ديواني اخلامس (حني‬ ‫فهو حاضرٌ يف كلِّ املناسبات‪ ،‬وإن مل‬ ‫ندوة باملناسبة االحتفائية ‪ ،‬ويف أحدها‬

‫يهبُّ نسيمها) ‪2012‬م‪ ،‬وكان احتفال‬ ‫يسافر إليها‪ ،‬ومل يغادر حمبوبته‬ ‫كرَّم القسمُ األستاذ املقاحل بلقب‬

‫توقيعه يف مركز الدراسات والبحوث‬ ‫صنعاء اليت اختذها مِحرابًا وبيتًا‬ ‫اللسان العربي الفصيح للعام ‪2012‬م‪،‬‬

‫اليمين برعايته وحضوره قرأه قراءةَ‬ ‫كبريًا‪ ،‬فيها يُؤتى احلَكَمُ‪ ،‬ومنارةً منها‬ ‫فكان ‪-‬وهو الغين عن تكرمينا له‪ -‬قمةً‬

‫ٍّ بتطوِّرها‪.‬‬
‫متابعٍ لتجربيت مُهتم‬ ‫يُرسِل إشعاع النور واملعرفة واإلبداع‬ ‫يف التواضع واخللق الرفيع‪.‬‬

‫ذلك هو الدكتور عبد العزيز املقاحل‬ ‫والنقد إىل كلِّ مكان دون أن يغادرها‬ ‫ذلك هو املقاحل الذي عرفَهُ األدبُ‬

‫الواسع الكبري أثرًا وتأثريًا يف مَن حوله‬ ‫أو تغادره‪.‬‬ ‫والشِّعرُ عربَ املنابر العربية والعاملية‪،‬‬

‫الذي ينريُ كالشمسِ‪ ،‬ويعطي ضوءه‬ ‫يدهشُكَ بسموِّ همَّتِهِ اإلبداعية‪ ،‬وعلوِّ‬

‫‪ 61‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫‪ -‬مأرب يتكلّم باالشرتاك مع السفري‬ ‫والوظيفة‪،‬‬
‫عبده عثمان ‪1972‬م‬ ‫ولكن ال تنسَ‬

‫‪ -‬رسالة إىل سيف بن ذي يزن ‪1973‬م‬ ‫موهبتَك‬


‫اخلاصَّة‪،‬‬
‫‪ -‬هوامش ميانية على تغريبة ابن زريق‬
‫وأحباثك‪،‬‬
‫البغدادي ‪1974‬م‬
‫وإبداعك الذي‬
‫‪ -‬عودة وضاح اليمن ‪1976‬م‬ ‫هو مشروعك‬
‫‪ -‬الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل‬ ‫يف‬ ‫الثابت‬
‫‪1978‬م‬ ‫مقابل املتحوِّل الزائل مما دونه‪.‬‬
‫للجميع‪ ،‬فيحسُّ كلُّ شخصٍ بأنَّه‬
‫‪ -‬اخلروج من دوائر الساعة السليمانيّة‬ ‫تعلَّمت منه أن الدميومة‪ ،‬واملثابرة‪،‬‬ ‫مقرَّبٌ منه‪ ،‬وأنه خيصُّه باهتمامه‬
‫‪1981‬م‬ ‫وعدم التوقُّفِ عن فعلِ الكتابة بكلِّ‬ ‫ورعايته اخلاصَّة دون غريه‪ ،‬وما أكثر‬
‫فنونها هو السبيلُ إىل احلضورِ‬ ‫حمبيه‪ ،‬إنَّهم العدد الذي ال ينتهي‪،‬‬
‫‪ -‬أوراق اجلسد العائد من املوت ‪1986‬م‬
‫اإلبداعي‪ ،‬واالتساع املعريف‪.‬‬ ‫ولكنَّه يتجددُ ويتكاثرُ مع كلِّ‬
‫‪ -‬أجبدية الروح ‪1998‬م‬
‫سأله أحدُ الصحفيني‪ -‬ذات مرة‪ ،‬وقد‬ ‫األجيال والتجارب الوليدة‪ ،‬وحني‬
‫‪ -‬كتاب صنعاء ‪1999‬م‬ ‫يكون األستاذُ بهذه الروح واألرحيية‪،‬‬
‫نُشِرَ اللقاء يف جملة دبي الثقافية‪-‬‬
‫‪ -‬كتاب القرية ‪2000‬م‬ ‫كيف جتد وقتًا لكلِّ تلك الكتابات يف‬ ‫وبذلك العطاء املستمر ال بدَّ أن يكون‬

‫الصُّحف واجملالت احمللية والعربية؟‪،‬‬ ‫متجدِّدًا كبريًا‪ ،‬وعلى طالبه أال‬


‫‪ -‬كتاب األصدقاء ‪2002‬م‬
‫ويف متابعة اجلديد من الكتابات شعرًا‬ ‫تَقْصُرَ هممُهم أو تتقاعسَ أرواحُهم عن‬
‫‪ -‬كتاب بلقيس وقصائد ملياه األحزان‬
‫وسردًا وأدبًا وتارخيًا وثقافة‪ ،‬بل وتقدِّم‬ ‫اللحاق بقبسٍ من ضوئه‪ ،‬بل عليهم أال‬
‫‪2004‬م‬
‫ملعظمها مقدمات خاصّة‪ ،‬أو تلحقها‬ ‫خييِّبوا ظنَّه فيهم حتى وإن مل يُراهن‬
‫‪ -‬كتاب املدن ‪2005‬م‪.‬‬ ‫عليهم يف الظاهر املباشر‪ ،‬لكنَّهم هم‬
‫بقراءات نقدية‪ ،‬وكلُّ من يقصدُك‬
‫‪ -‬كتاب األم ‪2009‬م‪.‬‬ ‫مِنهم ال تردُّه‪ ،‬إض افة إىل كتبك‬ ‫من يراهنون عليه وعلى أنفسهم‬

‫املتنوعة؟!‪،‬‬ ‫واإلبداعية‬ ‫النقدية‬ ‫املبدعة لتحلِّق يف مداره‪ ،‬وتتجاوز‬


‫متثِّل مجيعها جتربته الشعرية‬
‫فأجابه‪ :‬بأن ما بني الساعة اخلامسة‬ ‫العاديِّ املألوف إىل املختلف املميز يف‬
‫الكبرية‪ ،‬وحضوره اإلبداعي احلداثي‬
‫فجرًا حتى التاسعة صباحًا هي‬ ‫الكائن واملمكن على املستوى اإلبداعي‪،‬‬
‫املختلف‪ .‬كما أن له أكثر من مخسة‬
‫ساعات كتابة يومية‪ ،‬وعادة مستمرة‪،‬‬ ‫فتحاوره‪ ،‬أو ختاطبه‪ ،‬أو تقاومه أحيانًا‬
‫وعشرين مؤلفًا أدبيَّا ونقديًّا‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ميألُ بها كُلَّ ذلك البهاء‪ ،‬وما بقيَ‬ ‫إن استطاعت إىل ذلك سبيال‪ ،‬وهو ما‬
‫(األبعاد املوضوعية والفنية حلركة‬
‫من يومه يستثمرُه ملا بقي من األعمال‬ ‫يريده هلا يف وعيه التجديدي ويف‬
‫الشِّعر املعاصر يف اليمن‪ ،‬وشعر‬
‫واألدوار املختلفة يف حياته‪.‬‬ ‫حداثته املتجددة‪ ،‬تلك رسالة املقاحلِ‪،‬‬
‫العامية يف اليمن‪ ،‬وقراءة يف أدب اليمن‬
‫وذلك حضوره كظاهرةٍ رمبا لن‬
‫املعاصر‪ ،‬والشعر بني الرؤيا والتشكيل‪،‬‬ ‫ألستاذنا املقاحل أكثر من أربعني‬
‫تتكرر‪ ،‬فهو نسيجُ وحده‪ ،‬وناسج حداثة‬
‫وأصوات من الزمن اجلديد‪ ،‬ومن‬ ‫إصدارًا منها أربعة عشر ديوانا شعريًّا‬
‫وحتديث متفرِّد‪.‬‬
‫البيت إىل القصيدة‪ ،‬وقراءة يف فكر‬ ‫هي‪:‬‬
‫الزيدية واملعتزلة‪ ،‬وأزمة القصيدة‬ ‫تعلمتُ من أستاذي املقاحل كيف تكون‬
‫‪ -‬ال بد من صنعاء ‪1971‬م‬
‫اجلديدة‪ ،‬و علي أمحد باكثري‪،‬‬ ‫أستاذًا جامعيًّا بيدك مقاليد اإلدارة‬

‫‪ 62‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫ويوميات مينية يف األدب والفن‪،‬‬
‫وشعراء من اليمن‪ ،‬وقراءات يف األدب‬
‫والفن‪ ،‬والبداية اجلنوبية‪ ،‬وقراءة يف‬
‫كتابات الشعراء اليمنيني الشبان‪،‬‬
‫وثرثرات يف شتاء األدب العربي‪ ،‬و‬
‫احلورش الشهيد املربي‪ ،‬والزبريي‬
‫ضمري اليمن الثقايف والوطين‪ ،‬وأزمة‬
‫القصيدة العربية‪ ،‬وعمالقة عند‬
‫مطلع القرن‪ ،‬وأوليات النقد األدبي يف‬
‫اليمن (‪ ،)1984 -39‬ومن أغوار اخلفاء‬
‫إىل مشارف التجلي‪ ،‬وصدمة احلجارة‬
‫وماءُ الصَّداقاتِ‬ ‫مسوّها‪ ،‬وكنسيمها العليل املتولِّد‬
‫"دراسة يف قصيدة االنتفاضة"‪ ،‬وزيد‬
‫عنيُ التواضعِ‬ ‫عطاؤه من روحٍ مبدعة‪ ،‬ونفسٍ مينية‬
‫املوشكي‪ ،‬والوجه الضائع "دراسات عن‬
‫أصيلة توَّاقة إىل التميُّز‪ ،‬واخلري‪،‬‬
‫معزوفةُ األمنياتِ‬ ‫األدب والطفل العربي"‪ ،‬وتالقي‬
‫واجلمال‪.‬‬
‫األطراف "قراءة أوىل يف مناذج من أدب‬
‫كبريٌ مَضى يف طريق الكبارِ‬
‫(فصلُ اخلِطَابِ)‬ ‫املغرب الكبري"‪ ،‬وعبد الناصر واليمن)‪،‬‬
‫ويف عالياتِ البهاء‬ ‫وغريها‪.‬‬
‫"الصَّمتُ عَار‬
‫(املقاحلُ)‬ ‫وهي متثِّل وجودَهُ النقدي ومشاركته‬
‫اخلَوفُ عَار‬
‫عنوانُ شعرٍ‪ ،‬ونثرٍ‪ ،‬ونقدٍ‪ ،‬وحُبّ‬ ‫على مستوى النقد العربي يف حرصه‬
‫من حننُ‬
‫وصوتُ احلداثةِ‬ ‫على تقديم احمللِّي اإلبداعي‪ ،‬واألدبي‪،‬‬
‫عشَّاق النهار‬ ‫والفكري إضافة إىل امتداده إىل‬
‫يف كلِّ عاصمةٍ امسهُ‬
‫حنيا‬ ‫القضايا العربية‪ ،‬وعوامل اإلبداع‬
‫ويف كلِّ يومٍ ترى صوتَهُ يف الدُّروبِ‬ ‫العربي الكبري‪.‬‬
‫حنب‬
‫ترى رمسَهُ‬ ‫تعلمتُ منه الثبات على املبدأ حني‬
‫خناصمُ األشباحَ‬
‫تتابعُهُ أنفسٌ ضمَّها باحلَنانِ‬ ‫يتحوَّل الكثريون أو يضطربُ مسعاهم‬
‫حنيا يف انتظار‬
‫لكنه استطاع أن جيمع بني الشعيب‬
‫وأفسحَ جملسَهُ للقاءِ‬
‫سنظلُّ حنفرُ يف اجلِدار‬ ‫والرمسي ـ وهذا من النادر فعله ـ ‪،‬‬
‫تواضعُه قِمَّ ٌة يف العلوِّ‬
‫إمَّا فَتَحنا ثَغرة للنُّورِ‬ ‫كما استطاع احملافظة على ثباتِه يف‬
‫ويف كلِّ قلب له فسح ٌة‬ ‫عَصْفِ الريحِ‪ ،‬وتقلبات السِّياسة‪،‬‬
‫أو متنا على وجه اجلدار‪"...‬‬
‫من مسوّ‬ ‫واضطراب املوج باعتدالٍ عجيبٍ ال‬
‫عبد العزيز املقاحل‪.‬‬
‫تَلمسُ منه سوى اليمن‪ ،‬وال تعرفُ فيه‬
‫وعنوانه واضح‪..‬‬
‫*تَحيَّة*‬ ‫سِوى الوطن بكلِّ مجالِهِ وجالله‪ ،‬الكلُّ‬
‫ليس مثلُ املقاحلِ إال املقاحلَ‬
‫(هو الضوء نورُ احملبَّة عنوانُهُ‬ ‫جيلُّه ويقدِّرُه‪ ،‬كأرضِ اليمن املتجدِّد‬
‫ليس يشبههُ غريهُ‪.)...‬‬ ‫ماؤها‪ ،‬وكجباهلا املرتسِّخ الثابت‬

‫‪ 63‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫الدكتور عبد العزيز المقالح‬
‫ولد الحب في تريم‬
‫حسن علوي الكاف‬

‫مستشار وزير اإلعالم و الثقافة و السياحة‬


‫‪ .‬اليمن‬

‫قصيدته (( ولد احلبُ يف تريم )) فنظر إلي مبتسما و منتشيا‬ ‫احلديث عن األدب والثقافة يف الوطن العربي و بالدنا يتبادر‬
‫فأسهب يف سرد تلك القصيدة الرائعة قائال ‪:‬‬ ‫الي األذهان علم من أعالم األدب والثقافة والشعر وهامة من‬

‫رغم أنه مل يزر مدينة تريم لكنه وصفها وصفا وجدانيا‬ ‫هاماته اإلبداعية اليت احتفنا بإبداعاته ومؤلفاته منذُ أكثر‬

‫مجيالً فقال لي إنها مدينة مجيلة واهلها طيبون و يُمن‬ ‫من نصف قرن من الزمن ‪.‬‬
‫النفس أن يزورها ‪ ،‬و بدورنا نرحب بكم و بكل أبناء الوطن‬ ‫قليالً نعرج عن‬
‫الواحد و هذا ما متيزت به غنانا عرب التاريخ‪.‬‬ ‫أعماله‬ ‫بعض‬
‫الدكتور عبدالعزيز املقاحل سبق وأن حصل على جوائز قيمة‬ ‫الشعرية‬

‫يف األدب فقد حصل على جائزة الشارقة للثقافة العربية‬ ‫املتنوعة من منا‬

‫وعلى جائزة (( اللوتس )) عام ‪1986‬م اليت منحها له احتاد‬ ‫يسمع‬ ‫مل‬

‫أدباء آسيا و أفريقيا اعرتافا بدورة الريادي يف خدمة األدب‬ ‫بروائعه املتعددة‬

‫والنقد ‪.‬‬ ‫منها (( هم حيرمونا يا حبيب الغرام )) (( صنعانية )) و‬


‫رائعاته اخلالدة (( ظيب اليمن )) اليت حلنها فناننا و‬
‫رغم ظرفه الصحي بوجوده يصبح مكتبه مزارا و خلية حنل‬
‫موسيقارنا اجلميل أمحد فتحي وتألق يف غناها فناننا الكبري‬
‫فتتوافد له الوفود من الساسة واملثقفني واملهتمني باألدب‬
‫ابن تريم الراحل أبو بكر سامل بلفقيه ‪.‬‬
‫والشعر رغم سنه الكبري الزال ينهل من األدب والثقافة‬
‫بالكتابة للعديد من اجملالت والصحف العربية واحمللية ومل‬ ‫مدينة تريم الثقافة والرتاث واحلضارة وجدناها بوجدان‬

‫يبخل باملعلومة والتوجيه ملن اراد السؤال واملشورة ‪.‬‬ ‫شاعرنا الدكتور عبدالعزيز املقاحل قبل أيام من شهر رمضان‬
‫املاضي كنت يف زيارات متعددة للدكتور عبدالعزيز املقاحل‬
‫الكتابة عن تلك اهلامة الثقافية العربية يعد تطفل مين‬
‫مبكتبه مبركز الدراسات والبحوث مبدينة صنعاء ملا تربطين‬
‫لكنين حاولت ان اقدم للقارئ وجبة أدبية ‪.‬‬
‫به من عالقة ودية منذُ ما يقارب عقدين من الزمن ويف كثري‬
‫ستظل بوجدان حمبيك ايها الرمز الثقايف وستظل بقلوبنا‬ ‫من اللقاءات للربامج التليفزيونية وجلسات ثقافية أدبية‬
‫بأخالقكم وتواضعكم الذي حضينا به طوال عقدين من‬ ‫وأعمال أخرى ‪.‬‬
‫الزمن متمنيا من اهلل العلي القدير أن يرمحه ويسكنه اجلنة‬
‫يف هذه اجللسة باركت له حصوله جبائزة أمري الشعراء‬
‫الفردوس األعلى من اجلنة وتعازينا ألوالدها وأهلها ولنا‬
‫أمحد شوقي الدولية لإلبداع الشعري يف دورتها األوىل مع‬
‫ولكل األدب والشعراء برحيل قامة أدبية سنفتقدها و ستظل‬
‫الشاعر املصري الكبري األستاذ أمحد عبد املعطي حجازي ويف‬
‫أعماله خالدة ينهل منها األدباء والشعراء والكتاب يف كل‬
‫جلستنا الودية نظرت للدكتور املقاحل وبديت يف مطلع‬
‫بقاع األرض إنا هلل وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫‪ 64‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫كفر سليمان البحري‬

‫بلدة العلماء‬
‫روان وائل عبد السميع دربالة‬

‫قاصة و كاتبة ‪ .‬مصر‬

‫الناصري وضمت هذه األعمال إىل‬ ‫الغربية ضمن قرى الروك الناصري‬ ‫قرية كفر سليمان البحري من القرى‬
‫أعمال الغربية‪.‬‬ ‫اليت أ حصاها ابن اجليعان يف كتاب‬ ‫القدمية ‪ ،‬احدى قرى مركز كفر‬

‫الروك الناصري يشري إىل عملية مسح‬ ‫«التحفة السنية بأمساء البالد‬ ‫دمياط‬ ‫حملافظة‬ ‫التابع‬ ‫سعد‬

‫األراضي اليت حدثت يف عهد السلطان‬ ‫املصرية ‪ .،‬ويف العصر العثماني وردت‬ ‫جبمهورية مصر العربية ‪.‬‬

‫اململوكي الناصر حممد بن قالوون ‪،‬‬ ‫يف‬ ‫باسم «كفر سليمان البحري‬

‫ذكر أبو العباس القلقشندي أن روك‬ ‫الرتبيع العثماني الذي أجراه الوالي‬

‫األراضي بدأ سنة ‪716‬هـ ‪1316 /‬م ‪،‬‬ ‫العثماني سليمان باشا اخلادم يف‬

‫بينما ذكر تقي الدين املقريزي أن‬ ‫عصر السلطان العثماني سليمان‬

‫روكها بدأ سنة ‪715‬هـ ‪1315/‬م ‪.‬‬ ‫القانوني ضمن قرى والية الغربية ‪،‬‬
‫ويف تاريخ ‪1228‬هـ ‪1813 /‬م الذي عدّ‬
‫تطل كفر سليمان البحري علي‬
‫قرى مصر بعد املسح الذي قام به‬
‫النيل مباشرة ‪ ،‬ولعل آباءنا حيكون لنا‬
‫حممد علي باشا باسم كفر سليمان‬
‫الكثري عن فيضان النيل قبل إنشاء‬
‫البحري ضمن قرى مديرية الغربية‪.‬‬
‫السد العالي ‪ ،‬وأيضا عن رحالت النقل‬
‫باملراكب الشراعية الكبرية اليت‬ ‫أعمال الدجناوية هو تقسيم جُغرايف‬ ‫وقد وردت باسم خلجان سليمان يف‬
‫كانت جتوب مصر من دمياط إلي‬ ‫مصري استُحدث يف الروك الصالحي‬ ‫أعمال الدجناوية ضمن قرى الروك‬
‫اسوان لنقل البضائع ‪ ،‬واليت كانت‬ ‫يف عهد الدولة األيوبية على أراضي‬ ‫الصالحي اليت أحصاها ابن مماتي يف‬
‫تسمي بالصنادل ‪.‬‬ ‫كورة البجوم إحدى كور الوجه‬ ‫كتاب قوانني الدواوين ‪ ،‬وقال ابن‬
‫البحري يف مصر‪ ،‬وكانت قاعدتها‬ ‫مماتي أنها من كفور دجنويه ‪ ،‬كما‬
‫بلدة دجنواي ‪ ،‬لكنها ألغيت يف الروك‬ ‫وردت باسم خلجان سليمان يف أعمال‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪66‬‬


‫خليل حبة شيخ عموم‬ ‫ومسيت بكفر سليمان‬
‫املقارئ املصرية سابقا ‪،‬‬ ‫البحري ‪ ،‬ألنه توجد‬
‫والذي كان يعمل‬ ‫تسمي‬ ‫قرية أخري‬
‫جنارا وبعد أن أصبح‬ ‫بكفر سليمان القبلي ‪،‬‬
‫يافعا حفظ القرآن ‪،‬‬ ‫تابعة حملافظة الغربية‬
‫وتطلعت نفسه إلي علوم القرآن فاجته‬ ‫‪.‬‬
‫إلي القمة والرقي ‪ ،‬كما امتاز أبناء‬
‫إلي علم القراءات وهو ميارسُ عمله‬ ‫وقرية كفر سليمان البحري مثل‬
‫هذه القرية أيضاً حبب الفضيلة ‪،‬‬
‫حيت فتح اهلل عليه وأصبح يف هذه‬ ‫كل قري مصر ‪ ،‬إال أنها امتازت‬
‫واحرتام الذات وحماولة البعد عن‬
‫املكانة املرموقة ‪.‬‬ ‫بتخريج العلماء يف شيت اجملاالت‬
‫إلي‬ ‫النقائص اليت جتر اإلنسان‬
‫و خترج العديد والعديد من حتت قبعة‬ ‫اهلاوية ‪ ،‬إذ أن الشخصية الكفر‬ ‫وخاصة اجملال الديين ‪،‬‬
‫الكفراوي ‪.‬‬ ‫سليمانية شخصية متأملة مفكرة‬ ‫وقدميا مل يكن يسَلَّطُ الضوء علي‬
‫فكان هناك وكالء وزارة يف جماالت‬ ‫معتربة ‪ ،‬وهلذا ميتاز أهلها بالتحليل‬ ‫حميب العلماء ومشايخ األزهر ‪ ،‬لعدم‬
‫عديدة نذكر منهم الراحل املهندس‬ ‫الدقيقة لكل املواقف ‪ ،‬وجتد هذا حيت‬ ‫وجود وسائل إعالم ‪ ،‬وهلذا اندثرت‬
‫ياسني اجلُبة ‪ ،‬وكيل وزارة الزراعة‬ ‫يف غري املتعلمني ‪ ،‬كما متتاز هذه‬ ‫الكثري من األثار واألخبار حول‬
‫األسبق ‪ ،‬و الراحل الدكتور شوقي‬ ‫الشخصية باالعتزاز بالنفس ‪ ،‬وهذه‬ ‫داخل‬ ‫احلركة العلمية والتفوق‬
‫الصعيدي وكيل وزارة الصحة األسبق‬ ‫الصفات اليت تدفع الشخص دفعا إلي‬ ‫القري ‪ ،‬ومل يذكر التاريخ سوي من‬
‫‪ ،‬واألستاذ حممد فوزي‬ ‫كانوا قريبني من السلطة‬
‫كحلة وكيل وزارة اإلسكان‬ ‫ومن ملعوا يف العاصمة ‪،‬‬
‫والتعمري األسبق ‪ ،‬واالستاذ‬ ‫وإن كان مما حيكي لنا أن‬
‫رافت الزهداني وكيل وزارة‬ ‫هناك الكثري من علماء‬
‫التعليم االسبق ‪.‬‬ ‫الفطاحل من‬ ‫الدين‬

‫وعلي مستوي التعليم اجلامعي متيز‬ ‫كفر سليمان البحري قد‬


‫الزحف حنو القمة وجتاهل كل‬
‫يف أول الصفوف الدكتور رجاء عبد‬ ‫أثروا احلياة بعلمهم وثقافتهم ‪ ،‬وكان‬
‫الصعوبات ‪.‬‬
‫املنعم جرب أستاذ األدب العربي بكلية‬ ‫هلم األثر الكبري يف تعليم األجبال ‪،‬‬
‫ولعل أول من برز وملع من أبناء كفر‬ ‫ولعلنا قصرنا يف معرفة الكثري من‬
‫دار العلوم بالقاهرة وشقيقه الدكتور‬
‫هو الوزير حسب اهلل‬ ‫سليمان‬ ‫أخبارهم ‪.‬‬
‫عبد املنعم عبد املنعم جرب أستاذ‬
‫الكفراوي ‪،‬وزير اإلسك ان والتعمري‬
‫الطاقة الذرية بكلية العلوم بالقاهرة‬ ‫امتازت الشخصية الكفر سليمانية‬
‫األسبق رمحة اهلل عليه ‪ ،‬والذي كان‬
‫رمحهما اهلل ‪ ،‬و الراحل الدكتور‬ ‫بالطموح و حب النجاح وخاصة‬
‫يلقب بأبو املدن اجلديدة ووزير الغالبة‬
‫إبر اهيم بسيوني أستاذ التاريخ بكلية‬ ‫النجاح العلمي ‪ ،‬وحني تعيش وسط‬
‫‪ ،‬اشتهر بالعفة ونزاهة اليد وأيضا‬
‫اآلداب جامعة القاهرة ‪ ،‬والدكتور‬ ‫هذه القرية جتد املنافسة شديدة علي‬
‫حبب العمل والتفاني فيه إلي أقصي‬
‫كلية‬ ‫مسموع أبو طالب عميد‬ ‫العلم والتميز العلمي ‪ ،‬بني أبناء هذه‬
‫درجة ‪ ،‬وهو ما مميزه ورفع شأنه بني‬
‫الدراسات اإلسالمية جبامعة األزهر‬ ‫القرية وهو ما يصنع حراكا ثقافيا‬
‫أقرانه ‪،‬فطال عمره وحسن عمله ‪،‬‬
‫رمحة اهلل عليه ‪،‬‬ ‫ودأبا مستمرا من أجل تطوير الذات‬
‫وظهر يف هذا الوقت الراحل الشيخ رزق‬
‫والبعد عن املغريات األخرى للوصول‬
‫‪ 67‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫والراحل املستشار اجليوشي الكفراوي‬ ‫الدراسات اإلسالمية لشئون الطلبة ‪،‬‬ ‫والدكتور احلسيين عبد اهلل أستاذ‬
‫واملستشار أمحد الكفراوي ‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫والدكتور رأفت الغيطاني أستاذ‬ ‫بكلية اآلداب جامعة القاهرة ‪ ،‬والراحل‬
‫واملستشار أمين املرسي سليمان ‪،‬‬ ‫ورئيس قسم بكلية طب األسنان‬ ‫الدكتور عبد احلميد سليمان أستاذ‬
‫وغريهم الكثري ‪.‬‬ ‫جامعة األزهر بالقاهرة ‪ ،‬والراحل‬ ‫التاريخ بكلية الرتبية جامعة دمياط‬

‫ويف جمال اإلعالم ظهر لنا اإلعالمي‬ ‫الدكتور حممد علي عمر أستاذ‬ ‫والدكتور الشاعر سعيد شوارب‬
‫مدحت‬ ‫الشاعر‬ ‫األستاذ بكلية دار‬
‫شريف الذي يعمل‬ ‫العلوم بالقاهرة أمد‬
‫حاليا بإذاعة الكويت‬ ‫اهلل يف عمره‪.‬‬
‫‪ ،‬واملستشار سامح‬ ‫و يف جمال األدب ملع‬
‫املستشار‬ ‫املشد‬ ‫السيد‬ ‫الشاعر‬
‫اإلعالمي لسفارة أذربيجان ‪.‬‬ ‫بكلية الطب جامعة األزهر بالقاهرة‬ ‫الصديق حافظ احلاصل علي جائزة‬
‫وملع من اجليل التالي هلذا اجليل‬ ‫رمحة اهلل عليه ‪ ،‬والدكتور حممود‬ ‫البابطني يف الشعر الفصيح ‪ ،‬و ابن‬
‫املتألق جيال حيمل مشاعل النور‬ ‫شوارب أستاذ الفيزياء بكلية العلوم‬ ‫أخيه الشاعر الدكتور شاكر صربي‬
‫وحيبو حنو القمة أيضا منهم‬ ‫جامعة األزهر ‪ ،‬وفضيلة الشيخ علي‬ ‫متيز‬ ‫ويف جمال العلوم الزراعة‬
‫الدكتور حممد حممود اجلبة‬ ‫خليل رئيس قطاع املعاهد األزهرية‬ ‫الدكتور إبراهيم األباصريي حبة‬
‫األستاذ بكلية اللغة العربية جامعة‬ ‫باجلمهو رية األسبق ‪ ،‬والذي أصبح‬ ‫األستاذ باملركز القومي للبحوث ‪،‬‬
‫األزهر ‪ ،‬وغريه الكثري من العاملني‬ ‫أمينا عاما هليئة كبار العلماء حيت‬ ‫وصديقه الدكتور إبراهيم رميح‬
‫بالتدريس باجلامعة وهلم مستقبل‬ ‫اآلن ‪ ،‬أمد اهلل يف عمره ‪.‬‬ ‫بنفس األستاذ باملركز القومي‬
‫مشرق وواعد ‪.‬‬ ‫للبحوث أيضاً ‪ ،‬والدكتورة منال‬
‫و ويف جمال االقتصاد األستاذ اجلندي‬
‫ض من فيضٍ‬
‫وهذا غي ٌ‬ ‫عبد الرازق مدير بنك مصر بدمياطْ‬ ‫الرببري األستاذة بأكادميية البحث‬

‫فهناك الكثري من اجليل اجلديد‬ ‫العلمي جمال اإلنتاج احليواني‬


‫ويف جمال الشرطة ظهر اللواء هشام‬
‫الواعد الذي حيبو حنو حتقيق النجاح‬ ‫موايف ‪ ،‬ومن ضباط اجليش الراحل‬ ‫ومن الرعيل الثاني بعد جيل العظماء‬
‫والتميز يف شيت فنون احلياة ‪ ،‬سواء‬ ‫العميد حممد ذكي خلف ‪ ،‬ويف‬ ‫ظهر جيل متميز نذكر منهم‬
‫التعليم‬ ‫يف‬ ‫دكتور‬
‫اجلامعي أو يف‬ ‫إبراهيم علوان‬
‫جماالت‬ ‫األستاذ بكلية‬
‫احلياة‬ ‫احلقوق‬
‫املختلفة‬ ‫جامعة طنطا‬
‫ميثلون‬ ‫‪ ،‬والدكتور أسعد الكفراوي أستاذ‬
‫جمال القضاء هن اك العديد والعديد‬
‫بلدهم بشرفٍ ومتيز ‪ ،‬وهلا لُقِّبَتْ قرية‬ ‫الدراسات‬ ‫بكلية‬ ‫قسم‬ ‫ورئيس‬
‫نذكر منهم الدكتور املستشار‬
‫كفر سليمان البحري حمافظة‬ ‫اإلسالمية جامعة القاهرة ‪ ،‬وصديقه‬
‫حممد طه ‪ ،‬واملستشار صالح شريف‬
‫دمياط ببلد العلماء ‪.‬‬ ‫الدكتور حسن القصيب وكيل كلية‬
‫واملستشار حممد شاكر بهجت ‪،‬‬

‫‪ 68‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫عن الرواية‬
‫و الترجمة و العالمية‬ ‫فتحية دبش‬

‫روائية و ناقدة ‪ .‬تونس‬

‫مقيمة يف فرنسا‬

‫بذلك قيود اهلويّة اللّغوية الواحدة‬ ‫مردّ ذلك يكمن يف املرونة واالتساع‬ ‫يكثر احلديث يف الوسط األدبيّ عن‬
‫منتجا هويّة اللّغة املتعدّدة للنّصّ‬ ‫اللّذين تتمتّع بهما الرّواية كف نّ‬ ‫التّرمجة كطريق حنو العامليّة‪ .‬هذا‬
‫الواحد‪.‬‬ ‫زئبقي اهلويّة منفتحها‪.‬‬ ‫املنحى يف التّفكري جيعل العديد من‬

‫هذا الفضل الذي للتّرمجة على‬ ‫هذه املرونة كانت عامال مساعدا هلا‬ ‫الرّوائيني العرب خباصّة يبحثون عن‬

‫الرّواية جعل الكثريين من الكتّاب‬ ‫يف استقطاب األقالم والرّؤى كما‬ ‫خدمة املرتمجني من أجل نقل‬

‫العرب يتهافتون عليها‪ ،‬معلّلني ذلك‬ ‫البناءات والثّيمات‪ .‬وليس هذا األمر‬ ‫أعماهلم من العربيّة إىل لغات أخرى‪.‬‬
‫تارة بقلّة مقروئيّة الرّواية يف لغتها‬ ‫مبثلبة للرّواية بل هو اعرتاف مبا‬ ‫وهي رغبة مشروعة متاما وال منلك‬
‫العربيّة ويف فضائها العربيّ وطورا‬ ‫هلذا الضّرب من الكتابة من قدرة‬ ‫حياهلا سوى الصّمت يف واقع ترمجيّ‬

‫العاملي‬ ‫بالبحث عن االعرتاف‬ ‫على االنْخِالق والتّجدّد واقتحام‬ ‫شديد الفوضوية والتّعقيد‪ ،‬خاصّة‬

‫بأقالمهم‪ .‬غري أنّ ما يثري األسئلة‬ ‫العوامل البسيط منها واملعقّد‪ .‬وهذا‬ ‫عندما ندرك أنّ دور النّشر مستقيلة‬

‫بنظري يف هذه النّقطة بالذّات هو‬ ‫كلّه متفرّقا وجمتمعا جيعل من‬ ‫تقريبا من فعل التّرمجة إلّا نادرا‪.‬‬

‫ذلك اهلوس بالعامليّة من خالل‬ ‫الرّواية أثرا كونيّا ينفلت من أسر‬ ‫ثالث نقاط تلحّ عليّ بكتابة ما أكتب‬
‫السّعي إىل الرتمجة فتصبح غاية‬ ‫اللّغة كواحد من أسس اهلويّة‬ ‫وتفاعال مع حديث الرّواية والتّرمجة‬
‫عوض ان تكون حالة من حاالت‬ ‫الضيّقة‪.‬‬ ‫والعامليّة‪ ،‬حيث كان ذلك حمور‬
‫االبداع‪ .‬إنّ عمليّة التّرمجة ال تقلّ‬ ‫هكذا تنفصل الرّواية عن واقعها‬ ‫واحدة من ندوات األسبوع العامليّ‬
‫أهميّة عن عمليّة اخللق الرّوائي‪ .‬بل‬ ‫الضّيّق لغة ومكانا وزمانا وتتّصل‬ ‫للرّواية املنعقدة بعض فعاليّاته‬
‫تضاهيها وقد تفوقها أحيانا ألنّها‬ ‫بواقعها األوسع فتغادر لغتها األمّ إىل‬ ‫بباريس يومي ‪ 13‬و‪ 14‬اكتوبر ‪.2022‬‬
‫تتعلّق باختيار وفرز عسريين لرواية‬ ‫لغات تتبنّاها عرب آليّة التّرمجة اليت‬ ‫أمّا النّقطة األوىل فتتعلّق بالرّواية‬
‫تستحقّ التّرمجة من بني إالف‬ ‫جلبت من لغات العامل روايات إىل‬ ‫كتجربة إبداعيّة وحالة من حاالت‬
‫العناوين اليت تغصّ بها فضاءات‬ ‫العربيّة ونقلت من العربيّة روايات إىل‬ ‫التّفكري واخللق‪ .‬إذ حتوّلت يف هذه‬
‫الكتابة‪ .‬ثمّ إنّ عمليّة االختيار والفرز‬ ‫لغات العامل‪ .‬فكانت التّرمجة فعال‬ ‫املرحلة من مراحل تطوّرها إىل قبلة‬
‫هذه ال تقع بنظري على عاتق كاتب‬ ‫بعديّا و جسرا حيمل حلظة ابداعيّة‬ ‫واحلديثون‬ ‫يقصدها الرّاسخون‬
‫الرّواية األمّ بل على عاتق املرتجم و‬ ‫وينتقل بها عرب األكوان مكسّرا‬ ‫والسّرّاد كما الشّعراء والنُقّاد‪ .‬لع لّ‬
‫املرتجم فقط بالتعاون مع دور النشر‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪70‬‬
‫فعل استجابة لعامليّة األثر وليس‬ ‫ولكنّها ظلّت طيّ النسيان مسافرة ال‬ ‫املهتمّة بذلك إبداعا وليس جتارة أو‬
‫سببا وحيدا أوحد هلا‪.‬‬ ‫تربح مكانها‪.‬‬ ‫على األقلّ ابداعا وجتارة وليس جتارة‬

‫فتحية دبش‪ ،‬تسنيم طه‪ ،‬أمري تاج السر‪ ،‬على املقري‪ ،‬حبيب الساملي يف األسبوع العاملي للرواية العربية يف باريس ‪.‬‬

‫هكذا ميكن القول أنّ اللّغة وسيط‬ ‫هكذا يفضي بنا احلديث إىل مسألة‬ ‫وحسب‪ .‬إذ ال معنى لسعي الكاتب إىل‬
‫بني النّص والقارئ وليست سجنا من‬ ‫العامليّة‪.‬‬ ‫ترمجة نصّ مل حيقّق مقروئيّة يف‬
‫سجون النّصوص‪ .‬هذا الوسيط ميثّل‬ ‫إذ رغم أنّ التّرمجة رافد مهمّ جدّا من‬ ‫لغته العربيّة‪.‬‬
‫عصب عمليّة الرتمجة‪ .‬والتّرمجة‬ ‫روافد العامليّة إلّا إنّها ال ميكن أن تكون‬ ‫فاملرتجم وحده قادر على اختيار‬
‫تصبح استجابة لعامليّة النّصّ ال سببا‬ ‫الرّافد األوحد‪ .‬بل لعلّها تأتي‬ ‫النّصّ الذي يستحقّ التّرمجة ودور‬
‫له‪ .‬ومع ذلك كلّه يبقى السّؤال‬ ‫كنتيجة لعامليّة األثر وليس العكس‪.‬‬ ‫النّشر امللتزمة مبشروع التّرمجة‬
‫حول طبيعة اللغة العربية وقابليّتها‬ ‫النّص يف لغته األمّ هو وحده القادر‬ ‫وحدها قادرة على معرفة سوق الكتاب‬
‫للرتمجة مع احملافظة على حرارتها‬ ‫على حتقيق العامليّة من خالل عوامله‬ ‫وبالتّالي عملية تسفريه من لغة إىل‬
‫وبالغتها‪ .‬إذ هناك نصوص عربية‬ ‫البنائيّة والثّيميّة اليت قد تنطلق من‬ ‫أخرى‪.‬‬
‫عظيمة تفقد بعض عظمتها حال‬ ‫هموم حمليّة صغرية تتعومل إذ‬ ‫و أمّا سعي الكاتب وأحيانا شراؤه‬
‫نقلها إىل لغات أخرى وهناك نصوص‬ ‫خترتق حدودها املكانية والزمانية‬ ‫خلدمة مرتجم ما‪ ،‬فهو وإن كان‬
‫أجنب ية متواضعة رفعها التّعريب‪.‬‬ ‫لتحلّ حلوال بالفعل والقوّة يف أمكنة‬ ‫مشروعا بنظري إال أنّه ال يضيف‬
‫وأزمنة غريبة عنها‪ ،‬فتكون التّرمجة‬ ‫للرّواية شيئا‪ .‬وكم من رواية سعى‬
‫صاحبها إىل نقلها إىل لغات أخرى‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪71‬‬


‫قراءة في المجموعة القصصية‬
‫صرير الواقع‬
‫للقاصة دعاء عبد المؤمن السعيدي‬

‫ثابت القوطاري‬

‫قاص و كاتب و ناقد ‪ .‬اليمن‬

‫صرير الواقعِ‪ ،‬جمموعة قصصية للقاصة دعاء عبد املؤمن السعيدي؛ صادرة عن مكتبة خالد بن الوليد؛ ‪2021‬م‪،‬‬
‫تقع يف (‪ 100‬صفحة) من القطع املتوسط‪ ،‬أغلب قصصها حاصلة على جوائز يف مسابقات خمتلفة‪.‬‬

‫تتحدث هذه اجملموعة عن قضايا عدة هي‪ :‬احلبُّ‪ ،‬واحلرب‪ ،‬والفقر‪ ،‬واملرض‪ ،‬والبحث عن فرصة عمل‪ ،‬وغالء‬
‫املعيشة‪ ،‬وانقطاع املرتبات‪ ،‬ووباء كورونا‪...‬إخل‪ ،‬فهي تغرتف من الواقع‪ ،‬وقضاياه املُعاشة ‪.‬‬

‫وأخواهلا‬ ‫وأبيها‬ ‫أمها‬ ‫إليه (الواقع)؛ و(الصرير)‬ ‫تطابق الغالف مع مضمون‬ ‫هلذه‬ ‫قراءتنا‬ ‫وعند‬
‫وخاالتها‪ ،‬باعتبارهم احلياة‪،‬‬ ‫مصدر صرَّ يصرُّ‪ ،‬هو صوت‬ ‫اجملموعة القصصية‪ ،‬حيث‬ ‫علينا‬ ‫يتعني‬ ‫اجملموعة‪،‬‬
‫واحلنان‪ ،‬واخلري‪ ،‬والسند‪،‬‬ ‫احتكاك شيئني؛ مثل‪ :‬صرير‬ ‫وأحداث القصص وقضاياها‬ ‫الولوج إليها من خالل‬
‫وسنالحظ غياب مكون مهم‬ ‫األسنان؛ أي صوتها حني‬ ‫تتحدث عن الواقع املأساوي‬ ‫عتباتها‪:‬‬
‫من مكونات العائلة وهم‬ ‫حيتك بعضها ببعض‪،‬‬ ‫لشخصياتها‪ ،‬وما النافذة‬ ‫أوالً العتبات‪:‬‬
‫اإلخوة واألخوات‪ ،‬وغياب‬ ‫وصرير القلم؛ أي صوته عند‬ ‫والوردة يف قفصها الزجاجي‬
‫لوحة الغالف‪:‬‬
‫اإلخوة يف اإلهداء يعززه‬ ‫واحتكاكه‬ ‫به‪،‬‬ ‫الكتابة‬ ‫إالَّ األمل الذي تعيشه‬
‫غياب األخ يف أول نص من‬ ‫بالورقة‪ ،‬و(الواقع) ما يعيشه‬ ‫الشخصيات‪ ،‬وهذه املفارقة‬ ‫لوحة الغالف‪ ،‬عتبة مهمة‪،‬‬

‫نصوص اجملموعة‪ ،‬والذي‬ ‫اإلنسان من أحداث يومية‬ ‫يف لوحة الغالف جندها‬ ‫ومفتاح من مفاتيح الولوج‬

‫غيبته احلرب يف نص ذكرى‬ ‫هلا‬ ‫واقعية‪ ،‬ال عالقة‬ ‫أيضاً يف معظم قصص‬ ‫إليه‪ ،‬ويف هذه اجملموعة‪،‬‬

‫موءودة ص ـ‪.7‬‬ ‫باخليال‪ ،‬والعنوان (صريرُ‬ ‫اجملموعة‪ .‬كما أنَّ لكل نصٍ‬ ‫سنجد أن لوحة الغالف اليت‬

‫والواقع) يوحي بأصوات‬ ‫قصصي لوحة خاصة به‪،‬‬ ‫صممتها (أسرار اجلالل‪،‬‬
‫رسالة إىل القُراء‪:‬‬
‫الشخصيات يف‬ ‫حركة‬ ‫مضمونه‪،‬‬ ‫مع‬ ‫تطابقت‬ ‫وانتخاب النشمي) قد حوت‬
‫اليت‬ ‫الرسالة‬ ‫يف هذه‬ ‫على منظر واقعي؛ نافذة‪،‬‬
‫واقعها املعيشي؛ فنحن أمام‬ ‫وكشفت عن حمتواه‪.‬‬
‫سطرتها القاصة يف (ص ـ ـ‪) 5‬‬ ‫وطاولة عليها وردة يف قفص‬
‫جمموعة قصصية واقعية‪،‬‬ ‫عنوان اجملموعة‪:‬‬
‫سنجدها تضعنا أمام متهيد‬ ‫زجاجي‪ ،‬هذه الوردة مأخوذة‬
‫تناقش هموم الشخصيات‪،‬‬
‫مهم مفاده‪ :‬أنَّها سنتكتب‬ ‫يعترب العنوان أهم عتبة من‬ ‫األمرية‬ ‫أسطورة‬ ‫من‬
‫وتكشف عن واقعها دون‬
‫شخصيات‬ ‫وستتناول‬ ‫عتبات النص األدبي‪ ،‬وجيب‬ ‫والوحش‪ ،‬حتيط بها ألوان‬
‫مواربة‪.‬‬
‫اجتماعية خمتلفة‪ ،‬ولن‬ ‫أن يكون له صلة مبحتوى‬ ‫رمادية وسوداء متدرجة‪،‬‬
‫جتربتها‬ ‫عن‬ ‫تتحدث‬ ‫اإلهداء‪:‬‬ ‫العمل‪ ،‬ونالحظ أن عنوان‬ ‫وهذه األلوان تعكس الواقع‬
‫الشخصية يف واقع احلياة‬ ‫دعاء‬ ‫القاصة‬ ‫أهدت‬ ‫اجملموعة مركب من شقني‪،‬‬ ‫شخصيات‬ ‫تعيشه‬ ‫اليت‬
‫اليومية‪ ،‬بل ستنقل لنا‬ ‫السعيدي عملها األدبي إىل‬ ‫مضاف (صريرُ) ومضاف‬ ‫اجملموعة القصصية‪ ،‬وقد‬

‫‪ 72‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫الصواريخ تقول‪ " :‬لقد‬ ‫خلفته من آثار سلبية على‬ ‫جانبني مهمني؛ اجلانب‬ ‫جتارب وواقع شخصيات‬
‫كانوا‬ ‫أنهم‬ ‫اكتشفت‬ ‫واجملتمع‪،‬‬ ‫الفرد‬ ‫حياة‬ ‫اجلانب‬ ‫و‬ ‫املوضوعي‪،‬‬ ‫ولكلِّ‬ ‫اجتماعية أخرى‪،‬‬
‫سيكونون لطفاء لو مل‬ ‫موضوعاً خصباً لألدب‪،‬‬ ‫وسأحاول أن‬ ‫األسلوبي‪،‬‬ ‫شخصية واقعها الرمادي‪،‬‬
‫تأكلهم صواريخ الطائرات"‬ ‫ومؤثراً بارزاً يف الكتابة‬ ‫أركز يف كلى اجلانبني‬ ‫وأملها اليت تعيش به‪.‬‬
‫ص ـ‪ ،11‬ويف حديثها عن‬ ‫واإلنتاج األدبي‪ ،‬ولألدب‬ ‫على اجلزئية األبرز يف هذه‬ ‫قلم‬ ‫هي‬ ‫فالقاصة‬
‫احلرب بعد مشاهدتها آلثار‬ ‫كلمته حوله‪ ،‬ويف هذه‬ ‫اجملموعة‪.‬‬ ‫الشخصيات الواردة يف هذه‬
‫الدمار تقول‪ " :‬لقد علمتُ‬ ‫القصصية‬ ‫اجملموعة‬ ‫اجلانب املوضوعي‪:‬‬ ‫هذه‬ ‫كون‬ ‫اجملموعة‬
‫حينها أنَّ الصواريخ ال زالت‬ ‫استطاعت القاصة دعاء‬ ‫نظرها‬ ‫يف‬ ‫الشخصيات‬
‫اجملموعة‬ ‫هذه‬ ‫تناولت‬
‫جائعة‪ ،‬ومل يكن التهامها‬ ‫السعيدي نقل الواقع الذي‬ ‫ورضى القارئ‬ ‫(املبتدأ)‪،‬‬
‫من‬ ‫عدد‬ ‫القصصية‬
‫ألبي الرؤوف‪ ،‬وأمي احلنون‬ ‫يرزح حتته املواطن العربي‪،‬‬ ‫وحكمه عمَّا ستنقله دعاء‬
‫قد أشبعا نهمها" ص ـ‪،12‬‬ ‫السعيدي من جتربة هو‬
‫وما ترتب على احلرب من‬ ‫(املنتهى)‪ ،‬وكأنَّ القاصة‬
‫للمرتبات‪،‬‬ ‫انقطاع‬ ‫هنا تؤمن بدور (املتلقي)‬
‫وارتفاع لألسعار‪ ،‬تقول‬ ‫يف كونه شريكاً معها يف‬
‫خماطبة‬ ‫الشخصية‬ ‫إنتاج النص األدبي‪.‬‬
‫أخاها الشهيد‪ ":‬مل يُشبع‬ ‫اجملموعة‬ ‫ثانياً‪:‬‬
‫خوضك للحرب بطون‬ ‫القصصية‪:‬‬
‫املستلبني كما كن تَ‬
‫تتكون هذه اجملموعة‬
‫ترجو‪ ،‬وال يزال اجلميع‬
‫القصصية من (‪ 12‬نصاً)‬
‫معزولني عن املال بسبب‬
‫(‪6‬‬ ‫منها‬ ‫قصصياً‪،‬‬
‫احلرب املزعومة"صـ ـ‪، 10‬‬
‫قصص) جاءت عناوينها‬
‫وضع‬ ‫تصوير‬ ‫ويف‬
‫حيث الرتكيب‬ ‫من‬
‫املدارس‪ ،‬وتسرب الطالب‬
‫مطابقة‬ ‫النحوي‬
‫منها‪ ،‬تقول الشخصية‬
‫عنوان‬ ‫لرتكيب‬
‫بعد زيارتها ملدرستها‪":‬‬
‫واليمين جراء احلرب اليت‬ ‫الواقعية‪،‬‬ ‫املوضوعات‬ ‫اجملموعة (صرير الواقع)‪،‬‬
‫ذهبتُ إىل أنقاض ما كانت‬
‫أودت حبياة املدنيني‪ ،‬حيث‬ ‫ونقلتها القاصة حبرفية‬ ‫مكونة من مضاف ومضاف‬
‫تسمى مدرسة‪ ،‬نعم لقد‬
‫القصة‬ ‫شخصية‬ ‫تقول‬ ‫كبرية‪ ،‬وميكن معاينة أبرز‬ ‫إليه‪ ،‬وهي‪ :‬ذكرى موءودة ‪،‬‬
‫التهمت الصواريخ مدرستنا"‬
‫خماطبة أخاها الشهيد‪ ،‬يف‬ ‫املوضوعات الواردة فيها على‬ ‫قطاف‬ ‫احلياة‪،‬‬ ‫كبَد‬
‫وبالرغم من هذه‬ ‫ص ـ‪،12‬‬
‫نص (ذكرى موءودة)"قد‬ ‫النحو التالي‪:‬‬ ‫احملاولة‪ ،‬ضريح الشوق‪ ،‬نزاع‬
‫املأساة‪ ،‬والواقعية السوداوية‪،‬‬
‫اتضح أنين أكثر نضجاً‬ ‫احلرب و أثرها‬ ‫األنفاس‪ ،‬خطيئة املظلوم‪.‬‬
‫إالَّ أنَّ األمل يربق يف أعني‬
‫منك بقولي لك يوماً إنَّ‬ ‫وجاءت (‪ 6‬قصص) بعناوين‬
‫الشخصيات‪ ،‬ويتجدد يف‬ ‫يعترب موضوع احلرب بشكل‬
‫احلرب إذا أينعت نعت"‬ ‫متنوعة يف الرتكيب‪.‬‬
‫نفوسها‪ ،‬لنجد السرد حيفز‬ ‫عام‪ ،‬واحلرب الدائرة على‬
‫صـ‪ ،15‬ويف حديثها عن‬
‫الشخصيات على النهوض‪،‬‬ ‫اليمن منذ ‪2015‬م‪ ،‬وما‬ ‫وخالل قراءتي يف هذه‬
‫غيبتها‬ ‫اليت‬ ‫عائلتها‬
‫اجملموعة‪ ،‬سأحاول أن أتناول‬
‫‪ 73‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫واملوت والذكريات احلزينة‪،‬‬ ‫شخصية القصة يف نص‬ ‫املرتبصني‬ ‫‪،‬‬ ‫املردة‬ ‫ويدعوها لالعتزاز بالذات‪،‬‬
‫بالرغم ما متتاز به على‬ ‫ص ـ‪7‬‬ ‫موءودة)‬ ‫(ذكرى‬ ‫كيف‬ ‫بالصناديد‪...‬باهلل‬ ‫حيث تقول يف نص (العدوان‬
‫الواقع‪ ،‬حيث يقول شخصية‬ ‫خماطبة أخاها الشهيد‪:‬‬ ‫غرّتك شعاراتهم املرتددة‬ ‫األرعن) ص ـ‪ ":71‬اذهب كلَّ‬
‫خماطباً زوجته‬ ‫القصة‬ ‫"وقد أخربتك مسبقاً بأني‬ ‫كغطيط النائم" ص ـ ـ ‪.15‬‬ ‫يوم إىل أنقاض ما تسمى‬
‫املتوفاة بالسرطان‪ ":‬وبعد‬ ‫أكره القرية‪ ،‬وال أريد‬ ‫وقد جتاوزت القاصة يف‬ ‫مدرسة‪ ،‬والتحف أنقاضها‪،‬‬
‫هذه املدة اجلامثة على‬ ‫لكنك‬ ‫إليها‪،‬‬ ‫الذهاب‬ ‫احمللي‬ ‫اهلم‬ ‫نصوصها‬ ‫أنقاضها‬ ‫على‬ ‫ألنَّك‬
‫سعادتنا أوشكنا على مغادرة‬ ‫فضلتها على مدينتنا‪ ،‬وقلت‬ ‫(الشعب اليمين والعدوان‬ ‫يا‬ ‫تبتئس‬ ‫ستحيا‪...‬ال‬
‫األسقام‬ ‫مدينة‬ ‫لندن‬ ‫لي وقتها القرية أكثر أماناً‪،‬‬ ‫عليه)‪ ،‬إىل اهلم اجلمعي‬ ‫صغريي‪ ،‬ألنّك ستخلد‬
‫والضباب" ص ـ ـ‪ ،43‬ويف نص‬ ‫وها قد خانت القرية ثقتك‬ ‫(األمة اإلسالمية) لتكون‬ ‫إدانتهم‬ ‫دليل‬ ‫لتكون‬
‫(تغييب فكري) ص ـ‪ ،92‬تصف‬ ‫بها" صـ ـ‪ ،15‬ويف نص (نافذة‬ ‫حرب (البوسنة مع صربيا)‬ ‫متشدقاً‬ ‫األوثق‪...‬وامضِ‬
‫الشخصية املدينة فتقول‪":‬‬ ‫وال مفر) ص ـ‪ ،25‬صنعت‬ ‫أمنوذجاً ملا حتدثه احلرب‬ ‫بعروبتك‪ ،‬ألنَّك دليل إدانة‬
‫لقد كان كلُّ شيء يف‬ ‫القاصة مفارقة مدهشة؛‬ ‫الواقع‬ ‫دمار على‬ ‫من‬ ‫العدوان األرعن" صـ ـ‪ ،73‬أما‬
‫ينضح‬ ‫املدينة‬ ‫تلك‬ ‫شخصية‬ ‫هربت‬ ‫عندما‬ ‫والنفس‪ ،‬من خالل أحداث‬ ‫فيما خيص تصوير واقع‬
‫بالوحشة واجلهل‪ ،‬صحيح ال‬ ‫القصة البالغ من العمر‬ ‫القصة (ضمري حمبوس)‬ ‫السلطة السياسية وفرضها‬
‫زالت املباني شاهقة كما‬ ‫أربعني عاماً من (املدينة)‬ ‫صـ ـ‪ 74‬اليت وثقت هذه‬ ‫اجلبايات غري القانونية‪،‬‬
‫مجيعاً‬ ‫لكنها‬ ‫نعرفها‬ ‫اليت تعج بالسكان وشتى‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫اجلزئية‬ ‫فقد أخذت القاصة جزئية‬
‫قدمية‪...‬كان للبؤس يف‬ ‫خوف‬ ‫األمراض‬ ‫صنوف‬ ‫شخصياتها‪ ،‬وأحداثها‪.‬‬ ‫بارزة‪ ،‬تطال املواطن البسيط‬
‫تلك املدينة ألواناً وصوراً‬ ‫اإلصابة مبرض كورونا‪ ،‬إىل‬ ‫املوقف من القرية واملدينة‪:‬‬ ‫فضالً عن التاجر و امليسور‪،‬‬
‫إبداعية" ص ـ‪ ،94‬وعلى هذا‬ ‫(القرية) اليت متتلئ مبعاني‬ ‫تقول الشخصية يف حوار مع‬
‫ترمز القرية يف كثري من‬
‫نصوص‬ ‫جتري‬ ‫النسق‬ ‫احلياة الصحية‪ ،‬البعيدة عن‬ ‫رجل أعطاها ظرفاً فارغاً‪":‬‬
‫األعمال األدبية الشعرية‬
‫تتطرق‬ ‫اليت‬ ‫اجملموعة‪،‬‬ ‫مظاهر املدينة الشائبة‪،‬‬ ‫‪-‬ال أريد تربعاً من أحد‪.‬‬
‫والنثرية إىل النقاء والطهر‪،‬‬
‫القرية‬ ‫عن‬ ‫للحديث‬ ‫لتجد املرض واملوت هناك‪،‬‬
‫واالنبعاث‪ ،‬فهي رمز الفطرة‪،‬‬ ‫‪ -‬هذا ليس لك‪ ،‬بل هو‬
‫واملدينة‪.‬‬ ‫حيث تقول الشخصية بعد‬
‫والصفاء‪ ،‬على العكس من‬ ‫التربعات‬ ‫جلمع‬ ‫ظرف‬
‫كما تطرقت اجملموعة‬ ‫اكتشافها أنها خالطت‬
‫املدينة اليت ترمز للقهر‬ ‫للفقراء‪ ،‬فضع به بعض‬
‫اجلانب‬ ‫من‬ ‫القصصية‬ ‫مصابة‬ ‫شخصية‬
‫واالنتهازية‪،‬‬ ‫واالستبداد‪،‬‬ ‫املال‪.‬‬
‫قضايا‬ ‫إىل‬ ‫املوضوعي‪،‬‬ ‫بالفريوس‪ ":‬يف بادئ األمر‬
‫وجفاف العاطفة‪ ،‬وانعدام‬ ‫‪ -‬حنن الفقراء وكلُّ الوطن‬
‫واقعية أخرى مثل‪ :‬احلب‬ ‫شغلين أمره‪ ،‬وأنا من ال يثري‬
‫اإلنسانية‪ ،‬إالَّ أن الصورة يف‬ ‫كذلك" ص ـ‪ ،13‬أما املوقف‬
‫والوفاء بني الزوجني يف‬ ‫فضولي أحد‪ ،‬ونهاية رأفت‬
‫اجملموعة القصصية (صريرُ‬ ‫من رجال السياسة فقد‬
‫قصة (ضريح الشوق) صـ ـ‪، 41‬‬ ‫حلاله‪ ،‬ألساق بقدمي إىل‬
‫الواقع) على العكس من‬ ‫يف‬ ‫الشخصية‬ ‫خلصته‬
‫والعنصرية العرقية جتاه‬ ‫دركه املشبع بالفريوسات‬
‫ذلك‪ ،‬فقد تبادلت القرية‬ ‫حديثها االفرتاضي مع‬
‫السود كما يف قصة (إقصاء‬ ‫اليت طاملا فررت منها"‬
‫واملدينة األدوار‪ ،‬فأصبحت‬ ‫أخيها بقوهلا‪ " :‬كان‬
‫مع سبق اإلصرار) ص ـ‪،48‬‬ ‫صـ ـ‪ ،29‬ويف نص (ضريحُ‬
‫القرية رمز للخوف واملوت‪،‬‬ ‫خيالك أنّهم السالم جاهراً‪،‬‬
‫ومرض السرطان ودور الطب‬ ‫الشوق) صـ ـ‪ 41‬جند أن‬
‫رمز‬ ‫املدينة‬ ‫وأصبحت‬ ‫وما علمت أنهم الظلم‬
‫يف قصة (نزاع األنفاس)‬ ‫مدينة لندن‪ ،‬رمزاً للمرض‬
‫للطمأنينة واحلياة‪ ،‬تقول‬ ‫جائراً‪...‬وما علمت أنهم‬
‫‪ 74‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫فيه كثرة‬ ‫بني‬ ‫الذي‬ ‫اللَّ ْيلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ‬ ‫بالقرآن‬ ‫االستشهاد‬ ‫يف‬ ‫صـ ـ‪ ،56‬واالنتقام وأثره يف‬
‫غثاء‬ ‫لكنهم‬ ‫املسلمني‬ ‫مُبْصِرَةً" [اإلسراء‪.]12:‬‬ ‫الكريم‪ ،‬والتناص معه‪ ،‬ففي‬ ‫املظلوم)‬ ‫قصة (خطيئة‬
‫كغثاء السيل‪.‬‬ ‫‪ " -‬هلل درك يا أبي كم‬ ‫قصة (ذكرى موءودة) صـ ـ ‪7‬‬ ‫صـ ـ‪ ،62‬والوعي االجتماعي‬

‫‪ "-‬كدوران املغشي عليه من‬ ‫عايشت أيامي العجاف‪،‬‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫يف قصة (تغييب فكري)‬

‫املوت" ص ـ‪ ،95‬تناص مع قوله‬ ‫ص ـ‪،23‬‬ ‫منك"‬ ‫وقربتين‬ ‫‪" -‬لعل معمعة احلرب‪،‬‬ ‫عنها‬ ‫تقول‬ ‫صـ ـ‪92‬واليت‬

‫تعاىل‪ ":‬وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا‬ ‫تناص مع قوله تعاىل‪ ":‬قَالَ‬ ‫تراك‬ ‫السالح‬ ‫وقعقعة‬ ‫هذه‬ ‫أحداث‬ ‫القاصة‪":‬‬

‫لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَ تْ‬ ‫ا ْلمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَا تٍ‬ ‫فأستعيض‬ ‫فتهجرني‬ ‫القصة هي كلُّ ما حيتاجه‬

‫سُورَةٌ مُحْ َكمَ ٌة وَذُكِرَ فِيهَا‬ ‫سمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ‬


‫ِ‬ ‫بهجرها مشكاة روحك‬ ‫الطغاة واملستعمرين عرب‬

‫الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي‬ ‫خُضْرٍ"‬ ‫سُنْبُلَاتٍ‬ ‫وَسَبْعَ‬ ‫املغمورة"ص ـ‪ ،8‬تناص مع‬ ‫الزمن أن تُشغل األمة برمق‬

‫يَنْظُرُونَ‬ ‫مَرَضٌ‬ ‫قُلُوبِهِمْ‬ ‫[يوسف‪.]43:‬‬ ‫قوله تعاىل‪ ":‬اللَّهُ نُورُ‬ ‫عيشها‪ ،‬فتُصرف عمّا سوى‬

‫إِلَيْكَ نَظَرَ ا ْلمَغْشِيِّ عَلَيْهِ‬ ‫السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَ َثلُ نُورِهِ‬


‫َّ‬ ‫ذلك حتى ال تفكر" ص ـ ـ‪.93‬‬
‫‪ "-‬لكن ما من فائدة فقد‬
‫مِنَ ا ْلمَ ْوتِ فَأَوْلَى لَهُمْ"‬ ‫أوصل نفسه باتباع هواها‬ ‫كمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ"‬
‫َ‬ ‫اجلانب األسلوبي‪:‬‬
‫[حممد‪.]20:‬‬ ‫للحظة والت حني ندم"‬ ‫[النور‪.]35:‬‬ ‫اللغة والرتاث‪:‬‬
‫‪"-‬سأحل حمله‪ ،‬فأنا ربكم‬ ‫ص ـ‪ ،70‬تناص مع قوله‬ ‫‪ "-‬وتكون أخي الذي أشدد به‬ ‫جاءت لغة نصوص هذه‬
‫األعلى"صـ ـ‪ ،97‬تناص مع‬ ‫تعاىل‪ ":‬كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ‬ ‫عضدي"صـ ـ‪ ،9‬تناص مع‬ ‫اجملموعة‪ ،‬بنفس شعري‪،‬‬
‫قوله تعاىل‪ ":‬فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ‬ ‫قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ‬ ‫قوله تعاىل‪ ":‬قَالَ سَنَشُدُّ‬ ‫يغلب عليها صدق العاطفة‪،‬‬
‫الْأَعْلَى" [النازعات‪.]24:‬‬ ‫حِنيَ مَنَاصٍ" [ص‪.]3:‬‬ ‫عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَ لُ‬ ‫والوصف‪ ،‬كما اشتملت‬
‫‪ " -‬اتركوا هذا العجل خيور‬ ‫‪ " -‬كنت حقاً قد عزمتُ أن‬ ‫سُلْطَانًا"‬ ‫لَ ُكمَا‬ ‫على مفردات قاموسية مثل‪:‬‬
‫فهو ال يفقه شيء" صـ ـ‪، 98‬‬ ‫أبدأ صفحة جديدة كما‬ ‫[القصص‪.]35:‬‬ ‫فراسخ‪ ،‬معمعة‪ ،‬قعقعة‪،‬‬
‫تناص مع قوله تعاىل‪":‬‬ ‫يقولون‪ ،‬وأن أطوي أمل‬ ‫‪ " -‬فكما تعلم بأنَّ املرء ال‬ ‫اكفهرَّ‪ ،‬اطراد‪ ،‬اضمحلَّ‪،‬‬
‫وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِ هِ‬ ‫كلماتها وتصرفاتها طي‬ ‫تكون له اخلرية يف مثل هذه‬ ‫غطيط‪...‬إخل‪،‬‬ ‫يتهارشان‪،‬‬
‫مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ‬ ‫السجل" صـ ـ‪ ،81‬تناص مع‬ ‫األمور" ص ـ‪ ،12‬تناص مع‬ ‫كما تقاطعت بعض اجلمل‬
‫خُوَارٌ " [األعراف‪]148:‬‬ ‫قوله تعاىل‪ ":‬يَوْمَ نَطْوِي‬ ‫قوله تعاىل‪" :‬وَمَا كَانَ‬ ‫يف نصوص القصص؛ مع‬

‫ويف نص (مشاطرة ممتعة)‬ ‫السِّجِلِّ‬ ‫السمَاءَ كَطَيِّ‬


‫َّ‬ ‫ِلمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى‬ ‫(القرآن‬ ‫الديين‬ ‫النص‬

‫(خطيئة‬ ‫ونص‬ ‫ص ـ‪،17‬‬ ‫لِلْكُتُبِ" [األنبياء‪.]104 :‬‬ ‫اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ‬ ‫الكريم)‪ ،‬من خالل التناص‬

‫جند‬ ‫ص ـ‪،70‬‬ ‫املظلوم)‬ ‫‪" -‬وبينما كانت حشود‬ ‫لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ"‬ ‫الذي أوردته القاصة‪ ،‬وهذا‬

‫االستشهاد بالقرآن الكريم‬ ‫القبور متور كغثاء السيل‬ ‫[األحزاب‪.]36:‬‬ ‫يكشف عن مدى تأثري‬

‫شخصيات‬ ‫لسان‬ ‫على‬ ‫يف املدينة" ص ـ ـ‪ ،95‬تناص مع‬ ‫‪ "-‬وأتت احلقيقة لتمحو‬ ‫املوروث الثقايف والديين على‬

‫القصتني واضحاً يف قوهلا‪:‬‬ ‫قوله تعاىل‪ ":‬أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي‬ ‫كلَّ شيء كما متحو النهار‬ ‫وعي القاصة‪ ،‬وظهوره يف‬

‫َكلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ‬


‫"وَمَنْ يَتَو َّ‬ ‫السمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ‬
‫َّ‬ ‫آية الليل" ص ـ‪ ،54‬تناص مع‬ ‫كتاباتها‪ ،‬وميكن مالحظة‬

‫حَسْبُهُ" [الطالق‪ ]3:‬ص ـ‪-21‬‬ ‫الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ َتمُورُ"‬ ‫قوله تعاىل‪ ":‬وَجَعَلْنَا اللَّ ْيلَ‬ ‫ذلك من خالل املفردات‬

‫‪ .22‬ويف نص (نافذة وال‬ ‫[امللك‪ ،]16 :‬وتناص مع‬ ‫وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ َفمَحَوْنَا آيَةَ‬ ‫القاموسية املستخدمة يف‬

‫تستشهد‬ ‫صـ ـ‪،25‬‬ ‫مفر)‬ ‫احلديث النبوي الشريف‬ ‫بناء اجلملة من جهة‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى ميكن مالحظته‬
‫‪ 75‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫تناولتها‬ ‫اليت‬ ‫القضايا‬ ‫(ذكرى موءودة صـ‪ )8‬حيث‬ ‫إىل االغرتاف من الرتاث من‬ ‫الشخصية بقوله تعاىل‪" :‬‬
‫اجملموعة من خالل احلوار‬ ‫تقول‪ " :‬هيج الوجد خافقي‪،‬‬ ‫خالل التناص أو االستشهاد‪،‬‬ ‫يُدْرِكْكُمُ‬ ‫تَكُونُوا‬ ‫أَيْ َنمَا‬
‫الدائر بني الشخصيات‪،‬‬ ‫حتى اضمحل حاضري‪،‬‬ ‫ندرك مدى تأثر القاصة‬ ‫ا ْلمَ ْوتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ‬
‫واعتمدت على احلوار بصورة‬ ‫وعادت بي الذكرى ألجرجر‬ ‫باملوروث الثقايف العربي‪،‬‬ ‫مُشَيَّدَةٍ " [النساء‪ ،]87:‬ويف‬
‫أقل من الوصف‪ ،‬كما أن‬ ‫احلل والرتحال بفراسخ‬ ‫والرتاث الديين اإلسالمي‪،‬‬ ‫(نص تغييب فكري) ص ـ ـ‪، 97‬‬
‫احلوار بني الشخصيات جاء‬ ‫قليب" صـ‪ ،8‬إىل آخر سطر يف‬ ‫وهذا ما طغى على أسلوبها‬ ‫تصرخ الشخصية سوارم‬
‫اعتيادياً وبسيطاً‪ ،‬خالياً من‬ ‫آخر قصة (تغييب فكري‬ ‫يف كتابة هذه اجملموعة‪.‬‬ ‫بثوران مفاجئ‪ ":‬فَأَخَذَهُ اللَّهُ‬
‫التعقيد يف اللغة والرتكيب‬ ‫ص ـ‪ )92‬حيث تقول‪ ":‬لقد‬ ‫الوصف واحلوار‪.‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫وَالْأُولَى"‬ ‫الْآخِرَةِ‬ ‫نَكَالَ‬
‫‪ ،‬والرؤى‪.‬‬ ‫كان سوارم مبثابة الديك‬ ‫[النازعات‪.]25:‬‬
‫أسلوب‬ ‫القاصة‬ ‫تعتمد‬
‫الذي يوقظ القرية للصالة‬ ‫فمن خالل اللغة القاموسية‬
‫الوصف بلسان شخصيات‬
‫كما‬ ‫ص ـ‪.100‬‬ ‫باكراً"‬ ‫‪ ،‬وتركيب املفردات على‬
‫القصص‪ ،‬بلغة شاعرية‪ ،‬منذ‬
‫استطاعت أن تنقل وجهة‬ ‫مستوى اجلملة‪ ،‬باإلضافة‬
‫سطورها األوىل يف قصة‬
‫من‬ ‫نظرها يف كثري‬

‫‪ 76‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫مراجعة كتاب‬
‫أطروحات ما بعد التنمية االقتصادية‬
‫التنمية الحرية ‪ -‬محمود محمد طه و‬ ‫بروف ديفيد غوزمان‬ ‫بدر موسى‬

‫أمارتيا كومار سن (مقاربة ) ‪2022‬‬ ‫أكادميي ‪.‬جامعة‬


‫مدينة خواريز‬
‫باحث و مرتجم‬

‫السودان‬
‫للدكتور عبد الله الفكي البشير‬ ‫املستقلة‪ ،‬املكسيك‬

‫كاتب املقال الربوفيسور ديفيد فاسكيز غوزمان ‪ David Vázquez-Guzmán‬و هو أستاذ و باحث اقتصادي يف قسم العلوم‬
‫‪. Autonomous University of Juarez City, Mexico‬‬ ‫االجتماعية و االقتصادية جامعة مدينة خواريز املستقلة‪ ،‬املكسيك‬

‫و مؤلف الكتاب موضوع املقال هو الربوف عبداهلل الفكي البشري؛ كاتب وباحث وأكادميي سوداني ‪ ،‬جتيء كتاباته ضمن مشروع‬
‫حبثي ينطلق من رؤية نقديَّة لإلِرثِ السِّياسي والفِكْري يف السُّودان ‪ -‬بشكلٍ خاص‪ -‬ويف الفضاء اإلسْالمي واإلنساني بشكلٍ عام‪.‬‬

‫حممود حممد طه حمزنة‪ ،‬ألن األمر قد انتهى به إىل التضحية‬ ‫كتاب الدكتور البشري هو قراءة منعشة جتعلنا نفكر يف‬
‫حبياته من أجل مُثله العليا يف التطور التدرجيي‪ ،‬وهذا تذكري‬ ‫أساسيات علمنا يف التنمية االقتصادية ‪.‬‬
‫بأن التخلف عادة ما يكون مصحوبًا بتعصب خالص‪ .‬مت إعدام‬ ‫كتاب البشري دعوة لدراسة جذور التنمية االقتصادية يف الفكر‬
‫السيد حممود حممد طه من قبل خاطفيه يف السودان يف ‪18‬‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ويدعو القارئ إىل التفكري يف اجلذور املشرتكة يف‬
‫يناير عام ‪ ، 1985‬جملرد أنه كان ينوي تكييف التفكري الديين‬ ‫كل من الثقافة الغربية والفكر اإلسالمي ‪.‬‬
‫جملتمعه مع التحديات اجلديدة اليت كانت متر بها بالده‪ .‬فقد‬
‫يثرينا وحيفزنا كتاب البشري فكريًا لدراسة الروابط الفلسفية‬
‫متكن السيد طه من رؤية البؤس وعدم املساواة وقلة الفرص يف‬
‫بني الالهوت الغربي (الكاثوليكي على سبيل املثال) والدين‬
‫بالده أوانئذ ‪ ،‬فأراد أن يفعل شيئًا حيال ذلك ‪ ،‬كانت رؤيته‬
‫اإلسالمي كما هو واضح يف أعمال الفيلسوف ابن رشد ‪.‬‬
‫للحرية الفردية والوصول إىل اخلدمات والفرص شيئًا حاول‬
‫توصيله أثناء تعرضه للهجوم واالضطهاد والسجن أحيانًا‪ .‬هنا‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بعمق ويربط بعضًا من‬ ‫يدرس البشري كتابات أمارتيا سن‬
‫يرتبط املنظور الواضح للحرية الفردية الذي كان لدى السيد‬ ‫( ‪)2‬‬
‫‪ ،‬لذلك يرتك أجندة مفتوحة‬ ‫تفكريه مع تفكري السيد طه‬
‫حممود حممد طه برباعة من قبل الدكتور البشري مبُثُل‬
‫ملا يسميه بفكرة ”‪" ،“Intellectual Convergence‬التقارب‬
‫احلريات والقدرات املعروفة كثريًا يف دراسات التنمية اليت‬
‫الفكري" ‪ ،‬بالنسبة للمتخصص يف اقتصاد التنمية‪ ،‬فإن الكتاب‬
‫أجراها الربوفيسور أمارتيا كومار سن‪.‬‬
‫التفسريي للدكتور عبد اهلل الفكي البشري حول مقارنة وجهات‬
‫بالنسبة ألولئك الذين يتابعون عمل الربوفيسور سن يف جمال‬
‫نظر السيد حممود حممد طه والربوفيسور أمارتيا كومار سن‪،‬‬
‫التنمية االقتصاد ية‪ ،‬فإن عمل األستاذ البشري حول مساهمات‬
‫هو قراءة منعشة جتعلنا نفكر يف أساسيات علمنا يف التنمية‬
‫طه هو رابط منعش جيعلنا نفكر يف كيف ميكن أن يكون‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫لأليديولوجيات األساسية يف أدبيات الرفاهية جذوراً مشرتكة‪.‬‬
‫هذا الكتاب هو تقدير حمرتم ملساهمات كل من‪ :‬السيد حممود‬
‫حممد طه و احلائز على جائزة نوبل أمارتيا كومار سن يف‬
‫جمال احلرية الفردية والتنمية االجتماعية‪ .‬قصة السيد‬

‫‪ 77‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫املتحدة‪ ،‬وقد كان السيد حق مساهمًا أساسيًا فيها‪ ،‬وقد يكون‬
‫هناك أيضًا منوذجاً إسالمياً ملفهوم احلرية‪ .‬من ناحية أخرى‪،‬‬
‫يثرينا وحيفزنا كتاب البشري فكريًا لدراسة الروابط الفلسفية‬
‫بني الالهوت الغربي (الكاثوليكي على سبيل املثال) والدين‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كما هو واضح يف أعمال الفيلسوف ابن رشد‬
‫‪ Averroes.‬عموماً‪ ،‬إن كتاب الدكتور البشري هو مترين‬
‫فكري حمفز‪ .‬وهو دعوة مقارنة جتعلنا نفكر بطريقة‬
‫متساحمة‪ ،‬مفادها أننا‪ ،‬وبعد كل شيء‪ ،‬رمبا ال نكون خمتلفني‬
‫إىل هذا احلد‪ ،‬وأن التنمية اإلنسانية مهمة متعددة األوجه‬
‫وتستحق كل جهد ‪ ،‬سواء كانت حبجم األرض أو حبجم‬
‫مسكتني و مخسة أرغفة من اخلبز ‪ ،‬وبالتالي فإن كل مساهمة‬
‫رمبا تزيد من مستوى تطور كل شخص يف هذا العامل‬
‫املتخلف ‪.‬‬
‫الربوفيسور سن ومساهماته األساسية يف جمال االقتصاد‪ ،‬حيث‬
‫وصف الكتاب و هيكله‪:‬‬ ‫غيّر طبيعة منهجية التنمية من كونها عادة إىل جانب العلم‪،‬‬
‫ولكن لتكون جزءًا من الدراسة السائدة يف االقتصاد‪ ،‬هي حقيقة‬
‫لقد صدر الكتاب يف الطبعة العربية األوىل يف بداية هذا العام‪،‬‬
‫ثابتة مفادها أن كل ما نعرفه ونقدره يرتبط بالتنمية‬
‫ثم جاءت الطبعة الثانية عن دار بدوي للنشر‪ ،‬كونستانس‪-‬‬
‫االقتصادية‪ .‬إن منظور الربوفيسور سن الفردي الواضح يف‬
‫أملانيا يف يونيو ‪ ، 2022‬وصدرت الرتمجة إىل اللغة اإلجنليزية عن‬
‫كتابه )‪" ،: Development as Freedom (1999‬التنمية‬
‫مركز أسبلتا لالستنارة والنشر‪ ،‬أيوا‪ ،‬الواليات املتحدة‪ ،‬يف‬
‫حرية"‪ ،‬من بني كتابات أخرى‪ ،‬هو حجر الزاوية يف التنمية‬
‫أغسطس ‪.2022‬‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ألننا تعلمنا أن الوصول إىل السلع واخلدمات فقط‬
‫قدم الكتاب مقا ربة بني املفكر السوداني اإلنساني حممود‬
‫ليس كافيًا إلكمال التقدم البشري‪ ،‬ولكن أيضًا‪ ،‬ورمبا األهم‬
‫حممد طه‪ ،‬صاحب الفهم اجلديد لإلسالم‪ ،‬الذي حُكم عليه‬
‫من ذلك‪ ،‬الطريقة اليت نبين بها اجملتمعات ‪ ،‬حبرية‬
‫باإلعدام ومت تنفيذ احلكم يف العاصمة السودانية‪ ،‬اخلرطوم يف‬
‫ومبشاركة يف بيئة متعددة األبعاد‪ ،‬فهي مهمة أيضًا‪ .‬هنا يدرس‬
‫‪ 18‬يناير ‪ ،1985‬وعامل االقتصاد والفيلسوف اهلندي أمارتيا‬
‫البشري كتابات سن بعمق ويربط بعضًا من تفكريه مع تفكري‬
‫كومار سن ‪ ،Amartya Kumar Sen‬احلائز على جائزة‬
‫السيد طه‪ ،‬لذلك يرتك أجندة مفتوحة ملا يسميه فكرة‬
‫نوبل يف العلوم االقتصادية عام ‪ ،1998‬وأستاذ االقتصاد‬
‫"التقارب الفكري ”‪ ، “Intellectual Convergence‬وهو‬
‫والفلسفة‪ ،‬حالياً‪ ،‬جبامعة هارفارد‪ ،‬الواليات املتحدة‪ .‬متحورت‬
‫مفهوم يقول إنه باإلمكان أن تكون هناك الروابط املشرتكة بني‬
‫املقاربة حول رؤية كل منهما للتنمية‪ .‬جاءت رؤية سن يف‬
‫فروع رأس املال البشري‪. .‬‬
‫كتابه‪،DEVELOPMENT AS FREEDOM (1999) :‬‬
‫كتاب الدكتور البشري دعوة لدراسة جذور التنمية االقتصادية‬
‫وقد نُشرت نسخته العربية بعنوان‪ :‬التنمية حرية‪ :‬مؤسسات‬
‫يف الفكر اإلسالمي ‪ ،‬ويدعو القارئ إىل التفكري يف اجلذور‬
‫حرة وإنسان متحرر من اجلهل واملرض والتخلف (‪ .)2004‬وهو‬
‫املشرتكة يف كل من الثقافة الغربية والفكر اإلسالمي‪ .‬على‬
‫يرى بأن احلرية هي غاية التنمية وهدفها األمسى ووسيلتها‬
‫سبيل املثال‪ ،‬أتذكر إ ن أحد أبطال هذا اجملال‪ ،‬حمبوب احلق‪،‬‬
‫األساسية ‪ ،‬وأن التنمية ما هي إال عملية توسيع يف احلريات‬
‫احلقيقية اليت يتمتع بها الناس‪ ،‬وأن اإلنسان هو حمورها‬ ‫وهو مسلم خملص تويف لألسف يف عام ‪ 1998‬وكان صديقًا‬
‫حمبوبًا للربوفيسور سن‪ ،‬وقد مت التقليل من شأنه‪ .‬إن النهج‬
‫وغايتها‪ .‬والتنمية‪ ،‬عنده‪ ،‬ال تتحقق بزيادة الدخل فحسب‪ ،‬وإمنا‬
‫متعد د األبعاد لقياس التنمية الذي كان السيد حق متحمسًا‬
‫عرب تعزيز قدرات الناس‪ .‬فالقدرات تُمكن من فرص االختيار‬
‫له‪ ،‬كما هو واضح يف صياغة تقارير التنمية البشرية لألمم‬
‫‪ 78‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫وفاشلة منذ البداية‪ ،‬ألن الناس هم الثروة احلقيقية‪ .‬وهو يقول‪:‬‬ ‫وصنع احلياة‪ ،‬واحلرمان منها هو مقياس للفقر أكثر اكتماالً‬
‫"لنجاح التنمية‪ ...‬البد من احلرية" ‪ ،‬وهذا ما عبَّر عنه سن‪،‬‬ ‫من مقياس الدخل‪ .‬احتفى العامل احتفاءً واسعاً بالكتاب‪ ،‬إذ‬
‫قائ الً‪" :‬احلرية مركزية لعملية التنمية"‪ .‬ويكاد قول سن‪" :‬إن‬ ‫وصفه البعض بأنه أول كتاب يف تاريخ الفكر اإلنساني جيمع‬
‫املسئولية تقتضي احلرية"‪ ،‬يوافق قول طه‪" :‬إن احلرية‬ ‫يف طرحه بني التنمية واحلرية‪ .‬ورأى البعض اآلخر أن سن جنح‬
‫مسئولية"‪ .‬كذلك يرى سن بأن‪" :‬احلرية الفردية يف جوهرها‬ ‫يف حترير التنمية من االجتاهات املسيطرة واملفاهيم السائدة‪،‬‬

‫منتج اجتماعي"‪ ،‬وهذا عني ما قاله طه‪" :‬اجملتمع وسيلة موسلة‬ ‫فقد أختزل السياسيون واالقتصاديون التنمية يف عبارة التنمية‬
‫حلرية الفرد"‪ .‬أيضاً ما جاء يف غالف الرتمجة العربية لكتاب‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ووصفوها بتعابري الدخل والناتج احمللي االمجالي‬
‫سن ‪" :‬مؤسسات حرة وإنسان متحرر من اجلهل واملرض‬ ‫‪ .GDP‬أيضاً‪ ،‬تبنى برنامج األمم املتحدة اإلمنائي (‪)UNDP‬‬
‫والتخلف"‪ ،‬وهو حمور موضوع كتابه‪ ،‬يتشابه‪ ،‬ملا يقرب حلد‬ ‫أفكار سن ووصفه برائد االقتصاد األخالقي‪ ،‬كونه خرج مبفهوم‬
‫التطابق‪ ،‬مع قول طه‪" :‬للفرد على احلكومة حق حتريره من‬ ‫التنمية من الفاعلية االقتصادية‪ ،‬إىل مفهوم التنمية بوصفها‬
‫اخلوف‪ ،‬ومن الفقر‪ ،‬ومن اجلهل‪ ،‬ومن املرض"‪ .‬ويأتي التشابه‬ ‫حرية ‪ ،‬وأن اإلنسان حمورها‪ .‬وظل اإلطار املفاهيمي لتقارير‬
‫كذلك يف رؤية كل منهما عن التعليم ودوره يف زيادة‬ ‫األمم املتحدة ومشاريعها عن التنمية‪ ،‬يستند إىل فكر سن‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬فهو عند سن متليك للقدرة‪ ،‬بينما ُيعَرِّف طه‬ ‫وأعماله‪.‬‬
‫التعليم‪ ،‬قائالً‪" :‬بإجياز نُعَرِّف التعليم بأنه اكتساب احلي‬ ‫يكشف الكتاب عن أن ما قدمه سن يتفق كثرياً مع ما طرحه‬
‫للقدرة"‪ .‬أيضاً عبَّر كل منهما عن قضية اليوم‪ ،‬يقول سن‬ ‫طه منذ مخسينات وستينات وسبعينات القرن املاضي‪ ،‬يف‬
‫"احلرية مهمة بشكل حاسم اآلن"‪ ،‬وال خيتلف هذا القول مع‬ ‫العديد من كتبه وأحاديثه‪ .‬فاإلنسان احلر‪ ،‬عند طه هو هدف‬
‫قول طه‪" :‬احلرية هي طِلْبَة واحتياج إنسان اليوم"‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫التنمية وغايتها‪ .‬والتنمية االقتصادية‪ ،‬عنده‪ ،‬بدون اعطاء‬
‫فالكتاب يف مقاربته يقدم املزيد من مناذج االتفاق والتشابه‬ ‫العناية بالفرد وحريته مكان الصدارة‪ ،‬منخذلة‪ ،‬ومنهزمة ‪،‬‬
‫والتقاطعات بينهما‪.‬‬
‫‪ 79‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬
‫مستوى آيات األصول (اآليات املكية)‪ .‬وخلص املؤلف إىل أن طه‬ ‫هيكل الكتاب ‪:‬‬
‫كان أسبق من سن فقد طرح رؤيته يف كتبه منذ مخسينات‬ ‫تهيكل الكتاب يف مثانية فصول ومقدمة وخامتة‪ ،‬إىل جانب‬
‫وستينات وسبعينات القرن املاضي‪ ،‬بينما جاءت رؤية سن يف‬ ‫فهرس األعالم وثبت املصادر واملراجع‪ .‬قدم الفصل األول تعريفاً‬
‫العام ‪ .1999‬ويف الوقت الذي ال يعطي فيه سن اعتباراً للجانب‬ ‫بأمارتيا سن والصدى العاملي لكتابه‪ :‬التنمية حرية‪ ،‬وسلط‬
‫الروحي‪ ،‬فإن طه يرى بأن البيئة اليت يعيش فيها اإلنسان هي‬ ‫الفصل الثاني الضوء على حممود حممد طه والفهم اجلديد‬
‫بيئة روحية ذات مظهر مادي‪ .‬وأن االضطرابات اليت يشهدها‬ ‫لإلسالم والرتمجة ألعماله‪ .‬وتناول الفصل الثالث "منظور‬
‫عامل اليوم‪ ،‬ترجع إىل سبب أساسي‪ ،‬وهو مدى التخلف بني تقدم‬ ‫احلرية"‪ ،‬ودرس الفصل الرابع أهمية الدميقراطية باعتبارها‬
‫العلم التجرييب‪ ،‬وختلف األخالق البشرية‪ .‬ويرى بإن العلم‬ ‫العنصر اجلوهري يف عملية التنمية‪ ،‬وتناول الرتابط املتبادل‬
‫التجرييب احلد يث رد مظاهر املادة املختلفة‪ ،‬اليت تزخر بها‬ ‫واملتداخل بني احلريات السياسية (الدميقراطية) واالحتياجات‬
‫العوامل مجيعها‪ ،‬إىل أصل واحد‪ ،‬هذا االكتشاف اجلديد‪ ،‬كما‬ ‫االقتصادية والعدالة االجتماعية‪ ،‬والدميقراطية والنمو‬
‫يرى طه‪ ،‬يواجه اإلنسان املعاصر بتحد حاسم‪ ،‬فالعلم املادي‬ ‫االقتصادي‪ ،‬وكما وقف عند السؤال القائل‪ :‬هل ينجح احلكم‬
‫التجرييب‪ ،‬والعلم الروحي التجرييب‪ ،‬التوحيدي‪ ،‬احتدا اليوم‬ ‫االستبدادي يف النهوض بالنمو االقتصادي؟ وخصص الفصل‬
‫يف الداللة على وحدة الوجود‪ .‬وهلذا فإن عليه أن يوائم بني‬ ‫اخلامس لألسواق والدولة والفرصة االجتماعية‪ ،‬فتناول‬
‫حياته وبني بيئته هذه القدمية اجلديدة‪ ،‬وبهذه املواءمة‬ ‫األسواق واحلرية والعمل واستمرار واقع العبودية‪ ،‬واقتصادات‬
‫والتناسق يكون الرجوع إىل اهلل بعقولنا‪ ،‬بل وبكل كياننا‪ ،‬حتى‬ ‫الطريق إىل العبودية‪ ،‬وامللكية للجماعة ال للدولة‪ ،‬واحلرية‬
‫حنقق العبودية هلل‪ .‬والعبودية هلل‪ ،‬عند طه‪ ،‬هي غاية احلرية‪،‬‬ ‫موؤدة يف النظامني الرأمسالي والشيوعي‪ .‬وناقش الفصل‬
‫وكلما زاد العبد يف التخضع هلل‪ ،‬كلما زادت حريته‪ .‬فبالعلم‬ ‫السادس "فعالية املرأة والتغيري االجتماعي"‪ ،‬من خالل عدة‬
‫املادي التجرييب ال نستطيع الرجوع إىل اهلل‪ ،‬وإمنا أسرع الطرق‬ ‫حماور‪ ،‬منها‪ :‬من الدعوة لرفاه املرأة إىل جتسيد فعالية املرأة‬
‫للرجوع هلل يكون عن طريق الفكر‪ ،‬النابت يف البيئة الروحية‪.‬‬ ‫وتأكيد دورها‪ ،‬واستقالل املرأة االقتصادي‪ ،‬وإنتاج املرأة يف‬
‫والفكر‪ ،‬كما يرى طه‪ ،‬أسرع من الضوء‪ ،‬وبالطبع أسرع من اآللة‬ ‫البيت‪ .‬ووقف الفصل عند مفهوم البيت عند طه‪ ،‬ورؤيته جتاه‬
‫اليت ينجزها العلم التجرييب‪ .‬وهلذا فإن قواعد األخالق‬ ‫أثر التفكري الرأمسالي والتجارب االشرتاكية يف تهميش إنتاج‬
‫البشرية إذا مل ترتفع إىل هذا املستوى فرتد مجيعها إىل أصل‬ ‫املرأة‪ ،‬ودعوته إلعادة النظر يف تعريف وتقييم إنتاج املرأة يف‬
‫واحد‪ ،‬األصل الروحي‪ ،‬كما ردت ظواهر الكون املادي إىل أصل‬ ‫البيت ليكون مبثابة ختصص ‪ ،‬ومطالبته بأن يدخل عمل املرأة‬
‫واحد‪ ،‬فإن التـواؤم بني البيئـة‪ ،‬وبيـن احليـاة البشرية‪ ،‬سيظـل‬ ‫يف املنزل ضمن تقييم الدولة االقتصادي‪.‬‬
‫ناقصاً‪ ،‬وسيبـقى االضطراب الذي يعيشه عامل اليوم مهدداً‬ ‫ودرس الفصل السابع "االختيار االجتماعي والسلوك الفردي"‪،‬‬
‫احلياة اإلنسانية على هـذا الكوكب بالعجـز‪ ،‬والقصـور‪ ،‬يف أول‬ ‫فركز على استخدام العقل من أجل النهوض باجملتمعات‪،‬‬
‫األمر‪ ،‬ثم بالفناء والدثور‪ ،‬يف آخر األمر‪.‬‬ ‫وأخطر التحديات اليت تواجه الرأمسالية‪ ،‬البيئة والقوانني‬
‫املنظمة والقيم‪ .‬وركز الفصل الثامن على "احلرية الفردية‬
‫( ‪ )1‬أمارتيا كومار سن حاصل على وسام رفقاء الشرف‪ ،‬هو اقتصادي‬ ‫التزام اجتماعي"‪ ،‬فوقف عند‪ :‬الواجب واملسئولية جتاه تغيري‬
‫هندي‪ ،‬درّس وعمل منذ عام ‪ 1972‬يف اململكة املتحدة والواليات املتحدة ‪.‬‬ ‫العامل وتطويره‪ ،‬ورأس املال البشري والقدرة البشرية كتعبري‬
‫عن احلرية‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬حممود حممد طه مفكر ومؤلف وسياسي سوداني‪ .‬أسس مع‬
‫آخرين احلزب اجلمهوري السوداني عام ‪1945‬م كحزب سياسي يدعو‬ ‫وخلص الكتاب يف خامتته إىل أن سن انطلق يف رؤيته جتاه‬
‫إلستقالل السودان والنظام اجلمهوري وبعد اعتكاف طويل خرج منه يف‬ ‫التنمية من ختصصه العلمي وخربته اليت متتد إىل أكثر من‬
‫أكتوبر ‪ 1951‬أعلن جمموعة من األفكار الدينية والسياسية مسى‬
‫ستة عقود‪ ،‬كما وصف نفسه يف كتابه‪ ،‬قائالً‪As a " :‬‬
‫جمموعها بالفكرة اجلمهورية‪.‬‬
‫‪( "nonreligious person‬أي ال ديين) ‪ ،‬بينما انطلق طه يف‬
‫رؤيته من مرجعية الفهم اجلديد لإلسالم‪ ،‬وهي القرآن يف‬

‫‪ 80‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫اللهجة التهامية‬
‫في مصادر اللغة العربية‬
‫ً‬
‫القرآن الكريم أنموذجا‬
‫علي مغربي األهدل‬

‫باحث و كاتب ‪ .‬اليمن‬

‫دراسة مكونة من ‪ 99‬صفحة ترتاوح عدد كلماتها ‪ 26‬ألف كلمة بعنوان " اللهجة التهامية يف القرآن الكريم " ‪،‬‬ ‫من‬
‫وقد مثل االنتهاء منها املطاف األخري ملا بذل من جهد عميق ‪ ،‬وتتبع ـ ممتع ـ ملفردات البيئة التهامية اليت وردت يف القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬وختتص بها منطقة تهامة وذلك باستعماهلا يف لغة احلياة اليومية إما على اجلذر املعجمي و ما يتصرف منه‬
‫أحيانًا ‪ ،‬أو من خالل التفرد باملعنى احلسي األصل هلذه املفردة أو تلك ‪.‬‬
‫يف اللهجة التهامية إىل كاف يف (أيكة)‬ ‫كذا فيقال أبى " ‪ ،‬و ال يستعمل أي لفظ‬ ‫والدراسة هي خالصة لفكرة ومشروع‬
‫يف الفصحى ‪.‬‬ ‫غريه للتعبري عن معنى الرفض و الكره و‬ ‫حبثي بدأته منذ العام‪2007‬م ‪ ،‬نشرت‬

‫و تعين كلمة هيجة يف هلجة تهامة‬ ‫االمتناع ‪.‬‬ ‫بعض املفردات منه يف بعض الصحف‬
‫الشجر الكثري امللتف املتداخل ‪ ،‬هذا‬ ‫‪ -‬أيك ‪ :‬أيكة مبعنى الشجر الكثري‬ ‫آنذاك بهدف توثيق فكرة الدراسة و‬

‫املعنى إضافةً إىل التحوالت املرصودة‬ ‫امللتف ‪.‬‬ ‫أسبقيتها كمشروع مت التوسع فيه‬

‫لصوت اجليم إىل كاف كما أشرنا‬ ‫الحقًا ‪ ،‬و قد مت تتبع وحصر أكثر من (‬
‫قال تعاىل " وأصحاب األيكة وقوم تبع‬
‫تؤكد أن االسم بصيغة ( هيجة) هو‬ ‫‪ )130‬مفردة تضمنتها الدراسة ‪ ،‬وحتتل‬
‫كل كذب الرسل فحق وعيد " [ اآلية ‪14‬‬
‫الصيغة اللفظية األقدم ‪ ،‬أي أن اللفظ‬ ‫هذه املفردات اليت مت تتبعها املبحث‬
‫من سورة ق] " واألَيْكُ الشجر الكثري‬
‫حصل له تطور صوتي عند دخوله‬ ‫الثالث من الدراسة املعززة بالعديد من‬
‫امللتف الواحدة أيكة " ‪ ، 59‬تنطق يف تهامة‬
‫املستوى الفصيح لتصبح هيجة = أيكة يف‬ ‫املصادر واملراجع إلحالة القارئ ‪.‬‬
‫(هيجة) بإبدال اهلمزة هاءً لقرب املخرج‬
‫النطق دون أن يتغري املعنى ‪.‬‬ ‫‪ ،‬وذلك جنده يف مثل أراق املاء ‪ ،‬وهراقه‬ ‫خنتار منها هذه املفردات ‪:‬‬
‫‪ -‬بتك ‪ :‬مبعنى قطع وعدم انتفاع ‪.‬‬ ‫لقرب املخرج فهذه األصوات تتبادل‬ ‫‪ -‬أبى ‪ :‬مبعنى امتنع و كره ‪.‬‬

‫قال تعاىل " و ألمرنهم فليبتكن آذان‬ ‫املواقع فيما بينها ‪ ،‬أما التبادل بني اجليم‬ ‫ورد يف قوله تعاىل " وإذ قلنا للمالئكة‬
‫األنعام " [ اآلية ‪ 119‬من سورة النساء] أي‬ ‫والكاف فأغلب الدراسات احلديثة تذهب‬ ‫اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس أبى‬
‫يقطعون آذان األنعام فال ينتفع بها ‪ ،‬و يف‬ ‫إىل أن اجليم املفردة ( ‪ ) g‬هي األصل يف‬ ‫واستكرب وكان من الكافرين "‪[ ،‬آلية ‪43‬‬
‫اللغة " البتك القطع " ‪ ، 61‬و اللفظ من‬ ‫اللغة العربية كما هو احلال يف اللغات‬ ‫من سورة البقرة] ‪ ،‬ويف اللغة "اإلباءُ‬
‫املفردات ذات اخلصوصية التهامية حيث‬ ‫السامية األخرى ‪ ،‬وقد سجلت يف اللغات‬ ‫بالكسر واملد مصدر قولك أبى يأبى‬
‫ال تستعمل خارج لغة القرآن واملعاجم إال‬ ‫السامية بعض التحوالت الطارئة لصوت‬ ‫بالفتح فيهما مع خلوه من حروف احللق‬
‫يف اللهجة التهامية ‪ ،‬يقال " فالن بتك‬ ‫اجليم املفردة ‪ ،‬حيث حتولت اجليم إىل‬ ‫و هو شاذ أي امتنع فهو آبٍ و أبِيٌّ و أبَيَانُ‬
‫يد فالن " أي كسرها ‪ ،‬والبتك يف معناه‬ ‫كاف كما يف العربية (نسج) حيث‬ ‫بفتح الباء و تأبّى عليه امتنع " ‪، 56‬‬
‫الداللي أقرب إىل الكسر يف املعنى منه‬ ‫حتول اجليم إىل كاف ‪ ، 60‬وهو نفس‬ ‫يستعمل اللفظ يف اللهجة التهامية بهذه‬
‫إىل القطع ‪ ،‬ألن القطع يعين الفصل بني‬ ‫الذي نلحظه يف حتول اجليم يف ( هيجة)‬ ‫الصيغة ليدل على معنى االمتناع‬
‫جزئي الشيء املقطوع بينما بتك الشيء‬ ‫والرفض ‪ ،‬يقال مثال‪ " :‬هل فعل فالن‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪81‬‬
‫فاملقام وهو مقام تكريم ‪ ، 65‬ومل يكن‬ ‫انبجش ‪ ،‬جبس ‪ ،‬انبجس كما يف اللغة‬ ‫كسره دون انفصاله عن املكان الذي مت‬
‫ليناسبه لفظ (فانبجست) الوارد يف سورة‬ ‫ظهر و انفتح أو بداية ظهور الشيء ‪،‬‬ ‫وقوع الكسر فيه ‪ ،‬ككسر عظم اليد أو‬
‫األعراف الدال على بداية ظهور املاء‬ ‫وليس االنفجار كمعنى داللي للفظ ‪،‬‬ ‫الرجل حبيث تظل يف اجللد تسمى يف‬
‫وضعف تدفقه ألن قومه طلبوا السقيا‬ ‫وذلك أن القرآن دقيق يف اختيار األلفاظ‬ ‫تهامة بتك بفتح الباء وضمه ‪.‬‬
‫منه ‪ ،‬وطلبهم السقيا كان من موسى‬ ‫‪ ،‬فكل لفظ له داللة خاصة ال ميكن أن‬ ‫‪ -‬جبس ‪ :‬انفتح وظهر ‪.‬‬
‫ابتداء فناسبه اللفظ الدال على بداية‬ ‫يؤديها غريه إذا وضع يف مكانه ‪ ،‬و أن لفظًا‬
‫قال تعاىل " وأوحينا إىل موسى إذ‬
‫ظهور املاء وليس تدفقه ‪.‬‬ ‫آخر ال يستطيع أداء املعنى الذي وفى به‬
‫استسقاه قومه أن اضرب بعصاك احلجر‬
‫‪ -‬بطش ‪ :‬مبعنى األخذ بعنف وشدة ‪.‬‬ ‫ذلك اللفظ ‪ ،‬وهذا ينفي الرتادف يف‬
‫فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا قد علم‬
‫القرآن الكريم ‪ ، 64‬و لعل ما يؤكد أن‬
‫ورد هذا اللفظ وما يتصرف منه يف مثان‬ ‫كل أناس مشربهم " [ اآلية ‪ 160‬من سورة‬
‫معنى (جبس) الداللي غري معنى (فجر)‬
‫سور من سور القرآن الكريم بصيغة (‬ ‫األعراف] أي انفجرت منها اثنتا عشرة‬
‫هو القرآن نفسه يف آية أخرى يف قوله‬
‫بطش ‪ ،‬يبطش ‪ ،‬نبطش ‪ ،‬يبطشون ‪،‬‬ ‫عينًا كما ذهب املفسرون ‪ ،‬ويف اللغة "‬
‫تعاىل " وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا‬
‫تبطشون ‪ ،‬بطشا ‪ ،‬البطشة ‪ ،‬بطشتنا ) ‪،‬‬ ‫بَجَسَ املاء فانْبَجَسَ أي فجره فانفجر "‬
‫اضرب بعصاك احلجر فانفجرت منه‬
‫وكلها مبعنى األخذ بعنف وشدة منها‬ ‫‪ ، 62‬الباء واجليم أصل ثنائي حيمل يف‬
‫اثنتا عشرة عينًا " البقرة‪ :‬اآلية ‪ ، 60‬وهنا‬
‫قوله تعاىل " إن بطش ربك لشديد " [‬ ‫معناه الداللي اجملرد ‪ ،‬و ذلك يف كل‬
‫نالحظ التعبري جاء باستعمال كلمة (‬
‫اآلية ‪ 12‬من سورة الربوج] اي إن أخذ‬ ‫األلفاظ اليت يدخل فيها أصال معنى‬
‫انفجرت) بينما يف ‪ 160‬من سورة األعراف‬
‫ربك واملراد للجبابرة والظلمة ‪" ،‬‬ ‫املالحظ أن‬ ‫التفتح والظهور ‪، 63‬‬
‫استعمل كلمة ( انبجست) على الرغم‬
‫والبَطْش‪ :‬التناول بشدة عند الصَّوْلة‬ ‫استعمال هذه املفردة يف لغة الكتابة‬
‫من أن احلادثة واحدة ‪ ،‬إن الفعلني و إن‬
‫واألَخذُ الشديدُ يف كل شيء بطشٌ؛‬ ‫القرآني‬ ‫السياق‬ ‫خارج‬ ‫والتأليف‬
‫تقاربا يف املعنى فليسا سواء ‪ ،‬وهلذا جند‬
‫بَطَشَ يَبْطُش ويَبْطِش بَطْشاً‪ .‬ويف‬ ‫واملعجمي نادر جدًا لفظًا ومعنى فهي‬
‫أن القرآن يفرق تفريقًا دقيقًا بني‬
‫احلديث‪ :‬فإِذا موسى باطِشٌ جبانب‬ ‫تكاد تكون من األلفاظ املهجورة أو نادرت‬
‫اللفظني ‪ ،‬ويضع كل لفظ يف السياق‬
‫العرش أَي متعلق به بقوَّة‪ .‬والبَطْشُ‪:‬‬ ‫االستعمال يف اللغة ‪ ،‬فلم أقف مثال على‬
‫الذي يناسبه ‪ ،‬إذ يدل السياق يف سورة‬
‫األَخذ القويّ الشديد " ‪ ، 68‬هذه املفردة‬ ‫مجلة " جبس فالن كذا " مبعنى فجر ‪،‬‬
‫األعراف أن الطلب الواقع هو طلب بين‬
‫من املفردات ذات اخلصوصية التهامية يف‬ ‫أو انبجس مبعنى انفجر ‪ ،‬و بالعودة إىل‬
‫إسرائيل السقيا من موسى " وأوحينا إىل‬
‫االستعمال اللغوي يف لغة احلياة اليومية‬ ‫اللهجة التهامية باعتبار أن الكثري من‬
‫موسى إذ استسقاه قومه " ‪ ،‬أي أنهم‬
‫ويدل يف معناه اللهجوي على أخذ شيء‬ ‫مفرداتها هي إما فصيحة أو متثل صورة‬
‫طلبوا منه السقيا فقوبل طلبهم‬
‫بقوة وشدة وبشكل مباغت ال يتيح لآلخر‬ ‫لغوية من صور ومراحل ما قبل التفصح‬
‫باإلنبجاس وهو بداية ظهور املاء من شق‬
‫إبداء أي متسك بالشيء املراد بطشة أو‬ ‫يف العربية األقدم ‪ ،‬وجدنا أن هناك مفردة‬
‫ضيق أو احلصول عليه ضعيفًا رغم‬
‫املقاومة كأن خيطف شخص من يدك أو‬ ‫نذهب إىل أنها األصل اللفظي والداللي‬
‫ظهوره ‪ ،‬بينما يف سورة البقرة كان‬
‫جيبك قلما بشكل سريع ومباغت ‪ ،‬وهذا‬ ‫لكلمة (جبس) وهي كلمة (جبش)‬
‫الطلب هو طلب موسى من ربه " وإذ‬
‫هو املعنى احلسي لكلمة بطش ‪ ،‬وحماولة‬ ‫بإبدال السني شينًا ‪ ،‬حيث هذه الكلمة يف‬
‫استسقى موسى لقومه " ‪ ،‬أي أن طلب‬
‫اسرتجاع ذلك الشيء املأخوذ من خالل‬ ‫اللهجة معنى ظهور شيء من داخل من‬
‫موسى السقيا جاء بعد طلب قومه‬
‫حتريك اليدين باجتاه الباطش تسمى‬ ‫خالل البحث عنه وحماولة إخراجه يقال‬
‫السقيا منه فكان طلبه غاية لطلب قومه‬
‫مباطشة ‪.‬‬ ‫" جبش بعد الشيء الفالني يف كذا كذا‬
‫‪ ،‬و واقع بعده ومباشر منه إىل اهلل ‪،‬‬
‫" ‪ ،‬أي احبث عنه وحاول إظهاره وإخراجه‬
‫فناسبه لفظ (فانفجرت) حيث قوبل‬
‫من بني ذلك الشيء الذي عادةً ما يسمى‬
‫الطلب باالنفجار الذي يدل على تدفق‬
‫" جبش" ‪ ،‬و هنا يكون معنى جبش ‪،‬‬
‫املاء بغزارة وكثرة إكرامًا ملقام موسى ‪،‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪82‬‬


‫الزرع وجين احملصول ‪ ،‬هلذا حيرص‬ ‫"حرد فالن على فالن بكل صوته حتى‬ ‫‪ -‬حرد ‪ :‬منع يف حدة وغضب ‪.‬‬
‫الفقراء على املشاركة يف عملية الصرام‬ ‫فجعه" ‪ ،‬و ال يكون احلرد إال عند اقرتاب‬ ‫قال تعاىل " وغدو على حرد قادرين " [‬
‫هذه للحصول على رزقهم ‪ ،‬وهنا نالحظ‬ ‫الشخص من الشيء ‪ ،‬و هو إجراء ال ينتج‬ ‫اآلية ‪ 25‬من سورة القلم] أي على تنفيذ‬
‫أن اآل يات يف القصة حددت الوقت " إذ‬ ‫عنه غري االبتعاد القصري عن الشيء ‪،‬‬ ‫قصدهم حيث ذهب املفسرون وأصحاب‬
‫" عند‬ ‫أقسموا ليصرمنها مصبحني‬ ‫هذا هو املعنى الداللي احلسي للفظ "‬ ‫املعاجم أن " احلَرْدُ‪ :‬اجلِد والقصد‪ .‬حَرَدَ‬
‫الصباح " أن اغدوا " ‪ " ،‬فتنادوا مصبحني‬ ‫حرد" ‪ ،‬يف اللهجة التهامية اليت نرى أنها‬ ‫يَحْرِد‪ ،‬بالكسر‪ ، ،‬واحلَرْدُ‪ :‬املنع‪ ،‬وقد‬
‫" ‪ ،‬كما استعمل القرآن مفردة مينية‬ ‫مفردة مينية احتفظت بها البيئة‬ ‫فسرت اآلية على هذا‪ ....‬واحلَرْدُ الغيظ‬
‫أخرى خاصة بالزراعة " الصريم ‪،‬‬ ‫التهامية ‪ ،‬حيث ال تزال مستعملة فيها‬ ‫والغضب‪ ،‬قال‪ :‬وجيوز أَن يكون هذا كله‬
‫صارمني " ‪ ،‬وألنهم بيتوا النية املتمثلة يف‬ ‫بهذه الصيغة والداللة إىل اليوم ؛ و ما‬ ‫معنى قوله‪ :‬وغدوا على حرد قادرين؛ قال‪:‬‬
‫حرمان املساكني من املشاركة "‬ ‫يؤكد أن هذا املعنى الداللي هو املعنى‬ ‫وروي يف بعض التفسري أَن قريتهم كان‬
‫فانطلقوا وهم يتخافتون " بدون جلبة أو‬ ‫الذي قصده التنزيل احلكيم يف معرض‬ ‫امسها حَرْدَ؛ وقال الفراء‪ :‬وغدوا على‬
‫ضوضاء كما هو املعتاد يف هذه العملية‬ ‫احلديث عن قصة أصحاب اجلنة ‪ ،‬وهو‬ ‫ٍّ وقُدْرة يف أَنفسهم‪.‬‬
‫حرد‪ ،‬يريد على حَد‬
‫يف العرف الزراعي ‪ ،‬ومنع أي شخص من‬ ‫املعنى الذي أهمله اللغويون بسبب‬ ‫وتقول للرجل‪ :‬قد أَقبلتُ قِبَلَكَ وقصدت‬
‫املشاركة يكون خالل هذه األثناء ‪ ،‬لكن‬ ‫جهلهم الدقيق باللهجات العربية ‪ ، 79‬هو‬ ‫قصدك وحَرَ ْدتُ حَرْدَكَ؛ قال وأَنشدت‪:‬‬
‫هذا اإلجراء جتاوزه أصحاب القصة من‬ ‫أنه إىل جانب احتفاظ اللهجة التهامية‬ ‫وجاء سيْل كان من أَمر آهللْ‪ ،‬يَحْرِدُ حَرْدَ‬
‫خالل التخافت ‪ ،‬ومل يبقَ أمامهم يف حال‬ ‫اجلَنَّةِ املُغِلَّهْ يريد‪ :‬يقصد قصدها‪ .‬قال‬
‫حلق بهم الفقراء إال الزجر بقوة وعنف‬ ‫وقال غريه‪ :‬وغدوا على حرد قادرين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(احلرد) ‪ " ،‬فغدوا على حرد قادرين " ‪ ،‬من‬ ‫منعوا وهم قادرون أَي واجدون‪ ،‬نصب‬
‫خالل ذلك الصوت العنيف الذي ال‬ ‫قادرين على احلال‪ .‬وقال األَزهري يف‬
‫جمال ألمل املشاركة أو االقرتاب بعد‬ ‫كتاب الليث‪ :‬وغدوا على حرد‪ ،‬قال‪ :‬على‬
‫صدوره ‪ ،‬ويعترب هذا الصوت احلرد‬ ‫جدّ من أَمرهم‪ ،‬قال‪ :‬و هكذا وجدته‬
‫(احملاردة) ‪ ،‬بصيغة اجلمع هلجة ‪ ،‬آخر‬ ‫ٍّ أَي على منع "‬
‫مقيداً و الصواب على حَد‬
‫إجراء ملنع الشخص من االقرتاب ‪ ،‬و هو‬ ‫‪ 78‬؛ املالحظ أن معنى حرد عند املفسرين‬
‫باللفظ واستعماله يف لغة احلياة ‪ ،‬جند‬
‫أيضا مبثابة تهديد وحتميل الشخص‬ ‫و أصحاب املعاجم ‪ ،‬مت استنباطه من‬
‫أن اآليات الواردة حول القصة تتحدث عن‬
‫مسئولية نفسه يف حال أي جتاوز ‪ ،‬وهلذا‬ ‫العام لسياق اآلية ‪ ،‬وليس من املعنى‬
‫بيئة زراعية ‪ ،‬وتصور مشهدا من مشاهد‬
‫تطور املعنى حاليا ليطلق على عملية‬ ‫الداللي الدقيق للفظ أو املعنى احلسي‬
‫موسم احلصاد وجين احملاصيل( الصريم‬
‫سحب السالح بإلقامه الرصاصة و‬ ‫األصل الذي اشتق اللفظ من أجله‬
‫‪ ،‬الصريب ‪ ،‬الصراب) ‪ ،‬بإبدال الباء ميما‬
‫وضعها يف غرفة االنفجار فيقال " حرد‬ ‫واستعمله القرآن وإن اقرتبوا منه ‪ ،‬حيث‬
‫‪ ،‬وهو ما عرفت به اليمن كمنطقة‬
‫عليه السالح " مبعنى زجره و استعد‬ ‫يدور املعنى لديهم حول القصد ‪ ،‬اجلد ‪،‬‬
‫زراعية بعكس مشال اجلزيرة ‪ ،‬لذلك‬
‫لقتله ‪.‬‬ ‫املنع ‪ ،‬الغيظ ‪ ،‬الغضب ‪ ،‬غري أننا بالعودة‬
‫ذهب الكثري من املفسرين أن القصة‬
‫من خالل ما سبق نستنتج أن احلرد ‪،‬‬ ‫حدثت باليمن ‪ ، 73‬ففي موسم الصرام ‪،‬‬ ‫إىل اللهجة التهامية نستطيع اإلمساك‬
‫حرد و إن كانت تتضمن الغضب و املنع‬ ‫الصريم ‪ ،‬الصراب أو الصريب يف‬ ‫باجلذر الداللي احلسي الدقيق الذي هو‬
‫إال أنها من الناحية الداللية الدقيقة‬ ‫اللهجات اليمنية موسم قطع السنابل ‪،‬‬ ‫حمل الداللة املركزية للفظ ‪ ،‬فاحلرد‬
‫متثل آخر إجراء للزجر واملنع من‬ ‫غالبا ما تتم العملية يف الصباح الباكر‬ ‫يف اللهجة هو زجر بغضب يوجه ضد‬
‫االقرتاب من شيء من خالل ذلك‬ ‫جدا ‪ ،‬و عندما خيرج صاحب األرض املراد‬ ‫شخص ما ‪ ،‬يُعربُ عنه بإصدار صوت‬
‫الصوت العنيف املفزع الذي يطلقه‬ ‫صرامها حتدث جلبة و أصوات مناداة‬ ‫عنيف وحاد بهدف منع ذلك الشخص‬
‫شخص على آخر بهدف ابعاده عن شيء ‪.‬‬ ‫للفقراء و من يعملون يف قطع سنابل‬ ‫من االقرتاب من شيء ‪ ،‬لذلك يقال‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪83‬‬
‫سيرة وطن‪ ،‬ومحاكمة زمن تعميم الفقر والقهر‬
‫في رواية " أين أبي "‬
‫للروائية جهاد الجفري‬
‫محمد الغربي عمران‬

‫روائي و قاص ‪ .‬اليمن‬

‫ضم إصدار األديبة جهاد اجلفري‪" ،‬أين أبي؟" الصادر عن مؤسسة بتانة ‪ 2019‬بالقاهرة‪ .‬ما يقارب املائتني صفحة‪ ،‬وزعت‬
‫على ‪ 34‬فصل بعناوين خمتلفة ؛ على غالف اإلصدار جنّست الكاتبة عملها بـ "الرواية" وعلى الصفحة الداخلية أضافت‬
‫إىل جتنيس الرواية "لوحات سردية"‪ .‬الشيء الذي يذكرنا بإصدار لألديب املصري عبدالفتاح صربي ‪ ،‬عنوانه "دخول"‬
‫مضيفا حتت العنوان "لوحات روائية"‪.‬‬

‫ويف كال العملني جند سردا حقيقيا‪ ،‬وما يهمنا هنا هو املضمون‪.‬‬
‫وباملقارنة بني صربي‬
‫وجهاد جند أن اصدار‬
‫صربي ضم جمموعة‬
‫قصص قصرية ميكن أن‬
‫يقرأ كل نص كنص‬
‫مكتمل‪ ،‬ومن ناحية أخرى ميكن قراءتها ضمن متتالية سردية‪،‬‬
‫الشرتاكها يف أكثر من عنصر موضوعي وفين‪.‬‬

‫يف حالة "جهاد" وما تضمنه املنت هو من فن السرية‪ ،‬إذ ضم العمل‬


‫‪ 34‬فصل‪ ،‬متصلة ببعضها من خالل سرية نفس الشخصيات‪،‬‬
‫وكذلك حتمل قضية اختطاف رب األسرة‪ .‬ميكن أن نقول‪ ،‬أنها‬
‫سرية خيالطها اخليال‪ .‬أي مبعنى سرية روائية‪ ،‬أي أخذت من‬
‫اخليال ما حيسب لفن الروائية‪ ،‬ومن الواقع ما حيسب على فن‬
‫ضمن لوحات سردية متجانسة‪ ،‬يف سياقات مشوقة‪ ،‬وإن غلب على‬ ‫السرية‪ ،‬وهو ما يتضح من خالل األمساء ألفراد أسرة حقيقة‪،‬‬
‫تلك الشخصيات التسطيح‪ .‬إذ أن الكاتبة مل تأتي بأي شخصية‬ ‫وأمكنة ووقائع حقيقية‪.‬‬
‫مركبة‪ ،‬فمن بدأ طيبا أو طيبة انتهى أو انتهت كما بدأ أو بدأت‪،‬‬
‫نبتعد عن التجنيس إىل أن نعرج على العمل موضوعيا وفنيا‪ .‬إذ‬
‫ومن بدأ شريرا أنتهى شريرا‪ ،‬ظلت تلك الشخصيات مبيزاتها‬
‫جتلت قدرة الكاتبة على حكي أحداث متسلسلة وذات صلة من‬
‫إىل آخر فصل إال من تغري طفيف يف بعضها‪ .‬وما جاء يف مسات‬
‫بداية العمل حتى آخر كلمة‪ ،‬سبك تلك األحداث بشخصياتها‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪84‬‬
‫االبن خوفا خارج الوطن‪ ،‬ويظل أفراد األسرة يتمسكون خبيوط‬
‫أمل واه‪ .‬تأتيهم األخبار بني فينة وآخر عن وجود األب هنا أو‬
‫هناك‪ .‬لكن احلقيقة املرة تأتي يف نهاية هذا العمل امللحمي ‪" :‬مل‬
‫يطلقوا عليه الرصاص‪ ،‬لكنهم رموه‪ ،‬رموه من فوق عمارة يف‬
‫املعال‪ ."...‬لتدرك جهاد أنها وأمها وأخوتها كانوا يعيشون كل‬
‫تلك السنوات على أمل أن يعود ربان أسرتهم‪ ،‬بينما كان قد‬
‫صفي بعد اختطافه مباشرة‪ ،‬أو بسنوات‪.‬‬
‫الشخصيات قد تكون لطبيعة سرد السرية وحساسية ذكر ما‬
‫ليست هذه سرية شهيد‪ ،‬أو حكاية أسرة‪ ،‬إمنا هي سرية لوطن‬ ‫ينايف كونها تتحدث عن أسرة هي الشخصية الرئيسية والرواية‪،‬‬
‫متخم باملرارة واألمل‪ ،‬وطن عاش على زيف الشعارات أحلك‬ ‫وإن نافسها األب حبضوره القوي رغم غيابه‪ ،‬ثم األم حتى وفاتها‪.‬‬
‫سنواته بعد احتالل بريطاني كان أمجل ما فيه احلرية والتطور‬
‫هناك الكثري من السري اليت تتسم بالتقريرية‪ ،‬خاصة تلك السري‬
‫واملساواة والعدالة‪ ،‬اليت أفتقدها الشعب يف عصر من أدعوا‬
‫اليت يعتمد كاتبها أو كاتبتها على الوقائع دون إضافة أو‬
‫االشرتاكية زيفا‪ ،‬وبدال من لعن فرتة االستعمار صار الشعب‬
‫جتميل‪ .‬كونه يرصد حياة بسلبيتها و إجيابيتها‪ ،‬بهفواتها‬
‫يلعن عصابات حكمت باحلديد والنار‪ ،‬وتعميم الفقر إال منهم‪،‬‬
‫وصوابها‪ ،‬دون االنتصار أو امليل أو ذكر مامل حيدث أو خيفي ما‬
‫حني تفضحهم ختمة األموال بعد فرارهم‪ ،‬وفرارهم وأسرهم‬
‫قد حدث‪ .‬متتبعا حياة تلك الشخصيات دون املروق عن مساقها‪.‬‬
‫لينعموا حبياة املليونريات‪.‬‬
‫املكان يف هذا العمل مل يكن حمدودا‪ ،‬فقد جسدت الكاتبة‬
‫الكاتبة نسجت سرية أفراد أسرتها خبيوط من ضوء‪ ،‬لتضيف‬
‫تفاصيل دقيقة ألحياء عدن وأسواقها وشوارعها وميادينها‪،‬‬
‫بتوثيق مأساة والدها الكثري من الضوء على آالف دفنوا أحياء‬
‫لتظهر املدينة كعنقود ملدن تتكون منها املدينة‪ ،‬كذلك سلطت‬
‫وشردوا يف جزر نائية‪ ،‬بعد أن حوهلا النظام إىل سجون ومنايف‬
‫الضوء على نسيجها االجتماعي املتسامح واملتعاون‪ .‬فضاء مكاني‬
‫مفتوحة‪ ،‬يعيش املنفيون يف العراء حتى املوت‪.‬‬
‫أثثته مبشاعر دافئة‪ ،‬وحنني حنو األمان املفقود‪ ،‬إذ جتلى بذلك‬
‫قد خنتلف يف جتنيس هذا العمل‪ ،‬لكننا نتفق على أنه ملحمة‬ ‫املزيج املتعايش‪ ،‬وكأنها ليست إال لوحة ضمت الوانا من بشر‬
‫أمل وإن خاب‪ ،‬وثيقة جترم وحوش بشرية أدعوا العدالة والسالم‬ ‫أتوا من أصقاع األرض‪ ،‬يعيشون يف تناغم مجيل‪ .‬وكذلك‬
‫والعلم‪ ،‬بينما عملوا على نشر اخلوف والرعب واملناطقية اليت‬ ‫صنعاء بشوارعها وأحيائها‪ ،‬إىل أحناء بقاع من الوطن حتى‬
‫جتلت يف أحداث عدن ‪ ، 1986‬حني كانت قوى مناطق معينه‬ ‫سو قطرة‪ .‬يقابله ذلك القبح الال إنساني‪ ،‬من مالحقات وخطف‬
‫تصفي أبناء مناطق بالبطاقة‪ .‬لتتجلى خيبة وصدمة كبرية‬ ‫وتعذيب لكل من خيالف احلزب‪.‬‬
‫كانت نهاية عشرات األالف قتال دون حماكم‪ ،‬أو تشريد اآلالف‬
‫ما يذكرنا برواية أمحد زين "فاكهة للغربان" ذلك العمل الذي‬
‫من منازهلم وقراهم‪ .‬وهكذا كان يف مشال اليمن وال يزال‪ ،‬وكأن‬
‫عرى النظام االشرتاكي يف عدن‪ ،‬وصورهم كعصابات ال يهمهم‬
‫هذا الوطن كتبت أقداره مع عصابات ذات إيديولوجيات ضد‬
‫احلفاظ على األعراض أو أموال اجملتمع‪ ،‬وال يتورعون عن سفك‬
‫طبيعة احلياة‪.‬‬
‫الدماء‪ .‬يأتي عمل جهاد أكثر تفصيال جلرائم باسم العدالة‬
‫هي حتية لعمل سردي مدهش ولشجاعة كاتبة ترفض لي عنق‬ ‫واملساواة‪ .‬نواة املأساة أب خيالفهم الرأي‪ ،‬يُختطف‪ ،‬وخيفى ليفر‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪85‬‬


‫قراءة نقدية‬
‫في ديوان‬
‫(أراني أعصر ضوءا) نموذجا‬
‫للشاعرة السودانية فاطمة عبد اللطيف‬
‫نجالء فاضل‬

‫قاصة و ناقدة ‪ .‬مينية‬

‫وتوظيف الرمز الديين يف ديوانها (أراني‬ ‫عرّف أدونيس الرمز بأنه " اللغة اليت تبدأ‬
‫أعصر ضوءاً)‬ ‫حني تنتهي لغة القصيدة اليت تتكوّن يف‬
‫وشاعرتنا فاطمة عبد اللطيف حممد‬ ‫وعيك بعد قراءة القصيدة‪ ،‬إنه الربق‬

‫اخلري هي شاعرة سودانية من مدينة‬ ‫الذي يتيح للوعي أن يستشف عاملاً ال‬

‫كسال‪ ،‬حاصلة على شهادة البكالوريوس‬ ‫حدود له"‪.‬‬

‫يف اإلعالم والعالقات العامة‪ ،‬عضو‬ ‫والرمز يف الشعر العربي يشكّل عنصرا‬
‫االحتاد العام لألدباء السودانيني‪ ،‬صدر‬ ‫من عناصر التعبري‪ ،‬اليت ال تواجه الفكرة‬
‫هلا ديوانان هما (أفقٌ وأجنحةُ قصرية)‪،‬‬ ‫مباشرة‪ ،‬وإمنا ختاطبها من وراء حجاب‪،‬‬
‫(أراني أعصرُ ضوءاً) وهلا ديوانان حتت‬ ‫فهو وسيلة حلمل الرؤى واألفكار‪،‬‬
‫وبدءاً من عنوان الديوان املقتبس من آية‬ ‫العطر)‪،‬‬ ‫(سيماؤه‬ ‫بعنوان‬ ‫الطبع‬ ‫وللتعبري عن خلجات النفس‪ ،‬حيث أن‬
‫قرآنية كرمية يف قصة سيدنا يوسف‬ ‫(أوركسرتا النار)‪.‬‬ ‫الرمز هو واسطة التعبري اليت تُخرج‬
‫عليه السالم (ودخل معه السجن فتيان‬ ‫الشاعر من صندوق التقليد إىل رحاب‬
‫وقد صدر ديوانها (أراني أعصر ضوءاً) يف‬
‫قال أحدهما إني أراني أعصر مخرا) جند‬ ‫احلرية اليت يستطيع من خالهلا‬
‫العام ‪ 2021‬عن دائرة الثقافة حبكومة‬
‫أن الشاعرة استلهمت الكثري من األفكار‬ ‫الوصول إىل فضاء التعبري العظيم‪.‬‬
‫الشارقة يف اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬
‫فيه من الثقافة الدينية وحتديدا من‬
‫نقصد بالرمز الديين األمساء واألماكن‬ ‫وقد استخدم الشعراء أمناطا خمتلفة‬
‫النصوص القرآنية فوظفت الشاعرة‬
‫واألحداث اإلسالمية اليت يستثمرها‬ ‫للرموز‪ ،‬ووظفوها يف أشعارهم ألغراض‬
‫الرموز املستقاة من شخصيات األنبياء‬
‫الشاعر يف النص الشعري‪ ،‬وهلا دالالتها‬ ‫خمتلفة‪ ،‬ومن هذه الرموز‪ :‬الرمز‬
‫عليهم السالم‪ ،‬وأقامت روابط وثيقة بني‬
‫الرتاثية‪ ،‬وحمملة حبموالت تارخيية‬ ‫التارخيي‪ ،‬والرمز األسطوري‪ ،‬والرمز‬
‫جتربتها وجتاربهم‪.‬‬
‫معينة‪ ،‬لتوظف يف مواقف معينة‬ ‫الديين والذي سنتناوله يف قراءتنا هذه‬
‫لتكتسب دالالت جديدة‪.‬‬ ‫عن الشاعرة فاطمة عبد اللطيف‬

‫‪ 86‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫تكتسب الرموز التارخيية والدينية‬
‫واألسطورية أهمية خاصة ملا يرتبط بها‬
‫من أحداث مهمة ومواقف معهودة حبيث‬
‫أصبح استدعاؤها أمراً يثري املضمون‬
‫الشعري‪ ،‬ويكشف الكثري من املعاني اليت‬
‫يصعب احلديث عنها بطريقة مباشرة‪.‬‬

‫تقول الشاعرة يف قصيدتها املعنونة ب‬


‫(لالئِك سطوة الالءات)‪:‬‬

‫فكيف أطيق إحساساً يتيماً‬


‫وكيف حصدتُ إخفاقي مرارا‬

‫بي اخلضر الذي ال أدعيه‬

‫أصختُ له وإن خرق اجلدارا‬

‫والشاعرة هنا توظف القصة القرآنية‬


‫املذكورة يف سورة الكهف عن جدار‬
‫اليتيمني الذي أقامه اخلضر وخرق‬
‫السفينة ونفاد صرب موسى يف تداخل‬
‫بديع حيفز ذهن القارئ الستحضار أبعاد‬
‫القصة ومعرفة ما يرمز إليه النص‪.‬‬

‫ثم تقول الشاعرة يف أبيات تالية‬


‫لسابقتها‪:‬‬

‫فكيف الصرب والطوفان آتٍ‬


‫وجنل القلب يعصيين جهارا‬

‫فرعون هذا احلب يركض الهثاً خلفي‬ ‫والرمز مبعطياته هو أفضل أدوات الشاعر‬ ‫معي لو كان قد يسطيع صرباً‬

‫وما لي عاصمٌ‬ ‫اللفظية يف حتقيق ما يصبو إليه يف هذا‬ ‫لكرست السنني له انتظارا‬
‫الشأن أو ذاك‪ ،‬لتضمنه ـ أي الرمزـ‬
‫مثل النيب ألعربك‬ ‫سفنيٌ دون أشرعةٍ سيمضي‬
‫التكثيف واالجياز والتلميح تارة‪ ،‬وتعدد‬
‫هاجرت من نفسي ألحبث‬ ‫دالالته ومعانيه ومراميه من سياق إىل‬ ‫وموجٌ كان ميتحن القصارا‬

‫عنك يف كل املدائن والقرى‬ ‫آخر تارة ثانية‪ ،‬وحتكم الشاعر يف بلورته‬ ‫إن سفينة نوح اليت ترمز إىل النجاة‬
‫كيفما يشاء تارة ثالثة‪.‬‬ ‫واخلروج من املأزق والكرب العظيم هي‬
‫فمتى سأمتلك العصا‬
‫ولنأخذ مثاالً على ذلك (عصا موسى)‬ ‫هنا سفني دون أشرعة ودون نوح يقود‬
‫حتى أهش تكربك؟‬ ‫دفتها‪ ،‬كما أن جنل القلب يف عصيانه‬
‫فقد تعددت دالالتها يف نصوص الشاعرة‬
‫فالعصا اليت قال موسى إنه يهش بها‬ ‫وحوّرت تلك املعاني بطريقةٍ أخاذةٍ‬ ‫كمثل ابن نوح الذي أبى وعصى أباه‬
‫على غنمه ستهش بها الشاعرة على تكرب‬ ‫فتقول يف قصيدتها (البوح واإلسفري)‪:‬‬ ‫فغرق مع الطوفان‪.‬‬
‫من ختاطبه يف أبياتها هذه‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪87‬‬


‫وهنا يتأتى الرمز الشعري من حصيلة‬ ‫ويظهر للعصا دور ثالث مستوحى أيضاً‬ ‫ثم تقول يف القصيدة ذاتها‪:‬‬
‫الرتاكم املعريف الذي خيتزنه الشاعر‬ ‫من قصة سيدنا موسى حني ضرب البحر‬ ‫آنستُ نوراً باهراً‬
‫طوال حياته املستمد من عامله مرتامي‬ ‫بعصاه فانشق البحر عن طريق يابس‬
‫فخلعتُ نعل تشككي‬
‫االفاق مساعا وبصرا وقراءة‪ ،‬ثم ان‬ ‫يعرب عليه موسى ومن معه‪ ،‬فالعصا هنا‬
‫الشاعر يعيد تشكيل ما اختزنه يف‬ ‫دليل جناة ورمز اخضرار الدروب‪.‬‬ ‫كيف اليقني وقد ملستُ‬
‫صياغة يودعها يف فضاء االبداع الشعري‬ ‫ومل تكن عصا موسى هي الرمز الوحيد‬ ‫على املكان جتبّرك‬
‫مع االفصاح من خالل ذلك عن‬ ‫الذي استوحته الشاعرة من قصة كليم‬ ‫عرشي بأفئدة الورى‬
‫أحاسيسه ومشاعره وعواطفه إزاء‬ ‫اهلل بل إنها عرّجت على الطور وخلع‬
‫التجارب واألحداث والوقائع مبعايري‬ ‫من فضل نعمة خالقي لكن‬
‫النعلني والوادي املقدس والسقيا‪:‬‬
‫اخليال‪.‬‬ ‫عصاك تلقّفت سحري‬
‫قد كان يف األخالق موسى آخراً‬
‫كما يبدو لنا ذلك يف قصيدتها‬ ‫فكيف سأسحرك‬
‫خلي ولكن لن يكون حمله‬
‫(التماسٌ يف بالط سليماني) إذ تقول‬ ‫وهنا العصا بيد املخاطب وقد اقتبست‬
‫الشاعرة‪:‬‬ ‫قد جاء يسأل والعدالةُ قصده‬
‫الشاعرة هلا دوراً آخراً مستوحى من قصة‬
‫ابق على عرش املودة آمرا بأصوهلا‬ ‫وكواكبُ األضواء ترفلُ حوله‬ ‫مواجهة موسى للسحرة ودور العصا يف‬
‫وابعث إىل سبأ الرجاء خطاب أمسى خلة‬ ‫ليذودَ عن شرف القصائدِ دونهم‬ ‫تلقف السحر وإبطاله ويشابهه قوهلا يف‬
‫قصيدتها (نيب احلرف اآلسر) إذ تقول يف‬
‫يأتيك بالنبأ املؤكد خري آت‬ ‫فسقى حرويف ثم عانق ظله‬
‫مطلعها‪:‬‬
‫تأتيك من سبأٍ مواكب هلفةٍ وهديةٌ‬ ‫والرمز وسيلة للتعبري يتمكّن الشاعر من‬
‫ألقيتُ سحر الشعر فخراً قَبلَه‬
‫خالله أن خيلق معانٍ جديدة ال تستطيع‬
‫يف طيها كل الوالء‬
‫اللغة العادية أن تأتي بها‪ ،‬إنَّ الرمز قادر‬ ‫ألقى عصا الكلمات أبطلَ فعله‬
‫وبعدها تأتيك كل البشريات‬ ‫على احتواء التجربة الشعرية اليت ميرّ‬ ‫ما السحر إال يف بليغ حديثه‬
‫وغالبا ما يبدو الرمز متفقا عليه يف‬ ‫بها املبدع واألديب‪ ،‬ويستطيع الوصول‬
‫كم من صحيحٍ باهلوى قد علَّه‬
‫الوعي اجلمعي بني الشاعر ومتلقيه‬ ‫إىل الالوعي عنده وتوليد الكثري من‬
‫وذلك‪ ،‬ما يبعد استغالقه أو غموضه من‬ ‫األفكار يف ذهن القارئ كلّما مر على‬ ‫ولكنها عصا الكلمات هنا‪ ،‬والسحر ليس‬

‫جهة وحتقيقه التنوير واملتعة والفائدة‬ ‫النص الوصول فتأمله مرة أخرى‪.‬‬ ‫حبياتٍ تسعى بل بشعر بليغ املعاني‪،‬‬
‫من جهة أخرى كما يف قصيدتها سالفة‬ ‫فيتجلى إبداع الشاعرة يف توظيف دالالت‬
‫يف قصيدتها (خطأٌ فين)‪:‬‬
‫الذكر (خطأ فين)‪:‬‬ ‫الرمز للتعبري عن املشاعر اإلنسانية‬
‫لك أرسلُ هدهد أحالمي‬ ‫بصورة فنية وإحيائية‪.‬‬
‫يغريين الضوء ولكين‬
‫يأتيك بأخبارٍ عين‬ ‫وال نزال مع عصا موسى حيث تقول يف‬
‫باذخة جدا يف حزني‬
‫ال جدوى إن جئت بعرشي‬ ‫قصيدتها (التماس يف بالط سليماني)‪:‬‬
‫فالدمعة ال تنضب حتى‬
‫أو متأل من تربك دني‬ ‫فتحييت قد قلتها يوماً بأن ألقِ عصاك‬
‫أحظى بقميصني من ابين‬
‫أنا ال أحتاج ملعجزة‬ ‫ببحر قليب ال ختف‬
‫حيث تستقي الشاعرة هنا هذا املعنى‬
‫تبدي ما يسحر من حلين‬ ‫فلرمبا ينشق دربٌ أخضرٌ‬
‫اجلميل من قصة يوسف ويعقوب عليهما‬
‫السالم وتكفي اإلشارة إىل قميص االبن‬ ‫لن أكشف عن سوقي حتما‬ ‫ختتال فيه األمنيات‬

‫ليستحضر الذهن كافة تفاصيل قصة‬ ‫قد أظهر بلورك مزني‬

‫‪ 88‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫وهنا جند احتشادا للرموز الدينية يف‬ ‫ويف ذات القصيدة ولكن بعد فاصل تعود‬ ‫بكاء يعقوب حتى ابيضت عيناه وكيف‬
‫األبيات مع تعدد دالالتها ومراميها مما‬ ‫إىل داوود والناي فتقول‪:‬‬ ‫عادت إىل اإلبصار بقميص يوسف‪.‬‬
‫أكسبه عمقاً فكرياً وفنياً عاليا‪.‬‬ ‫ولئن نشزتُ اللحن يا داود‬ ‫وهذا ما يسمى بالرمز اجلزئي وهو‬
‫إن الشاعرة وهي توظف كل هذه الرموز‬ ‫أهلمين حنني الناي‪ ..‬رتبين‬ ‫األسلوب اليت تكتسب فيه الكلمة‬
‫الدينية يف ديوانها (أراني أعصر ضوءا)‬ ‫الواحدة أو الصورة اجلزئية قيمة رمزيَّة‪،‬‬
‫لكي أحيا بإيقاع فريد‬
‫بوعي تام ليدل على شعورها العميق‬ ‫وذلك من خالل تفاعلها مع األمور اليت‬
‫بالتاريخ حبوادثه وشخوصه‪ ،‬إذ شكلت‬ ‫ولكي متوت شرارة األحقاد‬ ‫ترمز إليها‪ ،‬فتُثري اللفظة الكثري من‬
‫شخصيات األنبياء مصدراً ثرياً من‬ ‫خلفي يف مزابلها وتنبتَ‬ ‫املعاني اخلفية اليت يستثريها ذلك‬
‫مصادر إهلامها‪ ،‬ولعل ذلك ألن كالً من‬ ‫الرمز‪ ،‬وقد يكون ارتباط ذلك الرمز‬
‫زهرة الغفران لي يف كل بيد‬
‫النيب والشاعر حيمل رسالةً إىل أمته‬ ‫مبواقف اجتماعيَّة أو بأحداث تارخيية أو‬
‫والفارق بينهما أن النيب رسالته مساوية‬ ‫والرمز الديين يُضفي على النص أبعادًا‬ ‫بتجربة عاطفية أو بظاهرة عاطفية وما‬
‫والشاعر يكتب رسالته من عمق معاناته‬ ‫نفسية وروحانية عالية تتوغّل يف‬ ‫إىل ذلك‪.‬‬
‫وخالصة مشاعره‪.‬‬ ‫مكنونات النفس الدَّاخليَّة فتُؤثر يف‬
‫إن استخدام األديب للرمز داللة على‬
‫اخلطاب وأمناطه اإلحيائية‪.‬‬
‫عمق ثقافته وسعة اطالعه وخربته‪ ،‬هلذا‬
‫تقول الشاعرة فاطمة عبد اللطيف يف‬ ‫ال بد للشاعر الذي يرغب يف توظيف‬
‫املراجع‪:‬‬
‫قصيدتها(مزاجيون)‪:‬‬ ‫الرمز من ثقافة وجتربة واسعة ألن الرمز‬
‫توظيف الرمز الديين وتأويله يف‬ ‫•‬
‫أتدعي الصرب واألشجار قد حملت‬ ‫ارتباطا مباشرا بالتجربة‬ ‫مرتبط‬
‫الشعر املغربي‪ .‬مقال للكاتب عبد‬
‫يف باطن احلوت إخواناً لذي النونِ‬ ‫الشعرية اليت يعانيها الشاعر واليت متن ح‬
‫الكريم املناوي ـ جملة العلوم‬
‫األشياء مغزىً خاصاً‪.‬‬
‫اإلنسانية والطبيعية‪.‬‬ ‫ال خري يف أيكةٍ أخفت شهادتها‬
‫الرمز يف الشعر العربي احلديث‪.‬‬ ‫•‬ ‫كما نلمح ذلك يف قصيدة الشاعرة‬
‫وأنكرت بتعال صوت حسون‬
‫مقال للكاتبة عفراء بكري ‪.‬‬ ‫بعنوان (التميمة والوصي)‪:‬‬
‫الرمز الديين يف قصائد السياب‪.‬‬ ‫•‬ ‫زكّى أخاه كليمُ اهلل ممتدحاً‬
‫ما زال ذهين فاره األفكار‬
‫مقال للكاتب أمحد إمساعيل‬ ‫وقد تسامى على استكبار قارون‬
‫واإلحساس يعرب‬
‫النعيمي ‪.‬‬ ‫ألقي إىل اليم صندوقي وقد أسرى‬
‫ترمجة الرموز الدينية‪ .‬الباحث‪:‬‬ ‫•‬ ‫حاجز املعنى البعيد‬
‫بال أناة إىل أشباه فرعون‬
‫بن هدي زين العابدين ـ رسالة‬ ‫سأكون صوت الناي‬
‫ماجستري ‪.‬‬ ‫وقد بلغتُ أشدي حني نبأني‬
‫يا داود كن لي‬
‫احلداثة والرمز يف الشعر العربي‬ ‫•‬ ‫وحي القصيدة زاهي احلرف موزونِ‬
‫درع أحالمي إذا غارت‬
‫احلديث‪ .‬مقال للكاتبة رانيا حسن‬
‫ماذا أخاف وهذا الشعر معجزتي‬
‫دندش يف جملة أوراق ثقافية‪.‬‬ ‫خيول احلزن ثائرة على الفرح الوليد‬
‫ويف الفصاحة لي من حظ هارونِ‬

‫‪ 89‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫السلطة و التوظيف‬
‫السياسي للنص الديني ‪..‬‬
‫مقاربة تاريخية‬
‫د ‪ .‬رياض الصفواني‬

‫أكادميي و كاتب ‪ .‬اليمن‬

‫تحاول هذه املقالة أن تلقي نظرة سريعة على إشكالية تارخيية متحورت حول ثنائية رجل السلطة ورجل الدين (الفقيه) يف عالقتهما‬
‫النفعية بالنص الديين‪ ،‬وحماولة تتبع بعض مالمح وتأثريات تلك العالقة يف الواقع السياسي العربي‪.‬‬

‫معلوم ‪ -‬احتكاره للسلطة واستبداده بها‪،‬‬ ‫العربية‪ ،‬إال أن السلطة مع ذلك ميكن أن‬ ‫لقد بات معلوماً من الواقع بالضرورة‬
‫أو إطالة أمد بقائه فيها‪ ،‬أو توريثها‬ ‫تتخطى مأزق ارتباطها بالغاية املوجهة‬ ‫أن السياسة يف بالد العرب غايتها‬
‫وحتويلها إىل ملك عضوض‪ ،‬أو توسيع‬ ‫خلدمة وتعزيز مصاحل أي من املسميات‬ ‫السلطة‪ ،‬سواء ما يتصل مبمارستها من‬
‫دائرة نفوذه‪ ،‬أو قمع كل صوت معارض‬ ‫السابقة إذا ما انطوت على مراجعة جادة‬ ‫قبَل السلطة احلاكمة‪ ،‬بهدف ترسيخ‬
‫له‪ ،‬أو قطع الطريق على أي طامح يف‬ ‫من جانب القائمني على تنفيذ سياساتها‬ ‫تلك املمارسة يف الوعي اجلمعي‬
‫السلطة‪ ،‬ذلك أن غالبية جمتمعنا‬ ‫وحماولة تطوير خطوات وقواعد عملها‪،‬‬ ‫(الشعبوي)‪ ،‬أو تلك املتعلقة بالنخبة‬
‫العربي جمتمع مسلم متدين بفطرته‬ ‫ليتسنى هلا يف ضوء ذلك النهوض‬ ‫السياسية املعارِضة للسلطة‪ ،‬واليت تسعى‬
‫وطبيعة تكوينه‪ ،‬وينقاد للدين بسالسة‬ ‫باملصلحة العامة يف حدودها القصوى‪،‬‬ ‫بدأب إلزاحتها واعتالء سِنام السلطة‪،‬‬
‫وتلقائية‪ ،‬وينظر إىل النص الديين نظرة‬ ‫لكن اإلشكال احلاصل أن الغالب على‬ ‫فهي ‪ -‬أي السياسة ‪ -‬ترى يف السلطة‬
‫تقديس وتبجيل‪ ،‬ويصعب على معظم‬ ‫السلطة يف تفكري النخب العربية أنها‬ ‫قِبلتها اليت تولّي شطرها وفق الكثري من‬
‫عامته تبيُّن معنى وداللة النص الديين‬ ‫كانت والتزال يف تصورهم ‪ -‬الذي يعد‬ ‫الشواهد التارخيية املعاصرة‪ ،‬ورغم أن‬
‫بعموميته من النص الديين املسيَّس‬ ‫قامساً مشرتكاً بينهم على اختالف‬ ‫السلطة يف جوهرها وسيلة‪ ،‬غايتها‬
‫بكيفية خاصة ‪.‬‬ ‫صيَغ حكمهم ‪ -‬مبثابة تشريف ال تكليف‪،‬‬ ‫جلمهور‬ ‫العامة‬ ‫املصاحل‬ ‫حتقيق‬

‫ومن صور التوظيف السياسي للدين ما‬ ‫مَغنماً ال مَغرماً‪ ،‬وإن حاول جلّهم إظهار‬ ‫احملكومني‪ ،‬ال غاية تروم مصاحل فردية أو‬

‫نطالعه يف بعض أفكار املذاهب والفرق‬ ‫خالف ذلك‪ ،‬ومن أجلها وُظف النص‬ ‫فئوية أو طبقية أو حزبية‪ ،‬حتمل بعضها‬

‫اإلسالمية كـ املذهب الشافعي واحلنبلي‬ ‫الديين (القرآن والسنة) انتقاءً واجتزاءً‬ ‫هُويات تزاحم اهلُوية الوطنية اجلامعة‬

‫وفِرقة األشعرية واجلربية ‪ -‬على سبيل‬ ‫من سياقهً خلدمة مقاصد رجل السلطة‪،‬‬ ‫بل وتطغى عليها‪ ،‬بالنظر إىل شواهد‬

‫املثال ‪ -‬اليت تعتقد بأن اإلنسان مُجرب ال‬ ‫ويف صدارة تلك املقاصد ‪ -‬كما هو‬ ‫املمارسة السياسية الغالبة على احلالة‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪90‬‬


‫باللجوء إىل التأويل‪ ،‬أو بالقياس‪،‬‬ ‫ويف هذا السياق جرى يف مراحل تارخيية‬ ‫ميلك إرادة نفي الفعل عن نفسه‪ ،‬فكل‬
‫املقصود به قياس اجملهول على املعلوم‪،‬‬ ‫توظيف فريضة " اجلهاد" ال ملواجهة‬ ‫أفعاله مقدَّرة إهلياً‪ ،‬و ال جيوز اخلروج‬
‫ويغلب على الظن أن التأويل والقياس‬ ‫األعداء إلعالء كلمة اهلل والدفاع عن‬ ‫على احلاكم وإن كان فاسقاً جائراً‪،‬‬
‫هما الصيغة الغالبة على فتاوى الفقهاء‬ ‫حوزة الدين‪ ،‬بل من أجل سحق اخلصوم‬ ‫وإمنا اإلذعان واخلضوع حتى حتكم فيه‬
‫يف الشأن السياسي ذي املنحى اجلدلي‪،‬‬ ‫وبسط النفوذ‪ ،‬وكسب النصرة والتأييد‬ ‫املشيئة اإلهلية‪ ،‬يشد من أزره القول‬
‫كما حدث على سبيل املثال يف عام ‪٧٩‬م‬ ‫للسلطان ‪.‬‬ ‫املأثور‪ " :‬سلطان ظلوم خري من فتنة‬
‫عندما أصدرت دار اإلفتاء املصرية ‪ -‬يف‬ ‫وباملثل فإن مبدأ األمر باملعروف والنهي‬ ‫تدوم"‪ ،‬وهو قول بشري يسوّغ مبدأ القوة‬
‫والية الرئيس السادات ‪ -‬فتوى جتيز‬ ‫عن املنكر الذي يعد ركيزة أساسية من‬ ‫(و التغالب) يف الوصول إىل السلطة‬
‫معاهدة كامب ديفيد (‪٧٨‬م) و شرعنة‬ ‫ركائز الدين بنص القرآن والسنة يؤدي‬ ‫والتشبث بها‪.‬‬
‫السالم مع الكيان الصهيوني وفق ما‬ ‫السياسية‬ ‫املمارسة‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫ومن خالل فرز سريع آلراء وأقوال مناذج‬
‫يذكره البعض !‪ ،‬وكما مسعنا يف عام‬ ‫(الربامجاتية) وظيفة مزدوجة بل‬ ‫من أهل الفكر من املتكلّمة خنلص مبا‬
‫‪٩٠‬م يف أعقاب غزو العراق للكويت‪ ،‬حيث‬ ‫متناقضة‪ ،‬فتوجيه النقد للسلطة‬ ‫يشبه اإلمجاع لديهم حول قضية اختالق‬
‫أصدر بعض علماء اخلليج حينها فتوى‬ ‫احلاكمة واالعرتاض على بعض مظاهر‬ ‫بعض أئمة وفقهاء الفرق واملذاهب‬
‫جتيز االستعانة بالقوات األجنبية‬ ‫سياساتها من منطلق تفعيل هذا املبدأ‬ ‫االسالمية ألحاديث نُسِبت إىل الرسول‬
‫لتحرير الكويت‪ .‬وكما حدث يف حرب‬ ‫صراحة أو ضمناً من شأنه أن يزج‬ ‫(ص) أو تعمدوا اإلضافة إليها أو انتزاع‬
‫صيف عام ‪٩٤‬م يف اليمن‪ ،‬واليت كانت‬ ‫بصاحبه يف غياهب سجون ومعتقالت‬ ‫بعض ألفاظها وعباراتها من سياقاتها‪،‬‬
‫والتزال فتوى تسويغها ‪ -‬كما يطرح‬ ‫الديكتاتوريات احلاكمة‪ ،‬بتلفيق تُهَم‬ ‫واستبداهلا بألفاظ وعبارات خمصوصة‪،‬‬
‫البعض ‪ -‬حمل جدل ولغَط يف األوساط‬ ‫سياسية عديدة‪ ،‬أقص اها اخلروج عن‬ ‫أو حتوير بعض األلفاظ والتمويه‬
‫السياسية‪ ،‬وغريها الكثري الذي ال يسع‬ ‫طاعة ولي األمر‪ ،‬لتشكل هذه التهمة‬ ‫مبعانيها ودالالتها على األتباع‪ ،‬للتأثري‬
‫املقام لالستطراد فيه‪ .‬ورغم أن الفتوى‬ ‫عقوبة كافية يف إطار توظيف مبدأ‬ ‫على عقوهلم والتحكم بقناعاتهم‪،‬‬
‫الدينية تراعي املصلحة العامة أو ينبغي‬ ‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر وفق‬ ‫وضمان‬ ‫عليهم‬ ‫السيطرة‬ ‫ليسهل‬
‫وفق شروط‬ ‫تكون كذلك‪،‬‬ ‫أن‬ ‫فتوى فقهاء السلطة‪ ،‬وهنا نالحظ‬ ‫انقيادهم‪ .‬وذلك على النقيض من أفكار‬
‫ومقتضيات الزمان واملكان‪ ،‬إال أنها يف‬ ‫كيف جيرى توظيف املبدأ سياسياً لقمع‬ ‫فرقة املعتزلة ذات املنزع العقلي النقدي‬
‫احلالة السياسية متيل إىل الثبات‪ ،‬لثبات‬ ‫الصوت املعارض‪ ،‬يف الوقت الذي يعد‬ ‫يف هذا الشأن‪ ،‬وكذا الزيدية األوىل يف‬
‫عني املصلحة القائمة على التحالف بني‬ ‫ممارسة النقد واالعرتاض على سياسات‬ ‫أصوهلا املعتزلية‪.‬‬
‫الفقيه والسلطان ‪.‬‬ ‫السلطة أو حتى النصح هلا ترمجة دينية‬ ‫وعلى غرار اجلربية فقد ذهبت فرقة‬
‫و قد تندرج يف سياق توظيف الدين‬ ‫هلذا املبدأ يف واقع احلياة السياسية‪.‬‬ ‫املرجئة إىل عدم جواز حماسبة احلاكم‬
‫سياسياً برامج بعض اهليئات واجلمعيات‬ ‫و من صور التوظيف السياسي للدين‬ ‫ومسائلته مادام يقر بالشهادتني وإمنا‬
‫واألحزاب واملؤسسات التشريعية‪ ،‬كما‬ ‫ظاهرة‪ :‬الفتاوى اليت يدجبها الفقهاء‬ ‫حسابه وعقابه مرجأ إىل اآلخرة‪ .‬ومجلة‬
‫يالحظ على سبيل املثال يف محالت‬ ‫للحكام‪ ،‬لتمرير قضاياهم اخلاصة‬ ‫هذه األفكار سوّغت للسلطان املستبد‬
‫الدعاية والتعبئة االعالمية ملرشحي‬ ‫وبعض العامة وإضفاء املشروعية عليها‪،‬‬ ‫بقائه يف سدة احلكم والبطش والتنكيل‬
‫اجملالس النيابية واحمللية يف األوساط‬ ‫وذلك بإحدى طرق استنباط األحكام‬ ‫مبعارضيه‪ ،‬وفرضت على الناس اإلذعان‬
‫الشعبية واليت تعد املساجد واحدة من‬ ‫الشرعية من مصادرها‪ ،‬سواء أكان من‬ ‫له‪ ،‬بوصفه ممثل املشيئة اإلهلية يف‬
‫منابرها‪.‬‬ ‫نص صريح حمكم‪ ،‬أو بإمجاع العلماء‪ ،‬أو‬ ‫اخلَلق !‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪91‬‬


‫السالطني دائماً‪ ،‬الذين يشكّلون أحد‬ ‫ضمّنها النصح لألئمة يف سياق‬ ‫وقد ال يقتصر تدبيج الفتاوى على‬
‫أسباب بالء األمة اإلسالمية وتقهقرها‬ ‫تذكريهم مببدأ األمر باملعروف والنهي‬ ‫الفقهاء وحسب‪ ،‬فالوقائع التارخيية‬
‫حضارياً‪.‬‬ ‫عن املنكر‪ ،‬وهو املبدأ الذي يشكّل األصل‬ ‫احلكام قد مارسوا‬ ‫تكشف أن بعض‬

‫ويف هذا السياق‪ ،‬يبقى الدور السياسي‬ ‫اخلامس من أصول الفكر الزيدي ‪-‬‬ ‫االفتاء استجابة ملقتضيات سياسية‪ ،‬فقد‬

‫للزوايا الصوفية ‪ -‬على حنو خاص ‪-‬‬ ‫املعتزلي ‪.‬‬ ‫افتى اإلمام املتوكل إمساعيل عام‬

‫أساسياً خالل مراحل من التاريخ‬ ‫ويندرج يف سياق توظيف الدين سياسياً‬ ‫‪١٦٤٨‬م بأن مناطق ما عُرف حينها‬

‫انطالقاً من‬ ‫واحلديث‪،‬‬ ‫اإلسالمي‬ ‫مسألة استقطاب احلكام للعلماء‬ ‫باليمن األسفل حكم أراضيها كحكم‬

‫مساعيها لتثبيت سلطة الدولة‪ ،‬ولعل‬ ‫والفقهاء واملتصوفة‪ ،‬وتقريبهم وإغداق‬ ‫خلضوعها‬ ‫اخلراجية‪،‬‬ ‫األراضي‬

‫هذا ما يفسر الدعم املعنوي واملادي من‬ ‫املال عليهم‪ ،‬الستغالل مكانتهم يف قلوب‬ ‫للعثمانيني ‪ -‬ممن يعتقدون باجلرب‬

‫بعض السلطات اإلسالمية للزوايا‬ ‫العامة من أجل حتسني صورة احلاكم‪،‬‬ ‫والتشبيه ‪ -‬والذين اقتصر بقاؤهم فيها‬

‫الصوفية‪ ،‬سواء يف ظل نظام السلطة‬ ‫ونيل التأييد لقراراته وبعض جوانب‬ ‫حتى عام ‪١٦٣٥‬م‪ ،‬بعد انسحابهم من‬

‫العثمانية يف القرون امليالدية األربعة‬ ‫من‬ ‫بوصفها‬ ‫النفعية‪،‬‬ ‫سياساته‬ ‫مناطق املرتفعات الشمالية‪ ،‬مبوجب‬

‫املتأخرة اليت أولتها جل اهتمامها من‬ ‫مقتضيات املصلحة املنضوية يف إطار‬ ‫االتفاق املربم بني اإلمام القاسم بن‬

‫خالل أعمال الرتميم ملقراتها وصرف‬ ‫الوالية العامة‪ .‬وقد ال حيتاج احلاكم‬ ‫حممد عام ‪١٦١٩‬م وبني العثمانيني‪ ،‬وهو‬

‫اإلعانات املادية والعينية‪ ،‬وحفظ قدر‬ ‫إىل استقطاب فقهاء وعلماء إىل بالطه‬ ‫األمر الذي استثار ردود أفعال معارِضة‬

‫ومكانة أقطاب التصوف‪ ،‬أو يف العهد‬ ‫واستمالتهم‪ ،‬فثمة صنف من الفقهاء‬ ‫من جانب عدد من علماء الزيدية‪ ،‬ويف‬

‫املعاصر على غرار منوذج السلطة‬ ‫يسعى إىل خطب ود السلطة والتقرب من‬ ‫مقدمتهم ابن أخيه العالمة املؤرخ حييى‬

‫احلاكمة يف املغرب األقصى اليت تبنت‬ ‫احلاكم والتزلف له‪ ،‬بهدف حتصيل‬ ‫بن احلسني بن القاسم‪ ،‬ودفعهم إىل الرد‬

‫بعض املهام اليت سبقتها السلطات‬ ‫مكاسب مادية‪ ،‬دون اكرتاث لثقَل‬ ‫عليه وتفنيد حجج ومسوغات إجراءاته‬

‫العثمانية وإن مل ختضع حلكمها ‪.‬‬ ‫املسؤولية الدينية واألمانة امللقاة على‬ ‫املالية املرتتبة عليها‪ ،‬ويف أعقاب ذلك‬

‫عواتقهم‪ ،‬أو النظر إىل شرعية الدور‬ ‫صاغ العالمة احلسن بن أمحد اجلالل‬

‫املنوط بهم من عدمه‪ ،‬وهؤالء هم فقهاء‬ ‫فتوى " براءة الذمة يف نصح األئمة"‪،‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪92‬‬


‫االسالمية‬ ‫البالد‬ ‫على‬ ‫احلفاظ‬ ‫إن ما يشهده اجملتمع العربي من توظيف‬ ‫وألن العرب (أمة اقرأ) ال تقرأ تارخيها يف‬
‫واألماكن املقدسة على حنو خاص‬ ‫سياسي للدين بصور خمتلفة ‪ -‬يبدو ‪-‬‬ ‫الغالب‪ ،‬وإن قرأت بعض خنبها السياسية‬
‫اإلسباني‬ ‫اخلطر‬ ‫من‬ ‫ومحايتها‬ ‫إشكالية عميقة الغور يف بنية الرتاث‬ ‫صفحات من أسفاره‪ ،‬فهي إما أن تكون‬
‫الربتغالي‪ ،‬كحلقة يف سلسلة احلروب‬ ‫العربي اإلسالمي‪ ،‬وهلا أبعادها املدرَكة‬ ‫قراءتها لغرض املتعة والتسلية وشغل ما‬
‫الصليبية اليت ا جتاحت العامل اإلسالمي‬ ‫يف وعي عناصر النخب الثقافية غري‬ ‫شغَر من الوقت‪ ،‬أو للرغبة يف االطالع‬
‫يف العصر الوسيط‪ ،‬وبقي تأثريها كامناً‬ ‫املنتمية إىل مؤسسة السلطة قدمياً‬ ‫نزوالً عند قاعدة " علمك الشيء خري‬
‫يف الثقافة العدوانية لبعض القوى‬ ‫وحديثاً‪ ،‬وإن مل تدرَك على ما يبدو‬ ‫من جهلك إياه"‪ ،‬وهي عالوة على ذلك‬
‫السياسية الغربية‪ ،‬واليت رأينا تعبريها‬ ‫بالصورة ذاتها لدى النخب السياسية‬ ‫قد ال حتسن إدراك كُنْه ما قرأته عن‬
‫جلياً يف تصريح الرئيس األمريكي‬ ‫احلاكمة‪ ،‬لوقوعها حتت طائلة إغراء‬ ‫بعض حقائق التاريخ النسبية‪ ،‬واإلفادة‬
‫األسبق "بوش" االبن عند غزو القوات‬ ‫السلطة وإغواء النفوذ‪ ،‬فإذا تأملنا قليالً‬ ‫منها يف مراجعة مواقفها وتنظيم شؤون‬
‫األمريكية للعراق عام ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬وقبلها‬ ‫يف بعض وقائع تاريخ العرب السياسي يف‬ ‫واقعها‪ ،‬واختاذها قاعدة لرسم مالمح‬
‫مجيعاً كانت نشأة اخلالفة األموية‬ ‫عصور خمتلفة سنجد أن معظم النظم‬ ‫املستقبل‪ ،‬فهي غالباً ما تكرر أخطاء‬
‫واأليوبية‬ ‫والفاطمية‬ ‫والعباسية‬ ‫السياسية مدينة للدين يف نشأتها وبناء‬ ‫السابقني‪ ،‬وتنقل جتاربهم إىل حاضرها‬
‫واملماليك‪ ،‬وبعض الكيانات السياسية ‪-‬‬ ‫نفوذها‪ ،‬أي أن قيامها كان ‪ -‬بصيغة‬ ‫على حنو يبدو فيه إكراه للحاضر على‬
‫كما يظهر ‪ -‬اليت نشأت يف أحضانها أو‬ ‫جمازية ‪ -‬انبثاقاً ملخاض قِران الدين‬ ‫القبول باملاضي‪ ،‬متجاهلة خصوصية‬
‫على هامشها‪.‬‬ ‫بالسياسة‪ ،‬ففي اليمن مثالً استندت‬ ‫وظروف كلٍ من املاضي واحلاضر‪،‬‬

‫ويف واقعنا الراهن التزال إشكالية‬ ‫مؤسسة اإلمامة اهلادوية يف نشأتها على‬ ‫مبعنى أنها تعيد إنتاج األخطاء اليت‬

‫التوظيف السياسي للنص الديين يف‬ ‫نظرية اإلمامة املشروطة بالنسب العلوي‬ ‫جتاوزها الزمان واملكان يف سياق‬

‫إطار العالقة النفعية بني الفقيه‬ ‫(البطنني)‪ ،‬مع ما أفرزته هذه النظرية‬ ‫مسلكياتها العملية‪ ،‬كرتمجة واقعية‬

‫والسلطان تفرض وجودها بقوة يف أتون‬ ‫من سجال فكري متعاقب يف إطار البيت‬ ‫لتصوراتها‪ ،‬يف حني جند النخب‬

‫الصراعات السياسية واأليديولوجية‬ ‫الزيدي حول حقيقة منشأها ومسألة‬ ‫السياسية يف اجملتمعات الغربية ذات‬

‫والعسكرية العربية‪ ،‬كـ امتداد ملا كان‬ ‫االستدالل بها على حصرية احلكم يف‬ ‫التاريخ املشبع بالكثري من التجارب‬

‫عليه احلال يف املاضي‪ ،‬مع نزاهة الدين‬ ‫بيت خمصوص من البيوت اهلامشية‪،‬‬ ‫السياسية وثيقة الصلة جبدلية السلطة‬

‫وبراءته من كل صور االستغالل‬ ‫وذلك وفق مصادر الفكر السياسي‬ ‫واملعارضة قد قادها وعيها إىل إدراك‬

‫السياسي الربامجاتي الفردي والفئوي‬ ‫الزيدي‪ ،‬ويف جند واحلجاز قام نظام‬ ‫ماهية السلطة ووظيفتها‪ ،‬وحقيقة أنها‬

‫وما يف حكمها‪ ،‬إذ من شأن هذا السلوك‬ ‫احلكم كنتاج مصاهرة سياسية بني‬ ‫وسيلة تستهدف مصاحل اجملموع العام ال‬

‫االستغاللي أن يسيئ إىل الدين‪ ،‬بوصفه‬ ‫حممد بن سعود وحممد بن عبدالوهاب‬ ‫اجلزئي والفردي اخلاص‪ ،‬تتناوب ‪-‬‬

‫منظومة تعاليم قيمية تشريعية شاملة‬ ‫(السيف والقلم) مؤسس السلفية‬ ‫بوصفها ممثلة جملتمعاتها ‪ -‬على ابتكار‬

‫لسائر جوانب احلياة‪ ،‬ويعمل على‬ ‫الوهابية يف النصف الثاني من القرن‬ ‫فرص للتنمية املستدامة‪ ،‬وخلق مناخ‬

‫جتفيف منابعه يف قلوب معتنقيه‪ ،‬مما‬ ‫الث امن عشر امليالدي‪ ،‬وقيام الدولة‬ ‫مالئم لإلبداع املفضي إىل إنتاج‬

‫يعزز من فرص الطعن فيه وثلبه وإحلاق‬ ‫للخالفة‬ ‫كاستمرار‬ ‫العثمانية‬ ‫املعاجلات لسائر القضايا واإلشكاالت‬

‫كل أذى به من خارج حميط معتنقيه ‪.‬‬ ‫اإلسالمية وامتداد سلطانها على كثري‬ ‫اليت تواجه جمتمعاتها كما يشهده‬
‫من البالد العربية كان حتت مظلة‬ ‫واقعها الراهن ‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪93‬‬


‫داخل مرآتي‬
‫محمد ضباشه‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬مصر‬

‫تَذَكَّرتُكَ‬

‫عندما وقعت عيناي عليك‬

‫تتسول ضوء النور األعمى‬

‫من حول قبور اآلهلة‬

‫وتظن أن الفجر قد الح يف األفق‬


‫القريب‬

‫وأن الصمت ههنا ينتفض‬

‫ليعلن أنك ما زلت حيا داخل مرآتي‬


‫تنفض غبار العصر وفيايف الفكر‬

‫من على صفحاتي املوضوعة‬

‫يف خزائن أفكاري‬

‫وبأنك حرف يقتلع اخلوف من أرض‬


‫البؤس‬
‫وحدود الزيف املصنوعة يف أرض بالدي‬
‫يعلن عن إعدام األفكار الضالة‬
‫لون خارطة الوطن العربي‬
‫وأبواق الزيف املأجورة‬
‫بلون الشمس و دفء النيل‬
‫هيا ‪ ،‬اجلس جبواري‬
‫ال تيأس أو تنظر لي‬
‫اخلع معطفك البالي ‪ ،‬وحذاء الوجع األبدي‬
‫حرف جيلس على طاولة الصرب وحيدا‬
‫وتذكر ان للغابة إله‬
‫ينتظر الضوء الشارق من عينيك‬
‫أعدم أفالطون الباحث عن وطن‬
‫لرتاني ‪ ،‬خارج من صحراء التيه‬
‫و جفف منابع األفكار حتى ال تسقى العقل حياة‬
‫إىل وطن يعزف أحلاني‬
‫امسك فأسي‬
‫حطم كل األسالك الشائكة‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪95‬‬


‫حــــــــــلم‬

‫ثائر سلوم‬

‫شاعر ‪ .‬سوريا‬

‫تَعزفُ أحلانَ احلريّة‬ ‫يف احلِلمِ تَكوني ‪ ...‬ويف الرّوحِ‬

‫وأنامل تَرفعها األرض‬ ‫أنثُرَكِ حروفاً غَزَليّة‬

‫بِخيوطِ سطورٍ ذَهبيّة‬ ‫وعيوني ميألها الضَّوء‬

‫مَفتوناً من حلمي أعودُ‬ ‫بأشعةِ حُبٍ شَمسيّة‬

‫بسنابلِ شَعرِ الغَجَريّة‬ ‫وأسافرُ يف اجلَسَدِ بَعيداً‬

‫وفِراشي تَحضنهُ الرّيح‬ ‫وأُالمسُ جُزراً وَهميّة‬

‫ودموعي مياهٌ جوفيّة‬ ‫ونوارس خري ألقاها‬

‫‪.‬‬ ‫وطيور سَماء قَمريّة‬

‫‪.‬‬ ‫وتِالل يكسوها العِشق‬

‫‪.‬‬ ‫حتضنها قَصائدُ شِعريّة‬

‫وجذوع أشجار تَرقص‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪96‬‬ ‫اللوحة للفنان المصري د ‪ .‬خالد هنو‬
‫شهيد القدس‬

‫أيمن فالوجي‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬مصر‬

‫سها حقٌ مَوْعُود‬


‫يُخْرِ ُ‬ ‫أُثْبُتْ يا شِبلُ فلَن ترحل‬

‫فشهيدُ القدس يُعَ ِلمُنا‬ ‫وعَلِمهم ثَبَاتَ أُسود‬

‫إشْراقة قُدْسٍ سَتعُود‬ ‫اكُتبْ تارخياً قَدْ َيمْضي‬

‫وطلقةُ غدر قد َتمْضِى‬ ‫وحَاضراً مُشْرقاً سيعود‬

‫لِصَدْرٍ شِيمَتُه اجلود‬ ‫صمُدْ فَصُمودُكَ يُرهِبُهم‬


‫اُ ْ‬

‫سأرْحلُ عَنْكَ يا قُدْسُ‬ ‫أرأَيْتَ ذئباً يَتنعم‬

‫لِحَاكِم عادل موجُود‬ ‫وأسدٌ مثلُكَ موجود‬

‫أرأَيْتَ شهيداً قد مَات‬ ‫زَئريُ صَمتِك يُعَلمُهم‬

‫وهُوَ حياً‬ ‫لَنْ يُهْزَمَ جيلٌ مولُود‬

‫يُرزق يف جَناتِ خلود‬ ‫وَسطِرْ تَارخياً يَعلُو‬

‫حَتْماً سَنُصلي يا قُدْسُ‬ ‫لِسماء من غَري حُدُود‬

‫وَعَدُوكَ طعاماً لِلدُود‬ ‫ذِئاباً حَولكَ قد تعوِى‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪97‬‬ ‫اللوحة للفنان األردني عمر بدور‬
‫مملكة األشواق‬
‫أحمد بشار الحالق‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬سوريا‬

‫احلضور والتالقي ‪...‬‬ ‫فوق مآذن العشاقِ ‪...‬‬ ‫أيتها اهلاربة‬


‫فأنا ما زلت أحرتق‬ ‫وذاك النابض‬ ‫من هليب املمالك‬

‫بنار هواك املعنى‬ ‫بألف حكاية‬ ‫املتأبطة ذراع األشواقِ ‪...‬‬

‫وهليب أنفاسك‬ ‫يشتهي أن يتعبد‬ ‫أنت عندي‬

‫احلرّى يسكرني‬ ‫يف حمرابك‬ ‫كل النساء اللواتي‬

‫ويزيد من‬ ‫املخمليُّ الدراقِ ‪...‬‬ ‫اعتنقن دين احلب‬

‫شدة احرتاقي ‪....‬‬ ‫وشفيت تتلو‬ ‫على شرع العناقِ ‪...‬‬


‫فدعينا الليلة‬ ‫عليك طقوسا‬ ‫أنتِ عندي‬

‫نشعل كل‬ ‫مل تذكر بعد‬ ‫كل األمنيات‬

‫أعواد الثقاب‬ ‫يف كتب املشتـاقِ ‪...‬‬ ‫املسافرة ما بني‬

‫فيما بيننا‬ ‫دعيين أحتضنك‬ ‫مخرة غصن ندي‬

‫نرتوي حد االكتفاء‬ ‫وأمضي بعطرك‬ ‫وسكرة األوراقِ ‪...‬‬

‫ونُسدل ستار‬ ‫املسفوح بعدي‬ ‫أنفاسي وآهاتي‬


‫الضوء‬ ‫أشم رائحة‬ ‫املسلوبة النداء‬

‫على األحداقِ ‪...‬‬ ‫جسدك املسجى‬ ‫تنعي بقايا حيب‬

‫فوق سرير‬ ‫وعشقي‬

‫‪ 98‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬


‫أقساط المنزل ‪..‬‬

‫مصطفى كامل الشريف‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬مصر‬

‫يف الظالم ‪ ،‬فتحت نافذة أخرى ‪ ،‬تطايرت ستارة ‪ ،‬مشهد‬ ‫استدان‪ ...‬شيد البناء ‪ ،‬زرع األشجار ‪ ،‬طور احلديقة‪..‬‬
‫مرعب للربق‪ ..‬وصوت الرعد ‪ ،‬أضاء أركان املنزل لوهلة‪..‬‬ ‫املقاول لص‪ .....‬سرق نصف األمسنت‪ ، ...‬غش باألساس‪ ..‬و‬
‫وكأن السماء تنهار‪ ، ..‬توابع‪.‬‬ ‫احلديد‪ ..‬و التعريش و اهتم‬
‫تغري املناخ‪ ..‬وثقب األوزون ‪،‬‬ ‫باأللوان ‪ ،‬و الزخارف والنقوش‬
‫صراخ األطفال ‪ ،‬شلل لتفكري األ م‬ ‫‪ ..‬النجار لص هو اآلخر ‪ ،‬صنع‬
‫‪ ،‬أسرت يا رب ‪ ، ..‬يهرول األب‬ ‫النوافذ بدون تثبيت اهتم‬
‫صعودا ونزوال‪ ..‬على النوافذ‪.....‬‬ ‫بالشكل دون اجلودة‪...‬‬
‫خوف‪ ....‬و زيادة بضربات القلب‬ ‫فين الكهرباء و السباكة‬
‫وقع ثم نهض ‪ ،‬ظالم دامس‪، ...‬‬ ‫لصني ‪ ،‬لصوص وضعوا أردء‬
‫‪،‬‬ ‫اجنرحت ساقه ‪ ،‬مل يهتم‬ ‫اخلامات ‪..‬‬
‫اشتدت الرياح ‪ ،‬هطلت األمطار‬
‫ليلة شتوية مؤملة ‪ ،‬للغش‬
‫بقوة ‪ ،‬انفتحت كل النوافذ ‪،‬‬
‫كاشفة ‪ ..‬رعد و برق‪، ...‬‬
‫سقطت كل األبواب ‪ ،‬ضاعت‬
‫خوفٌ انتاب اجلميع ‪ ،‬مياه‬
‫النداءات و الصرخات ‪ ،‬بابا‬
‫منهمرة كثيفة‪..‬‬
‫ماما ‪ ،...‬و األب يكرر ‪:‬‬
‫فجأة انقطعت للكهرباء‪ ،‬ساد‬
‫ما ختافوش‪ ، ..‬مل يسمع أحدهم من شدة صفري اهلواء‪....‬‬
‫الظالم ‪ ،‬انقطاع للمياه‪ ..‬هواء شديد ‪ ،‬نار خميفة اشتعلت‬
‫اخنلعت القلوب ‪ ،‬مات اجلميع ‪ ،‬مبشهد رعب ‪ ،‬عطشا‬ ‫على مرمى البصر شاهدتها من النافذة‪..‬‬
‫وجوعا‪ ، ..‬و ألـماً ‪..‬‬
‫كركبة بالدور الثاني ‪ ،‬طارت آنية املياه ‪ ،‬و أطباق‬
‫مل يهتم أحد ‪،‬مل ينقذهم أحد ‪ ، ..‬اجلميع موتى ‪ ،‬طمس‬ ‫الستااليت ‪ ،‬عصف باألشجار احمليطة ‪ ،‬وقعت شجرة ‪ ،‬أغلقت‬
‫البيت ‪ ،‬تدحرجت اجلثث بعيدا لواديٍ منخفض و تراكمت‬ ‫الشارع ‪..‬‬
‫جثث األسرة أعلى بعضها ‪ ،‬مرتابطة‪ ،‬و شكل الطمي و الطني‬
‫األم حتتضن صغارها‪ ..‬ال جتزعوا ‪ ،‬األب يراقب النوافذ ‪،‬‬
‫هرماً بشرياً لوجوه شاحبة ‪ .‬و رسالة منقوشة بيد األب ما‬
‫قائال حنن مبأمن ‪ ،‬ال تقلقوا ‪ ،‬حنن صرفنا ببذخ على منزلنا‬
‫زال املقاول اللص‪ ....‬يطالبين‪ .....‬بأقساط املنزل ‪.‬‬
‫‪ ،‬صارخا أين الشاكوش و املسامري ‪ ،‬شجت يده أثناء البحث‬

‫‪ 99‬وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫اللوحة للفنان الهولندي رامبرانت هرمنسزون فان راين‬
‫أحالم واتس آبية‬
‫رستم عبد الله‬

‫روائي و قاص ‪ .‬ميين‬

‫الساعة الثانية ليالً‪ ،‬اجلو خانق‪ ،‬آالف الرؤوس‬


‫املرتقبة واحلاملة منحنية تتصفح عامل اإلنرتنت‬
‫مستخدمة أحدث األجهزة الذكية‪ ،‬العرق‬
‫يتصبب من وجوه ناعمة‪ ،‬شاحبة‪ ،‬مرهقة‪ ،‬وعيون‬
‫تلمع‪ ،‬حتدق يف الشاشات الفضية الالمعة‪.‬‬

‫اآلالف من األموال تتدفق على حمالت بيع‬


‫كروت اإلنرتنت‪ ،‬تطلب شراء مزيدٍ من الكروت‪،‬‬
‫وحتويل باقات للموبايل‪ ،‬ما أن يشتعل املوبايل‬
‫بشعاع الوايرلس األبيض‪ ،‬حتى تنتفض األجساد‬
‫البضة مبتهجة‪ ،‬وتنفرج الشفاه فرحة‪ ،‬ترتاقص‬
‫األصابع الرقيقة بني عدة تطبيقات‪ ،‬وإن كان‬
‫الواتس آب األكثر حظًّا… يرتفع صوت األم‬
‫مناديا على ابنتها‪:‬‬

‫– كم الساعة يا قمر ‪..‬؟!‬

‫– الثانية يا أمي‪..‬‬
‫– نامي يا ابنيت‪ ،‬كفاية ارمحي نفسك ونظرك‪ ،‬وارمحي املوبايل من هذا العذاب‪..‬‬

‫– حاضر اآلن يا أمي‪ ..‬سأشاهد حاالت الواتس آب اجلديدة لصديقاتي وأنام‪ 5 ..‬دقائق فقط‪..‬‬

‫تُقلّب قمر حاالت الواتس آب بتوتر وحسرة‪..‬‬

‫حاالت خطوبة‪ ،‬زفاف‪ ،‬عقد قران‪ ،‬زواج‪ ،‬مواليد‪ ،‬أعياد ميالد ألطفال حلوين‪ ،‬أعياد زواج‪ ،‬مناسبات‪ ،‬وحاالت‬
‫نادرة لوفاة‪ ..‬حتتضن وسادتها برغبة‪ ،‬تعض شفتيها بقهر‪ ،‬وتطفئ املوبايل وتنام‪ ،‬على أمل اللحاق بقطار‬
‫الواتس آب السريع‪ ..‬حتلم بشريك العمر‪ ،‬ال يهم معدنه‪ ،‬شكله‪ ،‬حالته املادية‪ ،‬أهم شيء أن يعتقها من ربقة‬
‫العنوسة‪ ،‬وتفاجئ وتغيض صديقاتها حبالة واتس آب مبهرة‪.‬‬

‫اللوحة للفنان الهولندي فينسنت ويليم فان جوخ‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪100‬‬


‫ضحية‬
‫إيمان خالد‬

‫كاتبة و قاصة ‪ .‬مينية‬

‫أنك ترى مريم يا رمزي ستشعرُ بوخز اإلبر على‬ ‫يف الدور اخلامس الغرفة رقم ‪ 56‬ترقد (مريم)‬
‫قلبك‪.‬‬ ‫املصابة برهاب الذكور (اندروفوبيا) بعد أن‬

‫سأهلا بصوت واهن ‪:‬‬ ‫تعرضت للخطف واالغتصاب وهي عائدة من‬
‫منزل صديقتها ذات بؤس‪ ،‬تعاني مريم من هلع‬
‫ـ تقصدين مريم أمحد؟‬
‫رهيب وضيق يف التنفس وتعرقٍ مفرط وغالبًا ما‬
‫قالت بعد تنهيدة ‪:‬‬ ‫تتقيأ إذا رأت رجلًا أو حتدثت إليه‪ ..‬مريم يف‬
‫ـ نعم‪ ..‬مريم أمحد‪ .‬الشابة اجلميلة اليت تفقد‬ ‫العشرين من عمرها ‪ .‬حنطية اللون هلا عينان‬
‫مجاهلا يومًا عن يوم !‬ ‫بلون النب وشعر أسود ناعم ‪ ،‬كان يصل إىل‬
‫خصره ا أما اآلن فهو بالكاد يصل إىل أذنيها بعد‬
‫جئتك ألجلها‪ ..‬تعرفني أن هذه أول حالة تأتي‬
‫أن قصته‪.‬‬
‫إلينا تعاني من هذا املرض‪ ،‬عندما كنتُ أعمل يف‬
‫العراق كنت أعاجلُ مريضة تشبه حالتها كثريًا‪.‬‬ ‫حنيَ عاد الدكتور رمزي من سفره الذي استمر‬
‫لكنها تعاجلت يف غضون أشهر وأصبحت أمجل‬ ‫عامًا كاملًا مع والدته للعالج لفت انتباهه ملف‬
‫وأقوى !‬ ‫مريم وتعرَّف إىل حالتها واجته مباشرةً إىل‬
‫الدكتورة(يامسني) املسؤولة عن حالتها فقال‬
‫هتفت حبماس ‪ :‬حقًا! مجيل‪ ..‬لكن املشكلة يف‬
‫هلا وهو يبتسم ‪:‬‬
‫مريم أنها ال تتقبل رؤية أي رجل؛ ألنَّ حالتها‬
‫تسوء كثريًا‪.‬‬ ‫ـ صباح اخلري دكتورة يامسني‬

‫قال مندفعا ‪ :‬صدقيين يا يامسني عالجها يكمن‬ ‫ردت ‪ :‬أهالً دكتور رمزي‪ ..‬أنرت املستشفى‪ ،‬ثم‬
‫مبواجهتها للرجل‪ ..‬اهلروب منه يزيدها علة‬ ‫أضافت وهي تبتسم ابتسامة خفيفة ‪ :‬لسنا‬
‫!ومباذا تفكر ؟‬ ‫وحدنا من اشتقنا إليك حتى املرضى سألوا‬
‫عنك كثريًا‬
‫أخذ يتنهد وأجابها والثقة تتوهج يف عينيه ونربة‬
‫صوته‪:‬‬ ‫رد ضاحكًا ‪ :‬وأنا اشتقت لكم وهلم وللجنون‬
‫معهم‪ ..‬لكن مل أكن أتوقع أنه يف غضون سنة‬
‫ـ أفكر أن أجعلين املسؤول عن حالتها‪ ..‬هل تثقنيَ‬
‫ستأتي عشر حاالت إىل هنا ! ‪ ،‬احلق أنَّ اجلميع‬
‫بي ؟‬
‫مرضى نفسيون ال حيصى عددهم لكن قلّة من‬
‫نطق هذهِ العبارة جبدٍ كبري ال خيالطهُ أي مزاح‬
‫املرضى النفسيني الذين خيضعون للعالج ‪ ،‬لو‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪101‬‬
‫ـ تراجع إىل الوراء ‪ ،‬ابتعد‪ ..‬اخرج اخرج!‬ ‫قالت بهدوء ‪:‬‬

‫ناداها حبنان ‪:‬‬ ‫ـ إذن ستكون لك‪..‬‬

‫ـ مريم‬ ‫ساد الصمت بضع حلظات ثمَّ قال ‪:‬‬

‫نظرت إليه من دون أن تنطق بكلمة ‪ ،‬زفرت بعدها‬ ‫ـ سأذهب إليها اآلن‪.‬‬
‫زفرة عميقة وقالت ‪:‬‬ ‫ـ كنت أود أن آتي معك‪ ..‬لكنين منشغلة جدًا‬
‫اآلن‬

‫ـ ال تنطق امسي !‬ ‫ـ ال عليك‪..‬‬

‫ـ امسعيين جيدًا‪ ..‬لن أقرتب منك سأجلس هنا ‪.‬‬ ‫ـ أراك الحقًا‬
‫ثم سحب الكرسي الذي أمام النافذة وجلس عليه‬ ‫اجته الدكتور رمزي إىل غرفة مريم مباشرةً ‪،‬‬
‫‪ ،‬كان يفصل بينه وبني السرير قرابة التسعِ‬ ‫وعند وصوله فتح الباب بكل هدوء ‪ ،‬كانت مريم‬
‫خطوات ثم قال ‪:‬‬ ‫جتلس على السرير بيدها كتاب صغري مل‬
‫ـ مريم‪ ..‬أريدكِ أن تهدئي‪ .‬أعلم أنه أمر غيب أن‬ ‫يستطع الدكتور رمزي أن يقرأ عنوانه؛‬
‫أطلب منكِ أن تثقي بي‪ ..‬لكن أرجوكِ ثقي بي !‬ ‫ألنها سرعان ما دستهُ حتت وسادتها بعد أن رأته‬
‫صاحت ‪:‬‬ ‫يدخل من الباب‪ ..‬قال وهو مندهش جبماهلا‬

‫ـ حقارة‪ ..‬من أنت‪..‬؟‬ ‫بنربة عادية‪ ،‬أذكى من فضح تعابريه ‪:‬‬

‫رد وهو يبتسم ابتسامةً خفيفة‪:‬‬ ‫ـ السالم عليكم‬

‫ـ أنا وكما شاءت أمي رمزي ‪ ..‬وكماء شاءت‬ ‫انتفضت مريم حلظتها وتغري لونها ‪ ،‬وبدأت‬

‫احلياة دكتور ‪ ،‬وإذا شئتِ أنتِ صديق‪.‬‬ ‫تتنفس بشكل سريع ‪،‬خائفة‪ ..‬يسيطرُ عليها‬
‫الرعب و مل ترد بكلمة !‬
‫التفتت إليه تقول بلهجة اصطنعت فيها‬
‫السخرية ‪:‬‬ ‫أردف ‪ :‬هل تسمحني لي باجللوس ؟‬

‫ـ لست حباجة إليك ارحل من هنا‪..‬‬ ‫قالت مستاءة بصوتٍ يرجف ‪:‬‬

‫‪ ،‬ـ وإذا قلت لكِ إنين جئتُ ألساعدك ؟‬ ‫ـ سخيف‪ ..‬سخيف‪ ،‬أمحق ‪ ،‬ابتعد ال تقرتب‪..‬‬

‫قالت وهي تصرخ‪:‬‬ ‫أال ختجل؟ جمنون متامًا مل اذا جئت إىل هنا ؟‬

‫ـ أنت تهذي‪ ...‬هل تؤمن أنت نفسك مبساعدتي‬ ‫مل جيب بكلمة‪..‬‬

‫؟ ال ميكن! لست حباجة إىل مساعدتك أيها‬ ‫هتفت ‪:‬‬


‫الذئب املسعور ‪ ،‬اخرج من هنا !‬ ‫ـ (جين يشلك)‪ ..‬ارحل !‬
‫قال يقرتحُ عليها ‪:‬‬ ‫نظر إليها مليًا ثم قال بعد أن أغلق الباب بهدوء‪:‬‬
‫ـ ال ال ‪ ،‬ال أريدكِ أن تنزعجي‪ ..‬امسعي ‪ ..‬امسعي‬ ‫ـ جئتُ فقط أسألك هل حتتاجنيَ شيئًا ؟‬
‫أنا سأقف أمامك من دون أن أحركَ ساكنًا وأنتِ‬
‫صرخت تقول ‪:‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪102‬‬


‫افعلي بي ما تشائني‬
‫ابصقي علي اضربيين‪.‬‬
‫وتأكدي أنين لن‬
‫أغضب أو أنزعج‪ ..‬وإن‬
‫كنتِ ال تصدقيين‬
‫سأربط نفسي !‬

‫نظرت إليهِ مريم‬


‫مدهوشة تفكر‬
‫بكالمه‪..‬بعد مرور دقيقة‬
‫تقبلني أن تكوني صديقتهُ قبل أن تكوني مريضته‬
‫من الصمت قال هلا وهو ينظر إليها بانتباه‬
‫؟ مبعنى جنوني هل ميكن أن تثقي بهذا‬
‫شديد‪:‬‬
‫الشيطان الذي يقفُ أمامك ؟‬
‫ـ رمبا كان جميئي مزعجًا‪ ،‬لكن اخلالصة أنين‬
‫أراد أن يضيف شيئًا لكنه اختار أن يتوقف هنا‬
‫جئتُ ألساعدكِ فقط‪ ..‬جيب أن تتأكدي من‬
‫ـ سئمتكم مجيعًا‪ ..‬أريد أن أكون وحدي دائما !‬ ‫هذا الشيء‪ .‬حننُ يف غابة هذه حقيقة؛ لكن ليس‬
‫قال مندفعًا ‪:‬‬ ‫اجلميع وحوشًا‪ .‬مثلًا أنتِ تعيشني يف هذهِ الغابة‬
‫لكنكِ ضحية تفرتسها الوحوش! أنا هنا يا مريم‬
‫ـ سأكون وحدتك !‬
‫ال ألجعلكِ وحشًا مثلهم بل ألجعلكِ أقوى‬
‫متتمت ‪:‬‬
‫منهم‪ ..‬إن الضعفاء وحدهم هم الذينَ يقدمون‬
‫ـ انصرف‬ ‫على ارتكاب اجلرائم‪ .‬أما الشجعان فهم من‬
‫سأهلا على غري إرادة منه ‪:‬‬ ‫يتجاوزونها !‬

‫ـ ما هو الكتاب الذي كنتِ تقرأينه قبل دخولي؟‬ ‫اب تسمت مريم أخريًا‪ ..‬لكن ابتسامتها كانت تنم‬
‫عن اضطرابها وحزنها ثم قالت وهي تلقي عليه‬
‫لكنه مل حيصل على جواب‪..‬‬
‫نظرة ‪:‬‬
‫وقف وهو ينظر إليها واستأنفَ كالمه ‪:‬‬
‫ـ كلهم شياطني !‬
‫ـ سأنصرف كما طلبتِ‪ ..‬لكنين موجود و سأعود‬
‫قالت كلهم مل تقل كلكم‪ ..‬هذا ما جعل‬
‫إليك ! سأكون أول شيطان يرافق املالئكة‪.‬‬
‫الدكتور رمزي يبتسم كما مل يبتسم من قبل!‬
‫نادت عليه‪ ..‬بعد حلظة صمت ‪:‬‬
‫قال هلا مبودة ‪:‬‬
‫ـ رمزي‬
‫ـ هذا رأي فاسد‪ ..‬مستحيل ‪ ،‬ليس مجيع الرجال‬
‫التفت إليها قبل أن ينصرف ثمّ قالت‪:‬‬ ‫شياطني! أنا على يقني من هذا‪.‬‬
‫ـ إذا كان هناك جزء ثانٍ لرواية كيف تقتلنيَ‬ ‫ـ ال تقل ذلك‪ ..‬أشعر بأني سوف أتقيأ !‬
‫رجلًا ؛ ناشدتكَ اهلل أرسلها لي!‬
‫ـ لكِ ما تشائني‪..‬لن أقول ذلك! طيب‪ ..‬هل‬
‫تسمحني هلذا الشيطان أن يزوركِ كل يوم؟ هل‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪103‬‬


‫صرخة‬
‫عزة راجح‬

‫كاتبة و شاعرة ‪ .‬مصر‬

‫غائبا رفضَ اإليابْ‬

‫وأشاحَ الوجهَ عنَّا ‪..‬‬

‫دون لومٍ أو عتابْ‬

‫أن لصوته قد كتمنا‬

‫وارتضينا ‪..‬‬

‫أن يُدثر رغم طهره بالرتاب‬


‫يا ضمريَ الكونِ قل لي ‪..‬‬

‫كيف ننكرُ ‪..‬‬

‫أن نورَ احلقِّ شئنا‬

‫أو أبينا ‪..‬‬

‫سوف حييا رغم موته‬

‫بني طياتِ الكتاب‬


‫دعوةً هلل تشهد‬

‫أننا عمدًا نأينا‬

‫وانتهينا ‪..‬‬

‫ملَّ فينا احلقُّ غابْ‬

‫يا ضمريَ الكونِ قل لي‪..‬‬

‫كيف تنسى‬ ‫يا ضمريَ الكونِ قل لي ‪..‬‬


‫كيف ننسى ‪..‬‬ ‫كيف تُنتهكُ الرباءةُ بني أنيابِ الذئابْ‬
‫أن هلل املآبْ‬ ‫كيف صارَ احلقُّ فينا ‪..‬‬

‫اللوحة للفنان العراقي علي نعمة‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪104‬‬


‫متاهات‬
‫نبيلة بكاكرية‬

‫كاتبة و شاعرة ‪ .‬اجلزائر‬

‫ستظلّ بال سقف؛‬ ‫احملطّة الوحيدة اليت ال يسلكها؛‬ ‫منذ أزهلا؛‬

‫إذا أمطرت يف داخلك بال توقّف!‬ ‫قطار احلياة؛‬ ‫تلهث عقارب الوقت‬

‫عندما نغيب متاما؛‬ ‫هي قربك!‬ ‫تتسابق حنو ذات الوجهة؛‬

‫سيحبّونها أكثر ؛‬ ‫نصل النفاد‪!..‬‬

‫صورنا املعلّقة على حائط‬ ‫بيين وبني املوت؛‬


‫الفراغ!‬ ‫مسافة عمر‪..‬‬
‫إذا كنت غريبا عن‬ ‫على بعد شهقة؛‬
‫جسدك؛‬
‫ترتبّص‬ ‫كم‬
‫حتما ستسقط منك يف‬ ‫بصدري أنفاسه!‬
‫متاهاته!‬
‫الطريق إليك؛‬
‫ويقف شوكة يف حلقك؛‬
‫تفرتشه املرايا‬
‫هذا العامل الرّهيب!‬
‫أهذا وجهك أم‬
‫هل ترتدي معطف احلزن؛‬ ‫تاريخ شظايا ؟!‬
‫يف كل فصل!‬ ‫الرّيح اليت تقضّ‬
‫سوف يطول إذن؛‬ ‫هدوء النّافذة‬

‫شتاؤك‪ ،‬وعريُ الفصول!‬ ‫ليس املوت من حقّ املوتى فقط؛‬ ‫هل تعلم أن البيت‬

‫الدّرب الذي عبّدته أنفاسي ؛‬ ‫من حُطام‪!..‬‬


‫أنظر جيدا رمبا‪..‬‬
‫كاد يلفظ أنفاسه؛‬ ‫العني اليت تقرتف لغة البوح؛‬
‫جتلس بقربك جثة يسكنها احلزن‪!..‬‬
‫قبل أن تنتهي خُطاي‪!..‬‬ ‫ما باهلا‪ ،‬تُفشي سرّ كلّ عابر ‪!..‬؟‬
‫إنّها متطر يف اخلارج بشدة!‬

‫اللوحة للفنان العراقي علي نعمة‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪105‬‬


‫انتظار‬
‫صابر حجازي‬

‫كاتب و شاعر ‪ .‬مصر‬

‫أحيا مقهورا‬ ‫يلقاني إمياني‬ ‫أبصر أقداري تطعن يف عمري‬

‫بفؤوس الصمت احلجرية‬ ‫من خلف األسر‬ ‫كل األفراح‬

‫فأعود للحين‬ ‫مازال اجلرح النازف‬


‫**‬ ‫أصبح نغما مسحورا‬ ‫يصنع ليال‬
‫أبصر أقداري تطعن يف عمري‬ ‫من أرض احللم‬ ‫أبقي منتظرا يف يأسي‬
‫كل األفراح‬ ‫وأسافر‬ ‫أنفاسي‬
‫لكين‬ ‫فوق حكايا احلب الوردية‬ ‫ختتنق رويدا‬
‫أحيا أحلم‬ ‫كنسائم عشق عطرية‬ ‫لكين‬
‫بغدٍ آخر‬ ‫لكين‬ ‫أجتاهل كل جراحي‬
‫بصباح وضاء الطلعة‬ ‫أكتشف بأني‬ ‫أبغي املوت‬
‫ال زيف فيه‬ ‫كاألشجار‬
‫ال قهر‬ ‫**‬
‫فمتى يأتيين الفجر‬ ‫أبصر أقداري تطعن يف عمري‬
‫فميت يأتيين الفجر‬ ‫كل األفراح‬
‫إني أنتظر‬ ‫أهدهد نفسي‬

‫أشعر بالنغمة تسري بني عروقي‬


‫وأحطم شكي‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪106‬‬


‫اليـــوم ‪:‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫أحمد يوسف داود‬
‫‪...‬هي حين هلت!‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫كاتب و شاعر ‪ .‬مصر‬

‫فيَلهو بي نَبيذُ حُضورِها‪..‬‬ ‫هيَ يف جُمانِ السِّرتِ‬

‫وتَدورُ كأسٌ بينَنا‪:‬‬ ‫تُشرقُ كُلّما أَذِنَتْ مَطالِعُها‬

‫فأنا بنِعمَتِها املُبارَكُ والرَّجيمُ!‪.‬‬ ‫وتَغرُبُ إنْ غَ َوتْ‪..‬‬

‫وأنا على أرَقي مُقيمُ!‪.‬‬


‫سأظلُّ تَلهو بي أصابِعُها‪:‬‬

‫إذا يوماً أشارتْ جِئتُ تَوّاباً‪..‬‬ ‫كَفّي تَذوقُ خَيالَها‬

‫وأطلُبُ أن تظلَّ خَطيئَيت أبَداً‬ ‫فبَراعِمُ النّجوى تُبارِكُين‪..‬‬

‫سُجودَ القلبِ حَيثُ بَدتْ‪..‬‬ ‫وأحْالمُ اجلَوى تُملي نَعيماً‬

‫فشَعّتْ حَولَ بَسمَتِها النُّجومُ!‪.‬‬ ‫كي يُعَذِّبين النّعيمُ!‪.‬‬

‫‪------------‬‬

‫قَبلَ عامْ‪.‬‬ ‫هيَ ال تَقولُ سِوى ابتِسامتِها‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪107‬‬ ‫اللوحة للفنانة المصرية هدى السعيد ‪.‬‬
‫حمى‬

‫األسئلة ‪..‬‬ ‫شقراء مدخلي‬

‫شاعرة و كاتبة ‪ .‬سعودية‬

‫مين اجلواب‬ ‫إىل مزاجها العالي و هي ترتب‬


‫من أين يأتي الشعر‬ ‫صديقيت‬ ‫الطريق ‪..‬‬

‫من بوابة القلب اجلريح‬ ‫فأنا هباء آخر يف الغيب‬ ‫من أين‬

‫و من خطايا العابرين على صراط‬ ‫يستجدي العوامل كنهه‬ ‫يأتي الشعر‬

‫العمر‬ ‫و أنا مزاج للزهر ‪..‬‬ ‫قالت وردة‬

‫من تلك الندوب بصفحة الذكرى‬ ‫من جعبِ فلٌ‬ ‫مل تقرتف ذنب انعتاق العطر‬

‫و مما ال يضمده الكدر‬ ‫يف ختوم ردمية‬ ‫يف الطرقات‬

‫و من املعاني‬ ‫كانت بداياتي‬ ‫يوماً‬

‫و هي تولد مرة‬ ‫و كنت كقبوةٍ تهوى التأنق‬ ‫مل يبللها املطر ‪..‬‬
‫و متوت تكراراً ليضحك شاعر‬ ‫يف ليالي العيد‬ ‫من أين يأتي الشعر‬

‫و يصفق اجلمهور‬ ‫كنتُ كعضية علقت مبدمج طفلة‬ ‫هل من شهقة يف الالزورد‬

‫مغتبطاً بأطياف الكالم املبتكر‬ ‫و متايلت قبل السحر‬ ‫أمام شالل النجوم‬

‫ال تطليب‬ ‫و هل جيئ من انكسارات القمر ؟‬


‫من كل ما يف الروح‬ ‫من أين‬
‫مين اجلواب‬
‫تنزفين القصائد‬ ‫يطعنها السؤال‬
‫و ال تقولي‬
‫عنوة‬ ‫و ما تزال‬
‫للبنفسج يف دمي‬
‫و أظل منفياً‬ ‫حبيسة املعنى تردد‬
‫من أين يأتي اللون‬
‫أُحَلِق يف جمازات البعيد‬ ‫رمبا هو هكذا يأتي خفيفاً كالغيوم‬
‫يا نسج اخلريف املرمري‬
‫و بني طيات الصور ‪..‬‬ ‫و رمبا يأتي و لكن كالقدر !‬
‫فهذه األشجار عارية الفصول‬

‫و ليس لي إال التوجع و النظر‬ ‫ال تطليب‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪108‬‬


‫طيف الحب‬
‫من ديوان االحتضار االخير‬

‫محمد السيد موسى‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬مصر‬

‫تنبش‬ ‫بهذي الطيور ‪ ..‬وهذا املدى‬


‫مسراها‬ ‫وذكريات يف ممرات الصدر‬
‫هل حقا‬ ‫يشفها األسى‬
‫أهواك ؟‬
‫إن عاد اللحن الغائب‬ ‫ملاذا ‪ ..‬لك احلسن وحدك‬
‫ما زال صوتك الندى‬
‫يهز مجاجم ذكرانا‪..‬‬ ‫تقيمني ‪ ..‬وال ترحلني‬
‫يسكن أحشائي‬
‫ويتجلى طيف احلب‬ ‫كنهر من اليامسني‬
‫أتذكر عيناك ‪..‬‬
‫يوشى نسيج هوانا‪..‬‬ ‫كنور يضيء‬
‫حني تعانق دفئهما بأوتاري‬
‫سيشري العامل‬ ‫دياجي السنني‬
‫وانطلق ضياء وردى‬
‫بأنا قد خضنا الشاطئ‬ ‫عرفتك وفؤادي يزأر‬
‫يشعل قوارب حبى‬
‫رغم اإلعصار‬ ‫من وجع خلليج قد عاد‬
‫املنطلقة بأنهاري ‪..‬‬
‫وأبينا أن نسلك درب العشاق‬ ‫جيرجر ألواح احلسرة‬
‫أريد أن يغمرني شوقك‬
‫ليكون احللم القادم‬ ‫الفريوز الذابل فى البحر‬
‫وميتد إىل‬
‫أن نطوى قاموس الوهم‬ ‫ومشوس متضى وتغيب‬
‫قمر لياليك الشارد‬
‫ويكون االسم األوحد‬ ‫مل أمسع صوت اجلندي‬
‫أريدك فراشة‬
‫جلواد قلبينا األبيض‬ ‫الضائع من عام ماضٍ‬
‫ترقى وتهيم بأشجاري‪..‬‬
‫بقاء الضوء‬ ‫بني سراديب الغربة‬
‫حبيبيت ‪..‬‬
‫إميانا بأنا قد نتوقع‬ ‫أملح وجهك‬
‫ضاع العمر األول‬
‫إغفاءً تاما‬ ‫مطموس يف كف الزهر‬
‫وتدىل هدير األقدار‬
‫ملصابيح احلب‬ ‫املتناثر يف جنع الوقت‬
‫من سقف رؤانا‪..‬‬
‫***‬ ‫أبعث أجنحيت‬
‫ماذا‬
‫تتالحق رياح و رياح‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪109‬‬ ‫اللوحة للفنان المصري أسعد عرابي‬
‫تعاتبني بالهجر‬
‫سميرة علي‬

‫شاعرة و كاتبة ‪ .‬مصرية‬

‫و تأنسه‬ ‫أ راك وملء عينيك‪...‬‬

‫وال ترى فيه العيوب‬ ‫تأمر وتنهي‬

‫ال يغيب عنك‬ ‫على هواها‬

‫وتفضحك عيناك‬ ‫كطفلة متلكها حب لعبة‬

‫وتردد سأتوب‬ ‫بها تتلهّى‬

‫وال تتوب ‪.‬‬ ‫ثم تسالها‬

‫أشتاق له‪..‬‬ ‫وحتسب أنها حرة‬

‫و الوصل إليه قد جفا‬ ‫فتمادت يف غلواها‬

‫و أعلل القلب‬ ‫تهوى أن تشقى وحيدة‬

‫بكلمات الرتوي‬ ‫وال تعرف غدواها‬

‫فتطيب له‬ ‫من مسراها ‪.‬‬

‫ويغفو متنهدا‬ ‫لن تتوب‬

‫علّ يلقى يف األحالم‬ ‫واحلب قدرُ مكتوب‬

‫ما فقد و متنىّ ‪.‬‬ ‫طعمه حلوً ومرُّ‬

‫و تألفه‬

‫طريقه يسرُ وعسر‬

‫اللوحة للفنان الروسي ليونيد أفريموف‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪110‬‬


‫أتذكرني ‪ ..‬؟!‬
‫شرق سومانيا‬
‫شفيق علي القوسي‬

‫شاعر القطرين‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬ميين ‪ ،‬سوداني‬

‫وأذكر منتهى رمسك‬ ‫أنا أذكر‬ ‫تقول حبيبيت حني التقيت بها‬
‫وحرفك عند توقيعك‬ ‫لفنجان من القهوة يقبل ثغرك‬ ‫أتذكرني؟!‬

‫ونربك عند ترجيعك‬ ‫األمحر‬ ‫أتذكر ذلك الشغف الذي أضحى‬

‫وخنصر كفك اليمنى‬ ‫لكوب التوت‬ ‫يالزمين‪ ...‬يناجزني‪...‬‬

‫إذا ما رمت توديعك‬ ‫للكيك الذي قد كان يف مظروفه‬ ‫أيا من غبت عن عيين‬
‫األخضر‬
‫وقرطك عند تشييعك‬ ‫وأنت اليوم تسكنين‪...‬‬
‫أنا أذكر‬
‫أنا أذكر‪ ....‬أنا أذكر‪...‬‬ ‫أتذكرني؟!‬
‫حروف اآله من شفتيك‬
‫ألنك لست خارجة عن األحشاء‬ ‫فقلت هلا ‪ :‬أيا قدري‪...‬‬
‫ورمش اجلفن يف عينيك‬
‫أنت الذات يف ذاتي‬ ‫ألست مشوس تشرينِ‬
‫ووردك‪ ..‬واهلوى الصايف‬
‫و لوعاتي‪ ...‬و مجراتي‪ ...‬و شهقاتي‬ ‫ألست النور‪ ..‬والبلور‪..‬‬
‫ومسح الكف يف فوديك‬
‫وأبياتي‪ ...‬ورناتي‪ ..‬وتغريدات بسماتي‬ ‫ودمي يف شراييين‬
‫أنا أذكر‪....‬‬
‫أنا أذكر‪...‬‬ ‫أنا أذكر‪ ....‬أنا أذكر‪...‬‬
‫وأذكر حر أنفاسك‬
‫فروحي أنت يف ذاتك‬ ‫سأذكر رعشيت األوىل‬
‫وشكل الثغر يف كاسك‬
‫وعقلي يف مروءاتك‬ ‫وترتيلي‪ ...‬وتغريداتي العجلى‬
‫ولون القابض املنديل‪..‬‬
‫وزفراتك‪ ....‬وشهقاتك‪...‬‬ ‫خطوط يديك أذكرها‬
‫وشكل املاسك املزهو يف راسك‬
‫أنا يف الكف واملعصم‬ ‫زهور العَرف أذكرها‬
‫للون الكحل يف عينيك يا حلوة‬
‫ويف شريانك املفعم‬ ‫وأذكر موج عينيك‬
‫لطعم عرائس السكر‪ ..‬أيا غنوة‬
‫ويف فستانك املتخم‬ ‫ومحرة مجر خديك‬
‫للون القهوة السمراء‪ ...‬للرغوة‬
‫أنا أذكر‪....‬‬ ‫مجوح قميص نهديك‬
‫لقرع الكعب يف قدميك‪ .‬والصبوة‬
‫أنا أذكر‬ ‫لكل شؤونك الصغرى أنا أذكر‬
‫أنا أذكر‬
‫أنا أذكر‪....‬‬ ‫للون اللبس‪ ...‬لعطر اهلمس‪ ..‬لدفء‬
‫فحرف ثالث يف امسي‬ ‫اهلمس‬
‫هو الثاني على امسك‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪111‬‬


‫فصول‬
‫حسان زموري‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬اجلزائر‬

‫يف الشّتاءِ سأغدو سحابةً‬

‫تبكيكَ مطرا‬

‫يف الرّبيعِ سأغدو حقلَ زهورٍ‬

‫وسأضعُ إكليال‬

‫على قربكَ‬

‫يف الصّيفِ سأغدو مشسا‬

‫سأذيبُ حزني‬

‫وأجفِّفُ زهورَ الرّبيعِ‬

‫وأدسُّها يف الرّسائلِ املهرتئةِ‬

‫يف اخلريفِ سأعاندُ األشجارَ‬

‫وأخلعُ أثوابَ حزني‬

‫وأمسحُ عيوني‬

‫دمعةً‪...‬دمعة‪.‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪112‬‬


‫ٌ‬
‫مجد سكران‬
‫لقمان محمود‬

‫شاعر و ناقد ‪ .‬كردي مقيم يف السويد‬

‫بنسيانٍ أعمى‬ ‫تكاسلَ احلبُّ كمجدٍ سكرانٍ‬

‫وَسْطَ ثرثرةٍ خجولةٍ‬ ‫يف يأسهِ األخريْ‬

‫من سَهَرٍ خجولٍ يؤاخي الفاجعَ‬ ‫وتهتَّكَ داللهُ مبا ذهبَ من بهاء‬

‫وميتحنَ الذهولْ·‬ ‫لريى املراثيَ حمبوكةً كاملكيدةِ‬

‫لكنين أمهِّدُ كلَّ ذلك‬ ‫حتتَ هواءٍ مُرْتَبِكٍ‬

‫وما يزامحهُ من عزلةٍ‬ ‫حتيَّر فيه الفراغَ·‬

‫متفكّراً بالعدم‬ ‫كأمنا استعراضٌ‬

‫كي أرى القمرَ‪ ،‬البعيدَ من حرييت‬ ‫يذبحُ فيه احلننيُ احلننيَ‬

‫اليت أساءتْ إىل طيشها‬ ‫أمامَ أشباحٍ‬

‫يف ملعان األبد·‬ ‫مضوا باخلسارةِ إىل اخلفيِّ‬

‫ليؤاخذَ الدمُ الدمَ‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪113‬‬ ‫اللوحة للفنان المصري خالد هنو‬
‫منتهي الصالحية‬ ‫سارة أحمد جحاف‬

‫سيسبان اليمنية‬

‫شاعرة و كاتبة ‪ .‬اليمن‬

‫سوى انعكاس احلائط‬ ‫وكيف اعتادت األقدام أن تكون حافيةً ؟‬


‫على املرآة!؟‬ ‫وكيف اعتادت السماء بال شغفُ ؟‬
‫فقد أحسن التصرف‬ ‫لوال الصالبة رغم رغباتنا املؤجلة‬
‫أكثر من الالزم‬
‫هانت و استحالت‬
‫كعصاة أعمى مازال‬
‫وتعاظمت طي الصفحات املسربة‪،‬‬
‫مسمارها‬
‫واخلطيئة املربرة‬
‫عالق رغم هشاشة‬
‫اخلشب‬ ‫تنتظر شخصاً باهلاوية‬

‫ومل يواس نفسه‬ ‫ال يذكر أنه استيقظ‬

‫أرخى يديه عن كل‬ ‫ليثري إعجاب تفكريه وأسلوبه‬

‫شيء‬ ‫ليحدث شيء ما‪،‬‬

‫لعل اهلل يكتبه‬ ‫فال طاقة له!‬

‫ليهرول خارج احلجارة‬ ‫ببطء قد حتول لشخص آخر‪،‬‬

‫ويعيد ترديد أنا خبري‪،‬‬ ‫يبحث يف املرآة عله‬

‫وحيتسي من عروقه‬ ‫جيد بقاياه‬

‫وطناً بديالً‬ ‫ككسرة خبز يابسة على الرصيف‬

‫منتهي الصالحية‪.‬‬ ‫أو كبقايا احللوى احلامضة على اللسان‪،‬‬

‫فلم جيد شيئا‬

‫اللوحة للفنان اإلسباني سلفادور دالي‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪114‬‬


‫حبيبتي فراشة‬
‫د ‪ .‬حمد حاجي‬

‫شاعر و كاتب ‪ .‬تونس‬

‫أخاف ‪ ..‬أخاف‪..‬‬ ‫‪.................‬‬


‫تبعثرني‬ ‫و أعرفُها‬
‫يف املدى والشتات‪..‬‬

‫أخاف ‪..‬‬ ‫تَعْلكُ الوقت يف‬

‫إَذَا غَضِبَتْ تَزْرَعُ الْعِشْقَ‬ ‫رعشة اآلونَة‪..‬‬

‫لُ ْغمََا‬ ‫تسافر يف رفّة الطري‬

‫ومتضي فتاتا‪ ..‬فتاتا‬ ‫تأتي بطرف جناح‬

‫مع األَزْمِنَةْ‬ ‫كما ثورة معلنهْ !!‬

‫‪.................‬‬ ‫جتيء وحتتل كلّ‬


‫مكانِِ‪...‬‬

‫وأعرفها من دمي تنزع‬


‫األمكنْة‬

‫حلمَام‬
‫و تأْتِي كمثل ا َ‬

‫ترفرف يف خافقي‬

‫و تعَشِّشُ فِي املَدْخَنَةْ‬

‫تَجِيءُ بِرَجْفَةِ مَوَّالِهَا‬


‫اللِّيِنَةْ‬

‫وَتَسْرِي بِتَنْهِيدَةِ‬
‫الوحي‬

‫كما مِئْذَنَةْ‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪115‬‬


‫أطالل قليب‬
‫عبد الله ساتي‬

‫شاعر و قاص ‪ .‬سوداني‬

‫ﺷﻴعته ﺣﺒﻚ ﻭﺫﻛﺮﻳﺎﺗﻮ‬ ‫ﺟﺎﻱ ﺗﺴﺄﻝ ﻋﻦ ﻗﻠﻴﺐ‬

‫ﻭﺩﻋته ﺑﻲ ﺍﻟﻨﻮﺡ ﻭﺍﻟﺪﻣﻮﻉ‬ ‫ﺑﻲ ﻭﺭﺍﻙ ﺻﺎﺑﻮ ﺍﻤﻟﺤﻞ‬

‫ﺷﻮﻓﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﺍﻃﻼﻝ ﻏﺮﺍﻣﻚ‬ ‫ﻗﺎﻳﻠﻮ ﻟﺴﻪ ﻓﻲ ﺍﺧﻀﺮﺍﺭه‬

‫ﺷﺎﻳﻠﺔ ﺃﺣﺰﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﻀﻠﻮﻉ‬ ‫ﻭﻟﺴﻪ ﺯﺍﻫﺮ ﺑﻲ ﺍﻻﻣﻞ‬

‫ﻣﺎﺑﺤﻦ ﻟﻲ ﺯﻭﻝ ﺑﺠﺎﻫﺮ‬ ‫ﻣﺎﺍﻟﺮﺣﻴﻖ ﺟﻔﺖ ﻣﻨﺎﺑعه‬

‫ﺑﻲ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻭﻳﻨﺴ ﻰ حبه‬ ‫ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﺵ ﻃﺎﺭ ﻭ ﺍﺭﺗﺤﻞ‬

‫ﻻ ﺑﻌﻮﺩ ﻟﻲ ﺫﻛﺮﻯ ﻣﺮﺓ‬ ‫ﻭﺍﻟﻨﺠﻴﻢ ﺍﻟﻜﺎﻥ ﺑﺴﺎﻣﺮ‬

‫ﺳﻴﺪﻫﺎ ﻗﺎﺳ ﻲ ﻭﺟﺎﻓﻲ قلبه‬ ‫ﺑﻲ ﻭﺭﺍﻙ ﺭﻭﺡ ﺃﻓﻞ‬

‫ﺳﻜﺖ ﻧﻮﺍﺣﻚ ﻳﺎﺣﻨﻴﻥ‬ ‫ﻣﺎﺍﻟﺪﺭﻳﺐ ﺍﺻﺒﺢ ﻣﺘﺎﻫﺔ‬

‫ﻣﺎﻓﻲ ﻃﻴﺮ ﻣﺎﺑﺤﻦ ﻟﻲ ﺳﺮبه‬ ‫ﻭﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺗﺸﺘﺎﻕ ﺍﻟﺮﺟﻮﻉ‬


‫ﻭﺍﻟﻘﻠﻴﺐ ﺣﻴﺮﺍﻥ ﻣﻮﺟﻊ‬
‫ﺭﻳﺢ ﺟﻔﺎﻙ ﻃﻔﺖ ﺍﻟﺸﻤﻮﻉ‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪116‬‬


‫لوحة الفنان التشكيلي المصري‬
‫د‪ .‬عبد الناصر السعدني‬

‫خطوط الزمن‬ ‫د ‪ .‬حمزه عالوي مسربت‬

‫أكادميي و ناقد ‪ .‬عراقي‬

‫حط اجلسد على وسادة احلياة ‪ ..‬وجرات األمل تصفع الوجنات ‪ ،‬دشابها العمر‬
‫والتجوال يف حمطات األقدار ‪ ..‬زاد البندول من‬
‫رنني دقاته ‪ . .‬الزمن يعجل العمر واخلطوات‬
‫تنهار ‪ ،‬واألنامل تتكأ على مسند أجنبته‬
‫األ شجار ‪ .‬فريدا ‪ ..‬مسافرا ‪ ..‬صامتا ‪ ..‬غريب‬
‫الزمان ‪ .‬حياور ذاته بتمتم السؤال ‪ ..‬يقرتب من‬
‫ضفاف املوت ‪ ،‬ويغرق باألفكار اليت تأرجحه بني‬
‫أرصفة الطرقات ‪ ..‬تعرب اللوحة الفنية عن رجل‬
‫كبري السن ‪ ،‬أرهقت فكره احلياة وشاب بصره‬
‫من رؤية رمادية سكنت مقلتيه ‪ ،‬وجهه متهرأ‬
‫غزته التجاعيد وخنرت شفتاه كسرة اخلبز‬
‫املتصحر ‪.‬‬
‫اللونني ‪ ،‬فضال عن أنها تعرب عن جتاعيد الزمن اليت جاءت‬ ‫جسدت اللوحة االبعاد‬
‫لتتوافق مع ما ارتسم على لوجه وطيات الرداء ‪ ،‬أعطى الفنان‬ ‫وحلظة‬ ‫‪،‬‬ ‫النفسية‬
‫حتول زمين من الشموخ إىل أحناء اجلسد الذي منح اللوحة‬ ‫انتظار القدر ‪ ،‬والقلق من الوجود ‪ ،‬توافق الشكل البصري مع‬
‫الفنية حركة تثري املتلقي وتتعاطف مع الشكل البصري ؛‬ ‫املضمون ‪ ،‬وكذلك توافق الزمان حيث انقضاء املاضي وطول‬
‫وجعل من العصا اليت يتكئ عليها رمزا هلاوية الزمن واستدراج‬ ‫رحلة العمر ‪ ،‬واملكان وهو جيول الكون قلقا من وجوده يف احلياة‬
‫العمر حنو التالشي ‪ ،‬متكن الفنان أن خيلق توافق بني اجلسد‬ ‫‪ .‬اعطت اللوحة الفنية حالتني ‪ :‬السلب ‪ ،‬اإلهمال ‪ ،‬أما‬
‫يف شكله والروح اليت أضناها الزمن و بني املادة اليت اتكئ عليها‬ ‫االجياب فهو التعاطف مع الشكل البصري و ما أصابه من‬
‫؛ حققت اللوحة الفنية رؤية متوازنة ما بني اجلسد يف حركته‬ ‫الالمباالة لإلنسان وهو يدنو من شفا التوديع ‪ .‬يعطي الشكل‬
‫املائلة وما يناظرها املسند الذي يتكئ عليه ‪ ،‬مينح املشهد‬ ‫البصري صراعا ذاتيا بني اإلنسان ‪ ،‬وموضوعية الوجود ؛ وبني‬
‫البصري املرسوم املتلقي قراءة تفصح عما يف داخل الرجل‬ ‫الشعور ‪-‬اإلنسان‪ -‬والالشعور ملن اعتلى السلطان ‪ ،‬جاء اللون‬
‫معاناة العمر وامل السنني ؛ أي أن هناك عالقة بني الظاهر‬ ‫الرمادي ليتوافق مع الزمن والعمر ‪ ،‬أما الرداء البين الذي‬
‫والباطن ‪ ،‬بني ما خيتلج يف ذهنه وما يبوح به شكله التعبريي‬ ‫يتخلله األخضر يرمز إىل احلنني للوجود ؛ كما أنه حيمل‬
‫‪.‬‬ ‫صبغة تراثية ‪ ،‬عمد الفنان إىل التقطيعات اخلطية يف اجلدار‬
‫اخللفي والرداء ‪ ،‬من أجل أن يعطي امتداداً تعبريياً ما بني‬
‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪118‬‬
‫آخر الكالم‬
‫ً‬
‫وداعا لألحبة‬
‫سليم و صحبه‬

‫أحمد بن عفيف النهاري‬

‫كثرية هي حوادث الزمان اليت نود يف كل عددٍ أن نتطرق‬


‫إليها ‪ ، ..‬لكن الوقت يدهمنا و ال نستطيع مواكبة كل‬
‫شيء ‪ ، ..‬جاءنا يوم ‪ 28‬نوفمرب بفاجعة رحيل الشاعر‬
‫العروبي الكبري عبد العزيز املقاحل و هو رئيس اجملمع‬
‫العلمي اللغوي اليمين ‪ ،‬و يعد رائد القصيدة اليمنية‬
‫املعاصرة ‪ ،‬و يف هذا يقول الشاعر نبيل قاسم ‪:‬‬

‫أضناك يا وطين رحيل األوفياء املخلصني‬

‫أبكاك ياصنعا غياب الصادح احلر األمني‬

‫بعيداً عن هل كان يستحق هذا اجلزاء أو ال ‪ ،..‬فنحن ال‬ ‫إن فارق األوطـ ـ ـان أحباب متلـ ـكها احلنني‬
‫متلك األدوات القضائية اليت مبوجبها نستطيع تقدير‬ ‫و حنن يف خضم نعينا هلذا الراحل الكبري ‪ ،‬و يف العاشر من‬
‫احلكم ‪ ،..‬لكننا نعلم أن سليم ذهب لتنفيذ هذا احلكم و هو‬ ‫ديسمرب جاءنا نعي الشاعر املصري املفكر واألكادميي‬
‫يف قمة الطمأنينة ‪ ،‬إذ أنه كتب ليلة إعدامه ‪ :‬ال قلق‬ ‫البارز صالح فضل رئيس جممع اللغة العربية يف مصر ‪ ،‬و‬
‫‪..‬طمأنينة وارفة‪ ..‬وروحٌ حتلق يف الفراديس‪ ، ..‬فكونوا خبري‬ ‫بفقدهما ختسر األمة العربية كثرياً ‪ ،‬و عوضنا يف‬
‫أيها األنقياء‪ ، ..‬و قبل ذلك بأيام نشر بيتاً ألبي القاسم‬ ‫تالمذتهما الذين نعول الكثري عليهما ‪..‬‬
‫الشابي ‪ ،‬و كأمنا هو يعرب عن ذاته ‪ :‬جَفّ سحرُ احلياة ‪,‬يـا‬
‫ثم رزئنا بفقدٍ موجع آخر ‪ ،‬أال و هو إعدام زميلنا الشاعر و‬
‫قليبَ الباكي" ‪".‬فهيَّا‪ .‬نُجَـرِّبِ املــوت‪ ..‬هيَّـا !‪ ، ..‬ثم مضى‬
‫األديب و الناقد احلصيف سليم املسجد ‪ ،‬رمحة اهلل على‬
‫إىل حتفه هادئاً مطمئناً ‪ ،‬و كأمنا أراد التحليق حقاً يف‬
‫اجلميع ‪ ، ..‬كان سليم شاعراً قاصاً و ناقداً متبحراً ‪،..‬‬
‫الفراديس ‪ ..‬رمحه اهلل تعاىل ‪ ، ..‬ثالثة شعراء و كتاب و‬
‫تعر فنا إليه يف هذا الفضاء اإللكرتوني ‪ ،‬و أدهشنا لفرط‬
‫أدباء ‪ ،‬خسرهم املشهد الثقايف العربي ‪ ،‬يف موعد احتفاء‬
‫نبله و أدبه ‪ ،‬و كان ممن أرسى مداميك جملتنا هذه و‬
‫العامل باللغة العربية ‪ ، ..‬اللغة العربية اجلذر األم للكثري‬
‫غريها من املنابر الثقافية مثل جملة نقش ‪ ،..‬و كنا‬
‫من اللغات اليوم ‪ ،‬و هي اللغة اليت يتحدث بها ماليني البشر‬
‫نعتقده يتمتع بفسحة من احلرية و رخاء العيش ‪ ،..‬لكننا‬
‫اليوم ‪ ،‬و تعدد أنواع اللغات فهناك لغات ميتة و هناك لغات‬
‫تفاجئنا بأن كل هذا اإلبداع يرزح حتت نري السجن منذ‬
‫نائمة ‪ ،‬و هناك لغات حية ‪ ،..‬و نستطيع التأكيد متاماً أن‬
‫عقد من الزمان ‪ ،‬و أن كل هذا اإلبداع من خلف القضبان‬
‫اللغة العربية هي لغة متتلك الكثري من مقومات احلياة و‬
‫‪ ،..‬ثم جاءت الفاجعة خبرب إعدامه قصاصاً لقتله رجل ‪،..‬‬
‫البقاء ‪..‬‬

‫وطني العدد ‪ 14‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2022‬‬ ‫‪119‬‬

You might also like