Inbound 8944465546319886881

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 105

‫الجـمـهـوريـة الـجـزائـرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التـعـلـيـم العالي والبحث العلمي‬


‫حمه لخضر ال ــوادي‬
‫ج ــامعة الشهيد ّ‬
‫قسم اللغة واألد العر ي‬ ‫كلية اآلدا واللغات‬
‫مذكرة عنوان ‪:‬‬

‫تداولية أفعال الكالم في الخطا النبوي‬

‫* ا المغازي من مختصر صحيح البخاري*‬

‫‪ -‬ين القرنين الثامن والعاشر الهجريين‪-‬‬


‫مذكرة تخرج معدة ضمن متطلبات نيل شهادة الماستر في اللغة واألد العر ي‬
‫تخصص ‪ :‬لسانيات عامة‬
‫إشراف الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬
‫محمد الصالح زغدي‬ ‫آمنة ميلود‬
‫خديجة العقون‬
‫الصفة‬ ‫مؤسسة االنتساب‬ ‫األستـــــــاذ‬
‫رئيس‬ ‫جامعة الشهيد حمة لخضر‪-‬الوادي‬ ‫د‪ ..‬علي مدلل‬

‫مشرفا ومقررا‬ ‫جامعة الشهيد حمة لخضر‪-‬الوادي‬ ‫د‪ .‬محمد الصالح زغدي‬
‫عضو مناقش‬ ‫جامعة الشهيد حمة لخضر‪-‬الوادي‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز ن هنية‬

‫الموسم الجامعي‪3419/3418 :‬هـ ‪1038/1037 -‬م‬


‫ق ـ ـ ـال تعـ ـ ـ ـ ـالى‪:‬‬
‫نسا َن ِم ْن َعلَق (‪ )2‬اقْـ َرأْ َوَرُّ َ‬
‫ك ْاألَ ْك َرم (‪)3‬‬ ‫ك الَّ ِذي َخلَ َق (‪َ )1‬خلَ َق ِْ‬
‫اْل َ‬ ‫﴿اقْـ َرأْ ِ ْ‬
‫اس ِم َرِّ َ‬

‫نسا َن لَيَطْغَى (‪ )6‬أَن‬ ‫نسا َن َما لَ ْم يَـ ْعلَ ْم (‪َ )5‬ك َّال إِ َّن ِْ‬
‫اْل َ‬ ‫الَّ ِذي َعلَّ َم ِالْ َقلَ ِم (‪َ )4‬علَّ َم ِْ‬
‫اْل َ‬
‫الرجعى (‪ )8‬أَرأَي َ ِ‬
‫ت الَّذي يَـ ْنـ َهى (‪َ )9‬ع ْبدا إِ َذا َ‬
‫صلَّى‬ ‫َْ‬ ‫استَـغْنَى (‪ )7‬إِ َّن إِلَى َرِّ َ‬
‫ك ُّ ْ َ‬ ‫َّرآه ْ‬

‫ت إِن َكا َن َعلَى الْه َدى (‪ )11‬أ َْو أ ََم َر ِالتَّـ ْق َوى (‪ )12‬أ ََرأَيْ َ‬
‫ت إِن َك َّذ َ‬ ‫(‪ )11‬أ ََرأَيْ َ‬

‫َّاصيَ ِة (‪)15‬‬
‫َن اللَّهَ يـرى (‪َ )14‬ك َّال لَئِن لَّم ينتَ ِه لَنَس َفعا ِالن ِ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َوتَـ َولى (‪ )13‬أَلَ ْم يَـ ْعلَم أ َّ َ َ‬
‫الزَانِيَةَ (‪َ )18‬ك َّال َل ت ِط ْعه‬
‫اديَه (‪َ )17‬سنَ ْدع َّ‬ ‫َ‬
‫اذ ة َخ ِ‬
‫اطئَة (‪ )16‬فَـلْي ْدع نَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نَاصيَة َك َ‬

‫اسج ْد َواقْـتَ ِر ۩ (‪﴾ )19‬‬


‫َو ْ‬

‫(سورة العلق)‬
‫شكر وعرفان‬

‫>>‬
‫انطالقا من قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ << :‬من ل يشكر الناس ل يشكر اهلل‬

‫نشكر اهلل عز وجل الذي أنعم علينا بالصحة والعافية إلمتام هذا العمل‪.‬‬

‫كما نتقدم جبزيل الشكر وكل معاين التقدير‬

‫إىل األستاذ املشرف "محمد الصالح زغدي"‬

‫على بذل جمهوده الكبري‬

‫من أجل جناح هذا البحث‪.‬‬

‫ونتقدم أيضا بالشكر‬

‫إىل كل من قدم لنا يد العون من قريب وبعيد‪.‬‬

‫*خديجة ‪ -‬آمنة*‬
‫مـ ـ ـ ـ ـقدمة‬
‫م ـ ـ ـقدمة‬

‫مقـدمة‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف املرسلني خامت األنبياء حممد صلى اهلل عليه‬
‫وسلم أما بعد‪:‬‬
‫تعترب قضية املعىن من القضايا اليت اهتم العلماء والفالسفة واللغويون بالبحث فيها ودراستها‬
‫للوصول إىل معاين األلفاظ وداللتها‪ ،‬حيث ظهرت العديد من النظريات الداللية اليت سعت إىل‬
‫الكشف عن املعاين اخلفية لأللفاظ يف الرتاكيب والبىن‪ ،‬وهذا ما جتسد عند أصحاب التيارين‬
‫الشكالين والبنيوي اللذين قاما بعزل املؤلف عن النص وهذا ما يعرف عند "روالن بارت" مبوت‬
‫املؤلف ‪.‬‬
‫ويف ظل هذه الدراسات اللسانية ظهرت تيارات أخرى من بينها التيار التداويل وهو اجتاه لساين‬
‫يدرس العالقة بني اللغة ومستعمليها يف سياقات خمتلفة بني متكلم وسامع‪ ،‬حيث يهتم هذا التيار‬
‫التداويل بالعديد من النظريات من بينها نظرية األفعال الكالمية اليت ظهرت عند أوستني وطورها‬
‫تلميذه سريل‪ ،‬وتعين ما ينجزه املتكلم مبجرد تلفظه بلفظ معني‪.‬‬
‫وحديثنا مل يكن نظريا فقط بل خصصنا له جانبا تطبيقيا‪ ،‬حيث قمنا باستخراج األفعال‬
‫المغازي"‪ ،‬وتقوم هذه‬ ‫الكالمية املوجودة يف باب من أبواب خمتصر صحيح البخاري أال وهو " ا‬
‫الدراسة على حتليل مناذج خمتارة من احلديث النبوي الشريف حتليال لغويا ووصفيا ‪.‬‬
‫وكان سبب اختيارنا للموضوع هو جدته وحب التعرف على التداولية أكثر من خالل دراستنا‬
‫هلا يف اجلامعة واهتمامها أكثر بدراسة الكالم‪ ،‬فكان عنوان حبثنا هو ‪ :‬تداولية أفعال الكالم في‬
‫الخطا النبوي " ا المغازي من مختصر صحيح البخاري "‬
‫قوت صلتنا باملوضوع وعززت حمبتنا له نظرا الستعمال الرسول صلى اهلل عليه وسلم أثناء‬ ‫وقد ْ‬
‫غزواته للعديد من األفعال الكالمية اليت تدل على اإلخبار أو التوجيه أو التعبري أو االلتزام بفعل شيء‬
‫أو اإلعالن عنه‪.‬‬

‫أ‬
‫م ـ ـ ـقدمة‬

‫ومن أجل الوصول إىل هذه احلقيقة نطرح اإلشكالية اآلتية‪ :‬ما تداولية األفعال الكالمية في‬
‫الخطا النبوي؟‬
‫ولإلجابة عن هذا اإلشكال اتبعنا اخلطة اآلتية واليت جاءت على هذا النحو ‪ :‬مقدمة ومدخالن‬
‫وفصالن وخامتة ‪.‬‬
‫ـ المقدمة ‪.‬‬
‫ـ مدخل الفصل األول‪ :‬حملة عن التداولية كمدرسة لسانية جديدة‪.‬‬
‫فقد تناولنا فيه اجلذور العربية والغربية للتداولية ودرجاهتا‪.‬‬
‫النبوي وقد‬ ‫أما الفصل األول‪ :‬فهو فصل نظري كان بعنوان‪ :‬تداولية أفعال الكالم في الخطا‬
‫احتوى على ثالثة مباحث يندرج حتت كل مبحث عدة مطالب‪ ،‬فاملبحث األول كان بعنوان ماهية‬
‫التداولية‪ ،‬وحيتوي على مخسة مطالب فاملطلب األول هو التعريف بالتداولية (لغة واصطالحا)‬
‫واملطلب الثاين هو أركاهنا أما املطلب الثالث هو مهامها واملطلب الرابع هو جماالهتا أما املطلب‬
‫اخلامس واألخري هو أيميتها‪ ،‬واملبحث الثاين كان بعنوان أفعال الكالم‪ ،‬وحيتوي على أربعة مطالب‬
‫فاملطلب األول هو حملة عن نظرية أفعال الكالم واملطلب الثاين هو مفهوم الفعل الكالمي حيث‬
‫تطرقنا فيه إىل التعريف بالفعل والكالم ( لغة واصطالحا) ومفهوم الفعل الكالمي أما املطلب الثالث‬
‫هو فكرة أفعال الكالم عند أوستني واملطلب الرابع واألخري كان بعنوان أفعال الكالم عند سريل‪ ،‬أما‬
‫املبحث الثالث كان بعنوان اخلطاب النبوي ويندرج حتته أربع مطالب‪ ،‬املطلب األول هو مفهوم‬
‫اخلطاب (لغة و اصطالحا) واملطلب الثاين هو مفهوم اخلطاب النبوي أما املطلب الثالث هو دوافع‬
‫اخلطاب النبوي واملطلب الرابع واألخري فهو عناصر اخلطاب النبوي‪ ،‬مث ختمنا هذا الفصل خبالصة‬
‫ذكرنا فيها أهم النتائج اليت توصلنا إليها ‪.‬‬

‫ب‬
‫م ـ ـ ـقدمة‬

‫وأما الفصل الثاني‪ :‬فهو فصل تطبيقي كان بعنوان‪ :‬تطبيق األفعال الكالمية في كتا المغازي من‬
‫مختصر صحيح البخاري ‪.‬‬
‫بدأناه مبدخل تناولنا فيه التعريف باإلمام البخاري‪ ،‬مث التعريف بكتابه مث ذكرنا ما حيتوي عليه‬
‫الكتاب‪ ،‬بعدها قمنا باستخراج األفعال الكالمية من األحاديث وصنفناها حسب تصنيف سريل هلا‪،‬‬
‫ويف األخري قمنا بوضع خالصة هلذا الفصل‪.‬‬
‫وخلصنا إىل خامتة اشتملت على أهم ما توصلنا له من نتائج‪.‬‬
‫وقد اتبعنا يف هذه الدراسة املنهجني الوصفي والتحليلي‪ ،‬وكان املنهج الوصفي يف اجلانب النظري‬
‫من خالل وصفنا للتداولية واألفعال الكالمية واخلطاب النبوي‪ ،‬أما املنهج التحليلي فكان يف اجلانب‬
‫التطبيقي وذلك عن طريق قيامنا بتحليل األحاديث النبوية الشريفة واستخراج ما جاء فيها من أفعال‬
‫كالمية وذلك حسب تصنيف سريل هلا‪.‬‬
‫ومن أهم البحوث والدراسات اليت اعتمدنا عليها نذكر منها (املعاجم)‪ :‬لسان العرب "البن‬
‫منظور" ومقاييس اللغة " البن فارس" ‪ ،‬و(الكتب) نذكر منها ‪ :‬كتاب التداولية عند العلماء العرب لـ‬
‫"مسعود صحراوي" وكتاب آفاق جديدة يف البحث اللغوي لـ "حممود أمحد حنلة"‪ ،‬أما (الكتب‬
‫املرتمجة) جند كتاب التداولية اليوم علم جديد لـ " آن روبول وجاك موشالر" وكتاب املقاربة التداولية لـ‬
‫" فرنسواز أرمينكو" ‪.‬‬
‫كما استفدنا من بعض الدراسات اليت سبقتنا يف حبثنا هذا مثل‪ :‬األمثال يف صحيح البخاري دراسة‬
‫تداولية ألفعال الكالم لـ "وهيبة غضايب"‪ ،‬والقصدية يف املوروث اللساين العريب دراسة يف األسس‬
‫النظرية واإلجرائية للبالغة العربية لـ "دالل وشن"‪.‬‬
‫وقد واجهتنا الكثري من الصعوبات وحنن ننجز هذا البحث منها ‪:‬‬
‫‪ -‬صعوبة الوصول إىل تعريف موحد للتداولية ‪.‬‬
‫‪ -‬الصعوبة يف فهم األحاديث بالرغم من وجود الشرح اللغوي املقتضب هلا ‪.‬‬
‫‪ -‬الصعوبة يف استخراج األفعال الكالمية من األحاديث وشرحها وطريقة تصنيفها‪.‬‬

‫ج‬
‫م ـ ـ ـقدمة‬

‫مث ال يسعنا يف األخري إال أن نتقدم جبزيل الشكر إىل األستاذ املشرف "حممد الصاحل زغدي"‬
‫وإىل كل من ساعدنا يف إجناز وإمتام هذا البحث من قريب وبعيد ‪.‬‬

‫د‬
‫م ـ ـ ــدخل الفصل األول‬

‫تمهيد‬

‫أول‪ -‬نشأة التداولية‬

‫ثانيا‪ -‬درجات التداولية‬


‫مـ ـ ــدخل الفصل األول‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫تعتــرب التداولي ـة اجتــاه لغــوي لســاين جديــد تطــور وازدهــر علــى ســاحة الــدرس اللســاين احلــديث‬
‫واملعاصــر‪ ،‬هتــتم بدراســة اللغــة أثنــاء االســتعمال‪ ،‬أي تركــز علــى اجلانــب التواصــلي‪ ،‬فهــي ب ـذلك هتــتم‬
‫باملتكلم ومقاصده كما تراعي حال السامع أثناء تلقيه للخطاب‪.‬‬
‫املتكلم ــني‬ ‫كمــا يعــىن ه ــذا االجتــاه أيض ــا بدراســة املع ــىن داخــل س ــياق معــني‪ ،‬حبس ــب أغ ـرا‬
‫ومراعاة أحوال املخاطبني‪.‬‬
‫والواقع أن التداولية مرت بتاريخ طويل من التطور‪ ،‬حىت انتهت إىل ما انتهت إليه اآلن‪.‬‬
‫أول‪ -‬نشأة التداولية‪:‬‬
‫توافقـ ــت نش ـ ـ ة التداولي ـ ـة تقريبـ ــا مـ ــع نش ـ ـ ة العلـ ــوم املعرفيـ ــة‪ ،‬ولقـ ــد جـ ــرى التفكـ ــري يف الـ ــذكاء‬
‫االصــطناعي يف ســياق عقليــة جديــدة‪ ،‬هــي العقليــة الـيت مكنــت مــن ظهــور العلــوم املعرفيــة كعلــم الــنفس‬
‫ردا على التيار السلوكي‪.‬‬
‫واللسانيات وفلسفة العقل والذكاء االصطناعي وعلوم األعصاب‪ًّ ،‬‬
‫وميكن إرجاع بدايات هذا الربنـامج املعـريف إىل اخلمسـينات مـن القـرن العشـرين‪ ،‬وبالتحديـد إىل‬
‫ســنة ‪3991‬م‪ ،‬وإىل أوىل مقــاالت "تشومســكي" "‪ ،"Chomsky‬و"ميلــر" "‪ ،"Miller‬و"ن ـوال"‬
‫"‪ ،"Newel‬و"س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيمون" "‪ ،"Simon‬و"مينسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكي" "‪ ،"Minsky‬و"مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك كولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوك"‬
‫"‪."Macullock‬‬
‫وميكن لنا أيضا إرجاع نش ة التداولية إىل سنة ‪3999‬م‪ ،‬عندما ألقى "جون أوستني"‬
‫"‪ "John Austin‬حماضراته يف جامعة هارفارد ضمن برنامج حماضرات "وليام جاميس"‬
‫"‪.1 "William james lectures‬‬
‫ولنش ة التداولية جذور عربية وغربية متثلت يف ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظــر‪ :‬آن روبــول وج ــاك موشــالر‪ ،‬التداولي ــة اليــوم علــم جدي ــد يف التواصــل‪ ،‬ت ــر‪ :‬ســيف الــدين دغف ــوس وحممــد الش ــيباين‪ ،‬دار الطليعــة‪ ،‬لبن ــان‪،3 ،‬‬
‫‪1001‬م‪ ،‬ص ‪.18-17‬‬

‫‪6‬‬
‫مـ ـ ــدخل الفصل األول‬

‫‪ -1‬الجذور العر ية‪:‬‬


‫إن ُجل مبادئ التداولية احلديثة حاضر يف تراثنا العريب‪ ،‬ولو مبصطلحات مغايرة أحيانـا أو غـري‬
‫منضــبطة يف أحيــان أخــرى‪ ،‬وذلــك مــن بدايــة طالئــع الــدرس اللغــوي مــع "ســيبويه" ووصــوال إىل النقــاد‬
‫والبالغيني املت خرين‪.‬‬
‫فلــو انطلقنــا مــن مبــدأ القصــدية الـذي يعــد الكشــف عنــه غايــة األدوات اإلجرائيـة يف التداوليـة‪،‬‬
‫أثرا بينًا عند "سيبويه"‪ ،‬وسنكتفي مبجرد اإلشارة إىل بعض املواضيع ألن تقصي ذلك حقيق‬
‫لوجدنا له ً‬
‫بـ ـ ن يف ــرد ببح ــث مس ــتقل يس ــتغرق الوق ــت واجله ــد‪ ،‬فف ــي مع ــر حديث ــه ع ــن األفع ــال الـ ـيت تقتض ــي‬
‫مفع ـولني‪ ،‬يكشــف عــن أن الت ـ ليف النحــوي‪ ،‬أو مــا ســنراه عنــد الغ ـربيني يقــع حتــت تســمية التداولي ـة‬
‫بالدرجة األوىل‪ ،‬أو مستوى التعبري‪ ،‬خيضع يف املقام األول ملراد املتكلم‪.1‬‬
‫وترتســخ فكــرة القصــدية أكثــر وت خــذ بعـ ًـدا نظريــا بشــكل بــارز ضــمن نظريــة الــنظم عنــد اإلمــام‬
‫"عبد القاهر اجلرجاين" يف إحلاقه األلفاظ باملعاين‪ ،‬وربطهـا مبقاصـد املسـتعملني‪ ،‬وعنـد حديثـه عـن ذكـر‬
‫املفعول وحذفه‪ ،‬العائدين رأسا إىل مراد املتكلم‪.‬‬
‫واألم ــر نفس ــه‪ ،‬ولك ــن يف قال ــب التقعي ــد آلل ــة البالغ ــة‪ ،‬جن ــده عن ــد "اجل ــاحظ" مل ــا نقل ــه "أب ــو‬
‫األش ــعث" ع ــن اهلن ــود‪ ،‬ج ــاعال م ــن ش ــرو التواص ــل الن ــاجح أن يراع ــي امل ــتكلم خماطب ــه ‪ ...‬والنتيج ــة‬
‫احلاصــلة مــن عقــد التواصــل بــني طــريف التــداول أي الت ـ ثري‪ ،‬تعــد الغايــة يف كــل موقــف‪ ،‬حــىت إنــه كــان‬
‫ل ــ"حازم القرطــاجين" قــد انتهــك بعــض خصوصــيات اخلطــاب بقــدر مــا حتقــق الغايــة املرجــوة مــن ذلــك‬
‫االنتهاك املقصود ‪.2‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬نواري سعودي أبو زيد‪ ،‬يف تداولية اخلطاب األديب (املبادئ واإلجراء)‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪1009 ،3 ،‬م‪ ،‬ص ‪.11-13‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.19-14-11‬‬

‫‪7‬‬
‫مـ ـ ــدخل الفصل األول‬

‫‪ -2‬الجذور الغر ية‪:‬‬


‫تع ــد التداولي ـة م ــن املن ـاهج احلديث ــة يف البح ــث اللس ــاين‪ ،‬ومازال ــت دراس ــاهتا يف مرحل ــة التط ــور‬
‫والتوس ع‪ ،‬ومازال الباحثون مل يتوصلوا إىل رؤية موحدة يف تنظريها ومـنهج العمـل ـا لتنوعهـا وتـداخلها‬
‫مــع فــروع معرفي ـة أخــرى والخــتالف وجــوه العمــل ــا اســتطاع اللســانيون توظيفهــا وحصــرها يف حتليــل‬
‫اخلطاب التواصلي ووظائف اللغة داخله وخصائصه اخلطابية والتبليغيـة واالجتماعيـة وحبـث العالقـة بـني‬
‫األدلة ومؤوليها يف ضوء اإلجناز التواصلي‪ ،‬وأثر هذا يف الت ثري واإلقناع‪.‬‬
‫ويرجع ظهور التداولية عند الغرب إىل عاملني‪:‬‬
‫أ‪ -‬العامل األول‪:‬‬
‫يف ظه ـ ـ ــور الس ـ ـ ــيمياء الربامجاتي ـ ـ ـ ـة ‪ Pragmatic semiotics‬ال ـ ـ ـ ـيت أرس ـ ـ ــاها الفيلس ـ ـ ــوف‬
‫األمريكــي "تشــارلز ســاندرز بــريس"‪ ،‬وقــد طورهــا تلميــذه "مــوريس"‪ ،‬وقــد ظهــرت الربامجاتي ـة يف أعمــال‬
‫"ب ــريس" الفلس ــفية والس ــيميائية‪ ،‬فق ــد كت ــب مق ــاالت يف املعرف ــة الربامجاتي ـة‪ ،‬وت ـ ثر ب ـ ـ "ك ــانط" وامل ــنهج‬
‫التجـري لرؤيتــه اجلديــدة يف ال ـربط بــني اللغــة والواقــع‪ ،‬وقــد رأى أن النظــام الســيميائي عبــارة عــن مثلــث‬
‫متثل اإلشارة فيه الضلع األول‪ ،‬وهو الذي لـه صـلة حقيقيـة باملوضـوع الـذي ميثـل الضـلع الثـاين‪ ،‬واحملـدد‬
‫للمعىن ميثل الضلع الثالث‪ ،‬فاملعىن عنده إشارة تعود إىل موضوعها الذي أنتج املعىن‪.‬‬
‫وركز "بريس" على الوظيفة املنطقية اليت تعد جوهر الفلسفة التحليليـة‪ ،‬وقـد ظهـر مفهـوم الفعـل‬
‫اللغوي يف مقال "بـريس" املشـهور (كيـف جنعـل أفكارنـا واضـحةد)‪ ،‬وقـد عـاا مفهـوم األفعـال يف سـبع‬
‫مقــاالت بعن ـوان (حماض ـرات يف الربامجاتيــة)‪ ،‬وقــد ربــط فيهــا بــني الربامجاتي ـة والظ ـواهر الوجودي ـة العينيــة‪،‬‬
‫وذكــر أن املعيــار احلقيقــي للمعــىن يــب أن ال يشــري إىل الفعــل بــل إىل الغايــة القصــوى ال ـيت حتكــم هــذا‬
‫‪1‬‬
‫الفعل‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظــر‪ :‬حممــود عكاشــة‪ ،‬النظريــة الربامجاتيــة اللســانية (التداوليــة)‪ :‬دراســة املفــاهيم والنش ـ ة واملبــادئ‪ ،‬مكتبــة اآلداب‪ ،‬مصــر‪1031 ،3 ،‬م‪ ،‬ص ‪-11‬‬
‫‪.18-17‬‬

‫‪8‬‬
‫مـ ـ ــدخل الفصل األول‬

‫«وقد واصل تلميذه الفيلسوف األمريكي "تشالز وليام موريس" البحث السيميائي‪ ،‬وحقق فيه‬
‫نتائج جعلته إمامه‪ ،‬وطور الربامجاتية اللسانية‪ ،‬وعُ َّد مؤسسها احلقيقي‪ ،‬وقد ت ثر بالفلسـفة التحليليـة يف‬
‫دراسة اللغة‪.1»...‬‬
‫‪-‬العامل الثاني‪:‬‬
‫«يف ظهـ ــور الربامجاتي ـ ـة اللسـ ــانية‪ ،‬ظهـ ــور تيـ ــار الفلسـ ــفة التحليلي ـ ـة بزعامـ ــة "جوتلـ ــوب فريـ ــه"‬
‫"‪ ،"Gottlob prégé‬وقــد نشـ يف كنــف الفلســفة التحليليـة الســيمياء املنطقيــة" الـيت تبنتهــا حلقــة‬
‫فينـا (‪ )Cercle de vienne‬الـيت عاجلـت الوضـع املنطقـي يف اللسـان وترجـع جـذورها إىل جهـود‬
‫"تشارلز بـريس"‪ ،‬وقـد أثـرت فلسـفة فريـه التحليليـة يف بعـض الفالسـفة مـنهم "فيتجنشـتاين" و"أوسـ "‬
‫و"جــون ســريل" و"هوســرل" وغــريهم‪ ،‬وقــد توصــل هــؤالء إىل أن فهــم اإلنســان لذاتــه ولعاملــه يرتكــز يف‬
‫املقام األول على اللغة‪ ،‬فهي اليت تعرب عن هذا الفهم»‪.2‬‬
‫ثانيا‪ -‬درجات التداولية‪:‬‬
‫لقد سـاهم "هانسـون" "‪ "Hansson‬يف وضـع نظـام وبرنـامج تطـوير للتداوليـة‪ ،‬فهـو أول مـن‬
‫حــاول التوحيــد النســقي‪ ،‬والـربط بــني مكونــات التداوليـة‪ ،‬وذلــك بتمييــزه لــثالث درجــات‪ ،‬والعالقــة بـني‬
‫كل درجة تعتمد على اعتبار مظهر من مظاهر السياق‪ ،‬وهذه الدرجات هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الدرجة األولى‪:‬‬
‫هي دراسـة للرمـوز اإلشـارية (أي التعـابري املبهمـة) ضـمن ظـروف اسـتعماهلا أي سـياق تلفظهـا‪،‬‬
‫وســياقها املوجــودات‪ ،‬أو حمــددات املوجــودات‪ ،‬ومــن مث فالســياق الوجــودي واإلحــايل هــو‪ :‬املخــاطبون‪،‬‬
‫وحمددات الفضاء والزمان‪.3‬‬

‫‪ 1‬حممود عكاشة‪ ،‬النظرية الربامجاتية اللسانية (التداولية)‪ :‬دراسة املفاهيم والنش ة واملبادئ ‪ ،‬ص ‪.19-18‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.13-10‬‬
‫ينظر‪ :‬فرانسواز أرمينكو‪ ،‬املقاربة التداولية‪ ،‬تر‪ :‬سعيد علوش‪ ،‬مركز اإلمناء القومي‪ ،‬لبنان‪ ،‬د ‪3981 ،‬م‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪3‬‬

‫‪9‬‬
‫مـ ـ ــدخل الفصل األول‬

‫‪ -2‬الدرجة الثانية‪:‬‬
‫هي دراسة طريقة تعبـري القضـايا‪ ،‬يف ارتباطهـا باجلملـة املـتلفظ ـا‪ ،‬يف احلـاالت اهلامـة‪ ،‬إذ علـى‬
‫القض ـية املع ــرب عنه ــا أن تتمي ــز ع ــن الدالل ــة احلرفي ـة للجمل ــة‪ ،‬وس ــياق ه ــذه الدرج ــة ه ــو س ــياق ب ــاملعىن‬
‫املوسع‪ ،‬أي أنه ميتد إىل ما حيدس به املخاطبون‪.1‬‬
‫‪ -3‬الدرجة الثالثة‪:‬‬
‫«ه ــي نظري ـة أفع ــال اللغ ــة‪ ،‬ويتعل ــق األم ــر مبعرف ــة م ــا مت م ــن خ ــالل اس ــتعمال بع ــض األش ــكال‬
‫اللســانية‪ ،‬ف فعــال اللغــة مســجلة لســانيا‪ ،‬إال أن هــذا ال يكفــي لرفــع اإل امــات‪ ،‬واإلشــارة إىل مــا أجنــز‬
‫فعالً عرب هذا املوقف التواصلي‪ ،‬من هنا يعل وجود أفعال اللغة الضمنية املشكل أكثر تعقداً»‪.2‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬


‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪01‬‬
‫الفصل األول‬

‫تداولية أفعال الكالم في الخطا النبوي‬


‫المبحث األول‪ :‬ماهية التداولية‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم التداولية‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أركان التداولية‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مهام التداولية‬
‫المطلب الرا ع‪ :‬مجال التداولية‬
‫المطلب الخامس‪ :‬أهمية اللسانيات التداولية‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أفعال الكالم‬
‫المطلب األول‪ :‬نظرية أفعال الكالم‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الفعل الكالمي‬
‫المطلب الثالث‪ :‬فكرة أفعال الكالم عند "أوستين"‬
‫المطلب الرا ع‪ :‬أفعال الكالم عند سيرل‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الخطا النبوي‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الخطا‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الخطا النبوي‬
‫المطلب الثالث‪ :‬دوافع الخطا النبوي‬
‫المطلب الرا ع‪ :‬عناصر الخطا النبوي الرئيسية‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية التداولية‬


‫المطلب األول‪ :‬مفهوم التداولية‬
‫أول‪ :‬لغة‪:‬‬
‫الدولـة‪ ،‬و ُّ‬
‫الدولـة‪ :‬العقبـة يف‬ ‫جاء يف معجم (لسان العـرب) ل ـ "ابـن منظـور" يف مـادة (دول)‪َّ « :‬‬
‫الدولة بالضم يف املال‪ ،‬و َّ‬
‫الدولةُ بالفتح يف احلرب‪ ،‬و قيـل‪ :‬يمـا سـواء فيهمـا‪،‬‬ ‫املال واحلَْرب سواء‪ ،‬وقيل‪ُّ :‬‬
‫يضـمان ويفتحـان‪ ،‬وقيـل‪ :‬بالضـم يف اآلخـرة‪ ،‬وبـالفتح يف الـدنيا‪ ،‬وقيـل‪ :‬يمـا لغتـان فيهمـا‪ ،‬واجلمـع ُد َول‬
‫ِ‬
‫ود َول‪...‬‬
‫الدولةُ الفعل واالنتقال من حال إىل حال‪...‬‬ ‫الدولة اسم الشيء الذي يُتداول‪ ،‬و َّ‬‫وقال "الزجاج"‪ُّ :‬‬
‫مداولة على األمر‪ ،‬قال "سيبويه"‪ :‬وإن شئت محلتـه‬
‫ُّول‪ ،‬وقالوا‪ :‬دواليك أي َ‬
‫وتداولنا األمر أخذناه بالد َ‬
‫على أنه وقع يف هذه احلال‪.‬‬
‫ودال‬
‫ودالـت األيـام أي دارت‪ ،‬واهلل يـداوهلا بـني النـاس‪ ،‬وتداولتـه األيـدي‪ :‬أخذتـه هـذه م َّـرة وهـذه م َّـرة‪َ ،‬‬
‫الثوب يَ ُدول أي بَلِي»‪.1‬‬
‫ُ‬
‫وجاء يف معجم (مقاييس اللغة) لـ "ابن فارس" يف مادة (دول)‪« :‬الدال والـواو والـالم أصـالن‪:‬‬
‫حتول شيء من مكان إىل مكان‪ ،‬واآلخر يدل على ضعف واسرتخاء‪.‬‬
‫أحديما يدل على ُّ‬
‫حتول ـوا مــن مكــان إىل مكــان‪ ،‬ومــن هــذا البــاب‬
‫ـوم‪ ،‬إذ َّ‬
‫ف مــا األول فقــال أهــل اللغــة‪ :‬انْــدال القـ ُ‬
‫الدولة و ُّ‬
‫الدولة لغتـان‪ ،‬وأمـا األصـل اآلخـر‬ ‫تداول القوم الشيء بينهم‪ :‬إذا صار من بعضهم إىل بعض‪ ،‬و َّ‬
‫فالدَّويل من النبت‪ :‬ما يبس ِ‬
‫لعامه»‪.2‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وجن ــد مص ــطلح التداوليـ ـة أيض ــا يف معج ــم (أس ــاس البالغ ــة) ل ـ ـ "الزخمش ــري" يف م ــادة (دول)‪:‬‬
‫«دالت له الدولـة‪ ،‬ودالـت األيـام بكـذا‪ ،‬وأدال اهلل بـين فـالن مـن عـدوهم‪ :‬جعـل الكـرة هلـم عليـه‪ ،‬وعـن‬
‫"احلجاج"‪« :‬إن األر ستُدال منا كما أ ُِدلْنا منها»‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن منظور (أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬لبنان‪ ،‬مج ‪ ،33‬د ‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ 2‬ابن فارس (أبو احلسني أمحد بن فارس بن زكريا)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج‪ ،1‬د ‪3979 ،‬م‪ ،‬ص ‪.134‬‬

‫‪01‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫ويف مثــل‪« :‬يـُـدال مــن البقــاع كمــا يــدال مــن الرجــال»‪ ،‬وأديــل املؤمنــون علــى املشــركني يــوم بــدر‪ ،‬وأديــل‬
‫ُحد‪.‬‬
‫املشركون على املسلمني يوم أ ُ‬
‫ت من فالن ألُدال منه‪ ،‬واستدل األيام‪ :‬استعطفها»‪.1‬‬
‫استدلْ ُ‬
‫و َ‬
‫وق ــد ورد أيض ــا مص ــطلح التداولي ـة يف (معج ــم الوس ــيط) يف م ــادة (دال)‪َ « :‬دال ال ــدهر‪َ -‬د ْوالً‪،‬‬
‫ودال ــت ل ــه الدول ــة‪،‬‬
‫ود ْولَــة‪ :‬انتق ــل م ــن ح ــال إىل ح ــال‪ ،‬واألي ــام‪ :‬دارت‪ ،‬ويق ــال‪ :‬دال ــت األي ــام بك ــذا‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫ودالَة‪ :‬صار دالة‪.‬‬
‫الثوب‪ :‬بلي‪ ،‬وبطنه اسرتخى وقَـ ُرب من األر ‪ ،‬وفالن َد ْوالً‪َ ،‬‬
‫و ُ‬
‫أدال الشيء‪ :‬جعله ُمتَ َداوالً‪ ،‬وفالنا وغريه على فالن أو منه‪ :‬نصره‪ ،‬وغلبه عليه وأظفر به‪...‬‬
‫داول كــذا بيــنهم‪ :‬جعلــه ُمتَـ َـداوالً‪ ،‬تــارة هلــؤالء وتــارة هلــؤالء‪ ،‬ويقــال‪َ :‬د َاوَل اهلل األيــام بــني النــاس‪ :‬أَدارهــا‬
‫وصرفها‪.‬‬
‫ـدويل املدينــة‪ :‬جعــل األمــر فيهــا لــدول خمتلفــة‪ .‬انــدال القــوم‪ :‬حتولُـوا مــن مكــان إىل‬
‫َد َّول داالً‪ :‬كتبهــا‪ ،‬وتـ ُ‬
‫مكان‪ ،‬والشيء‪ :‬تعلَّق وبطنه‪ :‬دال وما يف بطنه من معي أو صفاق‪ :‬طُعِ َن فخرج ذلك»‪.2‬‬
‫نستنتج من التعريفات اللغوية للتداولية‪ :‬ب ن معظم املعـاجم القدميـة تتفـق يف كـون التداوليـة مـن‬
‫اجلــذر (دول) يف حــني جنــد املعــاجم احلديثــة والـيت مــن بينهــا معجــم الوســيط ترجــع التداوليـة إىل اجلــذر‬
‫(دال)‪ ،‬وكلها تعين التحول واالنتقال من حال إىل حال‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اصطالحا‪:‬‬
‫جنــد يف كتــاب (آفــاق جديــدة) لـ ـ "حممــود أمحــد حنلــة" أن «مصــطلح التداولي ـة يرجــع مبفهومــه‬
‫احلــديث إىل الفيلســوف األمريكــي "تشــارلز مــوريس" "‪ "Charles Morris‬الـذي اســتخدمه ســنة‬
‫‪‬‬
‫‪3918‬م داالً ب ـ ـ ــه عل ـ ـ ــى ف ـ ـ ــرع م ـ ـ ــن ف ـ ـ ــروع ث ـ ـ ــالث يش ـ ـ ــتمل عليه ـ ـ ــا عل ـ ـ ــم العالم ـ ـ ــات أو الس ـ ـ ــيمية‬
‫"‪ ،"Semiotics‬وهذه الفروع هي‪:‬‬

‫‪ 1‬الزخمشــري (أبــو القاســم جــار اهلل حممــود بــن عمــر أمحــد)‪ ،‬أســاس البالغــة‪ ،‬تــح‪ :‬حممــد باســل عيــون ســود‪ ،‬دار الكتــب‪ ،‬لبنــان‪ ،‬ج‪3998 ،3 ،3‬م‪،‬‬
‫ص‪.101‬‬
‫‪ 2‬شوقي ضيف وآخرون (جممع اللغة العربية)‪ ،‬معجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬مصر‪1004 ،4 ،‬م‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪ ‬السيمية‪ :‬املقصود ا السيميائية‪.‬‬

‫‪01‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -1‬علــم التراكيــب ‪ Syntactics‬أو ‪ :Syntasc‬وهــو يعــىن بدراســة العالقــات الشــكلية بــني‬


‫العالمات بعضها مع بعض‪.‬‬
‫‪ -2‬علم الدللة ‪ :Semantics‬وهو يـدرس عالقـة العالمـات باألشـياء الـيت تـدل عليهـا أو حتيـل‬
‫إليها‪.‬‬
‫‪ -3‬التداولية‪ :‬هتتم بدراسة عالقة العالمات مبفسرها‪.1‬‬
‫«تعــددت التســميات العربيـة املقابلــة للمصــطلح األجنـ (‪ )Pragmatics‬فقيــل‪ :‬الرباغماتيـة‬
‫والرباغماتيــك‪ ،‬وال إشــكال يف ذلــك ألهنــا تعــد الرتمجــة احلرفيــة للمقابــل األجنـ ‪ ،‬غــري أن الفــرق يكمــن‬
‫بــني املصــطلحات العربيـة حيــث ترمجــت إىل املقاميـة‪ ،‬والوظيفيـة‪ ،‬والســياقية‪ ،‬والذرائعيـة‪ ،‬والنفعيـة‪ ،‬وبــني‬
‫هذه املفردات فروق ال تسمح باستعماهلا مرتادفة‪.‬‬
‫غــري أن مصــطلح التداولي ـة ال ـذي اســتخدمه ألول مــرة الــدكتور "طــه عبــد الــرمحن" وأقــره "أمحــد‬
‫املتوكـ ــل" ومدحـ ــه "اجلـ ــيالين دالش" باخلفـ ــة والسالسـ ــة هـ ــو ال ـ ـذي صـ ــار مهيمنًـ ــا علـ ــى اسـ ــتعماالت‬
‫الدارسني‪.‬‬
‫بع ـ ــد هيمن ـ ــة مصـ ـ ــطلح التداولي ـ ـ ـة عل ـ ــى دراسـ ـ ــات البـ ـ ــاحثني يف هـ ـ ــذا ا ـ ـ ــال كمقاب ـ ــل عـ ـ ــريب‬
‫(‪ ،)Pragmatic‬راح البــاحثون علــى اخــتالف منطلقــاهتم يســوقون تعريفــات هلــذا املصــطلح ســنذكر‬
‫منها على سبيل املثال ال احلصر»‪.2‬‬
‫أول تعريف وضع هلا على يد "تشارلز موريس"‪« :‬التداوليـة جـزء مـن السـيميائية الـيت تعـاا العالقـة بـني‬
‫العالمات ومستعملي هذه العالمات»‪.3‬‬
‫وهذا التعريف واسع يتعدى ا ال اللساين إىل السيميائي‪ ،‬وا ال اإلنساين إىل احليواين واآليل‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬حممود أمحد حنلة‪ ،‬آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬مصر‪ ،‬د ‪1001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪ 2‬ياسة ظريفة‪ ،‬الوظائف التداولية يف املسرح‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬اجلزائر‪1030-1009 ،‬م‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪ 3‬نعمان بوقرة‪ ،‬املدارس اللسانية املعاصرة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د ‪1001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.311‬‬

‫‪01‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫ويعرفهــا "آن مــاري ديــري" و"فرانســوز ريكانــا " بقوهلمــا‪« :‬التداوليـة هــي دراســة اســتعمال اللغــة‬
‫يف اخلطاب‪ ،‬شاهدة يف ذلك على مقدرهتا اخلطابية؛ فهي إذن هتتم باملعىن كالداللية وبعـض األشـكال‬
‫اللسانية اليت ال يتحدد معناها إال من خالل استعماهلا»‪.1‬‬
‫«وق ــد ع ــد "ج ــورج ي ــول" مجل ــة م ــن التعريف ــات للتداوليـ ـة ح ــاول م ــن خالهل ــا رس ــم ح ــدودها‬
‫وامتداداهتا إذ ذكر أن التداولية تعىن بدراسة املعـىن كمـا يوصـله املـتكلم أو (الكاتـب)‪ ،‬ويفسـره املسـتمع‬
‫أو (القارئ)؛ لـذا فهنهنـا مرتبطـة بتحليـل مـا يعنيـه النـاس ب لفـاظهم أكثـر مـن ارتباطهـا مبـا ميكـن أن تعنيـه‬
‫كلمات أو عبارات هذه األلفاظ منفصلة‪ ،‬التداولية هي دراسة املعىن الذي يقصده املتكلم»‪.2‬‬
‫كمــا يقصــد ــا أيضــا‪« :‬ذلــك العلــم اجلديــد ال ـذي حيلــل الظ ـواهر اللغوي ـة ويتعمــق يف جزئياهتــا‬
‫شكال ومضمونا خدمة للتواصل اإلنساين‪ ،‬فهي الدراسـة أو التخصـص الـذي ينـدرج ضـمن اللسـانيات‬
‫ويهتم أكثر باستعمال اللغة يف التواصل»‪.3‬‬
‫نستنتج من خالل ما سبق أن التداولية جزء مـن السـيمائية‪ ،‬هتـتم بدراسـة اللغـة أثنـاء التواصـل‪،‬‬
‫وتعــاا العالقــة بــني العالمــات ومفســرها‪ ،‬وتعــىن بــاملعىن يف خطــاب مــا‪ .‬وللتداولي ـة عــدة مرادفــات مــن‬
‫بينها‪ :‬املقامية‪ ،‬والوظيفية‪ ،‬والسياقية‪ ،‬والذرائعية‪ ،‬والنفعية‪.‬‬
‫ومــن خــالل التعريفــات اللغويـة واالصــطالحية نستشــف أن التداوليـة تعــين يف اللغــة التحــول مــن‬
‫حــال إىل حــال آخــر‪ ،‬وهــذا مــا يتفــق مــع تعريــف "جــورج يــول" هلــا حــني ركــز علــى‪ :‬أن التداولي ـة تعــىن‬
‫بدراسة املعىن كما يوصله املتكلم ويفسره السامع‪ ،‬أي يف حالة االستعمال‪.‬‬

‫‪ 1‬نعمان بوقرة‪ ،‬املدارس اللسانية املعاصرة‪ ،‬ص ‪.311‬‬


‫‪ 2‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪ ،‬تر‪ :‬قصي العتايب‪ ،‬دار العربية للعلوم‪ ،‬الربا ‪1030 ،3 ،‬م‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ 3‬ليلى كادة‪ ،‬ظاهرة االستلزام التخاط يف الرتاث اللساين العريب‪ ،‬جملة علوم اللغة العربية وآدا ا‪ ،‬ع‪ ،3‬جامعة الوادي‪ ،‬اجلزائر‪1009 ،‬م‪ ،‬ص ‪.301‬‬

‫‪01‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أركان التداولية‬


‫يعد السياق أهم ركن من أركان التداولية‪.‬‬
‫أول‪ -‬مفهوم السياق‪:‬‬
‫مصطلح السياق يطلق على مفهومني‪:‬‬
‫‪-3‬السياق اللغوي‪.‬‬
‫‪ -1‬سياق التلفظ‪ ،‬أو سياق احلال‪ ،‬أو سياق املوقف‪.‬‬
‫ـيوعا يف البحــث املعاصــر‪ ،‬فهــو اجل ـواب البــديهي عنــدما‬
‫فــاملفهوم األول كــان املفهــوم األكثــر شـ ً‬
‫يتبــادر إىل ذهــن اإلنســان الس ـؤال اهل ـام وهــو‪" :‬مــا الســياقد"‪ ،‬إن ـه حســب املعجــم تلــك األج ـزاء مــن‬
‫اخلطاب اليت تلحق بالكلمة يف املقطع وتساعد يف الكشف عن معناهـا‪ ،‬وسـوف نـدعو هـذا بـالتعريف‬
‫النموذجي‪.‬‬
‫ـحيحا للســياق يف أحــد جوانبــه‪ ،‬إال أنــه ال ميثــل يف عمومــه إال التعريــف‬
‫إن كــان هــذا تعريفــا صـ ً‬
‫الضيق‪ ،‬فقد غـدا مصـطلح السـياق مـن املصـطلحات الشـائعة واملـؤثرة يف الـدرس اللغـوي احلـديث‪ ،‬منـذ‬
‫أساســا‬
‫ابتدعــه "مالينوفســكي"‪ ،‬ليتســع مفهــوم الســياق خصوصــا يف الدراســات التداوليـة‪ ،‬مبــا أهنــا تعــده ً‬
‫من أسسها املكنية؛ وهلذا جتاوز الباحثون التعريف النموذجي إىل التعريف األوسـع للسـياق‪ ،‬ف صـبحت‬
‫تعرف جمموعـة الظـروف الـيت حتـف حـدوث فعـل الـتلفظ مبوقـف الكـالم ‪...،‬س‪ ،‬وتسـمى هـذه الظـروف‬
‫يف بعض األحيان بالسياق (‪.)Context‬‬
‫وقــد يلتــبس مصــطلح الســياق مبصــطلح املقــام‪ ،‬وهــذا االلتبــاس دتــد بــني زمنــني وثقــافتني ‪،‬فقــد‬
‫شاع مصطلح املقـام عنـد العـرب قـدمياً عنـدما اسـتعملوه يف الدراسـات البالغيـة‪ ،‬يف حـني اسـتعمل كثـري‬
‫خصوصا الغربيني مصطلح السياق‪ ،‬وإذا نظرنا إىل كـل مـنهم‪ ،‬فهنننـا قـد جنـد فروقًـا بـني مـا‬
‫ً‬ ‫من احملدثني‪،‬‬
‫كان يقصده البالغيون العرب‪ ،‬وما يقصده التداوليون يف البحث اللغوي احلديث‪.1‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عبد اهلادي بن ظافر الشهري‪ ،‬اسرتاتيجيات اخلطاب مقاربة تداولية‪ ،‬دار الكتاب اجلديد‪ ،‬لبنان‪1004 ،3 ،‬م‪ ،‬ص ‪.43-40‬‬

‫‪06‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫ثانيا‪ :‬عناصر السياق‬


‫‪ِ -1‬‬
‫المرسل‪:‬‬
‫هــو األداة احملركــة للغــة‪ ،‬فــال ميكــن للغــة مــن اللغــات أن تقــوم بــدورها احلقيقــي التواصــل‪ ،‬إال مــن‬
‫خالل توظيـف املرسـل هلـا يف زوايـا نصـه‪ ،‬ذلـك التوظيـف الـذي تتنـوع فيـه وجـوه اللغـة‪ ،‬وال يـدرك ذلـك‬
‫إال من خالل اخلطابات املتنوعة ذات الدالالت املختلفة‪ ،‬الناجتة عـن عمليـة الـتلفظ‪ ،‬كمـا ال ميكـن أن‬
‫يكون ناطقا حقيقيًا‪ ،‬إال إذا تكلم لسانا طبيعيا معينا‪ ،‬وحصل حتصيال كافيًـا صـيغته الصـرفية‪ ،‬وقواعـده‬
‫النحويـ ـة‪ ،‬وأوج ــه دالالت ألفاظ ــه‪ ،‬وأس ــاليبه يف التعب ــري‪ ،‬والتبلي ــم وب ــذلك تنتق ــل اللغ ــة م ــن مرحل ــة إىل‬
‫أخــرى‪ ،‬ومــن كوهنــا قــوة كامنــة إىل فعــل قــوة إجنازيـة متحققــة ميكــن أن تعــرب عــن معــان خمتلفــة بــاختالف‬
‫األحداث السياقية‪.1‬‬
‫المرسل إليه‪:‬‬
‫‪َ -2‬‬
‫هو الطرف املهم الذي يوجه إليه ِ‬
‫املرسل خطابه‪ ،‬وال ميكن للمحلل اللغوي أن ينظـر للمتلقـي‬
‫إال على اعتبار أنه منتج ثان للنص‪ ،‬أي منتج نص النص‪ ،‬الذي برز دوره يف سياق اخلطاب‪ ،‬فاملتلقي‬
‫ميــارس بشــكل غــري مباشــر‪ ،‬دورا يف توجيــه ِ‬
‫املرســل عنــد اختيــار أدواتــه‪ ،‬وصــياغة خطابــه‪ ،‬انطالقــا مــن‬ ‫ً‬
‫عالقاتــه الســابقة‪ ،‬وموقفــه منــه‪ ،‬فــاملوقع االجتمــاعي‪ ،‬أو الــوظيفي‪ ،‬وغرييمــا يفــر أطـ ًـرا معينــة البــد أن‬
‫يستجيب هلـا املرسـل‪ ،‬حـني خيتـار مـن األدوات اللغويـة مـا يعـرب بـه عمـا يريـد‪ ،‬مراعيـا بـذلك اخلصوصـية‬
‫السياقية ‪.2‬‬
‫‪ -3‬الزمان والمكان‪:‬‬
‫تكتســب اإلشــاريات الزماني ـة واملكاني ـة قيمتهــا الداللي ـة مــن خــالل مــا حيــيط ــا مــن عناصــر‬
‫ســياقية‪ ،‬قــادرة علــى حتديــد وظيفتهــا بهنشــارهتا إىل زمــان أو مكــان حمــددين‪ ،‬فمــا يناســب زمــان قــد ال‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬أمحد فهد صاحل شاهني‪ ،‬النظرية التداولية وأثرها يف الدراسات النحوية املعاصرة‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪ ،‬األردن‪1039 ،3 ،‬م‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.39‬‬

‫‪07‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫يناسب زمان آخر‪ ،‬وما يصلح ملكان قد ال يصلح ملكان آخر‪ .‬فالزمان‪ ،‬واملكان‪ ،‬اللذان يتلفظ فيهمـا‬
‫ِ‬
‫للمخاط ـب‪ ،‬لــذلك فــهنن اختيــار العالمــات اللغوي ـة‬ ‫املرســل‪ ،‬عنص ـران هامــان يف إيصــال املعــىن املطلــوب‬
‫بشكل عام‪ ،‬وإشارات الزمان واملكان بشكل خاص هلا بالم األيمية يف تكوين اخلطاب‪.1‬‬
‫‪ -4‬المعرفة المشتركة‪:‬‬
‫«إن ســعي احمللــل اللغــوي بــهندراك املعــىن الرتكيـ يتطلــب أكثــر مــن وجــود ِ‬
‫مرسـل ومتلقــي وزمــان‬
‫ومكــان فقــط‪ ،‬فشخصــية املرســل يف إنتــاج خطابــه‪ ،‬واملتلقــي يف الوصــول إىل غاي ـة املرســل‪ ،‬ومــا حتملــه‬
‫الرتاكيب من أقوال مضمرة تقـرتن بسـياق اخلطـاب‪ ،‬ومـا يقـوم بـه طرفـا اخلطـاب مـن خـروج علـى قواعـد‬
‫التخاطــب فيعــرب عــن غاياتــه ومقاصــده بغــري مــا تــوحي بــه الكلمــات ويفهــم املتلقــي غايـة املرســل‪ ،‬أمــور‬
‫يب على احمللل اللغوي األخذ ا‪.‬‬
‫ويتفــق ج ـل البــاحثني يف الدراســات التداولي ـة يف الغالــب علــى أن املعرفــة املشــرتكة لــدى طــريف‬
‫اخلطاب يب دراستها من خالل حماور رئيسية»‪ ،2‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الفتراض المسبق‪:‬‬
‫يف كل تواصل لساين ينطلق الشركاء من معطيات وافرتاضات معـرتف ـا ومتفـق عليهـا بيـنهم‪،‬‬
‫تشــكل هــذه االفرتاضــات اخللفيــة التواصــلية الضــرورية لتحقيــق النجــاح يف عمليـة التواصــل‪ ،‬وهــي حمتــواه‬
‫ضمن السياقات والبىن الرتكيبية العامة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قولك‪ -3 :‬أغلق النافذة‪.‬‬
‫‪-1‬ال تغلق النافذة‪.‬‬
‫املسبق" مضموهنا أن "النافذة مفتوحة"‪.‬‬ ‫ففي املثالني السابقني خلفية "االفرتا‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬أمحد فهد صاحل شاهني‪ ،‬النظرية التداولية وأثرها يف الدراسات النحوية املعاصرة ‪ ،‬ص ‪.31-39‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.39‬‬

‫‪08‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫ويــرى التــداوليون أن االفرتاضــات املســبقة ذات أيميــة قصــوى يف عمليــة التواصــل و اإلبــال ‪ .‬ففــي‬
‫التعليميات‪ ،‬مت االعرتاف بدور "االفرتاضات املسبقة" منذ زمـن طويـل‪ ،‬فـال ميكـن تعلـيم الطفـل معلومـة‬
‫وجود أساس سابق يتم االنطالق منه والبناء عليه‪.1‬‬ ‫جديدة إال بافرتا‬
‫‪ -‬األقوال المضمرة‪:‬‬
‫املس ــبق الـ ـذي ُحي ــدد عل ــى أس ــاس‬ ‫وتـ ـرتبط بوض ــعية اخلط ــاب ومقام ــه عل ــى عك ــس االفـ ـرتا‬
‫معطيات لغوية‪ ،‬تقول "أوركيوين" يف تعريفها للقول املضمر هو كتلة املعلومـات الـيت ميكـن للخطـاب أن‬
‫حيتويها‪ ،‬ولكن حتقيقها يف الواقع يبقى رهن خصوصيات سياق احلديث‪ ،‬ومثال ذلـك قـول القائـل‪ :‬إن‬
‫السـماء دطــرة‪ ،‬فــهنن الســامع هلــذا امللفــوظ قــد يعتقــد أن القائــل أراد أن يــدعوه إىل‪ :‬املكــوث يف بيتــه‪ ،‬أو‬
‫اإلسـراع إىل عملـه حــىت ال يفوتـه املوعــد‪ ،‬أو االنتظـار والرتيـث حــىت يتوقـف املطــر‪ ...‬وقائمـة التـ ويالت‬
‫مفتوحة مع تعدد السياقات والطبقات املقامية اليت ينجز ضمنها اخلطاب‪.‬‬
‫املســبق والقــول املضــمر أن األول وليــد مالبســات اخلطــاب والثــاين‬ ‫ويبقــى الفــرق بــني االفـرتا‬
‫وليد السياق الكالمي‪.2‬‬
‫ج‪ -‬الستلزام الحواري‪:‬‬
‫إن االســتلزام احل ـواري خيتلــف عــن األق ـوال املضــمرة يف كــون األول يعتمــد علــى املعــىن املعطــى‪،‬‬
‫والثــاين م ـرتبط بداللــة ســياقية خاصــة بالوضــع املقــامي‪ ،‬فــهنذا كــان املعــىن مقصــود مــن العب ـارة مبــين علــى‬
‫اط ـب‪ ،‬فــهنن هــذا يــدخل يف إطــار االف ـرتا‬‫االســتنتاج‪ ،‬وإذا ك ـان املســتنتج معلومــا لــدى املــتكلم واملخ ِ‬
‫ً‬
‫للمخاطب مسبقا فهننه يدخل يف إطار تضمني احملادثة‬ ‫ِ‬ ‫املسبق‪ ،‬أما إذا كان املعىن املستنتج غري معروف‬
‫(االستلزام احلواري)‪.‬‬
‫مثال‪ -3 :‬هل علي يف البيتد‬

‫‪ 1‬ينظــر‪ :‬مســعود صــحراوي‪ ،‬التداوليــة عنــد العلمــاء العــرب دراســة تداوليــة لظــاهرة األفعــال الكالميـة يف الـرتاث اللســاين العــريب‪ ،‬دار الطليعــة‪ ،‬لبنــان‪،3 ،‬‬
‫‪1009‬م‪ ،‬ص ‪.11-13-10‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪09‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -1‬شاهدت سيارة علي تقف عند بائع اخلضار يف هناية الشارع‪.‬‬


‫حيتوي هذا املثال على معنيني اثنني يما‪:‬‬
‫األول‪ :‬املعــىن الص ـريح ال ـذي ميكــن أن يفهــم مــن خــالل معــاين مفــردات الرتكيــب املرتابطــة فيمــا بينهــا‬
‫بقواعد حنوية‪ ،‬حتافظ على استقامة املعىن العام‪ ،‬وسالمته داال على وقوف‪.1‬‬
‫سيارة علي عند بائع اخلضار‪ ،‬مع إثبات ذلـك املعـىن بكونـه شـاهد تلـك السـيارة‪ ،‬والثـاين معـىن مسـتلزم‬
‫حواري ال يفهم من خالل ما تقدمه اجلملة من معان‪ ،‬وإمنا يعتمد على اإلطار العام للحديث‪ ،‬فيفهم‬
‫من خالله مثال أن عليًا ليس بالبيت‪.2‬‬
‫نستنتج من خالل ما سبق ب ن الركن األساسي للتداولية هو السياق أو (املقـام) مبـا حيتويـه مـن‬
‫املرسـل إليــه أو املتلقـي‪ ،‬والزمــان واملكــان‪ ،‬واملعرفـة املشــرتكة مبحاورهــا‬ ‫ِ‬
‫عناصـر‪ :‬وهــي املرســل أو املـتكلم‪ ،‬و َ‬
‫الـثالث‪ :‬هـي االفـرتا املسـبق ‪،‬واألقـوال املضـمرة ‪،‬واالسـتلزام احلـواري ؛ وكـل هـذه العناصـر تسـاهم يف‬
‫إيصال املعىن املقصود‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مهام التداولية‬
‫ميكننا أن حنصر مهام التداولية الرئيسية عند بعض العلماء فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -3‬تُعىن التداولية بتتبع أث ِر القواعد املتعارف عليها ‪ ،‬أي من خالل العبارات امللفوظة وت ويلها‪.‬‬
‫‪ -1‬هت ــتم التداولي ـة بتحلي ــل الش ــرو ال ـيت جتع ــل العب ــارات ج ــاهزة ومقبول ــة يف موق ــف مع ــني‪ ،‬بالنس ــبة‬
‫للمتكلمني بتلك اللغة‪.‬‬
‫‪ -1‬تسعى التداولية ألن جتد مبادئ تشمل على اجتاهات جمـاري فعـل الكـالم املتشـابك اإلجنـاز الـذي‬
‫يب أن يوجد عند إجناز العبارة‪ ،‬كي تصري ناجحة ومفهومة‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬أمحد فهد صاحل شاهني‪ ،‬النظرية التداولية وأثرها يف الدراسات النحوية املعاصرة‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11-11‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪-4‬حتاول التداولية البحث يف كيفية متاسك ظروف جناح العبارة كفعل إجنازي‪ ،‬وكمبـادئ فعـل مشـرتك‬
‫اإلجناز التواصلي مع اخلِطاب أو ت ويله‪ ،‬أي إجناز األعمـال يف سـياق معـني‪ ،‬وأن تصـو الشـرو الـيت‬
‫تعني العبارات على أن تكون ناجحة يف موقف ما‪.‬‬
‫‪ -9‬هتتم التداوليـة بدراسـة "اسـتعمال اللغـة" فهـي ال تـدرس البنيـة اللغويـة يف ذاهتـا‪ ،‬ولكـن تـدرس اللغـة‬
‫وموجهــا إىل‬
‫ً‬ ‫عنــد اس ـتعماهلا يف ســياقات مقامي ـة خمتلفــة‪ ،‬أي باعتبارهــا كالمــا صــادراً مــن مــتكلم حمــدد‬
‫خماطب حمدد بلفظ معني ‪ ،‬وذلك لتحقيق غر تواصلي ما‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -1‬شرح كيفية جريان العمليات االستداللية يف معاجلة امللفوظات‪.‬‬
‫‪-7‬بيان أسباب أفضلية التواصل غري املباشر على التواصل املباشر‪.‬‬
‫‪ -8‬بيان أسباب فشل املعاجلة اللسانية البنيوية يف معاجلة امللفوظات‪.1‬‬
‫المطلب الرا ع‪ :‬مجال التداولية‬
‫فرعــا مــن فــروع علــم اللغــة‪ ،‬و موضــع عــدد كبــري مــن اخلالفــات‬
‫أصــبحت التداوليـة منــذ ظهورهــا ً‬
‫حول طبيعة موضوع دراستها‪ ،‬وحول تعيـني هـذا املوضـوع وحتديـده‪ ،‬ومـا يـب أن يكـون جمـاالً لدرسـه‪،‬‬
‫فليس هناك إمجاع عام بني علماء التداولية على ما يشكل موضوع دراسة هذا العلم‪.‬‬
‫فباِفرتا مركزية اللغة ‪ -‬على سبيل املثال‪ -‬عرف "سـرببر وويلسـن" ‪Sperber Wilson‬‬
‫التداولية عامة على أهنا دراسة استعمال اللغة‪ ،‬وبصـورة أكـرب خصوصـية علـى أهنـا دراسـة كيـف تتفاعـل‬
‫العوامــل الســياقية مــع املعــىن اللغــوي لتفســري املنطوقــات‪ ،‬وانتبــه بعــض امل ـؤلفني ‪ -‬يف مقابــل هــذا‪ -‬إىل‬
‫السمات غـري اللغويـة (النظـرات واإلشـارات واحلركـات اجلسـدية‪ ...‬إخل)‪ ،‬ووصـفوا السـلوك التـداويل ب نـه‬
‫ال يعتمد على استعمال اللغة‪.‬‬
‫ويف العقــود احلاليـة تـ ثر تعريــف التداوليـة بالنتــائج املســتوحاة مــن التداوليـة العياديـة؛ إذ أتاحــت‬
‫مصدرا قيما وجدي ًـدا للمعطيـات ‪،‬كمـا أخـذت يف اعتبارهـا القضـايا امل لوفـة يف‬
‫ً‬ ‫دراسة احلاالت العيادية‬
‫التداولية اللسانية والفلسفية‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عبد اهلل جاد الكرمي‪ ،‬التداولية يف الدراسات النحوية‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬مصر‪1034 ،3 ،‬م‪ ،‬ص‪.19 -18 – 17‬‬

‫‪10‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫ومــن األســس ال ـيت يقــوم عليهــا هــذا النــوع مــن املقاربــة املنهجي ـة أن دراســة األخــالل التداولي ـة‬
‫متكننا من تعيني القدرات والعمليات الكامنة خلف السلوك التداويل‪ ،‬والشـيء املهـم أننـا سـنكون علـى‬
‫وعــي بطبيعــة هــذه اآلليــات والعمليــات عــن طريــق فحــص مــا حيــدث عنــدما تــؤدي تلــك العمليــات إىل‬
‫خط ـ مــا؛ ومــن مثَّ ميكننــا ‪ -‬مــن ه ـذا املنظــور‪ -‬اق ـرتاح منــوذج مــن التداولي ـة ي خــذ يف اعتبــاره املقبوليــة‬
‫اإلدراكية حيث يب أن يكون النموذج الت ويلي متواف ًقا مع املعرفة املتعلقة بتوظيف عقلنا‪.1‬‬
‫وقـد اقـرتح كـومنزا (‪ ) p:6، 2009،Cummings‬تعريفـا مهمـاً للتداوليـة العياديـة حيـث‬
‫قال‪ « :‬إن التداولية العيادية هي دراسة الطرق املختلفة اليت يتعطل ا استعمال اللغة يف إجنـاز أغـرا‬
‫أو االحنرافــات األخــرى الـيت تتســبب يف هــذا اخللــل‬ ‫تواصــلية لــدى الفــرد‪ ،‬فاإلصــابة الدماغيـة واألمـرا‬
‫تبدأ يف الفرتة التطورية وخالل مرحلة البلو أو املراهقة‪ ،‬أما االضطرابات التداولية املكتسبة أو التطوريـة‬
‫فله ــا أس ــباب مرضـ ـية متع ــددة‪ ،‬ورمب ــا تك ــون ناجت ــة ع ــن عـ ـدد م ــن العوام ــل اللس ــانية واإلدراكي ـ ـة ذات‬
‫الصلة»‪.2‬‬
‫مــن خــالل مــا ســبق نســتنتج أن جمــال التداولي ـة يكمــن يف دراســة اســتعمال اللغــة‪ ،‬فهــي هتــتم‬
‫بالعالم ــة اللغويـ ـة وغ ــري اللغويـ ـة‪ ،‬كم ــا الحظن ــا بـ ـ ن التداوليـ ـة تـ ـ ثرت بالنت ــائج املس ــتوحاة م ــن التداوليـ ـة‬
‫تواصلية لدى الفرد‪.‬‬ ‫العيادية إلياد الطرق اليت يتعطل ا استعمال اللغة يف إجناز أغرا‬
‫المطلب الخامس‪ :‬أهمية اللسانيات التداولية‬
‫تتجل ــى أيمي ـة اللس ــانيات التداولي ـة يف دجمه ــا املس ــتويات اللغوي ـة املختلف ــة يف منظوم ــة واح ــدة‪،‬‬
‫ودراســة اللغــة علــى أساســها‪ ،‬أثنــاء االتصــال اللســاين (دراســة اللغــة قيــد االســتعمال) فتجعــل املــتلفظ‬
‫باخلطاب (املرسل) يرتبط باملقـام‪ ،‬فيتنبـ مبـا يسـتلزمه املوقـف‪ ،‬لرياعيـه أثنـاء إجنـاز خطابـه‪ ،‬وبـذلك يغـدو‬
‫معىن امللفوظات هو القيمة اليت يكتسبها اخلطاب يف سياق التلفظ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬إنِس أدرنِيت‪ ،‬ملاذا حتتاج التداولية الفلسفية إىل تداولية عيادية د ‪ ،‬تر‪ :‬منتصر أمني الرحيم‪ ،‬دار كنوز املعرفة ‪ ،‬األردن‪1031 ،3 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.98-97‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.99‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫وهــذا يعــل املــتلفظ باخلطــاب هــو املــتحكم يف املعــىن ال اللغــة نفســها‪ ،‬وبــذلك يســتطيع ضــمان‬
‫حصول عملية الفهم واإلفهـام‪ ،‬حيـث يوظـف مسـتويات اللغـة مبـا يسـتجيب لقصـده‪ ،‬معتم ًـدا يف ذلـك‬
‫مهما يف نظام اخلطاب املنجز‪ ،‬وهذا ما أيملته الدراسات البنيوية الصورية‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫مؤثرا ً‬
‫على السياق‪ ،‬بعده ً‬
‫فاللسانيات التداولية هتـتم بدراسـة املعـىن اللغـوي أثنـاء االسـتعمال‪ ،‬ولـذلك مسيـت ب ـ ‪:‬لسـانيات‬
‫االســتعمال اللغــوي‪ ،‬وهــذا مــا يعلهــا أكثــر دقـة وضــبطاً يف معاجلتهــا للغــة‪ ،‬وبالتــايل فــهنن قــدرة التداوليـة‬
‫على التدخل يف إثراء معاين الكالم والذهاب يف ت ويـل املسـكوت عنـه‪ ،‬هـو مـا يثـري اخلطـاب بتمكينـه‬
‫من استثمار قراءات مل تكن داللة اللغة البسيطة حتتملها وال قادرة على متثلها‪.‬‬
‫كمــا تتبــدى أيمي ـة اللســانيات التداولي ـة يف حماولتهــا لإلجابــة عــن األســئلة العديــدة ال ـيت مثلــت‬
‫إشكاليات جوهرية‪ ،‬أثناء معاجلة النصوص املختلفة‪.‬‬
‫فالتداوليـة إذن مشــروع شاســع يف اللســانيات النصـية‪ ،‬هتــتم باخلطــاب وكــل نـواحي الــنص حنــو‪:‬‬
‫احملادثـة‪ ،‬احملاججـة‪ ،‬التضـمني؛ ولدراسـة التواصـل بشـكل عــام نبـدأ مـن ظـروف إنتـاج امللفـوظ إىل احلــال‬
‫اليت يكون فيها لألحداث الكالميـة قصـد حمـدد‪ ،‬ومـا ميكـن أن تنشـئه مـن تـ ثريات يف السـامع وعناصـر‬
‫السياق‪.2‬‬
‫«كما تظهر أيمية اللسانيات التداولية يف جتـاوز النظـر اللغـوي فيهـا مسـتوى اجلملـة إىل الـنص‪،‬‬
‫واملعطيات السياقية واملقامية اليت جعلته يرد بتلك الصورة‪ ،‬وذلـك ضـماناً للفهـم واإلفهـام‪ ،‬و ـذا الطـرح‬
‫الذي تقدمه اللسانيات التداولية‪ ،‬يظهـر أهنـا قـد تكـون مـدخالً مناسـبا لدراسـة الـرتاث البالغـي العـريب‪،‬‬
‫كما توفره من آليات يف الكشف عن املعىن ومكوناته»‪.3‬‬
‫مــن خــالل التطــرق إىل أيمي ـة التداولي ـة نســتنتج ب هنــا هتــتم جبانــب التواصــل‪ ،‬وهلــا دور كبــري يف‬
‫دراس ــة املع ــىن أثن ــاء االس ــتعمال ويف س ـياق مع ــني‪ ،‬فه ــي ب ــذلك جتع ــل امل ـتكلم ي ـرتبط باملق ــام فيتنب ـ مب ــا‬
‫يستلزمه املوقف‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬باديس هلوميل‪ ،‬مظاهر التداولية يف مفتاح العلوم للسكاكي‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪ ،‬األردن‪1034 ،3 ،‬م‪ ،‬ص ‪.43-40‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬باديس هلوميل‪ ،‬مظاهر التداولية يف مفتاح العلوم للسكاكي‪ ،‬ص‪.43-40‬‬
‫‪ 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أفعال الكالم‬


‫المطلب األول‪ :‬نظرية أفعال الكالم‬
‫« لقد بدأت مسرية أفعال الكالم بالثورة على مفهوم الوصـف املسـند يف الغالـب للغـة‪ ،‬والـذي‬
‫ـريا مــن العبـارات املســتخدمة حبجـة عــدم خضـوعها ملعيــار الصـدق والكــذب‪ ،‬ويف هـذا الصــدد‬
‫أقصـى كث ً‬
‫ب ــدأ "أوس ــتني" عمل ــه بالكش ــف ع ــن التع ــار ب ــني ن ــوعني م ــن املنطوق ــات‪ :‬ه ــي املنطوق ــات التقريريـ ـة‬
‫الوص ــفية‪ ،‬ون ــوع آخ ــر يتش ــابه م ــع ه ــذا الن ــوع ويس ــميه "أوس ــتني" باملنطوق ــات األدائيـ ـة‪ ،‬وإذا كان ــت‬
‫املنطوقات األوىل جتري عليها قوانني الصدق والكذب‪ ،‬من مثل قولنا‪ :‬اجلو مجيل‪ ،‬فهنن النوع الثاين من‬
‫امللفوظــات ال حتكمــه هــذه القـوانني‪ ،‬وذلــك مــن مثــل قولنــا‪ :‬افتــتح اجللســة‪ ،‬وحيتــاج يف مقابــل ذلــك إىل‬
‫مجلة من الشرو تضمن جناحه‪.‬‬
‫إن إنتــاج امللفوظــات يتــيح للمــتكلم إجنــاز عمــل مــا أكثــر مــن الــتلفظ بــه‪ ،‬وه ـذه امللفوظــات‬
‫هذا هي ناجحة أو غري ناجحة ‪.‬‬ ‫اإلنشائية‪ ،‬ليست صادقة وال كاذبة وعو‬
‫ولقد بدأ مفهـوم الفعـل الكالمـي بـالتفريق بـني الوصـف واإلنشـاء‪ ،‬غـري أن "أوسـتني" للـى عـن‬
‫هذا التفريق تدريياً وانتهى إىل ما وصل إليه بشكل يناقض ما بدأ به‪ ،‬فهنن كان قد بدأ بتصنيف معني‬
‫للملفوظــات فقــد وصــل إىل تعمــيم النظري ـة علــى مجيــع امللفوظــات‪ ،‬إن هــذا التعمــيم غــري مــن وظيفــة‬
‫امللفوظات اليت ال تستخدم للتعبري عن قضايا فقط بل إلجناز أفعال »‪.1‬‬
‫تعـد نظريـة األفعــال الكالميـة مــن أهــم مفـاهيم اللســانيات التداوليـة‪ ،‬ملـا حتويــه مــن أفكــار ورؤى‬
‫لســانية ذات أيميــة‪ ،‬ومــا تتضــمنه مــن آليــات تشــرتك فيهــا مــع بقيـة جوانــب التداوليـة األخــرى مــن قصــد‬
‫وإفادة وغرييما‪ ،‬ولذلك لقيت اهتماما بالغًا أَمره يف اللسانيات احلديثة واملعاصرة‪.2‬‬

‫‪ 1‬شيرت رحيمة‪ ،‬تداولية النص الشعري مجهرة أشعار العرب أمنوذجا‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬جامعة احلاج خلضر‪ ،‬اجلزائـر‪1008،‬م‪1009 -‬م‪،‬ص‬
‫‪.349-348‬‬
‫‪ 2‬ينظــر‪ :‬وهيبــة غضــايب‪ ،‬األمثــال يف صــحيح البخــاري‪ ،‬دراســة تداوليــة ألفعــال الكــالم‪ ،‬مــذكرة لنيــل شــهادة املاجســتري‪ ،‬جامعــة حممــد خيضــر‪ ،‬اجلزائــر‪،‬‬
‫‪1031‬م‪1031-‬م‪ ،‬ص‪.98‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الفعل الكالمي‬


‫أول‪ :‬مفهوم الفعل‬
‫أ‪ -‬لغة‪:‬‬
‫الفعــل‪ :‬كناي ـة عــن كــل عمــل متعــد أو غــري‬ ‫جــاء يف معجــم (لســان العــرب) لـ ـ "ابــن منظــور" « ِ‬

‫الف ْعــل‪ ،‬واجلمــع‬ ‫متعــد‪ ،‬فَـعــل يـ ْفعــل فَـع ـالً فِع ـالً‪ ،‬فاالســم مكســور واملصــدر مفتــوح وفعلــه وبــه‪ ،‬واالســم ِ‬
‫َ‬ ‫ََََُ ْ ْ‬
‫ـحَره‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـحَره يَ ْسـ َ‬‫فعلــه ي ْفعلــه ْفع ـالً مصــدر‪ ،‬وال نظــري لــه إال َسـ َ‬ ‫الفعــال مثــل ق ـ ْدح وقــداح وبئــر وبئــار‪ ،‬وقيــل َ‬
‫وخـ ـ ْدعا‪ ،‬وص ــرع ص ــرعا ِ‬
‫وص ـ ْـر ًعا‪ ،‬وال َف ْع ــل ب ــالفتح مص ــدر فَـ َع ـ َـل‬ ‫ِس ــحرا‪ ،‬وق ــد ج ــاء خ ـ َـدع َخيْ ــدع خ ـ ْدعا ِ‬
‫ً َََ َ ًْ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ًْ‬
‫يَـ ْف َع ُل‪.1»...‬‬
‫فع ــل الش ــيء‪ -‬فَـ ْع ـالً‪ ،‬وفَـ َع ــاالً‪َ ،‬ع ِملَــهُ‪( :‬افْـتَـ َع ــل) الش ــيء‪ :‬اختلق ــه‬
‫وج ــاء يف معج ــم الوس ــيط‪َ « :‬‬
‫وزوره‪ ،‬يقال‪ :‬افتَـ َعل احلديث‪ ،‬وافْـتَـ َعل عليه الكذب (انْـ َف َعل)‪ :‬مطاوع فعلـه فهـو ُمنفعِ ُـل – وبكـذا‪ :‬تـ ثر‬
‫انقباضا‪.‬‬
‫به انبساطا و ً‬
‫ـاعال)‪ :‬أثـَّـر كــل منهمــا يف اآلخــر‪( ،‬األفعُولـةُ)‪ :‬األمــر العجيــب يســتنكر (ج) أفاعيــل ‪( .‬التفاعيــل)‪:‬‬
‫(تفـ َ‬
‫(يف العرو )‪ :‬كلمات وضعت ليوزن عليها الشعر‪ ،‬مثل‪ :‬فعولن‪ ،‬ومفاعل ‪ ،‬ومستفعلن‪.2»...‬‬
‫دا سبق نستنتج ب ن جل التعريفات اللغوية تتفق ب ن الفعل جاء من اجلذر الثالثي فَـ َع َل وتعين‬
‫َع َم َل ‪ ،‬والفعل هو كناية عن كل عمل‪.‬‬
‫‪ -‬اصطالحا‪:‬‬
‫جند "اجلرجاين" يف كتابه (التعريفات) عرف الفعل ب نه‪« :‬اهليئة العارضة للمؤثر يف غريه بسبب‬
‫قاطعــا‪ ،‬ويف اصــطالح النحــاة‪ :‬مــا دل علــى معــىن يف‬
‫التـ ثري أوال‪ ،‬كاهليئــة احلاصــلة للقــاطع بســبب كونــه ً‬
‫قاطعا»‪.3‬‬
‫مؤثرا يف غريه كالقاطع ما دام ً‬
‫نفسه مقرتن ب حد األزمنة الثالثة‪ ،‬وقيل الفعل‪ :‬كون الشيء ً‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مج‪ ،33‬ص‪.918‬‬


‫‪ 2‬شوقي ضيف و آخرون (جممع اللغة العربية)‪ ،‬معجم الوسيط‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪ 3‬اجلرجاين (علي بن حممد السيد الشريف)‪ ،‬معجم التعريفات‪ ،‬تح‪ :‬حممد صديق املنشاوي‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬مصر‪ ،‬د ‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.343‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫و« ِ‬
‫الفعل أحد أقسام الكلمة الثالثة‪ ،‬وهو ما دل على احلدث مقرتنـا بـالزمن‪ ،‬ويف تعريفـه يقـول‬
‫"سيبويه"‪ :‬الفعل أمثلـة أخـذت مـن لفـظ أحـداث األمسـاء وبنيـت ملـا مضـى وملـا يكـون وملـا هـو كـائن مل‬
‫ينقطع»‪.1‬‬
‫دا سبق نستنتج مـن التعريفـات االصـطالحية بـ ن الفعـل هـو أحـد أقسـام الكلمـة‪ ،‬وهـو مـا دل‬
‫أو حاضر أو مستقبل‪.‬‬ ‫على حدث مقرتن بزمن ما‬
‫مــن خــالل التعريفــات اللغوي ـة واالصــطالحية نستشــف ب هنــا تتفــق يف كــون الفعــل مــا دل علــى‬
‫عمل أو حدث مقرتن بزمن معني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مفهوم الكالم‬
‫أ‪ -‬لغة‪:‬‬
‫جاء يف معجم (مقاييس اللغة) لـ "ابـن فـارس"‪« :‬كلـم‪ :‬الكـاف والـالم واملـيم أصـالن‪ :‬أحـديما‬
‫نطق مف ِهم‪ ،‬واآلخر على جراح‪.‬‬
‫يد ُّل على ِ‬
‫ُ‬
‫فــاألول الكــالم تقــول‪ :‬كلمتــه أُكلم ـه تكليمــا‪ ،‬وهــو ِ‬
‫كليم ـى إذا كلمــك أو كلَّمتــه‪ ،‬مث يتســعون فيســمون‬
‫اللفظة الواحدة املفهمة كلمة‪ ،‬والقصة كلمة‪ ،‬والقصيدة بطوهلا كلمة‪ ،‬ويمعون الكلمة كلمات وكلماً‪.‬‬
‫ُ‬
‫ـيم وقــوم‬ ‫ِ‬
‫ـوم أيضــا‪ ،‬ورجــل كلـ ُ‬
‫واألصــل اآلخــر ال َك ْلـم‪ ،‬وهــو اجلــرح‪ ،‬والكـالم‪ :‬اجلراحــات‪ ،‬ومجــع الك ْلــم كلـ ُ‬
‫َك ْلمى‪ ،‬أي جرحى‪ ،‬ف َّما ال ُكالم‪ ،‬فيقال‪ :‬هي أر غليظة»‪.2‬‬
‫ـوم‬
‫كلمهُ) ‪ -‬كلَ ًما‪ :‬جرحـه فهـو مكل ُ‬
‫أما يف (معجم الوسيط) جند أنه عرف الكالم يف قوله‪َ (« :‬‬
‫وكليم‪( ،‬ج) األخري‪ :‬كلمى (كاملهُ)‪ :‬خاطبه‪.‬‬
‫َ‬
‫وجه احلديث إليه‪ ،‬مبالغة يف كلَم‪.‬‬ ‫(كلَّ َمهُ) ً‬
‫تكليما‪َّ :‬‬
‫(تكا َملَ) املتقاطعان‪ :‬حتادثا بعد هتاجر‪( ،‬ت َكلَّ َم)‪ :‬نطق بكالم‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد مسري جنيب اللبدي‪ ،‬معجم املصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬األردن‪3989 ،3 ،‬م‪ ،‬ص‪.374‬‬
‫‪ 2‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.313‬‬

‫‪16‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫كالمــا حســنًا‪ ،‬وبكــالم حســن‪ ،‬الــتِكالَ ُم‪ ،‬والتِكالمــة‪ :‬اجليـ ُـد الكــالم الكثــرية‪( ،‬الكــالم) يف‬
‫ويقـال‪ :‬تكلَّــم ً‬
‫أصل اللغة‪ :‬األصوات املفيدة‪.‬‬
‫يعرب عنه ب لفاظ‪ ،‬يقال‪ :‬يف نفس كالم‪ ،‬و(يف اصـطالح‬
‫و(عند املتكلمني)‪ :‬املعىن القائم بالنفس الذي َّ‬
‫علي»‪.1‬‬
‫النحاة)‪ :‬اجلملة املركبة املفيدة‪ ،‬حنو‪ :‬جاء الشتاء‪ ،‬أو شبهها دا يكتفي بنفسه‪ ،‬حنو يا ُّ‬
‫نالحظ دا سبق أن الكالم هو ما َّ‬
‫دل على نطق مفهـم أو مـا دل علـى جـرح والكـالم هـو كـل‬
‫خطاب أو حديث حيمل معىن مكتفيا بنفسه‪.‬‬
‫‪ -‬اصطالحا‪:‬‬
‫باإلســناد‪ ،‬ويف اصــطالح النحــويني‪:‬‬
‫جــاء يف (معجــم التعريفــات)‪« :‬ال َكـالَم مــا تضــمن كلمتــني ْ‬
‫هو املعىن املركب الذي فيه اإلسناد التام»‪.2‬‬
‫والكــالم «هــو مـا ينشـ عــن االســتخدام الفعلــي للغــة‪ ،‬أي نــاتج النشــا الـذي يقــوم بــه مســتخدم اللغــة‬
‫عندما ينطق ب صوات لغوية مفيدة ‪ ،‬وحيدث الكالم نتيجة نشا فردي»‪.3‬‬
‫ويقــول اإلمــام "الغ ـزايل" يف تعريفــه للكــالم‪« :‬واعلـ ْـم أن املفيــد مــن الكــالم ثالثــة أقســام‪ :‬اســم‬
‫وفعــل وحــرف‪ ،‬كمــا يف علــم النحــو‪ ،‬وهــذا ال يكــون مفيـ ًـدا حــىت يشــتمل علــى امســني أســند أحــديما إىل‬

‫ضـ ِر َ‬
‫ب زيـ ُـد‪ ،‬وقــام عمــرو‪،‬‬ ‫ـك‪ُ :‬‬
‫اآلخــر حنــو‪" :‬زيــد أخــوك" و"اهلل ربُّـك"‪ ،‬أو اســم أســند إىل فعــل حنــو قولـ َ‬
‫يفيد‪ ،‬حىت تقول‪" :‬من مضر" أو"يف الدار"‪،‬‬
‫يد من" و"عمرو يف"‪ ،‬فال ُ‬
‫وأما االسم واحلرف كقولك‪" :‬ز ُ‬
‫اعلم أن املركب من االسم والفعل واحلرف تركيبًـا مفي ًـدا ينقسـم إىل‬
‫وكذلك قولك‪" :‬من يف قد على"‪ ،‬و ْ‬
‫ما يستقل باإلفادة من كل وجه‪ ،‬وإىل ما ال يستقل باإلفـادة أصـال إال بقرينـة‪ ،‬وإىل مـا يسـتقل باإلفـادة‬
‫من وجه دون وجه»‪.4‬‬

‫‪ 1‬شوقي ضيف و آخرون (جممع اللغة العربية)‪ ،‬معجم الوسيط‪ ،‬ص ‪.791‬‬
‫‪ 2‬اجلرجاين‪ ،‬معجم التعريفات‪ ،‬ص‪.399‬‬
‫‪ 3‬حممد حممد يونس علي‪ ،‬مدخل إىل اللسانيات‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬لبنان‪1004 ،3 ،‬م‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ 4‬حممود طلحة‪ ،‬مبادئ تداولية يف حتليل اخلطاب الشرعي عند األصوليني‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪ ،‬لبنان‪1034 ،3 ،‬م‪ ،‬ص‪.99‬‬

‫‪17‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫دـا ســبق مــن التعريفــات االصــطالحية للكــالم نفهــم ب نــه مــا تركــب مــن كلمتــني باإلســناد التــام‬
‫تركيباً مفيداً‪ ،‬و حيتوي ثالث أقسام‪ :‬اسم وفعل وحرف‪ ،‬وينش نتيجـة نشـا فـردي يقـوم بـه مسـتخدم‬
‫اللغة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مفهوم الفعل الكالمي‬
‫جند أن مفهـوم الفعـل الكالمـي يعـود إىل مـا كتبـه "أوسـتني" وتلميـذه "سـريل" ويعـين «التصـرف‬
‫أو العمل االجتماعي أو املؤسسا الذي ينجزه اإلنسـان بـالكالم‪ ،‬ومـن مث فــ"الفعل الكالمـي" يـراد بـه‬
‫اإلجن ــاز ال ـذي يؤدي ــه امل ــتكلم مبج ــرد تلفظ ــه مبلفوظ ــات معين ــة‪ ،‬وم ــن أمثلت ــه‪ :‬األم ــر‪ ،‬والنه ــي‪ ،‬والوع ــد‪،‬‬
‫والسؤال‪ ،‬والتعيني‪ ،‬والتعزية‪ ،‬والتهنئة ‪ ...‬فهذه كلها "أفعال كالمية"»‪.1‬‬
‫مــن خــالل التعريــف بالفعــل الكالمــي نالحــظ أنــه مفهــوم لســاين تــداويل يعــين العمــل الــذي ينجــزه‬
‫املــتكلم مبجــرد النطــق مبلفــوظ معــني‪ ،‬والفعــل الكالمــي هــو مصــطلح غــريب حــديث‪ ،‬ولكــن يقابلــه عنــد‬
‫العرب القدامى مصطلح اخلرب واإلنشاء‪ ،‬وبذلك نعترب العرب سباقني هلذه الفكرة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬فكرة أفعال الكالم عند "أوستين"‬
‫«اقرتح "أوستني" قسما ثانيا من العبارات إىل جانـب العبـارات الوصـفية هـو العبـارات اإلجنازيـة‬
‫اليت ال حيكمها مقياس الصدق والكذب‪ ،‬ويتزامن النطق ـا مـع حتقـق مـدلوهلا‪ ،‬كمـا أن هلـذه العبـارات‬
‫اإلجنازية شروطًا أوضحها الدارسون‪ ،‬وال تتحقق إجنازيتها إال ا‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ -3‬أن يكون الفعل فيها منتميًا إىل جمموعة األفعال اإلجنازية‪( :‬وعد‪ ،‬س ل‪ ،‬قال‪ ،‬حذر‪ ،‬أوعد‪)... ،‬‬
‫‪ -1‬أن يكون الفاعل هو نفسه املتكلم؛ أي أهنا متثل الفردية دن يقوهلا‪.‬‬
‫‪ -1‬أن يكون زمن داللتها املضارع‪.‬‬
‫هذه الشرو ‪-‬كما نرى‪ -‬جتمع بني املستويني النحوي واملعجمي‪ ،‬وغيـاب شـر واحـد كفيـل‬
‫بتحويلها إىل عبارة وصفية‪ ،‬ويتميز الفعل اإلجنازي عن الوصفي (اإلخباري) بكونه عاكسا لآلثـار الـيت‬
‫ينجزها كالمنا‪ ،‬وهو فعل دقيق للغاية مث الحظ "أوستني" بعد ذلك أنه ميكن تقدير فعل وفق الشـرو‬

‫‪ 1‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند علماء العرب‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪18‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫املذكورة‪ ،‬يف العبارات الوصفية‪ ،‬حنو‪( :‬قولنا) اجلو مجيل‪ ،‬لتصري هذه العبارة إجنازية هي األخرى‪ ،‬وعليه‬
‫فكل العبارات امللفوظة إجنازية على نوعني‪:‬‬
‫أ‪ -‬إجنازي ــة (صرحية‪/‬مباش ــرة)‪ ،‬فعله ــا ظ ــاهر (أم ــر‪ ،‬دع ــاء‪ ،‬هن ــي) بص ــيغة ال ــزمن احلاض ــر املنس ــوب إىل‬
‫املتكلم‪.‬‬
‫ب‪ -‬إجنازية (ضمنية‪/‬غري مباشرة)‪ ،‬فعلها غري ظاهر حنو‪ :‬االجتهاد مفيد ‪ ،‬آمرك أن جتتهد‪ ،‬وحنو قوله‬
‫الدنْـيَا إَِّل َمتَاع الْغروِر »‪، .‬سورة احلديد‪ ،‬اآلية ‪10‬س »‪.1‬‬
‫ْحيَاة ُّ‬
‫تعاىل‪َ « :‬وَما ال َ‬
‫وقد ميز "أوستني" أيضا بني ثالثة أنواع من األفعال الكالمية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬فعل قولي ‪:Locutoire‬‬
‫يقابـل الـتلفظ باألصـوات (فعـل صــو ) والـتلفظ بالرتاكيــب (فعـل تــركي )‪ ،‬واسـتعمال الرتاكيــب‬
‫حسب داللتها (فعل داليل)‪.‬‬
‫‪ -2‬فعل إنجازي (القول الفاعل) ‪:illocutoire‬‬
‫حيصــل بــالتعبري عــن قصــد املــتكلم مــن أدائــه‪ :‬يعِـ ُـد‪ ،‬خيــرب‪ ،‬يعجــب‪ ،‬ينــذر‪ ،‬ويشــمل (اجلانــب التبليغــي‬
‫واجلانب التطبيقي)‪.‬‬
‫‪ -3‬فعل تأثيري‪( :‬استلزامي) ‪:perlocutoire‬‬
‫يغري الفعل اإلجنازي من حال املتلقي بالت ثري عليه‪ ،‬ك ن (يرغبـه‪ ،‬يعلـه ينفعـل‪)...‬‬
‫حيصل حني ِ‬
‫تام ـا ب ــني موض ــوع‬
‫تزامن ــا ً‬ ‫ويتمي ــز ك ــل فع ــل م ــن ه ــذه األفع ــال بت ــوفره عل ــى ق ــوة إجنازي ـة‪ ،‬وه ـي تف ــرت‬
‫امللفوظية واملتلفظ ‪.2‬‬
‫« وقد اقرتح "أوستني" أيضا مخسة أقسام لألفعال الكالمية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحكمي ــات‪ :‬تتمث ــل يف احلُك ــم‪ ،‬حن ــو التربئ ــة‪ ،‬اإلدان ــة‪ ،‬الفه ــم‪ ،‬إص ــدار أم ــر‪ ،‬اإلحص ــاء‪ ،‬التوق ــع‪،‬‬
‫التقومي‪ ،‬التصنيف‪ ،‬التشخيص‪ ،‬الوصف‪ ،‬التحليل‪... ،‬إخل‪.‬‬

‫‪ 1‬خليفة بوجادي‪ ،‬يف اللسانيات التداولية مع حماولة ت صيلية يف الدرس العريب القدمي‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪1009 ،3 ،‬م‪ ،‬ص‪.91-99‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.97-91‬‬

‫‪19‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -2‬التنفيــذيات‪ :‬وتقضــي مبتابعــة أعمــال مثــل‪ :‬الطــرد‪ ،‬العــزل‪ ،‬االهتــام‪ ،‬التوصــية‪ ،‬االســتقالة‪ ،‬التوســل‪،‬‬
‫فسيحا جدًّا‪ ،‬ويت سس التمييز بني األعمال املندرجة‬
‫الفتح‪ ،‬أو الغلق ‪ ، ...‬ويبدو هذا القسم ً‬
‫فيــه وبــني األعمــال املندرجــة ضــمن الصــنف األول‪ ،‬علــى كــون التنفيــذيات هــي أعمــال تنفيــذ أحكــام‪،‬‬
‫ولكنها ليست يف حد ذاهتا حكميات‪.‬‬
‫‪ -3‬الوع ــديات‪ :‬إن الوع ــديات تُل ــزم امل ــتكلم بالقي ــام بتص ــرف بطريق ــة م ــا‪ ،‬مث ــل‪" :‬الوع ــد‪ ،‬واملوافق ــة‪،‬‬
‫والتعاقُد ‪،‬والعزم‪ ،‬والنية‪ ،‬والقسم‪ ،‬واإلذن‪ ،‬والتفضيل ‪ ،"...‬وإذا وجدت فروق يف الدرجة بني "التعاقُد"‬
‫و"النية"‪ ،‬فاألمر يتعلق ب عمال من طبيعة واحدة‪ ،‬اليت ُحتمل على القول اإلنشائي األويل‪" :‬س فعل"‪.‬‬
‫‪ -4‬الســلوكيات‪ :‬وهــي أعمــال تتفاعــل مــع أفعــال الغــري‪ ،‬حنــو‪ ":‬االعتــذار‪ ،‬والشــكر‪ ،‬والتهنئــة‪ ،‬والرأفــة‪،‬‬
‫والنقد‪ ،‬والتصفيق‪ ،‬والرتحيب‪ ،‬والكره ‪،‬والتحريض ‪."...‬‬
‫‪ -5‬العرضـيات‪ :‬وهــي أعمـال لــتص بـالعر مثــل‪ :‬الت كيـد‪ ،‬والنفــي‪ ،‬والوصـف‪ ،‬واإلصــالح‪ ،‬والــذكر‬
‫واحملاجة‪ ،‬والقول‪ ،‬والت ويل ‪،‬والشهادة ‪،‬والنقل‪ ،‬والتوضيح‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والتدليل‪ ،‬واإلحالة‪.1» ...‬‬
‫المطلب الرا ع‪ :‬أفعال الكالم عند سيرل‬
‫«إن "سريل" هو أول من أوضح فكرة "أوستني" السابقة‪ ،‬وشـرحها أكثـر بتقدميـه شـرو إجنـاز‬
‫كــل فعــل‪ ،‬إىل جانــب بيانــه شــرو حتــول فعــل مــن حــال إىل حــال أخــرى‪ ،‬وآليــات ذلــك‪ ،‬وتوضــيح‬
‫مفتوحــا" ملــن يــدخل عليــه‪،‬‬
‫ـت البــاب ً‬
‫خط ـوات اســتنتاج الفعــل املقصــود‪ ،‬فقــول مــن يف املكتــب‪" :‬تركـ َ‬
‫خيضع إىل مجلة من اخلطوات إلدراك الفعل املقصود إجنازه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫فهو ي مرين بهنغالقه‪.‬‬ ‫‪ -‬إن الضجيج يف الرواق‪ ،‬وال ينبغي ترك الباب ً‬
‫مفتوحا‬
‫فهو يطلب مين (بشكل ما) إغالقه‪.‬‬ ‫‪ -‬املكتب مكيف‪ ،‬وال ينبغي ترك الباب ً‬
‫مفتوحا‬
‫فهــو يعــاتبين علــى س ــوء‬ ‫‪ -‬مــن األدب أن تغلــق البــاب كمــا وجدتــه مغلق ــا حــال دخولــك‬
‫سلوكي‪.‬‬
‫ودا قدمه "سريل" أيضا أنه أعاد تقسيم األفعال الكالمية‪ ،‬وميز بني أربعة أقسام هي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫فيليب بالنشيه‪ ,‬التداولية من أوستين إلى غوفمان‪ ,‬تر‪:‬صابر الحباشة‪ ,‬دارالحوار‪,‬سوريا‪1117,‬م‪,‬ط‪ ,0‬ص‪.61‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -3‬فعل التلفظ (الصو والرتكي )‪.‬‬


‫‪ -1‬الفعل القضوي (اإلحايل واجلملي)‪.‬‬
‫‪ -1‬الفعل اإلجنازي (على حنو ما فعل "أوستني")‪.‬‬
‫‪ -4‬الفعل الت ثريي (على حنو ما فعل "أوستني")»‪.1‬‬
‫« وقد حدد سريل سبعة شرو متحكمة يف الفعل اإلجنازي‪ ،‬نوجزها يف ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬الشروط األوليّة‪:‬‬
‫وهــي شــرو تبــني ضــرورة اش ـرتاك املتخــاطبني يف مجلــة مــن املعــارف القبيلــة ال ـيت متثــل خلفي ـة للتواصــل‬
‫قادرا على تنفيذ األمر املوجه إليه‪.‬‬
‫بينهما‪ ،‬ك ن يكون املخاطَب ً‬
‫‪ ‬الشروط التحضيريّة‪:‬‬
‫وهــي شــرو متصــلة بســياق الكــالم الـذي يـؤطر حــديث املخــاطبني‪ ،‬وتنــدرج هــذه الشــرو التحضــريية‬
‫أن املــتكلم‬ ‫عريك ســيار ‪ ،‬فملفــوظ مــن هــذا القبيــل يفــرت‬
‫ضــمن متضــمنات القــول‪ ،‬مثــال ذلــك‪ :‬س ـ َ‬
‫ميلك سيارة »‪.2‬‬
‫‪ ‬شروط الغاية‪:‬‬
‫« وتقتضي هذه الشرو أن للمتكلم غايات يرمي إليها‪ ،‬كاإلخبار والتعبري وااللتزام والتقرير‪...‬إخل ‪.‬‬
‫‪ ‬شروط المواضعة‪:‬‬
‫وتتشكل من التعابري اللسانية اليت يلج إليها املتكلم إلجناز فعـل مـا‪ ،‬فعنـدما يتـوخى التعبـري عـن التزامـه‬
‫بفعل شيء ما يعمد إىل الئحة من األفعال‪ ،‬مثل‪ " :‬أعد‪ ،‬ألتـزم‪ ،‬أتعهـد‪ "...‬وإذا أراد التحـذير قـال‪" :‬‬
‫" أحذر‪ ،‬أتوعد‪ ،‬أنذر‪"...‬‬

‫‪ 1‬خليفة بوجادي ‪ ،‬يف اللسانيات التداولية مع حماولة ت صيلية يف الدرس العريب القدمي‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ 2‬جواد ختام‪ ،‬التداولية أصوهلا واجتاهاهتا‪ ،‬دار كنوز املعرفة‪ ،‬األردن‪1031 ،3 ،‬م‪ ،‬ص ‪.91‬‬

‫‪10‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ ‬شروط القصد‪:‬‬
‫هـذه‬ ‫وتضم خمتلف النوايا الـيت مبقـدور املـتكلم التعبـري عنهـا كاإلخبـار واالسـتفهام واألمـر‪ ... ،‬وتفـرت‬
‫الشرو أن للمتكلم رغبة يف الكشف عن نواياه ملخاطبه من خالل ما يتلفظ به‪.‬‬
‫‪ ‬شروط المحتوى القضوي‪:‬‬
‫وتتشكل مـن القواعـد الرتكيبيـة والدالليـة الـيت توجـه القـوة اإلجنازيـة مللفـوظ مـا‪ ،‬فـاحملتوى القضـوي للوعـد‬
‫مثال يستلزم أن املتكلم سينجز فعال ما مستقبال‪.‬‬
‫‪ ‬شروط اْلخالص‪:‬‬
‫وحتدد هـذه الشـرو احلالـة النفسـية للمـتكلم‪ ،‬مـن حيـث اعتقـاده ورغباتـه ونوايـاه أثنـاء الـتلفظ بالفعـل‪،‬‬
‫أن يكون حديثه صادقا‪ ،‬وعندما يلتزم بفعل شيء ما فذاك يقتضي‬ ‫فعندما خيرب املتكلم‪ ،‬فمن املفرت‬
‫القدرة على الوفاء بالوعد»‪.1‬‬
‫« كما صنف "سريل" األفعال الكالمية إىل مخسة أصناف‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬اْلخباريات أو التقريريات‪:‬‬
‫واجتــاه املطابقــة يف الغــر اإلخبــاري أو التقريــري هــو مــن القــول إىل العــامل ( ‪Words to‬‬
‫‪ ،)World‬وال يوجد شر عام للمحتوى القضوي يف اإلخباريات‪ ،‬ألن كل قضـية ميكـن أن تشـكل‬
‫حمتوى يف اإلخباريات‪ ،‬وأفعال هذا الصنف كلها حتتمل الصدق والكذب‪.‬‬
‫‪ -2‬التوجيهات أو األمريات أو الطلبيات‪:‬‬
‫واجتـاه املطابقـة يف الغـر التـوجيهي يتكـون مـن العـامل إىل القـول (‪)World to Words‬‬
‫واملسؤول عن إحداث املطابقة هـو املخاطـب‪ ،‬والشـر العـام للمحتـوى القضـوي هـو أن يعـرب عـن فعـل‬
‫ِ‬
‫املخاطب على إجناز ما طلب منه‪.‬‬ ‫مستقبل للمخاطب وقدرة‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.91‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -3‬اللتزاميات أو الوعديات‪:‬‬
‫واجتـاه املطابقـة يف الغـر االلتزامـي يكـون مـن العـامل إىل القـول (‪)World to Words‬‬
‫واملســؤول عــن إحــداث املطابقــة هــو املــتكلم‪ ،‬والشــر العــام للمحتــوى القضــوي هــو متثــل القضــية فعــال‬
‫مستقبال للمتكلم وقدرة املتكلم على أداء ما يلزم نفسه به »‪.1‬‬
‫‪ -3‬التعبيريات أو البوحيات‪:‬‬
‫« وغرضها اإلجنازي هو التعبري عن املوقف النفسي تعبريا يتـوافر فيـه شـر اإلخـالص ولـيس هلـذا‬
‫الصـ ــنف اجت ـ ــاه مطابقـ ــة‪ ،‬ف ـ ــاملتكلم ال حي ـ ــاول أن يعـ ــل الكلم ـ ــات مطابق ـ ــة للعـ ــامل وال الع ـ ــامل مطابق ـ ـاً‬
‫للكلمات‪ ،‬ويدخل فيها الشكر‪ ،‬والتهنئة‪ ،‬واالعتذار‪ ،‬واملواساة »‪.2‬‬
‫‪ -4‬اْلعالنيات أو اْليقاعيات‪:‬‬
‫يف هـذا الصـنف يـؤدي اإلجنـاز النـاجح إىل توافـق بـني املضـمون القضـوي والواقـع‪ ،‬واإلعالنيـات‬
‫تشغل مكانة خاصة حمددة باعتبار أهنا تنجز يف العادة يف اسـتعماالت حمكمـة‪ ،‬صـدرت هلـا قدسـية يف‬
‫إطار املؤسسات‪.3‬‬
‫ومـن األفعــال اللغويـة الـيت هلـا وظيفــة اإلعــالن‪ -‬علــى سـبيل املثــال ‪ -‬مســتند التعيــني‪ ،‬والوصـية‪،‬‬
‫والشــهادة‪ ،‬والتوكيــل ‪ ...‬وهــي كلهــا أفعــال مرتبطــة مبؤسســات اجتماعيـة معينــة‪ ،‬ويتميــز الفعــل األدائــي‪،‬‬
‫هلــذا الصــنف ب نــه يســتخدم معــه‪ ،‬غالبــا ضــمري املــتكلم مســتندا إليــه‪ ،‬والفعــل يف صــيغة املضــارع املبــين‬
‫موجها للمخاطب‪.4‬‬
‫للمعلوم‪ ،‬ويكون ً‬
‫وقد استطاع "سريل" أيضا أن مييـز بـني األفعـال اإلجنازيـة املباشـرة واألفعـال اإلجنازيـة غـري املباشـرة‪ ،‬فبـني‬
‫أن‪:‬‬

‫‪ 1‬العيد جلويل‪ ،‬نظرية احلدث الكالمي من أوستني إىل سريل ‪ ،‬جملة األثر‪ ،‬العدد اخلاص ‪ :‬أشغال امللتقى الدويل الرابع يف حتليل اخلطاب ‪ ،‬جامعة‬
‫قاصدي مرباح‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.99-98‬‬
‫‪ 2‬حممود أمحد حنلة‪ ،‬آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪:‬كالوس برينكر‪ ،‬مـدخل إىل املفـاهيم األساسـية واملنـاهج‪ ،‬تـر‪ :‬العيـد حسـن حبـري‪ ،‬مؤسسـة املختـار للنشـر والتوزيـع‪ ،‬مصـر‪1009 ،3 ،‬م‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.314‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪:‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.397 :‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫أ‪ -‬األفعال اْلنجازية المباشرة‪ :‬هي اليت تطـابق قوهتـا اإلجنازيـة مـراد املـتكلم أي يكـون مـا يقولـه‬
‫مطابقا ملا يعنيه‪.‬‬
‫‪ -‬األفعال اْلنجازية غير المباشرة‪ :‬هي اليت لالف فيها قوهتا اإلجنازية مراد املتكلم‪ ،‬مثل‪ :‬إذا‬
‫قــال رجــل لرفيــق لــه علــى املائــدة‪ :‬هــل تنــاولين امللــحد فهــذا فعــل إجنــازي غــري مباشــر‪ ،‬إذ قوتــه‬
‫اإلجنازية األصلية تدل على االستفهام "هل" لكن االستفهام غري مراد للمتكلم‪ ،‬بل هـو طلـب‬
‫مهذب يؤدي معىن فعل إجنازي مباشر هو ‪:‬ناولين امللح‪.1‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬حممود أمحد حنلة‪ ،‬آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعاصر‪ ،‬ص‪.93-90‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الخطا النبوي‬


‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الخطا‬
‫أ‪ -‬لغة‪:‬‬
‫الشـ ُن أو األمــر‬
‫ورد يف معجــم (لســان العــرب) ل ـ "ابــن منظــور" يف مــادة (خطــب)‪« :‬اخلطــب‪َّ ،‬‬
‫ـكد أي مـا أمـركد وتقـول‪ :‬هـذا َخطْـب جليـل‬
‫صغر أو َعظُ َم؛ وقيـل‪ :‬هـو سـبب األ َْم ُـر‪ ،‬يقـال‪ :‬مـا َخطْبُ َ‬
‫وخطْب يسري‪.‬‬
‫َ‬
‫ـب أي عظــم األمــر‬
‫ـب‪ :‬األمــر الـذي تقــع فيــه املخاطبــة‪ ،‬والشـ ُن واحلــال؛ ومنــه قــوهلم‪ :‬جـ َّـل اخلطـ ُ‬
‫واخلَطْـ ُ‬
‫والش ن ‪.‬‬
‫ب فال ُن إىل فالن فخطَّبه وأ ْ‬
‫َخطَبَهُ أي أجابه‪.‬‬ ‫يقال َخطَ َ‬
‫واخلِطاب واملخاطبة‪ُ :‬مراجعة الكالم‪ ،‬وقد خاطبه بال َكالَِم خماطبة وخطابا‪ ،‬ويما يتخاطبان‪.1»...‬‬
‫األمـ ـ ِر‬
‫ب ْ‬ ‫(خطَــب)‪« :‬اخلط ــب س ــبَ ُ‬
‫وج ــاء يف معج ــم (خمت ــار الص ــحاح) ل "الـ ـرازي" يف م ــادة َ‬
‫ـول هــذا خطــب جليــل وخطــب يســري‬
‫ـركد وتقـ ُ‬
‫ـت‪ :‬قــال "األزهــري"‪ :‬أي مــا أمـ َ‬
‫تقــول‪ :‬مــا خطبــكد قُـ ْلـ ُ‬
‫(خطوب) انتهى كالم "األزهري"‪ ،‬وخاطبه بالكالم ُخماطبةً وخطابًا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ومجعة‬
‫ـب‬ ‫ِ‬
‫وخطابَــة‪ ،‬وخطــب امل ـرأة يف النكــاح خطْبَـةً بكســر اخلــاء خيطـُ ُ‬
‫وخطــب علــى املنــرب ُخطب ـةً بضــم اخلــاء َ‬
‫بضم الطاء فيهما واختطب أيضا فيهما‪.‬‬
‫ـب م ــن ب ــاب طَـ ُـر َق ص ــار خطيبًــا‪ ،‬واخلطَّابي ــة م ــن الرافض ــة ينس ــبون إىل أيب اخلط ــاب وك ــان بـ ـ مر‬
‫وخطُـ َ‬
‫َ‬
‫أصحابه أن يشهدوا على من َخالََف ُهم بالزور‪.2»...‬‬
‫وقــد ورد يف (معجــم الــوجيز) يف مــادة (خطــب)‪« :‬خطــب النــاس‪ ،‬وفــيهم‪ ،‬وعلــيهم‪ ،‬خطابــة‪،‬‬
‫وخطْبةً‪ :‬ألقى عليهم خطبه‪ ،‬و‪-‬فالنة‪ :‬خطْبا‪ِ ،‬‬
‫وخطبة‪ :‬طَلبها للزواج‪.‬‬ ‫َ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫اب‪.‬‬
‫ويقال‪َ :‬خطبها إىل أهلها‪ :‬طلبها منهم للزواج‪ ،‬ويقال‪ :‬خطب ُوده‪ ،‬فهو خاطب‪( ،‬ج) ُخط ُ‬
‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مج‪ ،3‬ص‪.113-110‬‬
‫‪ 2‬ال ـرازي (زيــن الــدين أبــو عبــد اهلل حممــد بــن أيب بكــر)‪ ،‬خمتــار الصــحاح‪ ،‬تــح‪ :‬يوســف الشــيخ حممــد‪ ،‬املكتبــة العص ـرية‪ ،‬لبنــان‪ ،‬ج‪3999 ،9 ،3‬م‪،‬‬
‫ص‪.91‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫كالما‪ ،‬ويقال‪ :‬خاطبه يف األمر‪ :‬حدثه بش نه‪.‬‬ ‫ِ‬


‫(خاطَبهُ) ُخمَاطبة‪ ،‬وخطابًا‪ :‬كالَ َمه وحادثَه‪ ،‬و‪ :‬وجه إليه ً‬
‫َ‬
‫(اختطب) املرأة‪ :‬خطبها‪( ،‬لاطبا) تكاملا وحتادثَا‪.‬‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫األمر من اخلطاب‪. »...‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب)‪ :‬الكالم و‪ :‬الرسالة‪ ،‬وفصل اخلطاب‪ :‬ما ينفصل به ُ‬ ‫(اخلطَ ُ‬
‫نستنتج من التعريفات اللغوية السابقة أن اخلطاب من اجلذر الثالثي خطب‪ ،‬ويعين األمر أو الشـ ن‬
‫أو احلال‪ ،‬إضافة إىل ذلك اخلطاب هو كل كالم أو حمادثة أوالرسالة‪.‬‬
‫‪ -‬اصطالحا‪:‬‬
‫ـريا ب ــاإلقرتان بوص ــف آخ ــر‪ ،‬مث ــل‪ :‬اخلط ــاب الثق ــايف‪ ،‬واخلط ــاب الس ــردي‪،‬‬
‫ي ــرتدد لف ــظ اخلط ــاب كث ـ ً‬
‫واخلطاب الصويف‪ ،‬اخلطاب السياسي‪ ،‬اخلطاب التارخيي‪ ،‬اخلطاب االجتماعي‪... ،‬‬
‫ولذلك ورد اخلطاب بتعريفات متنوعة يف هذه امليادين العديدة‪ ،‬بوصفه فعال‪ ،‬يمع بني القـول‬
‫والعمل‪ ،‬فهذا من مساتـه يف التصـنيف وقـد ورد لفـظ اخلطـاب عنـد العـرب قـدميا‪ ،‬كمـا ورد عنـد الغـربيني‬
‫مع درجات من التفاوت أو التقارب يف معناه‪.‬‬
‫‪ ‬عند العر ‪:‬‬
‫ورد لفظ اخلطاب يف الثقافة العربية‪ ،‬يف عدة مواضيع‪ ،‬إذ ورد يف القـرآن الكـرمي‪ ،‬بصـيم متعـددة‬
‫سالَ َما»‪، .‬سورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪11‬س‪.2‬‬ ‫منها‪ :‬صيغة الفعل يف قوله تعاىل‪« :‬وإِ َذا َخاطَبـهم ال ِ‬
‫ْجاهلو َن قَالوا َ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪ ‬عند الغر يين‪:‬‬
‫فقــد ورد مصــطلح اخلطــاب غالبـاً عنــد "هــاميز" بيــد أن مفهــوم اخلطــاب قــد نالــه التعــدد والتنــوع‪،‬‬
‫وذلك بت ثري الدراسات اليت أجراها عليه الباحثون‪ ،‬وهلـذا فهـو يطلـق إمجـاال‪ ،‬علـى أحـد املفهـومني يمـا‪:‬‬
‫األول هو أنه ذلك امللفوظ املوجه إىل الغري‪ ،‬بهنفهامه قصـداً معينـاً‪ ،‬وهـذا املفهـوم يتفـق مـع مـا ورد قـدميا‬

‫‪ 1‬شوقي ضيف و آخرون (جممع اللغة العربية)‪ ،‬املعجم الوجيز‪ ،‬وزارة الرتبية والتعليم‪ ،‬مصر‪ ،‬د ‪3994 ،‬م‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬يوسف تغزاوي‪ ،‬الوظائف التداولية وإسرتاتيجية التواصل اللغوي يف نظريـة النحـو الـوظيفي‪ ،‬عـامل الكتـب احلـديث‪ ،‬املغـرب‪1034 ،3 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.371-373‬‬

‫‪16‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫عند العرب‪ ،‬أما املفهوم اآلخـر للخطـاب هـو ذلـك الشـكل اللغـوي الـذي يتجـاوز اجلملـة‪ ،‬ويتسـم هـذا‬
‫املفهوم جبديته يف الدرس اللغوي احلديث‪.1‬‬
‫«إن اخلطــاب كجســد كامــل حيمــل معــاين حرفي ـة وأخــرى ضــمنية‪ ،‬ومقاصــد موضــعية وأخــرى‬
‫إمجاليـة‪ ،‬حيـث تعـد األوىل تلـك الـدالالت احلرفيـة‪ ،‬متليهـا علينـا لغـة اخلطـاب‪ ،‬وبالتـايل القصـد املباشـر‪،‬‬
‫أما الدالالت الضمنية فهي تلك املعاين اليت ال نستنتجها مـن الداللـة احلرفيـة للخطـاب‪ ،‬بـل حنتـاج إىل‬
‫وسائط كالسياق والكفاءة اللغوية والذهنية الكتشافها»‪.2‬‬
‫وقــد جــاء أيضــا يف كتــاب (اللســان وامليـزان) يف تعريفــه للخطــاب علــى « أنــه كــل منطــوق بــه موجــه إىل‬
‫الغري بغر إفهامه مقصودا خمصوصا»‪.3‬‬
‫نستنتج دا سبق أن لفـظ اخلطـاب يـ مقرتنـا بوصـف آخـر كاخلطـاب النبـوي مـثالً‪ ،‬فنجـد أن‬
‫اخلطــاب يعــين اجلمــع بــني القــول والعمــل‪ ،‬وهــو كــل ملفــوظ أو منطــوق يشــر فيــه وجــود طرفــان يمــا‬
‫اطــب بغــر الفهــم واإلفهــام‪ ،‬واخلطــاب حيمــل معــاين حرفيـة وأخــرى ضــمنية تفهــم مـن‬ ‫املخاطَــب واملخ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫السياق‪.‬‬
‫ومــن خــالل التعريفــات اللغوي ـة واالصــطالحية للخطــاب نالحــظ أهنمــا يتفقــان يف أن اخلطــاب‬
‫هو الكالم املتبادل بني طرفني يف مقام معني‪ ،‬وهو كل رسالة موجهة من متكلم إىل مستمع‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الخطا النبوي‬
‫اخلطــاب النبــوي‪« :‬هــو كـل مــا صــدر عــن الرســول صــلى اهلل عليــه وســلم مــن قــول لســاين حمكــي أو‬
‫منقول أو فعل غري لساين (حركي) مشاهد أو منقول إىل املتلقي املسـلم‪ ،‬املعـاين هـذا اخلطـاب يف زمنـه‬
‫عليــه الصــالة والســالم‪ ،‬أو الســامع لــه‪ ،‬أو القــارئ لــه يف زمــن بعــده‪ ،‬يف ســياق تواصــل لغــوي مع ـني‪،‬‬
‫وموقف مثبت‪ ،‬خيضع ملعطيات ثقافية واجتماعية ونفسية ودينية ‪ ، ...‬يف ا تمع اإلسالمي خاصة أو‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬يوسف تغزاوي‪ ،‬الوظائف التداولية وإسرتاتيجية التواصل اللغوي يف نظرية النحو الوظيفي‪ ،‬ص ‪.371‬‬
‫‪ 2‬يونسي فضيلة‪ ،‬مفهوم املقاصد وعالقتها باخلطاب (تناول تداويل للخطاب الثوري)‪ ،‬جملة اخلطاب‪ ،‬ع‪ ،1‬منشورات خمـرب حتليـل اخلطـاب‪ ،‬جامعـة تيـزي‬
‫وزو‪ ،‬اجلزائر‪1030 ،‬م‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪ 3‬طه عبد الرمحن‪ ،‬اللسان وامليزان‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬لبنان‪3998 ،3 ،‬م‪ ،‬ص ‪.139‬‬

‫‪17‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫جتارب احلياة اإلنسانية عامة‪ ،‬ليخرج هذا اخلطاب من نطاق الـنص املخصـوص بزمـان ومكـان حمـددين‬
‫إىل نطاق النص الالحمدود زمانًا ومكانًا‪ ،‬ويصبح رسالة لغوية نصية خالدة هلا فاعليتها وت ثريها بالنسبة‬
‫ملتلق ــي احل ــديث النب ــوي‪ ،‬مث يف ك ــل م ــن س ــار عل ــى هن ــج الرس ــول – علي ــه الص ــالة والس ــالم‪ -‬واتب ــع‬
‫سنته»‪.1‬‬
‫نستنتج من التعريف أن اخلطاب النبوي هـو كـل قـول أو فعـل صـدر عـن الرسـول ‪ -‬صـلى اهلل‬
‫علي ــه وس ــلم‪ -‬م ــن متلق ــي مس ــلم يف زمن ــه أو يف زم ــن بع ــده يف س ــياق م ــا‪ ،‬خيض ــع ملعطي ــات ثقافي ـ ـة‬
‫واجتماعي ـة ونفس ـية وديني ـة ‪ ، ...‬ليخــرج هــذا اخلطــاب مــن نــص حمــدود بزمــان ومكــان إىل نــص غــري‬
‫حمدود أي يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬دوافع الخطا النبوي‬
‫يســعى الرســول ‪ -‬صــلى اهلل عليــه وســلم ‪ -‬إىل اســتمالة قلــوب النــاس وقيــادهتم‪ ،‬وذلــك ألنــه‬
‫عضـ ًـوا مــن ا تمــع العــريب وحــامالً لرســالة اإلســالم ونشــرها‪ ،‬فكانــت وســيلته يف سياســة النــاس الكلمــة‬
‫الطيعة‪ ،‬واخلطاب اللغوي الذي ميتح من قرحية وقادة عربية األصلية اليت تكتنفه رعاية اهلل وتوفيقه‪.‬‬
‫وإذا كــان مــن دوافــع أي خطــاب لغــوي التواصــل أو التعبــري عــن موقــف معــني‪ ،‬فــهنن للخطــاب‬
‫النبــوي الرســول دوافــع عامــة وأخــرى خاصــة‪ ،‬فالعامــة هــي دوافــع حممــد اإلنســان (دوافــع إنســانية)‪ ،‬أمــا‬
‫اخلاصة فهي دوافع الن املكلف صلى اهلل عليه وسلم (دوافع نبوية)‪ ،‬وتندرج حتت هذه الدوافع دوافـع‬
‫هلــا عالقــة باملنش ـ الرســول عليــه الصــالة والســالم‪ ،‬وثاني ـة عالقتهــا بــاملتلقي املس ـلم‪ ،‬وثالثــة هلــا عالقــة‬
‫بطبيعة الرسالة املنش ة‪.2‬‬
‫أول‪ :‬الدوافع العامة (دوافع إنسانية‪ :‬دوافع خطا محمد اْلنسان)‬
‫القص ــد ب ــدوافع خط ــاب "حمم ــد اإلنس ــان" دواف ــع خطاب ــه علي ــه الص ــالة والس ــالم قب ــل البعث ــة‪،‬‬
‫بوصــفه عضـوا مــن البشــر‪ ،‬فقــد كــان خطابــه كاإلنســان بدافعــه األول نشــاطًا اجتماعيًـا مشــرتًكا‪ ،‬بربطــه‬

‫‪ 1‬عريب حممد عيد‪ ،‬اخلطاب النبوي خريطة البيان العريب (دراسة يف اللسانيات النفسية واالجتماعية)‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪1039 ،3 ،‬م‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.49‬‬

‫‪18‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫ب فراد قبيلته قريش‪ ،‬يتكلم هلجتهم‪ ،‬وتربطه م صلة القرابة‪ ،‬وتعزز شعوره باالنتماء االجتماعي تمـع‬
‫العروبــة يف احلجــاز‪ ،‬موطنــه األم وموضــع نشـ ته ومرتــع تربيتــه؛ دــا يشــده إىل أف ـراد جمتمعــه الصــغري بقــوة‬
‫ومتاســك‪ ،‬يصــو أفكــاره ويعــرب عــن نفســه‪ ،‬ويــتكلم مــع النــاس وحيــاورهم‪ ،‬ويــؤثر فــيهم ويتفاعــل معهــم‪،‬‬
‫دافعـا قويًّـا آخـر للتواصـل اإلنسـاين واالجتمـاعي هـو التعـاطف الـذي يعـد أول خطـوة يف‬
‫فيحقق بذلك ً‬
‫عالقات الود واأللفة مع أفراد مجاعته‪.1‬‬
‫وتنبيها للسامع ‪ -‬وظائف ثالثا‪ ،‬فهـو‬
‫رمزا لرسالته اللغوية ً‬
‫«وحيقق خطابه كاإلنسان ‪ -‬بوصفه ً‬
‫صل ومؤثِر‪ ،‬فهنذا نظرنـا مـن زاويـة املـتكلم اإلنسـان فـ ن القـول خطابـه – عليـه الصـالة‬ ‫وم َو ِ‬‫معرب ُ‬
‫خطاب ِ‬
‫و الســالم – معـ ِـرب ألنــه لعــريب قرشــي بليــم وفصــيح‪ ،‬ســلِم لســانه مــن عيــوب الكــالم‪ ،‬وأمــا أن خطابــه‬
‫ص ُل‪ ،‬فألن خطابه تصل رسالته يف قناة التواصل بلغة مدروسة ومنظمة ومفهومة‪ ،‬وعالمات تناسب‬
‫مو ِ‬
‫ســياق احلــال النفســي وف ًق ـا لألعـراف والتقاليــد اجتماعي ـة وديني ـة وسياسـية والبيئي ـة‪ ،...‬وأمــا أن خطابــه‬
‫مؤثر‪ ،‬فألن تعبريه الوجداين حيرك نـوازع املتلقـي ويـؤثر يف أحاسيسـه‪ ،‬ومسـتويات االنفعـال لديـه‪ ،‬ومـؤثِر‬
‫كذلك لتعبـريه الفكـري الـذي يقنـع عقـل املتلقـي حبجتـه ومنطقـه وأدلتـه يف خطابـه فيتواصـل معـه‪ ،‬وهـذا‬
‫يف عالقة الت ثر والت ثري ذات البعد التفاعلي بني طريف الرسالة وسياقها احمليط»‪.2‬‬
‫ثانيا‪ :‬الدوافع الخاصة (دوافع نبوية‪ :‬دوافع خطا النبي المكلف)‬
‫«بعد احلديث عن خطاب الرسول صلى اهلل عليه وسلم اإلنسان املوط خلطابـه النبـوي‪ ،‬البـد‬
‫من الت كيـد أن تكليفـه عليـه الصـالة و السـالم نبيًّـا للعـاملني دفـع ب ـ "خطابـه اإلنسـان" إىل أن يسـري إىل‬
‫مستوى لغوي وداليل وسياقي خمتلف االجتاه؛ ليخرج إىل دائرة اخلطاب اإلنساين خاصة‪.‬‬
‫وإن خطاب الن صلى اهلل عليه وسـلم املكلـف بومسـه اخلطـاب النبـوي‪ :‬اللسـاين وغـري اللسـاين‬
‫واملــدون يف حديثــه النبــوي دثــل واقــع املســلم‪ ،‬ومبــني مــنهج دارســة حياتــه؛ ففعــل التواصــل النبــوي لــيس‬
‫دينيـة حمـددة أيمهـا‪ :‬تبليـم‬ ‫فعال عشوائيا أو حدثًا غُفالً‪ ،‬بل هو فعل خمطط له وموجه؛ لتحقيـق أغـرا‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.47-41‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.48‬‬

‫‪19‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫رسـالة اهلل ســبحانه وتعـاىل‪ ،‬واإلخبــار عنــه‪ ،‬وإفهـام املتلقــي اإلنسـان‪ ،‬مث تعلــيم املســلم املتبـع شــعائر دينــه‬
‫ومناسك دنياه وثوابت عقيدته‪.‬‬
‫مث أن وظيفيت اإلفهام والتعليم تركزان على املتلقي‪ ،‬إذ ت خذ الرسالة النبوية قيمتها التداولية بـني‬
‫مستخدميها عند إحداث الت ثري املطلوب‪ ،‬معتمدا اإلقناع بوسائله املتنوعة واملؤثرة‪.‬‬
‫ومن دوافع اخلطـاب النبـوي كـذلك أنـه يالمـس احلِـس‪ ،‬وخياطـب العقـل واملنطـق ويسـري ا هـول‬
‫ملــا َج ِهـ َـل النــاس ‪ ،...‬وإضــافة إىل ذلــك فهننــه يعــظ املســلم بقصــص األولــني ألخــذ العــربة والعظــة مــنهم‪،‬‬
‫ويدافع عن الدين وينشر تعاليمه وحيث على مكارم األخالق‪.1»...‬‬
‫ـدر التشـريع الثــاين بعــد القــرآن الكــرمي‪ ،‬يرجــع‬
‫« ومــن دوافــع اخلطــاب النبــوي األساسـية أنــه مصـ ُ‬
‫إليه املسلم يف أقواله وأفعاله‪ ،‬ويُتمثل به يف سـياق مـا يتوجـب فيـه إصـدار حكـم شـرعي يقـع احلـالل أو‬
‫احلـرام يف عالقـات تواصـل يف مواقـف حمــرية‪ ،‬وهـو مصـدر لتفسـري القـرآن وتوضــيح مـا َمجُـل منـه يف أمــور‬
‫العبادات واملعامالت املتعلقة بشؤون حياة املسلم يف شىت امليادين»‪.2‬‬
‫المطلب الرا ع‪ :‬عناصر الخطا النبوي الرئيسية‬
‫«يعد اخلطاب النبوي نشا لغوي كان الرسول –عليه الصالة والسالم‪ -‬ميارسه يف ظروف معينة‬
‫ضمن إطارين‪ :‬زماين ومكاين حمددين يف سياق ا تمع اإلسالمي‪ ،‬لتحقيق أغراضه النبوية العامة‬
‫واخلاصة‪.‬‬
‫واحلــدث اللغــوي يف اخلطــاب النبــوي وســيلة لتوصــيل أفكــار الرســول صــلى اهلل عليــه وســلم املنش ـ‬
‫ورغباته ومعتقداته ورسائله إىل املتلقي‪.‬‬
‫والعناصر الرئيسية يف اخلطاب النبوي هي كالتايل‪:‬‬
‫‪ -3‬المنشئ‪ :‬الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬الباث رسائله اللسانية وغري اللسانية‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.93-90‬‬


‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.91-91‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -1‬المتلقي‪ :‬الذي يتلقى رسالة الرسـول – صـلى اهلل عليـه وسـلم ‪ -‬اللغويـة سـواء أكـان خماطبًـا أو‬
‫سامعا له‪.‬‬
‫قارئًا خلطابه النبوي أو ً‬
‫‪ -1‬الرسالة‪ :‬هي اليت حتقق فعل التواصل النبوي بشقيه‪ :‬اللساين وغري اللساين‪.‬‬
‫‪ -4‬التـ ــأثير‪ :‬ص ــدق االتص ــال‪ ،‬وي ــتم بتغي ــري معلوم ــات املس ــتقبل أو س ــلوكه أو اجتاهات ــه مب ــا يتف ــق‬
‫وأهداف املنش ‪.‬‬
‫‪ -9‬الستجا ة‪ :‬مدى قبول الرسالة أو رفضها‪ ،‬وقد تكون إيابية أو سلبية أو سريعة أو بطيئة‪.‬‬
‫وينطوي حتت هذه العناصر الرئيسية احلديث يف العناصر الفرعية املتعلقة باألوىل‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ ‬المرجع‪ :‬هو ما يتم احلديث عنه من موضوعات متباينة يف فعل التواصل‪.‬‬
‫‪ ‬الس ـند‪ :‬هــو نســق القواعــد اللغوي ـة املعروفــة واملشــرتكة بــني الرســول – عليــه الصــالة والســالم ‪-‬‬
‫واملتلقي‪ ،‬ضمن معايري اجتماعية ونفسية ودينية ‪ ...‬حىت تفهم الرسالة‪.‬‬
‫‪ ‬القناة‪ :‬املوقف أو احلالة أو الوضع الذي يسمح بالتواصل بني الرسول – عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ -‬واملتلقي»‪.1‬‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.311-313‬‬

‫‪10‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫يف ختام هذا الفصل نستنتج ما يلي‪:‬‬


‫‪ -‬التداولي ـة يف اللغــة تع ــين التحــول واالنتق ــال‪ ،‬أمــا يف االصــطالح فه ــي اجتــاه لس ــاين جديــد يه ــتم‬
‫بدراسة اللغة أثناء االستعمال‪ ،‬وهي جزء من علم العالمات هلا العديد من التسـميات العربيـة املقابلـة‬
‫للمص ــطلح األجن ـ ـ (‪ )Pragmatics‬ن ــذكر منه ــا‪ :‬املقاميـ ــة‪ ،‬والسـ ــياقية‪ ،‬والوظيفيـ ــة‪ ،‬والرباغماتي ـ ـة‬
‫والذرائعية‪ ،‬والنفعية‪.‬‬
‫‪ -‬التداوليـة هتــتم أيضــا بدراســة املعــىن داخــل الســياق‪ ،‬وتركــز علــى أقطــاب العمليـة التواصــلية‪ ،‬فتهــتم‬
‫باملتكلم ومقاصده وتراعي حـال السـامع أثنـاء تلقيـه للخطـاب‪ ،‬كمـا هتـتم بـالظروف واألحـوال احمليطـة‬
‫بالعملية التواصلية‪.‬‬
‫وللتداولية ثالث درجات هي‪:‬‬
‫أول‪ :‬دراسة الرموز اإلشارية ضمن سياق تلفظها‪.‬‬
‫ثانيـ ــا‪ :‬دراس ــة طريق ــة تعب ــري القض ــايا يف ارتباطه ــا باجلمل ــة امل ــتلفظ ــا يف احل ــاالت اهلام ــة (االس ــتلزام‬
‫احلواري)‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نظرية أفعال الكالم وتتعلق مبا أجنز فعالً عرب موقف تواصلي معني‪.‬‬
‫تعـد نظريــة أفعــال الكـالم مــن أهــم مباحــث الـدرس التــداويل‪ ،‬الــيت جـاء ــا "أوســتني" للكشــف‬
‫عن التعار بني نوعني مـن املنطوقـات هـي‪ :‬منطوقـات تقريريـة وصـفية‪ ،‬ومنطوقـات أدائيـة‪ ،‬حيـث ميـز‬
‫بني ثالثـة أنـواع للفعـل الكالمـي هـي‪ :‬فعـل قـويل‪ ،‬فعـل إجنـازي‪ ،‬وفعـل تـ ثريي‪ ،‬واقـرتح بعـد ذلـك مخسـة‬
‫أصناف لألفعال الكالمية هي‪ :‬احلكميات‪ ،‬والتنفيذيات‪ ،‬والوعديات والسلوكيات‪ ،‬والعرضيات‪.‬‬
‫مث جــاء بعــد "أوســتني" تلميــذه "ســريل"‪ ،‬حيــث طــور نظريـة األفعــال الكالميـة‪ ،‬وميــز بــني أربعــة‬
‫أنواع للفعل الكالمي وهي‪ :‬فعل التلفظ‪ ،‬الفعل القضوي‪ ،‬الفعـل اإلجنـازي‪ ،‬الفعـل التـ ثريي‪ ،‬وقـد اقـرتح‬
‫بع ـ ــد ذل ـ ــك مخس ـ ــة أص ـ ـ ـناف لألفع ـ ــال الكالمي ـ ـ ـة ه ـ ــي‪ :‬اإلخباري ـ ــات‪ ،‬والتوجيهي ـ ــات‪ ،‬وااللتزامي ـ ــات‪،‬‬
‫والتعبرييات‪ ،‬واإلعالنيات‪ ،‬كما أضاف نوعني من األفعال اإلجنازية وهـي‪ :‬أفعـال إجنازيـة مباشـرة وغـري‬
‫مباشرة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫تداولية أفعال الكالم يف اخلطاب النبوي‬ ‫الفصل األول‬

‫والتداوليـة هــي عبــارة عــن خطــاب متــداول بــني طــرفني يمــا املــتكلم واملتلقــي وقــد يكــون املــتكلم‬
‫شخصــا ذي مكانــة أو ن ـ مرســل إىل البشــرية هلــدف التوجيــه أواألمــر أو النصــح أو‬
‫ً‬ ‫شخصــا عاديًـا أو‬
‫ً‬
‫التحذير‪.‬‬
‫‪ -‬اخلطــاب يف اللغــة هــو األمــر أو الش ـ ن أو احلــال‪ ،‬وهــو كــل كــالم أو حمادثــة أو رســالة‪ ،‬أمــا يف‬
‫االصــطالح فهــو كــل ملفــوظ أو منطــوق يشــرت وجــود طـرفني يمــا املخاطَـب و ِ‬
‫املخاطــب‪ ،‬وحيمــل‬ ‫َ‬
‫معاين حرفية وأخرى ضمنية تفهم من السياق‪.‬‬
‫أما اخلطـاب النبـوي فهـو كـل قـول أو فعـل صـدر عـن الرسـول صـلى اهلل عليـه وسـلم إىل متلقـي‬
‫يف زمنه أو زمن بعده يف سياق ما‪ ،‬له دوافع معينة هي‪:‬‬
‫أول‪ :‬الدوافع العامة‬
‫وهي دوافع إنسانية (دوافع خطاب حممد اإلنسان) وهي دوافع خطابه ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬قبـل‬
‫البعثة‪ ،‬بوصفه عضوا من البشر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الدوافع الخاصة‬
‫وهــي دوافــع نبويـة (دوافــع خطــاب النـ املكلــف) بوصــفه دثــل واقــع املســلم ومبــني مــنهج دارســة حياتــه‬
‫والن صلى اهلل عليه وسلم مكلف بتبليم رسالة اهلل سبحانه وتعاىل وخمرب عنها‪.‬‬
‫‪ -‬يشرت يف اخلطـاب النبـوي وجـود عناصـر رئيسـية متثلـت يف‪ :‬املنشـ ‪ ،‬املتلقـي‪ ،‬الرسـالة‪ ،‬التـ ثري‪،‬‬
‫االستجابة‪ ،‬وأخرى فرعية متثلت يف‪ :‬املرجع‪ ،‬السنن‪ ،‬القناة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫م ـ ـ ــدخل الفصل الثاني‬
‫متهيد‪:‬‬

‫‪ -3‬التعريف باإلمام البخاري‬


‫‪ -1‬التعريف بكتاب خمتصر صحيح البخاري‬
‫‪ -1‬حمتوى كتاب خمتصر صحيح البخاري‬
‫مدخل الفصل الثاين‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫إن أصــدق الكــالم كــالم اهلل عــز وجــل‪ ،‬وأحســن اهلــدى هــدى حممــد صــلى اهلل عليــه وســلم‪،‬‬
‫وأمجل اخلطاب اخلطاب النبوي‪.‬‬
‫ـودا كبـرية للتثبيـت يف صـحة األحاديـث‪ ،‬وذلـك عـن‬
‫لقد بذل العلماء بعد عصر الصـحابة جه ً‬
‫طريق دراسة سنده ومتنه دراسة دقيقـة‪ ،‬ونتيجـة لتلـك اجلهـود ظهـرت سـندات وكتـب عاجلـت مجلـة مـن‬
‫األحاديث‪ ،‬من بينها صحيح البخاري‪.‬‬
‫‪ .3‬التعريف اْلمام البخاري‪:‬‬
‫«هو حممد بن إمساعيل بـن إبـراهيم‪ ،‬كنيتـه أبـو عبـد اهلل ‪ ،‬قصـته مـع احلـديث طويلـة بـدأ حبفظـه‬
‫وهــو دون العاشــرة‪ ،‬فكتــب عــن أكثــر مــن ألـ ِ‬
‫ـف شــيخ‪ ،‬وحفــظ مائــة ألــف حــديث صــحيح ومــائيت ألــف‬
‫عامـا‪ ،‬ومسعـه مـن أكثـر مـن سـبعني‬
‫حديث غري صحيح ‪ .‬ويقال‪ :‬إنه اشتغل جبمع صحيحه ستة عشر ً‬
‫ألفا‪ ،‬وتويف يف قرية من قرى مسرقند تسمى (خرتنك)‪ ،‬سنة ‪191‬هـ»‪.1‬‬
‫‪ .2‬التعريف كتا مختصر صحيح البخاري‪:‬‬
‫«ويُعت ــرب م ــن أص ــح الكت ــب بع ــد الق ــرآن الك ــرمي‪ ،‬ل ــذلك اه ــتم ب ــه الشـ ـراح‪ ،‬فتج ــاوزت ش ــرحه‬
‫الثمانني‪ ،‬لكن أفضلها‪( :‬فتح الباري) لـ"ابن حجر العسقالين"»‪.2‬‬
‫أيضــا باجلــامع الصــحيح املســند املختصــر مــن حــديث رســول اهلل‬
‫«ويســمى صــحيح البخــاري ً‬
‫وسنته وأيَّامه‪ ،‬ويُعد ذو عناية نادرة ودقة فائقة ‪ ،‬ولصحيح البخاري أثر عميق يف‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ُ‬
‫ازدهــار الســنة يف القــرن الثالــث اهلجــري ومــا بعــده‪ ،‬فلــه فضــل الســبق والريــادة علــى مصــنفي احلــديث‬
‫النبوي‪ 3،‬كاإلمام "مسلم"‪ ،‬و"الرتمذي"‪ ،‬و"أيب داود"‪ ،‬و"النسـائي" وغـريهم‪ ،‬وكـان البخـاري إمـامهم‪،‬‬
‫وأستاذهم‪ ،‬وموضع تقديرهم‪ ،‬حيث ت ثروا به‪ ،‬وشهدوا له بالفضل والتقدم»‪.4‬‬

‫‪ 1‬أسعد أمحد علي‪ ،‬تفسري احلديث النبوي‪ ،‬دار الرائد العريب‪ ،‬لبنان‪3979 ،3 ،‬م‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪ 3‬البخاري (أبو عبد اهلل حممد بن إمساعيل)‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬لبنان‪1001 ،3 ،‬م‪ ،‬ص‪.1-9‬‬
‫‪ 4‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.1‬‬

‫‪11‬‬
‫مدخل الفصل الثاين‬

‫‪ .3‬محتوى كتا مختصر صحيح البخاري‪:‬‬


‫صـنف اإلمـام البخــاري صـحيحه عـن طريــق كتـب حتتـوي أبـواب ولكـل بـاب عــدد مـن األحاديــث‪،‬‬
‫نذكر من بينها‪:‬‬
‫‪ -3‬بــدء الــوحي إىل رســول اهلل‪ -1 ،‬كتــاب اإلميــان‪ -1 ،‬كتــاب العلــم‪ -4 ،‬كتــاب الوضــوء‪-9 ،‬‬
‫كتاب الغسل‪،‬‬
‫‪ -1‬كت ــاب احل ــيض‪ -7 ،‬كت ــاب الت ــيمم‪ -8 ،‬كت ــاب الص ــالة‪ -9 ،‬كت ــاب مواقي ــت الص ــالة‪-30 ،‬‬
‫كتاب األذان‪ -33 ،‬كتاب اجلمعة‪ -31 ،‬كتاب اخلوف‪ -31 ،‬كتاب العيدين‪ -34 ،‬كتاب الـ ِوتْر‪،‬‬
‫‪ -39‬كتاب االستسقاء‪ -31 ،‬أبواب الكسوف‪ -37 ،‬أبواب سـجود القـرآن وسـنتها‪ -38 ،‬أبـواب‬
‫تقصــري الصــالة‪ -39 ،‬كتــاب التهجــد‪ -10 ،‬كتــاب الصــالة يف مســجد مكــة واملدينــة‪ -13 ،‬أب ـواب‬
‫العم ــل يف الص ــالة‪ -11 ،‬أب ـواب س ــجود الس ــهو‪ -11 ،‬كت ــاب اجلن ــائز‪ -14 ،‬كت ــاب الزك ــاة‪-19 ،‬‬
‫كتــاب صــدقة الفطــر‪ -11 ،‬كتــاب احلــج‪ -17 ،‬أب ـواب العمــرة‪ -18 ،‬كتــاب احملصــر وج ـزاء الصــيد‪،‬‬
‫‪ -19‬كت ـ ــاب فض ـ ــائل املدين ـ ــة‪ -10 ،‬كت ـ ــاب الص ـ ــوم‪ -13 ،‬كت ـ ــاب ص ـ ــالة الـ ـ ـرتاويح‪ -11 ،‬كت ـ ــاب‬
‫السـلم‪ -11 ،‬كتـاب الشـفعة‪ -17 ،‬كتـاب اإلجـارة‪،‬‬
‫االعتكاف‪ -14 ،‬كتاب البيـوع‪ -19 ،‬كتـاب َّ‬
‫‪ -18‬كتاب احلـواالت‪ -19 ،‬كتـاب الوكالـة‪ -40 ،‬كتـاب مـا جـاء يف احلـرث واملزارعـة‪ -43 ،‬كتـاب‬
‫احلجــر والتفلــيس‪ -44 ،‬كتــاب يف اخلصــومات‪،‬‬
‫وأداء الــديون و ْ‬ ‫املســاقاة‪ -41 ،‬كتــاب يف االســتقرا‬
‫‪ -49‬كتــاب يف اللقطــة‪ -41 ،‬كتــاب املظــامل‪ -47 ،‬كتــاب الشــركة‪ -48 ،‬كتــاب الــرهن يف احلضــر‪،‬‬
‫‪ -49‬كتـ ـ ــاب يف العتـ ـ ــق وفضـ ـ ــله‪ -49 ،‬كتـ ـ ــاب اهلبـ ـ ــة وفضـ ـ ــلها والتح ـ ـ ـريض عليهـ ـ ــا‪ - 90 ،‬كتـ ـ ــاب‬
‫الشــهادات‪ -93 ،‬كتــاب الش ــرو ‪ -91 ،‬كتــاب الوص ــايا‪ -91 ،‬كتــاب اجله ــاد‪ -94 ،‬كتــاب ب ــدء‬
‫اخلل ــق‪ -99 ،‬كت ــاب أحادي ــث األنبي ــاء‪ -91 ،‬كت ــاب فض ــائل أص ــحاب الن ـ ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم‬
‫ورضي اهلل عنهم‪ -97 ،‬كتاب املغازي‪.1...‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬البخاري (أبو عبد اهلل حممد بن إمساعيل)‪ ،‬صحيح البخاري ‪ ،‬الفهرس‪ ،‬ص ‪.119-118-117‬‬

‫‪16‬‬
‫مدخل الفصل الثاين‬

‫وقــد ارت ينــا يف هــذا الفصــل التطبيــق علــى درجــة مــن درجــات التداوليــة أال وهــي نظريــة أفعــال‬
‫الكــالم حســب تصــنيف " ســريل " هلــا‪ ،‬وطبقنــا علــى بعــض األحاديــث مــن بعــض األب ـواب يف كتــاب‬
‫املغازي للجـامع الصـحيح (خمتصـر صـحيح البخـاري) ـدف بيـان أن اخلطـاب النبـوي غـين مبـا جـاء بـه‬
‫العلماء واللسانيون يف جمال التداولية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫تطبيق األفعال الكالمية في ا المغازي من‬
‫مختصر صحيح البخاري‬
‫أول‪ :‬تحليل النموذج األول‬
‫ثانيا‪ :‬تحليل النموذج الثاني‬
‫ثالثا‪ :‬تحليل النموذج الثالث‬
‫را عا‪ :‬تحليل النموذج الرا ع‬
‫خامسا‪ :‬تحليل النموذج الخامس‬
‫سادسا‪ :‬تحليل النموذج السادس‬
‫سا عا ‪ :‬تحليل النموذج السا ع‬
‫ثامنا‪ :‬تحليل النموذج الثامن‬
‫تاسعا‪ :‬تحليل النموذج التاسع‬
‫عاشرا‪ :‬تحليل النموذج العاشر‬
‫خخ‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫أول‪ :‬تحليل النموذج األول‬


‫‪ ‬ا غزوة العشيرة ‪.‬‬
‫(عن زيد بن أرقم رضي اهلل عنه قيل له‪ " :‬كم غزا النبي صلى اهلل عليه وسلم من غزوة ؟ قال‬
‫تسع عشرة‪ ،‬قيل‪ :‬كم غزوت أنت معه ؟ قال‪ :‬تسع عشرة‪ ،‬قيل‪ :‬فأيهم كانت أول ؟ قال ‪:‬‬
‫ش ْيـر")‪.1‬‬
‫سيرة أو الع َ‬
‫الع ْ‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬
‫املقصود من احلديث بقوله ( قيل له) القائل‪ :‬هو الراوي إسحاق بينه إسرائيل بن يونس عن أيب‬
‫إسحاق وجاءت بلفظ (س لت زيدا بن أرقم ) ويؤيده قول آخر يف احلديث هو‪ ( :‬ف يهم )‪ ،‬أما يف‬
‫قوله (تسع عشرة)‪ :‬فيقصد ا الغزوات اليت خرج الن صلى اهلل عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل أم‬
‫مل يقاتل وقد ذكر زيد اثنتني من الغزوات ولعلها غزوة األبواء واألبوا ومل يذكر الغزوات األخرى‬
‫ويؤيد هذا ما وقع عن مسلم بلفظ "قلت ما أول غزوة غزاهاد قال ‪ :‬ذات العشري أو العشرية وهي‬
‫الغزوة الثالثة‪ ،‬أما قول زيد ابن التني حيمل قول زيد بن أرقم أن العشرية أول ما غزا هو ‪ :‬أيب زيد بن‬
‫أرقم والتقدير‪ :‬فقلت ما أول غزوة غزاها أي وأنت معه د قال العشري‪ ،‬فهو حمتمل أيضا‪ ،‬ويكون قد‬
‫خفي عليه اثنتان دا بعد ذلك‪ ،‬أوعد الغزوتني واحدة‪ .‬وقوله (العشري أو العسرية ) كذا بالتصغري‬
‫واألول باملعجمة بال هاء والثانية باملهملة وباهلاء‪ ،‬ووقع يف الرتمذي العشري أو العسري بال هاء فيهما‬
‫فهي غزوة تبوك ومسيت بذلك ملا كان فيهما من املشقة وأما هذه فنسبت إىل املكان الذي وصلوا إليه‬
‫وامسه العشري أو العشرية وذكر بن سعد أن املطلوب يف هذه الغزوات هي عري قريش اليت صدرت من‬
‫مكة إىل الشام بالتجارة ففاهتم‪ ،‬وكانوا يرتقبون رجوعها فخرج الن صلى اهلل عليه وسلم يتلقاها‬
‫ليغنمها ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬الزبيدي (زيد الدين أمحد بن عبد اللطيف الزبيدي) ‪ ،‬خمتصر صحيح البخاري املسمى التجريد الصريح ألحاديث اجلامع الصحيح‪ ،‬تح‪ :‬إبراهيم‬
‫بركة‪ ،‬الشركة اجلزائرية‪ ،‬د ‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬العسقالين ( أمحد بن علي بن حجر ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬املكتبة السلفية السعودية‪ ،‬ج ‪،7‬د ‪،‬دت‪ ،‬ص ‪. 183-180‬‬

‫‪19‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث ‪:‬‬


‫‪1‬ـ األفعال الدالة على اْلثبات (اْلخباريات)‪:‬‬
‫يف هذا احلديث أفعال تدل على اإلخبار والوصف وبيان عدد ونوع الغزوات اليت غزاها الن صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ومتثلت يف‪:‬‬
‫‪ ‬قيل له‪ :‬كم غزا النبي صلى اهلل عليه وسلم من غزوة ؟‪.‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬تسع عشرة‪.‬‬
‫‪ ‬قيل‪ :‬كم غزوت أنت معه ؟‪.‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬تسع عشرة‪.‬‬
‫‪ ‬قيل‪ :‬فأيهم كانت أول ؟‪.‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬العسيرة أو العشير ‪.‬‬
‫أفعال القول يف هذه اجلمل (قال ( ‪ -)1‬قيل ( ‪ – )1‬غزا – غزوت) حتمل قوة إجنازية متضمنة‬
‫يف القول مكررة يف احلديث عدة مرات لتحقق فعل إجنازي هو الطلب واإلخبار والوصف‪ ،‬ومتثل‬
‫الطلب يف السؤال عن عدد ونوع الغزوات اليت غزاها الرسول عليه الصالة والسالم سواء كان مبفرده‬
‫أو مع زيد بن أرقم‪ ،‬أما اإلخبار فقد متثل يف اإلجابة عن نوع وعدد الغزوات‪ ،‬ومتثل الوصف يف قوله‬
‫(العسرية) ملا كانت حتمله هذه الغزوة من مشقة ‪ .‬أما الفعل الت ثريي أو ما يرتكه الفعل اإلجنازي من‬
‫أثر يف املتلقي هو إقناعه ب ن عدد الغزوات اليت غزاها الن صلى اهلل عليه وسلم مبفرده أو مع زيد بن‬
‫يدا بن األرقم هي غزوة‬
‫األرقم هي تسعة عشر وأن أول غزوة غزاها الن عليه الصالة والسالم وز ً‬
‫العُ َس َرية أو العشريُ‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال التوجيه (التوجيهيات)‪:‬‬
‫لقد كانت األفعال التوجيهية كثرية يف احلديث عملت كلها على الطلب والسؤال ملعرفة عدد‬
‫الغزوات ونوعها‪ ،‬ولتوضيح هذا الكالم ن خذ هذه اجلمل‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬كم غزا النبي صلى اهلل عليه وسلم من غزوة ؟‬


‫‪ ‬كم غزوت أنت معه ؟‬
‫‪ ‬فأيهم كانت أول ؟‬
‫هذه اجلمل حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة االستفهام املباشر وهو أسلوب إنشائي طل غرضه‬
‫السؤال ملعرفة اإلجابة عن عدد ونوع غزوات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مع زيد بن أرقم‪ .‬فالفعل‬
‫الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي يظهر يف تلك اجلمل‪ ،‬والفعل اإلجنازي أو‬
‫الغرضي متثل يف طلب معرفة عدد الغزوات وأوهلا‪ ،‬أما الفعل الت ثريي أو ما للقه اجلمل من أثر يف‬
‫املتلقي هو الوصول إىل معرفة أول وعدد الغزوات اليت غزاها الن صلى اهلل عليه وسلم مبفرده أو مع‬
‫غريه‪ ،‬وكم كان الصحابة شغوفني على التعرف على غزوات املصطفى – ص – وكم كان حرصهم‬
‫على املشاركة فيها وبذل الغايل والنفيس يف ذلك ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫ثانيا‪ :‬تحليل النموذج الثاني‬


‫استَ َجا َ لَك ْم أَنِّي م ِم ُّدكم ِأَلْف ِّم َن ال َْم َالئِ َك ِة‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬باب قول اهلل تعاىل ﴿إِ ْذ تَ ْستَغيثو َن َرَّك ْم فَ ْ‬
‫ْع َقا ِ ﴾ سورة األنفال اآلية ‪.13 – 9‬‬ ‫شاقِ ِق اللَّهَ ورسولَه فَِإ َّن اللَّهَ َش ِديد ال ِ‬
‫ين ‪َ ...‬وَمن ي َ‬ ‫ِِ‬
‫ََ‬ ‫م ْردف َ‬
‫األسود مشهدا ألن أكون‬ ‫ِ‬ ‫مقداد ن‬‫(عن ابن مسعود رضي اهلل عنه قال ‪ ":‬شهدت من الِ ِ‬

‫صاحبه أحب إلــي مما ع ِدل ه؛ أتى النبي صلى اهلل عليه وسلم وهو يدعــو على المشركين‪،‬‬
‫فقال ‪:‬ل نقول كما قال قوم موسى ‪ :‬اذهب أنت ور ك فقاتال‪ ،‬ولكنا نقاتل على يمينك وعن‬
‫وسره" )‪.1‬‬
‫شمالك و ين يديك وخلفك‪ ،‬فرأيت النبي صلى اهلل عليه وسلم أشرق وجهه َ‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬
‫املقصود من احلديث يف قوله (شهدت من املقداد بن األسود) وهو أن اسم أبيه عمرو‪ ،‬وأن‬
‫األسود قد تبناه فصار ينسب إليه‪ ،‬ويف قوله ( دا عدل به) أي‪ :‬وزن من كل شيء يقابل ذلك يف‬
‫الدنيا‪ ،‬وقيل من الثواب واملراد املبالغة يف عظمة ذلك املشهد وأنه كان لو خري بني أن يكون صاحبه‬
‫وبني أن حيصل له ما يقابل ذلك كائنا ما كان حصوله له أحب إليه ‪.‬‬
‫ويف قوله (وهو يدعو على املشركني ) املقصود ا أن املقداد ملا وصل الن صلى اهلل عليه وسلم‬
‫الصفراء وبلغه أن قريشا قصدت بدرا فاستشار الناس فقام أبو بكر وقال ف حسن‪ ،‬مث قام عمر‬
‫كذلك‪ ،‬مث املقداد‪ ،‬فذكر حنو ما يف حديث الباب وزاد ‪.‬‬
‫أما يف قوله (ال نقول كما قال قوم موسى ) أي ال نقول لك كما قالت بنو إسرائيل ملوسى‬
‫ولكن نقول‪ :‬إنا معك مقاتلون‪ ،‬كما يقصد بقوله‪( :‬اذهب أنت وربك فقاتال) ‪ :‬أن ميضي الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ملا أ ُِمر به وهم معه‪ ،‬أما معىن قوله (فرأيت الن صلى اهلل عليه وسلم أشرق‬
‫وجهه وسره هو أن ذلك الكالم أفرحه ونشطه ‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الزبيدي‪ ،‬مختصر صحيح البخاري ‪،‬ص‪161‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬العسقالني‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬ص‪. 188 – 187‬‬

‫‪11‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث ‪:‬‬


‫‪ -1‬األفعال الدالة على اْلثبات (اْلخباريات)‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث أفعال دالة على اإلثبات والت كيد‪ ،‬متثلت يف اجلمل اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬شهدت من المقداد ن األسود مشهدا ألن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل ه‪.‬‬
‫ففعل القول يف هذه اجلملة (شهدت) حيمل قوة إجنازية متضمنة يف القول هي اإلخبار عن عظمة‬
‫املشهد‪ ،‬وهو فعل إجنازي غري مباشر‪ ،‬يتضمن معىن خفي يتمثل يف مساحة املوقف الذي رآه ابن‬
‫مسعود رضي اهلل عنه من املِقداد بن األسود‪ ،‬أما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي هو‬
‫االقتداء بالن صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه وأخذ العربة منهم ‪.‬‬
‫وسره‪.‬‬
‫‪ ‬رأيت النبي صلى اهلل عليه وسلم أشرق وجهه ّ‬
‫ففعل القول يف هذه اجلملة (رأيت ) يتضمن قوة إجنازية متضمنة يف القول وهي اإلخبار‬
‫والوصف‪ ،‬حيث أن املقداد بن األسود ملا قال للن صلى اهلل عليه وسلم سنقاتل عن ميينك وعن‬
‫مشالك وبني يديك وخلفك‪ ،‬كان هذا املشهد عظيم‪ ،‬فرأى ابن مسعود الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫أشرق وجهه وسره ذلك‪ ،‬وهذا فعل إجنازي مباشر ينتج عنه فعل ت ثريي يتمثل يف ضرورة إتباع ما أمرنا‬
‫اهلل به ورسوله لنيل رضاهم‪ ،‬وهذا يكشف عنه التالحق الشديد وحب الصحابة لنبيهم عليه الصالة‬
‫والسالم لإلمتثال بالرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال التوجيه (التوجيهيات)‪:‬‬
‫ب من خالهلا توجيه امل َخاطَب إىل فعل شيء معني‬ ‫جند يف احلديث أفعال توجيهية حياول املخ ِ‬
‫اط‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬
‫ومتثلت يف اجلمل اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬ل نقول كما قال قوم موسى‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازيه عرضت بقوة النفي وهو أسلوب إنشائي مباشر‪ ،‬فالفعل الكالمي املركب من‬
‫الفعل اللفظي مبعناه احلريف الظاهر من خالل البىن الرتكيبية حيمل معىن ضمين خفي يتمثل يف أن‬
‫أنصار الرسول صلى اهلل عليه وسلم سيشاركونه القتال‪ ،‬أما الفعل اإلجنازي هلذا امللفوظ ( ال نقول)‬

‫‪11‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫هو االمتناع والبعد عن قول بين إسرائيل‪ ،‬أما الفعل الت ثريي أو ما خيلقه القول من أثر يف املتلقي هو‬
‫خوف الصحابة من إتباع بين إسرائيل‪ ،‬وإتباع ما أمرنا اهلل سبحانه وتعاىل به واالقتداء برسوله (ص) ‪.‬‬
‫‪ ‬اذهب أنت ور ك فقاتال‪.‬‬
‫فالقوة اإلجنازية اليت يتضمنها القول عرضت بقوة األمر وهو أسلوب إنشائي مباشر‪ ،‬ليحقق‬
‫غرضا إجنازيا هو الطلب يدعو األنصار من خالله الرسول صلى اهلل عليه وسلم ألن ميضي إىل ما أمره‬
‫اهلل به وهم معه‪ .‬فالفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف حيمل معىن ضمين يتمثل يف‬
‫سعي أنصار الرسول صلى اهلل عليه وسلم للقتال معه‪ ،‬والفعل اإلجنازي هلذا امللفوظ يتمثل يف إتباع ما‬
‫أمر اهلل به‪ ،‬أما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي هو االبتعاد واخلوف من إتباع ما قال بنو‬
‫إسرائيل إىل موسى عليه السالم واالقتداء مبا أمر اهلل عز وجل به ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -3‬أفعال الوعد (اللتزاميات)‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث أفعال كالمية هتدف إىل التزام املتكلم بالقيام بفعل ما يف املستقبل عن‬
‫قصد وإخالص‪ ،‬وهي لتلف عن األفعال السابقة ألهنا ال تؤثر يف السامع أو املتلقي واجلملة التالية‬
‫تبني ذلك ‪.‬‬
‫‪ ‬لكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك و ين يديك وخلفك ‪.‬‬
‫جاء يف هذه اجلملة الفعل (نقاتل ) حيمل قوة إجنازية متضمنة يف القول وهي االلتزام والوعد‬
‫بالقتال وهو فعل إجنازي غري مباشر حيمل معىن خفي غري ظاهر يف اجلملة وإمنا يفهم من سياق‬
‫الكالم وهذا يعين أن املقصود من الكالم ليس قتل من عن ميينه وعن مشاله وبني يديه وخلفه وإمنا هو‬
‫إليه وذلك حلب أصحابه له التزامهم‬ ‫مساندته والوقوف معه ومحايته من أي مكروه قد يتعر‬
‫باملشاركة يف القتال مع الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪-4‬التعبيريات‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث أفعال تعرب عن موقف نفسي تعبريا يتوافر فيه شر اإلخالص وهي أساليب‬
‫خربية حتمل دالالت الفرح والسرور ومتثلت يف اجلملة اآلتية‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫وسره‪.‬‬
‫‪ ‬فرأيت النبي صلى اهلل عليه وسلم أشرق وجهه َ‬
‫فاألفعال الكالمية املوجودة يف هذا احلديث واملتمثلة يف الفعل (أشرق‪ -‬سره) هي أفعال‬
‫إجنازيه غري مباشرة حتمل معىن ضمين خفي وجاءت لتحقق فعال إجنازيا هو الفرح والسعادة‪ ،‬وذلك‬
‫أن الرسول عليه الصالة والسالم عندما مسع كالم الصحابة له فرح فرحا شديدا فظهرت على وجهه‬
‫عالمات الفرح والسرور‪ ،‬أما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي هو ضرورة إتباع ما أمرنا اهلل‬
‫تعاىل به ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫ثالثا‪ :‬تحليل النموذج الثالث‬


‫در‪.‬‬ ‫‪ ‬ا ِع ُّدة أصحا‬
‫(عن الرباء رضي اهلل عنه قال‪ ":‬كان ِع ًّدة أصحا محمد صلى اهلل عليه وسلم ممن شهدا درا‬
‫ِع َّدةِ أصحا طالوت الذين جاوزوا معه النهر ضعة َع َ‬
‫شر وثالثمائة‪ ،‬قال البراء‪ :‬ل واهلل ما‬
‫جاوز معه النهر إل مؤمن ") ‪.1‬‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬
‫املقصود من هذا احلديث يف قوله (عدة أصحاب حممد صلى اهلل عليه وسلم دن شهد بدرا)‬
‫أي الذين شهدوا الوقعة مع الن صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومن أحلق م‪ ،‬وأما قوله (عدة أصحاب‬
‫طالوت) هو طالوت بن قيس من ذرية بنيامني بن يعقوب شقيق يوسف عليه السالم‪ ،‬يقال إنه كان‬
‫سقاء ويقال إنه كان دباغا‪ ،‬وقوله (جاوزوا معه النهر) جاوزوا يف رواية إسرائيل‪ ،‬واملراد بالنهر كما ذكر‬
‫أهل العلم هنر األردن‪ .‬أما قوله (ال واهلل) هو جواب كالم حمذوف تقديره إما دعوى وإما استفهام‪:‬‬
‫هل كان بعضهم غري مؤمن‪ ،‬وحيتمل أن تكون (ال) زائدة وإمنا حلف ت كيدا خلربه‪ ،‬وقد ذكر اهلل قصة‬
‫طالوت وجالوت يف القرآن يف سورة البقرة‪ ،‬وأن جالوت كان رأس اجلبارين‪ ،‬وأن طالوت وعد من قتل‬
‫وعظُ َم قدر داود يف بين إسرائيل‬
‫جالوت أن يزوجه ابنته ويقامسه امللك فقتله داود‪ ،‬فوىف له طالوت َ‬
‫وه َم بقتله فلم يقدر عليه فتاب واخنلع‬
‫حىت استقل باململكة بعد أن كانت نية طالوت تغريت لداود َ‬
‫من امللك وخرج جماهدا هو ومن معه من ولده حىت ماتوا كلهم شهداء ‪.2‬‬
‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث‬
‫‪ -1‬أفعال دالة على اْلثبات (اْلخباريات)‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث العديد من األفعال الكالمية اليت تدل على اإلخبار والت كيد ومتثلت يف اجلمل‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الزبيدي‪ ،‬مختصر صحيح البخاري‪ ،‬ص ‪161‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬العسقالني‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬ص‪.190‬‬

‫‪16‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬كان عدة أصحا محمد صلى اهلل عليه وسلم ممن شهد درا‪.‬‬
‫ففعل القول يف هذه اجلملة (شهد) حيمل قوة متضمنة يف القول امتدت هنا للت كيد‪،‬‬
‫وجاءت لتحقق فعال إجنازيا هو اإلخبار والت كيد‪ ،‬وهو فعل إجنازي غري مباشر حيمل معىن ضمين‬
‫يفهم من خالل السياق يف تركيب اجلملة وهو إخبار وت كيد الرباء على أن من شهد وقفة بدر مع‬
‫الن صلى اهلل عليه وسلم هم أصحابه‪ ،‬أما الفعل الناتج عن القول واملتسبب يف نشوء آثار لدى‬
‫املتلقي يف مشاعره وفكره هواإلقتداء بالن صلى اهلل عليه وسلم واالمتثال بالصحابة رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫‪ ‬ع ّدة أصحا طالوت الذين جاوزوا معه النهر ضعة عشر وثالثمائة ‪.‬‬
‫ففعل القول يف هذه اجلملة ( جاوزوا) جاء لتحقيق فعال إجنازيا هو اإلخبار والت كيد حيمل‬
‫معىن متضمن يف القول ال يفهم إال من خالل السياق ويظهر ذلك يف اإلخبار والت كيد على أن‬
‫أصحاب طالوت هم الذين جاوزوا مع الن صلى اهلل عليه وسلم هنر األردن وبني الرباء رضي اهلل عنه‬
‫ب هنم كانوا بضعة عشر وثالمثائة‪ ،‬وهو فعل إجنازي غري مباشر ألن معناه غري ظاهر مباشرة يف شكل‬
‫اجلملة‪ ،‬أما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي هو اكتساب معرفة ب ن أصحاب طالوت هم‬
‫من جاوزوا النهر مع الن صلى اهلل عليه وسلم وقد كانوا بضعة عشر وثالمثائة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال الوعد ( اللتزاميات) ‪:‬‬
‫جند يف احلديث أفعال دالة على احللف واليمني والنفي وذلك ت كيدا للخرب ومتثلت يف اجلملة اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬واهلل ما جاوز معه النهر إلّ مؤمن‪.‬‬
‫فالقوة اإلجنازية اليت يتضمنها القول عرضت بقوة (القسم) وهو أسلوب إنشائي غري طل‬
‫ليحقق فعال إجنازيا مباشر يتمثل يف احللف واليمني‪ ،‬حيث يقسم الرباء ب ن الذين جاوزوا النهر مع‬
‫الن صلى اهلل عليه وسلم مل يكن سوى املسلمني وال يوجد أحد غريهم وقد استعمل الرباء كلمة‬
‫"واهلل" ت كيدا خلربه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫را عا‪ :‬تحليل النموذج الرا ع‬


‫‪ ‬ا قتل أ ي جهل‪.‬‬
‫(عن أنس رضي اهلل قال ‪ " :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من ينظر ما صنع أ و جهل‬
‫فانطلق ا ن مسعود فوجده قد ضر ه أ ْنا عفراء حتّى رد‪ ،‬قال ‪ :‬أأنت أ و جهل؟ قال ‪ :‬فأخذ‬
‫لحيته‪ ،‬قال ‪ :‬وهل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه " ) ‪.1‬‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬
‫ويعين بقوله ( قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من ينظر ما صنع أبو جهل ) أن الن‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال يوم بدر‪ :‬من ي تينا خبرب أيب جهل‪ ،‬وقوله (فانطلق ابن مسعود فوجده قد‬
‫ضربه ابنا عفراء) يعين ابن مسعود قال ‪ :‬أنا فانطلق‪ ،‬فهنذا ابنا عفراء قد اكتنفاه فضرباه‪ ،‬وابنا عفراء‬
‫يما معاذ ومعوذ ‪ ،‬ومعىن قوله (حىت َبرد ) بفتح الراء أي صار يف حالة َم ْن مات‪ ،‬ومل يبق فيه سوى‬
‫حركة املذبوح‪ ،‬ف طلق عليه باعتبار ما سيؤول إليه‪ ،‬ومنهم قوهلم للسيوف بوارد أي قواتل‪ ،‬وقوله ( قال‬
‫‪ :‬أأنت أبو جهل د) وك ن ابن مسعود تعمد اللحن ليغيظ أبا جهل كاملصغر له‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن قوله أنت‬
‫مبتدأ حمذوف اخلرب‪ ،‬وقوله أبو جهل منادى حمذوف األداة‪ ،‬والتقدير أنت املقتول يا أبا جهل‪،‬‬
‫وخاطبه بذلك مقرعا له ومتشفيا منه ألنه كان يؤذيه مبكة أشد األذى‪ ،‬وقوله (قال ‪ :‬ف خذ بلحيته )‬
‫أي أن ابن مسعود مسك أبو جهل من حليته‪ ،‬وقوله ( وهل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه)‬
‫يعين أن ابن مسعود س ل ابنا عفراء عن الذي قتل أبا جهل‪ ،‬فنظر الن صلى اهلل عليه وسلم إىل‬
‫سيفيهما حني ادعى كل منهما أنه قتل أبا جهل عدو اهلل ‪ ،‬فقال هلما ‪ :‬كالكما قتله ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬الزبيدي‪ ،‬خمتصر صحيح البخاري‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ - 2‬ينظر‪ :‬العسقالين‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬ص ‪.199 – 194‬‬

‫‪18‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث ‪:‬‬


‫‪ -1‬األفعال الدالة على اْلثبات ( اْلخباريات)‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث أفعال دالة على الوصف واإلثبات والت كيد‪ ،‬متثلت يف اجلمل اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من ينظر ما صنع أ و جهل‪.‬‬
‫‪ ‬فانطلق أ ن مسعود فوجده قد ضر ه أ نا عفراء حتى رد‪.‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬فأخذ لحيته ‪.‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬وهل فوق َرجل قتلتموه أو رجل قتله قومه‪.‬‬
‫جند يف هذه اجلمل أفعال كالمية تدل على اإلثبات والت كيد متثلت يف (قال (‪ – )1‬ينظر –‬
‫صنع – فانطلق – فوجده – ضربه – برد‪ -‬ف خذ – قتلتموه – قتله) فهذه األفعال وعلى اختالفها‬
‫حتمل قوة إجنازية متضمنة يف القول مفادها اإلخبار والوصف والت كيد‪ ،‬حيث متثل يف اإلخبار عن‬
‫مصري أيب جهل عدو اهلل‪ ،‬أما الوصف فتمثل يف وصف احلالة اليت كان عليها أيب جهل يف اللحظات‬
‫األخرية قبل موته ‪ ،‬والت كيد متثل يف الت كد من أن املقتول هو أبو جهل وهذا ما قام به ابن مسعود‪،‬‬
‫وأيضا ت كد الرسول صلى اهلل عليه وسلم من قاتل أيب جهل عندما ادعى كل من أبنا عفراء ‪ -‬معاذ‬
‫ومعوذ‪ -‬أهنما قتله‪ ،‬فنظر الن صلى اهلل عليه وسلم إىل سيفيهما وقال ‪ :‬كالكما قتله‪ ،‬وهي أفعال‬
‫إجنازية مباشرة حتمل معاين حرفية ينتج عنها فعل ت ثريي وهو هناية الظامل بصفة عامة‪ ،‬وهناية أبا‬
‫جهل عدو اهلل عز وجل بصفة خاصة‪ ،‬وأخذ العربة من مثل هذه اخلامتة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال التوجيه( التوجيهيات)‪:‬‬
‫لقد كانت االفعال التوجيهية كثرية يف احلديث وارتبطت ضمنيا بالتقرير واالثبات‪ ،‬وعملت كلها على‬
‫الطلب ومعرفة حال أيب جهل‪ ،‬ولتوضيح ذلك ن خذ هذه اجلمل‪:‬‬
‫‪ ‬من ينظر ما صنع أ و جهل؟‬
‫‪ ‬قال‪ :‬أأنت أ و جهل؟‬
‫‪ ‬قال‪ :‬وهل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه؟‬
‫‪19‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫فهذه اجلمل حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة االستفهام وهو أسلوب إنشائي طل قد يكون‬
‫مباشرا أ غري مباشر‪ ،‬فاجلملة األوىل كان االستفهام مباشر ( حقيقي)‪ ،‬حيث أن الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم س ل عن من ي تيهم خبرب أيب جهل فانطلق ابن مسعود عند مساعه السؤال مباشرة‪ ،‬أما‬
‫اجلملة الثانية فهي متثل استفهام غري حقيقي‪ ،‬ألن ابن مسعود يف هذا السؤال تعمد اللحن ليغيظ أبا‬
‫جهل ألنه كان يؤذيه أشد األذى وذلك ألن ابن مسعود يعرف أبا جهل‪،‬أما اجلملة الثالثة فاستفهام‬
‫كان حقيقيا فهنا ابن مسعود يس ل عن من هو قاتل أبو جهلد فالفعل الكالمي املركب من الفعل‬
‫اللفظي يتمثل مبعناه احلريف يف ظاهر تلك اجلمل‪ ،‬أما الفعل اإلجنازي أو الغرضي يظهر يف طلب‬
‫معرفة مصري أيب جهل ومن قتله‪ ،‬أما الفعل الت ثريي أو ما للقه اجلمل من أثر يف املتلقي هو مصري‬
‫من يعادي اهلل عز وجل وكيف تكون هنايته‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫خامسا‪ :‬تحليل النموذج الخامس‪.‬‬


‫‪ ‬ا غزوة أحد‪.‬‬
‫(عن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنه قال‪ ":‬قال رجل للنبي صلي اهلل عليه وسلم يوم أحد‪ :‬أرأيت‬
‫إن قتلت فأين أنا؟ قال‪ :‬في الجنة‪ ،‬فألقي تمرات في يده‪ ،‬ثم قاتل حتي قٌتل")‪.1‬‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬
‫واملقصود بقوله (قال رجال) أن هذا الرجل هو عمري بن احلمام‪ ،‬واحتج مبا أخرجه مسلم من‬
‫حديث أنس (أن عمري بن احلمام أخرج مترات فجعل ي كل منهن مث قال‪ :‬لئن أنا أحييت حىت آكل‬
‫مترا هذه إهنا حلياة طويلة‪ ،‬مث قاتل حىت قتل)‪ ،‬واملغزى من احلديث ما كان الصحابة عليه من حب‬
‫نصر اإلسالم‪ ،‬والرغبة يف الشهادة ابتغاء مرضاة اهلل عز وجل ‪.2‬‬
‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث‪:‬‬
‫‪ -1‬األفعال الدالة على اْلثبات (الخباريات)‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث أفعال دالة على األثبات والوصف والت كيد‪ ،‬متثلت يف اجلمل االتية‪:‬‬
‫‪ ‬قال الرجل للنبي صلي اهلل عليه وسلم يوم أحد ‪ :‬أرأيت إن قتلت فأين أنا؟‬
‫‪ ‬قال‪ :‬في الجنة‪.‬‬
‫‪ ‬فألقى تمرات في يده‪ ،‬ثم قاتل حتى قتل‪.‬‬
‫جند يف هذه اجلمل أفعال كالمية متثلت يف (قال (‪ -)1‬رأيت – قتلت‪ -‬ف لقي‪ ،‬قاتل‪ ،‬قتل)‪،‬‬
‫فهذه األفعال حتمل قوة إجنازية متضمنة يف القول مفادها اإلخبار والت كيد‪ ،‬فاإلخبار متثل يف اإلجابة‬
‫عن األسئلة اليت طرحها عمري بن احلمام عن الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أما الت كيد فتتمثل يف‬
‫معرفة مصري من يقاتل يف سبيل اهلل عز وجل أال وهو دخول اجلنة‪ ،‬وهذه األفعال اليت سبق وأن‬
‫ذكرهنا متثل أفعال ‪ ،‬إجنازية مباشرة ألهنا حتمل معاين واضحة‪ ،‬أما الفعل الت ثريي أو ما يرتكه الفعل‬

‫‪ 1‬الزبيدي‪ ،‬خمتصر صحيح البخاري‪ ،‬ص‪.118‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬العسقالين ‪ ،‬فتح الباري بشرح لبخاري‪ ،‬ص‪.194‬‬

‫‪60‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫اإلجناز من أثر يف املتلقي هو حب نصر اإلسالم‪ ،‬والرغبة للشهادة يف السبيل اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫وذلك البتغاء مرضاته‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال التوجيه (التوجيهيات)‪:‬‬
‫جند يف احلديث أفعال توجيهية عملت على طلب املعرفة‪ ،‬ولتوضيح هذا الكالم ن خذ اجلملة‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ ‬أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال‪ :‬في الجنة‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة االستفهام املباشر‪ ،‬وهو أسلوب إنشائي طل غرضه السؤال‬
‫ملعرفة اإلجابة عن مصري من يقتل يف سيبل اهلل عز وجل‪ ،‬وهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل‬
‫اللفظي حيمل معىن حريف واضح‪ ،‬والفعل اإلجنازي هلذا امللفوظ هو طلب معرفة مصري من يقاتل يف‬
‫سبيل نصر االسالم‪ ،‬أما الفعل الت ثريي أو ما خيلقه القول من أثر يف املتلقي هو مدى حب‬
‫الصحابة لنصر الدعوة اإلسالمية‪ ،‬وإقناع املسلمني بالرغبة يف الشهادة أو اجلهاد يف سيبل اهلل عز‬
‫وجل‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫سادسا‪ :‬تحليل النموذج السادس‬


‫‪ ‬ا غزوة الخندق (األحزا )‪.‬‬
‫فعرضت كدية شديدة فجاءوا النبي‬ ‫(عن جابر رضي اهلل عنه قال‪ ":‬إنّا يوم الخندق نحفر ‪َ ،‬‬
‫(رضي اهلل عليه وسلم) فقالوا ‪ :‬هذه كدية عرضت في الخندق‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا نازل‪ ،‬ثم قام و طنه‬
‫حجر ولبثتا ثالثة أيام ل نذوق ذواقا‪ ،‬فأخذ النبي (صلي اهلل عليه وسلم المعول‬ ‫معصو‬
‫فضر في الكدية فعاد كثيبا أهيل ")‪.1‬‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬
‫املقصود من قوله يف هذا احلديث ( إنا يوم اخلندق حنفر) أي كنا مع الرسول ‪ ،‬صلي اهلل عليه‬
‫وسلم يوم اخلندق حنفر ‪ ،‬أما قوله (فعرضت كدية) ُكدية بضم الكاف وهي القطعة الصلبة الصماء‬
‫من األر ‪ ،‬ويف قوله (فقال ‪ :‬أنا نازل‪ ،‬مث قام وبطنه معصوب حبجر)يقصد أن الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم من شدة اجلوع ربط بطنه حبجر ألهنا تضمر من اجلوع فيخشى على احنناء الصلب بواسطة‬
‫ذلك فهنذا وضع فوقها احلجر وشد عليها العصابة استقام الظهر‪ ،‬وألهنا حجارة رقاق قدر البطن تشد‬
‫األمعاء فال يتحلل دا يف البطن فيحصل ضعف زائد يسبب التحلل‪ ،‬وقوله ( ولبثنا ثالثة أيام ال‬
‫نذوق ذواقا) هي مجلة معرتضة وردت لبيان السبب يف ربطه صلى اهلل عليه وسلم اجلحر على بطنه‪،‬‬
‫وقوله (ف خذ الن ‪ -‬ص‪ -‬املعول) بكسر امليم أي املسحاة‪ ،‬وقوله (فعاد كثيبا أهيل) أي رمال‪ ،‬واملعين‬
‫أنه صار رمال يسيل وال يتماسك‪.2‬‬
‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث‪:‬‬
‫‪-1‬األفعال الدالة على اْلثبات (اْلخباريات)‪:‬‬
‫يف هذا الصنف من األفعال الكالمية جند أفعال تدل على اإلخبار والتقرير والوصف‪ ،‬متثلت يف اجلمل‬
‫االتية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الزبيدي‪ ،‬مختصر صحيح البخاري‪ ،‬ص ‪.171-169‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬العسقالني ‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري ص ‪.197 -196‬‬

‫‪61‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬إنا يوم الخندق نحفر‪.‬‬


‫‪ ‬فجاءوا النبي ( صلى اله عليه وسلم) فقالوا‪ :‬هذه كدية عرضت في الخندق‪.‬‬
‫حجر‪.‬‬ ‫‪ ‬قام و طنه معصو‬
‫‪ ‬أخذ النبي (صلى اهلل عليه وسلم) المعول فضر في الكدية‬
‫ففعل القول يف هذه اجلمل ( حنفر‪ -‬فجاءوا‪ -‬قام‪ -‬أخذ ) حتمل قوة متضمنة يف القول لتحقق‬
‫فعال إجنازيا هو اإلخبار واإلثبات‪ ،‬حيث أن جابر رضي اهلل عنه استهل كالمه ذه األفعال الكالمية‬
‫وذلك لإلخبار عن يوم اخلندق وما حصل فيه‪ ،‬وهي أفعال إجنازية مباشرة حتمل معاين ظاهرة تفهم‬
‫خارج السياق‪ ،‬أما ما ترتكه هذه األفعال اإلجنازية من أثر يف املتلقي هي ضرورة الوصول إىل معرفة ما‬
‫حصل يوم اخلندق‬
‫‪ ‬فعرضت كدية شديدة‬
‫‪ ‬فعاد كثيبا أهيل‪.‬‬
‫هذه اجلمل حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة (الوصف) غري املباشر ‪ ،‬تتحدد قيمتها يف ظروف‬
‫سياقية معينة‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي يقر ب ن هناك كدية‬
‫صلبة يف اخلندق وعندما قام الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بضر ا صارت رمال يسيل وال‬
‫يتماسك أما الفعل الغرضي أو اإلجنازي هلذا امللفوظ هو اإلخبار والوصف‪ ،‬ليحققا األثر الذي ميارسه‬
‫املنش على السامع ويتمثل يف وجوب معرفة أن الرمل الذي يوجد يف اخلندق كان عبارة عن كدية‬
‫صلبة وبقيام الرسول بضر ا أصبحت رمال سائال يهيل وال يتماسك‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال التوجيه (التوجيهيات)‬
‫يف هذا الصنف من األفعال الكالمية دف املتكلم إىل توجيه السامع إىل فعل شيء معني‬
‫واجتاه املطابقة من العامل إىل الكلمات‪ ،‬وشر االخالص فيها يتمثل يف الرغبة الصادقة‪ ،‬واجلملة‬
‫اآلتية توضح ذلك‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬ل ندوق ذواقا‪.‬‬


‫هذه اجلمل حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة( النفي) غري املباشر‪ ،‬تتحدد قيمتها ضمن سياق‬
‫معني‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي يقر ب ن الرسول (صلى اهلل‬
‫عليه وسلم) وأصحابه مل يذوقوا شيئا أثناء غزوة اخلندق وذلك ملدة ثالثة أيام أما الفعل الغرضي أو‬
‫اإلجنازي هلذا امللفوظ هو النفي‪ ،‬ليحقق األثر الذي ميارسه املنش على السامع وهو اإلمتثال بالرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم واالقتداء به‪.‬‬
‫‪ -3‬اْلعالنيات‪:‬‬
‫جند يف هذا الصنف من األفعال الكالمية اليت هلا وظيفة اإلعالن ‪،‬ويتميز الفعل اإلجنازي فيها‬
‫ب نه يستخدم معه غالبا ضمري املتكلم مسند إليه‪ ،‬والفعل املضارع املبين للمعلوم ‪ ،‬ويكون موجها‬
‫للمخاطب ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك نذكر‪:‬‬
‫‪ ‬فقال‪ :‬أنا نازل‪.‬‬
‫إن هذا اإلعالن حتقق بواسطة الفعل (نازل) وهو فعل مضارع مبين للمعلوم ومسند إىل‬
‫ضمري املتكلم املفرد (أنا) ‪،‬وهو إعالن موجه من الرسول صلى اهلل عليه وسلم إىل الصحابة رضي اهلل‬
‫عنهم لغر إعالمهم بنزوله اخلندق‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫سا عا ‪ -‬تحليل النموذج السا ع‪:‬‬


‫‪ ‬ا عزوة ذات الرقاع‪.‬‬
‫(عن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما " أنه غزا مع الرسول صلى اهلل عليه وسلم قبل نجد‪ ،‬فلما‬
‫قفل رسول صلى اهلل عليه وسلم قفل معهم فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه ‪ ،‬فنزل رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون الشجر‪ ،‬ونزل رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم تحت سمرة فعلق ها سنينه‪ ،‬قال جا ر‪ :‬فنمنا نومة فإذا رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرا ي جالس ‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إن هذا‬
‫اخترط سيفي وأنا نائم ‪ ،‬فاستيقظت وهو في يده صلتا ‪ ،‬فقال لي‪ :‬من يمنعك مني؟ قلت‪ :‬اهلل‬
‫‪ ،‬فها هو ذا جالس ‪ ،‬ثم لم يعاقبه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ")‪.1‬‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬
‫املعىن من احلديث أن جابر أخرب أنه غزا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قبل جند‪ ،‬ويف‬
‫رواية أخرى ( كنا مع الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بذات الرقاع) وأما يف قوله ( ف دركتهم القائلة)‬
‫أي وسط النهار وشدة احلر‪ ،‬ويف قوله ( كثري العضاه) بكسر املهملة وحتقيق الضاد املعجمة أي كل‬
‫شجرة يعظم له شوك ‪ ،‬وقيل هو العظيم من السمر مطلقا‪ ،‬وقد تقدم غري مرة ‪ ،‬وقوله ( فنزل رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم يدعون‪ ،‬فجئناه‪ ،‬فهنذا عنده أعرايب ) وهذا السياق يفسر أنه جاء رجل من‬
‫املشركني‪ ،‬وقد تبني أن هذا القدر مل حيضره الصحابة وإمنا مسعوه من الن صلى اهلل عليه وسلم بعد‬
‫أن دعاهم واستيقظوا ‪ ،‬وأما قوله ( هو يف يده صلتا) أي أن األعرايب يف يده سيفا جمردا عن عمده‪،‬‬
‫وقوله ( فقال يل‪ :‬من مينعك ميند) وهو استفهام انكار‪ ،‬أي ال مينعك مين أحد ألن األعرايب كان‬
‫قائما والسيف يف يده والن صلى اهلل عليه وسلم جالس ال سيف معه ‪ ،‬ويؤخذ من مراجعة األعرايب‬

‫‪ 1‬الزبيدي ‪ ،‬خمتصر صحيح البخاري‪ ،‬ص ‪.173‬‬

‫‪66‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫له يف الكالم أن اهلل سبحانه وتعاىل منع نبيه صلى اهلل عليه وسلم منه و إال فما أحوجه اىل مراجعته‬
‫مع احتياجه إىل اخلطوة عند قيامه بقتله‪ ،‬ويف قول الن (ص) يف جوابه (اهلل) أي مينعين منك إشارة‬
‫إىل ذلك ‪ ،‬ولذلك أعادها األعرايب فلم يزده على ذلك اجلواب ‪ ،‬ويف ذلك غاية‬
‫التهكم به وعدم املباالة به أصال‪ ،‬أما يف قوله ( فها هو ذا جالس مث مل يعاقبه رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم) مبعىن أن شدة رغبة الن صلى اهلل عليه وسلم يف استئالف الكفار ليدخلوا يف اإلسالم‬
‫مل يؤاخذه مبا صنع‪ ،‬بل عفا عنه ‪.1‬‬
‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث‪:‬‬
‫‪-1‬األفعال الدالة على اْلثبات(اْلخباريات)‪:‬‬
‫يف هذا الصنف من األفعال الكالمية جند يف احلديث أن جابر رضي اهلل عنه يسعى لبيان‬
‫جمموعة من احلقائق وصفا وتقريرا وت كيدا‪ ،‬أو يقوم بنقل طائفة من التجارب اليت مر ا الرسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أثناء غزوته ذات الرقاع ‪ ،‬واجلمل اآلتية توضح ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬عن جا ر ن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أنه غزا مع الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قبل‬
‫نجد‪.‬‬
‫‪ ‬فلما قفل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قفل معهم فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه‪.‬‬
‫‪ ‬فنزل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم تحت سمرة فعلق ها سنينه‪.‬‬
‫‪ ‬قال جا ر فنمنا نومة فإذا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يدعونا فجئناه‪.‬‬
‫ففعل القول يف هذه اجلمل (غزا‪ -‬قفل‪ -‬فنزل‪ -‬فنمنا) حيمل قوة إجنازية متضمنة يف القول‬
‫لتحقق فعال إجنازيا هو اإلخبار والوصف‪ ،‬حيث جند أن جابر رضي اهلل عنه قام بنقل األحداث اليت‬
‫مر ا الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه أثناء غزوة ذات الرقاع‪ ،‬أما الفعل الناتج عن الفعل‬
‫اإلجنازي هو ضرورة العلم باألحداث والظروف القاسية اليت مر ا الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫أثناء هذه الغزوة وصربه على ذلك لإلمتثال به‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬العسقالين‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪،‬ص‪.417‬‬

‫‪67‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاة‪.‬‬


‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة ( الوصف) غري املباشر‪ ،‬تتحدد قيمتها يف ظروف سياقية‬
‫معينة‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي يقر ب ن الرسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وأصحابه رضي اهلل عنهم أثناء غزوة ذات الرقاع ويف وسط النهار أصبح اجلو شديد‬
‫احلرارة فنزلوا بواد ولبئوا حتت شجرة كثرية الورق ‪ ،‬أما الفعل الغرضي أو اإلجنازي هلذا امللفوظ هو‬
‫وصف وبيان الصعوبات اليت مر ا الرسول صلى اهلل عليه وسلم والصحابة رضي اهلل عنهم أثناء الغزوة‬
‫‪ ،‬والفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي هو االقتداء بالرسول صلى اهلل عليه وسلم واإلمتثال‬
‫بالصحابة رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫‪ ‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬إ ّن هذا اخترط سيفي وأنا نائم‪.‬‬
‫فالقوة اإلجنازية يف الرتكيب امتدت هنا للت كيد ولو جتردت اجلملة من األداة إن لتغريت‬
‫الداللة‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي غري املباشر حيمل قوة متضمنة يف القول متثلت يف ت كيد وإشارة الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم على محل األعرايب لسيفه وهو نائم لكنه عفا عنه‪ ،‬وهو دليل على مساحة‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم وأخالقه الكرمية‪ ،‬وأما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي هو‬
‫اإلقتداء بالرسول صلى اهلل عليه وسلم واإلمتثال به‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال التوجيه ( التوجيهيات)‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث الكثري من األفعال التوجيهية اليت هتدف حلمل الشخص على القيام بفعل‬
‫معني واجلمل اآلتية توضح ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬فإذا الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يدعونا فجئناه‪.‬‬
‫ففعل القول يف هذه اجلملة (يدعونا) حيمل قوة إجنازية متضمنة يف القول وهي الدعوة‪ ،‬حيث أن‬
‫الرسول اهلل صلى اهلل عليه سلم دعا الصحابة رضي اهلل عنهم للحضور فقاموا بتلبية طلبه وهو فعل‬
‫إجنازي مباشر ألنه حيمل معىن ظاهر يفهم من خالل الرتكيب‪ ،‬وهذا الفعل اإلجنازي ينتج عنه فعال‬

‫‪68‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫ت ثرييا يتمثل يف معرفة مدى حب الصحابة رضي اهلل عنهم للرسول صلى اهلل عليه وسلم من خالل‬
‫تلبية طلبه ألخذ العربة منهم ‪.‬‬
‫‪ ‬فقال لي‪ :‬من يمنعك مني؟‬
‫بقوة( االستفهام) غري املباشر‪ ،‬تتحدد قيمته يف ظروف‬ ‫ففعل القول يف هذه اجلملة عر‬
‫سياقية معينة‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي يتمثل يف السؤال‬
‫حيمل فعال إجنازيا هو التهديد‪ ،‬حيث أن األعرايب هدد الرسول صلى اهلل عليه وسلم بسيفه الذي‬
‫أخذه منه وهو نائم‪ ،‬أما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي أو ما يرتكه هذا القول من أثر يف‬
‫املتلقي هو اخلوف من اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫‪ ‬ثم لم يعاقبه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة ( النفي) املباشر‪ ،‬تتكون من ثالثة أفعال هي الفعل اللفظي‬
‫مبعناه احلريف الذي يعين أن الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عفا عن األعرايب‪ ،‬أما الفعل الغرضي أو‬
‫اإلجنازي هلذا امللفوظ هو عفو وصفح الرسول صلى اهلل عليه وسلم عن األعرايب‪ ،‬أما الفعل الت ثريي‬
‫الناتج عن الفعل االجنازي هو االقتداء بالرسول صلى اهلل عليه وسلم واإلمتثال به يف أخالقه الكرمية‬
‫حىت مع الذين أساؤوا إليه‪ ،‬وتعمدوا الغلظة واجلفوة معه‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫ثامنا‪ :‬تحليل النموذج الثامن‬


‫‪ ‬ا غزوة الحديبية‪.‬‬
‫(عن الرباء رضي اهلل عنه قال‪ ":‬تع ّدون أنتم الفتح فتح مكة‪ ،‬وقد كان فتح مكة فتحا‪ ،‬ونحن‬
‫ُّ‬
‫نعد الفتح يعة الرضوان ‪ ،‬يوم الحديبية ‪ ،‬كنا مع النبي صلى اهلل عليه وسلم أر ع عشرة مائة‪،‬‬
‫والحديبية ئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى اهلل عليه وسلم فأتاها‬
‫فجلس على شفيرها‪ ،‬ثم دعا إناء من ماء فتوضأ ثم مضمض ودعا‪ ،‬ثم صبه فيها ‪ ،‬فتر كناها‬
‫غير عيد ‪ ،‬ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركا نا " )‪.1‬‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬
‫املعىن من احلديث يف قوله (وحنن نعد الفتح بيعه الرضوان) يعين قوله تعاىل( إنا فتحنا لك‬
‫فتحا مبينا) املراد بالفتح هنا فتح احلديبية ألهنا كانت مبدأ الفتح املبني على املسلمني ‪ ،‬ومل يكن يف‬
‫اإلسالم فتح قبل فتح احلديبية أعظم منه‪ ،‬إمنا كان الكفر حيث القتال‪ ،‬فلما أمن الناس كلهم كلم‬
‫بعضهم بعضا وتفاوضوا يف احلديث واملنازعة ومل يكن أحد يف اإلسالم يعقل شيئا إال بادر إىل‬
‫الدخول فيه‪ ،‬فلقد دخل يف تلك السنتني مثل من كان دخل يف اإلسالم قبل ذلك أو أكثر‪ ،‬أما يف‬
‫قوله( واحلديبية بئر) يشري إىل أن املكان املعروف باحلديبية مسي ببئر كانت هنالك‪ ،‬هذا امسها مث‬
‫عرف املكان كله بذلك‪ ،‬وقوله (فنزحناها فلم نرتك فيها قطرة) أي أخذ املاء شيئا بعد شيء إىل أن ال‬
‫يبقى منه شيء‪ ،‬وأما يف قوله ( مث إهنا أصدرتنا) أي رجعتنا‪ ،‬ويف قوله ( ما شيئا حنن وركابنا) أي‬
‫رجعوا عن البئر وقد رووا منها هم دوا م أي اإلبل اليت يسار عليها‪.2‬‬
‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث‪:‬‬
‫‪-1‬األفعال الدالة على اْلثبات (اْلخباريات)‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث أفعال تدل على اإلخبار والوصف والت كيد‪ ،‬متثلت يف ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬الزبيدي ‪ ،‬خمتصر صحيح البخاري‪ ،‬ص ‪171‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬العسقالين‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬ص ‪.441-443‬‬

‫‪71‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬تعدون أنتم الفتح فتح مكة‪ ،‬وقد كان فتح مكة فتحا‪.‬‬
‫‪ ‬نحن نعد الفتح يعة الرضوان‪ ،‬يوم الحديبية‪.‬‬
‫‪ ‬الحديبية ئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة‪.‬‬
‫‪ ‬فبلغ ذلك النبي صلى اهلل عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها‪ ،‬ثم دعا إناء من ماء‬
‫فتوضأ‪ ،‬ثم مضمض ودعا‪ ،‬ثم صبه فيها‪.‬‬
‫‪ ‬فتركناها غير عيد‪ ،‬ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركا نا‪.‬‬
‫جند يف هذه اجلمل أفعال كالمية متثلت يف ( تعدون‪ ،‬كان‪ ،‬نعد‪ ،‬فنزحناها ‪ ،‬نرتك‪ ،‬بلم‪،‬‬
‫أتاها‪ ،‬جلس‪ ،‬دعا(مرتني)‪ ،‬توض ‪ ،‬مضمض‪ ،‬صبه‪ ،‬فرتكناها‪ ،‬أصدرتنا) حتمل قوة إجنازية متضمنة يف‬
‫القول مكررة يف هذا احلديث عدة مرات لتحقق فعال إجنازي هو اإلخبار والوصف واإلثبات ‪ ،‬حيث‬
‫متثل اإلخبار عن مبدأ الفتح يف اإلسالم وهو بيعة الرضوان‪ ،‬أو ما يعرف بصلح احلديبية ‪ ،‬وتصحيح‬
‫املعلومة اليت كانت عند املسلمني وهي أن مبدأ الفتح هو فتح مكة‪ ،‬أما الوصف واإلثبات فتمثال يف‬
‫نقل الظروف اليت عاشها الرسول صلى اهلل عليه وسلم مع الصحابة رضي اهلل عنهم أثناء غزوة‬
‫احلديبية ‪ ،‬أما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي فهو االقتناع ب ن فتح احلديبية هو أعظم وأول‬
‫فتح يف اإلسالم ‪ ،‬ومعرفة مدى صرب الرسول صلى اهلل عليه وسلم مع الصحابة رضي اهلل عنهم وذلك‬
‫من خالل الظروف اليت مروا ا يف الغزوة‪ ،‬وأخذ العربة من هذه التجارب واالقتداء م‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال التوجيه(التوجيهيات)‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث الكثري من األفعال التوجيهية ارتبطت ضمنيا باإلثبات والتقرير‪،‬‬
‫ولتوضيح ذلك ن خذ اجلمل اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬الحديبية ئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة (النفي) املباشر‪ ،‬يتحدد معناها يف ظروف سياقية‬
‫معينة‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي حتمله اجلملة وهو أن‬
‫الصحابة نفوا وجود املاء يف بئر احلديبية عندما نزحوها‪ ،‬كما وقد حتمل اجلملة معىن ضمنيا يتمثل يف‬
‫‪70‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫أن الصحابة عندما طال مكوثهم يف احلديبية أثناء الغزوة أدى ذلك إىل نفاد املاء من البئر‪ ،‬والفعل‬
‫الغرضي أو اإلجنازي هلذا امللفوظ هو اإلخبار والت كيد على عدم وجود املاء يف البئر ‪،‬أما الفعل الناتج‬
‫عن القول أو الفعل الت ثريي معرفة مدى صرب وحتمل الصحابة رضي اهلل عنهم مع الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم واالقتداء م ‪.‬‬
‫‪ ‬فبلغ ذلك النبي صلى اهلل عليه وسلم فاتاها فجلس على شفيرها ‪،‬ثم دعا إناء من ماء‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية متمثلة يف الطلب‪ ،‬وفيها يعد امللفوظ حماولة من املتكلم حلمل‬
‫املخاطبني على أداء فعل معني ‪ ،‬وهو فعل إجنازي مباشرغرضه طلب ألن الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ملا بلغه أن البئر نفدت من املاء أتاها فجلس على حافتها مث طلب من الصحابة رضي اهلل‬
‫عنهم أن حيضروا له إناء من املاء فتوض مث مضمض ودعا اهلل سبحانه وتعاىل مث صبه فيها‪ ،‬وتركوها‬
‫فرتة قريبة مث رجعوا هلا ف عطتهم املاء حىت ارتووا هم ودوا م وذلك ب مر من املوىل عز وجل‪ ،‬واألثر‬
‫بقوة الطلب‪ ،‬هو معرفة مدى مكافحة الرسول صلى اهلل‬ ‫الذي ينتجه هذا الفعل اإلجنازي املعرو‬
‫عليه وسلم مع الصحابة رضي اهلل عنهم أثناء خروجهم يف الغزوة‪ ،‬وكذلك اإلميان بقدرة اهلل جل ذكره‬
‫عندما يقول ألمر كن فيكون‪.‬‬
‫‪ ‬فجلس على شفيرها‪ ،‬ثم دعا إناء من ماء فتوضأ ‪،‬ثم مضمض ودعا ‪،‬ثم صبه فيها ‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية متضمنة يف القول عرضت بقوة (الدعاء)‪ ،‬يتحدد معناها يف ظروف‬
‫سياقية معينة ‪،‬وفيها يعد امللفوظ حماولة من املتكلم حلمل أو توجيه املخاطب على أداء فعل معني‪،‬‬
‫فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الواضح الذي حتمله اجلملة يف ظاهرها‪،‬‬
‫أما الفعل اإلجنازي أو الغرضي هلذا امللفوظ هو الدعاء والطلب‪ ،‬وذلك أن الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ملا بلغه نفاد املاء من البئر طلب من الصحابة أن حيضروا له إناء به ماء فتوض مث مضمض‬
‫ودعا اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬مث صب ما تبقى يف إناء من ماء يف البئر‪ ،‬فرتكوها فرتة قريبة وعندما رجعوا‬
‫إليها وجدوا فيها املاء ما يكفيهم هم ودوا م‪ ،‬والفعل الت ثريي أو ما خيلقه القول من اثر يف املتلقي‬
‫هو أن الرسول عليه الصالة والسالم كان كلما ضاقت به توض ورفع يديه إىل السماء ودعا اهلل عز‬

‫‪71‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫وجل يف أمر معني إال واستجاب له اهلل سبحانه وتعاىل فيه‪ ،‬وأيضا معرفة القيمة العظيمة للدعاء وهذا‬
‫ما يب االقتداء به يف حياتنا اليومية ‪.‬‬
‫‪-3‬اْلعالنيات‪:‬‬
‫جند يف هذا الصنف من األفعال الكالمية اليت هلا وظيفة اإلعالن‪ ،‬ويتميز الفعل اإلجنازي فيها ب نه‬
‫يستخدم معه غالبا ضمري املتكلم مسندا إليه‪ ،‬والفعل يف صيغة املضارع املبين للمعلوم‪ ،‬ويكون موجها‬
‫للمخاطب‪ ،‬ومن أمثلة ذلك يف احلديث جند‪:‬‬
‫‪ ‬نحن نع ّد الفتح يعة الرضوان‪ ،‬يوم الحديبية ‪.‬‬
‫إن هذا اإلعالن حتقق بواسطة الفعل (نعد) وهو فعل مضارع مبين للمعلوم ومسند إىل ضمري‬
‫املتكلم (حنن) ‪ ،‬وموجه إىل املسلمني بغر إعالمهم أن أعظم فتح يف اإلسالم هو بيعة الرضوان أو‬
‫ما يعرف بصلح احلديبية‪ ،‬وذلك ملا فيه من متاعب ومشقات وصعوبات مر ا الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم مع الصحابة رضي اهلل عنهم فاقت ما مروا به أثناء فتح مكة املكرمة ف علن بعد ذلك عن‬
‫أن مبدأ الفتح املبني وأعظمه على اإلطالق هو فتح احلديبية‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫تاسعا‪ :‬تحليل النموذج التاسع‬


‫‪ ‬ا غزوة الطائف في شوال سنة ثمان ‪.‬‬
‫علي النبي صلى اهلل عليه وسلم وعندي مخنث‬ ‫(عن أ ِم سلمة رضي اهلل عنها قالت‪ ":‬دخل ّ‬
‫فسمعته يقول لعبد اهلل ن أمية ‪،‬يا عبد اهلل ‪،‬أرأيت إن فتح اهلل عليكم الطائف غدا فعليك ا نة‬
‫غيالن ‪،‬فإنها تقبل أر ع وتد ر ثمان ‪،‬وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬ل يدخلن هؤلء‬
‫عليكن")‪.1‬‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬
‫قوله(باب غزوة الطائف )‪،‬الطائف هو بلد كبري مشهور‪ ،‬كثري األعناب والنخيل‪ ،‬على ثالث‬
‫مراحل أو اثنتني من مكة من جهة الشرق‪ ،‬قيل أصلها أن جربيل عليه السالم اقتلع اجلنة اليت كانت‬
‫ألصحاب الصرمي فسار ا إىل مكة‪ ،‬فطاف ا حول البيت‪ ،‬مث أنزهلا إىل حيث الطائف فسمي‬
‫املوضع ا )‪ . 2‬أما قوله(خمنث)اخلنثى يف األصل فرد تتكون فيه أمشاج الذكر وأمشاج األنثى‪،‬‬
‫واملقصود به يف احلديث من يتشبه بالنساء يف حركاته وكالمه‪ ،‬وجند قوله (أرأيت إن فتح اهلل عليكم‬
‫منه هنا ذكر حصار الطائف أما قوله (فهنهنا تقبل ب ربع وتدبر بثمان ) جاء يف قول‬ ‫الطائف )الغر‬
‫حبيب عن مالك معناه أن أعكاهنا ينعطف بعضها على بعض وهي يف بطنها أربع طرائق وتبلم‬
‫أطرافها إىل خاصرهتا يف كل جانب أربع وإلرادة العكن ذكر األربع والثمان ولو أراد األطراف لقال‬
‫بثمانية ويف قول اخلطايب إن هلا يف بطنها أربع عكن فهنذا أقبلت رأيت مواضعها بارزة متكسرا بعضها‬
‫على بعض وإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن األربع عند منقطع جبينها مثانية )‪.3‬‬

‫‪ 1‬الزبيدي‪ ،‬خمتصر صحيح البخاري‪ ،‬ص‪.183‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬العسقالين‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.41‬‬
‫‪ 3‬الزبيدي‪ ،‬خمتصر صحيح البخاري‪ ،‬ص‪.180-179‬‬

‫‪71‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث ‪:‬‬


‫‪ -1‬أفعال دالة على اْلثبات (اْلخباريات)‪:‬‬
‫يف هذا الصنف من األفعال الكالمية للحديث تسعى أم سلمة رضي اهلل عنها إىل نقل جمموعة‬
‫من احلقائق وصفا وت كيدا حيث مت نقل األحداث اليت وقعت مع الن صلى اهلل عليه وسلم‬
‫والصحابة أثناء غزوة الطائف واجلمل اآلتية توضح ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬دخل علي النبي صلى اهلل عليه وسلم وعندي مخنث‪.‬‬
‫‪ ‬فسمعته يقول لعبد اهلل ن أمية‪ ،‬يا عبد اهلل‪ ،‬أرأيت إن فتح اهلل عليكم الطائف غدا‪.‬‬
‫‪ ‬عليك ا نة غيالن ‪،‬إنها تقبل أر ع وتد ر ثمان ‪.‬‬
‫ففعل القول يف هذه اجلمل (دخل ‪ -‬فسمعته ‪ -‬تقبل ‪ -‬تدبر) حتمل قوة إجنازية متضمنة يف‬
‫القول تتحدد قيمتها يف ظروف سياقية معينة‪ ،‬لتحقق فعال إجنازيا هو اإلخبار والوصف‪ ،‬حيث أن أم‬
‫سلمة رضي اهلل عنها قامت بنقل األحداث اليت وقعت بني الن صلى اهلل عليه وسلم والصحابة‬
‫رضي اهلل عنهم مث قامت كذلك بوصف أم غيالن‪ ،‬أما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي‬
‫متثل يف ضرورة العلم باألحداث اليت جرت بني الن صلى اهلل عليه وسلم والصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫أثناء غزوة الطائف ‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال التوجيه (التوجيهيات)‪:‬‬
‫يوجد يف احلديث الكثري من األفعال التوجيهية‪ ،‬ارتبطت ضمنيا بلفت االنتباه واألمر‪،‬‬
‫ولتوضيح هذا الطرح ن خذ هذه اجلمل‪:‬‬
‫‪ ‬يا عبد اهلل‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة (النداء)غري املباشر‪ ،‬تتحدد قيمتها يف ظروف سياقية‬
‫معينة لتحقق فعال إجنازيا هو لفت االنتباه‪ ،‬حيث أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ملا نادى عبد اهلل‬
‫استعمل األداة "يا" ليلفت انتباهه واملالحظ يف هذا الفعل التوجيهي انه خيلق أسبابا للمخاطب كي‬
‫يؤدي ما طلب منه ألننا لو أكملنا قراءة احلديث لوجدنا أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم قام مبناداة‬
‫‪71‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫عبد اهلل ومل يكن غرضه املناداة فقط بل لكي يرشده إىل التوجه إىل ابنة غيالن ومنه كان الفعل‬
‫الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي هو اإلرشاد والتوجيه ‪.‬‬
‫‪ ‬أرأيت إن فتح اهلل عليكم الطائف غدا‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة (االستفهام) غري املباشر‪ ،‬تتحدد قيمتها يف ظروف‬
‫من هذه اجلملة ليس السؤال بل اإلعالن واإلخبار‬ ‫سياقية معينة هي ذكر حصار الطائف‪ ،‬والغر‬
‫عن فتح الطائف يف الغد ‪،‬وهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف يتمثل يف املعىن‬
‫الظاهر للجملة والذي يتبني وك نه استفهام (سؤال) أما الفعل الغرضي أو االجنازي هو اإلخبار والتنبيه‬
‫بان هناك حصار للطائف غدا والفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي هو اإلقتناع مبدى حرص‬
‫الن صلى اهلل عليه وسلم إلرشاد وتوجيه املسلمني ‪.‬‬
‫‪ ‬فعليك ا نة غيالن‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية عرضت بقوة اسم فعل األمر مبعىن اِلزم املباشر‪ ،‬تتحدد قيمتها يف‬
‫ظروف سياقية معينة‪ ،‬لتحقق فعال إجنازيا هو الطلب والنصح‪ ،‬يدعو الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫عبد اهلل للتوجه إىل إبنة غيالن أثناء حصار الطائف وهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي‬
‫مبعناه احلريف والذي يتبني وك نه طلب وهو طلب التوجه إىل إبنة غيالن ‪،‬أما الفعل الغرضي أواإلجنازي‬
‫يتمثل يف النصح‪ ،‬ينتج عنه فعال ت ثرييا هو اإلرشاد حيث أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم أرشد عبد‬
‫اهلل أن يتوجه البنة غيالن ملا لديها من أوصاف مجالية وذلك لإلمتثال م‪.‬‬
‫يدخلن هؤلء عليكن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪‬ل‬
‫فاجلملة حتمل قوة اجنازية عرضت بقوة (النهي) املباشر الذي يتحقق باحلرف "ال" تتحدد‬
‫قيمتها ضمن ظروف سياقية معينة‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي‬
‫يوحي ب ن الرسول صلى اهلل عليه وسلم هنى عن دخول أي شخص من غري الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫إىل الطائف‪ ،‬أما الفعل الغرضي أو اإلجنازي يتمثل يف التوجيه والنصح‪ ،‬والفعل الت ثريي الناتج عن‬
‫الفعل اإلجنازي هو معرفة مدى إرشاد الرسول صلى اهلل عليه وسلم للصحابة رضي اهلل عنهم أثناء‬

‫‪76‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫حصار الطائف وعدم السماح ألي أحد بدخوهلا حىت يامن على اجليش أن تنقل أخباره إىل العدو‬
‫وس ِره الذي يكتمه‪ ،‬حبيث يصبح عرضة للمباغتة ‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬تحليل النموذج العاشر‬
‫‪ ‬ا وفد ني حنيفة وحديث ثمامة ن أثال‪.‬‬
‫(عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ " :‬عث النبي صلى اهلل عليه وسلم َخ ْيال قِبَل نجد‪ ،‬فجاءت‬
‫رجل من ني َحنيفة يقال له ثمامة ن أثال‪ ،‬فر طوه سارية من سواري المسجد‪ ،‬فخرج إليه‬
‫محمد‪ ،‬إ ْن تقتلني‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬ما عندك يا ثمامة ؟ فقال‪ :‬عندي خير يا ّ‬
‫س ْل منه ما شئت فَـت ِرك حتّى كان‬
‫تقتل ذا دم‪ ،‬وإ ْن تنعم تنعم على شاكر‪ ،‬وإن كنت تريد المال فَ َ‬
‫ثم قال له‪ :‬ما عندك يا ثمامة ؟قال‪ :‬ما قلت لك ‪،‬إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى‬
‫الغد‪ّ ،‬‬
‫كان عد الغد‪ ،‬فقال‪ :‬ما عندك يا ثمامة ؟ قال‪ :‬عندي ما قلت لك‪ ،‬فقال ‪:‬أطلقوا ثمامة‪،‬‬
‫فانطلق إلى نجل قريب من المسجد فاغتسل ‪،‬ثم دخل المسجد فقال ‪:‬أشهد أن ل اله إل اهلل‬
‫إلي من وجهك‬
‫وأشهد أن محمدا رسول اهلل ‪،‬يا محمد واهلل ما كان على األرض وجه أ غض ّ‬
‫إلي من دينك فأصبح دينك‬
‫إلي‪ ،‬واهلل ما كان من دين أ غض ّ‬
‫فقد أصبح وجهك أحب الوجوه ّ‬
‫إلي‪ ،‬وإ ّن‬
‫أحب البالد ّ‬
‫إلي من لدك فأصبح لدك ّ‬ ‫إلي‪ ،‬واهلل ما كان من لد أ غض ّ‬ ‫أحب الدين ّ‬
‫ّ‬
‫شره رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأمره أن‬
‫َخ ْيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فب ّ‬
‫محمد رسول اهلل‬
‫فلما قدم م ّكة قال له قائل‪ :‬صبوت قال‪ :‬ل واهلل ولكن أسلمت مع ّ‬ ‫يعتمر‪ّ ،‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ول واهلل ل يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم " )‪.1‬‬
‫‪ ‬الشرح اللغوي للحديث‪:‬‬

‫‪ 1‬الزبيدي ‪،‬خمتصر صحيح البخاري ‪،‬ص‪.187‬‬

‫‪77‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫املقصود بباب وفد بين حنيفة وحديث مثامة بن أثال‪ ،‬أما حنيفة وهي قبيلة كبرية شهرية ينزلون‬
‫اليمامة بني مكة واليمن‪ ،‬وكان وفد بين حنيفة كما ذكره ابن إسحاق والواقدي وغريهم أهنم كانوا‬
‫سبعة عشر رجال فيهم مسيلمة‪ ،‬وأما مثامة بن أثال وهو من فضالء الصحابة‪ ،‬وكانت قصته قبل وفد‬
‫بين حنيفة بزمان‪ ،‬فهنن قصته صرحية يف أهنا كانت قبل فتح مكة‪ ،‬ويف قوله (بعث الن صلى اهلل عليه‬
‫وسلم خيال قبل جند‪ ،‬فجاءت برجل من بين حنيفة‪ )...‬يقصد ا بعث فرسان خيل إىل جهة جند‪،‬‬
‫وزعم سيف يف كتاب الزهد له أن الذي أخذ مثامة وأسره هو العباس بن عبد املطلب‪ ،‬وفيه نظر أيضا‬
‫ألن العباس إمنا قدم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف زمان فتح مكة‪ ،‬وقصة مثامة تقتضي أهنا‬
‫كانت قبل ذلك حبيث اعتمر مثامة مث رجع إىل بالده مث منعهم أن ميريوا أهل مكة‪ ،‬مث شكا أهل مكة‬
‫إىل الن صلى اهلل عليه وسلم ذلك‪ ،‬مث بعث يشفع فيهم عند مثامة‪ ،‬وقوله (ما عندك يا مثامة د) أي‬
‫أي شيء عندك د وحيتمل أن تكون "ما" استفهامية‪ ،‬أي ما الذي استقر يف ظنك أن أفعله بك د‬
‫ف جاب ب نه ظن خري‪ ،‬فقال‪ :‬عندي خري يا حممد‪ ،‬أي ألنك لست دن يظلم‪ ،‬بل دن يعفو وحيسن‪.‬‬
‫وقوله (إن تقتلين تقتل ذا دم ) أي صاحب دم لدمه موقع يشتفي قاتله بقتله ويدرك ث ره لرياسته‬
‫وعظمته‪ ،‬وحيتمل أن يكون املعىن أنه عليه دم وهو مطلوب به فال لوم عليك يف قتله‪ .‬وقوله (إن تنعم‬
‫تنعم على شاكر) وذلك تفصيل لقوله عندي خري‪ ،‬وفعل الشر إذا كرر يف اجلزاء دل على فخامة‬
‫األمر‪ ،‬وقوله (قال‪ :‬عندي ما قلت لك) أي إن تنعم تنعم على شاكر هكذا اقتصر يف اليوم الثاين‬
‫على أحد الشقني‪ .‬وحذف األمرين يف اليوم الثالث‪ ،‬وفيه دليل على حذفه وذلك أنه قدم أول يوم‬
‫أشقى األمرين عليه وأشقى األمرين لصدر خصومه وهو القتل‪ ،‬فلما مل يقع اقتصر على ذكر‬
‫االستعطاف وطلب األنعام يف اليوم الثاين‪ ،‬فك نه يف اليوم األول رأى أمارات الغضب فقدم ذكر‬
‫القتل فلما مل يقتله طمع يف العفو فاقتصر عليه‪ ،‬فلما مل يعمل شيئا دا قال اقتصر يف اليوم الثالث‬
‫على اإلمجال تفويضا إىل مجيل خلقه صلى اهلل عليه وسلم‪.1‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬العسقالين‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬ص‪.88-87‬‬

‫‪78‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫وأما قوله (فقال‪ :‬أطلقوا مثامة)مبعىن أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم قد عفا عن مثامة وأعتقه‬
‫‪ ،‬وأما يف قوله (فبشره) أي خبري من الدنيا واآلخرة‪ ،‬أو بشره باجلنة أو مبحو ذنوبه وتبعاته السابقة‪،‬‬
‫وقوله (فلما قدم مكة) زاد ابن هشام قال بلغين أنه خرج معتمرا حىت إذا كان ببطن مكة لب‪ ،‬فكان‬
‫أول من دخل مكة يل ‪ ،‬ف خذته قريش فقالوا لقد اجرتأت علينا‪ ،‬وأرادوا قتله‪ ،‬فقال قائل منهم‪ :‬دعوه‬
‫فهننكم حمتاجون إىل الطعام من اليمامة فرتكوه‪ ،‬وأما قوله (قال‪ :‬ال ولكن أسلمت مع حممد) ك نه قال‬
‫‪:‬ال ما خرجت من الدين‪ ،‬ألن عبادة األوثان ليست دينا‪ ،‬فهنذا تركتها ال أكون خرجت من دين‪ ،‬بل‬
‫استحدثت دين اإلسالم‪ ،‬وقوله (مع حممد) أي وافقته على دينه فصرنا متصاحبني يف اإلسالم‪ ،‬وقوله‬
‫(ال واهلل) فيه حذف تقديره‪ :‬واهلل ال أرجع إىل دينكم وال أرفق بكم فاترك املرية ت تيكم من اليمامة‪،‬‬
‫وقوله (ال ت تيكم من اليمامة حبة حنطة حىت ي ذن فيها الن صلى اهلل عليه وسلم) وزاد ابن هشام مث‬
‫خرج إىل اليمامة فمنعهم من أن حيملوا إىل مكة شيئا‪ ،‬فكتبوا إىل الن صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إنك‬
‫ت مر بصلة الرحم‪ ،‬فكتب إىل مثامة أن خيلي بينهم وبني احلمل إليهم‪.‬‬
‫ويف قصة مثامة من الفوائد ربط الكافر يف املسجد‪ ،‬واملن على األسري الكافر وتعظيم أمر العفو‬
‫عن املسيء‪ ،‬ألن مثامة أقسم أن بغضه انقلب حبا يف ساعة واحدة ملا أسداه الن صلى اهلل عليه‬
‫وسلم إليه من العفو واملن بغري مقابل‪ ،‬وفيه االغتسال عند اإلسالم‪ ،‬وأن اإلحسان يزيل البغض‬
‫ويثبت احلب‪ ،‬وأن الكافر إذا أراد عمل خري مث أسلم شرع له أن يستمر يف عمل ذلك اخلري‪ ،‬وفيه‬
‫مالطفة مبن يرجى إسالمه من األسارى إذا كان يف ذلك مصاحبة لإلسالم‪ ،‬وال سيما من يتبعه على‬
‫إسالمه العدد الكثري من قومه ‪.1‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬العسقالين‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬ص‪.89-88‬‬

‫‪79‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ ‬األفعال الكالمية الموجودة في الحديث ‪:‬‬


‫‪ -1‬األفعال الدالة على اْلثبات (اْلخباريات)‪:‬‬
‫جند يف هذا احلديث أفعال دالة على الوصف والتقرير والت كيد‪ ،‬حيث يتم من خالهلا نقل‬
‫طائفة من التجارب واألحداث اليت عاشها الرسول صلى اهلل عليه وسلم مع الصحابة رضي اهلل‬
‫عنهم‪ ،‬ولتوضيح هذا الصنف من األفعال ن خذ اجلمل اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬عث النبي صلى اهلل عليه وسلم خيال قبل نجد‪.‬‬
‫‪ ‬فجاءت رجل من ني حنيفة يقال له ثمامة ن أثال‪ ،‬فر طوه سارية ‪.‬‬
‫‪ ‬فخرج إليه النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬ما عندك يا ثمامة ؟فقال عندي خير‪.‬‬
‫‪ ‬إن تقتلني تقتل ذا دم ‪،‬وإن تنعم تنعم على شاكر‪ ،‬وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت‬
‫فترك حتى كان الغد‪.‬‬
‫‪ ‬قال له‪ :‬ما عندك يا ثمامة؟ قال‪ :‬ما قلت لك‪ ،‬إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى كان عد‬
‫الغد‪.‬‬
‫‪ ‬فقال‪ :‬ما عندك يا ثمامة؟ قال‪ :‬عندي ما قلت لك‪ ،‬فقال‪ :‬أطلقوا ثمامة‪ ،‬فانطلق إلى نجل‬
‫قريب من المسجد فاغتسل ‪.‬‬
‫‪ ‬دخل المسجد فقال‪ :‬أشهد أن ل اله إل اهلل وأشهد أن محمدا رسول اهلل ‪.‬‬
‫إلي‪.‬‬
‫أحب الوجوه ّ‬
‫إلي من وجهك فقد أصبح وجهك ّ‬
‫‪ ‬واهلل ما كان على األرض وجه أ غض ّ‬
‫شره رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأمره‬
‫‪ ‬إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فب ّ‬
‫أن يعتمر‪.‬‬
‫فلما قدم مكة قال له قائل‪ :‬صبوت قال‪ :‬ل واهلل ولكن أسلمت مع محمد رسول اهلل صلى‬
‫‪ّ ‬‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬ول واهلل ل يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫ففي اجلمل السابقة جند أفعال القول بكثرة ويف مواضع أخرى مكررة متثلت فيما يلي)بعث‪،‬‬
‫فجاءت‪ ،‬فربطوه‪ ،‬فخرج تريد‪ ،‬فسل‪ ،‬أطلقوا‪ ،‬فانطلق‪ ،‬فاغتسل‪ ،‬دخل‪ ،‬أخذتين‪ ،‬أريد‪ ،‬ترى‪ ،‬فبشره‪،‬‬
‫أمره‪ ،‬يعتمر‪ ،‬قدم‪ ،‬أسلمت‪ ،‬ي تيكم‪ ،‬ي ذن) أما األفعال املكررة فهي كما يلي‪ :‬قال (‪ 31‬مرة بصيم‬
‫خمتلفة‪ :‬قال‪ ،‬يقال‪ ،‬قلت)‪ ،‬كان (‪1‬مرات بصيم خمتلفة‪ ،‬كان‪ ،‬كنت)‪ ،‬تقتل (مرتني)‪ ،‬تنعم (‪4‬‬
‫مرات)‪ ،‬أشهد (مرتني)‪ ،‬أبغض (‪ 1‬مرات)‪ ،‬أصبح (‪ 1‬مرات)‪ ،‬أحب (‪ 1‬مرات )‪ ،‬فرتك (مرتني)‪،‬‬
‫وهذه األفعال وعلى اختالفها حتمل نفس القوة اإلجنازية املتضمنة يف القول مفادها اإلخبار والت كيد‪،‬‬
‫حيث متثال يف نقل األحداث والظروف اليت عاشها الصحابة رضي اهلل عنهم عندما أرسلهم الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم اجتاه جند‪ ،‬ومت ت كيد ذلك من خالل تكرار بعض األحداث يف احلديث‪ ،‬أما‬
‫الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي فهو اإلقتناع بسماحة الدين االسالمي ملا حيمله من عظمة‬
‫العفو واملن عن املسيء بغري مقابل‪ ،‬كذلك أن اإلحسان واملصاحبة والتعامل بلطف مع اآلخرين يزيل‬
‫البغض واحلقد من القلوب يثبت فيها احلب‪.‬‬
‫‪ -2‬أفعال التوجيه ( التوجيهيات)‬
‫لقد كانت االفعال التوجيهية كثرية يف هذا احلديث وارتبطت ضمنيا بالتقرير واالثبات‪،‬‬
‫وسعت كلها على حماولة توجيه وإقناع املخاطب اىل فعل شيء معني ‪ ،‬ولتوضيح هذا الطرح ن خذ‬
‫هذه اجلمل اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬ما عندك يا ثمامة؟‬
‫‪ ‬وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟‬
‫فاجلملة االوىل اليت تكررت يف احلديث ثالث مرات واجلملة الثانية حتمالن قوة إجنازية واحدة‬
‫عرضت بقوة االستفهام املباشر أو احلقيقي‪ ،‬وهو أسلوب إنشائي طل ‪ ،‬ويتحدد معناه داخل ظروف‬
‫سياقية معينة‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي تتضمنه اجلملتني‪،‬‬
‫والفعل اإلجنازي أو الغرضي هلذا امللفوظ هو السؤال لطلب املعرفة‪ ،‬ففي اجلملة االوىل كما قلنا سابقا‬
‫تكررت يف احلديث ثالث مرات وهنا الرسول صلى اهلل عليه وسلم يس ل مثامة عن الذي استقر يف‬

‫‪80‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫ظنك أن أفعله بكد فكانت إجابته أنه ظن خري ‪ ،‬أما يف اجلملة الثانية فثمامة هو الذي يس ل‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم عن أنه ( أي مثامة) يريد العمرة فما رآيه يف ذلك د فبشره الرسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وأمره أن يعتمر‪ ،‬أما الفعل الت ثريي أو ما خيلقه القول من أثر يف املتلقي هو أن‬
‫الدين االسالمي هو دين تسامح وإحسان‪ ،‬وأن الكافر إذا أراد عمل خري مث أسلم شرع له أن يستمر‬
‫يف عمل ذلك اخلري‪.‬‬
‫‪ ‬إن كنت تريد المال فسل منه ما شئت‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية متضمنة يف القول عرضت بقوة (األمر) غري املباشر‪ ،‬ليحقق فعال‬
‫إجنازي هو الطلب‪ ،‬فيه يدعو مثامة الرسول صلى اهلل عليه وسلم إىل أخذ ما شاء من ماله إن كان‬
‫يريد ذلك‪ ،‬فالفعل املتضمن يف القول هنا‪ ،‬هو األمر والتوكيد ‪ ،‬واملالحظ يف هذا الفعل التوجيهي‪،‬‬
‫أنه خيلق أسبابا للمخاطب كي يؤدي ما طلب منه‪ ،‬وحتمله على القيام بفعل ش معني‪ ،‬ولكن يف‬
‫هذا املقام ومساحة الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فلم يعطي أي أيمية إىل مطلب منه فرتك مثامة‬
‫حيت كان الغد‪ ،‬أما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل اإلجنازي هو االقتداء بالرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وأخذ العربة من مواقفه حىت ال نعطي أي أيمية إىل أمور الدنيا‪.‬‬
‫‪ ‬أطلقوا ثمامة ‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية متضمنة يف القول عرضت بقوة (األمر) غري املباشر‪ ،‬لتحقق فعال إجنازيا‬
‫هو الطلب‪ ،‬يدعو من خالله الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الصحابة رضي اهلل عنهم أو من كانوا‬
‫معه إىل أن يطلقوا مثامة ألنه قد عفا عنه ‪ ،‬فالفعل املتضمن يف القول هنا هو االستعطاف‪ ،‬وذلك‬
‫ألن الرسول صلى اهلل عليه وسلم قد عطف عن مثامة وهذا ما يظهر يف سياق الكالم ‪ ،‬أما الفعل‬
‫الت ثريي هلذا امللفوظ أو ما خيلقه القول من أثر يف ذهن التلقي هو أن الرسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم كان يتسامح مع األسرى ويعفو عنهم وذلك إلحسانه وكرمه ولطفه معهم‪ ،‬وهذا ما يب‬
‫االقتداء ولإلمتثال به‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫أحب‬
‫إلي من وجهك فقد أصبح وجهك ّ‬
‫‪ ‬يا محمد واهلل ما كان على األرض وجه أ غض ّ‬
‫إلي‪.‬‬
‫الوجوه ّ‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية متضمنة يف القول عرضت بقوة(النداء)املباشر‪ ،‬ويتحدد معناها داخل‬
‫ظروف سياقية معينة‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي حتمله اجلملة‪،‬‬
‫والفعل الغرضي أو اإلجنازي هلذه امللفوظ هو لفت االنتباه‪ ،‬حيث أن مثامة يلفت يف انتباه الرسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ألن الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان معه‪ ،‬وذلك لعظمة الكالم الذي‬
‫سيخربه به‪ ،‬وقد يكون كما هو موضح يف الرتكيب أنه أحلق النداء ب سلوب القسم وهذا يدل على‬
‫الصراحة والصدق فيما سيقوله‪ ،‬أما الفعل الت ثريي الناتج عن الفعل االجنازي هو معرفة مدى تسامح‬
‫وعفو الرسول صلى اهلل عليه وسلم مع االخرين لدرجة أن بغض الناس إليه يتحول يف حلظة إىل‬
‫حب‪ ،‬وطبعا أن اإلحسان يزيل البغض ويثبت احلب يف قلوب البشر‪ ،‬وهذا ما يب االقتداء به وأخذ‬
‫العربة منه‪.‬‬
‫‪ -3‬أفعال الوعد (اللتزاميات )‪:‬‬
‫يف هذا الصنف من األفعال الكالمية يلزم املتكلم نفسه بفعل شيء معني يف املستقبل‪ ،‬ولتوضيح هذا‬
‫الطرح ن خذ املثال اآل ‪:‬‬
‫‪ ‬ل واهلل ل يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتي يأذن فيها النبي صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل قوة إجنازية متضمنة يف القول عرضت بقوة (النفي) املباشر‪ ،‬لتحقق فعال إجنازيا هو‬
‫الوعيد‪ ،‬ولو ت ملنا الداللة احلرفية املباشرة للجملة لوجدنا املنطوق مكونا من بنيتني يما ( القسم‬
‫والنفي) ‪ ،‬أما إذا ما نظرنا إىل داللتها مبا يتماشى وسياق املوقف لرأينا أن املنطوق حيمل معاين‬
‫بقوة القسم والنفي‪ ،‬لت كيد وإقناع‬ ‫مضمنة غرضها الوعيد واإلذن‪ ،‬وهذا الفعل اإلجنازي املعرو‬
‫قومه مبا يقول‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫‪ -4‬التعبيريات ‪:‬‬
‫هذا الصنف من األفعال الكالمية غرضه التعبري عن موقف نفسي‪ ،‬وتندرج ضمنه كل االفعال‬
‫الدالة على الشكر‪ ،‬واحلب‪ ،‬والكره‪ ،‬واحلسرة‪ ،‬والتمين‪ ،‬والندم‪ ،‬وغريها من املنطوقات اليت حتمل‬
‫إحياءات نفسية‪ ،‬ولتوضيح هذا النوع من األفعال الكالمية ن خذ اجلمل اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬إن تقتلني تقتل ذا دم‪ ،‬وإن تنعم تنعم على شاكر‪ ،‬وإن كنت تريد المال فسل منه ما‬
‫شئت‪.‬‬
‫فاجلملة حتمل القوة إجنازية متضمنة يف القول عرضت بقوة (الشر ) املباشر‪ ،‬يتحدد معناها داخل‬
‫ظروف سياقية معينة‪ ،‬فهذا الفعل الكالمي املركب من الفعل اللفظي مبعناه احلريف الذي حتمله اجلملة‪،‬‬
‫وهو ما حياول مثامة التعبري عنه‪ ،‬والفعل الغرضي أو اإلجنازي هلذا امللفوظ هو الشر ‪ ،‬ولو ت ملنا‬
‫الداللة احلرفية للجملة لوجدنا املنطوق مكونا من بىن خمتلفة هي التوكيد والشر ‪ ،‬فجمل الشر‬
‫جاءت كلها متبوعة جبمل جواب الشر ‪ ،‬كما أننا جند أيضا أن مجل الشر جاءت مؤكدة حبرف‬
‫التوكيد " إن" وذلك لت كيد فعل الشر ‪ ،‬ومن املالحظ كذلك على اجلمل الشرطية تكرار فعل الشر‬
‫وهذا يدل على فخامة األمر‪ ،‬أما الفعل الت ثريي أو ما خيلقه القول من أثر يف التلقي هو حثنا على‬
‫عدم التسرع إال مبا فيه راحة وعمال خالصا هلل عز وجل وهذا ما يطمح إليه كل مسلم‪.‬‬
‫أحب‬
‫إلي من وجهك فقد أصبح وجهك ّ‬
‫‪ ‬يا محمد واهلل ما كان على األرض وجه أ غض ّ‬
‫إلي‪.‬‬
‫الوجوه ّ‬
‫إلي‪.‬‬
‫أحب الدين ّ‬
‫إلي من دينك فأصبح دينك ّ‬
‫‪ ‬واهلل ما كان من دين أ عض ّ‬
‫إلي‪.‬‬
‫أحب البالد ّ‬
‫إلي من لدك فأصبح لدك ّ‬ ‫‪ ‬واهلل ما كان من لد أ غض ّ‬
‫فاألفعال الكالمية املوجودة يف هذه اجلمل واملتمثلة يف الفعل ( أبغض‪ ،‬أحب) واملكررة بكثرة‬
‫يف احلديث ‪ ،‬وهي أفعال إجنازية مباشرة حتمل داللة حرفية ‪ ،‬جاءت لتعرب عن موقف نفسي يكنه‬
‫مثامة للرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أال وهو الكره أو البغض الذي يتحول يف حلظة قصرية إىل‬
‫حب ملا أسداه الن صلى اهلل عليه وسلم من العفو واملن بغري مقابل‪ ،‬أما الفعل الناتج عن القول أو‬
‫‪81‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫الفعل الت ثريي هلذا املوقف النفسي هو أن العفو واإلحسان والتسامح يزيل احلقد والبغض يف قلوب‬
‫الناس ويرسخ ويثبت احلب والتفاؤل بينهم‪ ،‬وهذا ما يب أخذ العربة منه واالقتداء به‪.‬‬
‫‪-5‬اْلعالنيات‪:‬‬
‫جند يف هذا الصنف االفعال الكالمية اليت هلا وظيفة االعالن ‪ ،‬على سبيل املثال‪ :‬الشهادة‪،‬‬
‫الوصية‪ ،‬إعالن احلرب‪ ،‬اإلهداء ‪ ، ...‬ومن أمثله ذلك يف احلديث جند‪:‬‬
‫‪ ‬أشهد أن ل اله ال اهلل ‪ ،‬وأشهد أن محمدا رسول اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة‪.‬‬
‫‪ ‬ل واهلل ولكن أسلمت مع محمد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫فاجلمل السابقة تتضمن معين اإلعالن‪ ،‬حتقق هذا األخري بواسطة األفعال ( أشهد (مرتني)‪،‬‬
‫أخذتين‪ ،‬أريد‪ ،‬أسلمت)‪ ،‬وكلها أفعال مضارعة مبنية للمعلوم ومسندة إىل ضمري املتكلم املفرد( أنا )‪،‬‬
‫فاملتكلم هنا هو مثامة‪ ،‬ففي اجلملة األوىل كان اإلعالن مبثابة الشهادة على أن ال اله اال اهلل ‪ ،‬وأن‬
‫حممدا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ويف اجلملة الثانية مثامة خيرب الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫على أن خيلك أخدتين وأنا أريد العمرة وس له عن رآيه يف ذلكد فهذا اإلعالن مبثابة اخلطوة الثانية يف‬
‫الدخول إىل اإلسالم ‪ ،‬أما يف اجلملة الثالثة فثمامة أعلن إسالمه مع الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وذلك أمام قومه ‪ ،‬وقد سبق اإلعالن بالم التوكيد والقسم وهذا لت كيد دخوله يف دين اإلسالم‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫تطبيق األفعال الكالمية يف باب املغازي من خمتصر صحيح البخاري‬ ‫الفصل الثاين‬

‫ويف ختام هذا الفصل نستنتج ما يلي‪:‬‬


‫‪ -‬الفعل الكالمي هو العمل الذي ينجزه املتكلم مبجرد النطق بلفظ معني‪ ،‬وهذا ما الحظناه أثناء‬
‫حتليلنا لألحاديث النبوية الشريفة املذكورة يف باب املغازي‪.‬‬
‫‪ -‬وقد تعددت األفعال الكالمية وتنوعت حبسب سياق تلفظها ‪ ،‬حيث جند أن الرسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم يف خطاباته وظف مجيع أصناف األفعال الكالمية من إخباريات وتوجيهيات‬
‫معينة و دف الت ثري يف املتلقي‪.‬‬ ‫االلتزاميات وتعبرييات وإعالنيات ألغرا‬
‫‪ -‬ومن أصناف األفعال الكالمية الطاغية يف هذه األحاديث حسب تصنيف سريل هي‪:‬‬
‫اإلخباريات‪ ،‬والتوجيهيات‪ ،‬واإللتزاميات ‪ ،‬فالرسول صلى اهلل عليه وسلم أثناء خطاباته سعى‬
‫لتبليم الرسالة وإرشاد وتوجيه السامعني لفعل شيء معني أو االلتزام به‪ ،‬كون الرسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم هو املثل األعلى والقدرة احلسنة‪.‬‬
‫‪ -‬فاإلخباريات‪ :‬متثلت يف وصف الظروف والتجارب واألحداث اليت مر ا الرسول صلى اهلل عليه‬
‫سلم مع الصحابة – رضي اهلل عنهم‪ -‬أثناء خروجهم للغزوات‪.‬‬
‫‪ -‬والتوجيهيات ‪ :‬متثلت يف حماوالت الرسول صلى اهلل عليه وسلم توجيه وإرشاد من كانوا معه‪.‬‬
‫‪ -‬أما االلتزاميات ‪ :‬فتمثلت يف التزام الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أو الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫بفعل شيء معني يف املستقبل‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫خـ ـ ـ ـ ـاتمة‬
‫خ ـ ـ ــامتة‬

‫خاتم ـ ـ ـ ــة‪:‬‬
‫يف خامتة هذا البحث وهناية هذه الدراسة املباركة لتحليل بعض النماذج من األحاديث من باب‬
‫املغازي ملختصر صحيح البخاري والنظر يف األفعال الكالمية اليت استعملها الرسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يف خطاباته‪ ،‬نصل إىل النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬التداولية هي اجتاه لغوي لساين جديد له جذور عربية وأخرى غربية ‪ ،‬تطور وازدهر على ساحة‬
‫الدرس اللساين احلديث واملعاصر‪.‬‬
‫‪ -‬تعددت التعريفات للتداولية لدى العلماء واللغويني والفالسفة فمنهم من يقول إهنا العلم الذي‬
‫يهتم بدراسته املعىن أثناء االستعمال ومنهم من يقول هي دراسة استعمال اللغة يف اخلطاب ومنهم‬
‫من يقول هي دراسته املعىن كما يوصله املتكلم ( الكاتب) ويفسره املستمع ( القارئ)‪.‬‬
‫‪ -‬تركز التداولية على ثالث درجات وهي‪ :‬دراسة الرموز االشارية‪ ،‬ودراسة طريقة تعبري القضايا يف‬
‫ارتباطها باجلملة املتلفظ ا‪ ،‬ونظرية أفعال الكالم‪ ،‬وتعرف هذه األخرية ب هنا أهم جانب من جوانب‬
‫اللسانيات التداولية ملا حتويه من أفكار لسانية مهمة ‪ ،‬فالفعل الكالمي هو مفهوم لساين تداويل يعين‬
‫العمل الذي ينجزه املتكلم مبجرد النطق بلفظ معني‪ ،‬وظهر من الوهلة األوىل عند أوستني حبيث ميز‬
‫بني ثالثة أنواع لألفعال الكالمية هي فعل القول والفعل اإلجنازي والفعل الت ثريي‪ ،‬مث اقرتح هلا مخسة‬
‫أقسام ‪ :‬احلكميات والتنفيذيات والوعديات والسلوكيات والعرضيات‪ ،‬بعده جاء تلميذه سريل وقام‬
‫بتطويرها حبيث ميز بني أربعة أقسام للفعل الكالمي هي فعل التلفظ والفعل القضوي والفعل اإلجنازي‬
‫والفعل الت ثريي‪ ،‬مث قسمها إىل مخسة أقسام هي‪ :‬اإلخباريات‪ ،‬والتوجيهيات‪ ،‬وااللتزاميات‪،‬‬
‫والتعبرييات‪ ،‬واإلعالنيات‪ .‬واستطاع بعد ذلك أن مييز بني األفعال اإلجنازية املباشرة واألفعال اإلجنازية‬
‫غري املباشرة‪.‬‬
‫‪ -‬وقد وظفت هذه األفعال الكالمية يف اخلطاب النبوي لتنجز عمال معينا أراد الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم تبليغه وإيصاله للبشرية مجعاء ألنه يعترب املثل األعلى والقدوة احلسنة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫خ ـ ـ ــامتة‬

‫‪ -‬واخلطاب النبوي هو كل ما صدر عن الرسول عليه الصالة والسالم من قول لساين حمكي أو‬
‫منقول أو فعل غري لساين (فعل أو تقرير)‪.‬‬
‫‪ -‬للخطاب النبوي دوافع عامة متثلت يف ( خطاب حممد اإلنسان)‪ ،‬ودوافع خاصة هي (خطاب‬
‫الن صلى اهلل عليه وسلم املكلف) ‪.‬‬
‫‪ -‬تكمن عناصر اخلطاب النبوي الرئيسية يف املنش وهو الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واملتلقي وهو‬
‫الذي تلقى الرسالة‪ ،‬والرسالة ‪ ،‬والت ثري‪ ،‬واالستجابة‪ ،‬والعناصر الفرعية يف املرجع‪ ،‬والسنن‪ ،‬والقناة‪.‬‬
‫‪ -‬ويف ختام هذه الدراسة ن مل أن تتجه اهلمم والنفوس إىل الدراسات التداولية يف اخلطاب النبوي‪،‬‬
‫حافزا إلعادة قراءة الرتاث العريب على ضوء الدراسات اللسانية املعاصرة‪.‬‬
‫وأن تتخذ نتائج هذا البحث ً‬

‫‪89‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬


‫القرآن الكريم‬
‫أول – المصادر والمراجع العر ية ‪:‬‬
‫‪ .3‬أمحد فهد صاحل شاهني‪ ،‬النظرية التداولية وأثرهـا يف الدراسـات النحويـة املعاصـرة‪ ،‬عـامل الكتـب‬
‫احلديث‪ ،‬األردن‪1039 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬أسعد أمحد علي‪ ،‬تفسري احلديث النبوي‪ ،‬دار الرائد العريب‪ ،‬لبنان‪3979 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬بــاديس هلوميــل‪ ،‬مظــاهر التداوليــة يف مفتــاح العلــوم للســكاكي‪ ،‬عــامل الكتــب احلــديث‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪1034 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬البخــاري (أبــو عبــد اهلل حممــد بــن إمساعيــل)‪ ،‬صــحيح البخــاري‪ ،‬دار ابــن كثــري‪ ،‬لبنــان‪،3 ،‬‬
‫‪1001‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬اجلرجــاين (علــي بــن حممــد الســيد الش ـريف)‪ ،‬معجــم التعريفــات‪ ،‬تــح‪ :‬حممــد صــديق املنشــاوي‪،‬‬
‫دار الفضيلة‪ ،‬مصر‪ ،‬د ‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ .1‬خليفــة بوجــادي‪ ،‬يف اللســانيات التداوليــة مــع حماولــة ت صــيلية يف الــدرس العــريب القــدمي‪ ،‬بيــت‬
‫احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪1009 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬ال ـرازي (زيــن الــدين أبــو عبــد اهلل حممــد بــن أيب بكــر)‪ ،‬خمتــار الصــحاح‪ ،‬تــح‪ :‬يوســف الشــيخ‬
‫حممد‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪3999 ،9 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬الزبي ــدي (زي ــد ال ــدين أمح ــد ب ــن عب ــد اللطي ــف الزبي ــدي) ‪ ،‬خمتص ــر ص ــحيح البخ ــاري املس ــمى‬
‫التجريد الصريح ألحاديث اجلامع الصحيح‪ ،‬تح‪ :‬إبراهيم بركة‪ ،‬الشركة اجلزائرية‪ ،‬د ‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ .9‬الزخمشري (أبو القاسم جار اهلل حممود بن عمر أمحد)‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬تح‪ :‬حممد باسل عيـون‬
‫سود‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪3998 ،3 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ .30‬شــوقي ضــيف و آخــرون (جممــع اللغــة العربيــة)‪ ،‬املعجــم الــوجيز‪ ،‬وزارة الرتبيــة والتعلــيم‪ ،‬مصــر‪،‬‬
‫د ‪3994 ،‬م‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫‪ .33‬شوقي ضيف وآخرون (جممع اللغة العربية)‪ ،‬معجـم الوسـيط‪ ،‬مكتبـة الشـروق الدوليـة‪ ،‬مصـر‪،‬‬
‫‪1004 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ .31‬طه عبد الرمحن‪ ،‬اللسان وامليزان‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬لبنان‪3998 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .31‬عب ـ ــد اهلل جـ ـ ــاد الكـ ـ ــرمي‪ ،‬التداوليـ ـ ــة يف الدراس ـ ــات النحويـ ـ ــة‪ ،‬مكتبـ ـ ــة اآلداب‪ ،‬مص ـ ـ ـر‪،3 ،‬‬
‫‪1034‬م‪.‬‬
‫‪ .34‬عبـد اهلـادي بـن ظـافر الشـهري‪ ،‬اسـرتاتيجيات اخلطـاب مقاربـة تداوليـة‪ ،‬دار الكتـاب اجلديـد‪،‬‬
‫لبنان‪1004 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬عري ــب حمم ــد عي ــد‪ ،‬اخلط ــاب النب ــوي خريط ــة البي ــان الع ــريب (دراس ــة يف اللس ــانيات النفس ــية‬
‫واالجتماعية)‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪1039 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .31‬العسقالين ( أمحد بن علي بن حجـر ) فـتح البـاري بشـرح صـحيح البخـاري‪ ،‬املكتبـة السـلفية‬
‫السعودية‪ ،‬ج ‪ ،7‬ج ‪,8‬د ‪،‬دت‪.‬‬
‫‪ .37‬ابن فارس (أبو احلسني أمحد بن فـارس بـن زكريـا)‪ ،‬معجـم مقـاييس اللغـة‪ ،‬تـح‪ :‬عبـد السـالم‬
‫حممد هارون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج‪ ،1‬د ‪3979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .38‬حممــد مســري جنيــب اللبــدي‪ ،‬معجــم املصــطلحات النحويــة والصــرفية‪ ،‬مؤسســة الرســالة‪ ،‬لبنــان‪،‬‬
‫دار الفرقان‪ ،‬األردن‪3989 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬حممد حممـد يـونس علـي‪ ،‬مـدخل إىل اللسـانيات‪ ،‬دار الكتـاب اجلديـد املتحـدة‪ ،‬لبنـان‪،3 ،‬‬
‫‪1004‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬حممــود أمحــد حنلــة‪ ،‬آفــاق جديــدة يف البحــث اللغــوي املعاصــر‪ ،‬دار املعرفــة اجلامعيــة‪ ،‬مصــر‪،‬‬
‫د ‪1001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬حمم ــود طلح ــة‪ ،‬مب ــادئ تداوليـ ـة يف حتلي ــل اخلط ــاب الش ــرعي عن ــد األصـ ـوليني‪ ،‬ع ــامل الكت ــب‬
‫احلديث‪ ،‬لبنان‪1034 ،3 ،‬م‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫‪ .11‬حممــود عكاشــة‪ ،‬النظريــة الربامجاتيــة اللســانية (التداوليــة)‪ :‬دراســة املفــاهيم والنش ـ ة واملبــادئ‪،‬‬
‫مكتبة اآلداب‪ ،‬مصر‪1031 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬مســعود صــحراوي‪ ،‬التداوليــة عنــد العلمــاء العــرب دراســة تداوليــة لظــاهرة األفعــال الكالميــة يف‬
‫الرتاث اللساين العريب‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬لبنان‪1009 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬ابــن منظــور (أبــو الفضــل مجــال الــدين حممــد بــن مكــرم)‪ ،‬لســان العــرب‪ ،‬دار صــادر‪ ،‬لبنــان‪،‬‬
‫مج‪ ,3‬مج ‪ ،33‬د ‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ .19‬نعمان بوقرة‪ ،‬املدارس اللسانية املعاصرة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د ‪1001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬نواري سعود أبو زيد‪ ،‬يف تداوليـة اخلطـاب األديب (املبـادئ واإلجـراء)‪ ،‬بيـت احلكمـة‪ ،‬اجلزائـر‪،‬‬
‫‪1009 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬يوســف تغـزاوي‪ ،‬الوظــائف التداوليــة وإس ـرتاتيجية التواصــل اللغــوي يف نظريــة النحــو الــوظيفي‪،‬‬
‫عامل الكتب احلديث‪ ،‬املغرب‪1034،3 ،‬م‪.‬‬
‫ثانيا – المصادر والمراجع المترجمة‪:‬‬

‫‪ .18‬آن روبول وجاك موشالر‪ ،‬التداولية اليوم علم جديد يف التواصل‪ ،‬تر‪ :‬سيف الدين‬
‫دغفوس وحممد الشيباين‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬لبنان‪1001 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬إنِس أدرنِيت‪ ،‬ملاذا حتتاج التداولية الفلسفية إىل تداولية عيادية د ‪ ،‬تر‪ :‬منتصر أمني الرحيم ‪،‬‬
‫دار كنوز املعرفة ‪،‬األردن‪1031 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬جورج يول‪ ،‬التداولية‪ ،‬تر‪ :‬قصي العتايب‪ ،‬دار العربية للعلوم‪ ،‬الربا ‪1030 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬فرانسواز أرمينكو‪ ،‬املقاربة التداولية‪ ،‬تر‪ :‬سعيد علوش‪ ،‬مركز اإلمناء القومي‪ ،‬لبنان‪ ،‬د ‪،‬‬
‫‪3981‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬فيليب بالنشيه‪ ،‬التداولية من أوستني إىل غوفمان‪ ،‬تر‪ :‬صابر احلباشة‪ ،‬دار احلوار ‪ ،‬سوريا‪،‬‬
‫‪1007‬م‪.3 ،‬‬

‫‪91‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫‪ .11‬كـالوس برينكـر‪ ،‬مــدخل إىل املفـاهيم األساسـية واملنــاهج‪ ،‬تـر‪ :‬العيـد حســن حبـري‪ ،‬مؤسســة‬
‫املختار للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪1009 ،3 ،‬م‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬الرسائل والمجالت والدوريات‪:‬‬
‫‪ .14‬شيرت رحيمة‪ ،‬تداولية النص الشعري‪ :‬مجهرة أشعار العرب أمنوذجا‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫الدكتوراه‪ ،‬جامعة احلاج خلضر‪ ،‬اجلزائر‪1008،‬م‪1009 -‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬العيد جلويل‪ ،‬نظرية احلدث الكالمي من أوستني إىل سريل ‪ ،‬جملة األثر‪ ،‬العدد اخلاص ‪:‬‬
‫أشغال امللتقى الدويل الرابع يف حتليل اخلطاب ‪ ،‬جامعة قاصدي مرباح‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ .11‬ليلى كادة‪ ،‬ظاهرة االستلزام التخاط يف الرتاث اللساين العريب‪ ،‬جملة علوم اللغة العربية‬
‫وآدا ا‪ ،‬ع‪ ،3‬جامعة الوادي‪ ،‬اجلزائر‪1009 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬وهيبة غضايب‪ ،‬األمثال يف صحيح البخاري‪ ،‬دراسة تداولية ألفعال الكالم‪ ،‬مذكرة لنيل‬
‫شهادة املاجستري‪ ،‬جامعة حممد خيضر‪ ،‬اجلزائر‪1031 ،‬م‪1031-‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬ياسة ظريفة‪ ،‬الوظائف التداولية يف املسرح‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪1030-1009‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬يونسي فضيلة‪ ،‬مفهوم املقاصد وعالقتها باخلطاب (تناول تداويل للخطاب الثوري)‪ ،‬جملة‬
‫اخلطاب‪ ،‬ع‪ ،1‬منشورات خمرب حتليل اخلطاب‪ ،‬جامعة تيزي وزو‪ ،‬اجلزائر‪1030 ،‬م‬

‫‪91‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫فهرس احملتويات‬

‫فهرس المحتويات‬

‫شكر وعرفان ‪............................................................................‬‬

‫مقـدمة‪.................................................................................. :‬أ‬

‫م ـ ـ ــدخل الفصل األول‬

‫تمهيد ‪5 .................................................................................‬‬

‫أول‪ -‬نشأة التداولية ‪5 ....................................................................‬‬

‫تمهيد‪6 ................................................................................ :‬‬

‫أول‪ -‬نشأة التداولية‪6 ................................................................... :‬‬

‫‪ -1‬الجذور العر ية‪7 .................................................................... :‬‬

‫‪ -2‬الجذور الغر ية‪8 .................................................................... :‬‬

‫الفصل األول‬

‫تداولية أفعال الكالم في الخطا النبوي‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية التداولية ‪12........................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم التداولية ‪12........................................................‬‬

‫أول‪ :‬لغة‪12............................................................................. :‬‬

‫ثانيا‪ :‬اصطالحا‪13...................................................................... :‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أركان التداولية‪16.........................................................‬‬

‫‪96‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫يعد السياق أهم ركن من أركان التداولية‪16............................................... .‬‬

‫أول‪ -‬مفهوم السياق‪16................................................................. :‬‬

‫ثانيا‪ :‬عناصر السياق ‪17..................................................................‬‬


‫‪ِ -1‬‬
‫المرسل‪17......................................................................... :‬‬

‫المرسل إليه‪17...................................................................... :‬‬


‫‪َ -2‬‬
‫‪ -3‬الزمان والمكان‪17.................................................................. :‬‬

‫‪ -4‬المعرفة المشتركة‪18................................................................ :‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مهام التداولية ‪21........................................................‬‬

‫المطلب الرا ع‪ :‬مجال التداولية ‪21........................................................‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬أهمية اللسانيات التداولية ‪22...........................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أفعال الكالم ‪24..........................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نظرية أفعال الكالم ‪24....................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الفعل الكالمي ‪25..................................................‬‬

‫أول‪ :‬مفهوم الفعل ‪25.....................................................................‬‬

‫أ‪ -‬لغة‪25...............................................................................:‬‬

‫‪ -‬اصطالحا‪25....................................................................... :‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم الكالم ‪26....................................................................‬‬

‫أ‪ -‬لغة‪26...............................................................................:‬‬

‫‪ -‬اصطالحا‪27....................................................................... :‬‬
‫‪97‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫ثالثا‪ :‬مفهوم الفعل الكالمي ‪28............................................................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬فكرة أفعال الكالم عند "أوستين" ‪28......................................‬‬

‫المطلب الرا ع‪ :‬أفعال الكالم عند سيرل ‪31................................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الخطا النبوي ‪35......................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الخطا ‪35.......................................................‬‬

‫لغة‪35........................................................................... :‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫اصطالحا‪36............................................................... :‬‬ ‫‪-‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الخطا النبوي ‪37.................................................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬دوافع الخطا النبوي ‪38................................................‬‬

‫أول‪ :‬الدوافع العامة (دوافع إنسانية‪ :‬دوافع خطا محمد اْلنسان) ‪38......................‬‬

‫ثانيا‪ :‬الدوافع الخاصة (دوافع نبوية‪ :‬دوافع خطا النبي المكلف) ‪39.......................‬‬

‫المطلب الرا ع‪ :‬عناصر الخطا النبوي الرئيسية ‪41........................................‬‬

‫م ـ ـ ــدخل الفصل الثاني‬

‫تمهيد‪45............................................................................... :‬‬

‫‪.1‬التعريف اْلمام البخاري‪45........................................................... :‬‬

‫‪.2‬التعريف كتا مختصر صحيح البخاري‪45........................................... :‬‬

‫‪.3‬محتوى كتا مختصر صحيح البخاري‪46............................................ :‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫تطبيق األفعال الكالمية في ا المغازي من مختصر صحيح البخاري‬


‫‪98‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫أول‪ :‬تحليل النموذج األول ‪49............................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬تحليل النموذج الثاني ‪52............................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬تحليل النموذج الثالث ‪56...........................................................‬‬

‫را عا‪ :‬تحليل النموذج الرا ع ‪58............................................................‬‬

‫خامسا‪ :‬تحليل النموذج الخامس‪61...................................................... .‬‬

‫سادسا‪ :‬تحليل النموذج السادس ‪63.......................................................‬‬

‫سا عا ‪ -‬تحليل النموذج السا ع‪66....................................................... :‬‬

‫ثامنا‪ :‬تحليل النموذج الثامن ‪71...........................................................‬‬

‫تاسعا‪ :‬تحليل النموذج التاسع ‪74..........................................................‬‬

‫عاشرا‪ :‬تحليل النموذج العاشر ‪77.........................................................‬‬

‫خاتم ـ ـ ـ ــة‪88............................................................................. :‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪91.............................................................:‬‬

‫القرآن الكريم رواية ورش عن نافع ‪91.....................................................‬‬

‫فهرس المحتويات ‪96.....................................................................‬‬

‫‪99‬‬

You might also like