Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 16

‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫المحاضرة رقم ‪: 08‬‬


‫المنجزات الحضارية للعراق القديم (التنظيم السياسي – االقتصاد)‬
‫‪ 1‬ػ التنظيم السياسي ‪ :‬من الصعوبة ربديد شكل التنظيم السياسي يف ادلنطقة بسبب طوؿ الفَبة الزمنية و تعاقب‬
‫الدوؿ و األسر على احلكم و‪ ،‬و بروز التباين يف طريقة احلكم ‪ ،‬غّب أين سأحاوؿ توضيح أىم ادلسائل ادلتعلقة‬
‫بالنظاـ السياسي ادلتبع كاآليت ‪:‬‬

‫*ػ ظهرت احلاجة اىل النظاـ السياسي يف ادلنطقة بسبب الطبيعة القاسية الناذبة من اخَباؽ األهنار احململة‬
‫بادلواد الغرينية للمنطقة وتكوين شبكة من السهوؿ الفيضية الٍب ساعدت يف تكوين األهنار وادلستنقعات ‪ ،‬وارتفاع‬
‫درجات احلرارة والفيضانات ادلفاجئة وادلدمرة الٍب أجربت السكاف على العمل اجلماعي للتخلص من تلك‬
‫الفيضانات عن طريق تنظيف األهنار والقنوات اإلروائية ‪ ،‬فضال عن وجود فَبات من اجلفاؼ ‪ ،‬وىذا بدوره أجرب‬
‫السكاف على بناء السدود ورفع مستوى ادلياه يف االهنار اىل احلد ادلطلوب لتحقيق اإلرواء السيحي‪ ،‬اضافة اىل‬
‫ذلك وجود بعض اجلماعات من غّب ادلزارعْب والذين كانوا يغّبوف على احلقوؿ الزراعية وهنبها وحرقها ‪.‬‬

‫ىذه األمور أجربت سكاف ادلنطقة على العيش ضمن اجلماعة للتغلب على تلك الصعوبات‪ ،‬لذا وضعوا‬
‫كل ثقتهم برجل الدين باعتباره الواسطة بينهم وبْب اآلذلة فهو حسب االعتقاد قادر على معرفة ما تراه اآلذلة‬
‫لإلنساف من خّب او شر لذلك اختاروا الكاىن (نظام ثيوقراطي ديني ‪ )Theocratic system‬و كاف الكاىن قد‬
‫‪1‬‬
‫مجع بْب سلطتْب الدينية والدنيوية‪.‬‬

‫و منذ فجر السالالت كانت منطقة السهل الرسويب مقسمة اىل رلموعة من دوؿ ادلدف ‪ ،‬وكانت كل دولة‬
‫مدينة تسيطر على إقليم جغرافية يشمل مدينة ما رئيسية و ما غلاورىا من ادلدف و القرى و األراضي ‪ ،‬و تلقب‬
‫احلاكم حينها بػ"أنسي"‪ ENSI‬أي وكيل اإللو الرئيس للمدينة ‪ ،‬ودلت أسطورة اخلليقة السومرية أف السلطة‬
‫السياسية مستمدة من اآلذلة و نزلت من السماء ‪ ،2‬ىذا و يرجح أ ّف للمعابد الٍب نشأت بادلنطقة عالقة بنشوء‬
‫السلطة و احلكاـ األوائل دبنطقة السهل الرسويب و يشمل ذلك حٌب مرحلة عهد اإلحياء السومري ‪ ،‬وعند هناية‬
‫عصر دويالت ادلدف السومرية ربوؿ نظاـ احلكم اىل شكلو النهائي ادلتمثل بظهور ادللك ‪ LU.GAL‬الذي‬
‫‪3‬‬
‫استمر حٌب العصور ادلتأخرة‪.‬‬

‫‪ ‬ـ طه باقر ‪ ،‬مقدمة فً تارٌخ الحضارات القدٌمة ‪،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .‬‬


‫‪ ‬ـ فاتن موفق فاضل شاكر ‪ " ،‬الملوك المؤلهون فً العراق القدٌم " ‪ ،‬مجلة التربٌة و العلم ‪ ،‬مج‪ ،1‬العدد ‪ ،1 1 ،‬ص‪ 1‬‬
‫‪ ‬ـ سعد عبود سمار ‪ " ،‬مجالس المدن فً العراق القدٌم ( ‪ 111‬ـ ‪ 111‬ق‪.‬م) التأسٌس و المهام "‪ ،‬مجلة كلٌة التربٌة ‪ ،‬جامعة واسط ‪ ،‬العدد‪،‬‬
‫‪ ، 1‬ص‪.‬و أنظر ‪ :‬سامً سعٌد األحمد ‪" ،‬اإلدارة و نظام الحكم " ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ .‬‬

‫‪1‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫والثابت من خالؿ ادلصادر ادلسمارية كأسطورة اخلليقة السومرية و ملحمة جلجامش أفّ بالد الرافدين قد‬
‫عرفت نظاـ اجملالس التشريعية أو االستشارية و صاغ لذلك الباحث "ثوركيلد جاكوبسوف" نظرية غاية يف األعلية‬
‫مفادىا اف نظاـ احلكم يف العراؽ القدمي كاف نظاما دؽلقراطيا بدائيا ربوؿ دبرور الزمن اىل نظاـ ملكي مستبد ‪ ،‬وقد‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬و أنو منذ األلف الثالث‬ ‫‪Primitive democracy‬‬ ‫مسيت نظريتو يف االوساط العلمية بػ الديمقراطية البدائية‬
‫قبل ادليالد ػ كانت القرارات تتخذ من خالؿ رللس عاـ يضم مجيع ادلواطنْب يقسم بداخلو إىل رللس الشيوخ‬
‫(ادلسنْب) ورللس عاـ يضم غالبية ادلواطنْب القادرين على محل السالح ‪ ،‬و تقوـ ىذه اجملالس يف فَبة األزمات‬
‫‪2‬‬
‫باختيار ادللك من غّب رجاؿ الدين أي من الزعامات القادرة على شلارسة احلرب ‪.‬‬

‫*ػ نظر سكاف يالد الرافدين يف كل احلقب التارؼلية اىل السلطة السياسية و ادللك بشيء من القداسة و‬
‫التبجيل ‪ ،‬و نظروا اىل أف العامل يف غياب ادللكية تعمو الفوضى و زبتل معيشتهم‪ ،‬لذلك كاف ادللك حسبهم قد‬
‫استمد سلطتو من األذلة ‪،‬لذلك صاغ الكتبة و رجاؿ الدين أساطّب و مفاىيم ػ بأمر من ادللوؾ ػ يف نظرية الحق‬
‫اإللهي للحاكم مث بالدماء ادللكية ادلقدسة ‪ ،‬و كانت وظائف الملك تشمل محاية البالد و الناس ‪ +‬قيادة اجليش‬
‫وقت احلرب ‪ +‬ربقيق العدالة ‪ +‬القياـ بادلشاريع اإلروائية ‪ +‬إقامة ادلعابد‪ ..‬ودلت احلوليات البابلية و األشورية‬
‫على تلقب بعضهم بػ"حامي العدالة" كسرجوف الثاين األشوري ‪ ،‬ودلت ادلشاىد ادلنحوتة البابلية الكلدانية أ ّف‬
‫‪3‬‬
‫ادللك "نبوبالصر" و ابنو "نبوخذ النصر" شاركا يف بناء ادلعابد ‪.‬‬

‫*ػ زاد تركز السلطات بيد ادللك مع توايل األزمنة و خباصة يف عهد اإلمرباطوريات البابلية و األشورية ‪ ،‬غّب‬
‫أنّو ثبت منح بعض السلطات الدينية و ادلالية و االقتصادية لكهنة ادلعابد اخلاصة باآلذلة الرئيسة أو لبعض حكاـ‬
‫األقاليم ‪ ،‬حٌب و اف كانت سلطة ادللوؾ قوية و نشهد ذلك خالؿ حكم ادللك األشوري "سرجوف الثاين" إال أ ّف‬
‫‪4‬‬
‫ذلك مل يشكل منافسة لسلطة ادللك من حيث األحقية بالضرائب و حق التعيْب و سبثيلو لإللو القومي للدولة ‪.‬‬

‫*ػ و خبصوص لقب الحكام قد دؿ تدرجو على االنتقاؿ من نظاـ دوؿ ادلدف اىل نظاـ الدولة القطر (الٍب‬
‫تضمن دولة أكثر اتساعا ) مث اىل الدولة اإلمرباطورية ‪ ،‬و نشهد ذلك عرب انتقاؿ لقب احلاكم من "حاكم ادلدينة"‬
‫مثل "ملك أور" اىل "ملك البالد" (لوجاؿ كالما) مث لقب "ملك سومر و أكاد" ‪ ،‬أضيف لو الحقا لقب "ملك‬

‫‪ ‬ـ سعد عبود سمار ‪ " ،‬مجالس المدن فً العراق القدٌم ( ‪ 111‬ـ ‪ 111‬ق‪.‬م) التأسٌس و المهام‪ ، ".‬ص ‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ فاتن موفق فاضل شاكر ‪ " ،‬الملوك المؤلهون فً العراق القدٌم " ‪،‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ عبد الرضا الطعان ‪ ،‬الفكر السٌاسً فً العراق القدٌم ‪ ،‬دار الرشٌد للنشر ‪ ،‬بغداد ‪،‬د‪:‬ط ‪ ، ،‬ص‪.‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ خالد موسى عبد ‪ " ،‬الطغٌان فً العراق القدٌم بٌن الدٌمقراطٌة البدائٌة و نظرٌة التفوٌض اآللهة " ‪ ،‬مركز دراسات األلوفة ‪ ،‬العدد ‪، ‬‬
‫‪ ، 11‬ص‪ .‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪2‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫اجلهات األربع " (لقب يتعلق باألذلة الرئيسة) و انفرد األشوريوف خالؿ عهدىم االمرباطوري بلقب "ملك‬
‫الكوف"(شار ػ كشسي)‪ .‬و كمثاؿ تلقب ادللك البابلي "محورايب" بػ"الملك القوي ‪.‬ملك بابل ‪ .‬ملك كل بالد‬
‫‪1‬‬
‫أمورو ‪.‬ملك سومر و أكاد‪ .‬ملك الجهات األربع"‪.‬‬

‫*ػ و خبصوص والية العهد ‪ mar-sarri‬مل يداوـ عليها ملوؾ ادلنطقة إذ مل تثبت النصوص ادلسمارية ادلختلفة‬
‫عمل أحد ادللوؾ لتولية ولده ادللك يف العهود السابقة للدولة األشورية احلديثة ‪ ،‬و نصادؼ ذلك عند زلاولة ادللوؾ‬
‫األشوريوف فرض اذلدوء عقب وفاهتم عرب تولية ابناءىم والية العهد و ىذا األمر وقع عهد "مششي أدد اخلامس" و‬
‫مع تولية "سنحاريب" البنو األصغر "أسرحدوف" يف حياتو و أخذ قسم الوالء من إخوتو و كبار رجاؿ الدولة يف‬
‫مراسيم و احتفاؿ معد لذلك الغرض ‪ ،‬وشلا ينبغي ذكره أف األمراء كاف يتم اعدادىم عسكريا و إداريا من إجل‬
‫التسيّب األمثل لشؤوف الدولة ‪ ،‬و أحيانا كاف ويل العهد يتوىل جزءا من السلطة يف ادلهاـ الدينية ػ اإلدارية و‬
‫العسكرية اىل جانب والده ادللك و مثالو عالقة أسرحدوف بوالده سنحاريب أو عالقة "نبوخذ نصر الثاين" بوالده‬
‫‪2‬‬
‫"نبوبالصر" إذ وقف اىل جانبو يف أغلب أعمالو ‪.‬‬

‫*ػ الموظفون ‪ :‬أثبتت الوثائق ادلسمارية وجود مناصب يف الدولة من غّب ادللك طيلة مراحل تاريخ ادلنطقة منها‬
‫(باختصار) "الليمو" و ىو موظف كبّب بالدولة اكتسب أحيانا سلطة تشريع القرارات و زادت مكانتو يف العهدين‬
‫البابلي و األشوري ‪" ،‬الَبتانو" و كاف دبثابة رئيس للوزراء سياسيا و قائدا للقوات األشورية ػ بعد ادللك ػ ‪ ،‬كما‬
‫‪3‬‬
‫يوجد مجلة من موظفي البالط منهم رئيس القصر "شلوخي ػ إكللي" و كاتب القصر "الطوبالشار ػ إكللي" ‪..‬‬

‫*ػ حكام األقاليم ‪ :‬يقوـ ادللك بتعيينهم ‪ ،‬وكانت حدود األقاليم و تقسيماهتا زبتلف من عصر اىل عصر ‪ ،‬بدأ‬
‫ظهورىا منذ العهد األكادي ‪ ،‬و تتناقص مكانة حكاـ األقاليم مع تزايد قوة السلطة ادلركزية و خباصة خالؿ‬
‫العهدين البابلي و األشوري مث الكلداين‪ ،‬و ػلدث العكس إذا أحس حاكم اإلقليم بضعف اإلدارة ادلركزية ‪ ،‬و‬
‫األصل أف منصب حاكم اإلقليم ليس متوارثا ‪ ،‬لكن استطاعت بعض العائالت أف تتوارث تلك ادلناصب و‬
‫تَبكها يف عائالهتا ‪ ،‬كما أ ّف سياسية اإلمرباطورية كانت تستلزـ عائالت قوية حلكم ىذه األقاليم ‪ ،‬و خوفا من سبرد‬

‫‪ ‬ـ سامً سعٌد األحمد ‪" ، ،‬اإلدارة و نظام الحكم " ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪.‬و أنظر ‪ :‬أحمد أمٌن سلٌم ‪ ،‬دراسات فً تارٌخ الشرق‬
‫األدنى القدٌم ‪ ،‬مصر و العراق و اٌران ‪ ،‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ أحمد حبٌب سٌد الفتالوي " مشكلة والٌة العهد فً عهدي الملكٌن سنحارٌب و أسرحدون "(‪ -1‬ق‪.‬م) "‪ ،‬مجلة مركز بابل للدراسات‬
‫اإلنسانٌة ‪ ،‬مج‪ ، 1‬العدد ‪ ،1‬ص‪ .‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ عبد العزٌز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.‬و أنظر ‪ :‬سامً سعٌد األحمد ‪ ، ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .1‬‬

‫‪3‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫األقاليم استحدث األشوريوف منصب ادلراقب (اخلزانو)‪ ،‬و ىو موظف آشوري يراقب عمل حاكم اإلقليم البعيد أو‬
‫‪1‬‬
‫القابل للثورة ‪.‬‬

‫و متّ التعرؼ اىل التقسيم السياسي لدوؿ ادلنطقة من خالؿ احلوليات ادلختلفة للملوؾ أو من خالؿ ادلراسالت‬
‫بْب األقاليم و السلطة ادلركزية ‪ ،‬و يظهر أ ّف بعض األقاليم ذكرت بأمساء ادلدينة الرئيسية و مثالو ‪":‬إقليم نفر" أو‬
‫"إقليم إيسن" ‪ ،‬أو على أمساء القبائل القاطنة باإلقليم مثل "إقليم بيت ياكْب" (بالد البحر) نسبة للقبيلة ادلسماة‬
‫بػ "بيت ياكْب"‪ ،‬و كانت وظيفة حكاـ اإلقليم دبثابة إسقاط دلهاـ ادللوؾ داخل األقاليم ‪ ،‬كبناء و ترميم ادلعابد ‪،‬‬
‫و مهاـ األمن و إدارة و تنفيذ ادلشاريع العامة كاإلرواء ‪،‬و يتولوف ذبميع الضرائب ادلستحقة ‪ ،‬أما رؤساء القبائل‬
‫فكانوا ؼلضعوف للملك امسيا ؽللكوف شبو حرية يف التسيّب لشؤوف القبيلة و اإلقليم ‪ ،‬مع ضرورة ذكر أف منصب‬
‫‪2‬‬
‫"قربوتو" كاف الوسيط بْب حكاـ األقاليم و ادللك ‪.‬‬

‫و عمل األشوريوف على احلفاظ على مركزية احلكم و يف نفس الوقت السيطرة الكاملة على األقاليم و عملوا‬
‫يف رلاؿ إدارة الدولة على تقوية سلطة ادللك من خالؿ التقليل من نفوذ النبالء وأمراء اإلقطاع واحلد من سلطاهتم‪،‬‬
‫و مضاعفة عدد الوحدات اإلدارية ‪ ،‬كما مت عزؿ معظم ملوؾ األقاليم اخلاضعْب لسلطانو ودرلت شلالكهم بآشور‪،‬‬
‫وعْب بدالً عنهم حكاـ آشوريْب‪ ،‬وليسيطر أكثر على ىذه األقاليم‪ ،‬قاـ بتنظيم ادلواصالت السيما السعاة أو‬
‫الرسل ما بْب آشور وباقي األقاليم اخلاضعة لو‪ ،‬كما متّ انتهاج سياسة قاسية مع األقاليم الٍب تتكرر فيها الثورات‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫إذ قاموا بتهجّب مجاعي لسكاف اإلقليم إىل إقليم آخر‪ ،‬وإسكاف أقواـ أخرى زللهم‪.‬‬

‫*ػ الجيش ‪ :‬وابتعدت جيوش دوؿ ادلدف عن التنظيم يف العصور ادلبكرة‪ ،‬لكنها خالؿ العهدين البابلي واآلشوري‪،‬‬
‫تطورت يف نظاـ تعبئتها وأسلحتها‪ ،‬كما حدث فيها تغيّب من حيث العدد والدواـ والتدريب‪ ،‬وذلك سباشيا مع‬
‫توحيد البالد ونشوء اإلمرباطوريات ‪ ،‬و زاد تنظيمو خالؿ العهد البابلي القدمي و ظهرت معادلو كجيش منظم و‬
‫ظلوذجي خالؿ العهد األشوري احلديث ‪ ،‬و كاف اجليش يتكوف من فئة عسكرية عرفت بػ"األوليم " وىي طبقة من‬
‫العسكرية فرضت الضرائب من اجل إدامتهم ‪،‬و طغت احلياة العسكرية على تفاصيل احلياة األشورية و نلمس‬

‫‪ ‬ـ طه باقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ‬و أنظر ذلك فً ‪ :‬وٌل واٌرل دٌورانت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ سامً سعٌد األحمد ‪"،‬اإلدارة ونظام الحكم" ‪،‬حضارة العراق‪ ،‬ج ‪، ‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ علً ٌاسٌن أحمد ‪"،‬وظٌفة الخزانو اآلشوري " ‪،‬مجلة الموصل للتربٌة ‪،‬جامعة الموصل ‪،‬ع‪، 11، 1‬ص‪ .‬‬

‫‪4‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫ذلك يف العمارة و ادلشاىد ادلنحوتة و كذلك يف تفاصيل احلوليات ادللكية األشورية ‪ ،‬إذ اختزلت حياة ادللوؾ يف‬
‫‪1‬‬
‫محالت عسكرية توسعية و تأديبية مومسية ‪.‬‬

‫و ال يتسع اجملاؿ للحديث عن العسكرية األشورية ‪ ،‬لكن من الواجب احلديث عن استعماؿ األشوريْب دلادة‬
‫احلديد يف صناعة الوسائل احلربية كالكباش ‪ ،‬و ابتكار العربات القتالية الٍب تسّب بالعجالت ادلشبكة دائرية ادلركز‬
‫بدؿ العجالت الص لدة ادلربعة ادلركز الٍب استعملتها الشعوب ادلعاصرة ذلم ‪ ،‬كما تظهر نزعتهم العسكرية يف مدى‬
‫التحصْب الذي بلغتهم مدهنم العامة مثل "أشور" و ""نينوى "و "حراف" ‪ ،‬كما عربت ادلشاىد ادلنحوتة البارزة‬
‫ادلختلفة عن أساليب منظمة يف احلصار و احلفر و اذلجوـ و دؾ األسوار و عبور البوابات‪(2 .‬أنظر الشكلين ‪6‬‬
‫و‪) 7‬‬

‫و خبصوص الضباط في الجيش األشوري أفادت النصوص اآلشورية يف ذكر عدة أمساء لضباط بعد "‬
‫(حيث كانت أكرب ادلشاكل ىي‬ ‫التورتانو " حيث يليو يف ادلرتبة( الراب – شاقو) والٍب تعِب كبّب السعادة‬
‫توفّب ادلياه للجيش خاصة يف موسم الصيف أثناء احلرب) يليو ( ناقر – إيكايل) أي دبعُب " شادي القصر "‬
‫ومهمتو الواضحة ىو دعوة جنود اجلنود وادلواليد للخدمة العسكرية حيث يوازي عملو مديرية التعبئة واإلحصاء يف‬
‫اجليوش احلديثة ‪،‬مث رتبة " اإليركو " ومسؤوليتو اإلشراؼ على ادلالية ‪،‬على أف ىؤالء القادة األربع باإلضافة للملك‬
‫‪3‬‬
‫يشكلوف ىيئة احلرب اآلشورية‪.‬‬

‫ودلّت احلوليات األ شورية أف اجليش خالؿ تنقالتو و معاركو قد ضم اىل جانب العنصر األشوري الغالب فئات‬
‫أخرى فكاف اخليالة من فارس‪ ،‬و بعض ادلشاة من األناضوؿ و سوريا و اجلمالة من القبائل العربية ‪ ،‬كما اعتمدوا‬
‫على قوات االحتياط ‪ ،‬و بالعودة الهيكل التنظيمي للجيش اآلشوري فقد كاف يتألف من فرقة "بقار" وتعدادىا‬
‫حوايل‪10‬آالؼ جندي‪ ،‬مث من الوحدة العسكرية "كودودو" وتعدادىا ألف جندي‪ ،‬مث السريّة الٍب تلفظ‬
‫‪4‬‬
‫"كيصرو" وتعدادىا مائة جندي‪ ،‬مث الفصيلة وتعدادىا مخسوف جنديا‪ ،‬أما الفرقة فتعدادىا ‪ 10‬جنود‪.‬‬

‫‪ ‬ـ طه باقر‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ص ‪ -‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬


‫‪ ‬ـ سبتٌنو موسكاتً ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ ‬ـ فوزي رشٌد ‪،‬الجٌش والسالح ‪،‬حضارة العراق ‪،‬ج‪،‬ص‪.‬و أنظر‪ :‬بهٌجة خلٌل إسماعٌل ‪" ،‬الجٌش فً العصر األشوري " ‪ ،‬موسوعة‬
‫الموصل الحضارٌة ‪،‬العدد‪ ،1‬مج‪ ،  ، 1‬ص‪ .-‬‬
‫‪ ‬ـ سعد عبود سمار‪" ،‬الجند فً المملكة اآلشورٌة الحدٌثة بٌن الضغط النفسً واالنتماء العرقً"‪ ،‬مجلة كلٌة التربٌة‪ ،‬جامعة واسط‪ ،‬العدد العاشر‪،‬‬
‫ص‪ .‬‬

‫‪5‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫و خبصوص السفن احلربية فقد متّ استعماذلا يف بالد الرافدين ‪ ،‬و ربتوي على عدة صفوؼ من اجملدفْب ‪ ،‬سبيزت‬
‫مقدمتها بطرؼ حاد وطويل‪ ،‬وكاف اجلنود بَبوسهم كاحلصن فوؽ ظهر السفينة ‪ ،‬وىنا يذكر ادلختصوف أ ّف‬
‫األشوريوف دوف شعوب بالد الرافدين األخرى قد تفننوا يف استعماؿ السفن احلربية يف القتاؿ وليس يف النقل و ىنا‬
‫‪1‬‬
‫استعانوا يف ذلك بالفينقيْب‪.‬‬

‫الشكل ‪ :06 :‬ظلاذج ألسلحة آشورية ‪.‬‬


‫(أنظر‪ Philip Henri Grosse ,Assyria .her manners .and costumes arts and arms .pp 348-387:‬المؤلف ـ بتصرف ـ )‬

‫‪ ‬ـ فوزي رشٌد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .‬‬

‫‪6‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫الشكل ‪ : 7‬ضلت بارز عثر عليو يف قصر ادللك "سنحاريب"بػ"نينوى" ؽلثل حصار القدس‪.‬‬
‫*ـ القوانين و التشريعات ‪ :‬تش ّكل شرائع الشرؽ القدمي أوؿ الشرائع ادلكتوبة يف تاريخ البشرية‪ ،‬وضعت لتنظيم‬
‫العالقات بْب األفراد عىب مبادئ العدؿ و ادلساواة كما تقود الشرائع إىل تثبيت احلقوؽ والواجبات يف رلاؿ‬
‫العالقات االجتماعية واالقتصادية والسياسية ‪ ،‬ويف مقدمة ىذه العالقات تلك الٍب تقوـ على أساس تنظيم‬
‫العالقات بْب الناس وبْب طلبة احلكم ‪ ،‬الذي يشكل عقداً اجتماعياً بْب احلاكمْب واحملكومْب ‪ 1،‬وغلسد ادلصدر‬
‫وادلرجع لكافة القوانْب وادلراسيم واألنظمة الٍب تصدر عن السلطتْب التشريعية والتنفيذية‪ .‬ويف بيئة حضارية ػ كما‬
‫أشرنا ػ غابت عنها مفهوـ توزيع السلطات وسادت فيها ادللوكية وفق العقيدة الدينية‪ -‬حق التفويض ا ِإلذلي‬
‫للملك‪ -‬عندئذ يصبح احلاكم (ادللك) ىو الدولة والدستور‪ ،‬باعتباره شلثل ا ِإللو ومصدر العدؿ‪ ،‬وىذا ما َّ‬
‫جسدتو‬
‫‪2‬‬
‫قوانْب احلضارات القدؽلة‪ ،‬تتقدمها قوانْب حضارة وادي الرافدين ‪.‬‬

‫يسجل أقدـ جهد قانوين وزلاولة إصالحية يف التاريخ البشري إىل "أوروكاجينا" و الذي تكاد إصالحاتو‬
‫و ّ‬
‫ترتقي دلستوى القانوف‪ ،‬لوال خلوىا من ادلقدمة واخلاسبة وحصر موضوعاهتا يف معاجلة الوضع الضرييب وشؤونو ‪،‬‬
‫ليليو ػ حسب ادلختصْب ػ قانون "أور‪ -‬نمو" (‪ 2096 -2112‬ؽ‪.‬ـ) الذي يع ّد أقدـ قانوف مكتوب ‪ ،‬مت‬
‫الكشف عن أجزائو يف مدينٍب "نفر" و"أور"‪ ،‬كما أمكن قراءة أكثر من ‪ 22‬مادة منو ‪ ،3‬تاله يف بالد الرافدين‬
‫قانوف أصدره "لبت‪ -‬عشتار" (‪ 1924 -1934‬ؽ‪.‬ـ) خامس ملوؾ ساللة دولة مدينة "إيسن"‪ ،‬جاء بعده يف‬

‫‪ ‬ـ ـ رضا جواد الهاشمً ‪" ،‬القانون واألحوال الشخصٌة"‪ ،‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪ ,1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ عاصً حسٌن حمود العجٌلً ‪ "،‬الملكٌة الزراعٌة فً شرٌعة حمورابً "‪ ،‬مجلة جامعة تكرٌت للعلوم القانونٌة و السٌاسٌة ‪،‬العدد ‪ ، 1‬السنة‬
‫األولى ‪ ،‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ جورج رو ‪،‬العراق القدٌم ‪،‬تر ‪ :‬حسٌن علوان حسٌن ‪،‬منشورات وزارة الثقافة و االعالم ‪،‬بغداد ‪ ،‬د‪:‬ط ‪  ،‬ص‪ .‬‬

‫‪7‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫بالد الرافدين "قانوف أشنونا" الذي ينسب اىل مدينتو "أشنونا" وبسبب التلف الذي أصاب اسم ادللك الذي‬
‫‪1‬‬
‫أصدره‪ ،‬مل يكن باإلمكاف معرفة تاريخ صدوره ‪.‬‬

‫ىذا و يع ّد "قانون حمورابي" أحدث وأكمل قانوف مكتشف يف وادي الرافدين حٌب اآلف‪ ،‬وؽلثل أقدـ‬
‫االصلازات القانونية يف تاريخ احلضارة البشرية‪ ،‬وبصدوره عاـ ‪1770‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬صار للدولة البابلية قانوف موحد‪ ،‬و‬
‫أصبح تطبيقو من اختصاص السلطة ادلدنية ‪،‬و كسابقاهتا من القوانْب يف العراؽ القدمي ‪ 2،‬تضمنت ادلقدمة‬
‫استعراضا ألعماؿ محورايب وألقابو وبينت طاعتو وتقواه وعنايتو دبدف ومعابد اآلذلة ‪ ،‬واألسباب الٍب دعتو إلصدار‬
‫شريعتو وىي انتداب ا ِإللو (مردوخ) لو ليحكم مدينة بابل ‪ ،‬بينما ذكر يف اخلاسبة الغرض من تدوين الشريعة وىو‬
‫‪3‬‬
‫"إعالة اليتيم واألرملة‪ ...‬والمظلوم‪".‬‬

‫و رتبت ادلواد التشريعية يف أربعة و أربعْب حقال ‪،‬و‪ 282‬مادة باللغة البابلية‪ .‬ؽلكن توزيعها على مخسة أبواب‬
‫رئيسية‪ - :‬التقاضي وأصوؿ احملاكمات يف ادلواد من‪1‬اىل ‪ - .05‬األمواؿ وادلعامالت ادلالية من ادلادة‪ 06‬اىل‬
‫‪ -.126‬األشخاص وقوانْب األحواؿ الشخصية من ‪ 127‬اىل ‪- .214‬األجور من‪215‬اىل ‪ - .277‬العبيد من‬
‫‪4‬‬
‫ادلادة‪278‬اىل ‪.282‬‬

‫و يذكر أف القوانين اآلشورية قد اعتمدت على غّبىا من القوانْب السابقة ‪ ،‬و خباصة قانوف محورايب و‬
‫ذلك من حيث مبادئها وأحكامها والعقوبات القاسية الٍب أخذت هبا ‪ ،‬كما يذكر أ ّهنا مشلت يف موادىا‪:‬‬
‫السرقات‪ ،‬التجديف‪ ،‬التحريض على الفًب‪ ،‬االعتداءات‪ ،‬القتل‪ ،‬األحواؿ الشخصية‪ ،‬االغتصاب‪ ،‬الزنا والبغايا‪،‬‬
‫احلجاب‪ ،‬ادلتهموف بالسحر االسود‪ ،‬الديوف‪ ،‬اعتداء الرجل على فئات سلتلفة من النساء واجهاضهن‪ ،‬ضرب الزوج‬
‫لزوجو وإجهاضها ‪ 5،‬وأخّباً جاءنا من العهد البابلي الحديث (الكلداني) رقيم طيِب ضم مخس عشرة مادة‬

‫‪ ‬ـ طه باقر ‪،‬قانون لبت ـ عشتار ‪ ،‬قانون مملكة اشنونا ‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم ‪ ،‬بغداد ‪  ،‬م ‪ ،‬ص ‪ ،‬رضا جواد الهاشمً ‪"، ،‬القانون‬
‫واألحوال الشخصٌة"‪ ،‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪,1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ مجموعة من المؤلفٌن ‪ ،‬شرٌعة حمورابً و أصل التشرٌع فً الشرق األدنى القدٌم ‪ ،‬تر ‪:‬أسامة سراس ‪ ،‬دار عالء الدٌن ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫‪ ، ‬ص‪ ‬‬
‫‪ ‬ـ سامً سعٌد األحمد ‪ ،‬العراق فً التارٌخ‪ ،‬ص‪،.. -‬و أنظر‪ :‬طه باقر ‪ ،‬مقدمة فً تارٌخ الحضارات القدٌمة‪ ،‬ص‪،‬و أنظر كذلك ‪:‬‬
‫رضا جواد الهاشمً ‪"، ،‬القانون واألحوال الشخصٌة"‪ ،‬حضارة العراق‪،‬ج‪ ،‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ فوزي رشٌد ‪ ،‬الشرائع العراقٌة القدٌمة ‪ ،‬دار الحرٌة للطباعة ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، ،‬ص ص‪-1‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ مجموعة من المؤلفٌن ‪ ،‬شرٌعة حمورابً و أصل التشرٌع فً الشرق األدنى القدٌم ‪،‬ص‪ .‬‬

‫‪8‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫قانونية تعاجل غالبيتها مسائل زبتص باحلقوؿ وإدارهتا وشؤوف اإلرواء والرقيق والنساء وقضايا الزواج والطالؽ‬
‫‪1‬‬
‫واإلرث‪.‬‬

‫‪ 2‬ػ االقتصاد‪ :‬من الواجب احلديث بشكل سلتصر عن الزراعة مث الصناعة مث التجارة كاآليت‪:‬‬

‫أ ػ الزراعة ‪ :‬ظهرت شهرة ادلنطقة زراعيا شهرة ىذه البالد الزراعية على غّبىا دبا امتازت بو احلضارات الٍب قامت‬
‫هبا ‪ ،‬وظلت ىذه الشهرة حٌب األزماف ادلتأخرة ‪ ،‬إذ شبو الكثّب من مؤرخي اليوناف و الروماف بالد ما بْب النهرين بػ‬
‫" درادو" أي بالد الذىب و اخلّب يف الزراعة و بالغ بعظهم يف احملصوؿ الزراعي الناتج حٌب أف "ىّبودوت" قد‬
‫جعلو مضاعفا عن غّبىا دبئة و مائٍب مرة ‪ ،‬وىذا يذكرنا بتسمية ادلؤرخْب العرب ألرض العراؽ بالسواد تأكيدا على‬
‫كثرة زرعها و خضرهتا و الشيء األكيد أف ىذه الشهرة مل ربصل إال جبهود اإلنساف و عملو‪ ،‬ال سيما يف طرؽ‬
‫‪2‬‬
‫الري و السهر على تنظيم شؤوف الزراعة‪.‬‬

‫و عرفت ادلنطقة تركيزا زراعيا كبّبا خاصة يف السهل الرسويب اجلنويب األسفل (بالد سومر) و السهل األعلى‬
‫(بالد أكاد) أي بالد بابل الحقا‪ ،‬أما ادلناطق الشمالية فهي رعوية تنمو هبا األشجار و النباتات طبيعيا باالعتماد‬
‫على ادلطر (بالد آشور) ‪.‬‬

‫وادلعروؼ أ ّف ادلاء و توفّبه شرط أساسي يف صلاح الزراعة لذا اعتمدت ادلنطقة على كل أنواع السقي و خباصة‬
‫األهنار (الزراعة السيحية) خاصة و أ ّف الزراعة ادلعتمدة على ادلطر (الدؽلية ) كانت متذبذبة ال تناسب اال فصلي‬
‫الشتاء و الربيع ‪ ،‬وشكل هنرا دجلة و الفرات و روافدعلا مصدر اخلصب الزراعي ‪ ،‬و للتعامل مع ىذين النهرين و‬
‫الصلاح الزراعة تدخل اإلنساف العراقي القدمي يف معرفة موسم الفيضاف و تكيف معو عرب بناء ادلصدات األرضية‬
‫كما أقاموا السدود و مدوا القنوات لعملية السقي ‪ ،3‬كما عرفوا موسم كل ادلزروعات و أتقنوا مسح األراضي‬
‫لتحديد ادللكيات ‪ ،‬ومسيت بعض األشهر لديهم حسب مراحل العملية الزراعية كشهر "تذرية احلبوب" و شهر‬
‫‪4‬‬
‫"حصاد الشعّب"‪.‬‬

‫*ػ ملكية األراضي الزراعية ‪ :‬قسم ادلختصوف األراضي الزراعية يف بالد الرافدين تقسيمات سلتلفة باالعتماد‬
‫على معايّب سلتلفة حيث اعتمادا على النوع قسمت اىل ‪:‬‬

‫‪ ‬ـ رضا جواد الهاشمً ‪" ،‬القانون و األحوال الشخصٌة " ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ سامً سعٌد األحمد ‪ ،‬الزراعة والري ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬الجزء الثانً ‪ ،‬مطبعة الحرٌّة ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،  ،‬ص‪ .-‬‬
‫‪ ‬ـ هورست كلٌنكل ‪ ،‬حمورابً البابلً و عصره ‪ ،‬تر‪ :‬محمد وحٌد خٌاطة ‪ ،‬دار المنارة للدراسات ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط‪ ، 1 ، 1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ سامً سعٌد األحمد ‪ ،‬الزراعة والري ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ص‪ .‬‬

‫‪9‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫و ىي الٍب تزرع عادة بأنواع من احلبوب و‬ ‫‪EQULUM‬‬ ‫‪-‬األراضي احلقلية ‪ :‬وتسمي باألكادية "ايقولوـ "‬
‫احملاصيل احلقلية كالسمسم و الثوـ و البصل و فّبىا ‪.‬‬
‫و تشمل احلدائق و البساتْب اخلاصة بزراعة النخيل و أنواع سلتلفة من أشجار‬ ‫‪KIRUM‬‬ ‫ػالبساتْب كّبوـ‬
‫الفاكهة‪.‬‬
‫كما قسمت األراضي على أساس مدى صالحيتها لالستثمار الزراعي اىل ‪:‬‬
‫ػ أراضي صاحلة للزراعة ‪ :‬وتكوف من ادلساحات الواقعة بضفاؼ األهنار و القنوات أو األراضي الٍب تتيسر فيها‬
‫مصادر السقي خاصة بعد تنفيذ ادلشاريع اإلروائية عهد محورايب‬
‫ػ األراضي ادلَبوكة (البوار) ‪ :‬وىي األراضي الٍب كانت تزرع مث تركت بسبب عوامل طبيعية كالفيضانات الشتوية و‬
‫‪1‬‬
‫تدمّبىا أو طغياف ادللوحة‪.‬‬

‫*ػ أساليب الري ‪ :‬لقد كانت البيئة الٍب عاش فيها العراقيوف القدماء سبتاز خبصبها الكبّب‪ ،‬لكن يقابل يف ذلك‬
‫اخلصب الذي منحتو الطبيعة شح يف األمطار و يف أكثر من نصف األراضي القابلة للزراعة غّب أف ىذه األهنار‬
‫عوضت عن ذلك ‪ ،‬لكنها ربتاج اىل السيطرة و التنظيم ‪ ،‬لذلك فإف كل الدوؿ الٍب قامت يف ادلنطقة اعتمدت‬
‫على أساس الري فكانت أراضي ما بْب النهرين و خاصة منها الوسطى و اجلنوبية شبكة من األهنار حيث تاله‬
‫حدوث تغّب جوىري يف أسلوب الزراعة فصارت اجلداوؿ الطويلة تشق من الفرات لتصل اىل أراضي زراعية بعيدة‬
‫و أنشأوا السدود و ادلبازؿ و اخلزانات يف معظم ادلناطق اجلنوبية ‪ ،‬ودلا كاف الصيف طويال‪ ،‬فقد استعملوا أساليب‬
‫الري االصطناعية من حفر جداوؿ و قنوات إليصاؿ ادلاء سيحا اىل األراضي الزراعية خاصة يف موسم التحاريق‬
‫‪2‬‬
‫(هناية الصيف)‪.‬‬

‫لذا كاف جل اىتمامات ملوؾ بابل و آشور تعلقت باإلرواء و شق القنوات ومثالو قياـ محورايب أثناء فَبة‬
‫حكمو بشق مشاريع اروائية كفتح قناة أمساىا " محورايب ػ جيكاؿ" تبدأ من جنوب "كيش" حٌب "أوما " و‬
‫"الرسا" مث تصل اىل اخلليج العريب ‪ ،‬كما انتشرت قنوات ع ّدة بالقرب من ادلدف البابلية كقنايت " نفر " و "سن" و‬
‫قناة "سورو" الٍب تتفرع من اجلهة الشرقية لنهر الفرات جنوب "بابل " وقناة "بوقودة" و " أخي ػ شومل "‪3 ،‬و‬

‫‪ ‬ـ عاصً حسٌن حمود العجٌلً ‪ " ،‬الملكٌة الزراعٌة فً شرٌعة حمورابً " ‪ ،‬مجلة جامعة تكرٌت للعلوم القانونٌة و السٌاسٌة ‪ ،‬العدد ‪ ، 1‬السنة‬
‫‪ ، 1‬ص‪ ‬ـ بتصرف ـ ‪ ،‬وأنظر ‪ :‬جاسم شهد وهد ‪ "،‬الزراعة خالل العصر البابلً القدٌم (‪ 11‬ق‪.‬م ـ ‪ ‬ق‪.‬م)" ‪ ،‬مجلة القادسٌة للعلوم‬
‫اإلنسانٌة ‪ ،‬مج ‪ ، ‬العدد ‪ ، 11 ، 1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ رضا جواد الهاشمً ‪ ،‬تارٌخ الري فً العراق القدٌم ‪ ،‬مجلة سومر ‪ . ،‬‬
‫‪ ‬ـ رضا جواد الهاشمً ‪" ،‬تارٌخ الري فً العراق القدٌم "‪ ،‬ص‪ .‬‬

‫‪10‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫اشتهر بأعماؿ اإلرواء عند األشوريْب "سنحاريب" كانت مدىشة ‪ ،‬فقد أخربنا دبشروعو يف إرواء "أربيال" و كيف"‬
‫أنّو حفر ثالثة أنهر في الجبال التي فوق "أربيل " و أضاؼ إليها مياه الينابيع ‪ ،‬و بالتايل قاـ يف مشروعو يف‬
‫توجيو رلاري فروع هنر " باستورا" و تشييد قناة جللب ادلاء اىل "أريبل" ‪ ،‬كما أقاـ مشروعا ثانيا إليصاؿ ادلاء‬
‫‪1‬‬
‫بالطريقة السيحية اىل "نينوى "‪.‬‬

‫*ـ العملية الزراعية ‪ :‬يف بالد ما بْب النهرين تكاد تتشابو العملية الزراعية حيث تكوف األرض الطميية جافة جدا‬
‫بسبب حرارة الشمس خاصة عند التحاريق ‪ ،‬لذا يرتكز اجلهد األوؿ على تنعيم الَببة ‪ ،‬فيبدأ الفالح حبراثة األرض‬
‫غلره بقر احلراثة ومن ورائو ادلشط‬
‫بالقدر الكايف من العمق و كسر قشرة سطح األرض بواسطة احملراث الذي ّ‬
‫ادلسنّن الذي ؽلهد التلعات و يعيدىا مستوية و ىو الزمن الذي ؽلارس فيو الفالح زراعة األرض حيث ربفر‬
‫اخلطوط(األثالـ) بفاصل بعض السنتيمَبات بْب الواحد و اآلخر ‪،‬بعد وضع البذور **يف أسفل الثلم يغطى‬
‫‪2‬‬
‫بالَببة‪.‬‬

‫و يبقى أف ظلو احملصوؿ يتوقف على كمية األمطار النازلة على األرض خالؿ الشتاء و ادلتممة دبياه الري‬
‫‪،‬وإذا شعر ادلزارع يف بدء ظلو احملصوؿ ػوخاصة اخلضر و الكتاف ػ أف ادلزروع مكتظ و كثيف يلجأ إىل تفريد و‬
‫إنقاص كثافتو بقلع قسم منو ليمنح الباقي ػو ىو الكثّب ػ قوة النمو ‪ ،‬و يف آخر فصل الربيع يتم القطاؼ (شهري‬
‫مارس و أفريل ) ‪ ،‬إذ يعَبي ادلزارعْب اخلوؼ على طوؿ هنري دجلة و الفرات من فيضاف النهر ادلبكر أو إذا زادت‬
‫‪3‬‬
‫مياىو و تعذر التحكم فيو و ربجيمو عرب السدود ‪،‬إذ وجب إهناء احلصاد قبل تدفق ادلياه‪.‬‬

‫*ػ الوسائل الزراعية ‪ :‬اعتمد قدماء بالد ما بْب النهرين آالت زراعية مشَبكة معتادة و معهودة يف الزراعة‬
‫التقليدية منها "الفأس" (كن) ‪ +‬ادلنجل ‪ +‬احملراث البشري مث احليواين ‪ +‬الدالية (آلة سقي) ‪+‬ادلسحاة (آداة حفر)‬
‫‪4‬‬
‫‪ +‬الناعور (الدوالب احليواين) ‪ +‬ادلذراة ‪..‬‬

‫* ػ المزروعات ‪ :‬تشمل مواد كالشعّب و القمح و احلنطة و الذرة (وجدت سللفاهتا يف مدفن آشوري)و األرز‬
‫عرؼ متأخرا ‪ +‬السمسم (الستخراج الزيت) ‪ +‬التمر‪ +‬الكروـ ‪+‬الزيتوف ‪ +‬التْب ‪ +‬عرفوا التفاح و استعملوا شجره‬

‫‪ ‬ـ فؤاد سفر ‪" ،‬أعمال اإلرواء التً قام بها سنحارٌب ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مج‪ ، 1‬العدد ‪ ، ، 1 ،‬ص‪ -‬‬
‫‪ ‬ـ سمٌر العٌدانً ‪ ،‬العالقات الحضارٌة بٌن مصر و شعوب بالد الرافدٌن ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬ص ‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ سامً سعٌد األحمد ‪ ،‬الزراعة و الري ‪ ،‬حضارة العراق ‪،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ سامً سعٌد األحمد ‪ ،‬الزراعة و الري ‪،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص ‪-1‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪11‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫يف الصناعة اخلشبية‪ +‬القطن (جلبو ادللك سنحاريب من اخلليج ) ‪ +‬سلتلف اخلضار الطازجة و البقوؿ و النباتات‬
‫‪1‬‬
‫العطرية ‪..‬‬

‫* ػ الثروة الحيوانية ‪ :‬و با لنسبة للثروة احليوانية يف العراؽ القدمي فقد ألفت أساسا يف احلياة االقتصادية عدا‬
‫أعليتها يف الشؤوف الزراعية و يف ادلواصالت و سبثلت يف البقر و العنز و الفرس و الطيور الداجنة كالبط ػ باستثناء‬
‫‪2‬‬
‫الدجاج ػ الذي يرجح أنّو دخل ادلنطقة من اذلند يف األزماف ادلتأخرة يف العهد البابلي األخّب أو قبل ذلك بقليل ‪.‬‬

‫و ثبت تدجْب اجلاموس الضخم مع الثور األحدب منذ االلف الرابع ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬أما احلصاف فورد ذكره يف‬
‫العصر البابلي القدمي ‪،‬حيث عرؼ بػ "احلمار اجلبلي " كدليل على وصولو للمنطقة من اجلباؿ الشمالية و ورد‬
‫استعمالو من طرؼ الكاشيْب بعدىا كحيواف نقل ‪ ،‬أما اجلمل فورد ذكره يف عهد "ذباللت بالصر األوؿ " ربت‬
‫‪3‬‬
‫اسم محار البحر كدليل على إدخالو من منطقة البحر الكلدي (اخلليج العريب)‪.‬‬

‫ب ػ الحرف و الصناعات ‪ :‬مارس سكاف ادلنطقة نشاطات اقتصادية من غّب الزراعة مثل الصناعات واحلرؼ‬
‫الٍب تعتمد على الزراعة والثروة احليوانية‪ ،‬أو على ما يتوفر من موارد أولية موجودة يف الداخل ‪ ،‬لذا كانت‬
‫الصناعات االستخراجية ىي األكثر أعلية و ادلتعلقة باستخراج ادلعادف ادلختلفة دلا ذلا من أعلية بالنسبة للدولة و‬
‫الفرد حيث أشرفت عليها الدوؿ الٍب نشأت يف العراؽ القدمي ‪ ،‬تليها الصناعات ادلرتبطة باحملاجر يف ادلناطق‬
‫الشمالية خاصة عند األشوريْب و ما يقابلو من صناعة اللنب يف اجلنوب عند البابليْب ػ لغياب احملاجر ػ ‪ ،‬مث تأيت‬
‫الصناعات ادلختلفة الزراعية و غّبىا‪.‬‬

‫و كانت احلرؼ اليدوية طيلة تاريخ بالد الرافدين واسعة االنتشار‪ ،‬ومل تكن مقصورة على مجاعات وأُسر معينة‪،‬‬
‫مث ما لبثت أف أصبحت صناعات حرفية متخصصة‪ ،‬و احتفظت كل مجاعة بأسرار حرفتها‪ ،‬وغدا تعلّم احلرفة ال‬
‫يتّم إال بالتدريب الطويل على أيدي الصناع ادلهرة من احلرفيْب‪4 .‬و سأكتفي بذكر احلرؼ األكثر استعماال و‬
‫شلارسة من طرؼ البابليْب و األشوريْب كاآليت ‪:‬‬

‫* ـ عملية التعدين ‪:‬كاف قدماء بالد الرافدين سبّاقْب يف تصنيع النحاس منذ األلف الرابع قبل ادليالد ‪ ،‬ويف‬
‫مطلع األلف الثالث قبل ادليالد توصلوا إىل صناعات معدنية غاية يف الدقة‪ ،‬ومنها "تنقية النحاس" وصهره مع‬

‫‪ ‬ـ سامً سعٌد األحمد ‪ ،‬الزراعة و الري ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص‪-‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ سمٌر العٌدانً ‪ ،‬العالقات الحضارٌة بٌن مصر و شعوب بالد الرافدٌن ‪ ،‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ سامً سعٌد األحمد ‪ ،‬الزراعة و الري ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ تقً الدباغ ‪ " ،‬نشأة المدٌنة العراقٌة القدٌمة "‪ ،‬مجلة بٌن النهرٌن‪ ،‬العدد ‪ ، ‬سنة ‪ ، ‬ص ص‪ -‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬

‫‪12‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫صب الفضة والذىب ‪ ،‬وأخذوا ؽلزجوف بعض ادلعادف للحصوؿ على سبائك جديدة‬
‫ادلعادف األخرى‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫صنع منتجات معدنية‬
‫أكثر قوة كالربونز و اإللكَبوـ (خليط الذىب والفضة ) ‪ ،‬كما استخدموا احلديد يف ُ‬
‫‪1‬‬
‫متعددة‪ ،‬و بعدىم سب ّكن البابليوف يف األلف األوؿ قبل ادليالد من كربنة احلديد واستغاللو يف صنع األسلحة‪.‬‬

‫أما عن الذىب فقد وجد ببالد الرا فدين ‪ ،‬إذ كشفت التنقيبات األثرية يف ادلنطقة على الكثّب من ادلصنوعات‬
‫الذىبية مثل احللي وأدوات الزينة واألوعية واآلالت ادلوسيقية واخلناجر والسيوؼ والفؤوس وغّبىا ‪ ،‬و بينّت تلك‬
‫ادلصنوعات الدرجة العالية الٍب وصلها العراقيوف القدماء يف احلصوؿ على الذىب النقي‪ ،‬إضافة إىل الرباعة الفنية‬
‫فتدؿ ادلؤشرات التارؼلية على أ ّف اآلشوريْب استعملوىا منذ حوايل األلف‬
‫أما الفضة ّ‬ ‫يف تشكيلو وصياغتو ‪،2‬‬
‫الثانية قبل ادليالد ‪،‬و استخدمت كما ىو احلا ؿ بالنسبة للذىب وغّبه من ادلعادف يف ربديد األسعار وتقييم السلع‬
‫والبضائع كما ورد يف الشرائع العراقية القدؽلة ‪،‬و استعملت الفضة كوحدة قياس متعارؼ عليها منذ منتصف األلف‬
‫الثالث قبل ادليالد ‪ ،‬وظلت وحدة القياس هبذا ادلعدف بوزف زلدد وىو "الشيقل" الذي يسمى باللغة السومرية‬
‫‪3‬‬
‫"كن" (‪.)GIN‬‬

‫* ـ الصناعة الفخارية ‪ :‬تعترب صناعة الفخاريات من أوىل احلرؼ الصناعية الٍب عرفها إنساف وادي الرافدين يف‬
‫العصور القدؽلة ‪ ،‬وكانت ىذه احلرفة منتشرًة على نطاؽ واسع ‪ ،‬لكي تليب احتياجات السكاف من ادلستلزمات‬
‫ادلنزلية وغّبىا‪ ،‬إذ استخدمت الفخاريات يف طبخ الطعاـ و تربيد ادلاء ونقلو وحفظ السوائل كالزيوت واخلمور ويف‬
‫خزف احلبوب‪ ،‬وكذلك يف الطقوس الدينية أيضاً ‪ ،‬كما صنعت مناجل احلصاد من الفخار احملروؽ ‪ ،‬وكانت ىذه‬
‫ادلنتجات الفخارية تُصنع من الطْب النقي وبعضها من الغرين الذي تَبكو فيضانات هنري دجلة والفرات يف أواسط‬
‫وجنوب البالد ‪ ،‬ىذا وتطورت احلرفة من استخداـ األيدي فقط إىل استخداـ القرص ادلتحرؾ باليد لزيادة دقة‬
‫الدوار بواسطة األرجل ليظهر‬
‫العمل يف األشكاؿ ادلختلفة الٍب تصنيع الطْب‪ ،‬مث مت اخَباع دوالب الفخار ادلُتحرؾ و ّ‬
‫‪4‬‬
‫بعدىا يف صناعتو عمليات تكميلية كالتلوين مث التزجيج باأللواف ادلختلفة‪.‬‬

‫* ـ صناعة األختام االسطوانية ‪ :‬اشتهر إقليم بالد ما بْب النهرين كذلك بصناعة األختاـ االسطوانية ‪ ،‬و كانت‬
‫ىذه األختاـ والتماثيل ونقوش األواين الفخارية خّب وسيلة لتوثيق األحداث الدالة على تاريخ ادلنطقة ‪ ،‬وكانت‬
‫األختاـ من النوع ادلنبسط ادلسطح ‪ ،‬مث تطورت خالؿ العصر التارؼلي و تطورت يف طريقة صناعتها و حٌب يف‬
‫مادهتا األولية ‪،‬و اخلتم األسطواين (أنظر الشكل ‪ )08‬ىو عبارة عن خرزة أسطوانية تصنع من األحجار ادلختلفة‬

‫‪ ‬ـ ولٌد الجادر ‪ ،‬صناعة التعدٌن ‪ ،‬حضارة العراق ‪،‬ج ‪ ، 1‬ص ص‪ .-1‬‬
‫‪ ‬ـ مارتن لٌفً ‪" ،‬النحاس والبرونز فً بالد مابٌن النهرٌن"‪ ،‬مجلة النفط والتنمٌة ‪،‬بغداد ‪ ،‬العدد ‪ ،  ، 1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ ولٌد الجادر ‪ ،‬صناعة التعدٌن ‪ ،‬حضارة العراق ‪،‬ج ‪ ،1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ تقً الدبّاغ ‪ ،‬الفخار فً عصور ما قبل التارٌخ ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .1‬‬

‫‪13‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫و زبتلف أقطارىا أيضاً ما بْب سنتمَب واحد إىل بضعة مليمَبات كما تَباوح أطواذلا من ‪ 2.5‬سم اىل ‪ 7.5‬سم‬
‫وىي مثقوبة طولياً شلا ػلتمل أهنا كانت تعلق يف الرقبة‪ ،‬وكانت من ادلقتنيات الشخصية ادلالزمة دلعظم األفراد‪ ،‬كما‬
‫يعد اخلتم من الناحية الفنية من أمجل ما أنتجو فن النقش والنحت يف مجيع احلضارات‪ ،‬وكاف ػلفر وينقش بصوٍر‬
‫سلتلفة ادلواضيع هبيئة معكوسة حبيث اذا ختم على الطْب الطري ترؾ طبعة ىذه الصور هبيئة موجبة وكاف ذلك‬
‫‪1‬‬
‫دبثابة التوقيع أو اخلتم لتوثيق العقود وادلعامالت ادلختلفة‪.‬‬

‫الشكل ‪ :08 :‬ختم اسطواين مع طابعو من ادلرمر ّ‬


‫ادلعرؽ ‪.‬‬
‫‪) Philip steele‬‬ ‫‪, ANCIENT IRAQ ,ed : Dorling Kindersley. London ,2007 .P 70.‬‬ ‫(أنظر‪:‬‬

‫و شلا يذكر يف اجملاؿ الصناعي كذلك صناعات أخرى كاللنب و استخراج احلجارة يف البناء ‪ ،‬و عمليات الغزؿ‬
‫و النسيج و صناعة احللي و الزجاج و غّبىا ػ و الٍب ال يتسع ادلقاـ لعرض تفاصيلها ػ ‪.‬‬

‫جػ ػ النشاط التجاري ‪ :‬نشأت التجارة يف بالد الرافدين و ازدىرت من أجل احلصوؿ على بعض ادلواد النادرة‬
‫كادلعادف و األحجار و األخشاب ‪ ، ..‬و كذلك للحاجة اىل تصريف الفائض الزراعي و احليواين ‪ ،‬لكن ىذا‬
‫النشاط كاف شديد ارتباط باالستقرار السياسي بادلنطقة حيث زاد دوره يف اقتصاد شعوب ادلنطقة مع توجو البالد‬
‫من نظاـ الدولة ادلدينة اىل الدوؿ ادلركزية كالدولت ْب البابلية و االشورية ‪ ،‬و من مزايا التجارة الدولية ىو اشراؼ و‬
‫سيطرة الدولة على وسائطها و امكانياهتا و أرباحها ‪ ،‬لذا عملت الدوؿ و حكاـ األقاليم على تنظيم العملية و‬
‫‪2‬‬
‫ربقيق األمن لتحقيق األرباح التجارية ‪.‬‬

‫و كانت أنسب وسائل النقل التجاري يف بالد الرافدين للمواد الثقيلة الوزف كاألحجار و األخشاب و‬
‫الشعّب و النحاس ػ بكميات كبّبة طلبا للربح التجاري ػ ىي وسائط النقل المائية‪ ،‬الٍب تتميز باستيعاهبا الكبّب و‬

‫‪ ‬ـ عادل ناجً ‪ ،‬األختام االسطوانٌة ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪‬و كذلك صبحً أنور رشٌد ‪ ،‬تارٌخ الفن فً العراق القدٌم ‪ ،‬فن األختام‬
‫االسطوانٌة ‪ ،‬ص‪ .-‬‬
‫‪ ‬ـ رضا جواد الهاشمً ‪ ،‬التجارة ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص‪ .‬‬

‫‪14‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫اطلفاض تكاليف انتقاذلا ‪ ،‬حيث وجدت ىذه الوسائط يف أهنار ادلنطقة و فروعها و شبكة القنوات و خباصة هنر‬
‫‪1‬‬
‫الفرات و روافده ‪ ،‬و عربىا انتقلت عليها ادلواد ادلختلفة ووصلت إىل مجيع ادلدف‪.‬‬

‫كما يربُز احلمار يف مقدمة حيوانات النقل إذ استعملو اآلشوريوف خاصة على نطاؽ واسع يف أغراض احلمل‬
‫و النقل قبل احلصاف و اجلمل بفَبة طويلة ‪ ،‬و أف ذبارة بالد الرافدين اخلارجية مع "بالد األناضوؿ" يف مطلع‬
‫األلف الثانية قبل ادليالد استفادت منو يف نقل ادلعادف و ادلنسوجات بْب "آشور " و بْب "كانيش " و غّبىا ‪.‬‬
‫حيث تضمنت ادلعلومات أ ّف القوافل األشورية تض ّم الواحدة ما يقارب مائٍب محار ‪ ،‬كما ورد أ ّف إحدى القوافل‬
‫محلت ما وزنو ‪ 11‬طناً من القصدير من "آشور" إىل "األناضوؿ "‪ ،‬كما نقلت قوافل األمحرة التجارة من بالد بابل‬
‫‪2‬‬
‫إىل مدف "بالد الشاـ" ‪ ،‬ومن مدف "الفرات" إىل ادلدف السورية الداخلية ‪،‬و منها إىل ادلدف الساحلية (فينيقيا)‪.‬‬

‫تضم ادلعادف و األخشاب تليها ادلواد و الصناعات احمللية و ىي‬


‫أما عن مواد التجارة الداخلية فهي متنوعة و ّ‬
‫الزيوت و الشحوـ و العطور و أنواع من األخشاب و ادلالبس و ادلنسوجات و األصباغ و القصب و اآلجر و‬
‫احلليب و مشتقاتو و احلبوب و ادلنتوجات الزراعية ادلعروفة و احلمّب و ادلاشية و اخلنازير و األمساؾ و العبيد‪ ،‬كما‬
‫يبْب أعلية التجارة من حيث الفئات‬
‫شاع بيع و شراء اخليوؿ و اجلماؿ الحقاً منذ األلف الثاين ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬شلّا ّ‬
‫‪3‬‬
‫االجتماعية الٍب اهنمكت فيها صناعةً و ربضّباً أو نقالً و بيعاً و تصريفاً‪.‬‬

‫و باالنتقاؿ اىل التجارة اخلارجية (أنظر الشكل ‪)09‬جلأت الدولة إليها الفتقادىا للمواد اخلاـ األساسية ‪ ،‬فكاف‬
‫عليها أف تستورد ادلعادف و بشكل خاص التوتياء و األخشاب ادلتينة و األحجار و الزيوت النباتية و النبيذ و‬
‫العاج‪ ،‬و تص ّدر بادلقابل منتوجاهتا الزراعية الفائضة كاحلبوب بأنواعها و زيت السمسم و التمور و الصوؼ ػ‬
‫يصدر الصوؼ على شكل أثواب و مناديل ػ ‪.‬و استوردوا من اخلليج العريب أو عرب مراكزه التجارية مواد أساسية‬
‫كالنحاس و األخشاب باإلضافة اىل مواد كمالية كالعاج و الذىب و الالزورد و األحجار الكرؽلة و بعض أنواع‬
‫احليوانات و الطيور و عيوف السمك( اللؤلؤ)‪ ،‬و بعض ادلواد ادلصنعة كاألمشاط العاجية‪ ،‬على اعتبار اخلليج العريب‬
‫‪4‬‬
‫و مركزه معربا لتجارة اذلند و مناطق جنوب غرب آسيا يف طريقها اىل بالد الرافدين و سوريا و البحر ادلتوسط‪.‬‬

‫‪ ‬ـ ـ شٌبان ثابت مصطفى الراوي ‪ " ،‬التجارة عبر الفرات فً بالد الرافدٌن" ‪ ،‬مجلة ‪ ،‬جامعة األنبار للعلوم اإلنسانٌة ‪ ،‬العدد ‪، 1 ، 1‬‬
‫ص‪ 1‬‬
‫‪ ‬ـ رضا جواد الهاشمً ‪ ،‬التجارة ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص ‪ .1-‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ هٌفً سعٌد عٌسى ‪" ،‬األسواق فً العراق القدٌم (‪ 11‬ـ ‪ ‬ق‪.‬م)" ‪ ،‬مجلة التربٌة و العلم ‪ ،‬مج‪ ، ‬العدد ‪ ، 1 ، 1‬ص‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ ل‪.‬دٌالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ‬‬

‫‪15‬‬
‫مطبوعة بيداغوجية حول مقياس‪ :‬تاريخ الحضارات القديمة‬ ‫د ‪ /‬سمير العيداني‬

‫و ؽلكن أف نصف حجم التجارة الٍب بلغتها بالد الرافدين على العهد البابلي ادلتأخرػ كمثاؿ ػ من خالؿ ما‬
‫أورده ادلؤلف "ويل ديورانت "إذ يقوؿ ‪ "" :‬كانت القوافل التجارية الكثيرة تحمل الى أسواق "بابل" و حوانيتها‬
‫غالت نصف العالم القديم ‪ ،‬فتأتيها السلع من الهند مارة بـ"بابل" و "ىيرات" و من مصر مارة بفلسطين ‪،‬‬
‫و من آسيا الصغرى عبر "صور" و"صيدا" و "سرديس" الى "قرقميش" ‪ ،‬ثم تنحدر جنوبا مع نهر الفرات ‪،‬‬
‫وكان لهذه التجارة كلّها أثر عظيم في عظمة مدينة "بابل "و أضحت في أيام "نبوخذ نصر" سوقا عظيمة‬
‫‪1‬‬
‫تعج بالبضائع و التجار""‪.‬‬

‫الشكل ‪ : 09 :‬طرؽ التجارة اخلارجية يف بالد ما بْب النهرين ػ ادلؤلف بتصرؼ ػ‬

‫‪ ‬ـ وٌل واٌرل دٌورانت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .‬‬

‫‪16‬‬

You might also like