Professional Documents
Culture Documents
Quran 07
Quran 07
األستاذ املساعد بقسم القرآن الكرمي وعلومه ووكيل عمادة الشؤون الطالبية
ب
APPROVAL PAGE : صفحة اإلقرار
إقرار
ج
أقررُت بأّن هذا البحث من عملي اخلاص ،قمُت جبمعه ودراسته ،والنقل واالقتباس من املصادر
واملراجع املتعلقة مبوضوع البحث.
د
DECLARATION
I herby declare that this dissertation is result of my own investigation, except where otherwise
stated.
Name of student: ------------------------------.
Signature: ------------------------
Date: ------------------------
ه
جامعة المدينة العالمية
ميكن االقتباس من هذا البحث والغزو منه بشرط إشارة إليه. -1
حيق جلامعmة املدينmة العامليmة ماليزيmا االسmتفادة من هmذا البحث مبختلmف الطmرق وذلmك -2
ألغراض تعليمية ،وليس ألغراض جتارية أو تسوقية.
حيق ملكتبة اجلامعmة العامليmmة مباليزيmا اسmتخراج النسmخ من هmذا البحث غmري املنشmور إذا -3
طلبتها مكتبات اجلامعات ،ومراكز البحوث األخرى.
و
ملخص البحث
أمحد اهلل تعاىل ،وأشكره ،وأصلي وأسلم على رسوله اهلادي البشري ،والسراج املنري وبعد:
فلقد أنعم اهلل تعاىل مبنه ،وكرمه ،ولطفه ،وإحسانه ،وعونه على الباحث بإعداد دراسة
بعنوان ( التفاوض في القرآن الكريم ) وكان موضوعها التعرف على التفاوض يف القرآن الكرمي
من خالل اآليات الكرمية اليت ذكرت جمريات أحداث ومواقف حصلت مع األنبياء عليهم السالم
ويستفاد منها أهنا جتري جمرى التفاوض ،وتضمن البحث بيان مفهوم التفاوض وأسسه ،ومنها
األساس العلمي ،والعاطفي ،واألساس األخالقي ،واملهاري ،وجماالته ،ومنها اجملال الرتبوي،
واالجتماعي ،والدعوي ،واجملال النفسي ،وتوضيح أنواعه ،وأساليبه ،وكيفية استخدامها ،فيما
يتجلى من حديث القران الكرمي عنه ،والتعرف على مراحل التفاوض ،مؤّم ًال أن أتوصَل إىل إبراز
موضوع البحث ،وليعلم الناس بشمول العلوم اليت حواها الكتاب املبني ،كما مت ذكر مناذج من
ثنايا القرآن الكرمي تعد من قبيل التفاوض ،جرت بني األنبياء عليهم السالم ،وأقوامهم ،ومت
إيضاح النتائج اآلنية للتفاوض وهي اليت تكون خالل التفاوض أو عند االتفاق ،وكذلك بيان
النتائج البعدية ،على اختالف املدة الزمنية وكان بيان ذلك لعدد من املواقف املذكورة يف القرآن
الكرمي ،مث توضيح اآلثار املرتتبة على تطبيق التفاوض على الفرد ،واآلثار املرتتبة من تطبيقه على
اجملتمع ،وتعرض البحث الستخراج ما يتصل مبوضوع البحث من كتاب اهلل تعاىل مما حيتاج إليه
الناس يف فكرهم وسلوكهم ويف حياهتم املعاصرة ،وقد تضمن البحث جمموعة من القضايا واملفاهيم
واآلداب املتعلقة بالتفاوض واليت حتتاجها األمة وتسمو هبا يف حياهتا وأصبحت ضرورة ماسة
ألفراد اجملتمع ،سائًال اهلل تعاىل أن جيعل البحث خدمة لكتابه الكرمي وأن مين علينا باإلخالص
والسداد وبالعلم النافع والعمل الصاحل إنه كرمي جميب.
ز
The Abstract
I give praise and thanks to Allah the most High. I invoke the blessings and peace of Allah
upon His Apostle, the guide and warner and the illuminating lamp.
Allah the most High has indeed showered his favors, magnanimity, kindness, generosity
and aid upon the researcher to prepare this study entitled "Negotiation in the Noble Qur'an".
Its theme came to explore act of negotiation in the Noble Qur'an through its noble verses that
stated the course of events and attitudes that occurred to the prophets, blessings and peace be
on them and those events that can be understood to have taken the course of negotiation.
The research embodied an illustration of the concept and fundamentals of negotiation
including the scientific, emotional, ethical and technical rudiments. It also involved its aspects
including the educational, social, preaching and psychological fields, explaining its kinds and
methods and how they have been used according to what the Holy Qur'an has unveiled of
them in its discussion. The research further aimed to explore the stages of negotiation hoping
to portray its theme and for people to realize the comprehensiveness of the sciences embodied
by the Holy Book of Allah. Samples of negotiation that occurred between the prophets, peace
and blessings be on them, and their folks have been cited from the Holy Qur'an. Immediate
results of negotiation, which normally accrue from the act of negotiation or at a point of
agreement, were also outlined. Moreover, the posteriori results that vary according to the
length of time have also been stated, explaining a number of attitudes mentioned in the Noble
Qur'an. Subsequently, the resultant effects of applying negotiation to the individual and the
society were outlined.
The study has made attempt to derive all that which has to do with the research theme,
which people require from the Noble Qur'an with respect to thought and conduct in their
contemporary life. It finally embodied a set of issues, concepts and etiquettes relating to
negotiation and which the Islamic Ummah needs to uplift its life and which have become a
dire necessity for its members. I implore Allah, the most High, to render this research a means
of serving His Noble Book and to grant us sincerity, devotion, guidance, advantageous
knowledge and righteous deeds; for He is most Benevolent Ever-Responsive.
ح
إهداء
ط
شكر وتقدير
احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات ،محدا يليق جبالله وعظيم سلطانه ،والصالة والسالم
على اهلادي البشري عدد ماذكر الذاكرون وعدد ما غفل الغافلون ،وهلل الشكر واملّنة أوال وآخرا ،
على فضله ،وكرمي عونه ،فهو سبحانه املنعم ،علي بالتيسري إلجناز هذه األطروحة ،فتيّس ر العسري،
وتسهل الصعب ،وتفَّر ج اهلم ،فله سبحانه احلمد ،كما أشكر والدي الكرميني على فضلهما
ودعائهما وكرمي لطفهما ،أسأل اهلل أن يرفعهما يف عليني ،ويعينين على برمها ،وشكري إىل
زوجيت الغالية وبنايت وأبنائي ،عسى اهلل أن حيفظهم ويوفقهم ،ويسرين أن أخص بالشكر،
والعرفان باجلميل ،جامعة املدينة العاملية ،على إتاحة فرصة مواصلة دراسيت يف صرحها التعليمي
الزاهر ،متمثلة يف معايل مدير اجلامعة ،األستاذ الدكتور /حممد التميمي ،وكافة القائمني على هذه
اجلامعة املباركة سائًال املوىل أن جيمع هلم احلسنيني ،وكذلك أتقدم واخص بالشكر والتقدير
سعادة عميد الدراسات العليا،كما أتقدم بشكري لفضيلة شيخي الكرمي ،سعادة األستاذ الدكتور/
أمحد نبيه ،على تفضله باإلشراف على هذه الرسالة،يف الفرتة األوىل ودعمه العلمي ،واملعنوي ،
فقد منحين الكثري من وقته ،وجهده ،وتوجيهاته ،وإرشاداته ،القيمة ،للسري بالدراسة حنو األفضل
سائًال املوىل العلي القدير أن جيزيه عين خري اجلزاء ،كما يسرين ويشرفين أن اسطر الشكر والعرفان
باجلميل،لفضيلة الدكتور /خالد حجاج -حفظه اهلل -على إشرافه على الرسالة وتوجيهاته
ودعمه العلمي واملعنوي ،الذي كان له الدور البارز يف إجناز هذا البحث وإخراجه بالصورة
املرجوة فجزاه اهلل كل خري ،وال يفوتين أن أتقدم بالشكر إىل كل من تفضل مبساعديت ،ومد يد
العون يل ،يف إكمال موضوع البحث حىت هنايته ،ممن مل تسعفين الذاكره بذكرهم ،فجزاهم اهلل
عين خري اجلزاء ،وختامًا أسال اهلل العلي القدير أن يكون هذا العمل خالصًا لوجه ،وأن جيعله
علمًا نافعًا ،ويسّه ل يل به طريقًا إىل اجلنة ،وشكرًا هلل أوًال وآخرًا .
ي
فه ــرس المـوض ــوعات
ك
الصفحة المـوض ــوع
5 خطة البحث
7 الباب األول :مفهوم التفاوض وأسسه ومجاالته
8 الفصل األول :مفهوم التفاوض
10 املبحث األول :تعريف التفاوض لغة واصطالحًا
12 املبحث الثاين :ألفاظ هلا صلة بالتفاوض
18 املبحث الثالث :اآليات اليت ورد فيها ذكر التفاوض باللفظ أو باملعىن
25 املبحث الرابع :أقوال املفسرين يف معىن التفاوض
33 الفصل الثاني :أسس التفاوض
34 املبحث األول :األساس العلمي
35 املطلب األول :موضوع التفاوض
40 املطلب الثاين :صفات من يقوم بالتفاوض
38 املطلب الثالث :االستدالل بالدليل واحلجة والربهان
42 املبحث الثاين :األساس العاطفي
43 املطلب األول :احلاجات العاطفية يف التفاوض
47 املطلب الثاين :األساليب العاطفية
50 املطلب الثالث :واجبات املفاوضني
52 املبحث الثالث :األساس املهاري
53 املطلب األول :تعريف املهارة
53 املطلب الثاين :مراحل التفاوض
57 املطلب الثالث :مهارات قبل التفاوض
ل
الصفحة المـوض ــوع
70 املبحث الرابع :األساس األخالقي
73 الفصل الثالث :مجاالت التفاوض
74 املبحث األول :اجملال الرتبوي
75 املطلب األول :تعريف الرتبية
76 املطلب الثاين :أمهية الرتبية
82 املبحث الثاين :اجملال االجتماعي
83 املطلب األول :تعريف اجملال االجتماعي
85 املطلب الثاين :أمهية اجملال االجتماعي
90 املطلب الثالث :دور التفاوض يف الصلح بني الناس
95 املبحث الثالث :اجملال الدعوي
96 املطلب األول :تعريف الدعوة وأمهيتها
97 املطلب الثاين :دور التفاوض يف اجملال الدعوي
102 املطلب الثالث :مناذج دعوية تتعلق بالتفاوض
105 املبحث الرابع :اجملال النفسي
106 املطلب األول :تعريف اجملال النفسي
109 املطلب الثاين :أمهية اجملال النفسي
112 املطلب الثالث :دور املفاوض يف اجملال النفسي
115 الباب الثاني
116 الفصل األول :التفاوض في حياة األنبياء عليهم السالم
117 املبحث األول :عناية األنبياء عليهم السالم بالتفاوض
م
الصفحة المـوض ــوع
118 املطلب األول :تعريف النيب
119 املطلب الثاين :ما يسبق التفاوض
128 املبحث الثاين :تطبيقات التفاوض عند األنبياء عليهم السالم
129 أوًال :ما حدث من مواقف مع نيب اهلل آدم عليه السالم
131 ثانيًا :مع نيب اهلل نوح عليه السالم
136 ثالثا :مع نيب اهلل هود عليه السالم
142 رابعا :ما حصل من تفاوض مع نيب اهلل صاحل عليه السالم وأرسل إىل مثود
144 خامسا :ما حصل من تفاوض مع نيب اهلل لوط عليه السالم
145 سادسا :ما حدث من مواقف مع نيب اهلل ورسوله إبراهيم اخلليل عليه السالم
150 سابعا :ما حدث من مواقف نيب اهلل إمساعيل عليه السالم
151 ثامنًا :ما حدث من مواقف مع نيب اهلل يعقوب عليه السالم
155 تاسعًا :ما حدث من مواقف مع نيب اهلل يوسف عليه السالم
155 عاشرًا :ما حدث من مواقف مع نيب اهلل شعيب عليه السالم
157 حادي عشر :تفاوض نيب اهلل موسى مع شعيب عليهما السالم
163 ثاين عشر :ما حدث مع نيب اهلل ورسوله عيسى عليه السالم
164 ثالث عشر :ما حدث من مواقف مع رسول اهلل نبينا حممد
208 الفصل الثاني :نتائج التفاوض في حياة األنبياء عليهم السالم
209 املبحث األول :النتائج اآلنية
220 املبحث الثاين :النتائج البعدية
238 الفصل الثالث :آثار التفاوض على الفرد والمجتمع
ن
الصفحة المـوض ــوع
239 املبحث األول :أثر التفاوض على الفرد
240 املطلب األول :األثر املعريف على الفرد
248 املطلب الثاين :األثر السلوكي على الفرد
256 املبحث الثاين :أثر التفاوض على اجملتمع
257 املطلب األول :أثر التفاوض على الدولة
265 املطلب الثاين :أثر التفاوض االجتماعي
283 الخاتمة
292 فهرس اآليات
308 فهرس األحاديث
311 فهرس األعالم
313 قائمة المراجع
س
مقدمة :
احلمد هلل رب العاملني محدًا كثريا طيبا مباركا فيه كما ينبغي جلالل وجهه وعظيم سلطانه ,
والصالة والسالم على رسوله حممد وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلم .
أما بعد :
يقول اهلل عز وجل :ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ (. )1
ولقد نزل هذا القرآن الكرمي ليكون منهاج حياة وواقع سلوك وحقيقة تظهر على اجلوارح
والنفوس يف حياة اجملتمعات كافة .
وقد مشل الكتاب العزيز مجيع جوانب احلياة املختلفة يف كل زمان ومكان وكان لإلنسان
احلظ الوافر من االهتمام مبا يصلح حياته األوىل واآلخرة ،وحني يستعرض اإلنسان التوجيهات
جيدها تسمو به إذا التزم هبا عمليًا يف واقع حياته.
وألمهية الدراسات القرآنية املوضوعية باإلسهام يف معاجلة قضايا املسلمني ومنها (التفاوض يف
القرآن الكرمي) ومن مظاهر أمهيته عناية القرآن الكرمي به ،وقد اهتم علماء املسلمني قدميًا وحديثًا
بالتفاوض اهتمامًا بالغًا.
وجيدر بالعقالء يف اجملتمعات االهتمام بالتفاوض والعناية به تعلمًا وتعليمًا وتطبيقًا فريىب الناس
عليه وذلك ألنه من سبل الرقي ال سيما إذا مت بضوابطه وأساليبه الصحيحة وهو دأب أهل
الفالح منذ القدم ،ويتم تطبيقه وفق أسس ليثمر مثارًا يانعًة ؛كونه من أساسيات احلياة
االجتماعية ،ويعمل على احلفاظ عليها وتنميتها واحلاجة له باتت ماسة لكافة فئات اجملتمع .
وحينما نستعرض القرآن الكرمي جند كثرة اآليات اليت تتحدث عن موضوع التفاوض
ونتائجه ،كما أن العمل به يدعو الناس إىل ما يقرب بني نفوسهم ويؤلف بني قلوهبم وال خيفى
كثرة االحتياج له يف كل زمان ال سيما يف عصرنا هذا وما يكتنفه من متغريات.
ويف الكتاب الكرمي ،جند هدي األنبياء عليهم السالم ،يف حسن التفاوض جبوانبه املختلفة ،
فنقتدي هبم ،فهم القدوة اليت أمرنا بالتأسي هبا ،واالهتداء هبديهم ،فالقرآن الكرمي حفل بذكر
مواقف لألنبياء مت التفاوض فيها وقد تنوعت ،ومن املعلوم أن عدم العلم بالتفاوض وأنواعه ،
1
وجماالته ،وأساليبه ،وكيفية استخدامها وتطبيقها بالوجه الصحيح يكون سببًا يف الوقوع يف
املشكالت بني الناس.
ومظاهر التفاوض متعددة ،فهي تكون مع اإلنسان يف بيته ومع جريانه ومع أصدقائه ،ومع
رؤسائه ،ومع اجملتمع كله ،وتكون على املستوى الفردي واجلماعي والدويل.
واخلالف يف حياة البشر أمر حتمي ،قال تعاىل :ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﮊ (.)1
وواقع يعيشه البشر ،ويكاد ال خيلو منه جمتمع يف كل زمان ومكان ،وحيدث بني األفراد ،
واجلماعات ،والدول ،والشعوب وأسباب اخلالف ال حتصى ،ورمبا كانت أسباهبا األولية صغائر
أمور ،وذلك منذ القدم وقد سطر التاريخ حرب البسوس( )2واليت استمرت أربعني سنة ذهب
ضحيتها الكثري من األنفس وكانت بسبب ناقة ،ومعظم النار من مستصغر الشرر ،ويف احلديث ،
قال " : إن الشيطان قد يس أن يعبده املصلون يف جزيرة العرب ولكن يف التحريش بينهم"(.)3
ولو انربى للخالفات من جييد وحيسن التفاوض من مجيع األطراف لتم تدارك األمور يف مهدها
وقبل تفاقمها واستفحاهلا ،فيتحول احلال ؛ فبعد العداوة ،والبغضاء ،حتل احملبة ،والصفاء ،
ويصلح ذات بينهم ،وهذا من مقاصد الشريعة ،اليت أتى هبا رسول اهلل .
وأسأل اهلل العلي القدير ،اإلعانة ،والتيسري ،والتوفيق ،والتسديد ،على مجع ودراسة
جوانب املوضوع املختلفة يف القرآن الكرمي.
مشكلة البحث:
وتتمثل يف األسئلة التالية :
-1ما هو مفهوم التفاوض ؟ وما هي أسسه ؟
-2ما هي جماالت التفاوض؟
)(3سنن الرتمذي ،حممد بن عيسى الرتمذي ،كتاب الرب والصلة ،باب التباغض ،ح ،1937وصححه األلباين ج 4ص
.330
2
ما هو التفاوض يف القرآن الكرمي؟ -3
ما هي النتائج واآلثار املرتتبة على تطبيق التفاوض؟ -4
أهمية الموضوع :
تكمن أهمية الموضوع القرآني في أمور عدة منها ما يلي:
كثرة اآليات اليت تتحدث عن موضوع التفاوض األمر الذي يؤكد أمهية دراسة املوضوع دراسة -1
قرآنية متكاملة.
حاجة الناس املاسة إىل ما يقرب بني نفوسهم ويؤلف بينهم ويرعى وحيافظ على مصاحلهم. -2
الفائدة الكبرية من التعمق يف هدي األنبياء يف جوانبه املختلفة كيف ال وهم القدوة الذي -3
أمرنا بالتأسي هبم واالهتداء هبديهم والقرآن الكرمي جلى من صفاهتم وأحواهلم ما جيدر
بالعناية به يف ميدان الدراسات القرآنية خصوصا.
كثرة استخدام املعاصرين هلذا املصطلح مع ضعف التأصيل الشرعي . -4
يظهر أمهية الدراسة القرآنية املوضوعية اليت تسهم يف معاجلة قضايا املسلمني املعاصرة -5
واملنضبطة باملعايري العلمية اليت حتافظ على جدية الدراسة وأمهيتها.
أسباب اختيار الموضوع :
وجدت الفرصة مناسبة حني أكرمين اهلل تعاىل مبنه وفضله فالتحقت جبامعة املدينة العاملية يف
مرحلة الدكتوراه ،قسم التفسري ،فرجوت وأحببت أن يكون يل نصيب ،وإن كنت ال أرى
نفسي،من فرسان تلك املسالك ،ولكن من اهلل استمد العون واستلهم الصواب والتوفيق،
وهوحسيب ونعم الوكيل.
ولقد مت النظر يف جوانب مواضيع القرآن الكرمي بغية اختيار موضوع ،فوجدت أن موضوع
التفاوض يف القرآن من املواضيع اهلامة ،وتكمن أمهيته البحثية يف أنه يعاجل قضايا هامة يف حياة
الناس قدميا وحديثا .
مث إن الدافع الرئيس للبحث يف هذا املوضوع هو الرغبة يف نيل شرف خدمة كتاب اهلل تعاىل
وبركة التعمق مع آياته الكرمية ورجاء الثمار اليانعة اليت سوف جينيها كل من يعيش مع دالالته
وهداياته
وقد دفع الباحث إىل اختيار املوضوع – باإلضافة إىل أمهيته ما يلي :
3
عدم تناول هذا املوضوع القرآين من قبل يف دراسة علمية – حبسب ما بذل الباحث من -1
جهد يف البحث والسؤال ،على أمهية املوضوع العلمية .
كثرة اآليات اليت تناولت موضوع البحث وحسن إتقانه حىت مع املخالفني واألعداء. -2
أمهيته العملية يف حياة البشر السيما يف عصر كثرت فيه اخلالفات. -3
نجد أن عدم العلم بهذا الموضوع وتطبيقه بالوجه الصحيح يكون سببًا في الوقوع في المشكالت بين -4
الناس .
خطورة إمهال هذا املوضوع على الفرد واجملتمع. -5
دخول موضوع البحث يف كثري من جوانب حياة الناس وحاجتهم املاسة إىل إتقانه. -6
وجود كثري من الكتب الغربية اليت تناولت موضوع البحث وندرة الكتب اإلسالمية -7
حوله ،مع أن املوضوع أشبع يف كتاب ربنا الكرمي .
راجيًا اهلل أن تكون الفائدة من البحث قيمة وينتفع هبا.
الدراسات السابقة:
من خالل البحث ،والسؤال ،واالستفسار من ،الجامعة اإلسالمية ،بالمدينة المنورة ،وجامعة
طيبة،ومعهد الملك فيصل للبحوث ،ومعهد اإلمام الشاطبي للبحوث والدراسات القرآنية ،وموقع
الفهرس العربي للبحوث ،وبعد السؤال ألهل العلم ،لم أجد بحثًا قدم بدراستة بشكل مستقل
بموضوع (التفاوض في القرآن الكريم) ولم أجد بحثًا قريبًا من ذلك ،سوى ما كتب حول الحوار في
القرآن ،والجدل في القرآن.
أهداف البحث:
التعرف على ماهية التفاوض يف القرآن الكرمي. -1
إبراز أمهيته العملية يف حياة البشر السيما يف عصر كثرت فيه اخلالفات. -2
الكشف عن طرق وأساليب التفاوض الصحيحة. -3
التعرف على التفاوض يف سري األنبياء عليهم السالم. -4
اإلسهام يف إثراء املكتبة اإلسالمية يف جانب التفسري املوضوعي. -5
منهج البحث :
أقوم جبمع اآليات اليت تتحدث عن املوضوع مث تصنيفها حبسب ما تطرقت إليه الدراسة -1
4
يف أبواب وفصول ومباحث .
االعتماد يف تفسري اآليات على األئمة األعالم مع احلرص على انتقاء العبارة . -2
استنباط ما يف اآليات من الدالالت املوضوعية واهلدايات ملوضوع البحث وما ورد يف -3
قصص األنبياء عليهم السالم ،مراعيًا يف ترتيبهم التسلسل التارخيي.
أتبع اآليات ما حيتاج إىل تفسري ،وما تظهر احلاجة إىل بيانه . -4
االعتناء جبمع ما يتعلق يف املوضوع من النصوص الشرعية واآلثار الواردة ،وما سطره -5
خنبة من العلماء من فوائد ختدم البحث .
الرجوع لكتب اللغة وكتب األشباه والنظائر لبيان املعاين . -6
عزو اآليات الكرمية بذكر اسم السورة ورقم اآلية . -7
االستشهاد مبا يعضد املسألة من احلديث النبوي الشريف وختريج األحاديث الواردة من -8
املصادر األصلية من كتب السنة .
ترمجة األعالم غري املشهورين. -9
صعوبات البحث
من الصعوبات اليت واجهت الباحث ما يلي:
-1بعد اجلهد بالبحث مل أتوصل إىل مراجع متخصصة حول املوضوع.
-2عدم استخدام مصطلح التفاوض عند املتقدمني ،وإن وجد فنادر جدًا.
5
املبحث الثاين :ألفاظ هلا صلة بالتفاوض.
املبحث الثالث :اآليات اليت ورد فيها ذكر التفاوض باللفظ أو باملعىن.
املبحث الرابع :األحاديث اليت ورد فيها ذكر التفاوض باللفظ أو باملعىن.
املبحث اخلامس :أقوال املفسرين يف معىن التفاوض .
الفصل الثاني :أسس التفاوض وفيه أربعة مباحث :
املبحث األول :األساس العلمي.
املبحث الثاين :األساس العاطفي .
املبحث الثالث :األساس املهاري .
املبحث الرابع :األساس األخالقي .
الفصل الثالث :مجاالت التفاوض :وفيه أربعة مباحث
املبحث األول :اجملال الرتبوي.
املبحث الثاين :اجملال االجتماعي .
املبحث الثالث :اجملال الدعوي .
املبحث الرابع :اجملال النفسي .
الباب الثاني :معالم التفاوض في حياة األنبياء عليهم السالم كما يجليها القرآن الكريم
ويتضمن ثالثة فصول:
الفصل األول :التفاوض في حياة األنبياء عليهم السالم ،وفيه مبحثان:
املبحث األول :عناية األنبياء عليهم السالم بالتفاوض.
املبحث الثاين :تطبيقات التفاوض عند األنبياء عليهم السالم .
الفصل الثاني :نتائج التفاوض في حياة األنبياء عليهم السالم ،وفيه مبحثان :
املبحث األول :النتائج اآلنية .
املبحث الثاين :النتائج البعدية .
الفصل الثالث :آثار التفاوض على الفرد والمجتمع ،وفيه مبحثان :
املبحث األول :أثر التفاوض على الفرد.
املبحث الثاين :أثر التفاوض على اجملتمع.
6
الخاتمة :
حيث يسوق فيها الباحث خالصة البحث وأبرز نتائجه الكلية ،وإضافة التوصيات اليت
يراها الباحث أهنا جديرة باالهتمام ،واملقرتحات اليت يرى الباحث نفعها .
7
الباب األول :
مفهوم التفاوض ومجاالته في القرآن الكريم
8
الفصل األول :
مفهوم التفاوض.
9
المبحث األول :
تعريف التفاوض لغة واصطالحًا.
التفاوض في اللغة :ورد يف األصل اللغوي للكلمة عدة معان منها" فاض املاء إذا سال
منصّبًا ..وأفاض إناءه إذا مأله حىت أساله ..ومنه :فاض صدره بالسر أي سال ،ورجل فياض أي
سخّي ،ومنه استعري :أفاضوا يف احلديث إذا خاضوا فيه"(.)1
"وفاوضه يف أمره :جاراه ،وتفاوضوا احلديث :أخذوا فيه ،وتفاوض القوم يف األمر أي
فاوض فيه بعضهم بعضًا"(.)2
"فاوضه يف األمر مفاوضة بادله الرأي فيه بغية الوصول إىل تسوية واتفاق ،أما كلمة
فوض ،فهي مبعىن فوض األمر إليه جعل له التصرف فيه ،ويف املال مشاركه ومنها شركة
املفاوضة"(.)3
التفاوض في االصطالح :
انتشر مصطلح التفاوض وأصبح متداوًال يف كثري من اجملاالت علمًا أنه يكثر استخدامه يف
جماالت ويقل يف أخرى فـ "مصطلح التفاوض يف العصر احلديث أكثر قربًا من جماالت السياسة
والتجارة"( )4فهو علم "هندف من خالله إىل التعرف على أفضل وسائل تكوين األرضيات املشرتكة
والتفاهم الفعال بني بين البشر رغم اختالفاهتم وثقافاهتم وعقائدهم ،إنه العلم الذي حناول من
خالله جتنب تفجري الصراعات واجلدل العقيم "(.)5
ويقرب مصطلح التفاوض يف بعض صوره من مصطلح احلوار مع وجود بعض الفوارق
() مفردات ألفاظ القرآن ،احلسني بن حممد املعروف بالراغب األصفهاين أبو القاسم ،دار القلم ،دمشق ،ص.648 1
() لسmmان العmmرب ،حممmmد بن مكmmرم بن على ،أبmmو الفضmmل ،مجال الmmدين ابن منظmmور األنصmmاري ،دار صmmادر ،بmmريوت ،ط 2
() حس mmن حمم mmد وجي mmه :مقدم mmة يف علم التف mmاوض السياس mmي واالجتم mmاعي ،ع mmامل املعرف mmة الع mmدد 190 ،الك mmويت1415 ،هـ، 5
1994م ،ص.23
10
بينهما ،والتفاوض يف االصطالح املعاصر يعرف بأنه "موقف تعبريي حركي قائم بني طرفني أو
أكثر حول قضية من القضايا يتم من خالله عرض وجهات النظر وتبادهلا وتقريبها ومواءمتها
وتكييفها ،واستخدام كافة أساليب اإلقناع للحفاظ على املسائل القائمة أو للحصول على منفعة
جديدة "(.)1
وينبغي العناية به ،ألن االتفاقيات الناجتة عنه ،تكون ملزمة يف حالة التوصل إليها ،ولذا جند
العناية الدقيقة بكل خطوات عملية التفاوض ،وقد صار مقدمة أساسية لكل صور املعامالت يف
العصر احلاضر ،وصورته الفعلية تتمثل يف حدوثه بني " شخصني أو فريقني ،وحياول كل فريق
إقناع اآلخر بوجهة نظره ،وذلك من خالل تقدمي احلجج وعرض األفكار واآلراء ،والقدرة على
توالد األفكار والعرض واملناورة "(.)2
ومن خالل استعراض التعاريف املتقدمة واليت يظهر أن أقرهبا تعريف األستاذ ،حمسن
اخلضريي ،حيث اشتمل على أن التفاوض موقف تعبريي ،حركي ،حول قضية من القضايا ،
ويتم عرض وجهات النظر واستخدام كافة أساليب اإلقناع .
وقد استخلص الباحث تعريفًا للتفاوض حماوًال الدمج بني التعاريف السابقة وإضافة ما يرى
أن التعريفات مل تذكره ،حماوًال أن يكون التعريف جامعًا مانعًا .
التعريف في نظر الباحث :التفاوض هو علم يبحث فيه تبادل آراء ومقرتحات بني طرفني
أو أكثر ،عن مطلب أو جمموعة مطالب ،حول قضية ،أو موضوع معني ،وحمدد ،يتضمن أدلة
وبراهني هبدف التوصل إىل اتفاق يؤدى إىل حسم املوضوع أو القضية أو املشكلة عن طريق صلح
،أو معاهدة ،أو ميثاق ،أو حنوه ،بشرط أن يتم يف إطار تقدمي املصاحل.
() تنمية املهارات التفاوضية ،حمسن اخلضريي ،الدار املصرية اللبنانية ،القاهرة 1993م ،ص .5 1
() سيكولوجية التفاوض وإدارة األزمات ،فاروق السيد عثمان ، ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية 1998م ص.3-2 2
11
المبحث الثاني :
ألفاظ لها صلة بالتفاوض
)( 1مقاييس اللغة ،أيب احلسني أمحد بن فاِر س بن زَك ِر ّيا ،احتاد الكتاب العرب ط 1423 ،هـ 2002 -م ج 1ص .204
)(2سورة العنكبوت اآلية .46
)(3سورة األعراف اآلية .71
)(4سورة غافر اآلية .5
)( 5س mmنن أيب داود ،س mmليمان بن األش mmعث ،كت mmاب األدب ،ب mmاب يف حس mmن اخلل mmق ،ح ،4800ج 2ص،668ق mmال األلب mmاين
حسن.
)( 6مفmmردات ألفmmاظ القmmرآن ،أبmmو القاسmmم احلسmmني بن حممmmد بن املفضmmل املعmmروف بmmالراغب األصmmفهاىن ،دار القلم ،دمشmmق ص
. 189
12
إىل اجلدل .
ثانيًا :المناقشة
"نقش الشوكة ينقشها نقشًا وانتقشها :أخرجها من رجله ،وبه مُس ي املنقاش الذي ُينقش به،
وناقشه احلساب مناقشة ونقاشًا :استقصاه ،ويف احلديث ":من نوقش احلساَب ُعّذ ب"( )1أي من
اسُتقصي يف حماسبته وحوقق ...وأصل املناقشة من نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه"(.)2
المناقشة في االصطالح:
" موقف خمطط يشرتك فيه جمموعة من األفراد حتت إشراف قيادة معينة وتوجيهها لبحث
مشكلة أو موضوع حمدد بطريقة منظمة ،ويعرف كل فرد فيها دوره هبدف الوصول إىل حّل تلك
املشكلة"(.)3
واملناقشة يكثر استخدامها يف التعليم العام ،والدروس لدى العلماء ،والتدريب وظهر ما
يسمى ب ــ"حلق النقاش"وختتلف املناقشة عن التفاوض من حيث هدفها فتستخدم للتعليم وليس
بالضرورة أن تتم فيها مطالب،وتشبه االستفسار وهذه فوارق عن التفاوض الذي يتم حول أمر
معلوم.
13
وقال تعاىل :ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ (.)1
وقال تعاىل :ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ (.)2
وكما وردت األسئلة يف القرآن فكذلك وردت يف السنة فقد كان النيب يسأل أصحابه
ليعلمهم ،ومعلوم أن طريقة السؤال واجلواب عادًة ما تشد االنتباه ،وختتلف األسئلة واألجوبة عن
التفاوض أهنا تربز للتعلم والتعليم والسؤال عما خفي من معلومات وحنوه .
رابعًا :الشورى
الشورى واملشاورة والتشاور .
الشورى "أشار الرجل يشري إشارة إذا أومأ بيديه ..وأشرت إليه أي لّو حت إليه ..وأشار إليه
باليد :أومأ ،وأشار عليه بالرأي وأشار يشري إذا ما وّج ه الرأي "( )3وقيل ":الشني والواو والراء
أصالن مطردان ،األول منهما إبداء شيء وإظهاره وعرضه ،واآلخر أخذ شيء )4("..مث جعل
الشورى من هذا األصل الثاين فقال :قال بعض أهل اللغة ":من هذا الباب شاورت فالنًا يف أمري،
قال :وهو مشتق من َش ْو ر العسِل ،فكأن املستشري يأخذ الرأي من غريه"(. )5
وفي االصطالح:
" والتشاور واملشاورة واملشورة :استخراج الرأي مبراجعة البعض إىل البعض"(.)6
وفي القرآن الكريم ،يقول تبارك وتعالــى :ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﮊ (.)7
يستفاد من اآلية الكرمية ،أن إكرام املتبوعني بالعفو ،والصفح ،واالستغفار هلم وحنو ذلك،
مما يتقدم املشورة ،ويؤلف القلوب ،وذلك لكي يكون الرأي املقدم للمشورة نابع عن حب ،
ص.427
)(1سورة الصافات اآلية.27
)(2سورة الكهف اآلية.19
)( 3لسان العرب ،مرجع سابق ج 4ص.434
)( 4معجم مقاييس اللغة أبو احلسني أمحد بن فارس بن زكريا ،حتقيق عبد السالم هارون ،دار اجليل 1420 ،هـ -
1999م ،ج 3ص.542
)(5مقاييس اللغة ،املرجع السابق باب الشني والواو ،ج ، 3ص224
)( 6مفردات ألفاظ القرآن ،الراغب األصفهاين ،مرجع سابق ص .270
)( 7سورة آل عمران اآلية . 159
14
وحرص ،وقال تعاىل :ﮋ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ(.)1
والشورى عمل تفاوضي يبحث يف موضوع معني ،وأطراف الشورى مههم واحد ،خبالف
التفاوض ،قد يكون مع األعداء أو مع ممن يكون هناك اختالف معهم.
خامسًا :المعاهدة
املعاهدة ،وردت ذكر العهد واملعاهدة يف القرآن الكرمي ،ما يزيد على تسعني آية ومن ذلك
قوله تعاىل :ﮋ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ( )2والعهد من نتائج
التفاوض .
و"ال ُد :ال ِص َّيُة والَّتَقُّد إلى ال ِء في الشيِء وال ِث وال مي وقد عا َد ه والذي ْك لل الِة
ُي َتُب ُو َه َمْو ُق َي ُن ُم َمْر َعْه َو
من َعِه َد إليه :أْو صاُه والِح فاُظ وِرعايُة الُحْرَمِة واَألماُن والِّذ َّمُة "( )3والمعاهدة أو العهد يعتبر نتيجة
تفاوض مسبق.
سادسًا :الميثاق
و ث ق "وثقت به ثقًة ووثوقًا وبه ثقيت وهو ثقيت وهو ثقٌة من الثقات وأنا به واثق وهو
موثوق به ،وعقد وثيق وقد وثق وثاقًة وأوثقته ووّثقته ،وبيننا موثق وميثاق ،وواثقه :عاهده
وواثقين باهلل ليفعلن ،وتواثقوا على كذا ،واستوثقت منه :أخذت يف أمره بالوثيقة( )4وامليثاق يتم
بعد التفاوض.
قوله تعاىل :ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮊ (." )5
"فاالستثناء يف قوله :ﮋ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮊ .
ال يرجع إىل اجلملة األخرية اليت هي أقرب اجلمل املذكورة إليه ،أعين قوله تعاىل :ﮋ ﮘ ﮙ
15
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ " (. ) 1
"إذ ال جيوز اختاذ ويل وال نصري من الكفار ،ولو وصلوا إىل قوم بينكم وبينهم ميثاق ،وهذا
ال خالف فيه بل االستثناء راجع إىل اجلملتني األوليان ،أعين قوله تعاىل( :ﮓ ﮔ) ،أي :فخذوهم
باألسر ،واقتلوهم إال الذين يصلون إىل قوم بينكم وبينهم ميثاق ،فليس لكم أخذهم بأسر ،وال
قتلهم؛ ألن امليثاق الكائن ملن وصلوا إليهم مينع من أسرهم ،وقتلهم"(.)2
ويتم أخذ امليثاق مع املقابل ،كان طرفًا واحدًا ،أو جمموعة من األطراف ،بعد إهناء
املفواضات جبميع مراحلها مع توضيح بنودها كاملة
"ويستثين تعاىل حالة خاصة هلم وهي أهنم إذا طلبوا نصرة املؤمنني يف دينهم فإن على املؤمنني
أن ينصروهم وبشرط أن ال يكون الذي اعتدى عليهم وآذاهم فطلبوا النصرة ألجله أن ال يكون
بينه وبني املؤمنني معاهدة سلم وترك احلرب ففي هذه احلال على املؤمنني أن يوفوا بعهدهم وال
يغدروا فينصروا أولئك القاعدين عن اهلجرة هذا ما دل عليه قوله تعاىل ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ " (. ) 3
ودعوة األنبياء عليهم السالم قد يأيت فيها التفاوض والنصح واإلرشاد والسؤال واجلواب
واملعاهدة واملباهلة وامليثاق ...وحنوه وخيتلف امليثاق عن التفاوض بأنه يعتبر نتيجة تفاوض مسبق.
)( 1أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن ،حممد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين الشنقيطي ،دار الفكر
بريوت ط 1415 ،هـ 1995 -م ،ج 5ص .433
)(2أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن املرجع السابق ج 5ص .433
)( 3أيسر التفاسري لكالم العلي الكبري ،أبو بكر اجلزائري ،مكتبة العلوم واحلكم ،املدينة املنورة ،اململكة العربية السعودية ط
اخلامسة1424 ،هـ2003/م ،ج 2ص .334
16
المبحث الثالث
اآليات التي ورد فيها التفاوض باللفظ أو بالمعنى
لم يرد التفاوض في القرآن صراحة فيما توصلت إليه ،إمنا أتى الفعل – فوض – وهو من
التفويض فيما حكاه تبارك وتعاىل عن مؤمن آل فرعون ،من قوله تعاىل :ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ
ﮋ ﮊ ( .) 1 ﮊ
والفعل فوض هنا من تفويض األمر وإرجاعه.
وسيورد الباحث يف هذا املبحث عددًا من اآليات واليت يستفاد منها أن ماحصل فيها يعد
من قبيل التفاوض وسيتم التعليق على بعض اآليات(.)2
17
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ قال تعاىل :ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
() 1
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ .مناداة نوح عليه السالم البنه
وطلب منه الركوب يف السفينة يعد من قبيل الدعوة واملفاوضة معه حيث طلب منه ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮊ وبنّي له عاقبة اإلعراض ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ .
18
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ ( .)1أرسmل اهلل رسmوله الكmرمي موسmى عليmه السmالم إىل فرعmون وقومmه
لدعوهتم أوًال ،ويف اآليات املتقدمة يطلب موسى عليه السالم منهم أن يؤدوا إليه عبmmاد اهلل بنmmوا
إسرائيل ،وعدم االستكبار مث طلب منهم يف حالة عدم رغبتهم يف اإلميان ﮋ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﮊ
"أي فال تعرتضوا يل ودعوا األمر مساملة إىل أن يقضي الّله بيننا" ( )2وتعد هذه املطالب من قبيل
التفاوض مع فرعون وهي حماوالت قوبلت بالصد واإلعراض .
وقال تعاىل :ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ
ﭮ ﭯ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ ( .)3ويف اآليات
الكرمية السmmابقة يتmmبني تفmmاوض املأل من قmmوم فرعmmون مmmع فرعmmون إىل أن خلصmmوا إىل نتيجmmة إنظmmار
موسmmى وهmmارون عليهمmmا السmmالم ،وإرسmmال يف املدائن حاشmmرين لmmدعوة كmmل س ّmح ار عليم ملنازلmmة
موسى وهارون عليهما السالم ،وفيه لفتة أن أهل الباطل يعيشون لباطلهم يف نظام وختطيط.
تفاوض نبي اهلل موسى عليه السالم مع بني إسرائيل. -3
قال تعاىل :ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
() 4
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﮊ .
19
ﮊ. بينة وحجة ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ثالثًا :تفاوض نبي اهلل يعقوب عليه السالم وبنيه إخوة يوسف.
ﯪ ﯫ ﯬ قال تعاىل :ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﰁ ﰂ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﭨ ﭩ ﰃ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ ( .)1طلب إخوة يوسف من أبيهم يعقوب عليه
السmmالم بmmأن يرسmmل معهم أخيهم يوسmmف عليmmه السmmالم ،يعmmد من قبيmmل املفاوضmmة لعلمهم حبرص أبيهم
وخوفه عليه .
20
يقتلوه ،أو جيعلوه يف البئر ،إىل أن اتفقوا على وضعه يف البئر.
وورد لفظ التفاوض في السنة النبوية ولها معان ومن األحاديث التي ورد فيها ذكر التفاوض.
ومنها ما يلي:
-1قال عطاء حدثين أبو هريرة أنه مسع رسول اهلل يقول" :من فاوضه فإمنا يفاوض يد
الرمحن"(.)1
" -2من فاوض احلجر األسود فإمنا يفاوض يد الرمحن"(.)2
" -3وكل بالركن اليماىن سبعون ملكا فمن قال اللهم إىن أسألك العفو والعافية ىف الدنيا
واآلخرة ربنا آتنا ىف الدنيا حسنة وىف اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار ،قال :آمني ومن
فاوض الركن األسود فإمنا يفاوض يد الرمحن"(.)3
والتفاوض يف هذه األحاديث يعين "من احلكمة يف تقبيل احلجر األسود ما ذكر عن علي
رضي اهلل تعاىل عنه أن النيب أخرب أنه من أحجار اجلنة ،فإذا كان كذلك فالتقبيل ارتياح إىل اجلنة
وآثارها ومنها أن النيب أخرب أنه ميني اهلل يف األرض ،وقال رسول اهلل من فاوض احلجر األسود
فكأمنا يفاوض يد الرمحن وقال احملب الطربي واملعىن يف كونه ميني اهلل واهلل أعلم أن كل ملك إذا
قدم عليه قبلت ميينه وملا كان احلاج واملعتمر أول ما يقدمان يسن هلما تقبيله فنزل منزلة ميني امللك
ويده وهلل املثل األعلى ولذلك من صافحه كان له عند اهلل عهد كما أن امللك يعطي العهد
باملصافحة"(.)4
فكان استالم احلجر وتقبيله مبثابة اإلفضاء ،واهلل أعلم .
-4ما حصل يف املعاهدات واملواثيق
عقد رسول اهلل معاهدات ومواثيق ،ومعلوم أنه يسبقها تفاوض ،ومنها صلح احلديبية
والذي جرى فيه عدد من املفاوضات ومع شخصيات خمتلفة ،ويكاد ال يكون مثة صلح يعقد أو
)(1سنن ابن ماجه ،كتاب املناسك ،باب فضل الطواف ،ح ، 2957ج 2ص 985قال األلباين ضعيف.
)( 2ك mmنز العم mmال ،يف س mmنن األق mmوال واألفع mmال ،علي بن حس mmام ال mmدين املتقي اهلن mmدي ،اإلكم mmال من احلج mmر األس mmود ،ح
،34749ج 12ص ، 396الديلمي ،عن أيب هريرة.
)( 3كنز العمال ،يف سنن األقوال واألفعال ،علي بن حسام الدين املتقي اهلندي ،باب الركن اليماين ،ح ، 34753ج
12ص.397
)(4عمدة القاري شرح صحيح البخاري ،بدر الدين العيين احلنفي ،ج 14ص 470بتصرف يسري.
21
معاهدة تربم أو ميثاق يؤخذ إال ومير عرب مفاوضات يتم تداوهلا بني األطراف املعنية أو من ميثلها
وجند التفاوض يتجلى من خالل مراحل واضحة يف صلح احلديبية وما نتج عنها من معاهدة بني
الرسول وقريش وورد عن ذلك " :قال شعبة عن أيب إسحاق قال مسعت الرباء بن عازب
رضي اهلل عنهما قال :ملا صاحل رسول اهلل أهل احلديبية كتب علي بينهم كتابا فكتب حممد
رسول اهلل فقال املشركون ال تكتب حممد رسول اهلل لو كنت رسوال مل نقاتلك فقال لعلي "
احمه " .فقال علي ما أنا بالذي أحماه فمحاه رسول اهلل بيده وصاحلهم على أن يدخل هو
وأصحابه ثالثة أيام وال يدخلوها إال جبلبان السالح فسألوه ما جلبان السالح ؟ فقال القراب مبا
فيه"(.)1
)(1صحيح البخاري ،كتاب الصلح ،باب كيف يكتب هذا ما صاحل فالن ابن فالن ،ح ، 2551ج 2ص.959
22
المبحث الرابع
أقوال المفسرين في معنى التفاوض
من خالل االطالع على عدد من كتب التفسري املعتربة وجدت ندرة يف ذكر مصطلح
التفاوض ،وحسب ما توصلت إليه أن مصطلح التفاوض ،مل يكن مشهورًا ،أو مشاعًا ،وال
متداوًال يف الصدر األول ،وإمنا يذكر نتيجة التفاوض ،كامليثاق ،والصلح ،واملعاهدة ،واملباهلة
وحنوه ...وفيما يلي يتم إيراد ما وجد من ذكر التفاوض يف كتب التفسري صراحًة أو باملعىن .
قوله تعاىل :ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ(.)1 -1
اهلل س mmبحانه ،يعلم الس mmر وأخفى " فعقب ذل mmك باإلنك mmار على من ال يعلم ذل mmك والت mmوبيخ ل mmه
ﯟ ﯠ ﮊ وهmmو مmmا أخفتmmه والتقريmmع فقmmال :ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ أي الmmذي لmmه صmmفات الكمmmال ﮋ
ﮊ أي م ـ ـ ــا ف ـ ـ ــاوض في mm m m mه بعض mm m m mهم بعض mm m m mا ,ال خيفى علي mm m m mه ش mm m m mيء من mm m m mه ص mm m m mدورهم ﮋ ﯡ
ﮋ ﯢ ﯣ ﮊ أي الذي له اإلحاطة الكاملة ﮋ ﯤ ﯥ ﮊ"(. )2
ويدل هذا على أن التفاوض قديكون بmmالنجوى والتنmmاجي وغالبًmا مmmا يكmmون يف الباطmmل أو عmmدمي
اخلري كما قال تعاىل :ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ( )3ويتبني يف اآلية التالية الكرمية ويف سياق بديع
عن حال التفmاوض بالتنmاجي ،ضmد موسmى ،وهmارون ،عليهمmا السmالم ،كمmا يف قولmه تعmاىل :ﮋ ﯭ
() 4
. ﯪ ﯫ ﯬﮊ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯧ ﯨ ﯩ
كما يتبني من اآليات الكرمية ،تعاضد أهل الباطل ،وتفاوضهم فيما بينهم ،نصرًة يف الباطل ،
والظلم ،والعدوان .
قال تعالى :ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﮊ (.)5 -2
23
"وسبب نزول هذه اآلية أن رسول اهلل اشتاق هو وصحابته إىل البيت احلرام ،وأرادوا
أن يعتمروا ،فجاءوا يف ذي القعدة من السنة السادسة من اهلجرة ،وأرادوا أن يؤدوا العمرة ،فلما
ذهبوا وكانوا يف مكان امسه احلديبية ،ووقفت أمامهم قريش وقالت :ال ميكن أن يدخل حممٌد
وأصحابه مكة ،وقامت مفاوضات بني الطرفني ،ورضي رسول اهلل بعدها أن يرجع هذا العام
على أن يأيت يف العام القادم ،وخُت لى هلم مكة ثالثة أيام يف شهر ذي القعدة ،وكان الرسول قد
بشر أصحابه بأهنم سيدخلون املسجد احلرام حملقني ومقصرين ،وشاع ذلك اخلرب ،وفرح به
املسلمون وسعدوا ،مث فوجئوا بمفاوضات رسول اهلل ورجوعه على بعد حنو عشرين كيلو مرتًا من
مكة وحزن الصحابة .حىت عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه غضب وقال للنيب : ألست رسول
اهلل؟ ألست على احلق؟ فقال أبو بكر :الزم غرزك يا عمر إنه لرسول اهلل ،وبناًء على ذلك املنع
من دخول البيت احلرام للرسول وأصحابه رضوان اهلل عليهم "قامت مفاوضات بني الطرفني،
ورضي رسول اهلل بعدها أن يرجع هذا العام على أن يأيت يف العام القادم ،وخُت لى هلم مكة ثالثة أيام
يف شهر ذي القعدة"( .)1ويعترب صلح احلديبية من أقوى وأبرز مواضع التفاوض يف حياة املسلمني
حيث استمرت فيه املفاوضات وانتدبت قريش عدة شخصيات كان آخرهم الذي انتهت معه
()2
املفاوضات ممثلهم هو سهيل بن عمر
قال تعاىل :ﮋ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ -3
ﭷ ﭸ ﭹﮊ(.)3
وجند يف حال استئذان املنافقني من الرسول " من مراعاة جانبه وتعهده حبسن
المفاوضة ولطف املراجعة ما ال خيفي على أويل األلباب قال سفيان بن عيينة انظروا إىل هذا
اللطف بدأ بالعفو قبل ذكر املعفو"( ،)4ومل يسجل التاريخ لبشر مثل ما سجل للنيب ، من
احلرص على حسن املفاوضة ليس مع القريب فحسب بل حىت مع األعداء ،تفاوض تعلوه الرمحة
)(1تفسري الشعراوي ،خواطري حول القرآن الكرمي ،حممد متويل الشعراوي ،نشر أخبار اليوم1991 ،م ،ص .194
)( 2س mmهيل بن عم mmرو بن عب mmد مشس بن عب mmد ود بن نص mmر بن مال mmك بن حس mmل بن ع mmامر بنل mmؤي بن غ mmالب بن فه mmر القرش mmي
الع mmامري ،أس mmر ي mmوم ب mmدر ،وأس mmلم ي mmوم الفتح وك mmان خطيب ًmا مفوه ًmا ،أح mmد أش mmراف ق mmريش وعقالئهم وس mmاداهتم وك mmان من
اسmmباب ثبmmات قmmريش على اإلسmmالم حني تmmويف النmmيب وارتmmدت العmmرب،أسmmد الغابmmة ابن األثmmري ،دار الفكmmر بmmريوت -1409
، 1989ج 2ص.328
)(3سورة التوبة اآليات .43 ، 42
24
ويظهر فيه احلرص على احلق ،ورغبة يف اخلري للغري مهما كانوا ،إضافة إىل الوضوح والدقة يف
التفاوض.
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ -4قال تعاىل :ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ (.)1
"ومتت المفاوضة بني نوح عليه السالم وابنه حبثًا عن جناته وطلب الركوب معmmه واملؤمmmنني يف
السفينة والmذي واجهmه بmالرفض والعصmيان حيث"كmانت السmفينة جتري -واملشmهور أنmه عال شmوامخ
اجلب mmال مخس mmة عش mmر ذراع mmا أو أربعني ذراع mmا ولئن ص mmح ذل mmك فه mmذا اجلري mmان إمنا ه mmو قب mmل أن يتف mmاقم
اخلطب كما يدل عليmه قولmه تعmاىل ونmادى نmوح ابنmه فmإن ذلmك إمنا يتصmور قبmل أن تنقطmع العالقmة بني
السmm mفينة والmm mرب إذ حينئmm mذ ميكن جريmm mان مmm mا جmm mرى بني نmm mوح عليmm mه الصmm mالة والسmm mالم وبني ابنmm mه من
المفاوضة باالستدعاء إىل السmفينة واجلواب باالعتصmام باجلبmل "( )2ويسmتفاد من ثنايmا اآليmة الكرمية ،
أنه ينبغي استثمار الوقت املتاح والظروف ،ومن ذلmmك أن نوحmا عليmmه السmmالم ،ويف هmmذه اللحظmات
احلرجة ،طلب من ابنه الركوب معهم يف السفينة فقط ،لداللة أن الوعظ والتذكري ،قد سبق أجًال
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ طويًال لقومه ،واستخدم شىت أنواع األساليب ،قال تعاىل :ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯤ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
() 3
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﮊ .
يستفاد من اآليات الكرمية أن املفاوضات قد تكون يف السر وقد تكون يف العالنية ،وحتتاج
إىل صرب .
قال تعاىل :ﮋ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ -5
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﮊ (. ) 4
وقد يراد من التفاوض الشر وهذا ما يصدر للصد عن احلق ،واإلعراض عنه ،فهنا جيب
)( 4تفسري أيب السعود املسمى إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكرمي ،حممد بن حممد بن مصطفى العمادى احلنفى
أبو السعود ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت ،ج 4ص .69
)(1سورة هود اآليات .43 ، 42
)(2تفسري أيب السعود ،مرجع سابق ج 4ص .210
)(3سورة نوح اآليات .٩ - ٥
)(4سورة األنعام اآلية .68
25
ﯼ ﮊ احلذر كل احلذر من ذلك واالجتناب " ﮋ ﯷ ﯸ ﮊ أيها السامع ﮋ ﯹ ﯺ ﯻ
() 1
واخلوض يف اللغة عبارة عن المفاوضة على وجه اللغو والعبث"
ويرى الباحث أن اخلوض املنهي عنه يشمل االستهزاء ،والسخرية ،أو التكلم يف اآليات
باجلهل املركب وليس لديهم قبول للحق .
قال تعاىل :ﮋ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ -6
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﰀ ﰁ ﰂ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ (.)2
"وهذه المفاوضة مل تكن مع سارة فقط بل كانت مع إبراهيم أيضا "(. )3
ويف هذه اآليات الكرمية املتقدمة ما كان من قبيل التفاوض بني الرسل عليهم السالم وبني
املالئكة كما حصل بني اخلليل إبراهيم وزوجه سارة عليهم السالم وبني املالئكة حينما دخلوا عليه
وبشروه بغالم حليم.
قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ -7
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ ( . )4
والفتح املبني الذي مّن اهلل به على املؤمنني ما كان إال نتيجة املدرسة احملمدية يف التفاوض
وهو من أعظم املفاوضات اليت حصلت يف التاريخ "فلما أهنى رسول اهلل ما بينه وبني املشركني
يف المفاوضة على الرجوع والتحلل يف مكاهنم مث العودة بعمرة أخرى من عام قابل ،وعظم ذلك
وشق على أصحابه أهنم مل يدخلوا مكة ،ولكن املصطفى قد أعطى وعدًا حىت قال" :والذي
)( 1الكشف والبيان ،أبو إسحاق أمحد النيسابوري ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت ،لبنان 1422 -هـ 2002 -
م ،ط األوىل ،ج 3ص .289
)(2سورة هود آية .76 – 69
)(3روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين األلوسي أبو الفضل دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت 27ص .13
() سورة الفتح اآلية .3 – 1 4
26
نفسي بيده ال يسألونين خطة يعظمون فيها حرمات اهلل إال أعطيتهم إياها(.)2(")1
قال تعاىل :ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ -8
ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﮊ ( .) 3
وممن ذكر لفظ التفاوض يف تفسري هذه اآلية أبو حيان رمحه اهلل " ،ومسى تعاىل تلك
المفاوضة اليت جرت بني رؤساء الكفار وأتباعهم ختاصمًا "( )4ويبدوا للباحث أن ذلك ختاصم
وتنازع وليس تفاوض.
واألمور يف الشريعة اإلسالمية ،مبقاصدها َ " ،لوال و الِّر اِل ا ِلِم ني ،ال ساِء
َو ّن َو ُوُج ُد َج ُملْس
ا ْس ِلماِت ،يِف َم َّك َة َلَعَّذ َب اُهلل الُك َّفاَر َ ،و َلَس َّلَط َعَليِه م ا ْؤ ِمِنَني َيْق ُتُلوَنُه ْم ِح يَنما َجَعُلوا يف ُقُلوِهِبم
ُمل ُمل
ِمَح َّيَة اَجلاِهِليِة ِ ، -إذ أىب َمُمِّثُلُه ْم يف ُمَف اَو َض اِت الُّص ْلِح "ُس َهْيُل َبُن َعْم رو" َأْن َيْك ُتَب يِف َو ِثيَق ِة الُّص ْلِح
"ِبْس ِم اِهلل الَّرمْح ِن الَّر ِح يِم " َك ما َأىَب َأْن َيْك ُت فيها "َحُمَّمٌد َرُس وُل اِهلل" َ ،و ِح يَنما َأْخ َذ ْتُه الِعَّز ُة باِإلِمْث
ُم َب
َفَأَص ُّر وا َعَلى َم ْنِع الَّر ُس وِل َو ا ْس ِلِم َني ِم ْن ُدُخ وِل َم َّك َة يف َعاِم ِه ْم َذاَك َ .فَأْنَز َل اُهلل اُهلُد وِء والُّطَم أْنيَنَة
َلى وِلِه ،لى ا ْؤ ِم ن ُملَ ،د َأ ُفو َ ،قبُلوا ِبُش وِط الُّص ْلِح ،مَح ا ا ِم
َو ُه ُم ُهلل ْن ُر َو َع ُمل َني َفَه ْت ُن ُسُه ْم َو َع َرُس
َو َس اِوِس الَّش ْيَطاِن َ ،و ألَزَمُه ْم َك لمَة الَّتْق وى والَّتوحيِد "َال ِإلَه ِإَّال اُهلل" َو َك اُنوا ُه ْم َأْه َلها َ ،و َأَح َّق هِب ا
ِح ٍد ِم ِز ِف ِل ِمِن ٍء ِم ِل ِب ِم ِرْي ِه
ْن َغ ْم َ ،و َك اَن اُهلل َعا مًا ُك ِّل َش ي ْن َأْح َو ا اُملْؤ َني َو الَك ا ِر يَن َ ،و َجُيا ي ُك َّل َو ا َن
اَخلْلِق ِبَعَم ِلِه"(.)5
قال تعاىل :ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ -9
ﮊ ( .)6
يستفاد من اآلية الكرمية أن ما يتم بني اجملري املسلم ،واملستجري غري املسلم بعد ما يبلغه مأمنه
ح 2581ج 2ص974
)( 1صحيح البخاري ،كتاب الشروط ،باب الشروط يف اجلهاد واملصاحلة ،
)( 2تفسري سورة احلجرات ،عطية بن حممد سامل 1ص .2موقع املكتبة الشاملة على الشبكة
)( 3سورة ص اآليات .61 – 56
)( 4تفسري البحر احمليط ،حممد بن يوسف الشهري بأيب حيان األندلسي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ط ،األوىل 1422 -
هـ 2001 -م ج 7ص .390
)( 5أيسر التفاسري ،ألسعد حومد ،ج 1ج . http://www.altafsir.com 4488
)(6سورة التوبة اآلية .6
27
،مث يسمعه كالم اهلل ،هو من قبيل التفاوض بعرض اإلسالم على املستجري " ،واالستجارة :طلب
اجلوار ،وملا كانت إقامة املشرك املستجري عند النيب عليه الصالة والسالم ال ختلو من عرض
اإلسالم عليه وإمساِعه القرآن ،سواء كانت استجارته لذلك أم لغرض آخر ،ملا هو معروف من
شأن النيب من احلرص على هدي الناس ،جعل مساع هذا املستجري القرآن غاية إلقامته الوقتية
عند الرسول فدّلت هذه الغاية على كالم حمذوف إجيازًا ،وهو ما تشتمل عليه إقامة املستجري
من تفاوض يف مهّم ،أو طلب الدخول يف اإلسالم ،أو عرض اإلسالم عليه ،فإذا مسع كالم اهلل
فقد ّمتت أغراض إقامته ألَّن بعضها من مقصد املستجري وهو حريص على أن يبدأ هبا ،وبعضها
من مقصد النيب عليه الصالة والسالم وهو ال يرتكه يعود حىّت يعيد إرشاده ،ويكون آخر ما يدور
معه يف آخر أزمان إقامته إمساعه كالم اهلل تعاىل "(.)1
يف قوله تعاىل :ﮋ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﮊ (. )2 -10
اخلطاب يف هذه اآلية الكرمية هبا استفهام إنكاري و "ْيِف َه َذ ا َداَل َلٌة َعَلى ُحْر َم ِة الَّتَف اُو ِض
َعَلى اَحْلِّق َ ،لِكْن ُيْد َعى اْلُك َّفاُر َأِو اَحْلْر ِبُّيْو َن ِإىَل اَحْلِّق َو ُيْنَذ ُر ْو َن ِبَعَو اِقِب َأْم ِر ِه ْم َ ،فِإْن ْمَل َيْس َتِج ْيُبْو ا
َدَفُعوا اِجْلْز َيَةِ إْن َك اُنْو ا ِم ْن َأْه ِلَه ا َو ِإال ُقِتُلْو ا"(.)3
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ قال تعاىل :ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ -11
ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﮊ(.)4
يأمر ،اهلل – جل وعال -نبيه صلى اهلل عليه وسلم ،بأن يقول "ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ قارين ساكنني فيها ،ﮋ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﮊ يهديهم إىل احلق ؛
لتمكنهم من االجتماع به والتلقي منه .وأما عامة البشر فهم مبعزل من استحقاق المفاوضة مع
املالئكة ؛ ألهنا منوطة بالتناُس ب والتجانس ،فبعث املالئكة إليهم مناقض للحكمة اليت يدور عليها
أمر التكوين والتشريع .وإمنا يبعث امللك إىل اخلواص ،املختصني بالنفوس الزكية ،املؤيدة بالقوة
القدسية ،فيتلقون منهم وُيبلغون إىل البشر ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ وحده ﮋ ﰂ ﮊ على أين أديُت ما علَّي
)(1التحرير والتنوير ،حممد الطاهر ،ط 1420هـ 2000 -م التاريخ العريب ،بريوت ،ج 6ص .301
)(2سورة املائدة اآلية .50
)( 3أحكام اجلهاد وفضائله ،العز ابن عبد السالم ِعُّز الِّد ْيِن َعْبُد اْلَعِز ْيِز ْبُن َعْبِد الَّس اَل ِم ط 1986-1406 ،1دار الوفاء،
جده ،ج 1ص.90حتقيق نزيه كمال محاد
)( 4سورة اإلسراء اآلية . 96 – ٩٥
28
من مواجب الرسالة ،وأنكم فعلتم ما فعلتم من التكذيب والعناد .فهو شهيد ﮋ ﰃ ﰄ ﮊ ،وكفى
به شهيًد ا ،ومل يقل :بيننا؛ حتقيًق ا للمفارقة ،وإبانة للمباينة ،ﮋ ﰆ ﰇ ﰈﮊ من الرسل والمرسل
إليهم ،ﮋ ﰉ ﰊ ﮊ؛ حميًطا بظواهر أعماهلم و بواطنها ،فيجازيهم على ذلك ،فإن عاّم ة البشر ال
تطيق املفاوضة مع امللك ؛ لتوقفها على التناسب بني املفاوض واملستفيض؛ فبعث لكل جنس ما
يناسبه؛ للحكمة اليت يدور عليها فلك التكوين والتشريع ،والذي تقتضيه احلكمة اإلهلية"(.)1
واحلال أن الكفار ،طلبوا نزول املالئكة ،حيث قالوا ،ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ ( )2وهم يف األصل ،مل يؤمنوا برسول ُأرسل إليهم ،وهم يعرفونه ،ولبث
فيهم عمرًا من قبل ،وكان لديهم مؤمتن ،تودع لديه الودائع ،وهو الصادق "ما جربنا عليك
كذبًا" ،فإهنم من باب أوىل لن يؤمنوا باملالئكة ،واآلية الكرمية من قبيل املفاوضة املكبتة ،فما
طلبوه من نزول املالئكة ،وغريه من املطالبات ،إمنا هو هروب عن احلقيقة ،وطلبًا للعنت
والتعجيز ،وهو حاهلم وديدهنم ،وكذلك من تبعهم .
() البحر املديد ،أمحد بن حممد بن املهدي بن عجيبة احلسين اإلدريسي الشاذيل الفاسي أبو العباس ،دار الكتب العلمية ـ 1
29
الفصل الثاني
أسس التفاوض
وفيه أربعة مباحث
المبحث األول :األساس العلمي .
المبحث الثاني :األساس العاطفي .
المبحث الثالث :األساس المهاري .
. المبحث الرابع :األساس األخالقي
30
المبحث األول
األساس العلمي
31
المطلب األولً :موضوع التفاوض.
من املعلوم أن األساس العلمي من أهم ما يتميز به التفاوض احلق حيث يبىن على أسس
علمية واضحة وجلية ،من شأهنا تيسري عملية التفاوض ،وقبوهلا لدى العقالء واملنصفني ،وهناك
عددًا من أسس التفاوض العلمية ،ومنها ما يتعلق مبوضوع التفاوض واملفاوض ،فعلم التفاوض "
نشأ عرب التاريخ وتارخينا اإلسالمي زاخر بالشواهد القصصية واألدلة القرآنية حول التفاوض ،
واألسلوب القرآين خري دليل على ذلك كأفضل أسلوب لإلقناع ،قال تعاىل :ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ " (.)2( )1
واخلالف وارد بني البشر ال سيما بني أهل امللل والنحل قاطبة ولكي يظهر بريق احلق البد
أن يكون ملوضوع التفاوض ،نقطة التقاء يتم االجتماع عليها وتعد انطالقًا للتفاهم ،والتفاوض ،
والتحاور ،والنقاش ،فإذا كانت البدايات صحيحة ،كانت النهايات للمفاوضات موفقة بإذن
اهلل ،قال تعاىل :ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ (.)3
فهذه اآلية الكرمية تعترب أساسًا علميًا وأصًال من أصول التفاوض ،وقد بني عدد من العلماء
املفسرين رمحهم اهلل حول هذه اآلية الكرمية إشارة إىل أن " هذا اخلطاب يعم أهل الكتاب من
اليهود والنصارى ،ومن جرى جمراهم ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ ،والكلمة تطلق على اجلملة
املفيدة ،كما قال هاهنا ،مث وصفها بقوله :ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ أي :عدل ونصف ،نستوي حنن وأنتم
فيها .مث فسرها بقوله :ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﮊ "(.)4
فالقضية اليت يراد التفاوض فيها هي توحيد اهلل وعبادته وحده سبحانه ،وال يشرك معه أحد
من خلقه ،والتفاوض وسيلة لدعوة اخللق ،فقد كتب اهلل عليهم االختالف والتنوع.
ومن املعلوم أن التفاوض وسيلة من وسائل الدعوة ،يسعى لتوضيح املقاصد واملواقف ،
وجالء احلقائق وهداية الناس إىل احلق ،ويتقدم التفاوض على غريه من الوسائل الدعوية يف عرض
اإلسالم ،وهذا مامييز احلضارة اإلسالمية ،ففتحت األمصار وانتشر اإلسالم مبنهج قومي ،فهذا "
32
ربعُّي بُن عامر( -)1رمحه اهلل -يف حواره مع رستم قائد الفرس وسط جنده ويف زينته ،فحني سأله
رستم :ماذا جاء بكم؟ قال ربعٌّي ":اهلل ابتعثنا ،واهلل جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إىل
عبادة اهلل ،ومن ضيق الدنيا إىل سعتها ،ومن جور األديان إىل عدل اإلسالم ،فأرسَلنا بدينه إىل
خلقه لندعَو هم إليه ،فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه ،وتركناه وأرضه يليها دوننا،
ومن أىب قاتلناه أبدًا حىت نفضَي إىل موعود اهلل )2("..واملتأمل يف هذا املوقف الرائع ،جيد رقيا يف
التعامل والتفاوض وبيان ،يتجلى بكل وضوح ويتضمن املقاصد واألهداف حيث ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
ﮊ (. ) 3
وينبغي أن يتضمن موضوع التفاوض ،يف شىت جماالت احلياة عددًا من العناصر ،
واألهداف ومن ذلك ما يلي :
أوًال :الهدف التفاوضي ومشروعيته
فكل عملية تفاوضية هلا هدف أساسي تسعى لتحقيقه والوصول إليه فالبد أن هتدف
القضية التفاوضية إىل هدف واضح وحمدد ،وتؤدي إىل حق مشروع أو معروف أو مباح ،فهناك
أمور ال تقبل التفاوض مطلقًا ،فال جيوز التفاوض الذي يؤدي إىل اعتداء على حقوق اآلخرين ،
قال تعاىل :ﮋ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ (.)4
إذ االعتداء من صفات الظاملني ،فقد فاوض مشركوا مكة أبا طالب ،على أن يكف النيب
،عن دعوته ،بل واستمروا على اعتدائهم حىت فاوضوا رسول اهلل على أن يرتك دينه
ودعوته وهذا عني االعتداء .
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ فالقضايا املقطوعة يف الدين ليست حمًال للتفاوض قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ (. ) 5
فالقضايا احملسومة يف الدين مثل قضايا ،حترمي الزنا ،واخلمر ،والربا ،أو إباحة تعدد
)( 1ربعي بن عامر بن خالد بن عمرو األسيدي العمروي التميمي صحايب جليل شهد القادسية والري وفتح دمشق
وهناوند .البداية والنهاية ،إمساعيل بن عمرو بن كثري ،مكتبة املعارف بريوت ،ج 7ص121
)( 2تاريخ الطربي ،حممد بن جرير الطربي ،ط 6دار املعارف ،القاهرة ج 3ص 520بتصرف يسري.
)(3سورة البقرة اآلية .256
)(4سورة البقرة اآلية .190
)(5سورة األحزاب اآلية .36
33
الزوجات ,ومشروعية اجلهاد ،وغريها ،هي مسائل منبثقة من قضايا أصولية جيب االتفاق عليها
قبل الدخول يف األمور املتفرعة عنها ،ألن مناقشة الفرع مع كون األصل غري متفق عليه يعترب
نوعًا من التفاوض السقيم يف كثري من احلاالت.
وقال تعاىل :ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ (.)1
ثانيًا :المعلومات
جيب احلرص على حتري الصدق يف املعلومات ،قال تعاىل :ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﮊ ( )2وذلك كي تعطي املعلومات حقيقة متكاملة حول املوضوع املراد التفاوض حوله ،
واملتتبع لآليات اليت ذكر فيها الصدق ،واألمر به ،وتعظيمه ،واحلث عليه يف القرآن الكرمي ،
يعلم أمهيته يف شىت مناحي احلياة ،ويتحتم ذلك يف التفاوض ،وذلك لتعلقه مبصاحل الناس
وحقوقهم ومطالبهم.
34
المطلب الثاني :صفات من يقوم بالتفاوض
أوًال :األهلية
فالبد أن يتوافر الرشد واألهليه والكفاءة فيمن يريد أن يقوم بالتفاوض ،أو يقابل املفاوض
قال تعاىل :ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ (. )1
وأصله ىف اللغة :النقيب الواسع ،فنقيب القوم هو الذي ينقب أحواهلم ،والنقيب "يكون
كفيال على قومه بالوفاء بالعهد توثقة عليهم"( .)2وقد وردت أقوال يف النقيب :
"أحدها :أنه الضمني ،وهو قول احلسن .
الثاين :األمني ،وهو قول الربيع .
والثالث :الشهيد على قومه ،وهو قول قتادة"(. )3
و" نقيب القوم ألنه الذي يبحث عن أمورهم ويباحث عنها"( )4ويكون ذلك عن طريق
مفاوضة فيما بينهم .
ومن أمثال العرب المشهورة " ،أرسل حكيمًا وال توصه"( ،)5ولذلك في عام الحديبية بعث
رسول الله عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة ،لما كان يتمتع به من إيمان وأهلية ورجاحة
عقل ،وحكمة ،كما أن له مكانة لدى قريش ،فقد "دعا رسول الله عليه السالم عمر بن الخّطاب
ليبعثه إلى مّك ة ،فقال :يا رسول الله إّني أخاف قريشًا على نفسي ،وليس بمّك ة من بني عدي بن
كعب أحد يمنعني ،وقد عرفت قريش عداوتي إّياها ،وغلظتي عليهم ،ولكّني أُّدلك على رجل هو
أعّز بها مّني ،عثمان بن عّفان ،فدعا رسول الله عثمان ،فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش
يخبرهم أّنه لم يأت لحرب ،وإّنما جاء زائرًا لهذا البيت ،معّظمًا لحرمته ،فخرج عثمان إلى مّك ة ،
35
فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مّك ة ،أو قبل أن يدخلها ،فنزل عن داّبته وحمله بين يديه ،
ثّم ردفه وأجاره حّتى بّلغ رسالة رسول الله ، فقال عظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة
رسول الله :إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ،فقال :ما كنت ألفعل حّتى يطوف به رسول
الله"(. )1
فاألهلية والكفاءة أساس علمي من أسس التفاوض.
ثانيًا :العلم
فينبغي أن يكون التفاوض عن علم ومعرفة ومن ذلك :
-1جيدر أن يكون متعلمًا واسع املعرفة واإلطالع لعدد من العلوم ولو على سبيل اإلمجال يف
بعضها وذلك مما يساعده يف عملية التفاوض واالستمرار فيها.
-2العلم التام المتقن للموضوع المراد التفاوض حوله ،مثل أسبابه ،ودوافعه ،وأهدافه ،وغاياته.
ويعترب العلم أساس لنجاح التفاوض وخاصة العلم املتقن مبوضوع التفاوض وكل ما يتصل به
من أدلة وحجج ويعترب ذلك بشكل مستمر.
وألمهية العلم قبل الولوج يف مفاوضات وحنوه يقرر ابن تيمية رمحه اهلل بقوله" :وقد ينهون
عن اجملادلة واملناظرة ،إذا كان املناظر ضعيف العلم باحلجة وجواب الشبهة ،فيخاف عليه أن
يفسده ذلك املضل ،كما ينهى الضعيف يف املقاتلة أن يقاتل علًج ا قوًيا من علوج الكفار ،فإن
ذلك يضره ويضر املسلمني بال منفعة"( )2والشك أن إدراك املفاوض املسلم هلذه احلقيقة
واستشعاره ألبعادها قبل التفاوض وأثناءه ،مينعه من الوقوع يف منزلق تقدمي التنازالت الثوابت
مثًال فالقرآن عقيدة وشريعة ونظام ومنهج حياة وكذا العبادات ...وعليه أن يكون واعيًا ملا يقبل
وما مينع أثناء التفاوض فال حيل حرامًا وال حيرم حالال.
وال يتصدر للتفاوض في أمر ال يعلم عنه شيئًا؛ فقد يجر على نفسه وعلى غيره من سوء العواقب
() الكشف والبيان ،أبو إسحاق أمحد النيسابوري ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت ،لبنان 1422 -هـ 2002 - 1
بن عبدالسmmالم بن تيميmmة ،دار الكتب العلميmmة ،بmmريوت 1417 ،هـ 1997 -م ،حتقيmmق :عبmmد اللطيmmف عبmmد الmmرمحن ،ج
، 7
ص .174 - 173
36
ما ال تحمد عقباه ،فينبغي الحذر من ذلك ،قال تعالى :ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ(.)3
37
المطلب الثالث :االستدالل بالدليل والحجة والبرهان وخاتمة التفاوض
حث القرآن الكرمي يف كثري من آياته العناية باستخدام احلجة والدليل والربهان يف التفاوض
والدعوة وذلك أدعى للقبول لدى الطرف املقابل يف عملية التفاوض ما مل يكن مكابرًا معاندًا ،
ﭥ ﮊ (. ) 1 ومن مث اخلروج بنتائج موفقة بإذن اهلل ،قال تعاىل :ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
وقال تعاىل :ﮋ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ
ﮊ (. ) 2
وينبغي عند احلديث عن أي مطلب أن يربز بدليل صحيح ،وحجة تعضد املطالب ملوافقة
األطراف عليها ،ومما تقرر "إن كنت ناقال فالصحة أو مدعيا فالدليل".
وقد ورد يف القرآن الكرمي ،ذكر الدليل ،والربهان ،واحلجة ،والسلطان املبني ،يف مواضع
كثرية وذلك ألمهيتها ،وهي ضرورة يف املفاوضات وخاصًة تلك املفاوضات اليت يكون سببها
املطالبة باحلقوق ،أو الدعوة إىل أمر يرّغب فيه .
خاتمة التفاوض:
اخلامتة واالنتهاء من التفاوض يكون له أحد حالني :
الحالة األولى :االتفاق
فور االنتهاء من التفاوض باالتفاق يقتضي االلتزام والوفاء مبا ورد يف بنود االتفاق ،وااللتزام
هنا مبدأ ضروري يقتضيه التفاوض احلق ،بل ويعترب من أساسياته ،قال تعاىل :ﮋ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﮊ (. ) 3
() 4
وقال تعاىل :ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮊ
والوفاء بالعهد ،أو امليثاق تبنّي أنه عقد يتم عقده وإبرامه بعد التفاوض ،ويف حال القيام
بأي أمر ،أو عمل من قبل طرف ،ينقض االتفاق ،ويكون غري ملزم للطرف الثاين الوفاء ،وذلك
كما فعل اليهود ،مع النيب يف املدينة ،حينما نقضوا العهد ،وكذلك قريش حينما نقضت
38
بنود معاهدة صلح احلديبية ،فسار الرسول متجهًا إىل فتح مكة وفتحها( )5ألن التفاوض قد
تكون نتيجته معاهدة ،أو صلحًا يربم مثل احلديبية ،أو ميثاقًا وهكذا .
39
المبحث الثاني
األساس العاطفي
40
المطلب األول :الحاجات العاطفية
اهتم القرآن الكرمي ،باإلنسان من مجيع جوانبه ،فالناس هلم عدد من احلاجات تليب رغباهتم
ومنها ،احلاجات النفسية ،واملادية ،واالجتماعية ،والغذائية ،ومن تلك احلاجات ،احلاجات
العاطفية ،واملتدبر لآليات القرآنية جيد يف ثناياها ذكر املتطلبات العاطفية ،ومنها على سبيل املثال:
الحب : -1
() 1
قال تعالى :ﮋ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ
األمن : -2
() 2
ﭚ ﭛ ﮊ قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
المودة والرحمة : -3
ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮊ (. ) 3
وقد ذكر القرآن ،االطمئنان ،والرجاء ،والرغبة ... ،ومعلوم أن الجانب العاطفي عند اإلنسان
أمر فطري غريزي ،ويسهم في تشكيل جوانب الشخصية اإلنسانية ،ومتى ما أشبع لدى اإلنسان
االحتياج العاطفي ،تكون شخصية ذلك اإلنسان في حالة من االستقرار النفسي ،والذي يسهم بالتالي
في بناء واستمرار المفاوضات بين البشر ،ولم يغفل القرآن الكريم هذا الجانب المهم لحياة البشر ،
() 4
فنجد على سبيل المثال في سياق الحديث عن الجانب األسري ،قوله تعالى :ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮊ
ذلك أن المودة والرحمة من أساسيات إقامة األسرة المسلمة ،ولبناتها األساسية ،وتدعم على إقامة
مفاوضات أسرية نافعة ،والمفاوضات األسرية ال يخلو منها بيت وهي بشكل مستمر ،فالزوج يفاوض
زوجته ،والزوجة تفاوض زوجها ،واألب يفاوض ابنه ،أو ابنته ،واألم تفاوض ابنها ،أو ابنتها ،
ويكون ذلك في كثير من مجاالت الحياة المختلفة ،وهنا تبرز الحاجات العاطفية ،وكذا حياة الناس
عمومًا فهم في تفاوض بشكل شبه يومي.
41
وفيما يلي ذكر عدد من الحاجات العاطفية وردت في القرآن الكريم :
أوًال :التفاوض بالحب والتآلف
إذا تmوفر في المفاوضmات الحب المتبmادل ،من جميmع األطmراف ،والحفmاظ عليmه ،وتنميتmه ،والmذي
يدعو لمراعاة المشاعر ،فهذا إبراهيم الخليل عليه السالم يتلطف مع والده كما قال تعالى :ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭪﭫ ﭬ ﭭ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ (.)1
وهذا يظهر أن لدى املفاوض رغبة كبرية يف حمبة بذل اخلري ،واحلرص على من يفاوض ،
وطلب الرأي السديد له ،وقبوله.
ثانيًا :الهدوء
ويكون أثر اهلدوء يف التفاوض فاعًال طاملا كان بعيدًا عن الصخب والصوت العايل ،وكل
ما يعكر الصفو ،ويسوق ذلك بأن ُينهي التفاوض بشكل انسيايب وحسب رغبة األطراف ،ويدل
على ذلك أنه مل حيدث من الصحابة الكرام شيء من ذلك يف التفاوض يف صلح احلديبية وال
غريه .
ثالثًا :التقدير واالحترام
ﯶ ﯴ ﯵ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭧ ﭨ ﮋﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
()2
ﮊ
فهذا لقمان عليه السالم يظهر من خطابه البنه االهتمام والتقدير ،فالتقدير له أثر عند األسوياء
وأهل البصيرة وينمي المحبة ،ويرغب في التفاوض ،وتبادل اآلراء والمقترحات ،ويشجع على
المفاوضة.
وأنه ذا شأن عند من يفاوض.
رابعًا :المناداة بأحب األسماء إليه :
تكرر يف القرآن نداء األنبياء عليهم السالم بأمساء توحي باالنتماء والصلة واحلرص وحبة اخلري ،
مثل نوح عليه السالم ب ـ ﮋ ﯾ ﮊ وإبراهيم عليهم السالم ب ـ ﮋ ﮁ ﮊ و ﮋ ﯾ ﮊ واألنبياء مع أقوامهم ب ـ
42
ﮋ ﮒﮊ ومعلوم أن املنادة هبذه األمساء حمبب للنفوس يف كل وقت وحني وكذلك يف التفاوض مع
اآلخرين فاإلنسان له اسم حيبه ،أو مشهورًا به يف جمتمعه وبني أقرانه ،أو كنية يكىن هبا ،أو لقب
حمبب إليه وحيب أن يسمعه فينادى بذلك االسم .
43
" لنّي " و " فظ " ،هل مها سواء ؟
و" سخي كريم " و " خبيل شحيح " هل مها سواء ؟
44
المطلب الثاني :األساليب العاطفية
يظهر من نصوص الكتاب الكريم ،أن اإلسالم اهتم بالجانب العاطفي ،والذي منبعه القلب ،
فمن اإليمان ،ما هو اعتقاد بالجنان ،وورد في القرآن الكريم ذكر نصوص منها ،العفو ،والصفح ،
والرحمة ،قال تعالى :ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ(.)1
ا ِد ِف ِه ِمُح ِه ِه ِمِن ىِف
ومن السنة النبوية ،قوله َ " : م َثُل اْلُم ْؤ َني َتَو اِّد ْم َو َتَر ا ْم َو َتَعاُط ْم َم َثُل َجْلَس
ِإَذا اْش َتَك ى ِم ْنُه ُعْض ٌو َتَد اَعى َلُه َس اِئُر اَجْلَس ِد ِبالَّس َه ِر َو اُحْلَّم ى"( )2وألمهية ذلك ،كان من صفات
النيب ،أنه ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ (.)3
ومن األساليب العاطفية ما يلي :
أوًال :األساليب العاطفية الحسنة
-1اختيار وانتقاء أطيب الكالم وأجوده :
قال تعالى :ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ ( )4فاختيار وانتقاء العبارة األطيب
واألحسن في غاية األهمية ال سيما إذا كان من أهل الفضل ويعتبر ذلك أحد أهم األساليب العاطفية ،
وله بالغ األثر بين المتفاوضين ،صغارًا وكبارًا ،ذكورًا وإناثًا ،وقال تعالى :ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮊ (.)5
-2االعتناء بنبرة الصوت
() 6
قال تعاىل :ﮋ ﰌ ﰍ ﮊ ﰎﰏ
وقد امتدح اهلل الذين يغضون أصواهتم عند رسول اهلل كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﮊ (. ) 7
45
فيجب أن تكون نربة الصوت مسموعة باعتدال ،وحبد الكفاية ،وتكون نربة حانية عاطفية تظهر
احملبة ،وهذه يتقنها من أرادها وسعى هلا.
-3البعد عن اإلطالة
األسلوب القرآين بديع ،فهو يدل على دالالت كثرية يف إجياز ،فنجد يف قوله تعاىل :
() 1
ﮋﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮊ
وتدل اآلية الكرمية على أن كل طيب عند الشرع فهو حالل وكل خبيث عند الشرع فهو
حرام فكانت اآلية على إجيازها تدل على معاين كثرية تندرج حتتها ،وكما يقال خري الكالم ما
قل ودل ،فاالبتعاد عن اإلسهاب اململ ،واالكتفاء باملهم ،وباملفيد ،وما خيتص باملوضوع يثري
التفاوض.
-4الرفق ،واللين
قال " : ما كان الرفق يف شيء إال زانه وال كان الفحش يف شيء قط إال شانه"(.)2
الرفق واللني حمبب للنفوس وإظهاره ملن نريد أن نفاوضهم ،يدعم التفاوض ،ويؤثر ذلك
يف نفوسهم بالقبول واالقناع والرضا .
-5التحفيز :
ﮘ ﮙ التحفيز أسلوب قرآين ،قال تعاىل :ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
() 3
. ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ
فمن نظر وتأمل الكرم الرباين حبيث كل حسنة تضاعف إىل عشر أمثاهلا ،فذلك مشجعًا ،
وحمفزًا للطاعات .
والتشجيع والتحفيز يثري التفاوض ،وله دورًا هامًا ،خاصة مع أولئك الذين مل يعتادوا
احلديث ،ومل تكن لديهم طالقة ،وفصاحة ،وحسن بيان ،وعادة ليس لديهم جرأة يف الكالم ،
46
وتراهم يرتددون ويتلعثمون عند التحدث.
ثانيًا :المحاذير
عدم التجريح : -1
قال تعاىل :ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ.
البعد عن التوتر ،والقلق -2
عدم رفع الصوت . -3
() 1
ﰒ ﰓ ﰔ ﮊ قال تعاىل :ﮋ ﰏ ﰐ ﰑ
احلذر من التعايل : -4
فكان من صفات سيد البشر اهلادي البشري صلى اهلل عليه وسلم التواضع ،والبعد عن احلديث
عن النفس وإجنازاهتا .
اإلهانة أثناء املفاوضات ،والتقليل من شأن اآلخرين مهما قل شأهنم يف احلياة الدنيا ، -5
فإن املسلم ال يقبل ذلك .
جتنب الغض mmب واالنفع mmال فق mmد هنى الن mmيب عن الغض mmب " :ال تغض mmب ،ال تغض mmب ،ال -6
تغضب"( )2والغضب مفتاح للشرور.
.19
)(1سورة لقمان اآلية
)(2صحيح البخاري ،كتاب األدب ،باب احلذر من الغضب ،ح ، 6116ج 1ص . 1066
47
المطلب الثالث :واجبات المفاوضين
أوًال :التفاؤل
ينبغي للمفاوض ،القدوم للتفاوض بنفس منشرحة ،مع األخذ باالسباب ،وقد روى أبو
هريرة رضي اهلل عنه بقوله"،كان صلى اهلل عليه وسلم حيب الفأل احلسن ويكره الطرية"(.)1
ثانيًا :حسن اختيار الموضوع
وحيسن اختيار املواضيع احملببة للنفوس واملواضيع اليت تعود بالنفع ،وهناك طائل من طرحها.
ثالثًا :تأمين االحتياج
توفري ما حيتاج إليه من لوازم مادية وحنوه ،واليت من شأهنا تيسري عملية التفاوض ،مثل
التدوين والكتابة ،للتوثيق ،كما قال صلى اهلل عليه وسلم لعلي بن أيب طالب ،رضي اهلل عنه ،
يف صلح احلديبية "أكتب يا علي" .
رابعًا :اإللمام بالموضوع
البد أن تكون لدى املفاوض فكرة شاملة ودقيقة عن املوضوع .
خامسًا :التثبت
جيب التأكد من صحة املعلومات واملصادر .
.
() 2
ﮊ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ قال تعاىل :ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
سادسًا :اظهر الود
وقد أمر النيب ، ملن أحب فالنًا أن خيربه ،عن أنس قال :مر رجل بالنيب وعند النيب
رجل جالس فقال الرجل واهلل يا رسول اهلل إين ألحب هذا يف اهلل .فقال رسول اهلل :
"أخربته بذلك؟" قال :ال ،قال" :قم فأخربه تثبت املودة بينكما فقام إليه فأخربه فقال أين أحبك يف
اهلل أو قال أحبك هلل فقال الرجل أحبك الذي أحببتين فيه"(.)3
سابعًا :اإلحسان
)(1مسند اإلمام أمحد بن حنبل ،أمحد بن حنبل أبو عبداهلل الشيباين ،ح ، 8393ج، 14ص ، 122حديث صحيح
وإسناده حسن ،مؤسسة الرسالة ،حتقيق شعيب األرنؤوط وآخرون ،ط.1999 – 1420 ، 2
)(2سورة احلجرات اآلية .٦
)( 3مسmmند أمحد بن حنبmmل ،اإلمmmام أمحد بن حنبmmل أبmmو عبmmد اهلل الشmmيباين ،ج 3ص 241ح 13559ج ،3ص، 241
مؤسسة قرطبة ،القاهرة ،تعليق شعيب األرنؤوط حديث صحيح .
48
قال تعاىل :ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ( )1جبلت األنفس السوية على حب من أحسن إليها ،
والقبول منها ومقابلة اإلحسان مبثله
قال الشاعر :
()2
أحسن إىل الناس تستعبد قلوهبم ::فطاملا استعبد اإلحسان إحسان
ثامنًا :توخي الحكمة
ﯮ ﯯ ﮊ (.)3 قال تعاىل :ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
واحلكمة وضع الشيء يف موضعه ،أيًا كان فعًال ،أو قوًال ،أو كتابًة . ...
49
المبحث الثالث
األساس المهاري
50
المطلب األول :تعريف المهارة
تعريف المهارة :
"املاهر السابح ويقال َمَه ْر ُت هبذا اَألمر َأمَه ُر به َم هارة َأي صرُت به حاذقًا قال ابن سيده
وقد َمَه ر الشيَء وفيه وبه ْمَيَه ر َم ْه رًا وُمُه ورًا وَم هارة وِم هارة وقالوا مل تفعل به اِملَه َر ة"(.)1
ويف احلديث "مثل الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام الربرة والذي يقرؤه وهو
()2
يشتد عليه له أجران "
واملهارة تقتضي :اإلتقان.
حيث تؤخذ القضية بعناية منذ البداية جزًءا جزًءا وبشكل مرحلي إذا استدعى املوضوع ،
إيل أن يصل األطراف املتفاوضة إيل نتيجة التفاوض النهائية .
يعلمنا القرآن الكرمي يف أسلوبه البديع الرائع حسن التفاوض وذلك يف عرضه لقضايا ،
الصلح ،واحلوار ،والعهد ،وامليثاق ،والوفاء به ،أو نقضه ...،والتعامل مع الناس على
اختالف مشارهبم وعقائدهم حيث إن ما سبق يدور عرب مواقف ونتائج تفاوضية .
51
تكون املشاركة سابقة وقبل البدء بالتفاوض ،فاملتمرس اجليد ليس كغريه من املفاوضني ،وعليه
السعي يف االطالع على الكثري من املفاوضات ،لعدد من املفاوضني احلكماء ،ونتائجها ،وقراءة،
أو استماع ،وشهود ما يتيسر من املفاوضات.
وودليل ذلك من السنة املطهرة ،ما شهده النيب قبل البعثة ،فقد شهد مبا مسي "حبلف
الفضول" والذي جنم عن مفاوضات دارت قبل البعثة " ،وقع حلف الفضول يف ذى القعدة يف
شهر حرام تداعت إليه قبائل من قريش :بنو هاشم ،وبنو املطلب ،وأسد بن عبد العزى ،
وزهرة بن كالب ،وتيم بن مرة ،فاجتمعوا يف دار عبد اهلل بن ُج ْد عان التيمى ؛ لسِّنه وشرفه ،
فتعاقدوا وتعاهدوا على أال جيدوا مبكة مظلوًم ا من أهلها وغريهم من سائر الناس إال قاموا معه ،
وكانوا على من ظلمه حىت ترد عليه مظلمته ،وشهد هذا احللف رسول اهلل ، وقال بعد أن
أكرمه اهلل بالرسالة ":لقد شهدت يف دار عبد اهلل بن جدعان حلًف ا ما أحب أن ىل به محر النعم،
ولو أدعى به يف اإلسالم ألجبت"(. )1
وهذا احللف روحه تنايف احلمية اجلاهلية اليت كانت العصبية تثريها ،ويقال يف سبب هذا
احللف :إن رجًال من ُز َبْي د قدم مكة ببضاعة ،واشرتاها منه العاص بن وائل السهمى ،وحبس عنه
حقه ،فاستعدى عليه األحالف عبد الدار وخمزوًم ا ،وَمُجًح ا وَس ْه ًم ا وَعِدّيا فلم يكرتثوا له ،فعال
جبل أيب ُقَبْيس ،ونادى بأشعار يصف فيها ظالمته رافًعا صوته ،فمشى يف ذلك الزبري بن عبد
املطلب ،وقال :ما هلذا مرتك ؟ حىت اجتمع الذين مضى ذكرهم يف حلف الفضول ،فعقدوا احللف
مث قاموا إىل العاص بن وائل فانتزعوا منه حق الزبيدي"(. )2
واخلالصة أنه ينبغي ما يلي:
مرافقة املفاوضني ذوو اخلربة ،واإلنصات هلم واالستفادة منهم. -1
التدرب على مفاوضات يسرية وتقييمها ومن مث التدرج فيها. -2
ومن فوائد ما سبق ما يلي :
ا -حسن العرض للموضوع أو القضية .
)( 1السنن الكربى ،أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي البيهقي ،كتاب قسم الفي ،باب إعطاء الفيء على الديوان ،ط 1
،دائرة املعارف النظامية ،اهلند ،ح 13461ج 6ص ، 367حديث حسن.
)( 2الرحيق املختوم ،صفي الرمحن املبارك فوري ،دار املؤيد ،الرياض 1425 ،ه – 2004م ،ص .44
52
املعرفة باألحوال واألوقات املناسبة. ب-
حتري الدقة يف املعلومات. ج-
وجود الثقة باهلل مث باإلمكانات املتوفرة لدى املفاوض د-
إعداد خطة للتعامل مع املفاوضني ه-
ممارسة أفضل أساليب التفاوض و-
معرفة طرق املفاوضني ومراوغاهتم إن وجدت ،وكشفها ،والتصدي هلا ،وإبطاهلا. ز-
)( 1سنن الرتمذي ،حممد بن عيسى ،كتاب املناقب ،باب مناقب معاذ بن جبل ،ح 3790ج 5ص 664حديث صحيح.
)(2سورة حممد اآلية .٣٠
53
حتقيق االنسجام والتوافق والتالؤم والتكييف املستمر بني أعضاء الفريق ليصبح وحدة
متجانسة ،ليس بينها أي تعارض أو انقسام يف الرأي أو امليول .
سادسًا :االستعداد
وذلك بأن يعد لألمر عدته ،ويكون على أهبة االستعداد ،يقظ ،فال يغرر وال خيدع .
)( 1املاكر اخلادع ،تاج العروس من جواهر القاموس،حممد بن حممد احلسيين،دار اهلداية ،ج 5ص.232
)( 2أدب الدنيا والدين ،املاوردي ،باب فضل العقل ،دار إقرأ،بريوت ط ،1985-4،1405ج 1ص 13حتقيق حممد كرمي.
)(3سورة احلجر اآلية .57
)(4سورة حممد اآلية.30
54
اخلادع تقدم وردان قائد اجليش الرومي لينفذ املؤامرة ،وهو ال يعلم مصري جمموعة الكمني اليت
أبيدت ،وفوجئ بضرار وعشرة مقاتلني معه فارتعدت فرائصه ووقع يف الفخ ،وأومأ خالد إىل
ضرار بقتل وردان فقتله "(.)1
ثامنًا :تحديد الغاية من التفاوض ،والتدوين لها.
ال بد من حتديد ومعرفة من يفاوض ومن يقابل ،وما هو املوضوع ،واهلدف من التفاوض ،
وماذا حنتاج من وسائل وخالفه ،ليتم وضع ما يشبه اخلطة قبل البدء بالتفاوض.
)(1الريادة يف حروب وفتوحات أيب بكر الصديق ،حممد ظاهر وتر ،منشورات موقع ،احتاد الكتاب العرب 1999 ،م ج
1ص.212
)(2سورة احلج اآلية .٤٥
)(3سورة يوسف اآلية . ١٠
55
رابعًا :االعتناء ببداية المفاوضات
ﭯ االعتناء ببداية املفاوضات يف افتتاح جلسة التفاوض ،قال تعاىل :ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ (. ) 1
وفي اآليmmة الكريمmmة يظهmmر التلطmmف في الخطmmاب ،واإلكmmرام في المنmmاداة ،والشmmرط على الجميmmع ،على
حد سواء .
خامسًا :أهمية الوقت
اختيار الوقت المناسب لفترات اللقاءات التي تتم فيها المفاوضات ،فقد يكون التفاوض في
جلسة واحدة أو عدة جلسات حسب الحاجة حول الموضوعات التي يتم التفاوض عليها ويشكل
الوقت أهمية كبيرة خصوصا اذا كان محكوم بتاريخ محدد إلنهاء التفاوض والوصول للنتائج.
المفاوضات الطويلة.
سادسًا :ما يختص بالمكان
اختيار املكان املناسب فال تذهب إىل مفاوضة يف مكان شديد احلر أو شديد الربد ...فيبدأ
نظريك معك املفاوضة فقد تنهي املفاوضة على غري املراد بسبب األذى وذلك دون أن تشعر ،
وعلى املؤمن أن يكون حذرًا فطنًا فقد يهيء الطرف اآلخر فخًا دون علمك.
وكذلك ال يتفاوض يف مكان موحش أو به ننت ،فقد جير إىل إهناء التفاوض على حنو ال
حتمد عقباه ،وجتهيز مكان التفاوض ،وإعداده وجعله صاحلًا ومناسبًا للجلسات التفاوضية ،
وتوفري كافة التسهيالت اخلاصة به.
سابعًا :ضبط النفس.
قد يستثار فإذا كان المفاوض ممن ال يستطيعون السيطرة على أعصابهم أثناء عملية التفاوض ،
فعليه أن ينتدب غيره نيابة عنه ،فالشدة ال يمكن أن تأتي بنتيجة مفاوضات مرضية ،وفي القرآن ذكر
موقف قصه الله علينا عن أصحاب القرية حين جاء إليهم رسوالن فكذبا ،ثم عزز الله لهم برسول
ثالث ،فهددوهم بالرجم والعذاب ،فكان جواب الرسل عليهم السالم في ثبات لبالغ رسالة الله أن
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ (.)2 قالوا كما قال تعالى :ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
56
ثامنًا :المرونة
يتطلب التفاوض الكثري من املرونة ،فإذا مل يتصرف طرف مبرونة فعليه أن يتوقع أن يقابله
الطرف اآلخر باملثل ،واملرونة يف حدود املصلحة ،فهذا رسول اهلل حينما طلبت قريش أن ال
يكتب يف صلح احلديبية البسملة ،بسم اهلل الرمحن الرحيم حيث "جاء سهيل فقال :هاِت فاكتب
بيننا وبينكم كتابًا .فدعا النيب الكاتب ،فقال النيب أكتب" :بسم اهلل الرمحن الرحيم" .
فقال سهيل :أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو؟ ولكن أكتب :باسمك اللهم كما كنت تكتب.
فقال المسلمون :والله ال نكتبها إال باسم الله الرحمن الرحيم .فقال النبي أكتب" :باسمك الَّلهم"،
ثم قال" :هذا ما قاَضى عليه محمد رسول الله" .فقال سهيل :والله لو كَّنا نعلم أنك رسول الله ما
صددناك عن البيت وال قاتلناك ،ولكن أكتب :محمد بن عبد الله .فقال رسول الله " والله إِّني
لرسول الله وإن كذبتموني ،أكتب :محمد بن عبد الله"( ، )1وهذا عين المرونة ،حيث لم يتأثر الصلح
وكان فتحًا مبينا .
تاسعًا :الجدية
وذلك من أجل حتقيق النتيجة املرجوة من التفاوض ،فال يتحدث أحد األطراف حبديث
يشعر املستمع بأن املوضوع هزيل وسخرية أو ال مباالة فيه وحنو ذلك مما يرى يف بعض الشاشات
املعاصرة مما يتعجب منه الصغري قبل الكبري ،وال حول وال قوة إال باهلل .
عاشرًا :التؤدة
() 2
قال تعاىل :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ
الرتوي والتؤدة ،وإمعان النظر يف األمور ،وعدم االستعجال ،وعدم التسرع ،من
ضرورات املفاوضني ،فمن يتصف بالعجلة والتسرع ،قد يقر أمرًا يسوءه دون أن يتنبه ملقصد
() 3
الطرف اآلخر وما يرمي إليه ،وذلك لطالء األلفاظ والعناية هبا ،قال تعاىل :ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ
ﮎ ﮏ ﮊ(.)4 وقد يبذل القسم واأليمان من الطرف المقابل ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
)(1صحيح البخاري ،حممد بن امساعيل البخاري ،طرف من حديث طويل ،باب الشروط يف اجلهاد واملصاحلة ،ح
، 2581ج 2ص974
)(2سورة اإلسراء اآلية .11
)(3سورة املنافقون اآلية .4
)(4سورة النساء اآلية .62
57
بالرغم من أنه قد يظهر بعض األحيان ما يبدو أن هناك خسارة أولية وال تؤثر يف اهلدف
الرئيس للتفاوض وذلك مثل ما حصل يف صلح احلديبية حينما وقف عمر بن اخلطاب رضي اهلل
عنه.
حادي عشر :الحكمة
ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ قال تعاىل :ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
(. ) 1
وقد قالت العرب قديمًا" :أرسل حكيمًا وال توصه"( ،)2وذلك الن الحكمة لها مفعول كبير
وقوي في التأثير على اآلخرين ،فالحكماء قديمًا وحديثًا هم من يسعى ألوا األلباب أن يفوضوهم
لخوض معترك أي مفاوضات أو مباحثات لها شأن ويعتبرون عملة نادرة ال سيما في هذا الزمان ،
والحذر الحذر من إرسال من ال يتصف بالحكمة أو من كان يتصف يضدها ،فقد قيل " :سفير السوء
يفسد البين".
ثاني عشر :التثبت
التبنّي والتثبت أمر يف غاية األمهية ،وإمهاله يف غاية اخلطورة ،قال تعاىل :ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ (. ) 3
والتثبت مهم ألنه قد يتصل بعقاب ،أو عفو ،ومثاله ،عندما تفقد سليمان ،عليه السmmالم ،
الطري وفقد اهلدد ،توعد نيب اهلل سليمان بتعذيب اهلدد ،أو ذحبه ،أو يأيت بسلطان مبني ،يبنّي به
سبب غيابه ،قال تعاىل :ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
() 4
ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ . ﮋ ﮌ ﮍ
وبعد ذلك مت إرسال اهلدد من قبل سليمان ،عليه السالم ،بكتاب إىل سبأ للتثبت من صدقه
58
من عدمه ،قال تعاىل :ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ (.)1
ويف بعض املواقف ،قد حيتمل عدم التأكد التام ،وحيتمل األمرين ،فال ينبغي النفي ،وال
اإلثبات ،ومثال ذلك ،ما جرى مع بلقيس ملكة سبأ ،يف سؤاهلا عن عرشها ،وكان جواهبا
ﯭ ﮊ (. ) 2 ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ كذلك ،قال اهلل تعاىل :ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ
وذلك حينما استقر ،عرش بلقيس ،ملكة سبأ ،عند نيب اهلل سليمان عليه السالم ،و"كان
سليمان عليه السالم قد أمر بتغيري بعض صفات عرش بلقيس بزيادة ونقص ليخترب عقلها ،فسأهلا:
أهكذا عرشك؟ قالت :كأنه هو! أي يشبهه ويقاربه .وهذا من فطنتها وذكائها ،فلم تقل "هو"
لوجود التغيري فيه ،ومل تنِف أنه هو ألهنا عرفته ،فأتت بلفظ حمتمل لألمرين ،قال ابن كثري:
فكان فيها ثبات وعقل ،وهلا لّب ودهاء وحزم ،فلم تقْل إنه هو لبعد مسافته عنها ،وال أنه غريه ملا
رأت من آثاره وصفاته وإنه ُغرِّي وُبِّدل وُنِّك ر"(.)3
إن هذا املوقف احلصيف من بلقيس يعطي درسًا بضرورة التأين والتثبت عند مساع األخبار
وتلقيها ،وخباصة بعدما كثرت وسائل نقلها وازدادت سرعة تداوهلا ،كرسائل اجلوال واإلنرتنت ،
ومواقع التواصل وحنوها .فبعض الناس ال يكاد يتلقى أو يسمع خربًا إّال ويسارع إىل نشره دون
تأّم ل حملتواه وملدى صحته وجدوى نقله وقد دعا النيب صلى اهلل عليه وسلم ،إىل التأين وعدم
() 4
العجلة فقال " األناة من اهلل ،والعجلة من الشيطان"
59
التفاوض اهلادئ واهلادف ،ولذلك ضوابط وأصول وآداب جيب مراعاهتا حىت خيرج التفاوض
بأفضل النتائج وحمققًا اهلدف الذي كان من أجله .
60
بني القرآن طرق اإلجابة على األسئلة بوضوح ،وحسن بيان ،حىت ال يدع جمال إىل اللبس
يف عدد من اآليات ،وهو متنوع يف القرآن ،ومنها ما تبدأ بـ يسألونك ،مثل ما جاء يف قوله
تعاىل :ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ (.)1
فتأيت اإلجابة مباشرة ،ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ (.)2
...فحسن اإلجابة على األسئلة ،تشفي السائل ،وتلجم السائل عن االستطراد في األسئلة ،طلبًا
لالستيضاح .وأيضَا جواب إبراهيم الخليل عليه السالم ،على سؤال قومه ،قال تعالى :ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
() 3
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ
61
األمر على الناس -إذا مجع أهل الرأي :والفضل وشاورهم يف حادثة من احلوادث -اطمأنت
نفوسهم وأحبوه ،وعلموا أنه ليس مبستبد عليهم ،وإمنا ينظر إىل املصلحة الكلية العامة للجميع،
فبذلوا جهدهم ومقدورهم يف طاعته ،لعلمهم بسعيه يف مصاحل العموم ،خبالف من ليس كذلك،
فإهنم ال يكادون حيبونه حمبة صادقة ،وال يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غري تامة.
ومنها :أن يف االستشارة تّنور األفكار ،بسبب إعماهلا فيما وضعت له ،فصار يف ذلك زيادة
للعقول.
ومنها :ما تنتجه االستشارة من الرأي :املصيب ،فإن املشاور ال يكاد خيطئ يف فعله ،وإن
أخطأ أو مل يتم له مطلوب ،فليس مبلوم ،فإذا كان اهلل يقول لرسوله وهو أكمل الناس عقال
وأغزرهم علمًا ،وأفضلهم رأيًا :-ﮋ ﭭ ﭮ ﭯﮊ فكيف بغريه؟!
مث قال تعاىل :ﮋ ﭱ ﭲ ﮊ أي :على أمر من األمور بعد االستشارة فيه ،إن كان حيتاج إىل استشارة
ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﮊ أي :اعتمد على حول اهلل وقوته ،متربئا من حولك وقوتك ،ﮋ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﮊ
عليه ،الالجئني إليه"(.)1
وللمشورة آداب لكي تؤيت أكلها ومنها ما يلي :
استشارة احلكماء وذووا الرأي والفكر الصريح. -1
أن يتصفوا باألمانة والعدالة . -2
أن تربطهم روابط الدين واحملبة. -3
وينبغي يف مشاورهتم أمور ،منها ما يلي :
ا -اختيار الوقت املناسب هلم ومشاورهتم فيه .
ب -عرض املوضوع بشكل واضح.
ج -أن ال يكو املستشار مشغوًال بأمر ما ،وقد قيل :ال تشاور مشغوًال وإن كان
حازمًا.
د -جتنب أن يكون املستشار يف حلظة فرح وسعادة غامرة ،أو العكس .
ه -أو حلظة ترح وحزن شديد .
() تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ،عبد الرمحن بن ناصر بن السعدي ،مؤسسة الرسالة ،ط :األوىل 1
62
وبعد ذلك إذا متكن من استخارة الرمحن يف أوىل األمور ،مث حيزم إذا تبني الرشد والرأي
السديد ،بدون تردد .
قال الشاعر :
()1
إذا كنت ذا رأي فكن فيه مقدما ::فان فساد الرأي أن ترددا
سابع عشر :القدرة على االستدالل
من املهم تنمية القدرة على االستدالل ،واستحضار األدلة وقت املفاوضات ،والتنوع فيها
قدر املستطاع ولذلك أثر بالغ وميد بالقوة أثناء التفاوض ومن األدلة ما يلي :
اآليات الكرمية من القرآن . -1
السنة النبوية من األحاديث ،والسرية . -2
ضرب املثل ،واألمثال ،وهي كثرية يف القرآن الكرمي ،قال تعاىل :ﮋ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ -3
ﭝ ﮊ (. ) 2
الشعر. -4
القصص . -5
أقوال مأثورة . -6
قضايا مشاهبة ميكن القياس عليها... -7
ثامن عشر :التنوع بين األساليب
فتارة يركز على األسلوب العاطفي ،وتارة األسلوب املنطقي العقلي ،وحنوه ...وذلك
حسب االحتياج ،فلكل مقام مقال ،ولكل إنسان ما يناسبه .
كما يتطلب األمر الرتكيز على فنيات التحدث واإللقاء باستخدام نربة الصوت املناسبة
والتنوع فيها حبسب احلال واملقام.
تاسع عشر :اإليماءات والحركات
أو ما يعرف لدى املعاصرين -بلغة اجلسد -ومن املعلوم أن لإلمياءات واحلركات أثر بالغ
األمهية يف املفاوضات وغريها من التعامالت اإلنسانية ،ولذلك أصبح يف الغرب والشرق االهتمام
)(1للخليفة أبو جعفر املنصور ،من البحر الطويل ،مجهرة األمثال للعسكري ،مرجع سابق ،ج ، 2ص.50
)(2سورة إبراهيم اآلية .25
63
الكبري هبذا اجلانب ،كما أصبحت تدرس كمواد دراسية ،وتقدم على شكل دورات بشكل
مستمر ،وقبل ذلك ذكرت اإلمياءات واحلركات ،من إشارات وغريها يف القرآن الكرمي ،وذلك
ألمهيتها ،وتستخدم مبهارة أثناء التحدث أو اإلنصات ،فالرأس له حركات تدلعلى معين ،وكذلك
العينان ،والفم ،واليدان ،والقدمان ،وهي من أدوات االتصال باآلخرين ،وهلا قوة يف التأثري،
ونأخذ مناذج من القرآن الكرمي يف احلديث عن هذا اجلانب ومن تلك اإلمياءات واحلركات ،ما
يلي:
64
األصابع: -3
() 1
قال تعاىل :ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ
إعراضًا عن االستماع ،وبيان لعدم الرغبة املطلقة يف القبول .
التغطية بالثياب -4
قال تعاىل :ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﮊ (.)2
"كي ال يسمعوا دعوة احلق ،وتغَّطوا بثياهبم؛ كي ال يروا نبيهم"(.)3
التبسم : -5
قال تعاىل :ﮋ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮊ (.)4
العبوس : -6
قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﮊ (.)5
حركة اليد : -7
أ – غل اليد :
قال تعاىل :ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ (.)6
ب-بسط اليد:
قال تعاىل :ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ (.)7
المشي بالحياء: -8
() 8
ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ قال تعاىل :ﮋ ﮌ ﮍ
وحنو ذلك تطرق القرآن الكرمي إليه ،وكذلك السنة النبوية ،بأمثلة كثرية ،واستخدام هذه املهارة
65
يفيد فوائد مجة ال سيما يف التفاوض ،فينبغي تعلمها ،وإتقاهنا ،وممارستها ليكون يف التفاوض أبلغ
األثر.
عشرون :طلب الدعم والمدد
عند احلاجة لزيادة العدد من املرافقني املؤهلني مهم جدًا أن يتم ذلك وقت الطلب.
مهارات ختام ونهاية التفاوض
هناك عدد من املهارات يلزم أن تكون يف املفاوض اجليد ومنها ما يلي :
الشعور بالرضا عن الطرف املقابل يف حال الوصول إىل اتفاق منصف وإظهار ذلك -1
ألطراف التفاوض .ﮋ ﭽ ﭾ ﮊ حولت التفاوض إىل عيسى ،عليه السالم.
عدم الظهور مبظهر املنتصر ،والتعايل على أطراف التفاوض ،فلذلك آثار سلبية معلومة. -2
التزام األداب وعدم الشماته أو السخرية. -3
الوفاء وااللتزام بنص االتفاق وبنوده وعدم خرقها أو القيام بأي عمل ينقضها . -4
وقد جتلت صفات املؤمنني بذلك ،قال تعاىل :ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ(.)1
66
المبحث الرابع :األساس األخالقي
األخالق رفmmع شmmأهنا اإلسmmالم ووردت يف القmmرآن الكmmرمي كثmmري من دالالت األخالق ومنهmmا مmmا
خيتص بالتفmmاوض كاألمانmmة ،والصmmدق ،ولmmزوم الوفmmاء بmmالعهود وعmmدم نكثهmmا أو نقضmmها ،ومن تلmmك
األخالق ما يلي :
أوال :الكلمة الطيبة
المنطق السليم من أهم ما يميز المفاوضين ،وقد أمر الله نبيه محمد أن يقول بيانًا بليغا ،
فقال تعالى :ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮊ( )1ويقول تعالى :ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ (.)2
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ وقولmm mه ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ( )3ولذلك على اإلنسان أن خيتار
أفض mmل الكلم mmات ،وأقواه mmا أثm mرًا ،وأبلغه mmا على املس mmامع ،ومن ب mmاب أوىل من يتع mmايش م mmع اخلل mmق
وحيتاج إىل املفاوضات ،ليخاطب هبا اآلخرين ،وحيل مشكالته ويسعد يف حياته
كما جيب تاليف التعابري اليت من شاهنا أن حتدث رد فعل سليب عند الطرف اآلخر .
ثانيا :التواضع
يزيد التواضع القرب بني األطراف ويعمل على سد الفجوات إن وجدت والقرب من
االتفاق قال تعاىل :ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ (.)4
وهذا مع املؤمنني ،وكذلك احلال مع املخالفني يف دعوهتم ،قال تعاىل :ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ (. ) 5
وال ينايف التواضع اهليبة وقوة الشخصية ،وقال " : وما تواضع أحد هلل إال رفعه اهلل"(.)6
67
ثالثا :حسن المظهر
يقول تعاىل :ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ(.)1
ومن املشاهد واملعلوم أن نظافة املنظر وحسن املظهر غري املبالغ فيه ،يضفي رونقا ومجاال
وهباءا وهيبة للمفاوضني وغريهم فينبغي االهتمام به .
رابعا :حسن االعتذار من الخطأ
إن وجد خطأ يجب أن يعترف به ويعتذر منه في حينه إن دعت المصلحة ،كي ال تزيد
األمور تعنتًا وتأزمًا ،فقد جبلت األنفس على قبول االعتذار والتسامح ،فهذا كليم الله ونبيه ورسوله
موسى عليه السالم حين ذّك ره فرعون بقتله النفس قال ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﮊ (.)2
وحسن االعتذار من اخلطأ يدعو إىل التسامح بني الناس ،ولذلك أثر بالغ األمهية يف ترابط
العالقات االجتماعية وإجياد الود بني النفوس ومجعها والتآلف فيما بينها.
خامسا :اإلنصات
اإلنصات :وهو من األخالق احملببة بني الناس ،ويكون اإلنصات متبادل بني املتحدثني ،
ويتضمن اإلنصات واالستماع اليقظة التامة ملا يقال وحيدث واالنتباه له وفهمه فهمًا صحيحًا على
() 3
مراده ،قال تعاىل :ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ
ﮟ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ فال يتم االستماع دون تركيز وانتباه ،قال تعاىل :ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮊ (. ) 4
ﮋ ﮜ ﮊ " وهو من مساع األذن .وهم ال يسمعون أي ال يتدبرون ما مسعوا ،وال يفكرون
() 5
فيه ،فهم مبنزلة من مل يسمع وأعرض عن احلق .هنى املؤمنني أن يكونوا مثلهم"
واإلنصات إىل حديثهم ومهومهم وشكواهم
سادسا :كسب القلوب
.21
)(1سورة األعراف اآلية .31
)(2سورة الشعراء اآلية .20
)(3سورة األعراف اآلية .٢٠٤
)(4سورة األنفال اآلية .21
)(5تفسير القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،محمد بن أحمد األنصاري ،دار إحياء التراث العربي،بيروت 1965م ،ج 4ص.388
68
ومن أساليب كسب القلوب ما يلي :
المالطفة : -1
فهي توجد روابط بني الناس وتؤلف بني قلوهبم وتوحي باالهتمام ويطلبها الصغري ،والكبري،
والذكر ،واألنثى ،وهي ترتك أثرًا يف النفوس ،وال حتتاج إىل الكثري من اجلهد ولكن وجه مشرق
،وحميا صادق وبسمة يف موضعها ،ولسان لني .
تقديم الخدمات : -2
حماولة تقدمي اخلدمة ملن تتصل هبم فيسهل بذلك قبول تفاوضك وقبول رأيك .
اإلحسان : -3
يقدم اإلحسان ملن تتصل هبم ،مبعرفة ما حيبون والقيام به ،وما يكرهون وجتنبه ،ومداومة
اإلحسان إليهم وكف األذى عنهم .
المشاركة في األفراح واألتراح :جبلت النفوس على حب من يشاركهم أفراحهم -4
وأتراحهم ،وهي من صفات أهل املروءات ،
قال الشاعر :
()1
والبد من شكوى لذي مروءة ::يواسيك أو يسليك أو يتوجع
ويعترب ذلك من األخالق وفن لكسب القلوب ،وحري بكل من يهتم باملفاوضات إتقان
هذه األساليب وتطبيقها والعمل هبا على أرض الواقع ،وال يكفي العلم هبا فقط دون العمل.
)(1قول الشاعر بشار بن برد ،البحر الطويل ،هناية األرب يف فنون األدب ،شهاب الدين أمحد بن عبد الوهاب النويري دار
الكتب العلمية ،بريوت لبنان ،ط األوىل ، 2004 -1424ج 3ص ، 75حتقيق مفيد قمحية .
69
الفصل الثالث
مجاالت التفاوض
70
المبحث األول
المجال التربوي
71
المطلب األول :تعريف التربية
أوًال في اللغة:
يقال "َرَبا و ُر ُبّو ًا كُعُلٍّو وِر باًء :زاَد وَمَنا ،وَر َبْو ُت يف َح ْج ِرِه َر ْبوًا وُر ُبّو ًا وَر َبْيُت َر باًء وُر ِبّيًا:
َنَش ْأُت .وَر َّبْيُته َتْر ِبَيًة َ :غَذ ْو ُته َك َتَر َّبْيُته"(.)1
و"ربت َرَبَت الصَّيب وَر َّبَته َر َّباه وَر َّبَته ُيَر ِّبُته َتْر بيتًا َر َّباه َتْر بيًة
قال الراجز َّ :مَسيتها ِإذ ُو ِلَد ْت ُمَتوُت والَق ُرب ِص ْه ٌر ضاِم ٌن ِز ِّم يُت ليس ملن ُضِّم َنه َتْر بيُت "(.)2
والرتبية :النماء والزيادة قال تعاىل :ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﮊ (. ) 3
ثانيًا :التربية في االصطالح
تتعدد تعريفات الرتبية نظرًا لتعدد األهداف واالهتمامات يف املؤسسات الرتبوية على
اختالف أنشطتها ،ويتم إيراد تعريفات عن مفهوم الرتبية وهي كما يلي :
تعرف الرتبية بأهنا " اإلصالح والتغذية ،والعمل على اإلمناء"(.)4
ويقصد بـ"الرتبية يف اإلسالم تعين بلوغ الكمال بالتدريج ويقصد بالكمال هنا كمال اجلسم
والعقل واخللق ألن اإلنسان موضوع الرتبية"(.)5
أهمية التربية
الرتبية هي تنمية القلب والقالب مجيعًا ،وترتكز أمهية الرتبية أهنا تسهم يف حماربة هوى النفس
وتنمية الشخصية منذ التنشئة األوىل حنو جيل يسمو باألمة ،ويرفعها حنو التقدم ،والعزة ،
فاملسلمون يسعون ألجناهلم ،يف الرتبية على القرآن ،واملتأمل ألعالم األمة ،من العلماء الربانيني ،
والقادة األفذاذ ،جيد بعد توفيق اهلل ،جهود تربوية بذلت هلم .
كما تربز أمهية الرتبية اإلسالمية ،من جهة كوهنا تكليف وأمانة ،مناطة بالويل ،وحياسب
عليها الويل ،ويؤجر على تأديتها على وجهها ،تسهم يف العيش السليم ،والقدرة على التعامل
)(1القاموس احمليط ،مادة ربا مرجع سابق ج 1ص .1659
)(2لسان العرب ،مادة ربا مرجع سابق 2ص .33
)(3سورة احلج اآلية .5
)(4زهرة التفاسري ،حممد أبو زهرة ،دار الفكر العريب ،ج، 1ص. 58
)(5الدكتور حممد منري مرسي ،أصول الرتبية ،الناشر :عامل الكتب .ج 1ص.51
72
مع أزمات احلياة ،اليت قد يواجهها الفرد ،وتسعى الرتبية اإلسالمية لصالح حياة اإلنسان يف
الدنيا ،واآلخرة .
ومصادر الرتبية اإلسالمية ،القرآن الكرمي ،وقد تنوعت وتعددت طرق وأساليب الرتبية يف
القرآن الكرمي ومنها الرتبية بظرب األمثال ومنها الرتبية بالقصة ،وأخرى بأسلوب احلوار
القرآين ، ...ومصادر أخرى كالسنة املطهرة ،وهنج سلف األمة ،وقد اختصت الرتبية اإلسالمية
بالشمول ،واالعتدال ،والتوازن ،والوضوح ،ومن طرق الرتبية ،الرتبية بالقدوة احلسنة ،
والرتبية العبادية ،وينبغي على املريب ،التحلي بالصرب ،والصدق ،واإلخالص ،والتزود مبحاسن
األخالق ،واليت تكون عونًا بعد اهلل على الرتبية احلميدة .
73
الرغبة يف نفع اآلخرين وحل مشاكلهم عرب املفاوضات. -4
التعود على حسن االستماع ،حيث يستمع كل طرف آلخر. -5
التعرف على اآلخرين وتنمية التواصل معهم ،من العوامل املؤثرة . -6
الرتتيب والتنظيم. -7
حيث يساعد على ،حتديد وقت التفاوض ،وموضوع التفاوض ،واملصطلحات املستخدمة،
وحتديد األهداف ،والغرض من التفاوض ،ودراسة املوضوع وأبعاده واحتياجاته ومن مث تقييمها
ومجع البيانات واملعلومات والتأكد من احلقائق والوثائق.
تعلم عدد من املهارات ومنها اإلقناع والتأثري . -8
تعلم اإلجياز وعدم اإلسهاب باختيار الكلمات واجلمل القصرية ،واليت تكون هلا -9
دالالت مركزة وتفهم على وجه السرعة وال حتتاج إىل إعادة أو تفصيل .
كسب اخلربة والتجربة يف خمتلف امليادين واجملاالت وذلك حبسب مواضيع التفاوض. -10
معرفة القضايا اليت يدخلها التفاوض والقضايا اليت ال يدخلها التفاوض . -11
إمكانية إبراز عدد من القضايا اهلامة ،وتكون صورية ،وومهية ،ومن مث التفاوض -12
حوهلا مع األوالد ولذلك آثار منها ما يلي:
ا -زرع احملبة واأللفة واملودة بني الوالدين وأوالدهم وبني األوالد فيما بينهم.
ب -غرس الثقة فيهم وأهنم على قدر املسؤولية ويتصفون برجاحة العقل.
ج -تنمية إيصال اخلري للغري ،ونفع اآلخرين.
د -حتري العدل بني الناس ومعرفة فضله والبعد عن الظلم ومعرفة مآله يف الدنيا
واآلخرة .
تفعيل دور األسرة يف اجللوس مع بعضها البعض :حيث تعاين كثري من األسر اليوم من -13
قلة الوقت الذي تقضيه األسرة مع أوالدها.
تعلم التؤدة يف األمور وعدم العجلة . -14
ألن من الصفات اللصيقة ببين اإلنسان ،العجلة يف األمور ،وكيف ال؛ وقد قال فاطر الناس
() 1
جل وعال -ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ
74
-15العزة :
الشعور باإلعزاز هو الشعور الذي يسهم يف بناء النفس ،بناًء سليمًا ،بعيدًا عن اهلوان
والذلة ،إال هلل العزيز احلكيم .
تنمية الفكر -16
إعمال الفكر والعقل ،الذي جيعل النفس تواقة للتفكري والعمليات العقلية واليت تتميز
بالرجاحة واملنطق .
إنزال الناس منازهلم -17
كان من هدي النبي إنزال الناس منازلهم ،فعن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت بنو
قريظة على حكم سعد( ،)1بعث رسول الله ، وكان قريبا منه ،فجاء على حمار ،فلما دنا قال
رسول الله : قوموا إلى سيدكم ،فجاء فجلس إلى رسول الله ، فقال له " :إن هؤالء نزلوا
على حكمتك" .قال :فإني أحكم أن تقتل المقاتلة ،وأن تسبى الذرية ،قال :لقد حكمت فيهم
بحكم الملك"(. )2
وكذلك قوله يف أسارى بدر "لو كان املطعم بن عدي( )3حيا مث كلمين يف هؤالء النتىن
لرتكتهم له "(.)4
وفيما ورد عن النيب قال " :أقيلوا ذوي اهليئات عثراهتم "(.)5
ومعىن احلديث " :استحباب ترك مؤاخذه ذي اهليئة إذا وقع يف زلة أو هفوة مل تعهد عنه إال
ما كان حدًا من حدود اهلل تعاىل وبلغ احلاكم فيجب إقامته"( )6فهذا من إنزال الناس منازهلم ،وقد
() صحيح البخاري ،باب إذا نزل العدو على حكم رجل ،ح ،2878ج 3ص .1107 2
() هو املطعم بن عmدي بن نوفmل بن عبmد منmاف بن قصmي القرشmي النmوفلي وكmان شmريفا يف قومmه وهmو الmذي أجmار النmيب 3
وهو قادم من الطائف ،مجهرة أنساب العرب ،أبو حممد علي بن أمحد األندلسي ط 3دار الكتب العلمية بريوت ،ج1ص
.115
() الوفا بتعريف فضائل املصطفى ،ابن اجلوزي ،دار املعرفة ج 1ص .159 4
() سنن النسائي الكmربى ،أمحد بن شmعيب أبmو عبmد الmرمحن النسmائي ،كتmاب الmرجم ،بmاب التجmاوز عن زلmة ذي اهليئmة ،ح 5
، 7296ج ، 4ص ،310دار الكتب العلمي mmة ،ب mmريوت ط األوىل ، 1991 – 1411 ،حتقي mmق :د.عب mmد
الغفار سليمان البنداري ,سيد كسروي حسن ،ضعيف.
75
قدم رسول اهلل أصحاب القرآن على غريهم حىت يف الدفن( ، )1وأمر صحابته الكرام بذلك
فكانوا األسوة احلسنة يف إنزال الناس منازهلم ،سواء كانت يف السبق باإلسالم ،أو يف القرابة من
النيب ، أو غري ذلك من الفضائل.
وهmذا إبmراهيم الخليmل عليmه السmالم مmع أبيmه يmردد ،يmا أبت ،كمmا في قولmه تعmالى :ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭪﭫ ﭬ ﭭ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ (.)2
ويف ذلك كل الوقار والتقدير والتودد واإلكرام لألب واستدرار مودة ورمحة وعاطفة األبوة.
وهذا نيب اهلل يوسف عليه السالم خماطبًا أباه يعقوب عليه السالم كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﯢ ﯣ
ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﮊ (. ) 3 ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
حبث احللول على أساس مشرتك ،ويسهم ذلك يف حتديد نقاط االلتقاء ملعرفة املصاحل -18
املشرتكة بني الطرفني املتفاوضني.
الرتبية على اختيار الوقت املناسب لألمور وهتيئة اجلو املناسب للتفاوض. -19
الرغبة املشرتكة بني األطراف لدى بدء املفاوضات حلل املشكالت واملنازعات يسهم يف -20
تربية النفوس بالتقبل لكل منهما لآلخر بالتفاوض.
سرب الناس ،يريب التفاوض يف النشء معرفة سرب الناس وكيفية تقييمهم من خالل اللقاء -21
هبم واالستماع واإلنصات إىل حديثهم ،والنظر إىل حركاهتم ،يف املواقف التفاوضية .
الرتبية والتعلم على أن االعرتاف باخلطأ فضيلة وهو من شيم الشرفاء واألقوياء ويزيد -22
صاحبه رفعًة ومسوًا لدى العقالء ويريب فيه العدل واإلنصاف بدًء من نفسه وقد قال
النيب " كل بين آدم خّطاء( )4وخري اخلّطائني التوابون"(. )5
() فتmmاوى اللجنmة الدائمmmة للبحmmوث العلميmmة واإلفتmmاء ،أمحد بن عبmmد الmmرزاق الmmدويش ،نشmmر الرئاسmmة العامmmة للبحmmوث العلميmmة 6
76
وإن كان اخلطأ يف حق اآلخرين فتعتذر ملن متت اإلساءة إليهم من الناس عما بدر
جتاههم .
الرتبية على التحلي باملظهر احلسن . -23
() 1
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ قال تعاىل :ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ
الرتبية على اخلروج واللقmاء يكmون بmاملظهر الالئmق ،فمن يفmاوض سmيقابل النmاس ،ال سmيما يف
مواض mmيع هام mmة ،يتطل mmع األط mmراف أن يتم فيه mmا اختاذ ق mmرارات ،وه mmذا م mmدعاة للح mmرص على حس mmن
املظهر ،مع عدم املبالغة فيه.
مجابهة الحيل ،والخداع ،والمراوغة ،والجدل ،ألن اإلنسان أكثر شيء جدال كما قال -24
تعالى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ(. )2
وكثmmري منهم من يتصmmف باحليmmل واملراوغmmة واختالف النزعmmات واألهmmواء ،فلmmذلك يسmmتلزم من
يلج حلقل التفاوض يعد لألمر عدته بالرتبية على الفطنة والذكاء .
وذلmmك لوجmmود بعض املفاوضmmني يتصmmفون بmmاملكر واملراوغmmة ،وهmmذا مmmا يظهmmر لنmmا من مفاوضmmة
إخوة يوسف ألبيهم يعقوب ،عليه السالم ،حينما أمجعوا أمرهم ،قال تعاىل :ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ (. ) 3
البدء بالسؤال ؟ مالك ال تأمنا على يوسف ...
77
المبحث الثاني
التفاوض والمجال االجتماعي
78
المطلب األول :تعريف المجال االجتماعي وأهميته
اجملال "موضع اجلوالن يقال مل يبق له جمال يف هذا األمر"(.)1
واجملتمع :هو جمموعة من الناس تكون فيما بينهم روابط ومصاحل وتتنوع عالقاهتم من
عالقات دينية ،واجتماعية ،وثقافية .
واجملال االجتماعي :هو كل ما ميارسه اإلنسان منذ نشأته مع من حوله أيًا كانت وسائل
االتصال هبم .
أهمية المجال االجتماعي:
اهتم القرآن الكرمي يف اجملتمع اهتماما بالغا ومن دالئل ذلك االهتمام ،الرتكيز على
نواة اجملتمع األوىل وهي األسرة ومن مث التوسع يف االهتمام إىل مجيع فئات اجملتمع ،ويف
اجملال االجتماعي ميارس التفاوض يف حياة الناس منذ القدم ،طلبًا للمصاحل والتوافق ودرء املفاسد
،ويسهم التفاوض يف تفاعل اجملتمع بشىت أطيافهم مع بعضهم البعض وأيضًا مع شعوب العامل
اخلارجي وربط عالقات وثيقة فيما بينهم ،كما يسهم يف احلفاظ على اهلوية وتعزيز االنتماء حبيث
تصبح لغة التفاوض اإلجيايب مسة أصيلة يف احلياة االجتماعية ،ويدخل التفاوض يف اجملال
االجتماعي بشكر كبري يف التعامل بني البشر يف حل اخلالفات وهو وسيلة هامة لذلك ،ويف عصر
التمدن وتطور احلياة من جانب العالقات االجتماعية ال سيما يف وقتنا احلاضر حيث اتصال
الشعوب يف العامل ببعضهم البعض مما جعل التفاوض أشبه أن يكون على مدار الساعة بني الناس
سواًء على املستوي احمللي أو اإلقليمي أو الدويل ويلعب دورًا هامًا يف تقارب وجهات النظر وحل
اخلالفات ،إضافًة إىل العمل على تنمية العالقات االجتماعية بني الناس ،وتكمن أمهية التفاوض
يف اجملال االجتماعي يف عدد من اجلوانب ،و"كانت احملادثات الشفوية الوسيلة األويل للتفاوض
وتبادل الرأي يف خمتلف املواضيع والقضايا واملشاك ،ففي الصالت والعالقات االجتماعية كالزواج
() 2
مثال -كانت احملادثات الشفوية ووساطة أطراف ثالثة من وسائل التفاوض اهلامة إلمتام الزواج"
وكذلك احلال يف بقية اجملاالت ،وفيما يلي مناذج من القرآن الكرمي يستفاد منها أنه حصل فيها
)( 1إبراهيم مصطفى ـ أمحد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ حممد النجار دار الدعوة املعجم الوسيط ج 1ص -148حتقيق:
جممع اللغة العربية .
http://www.siironline.org/alabwab/monawat(28)/84.htm )(2بتصرف يسري .
79
شيء من التفاوض يف اجملال االجتماعي .
80
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊ (. ) 1 ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
وتصmmور لنmmا هmmذه اآليmmات الكرمية ،مmmا جmmرى من تفmmاوض ،عن حmmال ابن عmmاق لواديmmه ،حيث
صّد ر كالمه لوالديه ،بقوله ﮋ ﮚ ﮛ ﮊ كافرًا ،ومنكmرًا للبعث ،والنشmmور ،واحلسmmاب يف اليmmوم
اآلخmmر ،سmmاخرًا ،ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ ووالديmmه ينذرانmmه ﮋ ﮧ ﮨ ﮊ مبينmmان لmmه احلق
األبلج ،ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ .
81
،وتعmmدت مmmا جعmmل اللmه عmmدال بين خلقmmه ،وأجmابت األخmرى منهمmا ﮋﮦ ﮧ ﮨ ﮊ يقmmول :فقmmاتلوا الmmتي
تعتدي ،وتأبى اإلجابة إلى حكم الله ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮊ يقول :حتى ترجع إلى حكم الله
الذي حكم في كتابmه بين خلقmه ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ ﮮ يقmول :فmإن رجعت الباغيmة بعmد قتmالكم إيmاهم
إلى الرض mmا بحكم الل mmه في كتاب mmه ،فأص mmلحوا بينه mmا وبين الطائف mmة األخ mmرى ال mmتي قاتلته mmا بالع mmدل :يع mmني
() 1
باإلنصاف بينهما ،وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدال بين خلقه"
ومن املؤكد أن الصلح بني الناس ،ليس باألمر اهلني ،أو السهل ،وخاصًة يف القضايا
اهلامة ،مثل أمن اجملتمع ،وحنوه ...وإمنا حيتاج لصفات عالية ومنها إجادة التفاوض بني األطراف
املختلفة ،واملتنازعة ،ومن مث اخلروج إىل حلول ترضي مجيع األطراف ،فبالصلح يتحول احلال ؛
من العداوة والبغضاء إىل احملبة والصفاء وحيل القرب بعد القطيعة واهلجران .
واملفاوض املصلح ،يسعى دومًا لإلصالح بني الناس مبتغيًا بذلك ،وجه اهلل ،ويتحني بأن
يكون اجملال مالئمًا ،مما ينهي اخلصومة والنزاع ،ليحل مكاهنا الوفاق والوئام ،ويربز التفاوض يف
اجملال االجتماعي للصلح فيما بني الناس لعالج املشكالت يف عدد من اجلوانب ،ومنها ما يلي:
)(1تفسري الطربي ،جامع البيان يف تأويل القرآن ،حممد بن جرير الطربي ،مؤسسة الرسالة،ط 1حتقيق أمحد شاكر -1420،
، 2000ج 22ص .292
)(2سورة النساء اآلية .35
82
اإلصالح ،فعند اشتداد اخلالف بني الزوجني ،يتم التدخل ،ممن جييد التفاوض مع الزوجني
للبحث عن حلول مناسبة للجميع قدر اإلمكان.
وينبغي احلرص على التوافق الفكري والثقايف واالجتماعي بني الزوجني ،ألنه مهم
وضروري ،وقد تقع اخلالفات ،وحيدث اخلصام بني الرجل وزوجته ،وهو أمر طبيعي وحتمي
ومشاهد وله أسبابه الكثرية واملختلفة .
وقد أصبح إتقان التفاوض للصلح بني األزواج موهبة وفن وهو علم يدرس ويؤهل املختصني
يف هذا اجلانب ،ويربز منهم من هلم جتارب يف احلياة الزوجية ،وال خيفى أن من مقاصد التشريع
اإلسالمي يف احلياة الزوجية أهنا تقوم على املودة والرمحة ،وإعطاء احلقوق والواجبات وتكون
النفس يف ذلك مقبلة مطمئنة ،وهذا ما يسعى له املختصني يف اإلصالح األسري من التفاوض مع
الزوجني بغرض اإلصالح
التفاوض في شأن األسرة واألوالد. -2
لقد اعتىن القرآن الكرمي أكمل عناية باألوالد ،فشرع الزواج ،واعتىن بفرتة احلمل ،ومن مث
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ فرتة الرضاعة ،قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ
() 1
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﮊ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ
فشرعت األحكام املتعلقة يف كل ذلك ،وكل ما تقدم ذكره يف اآلية الكرمية قد يطرأ عليه
كثري من اخلالفات ،فيدخل التفاوض بغرض اإلصالح يف قضايا السكن والنفقة ،سواًء على
الزوجة ،أو األبناء ،وال خيفى على العقالء حجم املشكالت األسرية مع األوالد ،ال سيما
املرحلة اخلطرة ،وهي مرحلة التكليف وتسمى يف الواقع املعاصر عند البعض مبرحلة " املراهقة "
واحلاجة املاسة هلذه الفئة من التقدير واالحرتام ،واالهتمام هبم ،باإلضافة إىل احلب واحلنان
واإلرشاد وحسن التوجيه املنضبط لتهذيب السلوك والتصرفات ،وحيسن التفاوض معهم بدقة
وحرص عند اخلطأ.
ثالثًا :التفاوض لحل المشكالت بين األرحام.
لقد أوىل اهلل – جل وعال -لألرحام اهتمامًا كبريًا ،فقال تعاىل :ﮋ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
83
() 1
. ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ ﰀﰁ ﰂ ﯾ ﯿ ﯽ
ورتب على اإلحسان إليهم األجور العظيمة ،وحذر من القطيعة واإلساءة إليهم ،واملشاهد
كثريًا من األرحام تنشأ بينهم خالفات ،وتوصل أحيانًا إىل القطيعة فيما بينهم .
وحتل املشكلة بني األرحام عن طريق التفاوض بالسعي إىل حلها للحفاظ على روابط
القرىب ،أو الرحم .
رابعًا :مشكالت أهل البلد من المجتمع
اهتم القرآن الكرمي بعالج كل أمر قد يسبب الفرقة بني املسلمني ،فقال تعاىل :ﮋ ﭚ ﭛ
() 2
ﭥﮊ . ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
والتفاوض يعتبر األسلوب الحضاري لمعالجة المشكالت بين أفراد المجتمع ،وفي المشكالت
تكمن الخطورة فيها إن تفاقمت ،وذلك أنها تتصل بأعداد أكبر في المجتمع ،وإن لم تحل ،قد تنشأ
منها أمور ال تحمد عقباها ،ويتجلى لتوضيح ما سبق ،من السيرة النبوية ،موقف الرسول ،
وذلك قبل بعثته فيمن يضع الحجر األسود من القبائل في موضعه في الكعبة حين حصل "االختالف
بين قريش في وضع الحجر قال ابن اسحاق ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة
تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه الى
موضعه دون األخرى حتى تحاوروا وتحالفوا وأعدوا للقتال لعقة الدم فقربت بنو عبد الدار( )3جفنة
مملوءة دما ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي( )4على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم
في تلك الجفنة فسموا لعقة الدم فمكث قريش أربع ليال أو خمسا ثم إنهم اجتمعوا في المسجد
وتشاوروا وتناصفوا أبو امية بن المغيرة( )5يجد حال فزعم بعض أهل الرواية إن ابا امية بن المغيرة بن
84
عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان عامئذ أسن قريش كلها قال يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما
تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ففعلوا الرسول يضع الحجر
فكان أول داخل عليهم رسول الله فلما رأوه قالوا هذا األمين رضينا هذا محمد فلما انتهى إليهم
وأخبروه الخبر قال هلم إلي ثوبا فأتى به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة
بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بني عليه
"(، )1وأنهى خالف بفضل الله قد يجر إلى حرب بين قبائل ،وبينت هذه القصة أن القبائل هموا
بالحرب ،إال أن الله لطف بهم ،بعد أن تفاوضوا فيما بينهم حتى خلصوا على رأي يكفيهم شر
الخالف .
وينبغي على كل من يتصدى للتفاوض في الصلح بين الناس ،أن يقوم باآلتي :
إخالص النية : -1
() 2
ﮊ قال تعاىل :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
التفmmاوض بmmإخالص العمmmل ،واستحضmmار تقmmوى اهلل ،يف األمmmر ،والmmدعاء ،طريmmق لقبmmول العمmmل،
والربكة فيه.
تقصي الحقائق : -2
ﭣ ينبغي التثبت يف األمور واألخبار قبل البدء يف التفاوض ،قال تعاىل :ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
() 3
ﮊ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
الفطنة والذكاء : -3
() 4
ﮊ املفاوض يتوسم ،قال تعاىل :ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
وعليmm mه أن يسmm mرب النmm mاس ،ألنmm mه يقابmm mل فئmm mات البشmm mر ،وفيهم املاكر ،واملخmm mادع فيجب االنتبmm mاه
واليقظة يف التفاوض عرب مراحله الدقة مع األطراف ومجيع اجلوانب.
التوثيق -4
)( 1ابن هشام ،السرية النبوية ط 1411دار اجليل ،بريوت ،ج 2ص . 19 - 18
)( 2سورة الزمر اآلية . ٢
)(3سورة احلجرات اآلية .٦
)(4سورة احلجر اآلية . ٧٥
85
فيتم تسجيل ما مت الوصول إليه وتوثيقه بشكل واضح .
وحmري أن يسmmتعان للصmmلح يف حmل اخلالفmmات ،من يكmmون من ذوي الmmرأي والبصmmرية واحلكمmة
خاصmmة من ع mmرف حرصmmه ورغبت mmه يف اإلصmmالح وحس mmنت نيتهم ،وصmmدق حmmاهلم ،ومن ل mmه ت mmأثري ،
كان اخلالف ،من أقارب ،أو من أصدقاء ،أو معارف.
رابعًا :جانب التنمية
ال خيفى على العقالء دور التفmmاوض يف اجلانب التنمmmوي يف اجملتمmmع ،على األفmmراد واجلماعmmات
وذلك للبناء يف خمتلف احتياجات التنمية.
86
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ(.)1
والخطأ وارد على بني آدم دون استثناء كما قال ": كل بني آدم خطاء وخير الخطائين
التوابون"( )2واالعتراف بالخطأ فضيلة ،ويثري التفاوض األمثل بين الناس ،كما أن االعتراف بالخطأ
،يرفع من قدر صاحبه ،فال يصلح أن يتشبث العبد برأيه في حال الخطأ ،وهي سمة من سمات
الفضالء ،ويتجلى هنا موقف أمير المؤمنين ،عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحينها كان يخطب
في الناس ،وراجعته إمرأة فقد روى أصحاب السنن "أن عمر بن الخطاب كان يخطب فقال" :أال ال
تغالوا في صدقات النساء ،فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أوالكم بها رسول
الله ما أصدق قط امرأة من نساؤه وال بناته فوق اثنتي عشر أوقية ،فقامت إليه امرأة فقالت له يا عمر:
أيعطينا الله وتحرمنا؟ أليس الله سبحانه وتعالى يقول :ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ
قال عمر :أصابت امرأة وأخطأ عمر"(.)3
رابعًا :العدل
العدل يف كل شيء يتصل يف التفاوض وغريه ،وإنصاف املقابل ،وعدم اإلجحاف فيه ،
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ولو كان من األعداء ،قال تعاىل :ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
() 5
ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ
87
اجلدل غالبًا ال يأت خبري ،وجيب احلذر من اجلدل الذموم ،ألن من طبيعة الإلنسان اجلدل ،قال
(.)1
ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ تعاىل :
ومن السنة ،قال < "بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقًا"( )2والمراء الجدل ،
فينبغي للمفاوض أن يبتعد عن الجدال الذي يبعد عن الحل ويزيد من بعد الشقة بين الناس ،أيًا كان
موقعهم .
88
عاشرًا :االقتصار على المفيد
يعلمنا القرآن الكرمي ،االختصار واإلجياز ،فخري الكالم ما قل ودل ،وذكر املختصر املفيد،
والنتأمل للنص القرآين التايل ،قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ
() 1
ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ ﭟﭠ ﭡ
وذلك اخلطاب التفاوضي ببني يعقوب ،عليه السالم ،وبنيه ،حينما طلبوا بنيامني ،أخو
يوسف ،ليذهبوا به ليكتالوا .
وحيسن البعد عن احلديث يف األمور اليت ال طائل من ورائها .
حادي عشر :التحلي بالصبر
املفاوضات ،تقتضي الصرب ،والتأين ،وعدم اإلسراع أو العجلة ،قال تعاىل :ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ
() 2
ﮊ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
وقد جعل اهلل على الصرب الثواب اجلزيل .
ثاني عشر :التقارب بين المتفاوضين
تقارب املفاوضني من بعضهم ،وهذا يضيف هلم شعور وهو كما أهنم متقاربون بأجسادهم،
يتقاربون بآرائهم ،وبأفكارهم وتوجهاهتم ومصاحلهم .
89
الغرور . د-
ومجيع ما سبق يزيد من تنمية الروابط والصلة بني الناس من خالل أخالق العمل التفاوضي
بني الناس كما حيقق هلم العالقات االجتماعية اجليدة .
90
المبحث الثالث
دور التفاوض في المجال الدعوي
91
المطلب األول :تعريف الدعوة وأهميتها
أوًال :تعريف الدعوة
الدعوة لغة :
() 1
الدعوة "دعا ،دعاء ،ودعوى ،الدعوة يدعى إليها األخوان"
و"الدعوة ودعوت فالنًا أي صحت به واستدعيته"(.)2
والدعوة يف االصطالح :هي الدعوة إىل اهلل على بصرية وتكون باحلكمة واملوعظة احلسنة
واجملادلة باليت هي أحسن .
ثانيًا :أهمية الدعوة
مهنة األنبياء عليهم السالم ،الدعوة إىل اهلل ،فهم أئمة الدعوة إليه سبحانه ،قال تعاىل:
ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ (. ) 3
واألنبياء هم القدوة ،واألسوة احلسنة اليت جيب االقتداء هبم ،قال تعاىل :ﮋ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﮊ (. ) 4
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ وقال تعاىل :ﮋ ﯯ ﯰ
ﮊ (. ) 5
والدعوة من األعمال اجلليلة واهلامة ،وقد تستلزم تفاوضًا ،أو جداًال أو حوارا ونقاشا ،
وهي حتتاج إىل علم ،وإتقان ،وصرب ،وتضحيات ،وسلوك ،ودراية ومعرفة بالوسائل
واألساليب الدعوية ،ومعرفة أحوال الناس ،وأعرافهم وعاداهتم ...فقد يقابل الداعية عدم
قبول ،وصد ،وإعراض ،ورمبا زاد األمر إىل السخرية ،واالستهزاء ،قال تعاىل :ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ (. ) 6
فالتفاوض إذًا ضرورة يف الدعوة إىل اهلل ،ويعترب وسيلة مثلى من وسائل الدعوة إىل اهلل .
)( 1القاموس احمليط ،الفريوز أبادي ،مرجع سابق ،مادة دعا دعاء ،ج ، 1ص.955
)(2لسان العرب ،ابن منضور ،مرجع سابق ،مادة دعا ،ج ، 14ص.257
)(3سورة النحل اآلية .16
)(4سورة األنعام اآلية .90
)(5سورة األحزاب اآلية .21
)(6سورة املطففني اآلية .30
92
المطلب الثاني :دور التفاوض في المجال الدعوي
الدعوة إىل اهلل مهنة األنبياء والرسل ،عليهم السالم ،وتوصل عرب سبل وطرق ،وقد أمر
اهلل هبا ،قال تعاىل :ﮋﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ
() 1
ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ
وكثريًا ما تستخدم املفاوضات يف الدعوة إىل اهلل ،فــ"التفاوض باملنهج الدعوي جتري
الدعوة فيه إىل مذهب أو مبدأ يلتف حوله الناس ويتميز بسمات من االستقامة واللني"( )2وبيان
دور التفاوض يف اجملال الدعوي يف ما يلي:
الداللة على اخلري ،والدعوة إليه ،كما يف جاء يف كتاب سليمان عليه السالم إىل بلقيس -1
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ملكة سبأ وذلك يف قوله تعاىل :ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
()3
ﯕ ﮊ
النهي عن الشر ،قال تعاىل :ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ -2
() 4
ﮅ ﮆﮊ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
تقدمي املصلحة العامة . -3
التفاوض الدعوي يعمل على كسب العقول والقلوب ،قال تعاىل ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ -4
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭞﭟ ﭠ ﭡ
() 5
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ
والتفاوض الدعوي ،هو ما يتميز بسمات الرفق ،واللني بني الناس ،باحثًا عن استقامة اخللق
بنشر احلكمة واملوعظة احلسنة.
يقوم بالدور الوقائي ،لتفادي وجتنب حدوث األزمات ،أو املشكالت ،من خالل -5
املبادرة بعمل وقائي .
املشاركة يف الشدة والرخاء ،ويف السلم واألزمات ،ومن ذلك ما حكاه اهلل عن نبيه -6
93
يونس عليه السالم ،ومشاركته لقومه يف االقرتاع وهم على ظهر السفينة يف البحر ،
حيث قال تعاىل :ﮋ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮊ (. ) 1
التفاوض ،يعمل على تصحيح املفاهيم اخلاطئة لدى الناس ،كي ال يلتبس األمر ، -7
ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ وبيان الفصل ،والقول احلق ،قال تعاىل :ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ (. ) 2
يسعى للمحافظة على القيم واآلداب. -8
يقوم بالدور يف إزالة الشبه ،والرد على الباطل ،إلظهار احلق ،قال تعاىل :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ -9
ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ (. ) 3
وضع البدائل والحلmول ،على مائmدة المفاوضmات ،على صmعيد األفmراد ،والجماعmات ،وهmذا -10
ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭑ ﭒ من أبواب الدعوة ،قال تعالى :ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ
ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﮊ(.)4
طلب موسى عليه السالم من فرعون إرسال بين إسرائيل معه ،وعدم تعذيبهم ،كما جاء يف
قوله تعاىل :ﮋﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﮊ( ، )5ووضع له بدائل ففي حالة
عدم إميانكم ،اتروكوين وشأين ﮋﭧ ﮊ ولكنه الطغيان ،واالستكبار ،الذي يعمي عن
احلقيقة ،ويصد عن السبيل .
اخلروج من املواقف التفاوضية بدروس يستفاد منها ،وستذكر فوائد مفاوضات صلح -11
احلديبية كنموذج لذلك(.)6
التفاوض الدعوي ،وسيلة لقبول الدعوة وإقامة احلجة. -12
معرفة ما هو املهم يف الدعوة والبدء باألهم والقيام باألعمال الدعوية حسب أمهيتها -13
94
معرفة احتياجات الناس ورغباهتم وهذا مما يعني الداعية يف احلفاظ على حسن العالقات -14
وتنميتها
ومن دور التفاوض الدعوي أنه ُيكسب الداعية عدد من الصفات والمهارات العلمية،
والعملية للداعية ،وينبغي الحفاظ عليها ومراعاتها أثناء المفاوضات ،لدعم قبول دعوته
ومنها ما يلي :
-1التجرد يف حتري احلق ،وقبوله ويف احلديث " ،ال َأُلويِن َّطًة ِّظ وَن ِفي ا اِت الَّلِه
ُخ ُيَع ُم َه ُح ُر َم َيْس
ِإال َأْع َطْيُتُه ْم ِإَّياَه ا"(.)1
ويقول اإلمام الغزايل ،رمحه اهلل ،عند ذكره لعالمات طلب احلق " :أن يكون يف طلب احلق
كناشد ضالة ،ال يفّر ق بني أن تظهر الضالة على يده ،أو على يد من يعاونه ،ويرى رفيقه معيًنا
ال خصًم ا ،ويشكره إذا عرفه اخلطأ وأظهر له احلق"(.)2
الصدق واالعتدال يف احلديث. -2
التحلي باإلنصات وعدم املقاطعة للطرف اآلخر. -3
البدء باألهم يف الدعوة قال تعاىل :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ -4
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ ( . )3
قال ":ال يطيع بعضنا بعضا يف معصية اهلل"(.)4
التدرج وإدراك الداعية للتدرج والتزامه به حري أن يؤيت أكله. -5
مراعاة املصاحل واملفاسد. -6
اإلعداد اجليد للتفاوض وحتضري األدلة واحلجج. -7
إعطاء كل طرف وقته يف ذكر مطالبه ،وما يتعلق هبا ،واعتبار املفاوضات فرصة -8
للتعاون ،قال تعاىل :ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﮊ(.)5
95
التفريق بني الرأي ومن يقدمه. -9
املرونة فيما ميكن املرونة فيه والسعي لفهم مصاحل األطراف مجيعها. -10
ترتيب النقاط وفقا ألمهيتها والرتكيز على األكثر أمهية . -11
إن احتاج األمر لطلب فرتة مراجعة يراجع فيها قبل اختاذ القرار فذلك أجدى ،وهذا ما -12
حصل بني النيب ،صلى اهلل عليه وسلم ،ونصارى جنران ،حيث طلبوا إمهاهلم إىل
الغد ،فأتوا من الغد وقد عدلوا عن املباهلة ،إىل املوادعة على مال يدفعونه(.)1
التوضيح يف احلديث واألسئلة لفهم املراد منها ،وبيان الغاية من التفاوض . -13
اليقظة ،واالنتباه ،لردود األفعال ،واالستفادة منها ،كما يقتضي االتفاق ،بأن يتم -14
التوثيق لنتائج املفاوضات .
التفاوض الدعوي حيافظ على العالقات االجتماعية حىت بعد انتهاء املفاوضات ،كما -15
يدعو لاللتزام باألخالق الفاضلة.
التمهيد لتحديد نقاط االلتقاء واالنطالق من النقاط املشرتكة وذلك يعد أساسَا لتفاوض -16
جاد وهادف بني أطراف التفاوض حيث يوفر نقطة لالنطالق ومن هنا كان من أصول
التفاوض يف القرآن الكرمي أن يبدأ املفاوض تفاوضه من النقاط املشرتكة اليت عرب عنها
التنزيل بـ " كلمة سواء " .قال تعاىل :ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ (.)2
هتيئة املناخ للتفاوض حىت هناية املفاوضات عرب مراحلها ،فتحديد النقاط املشرتكة بني -17
املتفاوضني والبدء هبا تزيد من فرص التالقي والتقريب الفكري ويساعد على تقريب
الفجوة وختفيف احلدة والتوتر إن وجدت ،وتشخيص نقاط اخلالف وحمل النزاع حملاولة
معاجلتها بأفضل أسلوب وأيسر طريقة.
حسن املظهر ،والعناية به ،دون مبالغة ،ومعلوم أثر ذلك ،مع احلرص على االنطباع -18
األويل ،واملبدئي ،فذلك له تأثري قوي وفاعل على سري املفاوضات واحلرص على
حسن الرتحيب يف أول اللقاء .
)( 1السنن الكربى ،أمحد ابن احلسني بن علي البيهقي ،كتاب اجلزية ،باب املهادنة على النظر ،ح ، 19281ج 9ص
.221
)(2سورة آل عمران اآلية .64
96
التقبل للخصم يف التفاوض ،وذلك بقبول التفاوض معه ،قبول البدائل اليت ال تؤثر -19
على األساس واهلدف املنشود ،كما حصل يف صلح احلديبية.
كسب ثقة الطرف اآلخر حبسن دوام العشرة . -20
97
المطلب الثالث :نماذج دعوية تتعلق بالتفاوض
مثة مناذج يستفاد منها يف التفاوض الدعوي ومنها العناية بالبيان واختيار األلفاظ بدقة متناهية
كي تكون مؤثرة وهلا دالالت واضحة ،وعدد من اخلطوات ،مثل العناية باألسئلة والتوقيت ...
ونذكر فيما يلي ما يتيسر من تلك النماذج :
الشاب الذي أراد الزنا. -1
مل ينهي القرآن الكرمي عن الزنا فحسب بل هنى عن مقدماته ،وخطواته ،والقرب منه ،
() 1
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ فقال تعاىل :ﮋ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ
وعن أيب أمامة أن فىت شابا أتى رسول اهلل فقال :يا رسول اهلل ائذن يل بالزنا ،فأقبل
القوم عليه فزجروه ،وقالوا "مه ،مه" فقال :ادن ،فدنا منه قريبا .قال :فجلس.قال :أحتبه ألمك ؟
قال :ال واهلل ،جعلين اهلل فداءك .قال :وال الناس حيبونه ألمهاهتم .قال :أحتبه ألختك ؟ قال :ال
واهلل جعلين اهلل فداءك .قال :والناس ال حيبونه ألخواهتم .قال :أحتبه لعمتك؟ قال :ال واهلل ،جعلين
اهلل فداءك .قال :وال الناس حيبونه لعماهتم .قال :أحتبه خلالتك؟ قال :ال واهلل ،جعلين اهلل فداءك.
قال :وال الناس حيبونه خلاالهتم .قال :فوضع يده عليه وقال" :اللهم اغفر ذنبه ،وطهر قلبه،
وأحصن فرجه" .فلم يكن من الفىت بعد ذلك يلتفت إىل شيء"(.)2
ونستفيد عددا الفوائد من هذا املوقف وهي كما يلي :
ا -بدأ الشاب بطلب اإلذن يف الزنا من الرسول ، فاستخدم الرسول أسلوب جيري
جمرى التفاوض واملناقشة معه .
ب -االستماع واإلنصات للشاب
ج -قدمت له أسئلة حمددة وقوية كأن هلا دوي – أترضاه ألمك ... -
د -التعليق على اإلجابة باملقرر لدى العقالء أهنم كذلك ال يرضونه لذويهم من أمهات أو
بنات ،أو أخوات ،أو عمات ،أو خاالت ...
مفاوضة نبي اهلل موسى عليه السالم ،وفرعون الطاغية . -2
98
ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ قوله تعالى :ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ(. )1
ﮌ ﮋ وتطورت املفاوضات حىت أصبحت علينة كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮠ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﯙ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﯳ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ (. ) 2
وهنا يتضح االستثمار األمثل للمفاوضات يف الدعوة ،إلظهار احلق ،حيث كانت سببًا يف
إميان السحرة ومن تبعهم .
() 3
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﮊ -3ﮋ ﭑ
تضمن صلح احلديبية صورًا متعددة من الدعوة ولقد أّثرت فيمن أتى للتفاوض من قريش مث
إن"املتأمل ىف شروط احلديبية يرى أهنا أجنزت للمسلمني ما أرادوا دون سفك للدماء،
فعندما تفاوض النيب صلى اهلل عليه وسلم على شروط احلديبية مل يتنازل عن مطلبه الرئيس
بأداء مناسك العمرة ، ،كما أن التغيري يف اخلطاب مل خيسر املسلمني اهلدف التفاوضي
األساسي ،كما أن الذكاء النبوى ىف فن التفاوض رأى أن املسلمني حباجة إىل هذه اهلدنة
بدون حروب للتفرغ للدعوة بأمان ونشر اإلسالم ،وقد أمجع علماء املسلمني على أن
هذه الفرتة كانت الفرتة املهمة للدعوة(.)4فقدمت مصلحة الدعوة ،وهي املصلحة العامة
واألهم يف هذا احلدث العظيم والذي نتج عنها الفتح املبني ،كما "أن النىب عليه السالم بدأ
بالسيطرة على املفاوضات مبنهج املباغتة بطلبه التفاوضي بإطالق صراح عثمان بن عفان
رضي اهلل عنه،والىت كانت بيعة الرضوان وهذا من عظيم حنكته التفاوضية ،وقال أننا ما
أحوجنا اىل التفاوض النبوى"(.)5
وبعض مطالب األنبياء عليهم السالم من أقوامهم تعد من قبيل التفاوض ،علمًا أن ممارسة
99
الداعية للتفاوض فيه تعليم الناس ما ينفعهم ونشر آلدابه وأخالقه.
100
المبحث الرابع
التفاوض والمجال النفسي
101
المطلب األول :تعريف النفس وأهميتها
أوًال :التعريف في اللغة
() 1
ورد يف النفس ضربني " :أحدها الروح ،واآلخر معىن النفس فيه مجلة الشيء وحقيقته"
"النفس الروح ،نفسته بنفس أي أصبته بعني ،ونافس عاين ،ونّف س تنفيسا ونفسا أي فرج
تفرجيا ،وغري ذي نفس كريه" (.)2
ويف احلديث الشريف" :فواهلل ما الفقر أخشى عليكم ،ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم
الدنيا ،كما بسطت على من كان قبلكم ،فتنافسوها كما تنافسوها ،وهتلككم كما أهلكتهم"(.)3
النفس اصطالحًا :
قال تعاىل :ﮋ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ (.)4
ذكر الشيخ حممد األمني( )5رمحه اهلل أن النفس "حتمل كامل خلقة اإلنسان جبسمه وروحه
وقواه اإلنسانية من تفكري وسلوك ...إخل.
وقيل :النفس هنا مبعىن القوى املفكرة املدركة مناط الرغبة واالختيار"(.)6
ويرى الباحث ،أن النفس :هي جامعة الرغبات ،والغرائز ،والنزعات ،وامليول لإلنسان وهي
ﰉ ﮊ ﰆ ﰇ ﰈ ما حواها الصدر ،وهي احملرك الرئيس لإلنسان ،قال تعاىل :ﮋ ﰅ
(. ) 7
أهمية المجال النفسي
لقد اهتم القرآن الكرمي بالنفس يف أكثر من موضع وتناوهلا من شىت اجلوانب ،ومن تلك
املواطن:
)(1تاج العروس من جواهر القاموس حممد بن حممد بن عبدالرزاق احلسيين ،دار اهلداية ،ج 16ص .559
)(2القاموس احمليط ،الفريوز أبادي ،مرجع سابق ،ج 1ص .745
)( 3صحيح البخاري ،باب ما حيذر من زهرة الدنيا والتنافس ،ح 6061ج 5ص. 3361
)(4سورة الشمس آية .7
)( 5حممد األمني بن حممد املختار بن عبدالقادر اجلكين الشنقيطي املدين ،من كبار علماء املدينة ،دّر س باملسجد النبوي ،
واجلامعة اإلسالمية ،تويف رمحه اهلل 1393هـ.
)(6حممد األمني اجلكين الشنقيطي أضواء البيان ،ط 1415هـ 1995 -م دار الفكر بريوت ،ج 8ص . 539
)(7سورة املدثر اآلية .38
102
() 1
ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ قوله تعاىل :ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ
النفس األمارة قال تعاىل :ﮋ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﮊ (.)2
النفس اللوامة :وقد أقسم اهلل تعاىل هبا حيث قال تعاىل :ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ (.)3
() 4
النفس املطمئنة :قال تعاىل :ﮋ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ
والنفس هي القائد لإلنسان ،فينبغي االهتمام واالعتناء هبا ؛ وذلك لقوة األثر على باقي
جوانب اإلنسان من أعضاء وحواس ...فـ "النفس البشرية هي مناط التكليف وهو اجلانب الذي
() 5
به كان اإلنسان إنسانا وهبا كان خلقه يف أحسن تقومي ونال بذلك أعلى درجات التكرمي"
فبهذه النفس يرتفع االنسان ويعلو قدره ،ويصبح يف مصاف الكرماء النجباء ،وكذلك هبا يدنو
حىت ال يكون له أي قيمة فيشابه الدواب ،وقد قيل :
نفس عصام سودت عصاما ::وعلمته الكر واإلقداما
() 6
وصريته ملكا مهاما
وتكمن أمهية النفس يف عدة أمور منها ما يلي :
أوًال :مناط التكليف
ﰉ ﮊ (. ) 7 ﰆ ﰇ ﰈ قال تعاىل :ﮋ ﰅ
ثانيًا :منها يكون التمييز
النفس تتحسس وتقوم بالتفريق والتمييز بني احلسن والقبيح وما بينهما ومعرفة احلقائق من
غريها ،ومعرفة الفروق بني الناس حال التفاوض.
103
() 1
قال تعاىل :ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ
فالنفس هي مصدر التعبري عما تكنه ،وتبوح النفس مبا فيها بالكالم واجلهر به أو الكتابة أو
اإلشارة إلفهام املقابل املراد ،أو مبا يسمى حبديث النفس لنفسه.
وقال تعاىل :ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ (.)2
وهذا يوضح ما للنفس من أمهية .
رابعًا :منطلق الدوافع
ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ( )3النفس منها قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
انطالق الدوافع.
خامسًا :معرفة الفوارق النفسية بين الرجل والمرأة
معرفmmة الفmmوارق النفسmmية بني الرجmmل واملرأة ،قmmال تعmmاىل :ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ ( )4توجmmد فmmوارق بني
نفس الرجmmل ونفس املرأة ،وهي املوجmmودة بmmالفطرة بني الmmذكر واألنmmثى ،ومنهmmا املشmmاعر والعواطmmف
هي أك mm m m mثر عن mm m m mد املرأة ،كم mm m m mا أن ذاك mm m m mرة الرج mm m m mل أق mm m m mوى من ذاك mm m m mرة املرأة ،وىف ه mm m m mذا ق mm m m mال
تعاىل :ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ (.)5
فشهادة الرجل تساوى شهادة امرأتني ،وهذه الفوارق من األمهية مبكان وجيب أن تؤخذ
يف االعتبار يف حال التفاوض .
سادسًا :النفس مأوى اإليمان باهلل .
فالنفس مقر اإلميان ويزيد هبا وينقص بقدر الطاعة هلل ،أو املعصية.
104
المطلب الثاني :دور التفاوض في المجال النفسي
لقد اهتم القرآن الكرمي مبراعاة النفس البشرية وما يتصل هبا من رغبات وميول وحنوه ،
واعتىن هبا أكمل عناية ،وخاصة يف حال األمر أو النهي والتقرير ،فمن األمر أو الطلب مثًال ،
قوله تعاىل:
ﯚ ﯘ ﯙ ﯕﯖ ﯗ ﯔ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮋﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
() 1
ﯛ ﮊ
ويظه mm m m mر ويتجلى يف ه mm m m mذه اآلي mm m m mة الكرمية الك mm m m mرم اإلهلي يف اخلط mm m m mاب حيث ج mm m m mاء الن mm m m mداء
بـ ـ ﮋ ﮥﮊ بنسبة التشريف للعباد إليه يف التعبد ،وال خيفى األثر النفسي يف ذلك ،وإذا كان النmmداء
للmmذين أسmmرفوا على أنفسmmهم بالmmذنوب واملعاصmmي ،فهmmو من بmmاب أوىل يشmmمل الmmذين مل يسmmرفوا على
أنفسmmهم بالmmذنوب واملعاصmmي ،رمحة من اهلل ،وفضًmال منmmه سmmبحانه ،والنmmداء بعmmدم القنmmوط من رمحة
اهلل ،حيث أنه سبحانه هو القادر وحده ملغفرة مجيع الذنوب ،بكرمه ومّنه ،وفضله رمحًة بعباده.
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ونجد في جانب النهي في اآلية الكريمة التالية في قوله تعالى :ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ
(.) 2
ﯦ ﮊ ﯘﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ففي هذه اآلية الكرمية ينهي ربنا سبحانه وتعاىل عن سmmب آهلة املشmركني ،وكmmان ذلmmك النهي
لعلmة ،تنم عن الضmmالل املبني يف املشmركني ،ف ـ ـ "يقmmول اهلل تعmmاىل ناهيًmا لرسmmوله صmلى اهلل عليmmه وسmmلم
واملؤمmmنني عن سّmب آهلة املشmmركني ،وإن كmmان فيmmه مصmmلحة ،إال أنmmه يmmرتتب عليmmه مفسmmدة أعظم منهmmا،
وهي مقابلmmة املشmmركني بس ّmب إلmmه املؤمmmنني ،وهmmو اهلل ال إلmmه إال هmmو كمmmا قmmال علي بن أيب طلحmmة عن
ابن عبmmاس يف هmmذه اآليmmة :قmmالوا :يmmا حممmد لتنتهني عن سmmبك آهلتنmmا ،أو لنهجmون ربmmك ،فنهmmاهم اهلل أن
يسmبوا أوثmاهنم ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﮊ وقmال عبmد الmرزاق عن معمmر ،عن قتmادة :كmان املسmلمون
ﮯ ﮰ ﮱ يسبون أصنام الكفار ،فيسب الكفار اهلل عدوًا بغري علم ،فأنزل اهلل ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ
ﯓ ﮊ " (. ) 3
وق mmد اهتم الق mmرآن الك mmرمي مبا تكتنف mmه احلي mmاة من األح mmوال ومنه mmا املش mmكالت واألزم mmات ،ومن
105
املؤكد أهنا حتتاج إىل دقة وإتقان يف حسن التعامل معها ،وخاصmmة املشmmكالت أو األزمmmات النفسmmية،
مث mmل الفت mmور واملل mmل أو اإلحب mmاط ،أو االكتئ mmاب ... ،وم mmع حاج mmة املف mmاوض املاس mmة ملراع mmاة اجلوانب
النفسmmية يف تفاوضmه من أجmل التmmأثري فيمن يتفmmاوض معهم ،ألن النفس هي احملرك لإلنسmmان يف أقوالmmه
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﮊ ( .) 1 وأفعاله ،قال تعاىل ﮋ ﰅ
ويربز ذلك يف عمل من يتيسر له اإلصالح بني الناس ،وينبغي على القائم به ،التوكmmل على
اهلل وحسmm mن الظن بmm mه سmm mبحانه ،ومن املشmm mاهد أن نفس العبmm mد تقmm mود سmm mلوكه ،وللتmm mأثري يف اجلانب
النفسي يف التفاوض ،حيسن مراعاة عدد من اجلوانب ،ومنها ما يلي :
أوًال :مع الطرف اآلخر
أن يشعر اآلخر بأن دافع التفاوض رغبًة يف مصلحته ،وحمبة اخلري له ،وهذا ما علمنا إياه -1
رسول اهلل حني قال "ال يؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه"(.)2
أن يشعر بأنه مهم وحمل اهتمام من يفاوضه ،فيؤثر ذلك يف النفوس ،قال تعاىل : -2
( )3
ﮋﭧﯥ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﮊ
-3جيب أن يعرف من يتفاوض معه معرفة تامة وبوضوح فكلما اقتنع به أكثر وعرف أنه
شخص ميكن الثقة به ،حينئذ يقبل منه.
-4إفادته وتقدمي احلسن له.
-5استثمار اجلانب اإلمياين ،فاإلميان فمقره القلب.
-6عدم سب حمبوباته ،وخاصًة تلك اليت يتعلق هبا ،عظمت أو صغرت ،ومراعاة املصلحة
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ (. ) 4 يف ذلك ،قال تعاىل ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ
-7تفهم احلاجات النفسية ملن نفاوض.
وعندما يلتقي املفاوض مع من يريد املفاوضة معه ولو ألول مرة ،فينبغي أن يكون على
دراية تامة ما أمكن إىل ذلك سبيال ،حبالة من يفاوض فقد يكون يف حالة من القلق ،أو التوتر ،
أو الغضب ،أو ،االكتئاب ، ... ،ويعترب ذلك أساسًا وهو العنصر احليوي يف تسهيل عملية
.٣٨
)(1سورة املدثر اآلية
)( 2صحيح مسلم،كتاب اإلميان،باب الدليل على أن من خصال اإلميان أن حيب ألخيه ما حيب لنفسه،ح 179ج 1ص.49
)(3سورة احلجر اآلية .٨٨
)(4سورة األنعام اآلية .10٨
106
التفاوض ،ومن مث تقدمي احللول املناسبة .
ثانيًا :سلوك المفاوض
على املفاوض أن يهتم مبراعاة اجلانب النفسي ،وخاصة يف سلوكه ،فاملفاوض سيواجه
أفرادًا أو مجاعات من ويقوم بالتفاوض للبحث عن حلول للمشكالت أو غريها ،ورعاية اجلوانب
النفسية اليت بسببها قد تنتج أفعال سلوكية غري حمبذة ،والعمل على الوقائية هلم من املشكالت ،
أو األزمات األخرى.
ومن سلوكيات املفاوض ما يلي :
-1التقبل :فيجب أن يتقبل املقابل قبوًال صادقًا ويظهر أثر ذلك أثناء التفاوض .
-2التعاون مع أطراف التفاوض فيما أمكن منذ البداية إىل هناية التفاوض معه .
-3حماولة التعرف على من يفاوض وما حيب وما يكره والعلم بأخالقه .
-4البعد عن التصرفات اليت تؤدي إىل البغض ،أو الغضب ،أو التشاؤم والطرية .
-5القدوة احلسنة ،قال تعاىل :ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
() 1
ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﮊ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
التوضيح وخاصة يف األمور املهمة لتاليف احلرج ،قال تعاىل :ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ -6
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ (. )2
إعطاء االهتمام للنفس ،فهي حمور التعامل. -7
107
المطلب الثالث :فوائد التفاوض في المجال النفسي
للتفاوض دور هام وآثار يف النفس ،وال خيفى مدى أمهية اجلانب النفسي يف التفاوض ،فمن
فوائد وآثار التفاوض يف اجملال النفسي ما يلي :
االطمئنان -1
قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
()1
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮁ ﮂ
يف هذا املوقف العصيب وجود السحرة بسحرهم العظيم الذي أتوا به ،ووجود فرعون
الذي طغى وجنوده ،ويف اآلية الكرمية داللة أن اهلل سبحانه طمأن موسى بقوله ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﮊ مث
ﮊ. ﭵ ﭶ أخربه جل شأنه ﮋ ﭴ
وقد ينتاب املفاوض شيء من اخلوف ال سيما إن تفاوض مع طغاة أو أصحاب شوكة
ومنعة ،والطمأنينة سكون يف النفس وتأمني هلا.
الحب -2
ﮊ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ قال تعاىل :ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
() 2
.
بينت اآلية الكرمية حماوالت نيب اهلل نmوح عليmه السmالم وحرصmه حmىت آخmر اللحظmات على جناة
ابنه حمبة يف اخلري له بأن يكون مع املؤمنني الناجني من الغرق.
ﭔ ﰃ ﰄ ﰅ ﮊ( )3إىل قوله ﮋ ﭓ و"ملا أخذت نوحا العاطفة على ولده قال ﮋ ﰁ ﰂ
ﭕ ﭖ ﮊ (.)5( " )4
تسكين الغضب : -3
الحياة مليئة بالمواقف ،وقد يفاجأ العبد بما يثير غضبه ،وقmد يكmون خالف الحقيقmة ،فمmا يلبث
.٧٠
)(1سورة طه اآلية – ٦٥
)(2سورة هود اآلية .٤٢
108
أن يعلم ،بحقيقmة الواقmع ،بسmبب المفاوضmة ونحmوه ،فيسmكن الغضmب ،ويmزول ،وهmذا مmاتم اسmتنباطه
من هذا الموقف القصصي من القرآن ،حيث يقول تبارك وتعالى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﭻ ﮊ
وبعد أن تبنّي حقيقة املوقف ملوسى من أخيه هارون عليهما السالم ،فقال كما قال تعmmاىل :
ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ
وبعد ذلك تبني األثر ،حيث يقول تبارك وتعاىل :ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
()1
ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ
المودة -4
ﭷ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭫ قال تعالى :ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﮊ ( . )2
االنتماء : -5
الشعور باالنتماء للمقابل أمر مهم جدًا حيث أن اجلميع جيمعهم شيء واحmد ومن ذلmmك قmول
كثري من األنبيmاء والرسmل خmاطبوا أقmوامهم ونmادوهم ب ـ ﮋ ﮘ ﮊ وهmذا يشmعر املخmاطب املنmادى بmأن
اجلميع ينتمmون إىل قmوم واحmد ،ومثmال مmع كليم اهلل موسmى عليmه السmالم مmع قومmه ،قmال تعmاىل :
ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮊ (. ) 3
109
النفسي والثقة بالنفس ،فتكون حياة املسلم أكثر كفاءة وتفاؤل يإذن اهلل.
110
الباب الثاني
معالم التفاوض في حياة األنبياء عليهم السالم
كما يجليها القرآن الكريم
111
الفصل األول
التفاوض في حياة األنبياء عليهم السالم.
وفيه مبحثان:
المبحث األول :عناية األنبياء عليهم السالم بالتفاوض.
المبحث الثاني :تطبيقات التفاوض عند األنبياء عليهم السالم .
112
المبحث األول
عناية األنبياء عليهم السالم بالتفاوض
وفيه مطلبان:
المطلب األول :تعريف النبي.
المطلب الثاني :ما يسبق التفاوض .
113
المطلب األول :تعريف النبي
تعريف النيب والرسول والفرق بينهما
"النيب يف اللغة :مشتق من النبأ وهو اخلرب ذو الفائدة العظيمة .قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ
ﮊ (. ) 1 ﭔ ﭕ ﭖ
ومسي النيب نبًّيا ألنه خُم ٌرب من اهلل ،وْخُيُرِب عن اهلل فهو خُم رَب وخُم رِب .
وقيل النيب مشتق من النباوة :وهي الشيء املرتفع .
ومسي النيب نبًّيا على هذا املعىن :لرفعة حمله على سائر الناس .قال تعاىل :ﮋ ﮂ ﮃ ﮄﮊ(.)2
والرسول يف اللغة :مشتق من اإلرسال وهو التوجيه .قال تعاىل خمًربا عن ملكة سبأ :
قال تعاىل :ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ (.)3
وقد اختلف العلماء يف تعريف كل من النيب والرسول يف الشرع على أقوال أرجحها :
أن النيب :هو من أوحى اهلل إليه مبا يفعله ويأمر به املؤمنني .
والرسول :هو من أوحى اهلل إليه وأرسله إىل من خالف أمر اهلل ليبلغ رسالة اهلل "(.)4
والفرق بينهما "أما الرسول فهو من أرسل إىل الكفار واملؤمنني ليبلغهم رسالة اهلل ويدعوهم
إىل عبادته ،وليس من شرط الرسول أن يأيت بشريعة جديدة فقد كان يوسف على ملة إبراهيم ،
وداود وسليمان كانا على شريعة التوراة وكلهم رسل"(. )5
114
المطلب الثاني :ما يسبق التفاوض
من خالل قصص األنبياء عليهم السالم ،يف القرآن الكرمي ،يتضح جليًا يف حياة األنبياء
عليهم السالم وهم الذين اصطفاهم اهلل لرسالته ،اتصافهم بعدد من الصفات اجلليلة واليت ال يتسع
املقام لذكرها ،وإمنا سوف يقتصر الباحث على ذكر الصفات املختصة بالتفاوض ،وهذه
الصفات تسبق التفاوض ،وتعترب من األمهية مبكان ،وتعد من قبيل األسباب والوسائل إلمتام
املفاوضات ،أيًا كانت تلك املفاوضات ،وهي مبثابة العدة للتفاوض ،ومن هذه الصفات ما يلي:
أوًال :العلم
اتصف األنبياء والمرسلين عليهم السالم بالعلم ،وأظهر القرآن الكريم ذلك ،ففي شأن نوح
عليه السالم ،قال تعالى :ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ (.)1
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ويف حال يعقوب عليه السالم ،قال تعاىل :ﮋ ﯸ ﯹ
ﰃ ﰄ ﰅ ﮊ (. ) 2
وكم mmا يف خط mmاب ن mmيب اهلل يعق mmوب البن mmه يوس mmف عليهم الس mmالم ،يق mmول تب mmارك وتع mmاىل :
ﭹ ﭶﭷ ﭸ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﮋﭢ ﭣ
() 3
ﭺ ﭻ ﮊ .
ومن أدلة السنة على ذلك ،ما ورد عن عائشة رضي اهلل عنها ،أن أناسا كانوا يتعبدون
عبادة شديدة فنهاهم النيب فقالوا :يا رسول اهلل إنا لسنا كهيئتك إنك قد غفر اهلل لك ذنبك
ما تقدم منه وما تأخر فقال واهلل ألنا أعلمكم باهلل وأخشاكم له" (. )4
وعلم األنبياء عليهم السالم من اصطفاء اهلل هلم ،وقد أعال اهلل شأن العلم ومكانته وفضله
وكذلك أعال شأن أهل العلم وفضلهم يف القرآن الكرمي وأمر سبحانه بالعلم ،فقال تعاىل :
ﮊ (. ) 5 ﮋﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ
115
ورغب فيه وجعل لذلك من األجور العظيمة ،ومنها قول النيب " : من سلك طريقًا
يلتمس به علمًا سهل اهلل له به طريقًا إىل اجلنة "(.)1
قال تعاىل :ﮋ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﮊ (.)2
ومن يريد التفاوض حري به التزود من العلم الذي يعرف به احلالل من احلرام ،واحلسن من
القبيح ،واحملمود من املذموم ،وخباصة العلم اخلاص مبوضوع التفاوض جبميع جوانبه .،
فصاحب العلم يتحدث بالربهان ،ويطلب بالدليل ،ويفند احلجج ويدعو للحق ،ويف مقابل
العلم ،تكون آفة اجلهل ،فهي طريق للخطأ ،والزلل ،والظلم ،وإذا كان اجلهل مبوضوع التفاوض،
فهذا يعين أن اإلنسان قد يسيء من حيث يريد اإلصالح ،وهذا عند سالمة النية وصفائها ،
فيجادل بغري علم وال هدى ،فيعترب العلم عدة املفاوض وبصريته ،قال تعاىل :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ (. ) 3
والعلم الزم من لوازم التفاوض ،وخاصًة يف املوضوع املراد التفاوض حوله ،للعم باحلقوق،
وكيفية املطالبة هبا ،وإبراز الدليل ،واحلجة ،والربهان ،
والعلم صفة تتجلى يف حياة األنبياء والرسل مجيعهم عليهم الصالة والسالم .
ثانيًا :الصبر
األنبياء عليهم السالم من أكثر الناس صربًا ،وقد أمر اهلل نبيه بالصرب ،مثل من قبله ،من
أويل العزم من الرسل ،فقال جل من قائل :ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﮊ (.)4
والصبر من األخالق التي يجب أن يتسم بها المسلم ويجتهد على تحصيلها فهي تبعد عن
الغضب واالنفعال ،مهما كان الموقف .قال تعالى ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ(.)5
وال يطيق ذلك إال الصابرون ،والصرب خلق مستقر يف النفس يالزم صاحبه يف مجيع مراحل
التفاوض من البداية إىل النهاية .
ثالثًا :الرحمة
)( 1سنن الرتمذي ،كتاب العلم ،باب فضل العلم ،ح - 2646قال الشيخ األلباين :صحيح.
)(2سورة الزمر اآلية .9
)(3سورة يوسف اآلية .108
)(4سورة األحقاف اآلية .35
)(5سورة األعراف اآلية.199
116
اتصف األنبياء عليهم السالم بالرحمة ،والشفقة ،على أقوامهم ،وقد تجلى ذلك في القرآن
ﮓ ﮔﮊ (.)1 الكريم ،فهذا خاتم األنبياء والمرسلين يقول عنه تبارك وتعالى :ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ
فتجاوزت رمحة نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلم اجلن واإلنس إىل مجيع اخلالئق ،وتأكدت
الرمحة اخلاصة باملؤمنني كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
()2
ﯚ ﯛ ﮊ
كما أن رمحة األنبياء بأقوامهم ،جتّلت من خالل سريهتم العطرة ،وتبينت يف دعوهتم
ومفاوضتهم مع أقوامهم ،وجيب على املفاوض املسلم أن يكون حريصا على التخلق خبلق الرمحة
بالناس ورفيقًا مبن يفاوض ألنه يسعى هلدايتهم واستقامتهم .
والرمحة وسيلة قوية يتم الولوج هبا إىل القلوب والنفوس ،والتأثري فيها ،قال تعاىل خماطبا
رسوله الكرمي ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ (.)3
واملتأمل هلذه اآلية الكرمية جيد أنه لوكmان الرسmول فظًmا غليmظ القلب وهmو رسmول النفmظ من
ﭚ حوله من هم خيار األمة إميانًا وعمًال وسلوكًا وهم من قال اهلل فيهم ﮋ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ (. ) 4
فمن باب أوىل أن ينفض من هم دوهنم ممن هو دون شخص النيب صلى اهلل عليه وسلم ،
وكل الربية دونه صلى اهلل عليه وسلم.
وصفة الرمحة اليت اتصف هبا األنبياء وأتباعهم ،أظهرت ألقوامهم مدى احلرص والشفقة
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ (. ) 5 واخلوف عليهم ،ومن ذلك قوله تعاىل :ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
كما قال تعاىل حكاية عن مؤمن آل فرعون ﮋ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﮊ (.)6
رابعًا :الحلم
117
احللم مقابلة السيئة باحلسنة ،مع القدرة على رد السيئة.
املتأمل يف حياة األنبياء جيد احللم صفة وخلق الزم للتفاوض ،فهذا نيب اهلل شعيب عليه
ﭹ السالم حيلم على قومه حينما هددوه بالرجم كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ (.)1
فيأيت الرد من نبيهم عليه السالم الذي يكتنفه احللم واحلرص ،بدًء بالنداء الذي يشعر
باالنتماء فيقول هلم ،كما قال تعاىل :ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮊ (. ) 2
ففي هذه المفاوضة ،قوبلت الشدة بالرأفة ,وفحش الكالم بحسنه ،وقوبلت الغلظة والجفاء
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ باللين والحلم قال تعالى :ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ (.)3 ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮙ
خامسًا :العدل
قال تعاىل :ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ (.)4
العدل من لوازم التفاوض احلق ،وبالعدل قامت السماوات واألرض ،والعدل يكون مع
القريب والبعيد والصديق والعدو ،قال تعاىل :ﮋ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ (. ) 5
كمmmا أن إنصmmاف الخصmmم وجعلmmه يشmmعر بالعmmدل يقmmرب بين الطmmرفين ويكmmون سmmبيًال لفالح التفmmاوض،
والع mmدل مع mmه ،ح mmتى في حق mmه في م mmدة الكالم وك mmذلك النق mmاش ،ويك mmون ذل mmك م mmع الجمي mmع وإن ك mmان ممن
نخالفهم ،قال تعالى :ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ
ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ (.)6
وهذا العدل قام به األنبياء وأتباعهم ،والتاريخ حافل بعدهلم .
118
سادسًا :الصدق
الصدق هو ذكر الشيء على حقيقته دون زيادة أو نقص ،والصدق منجاه ،قال تعاىل :
ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ (.)1
وقد جاءت اآلية الكرمية عقب احلديث عن الثالثة الذين ُخ ّلفوا يف غزوة تبوك ،وقد برز
الصدق يف هذه القصة.
حيث َقاَل َك ْعُب ْبُن َماِلٍك ( -)2أحد الثالثة الذين خلفوا َ" :-فَلَّم ا َبَلَغِني َأَّنُه -أي النبي -
ِم ِب ِذ ِف ِن ِف
َتَو َّج َه َقا ًال -يعني من الغزو َ -ح َضَر ي َه ِّم ي َو َط ْق ُت َأَتَذ َّك ُر اْلَك َب َ ،و َأُقوُل َ :م اَذا َأْخ ُر ُج ْن
َس َخ ِطِه َغدًا؟ َو اْس َتَعْنُت َعَلى َذِلَك ِبُك ِّل ِذي َر ْأٍي ِم ْن َأْه ِليَ ،فَلَّم ا ِقيَل ِإَّن َرُسوَل الَّلِه َ قْد َأَظَّل َقاِدمًا
ِج ِص ٍء ِف ِه ِذ ِم ِط
َز اَح َعِّني اْلَبا ُل َو َعَر ْفُت َأِّني َلْن َأْخ ُر َج ْنُه َأَبدًا ِبَش ْي ي َك ٌب َفَأْج َم ْعُت ْد َقُه َ ،ف ْئُتُهَ ،فَلَّما َس َّلْم ُت
َعَلْيِه َتَبَّسَم َتَبُّسَم اْلُمْغَضِب ُثَّم َقاَل َ :تَعاَل َ ،فِج ْئُت َأْم ِش ي َح َّتى َج َلْس ُت َبْيَن َيَد ْيِه َ ،فَقاَل ِلي َ :ما
َخ َّلَفَك ؟ َأَلْم َتُك ْن َقِد اْبَتْعَت َظْه َر َك ؟ َفُقْلُت َ :بَلى ِ ،إِّني َو الَّلِه َلْو َج َلْس ُت ِعْنَد َغْيِرَك ِم ْن َأْه ِل الُّد ْنَيا
ِل ِئ ِه ِك ِط ِطِه ِم
َلَر َأْيُت َأْن َس َأْخ ُر ُج ْن َس َخ ِبُعْذ ٍرَ ،و َلَقْد ُأْع يُت َج َد ًالَ ،و َل ِّني َو الَّل َلَقْد َع ْم ُت َل ْن َح َّد ْثُتَك اْلَيْو َم
ِد ِص ٍق ِج ِئ ِخ ِش ِه ِذ ِد
َح يَث َك ٍب َتْر َضى ِب َعِّني َلُيو َك َّن الَّلُه َأْن ُيْس َطَك َعَلَّي َ ،و َل ْن َح َّد ْثُتَك َح يَث ْد َت ُد َعَلَّي
ِفيِه ِإِّني ألْرُجو ِفيِه َعْف َو الَّله" وصدق مع الله ورسوله فكان من أمره وأمر صاحبيه الصدق ،سببًا
() 3
لمنجاتهم .
والصدق يف التفاوض أمر حتمي والبد منه وتقتضيه مصلحة التفاوض.
سابعًا :القدوة الحسنة
القدوة احلسنة مدعاة لقبول التفاوض ،ولذلك كان األنبياء مجيعهم قدوة حسنة ملن تبعهم ،
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ (. ) 4 ومنهم نبينا ، قال تعاىل :ﮋ ﯯ ﯰ
وهذا شعيب عليه السالم مع قومه كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ
119
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ (. ) 1
والقدوة احلسنة والسرية احلسنة دعوة للقبول ،قال تعاىل :ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮊ (.)2
"يف هذه اآلية الكرمية حجة واضحة على كفار مكة؛ ألن الَّنيب ، مل ُيْبعث إليهم رسوًال
حىت لبث فيهم عمرًا ،وقدره أربعون سنة ،فعرفوا صدقه ،وأمانته ،وعدله ،وأنه بعيد كل البعد عن
الكذب وعن كل سوء ،وكانوا يف اجلاهلية يسمونه األمني ،قال تعاىل :ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
ﯔ ﯕ ﮊ (. ) 3
ولذا ملا سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان ،ومن معه عن صفاته ،قال هرقل أليب سفيان:
هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان :فقلت :ال ،وكان أبو سفيان يف
ذلك الوقت زعيم الكفار ،ورأس املشركني ومع ذلك اعرتف باحلق ،واحلق ما شهدت به
األعداء"( )4والقدوة احلسنة يتأثر هبا اجلميع.
120
() 1
ورسوله"
وعن عائشة رضي اهلل عنها أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال هلا "يا عائشة لوال أن قومك
حديث عهد جباهلية ألمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته باألرض وجعلت له
() 2
بابني بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم"
وهذه نصوص تقتضي خماطبة الناس على قدر عقوهلم ،ومن ذلك حىت يف مفاوضتهم .
وقد خلق اهلل الناس متفاوتني يف العقل والعلم ..ولذا ينبغي ملن يسعى لقبول دعوته بني الناس
أن خياطبهم على قدر عقوهلم ،وعلومهم ،ومراعاة بيئتهم وعاداهتم وما درجوا عليه يف حياهتم.
عاشرًا :االعتراف بالحق
وقص القرآن الكرمي ،عن قصة نيب اهلل وكليمه ،موسى عليه السالم يف دعوته لفرعون ،
حيث قال تعاىل حاكيًا عن قول فرعون ملوسى كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ
ﮊ (. ) 3
ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﮊ (.)4 فأجاب موسى عليه السالم : ،
وقد أقّر موسى عليه السالم حبقيقة األمر حىت من نفسه.
واالعرتاف باحلق من األمور اليت ينبغي أن تتوفر وتسبق التفاوض وهي تساعد بشكل كبري
على قبول التفاوض والوصول إىل االعرتاف باحلق -إن كان من أهله ،واالعرتاف باخلطأ ومن مث
االعتذار منه ،ويعد ذلك من شيم الشرفاء واألقوياء الذين ينتصرون على أنفسهم وذواهتم .
وكل ما تقدم من صفات وخالل جليلة جتلت يف حياة األنبياء مجيعهم عليهم السالم .
وهذه اخلالل والصفات تسبق التفاوض ،وهي جمموعة من األخالق احلميدة ،والصفات
احلسنة ،والشمائل اجلليلة الالزمة للتفاوض ،وتكون عونًا على ممارسة التفاوض الناجع ،ونشره
يف اجملتمع بصورة صحيحة ،سواًء بني أفراد األسرة ،أو بني اجلريان واألصدقاء ،أو بني احلكام
)( 1صحيح البخاري ،كتاب العلم ،باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ال يفهموا،ح ، 127ص 27ط ،
الثانية ،1999 - 1419،مؤسسة احلرمني اخلريية.
)( 2صحيح البخاري ،كتاب احلج ،باب فضل مكة وبنياهنا ،ح ، 1586ص ، 257ط ،الثانية 1999 – 1419 ،
،مؤسسة احلرمني اخلريية .
)(3سورة الشعراء اآلية .19
)(4سورة الشعراء اآلية .20
121
واحملكومني ،وبيننا وبني اآلخرين عمومًا.
حادي عشر :اإلخالص هلل تعالى
يأمرنا القرآن الكرمي باإلخالص والتجرد هلل ،يف مواضع كثرية ،ومنها على سبيل املثال :
قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﮊ (.)1
ويف هذه اآلية الكرمية عن نبيه نوح عليه السالم ،يقول لقومه أنه ال يسأهلم ماًال مقابل
دعوهتم إىل احلق واهلدى ،بل يقدمه من غري أجرة ألنه وحي من اهلل وتكليف بالرسالة .
وعن نبينا ، قال تعاىل :ﮋ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﮊ (.)2
ﮊ (. ) 3 وقوله تعاىل :ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
وقوله تعاىل :ﮋ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ (.)4
122
المبحث الثاني :تطبيقات التفاوض عند األنبياء عليهم السالم
ما جاء يف القرآن الكرمي من قبيل التفاوض يتنوع حبسب احلال ،واملوضوع والطرق
واألساليب ،وكذلك حبسب حال املقابل ،وما يقتضيه املوقف ،فيكون يف التفاوض أخذ ورد
ورمبا حيصل طلب ونقاش وسؤال ،واستدالل ،وإلفات نظر ،أو جدال باحلسىن وباليت هي
أحسن إذا اقتضى ذلك ،
ولقد حث القرآن الكرمي يف عدد من آياته على البحث عن احللول ،وهي بذلك تقتضي أن
حيدث تفاوض بني األطراف ،ومن أمثلة ذلك ،عند وجود الشقاق بني الزوجني ،قال تعاىل :ﮋ
ﮓ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮔ ﮊ (. ) 1
وبعث احلكمني للبحث عن احللول وما حيدث من مداوالت حول املوضوع ،ومن مث
التحكيم ،يكون من قبيل التفاوض بني األطراف لوضع عالج للشقاق القائم بني الزوجني ويرضي
مجيع األطراف أو يكون مقبوًال على األقل ،وحنو ذلك.
ورسل اهلل وأنبياءه صلوات اهلل وسالمه عليهم أمجعني ،اصطفاهم اهلل لرسالته ،وتبليغ دينه،
وسري األنبياء صلوات اهلل وسالمه عليهم ،مليئة بكل خري ،فهم صفوة اخللق ،وسريهم منهج
لالقتداء للمؤمنني ،عرب مجيع العصور ،واألزمنة ،واألحوال ،منذ أن خلق اهلل آدم عليه السالم ،
قال تعاىل :ﮋ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﮊ (.)2
وقال تعاىل :ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﮊ(.)3
فسريهم عليهم السالم عطرة ،مليئة بالفضائل اليت ال حُت صى ،واملواقف ،واألحوال ،
واألحداث اليت يتعلم منها الناس ،وبعض ما جرى يف حياة األنبياء من بالغ لدين اهلل ،وطلبهم
إميان أقوامهم ،وبيان للحق الذي أرسلهم اهلل به ،يستفاد منه يف معرفة تطبيق التفاوض مبعناه العام
بني األنبياء عليهم السالم وأقوامهم ،واليت نتج عنه بيانًا للحق وإظهاره ،وكشف الزيغ والباطل .
وسوف يتم عرض اآليات اليت ذكرت فيها قصص ،أو مواقف ،أو توجيهات ،يستفاد
منها أن ما حدث فيها من وقائع ومواقف جيري جمرى التفاوض يف حياة األنبياء عليهم السالم ،
)(1سورة النساء اآلية.35
)(2سورة األنعام اآلية .90
)(3سورة األحقاف اآلية.35
123
واملتأمل آليات القرآن الكرمي جيد ذلك جليًا ،وقد كان تفاوض األنبياء عليهم السالم مع أقوامهم
حسب ما تقتضيه احلال فتعددت األساليب وكان التفاوض باحلسىن ،وباليت هي أحسن .
ومن ذلك يستنبط أن من وسائل الدعوة اليت استخدمها األنبياء عليهم السالم ،التفاوض
وهو باملعىن العام ،حيث أن التفاوض هو :عملية ذات هدف محدد وتفاهم بين طرفين أو
أكثر حول موضوع محدد للوصول إلى اتفاق يلتزم به الجميع .
ومعلوم أن الدعوة تكون تارًة باألمر وتارًة أخرى بالنهي أو التذكري فهي حسب مقتضى
احلال ،ومثال ذلك :األمر بإقامة الصالة ملن ال يصلي أو يتهاون عنها أو الصيام كذلك ،أو
النهي ،عن الربا أو التدخني وسائر مساوئ األخالق ،أو تكون حول موضوع معني يدور حوله
طلب وأخذ ورد ونقاش وحوار وما جيري جمرى التفاوض وهو موضوع البحث ،وهذا يف حال
قيام األنبياء عليهم السالم بالبالغ ألقوامهم وذلك حملاولة هدايتهم إىل احلق ودعوهتم إليه ،
و"يكون التفاوض الدعوي من خالل كسب عقله وقلبه"(.)1
وقد متت لقاءات تفاوض ،حدث يف بعضها شيء من املناظرات ،واملراجعات ،أو اجلدال،
أو احلوار لدعوة الناس إىل التوحيد ،وفضائل األعمال ،أو النهي عن مساوئ األخالق ،جتّلت ،
ومتيزت باإلجياز ،والوضوح ،وحسن البيان ...
وفيما يلي يتم استعراض املواقف اليت يستفاد منها أهنا جتري جمرى التفاوض بني األنبياء
عليهم السالم وأقوامهم من خالل ما ورد يف القرآن الكرمي.
124
ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ (. ) 1
-3قال تعاىل :ﮋ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ
ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﮊ (. ) 2
وما دار بني آدم وحواء ،وإبليس ،جيري جمرى التفاوض والذي بدأ به إبليس حيث أراد يف
نفسه غايًة عزيزًة عليه وطلبًا هامًا فلم يبادر بتلك الغاية والطلب بل عمد إىل مكر وخديعة
بالتفاوض ،فزين هلما ،وعرض عليهما ،وبصفة متكررة وبطرق شىت ،ومما عمد إليه إبليس يف
لتحقيق مراده أن فاوض آدم وحواء مبا يلي:
-1مهد بالوساوس قال تعاىل:ﮋ ﮗ ﮘ ﮊ
-2قال ،إبليس خمادعًا آدم وبصيغة سؤال الناصح ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮊ أي اخللد يف اجلنة ،مث
أتبعها بامللك الدائم ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ
-3مث عاود بالوساوس آلدم وحواء معًا ﮋ ﯖ ﯗ ﯘ ﮊ فبدأ يبني سبب النهي عن أكل الشجرة
ﮋ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ أسلوب خداع وتضليل للناس
،وما أكثره اليوم يف أتباع إبليس .
-4إطماع مزيف ال حقيقة له بل يغرر هبما ،كما قال تعاىل :ﮋ ﯶ ﯷﯸ ﮊ وسعى سعيًا
حثيثًا حىت نال مراه ﮋ ﯹ ﯺ ﯻ ﮊ .
مطلب إبليس ،يعد مفاوضة منه آلدم وحواء ،رغبًة يف الغواية هلما ،حيث فاوضهم لألكل
من الشجرة وأن هلم بذلك امللك واخللد يف اجلنة ،فأكال من الشجرة ،وكانت سبب اهلبوط إىل
هذه الدنيا ،وقد امّنت اهلل بعد ذلك على آدم بأن تاب عليه.
قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ (.)3
ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ (.)4 قال تعاىل :ﮋ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
125
ثانيًا :مع نبي اهلل نوح عليه السالم
نوح هو نيب ورسول من أويل العزم من الرسل عليه الصالة والسالم ونسبه هو "نوح ،بن
المك ،بن متوشلخ ،بن خنوخ -وهو إدريس -بن يرد ،بن مهالييل ،بن قينن ،بن أنوش ،بن
شيث ،بن آدم أيب البشر عليه السالم.
كان مولده بعد وفاة آدم ،مبائة سنة وست وعشرين سنة فيما ذكره ابن جرير وغريه.
وعلى تاريخ أهل الكتاب املتقدم ،يكون بني مولد نوح ،وموت آدم ،مائة وست وأربعون
سنة ،وكان بينهما عشرة قرون ،كما قال احلافظ أبو حامت بن حبان"(.)1
مكث نوح عليه السالم كما جاء يف القرآن ألف سنة إال مخسني عاما قال تعاىل :ﮋ ﯨ ﯩ
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ ( )2يدعو قومه ،وجرب شىت ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯪ ﯫ
الوسائل واألساليب والطرق يف دعوهتم ومناصحتهم طالبًا منهم االستجابة للغفران هلم ،ولكن
قومه جادلوه وراجعوه مرة تلو األخرى يصاحبها العناد واالستكبار والتهديد له والسخرية منه
ومن معه من املؤمنني ،رغم اللني والرمحة وحسن اخلطاب معهم ،ومن اخلطابات اليت خاطب هبا
نوح قومه يدعوهم إىل اهلل ،ويستنبط منها عدد من الفوائد اليت حيسن استعماهلا يف املفاوضات
ومنها ما يلي :
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ -1يف قوله تعاىل :ﮋ ﯵ ﯶ ﯷ
ﮊ (. ) 3
بدأ نوح حبسن اخلطاب والتودد إىل قومه والذي يظهر احلرص عليهم وحمبة اخلري هلم
وبيان أنه ال يلزمهم إلزام إكراه وال جيربهم على هذه الرمحة وهم هلا كارهون.
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊ "أي :النبوة والرسالة ﮋﯵ ﯶ ﯷ
ﮋ ﰀ ﰁ ﮊ أي :فلم تفهموها ،ومل هتتدوا إليها ﮋ ﰂ ﮊ أي :أنغصبكم هبا ،وجنربكم عليها ،ﮋ ﰃ
ﰄ ﰅ ﮊ أي :ليس يل فيكم حيلة ،واحلالة هذه"(.)4
والتودد إىل املقابل من أهم أساليب املفاوضات ،وهي من أسباب القبول للمطالب ،وهو
)(1ابن كثري البداية والنهاية.
)(2سورة العنكبوت اآلية .14
)(3سورة هود اآلية .28
)(4البداية والنهاية ،ابن كثري ،مرجع سابق ،ج ، 1ص.108
126
ما يرجوه كل مفاوض حول موضوع التفاوض.
-2قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ (. ) 1
كثريًا ما يصدر من أهل الباطل يف مفاوضاهتم أهنم يطلبون أمورًا خارج االستطاعة ،أو
الصالحية ،وتبني يف اآلية الكرمية ،أن نوحا عليه السالم ال يطلب منهم أجرًا على هذه الدعوة
وهكذا سائر األنبياء عليهم السالم ،فطلبوه أن يطرد الفقراء والضعفاء من املؤمنني الذين اتبعوه
بني حدود ال ميلكها وال يستطيع فعل ذلك من طردهم ،فإهنم مالقوا اهلل فأخاف أن حياسبين اهلل
على ذلك
ويستفاد أن كل من يتقدم للتفاوض أن له حدوده وصالحياته اليت ميلكها ممن كلفه
باملفاوضة فليس له أن يتجاوز ذلك بل علبه أن يعمل بتلك الصالحيات دون جماوزهتا .
ومن هداية اآليات " ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﮊ أي :لست أريد منكم
أجرة على إبالغي إياكم ،ما ينفعكم يف دنياكم ،وأخراكم ،إن أطلب ذلك إال من اهلل ،الذي ثوابه
خري يل ،وقوله :ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﮊ( )2كأهنم طلبوا منه أن يبعد هؤالء عنه ،ووعدوه أن جيتمعوا به إذا هو فعل ذلك ،فأىب عليهم
ذلك.
وقال :ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ أي :فأخاف إن طردهتم أن يشكوين إىل اهلل عز وجل ،وهلذا قال :ﮋ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﮊ (. ) 3
كما حصل ذلك بني نبينا حممد وكفار قريش و"هلذا ملا سأل كفار قريش رسول اهلل ،
أن يطرد عنه ضعفاء املؤمنني كعمار ،وصهيب ،وبالل ،وخباب ،وأشباههم ،هناه اهلل عن ذلك ،
كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ ( )4أي :بل أنا عبد
رسول ،ال أعلم من علم اهلل ،إال ما أعلمين به ،وال أقدر إال على ما أقدرين عليه ،وال أملك
لنفسي نفًعا وال ضًر ا إال ما شاء اهللﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ يعين من أتباعه ،
)(1سورة هود اآلية .29
)(2سورة هود اآلية .29
)(3سورة هود اآلية .30
)(4سورة هود اآلية .50
127
ﮕ ﮖ ﮊ أي :ال أشهد عليهم بأهنم ال ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
خري هلم ،عند اهلل يوم القيامة ،اهلل أعلم هبم ،وسيجازيهم على ما يف نفوسهم ،إن خًريا فخري ،
ﭖ وإن شًر ا فشر ،كما قالوا يف املوضع األخر :ﮋ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ (. ) 1 ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
يستفاد من اآليات السابقة يف جمال التفاوض أن أهل الباطل ُأتوا جدًال وقوة يف اخلطاب
ويالحظ يف أهنم أستخدموا االستفهام االنكاري وذلك يف قوهلم ﮋ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜﮊ فيجب التنبه
واالحتياط لذلك بالعدة من التعليم املستمر واملمارسة الدائمة.
ورغم طول الزمان وتوايل األجيال جيًال بعد جيل مل يؤمن مع نوح عليه السالم من قومه إال
القليل ،كما قال تعاىل :ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ (.)2
ويتبني تعاضد أهل الباطل يف مفاوضاهتم فيما بينهم وهنا يطلبون من نوح عليه السالم بطرد
املؤمنني ،وهم يوصون عقبهم بعدم اإلميان،وأمة نوح قد"كان كل ما انقرض جيل ،وُّصوا من
بعدهم بعدم اإلميان به ،وحماربته ،وخمالفته.وكان الوالد إذا بلغ ولده ،وعقل عنه كالمه ،وَّصاه فيما
بينه وبينه ،أن ال يؤمن بنوح أبًد ا ،ما عاش ،ودائًم ا ما بقي ،وكانت سجاياهم تأىب اإلميان ،واتباع
ﯾ ﯿ ﮊ( ،)3وهم الذين كانوا جيادلون ،ويلقون باجلدل على احلق ،وهلذا قال :ﮋ ﯻ ﯼ ﯽ
نوح عليه السالم ،فأورد اهلل قوهلم يف قوله تعاىل :ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮊ (. ) 4
"أي :حاججتنا فأكثرت من ذلك ،وحنن ال نتبعك ،إمنا الذي يعاقبكم ويعجلها لكم اهلل
الذي ال يعجزه شيئ "(.)5
أي :يستهزئون به استعباد الوقوع ما توعدهم به ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﮊ (. ) 6
128
أي :حنن الذين نسخر منكم ،ونتعجب منكم ،يف استمراركم على كفركم ،وعنادكم،
الذي يقتضي وقوع العذاب بكم ،وحلوله عليكم.
-3قال تعاىل :ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ (.)1
طبعت قلوهبم على الكفر البواح ،والصد عن السبيل ،والتكذيب ،ويستمر ذلك معهم
خىت يف اآلخرة عياذًا باهلل فينكرون أن يكون جاءهم رسول من قبل.
قال رسول اهلل " : جييء نوح عليه السالم وأمته ،فيقول اهلل عز وجل :هل بلغت؟
فيقول :نعم أي رب.
فيقول ألمته :هل بلغكم؟
فيقولون :ال ما جاءنا من نيب.
فيقول لنوح :من يشهد لك؟ فيقول :حممد وأمته ،فتشهد أنه قد بلغ"(.)2
ومن احلرص على هداية الناس وخاصة البدء بذوي القmmرىب بmmدأ نmmوح عليmmه السmmالم يفmmاوض ابنmmه
ويدعوه ،بأن يؤمن ويركب مع املؤمنني ويmبني لmه أنmه ال عاصmم اليmوم من أمmر اهلل إال من تغمmده اهلل
برمحته وعفوه ،ولكن ابنه أىب ،ومل يقبل ويركب مع املؤمنني ،فكانت النتيجة أن كmmان من املغmmرقني
وبينت اآليات هذا املوقف يف قوله تعاىل :ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ (.)3
وفي مجال التفاوض يمكن أن نستقي من هداية اآليات وفوائد قصة نوح عليه السالم ،مع ابنه ما
يلي:
ا -التودد والتلطف وإظهار احلرص وإرادة اخلري
ب -استخدام الكلمات احملببة للنفوس بالفطرة السليمة ،ومثال ذلك استخدام لفظ "يا قومي"
مع قومه ،وتدل داللة واضحة على التذكري بالشعور باالنتماء ،وكان ذلك مرارًا ،
إلشعارهم أنه واحد من القوم ،هبدف قبول دعوته عليه السالم .
واستخدام لفظ "يا بين"( )4وفيه ما يهز القلب ،وحيرك النفس جتاه عاطفة األبوة
)(1سورة هود اآلية .39
)( 2صحيح البخاري ،حممد بن امساعيل البخاري ،كتاب اجلمعة ،باب الطيب للجمعة ،ح ، 3339ج.398 ، 8
)(3سورة هود آية .43 - 42
)( 4وهذا هو االبن :يام ،وقيل امسه كنعان وكان كافًر ا عمل عماًل غري صاحل ،فخالف أباه يف دينه ومذهبه ،فهلك مع
129
الفطري ،رجاًء يف االستجابة واإلميان .
ج -التنوع يف األساليب معهم ومل يكن أسلوب واحد يف دعوهتم .
د -احللم ويظهر مع جمريات األحداث وطول السنني .
ه -الصرب حيث صرب عليه السالم ألف سنة إال مخسني عامًا .
و -تنوع اخلطاب فتارة خياطب الوجدان وتارة خياطب العقل , ...وال خيفى أثر ذلك يف
التفاوض.
وإىل غري ذلك من اجلوانب املهمة يف التفاوض مع اآلخرين ال سيما إن كان املتفاوض
من املخالفني يف العقيدة والديانة .
من هلك يف الغرق من قوم نوح ،البداية والنهاية ،إمساعيل ابن كثري ،مكتبة املعارف بريوت ،ج 1ص.113
)(1سورة األعراف اآليات .72-65
130
ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﮊ.
-5املقابلة يف القول والرد باليت هي أحسن ﮋ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ.
-6احلرص يف إبداء احلال ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ.
-7االتباع بال علم وال بصرية يورد املهالك ﮋ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮇ ﮈ ﮊ. ﮅ ﮆ
131
-6ال يكلف اللmه نفسًmا إال وسmعها ،ومmع الرغبmة في هدايmة النmاس ،إال أن هنmاك من ال يريmد الحmق
وال يريmد أن يبصmر ،أو يتأمmل بmل ديدنmه التmولي ﮋﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ وكمmا قmال
ﮒ ﮊ (. ) 1 ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ تعالى :ﮋﮅ ﮆ
-3وفي سورة المؤمنون يقول تعالى :ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﮏ ﮐ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﮊ (.)2
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ -4قال تعاىل :ﮋ ﮡ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ
ﭪ ﭫ ﭬﮊ (.)3
ويف هmmذا السmmياق البmmديع لآليmmات الكرمية واحلال دعmmوة هmmود عليmmه السmmالم لقومmmه ،يسmmتبط أنmmه
ينبغي ويجmmدر في المفاوضmmات ،التعريmmف بالحmmال ﮋ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ ،والتmmذكير بسmmالمة
المقصد ،والهدف ،والغاية ،وعدم الرغبة في الدنيا ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ،
وبيmان حmال املقابmل ومmا هmو عليmه بأسmلوب االسmتفهام االنكmاري ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ مث الطلب العدل الذي هو خري هلم يف الدنيا واآلخرة ﮋﯴ ﯵ
ﯶ ﯷ ﮊ ألين مبلغ عن اهلل ومرسل منه سبحانه ،مث التذكري باملنعم ﮋ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﮊ
ونعمه اليت أنعم هبا عليكم ﮋﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﮊ وبيان احلرص عليهم وطلب النجاة هلم
ﮋﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﮊ ومهما تنوعت أساليب الرتغيب والرتهيب وتعددت فهناك من ال
132
يستجيب عياذًا باهلل ﮋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﮊ بل وقد يتبعها اإلفك املبني ﮋﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﮊ.
-5قال تعالى :ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ (.)1
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ -6قال تعاىل :ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﮂ ﮃ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭻ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭴ ﭵ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮊ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ
(. ) 2
-7قال تعاىل :ﮋ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ (. ) 3
أي :قد استحقيتم هبذه املقالة الرجس والغضب من اهلل ،أتعارضون عبادة اهلل وحده ال
شريك له ،بعبادة أصنام أنتم حنتموها ،ومسيتموها آهلة من تلقاء أنفسكم ،اصطلحتم عليها أنتم
وآباؤكم.
ﭶ ﭷ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ -8قال تعاىل :ﮋ ﭬ ﭭ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭻ ﭸ ﭹ ﭺ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮊ (. ) 4 ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ وكقوله تعاىل :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯨ ﯩ ﮊ (. ) 5 ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
)(1سورة اآلية .16 – 15
)(2سورة األحقاف اآليات .25-21
)(3سورة األعراف اآلية.71
)(4سورة األحقاف الية .25 – 22
)(5سورة هود اآلية .60-58
133
وقال تعالى :ﮋ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ(.)1
واملتأمل لسياق اآليات الكرمية ،حلال أولئك املخالفني ،جيد منهم النفور ،واالستكبار ،
والصد عن احلق ،ومقابلة احلجج والرباهني واألدلة الواضحة اجللية ،باجلحود ،والنكران ،
واإلعراض ،وعدم الرغبة يف اإلنصات ،واالستماع والنظر والتأمل فيها.
رابعا :ما حصل من تفاوض مع نبي اهلل صالح عليه السالم وأرسل إلى ثمود
هو عبد اهلل ورسوله "صاحل بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر ابن مثود بن عابر بن ارم
بن سام بن نوح ،أرسله اهلل إىل مثود يقال مثود باسم جدهم متود ،وكانوا عربا من العارية
يسكنون احلجر الذي بني احلجاز وتبوك وكانوا بعد قوم عاد وكانوا يعبدون األصنام كأولئك
فبعث اهلل فيهم رجال منهم"(.)2
-1قال تعالى :ﮋ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﮍ ﮎ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
()3
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ .
ومما يستفاد من قصة نيب اهلل صاحل عليه السالم يف التفاوض ،بداية مثل األنبياء عليهم السالم
اخلطاب يشعر باالنتماء إىل قوم واحmد ﮋ ﯠ ﯡ ﯩ ﮊ وكmذا حmال األنبيmاء عليهم السmالم ،حتديmد
الطلب ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ ووجود البينة ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﮊ وتعيينها هلم ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯰ ﮊ هي ﮋﯮ ﯯﮊ مث الطلب اهلام منهم ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﮊ والنهي عن التعmmدي
والظلم هلذه اآلية اليت أرلت لكم ﮋ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ فيأتيكم ،أو ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ.
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ -2قال تعاىل:ﮋ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ
ﰖ ﰗ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰇ ﰈ ﰉ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ
)(2البداية والنهاية ،ابن كثري ،مرجع سابق ،ج 1ص .131 - 130
)(3سورة األعراف اآليات .78-73
134
ﰠ ﰡ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓﮊ(.)1
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ -3قال تعاىل :ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﯓ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﰏ ﮊ (. ) 2 ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ
-4قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ(.)3
خامسا :ما حصل من تفاوض مع نبي اهلل لوط عليه السالم
الدعوة إىل اهلل مع اإلصالح االجتماعي بالدعوة إىل إقامة العدل كما يف دعوة لوط قومه ،
لرتك الفاحشة.
ولmmوط عليmmه السmmالم ،حصmmلت مواقmmف وأحmmداث جmmرت مmmع قومmmه ،ومنهmmا مmmا يجmmري مجmmرى
التف mmاوض ،وخاص mmة تل mmك المراجع mmات ال mmتي ك mmانت ح mmول المعص mmية ال mmتي لم يس mmبقهم إليه mmا أح mmد من
العالمين ،إال أن قومه تشربوا الكفر والعصيان والفجور غير مكترثين برسmmولهم ،بmmل واجتمعmmوا عليmmه
رغبmة في تنفيmذ معصmيتهم النكmراء في أضmياف لmوط عليmه السmالم ،قmال تعmالى :ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
135
ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﰇ ﰆ
ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ
ﰚ ﮊ (.)1
مما يسmmتفاد من اآليmmات يف التفmmاوض أنmmه قmmد يتم التفmmاوض مmmع ممن لmmه قmmوة وعmmدد وعmmدة فmmذلك
يتطلب زيادة اجلهد يف املفاوضة معهم ،ونظري ذلmmك فيمmا حتدثت عنmmه اآليmmات الكرمية ،عنmmدما جmاء
قmm mوم لmm mوط لنmm mبيهم لmm mوط عليmm mه السmm mالم ،يريmm mدون أض mmيافه جلرميتهم وفاحشmm mتهم ،عال لوطًm mا الض mmيق
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﮊ ثم أمmmرهم بتقmmوى اللmmه والكmmرب ،حmmتى قmmال لهم ﮋ ﮫ ﮬ
ﮋ ﯔ ﯕ ﮊ وطلبهم طلب أشبه بالترجي لمكانة أضيافه ألنه واجب إكرامهم ال الغدر بهم فقال ﮋ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﮊ ثم يبحث فيهم عمن فيه رشد منهم ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ يكفكم عن هذا السوء.
سادسا :ما حدث من مواقف مع نبي اهلل ورسوله إبراهيم الخليل عليه السالم
إبراهيم عليه السالم نبي ورسول ،وهو أبو األنبياء ،وهو خليل الله ،وقد أثبت الله
-عز وجل -نبوة ورسالته في مواضع عديدة من الكتاب الكريم ،وشهد له بأن إبراهيم عليه السالم
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ كان أمة قانتًا لله حنيفًا .قال تعالى :ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ (.)2
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ (. ) 3 وقال تعاىل :ﮋ ﭢ ﭣ ﭤ
وقد ذكر القرآن الكرمي من سرية إبراهيم اخلليل عليه السالم عددًا من املواقف يستنبط منها
فوائد تفاوضية ،على تنوع املقابل فيها فكانت تارًة مع ابنه إمساعيل عليه السالم ،وتارًة مع امللك
النمرود ،وتارًة مع قومه ،وتارة مع أبيه ،وكانت هذه املواقف ،واألحداث مع إبراهيم عليه
السالم ،قصصًا يف ثنايا سور القرآن الكرمي ومنها ما يلي :
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ -1قوله تعاىل :ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ
136
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭺ ﭻ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
() 1
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﮊ .
جند يف هذه اآليات الكرميات أن "أمر اهلل جل وعال نبيه ،حممدا ،يف هذه اآلية الكرمية:
أن يذكر يف الكتاب الذي هو القرآن العظيم املنزل إليه من اهلل ،إبراهيم ،عليه وعلى نبينا الصالة
والسالم ،ويتلو على الناس يف القرآن نبأه مع قومه ودعوته هلم إىل عبادة اهلل وحده وترك عبادة
األصنام اليت ال تسمع وال تبصر وال تنفع وال تضر"(.)2
يظهر من خالل املوقف تودد وتلطmف إبmراهيم عليmه السmالم يف اخلطmاب ،وبيmان العلم واهلدى
الmmذي رزقmmه اهلل إلبmmراهيم ويريmmد إيصmmاله ألبيmmه وقومmmه ،ويف موضmmع آخmmر يتجلى السmmؤال من إبmmراهيم
لقوم mmه لتقري mmر حق mmائق أن ه mmذه أص mmنامًا من ص mmنع البش mmر ،ال تض mmر ،وال تنف mmع ،وهي مجادات عدمية
احلركmmة ،وال تقmmدر أن تنفmmع نفسmmها ،فض ًmال عن أهنا تقmmدر على نفmmع غريهmmا ،كمmmا يف قولmmه تعmmاىل:
ﯓ ﯔ ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯣ ﯤ ﮊ (. ) 3 ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ويستفاد من هذه اآلية الكرمية أن من أقوى األساليب أن جتعل املخالف جييب نفسه بنفسه
عن دعواه الباطلة وذلك من خالل األسئلة احملددة كما يف قوله تعاىل ،حاكيًا عن إبراهيم عليه
السالم يف قوله تعاىل :ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮊ (.)4
فلم تكن إجابة مقنعة جادة ،حيث أهنم هربوا عن اإلجابة احملددة لألسئلة احملددة ،فتأيت
اإلجابة عبارة عن انتقال من املوضوع وذلك ألنه االقتداء والتقليد األعمى كما يف قوله تعاىل :
ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ (. ) 5
إيص mmال البالغ احلق للم mmدعو ،وعرض mmه علي mmه ،ومعاجلة املخالف mmات عن mmد الن mmاس وخاص mmة ال mmيت
تكmm mون متأصmm mلة يف السmm mلوك لmm mديهم ،وتنبmm mع من عقائmm mدهم ،حتتmm mاج إىل أدق األس mmاليب يف دع mmوهتم
والتفاوض معهم ،وذلك ألمهية وخطورة التعامل مع املقابل فيها.
137
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ويف قولmmه تعmmاىل :ﮋ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
() 1
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ . ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ومما يسmmتفاد من اآليmmات الكرمية يف التفmmاوض ضmmرورة السmmؤال ملعرفmmة سmmبب األفعmmال والmmدوافع
لتلك األفعال عند القائمني هبا وما انطوت عليه عقيدهتم فيها وما هي الصmورة الذهنيmة لmذلك ،ولmو
ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ وعلى للسائل علم مسبق ،ومن ذلك قوله تعاىل :ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
غ mmرار تل mmك اإلجاب mmة يك mmون ال mmرد والبي mmان أو الطلب ك mmان أم mرًا أو هني ًmا ،فك mmان البي mmان ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ مث تواىل اخلليل عليه السالم يف بيان ماجاء به من احلق تبارك وتعاىل :ﮋ ﯫ ﯬ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﮊ ﯮ ﯯ ﯭ
وبعد املراجعات اليت تعددت بنّي اخلليل عليه السالم وقومه وبعد احملاوالت اليت دلت على
صد قومه عن السبيل واإلصرار على الباطل وعدم الرغبة يف احلق ،بل وفوق ذلك حربًا على
الدعوة وعلى الرسول الذي بعثه اهلل ،يأيت دور الرباءة كما قال اخلليل عليه السالم لقومه ،أنه براء
ﮈ ﮉ مما يعبدون إال اهلل الذي فطره سبحانه ،كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ (. ) 2
وإب mmراهيم علي mmه الس mmالم وال mmذين آمن mmوا مع mmه هم أس mmوة حس mmنة أمرن mmا باالقت mmداء بهم كم mmا في
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ قوله تعالى :ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﯗ ﮊ ( . )3
من هداية اآليات المفيدة في مجال التفاوض فيما سبق ما يلي:
ا -نصح إبراهيم عليه السالم أباه ويظهر فيها الرفق واللني والتودد يف اخلطاب وهو من
اجلوانب املؤثرة يف التفاوض .
ب -إيضاح احلق والتحذير من عبادة غري اهلل الغري وهو الغري مستحق للعبادة وهو ما ال يسمع
وال يبصر ،وال ينفع وال يضر نفسه فضًال عن غريه .
ج -التحذير من عذاب اهلل تعاىل ووالية الشيطان.
138
د -الثبات على احلق وخشية اهلل مهما كان يف املواجهة من الوعيد والتهديد العنيف بالقول
والشدة ،أو الفعل الذي يسفر عن العداوة .
ه -اخلتام احلسن للموقف ﮋ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ (.)1
و -إظهار الدليل والربهان باحلجة القاطعة.
ز -عادة أهل الضالل واألهواء يف مفاوضاهتم اإلصرار على الزيغ عن احلق والتعصب للباطل
مهما أفحموا باحلجة القاطعة والدليل ،حيث قال تعاىل :ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔ ﮕ ﮊ " (. ) 2
ح -استدرار عاطفة األبوة وفيه التودد واإلكرام ،مع الوالدان يف خطاب إبراهيم مع أبيه حيث
تكرر قوله "يا أبت".
وتتعدد املواقف واألحداث اليت واجهت نيب اهلل ،إبراهيم اخلليل ،عليه السالم ومنها ما جيري
جمرى املفاوضات نورد منها ما تيسر منها ما يلي :
ما جرى بين إبراهيم عليه السالم مع الملك : -1
كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ (. ) 3
ويستفاد من اآليات يف التفاوض ما يلي:
-1أن أهmmل الباطmmل قmmد يحmmاجون وي ّmد عون وينmmافحون عن بmmاطلهم وإن كmmان هش ًmا على شmmفا جmmرف
هار.
-2ترك بعض الدعاوى وعدم االلتفات إليها ،ال يعmد إقmرارًا هلا ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ وهmو متmأول
يف ذل mmك وليس على احلقيق mmة كم mmا ه mmو معل mmوم ،ف mmأىن ل mmه ذل mmك ،فاهلل ج mmل وعال يق mmول :
ﮛ ﮜ ﮊ (. ) 4 ﮋﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
-3األس mmئلة احملددة مهم mmة جm mدًا كي ال ُي رتك جمال للم mmراوغ اهلروب عن االجاب mmة عنه mmا ،وهي
139
األسئلة املغلقة ،وهي تفيد يف التفاوض وال بد من االهتمام هبا تعلمًا وتعليمًا.
-4أن دعmmاوى أهmmل الباطmmل مآهلا إىل زوال وخسmmران ،طmmال الزمmmان أم قصmmر ،ﮋﮑ ﮒ ﮓﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ.
ما جرى بين إبراهيم عليه السالم وقومه : -2
قال تعالى :ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ ( . )1
مما يستفاد من هداية اآليات يف التفاوض
التدرج . -1
مراعاة مستوى املخاطبني يف توضيح املراد. -2
إشmعار املخmاطب ولmو كmان خصmمًا أن هنmاك انتمmاء يرجmع اجلميmع إليmه وطنًmا أو قبيلًmة وحنوه ، -3
وذلك مبا يدل على ذلك كما قال إبراهيم عليه السالم ﮋ ﮟﮊ .
أن التفاوض أو النقاش واحلوار وحنوه مmع أحmد ال يعmين الدميومmة ،بmل هنmاك سmاعة ومواضmع -4
ﮢ ﮣ ﮊ. جيب أن حيصل فيها الفراق إذا اقتضت املصلحة ذلك ﮋ ﮠ ﮡ
ما جرى بين إبراهيم عليه السالم وبين المالئكة الكرام المرسلين إلى قوم لوط -3
قال تعاىل :ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﮊ (.)2
140
وصدق الوعد وهو الذبيح الذي فداه اهلل بذبح عظيم ،وهو جد رسولنا حممد عليهما الصالة
والسالم .
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ (. ) 1 وفيه قال تعاىل :ﮋ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ
"أمر اهلل جل وعال نبيه يف هذه اآلية الكرمية :أن يذكر يف الكتاب وهو هذا القرآن
العظيم "جده إمساعيل" وأثىن عليه أعين إمساعيل بأنه كان صادق الوعد وكان رسوًال نبيًا "(.)2
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ -1قوله تعاىل :ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﰓ ﰔ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ
ﭧ ﭦ
() 3
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ .
ﮋ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﮊ "ولم يكن ذلك عرضا وقبوال فحسب بل جاء وقت
التنفيذ ،والكل ماض في سبيل التنفيذ ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﮊ ،يا له من موقف يعجز كل بيان عن
تصويره ويئط كل قلم عن تفسيره ويثقل كل لسان عن تعبيره شيخ في كبر سنه يحمل سكينا بيده
ويتل ولده وضناه باألخرى كيف قويت يده على حمل السكين وقويت عيناه على رؤيتها في يده
وكيف طاوعته يده األخرى على تل ولده على جبينه.؟ إنها قوة اإليمان وسنة االلتزام وها هو الولد مع
أبيه طوع يده يتصبر ألمر الله ويستسلم لقضاء الله ﮋ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﮊ ،والموقف اآلن والد بيده
السكين وولد ملقى على الجبين ولم يبق إال توقف األنفاس للحظة التنفيذ ولكن
ﭠ ﭡ ﮊ "(.)4 رحمة الله أوسع وفرجه من عنده أقرب ﮋ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ
وهنا تتجلى روعة مفاوضة اخلليل وابنه إمساعيل عليهما السالم"أما أنه أمره بالذبح فريشد
إليه أوال قول إبراهيم لولده أين أرى يف املنام أين أذحبك فانظر ماذا ترى ألن رؤيا األنبياء حق من
ناحية و ألن مفاوضة إبراهيم لولده يف هذا األمر اجللل تدل على أن هذا أمر البد منه من ناحية
() 5
أخرى و إال ملا فاوضه تلك املفاوضة اخلطرية املزعجة اليت هي أول مراحل السعي إىل التنفيذ"
141
وقدمساه اهلل عز وجل ،بالء عظيما
فليس بالًء فحسب قال تعاىل :ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ (. )1
من هداية اآليات في مجال التفاوض ما يلي :
إبالغ اخلليل عليه السالم البنه إمساعيل أنه أمر من اهلل بوحي منه أنه يذبح إمساعيل وذلك ا-
عن طريق الرؤيا ورؤيا األنبياء وحي من اهلل .
عرض األمر عليه ﮋ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ ﰈ ،ومل يأمره قصرًا . ب-
أن إمساعيل أجاب أباه بإعالن استسالمه ألمر اهلل ،قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدين إن ج-
شاء اهلل من الصربين.
أسلما إبراهيم وإسماعيل جميعًا األمر إلى الله وتقدما لمباشرة التنفيذ ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﮊ د-
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ أتت البشرى من اهلل ﮋ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ه-
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ.
ثامنًا :ما حدث من مواقف مع نبي اهلل يعقوب عليه السالم :
نيب اهلل يعقوب هو ابن إسحاق ابن إبراهيم عليه السالم وهو أبو يوسف عليهم مجيعًا الصالة
والسالم ويعقوب هو إسرائيل املذكور يف القرآن.
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ -1قوله تعاىل :ﮋ ﭾ ﭿ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﯕ ﮊ (. ) 2 ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
حسد إخوة يوسف أخوهم يوسف على حمبة والدهم له فأضمروا يف أنفسهم نار احلسد
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ (. ) 3 فقالوا ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ
فوّلد احلسد شرًا حيث قالوا ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ (.)4
وهذا الرأي على ما يظهر من سياق اآلية الكرمية أنه رأي أغلبية منهم حيث كان رأي
142
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ(.)1 واحد منهم قوله :ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
وكل ذلك يعد من قبيل التفاوض فيما بينهم نتج عنه بعد املداوالت أن اختاروا إبعاده وعدم
قتله ،فعند ذلك "أمجعوا على التفريق بينه وبني ولده بضرب من االحتيال وقالوا ليعقوب يا أبانا
ما لك ال تأمنا على يوسف وقيل :ملا تفاوضوا وافرتقوا على رأي املتكلم الثاين عادوا إىل يعقوب
عليه السالم وقالوا هذا القول ،وفيه دليل على أهنم سألوه قبل ذلك أن خيرج معهم يوسف
فأىب"(. )2
143
حمتاجون إليك ،خائفون منك.
وذكر بكاء إخوة يوسف ،وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون ،أي يف ظلمة الليل ليكون أمشى
لغدرهم ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ أي ثيابنا ﮋ ﭲ
ﭳ ﮊ أي :يف غيبتنا عنه يف استباقنا ،وقوهلم ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ أي :وما أنت
مبصدق لنا يف الذي أخربناك من أكل الذئب له ،ولو كنا غري متهمني عندك ،فكيف وأنت تتهمنا
يف هذا ،فإنك خشيت أن يأكله الذئب ،وضمنا لك أن ال يأكله لكثرتنا حوله ،فصرنا غري
مصدقني عندك ،فمعذور أنت يف عدم تصديقك لنا واحلالة هذه ،ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ أي:
مكذوب مفتعل ،ألهنم عمدوا إىل سخلة ذحبوها ،فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصه ،ليومهوا
أنه أكله الذئب ،قالوا ونسوا أن خيرقوه ،وآفة الكذب النسيان.
وملا ظهرت عليهم عالئم الريبة مل يُر ج صنيعهم على أبيهم ،فإنه كان يفهم عداوهتم له،
وحسدهم إياه على حمبته له من بينهم أكثر منهم ،ملا كان يتوسم فيه من اجلاللة واملهابة اليت كانت
عليه يف صغره ،ملا يريد اهلل أن خيصه به من نبوته ،وملا راودوه عن أخذه ،فبمجرد ما أخذوه
أعدموه ،وغيبوه عن عينيه ،جاؤا وهم يتباكون وعلى ما متالئوا عليه يتواطئون ،وهلذا ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ " (. ) 1
ومما يستنبط من اآليات الكرمية يف التفاوض ما يلي :
-1أن أصحاب املكر واخلديعة يعمدون إىل املفاوضات يف معزل فيما بينهم حىت خيرجوا إىل
رأي فيبادرون بالتخطيط ليتوجهو فيما بعد إىل مرحلة التنفيذ.
-2االعتناء بالعدد ،ألن له الغلبة ،فسياق اآليات تدل على أهنم مجيعهم خططوا ﮋ ﮖ ﮗ
ﯪﮊ، ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ وطلبmوا من أبيهم ﮋ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
وك mm m m m m m m m m m m m m m m m m m m mذلك ملا رجع mm m m m m m m m m m m m m m m m m m m mوا إىل أبيهم ،وأرادوا الت mm m m m m m m m m m m m m m m m m m m mربير بالك mm m m m m m m m m m m m m m m m m m m mذب :
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ .
-3يف التفاوض حيتاج املفاوض إىل التعزيز والرفقة اليت تعضده ،فوجود يعقوب عليه السالم
يف مقابل بنيه مع حرصه على يوسف ،وخوفه عليه ،وعد اطمئنانه لطلب إخوة يوسف ،
144
ومعذلك مل يزالوا بأبيهم حىت أخذوا ما أرادوا.
-4عادة من يضمر املكر أن يزين لطلبه ويربر ويظهر حسن نيته ...ﮋ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪﮊ .
تاسعًا :ما حدث من مواقف مع نبي اهلل يوسف عليه السالم
يوسف ابن يعقوب عليهما السالم تعددت املواقف معه ومن آخر تلك املواقف ما حصل بينه
وهو عزيز أظهره اهلل ،وبني إخوته حني قدموا عليه وأرادوا الكيل وأمر عليه السالم بإخفاء
صواع امللك مث ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ.
هنالك كان من إخوته اعرتاف بالفاقة ،واحلاجة إىل املساعدة ،والعون ، ...وقدموا حًال ،
ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ مفاوضني له ،فكان قوهلم ،ﮋ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﮊ (. ) 1
اسmmتثمر يوسmmف ،عليmmه السmmالم ،ضmmعف حmmاهلم وحيلتهم ،وحmmاجتهم ،لبيmmان احلق وكشmmفه هلم
حيث قال تعاىل :ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ ( )2مع هذا املوقف التفاوضي ،
العجيب واملؤثر ،بني يوسmm mف ،عليmm mه السmm mالم ،وإخوتmm mه ،والmm mذي بسmm mببه عmm mاد إخ mmوة يوسmm mف إىل
رشدهم ،وأيقظ قلوهبم ،فتذكروا سوء فعلهم ،وظلمهم الصmريح ،ليوسmف وأخيmه ،فmأقروا بشmناعة
صنيعهم ،وقدمو اعتذارهم ،ليوسف ،مث بينت اآليات طلبهم من أبيهم أن يستغفر هلم.
145
أو أهنم يعودون يف ملتهم ،ومما يدعم التفاوض إظهار إرادة اخلري للغري وخاصة أطراف التفاوض.
-2قوله تعالى :ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯭ ﯮ ﮊ (.)1 ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ومما يستفاد ويستنبط من اآليات الكرمية يف التفاوض ما يلي :
-1التذكري باالنتماء إىل قوم واحد ﮋ ﮊ ﮊ .
-2ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ.
-3يش mmعر املقاب mmل وإن ك mmان خمالف ًmا ب mmاحلرص علي mmه وعلى مص mmلحته وإرادة اخلري لـه ،كم mmا ق mmال
شعيب عليه السالم لقومه ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ (.)2
وكل هذه احملاوالت بذلت يف الدعوة إىل اهلل مع طلب اإلصالح االجتماعي بالدعوة إىل
إقامة العدل يف البيع والشراء كما يف دعوة شعيب لقومه.
حادي عشر :تفاوض نبي اهلل موسى مع شعيب عليهما السالم.
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ قوله تعاىل :ﮋ ﯖ ﯗ -1
ﯾ ﯿ ﰀ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ
ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﮊ(.)3
موسى عليه السالم مع الرجل الصاحل من أهل مدين حني فاوض موسى وقدم له طلب بأن
يعقد معه عقد إجارة مقابل تزوجيه إحدى ابنتيه ويعد هذا من قبيل التفاوض االجتماعي إذ يتم فيه
زواج موسى عليه السالم من إحدى ابنيت شعيب .
146
بدأ شعيب بعرض أمر تزويج إحدى ابنتيه بمقابل إجارة موسى ويعد ذلك تفاوضًا ،حيث
قال لموسى " :ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ أي أزوجك ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﮊ ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ أي سنين
جمع حجة وهي السنة وقوله ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ أي إحسانا منك وكرما ،ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ
بطلب العشرة ،ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ أي الذين يوفون بعهودهم قال موسى ردًا على كالمه ﮋ
ﯸ ﯹ ﯺ ﮊ أنا علَّي أن أفي بما اشترطت علَّي وأنت عليك أن تفي بما اشترطت لي على نفسك ﮋ
ﯼ ﯽ ﮊ الثمانية أو العشرة
ﮋ ﯾ ﮊ أي وفيت وأديت ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ أي بطلب الزيادة على الثمانية وال على العشرة .فقال شعيب:
نعم ﮋ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ فأشهد الله تعالى على صحة العقد وبذلك أصبح موسى زوجًا البنة شعيب
التي عّينها له والغالب أنها الكبرى التي شهدت له باألمانة والقوة" 1لما رأته من موسى عليه السالم كما
ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ (.)2 جاء في قوله تعالى :ﮋ ﮩ ﮪ
من المعاني التي يستفاد منها في التفاوض في هذا الموقف ما يلي :
أن طلب اإلجارة مما حيصل فيه التفاوض ،وكذلك طلب التزوجييحصل فيه التفاوض ،ويعد
تفاوضًا اجتماعيًا "تأجرين أي تأجر نفسك مين أو تكون يل أجريا أو تثيبين من أجرك اهلل ،
فمن عندك ،فإمتامه من عندك تفضال ال من عندي إلزاما عليك وهذا استدعاء العقد ال نفسه
فلعله جرى على أجره معينة ومبهر آخر أو برعية األجل األول ووعد له أن يويف األخري إن
تيسر له قبل العقد وكانت األغنام للمزوجة مع أنه ميكن اختالف الشرائع يف ذلك ،ستجدين
إن شاء اهلل من الصاحلني أي يف حسن املعاملة ولني اجلانب والوفاء باملعاهدة"(.)3
"قال الشيخ ،ملوسى عليه السالم :إين أريد أن أزِّو جك إحدى ابنَّيت هاتني ،على أن تكون
أجًريا يل يف رعي ماشييت مثاين سنني مقابل ذلك ،فإن أكملت عشر سنني فإحسان من عندك ،وما
أريد أن أشق عليك جبعلها عشرا ،ستجدين إن شاء اهلل من الصاحلني يف حسن الصحبة والوفاء مبا
قلُت "(.)4
)(1أيسر التفاسري ،للجزائري ،مرجع سابق ،ج 4ص .68-67
)(2سورة القصص اآلية .26
)(3تفسري البيضاوى ،مرجع سابق ،ج 4ص .290
)(4التفسري امليسر ،مرجع سابق ،ص .64
147
والرتغيب يف االتفاق املفاوضات أمر مطلوب ومستحسن وينبغي الرتغيب أن يكون على
حقيقة وهذا ما فعله شعيب"فرغبه يف سهولة العمل ،ويف حسن املعاملة ،وهذا يدل على أن الرجل
الصاحل ،ينبغي له أن حيسن خلقه مهما أمكنه ،وأن الذي يطلب منه ،أبلغ من غريه"(.)1
وكان الذي بدأ يف املفاوضات ،ودعى إىل التفاوض هو شعيب أبو البنتني وهذا ما تبني من
قوله تعاىل :ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ اآلية .
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯭ -2قوله تعاىل :ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯽ ﯾ ﯿ ﯻ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯼ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ (. ) 2
ذهاب موسى وهارون عليهما السالم إلى فرعون وملئه ابتداًء ،هي دعوة إلى اهلل
ﮊ (.) 3 ﮦ ﮤ ﮥ سبحانه ،وامتثال ألمره جل وعال قال تعالى :ﮋ ﮢ ﮣ
ومعلوم أن الدعوة إىل اهلل ،متر مبراحل وقد حيدث فيها من التفاوض ،أو اجلدال أو احلوار
وحنو ذلك ومما يستنبط من اآليات الكرمية يف التفاوض يف اجلانب الدعوي عند الطلب ،أن يكون
الندا بأحب األمساء للمدعو ولو كان من اهلالكني ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ ومن مث يعّر ف الداعية
بنفسه ،ﮋ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ ويبني ما أتى به ،وما يدعو إليه بأوضح بيان وأهبى صورة :
ويستفاد من ثنايا هذه اآليات الكرميات أن بنّي موسى عليه السالم ،لفرعون وملئه"َلَقْد َأْر َس َليِن
َر يِّب َو َر ُّب الَعاَلِم َني ِإَلْيَك َ ،و ُه َو الِذ ي َخ َلَق ُك َّل َش يٍء يِف َه ذا الُو ُج وِد َ .و َج ِديٌر يِب َ ،و َح ٌّق َعَلَّي ﮋ
ﭑ ﭒ ﮊ َ ،أْن َال َأ ِرَت ي َلى اِهلل َك ِذبًا َ ،أْن َال َأُقوُل إَّال ا َّق الِص ْدَق ِ ،ل ا َأْع َل ِم الِل َش ْأِنِه
َم ُم ُه ْن َج َحل َو َو ْف َع
َو َعَظَم ِتِه َ ،و َلَقْد ِج ْئُتُك ْم ُحِبَّج ٍة َقاِط َعٍة ِ ،م ْن َر ِّبُك ْم َتُد ُّل َعَلى ِص ْد ِقي ِفيَم ا ِج ْئُتُك ْم ِبِه َ ،فاَمْسْح ِلَبيِن
ِإْس َر اِئيَل َأْن ْخَيُر ُج وا ِم ْن َأْر ِض ِم ْص َر َ ،و َح ِّر ْر ُه ْم ِم ْن ِر ْبَق ِة الُعُبوِدَّيِة اليِت َفَر ْض َتَه ا َعَلْيِه ْم "،ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﮊ . .فما كان الرسول الذي يعلم حقيقة اهلل ،ليقول عليه إال احلق ،وهو يعلم
)(1تيسري كالم الرمحن ،مرجع سابق ،ج 1ص .614
)(2سورة األعراف اآليات .120 ، 103
)(3سورة طه اآلية .20
148
قدره؛ وجيد حقيقته -سبحانه -يف نفسه ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ . .تدلكم على صدق قويل :
إين رسول من رب العاملني ،وباسم تلك احلقيقة الكبرية . .حقيقة الربوبية الشاملة للعاملني . .
طلب موسى من فرعون أن يطلق معه بين إسرائيل إن بين إسرائيل عبيد هلل وحده؛ فما ينبغي أن
يعبدهم فرعون لنفسه! إن اإلنسان ال خيدم سيدين ،وال يعبد إهلني .فمن كان عبدًا هلل ،فما
ميكن أن يكون عبدًا لسواه .وإذ كان فرعون إمنا يعبد بين إسرائيل هلواه؛ فقد أعلن له موسى أن
رب العاملني هو اهلل .وإعالن هذه احلقيقة ينهي شرعية ما يزاوله فرعون من تعبيد بين إسرائيل ،
إن إعالن ربوبية اهلل للعاملني هي بذاهتا إعالن حترير اإلنسان .حتريره من اخلضوع والطاعة والتبعية
والعبودية لغري اهلل .حتريره من شرع البشر ،ومن هوى البشر ،ومن تقاليد البشر ،ومن حكم
البشر ،وإعالن ربوبية اهلل للعاملني ال جيتمع مع خضوع أحد من العاملني لغري اهلل؛ وال جيتمع مع
حاكمية أحد بشريعة من عنده للناس ،والذين يظنون أهنم مسلمون بينما هم خاضعون لشريعة
من صنع البشر -أي لربوبية غري ربوبية اهلل -وامهون إذا ظنوا حلظة واحدة أهنم مسلمون! إهنم ال
يكونون يف دين اهلل حلظة واحدة وحاكمهم غري اهلل ،وقانوهنم غري شريعة اهلل .إمنا هم يف دين
حاكمهم ذاك .يف دين امللك ال يف دين اهلل ،وعلى هذه احلقيقة ُأمر موسى -عليه السالم -أن
يبين طلبه من فرعون إطالق بين إسرائيل :ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ "(.)1
وقد تكررت قصة موسى عليه السالم ،يف القرآن الكرمي يف عدد من السور ،وقد عرضت
آيات الذكر احلكيم ،ما حدث فيها من مواقف ،وأحداث ،ومنها ما جرى جمرى التفاوض حيث
كانت قصة موسى عليه السالم ،أكثر قصص األنبياء ورودًا يف القرآن ،تارًة باإلسهاب وتارًة
باإلشارة وهي من القصص اليت تزخر بالدروس والفوائد يف جمال التعامل مع اآلخرين ال سيما جمال
التفاوض على الصعيد السياسي واالجتماعي واإلداري . ...
ويقتضي مقام الدعوة إظهار احلقائق والصدع باحلق ،واستخدام الوسائل واألساليب اليت
ختدم أهداف الدعوة ،مع األخذ يف االعتبار مبراعاة احلال ،ومما مت إعالم فرعون به من حقائق ،أن
موسى متصف باألمانة ،وينهاهم عن االستعالء الذي هو من صفات املستكربين وما يؤول إليه
مآهلم من اخلسران يف الدارين ،ففي قوله تعاىل :ﮋﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ "أي مأمون على ما
أبلغكموه ،وقوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ أي ال تستكربوا عن اتباع آياته واالنقياد
)(1النبوة واألنبياء يف القرآن والسنة ،علي بن نايف الشحود ،ج 1ص ، 51موقع املكتبة الشاملة .
149
حلججه واإلميان برباهينه كقوله عز وجل :ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ
ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﮊ أي حبجة ظاهرة واضحة وهي ما أرسله اهلل تعاىل به من اآليات البينات
واألدلة القاطعات .ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ قال ابن عباس رضي اهلل عنهما وأبو صاحل :هو الرجم
باللسان وهو الشتم .وقال قتادة :الرجم باحلجارة أي أعوذ باهلل الذي خلقين وخلقكم من أن
تصلوا إيل بسوء من قول أو فعل ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ أي فال تتعرضوا يل ودعوا األمر بيين
وبينكم مساملة إىل أن يقضي اهلل بيننا .فلما طال مقامه بني أظهرهم وأقام حجج اهلل تعاىل
عليهم .كل ذلك وما زادهم ذلك إال كفرًا وعنادًا ،دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم"(. )1
فلما اختذ موسى عليه السالم كل السبل والطرق مع فرعون وملئه فلم يستجيبوا حىت
مطالبتهم بأن خيلوا بينه وبينهم ويعتزلوه وأن يؤدوا إليه بنوا إسرائيل ومل تنفع معهم أي مفاوضات
أو حوارات وحنوه رفضوا وأصروا عنادًا واستكبارًا ،فما كان من موسى عليه السالم ‘إال أن قام
" ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ فعند ذلك أمره اهلل تعاىل أن خيرج ببين إسرائيل من بني أظهرهم من
ﭴ ﮊ كما قال غري أمر فرعون ومشاورته واستئذانه وهلذا قال جل جالله :ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ.وقوله عز وجل ههنا:
ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ " (. ) 2
وكان على كل من علم بقصة موسى مع فرعون وما جرى فيها من أحداث أن يأخذ من
ذلك كله العضة والعربة اليت تدعو خلشية اهلل قال تعاىل :ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ (.)3
ومن لطائف ما جيري جمرى التفاوض يف هذه القصة املباركة أن اختار موسى عليه السالم
يوم مشهود يشهده بنوا إسرائيل وقوم فرعون وجنوده وذلك ألمهية الشهادة واملشاهدة والعيان
فليس اخلرب كاملشاهدة ،وليس من رأى ،كمن مسع ،قال تعاىل :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮫ ﮬ ﮊ (. ) 4 ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
و"ذكر جّل وعال يف هذه اآلية الكرمية :أن فرعون ملا وعد موسى بأنه يأيت بسحر مثلما جاء
به موسى يف زعمه قال ملوسى ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮊ واإلخالف :عدم إجناز
)(1تفسري ابن كثري ،دار الفكر ،مرجع سابق ،ج 4ص.171
)(2تفسري ابن كثري ،دار الفكر ،مرجع سابق ج 4ص .172
)(3سورة النازعات اآلية .26
)(4سورة طه اآليات . 59 – 58
150
الوعد .وقرر أن يكون مكان االجتماع املناظرة و املغالبة يف السحر يف زعمه مكانًا ُس ًو ى .وأصح
األقوال يف قوله ﮋ ﮣ ﮊ على قراءة الكسر و الضم :أهنم كان وسط تستوي أطراف البلد فيه.
لتوّس طها بينها ،فلم يكن أقرب للشرق من الغرب ،وال اجلنوب من الشمال .وهذا هو معىن
قول املفسرين ﮋ ﮢ ﮣ ﮊ أي :نصفًا وعدًال ليتمكن مجيع الناس أن حيضروا"(.)1
وتقدم أن قصة موسى عليه السالم وفرعون تكررت يف القرآن ففيها من الدروس والعرب
الشيء الكثري ومن املواضع اليت ذكرت فيها قصة موسى عليه السالم يف القرآن الكرمي .
ﰜ -3قوله تعاىل :ﮋ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ
ﰝ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮘ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﮊ (. ) 2
بنوا إسرائيل عندما رأوا أصنامًا تعبد طلبmmوا من موسmmى بmmأن جيعmmل هلم إهلا كمmmا هلم آهلة ،وبني
هلم موس mmى عظيم ذل mmك األم mmر ،كم mmا بني هلم عظيم فض mmل اهلل عليهم كم mmا ورد يف ق mmول اهلل تب mmارك
ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ وتعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ (.)3 ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ثاني عشر :ما حدث مع نبي اهلل ورسوله عيسى عليه السالم
عيسى هو نيب اهلل ورسوله وهو من أويل العزم من الرسل وهو عيسى ابن مرمي كما جاء يف
القرآن وكلمة اهلل اليت ألقاها إىل مرمي ،وأرسله اهلل إىل بين إسرائيل وأيده باملعجزات وقد رفعه اهلل
إليه وينزل يف آخر الزمان .
-1قال تعاىل :ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
151
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
() 1
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﮊ .
ﭼ ﭽ -2ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ ( . ) 2
ثالث عشر :ما حدث من مواقف مع رسول اهلل نبينا محمد
ورد يف القرآن الكرمي مواقف ووقائع وأحداث جرت مع رسولنا الكرمي وتنوعت اآليات
فيها ،فكان منها األمر والنهي ويف األخرى خرب ،وتعددت األساليب اليت جتري جمرى التفاوض
وذلك يف املعاملة وكان يفاوض يف كل أمر يقتضي التفاوض ،من القضايا أو امللمات وغريها
واليت واجهت النيب يف حياته ،حبسب ما تقتضيه الوقائع واألحوال ،فكان تفاوضه من
أحسن وأقوى مفاوضات جرت يف هذه الدنيا ،وذلك امتثاًال لقوله تعاىل :ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ (. )3
ويتجلى املنهج النبوي يف التفاوض والذي يعد كوسيلة هامة من وسائل الدعوة إىل اهلل
تعاىل ،وقد جعل النيب من التفاوض سبيًال لنشر الدعوة ،وكان بيان ذلك يف عدد من اآليات
الكرمية ومن تلك اآليات ما يلي :
قوله تعاىل :ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ -1
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ (.)4
من المعلوم أن اليهود والنصارى كانوا يقيمون في جزيرة العرب والخطاب في هذه اآلية
الكريمة"يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم .ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ
والكلمة تطلق على الجملة المفيدة ،كما قال ههنا ،ثم وصفها بقوله :ﮋ ﭰ ﭱ
ﭲ ﮊ أي عدل ونصف نستوي نحن وأنتم فيها ،ثم فسرها بقوله :ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﮊ ال وثنًا وال صليبًا وال صنمًا وال طاغوتًا وال نارًا وال شيئًا ،بل نفرد العبادة لله وحده ال شريك له،
)(1سورة املائدة اآلية .116 ، 112
)(2سورة الزخرف اآلية .64 ، 63
)(3سورة النحل اآلية .125
)(4سورة آل عمران آية .64
152
ﭝ ﭞ وهذه دعوة جميع الرسل ،قال الله تعالى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
() 1
ﭟ ﮊ
مث قال تعاىل :ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ ،قال ابن جريج :يعين يطيع بعضنا بعضًا
يف معصية اهلل ،ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ أي فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة،
َفَأْش هدوهم أنتم على استمراركم على اإلسالم الذي شرعه اهلل لكم"(.)2
وفي هذا الخطاب القرآني ألهل الكتاب ودعوتهم ومفاوضتهم يتجلى ما يلي :
ا -يدعوهم الرسول إىل اهلل.
ب -حتدد وتعني الطلب من أهل الكتاب ومنهم نصارى جنران ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ ومت
تفسري الكلمة كما تقدم من أقوال املفسرين ،رمحهم اهلل ،وجرى املوقف على سبيل
املفاوضة مع نصارى جنران ،ولذلك طلبوا من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن
ينظرهم لينظروا يف أمرهم ويرجعون إىل بعضهم قبل اختاذ القرار األخري .
() 3
ج -روعة البيان ،ومشوله ،ووضوحه ،قال تعاىل :ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﮊ وقال تعاىل :
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ (. ) 4
د -اإلجياز يف أبلغ عبارة ،حيث دلت اآلية وهي حمدودة الكلمات على معاين بليغة
وواضحة ال يعرتيها لبس.
ه -يظهر جليًا وضوح املقصد والغاية من طلب الرسول صلى اهلل عليه وسلم ،يف
مفاوضتهم ،ودعوهتم ،كما يتجلى عدل النيب يف طلبه منهم .
ويستنبط من هذا القصة والعرض القرآين البديع لألحداث أمهية الدعوة عن طريق عرض
األمور اليت يتفق عليها األطراف وجيري ذلك يف التفاوض ويعني على القبول .
() 5
"تعالوا إىل كلمة سواء بيننا وبينكم "ال خيتلف فيها الرسل والكتب ويفسرها ما بعدها "
أي"قل ألهل الكتاب من اليهود والنصارى ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ أي :هلموا جنتمع عليها
.25
)(1سورة األنبياء اآلية
)(2تفسري ابن كثري مرجع سابق ،ج 2ص .56
)(3سورة النساء اآلية .122
)(4سورة النساء اآلية .87
)(5تفسري البيضاوى ـ مرجع سابق ج 2ص .48
153
وهي الكلمة اليت اتفق عليها األنبياء واملرسلون ،ومل خيالفها إال املعاندون والضالون ،ليست خمتصة
بأحدنا دون اآلخر ،بل مشرتكة بيننا وبينكم ،وهذا من العدل يف املقال واإلنصاف يف اجلدال ،مث
فسرها بقوله ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﮊ فنفرد اهلل بالعبادة وخنصه باحلب واخلوف
والرجاء وال نشرك به نبيا وال ملكا وال وليا وال صنما وال وثنا وال حيوانا وال مجادا ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮊ بل تكون الطاعة كلها هلل ولرسله ،فال نطيع املخلوقني يف معصية اخلالق ،ألن
ذلك جعل للمخلوقني يف منزلة الربوبية ،فإذا دعي أهل الكتاب أو غريهم إىل ذلك ،فإن أجابوا
كانوا مثلكم ،هلم ما لكم وعليهم ما عليكم ،وإن تولوا فهم معاندون متبعون أهواءهم فأشهدوهم
أنكم مسلمون"(.)1
ويتبني أن من األخالق القرآنية يف التفاوض ،عدم تفضيل فريق على آخر ،بني الفريقني ،
مع أن فريق معه احلق ،وفريق يتبع الضالل ،والباطل .
ﭾ ﭿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮋﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﮉﮊ هmmذه اآليmmة الكرمية ،كmmان النmmيب يكتب هبا إىل ملmوك أهmmل ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
الكتاب"(.)2
مث نبتهل مفاوضة تكون على أهبة االستعداد.
"فنجعل :عطف على قوله :نبتهل لعنة اهلل "مصدر " على الكاذبني "مّنا ومنكم يف أمر
عيسى ،فلّم ا قرأ رسول الّله هذه اآلية على وفد جنران ودعاهم إىل املباهلة قالوا :حىت نرجع
وننظر يف أمرنا ّمث نأتيك غدًا .فخال بعضهم ببعض ،فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم :يا عبد
املسيح ما ترى ؟ فقال :والّله يامعشر الّنصارى لقد عرفتم أّن حممدًا نٌيب مرسل ولقد جاءكم
بالفصل من أمر صاحبكم ،والّله ما ال عن قوم نبيًا قط فعاش كبريهم و ال نبت صغريهم ولئن
نعلم ذلك لنهلكّن .فإن رأيتم إّال البقاء لدينكم واإلقامة على ما أنتم عليه من القول فيصاحبكم
فوادعوا الّر جل وانصرفوا إىل بالدكم ،فأتوا رسول الّله وقد غدا رسول الّله حمتضنًا احلسني
آخذًا بيد احلسن و فاطمة متشي خلفه وعلي -رضي اهلل عنه -خلفها وهو يقول هلم :إذا أنا
دعوت فَأّم نوا .
154
فقال أسقف جنران :يامعشر الّنصارى إيّن ألرى وجوهًا لو سألوا الّله أن يزيل جبًال من
مكانه ألزاله ،فال تبتهلوا فتهلكوا و ال يبقى على وجه األرض نصراين إىل يوم القيامة .فقالوا :يا
أبا القاسم قد رأينا أن ال نال عنك ،وأن نرتكك على دينك و نثبت على ديننا .فقال رسول الّله
فإن أبيتم املباهلة فأسلموا يُك ن لكم ما للمسلمني ،وعليكم ما عليهم .فأبوا .قال :فإيّن
ُأنابذكم باحلرب .فقالوا :مالنا حبرب العرب طاقة ولكّنا نصاحلك على أن التغزونا وال خُت يفنا وال
ترّدنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عامأ لفيسّك ة ألفًا يف صفر و ألفًا يف رجب .فصاحلهم
رسول الّله على ذلك .وقال :والذي نفسي بيده إّن العذاب قد نزل يف أهل جنران و لو
تالعنوا ُملسخوا قردة وخنازير والضطرم عليهم الوادي نارًا ،و الستأصل الّله جنران وأهله حىّت
الطري على الشجر و ملا حال احلول على النصارى كلهم حىت هلكوا"(. )1
واملتأمل لقصة وفد نصارى جنران مع النيب صلى اهلل عليه وسلم ،جيد أن ما حصل فيها منذ البداية
حىت النهاية على مصاحلة وفد نصارى جنران وموادعتهم النيب صلى اهلل عليه وسلم على مال يدفع
مقابل البقاء على دينهم ،دون حرهبم ،تعد من قبيل املفاوضة.
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ -2
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ (. ) 2
في هذه اآلية الكريمة ،يسدد الله نبيه بالوحي في خطابه لقومه ويكون ذلك بعرضه للحق باألدلة
والحجج والبراهين ،ويجري مجرى التفاوض ،حيث نجد في قوله تعالى ":ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﮊ
يعني القرآن ،ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ أي من الصحف والوحي ،ﮋ ﭞ ﮊ وهم بطون بني
إسرائيل المتشعبة من أوالد إسرائيل -وهو يعقوب االثنى عشر ،ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ يعني بذلك التوراة
واإلنجيل ،ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ وهذا يعم جميع األنبياء جملة ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ يعني :بل نؤمن
بجميعهم ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ فاملؤمنون من هذه األمة يؤمنون بكل نيب أرسل ،وبكل كتاب أنزل ،ال
يكفرون بشيء من ذلك ،بل هم يصدقون مبا أنزل من عند اهلل ،وبكل نيب بعثه اهلل"( )3والتعامل مع
املخالفني وخاصة يف القضايا اهلامة وأمهها موضوع الدعوة إىل التوحيد وإفراد اهلل سبحانه بالعبادة
155
ال شريك له ،ينطلق من منطلقات ثابتة وذلك ألن بعض املخالفني خيالف بال هدى ،وال كتاب
منري ،ويعرض عن احلق فنجد يف اآلية األمر الرباين بالبيان للمخالفني أن املؤمنني يؤمنون بأنبيائهم
وأنبياء خمالفيهم مجيعًا وال يفرقون بينهم ،فكلهم مرسلون من عند اهلل فكان جيب على املخالفني
إن أرادوا احلق ،اتباع مجيع األنبياء والرسل ومنهم حممد .
قوله تعاىل :ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ -3
ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ (. ) 1
يستفاد من اآلية الكرمية أن مما يدعم التفاوض مع املخالفني وقت دعوهتم إبراز األدلة
والرباهني وطلب املخالف للنظر والتدبر بقلبه وفكره ،قال تعاىل :ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
() 2
ﮗ ﮊ وذلك بعرض احلق والتجرد يف احلكم ،فاعلموا "إمنا أطلب منكم أن تقوموا قيامًا
خالصًا هلل ليس فيه تعصب وال عناد ﮋ ﯪ ﯫﮊ ،أي جمتمعني ومتفرقني ،ﮋ ﯬ ﯭ ﮊ يف هذا الذي
جاءكم بالرسالة من اهلل أبه جنون أم ال ،فإنكم إذا فعلتم ذلك بان لكم وظهر أنه رسول اهلل حقًا
وصدقًا" ( .)3وإعطاء املدعو سبل للنظر والتفكر والتدبر أحد أساليب التفاوض املؤثرة حيث أن
ذلك جيعل من نفسه قيمًا على نفسه مقررًا ملصريه بعد بيان احلق له أكمل بيان .
ﭸﭹ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ قوله تعاىل :ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ -4
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭺ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮧ ﮨ ﮊ (. ) 4
يف هmmذه اآليmmة الكرمية ،يتmmبني اسmmتمرار كفmmار قmmريش بالصmmد عن سmmبيل اهلل ،وعن دعmmوة احلق،
من نبينmmا ، بmmاجلحود تmmارة ،وباملراوغmmة تmmارًة أخmmرى ،إىل غmmري ذلmmك من األسmmاليب الmmيت تصmmد عن
السبيل وعن الصراط املستقيم ،وحانت فرصة هلم ملراجعتهم ،ومفاوضتهم النيب لدى عمه أبmmو
ِف
طالب فــ" َلَّم ا َم ِر َض َأُبو َطاَلٍب َدَخ َل َعَلْيِه َر ْه ٌط ِم ْن ُقَر ْيٍش ،يِه ْم َأُبو َج ْه ٍل َ ،فَق اُلواِ :إَّن اْبَن َأِخ يَmك
َيْش ُتُم آَهِلَتَن اَ ،و َيْف َع ُل َو َيْف َع ُلَ ،و َيُق وُل َو َيُق وُل َ ،فَل و َبَعْثَت ِإَلْي ِه َفَنَهْيَت ُه؟ َفَبَعَث ِإَلْي ِهَ ،فَج اَء الَّنُّيِب
156
َف َد َخ َل اْلَبْيَت َ ،و َبْيَنُه ْم َو َبَنْي َأيِب َط اِلٍب َق ْد ُر ْجَمِلِس َرُج ٍل َ ،ق اَل َ :فَخ ِش َي َأُب و َج ْه ٍل ِإْن َج َلَس ِإىَل
َج ْنِب َأيِب َط اِلٍب َأْن َيُك وَن َأَّرَق َل ُه َعَلْي ِهَ ،فَو َثَب َفَج َلَس يِف َذِلَك اْلَم ْج ِلِس َ ،و ْمَل ِجَي ْد َرُس وُل الَّل ِه
ْجَمِلًس ا ُقْر َب َعِّم ِهَ ،فَج َلَس ِعْنَد اْلَباِب َ ،فَق اَل َلُه َأُبو َطاِلٍب َ :أِي اْبَن َأِخ يَ ،م ا َباُل َقْو ِم َك َيْش ُك وَنَك ؟
وُل الَّل ِه ِل ِه ِم
َيْز ُعُم وَن َأَّن َك َتْش ُتُم آَهِلَتُه ْم َ ،و َتُق وُل َو َتُق وُل َ ،ق اَل َ :و َأْك َثُر وا َعَلْي َن اْلَق ْو َ ،و َتَك َّلَم َرُس
َ ، فَق اَل َ":يا َعِّم ِ ،إيِن ُأِر يُد ُه ْم َعَلى َك ِلَم ٍة َو اِح َد ٍة َيُقوُلوَنَه ا َتِديُن ُهَلْم َهِبا اْلَع َر ُب َ ،و ُتَؤ ِّدي ِإَلْيِه ْم َهِبا
اْلَعَج ُم اِجْلْز َيَة"َ ،فَف ِز ُعوا ِلَك ِلَم ِتِه َو ِلَق ْو ِلِهَ ،و َقاُلواَ :ك ِلَم ٌة َو اِح َد ٌة ! َنَعْم وَأِبيَك َعْش ًر اَ ،فَق اُلواَ :و َم ا ِه َي ؟
َو َق اَل َأُب و َط اِلٍب َ :و َأُّي َك ِلَم ٍة ِه َي َي ا اْبَن َأِخ ي؟ َفَق اَل ":ال ِإَل َه ِإال الَّل ُه"َ ،فَق اُموا َف ِز ِعَني َيْنُفُض وَن
ﭻ ﭼ ﭽ ﭸﭹ ﭺ ﭷ ِثَي اَبُه ْم َ ،و ُه ْم َيُقوُل وَن ":ﮋﭵ ﭶ
() 1
ﭾ ﮊ"
إن النmيب يعلم علم اليقني حقيقmة كلمmة " ال إلmه إال اهلل " ومmا هي لوازمهmا إن قيلت حبق ،
ويعي كفار قريش ذلك جيدًا فحني فاوضهم النيب وطلب منهم أن يقولوها وهي كلمmmة واحmmدة
وتmm mدين هلم هبا العmm mرب وتmm mؤدي هلم هبا العجم اجلزيmm mة ،كmm mان منهم مmm mا كmm mان من الmm mذهول والعجب
واالستنكار والصد واإلعmراض ،وتmبني صmدهم عن احلق ،والmذي قmد ترسmخ يف أفئmدهتم ،رغم كmل
مmmا بذلmmه من حسmmن املفاوضmmة وكmmرمي التعامmmل معهم ،مmmع الثبmmات على احلق واملضmmي قmmدمًا يف دين
اهلل والدعوة إليه ممتثًال أمر اهلل ﮋﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ (.)2
)( 1تفسري القرآن العظيم ،عبد الرمحن بن حممد بن أيب حامت الرازي ،مكتبة الباز ،مكة،ط األوىل ،1997-1417،ج
10ص.3235
. )(2سورة احلجر اآلية ٩٤
)(3سورة اإلسراء اآليات.94 – 90
157
هذه اآليات "بني اهلل جل وعال يف هذه اآليات الكرمية شدة عناد الكفار وتعنتهم ،وكثرة
اقرتاحاهتم ألجل التعنت ال لطلب احلق .فذكر أهنم قالوا له : إهنم لن يؤمنوا له ـ أي :لن
يصدقوه ـ حىت يفجر هلم من األرض ينبوعًا ،وهو يفعول من نبع :أي ماء غزير ,ومنه قوله تعاىل:
() 1
ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﮊ
ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ ،أي :بستان من خنيل وعنب .فيفجر خالهلا ،أي وسطها أهنارًا من
املاء ،أو يسقط السماء عليهم كسفًا :أي قطعًا كما زعم .أي يف قوله تعاىل :ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭸ ﭹ ﮊ ﭺ (. ) 2 ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
أو يأتيهم باهلل واملالئكة قبيًال :أي معاينة .قاله قتادة وابن جريج» كقوله تعاىل :ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﮊ (. )3
ﯕ ﮊ ،أي :كتابًا من اهلل إىل كل رجل منا ،ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ وقوله يف هذه اآلية ﮋ ﯔ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ ،أي :تنزيهًا لريب جل وعال عن كل ما ال يليق به ،ويدخل فيه تنزيهه عن
العجز عن فعل ما اقرتحتم ،فهو قادر على كل شيء ،ال يعجزه شيء ،وأنا بشر أتبع ما يوحيه إيل
ريب"( .)4واملتأمل يف مفاوضة قريش للنيب ومطالبهم التعجيزية يوقن بعد رغبتهم يف اإلميان ،
وكان هذا املوقف الذي أّثر على نبينا وهو من كمال اخللق ،فكان على إثره أن "انصرف
رسول اهلل إىل أهله حزينًا أسفًا ملا فاته مما كان طمع فيه من قومه حني دعوه ,وملا رأى من
مباعدهتم إياه"(.)5
وكثريًا من املفاوضني اليوم يتبع أساليب مماثلة يف التفاوض من املراوغة وحماولة تعجيز من
يفاوضون لنوايا ظاملة يف صدورهم ومما يتبني يف هذه اآلية الكرمية أن كفار قريش " قصر إدراكهم
عن التطلع إىل آفاق اإلعجاز القرآنية ،فراحوا يطلبون تلك اخلوارق املادية ،ويتعنتون يف
اقرتاحاهتم الدالة على الطفولة العقلية ،أو يتبجحون يف حق الذات اإلهلية بال أدب وال حترج . .
مل ينفعهم تصريف القرآن لألمثال والتنويع فيها لعرض حقائقه يف أساليب شىت تناسب شىت العقول
.٢١
)(1سورة الزمر اآلية
)(2سورة سبأ اآلية . ٩
158
واملشاعر ،وشىت األجيال واألطوار .ﮋ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ وعلقوا إمياهنم بالرسول بأن
يفجر هلم من األرض ينبوعًا! أو بأن تكون له جنة من خنيل وعنب يفجر األهنار خالهلا تفجريًا! أو
أن يأخذهم بعذاب من السماء ،فيسقطها عليهم قطعًا كما أنذرهم أن يكون ذلك يوم القيامة! أو
أن يأيت باهلل واملالئكة قبيًال يناصره ويدفع عنه كما يفعلون هم يف قبائلهم! أو أن يكون له بيت
من املعادن الثمينة .أو أن يرقى يف السماء .وال يكفي أن يعرج إليها وهم ينظرونه ،بل ال بد أن
يعود إليهم ومعه كتاب حمرب يقرأونه!
وتبدو طفولة اإلدراك والتصور ،كما يبدو التعنت في هذه المقترحات الساذجة .وهم يسوون
بين البيت المزخرف والعروج إلى السماء! أو بين تفجير الينبوع من األرض ومجيء الله سبحانه
والمالئكة قبيًال! والذي يجمع في تصورهم بين هذه المقترحات كلها هو أنها خوارق .فإذا جاءهم
بها نظروا في اإليمان له والتصديق به! وغفلوا عن الخارقة الباقية في القرآن ،وهم يعجزون عن اإلتيان
بمثله في نظمه ومعناه ومنهجه ،ولكنهم ال يلمسون هذا اإلعجاز بحواسهم فيطلبون ما تدركه
الحواس! ،والخارقة ليست من صنع الرسول ،وال هي من شأنه ،إنما هي من أمر الله سبحانه وفق
تقديره وحكمته"(.)1
وهم يف كل ما يطلبونه يف مفاوضاهتم من خوارق رجاًء للتعجيز أو االنصراف والتحول
عنهم وترك دعوهتم وذلك غايتهم ويعتربونه نصرًا هلم ولعقيدهتم وألهوائهم الباطلة اليت أضلتهم
وأضلت أتباعهم.
مث يmmأيت دور الmmرد على أقmmواهلم واقرتاحmmاهتم واجلواب على الباطmmل يف سmmياق منتظم من اآليmmات
القرآنية يف تناسق بديع يف قوله تعاىل :ﮋ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﰈ ﰉ ﰊ ﮊ (. ) 2
ويبدأ الرد بـ " ﮋ ﯰ ﮊ هلم من ِقَبلنا؛تثبيًتا للحكمة،وحتقيًق ا للحق املزيح للريب :ﮋ ﯱ
ﯲﮊ أي :لو ُو جدوا مستقر ﮋ ﯳ ﯴ ﮊ؛ بدل البشر ﮋ ﯵ ﯶ ﯷﮊ قارين ساكنني فيها ،ﮋ ﯸ
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﮊ يهديهم إىل احلق ؛ لتمكنهم من االجتماع به والتلقي منه .وأما عامة البشر
)( 1يف ظالل القرآن ،سيد قطب ،دار العلم جده ،ط الثانية عشر 1986 – 1406،م ج 4ص .2250
)(2سورة اإلسراء اآليات .96 – 94
159
فهم مبعزل من استحقاق المفاوضة مع املالئكة ؛ ألهنا منوطة بالتناُس ب والتجانس ،فبعث املالئكة
إليهم مناقض للحكمة اليت يدور عليها أمر التكوين والتشريع .وإمنا يبعث امللك إىل اخلواص،
املختصني بالنفوس الزكية ،املؤيدة بالقوة القدسية ،فيتلقون منهم وُيبلغون إىل البشر ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ
ﮊ وحده ﮋ ﰂ ﮊ على أين أديُت ما علَّي من مواجب الرسالة ،وأنكم فعلتم ما فعلتم من التكذيب
والعناد .فهو شهيد ﮋ ﰃ ﰄ ﮊ ،وكفى به شهيًد ا ،ومل يقل :بيننا ؛ حتقيًق ا للمفارقة ،وإبانة
للمباينة ،ﮋ ﰆ ﰇ ﰈ ﮊ من الرسل واملرسل إليهم ،ﮋ ﰉ ﰊ ﮊ ؛ حميًطا بظواهر أعماهلم وبواطنها
،فيجازيهم على ذلك، .فإن عاّم ة البشر ال تطيق المفاوضة مع امللك ؛ لتوقفها على التناسب بني
المفاوض والمستفيض ؛ فبعث لكل جنس ما يناسبه ؛ للحكمة اليت يدور عليها فلك التكوين
والتشريع ،والذي تقتضيه احلكمة اإلهلية"(.)1
ويف التفاوض ينبغي التنبه ألمر مهم جدًا وهو حركات اجلسم وما يسمى يف الواقع املعاصر
ب ـ " لغة اجلسد " وألمهيتها ذكرت يف القرآن الكرمي يف عدد من اآليات وذلك ألن احلركات توحي
مبعاين كثرية وقد تكون أبلغ من الكالم أحيانًا حبسب احلركة الصادرة وهي إما تؤيد أو تناقض
وقد تدل على املوافقة أو اإلعراض أو عدم االكرتاث ،ومعرفتها والعلم هبا يعد من أسس
التفاوض اجليد واملؤثر "فإن الطريقة اليت نتحدث هبا قد يكون هلا قيمة أكثر من الكالم الذي نقوله
من حيث حركات اليد وتعبريات الوجه ومستوى نربة الصوت وسرعة تدفق الكلمات والتعبريات
أو بطئها "(.)2
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ قوله تعاىل :ﮋ ﰋ ﰌ ﰍ -6
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴﮊ (. ) 3
ال يكل املشركون عن رد احلق مبا استطاعوا من طرق وأساليب ووسائل ومن ذلك ما يكون
له أثر وهو غري الكالم وهي اإلشارات واحلركات ،و" اإلنغاض :حتريك الرأس حنو الغري
)( 1البحر املديد ،أمحد بن حممد بن املهدي بن عجيبة احلسين اإلدريسي الشاذيل الفاسي أبو العباس ،دار الكتب العلمية ـ
بريوت ،ط الثانية 2002 /م ـ 1423هـ ج 4ص .179
)( 2مقدمة يف علم التفاوض السياسي واالجتماعي حسن حممد وجيه ص .29
)(3سورة اإلسراء اآليات .51-49
160
كاملتعجب "( )1وقيل" فسيحركوهنا حنوك تعجبًا واستهزاًء "( )2فاحلركة اجلسمية هنا " حتريك الرأس
" هلا داللة اإلعراض والتكرب عن احلق ،ومعلوم أن اإلقبال على الناس بوجه طلق حركة جسمية
معربة عن النفس ،وهو خمتلٌف عن اإلقبال بوجه عابس ،والناس أّيًا كان دينهم حيبون ابتسامة
الوجه وانبساطه ،فهو املفتاح اليسري للشخصية و"إن تعبريات الوجه تتكلم بصوت أعمق أثرًا من
صوت اللسان ،وكأين باالبتسامة تقول لك عن صاحبها :إين أحـبك إنك متنحين السعادة ،إين
سعيٌد برؤيتك "( )3وحركة اجلسد قد تكون أبلغ وأدل على التعبري من ذات الكالم .
ويف تفاوض املخالفني من أهل الكتاب واملشركني ما يستدلون به لعدم تسليمهم وإذعاهنم
للحق وذلك إما عنادًا ،أو مراوغًة ولكن حجتهم داحضة كما بني ذلك القرآن الكرمي يف مواطن
كثرية ،ومن تلك احلجج الواهية اليت يطلقوهنا تربيرًا لعدم طاعتهم وانصياعهم للحق كما يف قوله
تعاىل :ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ (.)4
وي ــأتي البي ــان من العزي mmز احلكيم ،كالص mmواعق املرس mmلة ي mmدحض م mmزاعمهم الباطل mmة ،يف قول mmه
تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ (.)5
فكيف تصح الدعوى ،ويستقيم واحلال ،واملعلم أعجمي ،واملتعلم عريب .
ويسmmتنبط من اآليmmة الكرمية فوائmmد للتفmmاوض ومنهmmا معرفmmة أسmmاليب أهmmل الباطmmل ومعرفmmة طmmرق
تفنيد املزاعم الباطلة والرد عليها ودحضها .
قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ (.)6 -7
وقوله تعاىل :ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ -8
ﮠ ﮡ ﮊ (. ) 7
:)( 1املفردات ،الراغب األصفهاين ،مرجع سابق .500
)( 2الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل ،أبو القاسم حممود بن عمر الزخمشري اخلوارزمي ،دار
إحياء الرتاث العريب ،بريوت 2ج ص.672
)( 3كيف تكسب األصدقاء وتؤثر يف الناس ،ديل كارنيجي ،ص ،71ترمجة عبد املنعم الزيادي ،مكتبة اخلاجني ،القاهرة
1951م.
)(4سورة الفرقان اآلية .5
)(5سورة النحل آية .103
)(6سورة الفتح آية .1
)(7سورة الفتح آية .18
161
وهاتان اآليتان الكرميتني نزلت ضمن أحداث ونتائج صلح احلديبية ،وما حصل فيه من
مفاوضات تكررت مع أكثر من مبعوث لقريش .
بدأ النيب بالتفاوض مع قريش يف هذا األمر فيما عرف بصلح احلديبية ،وكان الصلح
رغم شروطه اجملحفة يف ما يبدو ،فتحًا مبينًا للمسلمني.
فالتفاوض هنا حيمل أخالقيات وآداب جليلة إضافة إىل مهارات إدارية وتفاوضية حمكمة
كانت أبعادها ونتائجها بال منازع يف صاحل اإلسالم واملسلمني ،وقد جاء يف احلديث أنه " َج اَء
ُبَد ْيُل ْبُن َو ْر َقاَء اُخْلَز اِعُّي يِف َنَف ٍر ِم ْن َقْو ِمِه ِم ْن ُخَز اَعَة َو َك اُنوا َعْيَبَة ُنْص ِح َرُس وِل الَّلِه ِ م ْن َأْه ِل
َهِتاَم َة َفَق اَل ِ :إيِّن َتَر ْك ُت َك ْع َب ْبَن ُلَؤ ٍّي َو َعاِم َر ْبَن ُلَؤ ٍّي َنَز ُلوا َأْعَد اَد ِم َياِه اُحْلَد ْيِبَيِة َو َمَعُه ْم اْلُعوذ
واْلَم َطاِفيُل(َ )1و ُه ْم ُمَق اِتُلوَك َو َص اُّدوَك َعْن اْلَبْيِت .
ِهَن ِإ ِم ِإ ِجَن ِلِق ِل ٍد ِك ِج ِه
َفَق اَل َرُس وُل الَّل َّ :نا ْمَل ْئ َتا َأَح َو َل َّنا ْئَنا ُمْع َت ِر يَن َو َّن ُقَر ْيشًا َقْد َك ْتُه ْم
اَحْلْر ُب َو َأَض َّر ْت ِهِبْم َ ،فِإْن َش اُءوا َم اَد ْد ُتُه ْم ُمَّد ًة َو َخُيُّلوا َبْييِن َو َبَنْي الَّناِس َفِإْن َأْظَه ْر َفِإْن َش اُءوا َأْن
َيْد ُخ ُلوا ِفيَم ا َدَخ َل ِفيِه الَّناُس َفَعُلوا َو ِإال َفَقْد ُّمَجواَ ،و ِإْن ُه ْم َأَبْو ا َفَو اَّلِذي َنْف ِس ي ِبَيِدِه ألَقاِتَلَّنُه ْم َعَلى
َأْم ِر ي َه َذ ا َح ىَّت َتْنَف ِر َد َس اِلَف يِت َو َلُيْنِف َذ َّن الَّلُه َأْم َر ُه.
َفَق اَل ُبَد ْيٌلَ :س ُأَبِّلُغُه ْم َم ا َتُقوُل َ ،قاَل َ :فاْنَطَلَق َح ىَّت َأَتى ُقَر ْيشًا َقاَل ِ :إَّنا َقْد ِج ْئَناُك ْم ِم ْن َه َذ ا
الَّر ُج ِل َو ِمَس ْع َناُه َيُقوُل َقْو ًال َفِإْن ِش ْئُتْم َأْن َنْع ِر َض ُه َعَلْيُك ْم َفَعْلَنا َفَق اَل ُس َف َه اُؤ ُه ْم :ال َح اَج َة َلَنا َأْن
ْخُتَرِبَنا َعْنُه ِبَش ْي ٍء َ ،و َقاَل َذُو و الَّر ْأِي ِم ْنُه ْم َ :ه اِت َم ا ِمَس ْع َتُه َيُقوُل َ ،قاَل ِ :مَس ْع ُتُه َيُقوُل َك َذ ا َو َك َذ ا،
َفَح َّد َثُه ْم َمِبا َقاَل الَّنُّيِب َ فَق اَم ُعْر َو ُة ْبُن َمْس ُعوٍد َفَق اَل َ :أْي َقْو ِم َأَلْس ُتْم ِباْلَو اِلِد؟ َقاُلواَ :بَلىَ ،قاَل :
ِه يِن ِب ِد
َأَو َلْس ُت اْلَو َل ؟ َقاُلواَ :بَلىَ ،قاَل َ :فَه ْل َتَّت ُم و ؟ َقاُلوا :الَ ،قاَل َ :أَلْس ُتْم َتْع َلُم وَن َأيِّن اْس َتْنَف ْر ُت َأْه َل
ِد ِل ِج
ُعَك اَظ َفَلَّم ا َبَّلُح وا َعَلَّي ْئُتُك ْم ِبَأْه ي َو َو َل ي َو َمْن َأَطاَعيِن ؟ َقاُلواَ :بَلىَ ،قاَل َ :فِإَّن َه َذ ا َقْد َعَر َض
َلُك ْم ُخ َّطَة ُر ْش ٍد اْقَبُلوَه ا َو َدُعويِن آِتيِهَ ،قاُلوا :اْئِتِهَ ،فَأَتاُه َفَجَعَل ُيَك ِّلُم الَّنَّيِب َ فَق اَل الَّنُّيِب ْ حَنوًا
ِمَس ِم ِع ِل ِم ِلِه ِل
ْن َقْو ُبَد ْيٍل َ ،فَق اَل ُعْر َو ُة ْنَد َذ َك َ :أْي َحُمَّم ُد َ ،أَر َأْيَت ِإْن اْس َتْأَص ْلَت َأْم َر َقْو َك َ ،ه ْل ْعَت
ِبَأَح ٍد ِم ْن اْلَعَر ِب اْج َتاَح َأْه َلُه َقْبَلَك ؟ َو ِإْن َتُك ِن األْخ َر ى َفِإيِّن َو الَّلِه ألَر ى ُوُج وهًا َو ِإيِّن ألَر ى َأْو َش ابًا
() ا طافيل من الِّظباء :اليت معها أوالُدها وهي قريبة عهد بالَّنتاج .والُعوذ املطافيل من اإلبل :احلديثات العهد بالَّنتاج اليت 1
َمل
معها أوالدها أيضًا .قال الشاعر :الواهُب املائَة اِهلجاَن وَعْبَد ها ُ ...عوذًا تزّج ي َخ ْلَف ها أطفاهَل ا مجهرة اللغة -ج 2ص
.16
162
ِم ْن الَّناِس َخ ِليقًا َأْن َيِف ُّر وا َو َيَد ُعوَك َ ،فَق اَل َلُه َأُبو َبْكر الِّص ِّديُق :اْمُصْص ِبَبْظِر الالِت !! َأْحَنُن َنِف ُّر
َعْنُه َو َنَد ُعُه؟ َفَق اَل َ :مْن َذا؟ َقاُلواَ :أُبو َبْك ٍر َ ،قاَل َ :أَم ا َو اَّلِذي َنْف ِس ي ِبَيِدِه َلْو ال َيٌد َك اَنْت َلَك ِعْنِدي
ِئ ِبِل ِتِه ِغ
ْمَل َأْج ِز َك َهِبا ألَج ْبُتَك َ ،قاَل َ :و َجَعَل ُيَك ِّلُم الَّنَّيِب َ فُك َّلَم ا َتَك َّلَم َأَخ َذ ْح َي َو اْلُم َريُة ْبُن ُش ْع َبَة َقا ٌم
ِة ِب ِدِه ِه ِم
َعَلى َر ْأِس الَّنِّيِب َ و َم َعُه الَّس ْيُف َو َعَلْي اْل ْغَف ُر َفُك َّلَم ا َأْه َو ى ُعْر َو ُة َي ِإىَل ْحِلَي الَّنِّيِب َ ض َر َب
َيَد ُه ِبَنْع ِل الَّس ْيِف َو َقاَل َلُهَ :أِّخ ْر َيَد َك َعْن ْحِلَيِة َرُس وِل الَّلِه َ فَر َفَع ُعْر َو ُة َر ْأَس ُه َفَق اَل َ :مْن َه َذ ا؟
َقاُلوا :اْلُم ِغ ُة ْب ُش ْع َبَةَ ،فَق اَل َ :أْي ُغَد ُر َ ،أَلْس ُت َأْسَعى يِف َغْد َر ِتَك ؟ َك اَن اْلُم ِغ ُة َص ِح َقْو مًا يِف
َب َري َو َري ُن
ِهِل ِة
اَجْلا َّي َفَق َتَلُه ْم َو َأَخ َذ َأْم َو اُهَلْم َّمُث َج اَء َفَأْس َلَم َفَق اَل الَّنُّيِب َ :أَّم ا اإلْس الَم َفَأْقَبُل َو َأَّم ا اْلَم اَل َفَلْس ُت
ِم ْنُه يِف َش ْي ٍء .
َّمُث ِإَّن ُعْر َو َة َجَعَل َيْر ُمُق َأْص َح اَب الَّنِّيِب ِ بَعْيَنْيِهَ ،قاَل َ :فَو الَّلِه َم ا َتَنَّخ َم َرُس وُل الَّلِه َ خُناَم ًة
ِإال َو َقَعْت يِف َك ِّف َرُج ٍل ِم ْنُه ْم َفَد َلَك َهِبا َو ْجَهُه َو ِج ْلَد ُه َو ِإَذا َأَم َر ُه ْم اْبَتَد ُر وا َأْم َر ُهَ ،و ِإَذا َتَو َّضَأ
َك اُدوا َيْق َتِتُلوَن َعَلى َو ُضوِئِهَ ،و ِإَذا َتَك َّلَم َخ َف ُضوا َأْص َو اَتُه ْم ِعْنَد ُهَ ،و َم ا ِحُي ُّدوَن ِإَلْيِه الَّنَظَر َتْع ِظ يمًا َلُه.
ِك ِم َّلِه ِبِه ِإ
فَر َجَع ُعْر َو ُة ىَل َأْص َح ا َفَق اَل َ :أْي َقْو َ ،و ال َلَقْد َو َفْد ُت َعَلى اْلُم ُلو َو َو َفْد ُت َعَلى َقْيَص َر
َو ِكْسَر ى َو الَّنَج اِش ِّي َ ،و الَّلِه ِإْن َر َأْيُت َم ِلكًا َقُّط ُيَعِّظُم ُه َأْص َح اُبُه َم ا ُيَعِّظُم َأْص َح اُب َحُمَّم ٍد َ حُمَّم دًا،
َو الَّلِه ِإْن َتَنَّخ َم َخُناَم ًة ِإال َو َقَعْت يِف َك ِّف َرُج ٍل ِم ْنُه ْم َفَد َلَك َهِبا َو ْجَهُه َو ِج ْلَد ُه َو ِإَذا َأَم َر ُه ْم اْبَتَد ُر وا
َأ ِإَذا َّضَأ َك ا وا ْق َتِتُلوَن َلى وِئِه ِإَذا َتَك َّل َف وا َأ ا ِعْنَد ا ِحُي ُّدوَن ِإَل ِه
ْي َم َخ ُض ْص َو َتُه ْم ُه َو َم َع َو ُض َو ُد َي ْم َر ُه َو َتَو
الَّنَظَر َتْع ِظ يمًا َلُه َو ِإَّنُه َقْد َعَر َض َعَلْيُك ْم ُخ َّطَة ُر ْش ٍد َفاْقَبُلوَه ا.
َفَق اَل َرُج ٌل ِم ْن َبيِن ِكَناَنَةَ :دُعويِن آِتيِهَ ،فَق اُلوا :اْئِتِهَ ،فَلَّم ا َأْش َر َف َعَلى الَّنِّيِب َ و َأْص َح اِبِه َقاَل
ِع ِم ٍم َّلِه
َرُس وُل ال َ :ه َذ ا ُفالٌن َ ،و ُه َو ْن َقْو ُيَعِّظُم وَن اْلُبْدَن َفاْبَعُثوَه ا َلُه َفُب َثْت َلُه َو اْس َتْق َبَلُه الَّناُس
ُيَلُّبوَن َ ،فَلَّم ا َر َأى َذِلَك َقاَل ُ :س ْبَح اَن الَّلِه ! َم ا َيْنَبِغي َهِلُؤ الِء َأْن ُيَص ُّدوا َعْن اْلَبْيِت َ ،فَلَّم ا َرَجَع ِإىَل
َأْص َح اِبِه َقاَل َ :ر َأْيُت اْلُبْدَن َقْد ُقِّلَد ْت َو ُأْش ِعَر ْت َ ،فَم ا َأَر ى َأْن ُيَص ُّدوا َعْن اْلَبْيِت .
ِه ِتِه ِت ِه ِم ِم
َفَق اَم َرُج ٌل ْنُه ْم ُيَق اُل َلُه ْك َر ُز ْبُن َح ْف ٍص َفَق اَل َ :دُعويِن آ ي َ ،فَق اُلوا :اْئ َفَلَّم ا َأْش َر َف َعَلْي ْم
ِّل ِإ ِّل ِج ِم
َقاَل الَّنُّيِب َ :ه َذ ا ْك َر ٌز َو ُه َو َرُج ٌل َفا ٌر َ ،فَجَعَل ُيَك ُم الَّنَّيِب َ فَبْيَنَم ا ُه َو ُيَك ُم ُه ْذ َج اَء ُس َهْيُل
ْبُن َعْم ٍر وَ ،قاَل َم ْع َمٌر َ :فَأْخ َبَر يِن َأُّيوُب َعْن ِعْك ِر َم َة َأَّنُه َلَّم ا َج اَء ُس َهْيُل ْبُن َعْم ٍر و َقاَل الَّنُّيِب َ :لَقْد
ِت ِد ِثِه ِم
َسُه َل َلُك ْم ْن َأْم ِر ُك ْم َ ،قاَل َم ْع َمٌر َقاَل الُّز ْه ِر ُّي يِف َح ي َ :فَج اَء ُس َهْيُل ْبُن َعْم ٍر و َفَق اَل َ :ه ا اْك ُتْب
َبْيَنَنا َو َبْيَنُك ْم ِكَتابًاَ ،فَد َعا الَّنُّيِب اْلَك اِتَب َفَق اَل الَّنُّيِب ِ :بْس ِم الَّلِه الَّر َمْحِن الَّر ِح يِم َ ،قاَل ُس َهْيٌل:
163
َأَّم ا الَّر َمْحُن َفَو الَّلِه َم ا َأْد ِر ي َم ا ُه َو َو َلِكْن اْك ُتْب ِباِمْس َك الَّلُه َّم َك َم ا ُك ْنَت َتْك ُتُب َ ،فَق اَل اْلُمْس ِلُم وَن :
َو الَّلِه ال َنْك ُتُبَه ا ِإال ِبْس ِم الَّلِه الَّر َمْحِن الَّر ِح يِم َ ،فَق اَل الَّنُّيِب :اْك ُتْب ِباِمْس َك الَّلُه َّم َّ ،مُث َقاَل َ :ه َذ ا َم ا
ِه ِه ِه ِه
َقاَض ى َعَلْي َحُمَّمٌد َرُس وُل الَّل َ ،فَق اَل ُس َهْيٌلَ :و الَّل َلْو ُك َّنا َنْع َلُم َأَّنَك َرُس وُل الَّل َم ا َص َدْد َناَك َعْن
اْلَبْيِت َو ال َقاَتْلَناَك َ ،و َلِكْن اْك ُتْب َحُمَّم ُد ْبُن َعْبِد الَّلِهَ ،فَق اَل الَّنُّيِب َ :و الَّلِه ِإيِّن َلَر ُس ـوُل الَّلِه َو ِإْن
َك َّذ ْبُتُم ويِن ،اْك ُتْب َحُمـَّم ُد ْبُن َعْبِد الَّلِهَ ،قاَل الُّز ْه ِر ُّي َ :و َذِلَك ِلَق ْو ِلِه :ال َيْس َأُلويِن ُخ َّطًة ُيَعِّظُم وَن ِفيَه ا
ُح ُر َم اِت الَّلِه ِإال َأْع َطْيُتُه ْم ِإَّياَه اَ ،فَق اَل َلُه الَّنُّيِب َ :عَلى َأْن َخُتُّلوا َبْيَنَنا َو َبَنْي اْلَبْيِت َفَنُطوَف ِبِه،
َفَق اَل ُس َهْيٌلَ :و الَّلِه ال َتَتَح َّد ُث اْلَعَر ُب َأَّنا ُأِخ ْذ َنا ُضْغَطًة َو َلِكْن َذِلَك ِم ْن اْلَعاِم اْلُم ْق ِبِل َ ،فَك َتَب َ ،فَق اَل
ُس َهْيٌلَ :و َعَلى َأَّنُه ال َيْأِتيَك ِم َّنا َرُج ٌل َو ِإْن َك اَن َعَلى ِديِنَك ِإال َر َدْد َتُه ِإَلْيَناَ ،قاَل اْلُمْس ِلُم وَن ُ :س ْبَح اَن
الَّله ! َك ْيَف ُيَر ُّد ِإىَل اْلُم ْش ِر ِكَني َو َقْد َج اَء ُمْس ِلمًاَ ،فَبْيَنَم ا ُه ْم َك َذ ِلَك ِإْذ َدَخ َل َأُبو َج ْنَد ِل ْبُن ُس َهْيِل
ْبِن َعْم ٍر و َيْر ُس ُف يِف ُقُيوِدِهَ ،و َقْد َخ َر َج ِم ْن َأْس َف ِل َم َّك َة َح ىَّت َرَم ى ِبَنْف ِس ِه َبَنْي َأْظُه ِر اْلُمْس ِلِم َني َ ،فَق اَل
ُس َهْيٌلَ :ه َذ ا َيا َحُمَّم ُد َأَّو ُل َم ا ُأَقاِض يَك َعَلْيِه َأْن َتُر َّدُه ِإَّيَلَ ،فَق اَل الَّنُّيِب ِ :إَّنا ْمَل َنْق ِض اْلِكَتاَب َبْع ُد ،
َقاَل َ :فَو الَّلِه ِإذًا ْمَل ُأَص اْحِلَك َعَلى َش ْي ٍء َأَبدًاَ ،قاَل الَّنُّيِب َ :فَأِج ْز ُه يِل َ ،قاَل َ :م ا َأَنا ُمِبِج يِزِه َلَك َ ،قاَل :
ٍل ِم ِب ِع
َبَلى َفاْفَعْل َ ،قاَل َ :م ا َأَنا َف ا ٍل َقاَل ْك َر ٌز َ :بْل َقْد َأَج ْز َناُه َلَك َ ،قاَل َأُبو َج ْنَد َ :أْي َم ْع َش َر
اْلُمْس ِلِم َني ُ ،أَر ُّد ِإىَل اْلُم ْش ِر ِكَني َو َقْد ِج ْئُت ُمْس ِلمًا؟ َأال َتَر ْو َن َم ا َقـْد َلِق يُت ؟ َو َك اَن َقْد ُعِّذ َب َعَذ ابًا
َش ِديدًا يِف الَّلِه.)1("..
واملتأمل يف األحداث واملواقف اليت نتج عنها صلح احلديبية جيد التوفيق اإلهلي للنيب .
معالم التفاوض النبوي في هذا الصلح العظيم :
أوًال :استثمار الفرص
كان الشرط األول للتفاوض النبوي إطالق سراح عثمان رضي اهلل عنه ،وقد مت إطالق
سراح عثمان بن عفان ،وهذا يعد إجناًز ا قويًا يف املرحلة األوىل للتفاوض ،ويعترب طلب إطالق
سراح عثمان بن عفان مبثابة شرط أويل لبدء التفاوض .
ثانيًا :معرفة المقابل المفاوض
() صحيح البخاري ،حممد بن امساعيل البخاري ،طرف من حديث طويل ،باب الشروط يف اجلهاد واملصاحلة ،ح 1
، 2581ج 2ص.974
164
ْف ٍص (َ )2ق اَل :ويِن آِتيِهَ ،ق اُلوا :اْئِتِه ِم ِم
َف َف َدُع وبيان ذلك ،حني"َقاَم َرُج ٌل ْنُه ْم ُيَق اُل َلُه ْك َر ُز ْبُن َح
َفَلَّم ا َأْش َر َف َعَلْيِه ْم َقاَل الَّنُّيِب َ :ه َذ ا ِم ْك َر ٌز َو ُه َو َرُج ٌل َفاِج ٌر "
وكذلك بني حال سهيل ابن عمرو فَلَّم ا َج اَء ُس َهْيُل ْبُن َعْم ٍر و َقاَل الَّنُّيِب َ" :لَقْد َسُه َل َلُك ْم
ِم ْن َأْم ِر ُك ْم " ،وذلك ملا يعلم من سريته ،فعلم أن القوم أردوا الصلح حني بعثوا هذا الرجل ،وهذا
داللة على أمهية معرفة شخصية من تفاوض وطبيعته وسلوكه وطريقة تعامله وذلك له أمهية بالغة يف
التأثري على جمريات التفاوض ،وبنود االتفاق ونتائج التفاوض ،فينبغي معرفة من نفاوض ،معرفة
تامة قدر املستطاع ومعرفة طباعهم وطرق تعاملهم ،وذلك من معرفة سريهتم.
ثالثًا :معرفة ماذا يعظمون
فلما قدم رجل من بين كنانة و" َأْش َر َف َعَلى الَّنِّيِب َ و َأْص َح اِبِه َقاَل َرُس وُل الَّلِه َ :ه َذ ا
ِل ٍم
ُفالٌن َ ،و ُه َو ِم ْن َقْو ُيَعِّظُم وَن اْلُبْدَن َفاْبَعُثوَه ا َلُه َفُبِعَثْت َلُه َو اْس َتْق َبَلُه الَّناُس ُيَلُّبوَن َ ،فَلَّم ا َر َأى َذ َك
َقاَل ُ :س ْبَح اَن الَّلِه ! َم ا َيْنَبِغي َهِلُؤ الِء َأْن ُيَص ُّدوا َعْن اْلَبْيِت َ ،فَلَّم ا َرَجَع ِإىَل َأْص َح اِبِه َقاَل َ :ر َأْيُت اْلُبْدَن
َقْد ُقِّلَد ْت َو ُأْش ِعَر ْت َ ،فَم ا َأَر ى َأْن ُيَص ُّدوا َعْن اْلَبْيِت " فمعرفة ماذا يعظمون أو حيبون أو يكرهون
يعد من األمهية مبكان ويساعد يف استثمار ذلك أثناء مراحل التفاوض .
رابعًا :تحديد وتوضيح المطالب
ا -مت التوضيح لقريش أهنم مل يأتوا لقتال وحرب َقاَل ِ" :إَّنا ْمَل ِجَن ْئ ِلِق َتاِل َأَح ٍد" ومعلوم
أن قريش ال تريد احلرب .
ب -أفسر عن سبب قدومه واملؤمنني "َلِكَّنا ِج ْئَنا ُمْع َتِم ِر يَن " .
وبيان ذلك من النيب وحرصه على بيان سبب اجمليء إىل مكة وكان ذلك جبالء ووضوح
،وتكرر بأكثر من صورة مما كان له أثر يف النفوس ،حىت مع خصومه.
خامسًا :عرض ما يدعو للمفاوضات
ِهِب ِهَن
وقال لبديل ابن ورقاء "َو ِإَّن ُقَر ْيشًا َقْد َك ْتُه ْم اَحْلْر ُب َو َأَض َّر ْت ْم َ ،فِإْن َش اُءوا َماَدْد ُتُه ْم
ُمَّد ًة َو َخُيُّلوا َبْييِن َو َبَنْي الَّناِس ".
سادسًا :بيان عواقب رفض المطالب
"َفِإْن َأْظَه ْر َفِإْن َش اُءوا َأْن َيْد ُخ ُلوا ِفيَم ا َدَخ َل ِفيِه الَّناُس َفَعُلوا َو ِإال َفَقْد ُّمَجواَ ،و ِإْن ُه ْم َأَبْو ا
)( 2هو مكرز بن حفص بن األخيف من بين عامر بن لؤي بن غالب بن فهر ،األعالم للزركلي ،ج 7ص.284
165
َفَو اَّلِذي َنْف ِس ي ِبَيِدِه ألَقاِتَلَّنُه ْم َعَلى َأْم ِر ي َه َذ ا َح ىَّت َتْنَف ِر َد َس اِلَف يِت َو َلُيْنِف َذ َّن الَّلُه َأْم َر ُه".
سابعًا :اإلنصات واالستماع
وهذا ما فعله ، فقد أنصت وأصغى لكل من بعث من قريش ،لبديل ابن ورقاء ،مث
لعروة ابن مسعود ،مث لسهيل ابن عمرو.
ثامنًا :الصبر والتؤدة
فحني قال له عروة"َأ َحُمَّم ُد َ ،أ َأْيَت ِإْن اْس َتْأ ْلَت َأْم ِم َك َ ،ه ِمَس ْعَت ِبَأ ٍد ِم اْل ِب
َح ْن َعَر ْل َر َقْو َص َر ْي
اْج َتاَح َأْه َلُه َقْبَلَك ؟ َو ِإْن َتُك ِن األْخ َر ى َفِإيِّن َو الَّلِه ألَر ى ُوُج وهًا َو ِإيِّن ألَر ى َأْو َش ابًا ِم ْن الَّناِس َخ ِليقًا
َأْن َيِف ُّر وا َو َيَد ُعوَك " فلم يظهر ،عليه الصالة والسالم ،ما يكون من السخط ،أو الضجر ،أو
الغضب ...ويظهر صرب الرسول ، والتؤدة والتأين يف مراحل املفاوضات وعدم العجلة
واإلسراع ،ولذلك مكث عليه الصالة والسالم يف مكانه ينتظر املفاوض تلو اآلخر ،وكله حلم
وأناة وحكمة.
وقد حيتاج املفاوض إىل فرتات مراجعة ملا مت من جلسات وما دار فيها ،قبل االتفاق النهائي
فلذلك حيتاج التأين يف املفاوضات
تاسعًا :إظهار الندية والقوة والثقة وعدم إظهار الخوف
من املهم إظهار الندية والقوة يف املفاوضات ،وعدم التأثر واخلوف من التهديد والوعيد الذي
ِم ِمِه ِم ِع
يبادر به يف بداية مراحل التفاوض ،ولذلك حني"َج اَء ُبَد ْيُل ْبُن َو ْر َقاَء اُخْلَز ا ُّي يِف َنَف ٍر ْن َقْو ْن
ِم ِإ ِل ِه ِم
ُخَز اَعَة َو َك اُنوا َعْيَبَة ُنْص ِح َرُس و الَّل ْ ن َأْه ِل َهِتاَم َة َفَق اَل :يِّن َتَر ْك ُت َك ْع َب ْبَن ُلَؤ ٍّي َو َعا َر ْبَن
ُلَؤ ٍّي َنَز ُلوا َأْعَد اَد ِم َياِه اُحْلَد ْيِبَيِة َو َمَعُه ْم اْلُعوذ اْلَم َطاِفيُل َو ُه ْم ُمَق اِتُلوَك َو َص اُّدوَك َعْن اْلَبْيِت " ومل
يكرتث بقوله ،وقد أفصح وبنّي ما لديه.
عاشرًا :حسن اإلعداد للتفاوض والجاهزية
أرسل عددا من الصحابة للتفاوض مع قريش وكان آخرهم عثمان بن عفان ،وقد
حجزت قريش عثمان بن عفان رضي اهلل عنه ،وهنا حدثت بيعة الرضوان اليت رضي اهلل فيها عن
املؤمنني واقتضت البيعة أن تكون احلرب إن مل يطلق سراح عثمان رضي اهلل عنه.
حادي عشر :اختيار المدة الكافية
"اختيار مدة طويلة يف التفاوض وحتدد حسب املصلحة ،حىت ال يتم االضطرار خلوض
166
مفاوضات أخرى يف وقت قصري"( )1وكانت املدة يف الصلح توقف احلرب عشرة أعوام يأمن فيها
الناس. ...
ثاني عشر :اشعار المقابل بأنه أهل للثقة
وقد فاوض من أتى مبعوثًا من قريش على أنه ميثل قريش ،وأخذ ما لديهم من آراء
ومطالب ،وقدم ما لديه .
ثالث عشر :تقديم ما يمكن تقديمه
ويقدم ذلك حبيث ال يؤثر على سالمة املفاوضات وهدفها الرئيس وهلذا " َفَق اَل الَّنُّيِب :
ِبْس ِم الَّلِه الَّر َمْحِن الَّر ِح يِم َ ،قاَل ُس َهْيٌلَ :أَّم ا الَّر َمْحُن َفَو الَّلِه َم ا َأْد ِر ي َم ا ُه َو َو َلِكْن اْك ُتْب ِباِمْس َك الَّلُه َّم
َك َم ا ُك ْنَت َتْك ُتُب َ ،فَق اَل اْلُمْس ِلُم وَن َ :و الَّلِه ال َنْك ُتُبَه ا ِإال ِبْس ِم الَّلِه الَّر َمْحِن الَّر ِح يِم َ ،فَق اَل الَّنُّيِب :
َّلِه َّلِه ِه ِب ِمْس َّل
اْك ُتْب ا َك ال ُه َّمَّ ،مُث َقاَل َ :ه َذ ا َم ا َقاَض ى َعَلْي َحُمَّمٌد َرُس وُل ال َ ،فَق اَل ُس َهْيٌلَ :و ال َلْو ُك َّنا َنْع َلُم
ِد ِه ِك ِت ِه
َأَّنَك َرُس وُل الَّل َم ا َص َدْد َناَك َعْن اْلَبْي َو ال َقاَتْلَناَك َ ،و َل ْن اْك ُتْب َحُمَّم ُد ْبُن َعْب الَّل َ ،فَق اَل الَّنُّيِب
َ :و الَّلِه ِإيِّن َلَر ُس ـوُل الَّلِه َو ِإْن َك َّذ ْبُتُم ويِن ،اْك ُتْب َحُمـَّم ُد ْبُن َعْبِد الَّلِه".
رابع عشر :حفظ ماء وجه من تفاوض
ملا أراد النيب واملؤمنون التوجه للبيت طلب ذلك من سهيل ابن عمرو و"َقاَل َلُه الَّنُّيِب :
َعَلى َأْن َخُتُّلوا َبْيَنَنا َو َبَنْي اْلَبْيِت َفَنُطوَف ِبِهَ ،فَق اَل ُس َهْيٌلَ :و الَّلِه ال َتَتَح َّد ُث اْلَعَر ُب َأَّنا ُأِخ ْذ َنا ُضْغَطًة
َو َلِكْن َذِلَك ِم ْن اْلَعاِم اْلُم ْق ِبِل " .
)(1اخلطوات الذكية سام ديب ليل سومسان ترمجة سامي تيسري سلمان املؤمتن للنشر ط 1418ص 222بتصرف يسري.
167
عمرو"(.)1
سابع عشر :بروز أخالقيات وآداب جليلة
وهذا كعادته فلقد "كان خلقه القرآن" .
ثامن عشر :قبول الرأي الصائب
ومنها قبول املشورة والرأي الصائب وذلك "ملا فرغ من قضية الكتاب قال رسول اهلل
الصحابه :قوموا فاحنروا مث احلقوا ،قال :فواهلل ما قام منهم رجل ،حىت قال ذلك ثالث مرات،
فلما مل يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر هلا ما لقى من الناس ،فقالت أم سلمة :يا نيب اهلل
أحتب ذلك ؟ اخرج مث ال تكلم أحدا منهم كلمة حىت تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك.
فخرج فلم يكلم أحدا منهم حىت فعل ذلك :حنر بدنه ودعا حالقه فحلقه ،فلما رأوا ذلك
قاموا فنحروا ،وجعل بعضهم حيلق بعضا حىت كاد بعضهم يقتل بعضا غما"(.)2
)( 1السرية النبوية ،عبد امللك بن هشام بن أيوب احلمريي املعافري أبو حممد ،دار اجليل ،1411 ،بريوت ،حتقيق طه عبد
الرءوف سعد ج 2ص. 784
)(2السرية النبوية ،ابن كثري مرجع سابق ،ج 3ص.335 ،334
)( 3أبو جندل بن سهيل العامري من بين العامر بن لؤي،امسه العاصي ،صحايب جليل أسلم مبكة فسجنه أبوه وهربب يوم
احلديبية ،أسد الغابة يف معرفة الصحابة ،ابن األثري مرجع سابق ،ج 1ص.1153
168
قال :ما أنا بفاعل.
قال مكرز :بلى قد أجزناه لك.
قال أبو جندل :أي معشر املسلمني أرد إىل املشركني وقد جئت مسلما ،أال ترون ما قد
لقيت ؟ وكان قد عذب عذابًا شديدًا يف اهلل.
فقال عمر رضى اهلل عنه :فأتيت رسول اهلل فقلت :ألست نيب اهلل حقا ؟ قال :بلى.
قلت :ألسنا على احلق وعدونا على الباطل ؟ قال :بلى.
قلت :فلم نعطي الدنية ؟ يف ديننا إذن ؟.
قال :إين رسول اهلل ولست أعصيه وهو ناصري.
قلت :أو لست كنت حتدثنا أنا سنأيت البيت فنطوف به ؟ قال " :بلى ،فأخربتك أنا نأتيه
العام " ؟ قال :قلت :ال.
قال " :فإنك آتيه ومطوف به "(.)1
مث بعد ذلك مت االلتزام من قبل الرسول ، والصحابة الكرام رضوان اهلل عليهم ببنود
االتفاق ،فلما"رجع النيب إىل املدينة ،فجاءه أبو بصري ،رجل من قريش ،وهو مسلم فأرسلوا يف
طلبه رجلني فقالوا :العهد الذي جعلت لنا.
فدفعه إىل الرجلني ،فخرجا به حىت بلغا ذا احلليفة ،فنزلوا يأكلون من متر هلم ،فقال أبو بصري
ألحد الرجلني :واهلل إين ألرى سيفك هذا يا فالن جيدا.
فاستله اآلخر فقال :أجل واهلل إنه جليد لقد جربت به مث جربت.
فقال أبو بصري :أرين أنظر إليه.
فأمكنه منه فضربه حىت برد وفر اآلخر حىت أتى املدينة فدخل املسجد يعدو ،فقال رسول اهلل
حني رآه" :لقد رأى هذا ذعرا ".
فلما انتهى إىل النيب قال :قتل واهلل صاحيب وإين ملقتول.
فجاء أبو بصري فقال :يا نىب اهلل قد واهلل أوىف اهلل ذمتك ،قد رددتين إليهم مث أجناين اهلل منهم.
فقال النيب " : ويل أمه ! مسعر حرب لو كان له أحد ! فلما مسع ذلك عرف أنه سريده
إليهم ،فخرج حىت أتى سيف البحر.
)( 1صحيح البخاري ،حممد بن إمساعيل البخاري ،كتاب اجلمعة باب الطيب للجمعة ،ح ، 2730ج 7ص.100
169
قال :وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأيب بصري ،فجعل ال خيرج من
قريش رجل قد أسلم إال حلق بأيب بصري حىت اجتمعت منهم عصابة"(.)1
االتفاق الذي يعقد بعد انتهاء التفاوض ملزم جلميع األطراف ولذلك أسلم النيب أبو بصري
لرسل قريش .
عشرون :االستعداد
االستعداد أثناء املفاوضات يف غاية األمهية ،فأراد الرسول أن يبعث أحد أصحاب إىل
قريش حيث"دعا عمر بن اخلطاب ليبعثه إىل مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ،فقال :يا
رسول اهلل إين أخاف قريشا على نفسي وليس مبكة من بين عدى أحد مينعين ،وقد عرفت قريش
عداويت إياها وغلظيت عليها ولكين أدلك على رجل أعز هبا مين ،عثمان بن عفان.
فدعا رسول اهلل عثمان بن عفان فبعثه إىل أيب سفيان وأشراف قريش خيربهم أنه مل يأت
حلرب ،وإمنا جاء زائرا هلذا البيت معظما حلرمته.
فخرج عثمان إىل مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حني دخل مكة أو قبل أن يدخلها،
فحمله بني يديه مث أجاره حىت بلغ رسالة رسول اهلل فانطلق عثمان حىت أتى أبا سفيان وعظماء
قريش فبلغهم عن رسول اهلل ما أرسله به ،فقالوا لعثمان حني بلغ رسالة رسول اهلل : إن
شئت أن تطوف بالبيت فطف.
قال :ما كنت الفعل حىت يطوف به رسول اهلل .
واحتبسته قريش عندها.
فبلغ رسول اهلل واملسلمني أن عثمان قد قتل رسول اهلل قال حني بلغه أن عثمان قد
قتل :ال نربح حىت نناجز القوم.
ودعا رسول اهلل إىل البيعة ،وكانت بيعة الرضوان حتت الشجرة وكان الناس يقولون:
بايعهم رسول اهلل على املوت.
وكان جابر بن عبدالله يقول :إن رسول الله لم يبايعنا على الموت ،ولكن بايعنا على أال
نفر"(.)2
170
حادي وعشرون :تحديد موضوع التفاوض
وكان التفاوض على العمرة مث توسع وحصلت فيه هدنة للحرب وبنود أخرى ،فتحديد
املوضوع هو جوهر التفاوض ولبه ،لذا البد من اتفاق األطراف املتفاوضة على موضوع حمدد أو
قضية حمددة يدور حوهلا التفاوض ،وذلك يعد عامًال مهمًا من عوامل إجناح التفاوض وجين مثراته
الطيبة.
ثاني وعشرون :عدم التناقض
واملقصود به سالمة الطلب ،أو الدعوى ،واألدلة ،واحلجج ،وطرق االستدالل هبا ،وأال
يكون بعض الكالم ينقض البعض اآلخر ،وهذا ما جرى طيلة مراحل التفاوض ،مع املبعوثني
الذين كانوا ميثلون قريش يف صلح احلديبية .
ثالث وعشرون :اختيار الرفقة المعينة
اختيار الصفوة من الناس من الرفقة الطيبة مع املفاوض ،تعينه ،وتسانده ،وتؤازره ،
وحيتاج إىل مشورهتم ،ورأيهم ،وتسديدهم ،ووجودهم به تكثري للسواد ،وال تعد منفعتهم ،
وكذا كان الصحابة رضوان اهلل عليهم أسوة حسنة يف رفقتهم للنيب يف كل وقت وحني ،
ومثال ملوضوع التفاوض جند أثره يف صلح احلديبية ،حىت إذا جاء"ُعْر َو َة َجَعَل َيْر ُمُق َأْص َح اَب الَّنِّيِب
ِ بَعْيَنْيِه َقاَل َفَو الَّلِه َم ا َتَنَّخ َم َرُس وُل الَّلِه َ خُناَم ًة ِإاَّل َو َقَعْت يِف َك ِّف َرُج ٍل ِم ْنُه ْم َفَد َلَك َهِبا
َو ْجَهُه َو ِج ْلَد ُه َو ِإَذا َأَم َر ُه ْم اْبَتَد ُر وا َأْم َر ُه َو ِإَذا َتَو َّضَأ َك اُدوا َيْق َتِتُلوَن َعَلى َو ُضوِئِه َو ِإَذا َتَك َّلَم َخ َف ُضوا
َأْص َو اَتُه ْم ِعْنَد ُه َو َم ا ِحُي ُّدوَن ِإَلْيِه الَّنَظَر َتْع ِظ يًم ا َلُه َفَر َجَع ُعْر َو ُة ِإىَل َأْص َح اِبِه َفَق اَل َأْي َقْو ِم َو الَّلِه َلَقْد
ِل ِه ِش ِك ِك
َو َفْد ُت َعَلى اْلُم ُلو َو َو َفْد ُت َعَلى َقْيَص َر َو ْسَر ى َو الَّنَج ا ِّي َو الَّل ِإْن َر َأْيُت َم ًك ا َقُّط ُيَعِّظُم ُه
ِم ِإ ِه ِإ ٍد
َأْص َح اُبُه َم ا ُيَعِّظُم َأْص َح اُب َحُمَّم َ حُمَّم ًد ا َو الَّل ْن َتَنَّخ َم َخُناَم ًة اَّل َو َقَعْت يِف َك ِّف َرُج ٍل ْنُه ْم
ِئِه ِإ َّل ِت ِإ ِإ ِج
َفَد َلَك َهِبا َو ْجَهُه َو ْلَد ُه َو َذا َأَم َر ُه ْم اْبَتَد ُر وا َأْم َر ُه َو َذا َتَو َّضَأ َك اُدوا َيْق َت ُلوَن َعَلى َو ُضو َو َذا َتَك َم
َل ُك َّطَة ْش ٍد ِإ ِظ ِحُي ِإ ِه ِع
َخ َف ُضوا َأْص َو اَتُه ْم ْنَد ُه َو َم ا ُّدوَن َلْي الَّنَظَر َتْع يًم ا َلُه َو َّنُه َقْد َعَر َض َع ْي ْم ُخ ُر
َفاْقَبُلوَه ا"(.)1
ومعلوم بالضرورة أن حق ،وفضل ،وبركة الرسول ال أحد يبلغها من اخلليقة ،ولكن
() صحيح البخاري ،كتاب الشروط ،باب الشروط يف اجلهاد ،واملصاحلة مع أهل احلرب وكتابة الشروط ،ح، 2731 1
171
ينبغي أن ينزل الناس منازهلم ،فالقائد ،واألمري املؤمن ،له حق الطاعة ،والنصرة ،والنصح له.
وقد "كتب االتفاق بالصيغة اليت أرادها سهيل ابن عمرو مبعوث قريش ،ومل خيسر النيب
الغاية األساسية ولو مل يتحقق ذلك إال بعد حني كما مت يف العام املقبل ،وكانت املهلة مهمة جدًا
حيث أهنا فرتة مهمة لتبليغ الدعوة بأمان واالنتشار يف أرجاء جزيرة العرب .وتفاوض احلديبية نتج
عنه الفتح املبني دون سفك للدماء ،فكان أعظم الفتوح ،فلقد مساه تبارك وتعاىل ،الفتح املبني ،
ففي طريق العودة إىل املدينة نزلت البشرى بسورة الفتح حيث "نزلت هذه السورة الكرمية ملا رجع
رسول اهلل من احلديبية يف ذي القعدة من سنة ست من اهلجرة حني صده املشركون عن
الوصول إىل املسجد احلرام فيقضي عمرته فيه وحالوا بينه وبني ذلك مث مالوا إىل املصاحلة واملهادنة
وأن يرجع عامه هذا مث يأيت من قابل ،فأجاهبم إىل ذلك على تكّر ه من مجاعة من الصحابة منهم
عمر بن اخلطاب"(.)1
ومع تسديد اهلل لرسوله الكرمي ،فقد كان يعلم ،ويعمل مبا تقتضيه املصلحة كما تظهر
-احلنكة السياسية – ويطلق البعض يف الواقع املعاصر على احلنكة السياسية ب ـ " الدبلماسية "(.)2
و"املتأمل يف شروط احلديبية يرى أهنا أجنزت للمسلمني ما أرادوا دون سفك للدماء ،فعندما
تفاوض على شروط احلديبية مل يتنازل عن هدف التفاوض اإلساسي بأداء مناسك العمرة، ، ،
وهو من فنون التفاوض أن املسلمني حباجة إىل هذه اهلدنة بدون حروب للتفرغ للدعوة بأمان
ونشر اإلسالم ،كما أن النيب عليه السالم بدأ بالسيطرة على املفاوضات مبنهج املباغتة بطلبه
التفاوضي بإطالق صراح عثمان بن عفان رضي اهلل عنه،واليت كانت بيعة الرضوان بسبب احتجاز
قريش له ،وهذا من عظيم حنكته التفاوضية"(.)3
ِجَن
وما أحوج العامل أمجع أن يتخذوا يف شؤون حياهتم املنهج النبوي يف التفاوض "ِإَّنا ْمَل ْئ
172
ِلِق َتاِل َأَح ٍد َو َلِكَّنا ِج ْئَنا ُمْع َتِم ِر يَن "(.)1
فاملتأمل اليوم فيما يسمع ويشاهد ويقرأ عن التفاوض ومراحل املفاوضات وطرق وأساليب
املفاوضني ال يرتقي هلذا النموذج النبوي الرائع من سرية الرسول ، العطرة ،فقد "ظهرت
حكمته يف معاملة الرسل من قريش مبا يليق به ، مما كان له أكرب األثر يف تفهم أولئك
الرسل ملوقف املسلمني ،بل امليل إليه"(.)2
بنود التفاوض الرسمي بين الرسول ومبعوث قريش األخير ،سهيل بن عمرو.
كان من البنود اليت مت االتفاق عليها ما يلي :
-1أال يدخل املسلمون احلرم بسالحهم .
-2العمرة اآلمنة واحلراسة الكاملة .
-3توقف احلرب عشرة أعوام يأمن فيها الناس.
-4رد من أسلم من قريش إىل قريش .
-5من ارتد من املسلمني وحلق بقريش ال يرد إىل املسلمني.
-6من أحب أن يدخل يف عقد مع حممد وعهده دخل فيه ،ومن أحب أن يدخل يف عقد
مع قريش وعهدهم دخل فيه .
173
سmm mبحان ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ اآليmm mات ،وهلذا قmm mال تعmm mاىل:
ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ( )1أي طغيmmاهنم وبغيهم ،وعتmmوهم
وعنادهم"( )2ولو حتققت هلم املعجزات اليت طلبوها وكمmا أرادوا مل يؤمنmوا ومل يmذعنوا للحmق وهmذا
ديدهنم مثلهم مثل الmذين من قبلهم ،وأنت يmا رسmول اهلل إن "اسmتكربت مmا سmألوه منmك فقmد سmألوا
موسmmى عليmmه السmmالم أكmmرب منmmه وهmmذا السmmؤال وإن كmmان من آبmmائهم أسmmند إليهم ألهنم كmmانوا آخmmذين
مبذهبهم تابعني هلديهم واملعىن إن عرقهم راسخ يف ذلك وأن ما اقرتحوه عليك ليس بأول جهاالهتم
وخيmmاالهتم فقmmالوا أرنmmا اهلل جهmmرة عيانmmا أرنmmاه نmmره جهmmرة أو جماهرين معmmاينني لmmه ،فأخmmذهتم الصmmاعقة
نار جاءت من قبل السماء فأهلكتهم بظلمهم بسبب ظلمهم وهو تعنتهم وسؤاهلم ما يستحيل يف
تلmmك احلال الmmيت كmmانوا عليهmmا وذلmmك ال يقتضmmي امتنmmاع الرؤيmmة مطلقmmا ،مث اختذوا العجmmل من بعmmد مmmا
جاءهتم البينات"(.)3
174
ﮡ ﮊ أي متبعون على ذلك مستسلمون منقادون له ﮋ ﮣ ﮤ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮊ أي تركوا ما دعوهتم إليه ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ أي أعلمتكم أين حرب لكم كما أنكم حرب يل
ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ بريء منكم كما أنتم برآء مين ,كقوله :ﮋ ﰈ ﰉ
ﰖ ﰗ ﮊ( ،)1وقوله :ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ()2أي هو واقع ال حمالة ,ولكن ال علم
يل بقربه وال ببعده ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ أي إن اهلل يعلم الغيب مجيعه ويعلم ما
يظهره العباد وما يسرون ,يعلم الظواهر والضمائر ,ويعلم السر وأخفى ,ويعلم ما العباد عاملون يف
أجهارهم وأسرارهم ,وسيجزيهم على ذلك القليل واجلليل .وقوله:
ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ أي وما أدري لعل فتنة لكم ومتاع إىل حني .قال ابن
جرير :لعل تأخري ذلك عنكم فتنة لكم ومتاع إىل أجل مسمى ,ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ أي افصل
بيننا وبني قومنا املكذبني باحلق .قال قتادة :كانت األنبياء عليهم السالم يقولون :ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ وأمر رسول اهلل أن يقول ذلك ,وعن مالك عن زيد بن أسلم:
ﯭ ﯮ ﯯ ﯨ ﮊ .وقوله :ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ كان رسول اهلل إذا شهد قتاًال قال :ﮋ ﯦ ﯧ
ﮊ أي على ما يقولون ويفرتون من الكذب ويتنوعون يف مقامات التكذيب واإلفك ,واهلل
املستعان عليكم يف ذلك"(.)3
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ قوله تعاىل :ﮋ ﭨ ﭩ ﭪ -11
ﮊ (. ) 4
جرت العادة عند المخالفين ألنبيائهم كثرة طلب المعجزات والخوارق ؛ ليس طلبًا للداللة على الحق
وصدقهم ومن ثم يؤمنون بهم وبما أتو به من شرائع من عند الله ،ولكنهم يطلبونها رغبة في التعجيز عنها ولم
يعلموا أن الله على كل شيء قدير ولله سنن في الخالئق يجريها سبحانه وتعالى كما يشاء ،وفي هذه اآلية
الكريمة "يقول تعالى إخبارًا عن المشركين أنهم يقولون كفرًا وعنادًا :لوال يأتينا بآية من ربه كما أرسل األولون
,كما تعنتوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبًا ,وأن يزيح عنهم الجبال ,ويجعل مكانها مروجًا وأنهارًا ,قال
تعالى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﮊ اآلية ,قال الله تعالى :ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﮊ أي إنما عليك أن
)(1سورة يونس اآلية . 41
)(2سورة اجلن اآلية .25
)(3تفسري ابن كثري ،دار الفكر ج 3ص ، 247بتصرف يسري .
)(4سورة الرعد اآلية .7
175
تبلغ رسالة الله التي أمرك بها ,ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ وقوله :ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ قال علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس :أي لكل قوم داع .وقال العوفي عن ابن عباس في اآلية :يقول الله تعالى :أنت يا محمد
منذر ,وأنا هادي كل قوم ,وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد .وعن مجاهد ﮋ ﭶ ﭷ
ﭸ ﮊ أي نبي ,كقوله :ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ ,وبه قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد .وقال أبو
صالح ويحيى بن رافع ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ أي قائد .وقال أبو العالية :الهادي القائد ,والقائد اإلمام ,واإلمام
العمل .وعن عكرمة وأبي الضحى ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ قاال :هو محمد .وقال مالك :ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ
يدعوهم إلى الله عز وجل"( ، ) 1فال يلزم المفاوض أن يجيب على كل سؤال ،إن لم يكن السؤال في موضوع
البحث ،وفي االستطاعة .
قوله تعالى :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ -12
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ (.)2
مما يس mm mتفاد من اآلي mm mات الكرمية ،إب mm mراز ال mm mداعي ،أو املف mm mاوض ،حقيق mm mة نفس mm mه ،وحال mm mه ،
وح mmدوده ،وتوض mmيح م mmا أتى ب mmه من أم mmر ،وبي mmان م mmا ي mmدعو إلي mmه ويطلب mmه من املخ mmاطبني ،يعت mmرب من
األسmmاليب التفاوضmية القويmmة وبmmذلك ال يلبث النmmاس حmىت يظهmmر حmاهلم بني مقبmmل مسّmلم ،فهmmو مmmؤمن
س mmعيد ،وبني م mmدبر مع mmرض وه mmو ش mmقي بعي mmد ،ويف ه mmذه اآلي mmة الكرمية "يق mmول تع mmاىل لنبي mmه حني
طلب منmه الكفmار وقmوع العmذاب واسmتعجلوه بmه ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﮊ أي إمنا
أرسmmلين اهلل إليكم نmmذيرًا لكم ,بني يmmدي عmmذاب شmmديد ,وليس إيل من حسmmابكم من شmmيء ,أمmmركم
إىل اهلل إن شاء عجل لكم العذاب ,وإن شاء أخره عنكم ,وإن شmmاء تmmاب على من يتmmوب إليmmه ,وإن
شاء أضل من كتب عليه الشقاوة ,وهو الفعال ملا يشاء ويريد وخيتار ﮋ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ
ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ أي آمنت قلوبهم وصدقوا إيمانهم بأعمالهم ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽﮊ أي مغفرة لما سلف من سيئاهتم ,وجمازاة حسنة على القليل من حسناهتم .قال حممد بن كعب
القرظي :إذا مسعت اهلل تعاىل يقول :ﮋ ﭼ ﭽ ﮊ فهو اجلنة"(.)3
)(1تفسري ابن كثري ،دار الفكر ،مرجع سابق ،ج 2ص .610
)(2سورة احلج اآلية .51
)(3تفسري ابن كثري ،دار الفكر ،مرجع سابق ج 3ص .280
176
قوله تعاىل :ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ -13
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
() 1
ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ . ﯼ ﯽ ﯾ
مما يستفاد منه يف التفاوض حول القضايا ال سيما اهلامة يف حياة الناس استعمال باألسئلة ملن
نفاوض ،ومن تلك األسئلة ،األسئلة املفحمة واملكبتة ،حيث يواجه النيب صلى اهلل عليه وسلم ،
اإلعراض من فرق شىت فمنهم أهل كتاب ومنهم املشركني الذين عبدوا مع اهلل غريه ،ويف هذه
اآليات الكرمية يأمر اهلل تعاىل نبيه أن يبادر املشركني بأسئلة تعد كالصواق املرسلة عليهم ،
حيث ال ميلكون إنكار اإلجابات الصحيحة هلا ،فهي أسئلة تدعوهم إىل التقرير بوحدانية اهلل
وحقه وحده يف العبادة واملتأمل هلذه األسئلة ،جيد نظاما بديعا فيها ،وتعد من قبيل التفاوض
وتفيد يف أثناء املفاوضات ،واملتأمل يف األسئلة وإجاباهتا جيد فيها :
-1أن األسئلة موجزة خمتصرة ال تتجاوز كلمات معدودة ،كما جاء يف اآليات الكرمية وعلى
وجازهتا حوت معاين كثرية .
-2أن األسئلة حمددة ،ومعلومة حيث يستطيع اإلجابة عليها من لديهم عقول بشرية ،كبارًا
أو صغارًا ،ذكرانًا أو إناثًا ،أحرارًا أم عبيدًا .
-3أن اإلجابات على األسئلة تعد تقريرًا ملا يدعوا به النيب صلى اهلل عليه وسلم .
ويف هذه اآليات الكرمية"يقرر تعاىل وحدانيته واستقالله باخللق والتصرف وامللك لريشد إىل
أنه اهلل الذي ال إله إال هو ,وال تنبغي العبادة إال له وحده ال شريك له ,وهلذا قال لرسوله حممد
أن يقول للمشركني العابدين معه غريه املعرتفني له بالربوبية ,وأنه ال شريك له فيها ,ومع هذا فقد
أشركوا معه يف اإلهلية فعبدوا غريه معه مع اعرتافهم أن الذين عبدوهم ال خيلقون شيئًا وال ميلكون
شيئًا وال يستبدون بشيء ,بل اعتقدوا أهنم يقربوهنم إليه زلفى ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮊ فقال :ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ أي من مالكها الذي خلقها ومن فيها من احليوانات والنباتات
والثمرات وسائر صنوف املخلوقات ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ أي فيعرتفون لك بأن ذلك هلل
وحده ال شريك له ,فإذا كان ذلك ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ أنه ال تنبغي العبادة إال للخالق الرزاق ال لغريه
177
ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﮊ( )1؟ أي من هو خالق العامل العلوي مبا فيه من الكواكب النريات
واملالئكة اخلاضعني له يف سائر األقطار منها واجلهات ,ومن هو رب العرش العظيم ,يعين الذي هو
سقف املخلوقات ,كما جاء يف احلديث الذي رواه أبو داود عن رسول اهلل أنه قال" :شأن اهلل
أعظم من ذلك إن عرشه على مسواته هلكذا" وأشار بيده مثل القبة ,ويف احلديث اآلخر "ما
السموات السبع واألرضون السبع وما بينهن وما فيهن يف الكرسي إال كحلقة ملقاة بأرض فالة,
وإن الكرسي مبا فيه بالنسبة إىل العرش كتلك احللقة يف تلك الفالة"( )2وهلذا قال بعض السلف :إن
مسافة ما بني قطري العرش من جانب إىل جانب مسرية مخسني ألف سنة ,وارتفاعه عن األرض
السابعة مسرية مخسني ألف سنة ,وقال ابن عباس :إمنا مسي عرشًا الرتفاعه.
وعن كعب األحبار :إن السموات واألرض يف العرش كالقنديل املعلق بني السماء واألرض.
وقال جماهد :ما السموات واألرض يف العرش إال كحلقة يف أرض فالة ،قال ابن عباس :العرش ال
يقدر قدره أحد ,ويف رواية :إال اهلل عز وجل ,وقال بعض السلف :العرش من ياقوتة محراء ,وهلذا
قال ههنا :ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﮊ أي الكبري .وقال يف آخر السورة ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ أي احلسن البهي,
فقد مجع العرش بني العظمة يف اإلتساع والعلو واحلسن الباهر ,وهلذا قال من قال إنه من ياقوتة
محراء .وقال ابن مسعود :إن ربكم ليس عنده ليل وال هنار ,نور العرش من نور وجهه ،وقوله:
ﮋ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﮊ أي إذا كنتم تعرتفون بأنه رب السموات ورب العرش العظيم ,أفال
ختافون عقابه وحتذرون عذابه يف عبادتكم معه غريه وإشراككم به"(.)3
فاملتأمل للسياق القرآين الكرمي ،جيد أن هناك موضوعا ،جلال ،كيف ال وهو يتحتث عن
أعظم شيئ يف الوجود ،وهو وحدانية اهلل ،واستحقاقه وحده ال شريك له يف العبادة ،وهناك
سائل ،بأدلة ناصعة وواضحة ،ومسؤول ،ال يتمالك سوى اإلجابة الصحيحة ،ولكن ضّلت
نفوسهم ،واتبعوا أهواءهم .
كما يستنبط من ثنايا هذه اآليات ،العلم بأن لألسئلة أمهية بالغة ،وخاصًة تلك اليت
تستخرج اإلجابة والدليل من املسؤول ،أو على أقل تقدير قد يلتزم الصمت ،وهو الكبت
)(1سورة املؤمنون اآلية .٨٦
)( 2سنن أبو داوود ،أبوداوود سليمان بن األشعث السجستاين ،كتاب السنة باب يف اجلهمية ح 4726ج 2ص،644
ضعيف
)(3تفسري ابن كثري ،دار الفكر ،مرجع سابق 3ص ، 309بتصرف يسري .
178
واالفحام ،وفيه قوة احلجة والربهان يف سائر املفاوضات بني الناس.
وعلى طالب احلق دعم دعواه مبثل هذه األسئلة لقوة احلجة والدليل الذي ال مرية فيه.
179
ﮋ ﯕ ﯖ ﮊ بأن يقوي قلوهبم ﮋ ﯗ ﮊ ولكنه مل يشأه فألقى يف قلوهبم الرعب
ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ طريقا باألخذ والقتل"(.)1
-16قوله تعالى :ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ ( . )2 ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
احلق تظهره قوة احلجة والدليل والربهان و"يقرر ربنا تبارك وتعاىل أنه ال إله إال هو ,ألهنم
معرتفون بأنه هو الذي خلق السموات واألرض ,وهو رهبا ومدبرها ,وهم مع هذا قد اختذوا من
دونه أولياء يعبدوهنم ,وأولئك اآلهلة ال متلك ألنفسها وال لعابديها بطريق األوىل نفعًا وال ضرًا ,أي
ال حتصل هلم منفعة وال تدفع عنهم مضرة ,فهل يستوي من عبد هذه اآلهلة مع اهلل ,ومن عبد اهلل
وحده ال شريك له فهو على نور من ربه ؟ وهلذا قال :ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ أي أجعل هؤالء املشركون مع اهلل آهلة تناظر
الرب ومتاثله يف اخللق فخلقوا كخلقه فتشابه اخللق عليهم فال يدرون أهنا خملوقة من خملوق غريه
أي ليس األمر كذلك فإنه ال يشاهبه شيء ,وال مياثله وال ند له وال عدل له وال وزير له وال ولد
وال صاحبة تعاىل اهلل عن ذلك علوًا كبريًا وإمنا عبد هؤالء املشركون معه آهلة هم معرتفون أهنا
خملوقة له ,عبيد له ,كما كانوا يقولون يف تلبيتهم :لبيك ال شريك لك ,إال شريكًا هو لك ,متلكه
وما ملك"(. )3
قوله تعاىل :ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ -17
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮊ (. ) 4
أمر بالوفاء بالعهد ،إن العهد كان مسؤوال ،والوفاء واجب يف حق اهلل تعاىل ويف حق
اخللق فأميا عهد نتج عن طريق معاهدة أو ميثاق وجب الوفاء به ،وبنود املفاوضات اليت مت االتفاق
عليها دومنا إكراه أو خمادعة ،وجب االلتزام هبا كذلك .
)( 1تفسري اجلاللني ،جالل الدين حممد بن أمحد احمللي ،وجالل الدين عبدالرمحن بن أيب بكر السيوطي ،دار احلديث
القاهرة ،ط األوىل ج ، 1ص.116
)(2سورة الرحد الآلية .16
)(3تفسري ابن كثري ،دار الفكر ،ج 2ص .617
)(4سورة النحل اآلية .91
180
ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ ( . )1 -18قوله تعالى :ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ
يرد القرآن الكرمي على الكفار ويدحض دعواهم وإفكهم ومزاعمهم الباطلة دعوى تلو
األخرى حىت ال يبقى هلم دعوى إال وقد بددها القرآن وكشف ضالهلا وزيغها ،وينبغي للمؤمن
أن يعتد بالعلم وخاصة لدى مفاوضة أهل الباطل ،ليتمكن من الرد على املزاعم الباطلة ويفندها
ويبني عورها.
قوله تعالى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ -19
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
ﭥ ﭦ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ(.)2
قريش كعادهتا تسعى سعيًا حثيثًا ،وتعد العدة ،وتبذل الغايل والنفيس لثين النيب عن
دعوته لإلسالم حىت وصل األمر للمفاوضة على ذلك بعروض من متاع الدنيا وزينتها ،تعرضها
على النيب مقابل ترك الدعوة ، ...ومن ذلك مفاوضة عتبة بن ربيعة للنيب وحياول أن يسرتضيه
ليكف عن تبليغ دعوته لإلسالم ،حيث "اجتمع نفر من قريش يومًا فقالوا :انظروا أعلمكم
بالسحر والكهانة والشعر ،فليأت هذا الرجل الذي فرق مجاعتنا ،وشتت أمرنا ،وعاب ديننا،
فليكلمه ،ولينظر ماذا يرد عليه ،فقالوا :ما نعلم أحدًا غري عتبة بن ربيعة.
وأرسلت قريش ،عتبة بن ربيعة وهو رجل رزين هادئ فذهب إىل رسول اهلل يقول :يا
ابن أخي ،إنك منا حيث قد علمت من املكان يف النسب ،وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به
مجاعتهم ،فامسع مين أعرض عليك أمورًا لعلك تقبل بعضها ،إن كنت إمنا تريد هبذا األمر ماًال
مجعنا لك من أموالنا ،حىت تكون أكثرنا ماًال ،وإن كنت تريد شرفًا سودناك علينا ،فال نقطع أمرًا
دونك ،وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ،وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه ،ال تستطيع رده
عن نفسك ،طلبنا لك الطب ،وبذلنا فيه أموالنا حىت تربأ ،فلما فرغ من قوله ،تال رسول اهلل عليه
)(1سورة اإلسراء اآلية .40
)(2سورة فصلت ،اآليات .13 -1
181
ﭞ ﭟ الصالة والسالم صدر سورة فصلت " :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﮊ حىت وصل النيب إىل قوله تعاىل :ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ ،فأمسك عتبة
على فيه ،وناشده الرحم أن يكف عنه ،مث انتهى رسول اهلل إىل السجدة منها فسجد ،مث قال:
قد مسعت أبا الوليد ما مسعت فأنت وذاك ،فقال :ما عندك غري هذا؟ ،فقال :ما عندي غري هذا،
فقام عتبة ،ومل يعد إىل أصحابه ،واحتبس عنهم .
ويف رواية "أن عتبة بن ربيعة -وكان سيدًا -قال يومًا وهو جالس يف نادي قريش ورسول
اهلل جالس يف املسجد وحده :يا معشر قريش ،أال أقوم إىل حممد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله
يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ وذلك حني أسلم محزة ورأوا أصحاب رسول اهلل
يزيدون ويكثرون فقالوا :بلى يا أبا الوليد ،قم إليه فكلمه ،فقام إليه عتبة حىت جلس إىل رسول اهلل
فقال :يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة يف العشرية واملكان يف النسب ،وإنك أتيت
قومك بأمر عظيم فرقت به مجاعتهم وسّف هت به أحالمهم وعبت به آهلتهم ودينهم وكّف رت به من
مضى من آبائهم ،فامسع مين أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.
قال فقmال لmه رسmول اهلل : قmل يmا أبmا الوليmد أمسع ،قmال :يmا ابن أخي ،إن كنَت إمنا تريmد مبا
جئت به من هذا األمر ماًال مجعنا لmك من أموالنmا حmىت تكmوَن أكثرنmا مmاًال ،وإن كنت تريmد بmه شmرفًا
سّو دناك علينا حىت ال نقطع أمرًا دونك وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا ،وإن كان هmmذا الmmذي
يأتيك رئيًا تراه ال تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيmmه أموالنmmا حmىت نربئmmك منmmه ،فإنmmه
رمبا غلب التابع على الرجل حىت يداوى منه...حىت إذا فرغ عتبmmة ورسmmول اهلل يسmmتمع منmmه قmmال:
أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال :نعم ،قال :فامسع مين ،قال :أفعل ،فقال ِ :بْس ِم الَّل ِه الَّmر َمْحِن الَّmر ِح يِم ﮋ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ ( )1مث مضى رسول اهلل فيها يقرؤها
عليه ،فلما مسعها منه عتبة أنصت هلا وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه"(.)2
مث عاد عتبة إىل أصحابه فقال بعضهم لبعض :لقد جاء أبو الوليد بغري الوجه الذي ذهب به،
فسألوه ما وراءك فقال إنه مسع كالما ما مسع مبثله قط فال هو بشاعر وال كاهن وال ساحر،
وطلب منهم أن خيلوا بينهم وبني حممد وأن يرتكوه لشأنه ،فإن يقتله العرب فقد كفوهم شره ،وان
182
يظهر عليهم فسيكونون أسعد العرب به فملكه ملكهم وعزه عزهم فقالت قريش :لقد سحرك
حممد واهلل يا أبا الوليد فقال عتبه :هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم"( )1واملتأمل هلذا املوقف التفاوضي
الذي بدأت به قريش ،جيد أن قريشًا انتدبت وفوضت رجل يتصف مبواصفات ال تتوفر يف غريه ،
وهذا يظهر مدى أمهية التفاوض لدى أهل الباطل .
وهذا املوقف التفاوضي مت إيراده بطوله نظرًا الشتماله على جوانب هامة يف التفاوض ،منها
وضوح املوضوع وحتديد الطلب وحتديد أطراف التفاوض.
قوله تعاىل :ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ -20
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮚ ﮛ ﮜ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ (. ) 2
دعmmاة الباطmmل في المفاوضmmات ،تتعmmدد وسmmائلهم ،وتتنmmوع أسmmاليبهم ،ويعتريهmmا المراوغmmة والتعنت ،
واتبmاع الهmوى وتقديمmه على الحmق ،وفي هmذه اآليmات الكريمmات ورد عن ابن عبmاس " أن عتبmة وشmيبة
ابmmني ربيعmmة وأبmmا سmmفيان بن حmmرب ورجًال من بmmني عبmmد الmmدار ,وأبmmا البخmmتري أخmmا بmmني أسmmد ,واألسmmود بن
المطلب بن أسد وزمعة بن األسود ,والوليد بن المغيرة وأبا جهmل بن هشmام وعبmد اللmه بن أبي أميmة ,وأميmة
بن خلف والعاص بن وائل ونبيهًا ومنبهًا ابني الحجاج السهميين ,اجتمعوا أو من اجتمع منهم بعد غروب
الشmمس عنmد ظهmر الكعبmة ,فقmال بعضmهم لبعض :ابعثmوا إلى محمmد فكلمmوه وخاصmموه حmتى تعmذروا فيmه,
فبعثوا إليه أن أشراف قومmك قmد اجتمعmوا لmك ليكلمmوك ,فجmاءهم رسmول اللmه سmريعًا وهmو يظن أنmه قmد
بدا لهم في أمره بداء ,وكان عليهم حريصًmا يحب رشmدهم ويعmز عليmه عنتهم حmتى جلس إليهم ,فقmالوا :يmا
محمد إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيmك ,وإنmا واللmه مmا نعلم رجًال من العmرب أدخmل على قومmه مmا أدخلت على
قومmك ,لقmد شmتمت اآلبmاء وعبت الmدين وسmفهت األحالم وشmتمت اآللهmة وفmرقت الجماعmة ,فمmا بقي من
قmmبيح إال وقmmد جئتmmه فيمmmا بيننmmا وبينmmك ,فmmإن كنت إنمmmا جئت بهmmذا الحmmديث تطلب بmmه مmmاًال جمعنmmا لmmك من
أموالنmا حmتى تكmون أكثرنmا مmاًال ,وإن كنت إنمmا تطلب الشmرف فينmا سmودناك علينmا ,وإن كنت تريmد ملكًmا
ملكناك علينا ,وإن كان هذا الذي يأتيك بمmا يأتيmك رئيًmا تmراه قmد غلب عليmك -وكmانوا يسmمون التmابع من
الجن الرئي -فربمmا كmان ذلmك بmذلنا أموالنmا في طلب الطب حmتى نبرئmك منmه أو نعmذر فيmك ,فقmال رسmول
)(1تفسري القرآن العظيم املرجع السابق ،ص . 78
)(2سورة اإلسراء اآليات .93 - 90
183
الل mmه : م mmا بي م mmا تقول mmون ,م mmا جئتكم بم mmا جئتكم ب mmه أطلب أم mmوالكم وال الش mmرف فيكم وال المل mmك
عليكم ,ولكن الل mmه بعث mmني إليكم رس mmوًال وأن mmزل علي كتاب ًmا وأم mmرني أن أك mmون لكم بش mmيرًا ون mmذيرًا ,فبلغتكم
رساالت ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا واآلخmرة ,وإن تmردوه علّي
أصmبر ألمmر اللmه حmتى يحكم اللmه بيmني وبينكم" أو كمmا قmال رسmول اللmه تسmليمًا ,فقmالوا :يmا محمmد فmإن
كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنmه ليس أحmد من النmاس أضmيق منmا بالدًا وال أقmل مmاًال ,وال
أشد عيشًا منا ,فاسmأل لنmا ربmك الmذي بعثmك بمmا بعثmك بmه ,فليسmير عنmا هmذه الجبmال الmتي قmد ضmيقت علينmا,
وليبسط لنا بالدنا وليفجر فيها أنهارًا كأنهmار الشmام والعmراق ,وليبعث لنmا من مضmى من آبائنmا ,وليكن فيمن
يبعث لنmmا منهم قصmmي بن كالب ,فإنmmه كmmان شmmيخًا صmmدوقًا ,فنسmmألهم عمmmا تقmmول حmmق هmmو أم باطmmل ؟ فmmإن
صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله ,وأنه بعثك رسmوًال كمmا تقmول .فقmال لهم
رسول الله " : ما بهذا بعثت ,إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به ,فقmد بلغتكم مmا أرسmلت بmه إليكم,
فإن تقبلوه فهmو حظكم في الmدنيا واآلخmرة ,وإن تmردوه علي أصmبر ألمmر اللmه حmتى يحكم اللmه بيmني وبينكم"
قmالوا :فmإن لم تفعmل لنmا هmذا فخmذ لنفسmك ,فسmل ربmك أن يبعث ملكًmا يصmدقك بمmا تقmول ويراجعنmا عنmك,
وتسmmأله فيجعmmل لmmك جنmmات وكنmmوزًا وقصmmورًا من ذهب وفضmmة ,ويغنيmmك بهmmا عمmmا نmmراك تبتغي ,فإنmmك تقmmوم
باألسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ,حتى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسmوًال كمmا تmزعم,
فقال لهم رسول الله " : ما أنmا بفاعmل ,مmا أنmا بالmذي يسmأل ربmه هmذا ,ومmا بعثت إليكم بهmذا ,ولكن اللmه
بعثني بشيرًا ونmذيرًا ,فmإن تقبلmوا مmا جئتكم بmه ,فهmو حظكم في الmدنيا واآلخmرة ,وإن تmردوه علي أصmبر ألمmر
الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " قالوا :فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شmاء فعmل ذلmك ,فإنmا لن
نmmؤمن لmmك إال أن تفعmmل .فقmmال لهم رسmmول اللmmه " : ذلmmك إلى اللmmه ,إن شmmاء فعmmل بكم ذلmmك" فقmmالوا :يmmا
محمmد أمmا علم ربmك أنmا سmنجلس معmك ونسmألك عمmا سmألناك عنmه ونطلب منmك مmا نطلب ,فيقmدم إليmك
ويعلمك ما تراجعنا به ,ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبmل منmك مmا جئتنmا بmه ,فقmد بلغنmا أنmه إنمmا
يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن ,وإنا والله ال نؤمن بالرحمن أبmدًا ,فقmد أعmذرنا إليmك يmا محمmد,
أما والله ال نتركك وما فعلت بنا حتى نهلك أو تهلكنا ,وقال قائلهم :نحن نعبد المالئكة وهي بنات الله.
وقال قmائلهم :لن نmؤمن لmك حmتى تmأتي باللmه والمالئكmة قmبيًال ,فلمmا قmالوا ذلmك ,قmام رسmول اللmه عنهم,
وقام معه عبد اللmه بن أبي أميmة بن المغmيرة بن عبmد اللmه بن عمmر بن مخmزوم ,وهmو ابن عمتmه عاتكmة ابنmة عبmد
المطلب ,فقmmال :يmmا محمmmد عmmرض عليmmك قومmmك مmmا عرضmmوا فلم تقبلmmه منهم ,ثم سmmألوك ألنفسmmهم أمmmورًا
184
ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك ,ثم سmألوك أن تعجmل لهم مmا تخmوفهم بmه من عmذاب ,فmو اللmه ال
أؤمن بmmك أب mدًا حmmتى تتخmmذ إلى السmmماء سmmلمًا ,ثم تmmرقى فيmmه وأنmmا أنظmmر حmmتى تأتيهmmا وتmmأتي معmmك بصmmحيفة
منشورة ومعك أربعة من المالئكة يشهدون لك أنك كمmا تقmول ,وأيم اللmه لmو فعلت بmذلك لظننت أني ال
أصmدقك ,ثم انصmرف عن رسmول اللmه , وانصmرف رسmول اللmه إلى أهلmه حزينًmا أسmفًا لمmا فاتmه ممmا
كmان طمmع فيmه من قومmه حين دعmوه ,ولمmا رأى من مباعmدتهم إيmاه ,وهكmذا رواه زيmاد بن عبmد اللmه البكmائي
عن ابن إسmmحاق :حmmدثني بعض أهmmل العلم عن سmmعيد بن جبmmير وعكرمmmة عن ابن عبmmاس فmmذكر مثلmmه سmmواء.
وهذا المجلس الذي اجتمmع هmؤالء لmه ,لmو علم اللmه منهم أنهم يسmألون ذلmك استرشmادًا ألجيبmوا إليmه ,ولكن
علم أنهم إنمmا يطmالبون ذلmك كفmرًا وعنmادًا لmه ,فقيmل لرسmول اللmه : إن شmئت أعطينmاهم مmا سmألوا ,فmإن
كفmروا عmذبتهم عmذابًا ال أعذبmه أحmدًا من العmالمين ,وإن شmئت فتحت عليهم بmاب التوبmة والرحمmة ؟ فقmال:
"بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة" ,كما تقدم ذلك في حديثي ابن عباس والزبير بن العmوام ،أيضًmا عنmد
() 1
قوله تعالى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ
"(.)2
وقال تعاىل :ﮋ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯓ ﯔ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
() 3
ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ . ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯳ ﯴ ﯵ
واهلل -سبحانه وتعاىل -يعلم بعلمه األزيل أهنم لن يؤمنوا ،قال تعاىل:ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭠ ﮊ (. ) 4 ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﮚ ﮊ أي أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه وقوله تعاىل :ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
السماء وهتوي وتديل أطرافها ,فاجعل ذلك يف الدنيا وأسقطها كسفًا ,أي قطعًا كقوله ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ اآلية ,وكذلك سأل قوم شعيب منه فقالوا ﯚ ﯛ
ﭮ ﭯ ﮊ فعاقبهم اهلل بعذاب يوم الظلة ,إنه كان ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮋﭧ ﭨ ﭩ
185
عذاب يوم عظيم ,وأما نيب الرمحة ونيب التوبة املبعوث رمحة للعاملني فسأل إنظارهم وتأجيلهم لعل
اهلل أن خيرج من أصالهبم من يعبده ال يشرك به شيئًا ,وكذلك وقع فإن من هؤالء الذين ذكروا
من أسلم بعد ذلك وحسن إسالمه حىت عبد اهلل بن أمية الذي تبع النيب وقال له ما قال ,أسلم
إسالمًا تامًا وأناب إىل اهلل عز وجل"(. )1
بmm mذلت قmm mريش قصmm mارى الجهmm mود في اإلعmm mراض وصmm mد النmm mاس عن الmm mدخول في اإلسmm mالم وذلmm mك
بالتضmmييق على رسmmول اللmmه صmmلى اللmmه عليmmه وسmmلم ،والمؤمmmنين ،ثم لجmmأت إلى المفاوضmmات في تقmmديم
العmm mروض الدنيويmm mة من المmm mال والجmm mاه والملmm mك ونحmm mوه ...فلم تجmm mد إال صmm mالبة واس mmتمرارًا في نش mmر
الmm mدعوة ،وعنmm mدما أيقنmm mوا ذلmm mك ،بmm mدأوا اتبmm mاع لmm mون جديmm mد من المفاوض mmات ،وه mmو طلب الخ mmوارق
والمعجزات ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
()2
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮊ ﮚ ﮛ ﮜ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ -21
(.)3
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ
لم يزل وال يزال أهل الباطل يعملون اليل والنهار وهم كعادتهم إلى قيام الساعة ،بال كلل وال
ملل يردون ،وينافحون عن باطلهم ،ويدعون إليه بكل ما ُأوتوا ،ويحاولون أن يستخدموا شتى
الطرق وأنواع األساليب ليظفروا وينتصروا لباطلهم ،همة ال تفتأ -نسأل الله أن يرزقها أهل الحق ، -
ولذلك عمد كفار قريش لمفاوضة النبي على تبادل العبادة مؤقت ،فعن ابن عباس رضي الله عنهما
"أن قريشا دعت رسول الله إلى أن يعطوه ماال فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من
النساء ،فقالوا :هذا لك يا محمد وكف عن شتم آلهتنا وال تذكر آلهتنا بسوء ،فإن لم تفعل فإنا نعرض
عليك خصلة واحدة ولك فيها صالح قال :ما هي؟ قالوا :تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة قال :حتى
أنظر ما يأتيني من ربي فجاء الوحي من عند الله"( )4ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ اآلية وأنزل الله
186
ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ إلى قوله :ﮋ ﮐ ﮊ(.)1
و"أخرج عبد الرزاق وابن املنذر عن وهب قال :قالت قريش للنيب : إن سرك أن نتبعك
عاما وترجع إىل ديننا عاما فأنزل اهلل ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﮊ إىل آخر السورة "(.)2
وهذا فيه دليل وبيان أن التفاوض ال يصح يف كل شيء ،أو على كل أمر ،كما يدعي من
يدعي أن التفاوض يسوغ يف كل أمر .
قوله تعاىل :ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ (.)3 -22
حتدث مفاوضات بني املؤمنني أنفسهم أو بني املؤمنني وغريهم من أصحاب الديانات
األخرى ومنهم أهل الكتاب ،وأثناء املفاوضات قد حيصل ما يدعو للجدال ،ودين اهلل يعلو وال
يعال عليه فأمر اهلل املؤمنني أن جيادلوا باحلسىن وباليت هي أحسن مع أهل الكتاب ،مث استثىن
ﭛ ﭜ ﭝﮊ . سبحانه من ذلك األمر فقال تعاىل :ﮋﭚ
ﯙ ﯚ ﮊ (. ) 4 قوله تعاىل :ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ -23
رغبات أهل الباطل هي االنتصار بالكلية على من يخالفهم ،فإن لم يتحقق ذلك يتم التحول إلى ما
هو أقل من ذلك وإن لم يستطيعوا تتحول إلى أمنيات ،ويظهر في اآلية الكريمة ،معاني جليلة تبين وتسفر
عما في قلوب الكفار من مطامع ورغبات ففي قوله تعالى ":ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﮊ أي :طمعوا ,
ﯙ ﯚ ﮊ أي :تميل إلى دينهم وإلى آلهتهم فيمالئونك على ما أنت عليه شيئًا ما، وأحّبوا ﮋ ﯘ
ﮋ ﯙ ﮊ :تميل ،وقالوا :إن الدهن إذا وضع على شيء يلينه ،أي :تلين فيلينون ،أي :تلين فيسكتون
عنك"(. )5
قوله تعاىل :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ (.)6 -24
و"قوله تعاىل :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ معناه التربي منهم ,أي لستم منا وال حنن
منكم ,بل ندعوكم إىل اهلل تعاىل وإىل توحيده وإفراد العبادة له ,فإن أجبتم فأنتم منا وحنن منكم,
187
وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم برآء منا"( ، )1ويستفاد ،من اآلية الكرمية ،أنه جيوز التنزل
للمقابل يف األلفاظ ،واملسميات ،واليت التؤثر على سري املفاوضات ،أو التنازل عن اهلدف
األساس من التفاوض .
قوله تعالى :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﮊ(.)2 -25
الشورى تتم يف كل أمر ذي بال ودلت عليها اآليات واألحاديث وذلك للحاجة املاسة هلا
وقد استشار النيب أصحابه يف أكثر من موقف ويف مفاوضاته "فإذا عزمت أي عقيب املشاورة
على شيء وأطمأنت به نفسك فتوكل على اهلل يف إمضاء أمرك على ما هو أرشد لك وأصلح فإنه
علمه خمتص به سبحانه وتعاىل وقرئ فإذا عزمت على صيغة التكلم أي عزمت لك على شيء
وأرشدتك إليه فتوكل على وال تشاور بعد ذلك أحدا وااللتفات لرتبية املهابة وتعليل التوكل أو
األمر به فإن عنوان األلوهية اجلامعة جلميع صفات الكمال مستدع للتوكل عليه تعاىل أو األمر
به"( )3وقال احلسن أنه "َقْد ِل َأَّن َل ِبِه ِإَل ِه ا ٌة َ ،مَّبا َقاَل َ :ل َل ِإَل ِه ا ٌة َ ،لِك
ْيَس ُه ْي ْم َح َج َو ْن َع َم ُه ْيَس ْي ْم َح َج َو ُر
َأَر اَد َأْن َيْس َّنَت ِبِه َمْن َبْع َد ُه"(.)4
ومن فوائد املشورة أنه "كان رسول اهلل يشاور أصحابه يف األمر إذا َح َد ث ،تطييًبا
لقلوهبم ؛ ليكونوا فيما يفعلونه أنشط هلم كما شاورهم يوم بدر يف الذهاب إىل العري فقالوا :
يارسول اهلل ،لو استعرضت بنا اُعْر ض البحر لقطعناه معك ،ولو سرت بنا إىل َبْر ك الَغَم اد لسرنا
معك ،وال نقول لك كما قال قوم موسى ملوسى :اذهب أنت وربك فقاتال إنا هاهنا
قاعدون ،ولكن نقول :اذهب ،فنحن معك وبني يديك و عن ميينك وعن مشالك مقاتلون"(.)5
على أثر زيارة يهود هذه اجتمع أولئك الذين ذكرنا حلرب املسلمني ،فخندق رسوُل اهلل
حول املدينة خندقًا مبشورة سلمان الفارسي رضي اهلل عنه ،فحاصرهتا األحزاب قريبًا من عشرين
ليلًة ،واشتد البالء باملسلمني،
)(1تفسري ابن كثري ،دار الفكر ،مرجع سابق ،ج 3ص .648
)(2سورة أل عمران اآلية .159
)( 3إرشاد العقل السليم إىل مزايا القرآن الكرمي ،حممد بن حممد العمادي أبو السعود ،دار إحياء الرتاث العريب – بريوت،
ج 2ص .105
)(4تفسري ابن أيب حامت ،ابن أيب حامت الرازي ج 3ص .241
)(5تفسري ابن كثري ،دار طيبة ،مرجع سابق ج 2ص .149
188
حىت إن رسول اهلل أرسل إىل عيينة بن حصن واحلارث بن عوف ا ِّر ي قائدي غطفان
ُمل
يصاحلهما على إعطائهما ثلَث مثار املدينة شريطة أن يرجعوا مبن معهم إىل ديارهم بغري حرب
ويرتكوا قريشًا وحدها...
وأرسل النيب إىل سيدي األنصار :سعد بن عبادة وسعد بن معاذ يستشريمها يف األمر،
فقاال :يا رسول اهلل ،أهذا أمر حتبه فنصنعه ،أم شيء أمرك اهلل عز وجل به ،ال بّد لنا من عمل به؟
أم شيء تصنعه لنا؟
قال رسول اهلل :ال بل لكم ...فقال سعد بن معاذ :يا رسول اهلل ،قد كنا حنن وهؤالء القوم
على شرك باهلل عز وجل وعبادة األوثان ،وال نعبد اهلل وال نعرفه ،وهم ال يطمعون أن يأكلوا منا
مترًة إال ِقَر ى الضيف أو بيعًا ،أفحني أكرمنا اهلل باإلسالم ،وهدانا له ،وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟
ال حاجة لنا هبذا ،واهلل ال نعطيهم إال السيف حىت حيكم اهلل بيننا وبينهم ! فتهلل وجُه رسول اهلل
وقال :فأنت وذاك "(.)1
وألمهية االستشارة يف شؤون الصلح واملفاوضات أستشار النيب السعدان رضي اهلل عنهما
يف أمر التفوض على مصاحلة بعض القبائل على جزء من مثار املدينة ،ليخّذ هلم عن قريش .
وبعد عرض ما جرى من تفاوض مع األنبيmmاء عليهم السmmالم يف القmmرآن يmmورد البmmاحث تفmmاوض جmرى
يف موضعني وهي كما يأيت :
189
إن أبان mmا يف ترجيحهم mmا علين mmا يف احملب mmة م mmع فض mmلنا عليهم mmا وكوهنم mmا مبع mmزل من كفاي mmة األم mmور
بالصغر والقلة لفي ضالل أي ذهاب عن طريق التعديل الالئق وتنزيل كل منا منزلته".
من دالئ mmل اآلي mmات الكرمية يف التف mmاوض ،م mmا دار بني إخ mmوة يوس mmف ،حني اس mmتزهلم الش mmيطان
ﮌ فحسmmدوا أخmmوهم يوسmmف وشmmقيقه ،وتفاوضmmوا فيمmmا بينهم ،فقmmالوا ﮋﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮍ ﮊ وهmmذا مmmا حيسmmونه من احملبmmة القلبيmmة ﮋﮎ ﮏﮊ "أي واحلال أنmmا مجاعmmة قmmادرون على احلل
والعقmmد أحقmmاء باحملبmmة"( )1من يوسmmف وأخيmmه ،ومن ضmmمن اآلراء الmmيت بmmرزت ،املطالبmmة بقتلmmه ،ﮋﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ وبعد إبعاده ،تكونون وحدكم عند أبيكم ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ ،ومن اآلراء
اليت تفاوضوا عليها ،إلقائه يف البmئر ،ليلتقطmه بعض املارة فيأخذونmه ويبعدونmه ﮋﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ وهو الرأي الذي خرجوا به بعد تفاوضهم فيما بينهم
واتفقوا عليه ونفذوه فيما بعد ،ظلمًا وعدوانًا .
و"ينب mmه تب mmارك وتع mmالى على م mmا في ه mmذه القص mmة من اآلي mmات والحكم ،وال mmدالالت والمواع mmظ
والبينات ،ثم ذكر حسmد إخmوة يوسmف لmه على محبmة أبيmه لmه وألخيmه ،يعنmون شmقيقه ألمmه بنيmامين أكmثر
منهم ،وهم عصبة أي :جماعة يقولون :فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين .ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ
أي :بتقدميه حبهما علينا .مث اشتوروا فيما بينهم يف قتل يوسف ،أو إبعاده إىل أرض ال
يرجع منها ،ليخلو هلم وجه أبيه أي لتتمحض حمبته هلم ،وتتوفر عليهم وأضمروا التوبة بعد
ذلك ،فلما متالؤا على ذلك ،وتوافقوا عليه .ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﮊ.
أي :المارة من المسافرين ،فإن كنتم فاعلين ال محالة ،فليكن هذا الذي أقول لكم فهو
أقرب حاًال من قتله أو نفيه وتغريبه ،فأجمعوا رأيهم على هذا فعند ذلك طلبوا من أبيهم أن يرسل
معهم أخاهم يوسف ،وأظهروا له أنهم يريدون أن يرعى معهم ،وأن يلعب وينبسط ،وقد أضمروا
له ما الله به عليم ،فأجابهم الشيخ عليه من الله أفضل الصالة والتسليم :يا بني يشق علي أن أفارقه
ساعة من النهار ،ومع هذا أخشى أن تشتغلوا في لعبكم وما أنتم فيه ،فيأتي الذئب فيأكله ،وال
يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه ،ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﮊ.
أي :لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ،أو اشتغلنا عنه حىت وقع هذا وحنن مجاعة ،إنا إذا
190
خلاسرون أي :عاجزون هالكون".
ويظهر لنا من مفاوضة إخوة يوسف ألبيهم يعقوب عليه السالم حينما أمجعوا أمرهم
ﮋ ﭩ ﭪ ﮊ البدء بالسؤال ؟ مالك ال تأمنا ...وهذا من الدهاء واملكر منهم.
ال ترشدهم إذا خفت مكرهم ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ حتدث بعض املفسرين عن ذلك.
ويستفاد أن ما دار بني إخوة يوسف يأيت من قبيل التفاوض فيما بينهم حلسم موضوع
يوسف عليه السالم.
191
الفصل الثاني :
نتائج التفاوض في حياة األنبياء عليهم السالم
وفيه مبحثان:
المبحث األول :النتائج اآلنية.
المبحث الثاني :النتائج البعدية.
192
المبحث األول :
النتائج اآلنية
ختتلف وتتعدد نتائج التفاوض ،فمنها ما يتنوع باعتبار احلجم ،أي حجم النتائج ،فتكون
النتائج كبرية ،أو صغرية ،أو بني ذلك ،ومنها ما يتنوع باعتبار الزمن ،أي وقت حصول النتائج ،
فمنها ما ينتج خالل عملية التفاوض ،أو قريبًا منها ،وتلك هي النتائج اآلنية ،ومنها ما يتأخر ،
فالنتائج تكون حبسب ذلك التفاوض املنعقد ودرجة أمهيته ،وكلما جرى االهتمام بالتفاوض من
حيث اختيار املفاوضني واختيار موضوع التفاوض ،واالهتمام بكل ما خيدم التفاوض ،كانت
النتائج اآلنية أبلغ وأنفع ،وهذا املبحث خيتص يف ذكر النتائج اآلنية ولتجنب اإلسهاب واإلطالة
يكون االقتصار على اختيار مواقف معينة ،وأحداث حمددة جرت من قبيل التفاوض ويتم إبراز
وذكر ،نتائجها اآلنية ومنها ما يلي:
أوًال :النتائج اآلنية في صلح الحديبية
صلح احلديبية حدث يف سنة " "6للهجرة ،بني املسلمني ويف مقدمتهم رسول اهلل وبني
قريش ،وما جرى فيه من التفاوض كان من نتائجه اآلنية ما يلي :
-1كان الشرط األول للتفاوض النبوي مع قريش ،هو إطالق سراح الصحايب اجلليل ،عثمان
بن عفان ،رضي اهلل عنه ،وكانت قريش احتجزه لديها ،وقد كان اطالق سراحه على الفور
والتو ،وهو نتيجة آنية ،قوية ،حضي هبا املسلمون ،وفرحوا هبا ،وهذا يعترب إجناًز ا معنوًيا
وضرورًيا يف املرحلة األوىل للتفاوض.
-2يعترب ما جرى يف هذا الصلح عرب مراحل التفاوض ،بني املسلمني وقريش ،أن قريشًا
اعرتفت اعرتافًا ضمنيًا بدولة اإلسالم ،وأهنا ند قوي هلا ،وجيب تقدير ذلك ،واعتباره ،
وأخذه يف احلسبان مستقبًال ،وذلك نتيجة آنية .
-3قmmوة الرتابmmط واإلحتاد بني املسmmلمني ،وظهmmر ذلmmك جليًmا ،ومن أدلتmmه بيعmmة الرضmوان حيث بmmايع
الصحابة رسول اهلل على القتال حتت الشجرة ،قال تعاىل :ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮊ (.)1
193
-4حصول رضوان اهلل عن املؤمنني أثناء مسرية هذه املفاوضات حيث قال تعاىل :ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ.
-5حصول الدعوة إىل اهلل الغري مباشرة ملبعوثني قريش للتفاوض مع النيب مما كان له األّثر يف
بعضهم فأسلم بعد حني ومنهم عروة بن مسعود حني "رأى الصحابة يطيعون أمر النيب
ويوقرونه كما ذكر لقريش ،كل ذلك دفعه إىل اإلسالم بعد ذلك فأسلم رضي اهلل عنه،
وال شك أن ذلك املوقف مع النيب قد وقر يف نفسه حىت أسلمه إىل اإلسالم"(.)1
-6استخدام التفاوض هنا يف هذا الصلح العظيم لتجنب احلرب ،وحقن الدماء ،وظهر ذلك
جليًا حيث أنه سبق هذا التفاوض حروب مع قريش دارت رحاها على الفريقني وأسفرت
عن قتلى يف الفريقني ،وإن كان هناك فريق يف اجلنة وفريق يف السعري .
-7إمكانية مراجعة القائد فقد حصل أن عددًا من الصحابة راجعوا النيب وما كان من النيب
إال أن قبل من صحابته تلك املراجعات -وخباصة عمر رضي اهلل عنهم أمجعني -مراجعته
يف أمر الصلح مرارًا ،ومل يعّنف أحدًا منهم على موقفه.
-8تعديل وحتسني ما ميكن حتسينه من القول هبدف إمتام التفاوض على أكمل وجه للخروج
بأجنع وأفضل النتائج .
-9إصالح الرأي.
-10حصول التوافق بني األطراف فيما ميكن.
-11معرفة كيفية السعي يف ضرورة اختاذ كافة األسباب والسبل والطرق اليت يكون من شأهنا
خدمة اإلسالم ،والعمل هبا للوصول إىل احلق .
-12بيان بعض الطرق يف تنظيم العالقات بغري املسلمني .
-13معرفة مدى حلم النيب يف هذه املفاوضات ،وحتمله أذى قريش ،وعنادهم ،ومحاقتهم
وجحودهم ملا هو حق .
-14امنت اهلل على املؤمنني ،بأن ربط على قلوهبم بقوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ.
ﭒ ولعظم هذا الفتح المبين وهو الذي سمي صلح الحديبية قال عنه تبارك وتعالى :ﮋ ﭑ
() تاريخ الطربي ،املسمى تاريخ األمم والرسل وامللوك ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط ،األوىل ، 1407 ،ج 3ص 1
194
ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ.
-15تزكية اهلل لقلوب الصحابة ،املوجودين يف احلديبية مع النيب ،رضوان اهلل عليهم
أمجعني ،
ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮊ.
-16نزول السكينة على املؤمنني ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ.
-17حصول البشارة بالمغانم الكثيرة في قوله تعالى :ﮋ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮊ.
ثانيًا :موقف تفاوض النبي مع عتبة ابن ربيعة
ورد أن"عتبة بن ربيعة -وكان سيدًا -قال يومًا وهو جالس يف نادي قريش ورسول اهلل
جالس يف املسجد وحده :يا معشر قريش ،أال أقوم إىل حممد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل
بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ وذلك حني أسلم محزة ورأوا أصحاب رسول اهلل يزيدون
ويكثرون فقـالوا :بلى يا أبا الوليد ،قم إليه فكلمه ،فقام إليه عتبة حىت جلس إىل رسول اهلل فقال:
يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة يف العشرية واملكان يف النسب ،وإنك أتيت قومك
بأمر عظيم فرقت به مجاعتهم وسّف هت به أحالمهم وعبت به آهلتهم ودينهم وكّف رت به من مضى
من آبائهم ،فامسع مين أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.
ق mmال فق mmال ل mmه رس mmول اهلل :ق mmل ي mmا أب mmا الولي mmد أمسع ،ق mmال :ي mmا ابن أخي ،إن كنَت إمنا تري mmد مبا
جئت به من هذا األمر ماًال مجعنا لmك من أموالنmا حmىت تكmوَن أكثرنmا مmاًال ،وإن كنت تريmد بmه شmرفًا
سّو دناك علينا حىت ال نقطع أمرًا دونك وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا ،وإن كان هmmذا الmmذي
يأتيك رئيًا تراه ال تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيmmه أموالنmmا حmىت نربئmmك منmmه ،فإنmmه
رمبا غلب التmmابع على الرجmmل حmmىت يmmداوى منmmه ...حmmىت إذا فmmرغ ورسmmول اهلل يسmmتمع منmmه قـال :أقmmد
ف mmرغت ي mmا أب mmا الولي mmد؟ ق mmال :نعم ،ق mmال :فامسع م mmين ،ق mmال :أفع mmل ،فق mmال ِ :بْس ِم الَّل ِه ال َّmر َمْحِن ال َّmر ِح يِم
ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ (. ) 1
مث مضى رسول اهلل فيها يقرؤها عليه ،فلما مسعها منه عتبة أنصت هلا وألقى يديه خلف
195
ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه.)1("...،
مث عاد عتبة إىل أصحابه فقال بعضهم لبعض :لقد جاء أبو الوليد بغري الوجه الذي ذهب به،
فسألوه ما وراءك فقال إنه مسع كالما ما مسع مبثله قط فال هو بشاعر وال كاهن وال ساحر،
وطلب منهم أن خيلوا بينهم وبني حممد وأن يرتكوه لشأنه ،فإن يقتله العرب فقد كفوهم شره ،وان
يظهر عليهم فسيكونون أسعد العرب به فملكه ملكهم وعزه عزهم فقالت قريش:لقد سحرك
حممد واهلل يا أبا الوليد فقال عتبه:هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم"(. )2
النتائج اآلنية في هذا الموقف التفاوضي بين النبي وبين عتبة ابن ربيعة منها ما يلي :
عجز قريش عن مواجهة احلجة باحلجة. -1
مقابلة العدو باحلسىن وفيه نشر ملكارم األخالق ،اليت أتى هبا النيب ، ويف احلديث -2
"إمنا بعثت ألمتم مكارم األخالق"(.)3
جتلي كرم النيب باإلنصات لعتبة بن ربيعة حىت الفراغ واالنتهاء من كالمه ،وهذا -3
تعليم لألمة من بعده .
تأثر عتبة ابن ربيعة ،من خلق الرسول ، من اإلنصات إليه حىت فرغ دون مقاطعته -4
،وقوبل كذلك بإنصات عتبة ابن ربيعة ،للنيب ، واستماعه آليات القرآن تتلى
من سورة فصلت.
أثر القرآن اآلين حىت على غري املسلمني ،ممن ينصفون القول يف القرآن الكرمي ظهر -5
جليًا على عتبة ابن ربيعة ،حني مسع القرآن .
القرآن من أقوى احلجج ،والنتيجة جند عتبة ابن ربيعة ا مسع اآليات اليت هي يف غاية -6
ّمل
البيان والبالغة كيف ،وصف القرآن الكرمي لكفار قريش حني عاد إليهم.
حسن التفاوض يف غالب األحيان ،ينهي املفاوضات بنتائج إجيابية ،وبكل هدوء ، -7
دون حدوث صخب ،أو عناد ،أو أي أمر يزعج ،وظهر ذلك جليًا يف هذا املوقف.
)( 1فقه السرية الغزايل -دار القلم ،دمشق ط 1998 ، 7ج 1ص .106
)(2تقدم خترجيه ص.185
)(3البخاري ،األدب املفرد ح .273
196
وكل ذلك التعامل احلسن من األصول اليت يضعها القران الكرمي للتفاوض مع اآلخر ،خالل
املفاوضة والتزام نتائجها.
197
أهل كتاب من اهلل ينبغي أن يتبع كتاب اهلل ،وملا قطعهم بالدالل الواضحة فلم يذعنوا ،ودعاهم
إىل املباهلة فامتنعوا ،عدل إىل نوع من التلطف ،وهو :دعاؤهم إىل كلمة فيها إنصاف
بينهم"(.)1
)( 1تفسري البحر احمليط ـ حممد بن يوسف الشهري بأيب حيان األندلسي ،دار الفكر ،لبنان ،بريوت 1412 -هـ -
1992م ط ،بدون ،ج 3ص .193
)(2سورة آل عمران اآليات .61 - 59
198
، فإن أبيتم املباهلة فأسلموا يُك ن لكم ما للمسلمني ،وعليكم ما عليهم .فأبوا .قال :فإيّن
ُأنابذكم باحلرب .فقالوا :مالنا حبرب العرب طاقة ولكّنا نصاحلك على أن ال تغزونا و ال خُت يفنا و
ال ترّدنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عامأ لفيسّك ة ألفًا يف صفر و ألفًا يف رجب .فصاحلهم
رسول الّله ، ،على ذلك .وقال :والذي نفسي بيده إّن العذاب قد نزل يف أهل جنران ولو
تالعنوا ُملسخوا قردة وخنازير والضطرم عليهم الوادي نارًا ،و الستأصل الّله جنران وأهله حىّت
الطري على الشجر و ملا حال احلول على النصارى كلهم حىت هلكوا"(.)1
ومن معاين هذه اآليات الكرمية ،أنه "ما زال السياق الكرمي يف تقرير عبودية عيسى ورسالته
)( 1الكشف والبيان ،أبو إسحاق النيسابوري ،دار إحياء الرتاث العريب -بريوت 1422 -هـ 2002 -م ط األوىل ج 3
ص.85
)(2أضواء البيان ،حممد األمني ،مرجع سابق ،ج. 418 3
)(3أيسر التفاسري ،أبو بكر اجلزائري ،مكتبة العلوم واحلكم ،املدينة ط1424 ،5هـ2003/م ج 1ص.324
199
دون ربوبيته وألوهيته ،فقد روي أن وفد جنران قالوا للرسول فيما قالوا :كل آدمي له أب فما
شأن عيسى ال أب له؟ فأنزل اهلل تعاىل على رسوله :ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ فإذا هو كائن ،فأي داع الختاذ عيسى إهلًا ،ألكونه خلقه اهلل من غري أب
فآدم كذلك خلق بدون أب وال أم ،وإمنا كان بكلمة اهلل ،فكذلك عيسى خلق بكلمة اهلل اليت
هيُ" :ك ْن " فكان ،هذا هو احلق الثابت من اهلل تعاىل يف شأن عيسى عليه السالم فال تكونن من
الشاكني فيه ،وحاشاه أن يشك 1وملا أكثروا عليه من الرتدد واجملادلة أرشده ربه تعاىل إىل
طريق التخلص منهم وهو املباهلة بأن جيتمعوا ويقول كل فريق :اللهم العن الكاذب منا ،ومن كان
كاذبًا منهم يهلك على الفور ،فقال له ربه تعاىل :فإن حاجوك ﮋ ﯩ ﯪ ﮊ "هلموا" ﮋ ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ وخرج يف الغد رسول اهلل ومعه احلسن
واحلسني وفاطمة رضي اهلل عنهم أمجعني إال أن النصارى عرفوا احلق وخافوا إن العنوا هلكوا
فهربوا من املالعنة ،ودعاهم الرسول إىل اإلسالم فأبوا ورضوا بالكفر إبقاء على زعامتهم
ودنياهم ورضوا باملصاحلة فالتزموا بأداء اجلزية للمسلمني والبقاء على دينهم الباطل .مث قال تعاىل:
ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ فالذي قصصناه عليك يف شأن عيسى عليه السالم ،وأنه عبد اهلل ورسوله
وكلمته"(.)1
200
بيان احلق ونشره -1
إميان السحرة إميانًا راسخًا برب موسى وهارون وما أتو به من عند اهلل من توحيد هلل ، -2
وعبادة اهلل وحده ال شريك له .
بزوغ احلق ونصرته وعلوه -3
الدعوة حيث كان يوم الزينة وحيضره املأل وهو يوم مشهود -4
إقامُة احلجة -5
دفُع الشبهة . -6
تكرمي اهلل ألنبيائه وتأييده هلم . -7
أن اهلل ينجي املؤمنني ،ولو أن حصل عليهم ما يكرهون يف هذه الدنيا من أثرة عليهم ، -8
وضيق ،فهو ابتالء ومتحيص ،من الرمحن الرحيم .
أن احلق يعلو وال يعال عليه . -9
تكذيب دعواهم يف أن موسى عليه السالم "ساحر ". -10
خذالن الباطل ،وأهله ،وأعوانه ،وخدامه ،ولو بعد حني فمن يعترب ؟ ويعترب من كان -11
له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
خامسًا :ما حدث بين إبراهيم وإسماعيل في األمر بذبح إسماعيل عليهما السالم
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ قوله تعاىل :ﮋ ﯨ
ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ (. ) 1 ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
من النتائج اآلنية في هذا الموقف ما يلي :
إبالغ اخلليل عليه السالم يبنّي البنه إمساعيل عليه السالم ،أنه أمر من اهلل بوحي منه يف -1
رؤيا يف املنام أنه يذبح ابنه إمساعيل عليه السالم.
عرض أمر اهلل ﻷ املوحى إلبراهيم عليه السالم وهو األمر بالذبح ،على ابنه إمساعيل. -2
ﮋ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﮊ .
تسليم االبن أمره هلل ﮋ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﮊ . -3
)(1سورة الصافات اآلية .110
201
ﮊ. تسليم إبراهيم األمر إىل اهلل ﮋ ﭑ ﭒ -4
الشروع يف التنفيذ ﮋ ﭓ ﭔ ﮊ . -5
202
المبحث الثاني :
النتائج البعدية
النتائج البعدية منها ما حيصل بعد التفاوض يف زمن قد يطول ،أو يقصر ،وتلك هي
النتائج البعدية واليت تسفر عنها املفاوضات ،بعد انتهائها ،وهلا أحوال ،فمنها ما يكون ،عبارة
عن اتفاق ،بني األطراف ،على معاهدة ،أو عقد ،أو ميثاق ،أو موادعة ...يتم إبرامها بني
األطراف ،وجيب التزام مجيع األطراف جبميع البنود املذكورة يف االتفاق ،وكذلك شروطها ،
ومن خان بشرط واحد منها يعترب ناقضًا هلا ،وكأن مل تكن ،وأمثلة ذلك كثرية ،ومت ذكر
بعضها يف ثنايا آيات القرآن الكرمي ،أو اإلشارة إليها ،ومن أمثلتها :
-1صلح احلديبية .
-2موادعة النيب نصارى جنران على دفع اجلزية .
-3معاهدة النيب ، مع اليهود يف املدينة وقد حصل أكثر من مرة .
وقد يتم عدم االستجابة للمطالب اليت متت ،وهذا ما كان يف كثري من األمم الغابرة مع
أنبيائهم ورسلهم حني أرسلوا إليهم ،فبعضهم أعرضوا وكفروا وكّذ بوا بآيات اهلل ،وبعضهم قتلوا
أنبيائهم ظلمًا وعدوانًا.
ومعرفة النتائج البعدية يف التفاوض مع الكفار من املشركني ،أو أهل الكتاب ،وغريهم ،يف
كل ما جيري جمرى التفاوض ،له فوائد عديدة ،ويف ما يلي يتم ذكر عدد من املواقف ونتائجها
البعدية من خالل اآليات الكرمية يف القرآن الكرمي ومنها:
203
نتج بعد ذلك عنها عدة نتائج ومنها ما يلي :
ا -نتج عن تفاوض احلديبية الفتح املبني قال تعاىل :ﮋ ﮟ ﮠ ﮡ ﮊ .
ب -إيقاف احلرب ،وقد كان املسلمون يف حاجة إىل وقف احلرب.
ج -االعرتاف بدولة اإلسالم ،وكان ذلك ضمنيًا ،ودليله ،املفاوضة بني املسلمني
واملشركني.
د -يف هذه الفرتة ،تفرغ املسلمون للدعوة فكانت الفرتة الذهبية للدعوة ،وقد أمثرت عن
انتشار دعوة اإلسالم يف اجلزيرة.
ه -أن النصر قد يتأخر ،حلكم يريدها اهلل ،وهذا ما حصل يف هذا الصلح وقد أجنز اهلل هذا
الفتح ،فكان كما مساه اهلل عز وجل فتحًا مبينًا.
و -وقد وىف عليه الصالة والسالم ،مبا التزم به يف عقد الصلح املربم ،وهذا من خلقه الكرمي،
قال تعاىل :ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ (.)1
ز -أثر الطاعة عل الصحابة الكرام.
204
ﰄ ﮊ وهذه تعزية لنوح غضب ،فلىب اهلل دعوته ،وأجاب طلبه وواساه ربه ﮋ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
عليه السالم.
ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﮊ ( . )1 ب -قال تعالى:ﮋﰆ ﰇ ﰈ
بيان للنهاية احلتمية للظاملني ،وهي إغراقهم بالطوفان.
ج -قال تعاىل :ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ (.)2
د -قال تعالى :ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ ( .)3
هـ -قال تعاىل :ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﮊ (.)4
ز -قال تعاىل :ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯾ ﯿ ﮊ (.)5 ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ
205
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ (. ) 1
ﯶ ﯷ ﯸ ﯴ ﯵ وقوله تعاىل :ﮋ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﰊ ﰋ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰃ ﰄ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ
ﭬ ﮊ (. ) 2 ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭠ ﭡ
تكاثرت ثمود ،نعمة اللmه ،على عبmده هmود ،عليmه السmالم ،ثم صmرحوا بعmدم االتبmاع ،وطلبmوا
ﭬ المعجزة ،وهي الناقة ،فأرسلها الله إليهم ،فعقروا الناقة ،فكانت النتيجة ﮋ ﭪ ﭫ
ﮊ.
ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ -4قوله تعاىل :ﮋ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ (. ) 3
تبني يف قصة قوم لوط عليه السالم يف هذه اآليات واآليات الواردة يف ثنايا البحث ،أن
قوم لوط ،فاوضوه عن ضيفه ،وكّذ بوه ،رغم أن لوط عليه السالم ،أنذرهم عذاب اهلل
وبطشه ،فتماروا بالنذر ،فكانت النتيجة ،ﮋ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ وذلك جزاء الظاملني عما
بدر منهم.
ﭚ ويف قصة موسى عليه السmالم ،قولmه تعmاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ -5
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯓ ﯔ
() 4
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ .
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ وقوله تعاىل :ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
206
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﭲ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ (. ) 1 ﮌ
فمن يرد اهلل فتنته هلك ،ومن حيلل عليه غضب اهلل فقد هوى وهو على كل شيء قدير .
ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ وقوله تعاىل :ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ (. ) 2
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯙ ﯚ وقوله تعالى :ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ
ﮊ(.)3 ﰎ ﰏ ﰐ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ
وقmmد طmmالت قصmmة موسmmى وهmmارون ،عليهمmmا السmmالم ،مmmع فرعmmون وقومmmه ،فكmmانت أحmmداث ،
ﮰ ﮱ ومواقف شىت ،فكانت النتيجة ،يف قوله تعاىل :ﮋﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
() 4
ﯓ ﯔ ﯕﮊ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯔ ﯕ -6قوله تعاىل :ﮋ ﮱ ﯓ
ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ (. ) 5
يهدي من يشاء بفضله ،ويضل من يشاء بعدله ،سبحانه وهو فعال ملا يريد ،وهو العزيز
احلكيم.
-7قوله تعاىل :ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭑ ﭒ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ (. ) 6 ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
عليم ،مبن يستحق اهلداية ،ومن يستحق الغواية "فلو شاء هلداكم أمجعني " سبحانه له
احلكمة البالغة.
207
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ونتائج املؤمنني املتقني على مر الزمان ،قوله تعاىل :ﮋ ﭪ ﭫ
ﭳ ﭴ ﭵ ﮊ (. ) 1
من النتائج البعدية ما يستدل به أن ليس كل شيء قابل للتفاوض :
ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ الرباءة من الشرك كما قال تعاىل :ﮋ ﰈ ﰉ -1
ﰖ ﰗ ﮊ (. ) 2
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ قال تعاىل :ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ -2
ﮊ ﮊ (. ) 3 ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ (.)4 -3
قال تعاىل :ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ (.)5 -4
قال تعاىل :ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ (.)6 -5
ملا أصر على الشرك قوم إبراهيم عليه السالم اعتزهلم كما قال تعاىل :ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ -6
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ (.)7
ففي الدين ،قال تعاىل :ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ (.)8 -7
وأثبت -جل وعال -للكفار كذلك دينًا اخرتعوه فقال :ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ (.)9 -8
قوله تعاىل :ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ (.)10 -9
208
فلما حاول املرتدون التفاوض حول منع الزكاة ،وقالوا كنا نؤديها لرسول اهلل وقد تويف.
ويف احلديث الذي رواه أبو هريرة رضي اهلل عنه قال :ملا تويف رسول اهلل وكان أبو بكر
رضي اهلل عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر رضي اهلل عنه كيف تقاتل الناس ؟ وقد قال
رسول اهلل " أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال اهلل فمن قاهلا فقد عصم مين ماله
ونفسه إال حبقه وحسابه على اهلل " .فقال واهلل ألقاتلن من فرق بني الصالة والزكاة فإن الزكاة
حق املال واهلل لو منعوين عناقا كانوا يؤدوهنا إىل رسول اهلل لقاتلتهم على منعها .قال عمر
رضي اهلل عنه فواهلل ما هو إال أن قد شرح اهلل صدر أيب بكر رضي اهلل عنه فعرفت أنه احلق"(.)1
وكذلك قضايا تعدد الزوجات ,وفريضة اجلهاد ،وحترمي الزنا واخلمر والربا ،وغريه ،مما ال
ميكن أن يقبل فيه أدىن تفاوض ،قال تعاىل :ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ .
وأثبت للكفار كذلك دينًا اخرتعوه فقال تعاىل :ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ (.)2
وبني سبحانه أن العاقبة للمؤمنني كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
ﯔ ﮊ (. ) 3
العهود والمواثيق
ومن اآليات التي ذكر فيها العهد والميثاق ما يلي :
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ -1
ﭨ ﭧ ﭦ
ﭩ ﮊ ( )4ويف هذه اآلية الكرمية يأمر اهلل سبحانه املؤمنني باالسmتقامة يف العهmد ملن يسmتقيم
به ،وأن ذلك من التقوى هلل كما بينت اآلية وأن اهلل حيب املتقني
قال تعاىل :ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ -2
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
)(1صحيح البخاري ،حممد بن إمساعيل البخاري ،باب وجوب الزكاة ،ح ،1335ج 2ص . 507
)(2سورة الكافرون اآلية . 6
)(3سورة آل عمؤان اآلية .139
)(4سورة التوبة آية .7
209
ﯸ ﮊ (. ) 1 ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ
ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ قال تعاىل :ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ -3
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯯ ﯰ ﯱ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﮊ (. ) 2 ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ
ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ -4
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭤ ﭥ ﭣ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ (. ) 3
قال تعاىل :ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ -5
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊ (. ) 4
قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ -6
ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﮊ ( )5وقmmد عقmmد رسmmول اهلل معاهmmدات مmmع
املهاجرين واألنصار وكذلك مع اليهود باملدينة
وكتب رسول اهلل عدة كتب لبعض قبائل املسلمني ،وقبائل أخرى من العرب غري
املسلمني ،كما كتب لبعض اليهود وبعض النصارى ،وقد تضمنت هذه الكتب بعض العهود
واملواثيق بني الرسول وأولئك الذين كتب إليهم.
العهود والمواثيق ونتائجها البعدية
جmاء اهتمmام اإلسmالم ببنmاء اجملتمmع املسmلم ،فشmرعت التشmريعات الmيت يmأمن اجملتمmع هبا ويmراعى
فيها جلب املصاحل ،واحلفاظ عليها ،ودرء املفاسد ،حىت تنتظم حياة النmاس ،ومن تلmك التشmريعات
210
العهmmود واملواثيmmق والصmmلح ،واملوادعmmة ،فقmmد أوالهmmا القmmرآن الكmmرمي اهتمام ًmا بالغ ًmا ،فكmmانت لبنmmة قويmmة
مبارك mmة ،ونتج عنه mmا معاجلة القض mmايا السياس mmية واالجتماعي mmة ،ومن اجلوانب االجتماعي mmة ،قض mmية
ال mmزواج والطالق فهي تعت mmرب قض mmية اجتماعي mmة هام mmة ويؤخ mmذ فيه mmا امليث mmاق الغلي mmظ ،وي mmدل ذل mmك على
أمهيتها وأثرها ،قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ (. ) 1
وما حدث بني يعقوب وبني أبنائه كما قال تعاىل :ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ (. ) 2 ﮎ
وقال تعاىل :ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ (.)3
فـ "امليثاق كان عامًال حاًمسا يف بداية وهناية هذه القضية االجتماعية"( )4وفاز املوفون بالعهد
بثناء اهلل هلم يف الكتاب وهم"أولو األلباب -كما يف سورة الرعد -هم الذين يوفون بعهد اهلل وال
ينقضون امليثاق وهم كذلك يتصفون بصفة الزمة للصفة األوىل وهي أهنم يصلون ما أمر اهلل به أن
يوصل من صلة الوالدين واألرحام وحقوق اجلوار وغريمها مما أمر اهلل به"( )5قال تعاىل :ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ (. ) 6
ويستفاد أن الصلح ،والعهود ،واملواثيق ،والتحكيم بني األطراف ،هي عبارة عن نتائج
تتمخض عن مفاوضات ومداوالت ومراجعات يف عدد من اجلوانب احلياتية .
نموذج من معاهدات رسول اهلل ،صلى اهلل عليه وسلم ،مع يهود المدينة
عقد رسول اهلل املعاهدة ،مع يهود املدينة ،بعد هجرته إليها مباشرة ،ويف أوائل أيامه هبا؛
مما يدل داللة قاطعة على فكره التعايش ورغبة رسول اهلل يف مساملة غري املسلمني ،وقد جاء يف
نصوص املعاهدة ما يلي:
211
" -1أن يهود بين عوف أمة مع املؤمنني ،لليهود دينهم وللمسلمني دينهم ،مواليهم
وأنفسهم.
-2وأن على اليهود نفقتهم ،وعلى املسلمني نفقتهم.
-3وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
-4وأن بينهم النصح والنصيحة ،والرب دون اإلمث.
-5وأنه ال يأمث امرُؤ حبليفه.
-6وأن النصر للمظلوم.
-7وأن اليهود ينفقون مع املؤمنني ما داموا حماربني.
-8وأن يثرب حرام جوفها ألهل هذه الصحيفة.
-9وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو شجار يخاف فساده فإن مرَّده إلى
الله"(.)1
من النتائج البعدية للعهود والمواثيق التي تنجم عن التفاوض ما يلي :
ا -تنظيم العالقات بني املسلمني فيما بينهم.
ب -تنظيم العالقات بني املسلمني ،وبغري املسلمني ،من اليهود ،وغريهم يف جمتمع املدينة وما
جاورها.
ج -توفري األمن واالطمئنان للمجتمع.
د -إجياد طرق وسبل للتعايش االجتماعي والتعامل السلمي بني الناس مسلمني وغري
مسلمني على اختالف أدياهنم ،ومنهم اليهود الذين هم قوم هبت ومعلوم أن صدورهم
مليئة بالغل واحلسد واحلقد ،ويبطنون أكثر من ذلك .
ه -درء األخطار عن اجملتمع .
و -إعداد اجملتمع وتنمية العالقات االجتماعية فيما بينهم .
ز -عامل من عوامل االستقرار للدولة.
ح -إظهار قوة الدولة اإلسالمية وهيمنتها.
)( 1السرية النبوية ابن هشام مرجع سابق باب هجرة الرسول ،ج 3ص .34
212
ط -القبائل تفضل وتبحث سبل التقرب والتودد من املسلمني.
ي -رغبة القبائل يف األمان منها.
ك -طلب القبائل احلماية ضد أعدائهم ،وهذا أثر فَّعال يف حتسني العالقة بني الدول
واجملتمعات.
ل -تقرير أن الوفاء باملعاهدات واملواثيق حيَّل السالم ،كما فعل النيب ، مع أعدائه ،يف
صلح احلديبية وغريه ،امتثاًال لقوله تبارك وتعاىل :ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮊ (. ) 1
ويف تفسري هذه اآلية يقول ابن كثري "وهذا مما يأمر اهلل تعاىل به ،وهو الوفاء بالعهود
واملواثيق ،واحملافظة على األميان املؤَّك دة"(.)2
م -وقف احلرب وما يدعو هلا.
ن -معرفة أساليب ،وطرق املداهنة ،والزيف ،واملراوغة ،وتغيري احلقائق ،والتناقض وحنو
ذلك ،مما يصدر من الطرف املقابل للتفاوض ،وذلك من خالل املمارسة املستمرة
للتفاوض مع األطراف األخرى .
وقد"َح َر َص رسول اهلل والصحابة على استمرار تطبيق بنود املعاهدة" ،فكان التعايش
السلمي اآلمن مع َمْن يعيش من اليهود مع رسول اهلل واملسلمني هو مسة احلياة داخل املدينة؛
فبدأ التبادل التجاري بينهم حيث امتألت أسواق اليهود يف املدينة باملسلمني ،ومن أشهر أسواق
اليهود سوق بين قينقاع .وإمتام عمليات البيع والشراء ال تتم إال بني قوم يأمن بعضهم بعًض ا ،وقد
كانت املرأة املسلمة تذهب بنفسها لتشرتي من اليهود يف سوقهم دون حرج؛ مما يدل على مدى
ثقة املسلمني باليهود ،كما اشرتى عثمان بن عفان بئر رومة من يهودي"(.)3
فتعترب هذه املعايشة االجتماعية واالقتصادية نتائج بعدية للتفاوض الذي حصل مع اليهود يف
املدينة واستمر لفرتة حمدودة نظرًا ألن اليهود كانوا ينقضون العهود يف كل عام مرة أو مرتني كما
ذكرت اآليات ،حىت أجالهم عليه الصالة والسالم من املدينة .
213
و معاهدة أخرى وهي "معاهدة رسول اهلل مع يهود خيرب فقد َّمتت بعد حرهبم ،اليت مل يلجأ
إليها رسول اهلل إَّال بعد تأُّك ده من أهنا أصبحت مالًذا ملن يريد التخطيط هلدم الدولة اإلسالمية
وتقويض بنياهنا ،فقد جلأ إليها سالُم بن أيب احلقيق املعروف بأيب رافع ،وكنانة بن الربيع بن أيب
احلقيق ،وحيي بن أخطب ،وهم من أشراف بين النضري ،ومن ألّد أعداء املسلمني ،ومن الذين
أجالهم رسول اهلل من املدينة بعد ما اقرتفوا من اجلرائم ،فبدأ يهود بنو النضري املقيمون خبيرب ،ومن
معهم من يهود خيرب وزعمائها بتأليب اجملتمع الَق َبلي على املسلمني؛ فخرجت جمموعة من يهود
خيرب ويهود بين النضري لتجميع األحزاب املشركة هبدف حصار املسلمني ،فكانت غزوة
األحزاب ،اليت جتَّم ع فيها أكثر من عشرة آالف مقاتل من املشركني؛ إلبادة املسلمني يف املدينة،
ولكن اهلل َم َّن على املسلمني بنصره فيها ،ولكن خيرب أصبحت بؤرة خطٍر عظيٍم على املسلمني؛
لذلك كان ال ُبَّد من تأديبهم ،وحماسبتهم على بعض ما اقرتفوا من جرائم يف حِّق الدولة اإلسالمية.
فخرج النيب حملاربتهم يف العام السابع من اهلجرة ،وبعد معارك عديدة وحصار حلصوهنم
الواحد تلو اآلخر طلب اليهود أن ينزلوا على الصلح ،وأن يتفاوضوا مع رسول اهلل ،وَقِبَل رسول
اهلل منهم ذلك ،وكانت خالصة األمر أن َّمت التصاحل على حْق ن دمائهم ،ودماء كل من يف احلصون
من املقاتلة والُّذ ِّر َّية والنساء ،وعلى أن يرتكوا خلفهم الديار ،والسالح ،واألموال ،والذهب،
والفضة ،وخيرجوا دون شيء ،كما اشرتط رسول اهلل يف هذه املعاهدة عليهم شرًطا مهًّم ا فقال:
"َو َبِر َئْت ِم ْنُك ْم ِذَّم ُة الَّلِه َو ِذَّم ُة َرُس وِلِه ِإْن َك َتْم ُتُم ويِن َش ْيًئا" .أي لو أن أحًد ا من اليهود أخفى شيًئا
من األموال أو من الذهب أو الفضة؛ فللرسول أن يقتله هبذا اإلخفاء ،وَقِبل اليهود هذا الصلح،
وبدءوا يف اخلروج من خيرب ،وقد حقن الرسول دماءهم مجيًعا هبذا الصلح ،وذلك رغم ما قَّدمت
أيديهم من سوء ،ومل يقتل إَّال َمْن برزْت خيانته هلذا العهد ،كما وقع لكنانة بن أيب احلقيق،
إىل هذا احلِّد كان األمر كله بيد املسلمني ،وليس أمام اليهود اختيار غري اخلروج ،ومع ذلك
ولرغبة رسول اهلل يف التعايش السلمي مع اآلخر َقِبَل بالطرح الذي قَّدمه اليهود؛ لقد طلب اليهود
من رسول اهلل أن يزرعوا هذه األرض مناصفة مع املسلمني ،فعن عبد اهلل ابن عمر قال" :أعطى
رسول اهلل خيرب لليهود أن يعملوها ويزرعوها وهلم شطر ما خيرج منها"(.)1
214
قوله تعالى :ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ ( ، )1في هذه اآلية الكريمة ورد "أن اليهود كلما عاهدوا
عه mmدا نب mmذه فري mmق منهم وص mmرح في موض mmع آخ mmر أن رس mmول الل mmه ه mmو المعاه mmد لهم وأنهم ينقض mmون
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ عهدهم في كل مرة ،وذلك في قوله :ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ (.)2
وصرح يف آية أخرى بأهنم أهل خيانة إال القليل منهم ،وذلك يف قوله :ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ (. ) 4( " ) 3
"وذلك أن النيب عاهدهم أول مرة على أن ال حياربوه وال يعينوا أحدًا على حربه فإذا هبم
يعينون قريشًا بالسالح ،وملا انكشف أمرهم اعتذروا معرتفني خبطإهم ،وعاهدوا مرة أخرى على
أن ال حياربوا الرسول وال يعينوا من حياربه فإذا هبم ينقضون عهدهم مرة أخرى ويدخلون يف
حرب ضده حيث انضموا إىل األحزاب يف غزوة اخلندق"(.)5
و"ال جيوز أن ينقض العهد إَّال على ثالثة أوجه :
فاألول :أن يظهر له منهم خيانٌة مستورة ويخاف ضررهم ،فينبذ العهد إليهم ،حَّتى يستووا في
ﮤ ﮥ ﮊ (.)6 ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ معرفة نقض العهد ،لقوله ﮋ ﮝ ﮞ ﮟ
الثاني :أن يكون قد شرط لبعضهم يف وقت العهد أن يقرهم مبا أمر اهلل به ،فلَّم ا أمر اهلل تعاىل
بقطع العهِد بينهم قطع ألجل الشرط .
الثالث :أن يكون مؤجًال فتنقضي املَّد ُة وينقضي العهُد ،ويكوُن الغرض من إظهار الرباءة أن
يظهر هلم أنه ال يعود للعهد ،وأنه على عزم احملاربة واملقاتلة"(.)7
"وخرج عدّو الله حيي بن أخطب النضري ،حتى أتى كعب بن أسد القرظّي ،صاحب عقد
215
بني قريظة وعهدهم ،وكان قد وادع رسول الله على قومه ،وعاهده على ذلك وعاقده ،فلما
سمع كعب بحيّي بن أخطب ،أغلق دونه حصنه ،فاستأذن عليه ،فأبى أن يفتح له ،فناداه حيّي :يا
كعب افتح لي ،قال :ويحك يا حيّي ،إنك امرؤ مشئوم ،إني قد عاهدت محمدا ،فلست بناقض ما
بيني وبينه ،ولم أر منه إال وفاء وصدقا ؛ قال :ويحك افتح لي أكلمك ،قال :ما أنا بفاعل ،قال :
والله إن أغلقت دوني إال تخّو فت على جشيشتك أن آكل معك منها ،فأحفظ الرجل ،ففتح له ،
فقال :يا كعب جئتك بعّز الدهر ،وببحر طّم ،جئتك بقريش على قاداتها وساداتها ،حتى أنزلتهم
بمجتمع األسيال من رومة ،وبغَطفان على قاداتها وساداتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب ُأحد
،قد عاهدوني وعاقدوني أال يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه ،فقال له كعب بن أسد :جئتني
والله بذّل الدهر ،وبجه ام قده راق ماءه ،يرعد ويبرق ،ليس فيه شيء ،فدعني ومحمدا وما أنا عليه
،فلم أر من محمد إال صدقا ووفاء ؛ فلم يزل حيّي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له
على أن أعطاهم عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك
في حصنك حتى يصيبني ما أصابك ،فنقض كعب بن أسد عهده ،وبرئ مما كان عليه ،فيما بينه
وبين رسول الله .)1("
ونقض العهد ،وامليثاق يسقط حق من نقضه ،كما حصل مع اليهود ،فرتاعى مصلحة
التفاوض.
ويكون الصرب من النتائج البعدية بعد القيام مبا يف الوسع ،قال تعاىل :ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﮊ (. ) 2
وقال تعاىل :ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ (.)3
على املفاوض املسلم أن يكون على وعي ودراية مبا جيوز فيه التفاوض مع اآلخر وما ال
جيوز ،وأن يطالب اخلصم بالدليل على إنكاره ،أو دعواه ،وقد مرا اهلل تعاىل نبيه مبطالبة
ﭥ ﮊ ( .) 4 الكفار بالدليل :قال تعاىل ﮋ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﭣ ﭤ
)( 1تفسري الطربي ،جامع البيان يف تأويل القرآن ،حممد بن جرير بن يزيد بن كثري الطربي ،مؤسسة الرسالة ،ط األوىل ،
1420هـ – 2000م ،حتقيق أمحد شاكر ،ج 20ص.218
)(2سورة النحل اآلية .127
)(3سورة النحل اآلية .128
)(4سورة البقرة اآلية .111
216
وقال تعاىل :ﮋ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﮊ (.)1
فدعوة الرسل مجيعهم ،كالدعوة الواحدة.
ﭥ ﮊ. قال اإلمام فخر الدين الرازي يف تفسريه لقوله تعاىل:ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
"دلت اآلية على أن املدعي سواء ادعى نفيًا أو إثباتًا فال بد له من الدليل والربهان"(.)2
ومن يتدبر القرآن جيد بكل وضوح أن كلمات "الربهان" و " السلطان" و" احلجة" قد
وردت يف مواضع كثرية منه وتتعلق كثري من هذه اآليات املباركة مبا جيري جمرى التفاوض الذي
قام به النيب ، مع الكفار ومطالبته عليه السالم إياهم بأمر من اهلل تعاىل بتقدمي األدلة والرباهني
واحلجج إلثبات تربير مواقفهم.
217
الفصل الثالث
آثار التفاوض على الفرد والمجتمع
وفيه مبحثان:
المبحث األول :أثر التفاوض على الفرد.
المبحث الثاني :أثر التفاوض على المجتمع.
218
المبحث األول
أثر التفاوض على الفرد
وفيه مطلبان:
المطلب األول :األثر المعرفي على الفرد.
المطلب الثاني :األثر السلوكي عل الفرد.
219
المطلب األول :األثر المعرفي على الفرد
للتفاوض العديد من اآلثار املعرفية على الفرد ومنها ما يلي :
معرفة الناس: -1
يستطيع املفاوض ،معرفة الناس ،وسربهم أثناء املفاوضات ،قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ (. )1
فالتوسم والفراسة فيمن تفاوض توحي مبغرفة املقابل من خالل هيئته ،وحديثه وهل اجتاه
املفاوض سليم أم مشبوه ،أو غري ذلك.
المعرفة -2
وذلك يف اجلانب املعريف يف ماهية التفاوض ،من حيث معرفة القضايا اليت يتم حوهلا
التفاوض ،واملواضيع ،وتصنيفاهتا ،وما جيري يف التفاوض ،وما ال جيري فيه ،والوصول إىل حقائق
ومفاهيم ومعلومات ودالئل وأساليب جديدة مل يكن يعلمها من ذي قبل .
-3معرفة طرق المفاوضين:
ومن أمثلة ذلك يف القرآن الكرمي ،طلب إخوة يوسف من أبيهم يعقوب عليه السالم ،وهم
يفاوضونه ،كان البدء بصيغة السؤال ﯙ ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ ،مث ادعاء النصح له ،ﮋ ﯟ
ﯠ ﯡ ﮊ ،ومن مث الرتغيب حلاجة الغالم إىل اللعب ﮋ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ ويف اخلتام
ﯪﮊ وهي املناهج اليت يعودون إىل االدعاء وهذه املرة كانت باحلفظ ،ليأمنهم عليه ،ﮋ ﯨ ﯩ
يسري عليها املفاوضون يف مفاوضاهتم ،وما تؤول إليها .
-4التنوع:
يعطي الفرد اخليارات املتعددة ملا يتضمنه التفاوض من التنوع وذلك ألن التفاوض تتعدد فيه
األساليب حسب مقتضيات األحوال والوقائع .
-5الحرص على طلب الحق
يعتاد املفاوض على التجرد للحق ،واحلرص عليه ،وطلبه وبذل السبب يف ذلك ،ولو على نفسه،
وذلك إن كان سليمًا من اهلوى أ و اتباع األشخاص أو األرض أو اجلنس أو اللون ،وأن ليس وراء
220
اإلعراض عن احلق إال الضالل ،قال تعاىل :ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ (.)2
-6المرونة :
القدرة على التكّيف واملرونة ،فيما يسمح به الشرع ،ويقتضيه احلال ،كفعل النيب يف
صلح احلديبية عندما تنازل عن كتابة بسم اهلل الرمحن الرحيم ،وحما كلمة رسول اهلل.
-7التعود على الجرأة في الحق:
ألن التفاوض حيتاج إىل مطالبة حبقوق ،أو إبداء الرأي حول املوضوع ،أو حول األدلة
املطروحة أو طرق االستدالل هبا ،التفاوض يكون إلحقاق حق ،ال باطل.
-8إعداد موضوع التفاوض
كلما مارس املفاوض موضوعًا جديدًا يتفاوض حوله ،يسهم ذلك يف حسن إعداد موضوع
التفاوض مستقبًال ،ويعد ذلك فهمًا له .
-9المضي قدمًا وعدم التردد
الشروع يف التفاوض ينتج السالمة من الرتدد الذي يصيب الناس عند طرح أي مشكلة
هبدف البحث عن حلول هلا.
-10التمييز بين الحسن والقبيح:
التفاوض مينح القدرة على التمييز بني احلق ،والباطل الذي يعرض عليه ،فأهل الباطل ال
يفتأون عن املغالطة ،والتلبيس ،قال تعاىل :ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭙ ﭚ ﮊ ﭫﭬ ﮊ .و قال تعاىل :ﮋ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
-11االستدالل الصحيح
إبراز األدلة يف القرآن الكرمي ،مينحنا القدرة على االستدالل يف املواقف ،ومعرفة التحري
يف األدلة ،واتباع طرق االستدالل الصحيح البعيد عن اهلوى ،للوصول إىل احلق قال تعاىل :
. ﯖ ﯗﮊ ﯕ ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
221
وأحداث جرى فيها التفاوض ،أو تجري مجرى التفاوض ،التباع السنة فيها ،وهي منشرة بحمد
الله.
-13جمع المعلومات
ﭦ ﮊ ﭤ ﭥ ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
معرفة طرق مجع املعلومات حول املوضوع املراد التفاوض فيه وأبعاده وحتديد األسباب والدوافع
لإلثارة املوضوع ،ومجع األدلة واإلثباتات وصياغة وحتديد األهداف ،لكي يسهل البدء
بالتفاوض.
-14التدرج في األمور:
من خالل التعرض آلي القرآن الكرمي ،جند التدرج يف املفاوضات ،وهي دربة على
استعمال التدرج يف األمور ،والرتوي ،وعدم العجلة ،ومن أمثلة قصص األنبياء ،عليهم
السالم ،ما ورد يف قصة نوح عليه السالم ،أو قصة موسى عليه السالم.
-15المساهمة في البناء
التفاوض يسهم بشكل فاعل تنمية الشخصية السوية للفرد من حيث جعله يعتمد على نفسه
يف املطالبة باحلقوق مع مراعاة املصاحل يف ذلك .
-16التدرب على الحجج:
احلجج والرباهني واألدلة ذات شأن كبري وهام يف املفاوضات ،وقد ورد يف القرآن الكرمي
من احلجج والرباهني الكثري ومن ذلك يف جانب إبطال صحة عبادة األصنام من دون اهلل ،وعدد
من اجلوانب املنهي عنها كذلك مثل الربا و ...ومما ورد من اآليات يف هذا الشأن
() 1
قوله تعاىل ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﮊ
ويف احلديث عن النيب َ " أْبَغُض الِّر َج اِل ِإىَل الَّلِه األَلُّد اَخْلِص ُم(.)3( " )2
وقد ورد ذم اجملادل ،املتكرب عن احلق ،قال تغاىل :ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭸ ﭷ ﭴ ﭵ ﭶ
222
ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ (. ) 1
والتعرف على أنواع احلجج واألدلة والرباهني وكيفية إبرازها يفيد يف التفاوض ،لبيان احلق,
وإقناع اآلخرين به باحلجة ،ويعد أثرًا ذو أمهية.
-17المقدرة على التعبير :
قال تعاىل :ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﮊ (. ) 2
القول السديد ،يطلق اللسان من عنان الرتدد ،فيحسن التعبري والتحدث ويتم تقوية ذلك
أثناء ممارسة التفاوض مبراحلها على اختالف وتنوع املواضيع فيه ،ويتم العناية باختيار األلفاظ ال
سيما يف شأن احلقوق ،
وهذه اآليات تؤكد أن املؤمن جيب أن يضع الكالم يف موضعه فلكل مقام مقال ،وإذا اتبع
ذلك سوف يصلح له اهلل أعماله ،وسيكون هذا األسلوب سببًا يف الفالح يف الدنيا واآلخرة.
االعتناء باختيار األلفاظ:
أمرنا اهلل تعاىل بقول اليت هي أحسن ،فقال تعاىل :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ
() 3
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮊ ﮌ ﮍ ﮎ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ وقد أمرنا باإلعراض عمن خبوضون بالباطل ﮋ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
ﰃ ﮊ (. ) 4
وحث الشارع احلكيم على اللني يف القول ،فقد أمر سبحانه وتعاىل موسى وهارون حني
ﮯ ﮊ (. ) 5 ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ أمرمها بالذهاب إىل فرعون بقوله ﮋ ﮨ ﮩ
وهبذا يكون من هو دون موسى وهارون يف الفضل ،ودون فرعون يف الطغيان ،من باب
أوىل أن يقال له قوًال لينًا .
وبالقول احلسن ضرب النيب ، واألنبياء من قبله عليهم السالم ،خري األمثلة ،وهم القدوة
)(1سورة احلج اآليات .9-8
)(2سورة األحزاب اآليات .71-70
)(3سورة اإلسراء اآلية .٥٣
)(4سورة األنعام اآلية .68
)(5سورة طه اآلية .44
223
احلسنة يف احرتام من يفاوضون ؛ فاإلنسان ُج بل على حب ذاته وكرامته ،فإذا ُأهني غضب ،وإذا
غضب قد ال يقبل حقًا وال عدًال.
-18نبذ الخوف
ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
() 1
ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
مما يستفاد من اآلية الكرمية ،أنه ينبغي عل املفاوض أن يكون قويًا ،نابذًا للخوف ،بعيدًا
عن اخلضوع أو االستسالم .
-19الثقة :
االعتداد مبا وهب اهلل العبد من إمكانات ،ال يفتقر إىل االعتماد على اهلل واحلاجة إليه
ﮆ ﮇ ﮅ ﮃ ﮄ ﮁ ﮂ سبحانه يف كل سكناته ،قال تعاىل :ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
() 2
ﮊ ﮋ ﮊ ﮈ ﮉ
والثقة تعترب زادًا لدعم املفاوض ،من خالل تكرار املفاوضات ومقابلة األطراف وعرض
املطالب ودعمها مبا يؤيدها من أدلة وإثبات ،ويقصد هنا بالثقة عدم الرتدد واملضي قدمًا بالنظر
إىل ما وهب اهلل العبد ،بعد التوكل على اهلل ،وليس االعتماد على النفس بالكلية ففي احلديث
قوله " وال تكلين إىل نفسي طرفة عني"(. )3
ويروى أنه" قدم إياس بن معاوية الشام وهو غالم فقدم خصمًا لـه إىل قاض لعبد امللك بن
مروان ،وكان خصمه شيخًا كبريًا ،فقال له القاضي :أتقدم شيخًا كبريًا ؟ فقـال إياس :احلق أكرب
منه ،قال :اسكت ،قال :فمن ينطق حبجيت؟ قال :ما أظنك تقول حقًا حىت تقوم ،قال :أشهد أن
ال إله إال اهلل ،فقام القاضي فدخل على عبد امللك فأخربه باخلرب فقال :اقض حاجته وأخرجه من
() 4
الشام ال يفسد علَّي الناس" .
-20تعلم طرق األسئلة :
القرآن الكرمي يزخر باألسئلة املتنوعة وأساليب وطرق طرحها ،ويعترب القرآن مرجع ،لتعلم
)(1سورة طه اآليات .٦٨ - ٦٥
)(2سورة القصص اآلية .٢٤
)( 3األدب املفرد ،حممد بن إمساعيل البخاري ،باب الدعاء عند الكرب ،ح ، 701ج 1ص 244قال األلباين حسن.
)(4البداية والنهاية ،بن كثري ،مرجع سابق ،ج ، 9ص .334
224
األسئلة ،وطرق اجلواب عليها ،ومن أمثلة األسئلة ما يلي :
فلم جيد جوابًا
() 1
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮊ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ -1قال تعاىل :
ﮅ ﮆ ﮋﮄ
() 2
وكبت ﮋ ﮑ ﮒ ﮓﮊ
() 3
-2ﮋ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﮊ
-3ما حكى اهلل عن اخلليل إبراهيم عليه السالم ،قوله تعاىل :ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
() 4
ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ
يأمرهم بسؤال أصنامهم ،اليت يعبدوهنا .
فاملفاوض البد أن يتقن مباذا يسأل وكيف يسأل ومىت يسأل ومن يسأل.
-21االستعداد:
نتعلم من القmmرآن الكmmرمي ،التmmأهب والتمكني من خmmوض املفاوضmmات ومن ذلmmك يف الmmرد على
الزعم واالدعاء باحلجة والدليل ومن األمثلة قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ
() 5
والتعود على االستعداد خالل املفاوضات جيعmل املفmاوض ﭡ ﭢ ﮊ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
متأهب خلوض املفاوضات ،ومستعدًا هلا.
-22تعلم اإليجاز
الق mmرآن الك mmرمي أبل mmغ بي mmان ،فه mmو كالم اهلل تع mmاىل ،ومن mmه آي mmات ال تتج mmاوز كلم mmات مع mmدودة
حتمmmل يف طياهتا املعmmاين الكبmmرية ،والmmيت تصmmلح لكmmل زمmmان ومكmmان ،فاملتأمmmل مثًال لسmmورة العصmmر يف
() 6
قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﮊ
ونتعلم من آياته إجياز احلديث ،وحسن البيان والذي يكون له عدة معاين تعلم اإلجياز
حيث يتم الرتكيز على احملاور أو العناصر الرئيسة يف املوضوع وحصرها بأدلتها ،دون احلاجة
للدخول يف فروع أو مواضيع أخرى .
225
-23تحمل المسؤولية
قال تعالى :ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ (. )1
و النقيب " يكون كفيال على قومه بالوفاء بالعهد توثقة عليهم"( ، )2و" نقيب القوم ألنه
الذي يبحث عن أمورهم ويباحث عنها"( )3ويكون بطريق مفاوضة فيما بينهم ،والتفاوض يعد
أسلوبًا للتدريب للفرد على حتمل املسؤولية ورفع الكفاءة حيث أن املفاوض ميثل جمموعة من الناس
ويتكلم بالنيابة عنهم ويطالب حبقوقهم ،أو ميثل ذاته يف التفاوض الفردي ،فال يلجأ إىل غريه
ليقوم بالتفاوض عنه.
-24االعتدال في نبرة الصوت
التعود على االعتدال يف نربة الصوت واالعتناء هبا ومعرفة ما هو حمبب للناس منها ويكون
سببًا يف قبول احلديث وجيب االلتزام به يف موضعه ،وما يستهجن وينبذ وجيب االبتعاد عنه
وجتنبه ،قال تعاىل:وقال سبحانه ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ (.)4
ﰒ ﰓ ﰔ ﮊ (. ) 5 وقال تعاىل :ﮋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ
و " الصوت املعتدل اهلادئ املتأين من غري صراخ أو صياح ،ومن غري إسرار وإخفات هو
األدخل واألنفذ إىل األعماق ،واألحفظ جلالل الكلمة ووقار املتكلم " (.)6
كما أن "رفع الصوت وانتفاخ األوداج ،ال يوِّلد إال غيظًا وحقدًا وَح َنقًا ،ومن أجل هذا
فليحرص احملاور أال يرفع صوته أكثر من احلاجة ،فهذا رعونة وإيذاء للنفس وللغري ،ورفع الصوت
ال يقّو ي حجة وال جيلب دليًال وال يقيم برهانًا ؛ بل إن صاحب الصوت العايل مل َيْع ُل صوته – يف
الغالب – إال لضعف حجته وقلة بضاعته ،فيسرت عجزه بالصراخ ويواري ضعفه بالعويل ،وهدوء
226
الصوت عنوان العقل واالتزان ،والفكر املنظم والنقد "(.)1
-25يعلم حسن اإلنصات واالستماع :
تعلم اإلنصات وحسن االستماع للطرف املقابل فال يقاطع قبل الفراغ من احلديث ،وما
كان غامضًا أوفيه لبس يتم السؤال عنه بطلب بيانه "إن احملاور اجليد هو الذي ينتظر ،ويتأكد مما
يسمعه ،ويستوضح أي غموض حىت يتأكد قبل إصدار احلكم"2إن حسن االستماع واإلنصات
للمحاور أمر مساعد على جناح احلوار ،ولقد ضرب النيب يف ذلك أروع األمثلة كما يف حماوراته
مع أهل مكة وغريهم ،وقد ذكرنا من قبل استماع النيب لعتبة بن ربيعة باهتمام وإنصات ودون
مقاطعة حىت فرغ فقال النـيب :أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال :نعم ،قال :فامسع مين ،قال :أفعل "
( )3وحسن االستماع من النيب للرجل جعله جيلس ويستمع كذلك ،وإن مل يهتد ،فتلك قضية
أخرى.
() د /صاحل بن عبد اهلل بن محيد :أصول احلوار وآدابه يف اإلسالم ،نسخة حمّم لة من شبكة اإلنرتنت: 1
./www.saaid.net/mktarat
() د /حسن حممد وجيه :مقدمة يف علم التفاوض السياسي واالجتماعي.26: 2
() يحيى بن محمد حسن زمزمي :الحوار :آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة ،46 :ط 2دار المعالي -األردن 1422هـ - 4
2002م.
227
المطلب الثاني :األثر السلوكي عل الفرد
-1القوة في الحق :
من تأمل مواقف القرآن الكرمي ،يستمد منها قوة احلق يف التفاوض ،ومن أمثلة ذلك ،قوله
ﭽ ﭼ ﭻ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ تعاىل :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
() 1
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭾ ﭿ
ﭲ ﮊ وقوله "جتاهل من عارف أنه عبد يف هذا املوقف يقول فرعون ﮋ ﭯ ﭰ ﭱ
مربوب بدليل قول موسى ،عليه السالم ،له ،يف قوله تعاىل :ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯫ ﯬ ﯭ ﮊ ( ، )3( " )2ويأيت الرد باحلجة الباهرة ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﭼ ﭽ ﮊ ،فهم موقنون باخللق للسموات واألرض وما فيها من جبال وسهول ﭻ
وحبار وكما أنتم موقنني هبا جيب أن توقنوا خبالقها ،فسأل فرعون من حوله سؤاًال يف استنكار ﮋ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ ويأيت جواب موسى عليه السالم ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ حجة بالغة ﭾ ﭿ
فما تغين النذر ،وصد فرعون عن القبول هبا ،العلو ،واالستكبار يف األرض بغري احلق .
وإخالص املؤمن هلل يف تفاوضه ميده بقوة يف احلق يف مجيع أحواله ،ألن املفاوضات ال ختلوا
من موضوع هام تدور حوله ،وال يزال أهل الشر يسعون لصد احلق ،ومبارزة أهله ،وهذا ما
كان فعله مشركوا مكة مع النيب فيقول احلق تبارك وتعاىل ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ
() 4
ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ
" ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ أي وإن كmmان احلال والشmmأن أن املشmركني ،قmاربوا أن
يصmm m m m m m m m mرفوك عن الmm m m m m m m m mذي أوحينmm m m m m m m m mاه إليmm m m m m m m m mك يmm m m m m m m m mا حممmm m m m m m m m mد من بعض األوامmm m m m m m m m mر والنmm m m m m m m m mواهي
ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ أى لتأيت بغري ما أوحاه اهلل إليmك و ختالف تعاليمmه ،وهmذا حتذير لألمmة أن يركنmوا إىل
املشركني ،يف شيء من أمور الدين ،كمmا قmال ابن عبmاس :كmان رسmول اهلل ، معصmوما ،ولكن
هذا تعريف لألمة لئال يركن أحد منهم إىل املشركني ،يف شيء من أحكmmام اهلل تعmmاىل وشmmرائعه ،ﮋ
228
ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ أي لو فعلت ما أرادوا الختذوك صاحبا وصديقًا"(.)1
-2الدربة على التحدث :
ما أكثر أيات القرآن الكرمي اليت تبدأ بـ " قل " ويستفاد من ذلك التدريب مما يليها من بقية
اآليات ومنها السؤال ،واجلواب ،والطلب أو النهي ،واثره على احلديث من خالل التفاوض
واضح ،ويعترب هذا األثر من أهم اآلثار التفاوضية السلوكية على الفرد ،وذلك أن املفاوض يقابل
شىت أطياف الناس ومنهم متحدثني فيكون األثر السلوكي يف التحدث واضح من خالل املمارسة.
-3الحد من اإلعجاب بالرأي
أن التفاوض حيد من اإلعجاب بالرأي ،والركون إىل النفس ،واالعتداد هبا ،واالقتدار ،
وذلك له أثره يف تربية الفرد .
-4بيان حقيقة األمر وإزالة اللبس :
قد حيصل عدم وضmوح ،أو التبmاس ،وحيتمmل عmدة معmاين يف الواقmع ،ونظmري ذلmك يف القmرآن
الكرمي ما حدث بني موسى وهارون ،عليهما السالم ،يف قوله تعmاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ( )2وقول هارون يف آيmة أخmرى ،ﮋﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ(. )3 ﮚ
فلما تبني ملوسى عليه السالم حقيقة األمر ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
() 4
. ﮊ
وذلmmك كي ال يتصmmرف أحmmد األطmmراف أم mرًا خالف المmmراد ،فيكmmون االستيضmmاح والسmmؤال فيزيmmل
اللبس.
-5الحاجة إلى اآلخرين :
بين القرآن الكريم أهمية التعاضد والتعاون ومدى الحاجة لآلخرين ودورهم ،فهذا
() صفوة التفاسري ،حممد علي الصابوين ،دار الصابوين ،ج 2ص .137 1
229
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ كليم الله موسى يقول :ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ(. )1
فمن باب أوىل من هم دونه من البشر والشعور باحلاجة إىل اآلخرين يظهر للناس مدى أمهية
الرتابط فيما بينهم وأهنم يف حاجة إىل بعضهم البعض وأن اجلميع هلم مصاحل كربى موحدة هتم
أقصاهم وأدناهم.
-6التأثير في اآلخرين :
التفاوض يعد من أقوى طرق التأثري يف الناس ،حيث يزود املفاوض بطرق وسبل اإلقناع
والتأثري ،ولذلك ينبغي أن يكون املفاوض ممن يبتغي مرضات اهلل فيما يتفاوض فيه وحيذر كل
احلذر أن يلجأ بالتفاوض إىل حرام أو منكر من القول وزورا .
-7اإليجاز :
و"اإلجياز هو أداء املقصود بأقل من العبارة املتعارفة"( )2التفاوض يعلم اإلجياز يف احلديث ،
ويعود سبب ذلك لطبيعة التفاوض وطبيعته التحديد ،فالتفاوض يكون حول موضوع حمدد ،
وطلب ،أو مطالب ،حمددة وكذلك بني متعينني ،ونظري ذلك متكرر يف ثنايا القرآن الكرمي ،
ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ قال تعاىل :ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
ﰔﮊ (. ) 3
فاملوضوع حول الرؤيا يف املنام ،إلبراهيم عليه السالم ،واليت هي وحي من رب األنام ،
وحول ذبح إمساعيل عليه السالم .
-8الصبر :
الص mmرب"حبس النفس عن اجلزع واللس mmان عن التش mmكي"()4الص mmرب ع mmدة التف mmاوض ولق mmد ع mmرض
القرآن بذكر صرب األنبياء عليهم السالم ،وأمر نبينا صلى اهلل عليه وسلم بmmأن يصmmرب كُmmأيل العmmزم من
() التعريفات ،علي بن حممد اجلرجاين ،دار الكتاب العريب بريوت،ط األوىل ،1405ج 1ص.59 2
)(4عدة الصابرين وذخرية الشاكرين ،ابن القيم ،دار الكتب العلمية بريوت ،ج 1ص.7
230
ﮊ( )1فمن يدعو يفاوض وعليه أن يصرب قبله ،قال تعاىل :ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
وربنا يصف حال الرسل عليهم عليهم السالم وما القوه يف سبيل اهلل ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﮊ (. ) 2
وال ختلو كثري من املفاوضات من حصول بعض التجاوزات من أحد املفاوضني ومن ذلك ما
حصل يف صلح احلديبية ,من املفاوضني الذين ابتعثتهم قريش ،من الغلظة يف القول ،والتعامل ،
ولكنهم واجهوا إمام الصابرين صلى اهلل عليه وسلم .
-9خفض الجناح والتواضع :
قال تعاىل :ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ (.)3
أمر الله جل وعال نبيه بخفض الجناح للمؤمنين ،ومن أثر خفض الجناح والتواضع ،قبول
التفاوض مع الطرف المقابل ،وفي الحديث عن النبي قالَ ":و ِإَّن الَّلَه َأْو َح ى ِإَلَّي َأْن َتَو اَضُعوا َح َّتى
ال َيْف َخ َر َأَح ٌد َعَلى َأَح ٍد َو ال َيْبِغي َأَح ـٌد َعَلى َأَح ٍد"( )4والتواضع يغض فيه اإلنسان من نفسه ،
وجهده ،ومكانته ،وإن كان من ذوي الشأن ،ويكون المفاوض بذلك قريبًا قوله وطلبه ورأيه ومن
اليسير أن يؤخذ به.
-10الحلم
ويكتسب ذلك األمر تلقائيًا فاحللم بدوره جينب ويبعد املفاوض اجليد عن الغضب الذي
يفسد املفاوضات وهي يف مهدها ،ويف احلديث َعْن َأيِب ُه َر ْيَر َة " َأَّن َرُج ًال َقاَل ِللَّنِّيِب َ :أْو ِص يِن ،
َقاَل :ال َتْغَض ْب َفَر َّدَد ِم َر ارًا َقاَل :ال َتْغَض ْب "(.)5
-11المبادرة :
التفاوض يعّو د على املبادرة ،والسعي يف اخلري ،وأمثلة ذلك يزخر هبا القmmرآن الكmmرمي ،وهmmذه
231
قصة الرسل وأصحاب القرية واملذكورة يف سورة يس ،قال تعاىل :ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭢ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
() 1
ﮓﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ
بينت اآليmmات الكريمmmة حmmال الرسmmل مmmع أصmmحاب القريmmة حيث أرسmmل لهم رسmmوالن فكmmذبوهما
فأرسmmل اللmmه رسmmوًال ثالث ًmا تعزي mزًا لهمmmا ،وكmmانت نهايmmة مmmا جmmرى أن انتهى إلى تهديmmد أصmmحاب القريmmة
للرسmل بmالرجم ،وبالعmذاب األليم ،فالحmال أن هنmاك ثالثmmة رسmل قmد كmذبوا ،ولكن يmأتي دور مبmادرة
الصالحين ولم ينظر إلى أن في الموقف رسل وال مسmؤولية عليmه ،بmل أتى يسmعى ،ويقmوم بmدور أتبmاع
األنبيmاء عليهم السmالم ،نصmرًة ،ومmؤازرة ،ومبلغًmا ،ومفاوضًmا وداعيًmا ،حيث قmال :ﮋ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯞ
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﮊ ( )2ساعيًا يف اخلري مثابرًا باذًال روحه يف سبيل
اهلل ،متمنيًا لقومه اهلداية .
232
ﯙ ﮊ أي :تميل وضع على شيء يلينه ،أي :تلين فيلينون ،أي :تلين فيسكتون عنك ،ﮋ ﯗ ﯘ
إليهم في معتقدك ،ولم يلن لهم رسول الله في شيء من معتقده أبدًا .
-14بشاشة الوجه:
ِق ِم
بشاشة الوجه وطالقته ،يف موضعه ،أمر يف غاية األمهية ،ويف احلديث " ال ْحَت َر َّن ْن
اْلَم ْع ُر وِف َش ْيئًا َو َلْو َأْن َتْلَق ى َأَخ اَك ِبَو ْج ٍه َطْلٍق "(.)1
-15طلب الحق أوًال:
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ قال تعاىل :ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﮊ( )2يعلمنا القرآن الكرمي أن التثبت ،والتحقق ،من األمور ،ذو أمهيmmة بالغmmة يف التفmmاوض "وينبغي
أن يكmmون اإلنسmmان باحث ًmا عن احلق بصmmدق ونزاهmmة ،فيسmmلك طريmmق الوصmmول إليmmه وحيتكم إىل األدلmmة
والقواعد الصحيحة ،ويبتعد عن كل ما يصده عن احلق ،وإن كان ممن حيب أو من يربطmه بmmه نسmmب
أو عالقة أخرى.)3("..
-16اكتساب مهارات االتصال وحسن التواصل مع الناس والتفاعل بين فئات المجتمع .
وذلmmك وارد حيث أن المفmmاوض ،وحmmتى من يرافقmmه ،لديmmه القmmدرة على التعامmmل مmmع فئmmات المجتمmmع
المختلفmة ،والمتأمmل للتفmاوض في لصmلح الحديبيmة ،عmبر مراحلmه يعلم مmدى الفائmدة من االطالع على أحmداث
المفاوضات .
-17الثقة .
ممارسmmة التفmmاوض تmmدعم الثقmmة ،فعلى مmmر التmmاريخ املفاوضmmون ميثلmmون من خلفهم حmmىت الmmدول ،
عن طريق إرسال الرسل ،وينبغي معرفة أن الثقة يف اإلمكانات هي هبmmة من اهلل ومسmmؤول عنهmmا فال
حيق ألحد أن يستعملها يف معصية .مث إن الثقة تكون باهلل ،ربنا ال تكلنا ألنفسنا طرفة عني .
-18اإلحسان.
التفmmاوض يف كثmmري من مداوالتmmه يكmmون لإلصmmالح بني النmmاس ،والتقmmريب فيمmmا بينهم ،وذلmmك
)( 1صحيح مسلم ،باب استحباب طالقة الوجه عند اللقاء ،ح .6857
)(2سورة القلم آية .9-8
)( 3قواعد ومنطلقات يف أصول احلوار ورّد الشبهات د عبد اهلل بن ضيف اهلل الرحيلي.41، :
233
يعد من اإلحسان إىل الناس ومراعاة شؤوهنم .
-19العلم بكيفية معالجة المواقف الحرجة .
األزمات واملشكالت تعصف بالناس ،وهي متر بالبشرية ،بقدر اهلل ،قال تعاىل :ﮋ ﰌ ﰍ
() 1
ﰑ ﮊ ﰎ ﰏ ﰐ
() 2
ﮊ ﯰ ﯯ ﯬ ﯭ ﯮ ﮋ وقال تعاىل :
فال مفmmر ،وال منmmاص ،من قmmدر اللmmه ،سmmبحانه – جmmل شmmأنه – إال إلى قmmدره ،فهmmو القmmدير ،اللهم لmmك
الحمد.
234
المبحث الثاني
أثر التفاوض على المجتمع
وفيه مطلبان:
المطلب األول :أثر التفاوض على الدولة.
المطلب الثاني :أثر التفاوض على المجتمع.
235
المطلب األول :أثر التفاوض على الدولة
من أعمال الدول فيما بينها القيام بعقد الصلح ،والعهود ،واملواثيق ،والتحكيم بني
األطراف ،ومجيعها تعترب ،نتائج متخضت عن مفاوضات وتتم يف كثري من جوانب احلياة ،
وكلما جرى االهتمام بالتفاوض وأحسن وأتقن القيام به مع موائمة الظروف باملواقف كان التأثري
ٌأقوى وأبلغ ،ويهدف التفاوض إىل الوصول إىل تسوية النزاع القائم بني األطراف وحماولة إيصال
احلقوق إىل أهلها ،سواًء كانت حقوقًا مالية ،أو جغرافية ،أو غريها ،ويف ذلك حتقق املصاحل ،
قال تعاىل :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ (.)1
واإلصالح يف هذه احلالة يعترب إصالحًا ،على صعيد الدولة ،أو ما يقوم مقامها ،حيث ال
يستطيع يف الغالب فردًا من الناس القيام هبذه املهمة ،ومعلوم أنه عند حدوث الشقاق وشدة
اخلالف والتنازع والذي قد يصل إىل االقتتال بني املسلمني ال ميكن أن يتأتى الصلح إن مل تسبقه
مفاوضات بني األطراف ،فيجمع أهل الرأي من الفريقني على مائدة التفاوض وجيدر مشاركة من
يتمتع بكفاءة عالية يف التفاوض هبدف تسهيل عملية التفاوض وجتاوز ما قد يطرأ من التباين فيما
بينهم وذلك للتباحث عن احللول اليت يتم من خالهلا الوصول إىل نتائج تراعي املصلحة فرتضي
مجيع األطراف ،واملشاهد يف القرآن الكرمي جيد كثرة اآليات اليت حتدثت عن جوانب الدولة وما
حيصل فيها من تفاوض مثل الصلح ،وامليثاق ،والعهد ،واألمر بالوفاء بالعهد ،أو املوادعة ،وحنوه.
وجيب االهتمام بالتفاوض يف جانب الدولة وتوثيقه مع اآلخر ،وقد عقد رسول اهلل
معاهدات مع اليهود وغريهم ،إال أن اليهود مل حيفظوا العهود ونقضوا العهود واحدًا تلو اآلخر ،
وذلك ديدهنم إىل يوم الدين ومن اآلثار يف جانب الدولة ما يلي :
-1تجنب الحروب
قال تعاىل :ﮋ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ ( )2واجلنوح للسلم يعد
تفاوضًا ،ﮋ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ "ِإَمَّنا َقاَل ﮋ َهَلا ﮊ َأِلَّن الَّس ْلم ُمَؤ َّنَثة َ .و ُجَيوز َأْن َيُك وَن الَّتْأِنيث
ِإ ِإ ِذ ِإ ِل ِة
ْلَف َعَل َ .و اُجْلُنوح اْلَم ْيل َ .يُقول ْ :ن َم اُلوا َ -يْع يِن اَّل يَن ُنِبَذ َلْيِه ْم َعْه دهْم -ىَل اْلُم َس اَلَم ة َ ,أْي
الُّص ْلح َ ,فِم ْل ِإَلْيَه ا َ .و َج َنَح الَّر ُج ل ِإىَل اآْل َخ ر َ :م اَل ِإَلْيِه َ ,و ِم ْنُه ِقيَل ِلَأْلْض اَل ِع َج َو اِنح َ ,أِلَّنَه ا
236
َم اَلْت َعَلى اَحْلْش َو ة َ .و َج َنَح ْت اِإْل ِبل ِ :إَذا َم اَلْت َأْعَناقَه ا يِف الَّس رْي "(.)1
ومن املعلوم أن التفاوض يكون سببًا يف جتنب الدول احلروب وما يتبع ذلك من ويالت ،
ومثل ذلك ما حصل من تفاوض يف صلح احلديبية وغريه ،ويستدل من صلح احلديبية ":أن
األعداء من املشركني وغريهم من أهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرًا يعّظمون فيه
حرمة من حرمات اهلل تعاىل أجيبوا إليه وأعطوه وأعينوا عليه وإن منعوا غريه ،فيعاونون على ما فيه
تعظيم حرمات اهلل تعاىل ال على كفرهم وبغيهم ،ومينعون مما سوى ذلك ..وهذا من أدق املواضع
وأصعبها وأشقها على النفوس ،ولذلك ضاق عنه من الصحابة من ضاق "(.)2
" أن النيب قبل من صحابته -وخباصة عمر -مراجعته يف أمر الصلح مرارًا ،ومل يعّنف
أحدًا منهم على موقفه ،ويدل ذلك على سعة رمحته وحلمه ، فهو النيب املوحى إليه املؤيد من
اهلل ،ومع ذلك يتسع حلمه ألولئك املعارضني لشروط الصلح اليت ظاهرها غُنب املسلمني ،ولكنه
كان يذّك ر أولئك بأسلوب رقيق بأنه رسول اهلل ولن خيزَيه اهلل أبدًا " (.)3
فمن اآلثار اليت جيلبها التفاوض نعمة األمن ،وال يعرف قدر األمن إال من عرف اخلوف
فبضدها تتميز األشياء ،والتفاوض يدعو إىل االلتزام بالعهود واملواثيق والوفاء هبا ،وهو سبب يف
األمن يف األوطان واألرزاق .
-2جلب الخيرات
ﮊ. ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﮋﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ (ِ" )4قيَل اْلُمَر اد ِبَذ ِلَك َم ا َك اُنوا َيْأَلُفوَنُه ِم ْن الِّر ْح َلة يِف الِّش َتاء ِإىَل اْلَيَم ن
ِل ِتِه ِمِن ِج ِإ ِل ِج ِإ
َو يِف الَّصْيف ىَل الَّشام يِف اْلَم َتا ر َو َغرْي َذ َك َّمُث َيْر ُعوَن ىَل َبَلدهْم آ َني يِف َأْس َف ارهْم َعَظَم ْم
ِم ِهِب ِإ ِه ِا ِل ِهِن َّك ِع
ْند الَّناس َك ْو ْم ُس ان َح َر م الَّله َفَمْن َعَر َفُه ْم ْح َتَر َمُه ْم َبْل َمْن ُصوَيِف َلْي ْم َو َس اَر َمَعُه ْم َأ َن ْم
َو َه َذ ا َح اهلْم يِف َأْس َف ارهْم َو ِر ْح َلتهْم يِف ِش َتاِئِه ْم َو َصْيفهْم "( )5وتبادل املصاحل يف البيوع وغريها تعد
من قبيل التفاوض فتجلب من اخلريات للدول وشعوهبا الكثري ،أو ما حيصل من اتفاقات بني الدول
)( 1تفسري القرطيب ،حممد بن أمحد بن أيب بكر ،بن فرح القرطيب أبو عبد اهلل ،ج ، 8ص. 39
)( 2زاد املعاد :ابن القيم ،ط 14مؤسسة الرسالة -بريوت 1407 -هـ 1986 -م ج 3ص .267
)( 3املرجع السابق ج2ص.873
() سورة قريش اآلية . ٤ - ١ 4
() تفسري القرآن العظيم ،بن كثري ،مرجع سابق ،ج ، 4ص. 679 5
237
يف تبادل املصاحل من جوانب اقتصادية كالتجارة ،ومنها املصاحل الغذائية من مياه وطعام أو صحية
مثل الطب وحنوه ...السيما إذا انربى هلذا األمر األكفاء األمناء وحالفهم توفيق اهلل عز وجل
وكل ما يقدم يف هذا اجملال يصب يف املصلحة ألي بلد من البلدان.
-3المشورة :
قال تعاىل :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ (.)1
"أي :األمور اليت حتتاج إىل استشارة ونظر وفكر ،فإن يف االستشارة من الفوائد واملصاحل
الدينية والدنيوية ماال ميكن حصره :منها :أن املشاورة من العبادات املتقرب هبا إىل اهلل"(.)2
وتتخذها الدولة وسيلة من وسائل التشاور والشورى الذي يتيح هلا أن تتقدم يف مجيع شؤون
احلياة واملشورة حتل يف املفاوضات ،و"كان رسول اهلل يشاور أصحابه يف األمر إذا َح َد ث ،
تطييًبا لقلوهبم ؛ ليكونوا فيما يفعلونه أنشط هلم كما شاورهم يوم بدر يف الذهاب إىل العري فقالوا:
يا رسول اهلل ،لو استعرضت بنا ُعْر ض البحر لقطعناه معك ،ولو سرت بنا إىل َبْر ك الَغَم اد لسرنا
معك ،وال نقول لك كما قال قوم موسى ملوسى :اذهب أنت وربك فقاتال إنا هاهنا
قاعدون،ولكن نقول :اذهب ،فنحن معك وبني يديك وعن ميينك وعن مشالك مقاتلون"(.)3
"فإذا عزمت أي عقيب املشاورة على شيء واطمأنت به نفسك ،فتوكل على اهلل يف إمضmmاء
أمرك على ما هو أرشد لك وأصلح"(. )4
قال تعالى :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ(.)5
ومن أهداف الشورى أن جتلب املصاحل وتدرأ املفاسد .
-4إرسال الرسل :
تربز أمهية التفاوض يف دعوة الناس إىل اإلسالم ،أي دعوة الكفار إىل اإلسالم ،فعنmmد التوجmmه
لفتح أي بلد من البلدان ،يتم عرض الدعوة إىل اإلسالم مبراحلها ،وهي إما الدخول يف اإلسالم ،
أو دفmmع اجلزيmmة ،أو القتmmال ،وهmmذا يعmmد من قبيmmل التفmmاوض ،والmmدعوة إىل اهلل واجملادلmmة باحلسmmىن تتم
238
حىت مع األعداء إلنقاذ البشر من الظلم واجلور واالستبداد والطغيان والكفر ،وهذا مmmا أوجmmزه ربعُّي
بُن ع mmامر ،يف تفاوض mmه م mmع رس mmتم قائ mmد الف mmرس يف ملك mmه فحني س mmأله رس mmتم :م mmاذا ج mmاء بكم؟ ق mmال
ربعٌّي ":اهلل ابتعثنmmا ،واهلل جmmاء بنmmا لنخmmرج من شmmاء من عبmmادة العبmmاد إىل عبmmادة اهلل ،ومن ضmmيق الmmدنيا
إىل سmmعتها ،ومن جmmور األديmmان إىل عmmدل اإلسmmالم ،فأرسَmلنا بدينmmه إىل خلقmmه لنmmدعَو هم إليmmه ،فمن قبmmل
منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه ،وتركنmmاه وأرضmه يليهmmا دوننmmا ،ومن أىب قاتلنmmاه أبmدًا حmىت نفضَmي
إىل موع mmود اهلل )1("..واملف mmاوض ينت mmدب ويفّm mو ض باحلديث واختاذ الق mmرار يف أم mmر اجلماع mmة كم mmا ه mmو
معلوم يف هذا الشmأن ،ويبتعmد كmل البعmد عن اجلور أو الظلم كمmا أمmرهم اهلل -جmل وعال -وكمmا
فعل نبينا .
وي mmربز هن mmا موق mmف عم mmرو بن الع mmاص حني س mmار ملفاوض mmة األرطب mmون :واهلدف من ذل mmك ه mmو
التأثري على سري املفاوضات لتحقيق أهدافها "علم عمرو ،أن الروم حشدوا جيوشmهم ،وعلى رأسmها
قائmmد فلسmmطني لل ُّmر وم ،أرطبmmون "أريطيmmون" يف "َأْج َن اِدين" .فسmmار عمmmرو ،ومعmmه ُش رحبيل بن َح َس نة،
واس mmتخلف على األردن ،أب mmا األع mmور الُّس َلمّي ..وك mmان األرطب mmون أدهى ال mmروم ،وأبع mmدها غ mmوًر ا ،ق mmد
وضmmع بـ "الَّر ملmmة" جنًmد ا عظيًم ا وبـ "إيلَي اء" جنًmد ا عظيًم ا ،فلّم ا بلmmغ عمmmر بن اخلطmmاب ،رضmmي اهلل عنmmه
اخلرب ،ق mmال" :رمين mmا أرطب mmون ال mmروم ب mmأرطبون الع mmرب "-يري mmد َعْم ًر ا -ف mmانظروا عّم ا تنف mmرج" .وك mmان
معاويmmة بن أيب سmmفيان قmmد شmmغل أهmmل "َقْيَس ارَّية" عن عمmmرو ..كمmmا جعmmل عمmmرو ،على قتmmال إيليmmاء،
َعْلَق مmmة بن َح ِكيم الِف َر اسmmي وَمْس ُر وق الَعِّك ي ،فشmmغلوا َم ن بmmه عنmmه ،وجعmmل أيًض ا أبmmا أيmmوب املالكي،
على َمْن بالَّر ْم لة من الُّر وم ،فشغلهم عنه ،وشاغل هؤالء القادُة املسلمون القmmواِت الروميَmة عن قmmوات
عمرو األصلية.
وأقام عمرو على َأْج َناِدين ،ال يقدر على األرطبون ،وال تشفيه الرسل ،فسار إليه بنفسه ،ودخل
عليه كأنه رسول ،ففطن به األرطبون ،وقال" :ال شك أّن هذا هو األمير أو َمْن يأخذ األميُر برأيه" ،فأمر
رجًال أن يقعد على طريقه ،ليقتله إذا مر به ،وفطن عمرو إلى غدر األرطبون ،فقال" :قد سمعَت مني،
وسمعُت منك ،وقد وقع قولك مني موقًعا ،وأنا واحد من عشرة ،بعثنا عمر بن الخطاب مع هذا الوالي
لنكانفه ،ويشهدنا أموره ،فأرجع فآتيك بهم اآلن ،فإن رأوا في الذي عرضت ،مثل الذي أرى ،فقد رآه
أهل العسكر واألمير ،وإن لم يروه رددتهم إلى مأمنهم ،وكنَت على رأس أمرك" ،فقال األرطبون:
)(1البداية والنهاية ،ابن كثري ،مكتبة املعارف بريوت ،ج 7ص .39
239
"نعم" ،ورّد الرجل ،الذي أمره بقتل عمرو ،وخرج عمرو من عند األرطبون ،فعلم الرومي ،بأن عمًر ا
خدعه ،فقال" :خدعني الرجل! هذا أدهى الخلق" .وبلغت خديعُة عمرو ،مسامَع عمر بن الخطاب،
فقال" :لله َدُّر عمرو!".
وكذلك بعث الكتب ككتاب رسول اهلل ، إىل هرقل فـ"عن ابن عباس ، عن أيب
سفيان يف قصته حني دخل على قيصر ،فسأله عن نسب رسول اهلل ، وعن صفته ونعته وما
يدعو إليه ،فأخربه جبميع ذلك على اجللية ،مع أن أبا سفيان كان إذ ذاك مشركًا ،مل يسلم بعد،
وكان ذلك بعد صلح احلديبية وقبل الفتح ،كما هو مصرح به يف احلديث ،وألنه ملا سأله :هل
يغدر ؟ قال :فقلت :ال ،وحنن منه يف مدة ال ندري ما هو صانع فيها ،قال :ومل ميكين كلمة أزيد
فيها شيئًا سوى هذه ،والغرض أنه قال :مث جيء بكتاب رسول اهلل فقرأه فإذا فيه:
"بسmmم اهلل الmmرمحن الmmرحيم .من حممmmد رسmmول اهلل إىل هرقmmل عظيم الmmروم ،سmmالم على من اتبmmع
اهلدى ،أما بعد ،فأسلم تسلم ،وأسلم يؤتك اهلل أجرك مرتني ،فmmإن تmmوليت فmmإن عليmmك إمث األريسmmيني
و ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ " (. ) 1
تبادل االحرتام بني الناس فاألنبياء سريهتم عطرة يف احرتام من يفاوضون ،والبشر حيبون من
يقدرهم ،وجيعل هلم اعتبار ،وعناية ،وجيعلهم موضع األمهية ،ويظهر هلم ذلك ،يصحبه الرفق
واللني ،وقد أمر اهلل تعاىل موسى وهارون عليهما السالم حني أمرمها بالذهاب إىل فرعون بقوله
تعاىل :ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮊ (.)2
240
-5اختيار الكفء المناسب :
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮋﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
() 1
ﯡ ﯢ ﮊ
اختيار الكفء املناسب وقيد املناسب لغرض قد يكون اختيار الدول األكفاء من الرجال
إلرساهلم للتفاوض مع الدول فيما فيه املصلحة ،فقد اختار النيب عثمان ابن عفان يف
احلديبية حني بعثه لقريش ،وكذلك قول عمر بن اخلطاب ر ضي اهلل عنه حني بعث عمرو بن
العاص للروم حيث قال " :رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب ،فانظروا عّم تنفرج"(.)2
-6أثر التفاوض في العهد ،والميثاق ( ،)3والهدنة :
واهلدنة :املصاحلة على دخن"(" )4قال تعاىل :ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ
(. ) 5
العهود تعقد لاللزام هبا وبنودها وشروطها وكذا اهلدنة وامليثاق واملوادعة وحنو ذلك ،
والتفاوض ميكن للدول البدء به ألهداف سياسية ،خارجية ،أو داخلية ،ملصلحة البالد والعباد ،
مثل صلح احلديبية وغريه وال بد من الوفاء بالعهود ،وااللتزام هبا ،والوفاء بالعهد عدم البدء
باحلرب إال يف حالة نكث العهد ،أو نقضه ،أو الغدر ،كما فعل النيب ، مع يهود املدينة ،
ومع املشركني يف مكة .
ومل تزل األمم تربم العهد وامليثاق فيما بينها منذ القدم وذلك ألمهيته يف رعاية مصاحل الدول
والشعوب و"لذلك جاءت العهود واملواثيق حمتفية هبذا اجلانب ومؤكدًة عليه ،فوردت آياٌت كثرية
من آيات العهد وامليثاق مشتملة على بيان أخذ اهلل العهود على البشر ،ليلتزموا باألخالق الفاضلة
ويبتعدوا عن أي خلق ذميم ،على مستوى الفرد واجلماعة"( )6والتفاوض يتقدم إبرام العهود
)(1سورة الشعراء اآلية.١٤ -12
)( 2حمض الصواب يف فضائل أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب ،يوسف بن حسن بن عبد اهلادي املربد ،الناشر عمادة البحث
العلمي باجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة ،ط األوىل 1420 ،ه – 2000م ،حتقيق عبد العزيز بن حممد بن عبد
احملسن ،باب غزواته ،ج 2ص. 436
)( 3تقدم تعريف العهد وامليثاق ص. 15
)( 4املصباح املنري ،أمحد بن حممد بن علي الفيومي املقري ،املكتبة العصرية ج 1ص ،327حتقيق يوسف الشيخ أمحد.
)(5سورة النحل اآلية .91
)(6العهد وامليثاق ،ناصر العمر ،مرجع سابق ص.17
241
واملواثيق وهو الطريق إىل توثيقها وااللتزام مبا نصت عليه من بنود وشروط وخالفه .
و" ال خالف وال نزاع يف وجوب الوفاء بالعهد وامليثاق ،وآيات الكتاب وأحاديث
املصطفى صرحية بذلك ،كما هي صرحية حبرمة نقض امليثاق أو اإلخالل بالعهد ،وتوّعد اهلل
بأقسى العقوبات للناقضني عهودهم ومواثيقهم ،وصريح املعقول يوافق صحيح املنقول على "(.)1
-7وسيلة لبحث سبل التنمية المجتمعية
القmmرآن الكmmرمي معجmmزة دائمmmة صmmاحلة لكmmل زمmmان ومكmmان وإنسmmان ،ومما أتى بmmه القmmرآن سmmبل
تنمي mmة اجملتم mmع مالي ًmا واجتماعي ًmا وعس mmكريًا ، ...ومن أدل mmة ذل mmك ،موق mmف يوس mmف علي mmه الس mmالم م mmع
املل mmك ،وهي مفاوض mmة حني مّك ن mmه املل mmك ،طلب يوس mmف ،علي mmه الس mmالم ،أن يك mmون متكين mmه على
خزائن األرض ملا يتمتع به من احلفظ واألمانة ،قال تعاىل :ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ( )2احلفظ واألمانة والعلم واملعرفة تعترب من أهم
ش mmروط ومواص mmفات املس mmؤول املايل للمجتم mmع ،فليت الش mmعوب املعاص mmره يت mmدبروا الق mmرآن ويعمل mmوا
به ،ففيه مصاحل العباد والبالد الدنيوية واألخروية .
-8نشر العدل:
قال تعاىل :ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ(.)3
بّينت اآلية الكرمية أمهية العدل الذي أمر - ،اهلل جل وعال -به عباده ،ويتحتم ذلك يف
جانب الدولة ،ويتم إلزام املفاوضني باحلكم العدل ابتغاء مرضات اهلل وإحقاق للحق .
)(1املرجع السابق.
)(2سورة يوسف اآليات .٥٦ - ٥٤
)(3سورة احلجرات اآلية .9
)(4مت خترجيه ص152
242
() 1
ﮉ ﮊﮊ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
-10درء األخطار :
يتم التفاوض يف الطوارئ وما حيصل فيها من مفاوضات للبحث عن احللول لألزمات
والنوازل وقد بايع رسول اهلل ، صحابته رضوان اهلل عليهم ،وأخذ عليهم العهد يف:
ا -بيعة العقبة األوىل.
ب -بيعة العقبة الثانية.
ج -بيعة الرضوان.
واملبايعات اليت متت بني الرسول صلى اهلل عليه وسلم ،مع بعض الصحابة ،كانت تتم عرب
مفاوضات.
-11سبب للتمكين :
يكون التفاوض سببًا للتمكين وملmك زمmام األمmور ،ومن ذلmك التمكين من القيmادة ،والسmلطة ،
والواليmة ،كمmا حصmل مmع نmبي اللmه يوسmف عليmه السmالم مmع الملmك بعmد خروجmه من السmجن وطلبmه أن
يكmmون على خmmزائن األرض ،حينمmmا اتصmmف بالحفmmظ والعلم ،ورد ذلmmك في قولmmه تعmmالى :ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ (.)2
243
المطلب الثاني :أثر التفاوض على المجتمع
يهتم القرآن الكرمي يف شىت جوانب احلياة ومن تلك اجلوانب "اجملتمع" واجملتمع فيه الوالدان
– الزوجة – األوالد – األقارب – اجلريان ،وبقية اجملتمع عامة ...واملتأمل يف واقع الناس جيد أن
اجملتمع الذي يقل فيه التفاوض أو ينعدم ،تضيق هبم احلياة ،نظرًا النعدام احللول لألزمات عند
حدوثها ،أو تفاقم املشكالت دون عالج ،ورمبا جتر إىل ويالت .
ويف كثري من اجلوانب االجتماعية يهدف التفاوض فيها التباع أمثل الطرق واملفضية إىل
أسباب العيش الكرمي بعيدا عن كل ما يشوبه من اختالف ،ومن آثار التفاوض على اجملتمع ما يلي
:
-1جانب المصاهرة والزواج :
بني القرآن الكرمي أمهية الزواج ،وهو من أسباب تكاثر األمة ،واملتأمل للطرق اليت يتم فيها
الزواج عرب مراحله جيدها تكون مبثابة التفاوض بني الزوجني وذويهم ،وما يدور فيها من حتديد
ملقدار الصداق وكل ما يتعلق بأمر الزواج ،ويربز هنا حدث هام جاء ذكره يف كتاب اهلل تعاىل
وهو ما جرى بني نيب اهلل موسى وشعيب أبو البنتني ،عليهما السالم ،حينما بادر بعرض تزويج
إحدى بناته ملوسى عليه السالم ،وذلك يف قوله تعاىل :ﮋ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
() 1
ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ
ويف ثنايا هذه اآليات الكرمية واليت جرى فيها ما جيري جمرى التفاوض يف شأن الزواج تربز
أمور مضيئة منها ما يلي :
ا" -جتلى كرم شعيب ومروءة وشهامته يف تطمني موسى وإكرامه وإيوائه.
ب -بيان أن الكفاءة شرط يف العمل وال أفضل من القوة وهي القدرة البدنية والعلمية
واألمانة.
ج -مشروعية عرض الرجل ابنته على من يرى صدقه وأمانته ليزوجه هبا.
د -مشروعية إشهاد اهلل تعاىل على العقود مبثل ﮋ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ.
ه -فضيلة موسى عليه السالم بإجيار نفسه على شبع بطنه وإحصان فرجه.
و -ذّك ره باهلل تعاىل وشهادته على العقد وكون اهلل جل وعال وكيًال يعلم األمر .باللني
244
يظهره تفاوض أبوي من "شعيب" مع موسى يتمثل يف تزويج موسى إلحدى ابنيت
شعيب"(.)1
ويعترب التفاوض عامmل رئيس يف حmل اخلالفmات بني األزواج يف حmال تmأزم احليmاة األسmرية فيمmا
بينهم وين mmدرج ذل mmك للت mmدخل يف األوالد واعتب mmار املص mmلحة بدرج mmة أولي mmة لألس mmرة ،لتع mmود املي mmاه إىل
جماريه mmا ،بع mmد توفي mmق اهلل فمن ل mmه دراي mmة وم mmراس وإتق mmان للتف mmاوض ،يك mmون هلم دورًا ب mmارزًا ي mmؤثر يف
االتفmmاق ،ونظmرًا لكmmثرة اخلالفmmات الزوجيmmة واألسmmرية على السmmاحة ظهmmرت مراكmmز متخصصmmة للعنايmmة
بالصmmلح وصmmميم عملهmmا يف الواقmmع تفmmاوض بني األطmmراف للتوفيmmق فينmmا بينهم ،وذلmmك للحاجmmة امللحmmة
للتف mmاوض واإلص mmالح بينهم ،وه mmذا من ب mmاب مزاول mmة االختص mmاص ،يف اإلص mmالح األس mmري ،فمن mmذ
سنوات وأعمل متعاونًا مع مراكز متخصصة باملدينة حبمد اهلل.
245
-3حفظ الحقوق
التدخل لغرض اإلصالح بني النmاس ولmو بالتنmاجي رتب عليmه الشmارع احلكيم األجmور العظيمmة
حيث قال تعاىل :ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
() 1
. ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ
ومن آثار التفاوض يف اجملتمع ،الدخول يف الوساطة يف خل اخلالفات اخلاصة باحلقوق ،
سواًء كانت حقوقًا مالية ،أو خمتصة بعقار وحنوه ،واخلالفات فيها منتشرة بني الناس كما هو
معلوم ،ويعمل التفاوض على نشر اإلحسان يف املطالبة باحلقوق بني الناس فيكون سببًا حلفظ
احلقوق ألصحاهبا ،فال ترتك احلقوق معلقة ،فيتم حوهلا التفاوض إليصال احلق ألهله ،وحل
النزاع ،وال يرتك جماًال أو فرصة لتصعيد اخلالف بني األطراف .
-4الوساطة حل الخالفات االجتماعية :
يبنّي القرآن الكرمي بعض أساليب حل اخلالفmات األسmرية ،ومن ذلmك أسmلوب العفmو والصmفح
أثناء التفاوض ،ومن مناذج القرآن ،قو له تعاىل : :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮢ ﮣ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﮊ (.)2
وال يخلو مجتمع من مشكالت ،وتزيد وتنقص هذه المشكالت والخالفات ،بحسب حال
كل مجتمع من درجة اإليمان ،والوعي ،والتجرد وطلب الحق ،والتسامح ، ...والتفاوض يصبح
وسيلة للوقوف على لب النزاع ،وموضع الخالف ،والمعول في البحث عن العالج والحلول
للمشكالت االجتماعية والتفاوض لها هو تقديم المصالح ،ومن اآلثار للتفاوض حل كثير من
النزاعات بين الناس فمن تلك النزاعات ما يكون طريق إلى وغر الصدور ونشوء العداوات فإن
الخالفات تكون أنواعًا ومنها :
خالفات مالية . ا-
ب -خالفات على أراض وحدود أو مساق.
ج -خصومات ثأر لدم وحنوه.
246
د -خالفات عادية وإمكانية تفاقمها إن تركت .
ومن املشاهد كثرة الدعاوى املقدمة للمحاكم ،ودور رفع املظامل ،وأقسام الشرطة ،أو
للواله ،وقد يكون البعض منها يف طريقها للجهات الرمسية ،فيتم التفاوض حوهلا بدور الوساطة
إذ يعترب التفاوض أسرع وسيلة لتسوية املنازعات ،والوصول إىل اتفاق هنائي بني مجيع األطراف
والتفاوض يعد الطريق إىل االستقرار ال سيما عند تأزم املواقف ،ويفصل اخلالف بني اخلصوم
وحيل التوافق.
: -5األثر الدعوي في هداية الناس :
يف ثناي mmا الق mmرآن الك mmرمي يظه mmر األث mmر ال mmدعوي للتف mmاوض ال mmدعوي ب mmارز يف مي mmدان ال mmدعوة ع mmرب
التmm mاريخ ،ومن املعلmm mوم أن الmm mدعوة إىل اهلل هلا أثmm mر يف إصmm mالح اجملتمmm mع بالmm mدعوة إىل إقامmm mة العmm mدل يف
العالق mmات بني الن mmاس ،والتع mmاون على ال mmرب ةالتق mmوى ،ومراقب mmة اهلل يف ال mmبيع والش mmراء كم mmا يف دع mmوة
شعيب قومه ،حيث قال جل من قائل عليما: :ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﰗ ﰘ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﮁ ﮂ ﮃ ﭿ ﮀ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
() 1
ﮊ ﮋ ﮌﮊ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ
ويتبني أن يف هذا املوقف أن شعيبًا عليه السالم ،طلب من قومه تقوى اهلل ،مث هناهم عن
مجلة من مساوئ األخالق كالنهي عن التطفيف يف امليزان وخبس الناس أشياءهم ،وعن اإلفساد
يف األرض ،وأمرهم بالوزن بالقسطاس املستقيم ،وذّك رهم بأنعم اهلل كنعمة اخللق ،فقابلوه
بالصد والتهكم والعلو فأخذهم اهلل أخذ عزيز مقتدر.
وفيما يلي مناذج يستفاد أهنا من قيبل التفاوض الدعوي وأثرها :
ا -إسالم عروة بن مسعود :
إسالم عروة بن مسعود حين لقي النبي ورؤيته للصحابة كيف كانوا يطيعون أمر النبي
ويوقرونه كما ذكر لقريش ..ساهم ذلك في دفعه إلى اإلسالم بعد ذلك فأسلم رضي الله عنه ،وال
شك أن ذلك الموقف مع النبي قد وقر في نفسه حتى أسلمه إلى اإلسالم ،ثم عاد إلى قومه
247
بالطائف يدعوهم إلى الله "وكان فيهم محببا مطاعا فخرج يدعو قومه إلى اإلسالم ورجا أن ال
يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف لهم على علية وقد دعاهم إلى اإلسالم وأظهر لهم دينه رموه بالنبل
من كل وجه فأصابه سهم فقتله فقيل لعروة :ما ترى في دمك فقال :كرامة أكرمني الله بها
وشهادة ساقها الله إلي فليس في إال ما في الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله مع رسول الله قبل
أن يرحل عنكم فادفنوني معهم"(.)1
ب -محاولة التأثير على المخالف في دعوته للحق :
االهتم mmام بالتف mmاوض ال mmدعوي ل mmه أث mmره ،وإن مت الغض من النفس يف ال mmدعوة ،ق mmال تع mmاىل:
ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ (.)2
"وهذا ابلغ يف االنصاف وابعد من اجلدل واالعتساف" ،3وكما يف قول اهلل تبارك
وتعاىل :ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ (.)4
ج -التفاوض مع األعداء
التفاوض مع األعداء ،ويكون باستخدام اللني والرفق يف موضعه ،كما فعل النيب مع عتبة
ابن ربيعة ":أفرغت يا أبا الوليد"(.)5
وذلك قد يتحقق منه مصلحة للمسلمني فتحقن به الدماء وحتفظ األموال.
وما دار بني إبراهيم عليه السالم وقومmه ،فيmه إقامmة للحجmة عليهم ،قmال تعmاىل :ﮋ ﮝ ﮞ ﮟ
ﯚ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﯱ ﯰ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯛ ﯜ
ﭙ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
ﭰ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭟ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﮊ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
(. ) 6
ومن آثار التفاوض الواردة يف السرية أنه يثمر اهلداية للناس فقد ورد أن " نزل مصعب بن
)( 1أسد الغابة يف معرفة الصحابة ،ابن األثري ،دار الفكر ، 1989 – 1409 ،ج 1ص .768
)(2سورة سبأ اآلية .25
)(3تفسري أيب السعود ،إرالشادالعقل السليم مرجع سابق ،ج 7ص .133
)(4سورة سبأ اآلية .24
)(5السرية النبوية ،ابن كثري ج 1ص .504
)(6سورة األنبياء اآليات .63-51
248
عمري على أسعد بن ُز َر ارة( ،)7وأخذا يبثان اإلسالم يف أهل يثرب جبد ومحاس ،وكان مصعب
ُيْع َر ف باملقرئ.
ومن أروع ما يروى من جناحه يف الدعوة أن أسعد بن زرارة خرج به يوًم ا يريد دار بين عبد
األشهل ودار بين َظَف ر ،فدخال يف حائط من حوائط بين ظفر ،وجلسا على بئر يقال هلا :بئر َم َر ق،
واجتمع إليهما رجال من املسلمني ـ وسعد بن معاذ وُأَس ْيد بن ُح َضرْي سيدا قومهما من بين عبد
األشهل يومئذ على الشرك ـ فلما مسعا بذلك قال سعد ألسيد :اذهب إىل هذين اللذين قد أتيا
ليسفها ضعفاءنا فازجرمها ،واهنهما عن أن يأتيا دارينا ،فإن أسعد بن زرارة ابن خاليت ،ولوال ذلك
لكفيتك هذا .
فأخذ أسيد حربته وأقبل إليهما ،فلما رآه أسعد قال ملصعب :هذا سيد قومه قد جاءك
فاصدق اهلل فيه ،قال مصعب :إن جيلس أكلمه .وجاء أسيد فوقف عليهما متشتًم ا ،وقال :ما
جاء بكما إلينا ؟ تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزالنا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة ،فقال له مصعب :
أو جتلس فتسمع ،فإن رضيت أمرا قبلته ،وإن كرهته كف عنك ما تكره ،فقال :أنصفت ،مث ركز
حربته وجلس ،فكلمه مصعب باإلسالم ،وتال عليه القرآن .قال :فو اهلل لعرفنا يف وجهه اإلسالم
قبل أن يتكلم ،يف إشراقه وهتلله ،مث قال :ما أحسن هذا وأمجله ؟ كيف تصنعون إذا أردمت أن
تدخلوا يف هذا الدين ؟
قاال له :تغتسل ،وتطهر ثوبك ،مث تشهد شهادة احلق ،مث تصلى ركعتني .فقام واغتسل،
وطهر ثوبه وتشهد وصلى ركعتني ،مث قال :إن ورائى رجاًل إن تبعكما مل يتخلف عنه أحد من
قومه ،وسأرشده إليكما اآلن ـ سعد بن معاذ ـ مث أخذ حربته وانصرف إىل سعد يف قومه ،وهم
جلوس يف ناديهم .فقال سعد :أحلف باهلل لقد جاءكم بغري الوجه الذي ذهب به من عندكم .
فلما وقف أسيد على النادى قال له سعد :ما فعلت ؟ فقال :كلمت الرجلني ،فواهلل ما
رأيت هبما بأًس ا ،وقد هنيتهما فقاال :نفعل ما أحببت .
وقد حدثت أن بين حارثة خرجوا إىل أسعد بن زرارة ليقتلوه ـ وذلك أهنم قد عرفوا أنه ابن
() أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثغلبة بن غنم بن مالك بن النجار اخلزرجي األنصاري ،ويقال له أسعد اخلري 7
وكنيته أبو أمامة ،قيل له النجار ألنه ضرب رجًال بقدوم فنجره ،أسد الغابة يف معرفة الصحابة ،ابن األثري مرجع سابق
ج 1ص.44
249
خالتك ـ ِلُيْخ ِف ُر وك .فقام سعد مغضًبا للذى ذكر له ،فأخذ حربته ،وخرج إليهما ،فلما رآمها
مطمئنني عرف أن أسيًد ا إمنا أراد منه أن يسمع منهما ،فوقف عليهما متشتًم ا ،مث قال ألسعد بن
زرارة :واهلل يا أبا أمامة ،لوال ما بيىن وبينك من القرابة ما ُر ْمَت هذا مىن ،تغشانا يف دارنا مبا
نكره ؟
وقد كان أسعد قال ملصعب :جاءك واهلل سيد من ورائه قومه ،إن يتبعك مل يتخلف عنك
منهم أحد ،فقال مصعب لسعد بن معاذ :أو تقعد فتسمع ؟ فإن رضيت أمًر ا قبلته ،وإن كرهته
عزلنا عنك ما تكره ،قال :قد أنصفت ،مث ركز حربته فجلس .فعرض عليه اإلسالم ،وقرأ عليه
القرآن ،قال :فعرفنا واهلل يف وجهه اإلسالم قبل أن يتكلم ،يف إشراقه وهتّلله ،مث قال :كيف
تصنعون إذا أسلمتم ؟ قاال :تغتسل ،وتطهر ثوبك ،مث تشهد شهادة احلق ،مث تصلى ركعتني .
ففعل ذلك .
مث أخذ حربته فأقبل إىل نادى قومه ،فلما رأوه قالوا :حنلف باهلل لقد رجع بغري الوجه الذي
ذهب به فلما وقف عليهم قال :يا بين عبد األشهل ،كيف تعلمون أمرى فيكم ؟ قالوا :سيدنا
وأفضلنا رأًيا ،وأميننا نقيبة ،قال :فإن كالم رجالكم ونسائكم علّى حرام حىت تؤمنوا باهلل
ورسوله .فما أمسى فيهم رجل وال امرأة إال مسلًم ا ومسلمة ،إال رجل واحد ـ وهو اُألَص ِرْي م ـ
تأخر إسالمه إىل يوم أحد ،فأسلم ذلك اليوم وقاتل وقتل ،ومل يسجد هلل سجدة ،فقال النيب :
"عمل قلياًل وأجر كثًريا"( )1ويعد التفاوض من طرق اإلقناع للمخالف إن كان ممن يقبل احلق .
وينبغي عند البدء بالدعوة ،أو النصح واإلرشاد ،إظهار احملبة واحلرص والرمحة ،وهذا من
صميم الدعوة ،كما يف دعوة نوح عليه السالم ولده ،ودعوة صاحل عليه السالم لقومه .
واملتأمل هلذا املوقف التفاوضي الذي أورده الباحث بطوله نظرًا الشتماله على جوانب هامة
يف التفاوض ،منها وضوح املوضوع وحتديد الطلب وحتديد أطراف التفاوض.
-6نشر التقدير واالحترام
يفضي التفmاوض الحسmن إلى نشmر التقmدير ،واالحmترام المتبmادل بين الطmرفين المتفاوضmين ،ويmدعو
إلى توثيق الصلة بين الناس ،وهmو أمmر في غايmة األهميmة ،ولmه أثmر واضmح في شmيوع ذلmك بين األطmراف
الق mmائمين بعملي mmة التف mmاوض وه mmذا ي mmدعو إلى ممارس mmته ،ونش mmره وبث mmه بين الن mmاس ،م mmع إظه mmار الح mmرص
)(1السرية النبوية ،بن هشام مرجع سابق ،ج ، 2ص ، 286- 285والرحيق املختوم ،مرجع سابق ،ج 1ص .113
250
واالهتمام واالعتبار بالطرف األخر ،مهما كانت منزلتmه أو مكانتmه فقmد يكmون لديmه مmا يعتmد بmه ،كمmا
في قصة الهدهد مع نبي الله سليمان عليه السالم ،قال تعالى :ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿ ﰀ ﮊ ونتأمل قول الطائر الهدهد ،لنبيى الله سليمان عليه السالم ﮋ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ وكيف
أخذ بقوله عليه السالم .
-7كسب القلوب :
التفاوض من أجل املصاحل املشرتكة يؤلف القلوب ويعمل على التالحم ويظهر األهداف
بصورة مشرتكة واملنفعة واحدة تشمل اجلميع دون استثناء.
يساعد على فهم اآلخرين من يتعامل مع الناس مهم أن يفهمهم ألن المجتمعات تختلف
والبيئات كذلك ،والنشأة لها تأثيرها ،ففهم اآلخرين يكون عامًال مساعدًا وداعمًا لتيسير التعامل
معهم ،كما يحتاج المعرفة بهم ،من هم ،وما هي ظروفهم ،وكيف هي بيئاتهم ،ومحاولة معرفة
مستوياتهم العلمية ،والمعرفية ،واإلدراكية ؛ وهذا يتأتى بالتفاوض حيث يعين في القدرة على فهم
مطالب اآلخرين وإن لم يتم اإلفصاح عنها وذلك من خالل الحديث أو الصمت أو اإليماءات
والحركات.
-8رياضة للعقول :
القmm mرآن الكmm mرمي مبmm mارك ،وقmm mراءة وتmm mدبر املواقmm mف الmm mيت جتري جمرى التفmm mاوض تعتmm mرب رياضmm mة
للعقول ،ومنتلك املواقmف على سmبيل املثmال مmا قصmه اهلل علينmا بني موسmى عليmه السmالم ،وفرعmون ،
ونوح عليه السالم وقومه ،وهكذا سائر األنبياء عليهم السالم ،وكذلك ممارسة التفاوض ،وذلك
ملا يف التفاوض من إعمال للفكر وتنمية العقول يف البحث عن احللول ،وسبل الرد عن األخطاء.
-9التعاون
التفاوض فيه احلفاظ على مصاحل الناس ،وحاجياهتم ،ويكون من التعاون على الرب
والتقوى ،قال تعاىل :ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﮊ (.)1
والتعاون على الرب والتقوى مسة بارزة يف هذه األمة.
-10قبول الحق وحسن المطالبة بالحقوق:
251
التفاوض اجليد يصل باألطراف إىل التسليم والقبول باحلق ويmدعم ذلmك ممارسmة طmmرق حكيمmة
يف التفاوض ،كما أن التفاوض يعmين القmدرة على املطالبmة بmاحلقوق كمmا هmو طريmق من طmرق إرجmاع
احلقوق بالطرق السلمية اليت تكون بعيدة عن اخلصومات والنزاع اليت تورث العداوة والبغضاء .
-11إكساب المجتمع حسن الخلق :
االلتقاء للتفاوض بني الناس يفيد اجملتمع يف إكساهبم حسن اخللق يف التواصل ،للتفاعل فيما
بينهم ،ومن اجلوانب :
ا -حسن اللقاء واملقابلة.
ب -طيب التحدث .
ج -الفراسة والتوسم .
د -الفطنة والذكاء.
-12سبيل لإلقناع
يسهم التفاوض بشكل كبري يف إقناع املخالف للتخلي عن وجهة نظره أو رأيه أو حىت
معتقده الباطل ،إن كان ممن ينصف ويقبل احلق .فالتفاوض يكون باحلجة والدليل والربهان ،
فأصبح من أهم سبل اإلقناع.
-13توضيح اللبس والتوصل للحقيقة :
القmm mدرة على التوضmm mيح لألمmm mور والمواقmm mف وإزالmm mة اللبس أو الغمmm mوض المحتمmm mل وكشmm mف
وإظهار الحقائق ،قال تعالى :ﮋ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
( )1
. ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ ﮛﮜ ﮝ ﮚ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
فالتفاوض يوضح اللبس ،ويسفر عما خفي ،من احلقائق .
وبه يتم إزالة الغموض يف حال توهم األمر لدى البعض أنه على غري الواقع واملراد ،فهنا يربز
التفاوض إلثبات الصحيح والواقع واملراد .
ومن السرية النبوية ما حصل مع األنصار رضي اهلل عنهم يف غزة حنني من موقفهم من
توزيع الغنائم حيث مل يعطوا منها شيء ،يروي أبن هشام يف سريته انه "يف أعقاب معركة حنني
وزع الرسول < الغنائم ،وكانت كثرية يف قريش و يف قبائل العرب ،ومل يعِط األنصار منها
252
شيئًا ،فغضب األنصار ،وقال قائل منهم :لقي رسول اهلل قومه.
فدخل سعد بن عبادة على الرسول فقال :يا رسول اهلل إن هذا احلي من األنصار قد
وجدوا عليك يف أنفسهم ملا صنعت يف هذا الفيء الذي أصبت ،فقسمت يف قومك ،وأعطيت
عطايا عظامًا يف قبائل العرب ،ومل يكفي هذا احلي من األنصار منها شيء ،قال رسوال هلل فأين
أنت من ذلك يا سعد قال :يا رسول اللهم أنا إال من قومي ،فقال الرسول: " فأمجع يل قومك
يف هذه احلظرية" .فخرج سعد ،فجمع األنصار،فأتاهم رسوال هلل ،فحمد اهلل وأثىن عليه مبا هو
أهله،مث قال :يا معشر األنصار،ما قاله بلغتين عنكم وجدة وجدمتوها علي يف أنفسكم؟ أمل آِتكم
ضالًال فهداكم اهلل يب ،وعالة فأغناكم اهلل،وأعداء فألف اهلل بني قلوبكم؟ .
قالوا :بلى ،واهلل ورسوله أمن وأفضل.
مث قال : أال جتيبوين يا معشر األنصار.
قالوا :مباذا جنيبك يا رسول اهلل؟ هلل ولرسوله املن والفضل.
فقال رسول :أما و اهلل لو شئتم لقلتم ،فلصدقتم وصدقتم :أتيتنا مكذبًا فصدقناك وخمذوًال
فنصرناك ،وطريدًا فآويناك ،وعائًال فأسيناك ،أوجدمت يا معشر األنصار يف لعاعة من الدنيا تألفت
هبا قلوب قوم ليسلموا ووكلتكم إىل إسالمكم؟ أال ترضون يا معشر األنصار أن يذهب الناس
بالشاة والبعري وترجعوا برسول اهلل إىل رحالكم؟ فو الذي نفس حممد بيده لوال اهلجرة لكنت إمرئا
من األنصار،ولو سلك الناس شعبًا وسلكت األنصار شعبًا لسلكت شعب األنصار ،اللهم ارحم
األنصار ،وأبناء األنصار ،وأبناء أبناء األنصار ،فبكى القوم حىت أخضلوا حلاهم،وقالوا :رضينا
برسول اهلل قسمًا وحظًا "(.)1
ففي هذا املوقف الرائع من السرية والذي ال يتمالك القارئ حترك فؤاده وذرف دمعه ،وإن
تكرر قراءته ،فكأمنا يعيش احلدث ،ومفاوضة النيب صلى اهلل عليه وسلم أزالة اللبس لدى
األنصار ،رضي اهلل عنهم ،حيث فازوا مبا هو أعظم ،وهو رسول اهلل صلى اهلل علي وسلم .
املهم أن ال تأخذ أحد املفاوضني العزُة باإلمث واالستكبار عند التفاوض فإن " كثريًا من
املختلفني مينعهم من التسليم باحلق والرجوع إىل الصواب شبهات وشكوك وأباطيل حتتاج إىل
)( 1صحيح البخاري ،حممد بن امساعيل البخاري ،كتاب اجلهاد ،باب غزوة الطائف ،ح ، 4082ج 4ص .1576
253
جواب وتفنيد وإبطال" (.)1
)( 1حيىي بن حممد حسن زمزمي ،احلوار آدابه وضوابطه يف ضوء الكتاب والسنة ،ط 2دار املعايل -األردن 1422هـ -
2002م ص.46
)(2سورة طه اآلية .44
)(3سورة القصص اآلية .٢٠
254
حدوثها كما يف صلح احلديبية.
-19التربية المجتمعية
يربز األثر الرتبوي للتفاوض الحتوائه على أساليب الرتبية اليت استخدمها اإلسالم ،يف تربية
األجيال الرتبية السليمة ،وتنمية السلوك البشري السوي املستقيم ،وأمهية احملافظة على حقوق
اآلخرين وحقوقهم وتدريبهم على كيفية املطالبة باحلقوق وذلك بالتخلق بأدب التفاوض كما
يعود األوالد بنني وبنات منذ سن مبكر على حسن التفاوض والتفاهم اجليد مع اآلخرين أيًا كانوا
أولئك الناس .
-20البعد عن بعض مساوئ األخالق :
التفاوض يبتغى به الوصول إىل احلق ،وتقدم أن للتفاوض عددًا من اآلداب ،والصفات
احلسنة ،كالصدق ،وحتري احلق ،والصرب ،والتواضع ،والتقدير واالحرتام ، ...فمىت اتصف
املفاوض هبذه الصفات ،وحتلى مبجموع اآلداب يف التفاوض ،كان ذلك بعدًا عن ضدها من
مساوئ األخالق واآلداب من األقوال وألفعال ،ولذلك أثره على اجملتمع .
-21دحض الباطل :
دحض الباط mmل باحلج mmة ،وذل mmك مثلم mmا فع mmل إب mmراهيم ،علي mmه الس mmالم ،م mmع ال mmذي كف mmر ،فق mmد
ُدحض ،وُك بت وهُب ت ،كما يف قوله تعاىل :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ (. ) 1
-22األثر في الجوانب اإلدارية
الق mmرآن الك mmرمي تبيان ًmا لك mmل ش mmيئ وحيوي يف ثناي mmاه أس mmس اإلدارة ،ودور التف mmاوض يف اجلانب
اإلداري له أمهيته ،واملتأمل لسورة يوسف عليه السالم وتفسريه لرؤيا امللك ،وتعليماته اإلداريmmة يف
الش mmؤون املالي mmة والزراعي mmة للبالد ،من مث طلب املل mmك خروج mmه من الس mmجن ،وق mmد لبث يف الس mmجن
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ بضع سنني ،حيث قال تعاىل :ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮔ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
255
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ ومن التفmmاوض عmmدم املوافقmmة على خروجmmه حmmىت يتmmبني براءتmmه وظلم إيداعmmه يف
ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ السجن ،طلب مساءلة والنسوة ،ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ
ﯡ ﯠ ﯟ ﯞ ﯜﯝ ﯛ ﯚ ﯙ
() 1
. ﯢ ﮊ
وتسعى املفاوضات لعالج املشكالت وإدارة األزمات .
-23إنهاء القضايا :
اللجوء إلهناء القضايا ال سيما املعقدة منها واليت تطول املرافعات فيها يف احملاكم ودور
القضاء ،بل إن كثريا من احملامني يعدلون يف قضاياهم إىل التفاوض مع الطرف الثاين كون احملامني
ميثلون موكليهم يف القضايا وذلك لتجنب طول جلسات القضايا وتبعاهتا .
-24التعليم :
نشر وبث العلم بني الناس قد حيتاج إىل تفاوض يف بدايات الطلب كي يوافق املعلم للتعليم
ويتبني ذلك كما يف تفاوض نيب اهلل موسى عليه السالم ،مع اخلضر عليه السالم ،
وطلبه من اخلضر أن يعلمه علمًا ،قال تعاىل :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ
(. ) 2
وفيه من التلطف يف التفاوض يف طلب العلم "تعلمين"
وبني له اخلضر ،عليه السالم ،أحوال الطلب ونتائجه مث شروطه كما يف قوله تعاىل ﮋ ﮘ ﮙ
ﮦ ﮊ (. ) 3 ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
() 4
وعزم موسى عليه السالم ،على نفسه بأمرين األول ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ
() 5
والثاين :ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ
عند ذلك قال له اخلضر ،كما قال تعاىل :ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
256
ﮊ (. ) 1
فتبعه موسى عليه السالم ،وتعلم منه ،وال شك يف فضل موسى على اخلضر ،عليهما
السالم ،وهو من باب تعلم الفاضل من املفضول ،وذلك فضل اهلل ،يؤتيه من يشاء .
-25العفو بسبب المفاوضات :
من املشاهد أن بعض اخلالفات واملطالبات باحلقوق يأيت العفو عنها واملساحمة وقت
التفاوض ،وذلك ،من التذكري بقول اهلل تعاىل :ﮋ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ (.)2
وحنوه من اآليات أو األحاديث.
-26التعاون :
قال تعاىل :ﮋ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﮊ (.)3
فيعم mmل التف mmاوض على إجياد روح التع mmاون بني أف mmراد اجملتم mmع ويك mmون من أس mmباب تعمي mmق مب mmدأ
التعmmاون على الmmرب والتقmmوى وتكmmون مثاره اليانعmmة ملصmmلحة كافmmة أطيmmاف اجملتمmmع .وهmmذا مmmا حصmmل بعmmد
رجوعهم
-27التؤدة:
يعلمن mmا الق mmرآن الك mmرمي ،الت mmؤدة يف عالج األم mmور وه mmو أس mmلوب تفاوض mmي ويتض mmح يف أحس mmن
القصص ،جبالء ووضوح ،ففي قوله تعاىل :ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
() 4
ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ
يتmmبنّي أن ،الشmmيطان اسmmتحوذ على إخmmوة يوسmmف ،حmmىت مأل نفوسmmهم حقmدًا عليmmه فحسmmدوه ،
ومهوا بقتله ،وبعد تفاوضهم خلصmوا إىل أن ألقmوه يف البmئر ،بعmد أن أهmانوه بالفعmال واملقmال ،وتبmع
ذلك على يوسف ويالت ،فبيع بثمن خبس ،قال تعالىل :ﮋﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
() 5
ﮊ
257
() 6
ﯥﮊ فأصبح رقيقًا ،وكانت هناية املطاف أن لبث ﮋﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
مث أن اهلل س mm m mبحانه وتع mm m mاىل ،مّك ن ليوس mm m mف ،علي mm m mه الس mm m mالم ،يف األرض ،ق mm mال تع mm mاىل :
ﮏ ﮎ ﮍ ﮋﮌ ﮊ ﮉ ﮈ ﮆﮇ ﮅ ﮄ ﮃ ﮂ ﮁ ﮀ ﭿ ﮋ ﭾ
ﮊ بّينت اآليmmة الكرمية أن اهلل أمّنت على يوسmmف عليmmه السmmالم ،فمكن لmmه ،حmmىت أصmmبح ﮐ
عزيm mزًا يف مص mmر ،وبق mmدر اهلل أص mmاب إخ mmوة يوس mmف الع mmوز والفق mmر ،ح mmىت س mmاقهم اهلل بق mmدره ،إىل
أخوهم العزيز الذي مل يكن ليخطر بباهلم أنmه سيصmبح يف هmذه املنزلmة ،فقmدموا حبثًmا يف طلب الmرزق
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮊ . ﮋﮚ ﮛ
هنmmا قmmام يوسmmف عليmmه السmmالم بmmالتؤدة ،فلم يعmmاقب ،ومل يعنmmف ،ومل ينتقم لنفسmmه وألخيmmه ،
بنيامني ،على ما القوه منهم ،حmىت يقضmي اهلل أمmرًا كmان مفعmوال ،وجلمmال اآليmات ،ووضmوحها ،
وجالئها ،وبديع عرضها ،مل ٌأجزءها ،وأشرح ،قال تعاىل :ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
() 2
ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﰄ ﰅ ﰂ ﰃ وهذا ما حصل بعد رجوعهم إىل أبيهم ﮋ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ
ﭥ ﭦ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭿ ﮀ ﭽﭾ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﮘ ﮙ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
() 3
ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ
وبعد هذا التفاوض الذي أخذفيه يعقmوب من بنيmه مثقًmا من اللmه على إرسmال بنيmامين معهم ،وأشmهد اللmه
على ذلك الموثق ،ذهبوا إلى يوسف عليه السالم ،قال تعالى :ﮋ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ
ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﮊ(. )4
أتى موقmmف ثmmاين ظهmmرت فيmmه التmmؤدة ن من يوسmmف عليmmه السmmالم ،حيث قmmالوا :ﮋ ﯝ ﯞ ﯟ
() 5
ﯷ ﯸ ﮊ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ
258
.
حيث يفتح العقول والقلوب لطلب الحق ،والتسليم له ويجعل أثر الكالم إذا انتقي بليغ في
النفس.
-28إيجاد البدائل :
وبعد مالتفاوض الناجح يعني التمكين من القدرة على التعامل عند تأزم المواقف التي تحتاج
إلى بدائل ،والوصول إلى أفضل البدائل والتي ال تؤثر على سير المفاوضات والمضي قدمًا للهدف
الذي من أجله بدأ التفاوض ،وفي السنة قال لعلي في صلح الحديبية "امحها يا علي" حينما
اعترض مبعوث قريش على كلمة – رسول الله – وطلب كتابة محمد ابن عبد الله ،وكتبها كما
أمالها مبعوث قريش(.)1
-29التراض في األسرة
قال تعاىل :ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﮊ (.)2
والتشاور هو عمل تفاوضي يبحث في موضوع معين للتوصل إلى نتيجة ورأي سديد يتم العمل
به.
التفاوض بضوابطه يعد بابًا واسعًا لإلصالح ونشر اخلري ،ويعترب وسيلة هامة ومشروعة
للدعوة إىل اهلل ،سواء دعوة األفراد أو اجلماعات ،وسواء دعوة املسلمني ملزيد من التفاهم ونبذ
اخلالف والتعلم ..أو دعوة غري املسلمني إىل اإلسالم ،إن التفاوض ميكن أن حيقق فوائد مجة إذا
امتلك املسلم أدواته وآلياته.
259
الخاتمة
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا ،وله سبحانه الشكر على تيسيره وإعانته ،ال أحصي ثناًء عليه،
هو كما أثنى على نفسه جَّل وعال ،وأصلي وأسلم على رسوله ومصطفاه ،خير خلقه ،الرحمة
الُمهداة ،والنعمة المسداه ،به يخرج الناس من الظلمات إلى النور ،وعلى آله وأصحابه ،وأتباعه عدد
خلق الله .وبعد ..
فالقرآن الكرمي كالم اهلل جل وعال ،منه بدأ وإليه يعود ،ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من
خلفه ،أنزله على رسوله هداية للناس ،وبشارة للمؤمنني ،قال تعاىل :ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ (. ) 1
ودليًال ومرشًد ا إىل الصراط املستقيم ،وتكفل اهلل حبفظه إىل يوم القيامة قال تعاىل :ﮋ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ (. ) 2
لقد اجتهدت يف هذه الدراسة قدر استطاعيت ،وعشت فرتًة طويلًة وقصريًة يف هذا املوضوع
،طويلٌة يف حساب األيام والشهور ،وقصرية مع كتاب اهلل فلو قضى املسلم عمره مع القرآن
الكرمي فال يعدوا أن يكون حلظة يف عمر الزمن ،وزدت يقينًا بأن هذا القرآن هو املنقذ للبشرية ،
ففيه اهلدى والنور والربهان ،وفيه املخرج ألزمات األمة ،واحللول ملشكالهتا ،وذلك بالعمل مبا
جاء به من أحكام ومعامالت وأخالق ، ...فالبشرية اليوم بأمِّس احلاجة إىل االستقرار واألمان
والسعادة.
ويف هناية هذا البحث ،أذكر أهم ما توصلت إليه من نتائج ،مث أذكر عددًا من التوصيات
يليها املقرتحات ،سائًال املوىل – سبحانه -التوفيق والسداد فأقول مستعينًا باهلل:
أوًال :نتائج الدراسة
املتأمل يف القرآن وآياته املتعلقة بالتفاوض جيد بكل وضوح أن القرآن الكرمي قد تناول -1
موضوع التفاوض بورود أحداث ومواقف يف القرآن الكرمي جتري جمرى التفاوض.
وضوح أثر التفاوض الدعوي يف الدعوة إىل اهلل ،يف اجملتمع ،وهو داعم للمحبة والتآلف -2
260
ويثري التواصل ويقوي العالقات بني الناس سواًء العالقات اخلاصة أو العامة .
أن التفاوض منهج إسالمي أصيل . -3
سبق املنهج اإلسالمي غريه يف املفاوضات . -4
أن التفاوض ليس على كل شيئ فالقواعد واألصول والتشريع يف الدين ثابتة ال تفاوض -5
عليه
ممارسة وتطبيق ما جيري جمرى التفاوض بني األنبياء عليهم السالم وأقوامهم. -6
أن التفاوض له آداب يف الدين ،وينبغي التمسك هبا . -7
أن امليثاق ،والصلح ،واهلدنة ،واملعاهدة ،واملوادعة ،واملساملة ،واملبايعة ،كلها تعترب -8
اتفاقات متت وجرت ،عرب مراحل من املفاوضات .
أمهية اختيار وانتقاء من يقوم باملفاوضة ،وجيب أن يكون كفء ،وموضع ثقة ،ويكون -9
قادرًا على ممارسة التفاوض ،حيث أن ضعفه وقوته تؤثر على من خلفه .
إجادة وإتقان التفاوض مما يتميز القادة. -10
تبني بوضوح أن التفاوض له طرق وأساليب جيب اتباعها ، -11
هناك عدد من املعوقات تعرتض التفاوض جيب التنبه هلا . -12
أمهية لغة اجلسد ،أو اإلشارة واحلركات ،ومعرفة دالالهتا يف التفاوض. -13
أن االتفاقات التيتنتهي هبا املفاوضات تعترب ملزمة . -14
اهتمام الغرب بالتفاوض يف كثري من شئون حياهتم ،حىت أنه يدرس يف اجلامعات ويدرب -15
عليه يف املراكز املختصة ،نظرًا لشعورهم ومالمستهم ألمهيته .
أثر إجادة التفاوض يف حياة الناس االجتماعية واالقتصادية والسياسية أثر إجيايب واضح يف -16
تنميتها ،واحملافظة على املكتسبات.
تدبر القرآن يعلمنا طرق وآداب ميكن استخدامها يف التفاوض وتفيدنا يف تعاملنا مع -17
اآلخرين وكيف نتفاوض مع القريب ،والبعيد ،أو املخالف وغريه باحلسىن وباليت هي
أحسن ،وذلك من خالل عرض ما جرى جمرى التفاوض يف اآليات الكرمية يف القرآن
الكرمي فهو يعرض جمريات األحداث بدقة كأننا نراها رأي العني .
العلم بسري األنبياء عليهم السالم وكيف تعاملوا مع أقوامهم والعلم بسريهم يورث حمبتهم -18
261
وتوقريهم والثناء عليهم مبا يليق هبم ألهنم رسل اهلل تعاىل وصفوة خلقه ،قاموا بتبليغ
رسالة اهلل خللقه مع كمال نصحهم ألقوامهم وصربهم على أذاهم.
ترك التفاوض له أضرار وخيمة وإمهاله يكون سببًا يف حدوث الكثري من املشكالت بني -19
الناس أو تفاقم مشكالت قائمة واستمرارها.
قبول التفاوض والشروع فيه يعد من األخالق النبيلة. -20
اإلعراض عن التفاوض ورفضه إن مل يكن مثة مانع شرعي ،يولد االعتداد بالرأي -21
واالستبداد واالستكبار ...ويكون داعيًا إىل انقسام وفرقة.
التفاوض يولد احللول الناجعة. -22
إقامة التفاوض من أهله بضوابطه يسهم يف استقرار اجملتمع بإذن اهلل. -23
التفاوض يدعو إىل التوافق والوئام والعيش بأمن واستقرار فهو يعاجل لب النزاع ،وموضع -24
اخلالف.
العصر تشيع فيه احلاجة امللحة للتفاوض ،ويكاد يكون ما من شيء يف العصر ،إال وحيتاج -25
الناس للتفاوض حوله.
تبني للباحث يف ثنايا الدراسة مصطلحات شائعة ،ممارستها تدخل أحيانًا يف التفاوض -26
ومنها احلوار واجلدل والنقاش واملداوالت واملراجعات ...وحنوه
يالحظ القصور يف الرتبية املعاصرة يف تعليم التفاوض وما يتصل به ،والتدرب عليه ،مع -27
ما لذلك من أمهية بالغة.
بعض املفسرين ذكر ألفاظا أخرى بعضها أتت صرحية يف القرآن ،وممن ذكر من املفسرين -28
لفظ التفاوض اإلمام القرطيب يف تفسريه ،حيث قال رمحه اهلل "وقالوا ليعقوب " :يا أبانا
ما لك ال تأمنا على يوسف " وقيل :ملا تفاوضوا وافرتقوا على رأي املتكلم الثاين عادوا
إىل يعقوب عليه السالم وقالوا هذا القول"(.)1
ثبت أنه من املقرر أن ليس كل شيء قابل للتفاوض ...حيث ال يتالقى التفاوض بني احلق -29
والباطل على باطل أو خيانة أو غدر وسري األنبياء صلوات اهلل عليهم يف القرآن الكرمي
ظاهرة جلية على ذلك.
262
املتدبر للقرآن الكرمي ،جيد أن التفاوض يعلم وميارس من خالل مفاوضاته بعض الصفات -30
والسجايا واملهارات ومنها التفكري السليم ،والعناية بالتحدث وحسن البيان ،والصدق
والكرم ،والسمت احلسن ،وجتنب مساوئ األخالق ،وهي بذلك تعترب تطبيق عملي.
تبني يف ثنايا البحث أن التفاوض احد الوسائل املشروعة يف الدعوة إىل اهلل تعاىل. -31
أن التفاوض الصحيح ،مع غري املسلمني يسهم يف توضيح الصورة احلقيقية لإلسالم -32
واملسلمني للعامل ،وذلك من األسباب الداعية لالعتناء بالتفاوض علمًا وعمًال.
يستفاد من نداء أهل الكتاب بلفظ " يا أهل الكتاب " يف القرآن الكرمي أنه دعوة إىل -33
إقامة التفاوض معهم ،وقد ورد يف القرآن الكرمي ،يف أحد عشر موضعًا ومن ذلك
إلقامة احلجة عليهم بالتفاوض وحنوه.
اتضح للباحث أمهية دراسة بعض القضايا القرآنية دراسة موضوعية ،حيث تكشف عن -34
جوانب مهمة وخباصة إذا كانت من القضايا املرتبطة بواقع العصر كموضوع التفاوض.
كما ورد يف القرآن الكرمي مواقف جتري جمرى التفاوض ،فقد وردت كذلك يف السنة -35
املطَّه رة ،وهذا يظهر أمهية التفاوض ومدى العناية به.
جيب على املسلم ،الوفاء ببنود نتائج التفاوض ،أيًا كانت عهدًا ،أو عقدًا ،أو ميثاقًا ، -36
أو صلحًا ،أو موادعة ...فهي مبثابة الشروط واملسلمون على شروطهم.
اهتمت الثقافات والحضارات بالتفاوض والتشجيع عليه ألنه يصنع فوائد عدة ،لمن يقوم به. -37
التفاوض احلق يعين السري الصحيح للوصول إىل احلق. -38
التفاوض عمل اجتهادي يتوصل إليه البشر قد يكون فيه الصواب و اخلطأ. -39
سوء التفاوض ،قد ينتج سوء فهم ،وسوء الفهم ينتج خالف وصراع بني الناس. -40
أمهية لغة اإلشارة يف القرآن الكرمي ،وتستخدم يف التفاوض ،وترد يف الكالم ومنها ، -41
اهلمز ،والغمز ،وحركات أعضاء اجلسم ،وقد يراد منها عدة أمور ومنها ،الرمز ،أو -42
التعريض و التلميح ،أو الكناية . ...
تبنّي للباحث أن يف القرآن الكرمي ،أنواعًا متعددة للتفاوض ومنها التفاوض ،الدعوي ، -43
واالجتماعي ،والسيايسي ...وتكون حبسب غاياهتا ،وجماالهتا.
التفاوض يعد من أهم طرق إصالح ذات البني يف اخلالفات والنزاعات ،وينبغي إصالح -44
263
النية فيه وإخالصها ،هلل ،وعند ذلك يعترب من القربات إىل اهلل تعاىل ،ويعود نفعه على
القائم به يف الدنيا واآلخرة.
التفاوض بدايًة حيتاج إىل صرب ،ورياضة مستمرة ،حىت يصبح سلوكًا سهًال طبيعيًا ،يتميز -45
به املفاوض .
التفاوض يفيد يف تنمية اجلانب الفكري فهو مينح األفكار ابتكارات ورؤى جديدة ، -46
وكذلك يسهم يف تنمية اجلانب املعريف .
أتى القرآن لألمة يف التفاوض بآداب ينبغي االلتزام هبا ،ومنها ،التجرد لطلب احلق ، -47
والوضوح ،واملروءة ،وااللتزام بالشروط .
تبنّي يف القرآن أن هناك طرق وأساليب للتفاوض ،فينبغي تعلمها والتدرب عليها . -48
التفاوض ميّك ن من القدرة على معرفة الناس وسرب أغوارهم. -49
الدربة على مجع املعلومات والتدرج يف األمور ،والتمييز بني احلسن والقبيح . -50
الدربة على القيادة ،حيث أن املفاوض ميثل جمموعة . -51
اكتساب خربات يف التعامل مع الناس وحسن التواصل معهم ،والتفاعل بني فئات اجملتمع -52
وربط العالقات بينهم .
تبني يف القرآن أن التفاوض يدخل يف جانب املصاهرة والزواج ،كما يعترب أساس حلل -53
كثري من املشكالت اليت حتدث بني األزواج .
تبني من اآليات الكرمية أن التفاوض ينتج املبادرة يف التعاون على الرب والتقوى يف حل -54
اخلالفات ،وتقدمي املصاحل ،وحفظ احلقوق ،ودرء األخطار.
264
ثانيًا :التوصيات
االهتمام بكنوز القرآن الكريم ،والغوص فيه ،واستخراج ما ييسره الله ،ويوفق ،لمصالح -1
العباد.
ال بد أن يكون أن اهلدف والغاية من التفاوض هي إرادة اخلري والرغبة يف إظهار احلق. -2
التحذير من إمهال التفاوض ،أو اإلعراض عنه . -3
ينبغي نشر الوعي بأمهية التفاوض الصحيح باستخدام األساليب العلمية والعملية وتسخري -4
وسائل اإلعالم واملناهج الدراسية لدى الأمة وأن تقّعد القواعد واألسس التفاوضية
وأخالقياته وآدابه وحدوده وضوابطه املستقاة من شريعتنا السمحة .
ﯱ التحفيز لدراسة التفاوض من خالل السنة والسرية النبوية قال تعاىل :ﮋ ﯯ ﯰ -5
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ (. ) 1
أن كل ما جرى مع النيب يف مفاوضاته هو منهج أصيل يف التفاوض وحصل بتوفيق -6
اهلل وهدايته.
الشورى من أهلها تدعم التفاوض ومشاورة النيب للصحابة يف مفاوضاته يقتضي من -7
كل احد أن يشاور أهل املعرفة والدراية واالستقامة يف مفاوضاته.
ينبغي االهتمام بالتفاوض يف اجلوانب الرتبوية للشباب فهو يفيدهم يف تعلم حسن التعبري ، -8
واإلجياز ،وتنمية الفصاحة والبالغة.
اإلعداد لعقد برامج تعليمية ودورات تدريبية تطبيقية متخصصة ،وتقدم جلميع شرائح -9
اجملتمع املختلفة يف جمال التفاوض ،وحماوره ،وعناصره ،لصقل املواهب ،من قبل
اجلهات االجتماعية ،والعلمية . ...
التدريب على التفاوض بشكل متخصص يف احلياة األسرية وذلك لكثرة املشكالت -10
األسرية وارتفاع عدد قضايا الطالق ،واخلصومات بني أفراد األسرة الواحدة.
ينبغي االهتمام والعناية بانتقاء من يفوض بالتفاوض وخاصة يف القضايا املتعلقة -11
باجلماعات أو األقاليم أو الدول .
العناية بالثقافة اإلسالمية ألفراد اجملتمع ملعرفة دور املنهج اإلسالمي يف تأصيل كل ماله -12
) (1سورة األحزاب21:
265
عالقة بالفرد وخاصة املسلم وأسبقيته لذلك مبئات السنني ملفكري الغرب ورواده ،ومن
ذلك السبق ماله عالقة مبوضوع هذه الدراسة وهو التفاوض.
-13تقدمي برامج يف القنوات اإلعالمية وبشكل مركز ومكثف وذلك يف سلسة من احللقات
لتبني أمهية التفاوض ومكانته ،وطرق وأساليب استخداماته املثلى يف احلياة العامة واخلاصة
وبيان الصعوبات والعقبات يف سبيل جناحه.
-14أن يقوم املسئولون يف الوزارات واجلهات الرتبوية بالعامل اإلسالمي بوضع منهج تعليمي
للتفاوض وكيفية االستفادة منه وتنميته ،وذلك ألمهيته البالغة لتحقيق النجاحات العلمية
والعملية وغريها يف شىت مناحي احلياة.
266
ثالثًا :المقترحات
أوًال :إقامة دراسات عن التفاوض في الجانب اإلداري في القرآن الكريم وأثره على الدولة .
ثانيًا :إقامة دراسة تبين نتائج إهمال وترك التفاوض وأثر ذلك على الموظفين دراسة ميدانية.
ثالثًا :دراسة توضح طرق وأساليب التي دعى إليها القرآن في الحفاظ على األسرة .
رابعًا :إعداد دراسة لمعرفة أسباب ضعف ممارسة التفاوض في المجتمع.
خامسًا :عمل دراسة مماثلة تشمل عينات من أفراد المجتمع.
سادسًا :عمل دراسة مقارنة بين التفاوض في المجتمع المسلم و المجتمع غير المسلم.
سابعًا :إعداد دراسة عن أساليب التفاوض وأثرها الدعوي في القرآن الكريم .
ثامنًا :إقامة دراسة عن أثر التفاوض ،في إنهاء القضايا القانونية المتعلقة والشائكة لدى المحامين في
إحدى مدن المملكة العربية السعودية ،دارسة ميدانية.
تاسعًا :إقامة دراسة عن التفاوض وأثره في العالقات االجتماعية لدى محكمة من المحاكم الرسمية في
أي مدينة من مدن المملكة دراسة ميدانية .
عاشرًا :عمل دراسة ميدانية عن مدى االستفادة من التفاوض وأثره لدى أقسام اإلصالح العامة في
المجتمع ،دراسة ميدانية وتحليلية .
هذا ما يسره -الخالق المعبود -وما كان من توفيق في هذا البحث فمنه جّل وعال ،وما حدث من
قصور أو تقصير ،أو خطأ ،أو زلل ،فمني والشيطان ،وأستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنين .
وختامًا :لله الحمد والفضل والمنة ،والشكر أوال وأخيًر ا ،لك الحمد ربي على ما تفضلت
وأنعمت ،أشكرك مع كل حرٍف أخّطه وكلمة كتبتها وجملة أصوغها ،أشكرك مع كل نقطة دٍم تجري
في عروقي ومع كل نسمة هواء تمّدني بالحياة ، ،وكل قطرة ماٍء تسير في أحشائي ،تذكرني بأنك الخالق
الواحد ال رب لي سواك.
سبحان ربك رب العَّز ة عما يصفون وسالٌم على املرسلني ،واحلمد هلل رب العاملني.
267
الفهارس
وتشمل :
-1فهرس اآليات.
-2فهرس األحاديث النبوية.
-3فهرس األعالم.
-4قائمة المراجع.
-5فهرس المحتويات.
268
فهرس اآليات القرآنية
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
131 37 البقرة ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ ﮋﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
232 71 البقرة ﭙ ﭚ ﮊ ﮋﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
-100 -99
269
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
165-265
168 84 آل عمران ﭛﮊ ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
270
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
236 13 املائدة ﮋ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﮊ
271
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
20 104 األعراف ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﮊ ﮋﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
272
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
159 96 يونس ﮋﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﮊ
273
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
77 4 يوسف ﮊ ﮋﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
274
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
1 1 إبراهيم ﮋﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ
252-258- ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
9 احلجر
276-83
55 57 احلجر ﮋﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ
219 80 احلجر ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ ﮋﮇ ﮈ
275
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
38 48 اإلسراء ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ
-77 – 43 ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ
41 مرمي
141
75 - 18 42 مرمي ﮊ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮋﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
276
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
269 -238 ﮯ ﮊ ﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮋﮨ ﮩ
44 طه
265-
95 47 طه ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﮊ ﮋﯦ ﯧ ﯨ
277
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
120 69 املؤمنون ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ ﮋﮮ
278
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
61 34 القصص ﮊ ﮋﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
279
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
146 106 الصافات ﮋﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ
280
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
80 17 األحقاف ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ
281
الصفحة رقمها السورة اآليـ ــة
109 7 املمتحنة ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱﮊ ﭫ ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
282
فهرس األحاديث النبوية
260 َأال ُأْخ ُرِبُك ْم ِبَأْفَض َل ِم ْن َدَرَج ِة الِّص َياِم َو الَّصالِة َو الَّصَد َقِة؟ 5
222 أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال اهلل 7
ِص ِل
246
َأَّن َرُج ًال َقاَل لَّنِّيِب َ :أْو يِن َ ،قاَل :ال َتْغَض ْب
8
12 أنا زعيم بيت يف ربض اجلنة ملن ترك املراء وإن كان حمقا 9
199 أهذا أمر حتبه فنصنعه ،أم شيء أمرك اهلل عز وجل به 10
170 َج اَء ُبَد ْيُل ْبُن َو ْر َقاَء اُخْلَز اِعُّي يِف َنَف ٍر ِم ْن َقْو ِمِه ِم ْن ُخَز اَعَة 14
187 شأن اهلل أعظم من ذلك إن عرشه على مساواته هكذا 16
اْل ِت َنُطوَف ِبِه
171
َعَلى َأْن َخُتُّلوا َبْيَنَنا َو َبَنْي َبْي َف
17
119 َفَلَّم ا َبَلَغيِن َأَّنُه -أي النيب َ - تَو َّج َه َقاِفًال 20
283
الصفحة طرف الحديث الرقم
191 قل يا أبا الوليد أمسع ،قال :يا ابن أخي 22
187 ما السموات السبع واألرضون السبع وما بينهن وما فيهن 32
110 من دخل دار أيب سفيان فهو آمن ومن ألقى السالح فهو آمن 37
116 من سلك طريقًا يلتمس به علمًا سهل اهلل له به طريقًا إىل اجلنة 38
284
الصفحة طرف الحديث الرقم
49 واهلل يا رسول اهلل إين ألحب هذا يف اهلل 45
98 يا رسول اهلل ائذن يل بالزنا ،فأقبل القوم عليه فزجروه 49
130 جييء نوح عليه السالم وأمته ،فيقول اهلل عز وجل :هل بلغت؟ 50
285
فهرس األعالم
286
الصفحة الـعلـم الرقم
187 عبداهلل بن عباس رضي اهلل عنهما 22
287
قائمة المراجع
أوًال :القرآن الكريم.
ثانيًا :التفسير
إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم -1
أبو السعود ،حممد بن حممد العمادي أبو السعود ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت،
عدد األجزاء 9
أضواء البيان -2
حممد األمني اجلكين الشنقيطي ،ط 1415هـ 1995 -م دار الفكر بريوت
أنوار التنزيل وأسرار التأويل ،المسمى تفسير البيضاوي -3
ناصر الدين أبو اخلري عبد اهلل بن عمر الشريازي البيضاوي ،دار الفكر ،بريوت،
ط بدون
أيسر التفاسير لكالم العلي الكبير -4
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر اجلزائري ،مكتبة العلوم
واحلكم ،املدينة املنورة ،اململكة العربية السعودية ،الطبعة اخلامسة،
1424هـ2003/م ويقع يف 4جملدات
البحر المديد -5
أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني اإلدريسي الشاذلي الفاسي أبو العباس ،
دار الكتب العلمية ـ بيروت ،الطبعة الثانية 2002 ،م ـ 1423هـ ،ويقع في 8أجزاء
التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور -6
حممد الطاهر بن حممد بن حممد الطاهر بن عاشور التونسي ،مؤسسة التاريخ العريب،
بريوت – لبنان ،الطبعة :األوىل1420 ،هـ2000/م
تفسير ابن أبي حاتم -7
عبد الرمحن بن حممد بن إدريس الرازي ابن أيب حامت،مكتبة نزار مصطفى الباز ،
الرياض ،ط 1997 – 1417، 1ويقع يف 10جملدات
288
تفسير البحر المحيط -8
حممد بن يوسف الشهري بأيب حيان األندلسي ،دار الكتب العلمية ،بريوت
لبنان ،دار النشر 1422،هـ 2001 -م الطبعة :األوىل ويقع يف 8أجزاء
حتقيق :عادل أمحد عبد املوجود ،والشيخ علي حممد معوض ،زكريا عبد
اجمليد النوقي ،أمحد النجويل اجلمل
تفسير البحر المحيط -9
حممد بن يوسف الشهري بأيب حيان األندلسي ،دار الكتب العلمية ،لبنان ،بريوت -
1422هـ 2001 -م ط ،األوىل
تفسير الجاللين -10
جالل الدين محمد بن أحمد المحلي ،وجالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر
السيوطي ،دار الحديث – القاهرة ،الطبعة األولى عدد األجزاء ()1
تفسير الشعراوي http://shamela.ws/index.php/book/7436 -11
تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن -12
حممد بن جرير بن يزيد الطربي ،دار هجر 2001 ،
تفسير القرآن العظيم -13
أبو الفداء إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي الدمشقي ،حتقيق ،سامي بن
حممد سالمة ،دار طيبة للنشر والتوزيع ،الطبعة :الثانية 1420هـ -
1999م ،عدد األجزاء 8
التفسير الميسر -15
خنبة من العلماء ،وزارة الشؤون اإلسالمية باململكة العربية السعودية جممع طباعة
289
املصحف الشريف ،املدينة املنورة ،ط الثالثة 1432،هـ 2011 -م
التفسير الوسيط للقرآن الكريم -16
http://shamela.ws/index.php/book/7436 سيد طنطاوي ،
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان -17
عبد الرمحن بن ناصر بن السعدي ،حتقيق ،عبد الرمحن بن معال اللوحيق ،مؤسسة
الرسالة ،الطبعة :األوىل 1420هـ 2000-م جممع امللك فهد لطباعة املصحف
الشريف ،األجزاء1
الجامع ألحكام القرآن تفسير القرطبي -18
حممد بن أمحد بن أيب بكر بن فرح األنصاري القرطيب أبو عبد اهلل ،حتقيق عبد اهلل بن
عبد احملسن الرتكي ،عدد األجزاء 20 :
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني -19
حممود األلوسي أبو الفضل ،دار إحياء الرتاث العريب ،ط بدون ،تاريخ بدون ،بريوت
لبنان ،عدد األجزاء ()30
سلسلة التفسير لمصطفى العدوي -20
http://shamela.ws/index.php/book أبو عبد اهلل مصطفى العدوي شلباية املصري،
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير -21
حممد بن علي الشوكاين ،دار الوفاء 1997 ،م ط بدون
في ظالل القرآن -22
http://shamela.ws/index.php/book/7436 سيد قطب
كتاب تفسير القرآن -23
أيب بكر حممد بن إبراهيم بن املنذر النيسابوري ،ط األوىل ،حتقيق :سعد بن حممد
السعد ،دار املآثر ،املدينة النبوية 2002 – 1423 ،ويقع يف جملد ()1
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل في وجوه التأويل -24
أبو القاسم حممود بن عمر الزخمشري اخلوارزمي ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت،
ويقع يف أربعة أجزاء ،حتقيق :عبد الرزاق املهدي
290
الكشف والبيان -25
أبو إسحاق أمحد بن حممد بن إبراهيم الثعليب النيسابوري ،دار إحياء الرتاث
العريب -بريوت -لبنان 1422 -هـ 2002 -م الطبعة :األوىل ،حتقيق:
اإلمام أيب حممد بن عاشور ،عدد األجزاء ()10
اللباب في علوم الكتاب -26
أبو حفص عمر بن علي ابن عادل الدمشقي احلنبلي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،
لبنان 1419 -هـ 1998-م ،حتقيق ،الشيخ عادل أمحد عبداملوجود والشيخ علي
حممد معوض ،الطبعة ،األوىل ،عدد األجزاء 20 /
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز -27
املؤلف ،أبو حممد عبد احلق بن غالب بن عطية األندلسي ،دار الكتب
العلمية ،لبنان1413 ،هـ ـ 1993م ،الطبعة األوىل حتقيق :عبدالسالم عبد
الشايف حممد ،عدد األجزاء )5( :
مفاتيح الغيب -28
الفخر الرازي ،الكتب العلمية ،بريوت ،ط األوىل 1421 ،هـ 2000 -م
مفردات ألفاظ القرآن -29
احلسني بن حممد بن املفضل املعروف بالراغب األصفهاين أبو القاسم ،دار القلم ،
دمشق ، 1996 ،ط بدون ،عدد األجزاء ()2
مناهل العرفان في علوم القرآن -30
حممد عبد العظيم الزرقاين ،دار الفكر -بريوت ،ط األوىل ، 1996 ،حتقيق:
مكتب البحوث والدراسات ،عدد األجزاء 2 :
نظم الدرر في تناسب اآليات والسور -31
برهان الدين أبو احلسن إبراهيم بن عمر البقاعي دار الكتب العلمية ـ بريوت ،الطبعة
الثانية 2002 /م ـ 1424هـ ،عدد األجزاء ()8
291
ثالثًا :الحديث الشريف وعلومه
األدب المفرد -32
حممد بن إمساعيل أبو عبد اهلل البخاري اجلعفي ،دار البشائر اإلسالمية – بريوت ،ط
الثالثة ، 1989 – 1409 ،حتقيق :حممد فؤاد عبد الباقي
الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم -33
أبو احلسني مسلم بن احلجاج بن مسلم القشريي النيسابوري ،دار اجليل ،دار األفاق
اجلديدة بريوت ـ بريوت ،ويقع يف مثانية أجزاء يف أربع جملدات
جمع الجوامع المعروف بالجامع الكبير -34
جالل الدين السيوطي ،األزهر الشريف ،جممع البحوث اإلسالمية ،حتقيق :خمتار
إبراهيم اهلائج ،عبد احلميد حممد ندا ،حسن عيسى عبد الظاهر – 1426 ،
2005ويقع يف 25جملد
سنن ابن ماجه -35
حممد بن يزيد أبو عبد اهلل القزويين ،ط بدون ،دار الفكر – بريوت ،حتقيق :حممد
فؤاد عبد الباقي ،عدد األجزاء ()2
سنن ابن ماجه -36
أيب عبد اهلل حممد ابن يزيد القزويين ،ط بدون سنة بدون الناشر بدون ،حتقيق :حممد
فؤاد عبد الباقي
سنن الترمذي -37
حممد بن عيسى أبو عيسى الرتمذي السلمي ،دار إحياء الرتاث العريب – بريوت،
حتقيق :أمحد حممد شاكر وآخرون ،عدد األجزاء ، 5 :األحاديث مذيلة بأحكام
األلباين عليها
السنن الكبرى -38
أمحد بن شعيب أبو عبد الرمحن النسائي ،دار الكتب العلمية – بريوت ،ط األوىل ،
،1991 - 1411حتقيق :د.عبد الغفار سليمان البنداري ,سيد كسروي حسن ،
عدد األجزاء 6 :
292
صحيح البخاري -39
حممد بن إمساعيل أبو عبداهلل البخاري اجلعفي ،دار ابن كثري ،اليمامة ،بريوت،
الطبعة الثالثة ،1987 – 1407 ،حتقيق ،مصطفى أديب البغا ،ويقع يف 6أجزاء
كنز العمال في سنن األقوال واألفعال -40
علي بن حسام الدين املتقي اهلندي ،مؤسسة الرسالة ،بريوت 1989م
مسند اإلمام أحمد ،أحمد بن حنبل -41
حتقيق :شعيب األرنؤوط وآخرون ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة :الثانية 1420هـ ،
1999م ،ويقع يف 50جزًء
مسند البزار -42
البزار أبو بكر أمحد بن عمرو البصري الشيخ
المنتخب من مسند عبد بن حميد -43
عبد بن حميد بن نصر أبو محمد الكسي ،مكتبة السنة – القاهرة ،ط األولى – 1408 ،
1988
رابعًا :السيرة
حياة الصحابة -44
حممد يوسف الكاند هلوي ،دار املعرفة ،بريوت لبنان ط بدون تاريخ بدون ويقع يف
3جملدات
الرحيق المختوم -45
صفي الرمحن املبارك فوري ،دار املؤيد ،الرياض ،ط بدون 1425هـ 2004 -م
الّر يادة في حروب وفتوحات أبي بكر الّصديق -46
حمّم د ضاهر وتر ،احتاد الكتاب العرب1999
http://shamela.ws/index.php/book/7436
زاد المعاد -47
ابن القيم ابن قيم اجلوزية ،ط 14مؤسسة الرسالة -بريوت 1407 -هـ -
1986م
293
السيرة النبوية -48
عبد امللك بن هشام بن أيوب احلمريي املعافري أبو حممد ،دار اجليل ،1411 ،
بريوت ،حتقيق طه عبد الرءوف سعد
السيرة النبوية -49
أبو الفدا إمساعيل بن عمر ابن كثري القرشي الدمشقي ،دار املعرفة ،بريوت لبنان
1976 - 1395
فقه السيرة -50
حممد الغزايل ،دار القلم ،دمشق الطبعة السابعة – 1998
النبوة واألنبياء في القرآن والسنة -51
http://shamela.ws/index.php/book/7436 علي بن نايف الشحود
الوفا بتعريف فضائل المصطفى -52
http://shamela.ws/index.php/book/7436 ابن اجلوزي ،
خامسًا :المعاجم
أساس البالغة -53
حممود بن عمر الزخمشري جار اهلل أبو القاسم ،حتقيق :حممد باسل عيون السود،
دار النشر :دار الفكر 1399 -هـ 1979م .
األمالي في لغة العرب -54
أبو علي إمساعيل بن القاسم القايل البغدادي ،دار الكتب العلمية ،سنة النشر 1398هـ
1978م ،بريوت لبنان.
جمهرة اللغة -55
ابن دريد حممد بن احلسن ،دار العلم للماليني ،ط 1987 ، 1
القاموس الفقهي -56
سعدي أبو جيب دار الفكر .دمشق -ط الثانية 1408 ،هـ = 1988م
القاموس المحيط -57
294
الفريوز أبادي ،دار اجليل ،بريوت 1952 – 1371 ،م
لسان العرب -58
حممد بن مكرم بن منظور األفريقي املصري ،دار صادر ،بريوت ،الطبعة األوىل
مقاييس اللغة -59
أيب احلسني أمحد بن فاِر س بن زَك ِر ّيا ،حتقيق ،عبد الَّس الم حممد َه اُر ون ،احتاد
الكتاب العرب ،الطبعة 1423 ،هـ = 2002م .ويقع يف 6األجزاء
سادسًا :مراجع عامة
أبعاد متطورة في الفكر التربوي -60
http://shamela.ws/index.php/book/7436 نبيه يس ،ط ،1دار اخلاجني القاهرة
أحكام الجهاد وفضائله -61
عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم السلمي حتقيق نزيه كمال محاد ،دار الوفاء .جدة
الطبعة األوىل 1986-1406م
األحكام السلطانية -62
القاضي أيب يعلى حممد بن احلسني الفراء احلنبلي ،حتقيق :حممد حامد الفقي ،دار
الكتب العلمية بريوت لبنان 1403هـ 1938 -م
إحياء علوم الدين -63
حممد بن حممد الغزايل أبو حامد ،ط ،بدون ،دار املعرفة ،بريوت ،ويقع يف أربع
أجزاء
إحياء علوم الدين -64
محمد بن محمد الغزالي أبو حامد ،دار المعرفة ،سنة ،بدون ،بيروت ،عدد
األجزاء 4
أدب الدنيا والدين -65
علي بن حممد بن حبيب املاوردي ،ط ،16دار إحياء الرتاث العريب 1979
أسد الغابة في معرفة الصحابة -66
عز الدين ابن األثري أيب احلسن علي بن حممد اجلزري ،دار الفكر ،بريوت لبنان،
295
1409هـ – 1989م
296
الجدل في القرآن الكريم -76
حممد التومي ،دار الفنون ،جامعة الزيتونة ،تونس 1980-1400 ،
الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة -77
حيىي بن حممد حسن زمزمي ، :ط 2دار املعايل – األردن 1422 ،هـ 2002 -م
الحوار المتسامح -78
عبد الكرمي بكار ،مقال مبجلة املعرفة ،تصدرها وزارة الرتبية والتعليم باململكة العربية
السعودية عدد ()121
الخطوات الذكية -79
سام ديب ،وليل سومسان ترمجة سامي تيسري سلمان ،دار املؤمتن للنشر ،ط 1418
درء تعارض العقل والنقل ،أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول -80
تقي الدين أحمد بن عبد السالم بن عبد الحليم بن عبد السالم بن تيمية شيخ اإلسالم ،دار الكتب
العلمية ،بيروت 1417 ،هـ 1997 -م ،تحقيق :عبداللطيف عبدالرحمن عدد األجزاء ( )10
دروس صوتية -81
عطية بن حممد سامل ،مصدر الكتاب :قام بتفريغها موقع الشبكة اإلسالمية
http://www.islamweb.netالكتاب مرقم آليا ،ورقم اجلزء هو رقم الدرس 12 -
درسا
دروس للشيخ سلمان العودة -82
http://shamela.ws/index.php/book/7436 املكتبة الشاملة
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين -83
أيب عبد اهلل حممد بن أيب بكر الدمشقي الشهري بابن القيم ،دار الكتب العلمية ،
بريوت لبنان ط بدون
عيون األخبار -84
http://www.alwarraq.com ابن قتيبة الدينوري ،موقع الوراق
فن اإلصالح بين الناس توجيهات وآداب قواعد وخطوات،فهد بن فريج املعال -85
البلوي
297
كيف تكسب األصدقاء وتؤثر في الناس -86
ديل كارنيجي ،ترمجة عبد املنعم الزيادي ،مكتبة اخلاجني ،القاهرة 1951م
http://shamela.ws/index.php/book7436 مجلة البحوث اإلسالمية -87
المعجم األوسط -88
أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ،دار الحرمين -القاهرة 1415 ،تحقيق :طارق
بن عوض الله بن محمد ,عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني عدد األجزاء ()10
المعجم الوسيط -89
مقدمة في علم التفاوض السياسي واالجتماعي -90
حسن حممد وجيه
مناهج الجدل في القرآن -91
زاهر األملعي ،دار الفرزدق ،الرياض دون تاريخ ويقع يف 466صفحة
-92الحوار في السيرة النبوية
السيد علي خضر ،املركز العاملي للتعريف بالرسول صلى اهلل عليه وسلم .
http://www.siironline.org/alabwab/monawat/84.htm -93
http://www.hadielislam.com -94
http://www.hadielislam.com -95
http://www.altafsir.com موقع التفاسري -96
http://www.raqamiya.org -97
www.awu-dam.com موقع احتاد الكتاب العرب على شبكة االنرتنت -98
مقاييس اللغة مصدر الكتاب http://www.awu-dam.org : -99
موقع مكتبة املدينة الرقمية http://www.raqamiya.org -100
موقع جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف www.qurancomplex.com -101
موقع اإلسالم www.qurancomplex.com -102
املكتبة الوقفية http://www.waqfeya.net/book.php?bid=4126 -103
املكتبة الشاملة http://shamela.ws/index.php/book/7436 -104
298
299