عن تجربة إقامة مشروع دولتان،وطن واحد- ميرون رابابورت 2

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 7

‫محور العدد‪ :‬مستقبل الصراع اإلسرائيلي ‪-‬الفلسطيني‪ :‬أطروحات وبدائل إسرائيلية جديدة‬

‫ميرون رابابورت *‬

‫عن تجربة إقامة مشروع‬


‫«دولتان‪ ،‬وطن واحد»‬

‫زيتــا‪ ،‬تلــك التــي كانــت تصــل قبــل العــام ‪ 1948‬إىل مدينــة‬ ‫ـت يف مهمــة صحافيــة أوصلتنــي إىل‬ ‫يف العــام ‪ ،2002‬خرجـ ُ‬
‫الخضــرة‪ ،‬بــل إىل البحــر أيضـاً‪ .‬حتــى أن بعضهــم حــرص‪،‬‬ ‫قريــة زيتــا يف شــمال الضفــة الغربيــة‪ .‬كانــت إرسائيــل قــد‬
‫أيضــا‪ ،‬عــى عــرض كواشــن تلــك األرايض أمامــي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رشعــت يف بنــاء الجــدار الفاصــل يف املنطقــة‪ ،‬األمــر الــذي كان‬
‫كان األمــر مفاجئًــا بالنســبة يل‪ ،‬إذ رأيــت أمامــي أشـ ً‬
‫ـخاصا‬ ‫سيســلب ســكان القريــة اآلالف مــن أشــجار الزيتــون التــي‬
‫تعتــزم إرسائيــل نهــب أراضيهــم يف غضــون شــهر حتــى‬ ‫كانــوا يمتلكونهــا‪ ،‬إذ أقيــم الجــدار عــى أراضيهــم بالضبــط‪.‬‬
‫شــهرين‪ ،‬ليصبحــوا فجــأة‪ ،‬بــن ليلــة وضحاهــا‪ ،‬دون مصــدر‬ ‫جلســت يف املجلــس املحــي يف القريــة برفقــة بعــض املزارعــن‬
‫رزق‪ ،‬بينمــا هــم يتحدثــون‪ ،‬بحماســة وحرقــة‪ ،‬ليــس عــن‬ ‫واســتمعت إىل تخوفاتهــم‪ :‬مــاذا ســيكون مصــر أشــجار‬
‫أراض خرسوهــا‬ ‫أراضيهــم التــي ســيخرسونها اآلن‪ ،‬بــل عــن ٍ‬ ‫الزيتــون التــي ســيتم اقتالعهــا جــراء بنــاء الجــدار؟ كيــف‬
‫أراض لــم يفلحوهــا َقــطّ‬
‫قبــل أكثــر مــن خمســن ســنة‪ٍ ،‬‬ ‫ســيكون بإمكانهــم الوصــول إىل أراضيهــم التــي ســتبقى‬
‫فهُ ــم‪ ،‬يف غالبيتهــم‪ ،‬يف ريعــان الشــباب‪ .‬هنــاك‪ ،‬يف مقــر‬ ‫«يف الجانــب اإلرسائيــي» مــن الجــدار؟ لكــن أم ـ ًرا لــم أكــن‬
‫املجلــس القــروي يف زيتــا‪ ،‬لــم يكــن حــق العــودة مصطلحً ــا‬ ‫أتوقعــه حصــل يف تلــك اللحظة‪ .‬بــدأ املزارعــون الفلســطينيون‬
‫سياســيًا مجــردًا‪ ،‬وال طريقــة للقضــاء عــى دولــة اليهــود‪،‬‬ ‫أنفســهم يحدّثوننــي عــن األرايض «األخــرى» التابعــة لقريــة‬
‫‪31‬‬
‫مثلمــا يتعلــم أي يهــودي يف إرسائيــل يف املدرســة أو مــن‬
‫وســائل اإلعــام‪ .‬بــل كان قضيــة عاطفيــة‪ ،‬تــوق الفالحــن‬ ‫* صحايف إرسائييل‪ ،‬من مؤسيس حركة السالم «دولتان‪ ،‬وطن واحد»‪.‬‬

‫عدد ‪85‬‬
‫تــؤدي‪ ،‬يف نهايتهــا‪ ،‬إىل أن نكــون «نحــن»‪ ،‬اليهــود‪« ،‬هنــا»‬ ‫ط‪ ...‬كان‬ ‫إىل «أراضيهــم»‪ ،‬حتــى لــو لــم يروهــا يف حياتهــم َقـ ّ‬
‫«هــم»‪ ،‬الفلســطينيون‪« ،‬هنــاك»‪ .‬وقــد عُ ــرض‬ ‫بينمــا يكونــون ُ‬ ‫هويــة‪.‬‬
‫الفصــل مــن جانــب اليســار الصهيونــي ويف أوســاطه بكونــه‬ ‫منــذ تبلــورت قناعاتــي ومواقفــي السياســية‪ ،‬أعتــر نفيس‬
‫عمليــة إيجابيــة تتوقــف إرسائيــل يف نهايتهــا عــن الســيطرة‬ ‫ـاركت يف التظاهــر مــن أجــل االنســحاب‬‫ـخصا يســاريًا‪ .‬شـ ُ‬‫شـ ً‬
‫عــى الفلســطينيني والتحكــم بهــم ويبــدؤون‪ ،‬هــم‪ ،‬بــإدارة‬ ‫اإلرسائيــي مــن ســيناء مقابــل الســام مــع مــر‪ ،‬قبــل‬
‫شــؤون حياتهــم‪.‬‬ ‫حــرب العــام ‪ ،1973‬وحــن بــدأت «الجبهــة الديمقراطيــة‬
‫ذهبــت إىل زيتــا‪ ،‬ثــم إىل أماكــن أخــرى‬ ‫ُ‬ ‫لكــن‪ ،‬حــن‬ ‫للســام واملســاواة» بطــرح فكــرة «دولتــان لشــعبني»؛ أي‬
‫ُ‬
‫شــاهدت بــأم‬ ‫عديــدة يف الضفــة الغربيــة ويف القــدس‪،‬‬ ‫دولــة فلســطينية إىل جانــب دولــة إرسائيــل‪ ،‬أي ُ‬
‫ّــدت ذلــك‬
‫عينــي كيــف تقــوم إرسائيــل باســتخدام نمــوذج الفصــل‬ ‫بــكل قــوة‪ .‬أذك ـ ُر نفــي متظاه ـ ًرا ضــد املســتوطنات األوىل‬
‫مــن أجــل تعزيــز ســيطرتها عــى الفلســطينيني وحرشهــم‬ ‫التــي أقامتهــا حركــة «غــوش أيمونيــم» يف سبســطية (البلــدة‬
‫يف مناطــق محــدودة وضيقــة‪ ،‬أضيــق مــا أمكــن‪ .‬أكثــر مــا‬ ‫الفلســطينية الواقعــة عــى بُعــد ‪ 15‬كيلومــرًا إىل الشــمال‬
‫أمكــن مــن الفلســطينيني عــى أقــل مــا أمكــن مــن املســاحة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ســمعت يف‬ ‫الغربــي مــن مدينــة نابلــس)‪ .‬لذلــك‪ ،‬حــن‬
‫كان هــذا هــو النهــج الســائد قبــل خطــة ترامــب («صفقــة‬ ‫أيلــول ‪ 1993‬عــن التوقيــع عــى اتفاقيــة أوســلو‪ ،‬غمرتنــي‬
‫القــرن») بنحــو عرشيــن عامًــا‪ ،‬إال أنــه كان واضحً ــا منــذ‬ ‫الفرحــة‪ .‬هــا هــو ظلــم االحتــال اإلرسائيــي الــذي بــدأ يف‬
‫ذلــك الحــن كيــف تشــكل فكــرة الفصــل هــذه أداة لتحويــل‬ ‫ـرت بينــي وبــن نفــي‪.‬‬ ‫العــام ‪ 1967‬يصــل إىل نهايتــه‪ ،‬فكـ ُ‬
‫الضفــة الغربيــة إىل بانتوســتانات‪ ،‬يكــون الفلســطينيون‬ ‫وكمــا انســحبت مــن ســيناء‪ ،‬ســوف تنســحب إرسائيــل مــن‬
‫فيهــا «مفصولــن» عــن بعضهــم البعــض‪ ،‬مفصولــن عــن‬ ‫أيضــا‪ ،‬وســينتهي الــراع‬ ‫الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪ً ،‬‬
‫أراضيهــم‪ ،‬مفصولــن عــن بالدهــم‪.‬‬ ‫بــن إرسائيــل والفلســطينيني‪.‬‬
‫كان لنمــوذج الفصــل أثــر ســلبي آخــر ال يجــوز التقليــل‬ ‫جــرى اللقــاء يف زيتــا يف خضــم االنتفاضــة الثانيــة‪،‬‬
‫مــن أهميتــه‪ .‬فمــع تبنّــي اليســار ـ الوســط اليهــودي فكــرة‬ ‫حــن بــدت األحــام بشــأن حــل رسيــع للــراع بعيــدة‬
‫«الطــاق» مــن الفلســطينيني‪ ،‬انعكــس األمــر بصــورة‬ ‫املنــال جـدًا‪ ،‬بــل مســتحيلة التحقــق تما ًمــا‪ ،‬تقريبًــا‪ .‬لكننــي‬
‫مبــارشة عــى العالقــة مــع األقليــة الفلســطينية ضمــن‬ ‫تعلمــت منــه شــيئًا يف غايــة األهميــة‪ .‬فقــد أدركــت بصــورة‬
‫حــدود دولــة إرسائيــل‪ ،‬داخــل حــدود العــام ‪ .1948‬ومــن‬ ‫معمقــة‪ ،‬للمــرة األوىل يف حياتــي ـ ليــس إدرا ًكا نظريًــا‪ ،‬بــل‬
‫هــذا النمــوذج‪ ،‬تحديــدًا‪ ،‬وُلــدت فكــرة أفيغــدور ليربمــان‬ ‫َفهْ ـ ٌم ملمــوس ـ أنــه مــن غــر املمكــن التفكــر بهــذا الــراع‬
‫بشــأن «نقــل» بلــدات املثلــث إىل الدولــة الفلســطينية وســلب‬ ‫وكأنــه بــدأ يف العــام ‪ 1967‬فقــط؛ أنــه مــن غــر املمكــن‬
‫املواطنــة اإلرسائيليــة مــن عــرات آالف الفلســطينيني الذيــن‬ ‫الحديــث عــن ‪ 1967‬دون الحديــث عــن ‪1948‬؛ أنــه مــن‬
‫يعيشــون يف داخــل إرسائيــل‪.‬‬ ‫غــر املمكــن الفصــل بصــورة مصطنعــة بــن أجــزاء هــذه‬
‫لذلــك‪ ،‬حــن أطلقنــا‪ ،‬مــع مجموعــة مــن الفلســطينيني‬ ‫البــاد املمتــدة بــن نهــر األردن والبحــر‪ .‬فحتــى لــو أقامــوا‬
‫واليهــود ـ اإلرسائيليــن‪ ،‬قبــل نحــو عقــد مــن الزمــن‪ ،‬مبادرة‬ ‫لــه‪ ،‬عــى أراضيــه‪ ،‬جــدا ًرا بارتفــاع عــرة أمتــار‪ ،‬ســيواصل‬
‫اتخــذت يف مــا بعــد اســم «دولتــان‪ ،‬وطــن واحــد» (أو‪« :‬بــاد‬ ‫الفــاح مــن زيتــا التفكــر بــأن أرايض القريــة التــي ُســلبت‬
‫للجميــع»)‪ ،‬كان واضحً ــا لنــا‪ ،‬منــذ اللحظــة األوىل‪ ،‬أنــه ينبغي‬ ‫يف العــام ‪ 1948‬هــي جــزء مــن هويتــه‪ ،‬هــي جــزء مــن‬
‫اســتبدال نمــوذج الفصــل بنمــوذج آخــر‪ ،‬نمــوذج الرشاكــة يف‬ ‫فلســطني‪ ،‬حتــى لــو كانــت تقــع اليــوم ضمــن كيــان ســيايس‬
‫الحيــز املمتــد مــا بــن النهــر والبحــر؛ نمــوذج يقــوم عــى‬ ‫يُســمى دولــة إرسائيــل‪.‬‬
‫املســاواة القوميــة‪ ،‬الجماعيــة واملدنيــة‪ ،‬عــى حريــة التنقــل‬ ‫كمــا علمتنــي الزيــارة يف زيتــا شــيئًا آخــر مه ًمــا‪ .‬أطلقــت‬
‫والســكن للجميــع‪ ،‬فلســطينيني ويهــود ـ إرسائيليــن‪.‬‬ ‫إرسائيــل عــى الجــدار الــذي أقامتــه يف زيتــا‪ ،‬ثــم يف أماكــن‬
‫منــذ ذلــك الحــن‪ ،‬تعــززت قناعاتــي أكثــر فأكثــر‪ .‬كلمــا‬ ‫أخــرى مــن الضفــة الغربيــة‪ ،‬اســم «جــدار الفصــل»‪ .‬هــذا‬
‫طــورت إرسائيــل مــن نظــام اإلبرتهايــد الــذي تفرضــه وكلمــا‬ ‫الجــدار كان مرشوعً ــا نفــذه رئيــس الحكومــة أريئيل شــارون‪،‬‬
‫عــززت‪ ،‬يف املنطقــة مــا بــن النهــر والبحــر‪ ،‬نظامًــا يضمــن‬ ‫لكــن فكرتــه ـ فكــرة الفصل ـ هــي فكــرة اليســار الصهيوني‬
‫ً‬
‫حقوقــا أكثــر مــن تلــك‬ ‫لجماعــة واحــدة‪ ،‬هــي الجماعــة اليهوديــة‪،‬‬ ‫يف األصــل‪ .‬فقــد ســوق إســحق رابــن للجمهــور اإلرسائيــي ـ‬ ‫‪32‬‬
‫التــي يوفرهــا لجماعــة األصالنيــن الفلســطينية‪ ،‬ينبغــي أن يكــون‬ ‫اليهــودي عمليــة الســام مــع الفلســطينيني باعتبارهــا عمليــة‬

‫عدد ‪85‬‬
‫(أ‪.‬ف‪.‬ب)‬ ‫ ‬‫هدم يف مناطق «ج» يف الخليل‪ -‬وقائع التوسع اإلرسائييل تواصل إغالق ممكنات حل الدولتني‪.‬‬

‫القوميــة‪ .‬الدولــة الفلســطينية املســتقلة وذات الســيادة عــى‬ ‫الــرد عــى ذلــك‪ :‬املســاواة وإزالــة نظــام األبرتهايــد‪ .‬وعلينــا أن‬
‫كامــل املناطــق التــي احتُلــت يف العــام ‪ 1967‬هــي‪ً ،‬‬
‫أيضــا‪،‬‬ ‫نتذكــر أن األبرتهايــد‪ ،‬باللغــة األفريقانيــة‪ ،‬تعنــي‪« :‬الفصــل»‪.‬‬
‫الطريــق األرسع واألســهل إلنهــاء االحتــال اإلرسائيــي‪ .‬مــن‬ ‫أُقـ ّر وأَعــرف‪ :‬التفكــر بهــذا االتجــاه هــو أقــرب إىل فكرة‬
‫حــق الفلســطينيني أن يديــروا شــؤونهم بأنفســهم‪ ،‬دون‬ ‫الدولــة الديمقراطيــة الواحــدة‪ ،‬دولــة جميــع مواطنيهــا بــن‬
‫اضطهــاد االحتــال والتفــوق اليهــودي‪.‬‬ ‫النهــر والبحــر أو دولــة ثنائيــة القوميــة يف الحيــز ذاتــه‪ .‬هــذه‬
‫أمــا الجانــب العمــي فهــو أن ثمــة إجماعً ــا دوليًــا واســعً ا‬ ‫الفكــرة ال تخيفنــي وهــي‪ ،‬يف نظــر رشكائــي الفلســطينيني‪،‬‬
‫عــى حــل الدولتــن‪ .‬تقــوم قــرارات األمــم املتحــدة‪ ،‬االتحــاد‬ ‫فكــرة جميلــة وعادلــة‪ .‬لكــن نحــن واصلنــا‪ ،‬منــذ اللحظــة‬
‫األوروبــي ومجموعــة أخــرى مــن املؤسســات الدوليــة‪ ،‬عــى‬ ‫األوىل‪ ،‬التشــبث بالحــل الــذي يقــوم عــى أســاس دولتــن‬
‫تبنــي فكــرة الدولتــن‪ ،‬دولــة فلســطني إىل جانــب دولــة‬ ‫مســتقلتني وســياديتني‪ ،‬إرسائيــل وفلســطني‪ ،‬يف حــدود الرابــع‬
‫إرسائيــل‪ .‬دولــة فلســطني هــي‪ ،‬منــذ فــرة غــر قصــرة‪،‬‬ ‫ـاو‪ ،‬مــا‬
‫مــن حزيــران ‪ .1967‬دولتــان يف إطــار مشــرك ومتسـ ٍ‬
‫عضــو يف عــدد مــن املؤسســات واملنظمــات الدوليــة‪ ،‬بمــا‬ ‫يســمى يف قامــوس العلــوم السياســية‪ :‬كونفدراليــة‪.‬‬
‫فيهــا املحكمــة الجنائيــة الدوليــة يف الهــاي‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬فــإن‬ ‫باإلمــكان تقســيم تحفظنــا عــى فكــرة الدولــة الواحــدة‬
‫حــل الدولــة الواحــدة يحتّــم عــى جميــع هــذه املؤسســات‬ ‫إىل قســمني‪ :‬الجانــب املبدئــي والجانــب العمــي‪ .‬يف املســتوى‬
‫ـي إرسائيــل‬ ‫واملنظمــات الدوليــة الرتاجــع عــن اعرتافهــا بدولتـ ّ‬ ‫املبدئــي‪ ،‬نحــن نؤمــن بــأن لــكل واحــد مــن الشــعبني اللذيــن‬
‫وفلســطني وســحب هــذا االعــراف‪ .‬وهــذه مهمــة عظيمــة‬ ‫يعيشــان هنــا ـ اليهــودي اإلرسائيــي والفلســطيني ـ الحــق‬
‫فــرص نجاحهــا ضئيلــة ومــن شــأنها تعريــض اإلنجــازات‬ ‫يف تقريــر املصــر‪ .‬إرسائيــل هــي دولــة قائمــة واليهــود ـ‬
‫التــي اســتطاع الفلســطينيون تحقيقهــا يف الحلبــة الدوليــة‬ ‫اإلرسائيليــون قــد جســدوا فيهــا حقهــم يف تقريــر مصريهــم؛‬
‫للخطــر‪.‬‬ ‫حقــا‪ ،‬لكــن هــذا الحــق ســيبقى‬ ‫عــى حســاب شــعب آخــر‪ً ،‬‬
‫أيضا الصعوبــة الجمّ ــة يف إقناع‬ ‫إىل هــذا‪ ،‬يجــب أن نضيــف ً‬ ‫نافــذًا حتــى بعــد زوال االحتــال وبعــد إيجــاد حــل‬
‫األغلبيــة اليهوديــة ـ اإلرسائيليــة باملوافقــة عــى دولــة واحــدة‬ ‫عــادل لقضيــة الالجئــن‪ .‬وعليــه‪ ،‬فمــن العــدل أن تكــون‬
‫‪33‬‬
‫تفقــد فيهــا األغلبيــة تفوقهــا الديمغــرايف‪ .‬عمليًــا‪ ،‬املطالبــة‬ ‫أيضــا دولــة‪ .‬هــذا هــو معنــى املســاواة‬ ‫للفلســطينيني ً‬

‫عدد ‪85‬‬
‫وخصوصــا «العمــل» و»مريتــس» ـ تبنــت هــذا الطريــق‬ ‫ً‬ ‫طالبــة إرسائيــل بالتفــكك‪ .‬حتــى‬ ‫بدولــة واحــدة تعنــي م ُ‬
‫فعليًــا كنهــج رســمي‪ .‬واألزمــة التــي يتخبــط فيهــا حــل‬ ‫أولئــك الذيــن يعتقــدون بــأن العدالــة التاريخيــة تســتوجب‬
‫أيضــا‪ ،‬ســبب تصاعــد التأييــد لحــل الدولــة‬ ‫الدولتــن تفــر‪ً ،‬‬ ‫تفكيــك إرسائيــل‪ ،‬ســيجدون صعوبــة يف رشح كيــف وملــاذا‬
‫الواحــدة ـ دولــة جميــع مواطنيهــا أو الدولــة ثنائيــة القوميــة‬ ‫ســيكون باإلمــكان دفــع الجماعــة اليهوديــة ـ اإلرسائيليــة إىل‬
‫ـ بــن الفلســطينيني‪ ،‬بــل وبــن أوســاط غــر قليلــة مــن‬ ‫القبــول بحــل الدولــة الواحــدة مــن دون إخضاعهــا كليًــا‪،‬‬
‫اليســار الراديــكايل اليهــودي‪ .‬وقــد تبــن يل‪ ،‬مــن محادثــات‬ ‫ـا وقــد‬ ‫ـا جميـ ً‬ ‫بالكامــل‪ .‬يبقــى حــل الدولــة الواحــدة حـ ً‬
‫أجريتهــا مــع فلســطينيني‪ ،‬أن كثرييــن آخريــن قــد اتخــذوا‬ ‫يوصــل خيــار الكونفدراليــة الفلســطينية ـ اإلرسائيليــة الــذي‬
‫قرارهــم بأنــه مــن األفضــل االنتظــار‪ .‬ففــي نهايــة املطــاف‪،‬‬ ‫نقرتحــه اآلن إىل تلــك النتيجــة يف نهايــة املطــاف‪ ،‬إال أنــه غــر‬
‫يقولــون‪ ،‬ال بــد للعدالــة أن تنتــر‪.‬‬ ‫ممكــن كهــدف ســيايس يف هــذه اللحظــة التاريخيــة‪.‬‬
‫أنــا ال أوهــم نفــي بــأن نهايــة االحتــال ســتتحقق‬ ‫رسا أن حــل الدولتــن موجــود اآلن يف أزمــة‬ ‫لكــن ليــس ً‬
‫ملجــرد اقتنــاع عــدد كاف مــن اإلرسائيليــن والفلســطينيني‬ ‫فطبقــا الســتطالعات الــرأي التــي يجريهــا د‪ .‬خليــل‬‫ً‬ ‫عميقــة‪.‬‬
‫بحــ ٍّل مــا‪ ،‬ولــو كان الحــل الــذي نقرتحــه نحــن يف «بــاد‬ ‫الشــقاقي ود‪ .‬داليــا شــايندلني‪ ،‬ســجل التأييــد لحــل الدولتــن‬
‫للجميــع»‪ .‬ذلــك أنــه بــدون مقاومــة فلســطينية وضغــط دويل‬ ‫تراجعً ــا حــادًا جـدًا خــال العقــد املمتــد بــن ‪ 2010‬و‪،2020‬‬
‫عــى إرسائيــل ـ اقتصاديًــا‪ ،‬سياســيًا‪ ،‬أكاديميًــا وثقافيًــا (يف‬ ‫بــن اإلرسائيليــن والفلســطينيني عــى حــد ســواء (مــن ‪71‬‬
‫الرياضــة‪ ،‬عــى ســبيل املثــال)‪ ،‬ســيكون مــن الصعــب رؤيــة‬ ‫باملائــة إىل ‪ 44‬باملائــة بــن اإلرسائيليــن ومــن ‪ 57‬باملائــة‬
‫كيــف مــن املمكــن أن يقبــل املجتمــع اإلرسائيــي ـ اليهــودي‬ ‫إىل ‪ 43‬باملائــة بــن الفلســطينيني)‪ .‬ويصبــح الوضــع أكثــر‬
‫بتغيــر الوضــع الراهــن‪ ،‬وهــو وضــع مريــح للغالبيــة‬ ‫ســوءًا لــدى طــرح الســؤال حــول فــرص تطبيــق هــذا الحــل‬
‫الســاحقة منــه‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬أنــا أؤمــن بأنــه مــن املهــم جـدًا‬ ‫ـ ‪ 31‬باملائــة فقــط مــن الفلســطينيني يعتقــدون بأنــه مــا زال‬
‫أن تكــون للنضــال مــن أجــل إنهــاء االحتــال ‪ -‬األبرتهايــد‬ ‫ممكنًــا‪ ،‬مقابــل ‪ 45‬باملائــة مــن اإلرسائيليــن‪ .‬والحقيقــة أنــه‬
‫صــورة مســتقبلية‪ ،‬بحيــث يســتطيع الفلســطينيون واليهــود‬ ‫ـا‪ :‬يكفــي‬ ‫لــم تعــد ثمــة حاجــة إىل اســتطالعات الــرأي أصـ ً‬
‫القــول‪ :‬هــذا هــو هدفنــا وإىل هنــاك نريــد الوصــول‪ ،‬هكــذا‬ ‫اإلصغــاء إىل حــوارات املقاهــي يف شــوارع رام اللــه أو تــل‬
‫نــرى حياتنــا يف هــذه البــاد التــي نعتربهــا وطنًــا‪.‬‬ ‫أبيــب‪.‬‬
‫ينبغــي لحــل كهــذا‪ ،‬يف نظــري‪ ،‬أن يلبــي معياريــن ‪/‬‬ ‫املذنبــة األساســية‪ ،‬والوحيــدة تقريبًــا‪ ،‬يف هــذا الهبــوط‬
‫ُله ًمــا‪ ،‬كمــا يجــب‬ ‫رشطــن اثنــن‪ :‬يجــب أن يكــون عـ ً‬
‫ـادل وم ِ‬ ‫الحــاد يف تأييــد فكــرة الدولتــن واإليمــان بإمــكان تطبيقهــا‬
‫ـا بالواقــع‪ .‬أخــى أن يكــون نمــوذج‬ ‫أن يكــون واقعيًــا ومتصـ ً‬ ‫هــي إرسائيــل‪ .‬فالضــم الزاحــف‪ ،‬إزالــة الخــط األخــر‬
‫الدولتــن «الكالســيكي»‪ ،‬النمــوذج املســتند إىل فكــرة الفصــل‪،‬‬ ‫ومحــوه‪ ،‬توســيع املســتوطنات والعنــف اليومــي مــن جانــب‬
‫قــد أخفــق يف تلبيــة هذيــن املعياريــن‪ .‬فهــو غــر متصــل‬ ‫املســتوطنني ضــد الفلســطينيني‪ ،‬العنــف الدمــوي الــذي‬
‫بالواقــع ألنــه يتجاهــل حقيقــة أن اليهــود والفلســطينيني‬ ‫يمارســه الجيــش اإلرسائيــي‪ ،‬الحصــار عــى قطــاع غــزة‪،‬‬
‫قــد أصبحــوا متداخلــن‪ ،‬بــل مختلِطــن‪ ،‬بدرجــة كبــرة‬ ‫هــدم البيــوت‪ ،‬إخــاء العائــات الفلســطينية مــن الشــيخ‬
‫جــدًا يف كل الحيــز املمتــد بــن النهــر والبحــر ـ جغرافيًــا‪،‬‬ ‫جــراح وســلوان مــن قِ بــل مســتوطنني يهــود‪ ،‬إىل جانــب‬
‫ديمغرافيًــا‪ ،‬اقتصاديًــا وغريهــا‪ ،‬ولذلــك فــإن الفصــل‬ ‫التجاهــل التــام واملطلــق ملنظمــة التحريــر الفلســطينية‬
‫الفيــزي الفعــي بينهــم هــو غــر ممكــن البتــة‪ ،‬تقريبًــا‪،‬‬ ‫والســلطة الفلســطينية (باســتثناء مــا يتصــل بـــ «التنســيق‬
‫أو يتطلــب إجــراء تغيــرات دراماتيكيــة جــدًا‪ ،‬مثــل إخــاء‬ ‫األمنــي») ـ هــذه‪ ،‬جميعهــا‪ ،‬تقنــع الفلســطينيني‪ ،‬وكذلــك‬
‫مئــات آالف األشــخاص مــن بيوتهــم أو تقســيم حيــز مدينــي‪،‬‬ ‫اإلرسائيليــن‪ ،‬بــأن ال أمــل عــى اإلطــاق يف أن تتخــى إرسائيــل‬
‫كمــا هــو الحــال يف مدينــة القــدس‪ .‬هــل باإلمــكان فصــل‪/‬‬ ‫يو ًمــا عــن ســيطرتها عــى الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة ويف‬
‫تقســيم املنــاخ‪ ،‬أو امليــاه‪ ،‬مثـاً؟ هــل باإلمــكان الفصــل بــن‬ ‫أن تســمح بإقامــة دولــة فلســطينية مســتقلة‪.‬‬
‫الفلســطينيني واليهــود يف حيفــا‪ ،‬عــكا أو «نتســرت عيليــت»‬ ‫طرحــت يف إرسائيــل مؤخـ ًرا مبــادرة‬ ‫حيــال هــذا الوضــع‪ُ ،‬‬
‫(نــوف هجليــل)؟‬ ‫«تقليــص الــراع» التــي هــي‪ ،‬يف الحقيقــة‪ ،‬ليســت أكثــر من‬
‫ناهيــك عــن صعوبــة تطبيقــه الهائلــة‪ ،‬فــإن حــل الفصــل‬ ‫طريقــة إلعــادة تنظيــم االحتــال واألبرتهايــد وتكريســهما‪.‬‬ ‫‪34‬‬
‫ُلهــم‪ ،‬ألنــه يخــدم رؤيــة ســلبية‬‫هــو حــل غــر عــادل وغــر م ِ‬ ‫حكومــة بينيــت‪ ،‬التــي تضــم أحــزاب اليســار اليهــودي ـ‬

‫عدد ‪85‬‬
‫«لذلك‪ ،‬حين أطلقنا‪ ،‬مع مجموعة من الفلسطينيين واليهود ـ اإلسرائيليين‪ ،‬قبل‬
‫نحو عقد من الزمن‪ ،‬مبادرة اتخذت في ما بعد اسم «دولتان‪ ،‬وطن واحد» (أو‪« :‬بالد‬
‫ً‬
‫واضحا لنا‪ ،‬منذ اللحظة األولى‪ ،‬أنه ينبغي استبدال نموذج الفصل‬ ‫للجميع»)‪ ،‬كان‬
‫بنموذج آخر‪ ،‬نموذج الشراكة في الحيز الممتد ما بين النهر والبحر؛ نموذج يقوم‬
‫على المساواة القومية‪ ،‬الجماعية والمدنية‪ ،‬على حرية التنقل والسكن للجميع‪،‬‬
‫فلسطينيين ويهود ـ إسرائيليين»‪.‬‬

‫حصولهــم عــى املواطنــة الفلســطينية‪ ،‬يســتطيع هــؤالء‬ ‫قوامهــا «الطــاق» وانعــدام الرغبــة يف العيــش مــع اآلخــر وإىل‬
‫التحــرك والتنقــل بكامــل الحريــة يف جميــع أنحــاء الوطــن‬ ‫جانبــه‪ ،‬كمــا يتجاهــل املشــاعر العميقــة لــدى كال الشــعبني‬
‫املشــرك‪ ،‬يف إرسائيــل ويف فلســطني‪ ،‬ســواء للعمــل‪ ،‬للســياحة‬ ‫تجــاه الوطــن بأكملــه‪.‬‬
‫أو للســكن‪ .‬أمــا الالجئــون الذيــن يختــارون العيــش يف داخــل‬ ‫نحــن‪ ،‬يف «بــاد للجميــع»‪ ،‬حددنــا ثــاث عقبــات كبــرة‪،‬‬
‫إرسائيــل‪ ،‬أي يف األماكــن التــي ُهجّ ــروا منهــا‪ ،‬فســيحصلون‬ ‫عــى األقــل‪ ،‬يجــد الحــل القائــم عــى الفصــل صعوبــة جمــة‬
‫عــى مكانــة اإلقامــة‪ ،‬يف مــوازاة مواطنتهــم الفلســطينية‪،‬‬ ‫يف تفكيكهــا‪ :‬الالجئــون‪ ،‬املســتوطنات والقــدس‪ .‬وحقيقــة أن‬
‫والتمتــع بجميــع الحقــوق التــي تمنحهــا وتكفلهــا هــذه‬ ‫حــل الفصــل يتجاهــل هــذه العقبــات أو ينحيهــا جانبـا ً هــي‪،‬‬
‫املكانــة‪ ،‬بمــا فيهــا الحــق يف التصويــت يف انتخابات الســلطات‬ ‫يف رأينــا‪ ،‬أحــد أســباب فقدانــه ثقــة الجمهــور‪.‬‬
‫املحليــة‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬يحصــل الالجئــون عــى تعويــض عــن‬ ‫وفقــا لنمــوذج الدولتــن‬ ‫أبــدأ بقضيــة الالجئــن‪ً .‬‬
‫املمتلــكات التــي فقدوهــا وحيــث يكــون األمــر ممكنًــا‪،‬‬ ‫ً‬
‫مثــا‪،‬‬ ‫«الكالســيكي»‪ ،‬الــذي يتجســد يف «مبــادرة جنيــف»‬
‫يُســمح لهــم باإلقامــة مــن جديــد‪.‬‬ ‫ويرتكــز عــى التفكــر القائــم عــى فكــرة‪ /‬عبــارة «اليهــود‬
‫أيضــا‪ ،‬أعــي حقيقــة أن الحديــث‬ ‫كإرسائيــي يهــودي‪ً ،‬‬ ‫هنــا والفلســطينيون هنــاك»‪ ،‬ســيكون بإمــكان الالجئــن‬
‫ـي‪ .‬لكنــه يقــرح أفــق العــودة‬ ‫يــدور هنــا عــن عــدل جزئـ ّ‬ ‫الفلســطينيني االختيــار بــن إعــادة التأهيــل يف مواقــع‬
‫أمــام جميــع الالجئــن‪ ،‬مــن جهــة أوىل‪ ،‬ويأخــذ يف االعتبــار‬ ‫شــتاتهم الحاليــة واالنتقــال إىل الدولــة الفلســطينية يف الضفــة‬
‫الوضــع الراهــن وال يحــاول شــطبه وإلغــاءه‪ ،‬مــن جهــة‬ ‫الغربيــة وقطــاع غــزة‪ .‬ســوف يُســمح لعــدد رمــزي فقــط‬
‫ثانيــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فهــو منــوط باعــراف يهــودي بحــق أي‬ ‫مــن الالجئــن الفلســطينيني بالعــودة إىل داخــل حــدود دولــة‬
‫فلســطيني يف العــودة إىل وطنــه‪ ،‬وســيكون ممكــن التطبيــق‬ ‫كاف‪ .‬الجــزء األكــر مــن‬‫ـن هــذا الحــل غــر ٍ‬ ‫إرسائيــل‪ .‬لكـ ّ‬
‫فقــط يف نطــاق الرشاكــة العميقــة والوثيقــة بــن دولتــن‪،‬‬ ‫الالجئــن هجــر مــن مــدن وقــرى موجــودة اليــوم ضمــن‬
‫يف إطــار كونفــدرايل‪ ،‬وغــر ممكــن التطبيــق يف إطــار مــن‬ ‫حــدود دولــة إرسائيــل ولهــم قرابــات عائليــة مع فلســطينيني‬
‫الفصــل‪.‬‬ ‫يعيشــون اليــوم يف دولــة إرسائيــل‪ .‬ولهــذا‪ ،‬ســوف تُحــرم‬
‫ً‬
‫القضيــة الثانيــة هــي املســتوطنون‪ .‬وفقــا لنمــوذج الفصل‬ ‫غالبيــة الالجئــن مــن العــودة‪ ،‬فعليًــا‪ .‬هــذا الحــل‪ ،‬كمــا‬
‫«الكالســيكي»‪ ،‬تقــوم إرسائيــل بضــم «الكتــل االســتيطانية»‬ ‫يقــول دائ ًمــا عونــي املشــني‪ ،‬رئيــس املجموعــة الفلســطينية‬
‫(مصطلــح قمــيء‪ ،‬يف نظــري) وبإخــاء املســتوطنات القائمــة‬ ‫يف «بــاد للجميــع»‪ ،‬وهــو نفســه الجــئ مــن قريــة القبــو‪،‬‬
‫يف عمــق الضفــة الغربيــة‪ .‬وفــق هــذا املســار‪ ،‬ســيجري إخــاء‬ ‫هــو بمثابــة «هدنــة بــن حربــن»‪ ،‬إذ يــرك إحــدى القضايــا‬
‫نحــو ‪ً 150‬‬
‫ألفــا مــن املســتوطنني‪ ،‬يف أقــل تقديــر‪.‬‬ ‫الجوهريــة واألساســية يف املســألة الفلســطينية مــن دون حــل‪.‬‬
‫ينطــوي هــذا املســار عــى عــدد مــن املشــكالت الحــادة‪،‬‬ ‫يحــاول اقرتاحنــا إيجــاد التــوازن بــن العــودة‪ ،‬التــي‬
‫ســواء مــن الناحيــة املبدئيــة أو مــن ناحيــة القــدرة عــى‬ ‫نعتربهــا ً‬
‫حقــا فرديًــا لــكل الجــئ أو الجئــة ولذريتهــم‪ ،‬وبــن‬
‫تطبيقــه‪ .‬ذلــك أن ضــم «الكتــل االســتيطانية» يعنــي‪ ،‬مــن‬ ‫االعــراف بالواقــع الــذي نشــأ هنــا عــى مــدى الســنوات‬
‫جهــة أوىل‪ ،‬تقديــم جائــزة للمــروع االســتيطاني غــر‬ ‫الـــ ‪ 74‬األخــرة‪ ،‬أي وجــود دولــة إرسائيــل‪ .‬بموجــب املســار‬
‫‪35‬‬
‫القانونــي وتشــجيع إرسائيــل عــى توســيع املســتوطنات يف‬ ‫الــذي نقرتحــه‪ ،‬تكــون دولــة فلســطني ســيادية يف منــح‬
‫املرحلــة الراهنــة بغيــة الفــوز بأكــر مســاحة ممكنــة مــن‬ ‫طنــة فيهــا‪ .‬منــذ لحظــة‬ ‫جميــع الالجئــن الفلســطينيني املوا َ‬

‫عدد ‪85‬‬
‫«نحن‪ ،‬في «بالد للجميع»‪ ،‬حددنا ثالث عقبات كبيرة‪ ،‬على األقل‪ ،‬يجد الحل القائم‬
‫على الفصل صعوبة جمة في تفكيكها‪ :‬الالجئون‪ ،‬المستوطنات والقدس‪ .‬وحقيقة‬
‫أن حل الفصل يتجاهل هذه العقبات أو ينحيها جانبًا هي‪ ،‬في رأينا‪ ،‬أحد أسباب‬
‫فقدانه ثقة الجمهور»‪.‬‬

‫ممكنــان فقــط يف إطــار الرشاكــة‪ ،‬ال يف إطــار الفصــل‪.‬‬ ‫األرض يف املســتقبل‪ ،‬لــدى التوقيــع عــى اتفاقيــة ســام‪ .‬لكــن‪،‬‬
‫مــن الصعــب عــى حــل الفصــل توفــر رد واقعــي‪ ،‬عــادل‬ ‫مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬بالرغم مــن كــون املســتوطنات غــر قانونية‪،‬‬
‫وفقــا ملســار الدولتــن‬ ‫أيضــا‪ً .‬‬ ‫ُلهــم يف قضيــة القــدس ً‬ ‫وم ِ‬ ‫إال أنــه مــن الصعــب جــدًا التغــايض عــن حقيقــة أن إخــاء‬
‫«الكالســيكي»‪ ،‬ســيجري تقســيم مدينــة القــدس بحيــث‬ ‫هــذا العــدد الكبــر مــن املســتوطنني يبــدو بمثابــة مهمــة‬
‫تكــون األحيــاء الفلســطينية جــزءًا مــن دولــة فلســطني‬ ‫مســتحيلة مــن الناحيــة السياســية يف إرسائيــل‪ .‬مــن الصعــب‪،‬‬
‫بينمــا تكــون األحيــاء اليهوديــة‪ ،‬بمــا فيهــا التــي أقيمــت‬ ‫أيضــا‪ ،‬إغفــال املكانــة املركزيــة التــي تضطلــع بهــا مواقــع‬ ‫ً‬
‫عــى األرايض التــي جــرى ضمهــا إىل إرسائيــل بصــورة غــر‬ ‫مثــل الخليــل وبيــت لحــم يف الذاكــرة التاريخيــة اليهوديــة‪.‬‬
‫قانونيــة يف العــام ‪ ،1967‬جــزءا ً مــن دولــة إرسائيــل‪ ،‬ويُقــام‬ ‫نحــن‪ ،‬يف «بــاد للجميــع»‪ ،‬نقـ ّر بالطبــع بــأن املســتوطنات‬
‫يف منطقــة البلــدة القديمــة نظــام دويل مــا‪.‬‬ ‫غــر قانونيــة وتمثــل بُنيــة اســتعمارية مــن التفــوق اليهــودي‬
‫غــر أن مثــل هــذا الحــل يطــرح عــددًا مــن املشــاكل‪.‬‬ ‫أيضــا‪ ،‬إن توســيع‬ ‫الــذي ينبغــي تفكيكــه‪ .‬كمــا نقــول‪ً ،‬‬
‫فثمــة فيــه نــوع مــن االعــراف بالضــم غــر القانونــي ألجزاء‬ ‫املســتوطنات ينبغــي أن يتوقــف عــى الفــور‪ .‬لكننــا نمثــل‬
‫مــن القــدس الرشقيــة‪ ،‬وهــو يتجاهــل واقــع أن القــدس‬ ‫ـا يدمــج ـ يف رأينــا ـ مــا بــن العــدل النســبي واالعــراف‬ ‫حـ ً‬
‫هــي وحــدة حرضيــة واحــدة ســيكون مــن الصعــب جــدًا‬ ‫بالواقــع‪.‬‬
‫تقســيمها‪ ،‬إضافــة إىل األمــر األســاس وهــو عــدم إيــاء مــكان‬ ‫وفقــا للنمــوذج الــذي نقرتحــه‪ ،‬ينتهي وجــود املســتوطنات‬ ‫ً‬
‫ومكانــة كافيــن للرابطــة العميقــة والوثيقــة التــي تربــط كال‬ ‫كبنيــة سياســية وقضائيــة تتيــح االمتيــازات يف الحقــوق‬
‫الشــعبني بجميــع أجــزاء املدينــة‪ ،‬برشقهــا وغربهــا‪ .‬ونحــن‬ ‫لليهــود والفوقيــة اليهوديــة ـ اإلرسائيليــة وتتحــول إىل بلــدات‬
‫مقتنعــون بــأن إقامــة جــدار يف وســط املدينــة ســتكون أمـ ًرا‬ ‫تخضــع للســيادة الفلســطينية الكاملــة‪ .‬لكــن‪ ،‬يســتطيع‬
‫ســيئًا ذا انعكاســات ســلبية عــى الجميــع‪.‬‬ ‫املواطنــون اإلرسائيليــون‪ ،‬بمــن فيهــم الذيــن يعيشــون يف‬
‫نحــن نقــرح الحفــاظ عــى مدينــة القــدس كمدينــة‬ ‫الضفــة الغربيــة اليــوم‪ ،‬الســكن بصــورة حــرة وآمنــة يف‬
‫مقســمة بأســوار وجــدران‪،‬‬ ‫واحــدة‪ ،‬مفتوحــة‪ ،‬مشــركة‪ ،‬غــر َّ‬ ‫دولــة فلســطني املســتقلة‪ ،‬رشيطــة تقبُّــل ســيادة الدولــة‬
‫عاصمــة لكلتــا الدولتــن‪ ،‬إرسائيــل وفلســطني؛ يقــام فيهــا‬ ‫الفلســطينية واحــرام قوانينهــا‪ .‬ويف هــذا اإلطــار‪ ،‬يتمتــع‬
‫نظــام خــاص تخوّلــه كلتــا الدولتــن صالحيــات مختلفــة‬ ‫هــؤالء بمكانــة اإلقامــة الدائمــة وبجميــع الحقــوق املرتتبــة‬
‫رضوريــة لضمــان أدائــه الســليم‪ .‬لــن تكــون يف القــدس‬ ‫عــن هــذه املكانــة‪ ،‬بمــا فيهــا الحــق يف التصويــت يف انتخابــات‬
‫حرصيــة أو فوقيــة لطــرف مــا وســتجري إدارتهــا بصــورة‬ ‫الســلطات املحليــة‪ .‬أمــا الجيــش اإلرسائيــي‪ ،‬فيغــادر حــدود‬
‫مشــركة بمــا يخــدم مصلحــة جميــع ســكانها‪ ،‬اليهــود‬ ‫الدولــة الفلســطينية‪.‬‬
‫والفلســطينيني‪ .‬وســوف يتوجــب اتخــاذ القــرارات الخاصــة‬ ‫هــذه التســوية ليســت ســهلة وال تجســد العــدل املطلــق‪.‬‬
‫بــإدارة شــؤون املدينــة باالتفــاق والتوافــق مــن جانــب‬ ‫لكنهــا تســوية أكثــر واقعيــة‪ ،‬واألهـ ّم أنهــا تنطــوي عــى أمــل‬
‫املجموعتــن الســكانيتني اللتــن تعيشــان فيهــا ـ الفلســطينية‬ ‫كبــر‪ :‬اعــراف متبــادل بــأن كال الشــعبني همــا جــزء مــن هــذا‬
‫واليهوديــة‪ .‬إنهــاء االحتــال وامتيــازات الحقــوق اليهوديــة‬ ‫الوطــن املشــرك وهمــا يســتحقان العيــش يف جميــع أنحائــه‪،‬‬
‫اإلرسائيليــة ـ نعــم‪ .‬تقســيم املدينــة ومنــع وصــول اليهــود أو‬ ‫رشيطــة أن يعيشــوا فيــه بالتســاوي وبــدون أي امتيــازات‬ ‫‪36‬‬
‫الفلســطينيني إىل كل جــزء منهــا ـ ال‪.‬‬ ‫يف الحقــوق‪ .‬ومــرة أخــرى‪ ،‬مثــل هــذا الحــل وهــذا التفكــر‬

‫عدد ‪85‬‬
‫ً‬
‫وفقا للنموذج الذي نقترحه‪ ،‬ينتهي وجود المستوطنات كبنية سياسية وقضائية‬
‫تتيح االمتيازات في الحقوق لليهود والفوقية اليهودية ـ اإلسرائيلية وتتحول‬
‫إلى بلدات تخضع للسيادة الفلسطينية الكاملة‪ .‬لكن‪ ،‬يستطيع المواطنون‬
‫اإلسرائيليون‪ ،‬بمن فيهم الذين يعيشون في الضفة الغربية اليوم‪ ،‬السكن بصورة‬
‫حرة وآمنة في دولة فلسطين المستقلة‪ ،‬شريطة ُّ‬
‫تقبل سيادة الدولة الفلسطينية‬
‫واحترام قوانينها‪.‬‬

‫ومبــادرة جنيــف‪ ،‬ســوية مــع هبــة الحســيني‪ .‬ال أتفــق‪،‬‬ ‫الخالصة‬


‫شــخصيًا‪ ،‬مــع جميــع هــذه النمــاذج‪ ،‬لكــن املنحــى واضــح‬ ‫يمكن إيجاز فكرتنا بثالثة مبادئ مركزية‪:‬‬
‫تما ًمــا‪ .‬حــل الدولتــن «القديــم» أصبــح أقــل فأقــل أهميــة‬ ‫االســتقالل‪ :‬تكــون إرسائيــل وفلســطني دولتني مســتقلتني‬
‫وحضــو ًرا وثمــة إقــرار بالحاجــة إىل خطــاب ســيايس جديــد‪.‬‬ ‫وســياديتني تمتلــكان الســيطرة التامــة عــى أراضيهمــا‪ ،‬يف‬
‫نحــن نعيــش يف واقــع االحتــال املســتمر واألبرتهايــد‬ ‫حــدود الرابــع مــن حزيــران ‪ .1967‬تكــون كلتــا الدولتــن‬
‫وهــو واقــع ينبغــي مقاومتــه‪ .‬أتفهــم‪ ،‬تما ًمــا‪ ،‬كل مــن يقول‬ ‫ذواتــي نظــام ديمقراطــي ويقــوم نظــام الحكــم فيهمــا عىل‬
‫إن الوقــت الحــايل ليــس وقتًــا مناسـبًا للحديــث عــن الحلول‪،‬‬ ‫مبــدأ ســيادة القانــون واالعــراف بكونيــة حقــوق اإلنســان‬
‫بــل ينبغــي الحديــث والعمــل اآلن مــن أجــل القضــاء عــى‬ ‫كمــا أق ّرهــا القانــون الــدويل‪ ،‬وعــى قيــم املســاواة‪ ،‬الحريــة‪،‬‬
‫هــذا النظــام الــيء والرشيــر‪ .‬وال أوهــم نفــي بـ ّ‬
‫ـأن تبنــي‬ ‫حمايــة حقــوق األقليــات وقدســية حيــاة اإلنســان‪.‬‬
‫رؤيــة معينــة‪ ،‬مهمــا كانــت إيجابيــة وعادلــة‪ ،‬هــو عمــل‬ ‫االعــراف واالحــرام املتبــادَالن‪ :‬تعــرف كلتــا الدولتــن‬
‫كاف‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬أؤمــن بــأن أي حركــة مــن أجــل‬ ‫ســيايس ٍ‬ ‫وتحــرم الرابطــة التــي يشــعر بهــا الفلســطينيون واليهــود‬
‫إحــداث تغيــر ســيايس ينبغــي أن تكــون لديهــا رؤيــة‬ ‫تجــاه البــاد بأرسهــا‪ ،‬وتكــون كلتــا الدولتــن ملتزمتــن‬
‫إيجابيــة وصــورة مســتقبلية يمكــن ألكــر عــدد مــن النــاس‬ ‫برؤيــة البــاد املفتوحــة‪ ،‬التــي تضمــن ملواطنــي كلتــا‬
‫التماهــي معهــا‪ .‬وقــد رأينــا ذلــك يف جنــوب أفريقيــا‪.‬‬ ‫الدولتــن الحــق يف الحركــة والتنقــل‪ ،‬يف العمــل ويف الســكن‬
‫حتــى داخــل ســجنه‪ ،‬واصــل نلســون منديــا التمســك‬ ‫يف أي جــزء مــن أجــزاء البــاد‪.‬‬
‫ـاو‬
‫بفكــرة «إنســان واحــد‪ ،‬صــوت واحــد»‪ ،‬أي‪ :‬صــوت متسـ ٍ‬ ‫الرشاكــة بــن الدولتــن‪ :‬تقيــم كلتــا الدولتــن إطــا ًرا‬
‫لألصالنــي األفريقــي وللمســتوطن األبيــض‪ .‬ورغــم أن هــذا‬ ‫أعــى مشــر ًكا‪ ،‬أي كونفدراليــة‪ ،‬تعمــل يف نطاقــه مؤسســات‬
‫الحــل كان يبــدو خياليًــا‪ ،‬إال أن قوّتــه األخالقيــة العميقــة‬ ‫مشــركة فاعلــة عــى أســس متســاوية يتــم االتفــاق‬
‫أثــرت عــى الواقــع وأحدثــت التغيــر فيــه‪.‬‬ ‫عليهــا بــن الدولتــن يف مجــاالت األمــن‪ ،‬الحقــوق املدنيــة‬
‫أؤمــن بأنــه عــى الرغــم مــن الظــام املحيــط بنــا‪ ،‬ينبغي‬ ‫واالجتماعيــة‪ ،‬االقتصــاد‪ ،‬حمايــة البيئــة واملنــاخ وغريهــا‪.‬‬
‫عــى طــاب العدالــة واملســاواة يف فلســطني وإرسائيــل أن‬ ‫ويتيــح اإلطــار املشــرك لكلتــا الدولتــن العمــل معً ــا يف‬
‫هدفــا يريــدون التقــدم نحــوه وبلوغــه‪.‬‬ ‫يحــددوا ألنفســهم ً‬ ‫املجــاالت التــي تتطلــب التعــاون‪ ،‬ولــكل منهمــا عــى حِ دة يف‬
‫نحــن‪ ،‬يف «بــاد للجميــع‪ /‬دولتــان‪ ،‬وطــن واحــد» ال نحتكــر‬ ‫القضايــا التــي ترتــأي إدارتهــا بنفســها وبصــورة مســتقلة‪.‬‬
‫أي يشء وال نعتقــد بــأن الحــل الــذي نقرتحــه هــو الوحيــد‬ ‫ال خــاف عــى أن حــل الكونفدراليــة أصبــح موضــوع‬
‫املمكــن‪ .‬لكنــه حــل يحــاول التحديــق يف الواقــع مــن جهــة‪،‬‬ ‫حديــث متزايــد‪ ،‬أكثــر فأكثــر‪ ،‬يف الفــرة األخــرة‪ .‬عــى ســبيل‬
‫ـاو مناســب لــه‪ ،‬مــن جهــة‬ ‫واقــراح إطــار عــادل ومتسـ ٍ‬ ‫املثــال‪ :‬التقريــر الــذي أعــده الباحــث الفلســطيني عمــر عبــد‬
‫أخــرى‪ .‬ذلــك أنــه إ ْن كان ثمــة مــا يربــط بيننــا‪ ،‬نحــن‬ ‫الرحمــن لصالــح معهــد «بروكينغــز»‪ ،‬التقريــر الــذي قدمــه‬
‫الفلســطينيني واليهــود‪ ،‬فهــو حبنــا لهــذا الوطــن‪ .‬فتعالــوا‬ ‫معهــد األبحــاث ‪ CNAS‬األمريكــي لــإدارة األمريكيــة‪ ،‬املقــاالت‬
‫نحــوّل هــذا الحــب مــن بــؤرة للــراع إىل رافعــة لحيــاة‬ ‫التــي نُــرت يف صحيفــة «نيويــورك تايمــز»‪ ،‬ثــم نمــوذج‬
‫‪37‬‬
‫مشــركة‪ ،‬للمســاواة‪ ،‬لالعــراف املتبــادل واملصا َلحــة‪.‬‬ ‫«الكونفدراليــة يف األرايض املقدســة» الــذي قدمــه مؤخــرا ً د‪.‬‬
‫(ترجمه عن العربية‪ :‬سليم سالمة)‬ ‫طــا بعمليــة أوســلو‬ ‫يــويس بيلــن‪ ،‬الشــخص األكثــر ارتبا ً‬

‫عدد ‪85‬‬

You might also like