(المؤسسات العلمية في بغداد ودورها في إزدهار الحركة العلمية في المشرق خلال القرن 2 هـ )

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 6

‫العدد السابع‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫(املؤسسات العلمية في بغداد ودورها في إزدهارالحركة العلمية في املشرق خالل القرن ‪ 2‬هـ(‬

‫أ‪ /‬غريب محمد‪ /‬امليلود‬

‫املدرسة العليا لألساتذة ‪-‬بوزريعة‪-‬‬

‫ملخص‪:‬‬

‫لقد شهد القرن الثاني الهجري في بغداد حركة علمية نشيطة ساهمت فيها غزارة املؤسسات العلمية التي انتشرت بشكل واسع‪،‬بداية‬
‫باملساجد التي هي أقدم مؤسسات التعليم عند املسلمين وإنتشرت الكتاتيب وأصبحت قصور الخلفاء ومجالسهم ساحات للعلم واملناظرات‬
‫وإستقدموا العلماء لتعليم أبناءهم وتأديبهم‪.‬‬

‫وقد ظهر الكثير من العلماء الذين جلسوا في ساحات هذه املؤسسات وعملوا على نشر العلم والتدريس وتكوين الطلبة العلم وبذلك‬
‫انتشرت حوانيت الوراقين واملكتبات التي ساهمت في نشر هذه الحركة وشيوعها حيث إتجه العلماء في هذا العصر إلى التدوين والتصنيف‬
‫وترتيب مسائل العلم وتميز كل علم عن غيره ووضعوا إلى جانب ذلك علوما أخرى كعلم اللغة والنحو والحديث والعروض والتاريخ واألدب ‪.‬‬

‫ولم يقفوا عند هذا فحسب بل تخطوه الى ترجمة العلوم وعملوا على تدوين وتصنيف وترتيب مسائل العلم وتميز كل علم عن غيره‪ ،‬ووضعوا‬
‫إلى جانب ذلك علوما أخرى كعلم اللغة والنحو وعلم الحديث والعروض واألدب والتاريخ وقد تجاوزوا هذه املرحلة بترجمة العلوم األجنبية ‪.‬‬

‫تميز هذا العصر بظهور الكثير من العلماء املجتهدين الذين دونت مذاهبهم وقلدت أراؤهم وأعترف لهم باإلمامة والزعامة الفقهية ‪ ،‬وظهرت‬
‫لهم مصنفات كثيرة في السير واملغازي والفقه وفي شتى فنون العلم ‪.‬‬

‫كلمات مفتاحية‪ :‬املؤسسات العلمية‪ ،‬الحركة العلمية‪ ،‬املشرق‪ ،‬بغداد‬

‫‪Abstract:‬‬

‫‪The second Hijri century witnessed an active scientific movement in Baghdad, which contributed to the abundance of‬‬
‫‪scientific institutions that spread widely, starting with the mosques which are the oldest institutions of education among‬‬
‫‪the Muslims and spread the books and the palaces of the caliphs and their councils became forums for science and debates‬‬
‫‪and brought scientists to teach their children and discipline them.‬‬

‫‪Many scientists who sat in the halls of these institutions have worked to spread science, teaching and the formation of‬‬
‫‪students. Thus, the libraries and libraries that contributed to the spread of this movement and their spread have spread. In‬‬
‫‪this era, scientists have moved to blogging, classifying and classifying science. Other aspects include linguistics, grammar,‬‬
‫‪modernity, presentation, history and literature.‬‬

‫‪Keywords: scientific institutions, scientific movement, Mashreq, Baghdad‬‬

‫‪343‬‬
‫العدد السابع‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫لقد شهد القرن الثاني حركة علمية نشيطة حيث إتجه العلماء في هذا العصر إلى التدوين والتصنيف وترتيب مسائل العلم وتميز كل علم‬
‫عن غيره ووضعوا إلى جانب ذلك علوما أخرى كعلم اللغة والنحو والحديث والعروض والتاريخ واألدب ولم يقفوا عند هذا فحسب بل‬
‫تخطوه الى ترجمة العلوم‪ ،‬وقد أنجب هذا العصر الكثير من العلماء املجتهدين دونت مذاهبهم وقلدت أراؤهم وأعترف لهم باإلمامة والزعامة‬
‫الفقهية كما لعب الخلفاء دورا هاما في دفع هذه الحركة العلمية وبناء دولة قوية فقربوا العلماء وشجعوا على ترجمة العلوم وكانت‬
‫م جالسهم عامرة بالعلماء والفقهاء وإقتدى بهم في ذلك الوالة الذين حذو حذوهم وهذا ما شوهد في املؤسسات العلمية التي كانت تعج‬
‫بالعلماء والطلبة ‪.‬‬

‫أ‪ /‬الكتاتيب و املساجد ‪ :‬انتشرت الكتاتيب في العصر األموي وفي غالب األحيان كان يتعلم فيها الناش ئ مبادئ القراءة والكتابة وبعض سور‬
‫القرآن وشيئا من الحساب وبعض األشعار واألمثال‪ ،‬كما كان بعض معلمي الكتاتيب يعلمون الناشئة أيضا السنن والفرائض والنحو‬
‫والعروض‪ ،‬وكانوا يؤثرون في تعليم البنات تحفيضهن القرآن الكريم وخاصة سورة النور كما يقول الجاحظ ‪1‬‬

‫أما املساجد فتعتبر من أقدم مؤسسات التعليم عند املسلمين فهي لم تكن أماكن للعبادة فقط وإنما كانت تعقد فيها حلقات العلم‬
‫والدراسة‪ ،‬وقد شكلت علوم الشريعة اإلسالمية أساس مواد الدراسة في حلقات املساجد خاصة علوم القرآن الكريم كالتفسير والحديث و‬
‫القراءات والفقه و الكالم باإلضافة إلى علوم اللغة و األدب ‪2‬‬

‫فيذكر بن خلكان أن ربيعة الرأي كان يجلس في مسجد رسول هللا صلي هللا عليه وسلم في املدينة ويجلس في حلقته مالك بن أنس والحسن‬
‫وأشراف أهل املدينة ويحدقون به ‪،‬‬

‫وكان مسجد البصرة مركزا لحركة علمية كبيرة في العهد األموي‪ ،‬فحول الحسن البصري وفي حلقته نشأت املباحث الكالمية وأعتزل واصل‬
‫بن عطاء حلقة الحسن وكون له حلقة ‪ ،‬بل كان هناك بجانب حلقة علوم الشريعة حلقات لعلوم العربية ‪،3‬حيث يقول ياقوت الحموي « كان‬
‫حماد بن سلمة بن دينار يمر بالحسن البصري في الجامع فيدعه ويذهب إلى أصحاب العربية فيتعلم منهم» ‪4‬‬

‫ومن املساجد املشهورة التى أمتالت بحلقات التعليم في العصر االسالمي جامع املنصور في بغداد والجامع األموي في دمشق واملسجد النبوي‬
‫باملدينة واملسجد الحرام بمكه املكرمه ‪ .‬فكان جامع املنصور قبالة أنظار األساتذة والطالب وهو أقدم مسجد جامع في بغداد وأشهر مركز‬
‫تعليم في ديار االسالم حيث كانت تعقد فيه حلقات كبيرة للعلم ويؤمه الطالب من كل أقطار البالد اإلسالمية لإللتقاء بالعلماء في شتئ‬
‫ميادين العلوم‪ ،‬وقد جلس فيه الكثير من العلماء مثل الكسائي (ت ‪189‬هـ‪805/‬م)‪5‬‬

‫ب‪ /‬قصور الخلفاء ‪:‬‬

‫لقد وجد في قصور الخلفاء واألمراء واألغنياء من الناس تعليم خاص بأبنائهم حيث كان الخلفاء واألمراء يختارون بعض املعلمين لتدريس‬
‫أبنائهم وأطلقوا عليهم إسم املؤدبين فمثال إستقدم أبو جعفر املنصور شرقي بن القطامي ليعلم ولده املهدي األدب كما كان املفضل الضبي‬
‫يؤدب املهدي قد جمع له املفضليات والكسائي كان يؤدب األمين بن هارون الرشيد ويعلمه اآلداب ‪ ، 6‬كما عهد الخليفة هارون الرشيد‬
‫بتعليم ولديه األمين واملأمون إلى سبويه (ت ‪180‬هـ‪796/‬م) حيث كان يهدف من وراء تعليمهم إلى التزويد بمبادئ القراءة والكتابة وتلقي نوع‬
‫من الثقافة مع التركيز على املعارف التى تؤهلهم لحمل األعباء التى سيحملونها في املستقبل ‪7‬‬

‫ُ‬
‫أما عن مجالس الخلفاء والوزراء قد تحولت إلى ما يشبه الندوات العلمية واألدبية إذ يلتقي فيها كبار األ ّداب والفالسفة والعلماء إلجراء‬
‫املناظرات والندوات في مجاالت متعددة وإرتبطت بقصور الخلفاء والوزراء واألغنياء من الناس واتضحت فيها تقاليد الحضارات األجنبية التي‬
‫اقتبسها الخلفاء من البالد املفتوحة ‪8‬‬

‫‪344‬‬
‫العدد السابع‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫وقد كان الخلفاء يشاركون في موضوعات النقاش التى تدور في هذه املجالس خاصة أولئك الخلفاء الذين كانو على درجة من الثقافة مثل‬
‫هارون الرشيد وابنه املأمون‪ ،‬حيث ظهر نشاط هذه املناظرات على درجة ممتازة في عهد الرشيد إذ كانت تعقد في مجلسة مناظرات بين‬
‫الشعراء مثل ما روى عن مناظرة الكسائي وسيبويه بين يدي الرشيد أو بين يدي خالد البرمكي ‪9‬‬

‫كما كانت مجالس البرامكة في عهد الرشيد ندوات كبيرة للمتكلمين والفالسفة وفي ذلك يقول املسعودي ‪ <<:‬كان يحي بن خالد البرمكي ذا‬
‫بحث ونظر‪ ،‬وله مجلس يجتمع فيه أهل الكالم مع أهل االسالم وغيرهم من أهل النحل فقال لهم يحي وقد اجتمعوا عنده ‪ :‬قد أكثرتم الكالم‬
‫في الكمون والظهور والقدم والحدوث واالثبات والنفي والحركة والسكون واملماسة واملباينة والوجود والعدم والجوهر والطفرة واألجسام‬
‫واالعراض والتعديل والتحوير والكمية والكيف واملضاف واإلمامة أنص هي أم اختبار وسائر ما تريدونه من الكالم في األصول والفروع‬
‫فقولوا اآلن في العشق على غير منازعة وليورد كل منكم ما سنح فيه وخطر بباله ‪10‬‬

‫ج‪ /‬حوانيت الور اقين ‪:‬‬

‫وهي أماكن خاصة يبيع الكتب ‪ ،‬إال أنها تحولت الى مسرح الى الثقافة والحوار العلمي وبدا ظهورها منذ مطلع الدولة العباسية وذلك نتيجة‬
‫للتطور العلمي الكبير الذي مر به املجتمع االسالمي وانتشرت في العواصم والبلدان االسالمية بسرعة كبيرة فكان يتردد عليها العلماء والطلبة‬
‫فيتذكرون في املسائل العلمية و األدبية ‪11‬‬

‫د‪ /‬املكتبات والكتب ‪:‬‬

‫لقد اهتم املسلمون اهتماما كبيرا بالكتب حتى ان بعض الخلفاء استخدم الكتب كوسيلة للتصالح مع أعداء االسالم فكانت شرطا من‬
‫شروط الصلح فالخليفة هارون الرشيد بعد انتصاره على الروم طلب منهم تسليمه املخطوطات اليونانية وقد اقتدي به ابنه من بعده في‬
‫ذلك حيث عندما انتصر املأمون على إمبراطور بيزنطة مخائيل الثالث طلب منه تسليم جميع املخطوطات اليونانية الخاصة بالفلسفة ولم‬
‫تترجم إلى العربية حيث أرسل العلماء إلى بالد الروم للقيام بهذه املهمة ‪12‬‬

‫وتعتبر مكتبة بيت الحكمة أشهر مكتبة وصل إلينا خبرها في ذلك العصر حيث كانت مكتبتها عامرة ‪ ،‬أنشاها الخليفة الرشيد في بغداد وقد‬
‫كان الرشيد محبا للعلم مشجع العلماء كما كانت تحوي عدد كبيرا من الكتب العلمية واألدبية وقد وصلت أوج ازدهارها في خالفة املأمون‬
‫وكان في بيت الحكمة مما ألفه العلماء واألدباء في مجاالت اللغة واألدب والتاريخ والفقه وعلم الكالم وغيرهم‪13‬‬

‫‪ -2‬مظاهرالنشاط العلمي‬

‫تميز القرن الثاني للهجري بتمايز العلوم بعضها عن بعض إضافة إلى اتجاه املسلمين إلى التدوين والتصنيف وترتيب مسائل العلم وتميز كل‬
‫علم عن غيره‪ ،‬كما وضعوا إلى جانب ذلك علوما أخرى كعلم اللغة والنحو وعلم الحديث والعروض واألدب والتاريخ وقد تجاوزوا هذه املرحلة‬
‫وذلك بترجمة العلوم األجنبية ‪،‬كما تميز هذا العصر بظهور الكثير من العلماء املجتهدين الذين دونت مذاهبهم وقلدت أراؤهم واعترف لهم‬
‫باإلمامة والزعامة الفقهية فأصبحوا هم القادة والقدوة ‪14‬‬

‫وعن هذا القرن يقول السيوطي ‪ ":‬في سنة ‪143‬هـ‪760/‬م شرع علماء اإلسالم في تدوين الحديث والفقه والتفسير فصنف بن جريح في مكة‬
‫املكرمة‪ ،‬واإلمام مالك في املدينة املنورة واإلمام األوزاعي بالشام وحماد بن سلمه بالبصرة وسفيان الثوري بالكوفة وصنف اإلمام أبو حنيفة‬
‫الفقه والرأي وكثر تدوين العلم وتبويبه ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس‪15‬‬

‫وظهر كثير من املفسرين بداية من القرن الثاني للهجرة فنجد السدي (‪127‬هـ‪744 /‬م) الذي اعتمد في تفسيره على ابن عباس وابن مسعود‬
‫وغيرهما من الصحابة كما برز مقاتل بن سليمان (ت ‪150‬هـ‪767/‬م) وقد تأثر هذا األخير بتفسير التوراة الذي إتخذه عن اليهود حتى إتهمه‬
‫االمام أبو حنيفة بالكذب‪16‬‬

‫‪345‬‬
‫العدد السابع‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫أما في مجال األدب والنحو فقد برزت مدرستا الكوفة والبصرة ويعتبر أبو األسود الدؤلي أول من وضع أساس مدرسة البصرة والتى تعتبر‬
‫أقدم من سابقتها وأشهر منها وقد تأثرت هذه املدرسة باملنطق اكثرمن منافستها حتى سمي نحاة البصرة بأهل املنطق أو أهل القياس تميزا‬
‫لهم عن نحاة الكوفة‪ ،‬وتأثيرهم باملنطق يعود إلى تأثير املذاهب الفلسفية التى ظهرت في البصرة قبل ظهورها في غيرها كما ان نحاة البصرة‬
‫من الشيعة املعتزلة الذين افسحوا السبيل للحكمة كي تؤثر في مذاهبهم الكالمية ومن أبرز علماء البصرة أبو عمرو بن العال‬
‫(ت‪153‬هـ‪710/‬م) الذي اشتغل بالتفسير والخليل بن أحمد (ت ‪170‬هـ‪786/‬م) واضع علم العروض‪17‬‬

‫وقد اشتغل املسلمون بتدوين السير والفتوح االسالمية حيث ظهر في القرن الثاني الهجري ابن شهاب الزهري ت( ‪124‬هـ‪741/‬م) وموس ي بن‬
‫عطية (ت ‪141‬هـ‪759/‬م) اللذان جمعا كتابا في املغاري ‪،‬كما اشتغل في املغازي أيضا ابن اسحاق (ت ‪151‬هـ‪769/‬م) وتلميذه ابن هشام (ت‬
‫‪218‬هـ‪833/‬م) صاحب سيرة الرسول صلي هللا عليه وسلم ‪18‬‬

‫ونجد أيضا من كتاب املغازي معمر بن رشد (ت ‪154‬هـ‪771/‬م) وقد كان محدثا و مؤرخا ومفسرا وله كتاب في املغازي كما له كتاب في‬
‫الحديث إسمه الجامع وممن كتب في السيرة محمد بن عبد هللا الحنفي (ت ‪162‬هـ‪779/‬م) الذي تتلمذ على يد الزهري أيضا هو األخر ‪.‬‬

‫كما قد روى عن الواقدي (ت ‪208‬هـ‪823/‬م) وسعيد بن مريم وغيرهما ‪ ،‬وله كتابا في السيرة الذي يعتبر مصدرا مهما من مصادر الواقدي ‪،‬‬
‫وممن ألفوا في املغازي يحي بن سعيد األموي (ت ‪194‬هـ‪808/‬م) وله كتاب املغازي ‪ ،‬وبرز أيضا في مجال املغازي عاملان مشهوران أولهما‬
‫الواقدي والثاني ابن هشام (ت ‪208‬هـ او‪213‬هـ ‪823/‬م أو ‪838‬م) كما نشطت حركة الترجمة في العصر العباس ي فترجم بن املقفع (ت ‪142‬هـ‬
‫‪759/‬م) في أيام الخليفة املنصور كتب أرسطو في املنطق كما ترجم عن الفارسية عدة مصنفات ‪.‬‬

‫وقد عرف العصر العباس ي ظهور كبار املحدثيين والحفاﻅ أمثال االمام أبو سفيان الثوري (ت ‪161‬هـ‪776/‬م) ووكيع بن الجراح (ت‬
‫‪196‬هـ‪811/‬م) وقد كان يفقه كثير الحديث ويحي بن سعيد بن قطان(ت ‪198‬هـ ‪813/‬م) إلى جانب شعبه بن الحجاج الزاهد املحدث (ت‬
‫‪160‬هـ‪776/‬م) وعبد الرحمان بن املهدي (ت ‪198‬هـ‪813/‬م) واألوزاعي (ت ‪157‬هـ‪773/‬م) والليث بن سعد إمام أهل مصر املحدث الفقيه (ت‬
‫‪175‬هـ‪791/‬م) وغيرهم ‪19‬‬

‫ومما زاد تطور العلم واتساعه اهتمام الخلفاء وبالعلماء به فأبو جعفر املنصور يؤثرهم بعطاياه و املهدي يناوء الزنادقة ويتابعهم ويدعو‬
‫العلماء ملقاومتهم فقد كان للعلماء حرية الرأي في البحث ‪،‬فكانوا يجتهدون في التعرف على األحكام الشرعية دون أن تتحكم فيهم سلطة أو‬
‫يحجز عنهم لرأي ما ‪20‬‬

‫وقد ظهر الحديث منذ وقت مبكر فقد نشط العلماء والفقهاء في كل مصر لجمع الحديث وتدوينه فكان مالك بن أنس (ت ‪179‬هـ‪795/‬م)‬
‫وقد صنف املوطأ باملدينة املنورة وكذلك جمع الحديث لكل من ابن جريح عبد امللك بن عبد العزيز (ت ‪161‬هـ‪767/‬م) في مكه وعبد الرحمان‬
‫األوزاعي(ت ‪183‬هـ‪799/‬م) وسفيان الثورى (ت ‪161‬هـ‪777/‬م) في الكوفة وابن دينار حماد بن سلمة (ت ‪176‬هـ‪792/‬م) في البصرة وكانوا‬
‫جميعا متزامنين وإن تفرقوا في األمصار‪ ،‬وأصبح لكل من هؤالء تالميذ أتباع يتبنون طريقتهم وعرفت هذه الطرق باملذاهب ‪،‬لهذا عرف هذا‬
‫العصر بنشأة املذاهب ‪،‬حيث أحكم هؤالء األئمة مذاهبهم وتركوا ملن بعدهم ثروة علمية تعين على معرفة الحق وفهم النصوص ‪21‬‬

‫ومما يبين إهتمام الخلفاء بالعلم ما طلبه أبو جعفر املنصور من اإلمام مالك بأن يجعل من كتابه املوطأ دستور للدولة كما أراد املهدي تولية‬
‫اإلمام سفيان الثورى في القضاء لكنه رفض وظل متخفيا حتى توفي سنة ‪161‬هـ‪777/‬م ‪22‬‬

‫وأهم ما ميز هذا العصر هو شيوع الجدل واملناظرات بين الفقهاء رغبة منهم في معرفة ماعند غيرهم من أصحاب املذاهب االخرى كي يقارنوه‬
‫بما عندهم ليتبين لهم أنهم كانوا على صواب أم على خطأ فإذا إلتقي فقيهان في مجلس سأل أحدهما اآلخر عما عنده في مسألة معينة فإذا‬
‫أجابه بما يخالف ما وصل اليه إجتهاده ناقشه رأيه ويطول األخذ بينهما حتى يسلم أحدهما لآلخر ويتمسك كل واحد برأيه إذا لم يقتنع بالرأي‬
‫األخر‪23‬‬

‫‪346‬‬
‫العدد السابع‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫وقد كانت اللقاءات بين العلماء واملناقشات عديدة ‪ ،‬فأبوا حنيفة يلتقي باألوزاعي ويناقشه ويناظر مالك أبا حنيفة حتى ْ‬
‫يعرق من املناظرة‬
‫وكان الليث بن سعد يالزم مالكا ويتلقي عمن تلقى عنه ثم يسافر إلى العراق ويرى أبا حنيفة يجيب عن مسألة فيصور الليث إنطباعه على‬
‫هذه اإلجابة ‪24‬‬

‫‪ -3‬حركة التأليف‪:‬‬

‫يعتبر الفقه من جملة التآليف التى دونت استفادة هذا العلم من تدوين السنة والنحو والبالغة وكان تصنيف الفقه مختلطا بالسنة‪ ،‬وما أثر‬
‫على الصحابة والتابعين وخير مثال على هذا التصنيف موطأ اإلمام مالك وكتاب الجامع الكبير لسفيان الثورى وقد إعتنى العلماء األحناف‬
‫بهذا العلم فكتب أبو يوسف (ت ‪182‬هـ ‪798‬م) كتاب الخراج تناول فيه الدستور املالي للدولة االسالمية فقها مجودا ‪ ،‬وكذلك محمد بن‬
‫الحسن الشيباني في كتبه السته التى جمع فيها مسائل األصول في مذهب إمامه تعني بالدليل وتهدف إلى إظهار الحق ‪25‬‬

‫أما عن املؤلفات فنجد في املغازي معمر بن راشد (ت ‪159‬هـ‪770/‬م) وكان مؤرخا ومحدثا ومفسرا وتتلمذ كذلك على الزهري وله كتاب في‬
‫املغازي كما له كتاب في الحديث أسمه الجامع وممن كتب في السيرة محمد بن عبد هللا الحنيفي (ت ‪162‬هـ‪781/‬م) وتتلمد على الزهري وروى‬
‫عن الواقدي وسعيد ابن مريم وغيرهما ‪ ،‬وله كتاب السيرة الدي يعتبر مصدرا هاما من مصادر الواقدي ‪،‬كما نجد ممن ألفوا في املغازي‬
‫فنجد كتاب املغازي وكتاب مولد النبي صلي هللا عليه وسلم وكتاب الردة وكتاب الفتوح وكتاب مقتل الحسين وكتاب صفين وكتاب الشورى‬
‫وكتاب الصوائف وكتاب التفسير‪26‬‬

‫كما قد ساهمت حركة الترجمة في إثراء الحركة العلمية في العالم اإلسالمي وازدهارها وذلك من خالل ما نقل العلوم اللغات القديمة إلى‬
‫اللغة العربية‪ ،‬حيث كان للخلفاء دور بارز في هذه الحركة وتدعيمها كتشجيع العلماء واملترجمين والعمل على إستجالب الكتب وترجمتها‪،‬كما‬
‫كان لبعض األسر وذوي النفوذ بالغ األثر فيها‪.‬‬

‫وختاما ملا سبق يتضح أن املؤسسات العلمية في القرن الثاني إنتشرت بشكل واسع وتنوعت بداية من املساجد والكتاتيب وصوال إلى املدارس‬
‫وإنعكس انتشارها ايجابا على الحركة العلمية التي إزدهرت ونشطت وإعتني بها من طرف الخلفاء والوالة فأصبحت بغداد حاضرة علمية تعج‬
‫بالعلم والعلماء وهذا ما ساهم بقوة تطور الحياة العلمي في العالم اإلسالمي عموما من خالل رحلة العلماء وطلبة العلم ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اإلحاالت واملراجع‪:‬‬

‫‪ 1‬الجاحظ ‪ :‬البيان والتبيين ‪،‬مكتبة الجانخي‪،‬القاهرة‪،‬ط‪،7،1998‬ج‪2،2‬ص‪ .180‬وأنظر أحمد أمين‪:‬ضحى اإلسالم‪،‬املكتبة‬


‫العصرية‪،‬بيروت‪،‬لبنان‪،‬ط‪ ،1،2006‬ج‪، 2‬ص‪42‬‬

‫‪ 2‬محمد حسين محاسنة ‪ :‬أضواء على تاريخ العلوم عند املسلمين ‪،‬دار الكتاب العربي ‪،‬اإلمارات العربية املتحدة ‪،‬ط‪،1،2000‬ص‪136‬‬

‫احمد أمين ‪:‬املرجع السابق ‪،‬ص‪. 44‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬ياقوت الحموي‪ :‬معجم األدباء‪ ،‬تحقيق إحسان عباس ‪،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت ‪،‬ط‪ 1993 ،1‬م‪،‬ج‪،1‬ص ‪.1200‬‬

‫محمد حسين محاسنة ‪ :‬املرجع السابق ‪،‬ص‪. 138- 137‬احمد أمين ‪:‬املرجع السابق ‪،‬ص‪. 45-44‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬ابن خلكان‪:‬وفيات األعيان وأنباء الزمان‪،‬تحقيق إحسان عباس‪،‬دار صادر‪،‬بيروت‪، 1990،‬ج‪،1‬ص‪. 465‬‬

‫‪ 7‬محمد حسين محاسنة ‪:‬املرجع السابق‪،‬ص‪. 140‬‬

‫‪347‬‬
‫العدد السابع‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫‪8‬محمد حسين محاسنة ‪:‬نفس املرجع ص‪، 141‬وأنظر أحمد حسن املراغي ‪:‬دراسات في املكتبة العربية وتدوين العلوم ‪،‬دار العلوم العربية‬
‫‪،‬بيروت ‪،1991،‬ص‪. 58‬‬

‫‪ 9‬شوقي ضيف تاريخ األدب العربي العصر العباس ي االول ‪،‬دار املعارف ‪،‬مصر‪ ،‬ص ‪.105‬‬

‫املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ومعادن الجوهر‪،‬تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ .2005 ،‬ج‪،3‬ص‪.383‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪ 11‬محمد حسين محاسنة ‪ :‬املرجع السابق ص‪. 143‬‬

‫ابن النديم‪ :‬الفهرست ‪ ،‬تحقيق رضا تجدد‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص‪.314-311‬‬ ‫‪12‬‬

‫محمد عبد الرحمن مرحبا‪ :‬من الفلسفة اليونانية الى الفلسفة العربية‪ ،‬مؤسسة عويدات للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.304‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪ 14‬محمد على سايس ‪ :‬تاريخ الفقه اإلسالمي ‪،‬ط‪،1‬دار الكتب العلمية ‪،‬بيروت ‪،1990،‬ص‪93‬‬

‫‪15‬السيوطي جالل الدين‪:‬تاريخ الخلفاء‪ ،‬مكتبة مصر‪،‬ط‪،1،2001‬ص‪275-274‬‬

‫‪ 16‬حسن إبراهيم حسن ‪ :‬تاريخ اإلسالم السياس ي والديني واالجتماعي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت ‪،‬ج‪، 2‬ط‪ ،14،1996‬ص‪. 411‬‬

‫‪ 17‬حسن إبراهيم حسن ‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 411‬‬

‫‪ 18‬حسن إبراهيم حسن ‪:‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪411‬‬

‫‪ 19‬عمر سليمان األشقر ‪ :‬مدخل إلى دراسة املدارس واملذاهب الفقهية ‪،‬ط‪،1‬األردن ‪،‬دار النفائس ‪، 1995،‬ص‪. 18‬‬

‫‪ 20‬محمد على سايس ‪ :‬تاريخ الفقه اإلسالمي ‪،‬ط‪،1‬دار الكتب العلمية‪،‬بيروت‪،1990 ،‬ص‪.96-95‬‬

‫‪21‬يحي وهيب الجبوري ‪:‬الكتاب في الحضارة اإلسالمية ‪،‬دار الغرب اإلسالمي ‪،‬بيروت‪،‬ط‪1،1998‬ص‪ 61-60‬وأنظر عمر سليمان األشقر‬
‫‪:‬املرجع السابق ص‪. 41‬‬

‫‪22‬محمد مصطفى شلبي ‪:‬املدخل إلى فقه اإلسالمي ‪،‬دار الجامعية ‪،‬بيروت ‪،‬ط‪،1،1985‬ص‪13‬‬

‫‪ 23‬محمد شلبي ‪:‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 132‬‬

‫‪24‬املدرسة الفقهية للمحدثين ‪،‬مكتبة الشباب ‪،‬مصر‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت) ‪،‬ص‪ 62‬عبد املجيد محمود‬
‫‪ 25‬أحمد كمال زكي ‪ :‬الحياة األدبية في البصرة ‪،‬دار املعارف ‪،‬مصر‪ ،‬ط‪،1،1،1971‬ص‪25 150‬‬

‫‪ 26‬محمد أحمد حسن املراعي ‪ :‬املرجع السابق ‪،‬ص‪.28-24‬‬

‫‪348‬‬

You might also like