Professional Documents
Culture Documents
ملخص الخصوصية و الكونية
ملخص الخصوصية و الكونية
القسم 4 :آداب
الخصوصّية و الكونية
إشارة إلى ما هو كّلي و جماعي و عام. إشارة إلى ما هو جزئي و فردي و خاص.
تهّم كل فرد من جهة انتمائه الى الـ"هم", تهم كل فرد بذاته و بأناه ال غير.
األنا كجزء من " النحن".
في تكامل الخصوصّية و الكونّية
في تنافر الخصوصّية الكونّية
في تكامل الخصوصّية و الكونّية
تفهم الخصوصـية بمــا هي خصوصـية الهوّي ة و تفهم الكونيــة أيضـا بمــا هي كونيــة الهوّي ة ,إذن فالهويــة هي الـتي من خاللهــا
يمكن رصد التوافق و التكامل و االئتالف بين الخاص و الكوني .فما الهوّية؟
الهوّية :هي ما به يكون الشيء هو نفسه .هوّية الشيء و عينيته و تشخّص ه و وجوده المنفرد له ,كّل واحد ,أي نفس الشــيء .الهوّي ة
إذن ما به يكون الشيء هو هو ,بوصفه وجودا منفردا ,متمّيزا عن غيره يخّص ه بالذات .و الهوية أخّص من الماهية ,إذ تقال الماهيــة
على الكّلي بينمــا تقــال الهوّي ة على الجــزئي .كقولنــا :ماهيــة اإلنســان و هوّي ة فالن .قيلت الهوّي ة في الفلســفة القديمــة بمعــنى الوجــود
)سجل أنطولوجي( .أّم ا في الفلسفة الحديثة فصارت تفهم بمعنى الذات" ,األنا أفّك ر الديكارتي" أو " الهو المطابق" مع كانــط )ســجل
إبستيملوجي( .اّتخذت الهوية منحى فينومينولوجي و طرحت من منظور انثروبولوجي و ثقافي في الفلسفة المعاصرة.
يمكن التمييز بين أصناف هوّيات :الهوية الشخصّية و هي تلك التي يتمّي ز بهـا الفـرد الواحـد عن غـيره و تشـمل وعيـه بذاتـه والكيفيـة
الــتي بهــا تتمث ـّل الــذات ذاتهــا تمثال فرديــا ,و تتح ـّد د الهويــة الشخصــية حســب "لــوك" بمــا هي اإلحســاس الالمنقطــع للشــخص بأنــه هــو
بعين ـه .و الهوية االجتماعي$ة و تخّص هويــة المجموعــة في وحــدتها و مــا يمكن أن يجعلهــا متمّي زة عن بــاقي المجموعــات .و الهوّي ة
الثقافية و هي الــتي تشــمل كــل مــا هــو مشــترك بين األفــراد و المجموعــات ,العــادات الفنيــة والدينيــة والفلســفية وكـّل األشــكال المكتســبة
لسلوك المجموع .و الثقافة هي نمط عيش مجتمع ما وتشمل أسلوب حياة الشعب ومحيطه الفكري ونظرته إلى الحياة وتكــون نابعــة
من ظروفه واحتياجاته وبيئته الجغرافية .و من جهة العالقة بين الخاص و الكوني نميز بين الهوّية البسيطة والهوية المركبة:
تحيل الهوّية البسيطة على الخصوصّية و الهوّية المركّبة على الكونية.
الهوّية المركّبة :هي الهوية في وضع االنفتاح و التالقح و التفاعـل ,هي تلك الهويـة المركبـة من هويـة بسـيطة بمثابـة النـواة وهويـات
أخرى وقع عليهم االنفتاح .و تشترط الهوية المركبة لكي تتحقق:
امتالك هوي$$ة فردي$$ة خاص$$ة مكتمل$$ة تمام$$ا :حّتى تتمكن الهوي ــة من تج ــاوز ذاته ــا الض ــيقة نح ــو الغ ــير من
الهويات وتجاوز طابعها الخاص نحو الطابع الكوني ,يجب أن تكون ذاتها أوال ,إذ ال سبيل لمن لم يكن ذاتــه أن يكــون غــيره أو
أن يالقي غـيره بمـا هـو هويـة مسـتقّلة .ينبغي أن يمتلك الفـرد هويتـه الخاّص ة لكي يكـون قـادرا على مالقـاة الغـير ,ألم يقـل بول
ريكور ":لكي يكون أمامنا آخر غير ذاتنا ,يجب أن يكون لنا ذات".
الهوية الفردية المكتملة :هي ما نوجد عليه على نحو فردي و ما نريد أن نكون عليه ,إنهـا ال تهم ماضـي األفـراد وحاضـرهم
فحسب ,بل تعانق المستقبل و ترتسم لنفسها أفقا داخله .تفهم الهويـة الفردّي ة بمعـنى الخصوصـية ألنهـا تخص كـل فـرد بالـذات
و هي شخص ـّية ســمتها الثبــات و االســتمرار .الهويــة الفرديــة هي اإلجابــة الضــرورية لســؤال " من أنــا ؟" ,إجابــة ال تقــف عنــد
حـدود السـطح مثـل االسـم و النسـب و البصـمة ,إنمـا تتعـّد اه نحـو مـا هـو أعمـق .أن أكـون "أنـا" هـو أن أكـون نشـيطا ,فـاعال في
الوجود بصورة ايجابية ,ملتزمـا بجملة من المبـادئ و األفكـار و القضـايا ,أن أملك موقفـا يرتبـط بـذاتي وبـالتزامي وباختيـاراتي
في الوجود و أن أنتمي إلى اّم ة ما إثباتا ألصلي و تأصيال لكياني ,كما اعتقد بذلك تشارلز تايلور.
1
توفر درجة من االختالف بين الهويات التي تروم االنفتاح على بعه$$ا البعض :ال ســبيل للتفاعــل في فضــاء التماثــل والتطــابق ,اذ
أي تالقح يمكن أن يحصل بين هويات متشابهة مطلقا؟ إن لم تكن الهويات مختلفة و الثقافات كــذلك ,بطـل التفاعــل و كــان اللقـاء
أشبه بال لقاء.
االختالف :هــو تبــاين في الــرأي بين طــرفين أو أكــثر .غايــة و مقصــود األطــراف واحــد أمــا الوســائل فمختلفــة .و االختالف ال
يعني الخالف الّن الخالف ال يقوم على دليل بينما ينبني االختالف على أدّلة .و هو الحـّد األوسـط بين التماثـل و التقابـل فال هـو
تماث ــل مطلق أي اشــتراك في جمي ــع الصــفات و ال ه ــو تضــاد في جمي ــع الصــفات .و االختالف ه ــو شــرط من شــروط تحقــق
الكونيــة .عنــدما قــارن كل$$ود لفي ش$$تراوس عالقــات القرابــة واألســاطير عنــد "البــدائيين" ,انتهى إلى اإلقــرار بــأّن وراء تنــوع
الثقافات توجد وحدة نفسـّية لإلنسـانية ,إذ تشـترك اإلنسـانية في عناصـر متبادلـة و هـذا ربمـا مـا يفّس ر التشـابه بين ثقافـات البلدان
البعيدة عن بعضها البعض من حيث المسافة ,مثلما هو شأن حضارة "األنكا" في "البيرو" و"الداهومي" في إفريقيا ,هذا التشابه
ليس ناتجا عن التواصل بين هذه الثقافات ضــرورة و إنمــا عن اشــتراك على مســتوى العناصــر األساســية لإلنســانية " ,فالعقل
اإلنساني ,برغم كل الفروقات الثقافية بين مختلف أجزاء البشرّية ,هو ذات$ه هن$ا و هن$اك و أّن ه يمتل$ك الطاق$ات ذاته$ا ".كتب
شتراوس في "األسطورة و المعنى".
تحقق التكافؤ بين ه$ذه االط$راف :ال مجــال لــوعي التفــوق و األفضــلية و ســمو فئــة على فئــة أو جماعــة على
جماع ــة فالك ــل تجمعهم ص ــفة االنس ــانية و الك ـّل متك ــافئ .يق ــول كل$$ود لفي ش$$تراوس ":إن ال$$بربري ه$$و م$$ا يعتق$$د في وج$$ود
البربرية" ،فمن وجهة النظر األنثروبولوجية ليس هناك سّلم مفاضلة بين الثقافات وإ نما هناك تنـّو ع نسـبي بين الثقافــات ومفهــوم
التفوق الثقافي ليس إّال وليد الحكم المسبق الذي تمثله المركزيـة االثنيـة أو الميـل العتبـار ثقافتنـا الخاصـة نموذجـا لإلنسـان ".ال
مجــال الدعــاء األفضــلية و النظــر إلى الغــير عــل أّن ه األدنى و االوضــع دائمــا بمجـّر د اختالفــه معنــا في عاداتنــا و ســلوكاتنا و ال
يحق لنا ,بل ال بّد من التخّّلص كليا من عبارات من قبيل " همجي" و "بربري" و " متخّلف" " ,ال يحق لنا اذن أن نس$$ميهم – و
يقصــد األقــوام البدائيــة بأمريكــا الجنوبيــة -همج$$يين إال على قي$$اس العق$$ل ال قياس$$ا علين$$ا ,نحن ال$$ذين نف$$وقهم في ك ّ$ل أش$$كال
الهمجّية -و يقصد الشعوب االروبية ".كتب مونتانيو.
القب$$ول ب$$االخر مهم$$ا اتس$$عت مس$$احة االختالف :عنــدما تكــون األطــراف الــتي ترنــو االنفتــاح على بعضــها
البعض ,متكافئة ,فإنها تقبل باللقاء و التفاعل و تشـترك في الـوعي بهـذا التكـافئ و في الـوعي بضـرورة المحافظـة على التنـوع و
االســتفادة من االختالف و يصــبح التفــاهم حينئــذ ممكنــا و "إن ض$$رورة فهم الغ$$ير تخل$$ق ض$$رورة فهم ال$$ذات وتف$$ادي الت$$برير
الذاتي وتجريم الغير والكذب على الذات ـ وهي تجارة رائجة اليوم ـ فهن$اك العدي$د من الش$$روط ال$$تي يمكن له$$ا أن تس$$اعد
على تربية ملكة الفهم وتطويرها " ,كتب ادغار موران في " سبعة ثقوب معرفية س$$وداء" .ليس االختالف مصــدر عــداوة
و دافــع للصــراع و الصــدام بقــدر مــا هــو بــاعث للتواصــل و التفاعــل و مــا يــؤمن فعــل التواصــل هــذا هــو التسامح مــع الغــير
المختلف و نبذ التعّص ب و التطّر ف و فرض الرأي إرغاما و قسرا.
هوية مركبة امتالك هوية خاصة +توفر االختالف +تحقق التكافؤ +القبول باالخر +االنفتاح +التالقح
الهوية المركبة تجعل من وحدة الك$ثرة إمكاني$ة متحقق$ة بالفع$ل و ك$ذلك ك$ثرة الواح$د .الوح$دة ال$تي تنتج التن$وع و تض$من ح$ق
االختالف.
ال تع ــارض بين الخ ــاص الك ــوني ألم يق ــل هيغ $ل " :إن الك$$وني ليس إال عملي$$ة تض$$مين للف$$ردي" ,الّن الكونّي ة إنم ــا هي
احتضــان للخــاص مــع اإلبقــاء على خصوصــيته و دمجــه بــالغير من الهويــات ,ال قتال و تفتيتــا .بهــذا المعــنى نفهم الكونيــة بمــا هي
كوني ـ ــة حق ـ ــوق اإلنس ـ ــان و القيم ال ـ ــتي تهم جمي ـ ــع األف ـ ــراد من جه ـ ــة اش ـ ــتراكهم في ص ـ ــفة اإلنس ـ ــانية ,كونّي ة الحرّي ة و الكرام ـ ــة
والديمقراطيـ ــة ,كونّي ة الحـ ــق الـ ــذي من الـ ــواجب أن يتمتـ ــع بـ ــه الجميـ ــع دون اسـ ــتثناء و "ان االنتم $$اء الى الجنس البش $$ري أي إلى
اإلنسانية بما هي صفة كونية هو أك$ثر أص$الة من االنتم$اء الى ه$ذا المجتم$ع أو ذاك .وعلى ه$ذا األس$اس يك$ون مطلب الكوني$ة
بمثابة الحد الذي تقف عنده ممارسة الحرية ويكون المق$دس ال$ذي غ$ادر مج$ال االعتق$اد ورف$ات القديس$ين مجس$دا مس$تقبال في
حقوق اإلنس$ان...وإ ذا تق$رر أن لك$ل الكائن$ات البش$رية مجموع$ة من الحق$وق المتماثل$ة فان$ه ي$ترتب عن ذل$ك أنه$ا متس$اوية في
2
الحقوق ومعنى هذا أن مطلب المساواة نابع من الكونية .ومن الكونية انبثقت ضروب من الكفاح ما ت$$زال متواص$$لة الى الي$$وم:
الكفاح من أجل أن تكون النساء مساويات للرجال أمام القانون وأن يلغى الرق وأن ال يش$$رع أب$$دا للتص$$رف في حري$$ة أي ك$$ائن
بشري وأن يعترف بكرامة الفقراء والمساكين والمهمشين وأن ينظ$ر الى األطف$ال باعتب$ارهم أشخاص$ا ب$أتم مع$نى الكلم$ة .أث$ار
هذا اإلقرار بكونية االنسان الرغبة في التعرف على مجتمعات أخرى غير تلك التي يولد فيه$ا الم$رء ,".كتب ت$ودوروف في
"روح األن$$وار" .تتضــمن الكونيــة اعترافــا بــاآلخر اعــتراف أصــيل و عميــق ,إنهــا الوحــدة الحاويــة للتنــوع و التنــوع القابــل أبــدا
للتوّح د ,دون ذوبان و دون تيه وانحراف و انحالل .إن الثقافات في لقائها بعضـها ببعض ال تنسـلخ و ال تفـّر ط في خصوصـيتها و
ال تتالشى بمجّر د اللقاء و بقدر حفاظها على ذاتها يكون اللقاء خّالقا " ,وحدها الثقافة الحّية ,والوفّي ة لج$$ذورها ,و في اآلن نفس$$ه
في حالة إبداعية على صعيد الفّن و األدب و الفلسفة والروحانّية ,هي القادرة على تحّم ل اللقاء بالثقافات األخرى ".كتب ريكور.
يكــون اللقـاء مبــدعا مــتى حـافظت الثقافــة على خصوصـيتها و انشـدت الهويــة إلى ذاتهــا و تجـّذ رت في تربتهــا ,و توسـعت و امتـّد ت و
انفتحت و تفــاعلت مــع غيرهــا و تغ ـّذ ت بــاالختالف و تثــاقفت و تبــادلت المعــارف و العلوم والفنــون و حّتى العــادات ,مــتى تمســكت
بانتمائهــا و خــرجت من فرديتهــا العقيمــة ,حينما يلتقي الخ$اص بالخ$اص و تتحّ$و ل الخصوصّ$ية إلى عمومّي ة موجب$ة ,كلّي ة ت$وحي
بالتنّو ع و اإلثراء و اإلبداع ,حينها تتحقق الكونّية.
في تنافر الخصوصية أو الكونية
ال يفهم التنافر بين الخصوصية و الكونية باعتبار الدالالت التي تعرضنا لها سابقا ,فالكونية بمــا هي تالق ســلمي وتجــانس
وتفاعل بين الهويات ,ال مجال مطلقا لتخيل تعـارض بينهـا و بين الخصوصـية و إنمـا إمكانيـة تحـّو ل الكونيـة إلى عولمـة ,أو إمكانيـة
تالشــيها تمامــا بفعــل العولمــة ,هــو مــا من شــأنه تغيــير هــذه العالقــة و تحييــد مســارها ,ذلــك أّن " الكوني يهلك في العولمة وعولم$ة
التبادالت تضع نهاية لكينون$ة القيم ...ف$الكوني ق$د تع$ولم والديمقراطي$ة وحق$وق اإلنس$ان تع$بر الح$دود ك$أي نت$اج ع$المي كالنف$ط
ورؤوس األموال ".بلغة موران .فما العولمة و ما أثرها على الهوية؟
العولم$$ة :العولم ــة عملي ــة يتّم فيه ــا تحوي ــل الظ ــواهر المحلي ــة و اإلقليمي ــة إلى ظ ــواهر عالمي ــة ,أي جع ــل الظ ــاهرة عالمي ــة االنتش ــار.
والعولمة هي عملية اقتصادية في المقام األول ،ثم تحـوّلت اثـر ذلـك إلى سياسـية ،ويتبـع ذلـك الجـوانب االجتماعيـة والثقافيـة وهكـذا .و
هي تق ــوم ,من جه ــة م ــا هي اقتص ــادية على إزال ــة الح ــواجز الجمركي ــة و إلغ ــاء الح ــدود بين ال ــدول و تس ــهيل ت ــدّفق الس ــلع و رؤوس
األم ــوال والخ ــدمات و العمال ــة ,و به ــذا المع ــنى تب ــدو العولم ــة االقتص ــادية بم ــا هي انفت ــاح االقتص ــاديات المحلي ــة على بعض ــها البعض
وتكاملها لغاية تحويلها إلى اقتصاد عالمي و ذلك خاّص ة في مجاالت التجارة و االستثمارات األجنبية المباشرة و تبادل السلع وهجـرة
األفراد و تفاقم استعمال التكنولوجيا.
و لكن إذا مــا ارتبطت العولمــة بالثقافــة و غيرهــا من المجــاالت ,فإّنهــا تعــني تعميم نمــط ثقــافي حضــاري و تحيــل على إرادة
الهيمنة و السيطرة و فرض النموذج الواحد على اّنه النمـوذج األفضـل و األرقى و األصـلح .تجـاوز الخصوصـيات ونكـران الهويـات
وطمس الذاتيــة و رفض مبــدأ التنــوع و التعــدد و االختالف ,هي على حــد عبــارة ريتشارد رورتي من ابتكــار الشــعوب الغنيــة بهــدف
التستر على مصالحها السياسية ,استعمار جديد ,يبدو لطيفا ,لكنه في الحقيقة عنيف و مرعب .و للعولمة أخطـار هـددت اإلنسـان في
هويته ,فجعلته يعيش تجربة االنفتاح بما هي تجربة مخيفة و عواقبها غير آمنة مطلقا ,انفتاح ينذر بالصراع وبالتصّد ع و " هذا ليس
ص$$راعا بين مّ$د حض$$اري و مّ$د همجي ,اّن ه ص$$راع بين أم$$ل جم$$اعي في النج$$اة و بين خط$$ر م$$وت جم$$اعي" ,ح ـّد ث م$$وران في "
سياسة حضارة" .و العولمة هي السبب المباشر الزمة الهوية ,فما المقصود بأزمة الهوية؟
أزمة الهوّية :إذا كانت الهوّية هي اإلجابة الضرورّية لسؤال " من أنا؟ " أو " من أكون؟ " فان أزمة الهوّي ة تتعّين بمـا هي عجـز عن
تحديد هذه اإلجابة .إنها " شكل حاّد من الضياع ,غالبا ما يصفه الناس بالقول ,أّنهم ما ع$ادوا يعرف$ون قّ$ط من يكون$ون" والعبــارة
لتايلور ,ضــياع الــذات بالنســبة لنفســها ,أي حينمــا ال يــدرك الفــرد من يكــون ,فاألزمــة هي أّو ال و بالــذات أزمــة وعي ,حيث يبلغ الفــرد
حالـة من الالوعي بالنسـبة ألنـاه و بالنسـبة لوضـعه .تتحـّد د أزمـة الهوّي ة بمـا هي غربـة الـذات عن ذاتهـا و عن العـالم بأشـيائه و ذواتـه,
هي تفتت الـذات و انقسـامها و عجزهـا عن إدراك التوّح د من جديـد ,فال هي ذاتهـا و ال هي غيرهـا ,أ فمن عجـز على أن يكـون ذاتـه,
بقادر على أن يكون غـيره؟ ال ,لن يكـون مـا لم يكن .أزمـة الهّو يـة هي فقـدان الـذات لـذاتها و تفريطهـا في خصوصـيتها و انقطاعهـا
3
عن جذورها و عجزها عن تمّلك أفق جديد ,به تتقّو م .و حال الهوّية هذا كرسته العولمة بأخطارها التي شملت كـل مجـاالت الوجـود.
ففيم تتمّثل أخطار العولمة؟
خطر العولة االقتصادّية:
-سيطرة الشركات متعدّد ة الجنسيات و خدمتها لمصالحها الخاّص ة و القضاء على حظوظ الشركات الصغرى و المتوّس طة.
-تهميش الــدول الناميــة على حســاب الــدول الصــناعية الكــبرى وتفــاقم مشــكل البطالــة و انخفــاض فــرص العمــل و تزايــد األزمــات
االقتص ــادية ال ــتي أّد ت ب ــالكثير من العم ــال و الم ــوظفين إلى فق ــدان عملهم ( مث ــال :في المكس ــيك فق ــد 3ماليين عام ــل عملهم جـ ـّر اء
تحو ل من عقود عمل نظامية إلى عقود عمل مؤقتة من حيث عدد ساعات العمل أو من حيث م دة األزمة المالية لسنة ),1995أو ال ّ
العقد و ما خلفه ذلك من انخفاض في األجور و في تراجع في المقدرة الشرائية.
-تفاقم التفاوت بين بلدان العالم في مستوى التطـّو ر وتـبين معطيـات مصـادر األمم المتحـدة اتسـاع الهـوة بين أغـنى %20من سـكان
المعمورة وأفقـر %20منهم ،إلى 74ضـعفًا عـام .2001وحسـب معطيـات العـام 2002فـإن %40من المبـادالت التجاريـة عالميـًا
تقــوم بهــا الشــركات متعــددة الجنســية وهي تمتلك %44من قيمــة اإلنتــاج العــالمي فيمــا تبلغ حصــة أفريقيــا والشــرق األوســط وأمريكــا
الالتيني ــة %4.6من مجم ــل اإلنت ــاج الع ــالمي ،وحس ــب معطي ــات البن ــك ال ــدولي ف ــإن حجم ال ــواردات والص ــادرات للبلدان النامي ــة في
انخفاض مستمر ،حيث انخفض من %7.6عام 1991ـ 1993إلى 1.9كما هو متوقع للعام .2004
خطر العولمة الثقافية:
-صياغة ثقافة واحدة تهيمن على بقية الثقافات و تقضي على خصوصياتها ,وتهديد الهوية الثقافية باالندثار و التالشــي انطالقــا من
الغزو الثقافي األمريكي و سيطرة األفالم السينمائية والــبرامج التلفزيونيــة والموســيقى وبــرامج الكمــبيوتر .كتب بودريار في "السلطة
الجهنمّية" " :كّل ثقافة تتعمم تفقد خصوصيتها و تموت".
-انتشار ثقافة العنف بتركيز السينما األمريكية على ظاهرة العنف بما في ذلك أفالم الكرتون.
-انتشــار ثقافــة االســتهالك على النمــط األمــريكي ,على مســتوى المشــروبات ( الكوكــاكوال –البيبســى -الســيفن آب) وعلى مســتوى
األطعمة ( :البيــتزا والهــامبرغر )...وعلى مسـتوى الحالقـة وتصـفيفات الشـعر ( :الهيبــيز-والمــر يــنز-والـرازي ,)...اّنهــا " الثقافة
الجماهيرية المسّلعة " و العبــارة لهابرماس ,ألم ينّبهنــا ش$$تراوس إلى هــذا الخطــر بقولــه " :نحن اآلن مهّ$د دون باحتم$ال تحّو لن$ا إلى
مجّر د مستهلكين قادرين على استهالك أي شيء من أّي نقطة في العالم و من أّية ثقافة ,و الثمن دائما فقداننا ألصالتنا بأكملها" .
-تسليع االبداع و تشييء الفعل الثقافي ,حيث صار االبداع رهين الدعاية و الربح ,مرتبطا بقوانين السوق و متطلباته.
-تسطيح الوعي و تعميمة و جعله مبتذال ,تافها ,غير ذا قيمة.
-اخــتزال اإلنســان في بعــده المــادي االســتهالكي ،وأحياًن ا الشــهواني ،فعلى ســبيل المثــال :تتعامــل ثقافــة اإلعالم في ظــل العولمــة مــع
المرأة طبًقا لرؤية نفعية ،يكون فيها جسد المرأة أداة لتعظيم المنفعة المادية ،فمن ناحية تعتبر المرأة سلعة يمكن تســويقها -من خالل
العروض التلفزيونية واإلعالنات -عالمًيا ،ومن ناحية أخرى تعتبر هدًفا لتسويق سلع استهالكية كمستحضرات التجميل واألزياء -
وتتجلى هذه الرؤية في أشكال شتى منها مسابقات ملكات الجمال.
-ت ــوّتر العالق ــة بين الثقاف ــات ح ـّد الع ــداء و الرغب ــة في االنتقــام و تحصــل ه ــذه الرغب ــة م ــتى أدركت الثقاف ــة المهيمن عليه ــا وضــعها
(التبعّية و التهميش و اإلقصاء ) .حينها يسيطر منطق الثأر و القصاص " ,إن ثقافة أضاعت قيمها ال تس$$تطيع إال أن تنتقم من
قيم الثقافات األخرى " .على ح ـّد قــول ج$ان بودري$ار .و بــدل الحــديث عن تفاعــل و تالقح ,نتح ـّد ث عن صــراع و صــدام ,كتب
ارفي السو" :أن تصادم الثقافات يشّك ل تهديدًا جديًا وخيم العواقب للس$الم في األس$رة العالمي$ة ،أك$ثر من ن$زاٍع مسّ$لٍح م$ا بين
أمتين أو دولتين".
-تعميم الثقافة يساوي قتلها و إعدام خصوصيتها.
خطر العولمة السياسية:
-تهديد التوجـه الـديمقراطي انطالقـا من تبعيـة الـدول المسـيطر عليهـا من طـرف الـدول الكـبرى للسياسـة العالميـة و خدمـة مصـالحها
على حساب مصلحة شعوبها.
4
-االنش ــغال بإرض ــاء ال ــدول الك ــبرى و إهم ــال النظ ــام ال ــداخلي و م ــا يمكن أن ينج ــر عن ذل ــك من إمكاني ــة تزاي ــد الح ــروب األهلي ــة
واإلقليمية في دول الجنوب.
-إضعاف فكرة سيادة الدول الوطنّية القائمة على الشرعّية القومّية ( أي تجسيد فكرة األمة سياسيا و التعبير عن روحهــا وتطلعاتهــا)
و العمل على تخليصها مطلقا من الطابع القومي.
-تكريس االغتراب السياسي و محاولة القضاء كليا على الوعي السياسي.
-انحياز الدولة لصالح سلطة رأس المال الذي أصبح أكثر تنظيما و أكثر عنفا.
-عولمــة السياســة تعــني ان الدولــة الفاشــية كامنــة في كـّل دولــة في ظــل النظــام الرأســمالي كمــا بّين ذلــك دولوز و من مظــاهر الفاشــية
هيمنة منطق الحرب و اّتحاد رأس المال و الحرب.
خطر العولمة االجتماعية و األخالقية:
-القضــاء على الطبقــة الوســطى وتحويلهــا إلى طبقــة فقــيرة ،وهي الطبقــة النشــطة ثقافيـًا وسياســيًا واجتماعيـًا في المجتمعــات المدنيــة،
وهي التي وقفت في وجه تيارات التطرف وقاومت قوى االسـتغالل واالحتكـار تاريخيـًا .ظهـور طبقـة فاحشـة الـثراء تسـكن في أحيـاء
خاصة تحت الحراسة المشددة وهي الطبقة التي صعدت على حساب الفقراء والطبقة الوسطى.
-بإخضاع األفراد و قولبة سلوكهم ,بما يتناسب مع النمط األمريكي بما هو النموذج الذي يجب االقتداء به.
-ازدي ــاد نزع ــات العن ــف والتط ــرف ،وتن ــامي الجماع ــات ذات التوجه ــات النازي ــة والفاش ــية في التجمع ــات الغربي ــة ،الموجه ــة ض ــد
المهاجرين األجانب وخاصة من الدول اإلسالمية والدول الفقيرة.
-انتشــار أعمــال العنــف الــتي أفضــت إليهــا األفالم األمريكيــة و ارتفــاع نســبة الجــرائم وجــرائم القتــل في العــالم فقــد دل التقريــر الــذي
أصــدرته األمم المتحــدة عن الجريمــة والعدالــة لعــام 1999إلى أن الضــغط االجتمــاعي واالقتصــادي الــذي يقــاس بالبطالــة والتفــاوت
وعدم الرضا بالدخل ـ عامل رئيسي في ارتفاع معدل الجريمة.
كيف التعامل مع العولمة؟
االنتباه إلى ما في العولمة من خير:
-سهولة انتقـال السـلع و الخـدمات و إمكانيـة التمتـع الجمـاعي بـالخيرات العالميـة و إمكانيـة البلوغ الجمـاعي للرفـاه ,مثلمـا أّك د
ذلــك ريكور بقولــه " :إن الحضارة الكونّية خ$ير ألنه$$ا تمّثل حص$ول جم$وع من البش$$ر على خ$يرات أولّي ة ,و ال يمكن ألي
نوع من النقد للتقنية أن يعادل الفائدة مطلقة االيجابية لتحرر الحاجة و البلوغ الجماعي للرفاه" .
-يسر انتقال المعلومات بين المناطق البعيدة من الناحية الجغرافية و تكثف قنوات االتصـال الثقافيـة و توسـيع دائـرة التواصـل
المترّتب عن التطور التكنولوجي.
-تطّو ر على مستوى الوعي اإلنساني بتطور أدوات االستهالك و الثقافة األساسية و تراجع نسبة األمّية.
-بلوغ جموع من البشر بعض قيم الكرامة و االستقاللية بما هي قيم كونّية ساهمت في نشرها الحضارة الكونّية.
مقاومة شر العولمة:
ما يمكن أن تمثله العولمـة من خطـر فقـدان الخصوصـية و تصـّد ع الهويـة باعتبارهـا شـكل من أشـكال االسـتعمار الجديـد ,ال
يمكن مواجهته ,ككل أشكال االستعمار بما هو اغتصاب لألرض و استيطان عليها فاألرض هي الهويـة ,هي الـوطن الكـائن فينـا على
وجه الجوهر ال من جهة العرض ,إال بالمقاومة بما هي الفعل الوحيد القادر على استرجاع الذات و استعادة الهوية .مقاومــة الغــزو
الثقافي بالتمّس ك بالثقافة الخاّص ة المنفتحة دائما و القابلة للمختلف أبدا ,مقاومة السقوط في أزمة الهوية بتأصــيل الكيــان " ,أن أكون
إنسانا هو أن أكون قادرا على البقاء أنا نفسي" بلغة ريكور ,ومقاومة الوعي القطيعي الذي كرسته حضـارة االسـتهالك بتمّل ك وعي
نضالي ,يقظ باستمرار ,مقاومة كل أشكال المغالطات و الزيف باالرتقاء بالوعي و بتطوير المعارف ومقاومة الذوبان في الغير و
مقاومة كل اإلغراءات التي تقّد مها العولمـة كالتقـّد م الالمنقطـع النظـير واسـتبعاد التقوقـع و االنغالق كحـل عقيم فاشـل بـدل المواجهـة,
ألنه غير ممكن و الحال على ما نحن عليه.
5
يجب أن نقــاوم لنعيش ,فالحيــاة الســهلة و الوجــود الســلبي المعطى ,وجــود ال يســتحق أن يعــاش ,يجب أن نصــارع و نمــوت
لنعيش من جديــد ,ال مكــان لالستســالم و العبوديــة ,ال مجــال للخنــوع واإلذالل ,ال مجــال إال للنصــر و الوجــود الكــريم .ال يجب التخّلي
مطلقـا على حلم الكونيـة ألنـه حلم اإلنسـانية جمعـاء لبلوغ مطلب الكلي كمطلب مشـروع .ال ينبغي التغافـل عن هـذا المطلب رغم شـبه
االضمحالل الذي يشهده اليوم و شبه الغياب ,و إن كنا نعلم بأّن الغياب يعادل الهزيمة و الموت ,فإننــا نــدرك أيضــا أّن " الذي ال يقف
في وجه الموت ال يحيا و من ال يحّض ر جنازته بيده ال يفّك ر" و الحــديث لهيغل ,ألم يقــل نيتش$$ه في ســؤال أنيــق " :أليس الم$وت ك$$ان
حياة ,فليكن حياة من جديد؟ " ,بكـل مـا أوتي اإلنسـان من قـّو ة و بكـل اإلرادة السـاكنة فيـه ,عليـه أن يقـاوم ,من أجـل أن يوجـد و يـدافع
عن وجود ,يدرك جّيدا أّنه جدير بأن يعيشه.
كتب درويش في طباق /عن ادوارد سعيد:
والهوَّيُة؟ ُقْلُت
فقال :دفاٌع عن الذات...
6