Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫األستاذة‪ :‬ليلى البرهومي‬

‫القسم ‪ 4 :‬آداب‬
‫الخصوصّية و الكونية‬

‫إشارة إلى ما هو كّلي و جماعي و عام‪.‬‬ ‫إشارة إلى ما هو جزئي و فردي و خاص‪.‬‬
‫تهّم كل فرد من جهة انتمائه الى الـ"هم"‪,‬‬ ‫تهم كل فرد بذاته و بأناه ال غير‪.‬‬
‫األنا كجزء من " النحن"‪.‬‬
‫في تكامل الخصوصّية و الكونّية‬
‫في تنافر الخصوصّية الكونّية‬
‫‪ ‬في تكامل الخصوصّية و الكونّية‬
‫تفهم الخصوصـية بمــا هي خصوصـية الهوّي ة و تفهم الكونيــة أيضـا بمــا هي كونيــة الهوّي ة‪ ,‬إذن فالهويــة هي الـتي من خاللهــا‬
‫يمكن رصد التوافق و التكامل و االئتالف بين الخاص و الكوني‪ .‬فما الهوّية؟‬
‫الهوّية‪ :‬هي ما به يكون الشيء هو نفسه‪ .‬هوّية الشيء و عينيته و تشخّص ه و وجوده المنفرد له‪ ,‬كّل واحد‪ ,‬أي نفس الشــيء‪ .‬الهوّي ة‬
‫إذن ما به يكون الشيء هو هو‪ ,‬بوصفه وجودا منفردا‪ ,‬متمّيزا عن غيره يخّص ه بالذات‪ .‬و الهوية أخّص من الماهية‪ ,‬إذ تقال الماهيــة‬
‫على الكّلي بينمــا تقــال الهوّي ة على الجــزئي‪ .‬كقولنــا‪ :‬ماهيــة اإلنســان و هوّي ة فالن‪ .‬قيلت الهوّي ة في الفلســفة القديمــة بمعــنى الوجــود‬
‫)سجل أنطولوجي(‪ .‬أّم ا في الفلسفة الحديثة فصارت تفهم بمعنى الذات‪" ,‬األنا أفّك ر الديكارتي" أو " الهو المطابق" مع كانــط )ســجل‬
‫إبستيملوجي(‪ .‬اّتخذت الهوية منحى فينومينولوجي و طرحت من منظور انثروبولوجي و ثقافي في الفلسفة المعاصرة‪.‬‬
‫يمكن التمييز بين أصناف هوّيات‪ :‬الهوية الشخصّية و هي تلك التي يتمّي ز بهـا الفـرد الواحـد عن غـيره و تشـمل وعيـه بذاتـه والكيفيـة‬
‫الــتي بهــا تتمث ـّل الــذات ذاتهــا تمثال فرديــا‪ ,‬و تتح ـّد د الهويــة الشخصــية حســب "لــوك" بمــا هي اإلحســاس الالمنقطــع للشــخص بأنــه هــو‬
‫بعين ـه‪ .‬و الهوية االجتماعي‪$‬ة و تخّص هويــة المجموعــة في وحــدتها و مــا يمكن أن يجعلهــا متمّي زة عن بــاقي المجموعــات‪ .‬و الهوّي ة‬
‫الثقافية و هي الــتي تشــمل كــل مــا هــو مشــترك بين األفــراد و المجموعــات‪ ,‬العــادات الفنيــة والدينيــة والفلســفية وكـّل األشــكال المكتســبة‬
‫لسلوك المجموع‪ .‬و الثقافة هي نمط عيش مجتمع ما وتشمل أسلوب حياة الشعب ومحيطه الفكري ونظرته إلى الحياة وتكــون نابعــة‬
‫من ظروفه واحتياجاته وبيئته الجغرافية‪ .‬و من جهة العالقة بين الخاص و الكوني نميز بين الهوّية البسيطة والهوية المركبة‪:‬‬
‫تحيل الهوّية البسيطة على الخصوصّية و الهوّية المركّبة على الكونية‪.‬‬
‫الهوّية المركّبة‪ :‬هي الهوية في وضع االنفتاح و التالقح و التفاعـل‪ ,‬هي تلك الهويـة المركبـة من هويـة بسـيطة بمثابـة النـواة وهويـات‬
‫أخرى وقع عليهم االنفتاح‪ .‬و تشترط الهوية المركبة لكي تتحقق‪:‬‬
‫امتالك هوي‪$$‬ة فردي‪$$‬ة خاص‪$$‬ة مكتمل‪$$‬ة تمام‪$$‬ا‪ :‬حّتى تتمكن الهوي ــة من تج ــاوز ذاته ــا الض ــيقة نح ــو الغ ــير من‬ ‫‪‬‬

‫الهويات وتجاوز طابعها الخاص نحو الطابع الكوني‪ ,‬يجب أن تكون ذاتها أوال‪ ,‬إذ ال سبيل لمن لم يكن ذاتــه أن يكــون غــيره أو‬
‫أن يالقي غـيره بمـا هـو هويـة مسـتقّلة ‪ .‬ينبغي أن يمتلك الفـرد هويتـه الخاّص ة لكي يكـون قـادرا على مالقـاة الغـير‪ ,‬ألم يقـل بول‬
‫ريكور ‪ ":‬لكي يكون أمامنا آخر غير ذاتنا‪ ,‬يجب أن يكون لنا ذات"‪.‬‬
‫الهوية الفردية المكتملة‪ :‬هي ما نوجد عليه على نحو فردي و ما نريد أن نكون عليه‪ ,‬إنهـا ال تهم ماضـي األفـراد وحاضـرهم‬
‫فحسب ‪ ,‬بل تعانق المستقبل و ترتسم لنفسها أفقا داخله‪ .‬تفهم الهويـة الفردّي ة بمعـنى الخصوصـية ألنهـا تخص كـل فـرد بالـذات‬
‫و هي شخص ـّية ســمتها الثبــات و االســتمرار‪ .‬الهويــة الفرديــة هي اإلجابــة الضــرورية لســؤال " من أنــا ؟" ‪ ,‬إجابــة ال تقــف عنــد‬
‫حـدود السـطح مثـل االسـم و النسـب و البصـمة‪ ,‬إنمـا تتعـّد اه نحـو مـا هـو أعمـق ‪ .‬أن أكـون "أنـا" هـو أن أكـون نشـيطا‪ ,‬فـاعال في‬
‫الوجود بصورة ايجابية‪ ,‬ملتزمـا بجملة من المبـادئ و األفكـار و القضـايا‪ ,‬أن أملك موقفـا يرتبـط بـذاتي وبـالتزامي وباختيـاراتي‬
‫في الوجود و أن أنتمي إلى اّم ة ما إثباتا ألصلي و تأصيال لكياني‪ ,‬كما اعتقد بذلك تشارلز تايلور‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪‬توفر درجة من االختالف بين الهويات التي تروم االنفتاح على بعه‪$$‬ا البعض‪ :‬ال ســبيل للتفاعــل في فضــاء التماثــل والتطــابق‪ ,‬اذ‬
‫أي تالقح يمكن أن يحصل بين هويات متشابهة مطلقا؟ إن لم تكن الهويات مختلفة و الثقافات كــذلك‪ ,‬بطـل التفاعــل و كــان اللقـاء‬
‫أشبه بال لقاء‪.‬‬
‫االختالف‪ :‬هــو تبــاين في الــرأي بين طــرفين أو أكــثر‪ .‬غايــة و مقصــود األطــراف واحــد أمــا الوســائل فمختلفــة‪ .‬و االختالف ال‬
‫يعني الخالف الّن الخالف ال يقوم على دليل بينما ينبني االختالف على أدّلة‪ .‬و هو الحـّد األوسـط بين التماثـل و التقابـل فال هـو‬
‫تماث ــل مطلق أي اشــتراك في جمي ــع الصــفات و ال ه ــو تضــاد في جمي ــع الصــفات‪ .‬و االختالف ه ــو شــرط من شــروط تحقــق‬
‫الكونيــة‪ .‬عنــدما قــارن كل‪$$‬ود لفي ش‪$$‬تراوس عالقــات القرابــة واألســاطير عنــد "البــدائيين" ‪ ,‬انتهى إلى اإلقــرار بــأّن وراء تنــوع‬
‫الثقافات توجد وحدة نفسـّية لإلنسـانية‪ ,‬إذ تشـترك اإلنسـانية في عناصـر متبادلـة و هـذا ربمـا مـا يفّس ر التشـابه بين ثقافـات البلدان‬
‫البعيدة عن بعضها البعض من حيث المسافة‪ ,‬مثلما هو شأن حضارة "األنكا" في "البيرو" و"الداهومي" في إفريقيا‪ ,‬هذا التشابه‬
‫ليس ناتجا عن التواصل بين هذه الثقافات ضــرورة و إنمــا عن اشــتراك على مســتوى العناصــر األساســية لإلنســانية‪ " ,‬فالعقل‬
‫اإلنساني‪ ,‬برغم كل الفروقات الثقافية بين مختلف أجزاء البشرّية‪ ,‬هو ذات‪$‬ه هن‪$‬ا و هن‪$‬اك و أّن ه يمتل‪$‬ك الطاق‪$‬ات ذاته‪$‬ا‪ ".‬كتب‬
‫شتراوس في "األسطورة و المعنى"‪.‬‬
‫تحقق التكافؤ بين ه‪$‬ذه االط‪$‬راف‪ :‬ال مجــال لــوعي التفــوق و األفضــلية و ســمو فئــة على فئــة أو جماعــة على‬ ‫‪‬‬

‫جماع ــة فالك ــل تجمعهم ص ــفة االنس ــانية و الك ـّل متك ــافئ‪ .‬يق ــول كل‪$$‬ود لفي ش‪$$‬تراوس ‪ ":‬إن ال‪$$‬بربري ه‪$$‬و م‪$$‬ا يعتق‪$$‬د في وج‪$$‬ود‬
‫البربرية"‪ ،‬فمن وجهة النظر األنثروبولوجية ليس هناك سّلم مفاضلة بين الثقافات وإ نما هناك تنـّو ع نسـبي بين الثقافــات ومفهــوم‬
‫التفوق الثقافي ليس إّال وليد الحكم المسبق الذي تمثله المركزيـة االثنيـة أو الميـل العتبـار ثقافتنـا الخاصـة نموذجـا لإلنسـان‪ ".‬ال‬
‫مجــال الدعــاء األفضــلية و النظــر إلى الغــير عــل أّن ه األدنى و االوضــع دائمــا بمجـّر د اختالفــه معنــا في عاداتنــا و ســلوكاتنا و ال‬
‫يحق لنا‪ ,‬بل ال بّد من التخّّلص كليا من عبارات من قبيل " همجي" و "بربري" و " متخّلف"‪ " ,‬ال يحق لنا اذن أن نس‪$$‬ميهم – و‬
‫يقصــد األقــوام البدائيــة بأمريكــا الجنوبيــة‪ -‬همج‪$$‬يين إال على قي‪$$‬اس العق‪$$‬ل ال قياس‪$$‬ا علين‪$$‬ا‪ ,‬نحن ال‪$$‬ذين نف‪$$‬وقهم في ك ‪ّ$‬ل أش‪$$‬كال‬
‫الهمجّية‪ -‬و يقصد الشعوب االروبية‪ ".‬كتب مونتانيو‪.‬‬
‫القب‪$$‬ول ب‪$$‬االخر مهم‪$$‬ا اتس‪$$‬عت مس‪$$‬احة االختالف‪ :‬عنــدما تكــون األطــراف الــتي ترنــو االنفتــاح على بعضــها‬ ‫‪‬‬

‫البعض‪ ,‬متكافئة‪ ,‬فإنها تقبل باللقاء و التفاعل و تشـترك في الـوعي بهـذا التكـافئ و في الـوعي بضـرورة المحافظـة على التنـوع و‬
‫االســتفادة من االختالف و يصــبح التفــاهم حينئــذ ممكنــا و "إن ض‪$$‬رورة فهم الغ‪$$‬ير تخل‪$$‬ق ض‪$$‬رورة فهم ال‪$$‬ذات وتف‪$$‬ادي الت‪$$‬برير‬
‫الذاتي وتجريم الغير والكذب على الذات ـ وهي تجارة رائجة اليوم ـ فهن‪$‬اك العدي‪$‬د من الش‪$$‬روط ال‪$$‬تي يمكن له‪$$‬ا أن تس‪$$‬اعد‬
‫على تربية ملكة الفهم وتطويرها "‪ ,‬كتب ادغار موران في " سبعة ثقوب معرفية س‪$$‬وداء"‪ .‬ليس االختالف مصــدر عــداوة‬
‫و دافــع للصــراع و الصــدام بقــدر مــا هــو بــاعث للتواصــل و التفاعــل و مــا يــؤمن فعــل التواصــل هــذا هــو التسامح مــع الغــير‬
‫المختلف و نبذ التعّص ب و التطّر ف و فرض الرأي إرغاما و قسرا‪.‬‬
‫هوية مركبة‬ ‫امتالك هوية خاصة‪ +‬توفر االختالف ‪ +‬تحقق التكافؤ‪ +‬القبول باالخر‪ +‬االنفتاح ‪ +‬التالقح‬
‫الهوية المركبة تجعل من وحدة الك‪$‬ثرة إمكاني‪$‬ة متحقق‪$‬ة بالفع‪$‬ل و ك‪$‬ذلك ك‪$‬ثرة الواح‪$‬د‪ .‬الوح‪$‬دة ال‪$‬تي تنتج التن‪$‬وع و تض‪$‬من ح‪$‬ق‬
‫االختالف‪.‬‬
‫ال تع ــارض بين الخ ــاص الك ــوني ألم يق ــل هيغ ‪$‬ل‪ " :‬إن الك‪$$‬وني ليس إال عملي‪$$‬ة تض‪$$‬مين للف‪$$‬ردي"‪ ,‬الّن الكونّي ة إنم ــا هي‬
‫احتضــان للخــاص مــع اإلبقــاء على خصوصــيته و دمجــه بــالغير من الهويــات ‪,‬ال قتال و تفتيتــا‪ .‬بهــذا المعــنى نفهم الكونيــة بمــا هي‬
‫كوني ـ ــة حق ـ ــوق اإلنس ـ ــان و القيم ال ـ ــتي تهم جمي ـ ــع األف ـ ــراد من جه ـ ــة اش ـ ــتراكهم في ص ـ ــفة اإلنس ـ ــانية‪ ,‬كونّي ة الحرّي ة و الكرام ـ ــة‬
‫والديمقراطيـ ــة‪ ,‬كونّي ة الحـ ــق الـ ــذي من الـ ــواجب أن يتمتـ ــع بـ ــه الجميـ ــع دون اسـ ــتثناء و "ان االنتم ‪$$‬اء الى الجنس البش ‪$$‬ري أي إلى‬
‫اإلنسانية بما هي صفة كونية هو أك‪$‬ثر أص‪$‬الة من االنتم‪$‬اء الى ه‪$‬ذا المجتم‪$‬ع أو ذاك‪ .‬وعلى ه‪$‬ذا األس‪$‬اس يك‪$‬ون مطلب الكوني‪$‬ة‬
‫بمثابة الحد الذي تقف عنده ممارسة الحرية ويكون المق‪$‬دس ال‪$‬ذي غ‪$‬ادر مج‪$‬ال االعتق‪$‬اد ورف‪$‬ات القديس‪$‬ين مجس‪$‬دا مس‪$‬تقبال في‬
‫حقوق اإلنس‪$‬ان‪...‬وإ ذا تق‪$‬رر أن لك‪$‬ل الكائن‪$‬ات البش‪$‬رية مجموع‪$‬ة من الحق‪$‬وق المتماثل‪$‬ة فان‪$‬ه ي‪$‬ترتب عن ذل‪$‬ك أنه‪$‬ا متس‪$‬اوية في‬
‫‪2‬‬
‫الحقوق ومعنى هذا أن مطلب المساواة نابع من الكونية‪ .‬ومن الكونية انبثقت ضروب من الكفاح ما ت‪$$‬زال متواص‪$$‬لة الى الي‪$$‬وم‪:‬‬
‫الكفاح من أجل أن تكون النساء مساويات للرجال أمام القانون وأن يلغى الرق وأن ال يش‪$$‬رع أب‪$$‬دا للتص‪$$‬رف في حري‪$$‬ة أي ك‪$$‬ائن‬
‫بشري وأن يعترف بكرامة الفقراء والمساكين والمهمشين وأن ينظ‪$‬ر الى األطف‪$‬ال باعتب‪$‬ارهم أشخاص‪$‬ا ب‪$‬أتم مع‪$‬نى الكلم‪$‬ة‪ .‬أث‪$‬ار‬
‫هذا اإلقرار بكونية االنسان الرغبة في التعرف على مجتمعات أخرى غير تلك التي يولد فيه‪$‬ا الم‪$‬رء‪ ,".‬كتب ت‪$‬ودوروف في‬
‫"روح األن‪$$‬وار"‪ .‬تتضــمن الكونيــة اعترافــا بــاآلخر اعــتراف أصــيل و عميــق‪ ,‬إنهــا الوحــدة الحاويــة للتنــوع و التنــوع القابــل أبــدا‬
‫للتوّح د‪ ,‬دون ذوبان و دون تيه وانحراف و انحالل‪ .‬إن الثقافات في لقائها بعضـها ببعض ال تنسـلخ و ال تفـّر ط في خصوصـيتها و‬
‫ال تتالشى بمجّر د اللقاء و بقدر حفاظها على ذاتها يكون اللقاء خّالقا‪ " ,‬وحدها الثقافة الحّية‪ ,‬والوفّي ة لج‪$$‬ذورها‪ ,‬و في اآلن نفس‪$$‬ه‬
‫في حالة إبداعية على صعيد الفّن و األدب و الفلسفة والروحانّية‪ ,‬هي القادرة على تحّم ل اللقاء بالثقافات األخرى‪ ".‬كتب ريكور‪.‬‬
‫يكــون اللقـاء مبــدعا مــتى حـافظت الثقافــة على خصوصـيتها و انشـدت الهويــة إلى ذاتهــا و تجـّذ رت في تربتهــا‪ ,‬و توسـعت و امتـّد ت و‬
‫انفتحت و تفــاعلت مــع غيرهــا و تغ ـّذ ت بــاالختالف و تثــاقفت و تبــادلت المعــارف و العلوم والفنــون و حّتى العــادات‪ ,‬مــتى تمســكت‬
‫بانتمائهــا و خــرجت من فرديتهــا العقيمــة‪ ,‬حينما يلتقي الخ‪$‬اص بالخ‪$‬اص و تتح‪ّ$‬و ل الخصوص‪ّ$‬ية إلى عمومّي ة موجب‪$‬ة‪ ,‬كلّي ة ت‪$‬وحي‬
‫بالتنّو ع و اإلثراء و اإلبداع‪ ,‬حينها تتحقق الكونّية‪.‬‬
‫في تنافر الخصوصية أو الكونية‬ ‫‪‬‬
‫ال يفهم التنافر بين الخصوصية و الكونية باعتبار الدالالت التي تعرضنا لها سابقا‪ ,‬فالكونية بمــا هي تالق ســلمي وتجــانس‬
‫وتفاعل بين الهويات‪ ,‬ال مجال مطلقا لتخيل تعـارض بينهـا و بين الخصوصـية و إنمـا إمكانيـة تحـّو ل الكونيـة إلى عولمـة‪ ,‬أو إمكانيـة‬
‫تالشــيها تمامــا بفعــل العولمــة‪ ,‬هــو مــا من شــأنه تغيــير هــذه العالقــة و تحييــد مســارها‪ ,‬ذلــك أّن " الكوني يهلك في العولمة وعولم‪$‬ة‬
‫التبادالت تضع نهاية لكينون‪$‬ة القيم‪ ...‬ف‪$‬الكوني ق‪$‬د تع‪$‬ولم والديمقراطي‪$‬ة وحق‪$‬وق اإلنس‪$‬ان تع‪$‬بر الح‪$‬دود ك‪$‬أي نت‪$‬اج ع‪$‬المي كالنف‪$‬ط‬
‫ورؤوس األموال‪ ".‬بلغة موران‪ .‬فما العولمة و ما أثرها على الهوية؟‬
‫العولم‪$$‬ة‪ :‬العولم ــة عملي ــة يتّم فيه ــا تحوي ــل الظ ــواهر المحلي ــة و اإلقليمي ــة إلى ظ ــواهر عالمي ــة‪ ,‬أي جع ــل الظ ــاهرة عالمي ــة االنتش ــار‪.‬‬
‫والعولمة هي عملية اقتصادية في المقام األول‪ ،‬ثم تحـوّلت اثـر ذلـك إلى سياسـية‪ ،‬ويتبـع ذلـك الجـوانب االجتماعيـة والثقافيـة وهكـذا‪ .‬و‬
‫هي تق ــوم‪ ,‬من جه ــة م ــا هي اقتص ــادية على إزال ــة الح ــواجز الجمركي ــة و إلغ ــاء الح ــدود بين ال ــدول و تس ــهيل ت ــدّفق الس ــلع و رؤوس‬
‫األم ــوال والخ ــدمات و العمال ــة‪ ,‬و به ــذا المع ــنى تب ــدو العولم ــة االقتص ــادية بم ــا هي انفت ــاح االقتص ــاديات المحلي ــة على بعض ــها البعض‬
‫وتكاملها لغاية تحويلها إلى اقتصاد عالمي و ذلك خاّص ة في مجاالت التجارة و االستثمارات األجنبية المباشرة و تبادل السلع وهجـرة‬
‫األفراد و تفاقم استعمال التكنولوجيا‪.‬‬
‫و لكن إذا مــا ارتبطت العولمــة بالثقافــة و غيرهــا من المجــاالت‪ ,‬فإّنهــا تعــني تعميم نمــط ثقــافي حضــاري و تحيــل على إرادة‬
‫الهيمنة و السيطرة و فرض النموذج الواحد على اّنه النمـوذج األفضـل و األرقى و األصـلح‪ .‬تجـاوز الخصوصـيات ونكـران الهويـات‬
‫وطمس الذاتيــة و رفض مبــدأ التنــوع و التعــدد و االختالف‪ ,‬هي على حــد عبــارة ريتشارد رورتي من ابتكــار الشــعوب الغنيــة بهــدف‬
‫التستر على مصالحها السياسية‪ ,‬استعمار جديد‪ ,‬يبدو لطيفا‪ ,‬لكنه في الحقيقة عنيف و مرعب‪ .‬و للعولمة أخطـار هـددت اإلنسـان في‬
‫هويته‪ ,‬فجعلته يعيش تجربة االنفتاح بما هي تجربة مخيفة و عواقبها غير آمنة مطلقا‪ ,‬انفتاح ينذر بالصراع وبالتصّد ع و " هذا ليس‬
‫ص‪$$‬راعا بين م‪ّ$‬د حض‪$$‬اري و م‪ّ$‬د همجي‪ ,‬اّن ه ص‪$$‬راع بين أم‪$$‬ل جم‪$$‬اعي في النج‪$$‬اة و بين خط‪$$‬ر م‪$$‬وت جم‪$$‬اعي" ‪ ,‬ح ـّد ث م‪$$‬وران في "‬
‫سياسة حضارة"‪ .‬و العولمة هي السبب المباشر الزمة الهوية‪ ,‬فما المقصود بأزمة الهوية؟‬
‫أزمة الهوّية‪ :‬إذا كانت الهوّية هي اإلجابة الضرورّية لسؤال " من أنا؟ " أو " من أكون؟ " فان أزمة الهوّي ة تتعّين بمـا هي عجـز عن‬
‫تحديد هذه اإلجابة‪ .‬إنها " شكل حاّد من الضياع‪ ,‬غالبا ما يصفه الناس بالقول‪ ,‬أّنهم ما ع‪$‬ادوا يعرف‪$‬ون ق‪ّ$‬ط من يكون‪$‬ون" والعبــارة‬
‫لتايلور‪ ,‬ضــياع الــذات بالنســبة لنفســها‪ ,‬أي حينمــا ال يــدرك الفــرد من يكــون‪ ,‬فاألزمــة هي أّو ال و بالــذات أزمــة وعي‪ ,‬حيث يبلغ الفــرد‬
‫حالـة من الالوعي بالنسـبة ألنـاه و بالنسـبة لوضـعه‪ .‬تتحـّد د أزمـة الهوّي ة بمـا هي غربـة الـذات عن ذاتهـا و عن العـالم بأشـيائه و ذواتـه‪,‬‬
‫هي تفتت الـذات و انقسـامها و عجزهـا عن إدراك التوّح د من جديـد‪ ,‬فال هي ذاتهـا و ال هي غيرهـا‪ ,‬أ فمن عجـز على أن يكـون ذاتـه‪,‬‬
‫بقادر على أن يكون غـيره؟ ال‪ ,‬لن يكـون مـا لم يكن‪ .‬أزمـة الهّو يـة هي فقـدان الـذات لـذاتها و تفريطهـا في خصوصـيتها و انقطاعهـا‬
‫‪3‬‬
‫عن جذورها و عجزها عن تمّلك أفق جديد‪ ,‬به تتقّو م‪ .‬و حال الهوّية هذا كرسته العولمة بأخطارها التي شملت كـل مجـاالت الوجـود‪.‬‬
‫ففيم تتمّثل أخطار العولمة؟‬
‫خطر العولة االقتصادّية‪:‬‬
‫‪ -‬سيطرة الشركات متعدّد ة الجنسيات و خدمتها لمصالحها الخاّص ة و القضاء على حظوظ الشركات الصغرى و المتوّس طة‪.‬‬
‫‪ -‬تهميش الــدول الناميــة على حســاب الــدول الصــناعية الكــبرى وتفــاقم مشــكل البطالــة و انخفــاض فــرص العمــل و تزايــد األزمــات‬
‫االقتص ــادية ال ــتي أّد ت ب ــالكثير من العم ــال و الم ــوظفين إلى فق ــدان عملهم ( مث ــال‪ :‬في المكس ــيك فق ــد ‪ 3‬ماليين عام ــل عملهم جـ ـّر اء‬
‫تحو ل من عقود عمل نظامية إلى عقود عمل مؤقتة من حيث عدد ساعات العمل أو من حيث م دة‬ ‫األزمة المالية لسنة ‪ ),1995‬أو ال ّ‬
‫العقد و ما خلفه ذلك من انخفاض في األجور و في تراجع في المقدرة الشرائية‪.‬‬
‫‪ -‬تفاقم التفاوت بين بلدان العالم في مستوى التطـّو ر وتـبين معطيـات مصـادر األمم المتحـدة اتسـاع الهـوة بين أغـنى ‪ %20‬من سـكان‬
‫المعمورة وأفقـر ‪ %20‬منهم‪ ،‬إلى ‪ 74‬ضـعفًا عـام ‪ .2001‬وحسـب معطيـات العـام ‪ 2002‬فـإن ‪ %40‬من المبـادالت التجاريـة عالميـًا‬
‫تقــوم بهــا الشــركات متعــددة الجنســية وهي تمتلك ‪ %44‬من قيمــة اإلنتــاج العــالمي فيمــا تبلغ حصــة أفريقيــا والشــرق األوســط وأمريكــا‬
‫الالتيني ــة ‪ %4.6‬من مجم ــل اإلنت ــاج الع ــالمي‪ ،‬وحس ــب معطي ــات البن ــك ال ــدولي ف ــإن حجم ال ــواردات والص ــادرات للبلدان النامي ــة في‬
‫انخفاض مستمر‪ ،‬حيث انخفض من ‪ %7.6‬عام ‪ 1991‬ـ ‪ 1993‬إلى ‪ 1.9‬كما هو متوقع للعام ‪.2004‬‬
‫خطر العولمة الثقافية‪:‬‬
‫‪ -‬صياغة ثقافة واحدة تهيمن على بقية الثقافات و تقضي على خصوصياتها‪ ,‬وتهديد الهوية الثقافية باالندثار و التالشــي انطالقــا من‬
‫الغزو الثقافي األمريكي و سيطرة األفالم السينمائية والــبرامج التلفزيونيــة والموســيقى وبــرامج الكمــبيوتر‪ .‬كتب بودريار في "السلطة‬
‫الجهنمّية" ‪ " :‬كّل ثقافة تتعمم تفقد خصوصيتها و تموت‪".‬‬
‫‪ -‬انتشار ثقافة العنف بتركيز السينما األمريكية على ظاهرة العنف بما في ذلك أفالم الكرتون‪.‬‬
‫‪ -‬انتشــار ثقافــة االســتهالك على النمــط األمــريكي‪ ,‬على مســتوى المشــروبات ( الكوكــاكوال –البيبســى‪ -‬الســيفن آب) وعلى مســتوى‬
‫األطعمة ‪ ( :‬البيــتزا والهــامبرغر‪ )...‬وعلى مسـتوى الحالقـة وتصـفيفات الشـعر‪ ( :‬الهيبــيز‪-‬والمــر يــنز‪-‬والـرازي‪ ,)...‬اّنهــا " الثقافة‬
‫الجماهيرية المسّلعة " و العبــارة لهابرماس‪ ,‬ألم ينّبهنــا ش‪$$‬تراوس إلى هــذا الخطــر بقولــه‪ " :‬نحن اآلن مه‪ّ$‬د دون باحتم‪$‬ال تحّو لن‪$‬ا إلى‬
‫مجّر د مستهلكين قادرين على استهالك أي شيء من أّي نقطة في العالم و من أّية ثقافة‪ ,‬و الثمن دائما فقداننا ألصالتنا بأكملها‪" .‬‬
‫‪ -‬تسليع االبداع و تشييء الفعل الثقافي‪ ,‬حيث صار االبداع رهين الدعاية و الربح‪ ,‬مرتبطا بقوانين السوق و متطلباته‪.‬‬
‫‪ -‬تسطيح الوعي و تعميمة و جعله مبتذال‪ ,‬تافها‪ ,‬غير ذا قيمة‪.‬‬
‫‪ -‬اخــتزال اإلنســان في بعــده المــادي االســتهالكي‪ ،‬وأحياًن ا الشــهواني‪ ،‬فعلى ســبيل المثــال‪ :‬تتعامــل ثقافــة اإلعالم في ظــل العولمــة مــع‬
‫المرأة طبًقا لرؤية نفعية‪ ،‬يكون فيها جسد المرأة أداة لتعظيم المنفعة المادية‪ ،‬فمن ناحية تعتبر المرأة سلعة يمكن تســويقها ‪ -‬من خالل‬
‫العروض التلفزيونية واإلعالنات ‪ -‬عالمًيا‪ ،‬ومن ناحية أخرى تعتبر هدًفا لتسويق سلع استهالكية كمستحضرات التجميل واألزياء ‪-‬‬
‫وتتجلى هذه الرؤية في أشكال شتى منها مسابقات ملكات الجمال‪.‬‬
‫‪ -‬ت ــوّتر العالق ــة بين الثقاف ــات ح ـّد الع ــداء و الرغب ــة في االنتقــام و تحصــل ه ــذه الرغب ــة م ــتى أدركت الثقاف ــة المهيمن عليه ــا وضــعها‬
‫(التبعّية و التهميش و اإلقصاء )‪ .‬حينها يسيطر منطق الثأر و القصاص‪ " ,‬إن ثقافة أضاعت قيمها ال تس‪$$‬تطيع إال أن تنتقم من‬
‫قيم الثقافات األخرى‪ " .‬على ح ـّد قــول ج‪$‬ان بودري‪$‬ار‪ .‬و بــدل الحــديث عن تفاعــل و تالقح‪ ,‬نتح ـّد ث عن صــراع و صــدام ‪ ,‬كتب‬
‫ارفي السو‪" :‬أن تصادم الثقافات يشّك ل تهديدًا جديًا وخيم العواقب للس‪$‬الم في األس‪$‬رة العالمي‪$‬ة‪ ،‬أك‪$‬ثر من ن‪$‬زاٍع مس‪ّ$‬لٍح م‪$‬ا بين‬
‫أمتين أو دولتين"‪.‬‬
‫‪ -‬تعميم الثقافة يساوي قتلها و إعدام خصوصيتها‪.‬‬
‫خطر العولمة السياسية‪:‬‬
‫‪ -‬تهديد التوجـه الـديمقراطي انطالقـا من تبعيـة الـدول المسـيطر عليهـا من طـرف الـدول الكـبرى للسياسـة العالميـة و خدمـة مصـالحها‬
‫على حساب مصلحة شعوبها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬االنش ــغال بإرض ــاء ال ــدول الك ــبرى و إهم ــال النظ ــام ال ــداخلي و م ــا يمكن أن ينج ــر عن ذل ــك من إمكاني ــة تزاي ــد الح ــروب األهلي ــة‬
‫واإلقليمية في دول الجنوب‪.‬‬
‫‪ -‬إضعاف فكرة سيادة الدول الوطنّية القائمة على الشرعّية القومّية ( أي تجسيد فكرة األمة سياسيا و التعبير عن روحهــا وتطلعاتهــا)‬
‫و العمل على تخليصها مطلقا من الطابع القومي‪.‬‬
‫‪ -‬تكريس االغتراب السياسي و محاولة القضاء كليا على الوعي السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬انحياز الدولة لصالح سلطة رأس المال الذي أصبح أكثر تنظيما و أكثر عنفا‪.‬‬
‫‪ -‬عولمــة السياســة تعــني ان الدولــة الفاشــية كامنــة في كـّل دولــة في ظــل النظــام الرأســمالي كمــا بّين ذلــك دولوز و من مظــاهر الفاشــية‬
‫هيمنة منطق الحرب و اّتحاد رأس المال و الحرب‪.‬‬
‫خطر العولمة االجتماعية و األخالقية‪:‬‬
‫‪ -‬القضــاء على الطبقــة الوســطى وتحويلهــا إلى طبقــة فقــيرة‪ ،‬وهي الطبقــة النشــطة ثقافيـًا وسياســيًا واجتماعيـًا في المجتمعــات المدنيــة‪،‬‬
‫وهي التي وقفت في وجه تيارات التطرف وقاومت قوى االسـتغالل واالحتكـار تاريخيـًا‪ .‬ظهـور طبقـة فاحشـة الـثراء تسـكن في أحيـاء‬
‫خاصة تحت الحراسة المشددة وهي الطبقة التي صعدت على حساب الفقراء والطبقة الوسطى‪.‬‬
‫‪ -‬بإخضاع األفراد و قولبة سلوكهم‪ ,‬بما يتناسب مع النمط األمريكي بما هو النموذج الذي يجب االقتداء به‪.‬‬
‫‪ -‬ازدي ــاد نزع ــات العن ــف والتط ــرف‪ ،‬وتن ــامي الجماع ــات ذات التوجه ــات النازي ــة والفاش ــية في التجمع ــات الغربي ــة‪ ،‬الموجه ــة ض ــد‬
‫المهاجرين األجانب وخاصة من الدول اإلسالمية والدول الفقيرة‪.‬‬
‫‪ -‬انتشــار أعمــال العنــف الــتي أفضــت إليهــا األفالم األمريكيــة و ارتفــاع نســبة الجــرائم وجــرائم القتــل في العــالم فقــد دل التقريــر الــذي‬
‫أصــدرته األمم المتحــدة عن الجريمــة والعدالــة لعــام ‪ 1999‬إلى أن الضــغط االجتمــاعي واالقتصــادي الــذي يقــاس بالبطالــة والتفــاوت‬
‫وعدم الرضا بالدخل ـ عامل رئيسي في ارتفاع معدل الجريمة‪.‬‬
‫‪ ‬كيف التعامل مع العولمة؟‬
‫االنتباه إلى ما في العولمة من خير‪:‬‬
‫‪ -‬سهولة انتقـال السـلع و الخـدمات و إمكانيـة التمتـع الجمـاعي بـالخيرات العالميـة و إمكانيـة البلوغ الجمـاعي للرفـاه‪ ,‬مثلمـا أّك د‬
‫ذلــك ريكور بقولــه‪ " :‬إن الحضارة الكونّية خ‪$‬ير ألنه‪$$‬ا تمّثل حص‪$‬ول جم‪$‬وع من البش‪$$‬ر على خ‪$‬يرات أولّي ة‪ ,‬و ال يمكن ألي‬
‫نوع من النقد للتقنية أن يعادل الفائدة مطلقة االيجابية لتحرر الحاجة و البلوغ الجماعي للرفاه" ‪.‬‬
‫‪ -‬يسر انتقال المعلومات بين المناطق البعيدة من الناحية الجغرافية و تكثف قنوات االتصـال الثقافيـة و توسـيع دائـرة التواصـل‬
‫المترّتب عن التطور التكنولوجي‪.‬‬
‫‪ -‬تطّو ر على مستوى الوعي اإلنساني بتطور أدوات االستهالك و الثقافة األساسية و تراجع نسبة األمّية‪.‬‬
‫‪ -‬بلوغ جموع من البشر بعض قيم الكرامة و االستقاللية بما هي قيم كونّية ساهمت في نشرها الحضارة الكونّية‪.‬‬
‫مقاومة شر العولمة‪:‬‬
‫ما يمكن أن تمثله العولمـة من خطـر فقـدان الخصوصـية و تصـّد ع الهويـة باعتبارهـا شـكل من أشـكال االسـتعمار الجديـد‪ ,‬ال‬
‫يمكن مواجهته‪ ,‬ككل أشكال االستعمار بما هو اغتصاب لألرض و استيطان عليها فاألرض هي الهويـة‪ ,‬هي الـوطن الكـائن فينـا على‬
‫وجه الجوهر ال من جهة العرض‪ ,‬إال بالمقاومة بما هي الفعل الوحيد القادر على استرجاع الذات و استعادة الهوية‪ .‬مقاومــة الغــزو‬
‫الثقافي بالتمّس ك بالثقافة الخاّص ة المنفتحة دائما و القابلة للمختلف أبدا‪ ,‬مقاومة السقوط في أزمة الهوية بتأصــيل الكيــان‪ " ,‬أن أكون‬
‫إنسانا هو أن أكون قادرا على البقاء أنا نفسي" بلغة ريكور‪ ,‬ومقاومة الوعي القطيعي الذي كرسته حضـارة االسـتهالك بتمّل ك وعي‬
‫نضالي‪ ,‬يقظ باستمرار‪ ,‬مقاومة كل أشكال المغالطات و الزيف باالرتقاء بالوعي و بتطوير المعارف ومقاومة الذوبان في الغير و‬
‫مقاومة كل اإلغراءات التي تقّد مها العولمـة كالتقـّد م الالمنقطـع النظـير واسـتبعاد التقوقـع و االنغالق كحـل عقيم فاشـل بـدل المواجهـة‪,‬‬
‫ألنه غير ممكن و الحال على ما نحن عليه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫يجب أن نقــاوم لنعيش‪ ,‬فالحيــاة الســهلة و الوجــود الســلبي المعطى‪ ,‬وجــود ال يســتحق أن يعــاش‪ ,‬يجب أن نصــارع و نمــوت‬
‫لنعيش من جديــد‪ ,‬ال مكــان لالستســالم و العبوديــة‪ ,‬ال مجــال للخنــوع واإلذالل‪ ,‬ال مجــال إال للنصــر و الوجــود الكــريم‪ .‬ال يجب التخّلي‬
‫مطلقـا على حلم الكونيـة ألنـه حلم اإلنسـانية جمعـاء لبلوغ مطلب الكلي كمطلب مشـروع‪ .‬ال ينبغي التغافـل عن هـذا المطلب رغم شـبه‬
‫االضمحالل الذي يشهده اليوم و شبه الغياب‪ ,‬و إن كنا نعلم بأّن الغياب يعادل الهزيمة و الموت‪ ,‬فإننــا نــدرك أيضــا أّن " الذي ال يقف‬
‫في وجه الموت ال يحيا و من ال يحّض ر جنازته بيده ال يفّك ر" و الحــديث لهيغل‪ ,‬ألم يقــل نيتش‪$$‬ه في ســؤال أنيــق‪ " :‬أليس الم‪$‬وت ك‪$$‬ان‬
‫حياة‪ ,‬فليكن حياة من جديد؟ "‪ ,‬بكـل مـا أوتي اإلنسـان من قـّو ة و بكـل اإلرادة السـاكنة فيـه‪ ,‬عليـه أن يقـاوم‪ ,‬من أجـل أن يوجـد و يـدافع‬
‫عن وجود‪ ,‬يدرك جّيدا أّنه جدير بأن يعيشه‪.‬‬
‫كتب درويش في طباق‪ /‬عن ادوارد سعيد‪:‬‬

‫والهوَّيُة؟ ُقْلُت‬
‫فقال‪ :‬دفاٌع عن الذات‪...‬‬

‫إَّن الهوية بنُت الوالدة لكنها‬

‫في النهاية إبداُع صاحبها‪ ,‬ال‬

‫وراثة ماٍض ‪ .‬أنا المتعِّد َد ‪ ...‬في‬

‫داخلي خارجي المتجِّد ُد ‪ .‬لكنني‬

‫أنتمي لسؤال الضحية‪ .‬لو لم أكن‬

‫من هناك لدَّر ْبُت قلبي على أن‬

‫ُيَر بي هناك غزال الِك َنايِة ‪...‬‬

‫فاحمل بالدك أّنى ذهبَت وُك ْن‬


‫نرجسّيًا إذا لزم األمُر ‪/‬‬

‫‪ -‬منفًى هَو العاَلُم الخارجُّي‬

‫ومنفًى هَو العاَلُم الباطنّي‬


‫فمن أنت بينهما؟‬

‫ال أعِّر ُف نفسي‬

‫لئّال أضِّيعها‪ .‬وأنا ما أنا‪.‬‬


‫وأنا آَخ ري في ثنائّيٍة‬

‫‪6‬‬

You might also like