‫جامعة وهران ‪2‬‬

‫كلية العلوم االجتماعية‬

‫قسم علم االجتماع واألنثروبولوجيا‬

‫شعبة‪ :‬علم االجتماع‬

‫وحدة‪ :‬التغير االجتماعي‬

‫أ‪.‬د عمار يزلي‬

‫الدرس ‪5‬‬

‫النظريات التطورية‬

‫‪ /1‬التطورية‪ :‬من الفلسفة إلى المجتمع‬

‫من خالل م ا س بق بش أن بعض نظري ات التغ ير ال تي لخص ناها في ثالث اتجاه ات عام ة‪:‬‬
‫خطي‪ ،‬دائرية ولولبية‪ ،‬يمكن اآلن أن نتحدث عن بعض النظريات التي تناولت التغير من‬
‫باب التطور‪ ،Evolution..‬مع العلم أن التطور هو تغير لكن التغير ليس هو دائما تطورا‪.‬‬

‫مفه وم التغ ير والتط ور ه و اآلخ ر خض ع لنفس الق انون‪ :‬ه و اآلخ ر تغ ير وتط ور بتط ور‬
‫التاريخ والفهم ومقتضيات اللحظة الزمنية التي هي تراكم معرفي تاريخي على مر الحقب‪.‬‬

‫الحظن ا على عج ل كي ف تن اول بعض الفالس فة األق دمين مفه وم التغ ير وكي ف نظ روا إلى‬
‫التغير وكيف عبروا عن ه‪ ،‬ك ون الفالسفة األوائل ك انوا أمي ل لفهم سببية الوجود والوجود‬
‫مع ا‪ .‬فالتس اؤالت اإلنس انية ح ول ماهي ة وج وده في ه ذا الوج ود الموج ود ه و لب األس ئلة‬
‫الفلس فية ال تي ج اءت فيم ا بع د من خالل البعض عن أس رار التغ يرات والتح والت ب دء من‬
‫ال ذات والمحي ط والفض اء والفل ك‪ .‬له ذا ك ان التق ويم الفلكي وتنظيم الش هور واألي ام محاول ة‬

‫‪1‬‬
‫لتنظيم التغير المالحظ وتقنينه بما يسمح لإلنسان من السيطرة جزئيا على نشاطه اليومي‪،‬‬
‫له ذا أيض ا ك ان علم الفل ك رائج ا ورائ دا من البداي ة‪ ،‬باعتب ار الس ماء والك واكب مرافق ة‬
‫لإلنسان دوما في الصحاري والبراري والبحار‪ ،‬لهذا نجد كثيرا من الديانات ألهت بعض‬
‫النجوم وعبدتها لما ألهميتها في قيادة الناس وإ رشادهم في طرقهم وأسفارهم‪.‬‬

‫التغير‪ ،‬ارتبط إذن بالتطور‪ :‬التطور الزمني وما يصاحبه من تحوالت طبيعية أو من فعل‬
‫اإلنسان وعمله‪ .‬وعليه‪ ،‬نجد الفلسفة في مرحلة متطورة من عمرها‪ ،‬تبدأ مع القرن ال‪16‬‬
‫في دراسة تطور المجتمعات ليس من منظور تاريخي فقط‪ ،‬بل عبر دراسات جامعة أحيانا‬
‫ما بين عدة تخصصات‪ ،‬ذلك أنه إلى هنا‪ ،‬لم تكن كل التخصصات المعروفة حاليا موج ودة‬
‫وال التخصص ات المعروف ة األخ رى كالت اريخ معروف ة بنفس المن اهج الحالي ة األك ثر دق ة‬
‫وصرامة معرفية‪.‬‬

‫لن اء على ه ذا وعلى إدراك الفلس فة والفالس فة في مرحل ة من تط ور الفك ر والمجتم ع‪،‬‬
‫والمتمثل في االنتقال من العهد الالتيني الذي يمثل نهاية الحقبة الرومانية وبداية العصور‬
‫الوسطى ثم مرحلة اإلقطاع فالرأسمالية‪ ،‬أن المجتمعات والحضارات المتعاقبة تدو وكأنها‬
‫تتغير وتتطور بناء على قوانين تحكمها‪ ،‬ما كان لهم أن يالحظوا ذلك إال بعد مرور عدة‬
‫أالف من السنوات كتجربة يمكن االعتماد عليها في التحليل والدراسة‪ .‬وهو منهج متع ارف‬
‫عالي ه علي ه الي وم في التج ارب العلمي ة واإلنس انية‪ ،‬حيث أن ه على الب احث أن يح دد م دة ق د‬
‫تطول أو تقص ر لدراستها كنم وذج‪ ،‬وكلما ط الت الم دة أو العينة كلما ك انت النت ائج أشمل‬
‫وأدق إذا ما أخذنا بعين االعتبار كل المتغيرات أو معظمها‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬وع بر م ا ال يق ل عن ‪ 3‬آالف س نة من ال زمن‪ ،‬ك انت فالس فة المجتم ع األوربي‪ ،‬ق د‬
‫بدؤوا ينتقلون أو بعض منهم إلى "الفلسفة االجتماعية" و"فلسفة التاريخ"‪ ،‬بعد أن بدأت عدة‬
‫علوم وتخصصات تنفصل وتخرج من تحت عباءة الفلسفة باعتبارها أم العلوم‪.‬‬

‫‪2‬‬
 ‫الفلسفة االجتماعية إذن هي مرحلة من مراحل تطور الفلسفة نفسها‪ ،‬كانت نتاجا لحقبة بدا‬
‫فيها الفيلسوف ُي سائل األرض قبل السماء‪ ،‬ويبحث في اإلنسان وعالقته باآلخرين وبمحيطه‬
‫أكثر ما يساءل عن ماهية الوجود والموجود‪.‬‬

‫من هن ا‪ ،‬ك ان ب روز م ا نس يمه بالنظري ات التطوري ة‪ 1‬وال تي ت دخل ض من نظ يرات التغ ير‬
‫والتطور الخطي والدائري واللولبي كما أسلفنا الذكر‪.‬‬

‫‪ /2‬داروين والدروينية االجتماعية‬

‫ش كلت االكتش افات العلمي ة وظه ور الطباع ة واخ تراع المجه ر طف رة نوعي ة في التط ور‬
‫الت اريخي س مح بإح داث قف زة نوعي ة جدي دة وحاس مة في الت اريخ األوروبي واإلنس اني كم ا‬
‫كان الحال مع االكتشافات العلمية في العصر الوسط في األندلس والعراق خالل الحضارة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬السيما في مجال الطب والرياضيات والهندسة والفلك‪.‬‬

‫اكتشاف المجهر‪ ،‬سمح ألول مرة باكتشاف حياة جديدة وكائنات لم تكن معروفة وال مرئية‬
‫رغم أنه ا ك انت هي الس بب المباش ر أو الم ادي‪ ،‬في الم رض والوف اة أو في الص حة‪:‬‬
‫البكتيريا وكل المجهريات بما في ذلك الفيروسات‪ .‬هذا االكتشاف أحدث ثورة حتى على‬
‫مس توى األفك ار والقناع ات ال تي رس خها بع دها م ا س مي "ب العلم"‪ ..‬العلم الم ادي القاب ل‬
‫للتجريب والتدقيق والتكرار‪.‬‬

‫"داروين"‪ ،2‬مكتش ف الطف رات والتح والت والتغ يرات ال تي تح دث تلقائي ا على كائن ات حي ة‪ :‬ذب اب‪،‬‬
‫حش رات‪ ،‬فراش ات‪ ،‬س رعان م ا اكتش ف م ا س ماه ب"الوراث ة" ال تي تح دث عن طري ق التالقح‬

‫‪1‬‬
‫‪https://www.cairn.info/les-theories-economiques-evolutionnistes--9782707147202-page-7.htm#‬‬

‫‪https://e3arabi.com/%D8%B9%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA‬‬
‫‪%D9%85%D8%A7%D8%B9/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9/‬‬

‫‪2‬‬
‫‪https://www.hominides.com/html/theories/theories-evolutionnisme.php‬‬

‫‪3‬‬
‫وال تزاوج والتوال د‪ ،‬ولكن أيض ا "الح وادث" العرض ية "‪ "Les accidents‬الجيني ة ال تي ال‬
‫تفسير لها والتي ينشأ عن تزاوج بين كائن ذكر وأنثى ولكن الناتج يكون "متغيرا" و"مختلفا"‬
‫عن االثنين‪..‬‬

‫من هن ا‪ ،‬ومن مالحظ ة ت زاوج الحش رات‪ ،‬وتك اثر التن وع في التن وع الواح د أو الثن ائي‪،‬‬
‫أوصله أي فكرة "التطور واالرتقاء"‪ ،‬و"البقاء لألصلح"(‪،)Sélection des plus aptes‬‬
‫في سيرورة البحث عن التأقلم والحياة والتجدد والتكاثر والحفاظ على الس اللة والجنس‪ .‬من‬
‫هنا‪ ،‬طرح فكرة التطور لدى اإلنسان عبر ربط ذلك بتطور القردة‪ ،‬لكن مع ذلك لم يشر‬
‫داروين يوما إلى أن اإلنسان "تطور من قرد"‪ ،‬بل طرح فكرة التحوالت التي تخضع لها‬
‫كل الكائنات‪ ،‬ولم يتمكن من تقديم إجابة علمية شافية عن عالقة اإلنسان بالقرد ومن ه ك انت‬
‫ما سميت عنده بالحلقة المفقودة‪.‬‬

‫"ش ارل داروين" (‪ ،3)Darwin‬إذن‪ ،‬ال يتح دث عن "تط ور األن واع" (‪Evolution des‬‬
‫‪)Décadences avec modification‬‬
‫‪ ،)espèces‬بل تحدث عن "االختالف مع التبدالت" (‬
‫‪ ،"Adaptation‬وهذا في كتابه "أصول األنواع" ‪1859‬م‪.‬‬
‫و عن ‪:‬التكيف"‬

‫هذا االكتشافات‪ ،‬مع اكتشافات أخرى في مجال البيولوجي ا والطب والعقارات والمصول‪،‬‬
‫قلب م وازين الفك ر ل دى الكث ير من علم اء الف ترة من إيم ان ب الغيب والاله وت على أن ه‬
‫المتس بب والمتحكم في الم رض وال دواء والم وت‪ ،‬ليص بح بع د ه ذه االكتش افات العدي د من‬
‫علم اء الم ادة‪ ،‬ي ذهبون إلى االقتن اع أن المتس بب في الم رض والم وت أحيان ا ه و ه ذه‬
‫الكائن ات المجهري ة وليس الس ماء‪ .‬من هن ا‪ ،‬فتح ب اب "اإللح اد" و وظه ر س لطة "العلم"‬
‫و"العلمية" (‪ ،)Le scientifique‬كسلطة وحيدة ذات صدقية وقابلية للتصديق وكل ما دونه‬
‫فهو "غير علمي"‪ ،‬غير خاضع للعقل والرؤية والتجريب المخبري‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪https://lejournal.cnrs.fr/articles/charles-darwin-de-lorigine-dune-theorie‬‬

‫‪4‬‬
 ‫الداروينية العلمية هذه‪ ،‬تأثر بها العديد من "فلسفة التاريخ والمجتمعات" وهذا بدء من قرن‬
‫األن وار‪ ،‬الق رن ال ذي نق ل المجتم ع األوربي من نهاي ة عه د اإلقط اع إلى بداي ة الث ورة‬
‫الرأسمالية انطالقا من الثورة الفرنسية‪.‬‬

‫ـ يعت بر" ‪1903.1857( 4"Herbert Spenser‬م)‪ ،‬ممث ل الدارويني ة االجتماعي ة في ه ذا‬

‫المج ال‪ ،‬جس د ه ذا في "نظريت ه العض وية" ض من كتاب ه " ‪Progress, its lows and‬‬
‫‪( "causes‬التطور‪ ،‬قوانينه وأسبابه) ملخصا هذا التطور في "االنتقال" من "االنسجام إلى‬
‫ل" (‬ ‫وال إلى "التكام‬ ‫‪ ،)Homogénéité‬وص‬ ‫‪à‬‬ ‫د" ( ‪l’Hétérogénéité‬‬ ‫المعق‬
‫‪ ،)L’intégration‬وهذا باعتباره يرى أن كل األفعال تسير وفق "اتصال نسبي"‪ ،‬مما جعل‬
‫نظريته توصف بنظرية "التطور فوق العضوي"‪.‬‬

‫مراح ل االنتق ال عن د "سبنس ر" تش كل مس يرة من التط ور الت اريخي والمجتمع اتي ب دء من‬
‫مجتمع ات الحي اة البس يطة المعتم دة على القراب ة العائلي ة والقبلي ة القروي ة‪ ،‬إلى المجتمع ات‬
‫المدني ة المعق دة ال تي يجع ل الرأس مالية أوجه ا‪ ،‬يلعب فيه ا البن اء والوظيف ة الداخلي ة في ك ل‬
‫مجتم ع ال دور األساس ي في التغ ير واالنتق ال والتح ول بفع ل التفاع ل‪ ،‬مم ا يجع ل نظريت ه‬
‫ضمن النظريات البنائية الوظيفية التي ستعرفها الدراسات االنثروبولوجية خاصة‪.‬‬

‫ـ ضمن هذا التوجه الخطي للتطور‪ ،‬يظهر ")‪،Lewis Henry Morgan"5 (1818/1881‬‬
‫ال ذي يعت بر مؤس س "االنثروبولوجي ا الثقافي ة واالجتماعي ة"‪ ،‬يب دو أن ه ت أثر ب "إنجل ز" في‬

‫‪4‬‬
‫‪https://www.persee.fr/doc/phlou_0776-5541_1898_num_5_17_1582‬‬

‫‪5‬‬
‫‪http://classiques.uqac.ca/classiques/morgan_lewis_henry/morgan_lewis_henry.html‬‬

‫‪Lewis Henry Morgan (1877), The Ancient Society or Researches in the Lines of Human‬‬
‫‪Progress from Savagery through Barbarism to Civilization. First Published, 1877, London:‬‬
‫‪MacMillan and Company. This edition is reproduced from the First Indian Edition, published‬‬
‫! ‪bye Bharti Library, Booksellers and Publishers, Calcutta, 1944. Texte téléchargeable‬‬

‫‪La société archaïque. (1877) Traduction française de l'Américain par H. Jaouiche, 1971. Paris :‬‬
‫‪Éditions Anthropos, 1971, 653 pages. Présentation et Introduction de Raoul Makarius, ethnologue‬‬
‫‪français.‬‬

‫‪5‬‬
‫كتابه "أصل األسرة والملكية الخاصة والدولة"‪ ،6‬وهذا من خالل مؤلفه "المجتمع التقليدي" (‪A‬‬
‫‪1877 )La société archaïque( ،)ncient society‬م‪ ،‬ه ذا األخ ير ال ذي ه و اآلخ ر‬
‫يبدو مت أثرا بأص ل األنواع لش ارل داروين‪ ،‬خاص ة وأن ه ذه النظري ات وه ؤالء المنظرين‬
‫عاشوا في نفس الفترة وهي منتصف القرن ال‪19‬م‪.‬‬

‫يذهب "لويس هنري مورغان"‪ ،‬هو اآلخر إلى تقسيم التطور التاريخي للحضارة البشرية‬
‫إلى ‪ 3‬مراحل‪ :‬مرحلة التوحش‪ ،‬المرحلة البربرية ومرحلة الحضارة‪.‬‬

‫مرحلة الت وحش‪ ،‬يقسمها إلى مرحل ة وحشية أولى وتتمث ل في مرحل ة الجني وبداية تشكل‬
‫اللغ ة‪ ،‬ثم ط ور القطي ع البش ري‪ ،‬وم ا ظه ر مع ه من زواج ق رابي‪ .‬ثم مرحل ة الت وحش‬
‫الوس طي ويربطه ا "مورغ ان" باكتش اف الن ار والطهي وص يد الس مك والنس ب األم ومي‬
‫وال زواج المتع دد‪ .‬وأخ يرا مرحل ة وحش ية علي ا تب دأ م ع اكتش اف أدوات الص يد من رم اح‬
‫وأسهم وإ نتاج أدوات األكل الخشبية‪ ،‬ثم تربية المواشي بعد تذليلها‪ ،‬ثم المرحلة المبكرة من‬
‫الزراعة فصناعة الخزف وبداية ظهور الكتابة واكتشاف الحديد‪..‬‬

‫كل هذه المرحلة‪ ،‬يختص رها "إنجلز" و"ماركس" ضمن التشكيالت االقتص ادية االجتماعية‬
‫المش كلة لم ا تس مى عن دهما في النظري ة المادي ة الجدلي ة ب"المادي ة التاريخي ة" في "مرحل ة‬
‫المشاعية البدائية" (‪ ،)La communauté primitive‬أما المرحلة البربرية‪ ،‬فهي تمتد من‬
‫ظهور المجتم ع العب ودي إلى سقوط العه د اإلقط اعي‪ .‬فيما تتمث ل مرحلة "الحض ارة" عن ده‬
‫في مرحلة الرأسمالية وما بعدها‪...‬‬

‫‪6‬‬
‫‪http://classiques.uqac.ca/classiques/Engels_friedrich/engels_friedrich.html‬‬

‫‪Friedrich Engels, L'origine de la famille, de la propriété privée et de‬‬

‫‪l'État (1884). Traduction française, Les Éditions du Progrès, Moscou, 1976,‬‬
‫‪318 pp. Une édition réalisée par notre collaboratrice bénévole,‬‬
‫! ‪Mme Gemma Paquet. Livre téléchargeable‬‬

‫‪6‬‬