Professional Documents
Culture Documents
الاسلام وتحديات العصر المعدلة - 231123 - 171902
الاسلام وتحديات العصر المعدلة - 231123 - 171902
" وتَغَالَى النَّبْت :ا ُ ْرتَفَ َع " ( الفيروز بادي 1993 ،م )
" والغلوة :الغاية وھي رمية سھم أبعد ما يقدر عليه "(الفيومي1987م ،ص)172
" وغال في الدين غلوا ً من باب قعد تصلب وشدد حتى جاوز الحد ،وفي التنزيل قوله
سى ا ْب ُنَّللا إِ َّال ْال َح َّق إِنَّ َما ْال َم ِسي ُح ِعي َ
علَى َّ ِ ب َال ت َ ْغلُوا فِي دِينِ ُك ْم َو َال تَقُولُوا َتعالى ﴿ :يَا أ َ ْھ َل ْال ِكت َا ِ
س ِل ِه َو َال تَقُولُوا ث َ َالثَةٌ ا ْنت َ ُھوا َخي ًْرا
اَّللِ َو ُر ُ َّللاِ َو َك ِل َمتُهُ أ َ ْلقَاھَا إِلَى َم ْريَ َم َو ُرو ٌح ِم ْنهُ فَ ِ
آمنُوا بِ َّ سو ُل َّ َم ْريَ َم َر ُ
ض َو َكفَى بِ َّ
اَّللِ َ ْ
ت َو َما فِي األ ْر ِ س َم َاوا ِ َ َ َ ُ َ
س ْب َحانَهُ أ ْن يَكونَ لهُ َول ٌد لهُ َما فِي ال َّ اح ٌد ُ َ
َّللاُ إِلهٌ َو ِ لَ ُك ْم إِنَّ َما َّ
اآلية﴾)171 َو ِك ً
يال (سورة النساء:
وغالى في أمره مغاالة :بالغ ،وغال السعر يغلو واالسم الغالء بالفتح والمد :ارتفع "
(الفيومي1987م ،ص)172
جاوزَ َحدَّه ،وفي التنزيل قوله تعالى ﴿ :ال ت َ ْغلوا في ِ ّين واأل َ ْم ِر َي ْغلو ُ
غ ّلواَ : غَال فـي الد ِ
ِدين ُك ْم (سورة النساء:اآلية ( ﴾ )171ابن منظور 1410هـ ،جـ ، 15ص )132
pg. 42
التطرف في اللغة :
والط َرف ،بالتحريك :الناحية من النواحي والطائفة من الشيء ،والجمع أَطراف ،وفي حديث ّ "
الطرف :الناحية ،وقوله عز وجل :
َ ف من ال َب ْول ،أَي ال َيتبا َ
ع ُد ،من عذاب القبر :كان ال َيت َ َ
ط ّر ُ
ت ذَلِكَ ِذ ْك َرى ِللذَّا ِك ِرينَ ( سورة هود: ت يُ ْذ ِھبْنَ ال َّ
سيِّئ َا ِ ار َو ُزلَفًا ِمنَ اللَّ ْي ِل ِإ َّن ْال َح َ
سنَا ِ ﴿ َوأ َ ِق ِم ال َّ
ص َالة َ َ
ط َرفَي ِ النَّ َھ ِ
اآلية ﴾ )114
يِ ،
ف اآلخر فـيه صالتا ال َع ِش ّ
والطر ُ
َ النھار صالة الصبح ِ يعنـي الصلوات الـخمس فأَح ُد َ
ط َرفـي
وھما الظھر والعصر ،وقوله عز وجلَ ﴿ :و ُزلَفًا ِمنَ اللَّ ْي ِل (سورة هود :اآلية ﴾)114يعنـي صالة
الـمغرب والعشاء.
غ ُرو ِب َھا َو ِم ْن آن ِ
َاء ش ْم ِس َوقَ ْب َل ُ سبِّ ْح ِب َح ْم ِد َربِّكَ قَ ْب َل ُ
طلُوعِ ال َّ علَى َما يَقُولُونَ َو َ
ص ِب ْر َ وقوله عز وجل ﴿ :فَا ْ
ضى(سورة طـه:اآلية﴾ )130 ار لَعَلَّكَ ت َْر َ
اف النَّ َھ ِ سبِّ ْح َوأ َ ْ
ط َر َ اللَّ ْي ِل فَ َ
وقال أبو العباس :أَراد طرفـيه فجمع ( " .ابن منظور1410،هـ ،جـ ، 9ص ) 217
طرف فالن إِذا قاتل حول العسكر ،ألَنه ط َّرف الرجل حول العسكر وحول القوم ،يقالَّ : ويقالَ :
وطرف حول القوم قَات َ َل علـى َّ ف منھم فـير ُّدھم ِإلـى الـ ُج ْمھور ،ابن سيده: يحمل علـى َ
ط َر ِ
ط ِ ّرف الذي وتطرف علـيھم :أَغار ،وقـيل :ال ُم َ
َّ أَقصاھم وناحيتھم ،وبه سمي الرجل ُم َ
ط ِ ّرفا ،
يأْتـي أَوائل الـخيل فـيردُّھا علـى آخرھا ،ويقال :ھو الذي يُقاتِل أَطراف الناس "(ابن
منظور1410،هـ ،جـ ، 9ص )217
pg. 43
الغلو والتطرف في االصطالح :
" إن الغلو أو التطرف لم يعد في الدين فقط ،بل في مختلف ممارسات الحياة اليومية ،فقد يكون
التطرف في الفكر أو السلوك أو فيھما معا ً ،وقد يكون في الماديات كالجلوس أو المشي ،وفي
المعامالت داخل األسرة أو مع أفراد المجتمع ،وقد يكون التطرف في المجال السياسي حيث
يكون رجل السياسة متسلطا ً ال يقبل الحوار والرأي اآلخر واألحزاب األخرى ( ".فرج 1426،هـ،
ص.)9
" أما التطرف الديني فيعني سوء الفھم للنصوص الدينية الذي يؤدي إلى التشدد والغلو ،ويطلق
عادة على بعض األفراد الذين يلجئون إلى التفسير عن جھل في أمورھم الدينية ويضللون الناس "
( فرج 1426،هـ ،ص .) 9
والغلو " :مجاوزة الحد واإلفراط في التعظيم بالقول واالعتقاد والعمل "(وزارة المعارف 1423،هـ
،ص . ) 21
ومن الغلو :التنطع وھو " التعمق في الشيء والتكلف فيه ومجاوزة الحد في القول والفعل
والتشدد في غير موضع التشدد " (وزارة المعارف 1423،هـ ،ص .) 27
ومن الغلو أيضا ً :اإلطراء وھو " المبالغة في المدح والتعظيم والكذب فيه " (وزارة المعارف
1423،هـ ،ص .) 27
كما جاء في الحديث " :ال تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد .فقولوا :عبد هللا
ورسوله " ( البخاري )3445 / 6 ،
ويمكن القول بأن التطرف يتضمن التفريط والتساھل في األمور وعدم إعطائھا ما تستحقه ،كما
يتضمن اإلفراط والمبالغة في األمور وإعطائھا أكثر مما تستحق وكما قال أبو سليمان البستي :
pg. 44
نشأة وتطور الغلو والتطرف الديني في العالم اإلسالمي
نشأ الغلو والتطرف منذ القدم ،حيث ذكر هللا تعالى قصة غلو قوم نوح في صالحيھم ،كما
روى ابن عباس رضي هللا عنھما في قول هللا تعالى ﴿ َوقَالوا ال ت َ َذ ُر َّن آل ِھتَ ُك ْم َوال تت َ َذ ُر َّن َو ّدا ً َوال
وث َو َيعُوقَ َونَسْراً (سورة نوح:اآلية ﴾)23
س َواعا ً َوال يَغُ َ
ُ
قال " :ھذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ،فلما ھلكوا أوحى الشيطان إلى قومھم :أن
انصبوا إلى مجالسھم التي كانوا يجلسون فيھا أنصابا ً وس ّموھا بأسمائھم ،ففعلوا ولم تعبد حتى
ھلك أولئك ونسي العلم ،عبدت " ( البخاري . ) 8/4920 ،
قال ابن تيمية رحمه هللا " :وأصل الشرك في بني آدم :كان من الشرك بالبشر الصالحين
المعظمين .فإنھم لما ماتوا :عكفوا على قبورھم ،ثم صوروا تماثيلھم ،ثم عبدوھم .فھذا أول
شرك كان في بني آدم .وكان في قوم نوح .فإنه أول رسول بعث إلى أھل األرض ،يدعوھم
إلى التوحيد .وينھاھم عن الشرك ( " .ابن تيمية ،د:ت ،جـ ، 14ص) 343
وقال ابن القيم رحمه هللا " وقال غير واحد من السلف :كان ھؤالء قوما ً صالحين فى قوم نوح
صوروا تماثيلھم ،ثم طال عليھم األمد فعبدوھم" .
عليه السالم ،فلما ماتوا عكفوا على قبورھم ،ثم ّ
( ابن القيم ،د:ت ،جـ ، 1ص ) 217
وقد أخبر هللا تعالى عن غلو اليھود والنصارى فقال في محكم التنزيل ﴿ :وقَ َ
الت ْال َي ُھو ُد ُ
عزَ ي ٌْر
ارى ْال َم ِسي ُح اب ُْن هللا َِّ َذل ِك َك قَ ْول ُھ ْم بِأ َ ْف َوا ِھ ِھم ْم ي َ
ضا ِھئُونَ قَ ْو َل الَّذِينَ َكفَ ُروا ِم ْن ص َ اب ُْن هللا َِّ َوقَالَ ِ
ت النَّ َ
قَ ْب ُل قَاتَلَ ُھ ُم هللاَّ ُ أَنَّى يُؤْ فَ ُكونَ (سورة التوبة:اآلية﴾)٣٠
pg. 45
عليه وسلم فقال :أنتُم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما وهللاِ إني ألخشاكم وأتقاكم له ،لكني أصو ُم وأُفطر،
فليس مني ( .البخاري . ) 5063/9 ،
َ سنَّتي
ب عن ُ وأصلّي وأرقُد ،وأتزو ُج النساء ،فمن ر ِغ َ
ِ
سب ،فكان يتعا َھ ُد َكنَّت َهُ فيسألھا عن َبعلھا ذات َح َ بن عمرو قال :أن َك َحني أبي امرأة ً َ وعن عب ِد هللا ِ
ش لنا َكنَفا ً ُمنذ أَتيناه ،فلما طال ذلك عليه فتقو ُل ِ ِ:ن ْع َم الر ُج ُل من رجل ،لم يطأ لنا فِراشا ً ولم يُف ِت ّ ْ
ي ِ صلى هللا عليه وسلم ،فقالْ :القَني ِ ِبه فَلَق ِيته َبعدُ ،فقال :كيف تصوم؟ قلت :أصوم ك َّل ذكر للنب ّ
تختم؟ قلت:كل ليلة .قال :ص ْم في ك ِّل شھر ثالثةً ،وٱقرأ القُرآنَ في ك ِّل َيوم .قال :وكيف ْ
أكثر من َ صم ثالثةَ أيام في الجمعة،قال :قلت:أ ُ ِط ُ
يق لك ،قا َل ُ : ش ْھرقا َلْ :قلتُ :أ ُ ِط ُ
يق أَ ْكث َ َر من ٰذ َ َ
صوم صم أَفضل الصوم ّْ يق أكثر من ذلك ،قالُ : صم يوما ً ،قال :قلتِ :
أط ُ ذلك ،قال :أفطريو َمين،و ُ
مرة ً ،فَلَيتَني قبلتُ ُر ْخصةَ رسو ِل هللا ْ
وإفطار يَوم ،واقرأ في ك ِّل سبع ليال َّ َ صيام يوم داود،
َ
سب َع من القرآن ضعُفت فكان َيقرأ على بعض أھله ال ُّ وذاك أنّي كبرتُ و َ َ صلى هللا عليه وسلم،
ط َر أياما ًيتقوى أف ََف عليه بالليل وإذا أراد أن َّ بالنھار والذي يقرؤه يَعرضه من النھار لي ُكونَ أَخ َّ
ي صلى هللا عليه وسلم (.البخاري / 8 ، ترك شيئا ً فارقَ النب َّ وأحصى وصام ِمث َل ُھ ّن ،كراھيةَ أَن َي َ
. ) 5052
وعن ابن عباس :أن رجالً قال :يا رسول هللا ،ما شاء هللا وشئت ،فقال :جعلتني عدالً ؟ بل
ما شاء هللا وحده ( أحمد ) 2565 / 1
ونالحظ في األحاديث السابقة :أن النبي صلى هللا عليه وسلم يحارب الغلو ويسارع إلى
إنكاره بالتوجيه واإلرشاد والحوار والداللة إلى الخير والصواب والعمل األفضل ،بل يحتج على
المغالين بنفسه صلوات ربي وسالمه عليه فيقول " أما وهللاِ إني ألخشاكم وأتقاكم له ،لكني أصو ُم
فليس مني ( .البخاري )5063/9،
َ سنَّتيب عن ُ وأصلّي وأرقُد ،وأتزو ُج النساء ،فمن ر ِغ َ
ِ وأُفطر،
والغلو والتطرف من سنة الحياة التي ال يخلو عصر من عصورھا منه ،فھو مالزم
للبشر،كالصراع بين الخير والشر الذي ال ينقطع حتى يرث هللا األرض ومن عليھا ،والمتأمل
ي ِ صلى رضي هللاَّ ُ عنه قال :بُ ِع َ
ث ِإلى النب ّ َ في قوله صلى هللا عليه وسلم كما جاء عن أبي سعيد
لت ،فقال :يَخ ُر ُج من ع َد َس َمه بين أربعة وقال :أتألف ُھم ،فقال رجل :ما َ هللا عليه وسلم بشيء ،فقَ َ
ضئْضىء ھذا قو ٌم ُ
يمرقونَ منَ الدين( البخاري ) ٤٦٦٧ / ٨ ، ِ
يدرك أن التطرف والغلو من سنن الحياة التي ال بد من حصولھا ،ولذا وجب التعامل مع الغلو
والتطرف تعامالً يتفق مع سنة النبي صلى هللا عليه وسلم كما في األحاديث السابقة كالنصيحة
pg. 46
والبيان والتوضيح والحوار والداللة واإلرشاد واإلنكار بدرجاته الثالث والتي قد تصل إلى القتال
الز َمانَ قَ ْو ُم َكأ َ ّن ھ َذا ِم ْن ُھ ْم يَ ْق َرأونَ ْالقُ ْرآنَ الَ آخ ِر َّ كما أورد النسائي في سننه مرفوعا ً :يَ ْخ ُر ُج في ِ ِ
الر ِميَّ ِة ِسي َما ُھ ُم الت َّ ْحليِ ُق الَ يَزَ الونَ س ْھ ُم ِمنَ َّ يُ َجا ِو ُز ت َ َراق ِي ِھم ْم َي ْم ُرقُونَ ِمنَ ْاال ْسالَ ِم َك َما يَ ْم ُر ُق ال َّ
ق َو ْالخَليِقَ ِة
آخ ُر ُھ ْم َم َع ْال َم ِسيحِ ال َّد َّجا ِل فَإ َذا لَقيِت ُ ُمو ُھ ْم فَا ْقتُلو ُھ ْم ُھ ْم ش َُّر ْالخ َْل ِ
يَ ْخ ُر ُجونَ َحتَّى َي ْخ ُر َج ِ
( النسائي . ) 3532 / 2
ومقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ( رضي هللا عنه) ھو حلقة من حلقات الغلو والتطرف في
التاريخ اإلسالمي ،ثم ما حصل من الفتنة والقتال بين المسلمين بعد ذلك وهللا المستعان .
pg. 47
أنواع الغلو
سبق الكالم عن الغلو و التطرف وأنه " لم يعد في الدين فقط ،بل في مختلف ممارسات الحياة
اليومية ،فقد يكون التطرف في الفكر أو السلوك أو فيھما معا ً ،وقد يكون في الماديات كالجلوس
أو المشي ،وفي المعامالت داخل األسرة أو مع أفراد المجتمع ،وقد يكون التطرف في المجال
السياسي حيث يكون رجل السياسة متسلطا ً ال يقبل الحوار والرأي اآلخر واألحزاب األخرى ".
( فرج 1426،هـ ،ص . ) 9
وإذا أردنا أن نتكلم عن أنواع الغلو في الدين فنستطيع أن نصنفه في األصناف التالية :
-١غلو اعتقادي ،كغلو الخوارج وأشباھھم من الفرق المنحرفة ،حيث يكفّر الخوارج مرتكب
الكبيرة ويقولون بتخليده في النار ،والرافضة يقولون بعصمة األئمة ،وينزلون آل البيت(رضي
هللا عنھم ) فوق المنزلة التي أنزلھم هللا تعالى فيھا .
-٢غلو عملي ،كالغلو في العبادات ،واالبتداع فيھا ،وإيجاب ما لم يوجبه هللا تعالى منھا
كتنزيل السنن والمستحبات منزلة الفرائض والواجبات ،واإلنكار على من ترك السنة ،
سعوكالزيادة في الوضوء على ثالث غسالت ،ومنع المباحات ،والتضييق على الناس فيما و ّ
هللا تعالى لھم فيه .
-٣غلو طبعي ،كالجفاء ،والغلظة ،والفظاظة في الدعوة ،وضيق النفس عن تقبل آراء اآلخرين
فيما يسوغ فيه الخالف ،وترك الرفق واستبداله بالشدة في غير موضعھا،قال هللا تعالى ﴿ :يَا أَيُّ َھا
علَى علَى ْال ُمؤْ ِمنِينَ أ َ ِع َّزة َ ف يَأ ْ ِتي َّ
َّللاُ ِبقَ ْوم ي ُِحبُّ ُھ ْم َوي ُِحبُّونَهُ أَذِلَّة َ ع ْن دِي ِن ِه فَ َ
س ْو َ الَّذِينَ آ َمنُوا َم ْن يَ ْرت َ َّد ِم ْن ُك ْم َ
ع ِلي ٌم(سورة َّللا يُؤْ تِي ِه َم ْن يَشَا ُء َو َّ
َّللاُ َوا ِس ٌع َ ض ُل َّ ِ َّللا َو َال يَخَافُونَ لَ ْو َمةَ َالئِم ذَلِكَ فَ ْ
سبِي ِل َّ ِْال َكافِ ِرينَ يُ َجا ِھدُونَ فِي َ
المائدة:اآلية﴾)54
ش ْي ِء االّ ش ْي ِء االّ زَ انَهُ َ ،والَ يُ ْنزَ ُ
ع ِم ْن َ الر ْفقَ الّ يَ ُك ُ
ون فِي َ وقال صلى هللا عليه وسلم ّ :
(ان ّ
شَانَهُ)( مسلم . )6554/16 ،
ويرى ( اليوسف 1425 ،ھـ ،ص ) 13أن التطرف على ثالث مستويات هي :
" أ -المستوى العقلي أو المعرفي والمتمثل في انعدام القدرة على التأمل والتفكير. أ-
pg. 48
المستوى السلوكي والمتمثل في ممارسة العنف ضد اآلخرين. ج-
إن التربية اإلسالمية تدعو المسلم إلى االعتدال والتوازن ،لينشأ المسلم سويا ً ،وبما يحقق له
التربية السليمة بأبعادھا المختلفة .
" والتربية اإلسالمية ليست تربية مغالية أو مشطة في أساليبھا واتجاھاتھا ونظرتھا إلى مختلف
جوانب الشخصية اإلنسانية ،بل تنظر إليھا نظرة وسطية معتدلة متوازنة شمولية " ( الزنتاني ،
1993م ،ص . ) 446
"وخاصية االعتدال في التربية اإلسالمية تكفل لفطرة اإلنسان وطبيعته وكسبه ،كما شاء هللا
تعالى :ھداية اإليمان والعقيدة فتزكي روحه ،وتفتح الفكر وحريته فتنمي عقله وتزيد معارفه
وعلومه ،واتزان الوجدان بانفعاالته ومشاعره وأحاسيسه وعواطفه فترقي خلقه " ( الزنتاني ،
1993م ،ص .) 446
و " يكسب اإلسالم التربية توازنا ً بين النظرية والتطبيق ،وتوازنا ً بين الحياة الدنيا والحياة
اآلخرة ،وتوازنا ً بين أشواق الفرد الروحية وتلبية حاجاته المادية واالجتماعية ،وھذا التوازن
في التربية اإلسالمية يجعلھا أقرب ما تكون إلى طبيعة األشياء " ( غبان وآخرون 1415 ،هـ ،ص
. ) 111
pg. 49
َّللاُ إِلَيْكَ َصيبَكَ ِمنَ ال ُّد ْنيَا َوأَحْ ِس ْن َك َما أَحْ َ
سنَ َّ َّار ْاآل ِخ َرة َ َو َال ت َ ْن َ
سن ِ وقال تعالىَ ﴿ :وا ْبت َِغ فِي َما آتَاكَ َّ
َّللاُ الد َ
َّللا َال ي ُِحبُّ ْال ُم ْف ِسدِينَ (سورة القصص:اآلية .﴾ )77 ض ِإ َّن َّ َ َو َال تَب ِْغ ْالفَ َ
سا َد فِي ْاأل َ ْر ِ
ونالحظ في األحاديث التالية :أن النبي صلى هللا عليه وسلم يحارب الغلو ويسارع إلى إنكاره
بالتوجيه واإلرشاد والحوار والداللة إلى الخير والصواب والعمل األفضل ،بل يحتج على
المغالين بنفسه صلوات ربي وسالمه عليه فيقول " أما وهللاِ إني ألخشاكم وأتقاكم له ،لكني أصو ُم
فليس مني( .البخاري )5063/9،
َ سنَّتيب عن ُ وأصلّي وأرقُد ،وأتزو ُج النساء ،فمن ر ِغ َ
ِ وأُفطر،
وبما سبق من أحاديث يتضح موقف اإلسالم من الغلو كتحريمه واإلنكارعلى مرتكبيه ومجادلتھم
بالتي ھي أحسن وبالحوار وإقامة الحجة عليھم .
ويمكن االستشھاد على ذلك بتأمل كيفية تعامل النبي صلى هللا عليه وسلم مع أھل الكتاب ( وھم
رواد الغلو والتطرف ) حيث تظھر حكمة القول في التعامل مع أھل الكتاب و دعوتھم إلى من ّ
هللا تعالى ،وأن يجادلوا بالتي ھي أحسن ،بحسن خلق ولطف ولين كالم ،ودعوة إلى الحق ،
pg. 50
وتحسينه باألدلة العقلية والنقلية ،ورد الباطل بأقرب طريق وأنسب عبارة ،وأن ال يكون القصد
من ذلك مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو ،بل ال بد أن يكون القصد بيان الحق ،وھداية
س ُن ِإ َّال الَّذِينَ َ
ظلَ ُموا ِم ْن ُھ ْم َوقُولُوا آ َمنَّا الخلق ،كماقال تعالى َ ﴿ :و َال ت ُ َجا ِدلُوا أ َ ْھ َل ْال ِكت َا ِ
ب ِإ َّال ِبالَّتِي ِھ َ
ي أَحْ َ
بِالَّذِي أ ُ ْن ِز َل إِلَ ْينَا َوأُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم َوإِلَ ُھنَا َوإِلَ ُھ ُك ْم َو ِاح ٌد َونَحْ ُن لَهُ ُم ْس ِل ُمونَ (سورة العنكبوت:اآلية﴾)46
وقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم يستخدم القول الحكيم في دعوته إلى هللا عزوجل ،ومن ذلك
ط من اليھود على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ما روته عائشة رضي هللا عنھا قالت :دخل ََرھ ٌ
سا ُم عليكم ،قالت عائشة :ففھمت ُھا فقلت :وعليك ُم السا ُم واللعنة ،قالت :فقال رسو ُل هللا
فقالوا :ال َّ
كلّه ،فقلتُ :يا رسو َل هللا،
األمر ِ
ِ صلى هللا عليه وسلم :مھالً يا عائشةَّ ،
إن هللاَ يحبُّ الرفقَ في
أولم تَسمع ما قالوا؟ قال رسو ُل هللا صلى هللا عليه وسلم :قد قلتُ وعليكم "(البخاري )5886/12
وليس معنى ھذا أن الحكمة تقتصر على الكالم اللين والرفق والعفو ،بل تكون أحيانا ً بالموعظة
الحسنة والترغيب والترھيب وبيان الحق علما ً وعمالً ،وتارة تكون باستخدام الجدال بالتي ھي
أحسن ،وتارة تكون باستخدام القوة وبالجھاد في سبيل هللا ،وبالتأمل في سيرة النبي صلى هللا
عليه وسلم وفي كيفية تعامله مع أھل الكتاب يمكن للناظر إجمال ذلك فيما يلي :
pg. 51
-6قتالھم واستخدام القوة معھم .
وفي سيرته صلى هللا عليه وسلم تتجلى اإلسالم الحق في التعامل مع الغالة والمتطرفين من
المسلمين وغيرھم .
ال شك أن للغلو والتطرف إفرازات ونتائج سلبية وعواقب وخيمة " كالجور على حقوق أخرى
ينبغي أن تراعى ،وواجبات يجب أن تؤدى ،وسوء الظن بالناس ،والنظر إليھم من خالل
منظار أسود يخفي حسناتھم على حين يضخم سيئاتھم ،والغلظة في التعامل والخشونة في
األسلوب والفظاظة في الدعوة " ( فرج1426،هـ،ص . ) 10
ومن اإلفرازات السلبية للغلو " :الشخصية المتطرفة على المستوى العقلي بأسلوب مغلق جامد
التفكير ،أو ع دم القدرة على تقبل أي معتقدات تختلف عن معتقداتھا أو أفكارھا أو معتقدات
جماعتھا ،وعدم القدرة على التأمل والتفكير واإلبداع " ( فرج1426،هـ،ص .) 11
والغلو والتطرف يفرز جماعة من الناس " ال يؤمنون بالحوار مع اآلخر ،وال يؤمنون بحرية
الدين ،أو التعامل مع األجنبي وبقائه في البالد اإلسالمية التي أقرھا اإلسالم في قوله تعالى ﴿:ال
ِين (البقرة :من اآلية ( " ﴾)256فرج1426،هـ،ص .) 12
إ ْك َراهَ في ِ ال ّد ِ
ومن المالحظ أن" أصحاب األفكار المتطرفة لديھم رغبة جامحة في إقصاء اآلخر ،فھم
الوحيدون القادرون حسب رؤيتھم على فھم الحقائق واألمور ،ولديھم أحادية في النظر ،
فالحقائق لديھم ليس لھا إال وجه واحد وطريق الحياة ليس له إال مسار واحد في رؤيتھم،
pg. 52
وأنھم يحملون توجھات عقدية وفكرية تؤكد ما لديھم من قناعات وال يرغبون في التنازل
عنھا كما أنھم غير مستعدين للتخلي عنھا أو مناقشة اآلخرين فيھا ( ".اليوسف 1425 ،هـ ،
ص . ) 12
إن الوقاية والعالج من مشكلة الغلو والتطرف الديني تكون باألمور التالية :
-1تطبيق مبدأ حسن التعامل والحكمة في التعامل مع اآلخرين ،فبه تسعد األمة ،وتسلم من
االنھيار والسقوط ،وال شك أن الحياة تحتاج إلى التعامل مع المسلمين و غير المسلمين من
عموم الكفار من أھل الكتاب وغيرھم كالمجوس والوثنيين حيث ال يمكن أن تتم بدونه ،
والتعامل الصحيح يسھم في تكوين نظام دقيق ھو األساس في نجاح التعايش وتقبل أفكار
ع ِن اآلخرين من المسلمين وغيرھم والعدل معھم وعدم ظلمھم ،قال تعالى َ ﴿ :ال يَ ْن َھا ُك ُم َّ
َّللاُ َ
ار ُك ْم أ َ ْن تَبَ ُّرو ُھ ْم َوت ُ ْق ِس ُ
طوا ِإلَ ْي ِھ ْم إِ َّن َّ َ
َّللا ي ُِحبُّ الَّذِينَ لَ ْم يُقَاتِلُو ُك ْم فِي ال ِد ِ
ّين َولَ ْم ي ُْخ ِر ُجو ُك ْم ِم ْن ِديَ ِ
ْال ُم ْق ِس ِطينَ (سورة الممتحنة:اآلية .﴾ )8
وإذا كان ھذا مع الكفار ،فھو مع المسلمين من باب أولى ،ومن المالحظ سوء الفھم في جانب
التعامل مع أھل الكتاب (من خالل االطالع على األحداث في السنوات األخيرة من استباحة
دمائھم وأموالھم والتعدي عليھم بالقتل والتفجير) ،مخالفين بذلك قوله صلى هللا عليه وسلم كما
ي ِ صلى هللا عليه وسلم قالَ :من قَت َل
عن النب ّ
رضي هللاُ عنھما ِ
َ بن عمرو جاء في حديث عب ِد هللاِ ِ
ج ُد من َمسير ِة أربعين عاما ً(" .البخاري )3097/6،
ُمعا ِھدا لم يرحْ رائحةَ الجنة ،و ِإ َّن ري َحھا تو َ
وقد نسي الكثير ھذا الحديث وغيره أو تناسوه بحجة العمل بأحاديث إخراج المشركين من
جزيرة العرب ،وكأنھم ال يعرفون أن قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي هللا عنه كان
كافرا ً مشركا ً مجوسيا ً ومع ذلك فقد أدخله عمر رضي هللا عنه ال لجزيرة العرب فقط بل إلى
المدينة للحاجة إليه في مھنته ،حتى كتب هللا الشھادة لعمر في المدينة وھو يصلي رضي هللا عنه
وأرضاه .
pg. 53
-٢إيجاد الحوار المفتوح من رجال الفكر الديني والعلماء لكل األفكار الواردة أو المتطرفة ،
ومناقشة بعض الجوانب التي تؤدي إلى التطرف .
-٣إشغال الفراغ الفكري للشباب وتوجيھھم وتوعيتھم توعية دينية وإعالمية كافية .
-٦األمر بالمعروف والنھي عن المنكر( باعتبار الغلو والتطرف منكر يجب إنكاره والدعوة إلى
تركه) وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة .
pg. 54