Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫مفهوم الغلو والتطرف‬

‫الغلو في اللغة ‪:‬‬


‫صى الغَايَ ِة‪ ،‬كغاالهُ‬ ‫س ْھ ِم غ َْلوا ً و ُ‬
‫غ ًلواَ‪َ :‬رفَ َع يَ َد ْيه أل ْق َ‬ ‫غلُ ّوا ‪َ :‬‬
‫جاوزَ َح ّدهُ ـو بال َّ‬ ‫غالَ في األ َ ْم ِر ُ‬‫‪َ "‬‬
‫ارتَفَ َع‬
‫س َھ َم‪ْ :‬‬
‫س ْھ ِم‪ ،‬وـ ال َّ‬
‫لو بال َّ‬‫غال ٌء ‪ ،‬كسماء‪ ،‬أي‪ :‬بعي ُد الغُ ّ ِ‬ ‫‪ ،‬وـ به ُمغاالة ً و ِغال ًء‪ ،‬فھو رج ٌل َ‬
‫وجاوزَ ال َم َدى" ( الفيروز بادي ‪1993 ،‬م )‬ ‫َ‬ ‫في َذھابِه‪،‬‬

‫‪" ‬وتَغَالَى النَّبْت‪ :‬ا ُ ْرتَفَ َع " ( الفيروز بادي ‪1993 ،‬م )‬

‫‪ " ‬والغلوة ‪ :‬الغاية وھي رمية سھم أبعد ما يقدر عليه "(الفيومي‪1987‬م ‪،‬ص‪)172‬‬

‫‪ " ‬وغال في الدين غلوا ً من باب قعد تصلب وشدد حتى جاوز الحد ‪ ،‬وفي التنزيل قوله‬
‫سى ا ْب ُن‬‫َّللا إِ َّال ْال َح َّق إِنَّ َما ْال َم ِسي ُح ِعي َ‬
‫علَى َّ ِ‬ ‫ب َال ت َ ْغلُوا فِي دِينِ ُك ْم َو َال تَقُولُوا َ‬‫تعالى ‪ ﴿ :‬يَا أ َ ْھ َل ْال ِكت َا ِ‬
‫س ِل ِه َو َال تَقُولُوا ث َ َالثَةٌ ا ْنت َ ُھوا َخي ًْرا‬
‫اَّللِ َو ُر ُ‬ ‫َّللاِ َو َك ِل َمتُهُ أ َ ْلقَاھَا إِلَى َم ْريَ َم َو ُرو ٌح ِم ْنهُ فَ ِ‬
‫آمنُوا بِ َّ‬ ‫سو ُل َّ‬ ‫َم ْريَ َم َر ُ‬
‫ض َو َكفَى بِ َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت َو َما فِي األ ْر ِ‬ ‫س َم َاوا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س ْب َحانَهُ أ ْن يَكونَ لهُ َول ٌد لهُ َما فِي ال َّ‬ ‫اح ٌد ُ‬ ‫َ‬
‫َّللاُ إِلهٌ َو ِ‬ ‫لَ ُك ْم إِنَّ َما َّ‬
‫اآلية‪﴾)171‬‬ ‫َو ِك ً‬
‫يال (سورة النساء‪:‬‬

‫‪ ‬وغالى في أمره مغاالة ‪ :‬بالغ ‪ ،‬وغال السعر يغلو واالسم الغالء بالفتح والمد ‪ :‬ارتفع "‬
‫(الفيومي‪1987‬م ‪،‬ص‪)172‬‬

‫جاوزَ َحدَّه‪ ،‬وفي التنزيل قوله تعالى ‪﴿ :‬ال ت َ ْغلوا في ِ‬ ‫ّين واأل َ ْم ِر َي ْغلو ُ‬
‫غ ّلوا‪َ :‬‬ ‫‪ ‬غَال فـي الد ِ‬
‫ِدين ُك ْم (سورة النساء‪:‬اآلية‪ ( ﴾ )171‬ابن منظور‪ 1410‬هـ ‪،‬جـ‪ ، 15‬ص ‪)132‬‬

‫ت فـيه الـح َّد وأ َ ْف َر ْ‬


‫طت فـيه "( ابن‬ ‫ْ‬
‫جاوز َ‬ ‫غ ّلوا وغَالنِـيَةً وغَالنِـيا ِإذا‬
‫"قال بعضھم غ َْلوت فـي األَمر ُ‬
‫منظور‪ 1410‬هـ ‪،‬جـ‪ ، 15‬ص ‪.)132‬‬

‫‪pg. 42‬‬
‫التطرف في اللغة ‪:‬‬

‫والط َرف ‪ ،‬بالتحريك‪ :‬الناحية من النواحي والطائفة من الشيء‪ ،‬والجمع أَطراف ‪ ،‬وفي حديث‬ ‫ّ‬ ‫"‬
‫الطرف‪ :‬الناحية‪ ،‬وقوله عز وجل ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ف من ال َب ْول‪ ،‬أَي ال َيتبا َ‬
‫ع ُد ‪ ،‬من‬ ‫عذاب القبر ‪ :‬كان ال َيت َ َ‬
‫ط ّر ُ‬
‫ت ذَلِكَ ِذ ْك َرى ِللذَّا ِك ِرينَ ( سورة هود‪:‬‬ ‫ت يُ ْذ ِھبْنَ ال َّ‬
‫سيِّئ َا ِ‬ ‫ار َو ُزلَفًا ِمنَ اللَّ ْي ِل ِإ َّن ْال َح َ‬
‫سنَا ِ‬ ‫﴿ َوأ َ ِق ِم ال َّ‬
‫ص َالة َ َ‬
‫ط َرفَي ِ النَّ َھ ِ‬
‫اآلية ‪﴾ )114‬‬
‫يِ ‪،‬‬
‫ف اآلخر فـيه صالتا ال َع ِش ّ‬
‫والطر ُ‬
‫َ‬ ‫النھار صالة الصبح‬ ‫ِ‬ ‫يعنـي الصلوات الـخمس فأَح ُد َ‬
‫ط َرفـي‬
‫وھما الظھر والعصر‪ ،‬وقوله عز وجل‪َ ﴿ :‬و ُزلَفًا ِمنَ اللَّ ْي ِل (سورة هود‪ :‬اآلية‪ ﴾)114‬يعنـي صالة‬
‫الـمغرب والعشاء‪.‬‬

‫غ ُرو ِب َھا َو ِم ْن آن ِ‬
‫َاء‬ ‫ش ْم ِس َوقَ ْب َل ُ‬ ‫سبِّ ْح ِب َح ْم ِد َربِّكَ قَ ْب َل ُ‬
‫طلُوعِ ال َّ‬ ‫علَى َما يَقُولُونَ َو َ‬
‫ص ِب ْر َ‬ ‫وقوله عز وجل‪ ﴿ :‬فَا ْ‬
‫ضى(سورة طـه‪:‬اآلية‪﴾ )130‬‬ ‫ار لَعَلَّكَ ت َْر َ‬
‫اف النَّ َھ ِ‬ ‫سبِّ ْح َوأ َ ْ‬
‫ط َر َ‬ ‫اللَّ ْي ِل فَ َ‬

‫أَراد وسبح أَطراف النھار؛ قال الزجا َج‪ :‬أ َ ْ‬


‫طراف النھار الظھر والعصر‪ ،‬وقال ابن الكلبـي‪:‬‬
‫أَطراف النھار ساعاته‪.‬‬

‫وقال أبو العباس‪ :‬أَراد طرفـيه فجمع‪ ( " .‬ابن منظور‪1410،‬هـ ‪،‬جـ ‪ ، 9‬ص ‪) 217‬‬

‫طرف فالن إِذا قاتل حول العسكر‪ ،‬ألَنه‬ ‫ط َّرف الرجل حول العسكر وحول القوم‪ ،‬يقال‪َّ :‬‬ ‫ويقال‪َ :‬‬
‫وطرف حول القوم قَات َ َل علـى‬ ‫َّ‬ ‫ف منھم فـير ُّدھم ِإلـى الـ ُج ْمھور‪ ،‬ابن سيده‪:‬‬ ‫يحمل علـى َ‬
‫ط َر ِ‬
‫ط ِ ّرف الذي‬ ‫وتطرف علـيھم‪ :‬أَغار‪ ،‬وقـيل‪ :‬ال ُم َ‬
‫َّ‬ ‫أَقصاھم وناحيتھم‪ ،‬وبه سمي الرجل ُم َ‬
‫ط ِ ّرفا ‪،‬‬
‫يأْتـي أَوائل الـخيل فـيردُّھا علـى آخرھا‪ ،‬ويقال‪ :‬ھو الذي يُقاتِل أَطراف الناس "(ابن‬
‫منظور‪1410،‬هـ ‪،‬جـ ‪ ، 9‬ص ‪)217‬‬

‫‪pg. 43‬‬
‫الغلو والتطرف في االصطالح ‪:‬‬
‫" إن الغلو أو التطرف لم يعد في الدين فقط ‪ ،‬بل في مختلف ممارسات الحياة اليومية ‪ ،‬فقد يكون‬
‫التطرف في الفكر أو السلوك أو فيھما معا ً ‪ ،‬وقد يكون في الماديات كالجلوس أو المشي ‪ ،‬وفي‬
‫المعامالت داخل األسرة أو مع أفراد المجتمع ‪ ،‬وقد يكون التطرف في المجال السياسي حيث‬
‫يكون رجل السياسة متسلطا ً ال يقبل الحوار والرأي اآلخر واألحزاب األخرى ‪ ( ".‬فرج ‪1426،‬هـ‪،‬‬
‫ص‪.)9‬‬

‫" أما التطرف الديني فيعني سوء الفھم للنصوص الدينية الذي يؤدي إلى التشدد والغلو ‪ ،‬ويطلق‬
‫عادة على بعض األفراد الذين يلجئون إلى التفسير عن جھل في أمورھم الدينية ويضللون الناس "‬
‫( فرج ‪1426،‬هـ‪ ،‬ص ‪.) 9‬‬

‫والغلو ‪ " :‬مجاوزة الحد واإلفراط في التعظيم بالقول واالعتقاد والعمل "(وزارة المعارف ‪1423،‬هـ‬
‫‪ ،‬ص ‪. ) 21‬‬

‫ومن الغلو ‪ :‬التنطع وھو " التعمق في الشيء والتكلف فيه ومجاوزة الحد في القول والفعل‬
‫والتشدد في غير موضع التشدد " (وزارة المعارف ‪1423،‬هـ ‪ ،‬ص ‪.) 27‬‬

‫ومن الغلو أيضا ً ‪ :‬اإلطراء وھو " المبالغة في المدح والتعظيم والكذب فيه " (وزارة المعارف‬
‫‪1423،‬هـ ‪ ،‬ص ‪.) 27‬‬

‫كما جاء في الحديث ‪ " :‬ال تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد ‪ .‬فقولوا ‪ :‬عبد هللا‬
‫ورسوله " ( البخاري ‪)3445 / 6 ،‬‬

‫ويمكن القول بأن التطرف يتضمن التفريط والتساھل في األمور وعدم إعطائھا ما تستحقه ‪ ،‬كما‬
‫يتضمن اإلفراط والمبالغة في األمور وإعطائھا أكثر مما تستحق وكما قال أبو سليمان البستي ‪:‬‬

‫وال تتَ ْغل في شيء من األمر واقتصد‬

‫طر َفي قصد األمور ذميم‬


‫كال َ‬

‫‪pg. 44‬‬
‫نشأة وتطور الغلو والتطرف الديني في العالم اإلسالمي‬

‫نشأ الغلو والتطرف منذ القدم ‪ ،‬حيث ذكر هللا تعالى قصة غلو قوم نوح في صالحيھم ‪ ،‬كما‬
‫روى ابن عباس رضي هللا عنھما في قول هللا تعالى ﴿ َوقَالوا ال ت َ َذ ُر َّن آل ِھتَ ُك ْم َوال تت َ َذ ُر َّن َو ّدا ً َوال‬
‫وث َو َيعُوقَ َونَسْراً (سورة نوح‪:‬اآلية ‪﴾)23‬‬
‫س َواعا ً َوال يَغُ َ‬
‫ُ‬

‫قال ‪ " :‬ھذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ‪ ،‬فلما ھلكوا أوحى الشيطان إلى قومھم ‪ :‬أن‬
‫انصبوا إلى مجالسھم التي كانوا يجلسون فيھا أنصابا ً وس ّموھا بأسمائھم ‪ ،‬ففعلوا ولم تعبد حتى‬
‫ھلك أولئك ونسي العلم ‪ ،‬عبدت " ( البخاري ‪. ) 8/4920 ،‬‬

‫قال ابن تيمية رحمه هللا ‪ " :‬وأصل الشرك في بني آدم‪ :‬كان من الشرك بالبشر الصالحين‬
‫المعظمين‪ .‬فإنھم لما ماتوا‪ :‬عكفوا على قبورھم ‪ ،‬ثم صوروا تماثيلھم‪ ،‬ثم عبدوھم‪ .‬فھذا أول‬
‫شرك كان في بني آدم‪ .‬وكان في قوم نوح‪ .‬فإنه أول رسول بعث إلى أھل األرض‪ ،‬يدعوھم‬
‫إلى التوحيد‪ .‬وينھاھم عن الشرك‪ ( " .‬ابن تيمية‪ ،‬د‪:‬ت ‪ ،‬جـ‪ ، 14‬ص‪) 343‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه هللا " وقال غير واحد من السلف‪ :‬كان ھؤالء قوما ً صالحين فى قوم نوح‬
‫صوروا تماثيلھم‪ ،‬ثم طال عليھم األمد فعبدوھم‪" .‬‬
‫عليه السالم‪ ،‬فلما ماتوا عكفوا على قبورھم‪ ،‬ثم ّ‬
‫( ابن القيم ‪ ،‬د‪:‬ت ‪ ،‬جـ‪ ، 1‬ص ‪) 217‬‬

‫وقد أخبر هللا تعالى عن غلو اليھود والنصارى فقال في محكم التنزيل ‪﴿ :‬وقَ َ‬
‫الت ْال َي ُھو ُد ُ‬
‫عزَ ي ٌْر‬
‫ارى ْال َم ِسي ُح اب ُْن هللا َِّ َذل ِك َك قَ ْول ُھ ْم بِأ َ ْف َوا ِھ ِھم ْم ي َ‬
‫ضا ِھئُونَ قَ ْو َل الَّذِينَ َكفَ ُروا ِم ْن‬ ‫ص َ‬ ‫اب ُْن هللا َِّ َوقَالَ ِ‬
‫ت النَّ َ‬
‫قَ ْب ُل قَاتَلَ ُھ ُم هللاَّ ُ أَنَّى يُؤْ فَ ُكونَ (سورة التوبة‪:‬اآلية‪﴾)٣٠‬‬

‫رضي هللا عنه قال‪:‬‬


‫َ‬ ‫س بن مالك‬ ‫وأما في العصر اإلسالمي فقد ظھر الغلو مبكرا ً كما في حديث أن َ‬
‫ي ِ صلى هللا‬
‫ي ِ صلى هللا عليه وسلم يسألونَ عن عباد ِة النب ّ‬ ‫ت أزواج النب ّ‬‫جاء ثالثةُ َر ْھط إلى بيو ِ‬
‫ي ِ صلى هللا عليه وسلم؟ قد‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬فلما أُخبروا كأَنھم تَقالُّوھا‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأينَ نح ُن منَ النب ّ‬
‫أصلّي اللي َل أبدا ً ‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أنا‬
‫ِ‬ ‫غَفرهللاُ لهُ ما تقد ََّم من ذنبِه وماتأ َّخر‪ ،‬قال أحدُھم‪ :‬أما أنا فأنا‬
‫أتزو ُج أبدا ً ‪ ،‬فجاء رسو ُل هللا صلى هللا‬
‫َّ‬ ‫أعتز ُل النساء فال‬
‫ِ‬ ‫الدھر وال أُفطر‪ ،‬وقال آخر ‪:‬أنا‬
‫َ‬ ‫أصو ُم‬

‫‪pg. 45‬‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬أنتُم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما وهللاِ إني ألخشاكم وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصو ُم وأُفطر‪،‬‬
‫فليس مني‪ ( .‬البخاري ‪. ) 5063/9 ،‬‬
‫َ‬ ‫سنَّتي‬
‫ب عن ُ‬ ‫وأصلّي وأرقُد‪ ،‬وأتزو ُج النساء‪ ،‬فمن ر ِغ َ‬
‫ِ‬

‫سب‪ ،‬فكان يتعا َھ ُد َكنَّت َهُ فيسألھا عن َبعلھا‬ ‫ذات َح َ‬ ‫بن عمرو قال ‪ :‬أن َك َحني أبي امرأة ً َ‬ ‫وعن عب ِد هللا ِ‬
‫ش لنا َكنَفا ً ُمنذ أَتيناه‪ ،‬فلما طال ذلك عليه‬ ‫فتقو ُل ‪ِ ِ:‬ن ْع َم الر ُج ُل من رجل‪ ،‬لم يطأ لنا فِراشا ً ولم يُف ِت ّ ْ‬
‫ي ِ صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ْ :‬القَني ِ ِبه فَلَق ِيته َبعدُ‪ ،‬فقال‪ :‬كيف تصوم؟ قلت‪ :‬أصوم ك َّل‬ ‫ذكر للنب ّ‬
‫تختم؟ قلت‪:‬كل ليلة ‪.‬قال‪ :‬ص ْم في ك ِّل شھر ثالثةً‪ ،‬وٱقرأ القُرآنَ في ك ِّل‬ ‫َيوم ‪ .‬قال‪ :‬وكيف ْ‬
‫أكثر من‬ ‫َ‬ ‫صم ثالثةَ أيام في الجمعة‪،‬قال‪ :‬قلت‪:‬أ ُ ِط ُ‬
‫يق‬ ‫لك‪ ،‬قا َل ‪ُ :‬‬ ‫ش ْھرقا َل‪ْ :‬قلتُ ‪ :‬أ ُ ِط ُ‬
‫يق أَ ْكث َ َر من ٰذ َ‬ ‫َ‬
‫صوم‬ ‫صم أَفضل الصوم ّْ‬ ‫يق أكثر من ذلك‪ ،‬قال‪ُ :‬‬ ‫صم يوما ً‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ِ :‬‬
‫أط ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬قال ‪:‬أفطريو َمين‪،‬و ُ‬
‫مرة ً ‪ ،‬فَلَيتَني قبلتُ ُر ْخصةَ رسو ِل هللا‬ ‫ْ‬
‫وإفطار يَوم‪ ،‬واقرأ في ك ِّل سبع ليال َّ‬ ‫َ‬ ‫صيام يوم‬ ‫داود‪،‬‬
‫َ‬
‫سب َع من القرآن‬ ‫ضعُفت فكان َيقرأ على بعض أھله ال ُّ‬ ‫وذاك أنّي كبرتُ و َ‬ ‫َ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ط َر أياما ً‬‫يتقوى أف َ‬‫َف عليه بالليل وإذا أراد أن َّ‬ ‫بالنھار والذي يقرؤه يَعرضه من النھار لي ُكونَ أَخ َّ‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم‪ (.‬البخاري ‪/ 8 ،‬‬ ‫ترك شيئا ً فارقَ النب َّ‬ ‫وأحصى وصام ِمث َل ُھ ّن‪ ،‬كراھيةَ أَن َي َ‬
‫‪. ) 5052‬‬

‫وعن ابن عباس ‪ :‬أن رجالً قال ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬ما شاء هللا وشئت ‪ ،‬فقال ‪ :‬جعلتني عدالً ؟ بل‬
‫ما شاء هللا وحده ( أحمد ‪) 2565 / 1‬‬

‫ونالحظ في األحاديث السابقة ‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم يحارب الغلو ويسارع إلى‬
‫إنكاره بالتوجيه واإلرشاد والحوار والداللة إلى الخير والصواب والعمل األفضل ‪ ،‬بل يحتج على‬
‫المغالين بنفسه صلوات ربي وسالمه عليه فيقول " أما وهللاِ إني ألخشاكم وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصو ُم‬
‫فليس مني‪ ( .‬البخاري ‪)5063/9،‬‬
‫َ‬ ‫سنَّتي‬‫ب عن ُ‬ ‫وأصلّي وأرقُد‪ ،‬وأتزو ُج النساء‪ ،‬فمن ر ِغ َ‬
‫ِ‬ ‫وأُفطر‪،‬‬

‫َّللا أُس َْوة ٌ َح َ‬


‫سنَةٌ‬ ‫وكيف ال يكون ذلك وھو قدوة الصالحين كما قال تعالى‪ ﴿ :‬لَقَ ْد َكانَ لَ ُك ْم فِي َر ُ‬
‫سو ِل َّ ِ‬
‫يرا (سورة األحزاب‪:‬اآلية‪. )21‬‬ ‫َّللا َو ْاليَ ْو َم ْاآل ِخ َر َوذَ َك َر َّ َ‬
‫َّللا َك ِث ً‬ ‫ِل َم ْن َكانَ يَ ْر ُجو َّ َ‬

‫والغلو والتطرف من سنة الحياة التي ال يخلو عصر من عصورھا منه ‪ ،‬فھو مالزم‬
‫للبشر‪،‬كالصراع بين الخير والشر الذي ال ينقطع حتى يرث هللا األرض ومن عليھا ‪ ،‬والمتأمل‬
‫ي ِ صلى‬ ‫رضي هللاَّ ُ عنه قال‪ :‬بُ ِع َ‬
‫ث ِإلى النب ّ‬ ‫َ‬ ‫في قوله صلى هللا عليه وسلم كما جاء عن أبي سعيد‬
‫لت‪ ،‬فقال‪ :‬يَخ ُر ُج من‬ ‫ع َد َ‬‫س َمه بين أربعة وقال‪ :‬أتألف ُھم‪ ،‬فقال رجل‪ :‬ما َ‬ ‫هللا عليه وسلم بشيء‪ ،‬فقَ َ‬
‫ضئْضىء ھذا قو ٌم ُ‬
‫يمرقونَ منَ الدين( البخاري ‪) ٤٦٦٧ / ٨ ،‬‬ ‫ِ‬
‫يدرك أن التطرف والغلو من سنن الحياة التي ال بد من حصولھا ‪ ،‬ولذا وجب التعامل مع الغلو‬
‫والتطرف تعامالً يتفق مع سنة النبي صلى هللا عليه وسلم كما في األحاديث السابقة كالنصيحة‬

‫‪pg. 46‬‬
‫والبيان والتوضيح والحوار والداللة واإلرشاد واإلنكار بدرجاته الثالث والتي قد تصل إلى القتال‬
‫الز َمانَ قَ ْو ُم َكأ َ ّن ھ َذا ِم ْن ُھ ْم يَ ْق َرأونَ ْالقُ ْرآنَ الَ‬ ‫آخ ِر َّ‬ ‫كما أورد النسائي في سننه مرفوعا ً ‪ :‬يَ ْخ ُر ُج في ِ ِ‬
‫الر ِميَّ ِة ِسي َما ُھ ُم الت َّ ْحليِ ُق الَ يَزَ الونَ‬ ‫س ْھ ُم ِمنَ َّ‬ ‫يُ َجا ِو ُز ت َ َراق ِي ِھم ْم َي ْم ُرقُونَ ِمنَ ْاال ْسالَ ِم َك َما يَ ْم ُر ُق ال َّ‬
‫ق َو ْالخَليِقَ ِة‬
‫آخ ُر ُھ ْم َم َع ْال َم ِسيحِ ال َّد َّجا ِل فَإ َذا لَقيِت ُ ُمو ُھ ْم فَا ْقتُلو ُھ ْم ُھ ْم ش َُّر ْالخ َْل ِ‬
‫يَ ْخ ُر ُجونَ َحتَّى َي ْخ ُر َج ِ‬
‫( النسائي ‪. ) 3532 / 2‬‬

‫ومقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ( رضي هللا عنه) ھو حلقة من حلقات الغلو والتطرف في‬
‫التاريخ اإلسالمي ‪ ،‬ثم ما حصل من الفتنة والقتال بين المسلمين بعد ذلك وهللا المستعان ‪.‬‬

‫‪pg. 47‬‬
‫أنواع الغلو‬
‫سبق الكالم عن الغلو و التطرف وأنه " لم يعد في الدين فقط ‪ ،‬بل في مختلف ممارسات الحياة‬
‫اليومية ‪ ،‬فقد يكون التطرف في الفكر أو السلوك أو فيھما معا ً ‪ ،‬وقد يكون في الماديات كالجلوس‬
‫أو المشي ‪ ،‬وفي المعامالت داخل األسرة أو مع أفراد المجتمع ‪ ،‬وقد يكون التطرف في المجال‬
‫السياسي حيث يكون رجل السياسة متسلطا ً ال يقبل الحوار والرأي اآلخر واألحزاب األخرى ‪".‬‬
‫( فرج ‪1426،‬هـ‪ ،‬ص ‪. ) 9‬‬

‫وإذا أردنا أن نتكلم عن أنواع الغلو في الدين فنستطيع أن نصنفه في األصناف التالية ‪:‬‬

‫‪-١‬غلو اعتقادي ‪ ،‬كغلو الخوارج وأشباھھم من الفرق المنحرفة ‪ ،‬حيث يكفّر الخوارج مرتكب‬
‫الكبيرة ويقولون بتخليده في النار ‪ ،‬والرافضة يقولون بعصمة األئمة ‪ ،‬وينزلون آل البيت(رضي‬
‫هللا عنھم ) فوق المنزلة التي أنزلھم هللا تعالى فيھا ‪.‬‬

‫‪-٢‬غلو عملي ‪ ،‬كالغلو في العبادات ‪ ،‬واالبتداع فيھا ‪ ،‬وإيجاب ما لم يوجبه هللا تعالى منھا‬
‫كتنزيل السنن والمستحبات منزلة الفرائض والواجبات ‪ ،‬واإلنكار على من ترك السنة ‪،‬‬
‫سع‬‫وكالزيادة في الوضوء على ثالث غسالت ‪ ،‬ومنع المباحات ‪ ،‬والتضييق على الناس فيما و ّ‬
‫هللا تعالى لھم فيه ‪.‬‬

‫‪-٣‬غلو طبعي ‪ ،‬كالجفاء ‪ ،‬والغلظة ‪،‬والفظاظة في الدعوة ‪ ،‬وضيق النفس عن تقبل آراء اآلخرين‬
‫فيما يسوغ فيه الخالف ‪ ،‬وترك الرفق واستبداله بالشدة في غير موضعھا‪،‬قال هللا تعالى ‪﴿ :‬يَا أَيُّ َھا‬
‫علَى‬ ‫علَى ْال ُمؤْ ِمنِينَ أ َ ِع َّزة َ‬ ‫ف يَأ ْ ِتي َّ‬
‫َّللاُ ِبقَ ْوم ي ُِحبُّ ُھ ْم َوي ُِحبُّونَهُ أَذِلَّة َ‬ ‫ع ْن دِي ِن ِه فَ َ‬
‫س ْو َ‬ ‫الَّذِينَ آ َمنُوا َم ْن يَ ْرت َ َّد ِم ْن ُك ْم َ‬
‫ع ِلي ٌم(سورة‬ ‫َّللا يُؤْ تِي ِه َم ْن يَشَا ُء َو َّ‬
‫َّللاُ َوا ِس ٌع َ‬ ‫ض ُل َّ ِ‬ ‫َّللا َو َال يَخَافُونَ لَ ْو َمةَ َالئِم ذَلِكَ فَ ْ‬
‫سبِي ِل َّ ِ‬‫ْال َكافِ ِرينَ يُ َجا ِھدُونَ فِي َ‬
‫المائدة‪:‬اآلية‪﴾)54‬‬
‫ش ْي ِء االّ‬ ‫ش ْي ِء االّ زَ انَهُ ‪َ ،‬والَ يُ ْنزَ ُ‬
‫ع ِم ْن َ‬ ‫الر ْفقَ الّ يَ ُك ُ‬
‫ون فِي َ‬ ‫وقال صلى هللا عليه وسلم ‪ّ :‬‬
‫(ان ّ‬
‫شَانَهُ)( مسلم ‪. )6554/16 ،‬‬

‫ويرى ( اليوسف ‪1425 ،‬ھـ ‪ ،‬ص ‪ ) 13‬أن التطرف على ثالث مستويات هي ‪:‬‬

‫" أ‪ -‬المستوى العقلي أو المعرفي والمتمثل في انعدام القدرة على التأمل والتفكير‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫المستوى الوجداني والمتمثل باالندفاعية في السلوك‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫‪pg. 48‬‬
‫المستوى السلوكي والمتمثل في ممارسة العنف ضد اآلخرين‪.‬‬ ‫ج‪-‬‬

‫موقف اإلسالم من الغلو والتطرف‬

‫إن التربية اإلسالمية تدعو المسلم إلى االعتدال والتوازن ‪ ،‬لينشأ المسلم سويا ً ‪ ،‬وبما يحقق له‬
‫التربية السليمة بأبعادھا المختلفة ‪.‬‬

‫" والتربية اإلسالمية ليست تربية مغالية أو مشطة في أساليبھا واتجاھاتھا ونظرتھا إلى مختلف‬
‫جوانب الشخصية اإلنسانية ‪ ،‬بل تنظر إليھا نظرة وسطية معتدلة متوازنة شمولية " ( الزنتاني ‪،‬‬
‫‪1993‬م ‪ ،‬ص ‪. ) 446‬‬

‫"وخاصية االعتدال في التربية اإلسالمية تكفل لفطرة اإلنسان وطبيعته وكسبه ‪ ،‬كما شاء هللا‬
‫تعالى‪ :‬ھداية اإليمان والعقيدة فتزكي روحه ‪ ،‬وتفتح الفكر وحريته فتنمي عقله وتزيد معارفه‬
‫وعلومه ‪ ،‬واتزان الوجدان بانفعاالته ومشاعره وأحاسيسه وعواطفه فترقي خلقه " ( الزنتاني ‪،‬‬
‫‪1993‬م ‪ ،‬ص ‪.) 446‬‬

‫و " يكسب اإلسالم التربية توازنا ً بين النظرية والتطبيق ‪ ،‬وتوازنا ً بين الحياة الدنيا والحياة‬
‫اآلخرة ‪ ،‬وتوازنا ً بين أشواق الفرد الروحية وتلبية حاجاته المادية واالجتماعية ‪ ،‬وھذا التوازن‬
‫في التربية اإلسالمية يجعلھا أقرب ما تكون إلى طبيعة األشياء " ( غبان وآخرون‪ 1415 ،‬هـ ‪ ،‬ص‬
‫‪. ) 111‬‬

‫ي ِبغَي ِْر ْال َح ّ ِ‬


‫ق َوأ َ ْن ت ُ ْش ِر ُكوا‬ ‫اإلثْ َم َو ْالبَ ْغ َ‬
‫طنَ َو ْ ِ‬
‫ظ َھ َر ِم ْن َھا َو َما بَ َ‬
‫ش َما َ‬ ‫اح َ‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬قُ ْل ِإنَّ َما َح َّر َم َر ِب َ‬
‫ّي ْالفَ َو ِ‬
‫َّللا َما َال ت َ ْعلَ ُمونَ (سورة األعراف‪:‬اآلية‪.﴾ )32‬‬ ‫علَى َّ ِ‬‫طانًا َوأ َ ْن تَقُولُوا َ‬ ‫س ْل َ‬
‫اَّلل َما لَ ْم يُن ِ َّز ْل بِ ِه ُ‬
‫بِ َّ ِ‬

‫ت َما َرزَ ْقنَا ُك ْم َوا ْش ُك ُروا ِ َّ ِ‬


‫َّلل ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ِإيَّاهُ ت َ ْعبُدُونَ (سورة‬ ‫وقال تعالى‪ ﴿ :‬يَا أَيُّ َھا الَّذِينَ آ َمنُوا ُكلُوا ِم ْن َ‬
‫طيِّبَا ِ‬
‫البقرة‪:‬اآلية ‪.﴾ )172‬‬

‫َّللا َال ي ُِحبُّ ْال ُم ْعتَدِي َن‬ ‫ت َما أ َ َح َّل َّ‬


‫َّللاُ لَ ُك ْم َو َال ت َ ْعتَدُوا ِإ َّن َّ َ‬ ‫يَا أَيُّ َھا الَّذِينَ آ َمنُوا َال ت ُ َح ِ ّر ُموا َ‬
‫ط ِيّبَا ِ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬‬
‫(سورة المائدة‪:‬اآلية ‪.﴾ )87‬‬

‫‪pg. 49‬‬
‫َّللاُ إِلَيْكَ‬ ‫َصيبَكَ ِمنَ ال ُّد ْنيَا َوأَحْ ِس ْن َك َما أَحْ َ‬
‫سنَ َّ‬ ‫َّار ْاآل ِخ َرة َ َو َال ت َ ْن َ‬
‫سن ِ‬ ‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬وا ْبت َِغ فِي َما آتَاكَ َّ‬
‫َّللاُ الد َ‬
‫َّللا َال ي ُِحبُّ ْال ُم ْف ِسدِينَ (سورة القصص‪:‬اآلية ‪.﴾ )77‬‬ ‫ض ِإ َّن َّ َ‬ ‫َو َال تَب ِْغ ْالفَ َ‬
‫سا َد فِي ْاأل َ ْر ِ‬

‫فَا ْست َ ِق ْم َك َما أ ُ ِم ْرتَ َو َم ْن ت َ‬


‫َاب َمعَكَ َو َال ت َْطغ َْوا إِنَّهُ بِ َما ت َ ْع َملُونَ بَ ِصي (سورة ھود‪:‬اآلية‬ ‫﴿‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫‪.﴾ )112‬‬

‫ونالحظ في األحاديث التالية ‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم يحارب الغلو ويسارع إلى إنكاره‬
‫بالتوجيه واإلرشاد والحوار والداللة إلى الخير والصواب والعمل األفضل ‪ ،‬بل يحتج على‬
‫المغالين بنفسه صلوات ربي وسالمه عليه فيقول " أما وهللاِ إني ألخشاكم وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصو ُم‬
‫فليس مني‪( .‬البخاري ‪)5063/9،‬‬
‫َ‬ ‫سنَّتي‬‫ب عن ُ‬ ‫وأصلّي وأرقُد‪ ،‬وأتزو ُج النساء‪ ،‬فمن ر ِغ َ‬
‫ِ‬ ‫وأُفطر‪،‬‬

‫الدين‪ ،‬فَانّ َما َھلَ َك َم ْن َكانَ قَ ْبلَ ُك ْم ِب ْالغُلو في ِ‬


‫ِ‬ ‫وقوله صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ايّا ُك ْم َو ْالغُلُ ّو فِي ِ‬
‫الدين(السيوطي ‪. ) 9309 /3 ،‬‬ ‫ِ‬
‫ي ِ صلى هللا عليه‬ ‫ت أزواج النب ّ‬ ‫ُ‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬جاء ثالثة َر ْھط إلى بيو ِ‬ ‫َ‬ ‫أنس بن مالك‬‫وعن َ‬
‫ي ِ صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فلما أُخبروا كأَنھم تَقالُّوھا‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأينَ‬ ‫وسلم يسألونَ عن عبادةِ النب ّ‬
‫ي ِ صلى هللا عليه وسلم؟ قد غَفرهللاُ لهُ ماتق َّدم من ذن ِبه وماتأ َّخر‪ ،‬قال أحدُھم‪ :‬أما أنا‬ ‫نحن منَ النب ّ‬ ‫ُ‬
‫‪:‬أعتز ُل النساء فال‬ ‫ِ‬ ‫الدھر وال أُفطر‪ .‬وقال آخرأنا‬ ‫َ‬ ‫أصلّي اللي َل أبدا ً ‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أنا أصو ُم‬ ‫ِ‬ ‫فأنا‬
‫أتزو ُج أبدا ً ‪،‬فجاء رسو ُل هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬أنتُم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما وهللاِ إني‬ ‫َّ‬
‫سنَّتي‬
‫ب عن ُ‬ ‫وأصلّي وأرقُد‪ ،‬وأتزو ُج النساء‪ ،‬فمن ر ِغ َ‬ ‫ِ‬ ‫ألخشاكم وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصو ُم وأُفطر‪،‬‬
‫فليس مني( البخاري ‪. ) 5063/9 ،‬‬ ‫َ‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬أن رجالً قال ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬ما شاء هللا وشئت ‪ ،‬فقال ‪ :‬جعلتني عدالً ؟ بل‬
‫ما شاء هللا وحده ( أحمد ‪. ) 2565 / 1‬‬

‫وبما سبق من أحاديث يتضح موقف اإلسالم من الغلو كتحريمه واإلنكارعلى مرتكبيه ومجادلتھم‬
‫بالتي ھي أحسن وبالحوار وإقامة الحجة عليھم ‪.‬‬

‫ويمكن االستشھاد على ذلك بتأمل كيفية تعامل النبي صلى هللا عليه وسلم مع أھل الكتاب ( وھم‬
‫رواد الغلو والتطرف ) حيث تظھر حكمة القول في التعامل مع أھل الكتاب و دعوتھم إلى‬ ‫من ّ‬
‫هللا تعالى ‪ ،‬وأن يجادلوا بالتي ھي أحسن ‪ ،‬بحسن خلق ولطف ولين كالم ‪ ،‬ودعوة إلى الحق ‪،‬‬

‫‪pg. 50‬‬
‫وتحسينه باألدلة العقلية والنقلية ‪ ،‬ورد الباطل بأقرب طريق وأنسب عبارة ‪ ،‬وأن ال يكون القصد‬
‫من ذلك مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو ‪ ،‬بل ال بد أن يكون القصد بيان الحق ‪ ،‬وھداية‬
‫س ُن ِإ َّال الَّذِينَ َ‬
‫ظلَ ُموا ِم ْن ُھ ْم َوقُولُوا آ َمنَّا‬ ‫الخلق ‪ ،‬كماقال تعالى ‪َ ﴿ :‬و َال ت ُ َجا ِدلُوا أ َ ْھ َل ْال ِكت َا ِ‬
‫ب ِإ َّال ِبالَّتِي ِھ َ‬
‫ي أَحْ َ‬
‫بِالَّذِي أ ُ ْن ِز َل إِلَ ْينَا َوأُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم َوإِلَ ُھنَا َوإِلَ ُھ ُك ْم َو ِاح ٌد َونَحْ ُن لَهُ ُم ْس ِل ُمونَ (سورة العنكبوت‪:‬اآلية‪﴾)46‬‬

‫ش ْيئًا‬ ‫س َواء بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ْم أ َ َّال نَ ْعبُ َد ِإ َّال َّ َ‬


‫َّللا َو َال نُ ْش ِركَ ِب ِه َ‬ ‫وقال عز وجل ‪ ﴿ :‬قُ ْل يَا أ َ ْھ َل ْال ِكت َا ِ‬
‫ب تَعَالَ ْوا ِإلَى َك ِل َمة َ‬
‫َّللا فَإ ِ ْن ت ََولَّ ْوا فَقُولُوا ا ْش َھدُوا بِأَنَّا ُم ْس ِل ُمونَ (‪( )64‬سورة آل‬ ‫ُون َّ ِ‬‫ضا أ َ ْربَابًا ِم ْن د ِ‬ ‫َو َال يَت َّ ِخذَ بَ ْع ُ‬
‫ضنَا بَ ْع ً‬
‫عمران‪:‬اآلية‪﴾)64‬‬

‫وقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم يستخدم القول الحكيم في دعوته إلى هللا عزوجل ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ط من اليھود على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ما روته عائشة رضي هللا عنھا قالت ‪:‬دخل ََرھ ٌ‬
‫سا ُم عليكم‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬ففھمت ُھا فقلت‪ :‬وعليك ُم السا ُم واللعنة‪ ،‬قالت‪ :‬فقال رسو ُل هللا‬
‫فقالوا‪ :‬ال َّ‬
‫كلّه‪ ،‬فقلتُ ‪ :‬يا رسو َل هللا‪،‬‬
‫األمر ِ‬
‫ِ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ :‬مھالً يا عائشة‪َّ ،‬‬
‫إن هللاَ يحبُّ الرفقَ في‬
‫أولم تَسمع ما قالوا؟ قال رسو ُل هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬قد قلتُ وعليكم "(البخاري ‪)5886/12‬‬

‫وليس معنى ھذا أن الحكمة تقتصر على الكالم اللين والرفق والعفو ‪ ،‬بل تكون أحيانا ً بالموعظة‬
‫الحسنة والترغيب والترھيب وبيان الحق علما ً وعمالً ‪ ،‬وتارة تكون باستخدام الجدال بالتي ھي‬
‫أحسن ‪ ،‬وتارة تكون باستخدام القوة وبالجھاد في سبيل هللا ‪ ،‬وبالتأمل في سيرة النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم وفي كيفية تعامله مع أھل الكتاب يمكن للناظر إجمال ذلك فيما يلي ‪:‬‬

‫‪-1‬دعوتھم إلى الحق والھدى واإليمان ‪.‬‬

‫‪-2‬مناظرتھم ومجادلتھم بالتي ھي أحسن ‪.‬‬

‫‪-3‬عقد العھود والمواثيق معھم والوفاء بھا ‪.‬‬

‫‪-4‬اإلحسان إليھم وحسن معاملتھم ‪.‬‬

‫‪-5‬مبايعتھم واالقتراض منھم والتعاون معھم ‪.‬‬

‫‪pg. 51‬‬
‫‪-6‬قتالھم واستخدام القوة معھم ‪.‬‬

‫وفي سيرته صلى هللا عليه وسلم تتجلى اإلسالم الحق في التعامل مع الغالة والمتطرفين من‬
‫المسلمين وغيرھم ‪.‬‬

‫اإلفرازات السلبية للغلو‬

‫ال شك أن للغلو والتطرف إفرازات ونتائج سلبية وعواقب وخيمة " كالجور على حقوق أخرى‬
‫ينبغي أن تراعى ‪ ،‬وواجبات يجب أن تؤدى ‪ ،‬وسوء الظن بالناس ‪ ،‬والنظر إليھم من خالل‬
‫منظار أسود يخفي حسناتھم على حين يضخم سيئاتھم ‪،‬والغلظة في التعامل والخشونة في‬
‫األسلوب والفظاظة في الدعوة " ( فرج‪1426،‬هـ‪،‬ص ‪. ) 10‬‬

‫ومن اإلفرازات السلبية للغلو ‪ " :‬الشخصية المتطرفة على المستوى العقلي بأسلوب مغلق جامد‬
‫التفكير ‪ ،‬أو ع دم القدرة على تقبل أي معتقدات تختلف عن معتقداتھا أو أفكارھا أو معتقدات‬
‫جماعتھا ‪ ،‬وعدم القدرة على التأمل والتفكير واإلبداع " ( فرج‪1426،‬هـ‪،‬ص ‪.) 11‬‬

‫والغلو والتطرف يفرز جماعة من الناس " ال يؤمنون بالحوار مع اآلخر ‪ ،‬وال يؤمنون بحرية‬
‫الدين ‪ ،‬أو التعامل مع األجنبي وبقائه في البالد اإلسالمية التي أقرھا اإلسالم في قوله تعالى ‪﴿:‬ال‬
‫ِين (البقرة‪ :‬من اآلية‪ ( " ﴾)256‬فرج‪1426،‬هـ‪،‬ص ‪.) 12‬‬
‫إ ْك َراهَ في ِ ال ّد ِ‬

‫ومن المالحظ أن" أصحاب األفكار المتطرفة لديھم رغبة جامحة في إقصاء اآلخر ‪ ،‬فھم‬
‫الوحيدون القادرون حسب رؤيتھم على فھم الحقائق واألمور‪ ،‬ولديھم أحادية في النظر ‪،‬‬
‫فالحقائق لديھم ليس لھا إال وجه واحد وطريق الحياة ليس له إال مسار واحد في رؤيتھم‪،‬‬

‫‪pg. 52‬‬
‫وأنھم يحملون توجھات عقدية وفكرية تؤكد ما لديھم من قناعات وال يرغبون في التنازل‬
‫عنھا كما أنھم غير مستعدين للتخلي عنھا أو مناقشة اآلخرين فيھا‪ ( ".‬اليوسف ‪1425 ،‬هـ ‪،‬‬
‫ص ‪. ) 12‬‬

‫سبل الوقاية والعالج من مشكلة الغلو والتطرف الديني‬

‫إن الوقاية والعالج من مشكلة الغلو والتطرف الديني تكون باألمور التالية ‪:‬‬

‫‪ -1‬تطبيق مبدأ حسن التعامل والحكمة في التعامل مع اآلخرين ‪ ،‬فبه تسعد األمة‪ ،‬وتسلم من‬
‫االنھيار والسقوط ‪ ،‬وال شك أن الحياة تحتاج إلى التعامل مع المسلمين و غير المسلمين من‬
‫عموم الكفار من أھل الكتاب وغيرھم كالمجوس والوثنيين حيث ال يمكن أن تتم بدونه ‪،‬‬
‫والتعامل الصحيح يسھم في تكوين نظام دقيق ھو األساس في نجاح التعايش وتقبل أفكار‬
‫ع ِن‬ ‫اآلخرين من المسلمين وغيرھم والعدل معھم وعدم ظلمھم ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ﴿ :‬ال يَ ْن َھا ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ َ‬
‫ار ُك ْم أ َ ْن تَبَ ُّرو ُھ ْم َوت ُ ْق ِس ُ‬
‫طوا ِإلَ ْي ِھ ْم إِ َّن َّ َ‬
‫َّللا ي ُِحبُّ‬ ‫الَّذِينَ لَ ْم يُقَاتِلُو ُك ْم فِي ال ِد ِ‬
‫ّين َولَ ْم ي ُْخ ِر ُجو ُك ْم ِم ْن ِديَ ِ‬
‫ْال ُم ْق ِس ِطينَ (سورة الممتحنة‪:‬اآلية ‪.﴾ )8‬‬

‫وإذا كان ھذا مع الكفار ‪ ،‬فھو مع المسلمين من باب أولى ‪،‬ومن المالحظ سوء الفھم في جانب‬
‫التعامل مع أھل الكتاب (من خالل االطالع على األحداث في السنوات األخيرة من استباحة‬
‫دمائھم وأموالھم والتعدي عليھم بالقتل والتفجير) ‪ ،‬مخالفين بذلك قوله صلى هللا عليه وسلم كما‬
‫ي ِ صلى هللا عليه وسلم قال‪َ :‬من قَت َل‬
‫عن النب ّ‬
‫رضي هللاُ عنھما ِ‬
‫َ‬ ‫بن عمرو‬ ‫جاء في حديث عب ِد هللاِ ِ‬
‫ج ُد من َمسير ِة أربعين عاما ً‪(" .‬البخاري ‪)3097/6،‬‬
‫ُمعا ِھدا لم يرحْ رائحةَ الجنة‪ ،‬و ِإ َّن ري َحھا تو َ‬

‫وقد نسي الكثير ھذا الحديث وغيره أو تناسوه بحجة العمل بأحاديث إخراج المشركين من‬
‫جزيرة العرب ‪ ،‬وكأنھم ال يعرفون أن قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي هللا عنه كان‬
‫كافرا ً مشركا ً مجوسيا ً ومع ذلك فقد أدخله عمر رضي هللا عنه ال لجزيرة العرب فقط بل إلى‬
‫المدينة للحاجة إليه في مھنته ‪ ،‬حتى كتب هللا الشھادة لعمر في المدينة وھو يصلي رضي هللا عنه‬
‫وأرضاه ‪.‬‬

‫‪pg. 53‬‬
‫‪ -٢‬إيجاد الحوار المفتوح من رجال الفكر الديني والعلماء لكل األفكار الواردة أو المتطرفة ‪،‬‬
‫ومناقشة بعض الجوانب التي تؤدي إلى التطرف ‪.‬‬

‫‪-٣‬إشغال الفراغ الفكري للشباب وتوجيھھم وتوعيتھم توعية دينية وإعالمية كافية ‪.‬‬

‫‪-٤‬معالجة أسباب التطرف والغلو كاألسباب االقتصادية واالجتماعية واألسرية( الخالفات‬


‫األسرية ‪ ،‬الطالق ‪ ،‬غياب األب أو األم عن القيام بدورھم في حياة الطفل ‪ ،‬الحرمان ‪ ،‬سوء‬
‫المعاملة ‪ ،‬الفقر ‪ ،‬البطالة ‪ ،‬الجھل ‪ ،‬ضعف الدور التربوي للمؤسسات التربوية ) ‪.‬‬

‫‪-٥‬العمل بمبدأ التسامح ‪ ،‬وتقبل اآلخرين كما ھم ‪ ،‬واالنفتاح الفكري ‪.‬‬

‫‪-٦‬األمر بالمعروف والنھي عن المنكر( باعتبار الغلو والتطرف منكر يجب إنكاره والدعوة إلى‬
‫تركه) وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة ‪.‬‬

‫‪pg. 54‬‬

You might also like