الفلسفة الغربية 2

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫جامعة ابن طفيل‬

‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬


‫مسلك الفلسفة‬

‫وحدة‪ :‬الفلسفة الغربية الوسيطة‬


‫الفصل الثالث‬

‫األستاذ‪ :‬أحمد الفرحان‬


‫المحاضرة األولى‪(2020-12-1) :‬‬

‫نص االنطالق‪ :‬الوعي بالتاريخ في فكر الوسيطيين‪.‬‬

‫ﻳﻣﻛن أن ﻧﺳﺗﻬﻝ ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎﺿرات ﻋن اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ اﻟوﺳﻳطﺔ ﺑﺎﻟﺗﺳﺎؤﻝ ﺣوﻝ ﻟﻔظ "اﻟوﺳﻳطﺔ"‪،‬‬
‫ﻣﻌﻳﻧﺔ ﺑﻳن ﻣرﺣﻠﺗﻳن‪ ،‬ﻓﻬﻝ ﻛﺎن ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ‬
‫وﻫو ﻟﻔظ ﻳد ّﻝ ﻋﻠﻰ ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﺎرﻳﺧﻳﺔ ّ‬
‫ﻋﻠﻰ وﻋﻲ ﺑﺄن ﻋﺻرﻫم ﻫو ﻋﺻر اﻧﺗﻘﺎﻟﻲ؟‬

‫ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋن ﻫذا اﻟﺳؤاﻝ‪ ،‬ﻧﺳﺗﻧد إﻟﻰ ﻗراءة وﺗﺣﻠﻳﻝ ﻧص إﺗﻳن ﻫﻧري ﺟﻳﻠﺳون ‪Étienne Henry‬‬
‫‪Gilson‬اﻵﺗﻲ‪:‬‬

‫" اﻟﻌﺻور اﻟﺗﻲ ﻧﺳﻣﻳﻬﺎ "وﺳطﻰ" أﻋﻧﻲ اﻟﻌﺻور اﻟﺗﻲ ﻧﻧظر إﻟﻳﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ أﺳﺎﺳﺎ ﻣرﺣﻠﺔ اﻧﺗﻘﺎﻝ‪،‬‬
‫ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ إﻧﻬﺎ ﻟم ﻳﻛن ﻟدﻳﻬﺎ إﺣﺳﺎس ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ﺑﺎﻟطﺎﺑﻊ اﻻﻧﺗﻘﺎﻟﻲ ﻟﻸﻣور‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺑﺷرﻳﺔ‪ ،‬ﺑﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﺗﻣﺎﻣﺎ‪ ":‬إن ﺧﺎﺻﻳﺗﻪ اﻟﻌﻣﻳﻘﺔ ﻫﻲ اﻹﻳﻣﺎن ﺑﺛﺑﺎت اﻷﺷﻳﺎء وﻋدم ﺗﻐﻳرﻫﺎ‪.‬‬
‫وﻗد ﺳﻳطر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺻر اﻟﻘدﻳم‪-‬وﻻﺳﻳﻣﺎ اﻟﻘرون اﻷﺧﻳرة ﻣﻧﻪ‪-‬ﻓﻛرة اﻻﻧﻬﻳﺎر اﻟداﺋم واﻻﻧﺣﻼﻝ‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻣر‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻌﺻور اﻟﺣدﻳﺛﺔ وﻣﻧذ ﻓﺟرﻫﺎ ﻓﻘد ﻛﺎﻧت ﻣﻔﻌﻣﺔ ﺑﺎﻹﻳﻣﺎن ﺑﺗﻘدم ﻻ ﺣد ﻟﻪ‪ ،‬أﻣﺎ‬
‫اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ ﻓﻬﻲ ﻟم ﺗﻌرف ﻻ ﻫذا اﻟﺗﺛﺑﻳط اﻟذي ﻛﺎن ﻋﻧد اﻟﻘدﻣﺎء‪ ،‬وﻻ ﻫذا اﻟرﺟﺎء اﻟذي‬
‫ُو ِﺟد ﻋﻧد اﻟﻣﺣدﺛﻳن‪ .‬ذﻟك ﻷن اﻟﻣﻔﻛرﻳن ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻌﺻر اﻋﺗﻘدوا أن اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎن داﺋﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو‬
‫ﻣﺎ ﻫو ﻋﻠﻳﻪ‪-‬وﻫذا ﻫو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ اﻟﻠوﺣﺎت اﻟﺗﻲ رﺳﻣوﻫﺎ ﻣن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻘدﻳم ﺗﺑدو ﻟﻧﺎ ﺳﺎذﺟﺔ ﺟدا‪-‬‬
‫وﻻ ﺷك أﻧﻬم اﻋﺗﻘدوا أن اﻟﻌﺎﻟم ﺳوف ﻳظﻝ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻧﺣو ﺣﺗﻰ ﻳوم اﻟدﻳﻧوﻧﺔ"‪ ،‬ورﺑﻣﺎ اﻧﺗﺎﺑﺗﻧﺎ‬
‫اﻟدﻫﺷﺔ‪-‬وﻟو ﻗﻠﻳﻼ‪-‬ﺣﻳن ﻧﻘ أر ﻫذا اﻟﺳﻳﻝ ﻣن اﻷﺣﻛﺎم ﻣﺎ ﻟم ﻧﺿﻊ ﻓﻲ ذﻫﻧﻧﺎ اﻟﻼﻣﺑﺎﻻة اﻟﺗﻲ‬
‫ﺳﻳطرت ﻋﻠﻰ ﺑﻌض ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻠﻐﺔ ﺣﻳث ﻳدرﺳون اﻟﻔﻛر‪ ،‬إذ ﻳﺑدو أﻧﻪ ﻳﻧظرون إﻟﻰ اﻷﻓﻛﺎر ﻋﻠﻰ‬
‫أن واﻗﻌﻳﺗﻬﺎ ﻗﻠﻳﻠﺔ‪ .‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻫﻲ ﻟﻳﺳت ﻛﺎﻓﻳﺔ ﻟﻛﻲ ﺗﻛون وﻗﺎﺋﻊ ﺗﻠﻔت ﻧظر اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﺎرﻳﺧﻳﺔ‬
‫اﻷﺻﻳﻠﺔ‪ٕ ،‬واذا ﻛﺎن ﻛﻝ ﻣﺎ ﻳﻛﺗﺑﻪ رﺟﺎﻝ اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط ﻳﺟ ﱢﻣﻊ وﻳﺧﺿﻊ ﻟدراﺳﺔ ﻋﻠﻣﻳﺔ دﻗﻳﻘﺔ ﻓﺈن‬
‫ﻣﺎ ﻓﻛروا ﻓﻳﻪ ﻳﺧﺿﻊ ﻟﺗﻌﺳف ﻛﺎﻣﻝ ﻻ ﺧﻼف ﻓﻳﻪ‪.‬‬

‫واﻟﺣﻘﻳﻘﺔ‪-‬ﻫﻲ ﻛﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻛﻝ ﻣﺟﺎﻝ آﺧر‪-‬ﻫﻲ أﻧﻧﺎ إذا ﻛﻧﺎ ﻧﺑﺣث ﻋن ﺗﺻورﻧﺎ اﻟﺣدﻳث ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ ﻓﺈن ﻋﻠﻳﻧﺎ أن ﻧﻛون ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻳن ﻣن أﻧﻧﺎ ﻟن ﻧﺟدﻩ ٕواذا ﻛﺎن ﻏﻳﺎب ﺗﺻورﻧﺎ‬
‫اﻟﺣدﻳث ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ ﻫذا ﻳﻌﻧﻲ ﻏﻳﺎب أي ﺗﺻور ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ‪ ،‬ﻋﻧدﺋذ ﻓﺈن ﻋﻠﻰ اﻟﻣرء أن ﻳﻛون ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻳن‬
‫ﻣن أن اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط ﻟم ﻳﻛن ﻟدﻳﻪ ﺗﺻور ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ‪.‬‬

‫)‪(...‬‬

‫وﻳﻛون ﻟﻠﻣرء أن ﻳﻔﺗرض ﺑطرﻳﻘﺔ ﻗﺑﻠﻳﺔ أن اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط ﻛﺎن ﻟﻪ ﺗﺻور ﺧﺎص ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ طﺎﻟﻣﺎ‬
‫أن اﻟﻌﻘوﻝ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟودة ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ﻛﺎﻧت ﺗﻌﻳش ﻋﻠﻰ ذﻛرى واﻗﻌﺔ ﺗﺎرﻳﺧﻳﺔ‪ ،‬أو ﺣﺎدﺛﺔ‬
‫وﻳﻧظم ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻳﻬﺎ اﻟﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺳﺎﺑق ﻛﻠﻪ‪ ،‬وﻳؤرخ اﺑﺗداء ﻣﻧﻬﺎ ﻟﺑداﻳﺔ ﻋﺻر ﺟدﻳد؛ ﺣﺎدﺛﺔ ﻓرﻳدة ﻫﻲ‬
‫ﻣوﻟد اﻟﻣﺳﻳﺢ‪ ،‬وﻳﻣﻛن ﻟﻠرد أن ﻳﻘوﻝ إﻧﻬﺎ ﺗﻣﻳز ﺗﺎرﻳﺧﺎ ﻟﻠّﻪ ﻧﻔﺳﻪ طﺎﻟﻣﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﺑر ﻋن "ﺗﺟﺳﻳد‬
‫اﻟﻛﻠﻣﺔ" وﻣﻳﻼد ﻳﺳوع اﻟﻣﺳﻳﺢ‪ ،‬وﻟم ﻳﻛن رﺟﺎﻝ اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط ﻳﻌرﻓون ﺗﻣﺎﻣﺎ أن اﻟﻳوﻧﺎﻧﻳﻳن ارﺗدوا‬

‫‪2‬‬
‫زﻳﺎ ﻏﻳر زي اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط‪ .‬وﻣن اﻟﻣﺣﺗﻣﻝ أﻛﺛر أﻧﻬم ﻋرﻓوا ذﻟك وﻟﻛﻧﻬم ﻟم ﻳﻌﻳروﻩ اﻟﺗﻔﺎﺗﺎ؛ ذﻟك‬
‫ﻷن اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻲ اﻫﺗﻣوا ﺑﻬﺎ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻳوﻧﺎﻧﻳﻳن ﻗد ﻋرﻓوﻩ وﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﻳؤﻣﻧون ﺑﻪ‪ ،‬ﺑﻝ أﻛﺛر‬
‫ﻣن ذﻟك ﻣﺎ ﻟم ﻳﻛن اﻟﻳوﻧﺎﻧﻳﻳن ﻗﺎدرﻳن ﻋﻠﻰ ﻣﻌرﻓﺗﻪ وﻻ اﻹﻳﻣﺎن ﺑﻪ‪ .‬ﻓﻔﻲ اﻟﻣﺎﺿﻲ اﻟﺳﺣﻳق‪-‬ﺑﻌد‬
‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺧﻠق واﻟﺳﻘوط – ﻛﺎن ﻫﻧﺎك ﻋدد ﻏﻔﻳر ﻣن اﻟﻧﺎس ﺑﻼ إﻳﻣﺎن وﺑﻼ ﻗﺎﻧون‪ ،‬ﺛم ﻛﺎن ﻫﻧﺎك‬
‫ﺑﻌد ذﻟك ﺑﻘﻠﻳﻝ "اﻟﺷﻌب اﻟﻣﺧﺗﺎر" اﻟذي ﻋﺎش ﺧﺎﺿﻌﺎ ﻟﻠﻧﺎﻣوس ‪ Loi‬واﻟذي ﺳﺎر ﻓﻲ ﺳﻠﺳﻠﺔ‬
‫طوﻳﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﻐﺎﻣرات؛ وﻟﻘد ﻛﺎن ﻣﻳﻼد اﻟﻣﺳﻳﺣﻳﺔ أﻛﺛر ﺣداﺛﺔ ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺗوارﻳﺦ اﻟﻣوﻏﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘدم‬
‫واﻓﺗﺗﺣت ﻋﻧﺻ ار ﺟدﻳدا ﺗﻣﻳزﻩ ﺑﺎﻟﻔﻌﻝ ﻋدد ﻣن اﻟﺣوادث اﻟﻛﺑرى‪ :‬ﺳﻘوط اﻹﻣﺑراطورﻳﺔ اﻟروﻣﺎﻧﻳﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺳﺑﻳﻝ اﻟﻣﺛﺎﻝ‪ ،‬وﺗﺄﺳﻳس إﻣﺑراطورﻳﺔ ﺷﺎرﻟﻣﺎن‪ .‬ﻓﻛﻳف ﻳﻣﻛن ﻟﺣﺿﺎرة ﻣﺎ أن ﺗؤﻣن ﺑﺛﺑﺎت‬
‫اﻷﺷﻳﺎء ودواﻣﻬﺎ ﺣﻳن ﺗﻛون ﻛﺗﺑﻬﺎ اﻟﻣﻘدﺳﺔ –أﻋﻧﻲ اﻟﺗوراة واﻹﻧﺟﻳﻝ‪-‬ﻛﺗب ﺗﺎرﻳﺦ‪...‬؟ وﺳوف‬
‫ﻳﻛون ﻣن اﻟﻌﺑث أن ﻧﺑﺣث ﻓﻲ ﻣﺛﻝ ﻫذا اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻋﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﺗﻐﻳر‪ ،‬وﻋﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﻌﻲ ﻣﺛﻝ‬
‫ﻫذا اﻟﺗﻐﻳر‪ ،‬وﻣﻊ ذﻟك ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺳﺗطﻳﻊ أن ﻧﺑﺣث ﻓﻲ ﻛﻳﻔﻳﺔ ﺗﺻورﻩ ﻟﻧﻔﺳﻪ ﻣﺗﻐﻳرا‪ ،‬أﻋﻧﻲ ﻣن أﻳن‬
‫ﺟﺎء‪ٕ ،‬واﻟﻰ أﻳن ذﻫب‪ ،‬وﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻧﻘطﺔ اﻟدﻗﻳﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﻳﻌﺗﻘد أﻧﻪ ﻳﺷﻐﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟطرﻳق اﻟذي ﻳﺟري‬
‫ﻣن اﻟﻣﺎﺿﻲ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻝ‪.‬‬

‫ﻟﻘد وﺿﻌت اﻟﻣﺳﻳﺣﻳﺔ ﻏﺎﻳﺔ اﻹ ﻧﺳﺎن ﻓﻳﻣﺎ وراء ﺣدود ﺣﻳﺎﺗﻪ اﻷرﺿﻳﺔ اﻟﺣﺎﻟﻳﺔ‪ ،‬وأﻛدت ﻓﻲ‬
‫ﻧﻔس اﻟوﻗت أن اﷲ اﻟﺧﺎﻟق ﻻ ﻳﺳﻣﺢ ﻟﺷﻲء أن ﻳﺧرج ﻋن ﻧطﺎق ﺗدﺑﻳرﻩ وﻋﻧﺎﻳﺗﻪ اﻹﻟﻬﻳﺔ‪.‬‬
‫وﻟذﻟك ﻛﺎن ﻋﻠﻳﻬﺎ أن ﺗؤﻛد ﻛذﻟك أن ﻛﻝ ﺷﻲء‪-‬ﺳواء ﻓﻲ ﺣﻳﺎة اﻷﻓراد أو ﺣﻳﺎة اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت‬
‫اﻟﺗﻲ ﻳﻌﺗﺑر ﻫؤﻻء اﻷﻓراد ﺟزءا ﻣﻧﻬﺎ‪-‬ﻣﻧظم ﻟﻬذﻩ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻠو ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻳﺎة اﻷرﺿﻳﺔ‪.‬‬

‫وﻫذا اﻟﺷرط اﻷوﻝ ﻟﻛﻝ ﻧظﺎم‪-‬أﻋﻧﻲ أن ﻳﺗﺟﻪ ﻧﺣو ﻫذﻩ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﻌﻠﻳﺎ‪ .‬ﻳﻌﻧﻲ أن ﻳﻛون ﻫﻧﺎك ﻓض‬
‫ﻣﻧﺗظم ﻟﻠﺣوادث ﻓﻲ اﻟزﻣﺎن‪ ،‬وﻳﻌﻧﻲ ﻗﺑﻝ ذﻟك ﺑﺎﻟطﺑﻊ أن ﻳﻛون ﻫﻧﺎك زﻣﺎن‪ .‬وﻟﻳس ﻫذا اﻟزﻣﺎن‬
‫إطﺎ ار ﻣﺟردا ﺗﺣدث ﻓﻲ اﻷﺷﻳﺎء وﺗدوم أو ﻫو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻝ ﻟﻳس ذﻟك ﻓﺣﺳب‪ ،‬إذ ﻣن اﻟﻣؤﻛد أﻧﻪ‬
‫أﺳﺎﺳﺎ ﻧﻣط ﻟﻠوﺟود ﻳﻧﺎﺳب اﻷﺷﻳﺎء اﻟﻌﺎرﺿﺔ وﻳﻼﺋﻣﻬﺎ‪ ،‬ﻟﻛن اﻷﺷﻳﺎء اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺟز ﻋن ﺗﺣﻘﻳق‬
‫ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺿر ﻣﺳﺗﻘر‪ .‬اﷲ ﻫو اﻟوﺟود‪ .‬وﻟﻳس ﻫﻧﺎك ﺷﻲء ﻳﻣﻛﻧﻪ أن ﻳﺻﺑﺣﻪ اﷲ أو ﻳﺗﺣوﻝ‬

‫‪3‬‬
‫إﻟﻳﻪ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻟﻳس ﺛﻣﺔ ﺷﻲء ﻻ ﻳﻛوﻧﻪ اﷲ‪ ،‬ﻷن اﷲ ﻫو اﻟوﺟود اﻟﻛﺎﻣﻝ‪ ،‬وﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟﺗﻐﻳر واﻟدﻳﻣوﻣﺔ‬
‫ﻟﻳس ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﷲ وﺟود‪ .‬اﻣﺎ اﻷﺷﻳﺎء اﻟﻣﺧﻠوﻗﺔ ﻓﻬﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﻣﺷﺎرﻛﺎت ﻣﺗﻧﺎﻫﻳﺔ ﻓﻲ اﻟوﺟود‬
‫وﻫﻲ ﺷذرات‪-‬إن ﺻﺢ اﻟﺗﻌﺑﻳر‪-‬داﺋﻣﺎ ﻏﻳر ﺗﺎﻣﺔ‪ .‬وﻫﻲ ﺗﻌﻣﻝ ﺑﺎﺳﺗﻣرار ﻟﻛﻲ ﺗﻛﺗﻣﻝ وﺗﺣﻘق وﺟودﻫﺎ‬
‫اﻟﺧﺎص‪ ،‬وﻟذﻟك ﺗﺗﻐﻳر‪ .‬وﻫذا ﻫو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ أن اﻟﻘدﻳس أوﻏﺳطﻳن ﻧظر إﻟﻰ اﻟﻛون ﻋﻠﻰ أن ﻟون‬
‫ﻣن أﻟوان اﻟﻔض أو اﻟﺑﺳط اﻟذي ﻳﺣﺎﻛﻲ ﻓﻲ ﺗﺟﻠﻳﺔ اﻟﺣﺎﺿر اﻷﺑدي اﻟﺷﺎﻣﻝ ﻟﺣﻳﺎة اﷲ‪.‬‬

‫واﻟواﻗﻊ أن ﺣﺎﻟﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻻ ﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﷲ وﻻ ﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻷﺷﻳﺎء‪ ،‬ﻓﻬو ﻻ ﻳﻧﺟرف ﺑﺑﺳﺎطﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺟرى اﻟﺻﻳرورة ﻣﺛﻠﻪ ﻣﺛﻝ ﺑﻘﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻔﻳزﻳﺎﺋﻲ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻲ أن ﻳﻘف وﺳط اﻟﺻﻳرورة وﻳدرك‬
‫ﺑﺎﻟﻔﻛر ﺗﻳﺎر اﻟﺻﻳرورة ذاﺗﻪ‪ .‬وذاﻛرﺗﻪ وﻫﻲ ﺗﺳﻣﻊ ﺑﻪ ﺑﺄن ﻳﺳﺗﺟﻣﻊ اﻟﻠﺣظﺎت اﻟﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﻳﻣﻛن‬
‫أن ﺗﺳﻘط ﻓﻲ ﻫوة اﻟﻌدم ﺑدون ﻫذﻩ اﻟذاﻛرة‪ ،‬ﺗﺷﻛﻝ دﻳﻣوﻣﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﺣﺎﺳﺔ اﻹﺑﺻﺎر ﺗﺟﻣﻊ اﻟﻣﺎدة‬
‫اﻟﻣﺷﺗﺗﺔ أو اﻟﻣﺑﻌﺛرة ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻣﻛﺎن‪ .‬واﻹﻧﺳﺎن‪-‬ﻣن واﻗﻌﺔ أﻧﻪ ﻳﺗذﻛر‪-‬ﻳﻧﻘذ اﻟﻌﺎﻟم ﺟزﺋﻳﺎ ﻣن‬
‫ﻣﺟرى اﻟﺻﻳرورة اﻟذي ﻳﺟرﻓﻪ‪ ،‬وﻳﻧﻘذ ﻧﻔﺳﻪ ﻣﻌﻪ أﻳﺿﺎ‪ .‬إﻧﻬﺎ ﺗﻧﺗﺞ ﻧظﺎﻣﺎ ﻟوﺟود ﺣﻳن ﻧﻔﻛر ﻓﻲ‬
‫أﻧﻔﺳﻧﺎ وﺣﻳن ﻧﻔﻛر ﻓﻲ اﻟﻛون‪-‬ﻫو ﻧوع وﺳط ﺑﻳن وﺟود اﻷﺟﺳﺎم اﻟﻌﺎﺑرة واﻟوﺟود اﻹﻟﻬﻲ اﻷﺑدي‪.‬‬
‫وﻣﻊ ذﻟك ﻓﺈن اﻹﻧﺳﺎن ﻧﻔﺳﻪ ﻳﻔﻧﻰ ﺗﺣت ﻫذا اﻟﺛﺑﺎت اﻟﻬش ﻟذاﻛرﺗﻪ اﻟذي ﻻﺑد أن ﻳﺳﻘط ﺑدورﻩ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌدم ﻣﺎ ﻟم ﻳﺟﻣﻌﻪ اﷲ وﻳﺛﺑﺗﻪ‪".‬‬

‫)إﺗﻳن ﺟﻳﻠﺳون‪ ،‬اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻣﺳﻳﺣﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ وﺗﻌﻠﻳق إﻣﺎم ﻋﺑد اﻟﻔﺗﺎح إﻣﺎم‪،‬‬
‫اﻟﺗﻧوﻳر‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬ط‪(.2009 ،3.‬‬

‫أﺳﺋﻠﺔ اﻟﺑﺣث واﻟﻔﻬم‪:‬‬

‫‪ -1‬اﺑﺣث‪-‬ي ﻋن اﻟﻣﻘﺻود ﺑﺗﺻورﻧﺎ اﻟﺣدﻳث ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ ﻓﻲ اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ‪-‬ﺗﺎرﻳﺦ‬


‫اﻟﺧﻠق واﻟﺳﻘوط‪-‬إﻣﺑراطورﻳﺔ ﺷﺎرﻟﻣﺎن‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ﺗﺷﻳر اﻟﻔﻘرة اﻵﺗﻳﺔ‪" :‬لقد وضعت املسيحية غاية اإلنسان فيما وراء حدود حياته األرضية الحالية‪،‬‬
‫ء أن يخرج عن نطاق تدب ﺮﻩ وعنايته اإللهية‪.‬‬ ‫وأكدت ي نفس الوقت أن ﷲ الخالق ال يسمح ل‬
‫ء‪-‬سواء ي حياة األفراد أو حياة املجتمعات ال يعت ﺮ‬ ‫ولذلك كان عل ا أن تؤكد كذلك أن كل‬
‫هؤالء األفراد جزءا م ا‪-‬منظم لهذﻩ الغاية ال تعلو ع ى الحياة األرضية‪ ".‬إﻟﻰ ﻣﻔﻬوﻣﻳن ﻓﻠﺳﻔﻳﻳن‬
‫أﺳﺎﺳﻳﻳن‪ :‬اﻟﻌﻧﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻳﺔ واﻟﻐﺎﺋﻳﺔ‪ ،‬اﺑﺣث‪-‬ي ﻋن ﺗﻌرﻳﻔﻬﻣﺎ ﻓﻠﺳﻔﻳﺎ؟‬

‫‪-2‬ﺗﺄﻣﻝ‪-‬ي ﻛﻳف ﻛﺎن ﺳﻳﻧظر ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ إﻟﻰ ﻋﺻرﻫم ﻟو ُﺑﻌﺛوا ﻣن ﺟدﻳد‬
‫ﻟﻳﻌﻳﺷوا ﻋﺻرﻧﺎ اﻟﺣدﻳث؟‬
‫‪-3‬ﻫﻝ ﺗﻌﺗﻘد أن ﺑﺎﻧﻬﻳﺎر اﻟﺗﺻور اﻟﻼﻫوﺗﻲ ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻧﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻳﺔ واﻟﻐﺎﺋﻳﺔ‬
‫ﺗﻧﻬﺎر أﺳس اﻻﻋﺗﻘﺎد ﺑﺎﻟﺣﻘﻳﻘﺔ اﻟدﻳﻧﻳﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ؟‬

‫‪5‬‬

You might also like