Professional Documents
Culture Documents
الفلسفة الغربية 2
الفلسفة الغربية 2
الفلسفة الغربية 2
ﻳﻣﻛن أن ﻧﺳﺗﻬﻝ ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎﺿرات ﻋن اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ اﻟوﺳﻳطﺔ ﺑﺎﻟﺗﺳﺎؤﻝ ﺣوﻝ ﻟﻔظ "اﻟوﺳﻳطﺔ"،
ﻣﻌﻳﻧﺔ ﺑﻳن ﻣرﺣﻠﺗﻳن ،ﻓﻬﻝ ﻛﺎن ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ
وﻫو ﻟﻔظ ﻳد ّﻝ ﻋﻠﻰ ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﺎرﻳﺧﻳﺔ ّ
ﻋﻠﻰ وﻋﻲ ﺑﺄن ﻋﺻرﻫم ﻫو ﻋﺻر اﻧﺗﻘﺎﻟﻲ؟
ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋن ﻫذا اﻟﺳؤاﻝ ،ﻧﺳﺗﻧد إﻟﻰ ﻗراءة وﺗﺣﻠﻳﻝ ﻧص إﺗﻳن ﻫﻧري ﺟﻳﻠﺳون Étienne Henry
Gilsonاﻵﺗﻲ:
" اﻟﻌﺻور اﻟﺗﻲ ﻧﺳﻣﻳﻬﺎ "وﺳطﻰ" أﻋﻧﻲ اﻟﻌﺻور اﻟﺗﻲ ﻧﻧظر إﻟﻳﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ أﺳﺎﺳﺎ ﻣرﺣﻠﺔ اﻧﺗﻘﺎﻝ،
ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ إﻧﻬﺎ ﻟم ﻳﻛن ﻟدﻳﻬﺎ إﺣﺳﺎس ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ﺑﺎﻟطﺎﺑﻊ اﻻﻧﺗﻘﺎﻟﻲ ﻟﻸﻣور
1
اﻟﺑﺷرﻳﺔ ،ﺑﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﺗﻣﺎﻣﺎ ":إن ﺧﺎﺻﻳﺗﻪ اﻟﻌﻣﻳﻘﺔ ﻫﻲ اﻹﻳﻣﺎن ﺑﺛﺑﺎت اﻷﺷﻳﺎء وﻋدم ﺗﻐﻳرﻫﺎ.
وﻗد ﺳﻳطر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺻر اﻟﻘدﻳم-وﻻﺳﻳﻣﺎ اﻟﻘرون اﻷﺧﻳرة ﻣﻧﻪ-ﻓﻛرة اﻻﻧﻬﻳﺎر اﻟداﺋم واﻻﻧﺣﻼﻝ
اﻟﻣﺳﺗﻣر ،أﻣﺎ اﻟﻌﺻور اﻟﺣدﻳﺛﺔ وﻣﻧذ ﻓﺟرﻫﺎ ﻓﻘد ﻛﺎﻧت ﻣﻔﻌﻣﺔ ﺑﺎﻹﻳﻣﺎن ﺑﺗﻘدم ﻻ ﺣد ﻟﻪ ،أﻣﺎ
اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ ﻓﻬﻲ ﻟم ﺗﻌرف ﻻ ﻫذا اﻟﺗﺛﺑﻳط اﻟذي ﻛﺎن ﻋﻧد اﻟﻘدﻣﺎء ،وﻻ ﻫذا اﻟرﺟﺎء اﻟذي
ُو ِﺟد ﻋﻧد اﻟﻣﺣدﺛﻳن .ذﻟك ﻷن اﻟﻣﻔﻛرﻳن ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻌﺻر اﻋﺗﻘدوا أن اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎن داﺋﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو
ﻣﺎ ﻫو ﻋﻠﻳﻪ-وﻫذا ﻫو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ اﻟﻠوﺣﺎت اﻟﺗﻲ رﺳﻣوﻫﺎ ﻣن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻘدﻳم ﺗﺑدو ﻟﻧﺎ ﺳﺎذﺟﺔ ﺟدا-
وﻻ ﺷك أﻧﻬم اﻋﺗﻘدوا أن اﻟﻌﺎﻟم ﺳوف ﻳظﻝ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻧﺣو ﺣﺗﻰ ﻳوم اﻟدﻳﻧوﻧﺔ" ،ورﺑﻣﺎ اﻧﺗﺎﺑﺗﻧﺎ
اﻟدﻫﺷﺔ-وﻟو ﻗﻠﻳﻼ-ﺣﻳن ﻧﻘ أر ﻫذا اﻟﺳﻳﻝ ﻣن اﻷﺣﻛﺎم ﻣﺎ ﻟم ﻧﺿﻊ ﻓﻲ ذﻫﻧﻧﺎ اﻟﻼﻣﺑﺎﻻة اﻟﺗﻲ
ﺳﻳطرت ﻋﻠﻰ ﺑﻌض ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻠﻐﺔ ﺣﻳث ﻳدرﺳون اﻟﻔﻛر ،إذ ﻳﺑدو أﻧﻪ ﻳﻧظرون إﻟﻰ اﻷﻓﻛﺎر ﻋﻠﻰ
أن واﻗﻌﻳﺗﻬﺎ ﻗﻠﻳﻠﺔ .وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻫﻲ ﻟﻳﺳت ﻛﺎﻓﻳﺔ ﻟﻛﻲ ﺗﻛون وﻗﺎﺋﻊ ﺗﻠﻔت ﻧظر اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﺎرﻳﺧﻳﺔ
اﻷﺻﻳﻠﺔٕ ،واذا ﻛﺎن ﻛﻝ ﻣﺎ ﻳﻛﺗﺑﻪ رﺟﺎﻝ اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط ﻳﺟ ﱢﻣﻊ وﻳﺧﺿﻊ ﻟدراﺳﺔ ﻋﻠﻣﻳﺔ دﻗﻳﻘﺔ ﻓﺈن
ﻣﺎ ﻓﻛروا ﻓﻳﻪ ﻳﺧﺿﻊ ﻟﺗﻌﺳف ﻛﺎﻣﻝ ﻻ ﺧﻼف ﻓﻳﻪ.
واﻟﺣﻘﻳﻘﺔ-ﻫﻲ ﻛﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻛﻝ ﻣﺟﺎﻝ آﺧر-ﻫﻲ أﻧﻧﺎ إذا ﻛﻧﺎ ﻧﺑﺣث ﻋن ﺗﺻورﻧﺎ اﻟﺣدﻳث ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ
ﻓﻲ اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ ﻓﺈن ﻋﻠﻳﻧﺎ أن ﻧﻛون ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻳن ﻣن أﻧﻧﺎ ﻟن ﻧﺟدﻩ ٕواذا ﻛﺎن ﻏﻳﺎب ﺗﺻورﻧﺎ
اﻟﺣدﻳث ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ ﻫذا ﻳﻌﻧﻲ ﻏﻳﺎب أي ﺗﺻور ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ ،ﻋﻧدﺋذ ﻓﺈن ﻋﻠﻰ اﻟﻣرء أن ﻳﻛون ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻳن
ﻣن أن اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط ﻟم ﻳﻛن ﻟدﻳﻪ ﺗﺻور ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ.
)(...
وﻳﻛون ﻟﻠﻣرء أن ﻳﻔﺗرض ﺑطرﻳﻘﺔ ﻗﺑﻠﻳﺔ أن اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط ﻛﺎن ﻟﻪ ﺗﺻور ﺧﺎص ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ طﺎﻟﻣﺎ
أن اﻟﻌﻘوﻝ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟودة ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ﻛﺎﻧت ﺗﻌﻳش ﻋﻠﻰ ذﻛرى واﻗﻌﺔ ﺗﺎرﻳﺧﻳﺔ ،أو ﺣﺎدﺛﺔ
وﻳﻧظم ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻳﻬﺎ اﻟﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺳﺎﺑق ﻛﻠﻪ ،وﻳؤرخ اﺑﺗداء ﻣﻧﻬﺎ ﻟﺑداﻳﺔ ﻋﺻر ﺟدﻳد؛ ﺣﺎدﺛﺔ ﻓرﻳدة ﻫﻲ
ﻣوﻟد اﻟﻣﺳﻳﺢ ،وﻳﻣﻛن ﻟﻠرد أن ﻳﻘوﻝ إﻧﻬﺎ ﺗﻣﻳز ﺗﺎرﻳﺧﺎ ﻟﻠّﻪ ﻧﻔﺳﻪ طﺎﻟﻣﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﺑر ﻋن "ﺗﺟﺳﻳد
اﻟﻛﻠﻣﺔ" وﻣﻳﻼد ﻳﺳوع اﻟﻣﺳﻳﺢ ،وﻟم ﻳﻛن رﺟﺎﻝ اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط ﻳﻌرﻓون ﺗﻣﺎﻣﺎ أن اﻟﻳوﻧﺎﻧﻳﻳن ارﺗدوا
2
زﻳﺎ ﻏﻳر زي اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط .وﻣن اﻟﻣﺣﺗﻣﻝ أﻛﺛر أﻧﻬم ﻋرﻓوا ذﻟك وﻟﻛﻧﻬم ﻟم ﻳﻌﻳروﻩ اﻟﺗﻔﺎﺗﺎ؛ ذﻟك
ﻷن اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻲ اﻫﺗﻣوا ﺑﻬﺎ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻳوﻧﺎﻧﻳﻳن ﻗد ﻋرﻓوﻩ وﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﻳؤﻣﻧون ﺑﻪ ،ﺑﻝ أﻛﺛر
ﻣن ذﻟك ﻣﺎ ﻟم ﻳﻛن اﻟﻳوﻧﺎﻧﻳﻳن ﻗﺎدرﻳن ﻋﻠﻰ ﻣﻌرﻓﺗﻪ وﻻ اﻹﻳﻣﺎن ﺑﻪ .ﻓﻔﻲ اﻟﻣﺎﺿﻲ اﻟﺳﺣﻳق-ﺑﻌد
ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺧﻠق واﻟﺳﻘوط – ﻛﺎن ﻫﻧﺎك ﻋدد ﻏﻔﻳر ﻣن اﻟﻧﺎس ﺑﻼ إﻳﻣﺎن وﺑﻼ ﻗﺎﻧون ،ﺛم ﻛﺎن ﻫﻧﺎك
ﺑﻌد ذﻟك ﺑﻘﻠﻳﻝ "اﻟﺷﻌب اﻟﻣﺧﺗﺎر" اﻟذي ﻋﺎش ﺧﺎﺿﻌﺎ ﻟﻠﻧﺎﻣوس Loiواﻟذي ﺳﺎر ﻓﻲ ﺳﻠﺳﻠﺔ
طوﻳﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﻐﺎﻣرات؛ وﻟﻘد ﻛﺎن ﻣﻳﻼد اﻟﻣﺳﻳﺣﻳﺔ أﻛﺛر ﺣداﺛﺔ ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺗوارﻳﺦ اﻟﻣوﻏﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘدم
واﻓﺗﺗﺣت ﻋﻧﺻ ار ﺟدﻳدا ﺗﻣﻳزﻩ ﺑﺎﻟﻔﻌﻝ ﻋدد ﻣن اﻟﺣوادث اﻟﻛﺑرى :ﺳﻘوط اﻹﻣﺑراطورﻳﺔ اﻟروﻣﺎﻧﻳﺔ
ﻋﻠﻰ ﺳﺑﻳﻝ اﻟﻣﺛﺎﻝ ،وﺗﺄﺳﻳس إﻣﺑراطورﻳﺔ ﺷﺎرﻟﻣﺎن .ﻓﻛﻳف ﻳﻣﻛن ﻟﺣﺿﺎرة ﻣﺎ أن ﺗؤﻣن ﺑﺛﺑﺎت
اﻷﺷﻳﺎء ودواﻣﻬﺎ ﺣﻳن ﺗﻛون ﻛﺗﺑﻬﺎ اﻟﻣﻘدﺳﺔ –أﻋﻧﻲ اﻟﺗوراة واﻹﻧﺟﻳﻝ-ﻛﺗب ﺗﺎرﻳﺦ...؟ وﺳوف
ﻳﻛون ﻣن اﻟﻌﺑث أن ﻧﺑﺣث ﻓﻲ ﻣﺛﻝ ﻫذا اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻋﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﺗﻐﻳر ،وﻋﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﻌﻲ ﻣﺛﻝ
ﻫذا اﻟﺗﻐﻳر ،وﻣﻊ ذﻟك ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺳﺗطﻳﻊ أن ﻧﺑﺣث ﻓﻲ ﻛﻳﻔﻳﺔ ﺗﺻورﻩ ﻟﻧﻔﺳﻪ ﻣﺗﻐﻳرا ،أﻋﻧﻲ ﻣن أﻳن
ﺟﺎءٕ ،واﻟﻰ أﻳن ذﻫب ،وﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻧﻘطﺔ اﻟدﻗﻳﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﻳﻌﺗﻘد أﻧﻪ ﻳﺷﻐﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟطرﻳق اﻟذي ﻳﺟري
ﻣن اﻟﻣﺎﺿﻲ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻝ.
ﻟﻘد وﺿﻌت اﻟﻣﺳﻳﺣﻳﺔ ﻏﺎﻳﺔ اﻹ ﻧﺳﺎن ﻓﻳﻣﺎ وراء ﺣدود ﺣﻳﺎﺗﻪ اﻷرﺿﻳﺔ اﻟﺣﺎﻟﻳﺔ ،وأﻛدت ﻓﻲ
ﻧﻔس اﻟوﻗت أن اﷲ اﻟﺧﺎﻟق ﻻ ﻳﺳﻣﺢ ﻟﺷﻲء أن ﻳﺧرج ﻋن ﻧطﺎق ﺗدﺑﻳرﻩ وﻋﻧﺎﻳﺗﻪ اﻹﻟﻬﻳﺔ.
وﻟذﻟك ﻛﺎن ﻋﻠﻳﻬﺎ أن ﺗؤﻛد ﻛذﻟك أن ﻛﻝ ﺷﻲء-ﺳواء ﻓﻲ ﺣﻳﺎة اﻷﻓراد أو ﺣﻳﺎة اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت
اﻟﺗﻲ ﻳﻌﺗﺑر ﻫؤﻻء اﻷﻓراد ﺟزءا ﻣﻧﻬﺎ-ﻣﻧظم ﻟﻬذﻩ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻠو ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻳﺎة اﻷرﺿﻳﺔ.
وﻫذا اﻟﺷرط اﻷوﻝ ﻟﻛﻝ ﻧظﺎم-أﻋﻧﻲ أن ﻳﺗﺟﻪ ﻧﺣو ﻫذﻩ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﻌﻠﻳﺎ .ﻳﻌﻧﻲ أن ﻳﻛون ﻫﻧﺎك ﻓض
ﻣﻧﺗظم ﻟﻠﺣوادث ﻓﻲ اﻟزﻣﺎن ،وﻳﻌﻧﻲ ﻗﺑﻝ ذﻟك ﺑﺎﻟطﺑﻊ أن ﻳﻛون ﻫﻧﺎك زﻣﺎن .وﻟﻳس ﻫذا اﻟزﻣﺎن
إطﺎ ار ﻣﺟردا ﺗﺣدث ﻓﻲ اﻷﺷﻳﺎء وﺗدوم أو ﻫو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻝ ﻟﻳس ذﻟك ﻓﺣﺳب ،إذ ﻣن اﻟﻣؤﻛد أﻧﻪ
أﺳﺎﺳﺎ ﻧﻣط ﻟﻠوﺟود ﻳﻧﺎﺳب اﻷﺷﻳﺎء اﻟﻌﺎرﺿﺔ وﻳﻼﺋﻣﻬﺎ ،ﻟﻛن اﻷﺷﻳﺎء اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺟز ﻋن ﺗﺣﻘﻳق
ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺿر ﻣﺳﺗﻘر .اﷲ ﻫو اﻟوﺟود .وﻟﻳس ﻫﻧﺎك ﺷﻲء ﻳﻣﻛﻧﻪ أن ﻳﺻﺑﺣﻪ اﷲ أو ﻳﺗﺣوﻝ
3
إﻟﻳﻪ ،ﻷﻧﻪ ﻟﻳس ﺛﻣﺔ ﺷﻲء ﻻ ﻳﻛوﻧﻪ اﷲ ،ﻷن اﷲ ﻫو اﻟوﺟود اﻟﻛﺎﻣﻝ ،وﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟﺗﻐﻳر واﻟدﻳﻣوﻣﺔ
ﻟﻳس ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﷲ وﺟود .اﻣﺎ اﻷﺷﻳﺎء اﻟﻣﺧﻠوﻗﺔ ﻓﻬﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﻣﺷﺎرﻛﺎت ﻣﺗﻧﺎﻫﻳﺔ ﻓﻲ اﻟوﺟود
وﻫﻲ ﺷذرات-إن ﺻﺢ اﻟﺗﻌﺑﻳر-داﺋﻣﺎ ﻏﻳر ﺗﺎﻣﺔ .وﻫﻲ ﺗﻌﻣﻝ ﺑﺎﺳﺗﻣرار ﻟﻛﻲ ﺗﻛﺗﻣﻝ وﺗﺣﻘق وﺟودﻫﺎ
اﻟﺧﺎص ،وﻟذﻟك ﺗﺗﻐﻳر .وﻫذا ﻫو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ أن اﻟﻘدﻳس أوﻏﺳطﻳن ﻧظر إﻟﻰ اﻟﻛون ﻋﻠﻰ أن ﻟون
ﻣن أﻟوان اﻟﻔض أو اﻟﺑﺳط اﻟذي ﻳﺣﺎﻛﻲ ﻓﻲ ﺗﺟﻠﻳﺔ اﻟﺣﺎﺿر اﻷﺑدي اﻟﺷﺎﻣﻝ ﻟﺣﻳﺎة اﷲ.
واﻟواﻗﻊ أن ﺣﺎﻟﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻻ ﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﷲ وﻻ ﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻷﺷﻳﺎء ،ﻓﻬو ﻻ ﻳﻧﺟرف ﺑﺑﺳﺎطﺔ ﻓﻲ
ﻣﺟرى اﻟﺻﻳرورة ﻣﺛﻠﻪ ﻣﺛﻝ ﺑﻘﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻔﻳزﻳﺎﺋﻲ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻲ أن ﻳﻘف وﺳط اﻟﺻﻳرورة وﻳدرك
ﺑﺎﻟﻔﻛر ﺗﻳﺎر اﻟﺻﻳرورة ذاﺗﻪ .وذاﻛرﺗﻪ وﻫﻲ ﺗﺳﻣﻊ ﺑﻪ ﺑﺄن ﻳﺳﺗﺟﻣﻊ اﻟﻠﺣظﺎت اﻟﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﻳﻣﻛن
أن ﺗﺳﻘط ﻓﻲ ﻫوة اﻟﻌدم ﺑدون ﻫذﻩ اﻟذاﻛرة ،ﺗﺷﻛﻝ دﻳﻣوﻣﺔ ،ﻛﻣﺎ أن ﺣﺎﺳﺔ اﻹﺑﺻﺎر ﺗﺟﻣﻊ اﻟﻣﺎدة
اﻟﻣﺷﺗﺗﺔ أو اﻟﻣﺑﻌﺛرة ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻣﻛﺎن .واﻹﻧﺳﺎن-ﻣن واﻗﻌﺔ أﻧﻪ ﻳﺗذﻛر-ﻳﻧﻘذ اﻟﻌﺎﻟم ﺟزﺋﻳﺎ ﻣن
ﻣﺟرى اﻟﺻﻳرورة اﻟذي ﻳﺟرﻓﻪ ،وﻳﻧﻘذ ﻧﻔﺳﻪ ﻣﻌﻪ أﻳﺿﺎ .إﻧﻬﺎ ﺗﻧﺗﺞ ﻧظﺎﻣﺎ ﻟوﺟود ﺣﻳن ﻧﻔﻛر ﻓﻲ
أﻧﻔﺳﻧﺎ وﺣﻳن ﻧﻔﻛر ﻓﻲ اﻟﻛون-ﻫو ﻧوع وﺳط ﺑﻳن وﺟود اﻷﺟﺳﺎم اﻟﻌﺎﺑرة واﻟوﺟود اﻹﻟﻬﻲ اﻷﺑدي.
وﻣﻊ ذﻟك ﻓﺈن اﻹﻧﺳﺎن ﻧﻔﺳﻪ ﻳﻔﻧﻰ ﺗﺣت ﻫذا اﻟﺛﺑﺎت اﻟﻬش ﻟذاﻛرﺗﻪ اﻟذي ﻻﺑد أن ﻳﺳﻘط ﺑدورﻩ ﻓﻲ
اﻟﻌدم ﻣﺎ ﻟم ﻳﺟﻣﻌﻪ اﷲ وﻳﺛﺑﺗﻪ".
)إﺗﻳن ﺟﻳﻠﺳون ،اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻣﺳﻳﺣﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﻳط ،ﺗرﺟﻣﺔ وﺗﻌﻠﻳق إﻣﺎم ﻋﺑد اﻟﻔﺗﺎح إﻣﺎم،
اﻟﺗﻧوﻳر ،اﻟﻘﺎﻫرة ،ط(.2009 ،3.
4
ﺗﺷﻳر اﻟﻔﻘرة اﻵﺗﻳﺔ" :لقد وضعت املسيحية غاية اإلنسان فيما وراء حدود حياته األرضية الحالية،
ء أن يخرج عن نطاق تدب ﺮﻩ وعنايته اإللهية. وأكدت ي نفس الوقت أن ﷲ الخالق ال يسمح ل
ء-سواء ي حياة األفراد أو حياة املجتمعات ال يعت ﺮ ولذلك كان عل ا أن تؤكد كذلك أن كل
هؤالء األفراد جزءا م ا-منظم لهذﻩ الغاية ال تعلو ع ى الحياة األرضية ".إﻟﻰ ﻣﻔﻬوﻣﻳن ﻓﻠﺳﻔﻳﻳن
أﺳﺎﺳﻳﻳن :اﻟﻌﻧﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻳﺔ واﻟﻐﺎﺋﻳﺔ ،اﺑﺣث-ي ﻋن ﺗﻌرﻳﻔﻬﻣﺎ ﻓﻠﺳﻔﻳﺎ؟
-2ﺗﺄﻣﻝ-ي ﻛﻳف ﻛﺎن ﺳﻳﻧظر ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ إﻟﻰ ﻋﺻرﻫم ﻟو ُﺑﻌﺛوا ﻣن ﺟدﻳد
ﻟﻳﻌﻳﺷوا ﻋﺻرﻧﺎ اﻟﺣدﻳث؟
-3ﻫﻝ ﺗﻌﺗﻘد أن ﺑﺎﻧﻬﻳﺎر اﻟﺗﺻور اﻟﻼﻫوﺗﻲ ﻟﻠﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻧﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻳﺔ واﻟﻐﺎﺋﻳﺔ
ﺗﻧﻬﺎر أﺳس اﻻﻋﺗﻘﺎد ﺑﺎﻟﺣﻘﻳﻘﺔ اﻟدﻳﻧﻳﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ؟
5