Professional Documents
Culture Documents
M 0013 2018
M 0013 2018
الفرع األول
إعداد
لجنة المناقشة
8102
المقدمة
لقد ترتّب على التطورات العلمية آثا اًر بالغة األهمية في نواحي الحياة المختلفة ،خاصة في المنتصف الثاني
فتوسعت معارف اإلنسان واكتشافاته
من القرن العشرين حيث شهدت طفرة هائلة في مجال التقنيات الحديثةّ ،
في حل ألغاز الكون وأس ارره وقوانينه ما أتاح مجال اإلختيار والحرية أمامه.
وأخطر المجاالت التي اكتسحها اإلنسان وأخضعها لبحثه العلمي وتجاربه ،تلك المتعلقة بالكيان الجسدي
اإلنساني بوصفه مركز التنظيم اإلجتماعي وغايته .فلقد كان الجسم البشري محل اهتمام النظم القانونية
والدينية بوجهات مختلفة ومتفاوتة ،ذلك أن الجسم البشري لم يعرف أي حماية تذكر قبل نشأة المجتمع المنظّم
وظهور القوانين.
وبعد حقبة من الزمن ظهر مبدأ "حق اإلنسان في سالمة جسده" الذي يعتبر من أهم األمور في كل نظام
وهو أمر يواكب الحماية الجزائية والمدنية للوجود اإلنساني ،إذ تعتبر هذه الحماية مظهر من مظاهر المدنية
وتنضوي في إطار فكرة "معصومية الجسد ،والحصانة الجسدية المطلقة التي تحميه خالل حياته وبعد فنائه،
وحظر التعامل في جسم اإلنسان".
موضوع البحث
وبعد استعراضنا ألهم التدخالت الطبية ،سنقف عند عملية نقل الدم البشري من إنسان إلى آخر ،حيث يتمتع
هذا الموضوع بأهمية بالغة على الصعيد القانوني في عالمنا المعاصر إذ يعتبر الدم البشري شريان الحياة
المتجدد ورم اًز لها ولذلك تلعب عملية نقل الدم الى مريض بحاجة إليه دو اًر هاماً في إنقاذ حياته.
ّ المتدفّق،
1
عد من المسلّمات في علم الطب الحديث ،حيث يشهد الواقعآخر وأصبح التداوي فيه واالستشفاء به مسألة ت ّ
نقل ماليين الليترات من الدم سنوياً للمحتاجين إليه وانقاذ آالف األرواح من الهالك.
أهمية البحث
تلعب عمليات نقل الدم دو اًر هاماً في إنقاذ حياة المريض ،ومن هنا تبرز أهميتها ،فأثارت اهتمام الجميع من
أشخاص عاديين وجمعيات وأطباء وقانونيين وفقهاء ،وأصبحت مجاالً خصباً للمؤتمرات الطبية والفقهية
التطور الحاصلّ ،إال أن هذه العملية قد ترتِّب أض ار اًر تلحق بطرفيها
ّ وكذلك القانونية .خاصة وبالرغم من هذا
على حد سواء ،لذا نجد أن التشريعات العربية واألجنبية تحاول ايجاد اطار قانوني لعملية نقل الدم ودراسة
المسؤولية عن األضرار المترتبة عنها.
صعوبات البحث
تعتبر قلّة المراجع المتخصصة في هذا المجال ،ال بل ندرتها ،ال سيما في لبنان ،أبرز الصعوبات التي
صعب عليه مهمة الحصول على المعلومات الالزمة.
تواجه الباحث ،مما ي ّ
اإلشكالية
ينصب هذا البحث على عملية نقل الدم البشري والمسؤولية المترتبة عنها ،األمر الذي يطرح اإلشكالية
التالية :أمام كل هذا التطور الحاصل ما هي الطبيعة القانونية لعملية نقل الدم وما شروط قيام المسؤولية عن
األضرار الناتجة عنها ؟
ويتفرع عن هذه اإلشكالية عدة أسئلة :ماهية عملية نقل الدم ؟ ما مدى مشروعية نقل الدم في القانون وفي
ّ
التصرفات القانونية الواردة على الدم وهل يصلح هذا األخير أن يكون محال
ّ الشريعة اإلسالمية؟ ما هي
للتعاقد أم أنه خارج عن دائرة التعامل؟ ما هي الشروط الواجب توفرها النعقاد المسؤولية المدنية ؟ ما األساس
القانوني لها ؟ و هل األركان المطلوبة لقيام المسؤولية طبقاً للنظرية العامة كافية لقيام المسؤولية عن
عمليات نقل الدم؟ ما هي آثار هذه المسؤولية ؟ هل من امكانية لتطبيق القواعد العامة للتعويض على
عمليات نقل الدم؟ من هم المستحقون للتعويض وكيفية تقدير هذا األخير؟ ما موقف المشرع اللبناني منها؟
2
هذه األسئلة وغيرها ،سنحاول جاهدين ايجاد األجوبة الالزمة ،من خالل إعتماد التقسيم الثنائي:
القسم األول :الطبيعة القانونية لنقل الدم البشري.
القسم الثاني :المسؤولية المدنية عن عمليات نقل الدم.
المناهج المعتمدة
وستتم المعالجة من خالل اعتماد المناهج الثالث ،اإلستقرائي ،التحليلي والمقارن
3
القسم األول :الطبيعة القانونية لنقل الدم البشري
يعتبر الدم من مقومات الحياة األساسية ،ويلعب دو اًر هاماً على الصعيد العلمي والطبي ،وكذلك على الصعيد
القانوني نظ اًر للحاجة الماسة إليه في الكثير من الحاالت ،إذ تدعو الحاجة إلى نقله إلى شخص مريض
التطرق إلى الطبيعة القانونية لعملية نقل
ّ إلسعافه وتنجيته من الهالك ،ونظ اًر ألهميته هذه أصبح من الضرورة
الدم البشري ،لذلك سيتم معالجة ماهية هذه العملية في الفصل األول من هذا القسم ،وفي الفصل الثاني سيتم
البحث في شروطها.
وما يتوجب معرفته في هذا الفصل ماهية عملية نقل الدم ،لذلك سيتم معالجة مفهوم الدم وأهميته في المبحث
األول ،والتطرق في المبحث الثاني منه إلى مشروعية هذا النوع من العمليات.
4
أوالً :طبيعة الدم
2
يعرفه علماء الطب بأنه
يع ّرف الدم لغةً بأنه سائل أحمر يسري في عروق اإلسان والحيوان ،واصطالحاً ّ
نسيج متكون من خاليا وبالزما.
وعرفه القاموس الطبي " :الدم مادة حادة حية ،سالة ،تجري في األوعية تغذي أنسجة الجسم وتزوده بالمواد
ّ
الغذائية واألكسجين الالزمين لعملية األيض وينقل الفضالت إلى األعضاء المسؤولة على طرحها".
« Le sang est un élément vivant, liquide, circulant dans les vaisseaux et irriguant
les tissus de l’organisme, auxquels il apporte les substances nutritives et l’oxygene
nécessaires au métabolisme et dont il recueille les déchets pour les emporter vers
les organes qui les éliminent »2
3
يتميز
عرفه بأنه عضو من أعضاء جسم اإلنسان مثله مثل باقي أعضاء الجسم ولو أنه ّ
والبعض اآلخر ّ
بخاصية السيولة.
وبالتالي من المالحظ وجود اختالف في التعريف بين فقهاء الطب حول امكانية اعتبار هذا السائل (الدم)
عضو أم ال ،وهذا االختالف انتقل إلى فقهاء القانون والشريعة حول اعتباره عضو أم نسيج ومدى انعكاس
المفهوم على اآلثار القانونية المترتبة عنه ،فهناك من اعتبر أنه عضواً من أعضاء جسم اإلنسان على الرغم
من كونه سائالً ،9في حين اعتبر البعض اآلخر أنه من غير المنطقي تعريفه على أنه عضو مستدالً لذلك
التعريف اللغوي للعضو بأنه "كل لحم وافر بعظمه" ،ووفقاً لذلك ال يعتبر الدم عضو.5
ومهما اختلفت اآلراء حول تحديد طبيعة الدم فإنها متفّقة على مدى أهميته إذ يستحيل استبداله بمادة أخرى،
وعلى أنه السائل األحمر المحتوي على كافة ما يتطلّبه الجسم من وسائل الحياة.
يتجدد من تلقاء
التجدد ،فهو ّ
ّ يميز الدم خاصية قد ال تتوافر في بقية أعضاء الجسم أال وهي صفة وأهم ما ّ
نفسه ،فإذا فقد اإلنسان بعضاً من دمه ،فإنه يجد تعويضاً لما فقد ،وطبيعة الدم الحركة وليس السكون ،فهو
1مجمع اللغة العربية ،المعجم الوسيط ،،الطبعة الرابعة ،مكتبة الشروق الدولية ،مصر ،4002 ،ص 492
2
Le petit Larousse de la médicine, Edition Larousse, France, 2010, p 862
3محمد عبد الظاهر حسين ،مشكالت المسؤولية المدنية في مجال نقل الدم ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر،1991 ،
ص 11
2محمد علي الباز ،الموقف الفقهي واألخالقي من قضية زرع األعضاء ،دار القلم للنشر والتوزيع ،الطبعة األولى ،دمشق،
سوريا ،1992 ،ص 143
1منذر الفضل ،التصرف القانوني في األعضاء البشرية ،دار الشؤون الثقافية العامة ،وزارة الثقافة واإلعالم ،الطبعة األولى،
بغداد ،العراق ،1990 ،ص 11
5
يجري في أوردة الجسم وشعيراته ويقوم من خالل هذه الحركة بمهام تديم الحياة وال يوجد بديل للدم بغيره ،وال
يمكن الحصول عليه إال من إنسان.
ويمكن تعريف الدم بأنه عبارة عن سائل يتكون من خاليا تقسم إلى ثالثة مجموعات -كريات الدم الحمراء،
كريات الدم البيضاء والصفائح الدموية -والبالزما.
تقسم الخاليا إلى ثالث مجموعات :كريات الدم الحمراء ،كريات الدم البيضاء والصفائح الدموية.
المكونة للدم ،حيث تمثّل نسبة 44بالمئة من خاليا الدم ،وهي دائرية
ّ تش ّكل الكريات الحمراء أغلبية الخاليا
الشكل مضغوطة من الجانبين ،تفقد نواتها بعد مدة من تكوينها ،2تحتوي على الهيموغلوبين
( )Hémoglobineالمسؤول عن إضفاء الصبغة الحمراء على الدم.
تتكون كريات الدم الحمراء في نخاع العظم بمعدل عشرة ماليين في الساعة وتبقى في الجسم مدة 211يوم،
ّ
ويختلف عددها في جسم اإلنسان على حسب اختالف جنس هذا األخير.
تعمل على توزيع األوكسيجين على أعضاء وأنسجة الجسم والتخلّص من ثاني أوكسيد الكربون عن طريق
الزفير.
تعتبر من الخاليا الثابتة إلى جانب الكريات الحمراء إذ أنها أكبر حجماً منها وأقل عدداً ،هي عديمة اللون
ذات شكل غير ثابت ،1تتولد في نخاع العظم كما الكريات الحمراء ،مدة حياتها بين األسبوعين والثالث،
وسميت بالبيضاء ألنها عندما تفصل عن بقية الخاليا تشكل طبقة مكثفة بيضاء نتيجة انعكاس اللون ،فتظهر
تحت المجهر باللون األبيض.
1
Myriam Marolla, Francois Lefrere, Richard Traineau, Hematologie, Transfusion
sanguine et soins infirmiers, Lamarre, 4ème Edition, 2008, p 07
4محمد جالل حسن األتروشي ،المسؤولية المدنية الناجمة عن عمليات نقل الدم ،الطبعة األولى ،دار الحامد للنشر والتوزيع،
عمان ،األردن ،ص 41
6
تتولّى مهمة الدفاع عن جسم اإلنسان ضد األجسام الغريبة والدخيلة ،فتهاجم الجراثيم والميكروبات فتش ّكل
مخصصاً.
ّ جيشاً دفاعياً
وهي عبارة عن أجسام صغيرة ودقيقة ،عديمة النواة واللون ،مختلفة األحجام واألشكال ،مدة حياتها ال تزيد
على أسبوع واحد.
تساهم بتجميد الدم في حالة الجرح وايقاف النزيف ( )L’hémostaseفتلعب دور أساسي في عملية تجلّط
وتخثّر الدم ،فتتفاعل هذه الصفائح مع مواد كيماوية موجودة في الدم مما يؤدي إلى إنتاج ألياف طويلة تعمل
على سد الجروح وتساعد على الشفاء.2
يعتبر البالزما سائل شفاف أصفر يشكل نصف حجم الدم تقريباً ،يشكل الماء منه حوالي 41بالمئة ،وما
تبقى عبارة عن مواد بروتينية ،سكرية ،دهنية وأمالح وبعض المواد الكيماوية المذابة.
تعمد على نقل اإلشارات بين األعضاء والمخ بطريقة كيماوية كاالستجابة للعطش ،الجوع ،الخوف والنعاس،
كما يقوم البالزما بحمل المواد الغذائية من األمعاء إلى أعضاء الجسم ونقل نواتج الهضم واالحتراق إلى
أجهزة اإلخراج لطرح الفضالت ،كما يشترك مع الكريات الحمراء في تحديد فصائل الدم حيث يحمل كل
منهما نصف الصفات الدالة على فصيلة الدم.
تقوم الكريات الحمراء بنقل األوكسيجين لكافة أنحاء الجسم عن طريق تخلّي األوكس هيموكلوبين عن
األوكسيجين ويعود ثانياً هيموكلوبيناً نقياً وهكذا.
.1نقل الغذاء
.3توفير الطاقة
مصغر للطاقة كالزالليات واألمالح والسكريات ،فيقوم بتعويض هذه المواد عند نفاذها.
ّ يعتبر الدم مخزن
يساعد في حفظ توازن الماء في الجسم ،ذلك من خالل حمله للماء الزائد إلى أجهزة اإلخراج بحيث يكون
هناك اتزان بين ما يحصل عليه الجسم من ماء عن طريق الشرب والطعام ،وبين ما يفقده عن طريق البول
والعرق.2
يتولّى الدم تنظيم درجة ح اررة الجسم بما يتناسب وحاجة أعضائه ،فيقوم بامتصاص الح اررة من األعضاء
الداخلية والعضالت وأثناء انتقاله منها إلى األعضاء الخارجية وتحت الجلد يمكن للجسم التخلص منها.1
يقوم الدم ،من خالل كريات الدم البيضاء ،كما سبق وذكرنا ،بمهاجمة الجراثيم والمكروبات الداخلية للجسم
من خالل إنتاجه األجسام المضادة التي تقوم بدور أساسي في حماية الجسم ووقايته من األمراض.
يقوم الدم ،من خالل كريات الدم الحمراء ،بنقل ثاني أوكسيد الكربون CO2إلى الجهاز التنفسي ،إذ أنها
تقوم بنقل األوكسيجين من الرئتين إلى أنحاء الجسم؛ وفي طريق عودتها تنقل ثاني أوكسيد الكربون الناتج
عن عملية اإلحتراق إلى الرئتين ثم إلى خارج الجسم عن طريق الزفير.
.8تنظيم اإلستقالب
1زهدور كوثر ،المسؤولية المدنية عن عمليات نقل الدم في التشريع الجزائري مقارناً ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في
القانون الخاص ،جامعة وهران ،الجزائر ،4013-4014 ،ص 111
4حمد سلمان سليمان الزيود المسؤولية المدنية عن عملية نقل الدم الملوث ،دراسة مقارنة ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
مصر ،4009 ،ص 42
8
يقوم الدم بنقل وحمل األنزيمات من أماكن تصنيعها إلى بقية أعضاء الجسم وذلك من أجل عمليات البناء
والهدم (االستقالب).
.2اللون
يميز الدم لونه األحمر ،وذلك بسبب وجود الخضاب الذي يضفي على الدم هذا اللون ،وتختلف يعتبر أهم ما ّ
درجة لون الدم في الشرايين عنه في األوردة ،ففي الشرايين يكون لونه أحمر فاقع لوجود األوكسيجين فيه ،أما
في األوردة فيكون لونه أحمر غامق لوجود ثاني أوكسيد الكربون فيه.
.1الكثافة
وتعتمد على وجود المواد المنحلة في البالزما مثل كريات الدم الحمراء والبروتينات ،وهي تتراوح لدى الرجال
بين 2،157و 2،167غم 211/سم 3و لدى النساء بين 2،152و 2،162غم 211/سم.3
.3اللزوجة
تعتبر هذه الخاصية عامالً من العوامل المؤثرة على حفظ الدم ،تنتج عن احتكاك الدم بجدران األوعية
الدموية ،هي للرجال 9،7وللنساء ،9،3يعتمد مقدارها على البروتينات الموجودة في البالزما وباألخص
الفيبرفيوجين.2
تكون ح اررة الدم ثابتة في الجسم مع إمكانية وجود اختالف بسيط من عضو إلى آخر حسب الحاجة لقيام
الجسم بوظائفه الرئسية.
تميل هذا الكثافة إلى أن تكون قاعدية ،أي اعتبار الدم محلوالً قاعدياً وهي تساوي في الشرايين 7،3وفي
األوردة ،7335أما داخل الخلية الجسدية فهي تساوي بين 7و 7،1بسبب وجود ثاني أوكسيد الكربون.
قبل القرن العشرين ،كان اإلعتقاد السائد بأن الدم نوع واحد لذلك كانت نهايات معظم عمليات نقل الدم
مأساوية ،فإعطاء أحد األشخاص دم مغاير لفصيلته وغير متناسب مع فئة دمه قد يؤدي إلى حدوث رد فعل
مناعي قاتل.
وفي عام ،2412قام العالم النمساوي كارل الندشتاينر بالبحث عن السبب الكافي في الوفاة الناتج عن
عمليات نقل الدم وتم ّكن من اكتشاف فصائل الدم بواسطة خلط البالزما لشخص ما مع كريات الدم الحمراء
تجمعاً لهذه الكرات والتصاقها مع بعضها في حاالت ،وعدم التصاقها في حاالت أخرى.
لشخص آخر فوجد ّ
ونتيجة لذلك قام بتقسيم الدم البشري إلى ثالث فصائل ،ويعتبر هذا اإلكتشاف ثورة في علم الطب الحديث
استحق عليه الندشتاينر جائزة نوبل للطب عام ،2431ومن ثم في 2411تمكن العالمان فون دي كاستلو
وستورلي من اكتشاف فصيلة رابعة مما أدى إلى نجاح عمليات نقل الدم دون أضرار أو مضاعفات.
تتميز كرياتهم
ولكل شخص فصيلة من إحدى فصائل الدم األربعة ،واألشخاص المنتمين لذات الفصيلة ّ
تميزهم عن اآلخرين.الدموية الحمراء بصفة مشتركة ّ
يتحدد نظام الفصائل باألجسام المستضدة ) (Les Antigènesالموجودة بالكريات الدم الحمراء وباألجسام
المضادة ).(Les anticorps
.2الفصيلة : Aيعتبر دم اإلنسان منها إذا احتوت كريات الدم الحمراء على المستضد Aوبالزما الدم
على المضاد .B
.1الفصيلة : Bينسب الدم إلى هذه الفصيلة عند احتواء كرياته الحمراء على المستضد Bوبالزما الدم
على المضاد .A
.3الفصيلة : ABيعتبر دم اإلنسان منها إذا تواجد في كرياته الحمراء نوعي المستضدات Aو ،B
وخلو بالزما الدم من أي من المضادات.
.9الفصيلة : Oعلى عكس فصيلة ال ،ABكي يعد الدم البشري من هذه الفصيلة يجب خلو كريات
الدم الحمراء من المستضدات واحتواء البالزما على نوعي المضادات Aو .B
أهمية معرفة هذه الفصائل تكمن بوجوب التوافق التام بين دم المنقول منه أي المعطي ) (le donneurودم
المنقول إليه أي المتلقي ) ،(le récepteurوذلك الختالف التركيب الكيميائي للدم من شخص إلى آخر،
ومن ثم فإن اجراء فحص الدم وتحديد فصيلته بدقة وعناية شرط أساسي قبل القيام بعملية نقل الدم ،لدرء
الخطر الذي قد يؤدي إلى الموت.
وتجدر اإلشارة إلى أنه بفضل أبحاث وراثة الفصائل الدموية ،تم التعرف على هوية المواد الموجودة في خاليا
عرفها الندشتاير ،وتبين أنها مواد كربوهيدراتية ،وال توجد أي فصيلة فيسيولوجية لهذه المواد .فال
الدم والتي لم ي ّ
يوجد فصيلة دم أفضل من األخرى ،فانتماء دم أحد األشخاص إلى فصيلة Aال يعد أفضل من انتماء دم
شخص آخر إلى فصيلة ABأو Oأو .Bفاألهمية الوحيدة لهذه الفصائل تكمن بوجوب أخذها بعين
اإلعتبار عند إجراء نقل دم.1
1
Dr Slimane Mohamed IH/distri EFS Dijon, Etablissement Francais du sang, le lien
entre la générosite des donneurs de sang et les besoins des malades, pubilé sur le site
www.ifsidijon.info, p 19
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 44
11
مقدم والمتلقّي،
بداية ،قد يحدث خطأ في عملية حقن الدم ،وهذا النوع من األخطاء قد يطال أحد الطرفين ،ال ّ
نتيجة لعدم مراعاة التشريعات المنظّمة لعملية نقل الدم ،خاصة الشروط المتعلقة بنظافة وسالمة األدوات
المستعملة فيها.
حددت معظم التشريعات الشروط الواجب توفرها في أطراف عملية نقل الدم (وهذا ما
بمقدم الدمّ ،
ففيما يتعلّق ّ
سيتم بحثه بطريقة مفصلة في الفصل الثاني من هذا البحث) ،ومن ضمن هذه التشريعات التشريع اللبناني إذ
المصدق بالمرسوم رقم 23531تاريخ ،1119/21/21فيّ حدد قانون إنشاء وتنظيم ومراقبة مراكز نقل الدم
ّ
مقدمي الدم وكيفية أخذه وحفظه وتدوينه وتصنيفه.
الفصل الثالث منه ،الشروط الواجب توافرها في ّ
فاشترط أن تتم هذه العملية تحت إشراف الطبيب صاحب اإلجازة ،المسؤول عن مركر نقل الدم وعلى
2
مقدم الدم عن ثماني عشر سنة وأال يزيد عن ستين سنة ّإال في حال مسؤوليته ،كما يجب أال يقل عمر ّ
تطبق المعادلة التالية
موافقة الطبيب المسؤول عن المركز ،وأال يقل وزنه عن خمسين كيلوغراماً واذا ق ّل وزنه ّ
تتعدى كمية الدم المسحوب عن 951ميليلت اًر.1
المتبرع * ،)951/51ويجب أال ّ
ّ (وزن
مقدم الدم بصحة جيدة خالية من جميع األم ارض المعدية ،واألمراض
أضف إلى ذلك ،يجب أن يتمتع ّ
المتناقلة جنسياً ،وأال يكون قد أصيب بمرض المالريا أو أي مرض آخر يمكن أن ينقل بواسطة الدم ،وال
يجوز أخذ الدم من ذات الشخص أكثر من مرة واحدة كل شهرين وال من األنثى الحامل إال بعد انقضاء سنة
على وضعها.3
ستتسبب عملية نقل الدم بحدوث مضاعفات صحية ،األمر الذي يتعارض
ّ وفي حال اإلخالل بهذه الشروط،
مقدم الدم إلى أي خطر كان.
ويتنافى مع المبادئ التي تقوم عليها والتي تحرص على عدم تعريض صحة ّ
أما فيما يتعلّق بمتلقّي الدم ،قد يتم حقنه بدم من فصيلة مختلفة عن فصيلة دمه مما يؤدي إلى رفض الجسم
عبر عنه
لهذا الدم ومهاجمته مما يتسبب في التحلّل السريع للدم " ،"esylomEمما يؤدي إلى وفاة المتلقّي وي ّ
طبياً بعدم تالؤم فصيلة الدم " ،"Incompabilité sanguineمع العلم أن هذا النوع من الحوادث نادر
التثبت من مالءمة فصيلتي الدم ،وسيلقى المتلقي نفس المصير في حالة حقنه
الوقوع ألن الطبيب من واجبه ّ
بدم فقد صالحيته لسبب من األسباب.
المقصود بذلك العدوى الفيروسية ،التي تنتج عن نقل الدم من شخص مصاب بمرض إلى شخص آخر سليم
منه ،إذ أنه من المتعارف عليه علمياً أن الدم يعتبر من أهم الوسائل لنقل األمراض المعدية والمختلفة،
وتتفاوت خطورة هذه األم ارض ووسائل عالجها والشفاء منها.
ومن األمراض المتنقلة عبر الدم ،الزهري ،Syphilisالمالريا ،Malariaاإللتهاب الكبدي الفيروسي
،L’hépatite viraleومرض فقدان المناعة المكتسبة ،SIDAوغيرها من األمراض ،و سنقتصر على
النوعين األخيرين لكونهما من أخطر األمراض المنتقلة عبر الدم وألن اإلصابة بأحدهما تعني الموت
المحقق.2
وهو عبارة عن نشوء حالة التهابية في نسيج الكبد نتيجة لعدوى فيروسية ،فهو فيروس يصيب الكبد من شأنه
تعطيل وظائفه ،إذ من أهم وظائف الكبد هي تخليص الجسم من الفضالت عن طريق دفعها إلى أعضاء
وتسبب األضرار لخاليا الكبد.
تسببها الفيروسات ّ
اإلخراج ،ويعتبر هذا المرض من األمراض المعدية التي ّ
يتميز بارتفاع ح اررة الجسم ،الصداع ،اإلضطرابات المعدية وفقدان الشهية ،وقد ينجم اإللتهاب الكبدي عن
ّ
عدة عوامل مثل استهالك مفرط للكحول ،عالج دوائي دون وصفة طبية ،تناول األطعمة الملوثة ،..ومن أجل
التعرض للفيروس نتيجة نقل دم مصاب بالعدوى ،تقوم المستشفيات باجراء فحوصات
تقليص خطر ّ
واختبارات عديدة من أجل نفي احتمال وجود الفيروس في وجبات الدم المقدمة للمرضى.
وقد أمكن تحديد ثمانية فيروسات ظهرت حتى اآلن منها ما ينتقل عبر الفم ،مثل الفيروس الكبدي (VH) A
ومنها ما ينتقل عبر الدم مثل ” “(VH) B-C-D-Gالتهاب الكبد وناد اًر فيروس ،hiVويتم انتقال هذا
الفيروس عن طريق نقل الدم ومشتقاته ويتم ذلك إذا تم حقن شخص ما دم من شخص مصاب أو حامالً
للفيروس .وسنعرض بصورة مختصرة لثالثة أنواع منه:
1سارة دانون ،المسؤولية المدنية عن حوادث نقل الدم ،مذكرة مقدمة الستكمال شهادة ماستر أكاديمي ،قسم الحقوق ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة قاصدي مرباح ،ورقلة ،الجزائر ،4013-4014 ،ص 14
13
أ -اإللتهاب الكبدي A
سبق وذكرنا أعاله أنه من الفيروسات التي تنتقل عبر الفم ،وليس الدم ،ويعد أقل اإللتهابات الكبدية خطورة،
يسبب له اضطرابات عدة .ينتشر هذا النوع من الفيروس لدى
ألنه ال يؤدي إلى تلّيف نسيج الكبد وان كان ّ
األطفال وفي البيئة الفقيرة.
ينتقل هذا النوع من اإللتهاب ،على عكس النوع المذكور أعاله ،عبر الدم ويتسم بخطورته الشديدة على الكبد
تليف كامل للكبد ،وبالتالي فشله عن القيام بوظائفه ،مما ينتج عنه ما يطلق عليه بالغيبوبة
كونه قد يؤدي إلى ّ
الكبدية والتي قد تودي بحياة المريض ،وتمتد حضانة هذا المرض من سبعة إلى خمسة عشر أسبوعاً ،ومن
الممكن التعرف على وجوده بالدم من خالل اختبار معين يتم إجراؤه يكشف عن وجود مولدات األضداد
المسبب لهذا
ّ ( )antigeneفي دم المريض .وعلى الرغم من عدم وجود عالج فعال للقضاء على الفيروس
المرض ،إال أنه يوجد لقاح ضد العدوى به.
يشترك هذا النوع من اإللتهاب مع اإللتهاب الكبدي Bمن حيث تأثيره الضار على الكبد ،إال أن خطورته
تكمن في عدم وجود عالج أو حتى لقاح ضد العدوى بالفيروس المسبب له ،وتمتد فترة الحضانة من
أسبوعين إلى ستة وعشرين أسبوعاًـ ويتم التعرف على وجوده بالدم من خالل اختبار خاص يكشف عن وجود
األجسام المضادة للفيروس المسبب له .ويلقى حوالي 711111شخص حتفهم سنوياً بسبب أمراض الكبد
المرتبطة بهذا النوع من اإللتهاب الكبدي.2
وهناك فئات من الناس تعد أكثر عرضة لإلصابة باإللتهاب الكبدي 1وهم:
-األشخاص المقيمون في مناطق منتشر فيها هذا المرض مع وضع صحي سيء.
-المرضى الذين ينقل إليهم الدم بكميات كبيرة كمرضى فقر الدم الهيموفيليا والثالسيميا.
-الكوادر الصحية في المستشفيات كاألطباء والمختبرات كالفنيين.
1تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية ،منقول عن موقعها اإللكتروني ،وفق الرابط التالي:
/http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs164/ar
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 31
14
فلقد وجدت نسبة عالية من المصابين به عند العاملين في بنوك الدم واألطباء والممرضات والمساعدين
المخبريين ،إذ أن التعرض للفيروس يحدث عند اإللتماس مع الدم والسوائل األخرى للبدن بواسطة المقصات
وألبسة الجراحين والشراشف والقساطر واآلالت الجراحية والقفازات ،خاصة بعد العمل الجراحي.
هو عبارة عن مرض فتاك يصيب الجهاز المناعي لجسم اإلنسان ،فيقضي عليه أو يجعله عرضة لألمراض
المهددة
ّ ويتكون جهاز المناعة من عدة خاليا وظيفتها األساسية مقاومة األمراض المعدية
ّ واألورام السرطانية،
لجسم اإلنسان وان فقدان هذه المناعة قد يؤدي في أغلب األحيان إلى الفتك بصاحبه.2
يقوم هذا الفيروس بمهاجمة كريات دم بيضاء معينة ،والتي تؤدي دو اًر هاماً في وظيفة جهاز المناعة ،فيتكاثر
هذا الفيروس داخلها مما يؤدي إلى تحطيم الوظيفة الطبيعية في جهاز المناعة .فيصبح هذا الشخص أكثر
عرضة لإلصابة بأمراض جرثومية معينة قد ال يصاب بها الشخص بالحاالت العادية.
أهم ما يميز هذا الفيروس أنه يمر بمرحلة صامتة ،أي قد يكمن في جسم الشخص لعشر سنوات أو أكثر
دون ظهور عوارض للمرض .كما أن أغلب مرضى السيدا يظهر لديهم أعراض مصاحبة ألمراض أخرى أقل
خطورة منه ،وبوجود هذه العدوى تطول أعراضه وتصبح أكثر حدة ،فتشمل تضخم الغدد اللمفاوية وتعب
شديد ،وحمى وفقدان الشهية ،فقدان الوزن ،اإلسهال والعرق الليلي ،والتهاب اللثة ،قرح الفم ،والعلل الجلدية
وتضخم الكبد والطحال.
ومن خصائص فيروس السيدا مهاجمة الخاليا اللمفاوية التائية والتي تقوم بمساعدة خاليا البالزما على إنتاج
األجسام المضادة وان توقف هذه الخاليا عن العمل ينتج عنه انهيار الجهاز المناعي بأكمله ،مما يؤدي إلى
الموت الحقيقي للمريض.
1عبد الهادي مصباح عبد المهدي ،اإليدز بين الرعب واالهتمام بالحقيقة ،دار المصرية اللبنانية ،القاهرة ،مصر،1993 ،
ص1
15
اإلتصال الجنسي مع شخص مصاب بالعدوى أو المرض.
األم المصابة بالعدوى إلى جنينها أثناء الحمل أو وليدها بعد الوالدة.
نقل بعض أعضاء أو أنسجة شخص مصاب.
الوشم بأدوات ملوثة بالفيروس.
الدم حيث ينتقل عند نقل الدم أومشتقاته أو باستعمال اإلبر وغيرها من األدوات الثاقبة للجلد ،والتي
تكون ملوثة بالدم المحتوي على الفيروس كما يحدث مع مدمني المخدرات أو الرياضيين الذين
يستعملون المنشطات.
وتجدر اإلشارة أنه خالفاً للمعتقدات السائدة ،ال ينتقل فيروس السيدا عبر الممارسات اإلجتماعية غير
الجنسية ،مثل اإلنتقال عبر الغذاء أو الهواء أو الماء أو الحشرات أو حتى المالمسة ،ولم تظهر أي حالة
سيدا نتيجة المشاركة في استعمال أدوات المطبخ أو المشاركة في الغرف أو دورات المياه.2
لم يتمكن الباحثون وعلماء الطب ،على الرغم من األبحاث المكلفة والباهظة من ايجاد عالج لهذا المرض
الفتاك ،وال حتى تطوير لقاح فعال ضده ،لكن تبقى الوقاية خير من قنطار عالج ،وبالتالي هنالك طرق
بسيطة وفعالة للوقاية من المرض ،وتعتبر هذه الوقاية أهم من أي لقاح يمكن اكتشافه ،تتمثّل هذه الطرق
كتجنب تعاطي المخدرات والمنشطات ،وعدم إقامة عالقات جنسية من دون وقاية،
المسببات ّ
ّ بتجنب أي من
ّ
وتفعيل مسؤولية المؤسسات الصحية العامة والخاصة من أجل ضمان سالمة الدم المنقول.
وقد ينقل الدم كامالً بجميع مكوناته وهو ما يعرف بعملية نقل الدم الكامل ،أو يتم نقل أحد مكوناته فقط من
كريات حمراء أو بيضاء أو صفائح دموية حسب الحالة المرضية وما تطلبه عملية عالجها وهذا ما يعرف
بعملية نقل الدم الذاتي ،األمر الذي يوجب تحديد حاجة المريض تحديداً دقيقاً العطائه ما هو بحاجة إليه.1
وفي هذا المبحث سنتناول في الفقرة األولى منه أساس مشروعية نقل الدم في القانون ،وفي الفقرة الثانية
سنتطرق إلى أساس مشروعيته في الشريعة اإلسالمية.
وبالتالي تفتح عمليات نقل الدم مجاالً جديداً للبحث القانوني ،مما يدفع علماء القانون إلى التعاون مع علماء
الطب من أجل تبيان أساسها القانوني.
ومن هذا المنطلق ،برزت نظريتان ،األولى حالة الضرورة كأساس قانوني تقليدي إلباحة ممارسة األنشطة
الطبية ،والثانية المصلحة اإلجتماعية كسند قانوني لعملية نقل الدم بالنسبة للمتبرع.
1حسام الدين كامل األهواني ،المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع األعضاء البشرية ،مجلة العلوم القانونية
واإلقتصادية ،العدد األول ،السنة السابعة عشر ،القاهرة ،مصر ،1911 ،ص 21
4أحمد شوقي عمر أبو خطوة ،القانون الجنائي والطب الحديث :دراسة تحليلية مقارنة لمشروعية نقل وزرع األعضاء
البشرية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،1921 ،ص 31
3حبيب نمور ،حالة الضرورة والدفاع المشروع في القانون المدني ،الطبعة األولى ،غير مذكور دار النشر ،1929 ،ص
11
4
N'est pas pénalement responsable la personne qui, face à un danger actuel ou
imminent qui menace elle-même, autrui ou un bien, accomplit un acte nécessaire à la
sauvegarde de la personne ou du bien, sauf s'il y a disproportion entre les moyens
employés et la gravité de la menace.
18
أما المشرع المدني اللبناني ،في قانون الموجبات والعقود ،لم يذكرها بهذا الوضوح ،إنما من الممكن اعتبار
يعزز رأينا هذا أن حالة الضرورة في القانون العقوبات اللبناني
حالة الضرورة تنضوي ضمن القوة القاهرة ،وما ّ
قد وردت ضمن فصل القوة القاهرة ،كما أن بعض مواد قانون م.و ع .قد أشارت إليها بطريقة غير مباشرة،
أهمها تلك المتعلقة بالفضولي ،إذ أن المادة 256منه إعتبرت أن من واجب الفضولي العناية بعمله عناية
األب الصالح ،إال أنه ال يلزم إال بمثل العناية التي يصرفها إلى أشغاله الخاصة في حالتين ،األولى حين
يكون تدخله إلتقاء ضرر جسيم قريب الوقوع كان يهدد رب العمل ،والثانية حين يكون وريثاً متمماً لعمل بدأ
به مورثه.
تتسم بقدر من
كما أن العمل الطبي بشكل عام ،يقوم على الموازنة بين الخطر وفرص الشفاء ،فهذه الموازنة ّ
يتعرض لها المريض
اإلحتمال ،فطرفا العقد الطبي ،الطبيب والمريض ،يجريان مقارنة بين المخاطر التي قد ّ
يتعرض لها عند قيام الطبيب بنوع من المعالجة
في حالة عدم القيام بالمعالجة الطبية وبين المخاطر التي قد ّ
الطبية أو الجراحية؛ ولتطبيق حالة الضرورة في نطاق عمليات نقل الدم ،ال بد أن تقوم على أساس الموازنة
يتعرض له مق ّدم الدم من مخاطر جراء سحب الدم منه ،وبين تفادي ماوالمقارنة التي يجريها الطبيب بين ما ّ
قد يصيب المريض من ضرر نتيجة عدم نقله إليه.
2
مقدم الدم أقل من المخاطر التي تصيب المريض وعلى هذا األساس يرى البعض أن المخاطر التي تصيب ّ
في حال عدم نقل الدم إليه ،فموت المريض قد يكون محققاً لعدم وجود وسيلة أخرى إلنقاذ حياته سوى القيام
مقدمه تفادياً لضرر أكبر وأخطر.
بعملية نقل الدم ولذلك يعمد الطبيب إلى نقل الدم من ّ
وبناء على ذلك تم اإلعتبار بإمكانية تأسيس مشروعية عملية نقل الدم البشري على حالة الضرورة ،وذهب
ً
1
جانب من الفقه المصري إلى أبعد من ذلك معتبرين أنه باإلمكان الحصول على الدم ونقل إلى المريض دون
تطلب رضى مقدم الدم طالما توفرت شروط حالة الضرورة.
لكن هذا اإلتجاه لم يسلم من النقد ،إذ إعتبر ناقدوه 2أن حالة الضرورة وان كانت تصلح في بعض الحاالت
لشرعنة عمليات نقل الدم ،إال أنها ليست كافية لألخذ بها كأساس قانوني لمشروعية عملية نقل الدم.
مقدم الدم ،إذ أن حالة الضرورة تسمح
وبني هذا النقد على سببين رئيسيين ،األول متعلق بتجاهل إرادة ّ
بتجاهلها ،األمر الذي من شأنه أن يمس بحق أسمى متعلق بالنظام العام ،المتمثل بحق اإلنسان بسالمة
جسده وحقه في الخيار بين قبول الفعل الماس بجسده أو رفضه.
أما السبب الثاني يتعلق بعدم توفر شرط مهم من شروط حالة الضرورة في جميع عمليات سحب الدم ،أال
تدخل الطبيب على وجه السرعة إلجراء عملية نقل الدم من
وهو وجود خطر جسيم وشيك الوقوع يستدعي ّ
تبررها ،فحالة
مقدمه الى المريض بهدف إنقاذ حياته ،إذ أغلب عمليات سحب الدم تجري دون ضرورة ّ
ّ
الضرورة وان ّبررت بعض األعمال الطبية الضرورية إال أنها ال تصلح لتفسير جميع أعمال الطبيب ،فبعض
العمليات تجري على سبيل اإلحتياط عند خطر مستقبلي ممكن.1
كما أن مراكز نقل الدم تتّبع نظام خزن الدم ومشتقاته ،3إذ يتم سحب الدم من متبرعين يتوافدون إلى هذه
المراكز ومن ثم يتم إجراء فحوصات مختبرية على الكميات المسحوبة ليتم حفظها في هذه المراكز لحين
اإلحتياج لها في المستقبل واستعمالها في عمليات نقل الدم.
ونتيجة لهذا النقد ،ولكون الدم يسحب من مقدميه بمحض ارادتهم ،ودون إشتراط توفر حالة الضرورة ،تم
استبعادها كأساس قانوني لمشروعية عملية نقل الدم ،األمر الذي دفع إلى بناء اساسها القانوني على أساس
المصلحة اإلجتماعية.
1جابر مهنا شبل ،مدى مشروعية نقل وزرع األعضاء البشرية ،رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون ،جامعة بغداد،
العراق ،1991 ،ص 21
4محمود نجيب حسني ،الحق في سالمة الجسد ،مجلة القانون واإلقتصاد ،العدد األول ،السنة ،49مطبعة جامعة القاهرة،
،1919ص 112
3محمد جالل حسن األتروشي ،المرجع السابق ،ص 21
20
صلَح بفتح الالم،
المصلحة في اللغة هي المنفعة ،وهي مصدر بمعنى الصالح ،وهو النفع ،الفعل منه هو َ
وهي اسم للواحدة من المصالح.2
تقسم المصلحة حسب المنفعة الواقعة عليها ،ودرجت العادة على تصنيفها على نوعين :المصلحة العامة
والمصلحة الخاصة.
المصلحة العامة هي مصلحة الجميع ،أي كافة أفراد المجتمع ،ولها مضمون يحتوي على عناصر جوهرية
متجسدة في العدالة واإلستقرار اإلجتماعي والتطور ،وهي تتمثّل بالفوائد والمنافع العائدة للمجتمع ضمن إطار
أخالقي .ويعتبر القانون اإلداري أكثر فرع من فروع القانون الذي يقوم على مبدأ المصلحة العامة.
في حين المصلحة الخاصة هي نقيض المصلحة العامة ،فهي الفوائد والمنافع التي تعود لفرد معين في
المجتمع دون كافة األفراد.
وينضوي تحت المصلحة العامة ،المصلحة اإلقتصادية ،اإلجتماعية ،السياسية وغيرها..
والمصلحة اإلجتماعية هي التي من شأنها تأدية وظيفة إجتماعية تعود بالمنفعة على المجتمع ككل وليس
على فرد من أفراده.
وبناء على ذلك ،رأى البعض 1أن مشروعية نقل الدم تقوم على مبدأ المصلحة اإلجتماعية ،والتي تعتبر أن
ً
الحق في سالمة الجسد له جانبين ،األول جانب مختص بالفرد ،لناحية المحافظة على سالمة هذا الجسد
وعدم تعطيل وظائف الحياة فيه ،والجانب الثاني جانب إجتماعي ،إذ يعتبر هذا األخير أن لكل فرد وظيفة
إجتماعية متمثلة بمجموعة من الواجبات المفروضة عليه شرط صيانة سالمة جسده ،فإن سحب الدم وان كان
من شأنه إنقاص الجسد من بعض إمكانياته ،إال أن من شأنه تعظيم الشعور القومي والتضامن اإلجتماعي
في مواجهة األزمات.
ولكن يشترط أن يكون هذا اإلنقاص في حدود ضئيلة وال يستمر غير فترة يسيرة ،3فإذا ثبت أن هذا اإلنقاص
للدم ليس من شأنه إعاقة عمل وظائف الجسم وال يؤدي إلى منعه عن القيام بكل األعمال ذات القيمة
اإلجتماعية ،فتكون المصلحة اإلجتماعية متوفرة لنقل الدم وبالتالي مشروعاً.
تقدماً هائالً في كافة مجاالته ،في إطار محاوالته إيجاد عالجات لألمراض عامةً،
شهد المجال الطبي ّ
يتطرق إليها الفقهاء المسلمون األوائل لعدم ظهورها
المستعصية خاصةً ،مما أدى إلى ظهور مسائل علمية لم ّ
في زمنهم ،ومنها مسألة نقل الدم البشري ،األمر الذي دفع فقهاء الشريعة ،المعاصرين لهذه المسائل ،للبحث
عن حلول فقهية لها.
في البدء ،يعتبر الدين اإلسالمي ،ديناً شامالً ،وأحكام القرآن الكريم صالحة لكل زمان ومكان ،ومن أهداف
تصرفات العباد ،لذلك سعى علماء الشريعة والفقهاء إلى ايجاد حكم شرعي للمسائل الطبية الشريعة تنظيم ّ
المستحدثة ال سيما تلك المتعلقة بنقل الدم.
وعملية السعي هذه تمت من خالل البحث في مصادر الشريعة من قرآن وأحاديث نبوية ،فالقاعدة العامة أن
وحرم عليه الخبائث 2والمتعارف عليها
الطيبات ّ
الشرع اإلسالمي أباح ،من خالل القرآن الكريم ،لإلنسان ّ
بالمحرمات.
ّ
1نافع ممدوح الكبيسي ،رسالة ماجستير ،الدم البشري ومدى مشروعية التصرف به في الفقه االسالمي والقانون الوضعي،
كلية القانون في جامعة بغداد ،العراق ،4002 ،ص 12
24
حرمت هذه اآلية ارتكاب الزنا ألن هذا الفعل من شأنه الحاق أضرار بالغة أخالقية واجتماعية من شأنها
ّ
التأثير على صحة اإلنسان بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
25
أي يتوجب عدم المخاطرة بالنفس ،ويدخل ترك النفس دون عالج ضمن إطار هالك النفس ،وبالتالي يجب
الحفاظ على الصحة بالتداوي وعدم تعريضها للمخاطر.
ويمكن القول أن هذه اآلية لها وجهين ،وقائي وعالجي ،إذ أن عدم رمي النفس بالتهلكة قد يكون على سبيل
الوقاية ،كما يكون من خالل التداوي عند الحاجة.
1علي محمد يوسف المحمدي ،حكم التداوي في اإلسالم ،غير مذكور دار النشر ،قطر ،1991 ،ص 111
4محمود خليل البحر ،المسؤولية الجنائية الناشئة عن نقل الدم ،دراسة مقارنة ،مقال في مجلة الحقوق والبحوث القانونية
واإلقتصادية ،كلية الحقوق ،جامعة اإلسكندرية ،العدد ،1دار الجامعة الجديدة ،مصر 4001 ،ص 401
3حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 91
26
قدم الدم والتي قد تلحق
كان مفسوحاً وباإلضافة إلى ذلك ،أسندوا حرمة هذه العملية إلى األض ارر الالحقة بم ّ
بالمتلقي.
1 2
حددت
إال أن القسم الثاني من الفقه أمثال أحمد شرف الدين وجاد الحق علي جاد الحق ،اعتبر أن الشريعة ّ
عرفها
المحرمات ،منها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ،ولم تبح شيئاً منها إال للضرورة ،والضرورة كما ّ
ّ
الفقهاء هي أن تط أر على اإلنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى
يتعين أو يباح ارتكاب الحرام دفعاً للضرر.
بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال ،وعندها ّ
إذاً يعتبر الدم كما ذكرنا أعاله حرام إن لناحية شربه أو أكله ،إال أن القاعدة الفقهية القائلة بأن الضرورات
المحرمات الشرعية ألهداف أسمى.
ّ تبيح المحظورات ،أي متى توفّرت حالة الضرورة عندها من الجائز خرق
وبالتالي إذا توقف شفاء المريض وانقاذ حياته من الموت على مخالفة قاعدة شرعية دون توفّر طرق بديلة،
عندها تبيح الشريعة هذه المخالفة نظ اًر للضرورة.
ويعتبر الرأي الثاني األجدر بالترجيح ،3وبالتالي إن نقل الدم على الرغم من حرمته ،ونجاسته ،إال أنه إذا
توقّف شفاء المريض وانقاذ حياته على إجراء عملية نقل دم ،وغياب أي بديل ،خاصة أن الدم مصدره
اإلنسان وحده ،عندها يجوز نقل الدم في الشريعة دون أي شبهة سواء تم ذلك من قبل المسلم أو من غير
المسلم.
وبمعنى آخر ،إن إباحة عملية نقل الدم في الشريعة ال تبنى إال على حالة الضرورة والتي تشترط أحادية هذا
ماسة ،ال يباج نقل الدم.
الحل ،أي غياب البديل ،فمتى توفّر البديل المباح شرعاً ولو توفّرت ضرورة ّ
لتكونه من
إال أن الدم البشري ،ال نظير له ،وال بديل عنه ،خاصة وأنه ال يمكن استحضار الدم صناعياً ّ
خاليا حية ال يزال العالم عاج اًز عن صنعها ،9وعند تعين العالج به ال ينفع العالج بغيره ،خاصة أنه ال يمكن
اإلستفادة من دماء الحيوانات الختالف طبيعتها عن طبيعة دم اإلنسان ،لذلك أوجبت حالة الضرورة والحاجة
الملحة التي تنزل منزلتها ،الموازنة بين المصالح والمفاسد ،المنافع والمضار في إطار حفظ النفس
ّ الشديدة
1وهبة الزحيلي ،نظرية الضرورة الشرعية مقارنة بالقانون الوضعي ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة الرابعة ،دمشق ،سوريا،
1204ه 1924/م ،ص 12
4أحمد فوزي ،آراء الفقهاء في نقل الدم من شخص إلى آخر (دراسة فقهية تحليلية) ،بحث مقدم للحصول على الدرجة
الجامعية األولى ،كلية الدراسات اإلسالمية والعربية ،جامعة شريف هداية هللا اإلسالمية الحكومية ،جاكرتا ،إندونيسيا ،ص 31
3حمد سلمان سليمان زيود ،المرجع السابق ،ص 103
2محمد جالل حسن األتروشي ،المرجع السابق ،ص 32
27
البشرية ،السماح بجواز نقل الدم البشري واستعماله بالتداوي عند الحاجة إليه ،إذا تم ذلك بحدود الضوابط
الشرعية التي ال تسمح بإهدار كرامة اإلنسان أو اإلنتقاص منها.2
وبالتالي اتفق أغلب فقهاء الشريعة على جواز نقل الدم إلى المريض بغية إنقاذه والمحافظة على النفس
1
حرم هذه العملية إذا ما تم سحب الدم من أموات.
البشرية تحت باب الضرورة وذلك بين األحياء أي ت َّ
يتعرض للهواء مباشرةً ،وطالما أنه محفوظ
وتجدر اإلشارة إلى أن الدم المتبرع به يعتبر دماً طاه اًر طالما لم ّ
ضمن كيس من شأنه الحفاظ عليه كما لو كان ضمن الشرايين الطبيعية ،فإذا فسد ولم يحافظ على
خصائصه ،يصبح نجساً مؤذياً ،وعندها ال يجوز نقله للمريض.
1مصطفى محمد عرجاوي ،أحكام نقل الدم في الفقه اإلسالمي ،الطبعة الثاناية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر،
،1993ص 141
4هنا تجدر اإلشارة أن روسيا تستفيد من الدم البشري العائد لألموات بغية استخدامه في أغراض العالج ،إذ تعمد إلى سحب
حوالي 2ليتر من كل جثة خالل مدة ال تزيد عن 2ساعات من حدوث الوفاة.
28
مقدم الدم ومتلقّيه ،مرتبطين ببعضهما البعض بغض
سبق وذكرنا أعاله أن عملية نقل الدم تحتاج إلى طرفيها ّ
مقدم الدم.
النظر عن طبيعة الرابطة بينهما ،وهذه الفقرة تتناول الشروط الواجب توفرها في ّ
المتبرع به ،سببه ورود هذه الفقرة قبل
ّ "مقدم" 2الدم وليس
في البدء ،تجدر اإلشارة إلى أن إستعمال كلمة ّ
معالجة التصرفات القانونية الواردة على عمليات نقل الدم ،ولمنع أي التباس في ذهن القارئ عن طبيعة
مفصالً في المبحث الثاني من هذا الفصل.
ّ التصرفات القانونية ،وهذه األخيرة سيتم شرحها
بمقدم الدم إلى قسمين :شروط طبية وشروط قانونية.
تقسم الشروط المتعلقة ّ
1في هذا اإلطار ،إستعمل قانون إنشاء وتنظيم ومراقبة مراكز نقل الدم ،اللبناني ،عبارة مقدّم الدم وليس المتبرع به.
4ممنوعون بصراحة النص في العديد من التشريعات األجنبية ،وكانت من بينها فرنسا لكن هذه األخيرة عمدت إلى إضافة
فقرة في المادة 1 -1-1411من قانون الصحة العمومية سمحت لهم بالتبرع ضمن شروط محددة في أذار ، 4011إال أنهم
ليسوا كذلك في البلدان العربية ،إذ لم يأت التشريع على منعهم صراحة ،وذلك ليس على سبيل التحرر في بلداننا انما الفتراض
غياب هذا النوع من الحاالت في البلدان العربية.
3المادة 2من القانون رقم 111تاريخ 4001/11/11المنشور في تاريخ 4001/11/11في العدد 12من الجريدة الرسمية
29
حدد حد أقصى
تطبق المعادلة التالية (وزن المتبرع* ،)951/51كما ّ
عن 51كيلوغراماً ،واذا ق ّل عن ذلك ّ
لكمية الدم المسحوبة وقدره 951ميليليتر.2
يتوجب سحبه من
حددت المادة 23من هذا القانون الحاالت التي ال يجوز فيها أخذ الدم ،فاعتبرت أنه ّ كما ّ
شخص سليم صحياً خالياً من األمراض المعدية (عوارض الزكام ،السيدا ،الصفيرة )...واألمراض المتناقلة
جنسياً ،وأال يكون قد أصيب في السابق بالمالريا وبأي مرض آخر يمكن أن ينقل يالدم.
ويمكن القول أن هذه المادة لم تحصر الحاالت أو الشروط التي يجب مراعاتها عند سحب الدم ،فاستعمال
عبارة األمراض المعدية وتعداد ثالث منها ضمن هاللين ووضع 3نقاط يدل على أنها على سبيل المثال
وليس الحصر ،ثم أتت الجملة األخيرة في هذه المادة لتؤكد هذا األمر بقولها " وبأي مرض آخر يمكن أن
ينقل بالدم".
وهذا أمر بديهي ،ألن العلة منه حماية المريض متلقّي الدم من أي مرض مهما كان نوعه ،قادر على
اإلنتقال إليه عبر الدم.
المقدم للفحوصات
خلوه من هذه األمراض فرض القانون المذكور في المادة 29منه ،خضوع ّ وللتأكد من ّ
الطبية والمعاينات الالزمة ويتم تسجيل نتائجها في سجالت مركز نقل الدم الخاصة ،وذلك في نفس اليوم
الذي يحضر فيه لتقديم الدم ،ويتم تحديد نوعية هذه الفحوصات الالزمة والشروط الفنية الواجب توفرها بالدم
المسحوب بقرار من وزير الصحة.
وحددت المواد 25و 26منه المهام الواقعة على مراكز نقل الدم والواجبات المفروضة عليها لناحية كيفية
حفظه.
مقدم الدم ،إن لناحية
أما في فرنسا ،حددت المادة 5-2112من قانون الصحة العمومية الشروط الالزمة في ّ
مقدم الدم سن الرشد أي سن الثامنة عشر ،أما الحد األقصى يختلف حسب طبيعة
السن ،فاشترطت بلوغ ّ
عملية تقديم الدم ،ففيما لو كان التقديم للدم كامالً يكون الحد األقصى 71سنة ،أما لو كان التقديم للبالزما أو
للصفائح الدموية ،يكون الحد األقصى 65سنة ،وان لناحية الوزن المطلوب 51 ،كيلوغراماً للحالة األولى
و 55كيلوغراماً للحالتين الثانية والثالثة.
المقدم ،إنما
يتطرق قانون إنشاء وتنظيم ومراقبة مركز نقل الدم إلى مسألة رضى ّأما فيما خص لبنان ،لم ّ
تتطرق في عدة مواد منه إلى
اكتفى بتحديد الشروط الواجب توفرها فيه ،إال أن قانون اآلداب الطبية اللبناني ّ
ضرورة احترام إرادة المريض ،فمن ضمن الواجبات العامة للطبيب إحترام إرادة المريض قدر المستطاع ،1كما
يتوجب على الطبيب احترام حرية المريض في اختيار طبيبه ،3وفي رغبة هذا األخير بإبالغ الطبيب النيابة
العامة اكتشافه لحاالت اغتصاب وانتهاك للعرض.9
كما وضع هذا القانون فصل خاص بواجبات األطباء نحو المرضى أكد فيه إحترام إرادة المريض ،واذا كان
وضع هذا المريض ال يسمح له بالتعبير عن إرادته ،وجب إعالم ذويه إال في الحاالت الطارئة أو حاالت
اإلستحالة.5
ِ
يكتف عند هذا الحد ،بل عمد إلى إقرار قانون رقم 1119/579أسماه قانون حقوق ولكن المشترع اللبناني لم
المرضى والموافقة المستنيرة اختص بايضاح حقوق المريض بطربقة ال تحتمل اإللتباس ،وأكدت المادة 6منه
عدم جواز القيام بأي عمل طبي ،وال تطبيق أي عالج دون موافقة الشخص المعني المسبقة إال في حالتي
الطوارىء واإلستحالة.
مقدم
وبالتالي يمكن القول ان هذين القانونين يؤكدان ضرورة توفر رضى المريض ،ومن الممكن قياسها على ّ
الدم للتمكن من سحب الدم منه.
كرس ضرورة توافر الرضى إذ أنه يبيح األعمال الطبية متى دعت إليها واستطراداً إن قانون العقوبات اللبناني ّ
الحاجة ويعتبرها سبباً من أسباب التبربر ،فالمادة 286في الفقرة الثانية منها اعتبرت أنه ال يعد جريمة الفعل
الذي يجيزه القانون ،ويجيز القانون العمليات الجراحية والعالجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن
تجري برضى العليل أو رضى ممثليه الشرعيين أو في حاالت الضرورة الماسة.
إعتبر جانب من الفقه 1بعدم اإلعتداد بالرضى الصادر عن قاصر لنقل كمية من دمه ،ألن هذا النقل ال
ينطوي على منفعة عالجية له ،بل قد يؤدي إلى آثار مستقبلية سلبية تؤثر على صحته ،وأن الولي أو
الوصي ،وعلى الرغم من سلطتهما على القاصر ،إال أن ذلك ال يمنحهما سلطة التصرف بجسم القاصر حتى
من المعلوم ،أن اإلذن الممنوح من القضاء في أمر معين ،يمنحه األهلية في هذا األمر بالتحديد ،دون غيره،
فالقاصر المأذون له بالتجارة يعامل معاملة الراشد في حدود تجارته ،1وفيما خص القاصر المأذون له
بالزواج ،قد يعتبر البعض أن هذا اإلذن يمنحه األهلية التامة دون حصرها في الزواج ،بحجة أن الزواج قد
ينتج عنه أطفال قبل بلوغه سن الرشد ،مما يجعله ولياً لقاص اًر ،وهل لقاصر ناقص األهلية أن يكون ولياً
لقاص اًر ،لذلك وفقاً لهذا الرأي ال بد من اعتباره ذي أهلية كاملة ،وبالتالي يسمح له بتقديم الدم.
إال أن البعض اآلخر 3قد يرى ،وهذا ما نؤيده ،أن القاصر المتزوج وفقاً إلذن قضائي يعامل معاملة القاصر
المأذون له بالتجارة ،أي أنه يتمتع باألهلية التامة فيما خص الزواج ،و يبقى ناقصها في األمور األخرى ال
سيما أن سحب الدم منه في هذا السن يعتبر أم اًر بالغ الخطورة من شأنه اإلضرار بصحته والتأثير على نموه
الطبيعي.9
وتجدر اإلشارة أن الرضى ليس فعالً آنياً ،إنما مستم اًر حتى لحظة السحب ،وباإلمكان التراجع عنه في أي
ٍ
موجب مدني ،وبالتالي باإلمكان العدول عن ذلك وقت كان ،فاإلعراب عن اإلرادة بتقديم الدم ال يتحول إلى
دون ترتيب أية مسؤولية.
.1حرية الرضى
1محمد جالل حسن األتروشي ،المرجع المذكور أعاله ،ص 12و 19
4المادة 411من قانون الموجبات والعقود اللبناني
3منذر الفضل ،المرجع السابق ،ص 100
2محمد جالل حسن األتروشي ،المرجع السابق ،ص 10
34
مقدم الدم ألي ضغط مادي أو معنوي 2من
يتعرض ّ
يتوجب أن يكون الرضى ح اًر ،أي أن يصدر دون أن ّ
شأنه تقييد رضاه ،أي دون أي إكراه.
واإلكراه قد يكون مادياً كالتهديد باستعمال العنف أو السالح ،أو معنوياً كاإلبتزاز والتهديد بأذية أحد اقربائه،
المكره
َ وفي كال الحالتين ،يترتب على اإلكراه تعطيل إرادة الشخص وتقييدها ،وتعاب التصرفات الصادرة عن
لغياب الرضى الحر ،الصلب والركن لكل عقد.1
حرة خالية من أي عيب من عيوبها ،خاصة دون أي إكراه.
مقدم الدم ،ال بد أن تكون إرادته ّ
وفيما خص ّ
المكره خاصة فيما إذا كان المريض من
َ ويدخل ضمن مفهوم اإلكراه ،الضغط األسري الذي قد يتعرض له
ذات األسرة.
تبصر الرضى
ّ .3
إضافة إلى الشرطين السابقين الواجب توفرهما في الرضى ،ال بد من شرط ثالث يقضي بأن يكون هذا األخير
يتعرض لها والعواقب المترتبة على ذلك ،أي المقدم الدم بالمخاطر التي قد ّ
متبص اًر ويقصد بالتبصير إحاطة ّ
بد من إحاطته بكافة النتائج المادية والنفسية المؤكد والمحتمل حصولها ،وبكافة المخاطر الحالية والمستقبلية
يتعرض لها والتي قد تؤثّر في حياته الشخصية أو العائلية أو المهنية ،واعالمه باإلجراءات التي
التي قد ّ
سيواجهها واآلالم التي سيشعر بها.3
وهذا ما نصت عليه أغلب التشربعات المنظمة لعمليات نقل الدم ،فالمشرع الفرنسي نص على ضرورة إبالغ
مقدم الدم بالنتائج المحتملة عن عمليات نقل الدم ،9كذلك فعل قانون الضوابط التي تحكم مصارف الدم في
ّ
المقدم بالمخاطر الكامنة في أخذ الدم واإلهتمام باستمرار بصحته
الوطن العربي الذي أكد على ضرورة علم ّ
وسالمته.5
وفيما خص لبنان ،نص قانون حقوق المرضى والموافقة المستنيرة في المادة الثانية منه على حق كل مريض
يتولى أمر العناية به طبيب أو مؤسسة صحية بالحصول على المعلومات الكاملة حول وضعه الصحي ،وهذه
1نجيب محمد سعيد الحلوي ،الحماية الجنائية لإلنسان من التجارب الطبية ،دراسة مقارنة ،رسالة ماجستير ،كلية القانون،
جامعة الموصل ،العراق ،1999 ،ص 21
4المادة 111قانون موجبات وعقود اللبناني
3طالل عجاج ،المسؤولية المدنية للطبيب – دراسة مقارنة ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،طرابلس ،لبنان ،4002 ،ص 149
2الفقرة األولى من المادة الرابعة من قانون رقم 1121الصادر بتاريخ 1911/14/44الفرنسي ،المنشور في الجريدة
الرسمية بتاريخ ،1911/14/43ص “les modalités selon lesquelles le donneur ou son 3111
représentant légal est informé des conséquences éventuelles de sa décision et exprime
”sont consentement
1الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون الضوابط التي تحكم مصارف الدم في الوطن العربي
35
األخيرة تشمل الفحوصات ،العالجات ،العمليات الطبية المقترحة ،كما تشمل منافعها ومضاعفاتها السلبية،
والمخاطر المعهودة أو الكبرى التي تنطوي عليها والحلول األخرى الممكنة ،فضالً عن النتائج المتوقعة في
حال عدم إجرائها ،من خالل حديث يجرى مع المريض على انفراد ،ويجب أن تتصف هذه المعلومات
بالصدق والوضوح وأن تكون مفهومة بالنسبة للمريض ،متكيفة مع شخصيته وحاجاته وطلباته ،كي يأخذ وقته
الكافي بالتفكير إلعطاء موافقته.
وسبق وذكرنا أن هذا القانون شامالً لألعمال الطبية وضمانة إضافية لحقوق المريض ،وبالتالي يطبق على
بالمقدم ،فيكون القانون
ّ عمليات نقل الدم لجهة المقدم والمتلقي ،على الرغم من عدم توفر صفة مريض
مقدم الدم.
اللبناني أكد أيضاً على ضرورة تبصير ّ
فيما خص الفقه ،2أجمع هذا األخير على ضرورة تبصير مقدم الدم من قبل الطبيب بكل المخاطر التي من
المحتمل ترتبها على عملية نقل الدم ،كعدم قدرته على القيام بواجبات معينة أو ممارسة عمل أو مهنة محددة
إذا تم سحب كمية الدم المطلوبة.
1حسن زكي األبراشي ،مسؤولية األطباء والجراحين المدنية في التشريع المصري والقانون المقارن ،دار النشر للجامعات
المصرية ،القاهرة ،مصر ،1911 ،ص 301
4عبد السالم التونجي ،المسؤولية المدنية للطبيب في الشريعة اإلسالمية وفي القانون السوري والمصري والفرنسي ،غير
مذكور دار النشر ،1911 ،ص 311
3جابر مهنا شبل ،المرجع السابق ،ص 231
4
Art. L. 1111-4. - Toute personne prend, avec le professionnel de santé et compte tenu
des informations et des préconisations qu'il lui fournit, les décisions concernant sa
santé.
« Le médecin doit respecter la volonté de la personne après l'avoir informée des
conséquences de ses choix. Si la volonté de la personne de refuser ou d'interrompre un
37
أما في مصر ،لم ينص المشرع المصري صراحة في قانون المهن الطبية أو قانون أدبيات مهنة الطب على
ضرورة حصول الطبيب على رضى المريض قبل إجراء العمل الطبي ،وان كان ذلك مستفاداً من القواعد
العامة.2
أما في العراق ،أوجبت تعليمات السلوك المهني الحصول على رضاه في هذا النوع من األعمال الطبية التي
من شأنها تحقيق مصلحة عالجية له ،عندما يكون قاد اًر على التعبير عن رضاه ،وال يحق للطبيب أن يخالف
رغبته وال حاجة للطبيب إلستحصال الرضى في وقائع العوارض التي يفقد فيها المريض وعيه وارادته وتتطلب
إسعافاً مستعجالً.1
أما في المملكة العربية السعودية ،اعتبر نظام مزاولة المهن الصحية السعودي في المادة 24منه على أنه
يتوجب على ممارس الصحة (الطبيب) عدم إجراء أي عمل طبي لمريض إال برضاه أو بموافقة ولي أمره إذا
لم يعتد بإرادته هو ،باستثناء الحاالت الحرجة التي تستدعي تدخالً ضرورياً أو فورياً إلنقاذ حياة المريض أو
تالقي تفاقم الضرر وتعذر الحصول على موافقة المريض أو ولي أمره ،إذ يمكنه في هذه الحالة إجراء العمل
الطبي دون انتظار الحصول على الموافقة.3
مقدم الدم ما نص عليه المشرع في هذا اإلطار ،الذي وفيما خص لبنان سبق وذكرنا في معالجتنا لرضى ّ
يقضي باحترام إرادة المريض واذا كان وضعه ال يسمح له بالتعبير عن إرادته إعالم ذويه إال في الحاالت
الطارئة أو في حال اإلستحالة ،9كما نص قانون حقوق المرضى والموافقة المستنيرة على عدم جواز القيام
بأي عمل طبي ،وتطبيق أي عالج ،دون الحصول على موافقة الشخص المعني المسبقة ،باستثتاء حالتي
الطوارئ واإلستحالة ،كما نص على أنه خالل المعالجة يتم اإلقتراح على المريض تعيين شخص موضع ثقة
ليتم استشارته في حال أصبح المريض في وضع ال يسمح له بالتعبير عن مشيئته وبتلقي المعلومات
traitement met sa vie en danger, le médecin doit tout mettre en oeuvre pour la
convaincre d'accepter les soins indispensables.
« Aucun acte médical ni aucun traitement ne peut être pratiqué sans le consentement
libre et éclairé de la personne et ce consentement peut être retiré à tout moment.
« Lorsque la personne est hors d'état d'exprimer sa volonté, aucune intervention ou
investigation ne peut être réalisée, sauf urgence ou impossibilité, sans que la personne
de confiance prévue à l'article L. 1111-6, ou la famille, ou à défaut, un de ses proches
» ait été consulté.
1عبد العزيز محمد الصغير ،نقل وزراعة األعضاء البشرية في ضوء الشريعة اإلسالمية والقانون الوصعي ،الطبعة األولى،
المركز القومي لإلصدارات القانونية ،القاهرة ،مصر ،4011،ص 31
4تعليمات السلوك المهني العراقي أصدرها مجلس نقابة األطباء ،استناداً لحكم الفقرة األولى من المادة 44من قانون رقم
21لسنة 1922بقراره رقم ،1المتخذ بجلسته الثامنة ،في 1921/1/19
3المادة 19من نظام مزاولة المهن الصحية السعودي
2الفقرة الرابعة من المادة 41من قانون اآلداب الطبية اللبناني
38
الضرورية التخاذ القرار وفي هذه الحالة ال يجوز اخضاعه ألي عمل طبي وال ألي عالج دون استشارة هذا
الشخص أو العائلة ،إال في حالتي الطوارئ واإلستحالة.2
وبالتالي رضى المريض أمر في غاية األهمية إلباحة عملية نقل الدم ويستثنى ذلك في حاالت الضرورة أو
العجلة ،وعدم قدرة الطبيب الحصول على موافقته أو موافقة من يمثّله أو عدم قدرته التعبير عن إرادته.
لكن ماذا لو كان هذا األخير قاد اًر على التعبير عن إرادته بالقبول أو الرفض ومتمتّعاً بكامل قواه العقلية
واختار رفص نقل الدم إليه؟ فهل من الممكن إخضاعه للعملية دون رضاه؟
تحرم عليهم معتقاداتهم الدينية ،أو اإلجتماعية أو الفلسفية قبول نقل الدم اليهم ،مما يؤدي
فبعض المرضى ّ
إلى تهديد حياتهم والوفاة ،األمر الذي يثير عدة تساؤالت ،أهمها ما الحل الواجب اعتماده في مثل هذه
الحاالت؟
أثير هذا الموضوع في المؤتمرات والمحاكم ،فعرضه األستاذ الهولندي ) (Akveldأثناء إنعقاد المؤتمر السابع
للطب القانوني في مدينة غاند عام ،12485أشار إلى أن هنالك أقليات عرقية ودينية ولونية مختلفة في
هولندا ترفض نقل الدم إليها ،بل حتى ترفض تلقيح أوالدها ضد األمراض المختلفة ،معتب اًر سلوك األهل هذا
التعنت قد ينتج عنه إصابات خطرة بأوالدهم.
نوع من ّ
كما أثير هذا الموضوع في المحاكم ،فمحكمة النقض الفرنسية 3أصدرت حكماً في قضية تتعلق برفض أحد
يحرم نقل الدم إليها المدعوة ب "شهود يهوذا" ،بعد أن
األشخاص المنتمين إلى جماعة ذات معتقد ديني ّ
أصيب في حادث سير ،وأصابه نزيف داخلي يستوجب نقل الدم إليه فو اًر ،إال أنه رفض ذلك على الرغم من
تحرم عليه
أصر على رفضه بإعتبار أن معتقداته ّ
إعالمه بذلك وافهامه خطورة الوضع على حياته إال أنه ّ
فوت على نفسه فرصة إنقاذ حياته ،كما إعتبرت
ذلك مما أدى إلى وفاته .واعتبرت المحكمة أن هذا المريض ّ
أن رفضه لعملية نقل الدم بعد قيام األطباء بتبصيره وافهامه حالته الصحية وخطورتها ،سبباً كافياً لعدم
مسؤولية الطبيب.
وهذا ما أكده قانون اآلداب الطبية اللبناني في المادة 17منه ،إذ إعتبر أنه "إذا رفض من تحذر عليهم
معتقداتهم إجراء التالقيح المفروضة من السلطات الصحية المختصة ،وجب على الطبيب وضعهم أمام
مسؤولياتهم وابالغ تلك السلطات بذلك" ،"9واذا رفض من تحظر عليها معتقداتهم نقل الدم ،وجب على
1المواد السادسة والثامنة والتاسعة من المادة التاسعة من قانون حقوق المرضى والموافقة المستنيرة اللبناني رقم 112
الصادر بتاريخ ،4002/04/11المنشور في العدد التاسع من الجريدة الرسمية بتاريخ ،4002/04/13ص 101
4محمد جالل حسن األتروشي ،المرجع السابق ،ص 24
3
Cour de Cassation, Chambre criminelle, 30 Octobre 1974, Dalloz 1975, J. p°178
2الفقرة السابعة من المادة 41من قانون اآلداب الطبية اللبناني
39
الطبيب احترام مشيئتهم ،إال في حالة الخطر الداهم ،إذ يجب عليه وبعد الحصول على إذن السلطات
متحمالً مسؤوليته الكاملة" ،2وبالتالي يتوجب على
ّ القضائية المختصة أن يعمل بما يفرضه ضميره المهني
الطبيب احترام إ اردتهم بعدم نقل الدم إليهم ،إال في حالة الخطر الداهم ،فيتوجب عليه إعالم السلطات
القضائية ،والحصول على إذن منها ومن ثم العمل وفق ما يرتئيه.
وفي هذا اإلطار ،ضج في لبنان ،في كانون األول من عام ،1127خبر تعرض فتاة تدعى فرح د .لحادث
سير وتم نقلها إلى المستشفى وهي بحالة حرجة ،وعثر األطباء في حقيبتها على ورقة كتب عليها بأنها من
شهود يهوذا وترفض نقل الدم إليها ،وأكد األهل ذلك رافضين نقل الدم إلى ابنتهم ،فعمد محامي المستشفى
إلى اإلتصال بالنائب العام الذي أكد ضرورة إنقاذ حياة الفتاة بغض النظر عن معتقداتها الدينية .1ولكن هل
يعتبر قرار النائب العام هذا في محله القانوني؟ أم أنه ٍ
تعد على رضى فرح؟
فالقاعدة تقضي بأنه بغض النظر عن الدافع لرفض عملية نقل الدم ،ال يحق للطبيب التدخل الطبي وارغامه
على عملية نقل الدم ،وان كان يرى أن من شأن ذلك إنقاذ حياته ،متى كان هذا المريض راشداً متمتعاً بقواه
العقلية رافضاً لها ،أو رفض ممثلوه ذلك.
وتجدر اإلشارة ،إذا كان المريض ناقصاً لألهلية أي صغي اًر ممي اًز ،ولديه القدرة على تقدير حالته الصحية
وأهمية نقل الدم ،وكان في حالة تسمح له بالتعبير عن رضاه ،فال بد من الحصول على رضاه إلى جانب
رضى وليه أو ممثله القانوني .واذا كان المريض عديماً لألهلية ،كالصغير غير المميز أو من أصابه عارض
من عوارض األهلية كالجنون المطبق ،ال يعتد برضاه ،بل برضى ممثله القانوني.
تدخل سريع من الطبيب وعدم قدرته على إنتظار رضاه أو رضى وليه ،في أما فيما لو كانت حالته تستوجب ّ
هذه الحالة بامكانه التدخل وتقديم العالج المناسب ،ونقل الدم إليه متى لزم االمر ،ويبنى هذا األمر على
أساس الرضى المفترض للمريض ،فالمنطق السليم يقضي بأنه فيما لو كان المريض في كامل وعيه ،الختار
تلقي العالج الطبي المناسب نظ اًر لغريزته وفطرته بالبقاء على قيد الحياة ،فيكون إجراء عملية نقل الدم دون
إذن المريض في هذه الحالة خروجاً عن القواعد العامة.
40
إن رضى المريض بالعمل الطبي ال يعتبر صحيحاً ما لم يتم تبصيره أي قيام الطبيب باعالمه بشكل
يتعرض لها أثناء القيام بهذا العمل،
مستفيض وواضح عن حالته الصحية وطبيعة مرضه ،والمخاطر التي قد ّ
فيعمد المريض إلى القيام بموازنة بين المخاطر التي قد تنتج عن التدخل الجراحي وامكانية نقل الدم إليه
ومدى حاجته لذلك ،وبين المخاطر الناجمة عن عدم القيام بهذه العملية أو عدم موافقته عن نقل الدم إليه،
وعندها يتمكن المريض من اتخاذ ق ارره بكامل إرادته سواء بالقبول أو الرفض.
فالمريض يتمتع بحق على جسمه ،ولديه الحرية باختيار العالج من عدمه ،وال يحق للطبيب المساس بهذا
الحق ما لم يحصل على رضاه المتبضر والمستنير (إال في حالة تعذر انتظار رضاه في حالتي الضرورة
والعجلة ،أو عدم قدرته على إبداء رأيه).
وهذه المبدأ تمخض عنه ثالث إتجاهات في الفقه:2
وفيما خص عمليات نقل الدم ،تعتبر هذه العمليات على مستوى من الخطورة بسبب ما تنطوي عليه من
مخاطر أهمها أنها وسيلة لنقل األمراض المعدية ،مثل السيدا ،لذلك ال بد من تبصير المريض من قبل
الطبيب تبصي اًر واضحاً وصريحاً واعالمه حقيقة حالته الصحية ،وأهمية نقل الدم إليه ومخاطره ونتائجه
المحتملة ،إحتراماً لحقه في جسمه ولتمكينه من اتخاذ قرار حاسم.
1
Article L1111-2 du code de la santé publique francais « Toute personne a le droit
d'être informée sur son état de santé. Cette information porte sur les différentes
investigations, traitements ou actions de prévention qui sont proposés, leur utilité, leur
urgence éventuelle, leurs conséquences, les risques fréquents ou graves normalement
prévisibles qu'ils comportent ainsi que sur les autres solutions possibles et sur les
» conséquences prévisibles en cas de refus.
2
Article R.4127-35 du code de la santé publique « Le médecin doit à la personne qu'il
examine, qu'il soigne ou qu'il conseille une information loyale, claire et appropriée sur
son état, les investigations et les soins qu'il lui propose. Tout au long de la maladie, il
tient compte de la personnalité du patient dans ses explications et veille à leur
» compréhension.
3المادة 19من قرار وزير الصحة المصري رقم 432سنة 1912
2محمد جالل حسن األتروشي ،المرجع السابق ،ص 104
43
وفي لبنان ،حدد قانون حقوق المرضى والموافقة المستنيرة 2حق المريض بالحصول على المعلومات الكاملة
حول وضعه الصحي ،من فحوصات ،عالجات ،عمليات طبية مقترحة ،منافعها ومضاعفاتها ،المخاطر
المعهودة أو الكبرى التي تنطوي عليها ،والحلول األخرى الممكنة ،والنتائج المتوقعة في حال عدم إجرائها،
وحتى في حال طرأت معطيات جديدة تستدعي اتخاذ ق اررات جديدة ال بد من إعالم المريض بها عند
اإلمكان .كما نص على ضرورة إتصاف هذه المعلومات بالصدق والوضوح ،وأن تكون مفهومة بالنسبة
للمريض ومتكيفة مع شخصيته وحاجاته وطلباته.
وبالتالي يمكن القول أن هذه التشريعات أكدت على ضرورة تبصير المريض ،واعطائه المعلومات الكافية فيما
خص أي عالج أو عمل طبي مقترح ،مع شرح للمخاطر المتوقعة والكبرى ،والنتائج المتوخاة ،بصورة واضحة
وصريحة ،تم ّكن المريض من توجيه إرادته نحو القبول أو نحو الرفض .وهذا األمر يطبق أيضاً في عمليات
نقل الدم ،فال بد من تبصير المريض عن أهمية نقل الدم إليه والمخاطر المحتملة لها ،وعن فعاليتها بالنسبة
لوضعه الصحي ودرجة نجاحها ومدى إمكانية حدوث مضاعفات أثنائها وبعدها ،فبعد اإلطالع على كافة
المعطيات والمعلومات المطلوبة ،يحسم خياره ويتخذ ما يراه مناسباً له.
وسنعمد في هذه الفقرة للبحث في العقود المجانية التي قد يصلح أن يكون الدم موضوعاً لها ،وهي الهبة
بالدرجة األولى ،وعقود أخرى كالوصية والصدقة ،إذ ال يتصور إعارة الدم أو إيجاره.
إضافة إلى ذلك ،صدر المرسوم رقم 226في 20تموز ،2449الذي ينص على القواعد الخاصة بالصيغة
التطوعية اإلختيارية للتبرع بالدم ،والتي يمكن إيجازها بما يلي:2
-عدم جواز منح مكافأة عند التبرع بالدم أو مكوناته بشكل مباشر أو أية مدفوعات أخرى على شكل سلع
وليس نقوداً ،ومنع التزويد بإيصاالت أو بطاقات تقدم تخفيضات تمكن الشخص المعني من الحصول على
فائدة يمنحها طرف ثالث.
-جواز تقديم هدية رمزية لشكر المتبرع على تبرعه ،ولكن يتوجب أن يتم ذلك وفقاً للتعليمات أو األنظمة
السارية المفعول وتزيده بوجلة طعام خفيفة بعد تبرعه بالدم.
-تخويل مؤسسة نقل الدم التعويض عن نفقات اإلنتقال التي يتكبدها المتبرعين باستثناء أية تعويضات ذات
نسبة ثابتة.
أما في مصر ،نظم القانون رقم 278لسنة 2461المتعلق بتنظيم عمليات نقل الدم وتجميعه حفظه ،طبيعة
التصرفات القانونية المباحة في عمليات نقل الدم ،فسمح ببيعها وهذا ما سيتم التطرق إليه في الفقرة الثانية
من هذا المبحث ،إال أنه يمكن القول أن مصر تبيح بيع الدم وشرائه ،بل أكثر من ذلك يعد هذا الشراء أحد
أهم مصادر الحصول على الدم.
إال أن ذلك ال يمنع من التبرع بالدم ،فتنفيذاً للقانون المذكور أعاله ،صدر القرار رقم 251عام 2462الذي
قسم المتبرعين بالدم إلى متطوع بالمجان وتصرف له مكافآة عن التطوع ويمنح هدية في حدود الخمسين
ّ
3
قرشاً ،ومتطوع نظير مكافأة مالية قدرها 251قرشاً بمقابل كمية 911سم من الدم.
وتجدر اإلشارة إلى أن هذا القانون المصري تجاوز عمره الخمسين عاماً ،وال بد من استحداث قواعد في هذا
اإلطار تتناسب والمتغيرات الحاصلة على كافة األصعدة.
أما في العراق ،يخلو التشريع العراقي من قانون خاص منظم ألحكام الدم والتصرف فيه ،لذلك يعتمد على
يشدد على ضرورة أال يكون الكسب المادي
قانون الضوابط التي تحكم مصارف الدم في الوطن العربي الذي ّ
هو الدافع للتبرع بالدم ،كما أن تعليمات و ازرة الصحة في هذا اإلطار نصت على أهمية التبرع بالدم من قبل
األشخاص القادرين على ذلك ،وعمدت الجهات المولجة استقبال المتبرعين ،ال سيما المركز الوطني لنقل الدم
وفيما خص الشريعة اإلسالمية ،بعد أن استعرضنا أساس إباحة هذا النوع من العمليات لديها في الفصل
األول من هذا القسم ،آن األوان للتطرق عن طبيعة التصرفات القانونية المباحة شرعاً ،ففيما خص العقود
المجانية أي التبرع بالدم ،فأجاز أغلب الفقهاء 1التبرع بالدم متى دعت الحاجة إليه ،أي عند اعتباره دواء ال
بديل عنه ،ففي هذه الحالة من الجائز شرعاً التبرع بالدم على سبيل الهبة أو الصدقة وفق ضوابط الشريعة
من شأنها إضفاء المشروعية عليها دون أي إفراط أو تفريط ،فيما يحقق المصلحة العامة ويرفع المفسدة أياً
تكن صورتها.3
ويعرف محل العقد من قبلهم بأنه العملية
فيشترط فقهاء هذه األخيرة أن يكون محل العقد قابالً للتعاقد شرعاًّ ،
القانونية وذلك ال يتم إال عندما يكون هذا األخير ماالً متقوماً يجوز اإلنتفاع به ،كما يشترط في محل العقد
1المادة الثانية والعشرون من نص قانون إنشاء وتنظيم ومراقبة مراكز نقل الدم اللبناني
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 131
3محمد عبد المقصود حسن داود ،المرجع السابق ،ص 413
48
أن يكون مشروعاً أي غير مخالفاً للنظام العام واآلداب العامة واألحكام الشرعية اإللزامية ،وفيما خص الدم
البشري ،هل يصلح هذا األخير أن يكون محالً لعقد ؟
في البدء ،إن الهدف من الدم البشري التداوي به ،والدم الصالح للتداوي هو ذلك الذي يتم نقله من إنسان سليم
ٍ
خال من األمراض المنتقلة عبر الدم ،فهذا الدم المستوفي الشروط يصلح ألن يكون محالً للتعاقد شرعاً
وقانوناً ،أما غير ذلك من الدم ،سواء أكان دماً للحيوانات ،أو مسفوحاً ،الحيض ،النفاس وغيره ،تعتبر دماء
محرمة ونجسة ال تصلح للتداوي وبالتالي ألن تكون محالً ألي عقد.
ّ
ويمكن القول أن التبرع بالدم هو األصل ،لما من شأنه إضفاء قيمة معنوية للمتبرع بأنه ساهم في إنقاذ حياة
تكرسه القوانين واألخالقيات اإلنسانية ،والشريعة اإلسالمية ،إنما هذا األصل له
مريض ،وهذا األصل ّ
استثناءات ،سيتم الحديث عنها في الفقرة الثانية من هذا البحث.
ثانياً – عقود أخرى
باإلضافة إلى عقد هبة الدم ،وعلى الرغم من اعتباره األكثر أهمية بين العقود المجانية ،إال أن هنالك عقود
أخرى تصلح أن يكون الدم موضوعاً لها ،كالوصية والصدقة.
أ -الوصية
تعرف الوصية بـأنها تصرف مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع ،تتشابه مع اإلرث في أن الموصى له ّ
ال يخلف الموصي إال بعد وفاة هذا األخير ،ولكن تختلف عنه في أن انتقال أموال وحقوق المتوفى تنتقل إلى
الورثة بقوة القانون ،بعد أن يتم سداد الديون المترتبة على المورث تطبيقاً لمبدأ ال إرث قبل وفاء الدين ،بينما
في الوصية يتم هذا اإلنتقال وفقاً إلرادة الموصي المعبر عنها في وصيته وفق أصول وضمن حدود معينة،
أي مع مراعاة الصيغة المطلوبة والنصاب المحدد قانوناً أو شرعاً ،وتعتبر الوصية من الديون المترتبة على
المتوفى والتي يتم إيفائها قبل توزيع التركة.2
فرضت أغلب التشريعات صيغة محددة للوصية إلمكانية األخذ بها ،فالمشرع العراقي فرضضرورة الكتابة
لتكون الوصية معتبرة ،ويمكن إثباتها بالشهادة عند وجود مانع مادي يحول دون حصول الدليل الكتابي كما
في حكم الغائب والمفقود ،1في حين في مصر تنعقد الوصية بالعبارة أو بالكتابة فإذا كان الموصى عاج اًز
3
موحد يخضع له جميع المواطنين إذ
عنها انعقدت الوصية بإشارته المفهمة ،وفيما خص لبنان،ال يوجد قانون ّ
1نادر عبد العزيز الشافي ،عقد الهبة في القانون اللبناني والمقارن (دراسة فقهية) ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،طرابلس ،لبنان،
4001
4المادة 12قانون األحوال الشخصية العراقي 122لسنة 1919
3المادة الثانية من قانون الوصية المصري ،رقم 11لسنة 1921
49
يخضع أبناء الطوائف غير المحمدية لقانون اإلرث لغير المحمديين الصادر بتاريخ 13حزيران ،1959
وهذا القانون يعتبر أن الوصية من العقود الشكلية اإلحتفالية فيجب أن تكون مكتوبة بالشكل الرسمي أو بخط
اليد.2
أما فيما خص أبناء الطوائف المحمدية في لبنان ،فيطبقون الشريعة اإلسالمية مع بعض الخصوصية لكل
مذهب إذ يخضع كل مذهب من المذاهب إلى قانون أحوال شخصية خاص به ،فتشترك في الكثير من
أحكامها ،وفيما خص الوصية عند المسلم ال تكتسي شكالً معيناً ،وبالتالي ال تعتبر الكتابة شرطاً لصحتها،
إنما تعتبر من األمور المستحبة ،ويمكن إثباتها عند إنكارها من قبل الورثة بالبينة الشخصية ،أي األخذ
بشهادة الشهود على وصية الموصي.1
وما يهمنا في بحثنا هذا ،معرفة فيما لو يصلح الدم كموضوع لوصية؟
في البدء ال بد من القول أن أغلب القوانين الوضعية وحتى الشريعة اإلسالمية أضحت تأخذ بمبدأ الوصية
باألعضاء البشرية بعد الموت ،ولكن هل باإلمكان تطبيق ذلك على الدم.
الدم يتمتع بخصوصية تميزه عن أعضاء الجسم البشري (هذا فيما لو تم اعتباره عضو) ،ألن امكانية
اإلستفادة من الدم بعد الموت عملية تنتابها المخاطر ،يضاف إلى ذلك ضيق الوقت ألن القوانين الوضعية
والضوابط الشرعية تلزم بقاء جسد اإلنسان في فراش موته مدة زمنية معينة للتأكد من وقوع الوفاة بصورة
قاطعة ،وخالل هذه المدة يتغير الدم أو يتحلل فتقل كفاءته أو يفسد ،وبالتالي تنتفي المنفعة المرجوة منه ،وفي
هذه الحالة ال تكون عملية الوصية بالدم عملية مفيدة.3
إال أن هذا األمر ال يمنع اإليصاء بالدم من حيث المبدأ ،ومتى توفرت السبل والوسائل الطبية التي من شأنها
الحفاظ على سالمة الدم المسحوب من األموات في الوقت المناسب لذلك ،يؤدي إلى الحصول على المنفعة
المرجوة.
وهنا تجدر اإلشارة إلى أن روسيا تستفيد من الدم البشري العائد لألموات بغية استخدامه في أغراض العالج،
إذ تعمد إلى سحب حوالي 9ليتر من كل جثة خالل مدة ال تزيد عن 9ساعات من حدوث الوفاة وذلك حتى
دون الحاجة إلى وجود وصية بذلك.
ب – التصدق بالدم
تختلف عن الهبة في أن سبب هذه األخيرة محبة الواهب للموهوب له ،في حين سبب الصدقة التقرب من
اهلل ،كما تختلفان من ناحية إمكانية الرجوع عنها ،إذ هذا األمر جائز في الهبة وغير جائز في الصدقة.
وبينا إجازة الشرع اإلسالمي هبة الدم أي التبرع به دون أي مقابل متى
التصدق بالدم ،سبق ّ
ّ وفيما خص
دعت الحاجة إلى ذلك ،مع مراعاة الضوابط الشرعية في هذا اإلطار ،وبالتالي ال مانع أيضاً التصدق بالدم
المتصدق عليه ،وانقاذ لحياته .وأكد القرآن الكريم أهمية
ّ بنية التقرب إلى اهلل ،لما في ذلك منفعة للمريض
يعا }.9 ِ اها فَ َكأََّن َما أَح َيا َّ
اس َجم ً
الن َ مساعدة الغير { َمن أَح َي َ
فالشريعة اإلسالمية تقوم على أساس ار ٍ
ق وراسخ من اإليمان بمن خلق السماوات واألرض وهو يدعو إلى
العدل واإلحسان وتقديم العون والمساعدة لمن يطلب أو يستحق لبني اإلنسان كافة ،وبالتالي ال يمنع الفقه
اإلسالمي التصدق بالدم لما له من فضائل ،وانطالقاً من مبدأ التضامن والتعاون اإلنساي بين البشر .وال
مانع لدى القوانين الوضعية بذلك ،ومن ضمنها لبنان ،وتشريعات البلدان المتأثرة في بعض أحكامها بالشريعة
اإلسالمية كاألردن والعراق ومصر إذ يتم الحث على التصدق بالدم أي التبرع به دون أي مقابل ،وهذا أمر
ومرحب به في كافة التشريعات ،وان كان الدافع إليه ديني أو ايماني.
ّ نبيل
1إدمون كسبار ،الوصايا والهبات واإلرث ،غير مذكور دار وسنة النشر ،ص 192
4اآلية 31من سورة ابراهيم من القرآن الكريم
3اآلية 12من سورة الحديد من القرآن الكريم
2اآلية 34من سورة المائدة من القرآن الكريم
51
بحيث ينالون منه منافع تعد مبدئياً متعادلة وعلى وجه محسوس كعقود البيع والمقايضة واإليجار واإلستخدام
والقرض ذي الفائدة.2
وهنا تجدر اإلشارة أنه وبالرغم من مبدأ التوازن في العقود المتبادلة ،إال أن المشرع اللبناني سمح لألفرقاء
بترتيب عالقاتهم القانونية كما يشاؤون شرط مراعاة النظام العام واآلداب العامة واألحكام القانونية اإللزامية،1
مما يعني إمكانية أحد طرفي العقد اإللتزام بموجب أدنى قيمة من الموجب المقابل إذا وجد أن مصلحته تملي
عليه ذلك ،طالما أن ق ارره صادر عن إرادة حرة وواعية لمصالحها.3
وأهم ما يميز عقد المعاوضة عن العقد المجاني هو السبب الموضوعي في اإللتزام أي سبب العقد ،بمعنى
آخر الدافع إلى التعاقد ،فإذا كان هذا الدافع تحقيق منفعة أو فائدة معينة يعتبر عقد معاوضة ،أما لو كان
الدافع التضحية او اإليثار دون أي مقابل يكون عقد مجاني حتى ولو اقترن بمقابل نقدي ال يعادل ما تم
التبرع به.
وبالعودة إلى نقل الدم ،ال شك أن بعض عقود المعاوضة ال تصلح كموضوع لها ،كعقد اإليجار أو المقاولة
لمنافاة هذا النوع من العقود مع الدم البشري ،في حين أنه من حيث المنطق قد يصلح هذا الدم كموضوع لعقد
بيع أو مقايضة ،إال أن ما ستتم معالجته في البندين الالحقين يدور حول مشروعية هذه العقود في القانون
وفي الشريعة.
أ – بيع الدم
وبينا في الفقرة السابقة أهمية التبرع
يلعب الدم البشري دو اًر هاماً في إنقاذ حياة أشخاص من الهالك ،وسبق ّ
به دون مقابل لما في ذلك من آثار إجتماعية ومعنوية جمة ،لكن هل يصلح الدم كموضوع لعقد بيع؟ بمعنى
آخر هل من مشروعية لبيع الدم من أجل الحصول على المال ليتحول من مثال للتضحية واإليثار إلى عمل
أشبه بالعمل التجاري متى كان الهدف منه تحقيق الربح؟
في البدء ال بد من تعريف عقد البيع ،فعرفته المادة 371من قانون الموجبات والعقود اللبناني بأنه عقد يلتزم
فيه البائع أن يتفرغ عن ملكية شيء مقابل أن يلتزم فيه الشاري بدفع ثمنه ،وبالتالي يترتب عن عقد البيع
وفيما خص عمليات نقل الدم ،يعتبر عقد بيع الدم عقد بمقتضاه يتم نقل الدم من بائعه إلى مشتريه لقاء ثمن
معين ،إال أن هذا األمر القى نوعاً من اإلستهجان عند أغلب المجتمعات والتشريعات ،لمنافاته مع البعد
اإلنساني لهذا النوع من العمليات ،لذلك يالحظ أن أكثرها تمنع بيع الدم في تشريعاتها ،في حين بعضها
اآلخر تجيز ذلك بل أكثر من ذلك تنظم عمليات البيع هذه ،إن لناحية القوانين المنظمة أو لناحية تسعيرته
في السوق وغيرها من األمور.
في فرنسا ،كما سبق وبينا في الفقرة السابقة ،حصر قانونها إمكانية الحصول على الدم واإلستفادة منه بإشراف
طبي وحص اًر من متبرعين ،وبشكل مجاني وسري ،وبالتالي ال يبيح بيع الدم ،فنص القانون الفرنسي الخاص
بعمليات نقل الدم رقم 859الصادر في 2451/17/12على عدم استعمال كلمة بيع الدم ،وعلى أن الدم
البشري ال يخضع لمعامالت تجارية 2فيعتبر هذا األخير غير قابل ألي شكل من أشكال البيع ألنه ليس دواء
وليس بضاعة ،وطريقة الحصول عليه محصورة بمراكز صحية مرخصة لذلك ،كما أن قانون الصحة
العمومية الفرنسي ينص على ان هبة الدم ال يمكن أن تكون مرتبطة بأية مكافأة مباشرة أو غير مباشرة،
وتمنع من دفع أي مبلغ نقدي أو حتى قسائم خصم أو منح أي فائدة.1
يضاف إلى ذلك إلى أن الفقه واإلجتهاد الفرنسي 3ال تطبق القواعد العامة للبيع على الشخص الذي تعهد
بتوريد كمية من دمه ،ولهذا يجيز فقهاؤها عدم استعمال عبارة بنك الدم ألن استعمالها يوحي لآلخر بخضوع
جسم اإلنسان للمعامالت التجارية.
في مصر ،نظم القانون رقم 278الصادر عام 2461العمليات المتعلقة بتنظيم وتخزين وتوزيع الدم
ومركباته ،ثم صدرت عدة ق اررات و ازرية مطبقة له منها قرار وزير الصحة رقم 251لسنة ، 2461و قد
أعطى هذا القانون لوزير الصحة العمومية صالحية وضع قواعد متعلقة بتحديد المكافآت المستحقة للمنقول
1
« le sang et ses dérivés ne sont pas des médicaments, ne constituent pas un bien du
» commerce, comme issu du corps humain
4
Article D1221-1 du code de la santé publique:
« Le don de sang ou de composants du sang ne peut donner lieu à aucune
rémunération, directe ou indirecte. Sont notamment prohibés à ce titre, outre tout
paiement en espèces, toute remise de bons d'achat, coupons de réduction et autres
documents permettant d'obtenir un avantage consenti par un tiers, ainsi que tout don
» d'objet de valeur, toute prestation ou tout octroi d'avantages.
3حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 131
53
منهم الدم وثمن الدم ومركباته ومشتقاته ،وهذه المكافآت تتدرج بالثمن وفق الكمية المسحوبة والنوعية
قسم المتطوعين بين متطوعين ومتطوعين مجاناً لكن يتم منحهم
المتطوع بها ،إذ أن القرار المذكور أعاله ّ
هدية في حدود 51قرشاً ،ومتطوعين مقابل مكافآت مادية حسب كمية الدم ونوعيته ،ويالحظ ان سحب الدم
يكون إما مجاناً أو لقاء مقابل ،األمر الذي دفع العديد 2إلى القول بأن المشرع المصري يسمح ببيع الدم وأن
هذا المقابل ما هو إلى ثمن الدم الذي يعد ركن أساسي لعقد البيع وال يهم قيمة الثمن المدفوع وان كان بخساً،
في حين أن هنال رأياً آخر 1يعتبر أن القانون المصري أتى على ذكر متطوعين حتى ولو كان لقاء مقابل،
كما أن هذا القانون ال يعرف فكرة بيع الدم وان ما ورد فيه فيما خص دفع مقابل لكميات الدم المسحوبة ما
هي إال على سبيل المكافأة أو التعويض عما فقد من جسمه ،وال بمكن اعتباره ثمناً ألن اإلنسان وجسمه
يتنافيان مع فكرة البيع والشراء.
إال أن الرأي الغالب ،3يعتبر أن مصر تبيح عمليات بيع الدم ،وأن ما ورد في القانون من عبارات التبرع ال
تعبر عن حقيقة التصرفات وعن تكييفها القانوني ،خاصة في وصفه للمتطوع بالدم مقابل مكافأة مالية محددة
إذ أن هذا التصرف يعد بيعاً وليس تبرعاً.
وبالتالي ،يمكن القول أن القانون 2461/278يجيز لبنوك الدم الحصول على الدم إما عن طريق التبرع أو
عن طريق الشراء بمقابل رمزي ،ثم تقوم هذه البنوك ببيعه إلى الجمهور 9أي المرضى المحتاجين إليه ،وهذا
ما يعزز فكرة بيع وشراء الدم في مصر ،إذ أن هذه البنوك تتلقى الدم من المتبرع أو البائع بسعر بخس ثم
تعاود وتبيع هذا الدم بسعر قد يصل إلى أضعاف سعر الشراء ،وينطبق على أعمالها وصف األعمال
التجارية إذ تقوم على فكرة الشراء لمنقول واعادة بيعه من أجل تحقيق ربح ،مما سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار
أكياس الدم دون ضوابط مطبقة مما سينتج عن ذلك إستغالل لحاجة األفراد مقدمي للدم أم آخذيه ،وستبتعد
هذه البنوك عن غايتها وأهدافها ال سيما دورها اإلنساني واألخالقي.
وتجدر اإلشارة أن مصر في هذا اإلطار تعاني كثي اًر ،إذ أن مافيات تجارة الدم تتالعب بأسعاره وبمدى توافره
مما يؤدي إلى معاناة المحتاجين إلى الدم.
أما في لبنان ،سبق وذكرنا أعاله ،أن قانون إنشاء وتنظيم ومراقبة مراكز نقل الدم نص في المادة الواحدة
والعشرين منه على منع مقدمي الدم البيع واإلتجار بالدم بأي شكل من األشكال وتحت أي ظرف من
ب – مقايضة الدم
فعرفه
وعرفته أغلب التشريعات الوضعيةّ ، عرف نظام المقايضة منذ القدم ،وتطور مفهومه حتى يومنا هذاّ ،
المشرع اللبناني في المادة 244من قانون الموجبات والعقود بأنه عقد يلتزم فيه كل من المتعاقدين ان يؤدي
عرفه المشرع المصري في المادة 981من قانونه المدني تعريفاً مشابهاً
شيئا للحصول على شيء آخر ،و ّ
ولكن أكثر دقة فاعتبره أنه عقد يلتزم بمقتضاه كل من المتعاقدين نقل على سبيل التبادل ملكية مال ليس من
وعرفه المشرع األردني في المادة 551من قانونه المدني بأنه مبادلة مال أو حق مالي بعوض من
النقودّ ،
غير النقود.
ويستفاد من هذه التعريفات أن المقايضة عقد من عقود المعاوضة كونه بمقابل ،وهذا المقابل قد يكون من
جنس الشيء الذي يقدمه الطرف األول وقد يختلف عنه ويكون من جنس مغاير وال يخرج المقايضة عن
طبيعتها 2إضافة بعض النقود إلى بعض السلعتين ،ولكن ال يمكن أن يكون المقابل مبلغاً من النقود ،وهذا
أهم ما يميزه عن عقد البيع إذ يعد البيع عقد معاوضة مقابل ثمن معين من النقود ،ويعد هذا الثمن ركن من
ٍ
مشتر ،بينما يميز بين هذين العقدين أن المتعاقدين في البيع أحدهما بائع واآلخر
أركان عقد البيع ،كما أن ما ّ
يعتبر طرفا عقد المقايضة بائعاً ومشترياً في آن واحد.1
وفي إطار عمليات نقل الدم ،يمكن تصور المقايضة فيها ،ومن خالل الواقع العملي يالحظ طريقتين لها،
الطريقة األولى تتمثل بمقايضة الدم البشري بمثيله أو أحد عناصره مثل مبادلة دم من فصيلة معينة بوحدة دم
من فصيلة أخرى أو مبادلة دم طبيعي كامل بأحد مشتقات الدم كالبالزما أو الصفائح الدموية .والطريقة
الثانية تقضي بمقايضة الدم بشيء آخر ليس من الدم أو أحد مشتقاته أو مركباته.
وفيما خص الطريقة األولى ،أي مقايضة الدم البشري بمثيله أو أحد عناصره ،ال تمنعها القوانين الوضعية لما
في ذلك من مصلحة للطرفين ،وهذا ما يحدث غالباً في مصارف الدم والمستشفيات التي تكلف المريض
بإحضار أحد أقاربه أو معارفه للتبرع بالدم بما يساوي الكمية التي يحتاجها بعد فحص المتبرع واإلطالع على
1المادة 112من القانون المدني األردني والمادة 223من القانون المدني المصري والمادة 101من قانون الموجبات
والعقود اللبناني
4سليمان مرقص ،في عقد البيع ،الطبعة الرابعة ،عالم الكتب بالقاهرة ،1920 ،ص 111
55
حالته الصحية وضمان عدم ترتب نتائج أو آثار سلبية عليه مع اشتراط رضاه على ذلك ،2واللجوء إلى
مقايضة الدم بمثله يكون لسد الحاجة إليه بسبب قلة الكميات المخزونة وعدم إمكانية تصنيعه أو إيجاد البديل
إال من خالل جسم اإلنسان .وهذا ما يقوم به المركز الوطني لنقل الدم في العراق ،وقد أجاز هذه المقايضة
أيضاً القانون المدني األردني والمصري.1
وفيما خص لبنان ،أتى قانون إنشاء وتنظيم ومراقبة مراكز نقل الدم على ذكر المنع الصريح للبيع والمتاجرة
بالدم دون التطرق إلى عقد المقايضة ودون منع شامل لعقود المعاوضة ،لذلك نرى أال مانع مقايضة الدم
بمثله نظ اًر للمصلحة والمنفعة العائدة لهذا التصرف.
أما فيما خص الطريقة الثانية ،أي مقايضة الدم البشري بشيء آخر غير الدم ،يجب التمييز بين التشريعات
التي تجيز بيع الدم التي بدورها لن تمانع مقايضته بأشياء أخرى شرط مراعاة النظام العام واآلداب العامة
واألحكام القانونية اإللزامية ،وبين التشريعات التي تمنع بيع الدم كي ال يصبح الجسم البشري سلعة ومحل
تجارة ،وبالتالي لن تسمح بمقايضته مقابل أشياء غير الدم مثل فرنسا ولبنان.
نظ اًر ألهمية الدم البشري في إنقاذ حياة اإلنسان ،عمد فقهاء الشريعة اإلسالمية إلى إباحة نقله وفقاً لشروط
معينة ،ومن ثم دار النقاش حول جواز بيعه من عدمه.
يرى أصحاب هذا الرأي 2أن الدم ال تجيز الشريعة اإلسالمية بيعه ،معتبرين أنه يشترط في محل العقد
شروطاً يجب أن تتوفر ،منها قابليته لحكم العقد باعتبار أن ما ال يقبل حكم عقد من العقود ال يصح ان يكون
محالً له ،ففي عقد البيع يشترط ان يكون موضوعه طاه اًر غير نجساً منتفعاً به ،ونتيجة لذلك ال يصح أن
يكون الدم المسفوح مبيعاً بسبب نجاسته ،مستدلين على ذلك على آيات من القرآن الكريم منها {إَِّن َما َح َّرَم
اغ َوَال َع ٍاد فَِإ َّن اللَّهَ َغفور ير َو َما أ ِه َّل لِ َغي ِر اللَّ ِه بِ ِه ۖ فَ َم ِن اضط َّر َغي َر َب ٍ
الد َم َولَح َم ال ِخن ِز ِ
َعلَيكم ال َميتَةَ و َّ
َ
َّ ِ ِ
َجد في ما أوحي إِلَ َّي مح َّرما علَ ٰى َ ٍ ِ رِحيم} 1وقوله تعالى {قل َّال أ ِ
وحا
ون َميتَةً أَو َد ًما َّمسف ً طاعم َيط َعمه إِال أَن َيك َ َ ً َ َ َ َ
3 ِ
َّك َغفور َّرحيم} ، ٍ
اغ َوَال َعاد فَِإ َّن َرب َ ِ ِ َّ ِ َّ ِ ِ
ير فَِإنَّه ِرجس أَو فسقًا أهل ل َغي ِر الله بِه ۖ فَ َم ِن اضط َّر َغي َر َب ٍ نز ٍ ِ
أَو لَح َم خ ِ
إذ أن هذه اآليات ال تجيز أكل الميتة أو الدم أو لحم الخنزير ،وتحريم هذه األمور ينتج عمها تحريم ثمنها،
محرماً غير جائز شرعاً.
فيصبح بيعها ّ
هذا من جهة ،ومن جهة اخرى ،يعتبر رافضو بيع الدم أن أجزاء اإلنسان أو أعضائه البشرية ومنها الدم ،ال
يمكن بيعها لما ذلك منافاة لحقوق اهلل على جسد اإلنسان وروحه ،هذا األخير ليس له الحق باإلنتفاع في
جسده إال بما يؤدي وظيفة الحياة ،فهو ليس مالكاً لجسده وال ألعضائه فال يملك حق له بيعها.9
يعتبر أصحاب هذا الرأي 5أن الدم يصلح ليكون موضوعاً لعقد بيع ،بسبب ثبوت اإلنتفاع به وتوفر الشروط
المطلوبة لمحل عقد البيع ،يضاف إلى ذلك عدم التعارض بين بيع الدم والكرامة اإلنسانية ،بل يعتبر هذا
الرأي أن بيع الدم إلنقاذ حياة المريض يأتي في مقدمة األمور التي من شأنها المحافظة على كرامة اإلنسان،
وأن اآليات التي استدل عليها رافضو بيع الدم بأن هذه اآليات نفسها هي التي أجازت أكل الحرام في حاالت
الضرورة ،كما اعتبروا أن التصرف في جزء من بدن اإلنسان كاللبن ،ال يفقد بهذا التصرف شيئاً من حريته ال
سيما وان أدلة األحكام الشرعية قد أجازت بيع لبن اآلدمية بموجب عقد الرضاعة ألنه من األعضاء اآلدمية
1صحيح البخاري ،المجلد األول ،الجزء الثالث ،الطبعة الثانية ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،لبنان1210 ،ه 1921/
م ،ص 102
4اآلية 113من سورة البقرة من القرآن الكريم
3اآلية 121من سورة األنعام من القرآن الكريم
2منذر الفضل ،المرجع السابق ،ص 13وما يليها.
1محمد صافي ،في نقل الدم وأحكامه الشرعية ،الطبعة األولى ،مؤسسة الزعبي ،حمص ،سوريا 1394 ،ه 1913 /م ،ص
12
57
التي يمكن التصرف فيها ،2وقياساً على إجازة بيع لبن اآلدمي من قبل جمهور الفقهاء ،منهم المالكية
والشافعية ،يمكن بيع الدم البشري ألنه مثله مثل األعضاء المتجددة.
وبالتالي يمكن القول أن األصل هو التبرع بالدم كونه يمثل عمالً إنسانياً نبيالً ألنه يساهم في إنقاذ حياة
مرضى بحاجة لنقل الدم ،لكن إذا امتنع الناس عن التبرع به دون مقابل ،فال مناص من الحصول عليه
بمقابل ،إذ في هذه الحالة تكون هنالك ضرورة عالجية ،وتطبيقاً للقاعدة الشرعية بأن الضرورات تبيح
المحظورات يجب إباحة بيع الدم.
ال يفرق علماء الشريعة اإلسالمية بين البيع والمقايضة ،ألن البيع لديهم يكون إما أن يكون بيع الدين بالنقد
وهو البيع المطلق أو بيع النقد بالنقد وهو الصرف أو بيع العين بالعين وهو السلم أو بيع العين بالعين وهو
المقايضة فالمقايضة نوع من أنواع البيوع التي ترد على الملكية والتي تتمثل في بيع العين أو مبادلة الدين
بالعين ،أي مبادل مال بمال غير النقدية كبيع السلع بأمثالها نحو بيع الثوب بالثوب وغيره.1
وسبق وذكرنا في معالجتنا لمشروعية عقد مقايضة الدم البشري في القانون ،أن هذا النوع من العقود يتصور
حدوثه بطريقتين ،الطريقة األولى مبادلة الدم البشري بمثيله أو بأحد عناصره ،وهذه الطريقة مباحة شرعاً ألن
الشريعة اإلسالمية تقوم على أساس دفع الحرج عن الناس والمشقة ،مستدلين على ذلك من آيات قرآنية { ،ما
يريد اهلل ليجعل عليكم من حرج}{ ،3وما جعل عليكم في الدين من حرج} ،9وبالتالي ينتج عن هذه المقايضة
تيسير ألمور العباد وتلحق منفعة وخير بالمجتمع ،وتحقق مصلحة مشتركة.
والطريقة الثانية المتمثلة بمبادلة الدم بغير جنسه ،فإذا كان هذا المقابل شيء مباح التصرف فيه من الناحية
يحرمه .ويمكن القول أنه في
الشرعية ،سيكون أمام رأيين من الفقهاء ،على غرار البيع ،رأي يجيزه ورأي آخر ّ
حالة الضرورة وتطبيقاً للقاعدة الشرعية التي تقضي بأن الضرورات تبيح المحظورات ،تجوز هذه المقايضة.
محرم 5التصرف فيه ،كمقايضة الدم بأعضاء بشرية ،فال إمكانية للمقايضة إذ
أما إذا كان هذا المقابل شيء ّ
يعتبر ذلك أمر محرم شرعاً وال تبيحه أية ضرورة.
وعلى الرغم من األهمية العظمى لعمليات نقل الدم في إنقاذ حياة الكثير ،إال أنها أصبحت مشكلة في بعض
األحيان بسبب ما ينتج عنها من أضرار ال يستهان بها قد تؤدي إلى الموت كنقل دم ملوث فيه مرض قاتل.
هذه األضرار الالحقة بالمرضى نتيجة عملية نقل الدم ،أوجبت البحث في المسؤولية المدنية عنها ،من أجل
وضع أحكام قانونية للمسؤولية من شأنها تحقيق الردع واإلصالح في آن واحد .ولذلك سيتم التطرق في
الفصل األول من هذا القسم إلى اإللتزامات الملقاة على عاتق المتدخلين في عمليات نقل الدم ،ومن ثم سيتم
معالجة أحكام المسؤولية في الفصل الثاني منه.
فموجب الوسيلة ،يوجب على المدين به ،بذل عناية كافية والقيام بالوسائل المطلوبة من أجل تحقيق غاية
غير خاضع تحقيقها إلرادته ،فإذا إذا أثبت أنه بذل العناية الالزمة وضمن الوسائل المتاحة ال مسؤولية على
1مصطفى العوجى ،القانون المدني ،المسؤولية المدنية ،الجزء الثاني ،الطبعة الثالثة ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت،
لبنان ،4001 ،ص 31
59
عاتقه بسبب عدم تحقق النتيجة .كموجب الطبيب ،فمن حيث المبدأ ،موجب وسيلة ،وان كان يلتزم في بعض
األحيان بموجب نتيجة .أما موجب النتيجة ،يلتزم المدين به بتحقيق نتيجة واضحة ومحددة وان مجرد عدم
تحقيق هذه النتيجة يرتب مسؤولية على المدين به .ويتوجب على المدين بالموجب أدائه مهما كان نوعه.
وفيما خص التزامات األشخاص المعنويين ،فالشخص المعنوي يمكن تعريفه بأنه ذلك الذي يعترف به
وتحمل
ّ المشرع ،ويعطيه الحق في ممارسة كافة أنواع التصرفات القانونية في التعامل ،وفي اكتساب الحقوق
اإللتزامات ،كما يمتلك ذمة مالية مستقلة وله حق التقاضي.
وتعتبر مراكز نقل الدم والمستشفيات أبرز األشخاص المعنويين المتدخلين في عمليات نقل الدم.
1
Cour d’appel de Paris, 26 Avril 1948, Gazette du Palais, 1948, p 202
2
Cour du Cassation Civile, 17 Decembre 1954, D, 1955, note R.Rodiere, p 269
3
Toulouse. 9 Juin 1992 inf rap. 2042 ,
نقالً عن حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ص 341
61
ويمكن القول أن القضاء رتّب مسؤولية مراكز نقل الدم تجاه متلقي الدم على أساس المسؤولية العقدية التي
تضع عبء اإلثبات على عاتق المركز ،وال يتوجب على المتضرر سوى إثبات العالقة بينه وبين مراكز نقل
الدم وعدم التزامها بتنفيذ موجباتها.
ولكن يتوجب معرفة طبيعة هذا اإللتزام الذي يؤدي التخلف عن تأديته إلى ترتيب مسؤولية ،فهل هو إلتزام
بوسيلة؟ أم بنتيجة؟
من البديهي القول بأن التزام مركز نقل الدم تجاه المريض هو بنقل دم سليم ٍ
خال من التلوث ،لكن طبيعة هذا
مرت في عدة نقاشات ومراحل ،ففي البدء اعتبر القضاء 2أن هذا اإللتزام إلتزام بوسيلة أي موجب اإللتزام ّ
عناية وأنه لترتيب هذه المسؤولية ال بد من إثبات خطأ المركز ،الذي يستطيع نفيه فيما لو أثبت تنفيذ إلتزامه
بعناية ،إال أنه وبعد اكتشاف مرض السيدا ،بدأ القضاء يتخلى عن فكرة التزام مركز نقل الدم بوسيلة واإلتجاه
نحو اعتبار التزامه التزاماً بتحقيق نتيجة ،فأصدرت محكمة بوردو الجزائية 1حكماً بتاريخ 27شباط 2441
قضى بأن التزام مركز نقل الدم هو التزام بضمان سالمة متلقي الدم من اإلصابة بأمراض ناتجة عن تلوث
الدم ،وان إصابة المريض بعدوى نقص المناعة المكتسبة (السيدا) جراء نقل الدم إليه ،يؤدي إلى اعتبار
المركز قد أخل بالتزامه.
ومن ثم توالت األحكام ،بعضها اعتبر أن هذا اإللتزام التزام بوسيلة ،مثل حكم محكمة Evry 3الجزائية عام
،2441التي اعتبرت أن مركز نقل الدم يتوجب عليه توخي الحذر والتأكد من سالمة الوسائل وهذا ما يعتبر
التزام بوسيلة على أن يعلم المستخدم باألخطار المحتملة ،وحكمين لمحكمة استئناف تولوز في 8أيلول
2441أعلنا ان إلتزام المركز التزام بوسيلة وهذا اإللتزام يشمل التزاماً نوعياً خاصاً باألمان والسالمة.9
وبعضها اآلخر اعتبر أن هذا االلتزام هو التزام بتحقيق نتيجة ،مثل حكم صادر عن محكمة نيس في 17
تموز 2441معتبرة فيه أن المريض المستفيد من اإلشتراط لمصلحة الغير في نطاق العقد األصلي والذي ال
يتوجب عليه موجب توريد دم سليم غير معاب ،مما
عد دائناً مباش اًر لمركز نقل الدم الذي ّ
يعتبر جزءاً منه ،ي ّ
يعني أن التزامه التزام نتيجة ،5ومثل حكم صادر عن محكمة استئناف Aix en provenceالصادر في
21تموز 19936حيث تم نقل دم إلى مريض بحاجة إليه ،وتبين أن هذا الدم مصاب بفيروس السيدا ،مما
1
Cour d’appel Paris, 25 Avril 1945, D 1946, note R. Rodière, P 190
2
Tribunal de grande instance Bordeau, 17 Fevrier 1992, Gazette du Palais, 1993, p 405
3
Tribunal de grande instance Evry, 15 October 1990, Gazette du Palais, 1991, p 579
2حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 342
5
Marie-Angèle Hermitte, Le sang et le droit - Essai sur la transfusion Sanguine, édition
du seuil, France, 1996, P 28
6
Cours d’appel d’Aix-en-Provence, 12 Juillet 1993 D, 1994, note Doiminique Videl, P 13
62
أدى إلى نقله إلى المريض ،فاعتبرت المحكمة أن العقد الحاصل بين المستشفى ومركز نقل الدم يتضمن
وفسرت المحكمة العقد معتبرة أنه
اشتراطاً فنياً لمصلحة المريض بموجبه يلتزم المركز بتقديم دم للمريضّ ،
يرتّب على عاتق المركز التزاماً بسالمة الدم وخلوه من أي عيب أو جراثيم من شأنها إلحاق الضرر بالمتلقي،
ألن هدف المريض من عملية نقل الدم ليس مجرد الحصول على دم ،بل يعتبر أن مركز الدم يمتلك الحرفية
والمهنية وبالتالي يكون هدفه الحصول على دم سليم ٍ
خال من الجراثيم واألمراض ،صالح لألغراض الطبية،
وبالتالي يعتبر التزامه التزام بنتيجة.
وأمام هذه اإلختالفات والتناقضات في األحكام ،عمدت محكمة النقض الفرنسية إلى إصدار حكمين 2في
تبني فكرة اإللتزام بوسيلة لمركز نقل
عام ،2445األول ألغى حكم محكمة استئناف تولوز 2441واعتبر أن ّ
الدم في غير محله القانوني ،والحكم الثاني أقر بمشروعية حكم محكمة استئناف باريس الذي اعتبر أن
العيب الداخلي للدم حتى ولم يتم كشفه ،ال يعتبر بالنسبة لمركز الدم سبباً أجنبياً من شأنه دفع المسؤولية
التنصل من التعويض عن األضرار الالحقة نتيجة توريد دم ملوث ،خاصة وأن هذا النوع
ّ عنها ،وال يمكن له
من المراكز تعتبر مختصة بحفظ الدم وتسليمه وتحتكر ذلك.
وقد ّأيد أغلب الفقه 1موقف محكمة النقض الفرنسية هذا ،الذي اعتبر التزام مركز نقل الدم التزام بنتيجة.
وبالتالي يمكن القول أن العقد المبرم بين مركز نقل الدم والمؤسسات الطبية العالجية ،هو عقد توريد ،وأن
العالقة بين مركز نقل الدم والمريض متلقي الدم هي اشتراط لمصلحة الغير ،ويعتبر التزام المركز التزاماً
بنتيجة تتمثل بتسليمه دماً سليماً.
وبالتالي يقع على عاتق مركز نقل الدم إلتزاماً بضمان سالمة الدم ،لكن ما هو أساس هذا اإللتزام؟
في هذا المجال تم البحث بثالثة آراء.3
1الفقرة الثانية من المادة 112من القانون المدني العراقي رقم 20لسنة 1911وتعديالته
4المادة 114من القانون المدني األردني والمادة 222من القانون المدني المصري
3المادة 1121من القانون المدني الفرنسي
« Le vendeur est tenu de la garantie à raison des défauts cachés de la chose vendue
qui la rendent impropre à l'usage auquel on la destine, ou qui diminuent tellement cet
usage que l'acheteur ne l'aurait pas acquise, ou n'en aurait donné qu'un moindre prix,
» s'il les avait connus
2حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 332
64
تعرض للنقد على اعتبار أنه غير قادر على تأمين الحماية
إال أن هذا األساس لمسؤولية مركز نقل الدم ّ
الالزمة للمتضرر لعدة أسباب ،يمكن ايجازها بأن ضمان العيب الخفي ال يعتبر ،في أغلب األحيان ،ضماناً
معروفاً من قبل المتضرر ،كما أن إثباته على قدر من الصعوبة وقد يكون مستحيالً في الكثير من األحيان،
بالنسبة للمتضرر الفتقاره الخبرة الطبية ،كما أن المهلة الممنوحة للمتضرر إلقامة دعوى ضمان العيب الخفي
تعتبر مهلة قصيرة األجل ،مما يؤدي إلى حرمان المتضرر من مركز نقل الدم من حقه بإقامة الدعوى ال
سيما أن اكتشاف بعض الفيروسات يأخذ وقتاً كبي اًر ،فبعضها يمر في فترة حضانة تصل إلى 21عاماً.
ويضاف إلى ذلك أن أنواع الجزاءات المرتبطة بدعوى ضمان العيوب الخفية والمتمثلة في دعوى استرداد
المبيع أو تخفيض الثمن ،تبدو غير متالئمة مع احتياجات المريض ،بينما المطالبة بتعويض للمتضرر هو ما
يعد أكثر فائدة له.
وألجل هذه األسباب ،استبعدت بعض األحكام هذا األساس لمسؤولية مركز نقل الدم واتجهت نحو "اإللتزام
بتسليم شيء مطابق".
1أشرف جابر ،التأمين من المسؤولية المدنية لألطباء ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،1999 ،ص 322
4أشرف جابر ،المرجع السابق ،ص 322
66
في عقد العالج الطبي ،يفقد المريض خيار المحافظة على سالمته الجسدية إذ ينتقل ذلك إلى الطبيب الذي
يؤدي العالج الالزم على أساس الثقة بين الطرفين وفي حدود علم المريض واألمانة العلمية .ويلزم عقد
العالج الطبي ضمان سالمة أحد المتعاقدين (المريض) عندما يسلّم هذا األخير نفسه للمتعاقد اآلخر
(الطبيب) ،فينتقل حق المريض في سالمة جسده إلى الطبيب مما يوجب على هذا األخير ضمان سالمة ما
انتقل إليه .وفي حالة توريد الدم ،يعمد ناقل الدم (المركز) بنقله إلى متلقيه الذي يتلقاه وهو واثقاً ومطمئناً
لسالمة كون هذا المركز مهمته حفظ الدم وتجميعه بطريقة تضمن سالمته وخلوه من التلوث.2
إذاً يمكن القول أن أساس التزام مركز الدم هو اإللتزام بضمان السالمة وخرق هذا االلتزام يرتّب عليه
مسؤولية .وفي هذه الحالة ،يسمح نظام اإلشتراط لمصلحة الغير ،الذي سبق وبيناه ،للمتضرر بمطالبة المركز
عن الضرر الالحق به على أساس المسؤولية العقدية رغم غياب أي اتفاق مباشر بينهما ،وذلك خالفاً لمبدأ
نسبية العقود .وبالتالي يمكن للمتضرر في حالة توريد دم معاب إقامة دعوى مباشرة ضد مركز نقل الدم على
اعتبار أنه مورد الدم ،استناداً للعقد المبرم بين المركز والمؤسسة العالجية ،وهذا ما أكده القضاء في عدة
أحكام (سبق واستعرضنا أمثلة عنها أعاله) ،ومن ثم ذهب القضاء الفرنسي 3أبعد من ذلك إذ اعتبر ان التزام
مركز نقل الدم بضمان السالمة ناتج عن التزام عقدي وال يمكن رفع المسؤولية عن المركز لسبب أجنبي ،فال
يمكنه إعفاء نفسه من المسؤولية بحجة عدم إمكانية معرفته بتلوث الدم.
طبق من شأنه
وعلى الرغم من اإلنتقادات الموجهة لهذه النظرية ،إال أنها تعتبر حتى يومنا هذا أفضل نظام م ّ
تأمين حصول المتضرر على تعويض يتناسب والضرر الالحق به نتيجة نقل دم ملوث.
1
Ahmad Issa, La responsabilité médicale en droit public (Etude Comparicale en droit public
(Etude Comparée), Edition Alpha, Beirut, Liba, 2014, P 279
4محمد فؤاد عبد الباسط ،المرجع السابق ،ص 14
3حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 312
4
Conseil d’Etat, 27 décembre 1989, R.D.P. ,1990, P 1163
70
يتوجب لقيام المسؤولية على أساس المخاطر انعدام الصلة بين الخطر وحالة المريض ،أي يجب أال يكون
هذا الضرر امتداداً أو تطو اًر لحالة المريض ،أو نتيجة لحساسية معينة لديه أو لقابليته واستعداده المرضي،
بل يجب أن يكون شيئاً جديداً أو حالة جديدة يضاف إلى ما يعانيه المريض.
ويتوجب ،كما سبق وذكرنا أعاله ،توفر هذه الشروط األربعة مجتمعة لقيام مسؤولية اإلدراة دون خطأ ،وأخذ
مجلس الدولة الفرنسي بفكرة المخاطر لترتيب المسؤولية على المستشفيات العامة ،فقضى بالتعويض عن
النشاط أو الخطر الذي يقوم به المرفق الصحي العام .2وكان السبب في ذلك قضية ،BIANCHIالتي
سمحت هذه القضية بإمكانية مساءلة السلطات الطبية العامة عن األضرار الحاصلة نتيجة التشخيص أو
العالج على أساس المسؤولية دون خطأ ،وتتمثل هذه القضية بأن السيد BIANCHIكان قد أدخل
المستشفى في تشرين أول 2478للبحث في أسباب اإلضطرابات التي كان يعاني منها ،فأجرت المستشفى له
فحوصات عادية ،لكنه أصيب على أثرها بشلل تام ،فتقدم بدعوى قضائية مطالباً المستشفى العام بالتعويض
عن الضرر الالحق به ،إال أن محكمة الموضوع رفضت دعواه لعدم التمكن من إثبات خطأ من قبل
المستشفى ،من ثم تم عرض األمر أمام مجلس الدولة الفرنسي في أيلول 2488الذي رفض كل ما أثاره
المتضرر تجاه المستشفى سواء ما تعلّق بما يشوب الخدمة الطبية من خلل أو لعدم تحذير المريض من
المخاطر المتصلة بالفحوصات المجراة ،أو بعدم فاعلية العناية الطبية بعد إجراء الفحوصات ،إال أنه طلب
تقرير خبرة تكميلياً لتحديد الدور المحتمل للمنتج المستخدم في إجراء األشعة المجهرية ،لكن هذا التقرير لم
يستطع بعد مرور هذه المدة اكتشاف أي فعل أو امتناع خاطئ من جهة المستشفى ،األمر الذي دفع مفوض
الدولة ( )S.DAELإلى دعوة الجمعية الجمعية العامة للمجلس للبحث في إمكانية مساءلة المستشفى على
وقرر إلزام المستشفى العام بالتعويض
أساس المسؤولية دون خطأ ،وقد استجاب المجلس لتقرير المفوض ّ
على المتضرر على أساس قواعد المسؤولية دون خطأ.1
طبق مجلس الدولة الفرنسي المسؤولية دون خطأ والتي وضع أسسها في قضية Bianchiفي حاالت وقد ّ
كثيرة ،إذ قضى بمسؤولية المرافق الطبية العامة دون خطأ والتي تقوم على أساس المخاطر ،فأخذ بمسؤولية
المرفق الطبي العام تجاه المتبرعين بالدم إذ يتوجب على هذه المراكز ضمان عدم ترتيب أية آثار ضارة
بالنسبة للمتبرعين بالدم ،وتم اعتبار هؤالء المتبرعين من المعاونين المتطوعين ألداء سير المرفق العام ولذلك
1يراجع في هذا اإلطار حكم محكمة Dijonالفرنسية الصادر في 1912/01/40المتعلق بقضية السيد Pautas
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 312
3المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،1911/01/01 ،مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة ،ص 1241
2محكمة القضاء اإلداري ،جلسة ،1911/02/12حكم المحكمة اإلدارية العليا جلسة 1911/14/11
1أنور رسالن ،وسيط القضاء اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،سنة ،1999ص 132
1حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 320
72
يدير المستشفيات الحكومية في لبنان مؤسسة عامة لكل مستشفى من مستشفيات و ازرة الصحة العامة،2
وتتمتع هذه المؤسسة العامة بالشخصية المعنوية مع ما ينتج عن ذلك من استقالل مالي واداري ،وترتبط
بوزراة الصحة العامة التي تلعب دور سلطة الوصاية عليها ،وبالتالي إن أي دعوى تقام على المستشفى
الحكومي ،تقام ضد المؤسسة العامة المولجة إدارتها ،لتمتعها بالشخصية المعنوية ،أمام القضاء المختص
وهو القضاء اإلداري ،ولكن يمكن للمستدعي طلب إدخال الدولة ،و ازرة الصحة العامة ،كونها سلطة الوصاية،
وتطبق هذه القواعد على المنازعات المتعلقة بعمليات نقل الدم المجراة في المستشفى الحكومي.
)9موقف الشريعة اإلسالمية
يأخذ الفقه اإلسالمي بالمسؤولية على أساس الضمان ،فالضرر هو سبب وعلة الضمان ،وال يشترط أن يكون
هذا الضرر ناجماً عن اعتداء أو خطأ مقصود أم غير مقصود ،بل مجرد حدوث الضرر مهما كانت أسبابه
يصبح مستوجباً لضمانه ،ويستند الفقه اإلسالمي بذلك إلى حديث نبوي شريف "ال ضرر وال ضرار".
وبالتالي تطبق الشريعة اإلسالمية هذه األسس فيما يتعلق بالمسؤولية.
1المادة 1من قانون إنشاء مؤسسات عامة إلدارة مستشفيات وزارة الصحة العامة ،قانون رقم 122تاريخ .1991/01/42
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 324
73
ومن ضمن التزامات المستشفى ،تقديم المواد الواجب توافرها من أجل التمكن من تنفيذ تعاقدها ،من أدوات
جراحية وأدوية وكميات الدم ومستلزماته التي يحتاجها المريض ،فالمستشفى الخاص يحصل على الدم من
يمده للمريض.
مركز نقل الدم ومن ثم ّ
وبالتالي العالقة التي تربط بينهما عالقة تعاقدية ،وان عدم تنفيذ اإللتزامات الناشئة عن العقد يعتبر خطأً
عقدياً يرتّب مسؤولية عقدية.
وبينا في تعريفنا لإللتزامات ،أن الموجبات العقدية على نوعين ،موجب وسيلة يتطلب بذل عناية،
وقد سبق ّ
وموجب نتيجة؛ وفيما خص المستشفى ،تلتزم بالموجبين ،ففي بعض األحيان يكون التزامها موجب نتيجة
فيتوجب عليها تحقيق نتيجة معينة ،وان عدم تحقيق النتيجة المرجوة يعتبر إخالالً بالتزامها ،وال تستطيع رفع
المسؤولية عنها إال بإثباتها السبب األجنبي الذي منعها عن تحقيق النتيجة مثال على ذلك :التزام المستشفى
بتقديم األدوية التي يحتاجها المريض ،وفي أحيان أخرى ،تلتزم بموجب وسيلة أي بذلها العناية الالزمة،
ويتوجب على المريض المدعي إخالل المستشفى بالتزامها إثبات ذلك ،مثال على ذلك :تقديم الخدمات العادية
للمريض.2
وبالتالي يعتبر إلتزام المستشفى بتقديم الدواء موجب نتيجة ،ويعتبر إلتزام المستشفى بتقديم الدم الالزم للمريض
ذات إلتزامه بتقديم الدواء ،فالتزام المستشفى بسالمة المريض موجب نتيجة وبالتالي التزامه بتقديم دم سليم
خال من التلوث إلى المريض إلتزام بتحقيق نتيجة ،وال يعتبر العيب الداخلي للدم المنقول من قبيل السبب ٍ
األجنبي الذي من شأنه دفع مسؤولية المستشفى تجاه المريض ،ولو كان من غير الممكن التحقق من هذا
العيب.
1
تطور القضاء في هذا المجال ،ففي البدء أخذت محكمة النقض الفرنسية بالخطأ المفترض
في فرنساّ ،
كأساس لمسؤولية المستشفى وقصرت نطاق هذه المسؤولية على حاالت العدوى الحاصلة خالل وجود
المريض في المستشفى داخل غرفة العمليات أو حجرة الوالدة ،وان إثبات هكذا أمر ال يعد أم اًر سهالً .والحقاً
أصدرت المحكمة نفسها ثالثة أحكام صادرة في يوم واحد 3قضت بأن اإللتزام يقضي بتحقيق نتيجة بالنسبة
للعدوى المرضية التي تصيب المريض.
وعلى أية حال ،يشترط لقيام مسؤولية إدارة المستشفى العقدية عن فعل الغير ،توفر شرطين:
أن يكون الطبيب أو مساعدوه مكلفين قانوناً أو اتفاقاً .2
فالطبيب في تنفيذه لعقد العالج يعتبر ممثالً للمستشفى باعتباره شخصاً معنوياً ،فيسأل هذا األخير عن
أخطاء األول أو عن أخطاء مساعديه.
أن يكون هذا الطبيب أو مساعدوه قد عهد إليهم بتنفيذ هذا العقد من قبل إدارة المستشفى .1
فإن لم يعهد إليهم ذلك من قبل إدارة المستشفى ،ال يترتب مسؤولية هذه األخيرة عن فعل الغير ،بل قد يترتب
عليها مسؤولية شخصية ألنها لم تأخذ التدابير واإلحتياطات الالزمة لمنع هذا التدخل من الغير وتعفى منها
إذا أثبتت أن فعل الطبيب أو مساعده من قبيل القوة القاهرة أو حادثاً فجائياً.1
1يراجع في هذا اإلطار قضية طبيبة البنج كوكا أبو جودة ،قرار صادر عن محكمة التمييز اللبنانية ،رقم 4001/103بتاريخ
4001/10/31
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 390
76
الفقرة األولى :مسؤولية الجسم الطبي
سبق وذكرنا ،أن الطبيب ومساعديه يلعبون دو اًر هاماً في عمليات نقل الدم ،وسيتم بحث مسؤولية كل منهم
في هذه العمليات.
أوالً :مسؤولية الطبيب
تتم عملية نقل الدم بناء على أمر الطبيب سواء أكان هذا الطبيب جراحاً أم معالجاً ،فال يشترط إجراء عملية
جراحية للقيام بنقل الدم ،بل في الكثير من الحاالت ،والتي ال تعد عمالً جراحياً ،تستوجب نقل الدم ،يتمثّل
ذلك في حالة األمراض التي تصيب الدم ،كنقص الدم عند األطفال حديثي الوالدة.
والطبيب هو الشخص المولج بتقرير فيما لو كانت حالة المريض تستدعي نقل دم إليه ،األمر الذي يجعله
أهم جهة يتعامل معها المريض واألساس لعملية نقل الدم ،لذلك قد تترتّب عليه مسؤولية في بعض األحيان،
وال تختلف هذه المسؤولية سواء أكان جراحاً أم معالجاً أو طبيب تحليل دم ،2لذلك سيتم البحث في مسؤولية
الطبيب بشكل عام في عمليات نقل الدم.
دار النقاش في األوساط القانونية حول الطبيعة القانونية لمسؤولية الطبيب ،فهل هي مسؤولية عقدية أم
تقصيرية؟
في فرنسا ،استمر الفقه والقضاء فيها على اعتبار المسؤولية الطبية مسؤولية تقصيرية إلى أن صدر حكم
شهير عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 11أيار 24361قضى باألخذ بمسؤولية الطبيب العقدية ،ومن
بعد هذا الحكم استقر القضاء الفرنسي على هذا المنوال معتب اًر أن مسؤولية الطبيب عقدية بشكل عام ،إال أن
هنالك بعض اإلستثناءات ترتّب مسؤولية تقصيرية للطبيب.
وتكون المسؤولية عقدية عند توفر الشروط التالية 3المتمثلة بوجود عقد عالج طبي صحيح غير مهدد
بالبطالن بين المريض والطبيب المسؤول عن الضرر ،ويتوجب أن يكون الخطأ المنسوب إلى الطبيب ناتجاً
عن عدم تنفيذ التزام عقدي أي عدم تنفيذ التزام ناشئ عن عقد العالج الطبي ،وباإلضافة إلى ما سبق ،يجب
أن يكون المريض هو المتضرر حص اًر وذلك تطبيقاً لمبدأ نسبية العقود ،ويجب هذا األخير أن يكون صاحب
حق.
1سليمان مرقص ،الوافي في شرح القانون المدني ،الجزء األول ،الطبعة الخامسة ،1994،ص 391
4عبد اللطيف الحسيني ،المرجع السابق ،ص 102
3نقض مدني ،طعن رقم ،212لسنة 31ق ،جلسة 1911/14/41
2محمد حسين منصور ،المسؤولية الطبية ،المسؤولية المدنية لكل من األطباء و الجراحين و أطباء األسنان ،منشأة الناشر
للمعارف باإلسكندرية ،1999 ،ص 414
1حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 211
1استئناف بيروت ،الغرفة الثالثة المدنية ،قرار رقم 910تاريخ ،1911/01/12حاتم ،ج ،12ص 92
79
وتطابق فصيلة دمه مع المتلقي للدم ،واجراء الفحوصات الالزمة للتأكد من سالمة الدم وخلوه من األمراض
والفيروسات ،ويقع على عاتق الطبيب إلتزاماً بنقل دم سليم وبالتالي يكون التزامه التزاماً بتحقيق نتيجة خاصة
وأن هذا النوع من العمليات أصبحت بعيدة عن اإلحتماالت التي يتسم بها العمل الطبي عامة وذلك نظ اًر
للتقدم العلمي الهائل في مجال الدم لتطويره وتحسين األجهزة وطرق التحاليل وامكانياتها الالزمة الكتشاف أية
عيوب ضارة ،وان اإلخالل بهذا اإللتزام يرتّب عليه مسؤولية ،2وتكون مسؤولية عقدية تجاه المريض ضحية
عملية نقل الدم.
أما فيما خص طبيعة التزام الطبيب في عملية نقل الدم في الفقه اإلسالمي ،األصل في هذا الفقه أن فعل
الطبيب أو الجراح ال يتقيد بشرط السالمة ،1فإذا فعل الطبيب ما يجوز له فال يسأل عن الضرر الحاصل ولو
كان سبباً له وال يسأل الطبيب مدنياً عن الضرر الذي يصيب المريض الذي اختار عالجاً معيناً أو رضي به
متى كان الطبيب قد راعى أصول مهنة الطب في عمله ،3وان اعتماد الفقه اإلسالمي هذا اإلتجاه داللة
واضحة على أن الت ازم الطبيب في عمليات نقل الدم هو التزام ببذل العناية أي موجب وسيلة ،ويكون بذلك
مختلفاً عما هو الوضع في القانون الوضعي.
ثانياً :مسؤولية مساعدي الطبيب
شهد مجال عمليات نقل الدم تطو اًر هاماً على الصعيدين الطبي والفني مما دفع المؤسسات العالجية
متخصصين للقيام باألعمال الخارجة عن اختصاص ّ واألطباء ومراكز نقل الدم إلى اإلستعانة بمساعدين
األطباء ،مثال :الممرضين والممرضات الذي يعملون في المستشفيات أو المراكز الطبية أو لدى األطباء أو
في مراكز نقل الدم ،والفنيين العاملين في المختبرات الطبية ومراكز نقل الدم.
وقد يصدر خطأ من أحد الفنيين والعاملين في مراكز نقل الدم أو في بنوك الدم ،يؤدي إلى نقل دم ملوث إلى
المريض وبالتالي إلحاق الضرر به ،فيتحملون مسؤولية أخطائهم الفنية إذا كان ما قام به المساعد يدخل
ضمن صميم عمله وليس ناشئاً عن أمر الطبيب المعالج أو الجراح الذي يتبع له المساعد ،وفي هذه الحالة
يسأل المساعد عن خطئه الشخصي ويسأل الطبيب بصفته متبوعاً عن فعل تابعه المساعد.9
وهذا ما ينطبق أيضاً على الممرضين والممرضات العاملين في المستشفى أو مع األطباء ،فإنهم تابعون إما
إلدارة المستشفى أو للطبيب ،وفي بعض األحيان تكون تبعيتهم عرضية عندما يعملون مع الطبيب الجراح في
غرفة العمليات أثناء إجراء عملية جراحية يقوم بها هذا األخير في المستشفى ،وفي هذه الحالة ال رابطة تبعية
1
« tout fait quelconque de l'homme, qui cause un dommage à autrui, oblige celui par la
» faute duquel il est arrivé, à le réparer
" 4كل عمل من أحد الناس ينجم عنه ضرر غير مشروع بمصلحة الغير ،يجبر فاعله إذا كان مميزاً على التعويض .وفاقد
االهلية مسؤول عن األعمال غير المباحة التي يأتيها عن إدراك.وإذا صدرت األضرار عن شخص غير مميز ولم يستطع
المتضرر أن يحصل على التعويض ممن نيط به أمر المحافظة على ذلك الشخص ،فيحق للقاضي مع مراعاة حالة الفريقين،
أن يحكم على فاعل الضرر بتعويض عادل".
3محمد عبد الظاهر حسين ،مشكالت المسؤولية المدنية في مجال عمليات نقل الدم ،المرجع السابق ،ص 29
2حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 244
83
2
فرق بين عالقات تقع في دائرة المجامالت اإلجتماعية وعالقات أخرى تعتبر وقد ظهر في الفقه اتجاه ّ
عقدية ،فإذا كانت ضمن النوع األول من هذه العالقات ،ال تكون العالقة تعاقدية كقيام المتبرع بتقديم الدم بناء
على طلب المريض وكان التبرع على سبيل المجاملة أي يهدف من خالله المتبرع عدم اإللتزام القانوني وعدم
الحصول على أي مقابل وتقديم الدم طواعية ،دون توفر أي مصلحة له ،فهذه العالقة بينه وبين المريض ال
تخضع ألحكام المسؤولية العقدية ،بل إلى أحكام المسؤولية التقصيرية ،أما فيما لو كانت العالقة بينهما غير
ذلك كأن يكون الهدف من تقديم الدم الحصول على مقابل ،يصبح العقد عقد معاوضة وبالتالي يرتب
مسؤولية عقدية.
الحالة الثانية :الحصول على متبرع من خالل مركز نقل الدم
في هذه الحالة ،ال تنشأ أي عالقة في أغلب األحيان بين المتبرع والمريض ،إذ يتم تزويد المريض بالدم عبر
المؤسسات العالجية من خالل مركز نقل الدم ،وان توافر أخطاء مرتكبة من قبل المتبرع ،فيكون هذا المركز
مسؤول في مواجهة المريض وليس المتبرع ،إذ أن العالقة مباشرة بينهما ويتوجب على المركز تدارك أي خطأ
من شأنه إلحاق الضرر بالمريض.
وبمكن القول أن مسؤولية المتبرع يمكن أن تكون مسؤولية عقدية ،في الحاالت التي يتواجد فيها عقد ،وتكون
تقصيرية في غير تلك الحاالت.
وقد حاول اإلجتهاد 1في سبيل تمكين المتضرر من الحصول على التعويض عن الضرر الالحق به ،الخروج
عن القواعد التقليدية من خالل األخذ بفكرة اإلشتراط لمصلحة الغير إذ تقضي هذه الفكرة بإنشاء صلة بين
المريض ومركز نقل الدم رغم انعدام الصلة بينهما ،وأخذ بوجود عالقة تعاقدية بينهما وهو ما يشكل استثناء
عن مبدأ نسبية العقود (سبق وتم شرحه خالل عرضنا لمسؤولية مركز نقل الدم) ،وقياساً على ذلك دعا
البعض إلى األخذ بهذه الفكرة فيما خص العالقة بين المريض والمتبرع لتحويلها إلى عالقة تعاقدية.
يلق تجاوباً ،ألن فكرة اإلشتراط لمصلحة الغير ال تصلح ،إذ ال عالقة تربط المتبرع
إال أن هذا الرأي لم َ
بالمستشفى التي تعاقدت مع المريض ،ولذلك ال يمكن قيام عالقة بين المريض والمتبرع أساسها اإلشتراط
لمصلحة الغير.
وللحديث عن مسؤولية المتبرع ال بد من البحث بمعيار الخطأ بالنسبة له.
في البدء ،ال بد من اإلشارة إلى أن أساس المسؤولية يختلف بين تشريع وآخر ،فبعضها يبنيها على أساس
الخطأ الواجب اإلثبات مثال القانون الفرنسي والقانون المدني المصري واللبناني ،في حين البعض اآلخر
1محمود جمال الدين زكي ،مشكالت المسؤولية المدنية ،الجزء األول ،مطبعة جامعة القاهرة ،مصر ،ص 101
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 241
84
كالشريعة اإلسالمية والقوانين التي استمدت منها كالقانون المدني األردني يبنيها على أساس الفعل الضار ولو
صدر من غير مميز.
يعتبر المتبرع فرد من أفراد المجتمع يتمتّع بحقوق ويترتّب عليه واجبات والتزامات أهمها واجب التبصر وعدم
اإلهمال عند ممارسته لحقوقه وحرياته ،وبالتالي معيار الخطأ لديه هو المعيار الموضوعي ،2أي المعيار
الذي يتخذ من السلوك المألوف للشخص العادي مع مراعاة الظروف التي أحاطت به مقياساً يقاس عليه
سلوك من نسب إليه التعدي ،فإذا تم إثبات انحراف األخير عن سلوك الرجل العادي يعتبر مخطئاً وتترتّب
مسؤوليته.
والخطأ الذي ينسب إلى المتبرع يتمثّل بعدم إخبار الطبيب أو مركز نقل الدم أو الجهة التي يتبرع لديها
بإصابته بأمراض خطيرة تنتقل بواسطة الدم مثل السيدا والتهاب الكبد الوبائي ،أو إخفاء معلومات متعلّقة
بإحتمال أن يكون ناقالً ألحد األمراض كتواجده في منطقة موبوءة بمرض المالريا أو إصابته بأية حالة
مرضية من شأنها منعه عن التبرع بالدم.1
وان امتناع المتبرع عن إخبار الطبيب عن حالته يعود إما لجهله بحالته أو علمه بحالته المرضية أو كان
يسهل عليه علمه.
)2الحالة األولى ،حالة علمه بحالته
أي علمه بإصابته بإحدى األمراض الخطيرة التي تنتقل عبر الدم ،ورغم علمه هذا يقدم على التبرع بالدم،
فعله هذا يشكل خطأً قد يكون عمدياً ،عندما تتجه إرادته نحو التبرع من أجل الوصول إلى نتيجة معينة
فيتعمد المتبرع نقل الدم المصاب إلى غيره كونه عالم بحالته الصحية،
ّ متمثلة بنقل دم ملوث إلى الغير،
وبتصرفه هذا يكون قد ش ّذ عن سلوك الشخص العادي،3
ّ ويكون ذلك بدافع اإلنتقام في أغلب األحيان،
وبالتالي ارتكب خطأ يرتب عليه مسؤولية مدنية تقضي بالتعويض عن األضرار الالحقة بمتلقي الدم ،يضاف
إلى ذلك إمكانية ترتيب المسؤولية الجزائية عليه ألن ما أقدم عليه يعد جرماً واجب العقاب ،لكن يراعى في
هذا الصدد القوانين الجزائية في كل بلد فيما لو تنص على تجريم هكذا فعل انطالقاً من مبدأ شرعية النص
للجرم والجزاء ،أو وجود مواد جزائية أخرى تنطبق عليه.
فتتجه إرادته نحو تقديم الدم لكن دون نية حصول
وقد يكون غير عمدياً أي ناتج عن إهمال وقلة احترازّ ،
النتيجة المترتبة على سلوكه ،أي دون قصد اإلضرار بالمرضى ،وهذا السلوك يكون نابعاً من رعونة واهمال
وعلى الرغم من غياب صلة مباشرة بين اإلصابة باألمراض عن طريق نقل الدم الملوث وبين سائق المركبة،
إال أن القضاء الفرنسي أخذ بمسؤولية سائق المركبة عن اإلصابة معتب اًر أن حوادث المركبات هي السبب في
جعل حالة المتضرر تستدعي نقل الدم إليه بطريقة ملحة ،معتب اًر أن السبب الرئيسي في التدخل الجراحي
المصحوب بنقل الدم للمصاب كان ناتجاً عن هذا الحادث المروري.
فكان قرار محكمة استئناف باريس الصادر بتاريخ 7تموز 22484أول حكم سار في هذا اإلتجاه ،فكان
الموجه ألحكام القضاء على مسؤولية سائق المركبة فيما يتعلّق بعملية نقل الدم ،حيث كانت الدعوى ترتبط
ّ
تم نقل الدم إليه وكان هذا الدم مصاباً بمرض السيدا مما
بإصابة شخص في حادث إحدى المركبات ومن ثم ّ
نقل المرض إليه ،وقد ذكرت المحكمة في حكمها أنه يعد سبباً للضرر كل األفعال التي كانت ضرورية
لحدوث الضرر ،وانتهت إلى القول بأن هذه األفعال من أولها إلى آخرها تعد أسباباً للضرر ما دامت قد
تدخل في حصوله وما دام أنه ما كان ليحدث لوال وقوعها ،فأخذت هنا بنظرية تعادل األسباب.
وقد تال هذا الحكم عدة أحكام األمر الذي يسمح بتكوين أحكام قضائية دائمة في هذا الخصوص ،فقد رتبت
محكمة استئناف Dijonفي حكم لها صادر في تاريخ 26أيار 12442المسؤولية على عاتق مرتكب
الحادث الذي سبب إصابة للمتضرر استدعت نقل الدم إليه فيسأل عن كافة األض ارر التي تصيب المتضرر
من الحادث .ويالحظ أن هذا الحكم وبعض األحكام األخرى في القضاء الفرنسي أخذت بنظرية السبب المنتج
أي السبب المالئم ال سيما في الحاالت التي يواجه فيها المتضرر صعوبة في إثبات الرابطة السببية وتوافرت
له في ذات الوقت عناصر الترجيح واإلحتمال التي تساعد في قيامها.
وفيما خص البلدان األخرى ،يتوجب معرفة النظرية المعتمدة في إطار الصلة السببية للتمكن من ترتيب
مسؤولية مرتكب الحادث ،وهاتين النظرتين سيتم الحديث عنهما في الفصل الثاني.
1
Cour d’appel de Paris, 7 Juillet 1989. Gazette du Palais,1989, 2.752 concl pichot.
2
Cour d’appel de Dijon, 16 Mai 1991, D. 1993. note Eric Kechkove, P 242
87
الفصل الثاني :أحكام المسؤولية
نظمت التشريعات أحكام المسؤولية المدنية ،التي قد تكون عقدية ناتجة عن إخالل في تنفيذ التزام عقدي ،وقد
تكون مسؤولية تقصيرية ناتجة عن فعل ضار ألحق ضر اًر بالغير دون توفر رابطة عقدية ،وفي هاتين
المسؤوليتين شروط من الواجب احترامها لألخذ بها ال سيما أركانها المتمثلة بالخطأ ،الضرر والصلة السببية.
تدخل عمليات نقل الدم ضمن النشاطات الطبية والمسؤولية المترتبة عنها مسؤولية طبية تحتمل الوصفين
العقدي والتقصيري ،وتتطلّب ذات األركان المذكورة أعاله ،وعند توفرها ترتّب آثا اًر تقضي بالتعويض عن
المتضرر عما لحق به من أضرار.
ّ
يتوجب معرفته في هذا البحث كيفية قيام المسؤولية المدنية على أساس هذه األركان في هذه العمليات،
وما ّ
خاصة لناحية مفهوم الخطأ الطبي ونظام التعويض ،ومدى إمكانية تطبيق القواعد العامة للمسؤولية على
عمليات نقل الدم.
لذلك سيتم التطرق في هذا المبحث األول من هذا الفصل إلى أركان المسؤولية المدنية عن عمليات نقل الدم،
وفي المبحث الثاني سيتم البحث في آثار هذه المسؤولية.
1أنور سلطان ،مصادر اإللتزام في القانون المدني األردني ،دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي ،الطبعة األولى ،منشورات
الجامعة األردنية ،عمان ،األردن ،1921 ،ص 311
4عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،الجزء األول ،المرجع السابق ،ص 113
88
وعلى أية حال يعد الخطأ ركناً هاماً من أركان المسؤولية المدنية ،سواء التقصيرية أم العقدية ،وتزداد أهميته
2
تعددت تعريفاته،
متى تعلّق األمر بمسؤولية مهنية ،فالمسؤولية الطبية تقتضي توفر خطأ طبي ،وهذا األخير ّ
عرفه بأنه عدم قيام الطبيب بالتزاماته الخاصة المفروضة عليه من قبل مهنته ،والبعض 3اآلخر 1
فالبعض ّ
عرفه بأنه تقصير في مسلك الطبيب. ّ
وحدد القضاء الفرنسي معالم الخطأ الطبي من خالل قرار Mercierعام 2436الذي اعتبر أن الخطأ "عدم
ّ
بذل العناية المتقنة والدقيقة واليقظة الموافقة للحقائق العلمية المكتسبة في غير الظروف اإلستثنائية".
والخطأ الطبي صورة من صور الخطأ بوجه عام ،وهو إخالل الطبيب بالقيام بواجبه في بذل العناية الوجدانية
اليقظة الموافقة للحقائق العلمية المستقرة ،9واإللتزام في مزاولة المهنة يقضي اإللتزام ببذل عناية فنية معينة
تقتضيها أصول هذه المهنة التي ينتمون إليها ،ويتحقّق الخطأ عندما يترتّب على الفعل أو عدم الفعل نتائج لم
يكن الفاعل يريدها بطريقة مباشرة أم غير مباشرة.
والخطأ في الفقه اإلسالمي ال يخرج عن المعنى القانوني للخطأ الطبي ،فهو التصرف الصادر من شخص
حائز صفة طبيب ال تراعى فيه قواعد الحيطة والحذر وأصول المهنة مما يرتب ضر اًر للمريض.
وبالتالي ،يعتبر الخطأ الطبي ركن أساسي لترتيب المسؤولية الطبية ،وال بد من توفره من أجل قيامها.
وان هذا الخطأ الطبي قد يصدر عن مركز نقل الدم ،المستشفيات ،الطبيب أو أحد مساعديه ،وان ترتيب
مسؤولية أحد المؤسسات العالجية ينتج عن ارتكاب خطأ لدى العاملين في المجال الطبي لديه ،طبيب أو أحد
المتدخلين
ّ مفصلة في معالجة إلتزاماتّ مساعديه أو أحد الفنيين المختبريين وهذا ما تم التطرق إليه بطريقة
متدخل ،وان اإلخالل بهذا اإللتزام ،سواء أكان التزام
ّ حددنا بها التزامات كل
في عمليات نقل الدم والتي ّ
بتحقيق نتيجة أو ببذل عناية ،يعد خطأ يرتب مسؤولية على عاتقه.
ولكن ما يجب التوقف عنده هو معرفة هل من درجات للخطأ الطبي ،وما أهمية عدم خروج الطبيب عن
القواعد واألصول العلمية الطبية؟ وكيفية إثبات الخطأ الطبي؟ وما هي صور الخطأ الطبي؟
وتجدر اإلشارة إلى أن المعيار العام لقياس الخطأ معيار موضوعي يبنى على السلوك المألوف من الشخص
العادي إذ يقاس سلوك مرتكب الفعل الضار بهذا السلوك مع مراعاة الظروف الخارجية المحيطة به ،فإذا
انحرف عن سلوك الرجل العادي فإن هذا يعد خطأ ،أما الخطأ المهني أو الطبي ،فإن سلوك مرتكب الفعل
وفيما خص ضرورة عدم خروج الطبيب عن القواعد واألصول العلمية الطبية ،أكدت التشريعات الصحية في
أغلب الدول على ضرورة ذلك ،واال اعتبر مرتكباً لخطأ طبي يوجب قيام المسؤولية المدنية ،فالطبيب ملزم
بتحقيق نتيجة في عمليات نقل الدم متمثلة بنقل دم سليم خال من التلوث ،ويتوجب عليه مراعاة المبادئ
العلمية الثابتة المتعارف عليها نظرياً وعملياً بين األطباء في هذا المجال ويجب اإللمام بها حال مباشرة
عملية نقل الدم ،ويدخل في إطار األصول العلمية بعض المفاهيم التي يجب مراعاتها قبل إقامة الخطأ على
وتتميز بخاصية الحركة
ّ الطبيب ومن بينها العادات الطبية وهي المنظّمة لما يجري عليه العمل الطبي
عد خطأً ،أما الممارسات
عد من المعايير التي يتوجب على الطبيب احترامها وان خروجه عنها ي ّ والتطور ،وت ّ
العملية في مجال الطب تعني التطبيق العملي للقواعد والمبادئ ،وان قواعد الممارسة الطبية تصبح واجبة
عد
اإلحترام عندما تتجاوز مرحلة التجارب الطبية وتدخل في الممارسة العملية الدائمة والمستمرة ،ولذلك ال ي ّ
الطبيب مخطئاً فيما لو رفض تطبيق طريقة ما زالت قليلة اإلنتشار ولم تدخل في الممارسة العملية المستمرة
والدائمة.1
اإلثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء على واقعة أو عمل قانوني يسند الى أي منهما طلب أو دفع أو دفاع،3
يدعيه وهذا ما أخذ
وتتفق التشريعات على قاعدة تكليف الخصم الذي يدعي أم اًر معيناً إقامة الدليل على ما ّ
به الفقه اإلسالمي 9أيضاً وفق قاعدة " البينة على المدعي".
ففي حالة اإللتزام ببذل عناية ،2يتوجب على المتضرر إثبات خطأ الطبيب ،الذي ألحق به ضر اًر ،أي توافر
الرابطة السببية بين الخطأ والضرر ،بما أنه التزام ببذل عناية فيتوجب على المتضرر أال وهو المريض إثبات
أن الطبيب لم يلتزم بعالج المريض أو لم يبذل العناية المطلوبة أثناء العالج ،وسلوك الطبيب يقاس بمثله من
األطباء ،أما في حالة التزامه بتحقيق نتيجة ،1يكتفى بإثبات المتضرر وجود التزام طبي بينه وبين الطبيب،
فيقع عبء اإلثبات على عاتق الطبيب بإقامته الدليل على تنفيذ التزامه أو أن سبب عدم التنفيذ يعود إلى
سبب أجنبي ،فخطأ الطبيب هنا خطأ مفترض ال يقبل إثبات العكس وال يمكن دفعه إال بالسبب األجنبي ونفي
العالقة السببية.
ويعتبر التزام الطبيب في عمليات نقل الدم التزام بتحقيق نتيجة ،متمثلة بنقل دم سليم خال من التلوث ،وان
نقل دم ملوث إلى المريض ،يعد خطأ مرتباً مسؤولية مدنية مهما كانت العناية المبذولة من قبل الطبيب ،ألن
مجرد عدم تحقيق النتيجة يعد خطأً.
1
Joseph Frossaud, la distinction des obligations de moyens et des obligations de Resultat,
Librairie générale de droit et de jurisprudence, Paris, 1965, p 50
2
Joseph Frossaud, Op cit, P 57
92
يقوم به الطبيب أو تقصير في عدم استكمال جميع أنواع التحاليل وعدم اتخاذ اإلحتياطات الكافية التي من
شأنها ضمان صحة النتائج ،يعتبر خطأ يرتب مسؤولية الطبيب.
2
ونظ اًر للتقدم العلمي الهائل في مسائل تحليل ونقل الدم ،اعتبر القضاء الفرنسي أن التزام الطبيب هنا التزاماً
بتحقيق نتيجة ألنه من الواجب عليه ضمان عدم ترتيب أية آثار ضارة على عملية نقل الدم ،وفيما خص
مساعدي الطبيب ،من أطباء وممرضين وفنيين عاملين في مركز نقل الدم وفي المستشفيات ،يستعين بهم
الطبيب في مجال عملية نقل الدم ،وقد يرتكبون أخطاء تلحق ضر اًر بالمريض ،فإن ارتكبوا أخطاء فنية ،مع
اإلشارة إلى أنه في هذا النوع من األخطاء يستقلون استقالالً تاماً بأدائها ،فال مسؤولية لإلدارة عنها ،أما
األخطاء األخرى والتي ال تدخل في مجال األخطاء الفنية ،فتعتبر اإلدارة مسؤولة عنها باإلضافة إلى
مرتكبيها.
وما يتوجب بحثه في هذه الفقرة ماهية الضرر وأنواعه ،وهل يكتفى بأنواع الضرر التقليدية كافية؟ أم يضاف
إليها أنواع خاصة في إطار عمليات نقل الدم؟
تعريف الضرر
عرف فقهاء القانون الوضعي 1الضرر بأنه ما يصيب الشخص في حق من حقوقه ،أو في مصلحة مشروعة ي ّ
له سواء كان ذلك الحق أو تلك المصلحة متعلّقاً بسالمة جسمه أو ماله أو عاطفته أو حريته أو شرفه أو
غير ذلك.
1
Toulouse, 11 Decembre 1959, D. 1960, P 181
نقالً عن حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 291
4عبد السالم التونجي ،المرجع السابق ،ص 121
93
وعرفه الفقه اإلسالمي 2بأنه كل أذى يلحق بالغير بسبب اإلعتداء على أي حق من حقوقه الشخصية ،واعتمد
ّ
هذا الفقه على قاعدة "ال ضرر فال ضمان" ،فمتى تحقّق الضرر وجب الضمان وال فرق في ذلك فيما لو كان
تحقّق الضرر نتيجة فعل ايجابي أو سلبي.
وفي إطار عمليات نقل الدم ،ال يختلف الضرر فيها كثي اًر عن الضرر في المسؤولية الطبية بشكل عام،
ويعتبر هذا الضرر ركناً أساسياً لترتيب المسؤولية المدنية ،فليتمكن المتضرر من المطالبة بالتعويض عن نقل
وتتعدد األخطاء بهذا النوع من العمليات مما يستتبع تنوع
ّ يتوجب عليه إثبات حدوث الضرر.
دم ملوث إليهّ ،
األضرار التي قد تلحق بالمتضرر في هذا النوع من العمليات .وبالتالي يتعين البحث في أنواع الضرر
الالحقة بالمتضرر من عمليات نقل دم ملوث.
وفيما خص عمليات نقل الدم ،ال شك أن نقل دم ملوث يؤدي إلى إصابة المريض بأحد األمراض يرتب
أض ار اًر مالية عدة ،فقد يفقد هذا المصاب بسبب اإلصابة مصدر رزقه إذ أنه غالباً ما يفقد المصاب عمله
نتيجة إصابته بالمرض ال سيما مرضى السيدا ،أو يصاب بعجز كلّي أو جزئي من شـأنه التأثير على قدرته
على الكسب .فكل ربح فائت أو خسارة واقعة 9مثل فقدان أجره في المدة الالزمة للعالج ،أو تفويت فرصة،
يضاف إلى ذلك النفقات الطبية التي يتكبدها المريض من نفقات عالج على أنواعه من استشفاء إلى أدوية
1محمد بن المدني بوساق ،التعويض عن الضرر في الفقه اإلسالمي ،الطبعة األولى ،دار إشبيليا للنشر والتوزيع ،الرياض،
المملكة العربية السعودية ،1999 ،ص 42
4مصطفى العوجى ،القانون المدني ،المسؤولية المدنية ،المرجع السابق ،ص 111
3محمد جالل حسن األتروشي ،المرجع السابق ،ص 111
2حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 119
94
وغيره ،خاصة أن تكاليف عالج األمراض المنتقلة عبر الدم باهظة الثمن .كل هذه األمور تشكل أض ار اًر
تصيب الذمة المالية للمتضرر.
ويعرف الضرر األدبي 9بأنه األذى الذي يلحق بغير ماديات اإلنسان ،فيمس بمشاعره أو بإحساسه أو
بعاطفته أو بنفسه أو بمكانته العائلية أو المهنية أو اإلجتماعية محدثاً لديه األلم النفسي أو الشعور باإلنتقاص
من قدره ،وبالتالي ال يمس الذمة المالية إنما يسبب ألماً نفسياً ومعنوياً.
ويجب أن يكون الضرر األدبي محقّقاً ،5أي غير احتمالي ،للتمكن من التعويض عنه ،وقد أخذ بهذا النوع من
الضرر كل من التشريع الفرنسي ،المصري ،األردني واللبناني.
وفيما خص عمليات نقل الدم ،تعتبر األضرار األدبية التي تصيبه هي األضرار التي تشمل اإلصابات
النفسية الشخصية للمصاب ونظرة الشفقة والعطف التي يراها في عيون اآلخرين أو نظرة الكره واالشمئزاز من
قبل البعض خاصة في حالة إصابته بمرض السيدا ،يضاف إلى ذلك شعوره بالضعف والعجز عن ممارسة
حياته بشكل طبيعي ال سيما في عالقته مع عائلته.6
وتجدر اإلشارة ،إلى أن المرضى المصابين باألمراض الناتجة عن عمليات نقل دم ملوث يختلفون عن غيرهم
من المصابين نتيجة األخطاء الطبية ،بأن أغلبهم يمرون بمرحلتين للمرض .المرحلة األولى هي التي ال
يكتمل فيها المرض ،أما المرحلة الثانية هي التي يكتمل فيها هذا األخير ،وتبرز هذه المرحلة لدى مرضى
السيدا والتهاب الكبد الوبائي .وان هاتين المرحلتين ،تثيران مشكلة في تقدير التعويض ،مع العلم أن تقدير
التعويض في المرحلة الثانية ليس باألمر الصعب ألن المرض يكتمل ويسمح بتقديره بشكل نهائي ،لكن
المرحلة األولى أي مرحلة عدم اكتمال المرض تثير صعوبة كبيرة في تقدير التعويض ،إذ ال يمكن معرفة
فيما لو سيزداد المرض بسرعة أم ببطء ،وأثناء ذلك قد يحتاج المريض إلى عالجات ونفقات كثيرة.
)2األضرار المالية
في هذه المرحلة قد ال تظهر أعراض المرض بسرعة ،أو ال يكتمل ظهورها إال بعد فترة زمنية قد تطول أو
تقصر ،وبالتالي في الكثير من األحيان قد ال تتأثر قدرة المصاب على العمل ،ويبقى قاد اًر على الكسب
والحصول على ذات الدخل الذي كان يحصل عليه قبل إصابته ،والقيام باألعمال التي كان يؤديها قبل
إصابته بالمرض .وبالتالي في هذه الحالة ال يحق للمصاب أن يطالب بالتعويض عن الضرر المالي نتيجة
عدم قدرته عن العمل ،ألنه لم يلحق به أي ضرر في هذا اإلطار.
يتعرض في بعض األحيان المصاب إال أن هذا القول ال يؤخذ على إطالقه ،إذ أنه من خالل الواقع العمليّ ،
إلى تهميش ومقاطعة اجتماعيين من قبل مجتمعه مما قد يؤثر على عمله .وبالتالي يتوجب أخذ كل حالة
على حدى للتمكن من دراسة أثر ذلك على عمله في المرحلة األولى من المرض ،فإذا تبين للقاضي أن
معرفة المجتمع بإصابته بالمرض ّأدت إلى صرفه من عمله أو فقده مصدر رزقه ،فيعتبر ذلك ضر اًر مالياً
واجب التعويض.
1توفيق حسن فرج ،النظرية العامة لإللتزام،الجزء األول ،غير مذكور دار النشر ،مصر ،1991 ،ص 329
96
ويضاف إلى ذلك ،تعتبر النفقات العالجية الالزمة في هذه المرحلة من األضرار المادية الواجبة التعويض
عنها.
وقد يرفع المصاب دعواه بالتعويض عن الضرر في هذه المرحلة وتجيبه المحكمة في مطلبه هذا ،إال أن هذا
التعويض ال يمنعه من حقه من إقامة دعوى ثانية للتعويض عند مروره بالمرحلة الثانية أي مرحلة المرض
الفعلي .إال أن البعض 2قد ينتقد هذا األمر معتبرين أن المطالبة بتعويض تكميلي يتعارض مع مبدأ حجية
القضية المقضية .لكن الرأي السائد في الفقه واإلجتهاد 1يعترف للمصاب بحقه بالمطالبة بتعويض تكميلي
يعادل ما ط أر على الضرر من زيادة (ما يعرف بتفاقم الضرر) ،ويردون على المتذرعين بحجية القضية
المقضية بأن المتضرر في المرحلة الثانية يتقدم بطلب جديد ودعوى جديدة تستند إلى الزيادة الجديدة في
الضرر وليس إلى الضرر األصلي ذاته .وبالتالي عند تفاقم الضرر ال يوجد مانع قانوني من طلب المتضرر
إعادة النظر في التعويض المقرر له ،إذ يكون قد ط أر سبب جديد يبرر هذه اإلعادة شرط أال يكون تفاقم
الضرر نتيجة لعوامل وأسباب خارجة عن حلقة السببية الرابطة بين الفعل الخاطئ والضرر الحاصل سابقاً.3
)1األضرار األدبية
إن األضرار األدبية أي المعنوية ،التي تلحق بالمصاب بالمرض كثيرة ،أهمها :اضطراب حياة المصاب
واآلالم النفسية.
يتعلّق هذا الضرر بحياة المصاب الذي تم نقل دم ملوث إليه ،فتضطرب حياته ،ويتمثّل ذلك في انخفاض
أمله في الحياة ،فيتم التعويض عنه بسبب اعتقاد المصاب أن حياته قد أنقصت نتيجة اإلصابة ،ويتجلّى ذلك
في مرض السيدا خاصة ،إذ يصاب المريض بصدمة ،فهذا المرض ال عالج له حتى يومنا هذا ،ويعتبر من
األمراض المعدية ويفرض على المصاب به قيود عديدة ،خاصة وأن األدوية التي تعطى هدفها التقليل من
اآلالم أو عدم إطالة مدته .يضاف إلى ذلك إلى إصابة المريض بحالة شك في مستقبله وانخفاض رغبته في
يتعرض للعزلة اإلجتماعية
العمل وخوفه من اآلالم العضوية والمعنوية التي ستظهر مستقبالً ،كما أنه ّ
ب – اآلالم النفسية
يعيش المصاب بمرض بشكل عام ،وبمرض ناجم عن نقل دم ملوث إليه بشكل خاص ،مثل مرض السيدا
والتهاب الكبد الوبائي ،حالة نفسية صعبة ،فتتداخل العقد النفسية عنده وتغلب عليه النظرة التشاؤمية ،فيصبح
المعجل.
ّ في هذه المرحلة منتظ اًر دخول مرحلة المرض الفعلي مما يجعله يقترب من الموت
وبالتالي يصبح تحت تأثير الهواجس النفسية ،ويعاني من آالم نفسية نتيجة المرض الذي لحق به خاصة وأنه
ليس له ذنب بذلك ،ويحرم من مباهج الحياة ،األمر الذي يمثل ضر اًر خطي اًر يستوجب التعويض عنه.
تعرف هذه المرحلة بمرحلة استفحال المرض ،إذ يظهر المرض بشكل كامل مع ما يرافقه من أمراض تهاجم
يسبب له فقدان للقدرة الجسدية .وفي هذه المرحلة يقترب موت المصاب ويفقد فرص البقاء على
الجسم مما ّ
قيد الحياة .وتقسم األضرار فيها إلى أضرار أدبية ومادية.
)2األضرار األدبية
تشمل هذه األضرار اآلالم الجسدية والنفسية وفقدان فرصة البقاء على قيد الحياة .ويعتبر البعض 3أن هذه
تميز المسؤولية في عمليات نقل الدم.
األضرار نوعية ّ
أ -اآلالم الجسدية والنفسية
تعتبر األمراض المنقولة عبر الدم من األمراض الخطيرة ال سيما مرضي التهاب الكبد الوبائي والسيدا.
فالسيدا حتى اليوم لم يتم ّكن علماء الطب من ايجاد عالج له ،وأصبح الموت نتيجة حتمية له ،إذ لم ينج أحد
يسبب له ضر اًر ِ
من المصابين به ،وبالتالي إن المصاب بهذا المرض يصبح على علم بمصيره المحتوم ،مما ّ
1عاطف النقيب ،النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن الفعل الشخصي ،المنشورات الحقوقية صادر ،بيروت ،لبنان،1999 ،
،1999ص 340
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 141
3محمد جالل حسن األتروشي ،المرجع السابق ،ص 111
98
أدبياً إذ يشعر أن بقاءه في هذه الحياة أم اًر مؤقتاً ،وينتج عن ذلك آالم نفسية من أسى وحزن وحسرة ترافقه
التشوهات التي تنتشر
حتى وفاته ،يضاف إلى ذلك اآلالم الجسدية التي يعاني منها نتيجة األمراض واألورام و ّ
في جسمه ،فتؤثر على جهازه العصبي مما يؤدي إلى فقدانه الملكات الذهنية ،2مما يؤثر سلباً على حياته
ويغرقه في األحزان على ما وصلت إليه حالته ال سيما أنه يعاني من عزلة اجتماعية كاملة نتيجة رفض
المجتمع له .وبالتالي هذه اآلالم النفسية والجسدية تستوجب التعويض.
كما سبق وذكرنا أن األمراض المنتقلة عبر الدم تعد من األمراض الخطيرة ،وأغلبها يؤدي إلى الموت
المحتوم ،وبالتالي إن هذا الموت بسبب هذا المرض المنتقل عبر الدم يحرم المصاب به من حصوله على
المنافع التي كان سيحصل عليها فيما لو لم يصبه المرض وكان في كامل عافيته ،ومن األموال التي كان
من الممكن استحصالها ضمن السير العادي لألمور ،ومن بلوغ عمر أطول ،وهذا الحرمان يؤدي إلى فقد
المصاب فرصة البقاء على قيد الحياة ،ما يعد ضر اًر مستوجب التعويض .وتجدر اإلشارة إلى أن هذا الضرر
يعد محققاً وليس احتمالياً ،وهذا ما أكده القضاء المصري 1في أحكامه إذ اعتبر أن فقد فرص البقاء على قيد
الحياة يعتبر ضر اًر محققاً يخول المتضرر المطالبة بالتعويض .ويندرج هذا الضرر ضمن الضرر األدبي،
ويعتبر التشريع المدني المصري في المادة 111والمدني األردني في المادة 167أن التعويض عن الضرر
األدبي ال ينتقل إلى الغير بعد الوفاة إال إذا تحدد بمقتضى اتفاق أو طالب به الدائن أم القضاء ،وبالتالي إن
لم يطالب المتضرر بالتعويض عن هذا الضرر في حياته ،ال يمكن ألحد المطالبة به بعد وفاته .في حين
التعويض عن الضرر المادي ينتقل إلى الورثة .أما الفقه واإلجتهاد الفرنسي وكذلك اللبناني استبعدوا هذا
األمر معتبرين أن دعوى التعويض عن ألم الضحية تنتقل بعد وفاتها إلى الورثة باعتبار أن الحق بالتعويض
نشأ لحظة حصول الضرر فدخل في ذمة الضحية المالية المنتقلة بدورها إلى الورثة.3
أما فيما خص مرض السيدا وفيروس اإللتهاب الكبدي ،فإن الحق في التعويض عنه ينتقل إلى الورثة سواء
اعتبر توقع فقد حياة المريض ضر اًر أدبياً أو مادياً.9
)1األضرار المادية
فالمصاب في هذه المرحلة ،ونتيجة الستفحال المرض ،يفقد قدرته على العمل جزئياً أو كلياً مما يؤدي إلى
حرمانه من الفرص المالية التي كان سيستفيد منها.
كما أن الضرر المادي يشمل المساس بالسالمة الجسدية والقدرة على العمل بصفة عامة.2
فالتعويض عن المتضرر ،وعلى الرغم من أهميته ومشروعيته ،إال أنه يجب أال يتجاوز حدود العدالة ومفهوم
الرجل العادي للمسؤولية ،1لذلك تم اشتراط الصلة السببية كركن من أركان المسؤولية.
فيرتبط موضوع إقامة الصلة السببية بين الفعل الخاطئ والضرر الناتج عنه بصورة الزمة بين الضرر
المباشر والضرر غير المباشر ،إذ أن الغاية من هذه الصلة ترتيب موجب التعويض على عاتق من صدر
عنه الفعل الضار.
ِ
عرف الفقه المدني ،3على غرار الفقه الجزائي ،نظريتين مختلفتين ،األولى نظرية تعادل أو تكافؤ األسباب،
والثانية نظرية السبب المالئم التي تفرع عنها نظرية السبب المباشر فنظرية السبب المنتج.
يمكن تسمية هذه النظرية بالنظرية األلمانية نسبة إلى الفقهاء األلمان الذين دعوا إليها ،ال سيما الفقيه فون
بوري ،تعتمد هذه النظرية على منطق حسابي ،فتعتبر أن جميع العوامل التي تتظافر إلحداث النتيجة تعد
متعادلة ومسؤولة عن النتيجة مهما كان العامل في إحداث النتيجة بعيداً وسواء أكان مألوفاً أو ناد اًر أو يرجع
إلى فعل اإلنسان أو الطبيعة ،2بمعنى أخر طالما أن الفعل األصلي األول كان مصدر األحداث التي تعاقبت
حتى استقرت على النتيجة النهائية الضارة ،وطالما أن لوال الفعل األصلي لما تداخلت األسباب الالحقة ولما
حصلت النتيجة النهائية ،فال بد من اعتبار أن الفعل األصلي األول مصد اًر لكل ما ترتّب عليه من نتائج ،وال
يغير في وضعه تداخل أسباب أخرى سابقة أو مرافقة أو الحقة ،فكل هذه األسباب تستوي وتتعادل وتتكافأ ّ
مسبباً لها ،أو أنها حدثت بسببه،
في إحداث النتيجة النهائية التي يسأل عنها الفاعل األصلي ألن فعله كان ّ
ولم يكن لها أن تحدث لوال الفعل األصلي.
يؤخذ على هذه النظرية أن اعتمادها المنطق الحسابي يؤدي إلى رؤيتها لألمور من منظار مجرد ،ال يتوافق
في أغلب األحيان مع المعطيات الواقعية واإلعتبارات اإلنسانية ومبادئ العدالة.
تقضي هذه النظرية بأال يسأل اإلنسان إال عن النتائج التي تحدث عادة عن الفعل الذي أقدم عليه ،أي يتم
النظر إلى النتيجة من منظار السبب الذي أحدثها مباشرة وكان من شأنه أن يحدثها وفقاً للمجرى العادي
والطبيعي لألمور ،أي ال يعتد إال بالسبب الذي يعتبر الضرر النتيجة الحالة أو المباشرة له.1
تعتمد هذه النظرية على مساءلة من كان فعله سبباً مباش اًر للنتيجة النهائية.
ويعتبر السبب المنتج هو الواقعة التي تؤدي إلى الضرر وفقاً للمجرى العادي لألمور وتجارب الحياة ،إال أن
المعيار لقياس السبب فيما لو كان منتجاً للضرر يقوم على أساس مدى التوقع واإلحتمالية والموضوعية لهذا
الضرر.
وتجدر اإلشارة إلى أن القضاء الفرنسي 2كان يأخذ بنظرية تكافؤ الفرص وتعادلها ،إال أنه عدل عن ذلك
وأصبح يأخذ بنظرية السبب المنتج .كما أن القضاء المصري والقضاء األردني أضحيا يأخذان بها حديثاً.1
وفيما خص لبنان ،اتخذ المشرع اللبناني موقفاً صريحاً فيما خص الضرر المباشر والضرر غير المباشر ،في
المادة 239من قانون الموجبات والعقود ،إذ اعتبرت أن الضرر المباشر يتم التعويض عنه كامالً دون أي
إشكال ،في حين الضرر غير المباشر يؤخذ بعين اإلعتبار فيما لو كان متصالً اتصاالً واضحاً بالجرم أو
شبه الجرم ،واإلتصال الواضح هذا يعني اإلتصال المباشر ،فيكون المشرع كرس نظرية السبب المنتج
للتعويض عن األضرار التي يحدثها الفعل الخاطئ سواء أكانت أضرار مباشرة أم غير مباشرة .وأخذت
المحاكم اللبنانية 3بهذا اإلتجاه إذ اعتمدت نظرية السبب المنتج إلقامة الصلة السببية.
وتجدر اإلشارة إلى أن التشريع اللبناني المدني أخذ بنظرية السبب المنتج ،في حين التشريع الجزائي اعتمد
نظريتي تعادل األسباب والسبب المنتج ،وذلك ما يتم استنتاجه من نص المادة 119من قانون العقوبات
اللبناني.
9
تقرره نظرية السبب المنتج والتي
وفيما خص الشريعة اإلسالمية ،اتفق جمهور الفقهاء المسلمين مع ما ّ
بمقتضاها يعتد في المسؤولية المدنية بالسبب األقوى أو السبب الذي يؤدي عادة إلى إحداث الضرر.
وبالتالي ،ال يكفي لقيام المسؤولية مجرد وقوع الضرر للمريض وان ثبت خطأ الطبيب أو المستشفى أو مركز
نقل الدم ،فال بد من توفر صلة سببية بين خطأ هؤالء والضرر الحاصل ،فإذا انتفت الصلة انتفت المسؤولية.
وتنعدم الصلة السببية متى ثبت أن الضرر قد وقع بسبب أجنبي ،وهذا ما أشارت إليه المادة 2651مدني
مصري ،والمادة 3162مدني أردني والمادي 92297مدني فرنسي ،وفيما خص القانون اللبناني ،فيما خص
المسؤولية العقدية ،اعتبر قانون الموجبات والعقود أن القوة القاهرة سبب من أسباب استحالة تنفيذ الموجب
على أن يتم إثبات ذلك من قبل الدائن بالموجب ،5وفيما خص المسؤولية التقصيرية لم يلحظها المشرع
اللبناني كمانع من موانع المسؤولية ،تبرير ذلك أن قيام المسؤولية التقصيرية مبني على فكرة الخطأ ،إما عن
قصد واما عن إهمال وقلة احتراز ،وفي كلتا الحالتين ال يمكن التذرع بالقوة القاهرة المتمثلة بحدث مفاجئ
غير متوقع وغير قابل للدفع أحدث ضر اًر لعدم ائتالفها مع فكرة الخطأ ،6مع العلم أنه إذا وقع الضرر نتيجة
حدث مفاجئ ،يؤدي ذلك إلى انقطاع الصلة السببية بين الخطأ والضرر ،وتصبح هذه الصلة متوافرة فقط بين
هذا الحدث والضرر.
وفي مجال المسؤولية المدنية عن عمليات نقل الدم الملوث ،يقتضي البحث بنوعين من اإلسناد أو عالقة
السببية هما اإلسناد الطبي واإلسناد القانوني.
)2اإلسناد الطبي
يتعلق هذا النوع بإسناد اإلصابة بالمرض إلى عملية نقل الدم ،وأهل الخبرة الطبية هم من يقومون بهذا
اإلسناد ،فال بد من إجراء فحوصات وتشخيصات طبية للمريض للتأكد من حصول المرض لديه .ومن ثم يتم
وبعد التأكد من وجود اإلصابة ،من الواجب إثبات إجراء عملية نقل دم ،ومن ثم إثبات أن الدم الذي تم نقله
إلى المريض مصاب أو ملوث ،وهذا ليس باألمر السهل بسبب تأخر ظهور األمراض أو مرور الفيروس بفترة
مقدمه وتلوث الدم واصابة المريض.2
سكون .لذلك ال بد من إثبات حصول المرض لدى ّ
فمثالً فيما يتعلق باإلصابة بمرض السيدا ،ال بد من إجراء فحوصات عدة للتعرف على اإلصابة ومعرفة
درجتها ومرحلتها ،وذلك بهدف وقاية الصحة العامة من تفشي العدوى ،كالفحص الشامل ألفراد المجتمع،
والذي يشمل الفحص اإلختياري والفحص اإلجباري ،ومن خالل هذه الفحوص يستطيع أهل اإلختصاص
والخبرة تقدير وجود اإلصابة من عدمه ،وبعد التأكد من وجود اإلصابة ،يتم البحث فيما لو كان الدم المنقول
مصاباً بهذا المرض ،ويواجه هذا األمر صعوبات عدة ألن التحليل قد يكون غير ٍ
مجد بالنظر إلى المدة التي
مضت بين عملية نقل الدم وبين ظهور اإلصابة .فهذه المدة عنص اًر هاماً للفصل في مسألة إسناد اإلصابة
إلى عملية النقل ،فإذا كانت المدة قصيرة جداً قد ال تسمح بظهور المرض ،أو إذا كانت طويلة جداً يتع ّذر
معها البحث في مدى إصابة الشخص المتبرع بالدم بهذا المرض ،أي في الحالتين قد يتعذر إسناد اإلصابة
بالمرض إلى عملية نقل الدم.1
)1اإلسناد القانوني
يتعلّق هذا األمر بإسناد اإلصابة بالمرض إلى الدم المنقول الملوث من خالل السبل القانونية ،أي إثبات أن
اإلصابة بالمرض لم تكن لتتم سوى عبر الدم الملوث ،فيكون الضرر الحاصل نتيجة مباشرة لنقل دم ملوث.
لكن إثبات اإلسناد الطبي يعتبر أسهل في إثبات الصلة السببية خاصة أنه يوجد أسباب عدة تشترك في
مقدم الدم ،غالباً يكون متبرع ،كان مصاباً بالمرض ،فإن من شأن ذلك
حدوث الضرر ،فإذا تم التأكد أن ّ
إنشاء صلة بين النتيجة المترتبة على نقل الدم والضرر الحاصل ،وبالتالي قيام صلة سببية بين الفعل
والنتيجة.
وبإمكان القاضي أن يعمد إلى إثبات الصلة السببية من خالل األخذ بالقرائن القانونية لصالح المتضرر ،فنقل
الدم في وقت سابق على ظهور اإلصابة بوقت مناسب يكفي التضاح آثارها يعتبر قرينة على قيام صلة
وقد صدرت أحكام عدة في هذا اإلطار عن القضاء الفرنسي ،كحكم محكمة ( )Aix-en-provenceفي
21تموز 2443والذي أخذ بوحود عنصر إيجابي من خالل ثبوت وجود المرض من أحد المتبرعين في
أيلول 2486وهي الفترة التي أصبح فيها المرض معروفاً.
وقد أخذ القضاء الفرنسي 1بنظرية تعادل األسباب ،وذلك بهدف حماية حق المتضرر في التعويض إذا كان
مصدر الضرر شخص غير محدد بين مجموعة من األشخاص المحددين ،إال أنه في بعض األحيان أخذ
بنظرية السبب المنتج خاصة في حاالت مرض السيدا.
وتجدر اإلشارة إلى أنه باستطاعة مركز نقل الدم أو المستشفى إثبات أن الدم المنقول إلى المريض ليس
السبب في المرض من خالل إحدى هاتين الوسيلتين ،الوسيلة األولى تتمثل بإثبات أن متلقي الدم كان مصاباً
بالمرض ،كالسيدا ،أو على األقل حامالً له في تاريخ سابق على تلقّيه الدم ،والوسيلة الثانية تقضي بإثبات أن
مقدم الدم غير مصاب بالمرض ،أو غير حامل للفيروس. ّ
وبالتالي إن الصلة السببية ال يمكن نفيها إال من خالل إثبات السبب األجنبي أو إثبات أن تلوث الدم غير
عائد إلى الدم المنقول إليه.
وال بد من التذكير بأن التزام ضمان السالمة المتضمن التزام بتحقيق نتيجة تتمثّل بنقل دم سليم غير ملوث،
يلقي على عاتق الجهات المختصة بنقل الدم موجب نقل دم سليم ،وأساس هذه المسؤولية ليس مبنياً على
أساس افتراص الخطأ ،بل افتراض المسؤولية ،إذ يتم افتراض المسؤولية على عاتق مركز نقل الدم
والمستشفى ،فيتم مساءلتهما عن اإلصابة بالمرض إذ يعتبر ذلك قرينة ،3ويتم دفعها باثبات السبب األجنبي.
وفي هذا المبحث سيتم التطرق في الفقرة األولى منه إلى التعويض ،وفي الفقرة الثانية ،نظم تعويض ضحايا
نقل الدم الملوث وآليات التعويض المكملة لنظام التأمين من المسؤولية في عمليات نقل الدم.
عمدت العديد من التشريعات إلى عدم وضع تعريف للتعويض ،مثل مصر واألردن ولبنان ،إنما حددت
عناصر المسؤولية والجزاء المترتب على ذلك .ويمكن تعريفه من الناحية القانونية بأنه وسيلة القضاء إلى
إزالة الضرر أو التخفيف من وطأته ،وهو الجزاء المترتب على قيام المسؤولية المدنية.1
فالمشرع المدني المصري 3نص على أن كل خطأ سبب ضر أر للغير يلزم مرتكبه بالتعويض ،وتقابلها المادة
211من قانون الموجبات والعقود اللبناني والتي تنص على أن كل عمل من أحد الناس ينجم عنه ضرر
غير مشروع بمصلحة الغير ،يجبر فاعله إذا كان ممي اًز على التعويض ،وتقابلهما المادة 156من القانون
مميز بضمان الضرر.
المدني األردني إذ تنص على كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير ّ
ويستفاد من هذه النصوص عدم وضع تعريف واضح للتعويض إنما تحديد عناصر المسؤولية من خطأ
وضرر وصلة سببية.
والهدف من التعويض جبر الضرر ويمكن أن يكون التعويض عينياً أو بدلياً وعلى األغلب نقدياً ،ويعتبر
المشرع اللبناني في المادة 151من قانون الموجبات والعقود اللبناني أن األصل في التعويض في المسؤولية
العقدية أن يكون عينياً ،واذا تعذر ذلك يكون بدلياً.
أما في المسؤولية التقصيرية 1فاألصل في التعويض أن يكون نقدياً مخصصاً كبدل عطل وضرر ،إال أنه
يحق للقاضي إلباسه شكالً أكثر توافقاً مع مصلحة المتضرر فيجعله حينئذ عيناً ،يقابل هذه المادة ،المادة
163من القانون المدني األردني والمادة 272من القانون المدني المصري.
وبالتالي يعتبر التعويض جزاء المسؤولية المدنية ،وهو جزاء مدني يهدف إلى إصالح الضرر ومحوه على
قدر المستطاع ،ال إلى معاقبة المدين .وبالتالي يعتبر الضرر أساس التعويض ،فإن و ِجد الضرر استحق
التعويض وان انتفي الضرر انتفى التعويض .فالتعويض ليس مرتبطاً بالخطأ ألن المسؤولية قد تقوم في
حاالت محددة دون خطأ ،وحتى تلك التي تقوم على الخطأ تشترط الضرر والصلة السببية بينهما من أجل
ترتيب المسؤولية.
وان إثبات الضرر يقع على عاتق مدعي حصوله ،إال إذا نص القانون على حاالت معينة يعفي فيها
المتضرر من إثبات الضرر فيكون عندها الضرر مفترضاً.
أما مقدار التعويض ،يتوجب أن يكون معادالً للضرر الحاصل وال يزيد مقداره عنه ،فيكون تعويض عن
الضرر المباشر مشتمالً على عنصرين هما الخسارة الالحقة بالمتضرر والربح الفائت.3
ويشمل التعويض عن كافة األضرار الحاصلة ،من مادية ومالية ،إلى أضرار أدبية (تمت التطرق إليها
بالتفصيل خالل معالجتنا ركن الضرر).
1كان رقم هذه المادة 1324قبل التعديل الحاصل في 4011/10/1ومضمونها“Tout fait quelconque de :
l'homme, qui cause à autrui un dommage, oblige celui par la faute duquel il est arrivé, à
”le réparer
4المادة 131من قانون الموجبات والعقود اللبناني
3يراجع بهذا الصدد المادة 411من القانون المدني األردني ،والمادة 441من القانون المدني المصري ،والمادة 132من
قانون الموجبات والعقود اللبناني
107
وفي الفقه اإلسالمي ،اتفق الفقهاء 2على مبدأ التعويض عن الضرر ،وأن الضرر هو أساس التعويض،
فالتعويض يعد فريضة لكل متضرر على من أحدث الضرر بمجرد وقوع الضرر .وعرفته مجلة األحكام
العدلية بأنه إعطاء الشيء من المثليات أو قيمته إن كان من القيميات.1
وقد استند الفقه اإلسالمي في تقريره للضمان إلى الحديث النبوي الشريف (ال ضرر وال ضرار) الذي يعتبر
القاعدة الرئيسية والكلية والضابط في تقرير الضمان .وبالتالي ال يشترط الفقه اإلسالمي الخطأ كركن في
المسؤولية ،فكل مباشر للخطأ يعتبر مسؤوالً ولو لم يكن مخطئاً ،وهذا الرأي الفقهي يتفق مع حاجات الحضارة
المعاصرة.
وبينا أن الضرر قد يكون مادياً الذي بدوره قد يكون جسدياً أو/و مالياً ،وقد يكون أدبياً .وفيما
وكما سبق ّ
خص األضرار المالية ،فإن الفقه اإلسالمي 3يوجب ضمان األموال بسبب اإلتالف من خالل أداء المثل
باتفاق العلماء إذا كان المال مثلياً ،والمقصود بالمماثلة التماثل في األموال ،فإذا كانت مثلية يكون بجعل قدر
الضمان مماثالً للمال المتلف جنساً ونوعاً وصفة وكمية وفي األموال القيمية يكون الضمان بقدر قيمة المال
النقدية والتي يتم تحديدها بواسطة أهل الخبرة.
ويتمثل في الفقه اإلسالمي التعويض عن الضرر الجسدي بما يسمى "الدية" وهي عبارة عن مال خالص
للمجني عليه أو ورثته بسبب ما نزل عليه من أذى بسبب الجناية على النفس أو ما دون النفس .9ونشأ
5
خالف بين فقهاء الشريعة حول ما إذا كانت هذه الدية عقوبة جزائية أم تعويض مدني ،أم تعويضاً مختلطاً
يجمع بين العقوبة والتعويض أم تعويض شرعي له نظامه الخاص .ويعتبر الرأي الراجح أنها تعتبر عقوبة
وتعويض معاً ،فهي عقوبة ألنها مقدرة من الشارع وفيها زجر للجاني بتغريمه جزءاً من ماله وهي تعويض في
التعدي شبه العمد أو الخطأ الشخصي.
وفيما خص التعويض المالي عن الضرر األدبي ،تزاحم رأيان ،الرأي األول 6ال يجيز المطالبة بالتعويض
المالي عن الضرر األدبي بحجة أن فيه تسليط الظلمة على أموال الناس ،كما فيه إغراء لبعض الناس
1زكي زكي حسين زيدان ،حق المجني عليه في التعويض عن ضرر النفس في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي ،دار الفكر
الجامعي ،اإلسكندرية ،مصر ،4002 ،ص 23
4المادة 211من مجلة األحكام العدلية
3حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 190
2زكي زكي حسين زيدان ،المرجع السابق ،ص 21
1وهبة الزحيلي ،المرجع السابق ،ص 341
1حسين عبدهللا ،المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع اإلسالمي ،الجزء الثاني ،الطبعة األولى ،دار
أحياء الكتب العربية ،القاهرة ،مصر ،1929 ،ص 11
108
بالتعدي على أعراض اآلخرين ،وكراماتهم وسمعتهم مقابل دفع غرامة مالية ،ولذا فاألَولى َسد هذا الباب ،في
حين أخذ الرأي الثاني 2بإقرار عقوبة التعزير بفرض غرامة مالية ،واعتبروه نوعاً من الضمان ،مخالفين
أصحاب الرأي األول معتبرين أن التعزير بالمال في األضرار األدبية أمضى في العقاب وأحسن في تحقيق
نتائج.
1محمد فوزي فيض هللا ،المسئولية التقصيرية بين الشريعة والقانون ،أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الشريعة والقانون في
جامعة األزهر 1914 ،ص 19
4أحمد السعيد الزقرد ،تعويض ضحايا مرض اإليدز والتهاب الكبد الوبائي بسبب نقل دم ملوث ،دار الجامعة الجديدة،
اإلسكندرية ،مصر ،4001 ،ص 24
3عاطف النقيب ،المرجع السابق ،ص 412
4
Paris, 27 novembre 1992, Gazelle du Palais, 1992, P 541
نقالً عن حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 191
109
عنه في مرحلة المرض الفعلي ،لذلك يحق للقاضي اإلحتفاظ للمصاب بحقه بالمطالبة خالل مدة معقولة
بإعادة النظر بالتقدير .ويجب أال تتجاوز هذه المدة المعقولة الفترة الصامتة للمرض.2
وبالتالي يتوجب معرفة كيفية تقدير التعويض والعوامل المؤثرة فيه ،ومن هم األشخاص المستحقين للتعويض.
أ -تقدير التعويض
ال يختلف األمر كثي اًر في تقدير التعويض بين التقدير وفق القواعد العامة في المسؤولية في عمليات نقل الدم
الملوث ،إذ يتوجب أن يكون التعويض متساوياً مع الضرر الالحق بالمتضرر ،مما يعطي المحكمة هامش
واسع من الحرية في تحديد مبلغ التعويض كي يكون متناسباً مع الضرر الالحق.
ولكي يستطيع القاضي تقدير التعويض بشكل حقيقي وسليم للتعويض عن األضرار الناجمة عن عمليات نقل
الدم الملوث ،ال بد أن يلم ببعض األفكار والمبادئ الطبية والعلمية لما من ذلك شأن في تسهيل مهمته ،حتى
ولو استعان بالخبراء لتقدير التعويض.
في التعويض عن هذا النوع من العمليات ،يواجه القضاء عدة صعوبات مردها أن أصل المرض أو اإلصابة
به قد يبدأ ثم يستغرق اكتماله أو ظهور أعراضه زمناً مما يجعل القاضي يحتار في كيفية تقدير التعويض،
فهل يقدر التعويض بشكل كامل ونهائي أم بطريقة جزافية تشمل كل األضرار الظاهرة أو التي ستظهر
مستقبال أم بطريقة جزئية مع اإلحتفاظ بحق المتضرر بالحصول على التعويض الكامل بعد اكتمال ظهور
المرض وأعراضه.1
العبرة من حيث المبدأ في تقدير التعويض هو يوم صدور الحكم ،إال أن القضاء جرى على أنه في الحاالت
يتعين على القاضي إن لم يكن باستطاعته تعيين التعويض اإلحتفاظ للمتضرر
التي يكون فيها الضرر متغي اًر ّ
بالحق بالمطالبة .وهذه المشكلة تثار في مرضي السيدا والكبد الوبائي إذ أن المرض ال يكتمل ظهوره دفعة
واحدة وبالتالي ال يستقر الضرر كي يتمكنوا من تقديره ،فالفترة الصامتة التي يمر بها المرض تتراوح من
سنتين إلى اثنتي عشرة سنة ،مما يستدعي احتفاظ القاضي للمتضرر خالل تلك الفترة بباقي التعويض.
ولتحقيق الهدف من التعويض المتمثل بجبر الضرر ،ال بد من أن يكون كامالً وشامالً لكافة األضرار المادية
واألدبية ،والتقدير يجب يتم على أساس الضرر ذاته ويتوجب مراعاة كافة االعتبارات في ظروف المصاب،
كي يكون التعويض قاد اًر على إصالح الضرر.
وللقاضي أن يختار إحدى الطريقتين من أجل تحديد التعويض ،الطريقة األولى طريقة شاملة جزافية ،من
شأنها التعويض عن كافة األضرار واإلمكانيات التي فقدها المتضرر دون تمييز بين الضرر المادي واألدبي.
وال بد من اإلشارة إلى أن عوامل عدة تؤثر في تقدير التعويض في مجال عمليات نقل الدم الملوث من
مراحل مرور المرض ،درجة اإلصابة التي تؤثر في قرار المحكمة بالتعويض وتحديد مقداره إلى درجة الخطأ
التي ينبغي أن يعتد به في هذا المجال لجسامة الخطأ وكل ظرف آخر يؤثر في التقدير بحيث يكون مساوياً
للضرر الحاصل ،ويالحظ أن المحكمة في العادة ال تصرح بأن ارتفاع التعويض هو نتيجة الخطأ الجسيم
ولكن يستشف ذلك من حكمها ومن المبلغ الذي قضت به .فكلما ازدادت جسامة الخطأ المرتكب من
المسؤولين عن األضرار الناتجة سواء أكان السائق أو الطبيب أو مركز نقل الدم أو المستشفى ،ازداد حجم
ومقدار األضرار وبالتالي ارتفاع مقدار التعويض.1
من البديهي أن يكون المتضرر مباشرة من نقل دم ملوث المستحق األول للتعويض ،فهذا الشخص الذي تم
نقل دم مصاب إليه ألحق به أضرار يترتب التعويض عنها ،فيتم تعويضه عن األضرار المادية الناجمة عن
اإلصابة من أضرار مالية كربح فائت أو تفويت فرصة ونفقات عالجية ،وأضرار جسدية من عجز جسماني
أو عاهة ناتجة عن اإلصابة ،كما يتم تعويضه عن األضرار األدبية الالحقة به جراء اإلصابة لما لها هذه
األخيرة من تأثير على حياة المصاب األسرية والعائلية واإلجتماعية والسياسية3
وباإلضافة لهذا المتضرر ،يوجد متضررون آخرون يثبت لهم حقهم بالتعويض عن األضرار الالحقة بهم
ويعتبر حقهم هذا حقاً أصيالً وليس موروثاً عن المصاب ،فالزوج الذي أصيب زوجه بمرض السيدا على أثر
نقل الدم الملوث يعتبر مصاب بضرر مباشر متمثل بحرمانه ممارسته الحياة األسرية بشكل معتاد ،واألوالد
الذين ولدوا من أم مصابة بفيروس السيدا ،فيصبحون حاملين لهذا الفيروس و يلحق بهم نتيجة ذلك ضر اًر
باإلضافة إلى هؤالء ،يحق ألقارب المصاب التعويض عن األضرار األدبية واآلالم النفسية التي لحقت بهم
جراء إعالن إصابة قريبهم بهذا الفيروس ويحق لألشخاص الذين يعيلهم المصاب بالمطالبة بالتعويض عن
الضرر المرتد الالحق بهم .والضرر المرتد هو الضرر الذي يرتد على أشخاص آخرين نتيجة ما لحق
المتضرر من ضرر.
وان الوفاة تعتبر نتيجة طبيعية للمصابين ببعض األمراض المنقولة عبر الدم ،وما يتوجب معرفته بهذا اإلطار
هو هل ينتقل حق التعويض للورثة؟
يحق للورثة المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي الذي أصابهم جراء فقدهم لمعيلهم الوحيد ،ألن ذلك يعتبر
اعتداء على حقهم بالنفقة ،واخالل بحق مالي ثابت لهم ويقع على الورثة إثبات أن المتوفى كان معيلهم
الوحيد وأن إعالته لهم كان من المحقق استمرارها في المستقبل ،وينتقل الحق بالتعويض إلى الورثة كل حسب
نصيبه في الميراث.
وللورثة الحق في رفع دعويين ،األولى دعوى الوراثة ،التي يرفعها الورثة للمطالبة بالتعويض عن كافة
األضرار الالحقة بمورثهم قبل وفاته بما فيها األضرار األدبية .1والدعوى الثانية دعوى شخصية يطالب فيها
الخلف العام بالتعويض عن أضرار الحقة به بصفة شخصية بطريقة مرتدة (الضرر المرتد) ،فإذاً نتج عن
الفعل الضار نوعان من األضرار ،ضرر أصلي أصاب المورث ،وضرر مرتد أصاب الورثة ،مما ينشئ حق
في التعويض لمصلحة الورثة في دعويين مقابل كل واحد من هذين الضررين ،فاألول ينشأ في ذمة المتضرر
األصلي ،يمكن أن ينتقل إلى ورثته عند وفاته بعد استيفاء دائني المورث حقوقهم ،تطبيقاً لقاعدة ال إرث قبل
وفاء الدين ،وما تبقى من التعويض يتم توزيعه على الورثة كل حسب نصيبه ،والثاني المتمثل بحقه بالمطالبة
بالتعويض عن الضرر المرتد الالحق به ،فيكون بمقتضى الدعوى الشخصية.
وفيما خص الضرر األدبي ،هل بإمكان أهل المصاب وأقاربه المطالبة عما أصابهم من تأثير نفسي وحزن
بسبب موت المصاب؟
فكرس في الفقرة الثانية من المادة 239من قانون الموجبات وعقود التعويض على ذوي
أما المشرع اللبناني ّ
القربى عن الضرر الماس بالشعور بالمحبة تجاه الضحية لما أصابها من أذى أو أحدث لها الوفاة على أن
ينظر القاضي إلى درجة المحبة الرابطة بين المصاب وذويه ،واذا كان هنالك ما يبررها من صلة القربى
الشرعية أو صلة الرحم ،وبالتالي تم استبعاد األشخاص الذين ال تربطهم بالضحية مثل هذه الرابطة وان
أصيبوا بآالم نفسية وحزن لفقدان عزيز عليهم ،وهذا على عكس ما هو حاصل في فرنسا إذ ال يوجد مثل هذا
النص المحدد لألشخاص الذين يحق لهم المطالبة بالتعويض .1بل تطور االجتهاد الفرنسي إلى أبعد من ذلك
من خالل افساح المجال أمام كل متضرر إلثبات ضرره وبالتالي المطالبة بالتعويض عن األلم الالحق به
جراء ما حصل للضحية بغض النظر عن الصلة التي تربطه به.3
فيما خص موقف الشرع اإلسالمي ،3لم يعرف التأمين في عهد الرسول محمد (ص) ،وهو من العقود
المستجدة ،فاختلف رأي الفقهاء المسلمين بين معارض ومؤيد ،فالمعارض له اعتبر أن هذا العقد مقامرة
ومراهنة ،في حين رأى مؤيدوه أنه ال يخالف نظام التعاقد الشرعي فهو ليس من المقامرة في شيء ،كما رأى
ورد المؤيدون لذلك
معارضوه أن ضمان األموال شرعاً يكون بطريقة الكفالة أو بطريق التعدي أو اإلتالفّ ،
بأنه ال يجوز قياس عقد التأمين على عقد أو نظم معروفة في الفقه اإلسالمي ألنه عقد جديد له مقوماته
وخصائصه وال يوجد أدنى مانع شرعي من إباحته ،ويمكن القول أن هذا هو الرأي الغالب خاصة وأن
التشريعين األردني والمصري قد أخذا بعقد التأمين ،باالضافة إلى انتشار شركات التأمين اإلسالمية والتي
تعمل على أسلوب المرابحة في عملها.9
وفي مجال عمليات نقل الدم ،فرض التأمين اإلجباري من المسؤولية المدنية في هذا المجال في فرنسا
بموجب الئحة 18أيار ،2456بحيث يقوم كل مركز نقل دم بابرام عقد تأمين يغطي األضرار التي تصيب
المتبرعين أو المتلقين للدم كما فرض القانون رقم 986الصادر في آب 2462على المؤسسات التي تعنى
بالدم البشري ضرورة إبرام عقد تأمين يغطي المسؤولية التي يمكن أن تنتج من جراء هذه الممارسة ،ويالحظ
أما الئحة 27أيار 2476فصدرت بشأن المؤسسات العاملة في مجال أخذ وتلقي الدم ،وجاءت لضمان
مسؤولية مؤسسات نقل الدم عن نشاط أبعد مدى مما كان يضمنه القانون 62/986المذكور أعاله ،ومن ثم
صدرت الئحة 17حزيران 2481وهي آخر ما صدر في هذا المجال على حد علمنا ،ففرضت على مراكز
نقل الدم مجاالً أوسع لعقد التأمين المتوجب إبرامه ،فحددت نطاق الخطر المؤمن عنه ونطاق الضمان.
فلناحية المخاطر المغطاة بعقد التأمين ،يغطي الضمان النتائج المالية المترتبة على قيام مسؤولية المراكز ،أو
أحد تابعيها أياً كانت طبيعة المسؤولية عقدية أو تقصيرية ،وهي تشمل ضمان المخاطر الناتجة عن تحقق
مسؤولية المركز في مواجهة أشخاص محددين ،هؤالء األشخاص هم المتبرع بالدم ،المتطوع ،واألشخاص
الذين يعملون بالدم.
فيتم ضمان المخاطر لهؤالء فيما خص األضرار الجسدية والمادية وغير المادية ،وبالنسبة للمتبرع يضمن
التأمين الضرر الناتج عن أي تدخل من قبل المركز بهدف التعديل أو التغيير في خصائص الدم عند أخذه
من المتبرع ،1والضرر الناتج عن أي حادث يقع للمتبرع أثناء توجهه من مكان إقامته أو عمله إلى المكان
المخصص ألخذ الدم متى كان ذلك بناء على دعوة كتابية أو إعالن في الصحف ،3والضرر الناتج عن أي
حادث يقع للمتبرع أثناء عودته من المحل المخصص ألخذ الدم إلى مكان إقامته أو عمله.9
وبالنسبة للمتطوعين ،فالضمان يغطي كل شخص يتعاون مع المركز وأصابه ضرر في مقر المركز أو في
األماكن التي يمارس فيها نشاطه ،وأيضاً يغطي اإلصابات التي تحدث له أثناء توجهه لمقر إقامته أو عمله
إلى المركز أو األماكن التابعة له والعكس .5كما يغطي الضمان األشخاص الذين يعملون بالدم عن األضرار
الالحقة به نتيجة عمله هذا.
كما شمل الضمان المفروض بهذه الالئحة ضمان مسؤولية المركز عن التابعين له وعن حوادث اآلالت تجاه
الغير ،وضمان المسؤولية المدنية الناتجة عن حوادث التسمم الغذائي (يقوم المركز في بعض األحيان بتقديم
وجبات غذائية للمتبرعين بالدم قد ينتج عن ذلك تسمم غذائي) ،وضمان المسؤولية المدنية الناشئة عن
وفيما خص نطاق الضمان ،من حيث الزمان يضمن عقد التأمين من المسؤولية نتائج األفعال الضارة التي
تؤدي إلى مسؤولية المؤمن له والتي تقع أثناء مدة صالحية وسريان عقد التأمين حتى ولو تأخرت مطالبات
الغير بالتعويض إلى ما بعد انتهاء هذه المدة .وفي هذا اإلطار ميزت الئحة 2481/16/17بين حالتين،
الحالة األولى متعلقة بمسؤولية المركز المنصوص عليها في البند األول حتى الرابع ،بأن جعلت هذا الضمان
مقتص اًر على المطالبات بالتعويض التي تتم أثناء العقد ،والحالة الثانية هي المتعلقة بالمسؤولية عن توزيع
الدم أو أحد مشتقاته ،فقد جعلت الالئحة المدة خمس سنوات إلى ما بعد انقضاء عقد التأمين ،ويكون هذا
النص قد حدد المدة وال يمكن االتفاق على مخالفتها.2
ومن حيث القيمة ،يوجد نوعين من الضمان ،محدود وغير محدود ،فالئحة 2481/16/17نصت في المادة
الخامسة منها ،على أن ضمان المسؤولية المتعلقة بأخذ الدم والحقن والحوادث التي تقع بفضل تابعي المركز
أو الناشئة عن أجهزته ومعداته (البنود أوالً وثانياً ورابعاً) هو ضمان غير محدود عن األضرار الجسدية التي
تتحقق في هذه الحاالت ،أما فيما خص األضرار المادية وغير المادية فقد قررت مبدأ التعويض المحدود وفقاً
لما يتفق عليه في عقد التأمين أياً كان عدد المتضررين .أما الفقرة الثالثة من المادة الخامسة فنصت على أن
"تتحدد قيمة الضمان عن األضرار الجسدية والمادية وغير المادية الناشئة عن تحقيق مسؤولية المركز
المنصوص عليها في البندين ثالثاً وخامساً وفقاً للشروط الخاصة حسب الكارثة وسنة التأمين .وتنقص هذه
القيمة مع كل تسوية ودية كانت أو قضائية أياً كانت األضرار وال يتجدد هذا الضمان تلقائياً بعد التسوية".
ويالحظ هنا أن تحديد قيمة الضمان متروكاً إلرادة الطرفين مما يعني تفاوت قيمة التأمين من عقد آلخر،
يقرر البعض
ولذلك يتم وضع في بعض العقود حداً أقصى للتأمين حتى بالنسبة لألضرار الجسدية بينما ّ
اآلخر ضماناً غير محدود عن هذه األضرار .ومن هنا تبرز مشكلة بالنسبة للعقود التي يتحدد فيها الضمان
بقيمة معينة ،وتكمن المشكلة في تحديد مفهوم الكارثة ،فهل كل واقعة تلوث دم تمثل وحدها كارثة قائمة
بذاتها وبالتالي تتعدد الكوارث بتكرار حدوث تلك الواقعة أم أن كافة الوقائع الضارة أي حوادث تلوث الدم
الواقعة خالل مدة التأمين وترجع إلى سبب واحد تشكل كارثة واحدة؟
بمعنى آخر ،إن القول بأن كل واقعة ضارة تشكل كارثة ،يعطي الحق للمتضرر بالحصول على كامل مبلغ
التأمين وحده وهذا يتفق مع مبدأ التعويض الكامل ،في حين القول بأن كافة وقائع الدعوى أو التلوث الواقعة
وازاء هذه المشكلة ،انقسم اإلتجاه القضائي في فرنسا إلى اتجاهين ،اإلتجاه األول أقر بتحديد قيمة الضمان،
إذ أقرت محكمة استئناف ( )Aix-en-provenceفي حكمها الصادر بتاريخ 21تموز 2443تحديد
الضمان وفقاً للكارثة حيث اعتبرت المحكمة أن الكارثة هي كل واقعة عدوى خالل السنة فقضت أن الحد
األقصى للضمان هو 1مليون فرنك ونصف وفقاً لما هو متفق عليه في وثيقة التأمين أياً كان عدد
المتضررين وذلك أثناء سريان العقد وأكد على ذلك حكم محكمة استئناف Bordeauxالصادر بتاريخ 4
حزيران .2449
في حين يرى اإلتجاه الثاني ،2وجوب إكمال اإلحالة الواردة في المادة الخامسة من الشروط العامة وتطبيق
الشروط الخاصة التي تقرر مبدأ الضمان الكامل لكل متضرر.
وللموازنة بين هذين اإلتجاهين ،تكون مراعاة مصلحة الطرف األضعف هي األولى شرط عدم وضع المركز
وهو الطرف األقوى والذي تسنده شركة التأمين في مأزق مادي ،حيث أن المركز عمله انساني بالدرجة
األولى وال ينبغي الربح المادي ،ولذلك يجب أال يتضرر من نتائج مالية كبيرة ،فيكون اإلتجاه الثاني هو
األصلح واألكثر واقعية ،والسبب أن المتضرر من عمليات نقل الدم الملوث يتعرض لضرر كبير ،والمركز
يرتب اتفاقياته مع شركة التأمين لضمان الضرر الكامل للمتضرر.1
ينتج على تحديد قيمة الضمان في عقد التأمين آثار مالية من شأنها التأثير باإلضافة على مركز نقل الدم،
على المؤمن له والمتضرر ،فبالنسبة للمركز فبعض األمراض المنقولة بواسطة الدم يتأخر اكتشافها عدة
سنوات مثل حالة اإللتهاب الوبائي الكبدي قد تصل المدة إلى عشرين سنة في حالة تليف الكبد ،وبالتالي
تنقضي مدة سريان العقد ومدة الضمان الالحق ،مما يحمل المركز أعباء مالية ليس لديه قدرة دفعها
وتضرر المصابين بعدم التعويض عليهم.
ّ وتضرره
ّ للمتضررين ،مما يؤدي إلى إعساره
1
Tribunal de Grande Instance de Bordeaux, 27 Juin 1994, (non publié) ibid., p 80
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 131
117
للمتضرر ،تحديد قيمة الضمان ،يحرم المتضرر من الحصول على التعويض أو الحصول علىّ أما بالنسبة
تعويض غير مناسب مما يضطره إلى اللحوء إلى الضمان العام الذي تلتزم الدولة به.
وبالنسبة للمؤمن ،القول بأن الحد األقصى لقيمة الضمان يكون لتغطية جميع النتائج الضارة أياً كان عدد
المتضررين ،يسمح للمؤمن التمسك بتطبيق المبدأ التعويضي سواء في مواجهة المؤمن له المركز أو
المتضرر.2
تجدر اإلشارة إلى أنه في لبنان ،ال يوجد تأمين إلزامي سوى على المركبات اآللية والسيارات يشمل األضرار
الجسدية والمدنية.1
وخالصة القول أن التأمين من المسؤولية وسيلة ال غنى عنها لضمان األضرار المحتملة لعمليات نقل الدم إال
أنها ال تعد كافية بحد ذاتها في تعويض األضرار الناتجة والتي عادة تكون كارثية ،مما يتعين ايجاد أنظمة
تعويض مكملة.
تجدر اإلشارة إلى أن مصر واألردن ولبنان والعراق ،ال يوجد لديهم نظام أو قانون يقرر تعويضات خاصة
للمرضى المصابين نتيجة نقل دم ملوث ،خاصة لمرضي اإليدز والتهاب الكبد الوبائي ،والسبب في ذلك عدم
انتشار هذه األمراض في هذه البلدان بشكل كارثي .أما في فرنسا وبسبب انتشار مرض السيدا بشكل هائل
ومخيف وكثرة الدعاوى القضائية المقدمة من قبل ضحايا هذا المرض ،استجاب المشرع لحاجة هؤالء وقام
باصدار قانون رقم 42/2916الصادر في 2442/21/32يقضي بإنشاء صندوق لتعويض اإلصابات من
مرض السيدا ونظّم عمل هذا الصندوق.
إضافة إلى ذلك ،ومع عدم وجود صندوق ضمان في كثير من الدول ،وكذلك كون صناديق الضمان
الموجودة في فرنسا تخص فئة واحدة من المرضى وهم مرضى السيدا الذين يتم إصابته نتيجة نقل دم ،فال بد
1
M. Micoud: Rapport sar de l’hépatite, D. 1993, P 83
4المادة 313من قانون السير الجديد ،رقم ،423الصادر بتاريخ ،4014/10/44منشور في الجريدة الرسمية عدد ،21
تاريخ 4014/10/41
118
من إيجاد آلية أخرى يمكن لجوء المتضرر إليها للحصول على التعويض ،وهذه اآللية هي الدولة التي لها
دور هام في سد الثغرات التي تعتري نظم التأمين.
أنشأ المشرع الفرنسي صندوق لتعويض ضحايا مرض السيدا ،وهو عبارة عن هيئة اعتبارية تتمتع بشخصية
قانونية يصعب تكييفها بأنها مرفق عام أو خاضعة للقانون الخاص ،2ويشمل هذا الصندوق مرضى السيدا
الذين انتقل إليهم عبر عملية نقل دم ملوث ،دون بقية المرضى الذين انتقل إليهم بطرق أخرى .يتم تمويل
الصندوق من موازنة الدولة ،ومن شركات التأمين ،ومن التعويضات التي يتم الحصول عليها من المسؤولين
عن اإلصابة.
وينتج عن هذا الصندوق حق لكل متضرر من اإلصابة بمرض السيدا نتيجة نقل دم ملوث إليه أو أحد
منتجاته أو مشتقاته باللجوء إلى الصندوق من أجل الحصول على التعويض القانوني.
وللحصول على التعويض شروط وأسس ال بد من توفرها ،تتمثل بأن يكون سبب اإلصابة الدم المنقول سواء
أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر ،ويشترط أن تتم عملية نقل الدم في فرنسا بغض النظر عن جنسية
المتضرر .ويتم إثبات الصلة السببية بين اإلصابة والدم من خالل قرينة نص عليها القانون لصالح المتضرر
بحيث ينطبق عليه إثبات عملية النقل واإلصابة ،إال أن هذه القرينة بسيطة قابلة إلثبات العكس ،إذ تخضع
هذه القرينة لسلطة لجنة التعويضات التقديرية التي تتحقق من اإلصابة ومن تاريخ النقل قبل صرف
التعويض ،كما تقوم بإجراء الفحوصات على المتبرعين ،فإذا ثبت خلو هؤالء من مرض السيدا ،فترفض طلب
التعويض ،ألن السبب باإلصابة في هذه الحالة ليس عملية نقل الدم .وفي المقابل إذا ثبت إصابة أحد
المتبرعين بالفيروس ،تقوم قرينة لصالح المتضرر ويثبت حقه بالتعويض .إال أن هذا األمر تعترضه بعض
الصعوبات متعلقة بإصابة المتبرع بالمرض بعد نقله الدم أو أن الدم المنقول ليس دم المتبرع المصاب،
ومهمة المحكمة الفصل في هذه األمور وفق ما يتوفر لديها من مستندات وأدلة.1
يشمل التعويض المدفوع من الصندوق األقارب الذين لحقتهم أضرار شخصية بسبب ما أصاب المتضرر من
أضرار من خالل تطبيق نظام التعويض القانوني.
1محمد عبد الظاهر حسين ،مشكالت المسؤولية المدنية في مجال عمليات نقل الدم ،المرجع السابق ،ص 113
4حمد سلمان سليمان الزيود ،المرجع السابق ،ص 131
119
تجدر اإلشارة إلى أن التعويض القانوني الذي يدفعه الصندوق يعتبر تعويضاً جماعياً تنظمه الدولة بدون
العودة إلى القواعد المعروفة في المسؤولية المدنية.
وأخذ المشرع الفرنسي بمبدأ التعويض الشامل أي الذي يأخذ بعين اإلعتبار كافة عناصر الضرر التي تصيب
مقسماً على كل عنصر من عناصر الضرر ،كما اعتبر هذا المشرع ضحايا المرض ،فيحدد مبلغ التعويض ّ
أن مرض السيدا يؤدي حتماً إلى الموت ،وأخذ عمر المصاب بعين اإلعتبار في تحديد مبلغ التعويض ،إذ
يربط بين التعويض وعمر المصاب عالقة عكسية ،فكلما كان سن المصاب أصغر كلما كبر التعويض على
اعتبار أن المرض سيحرمه من سنوات أطول من الحياة.
باألصل تقوم مسؤولية الدولة على أساس الخطأ ،إال أن مفهوم مسؤوليتها قد تطور وأصبح يستند على أساس
تكميلي غير الخطأ وهو فكرة المخاطر أو مبدأ المساواة أمام األعباء .وتبرز أهمية دور الدولة في التعويض
عن المخاطر الطبية في الحاالت التي تسمى كارثة طبية Une catastrophe médicaleوغياب آلية
تضطلع بالتعويض ،فتلتزم عندها الدولة القيام بهذا الدور ،فتتح ّمل عبء التعويض على هؤالء الضحايا على
أساس التضامن اإلجتماعي وليس على أساس المسؤولية القانونية.
ِ
عرف تطور مفهوم مسؤولية الدولة مرحلتين ،المرحلة األولى تتمثّل باإلتجاه نحو الفصل بين المسؤولية
التدرجي للتعويض المستقل عن المسؤولية ،إذ أن قيام مسؤولية الدولة من حيث المبدأ
والتعويض أي التأكيد ّ
تطور إذ أصبح التزامها بالتعويض مستقل عن ارتكابها أية سلوك
على فكرة الخطأ ،إال أن هذا المفهوم ّ
خاطئ ،فأصبحت تلتزم بالتعويض كمسؤول أخير في الحاالت التي ال يوجد ملتزماً بالتعويض عنها كالكوارث
الطبيعية ومن الممكن إدراج الكوارث الطبية من ضمنها .أما المرحلة الثانية هي مرحلة اإلستقرار على
التعويض بدون مسؤولية انطالقاً من فكرة المساواة بين المواطنين ،وتجلّى هذا األمر في الحاالت التي منح
فيها المشرع التعويض 2والتي أتت تلبية لحاجات المتضررين بتأمين الحماية الالزمة لهم وتمكينهم من
الحصول على تعويض عن األضرار الهائلة الالحقة بهم .ومن هذه األنظمة للتعويض ،التعويض عن انتقال
مرض السيدا ،فيكون التضامن االجتماعي مكمالً لنظام التأمين من المسؤولية.1ويتميز هذا النوع من
التعويض بآلية أدائه ،إذ تلتزم به الدولة دون تكليف ضحايا الكوارث الطبية إثبات قيام المسؤولية ،مما يعني
أن هذا التعويض مرتبط بالضرر ،فمتى تحقّق هذا األخير استحق األول .وبالتالي ينتج عن ذلك عدم إمكانية
1
J.M. pontier, la subsidiarité au droit administratif, R.D.P. p 75
2
J.M. Pontier, L’indemnisation des victimes par le virus du Sida,12 mars 1992, P 35
120
إعفاء الدولة من هذا اإللتزام ،ألن المخاطر المرتبطة في المجال الطبي ال يمكن أن تنعدم وبالتالي ال إمكانية
للقول بالقوة القاهرة لرفع المسؤولية عن الدولة لتخلّف شرط من شروطها "عدم التوقع" ،فالخطر الطبي دائماً
متوقع وال يوجد في المجال الطبي خطر منعدم (.)Risque zéro
يتمتع التعويض عن طريق الدولة بخاصيتين :األولى أن تدخلها تكميلي ،والثانية أن تدخلها متنوع في طرقه.
فمن ناحية أولى ،يعتبر تدخل الدولة في التعويض وعلى رغم من ضروريته إال أنه ذو طابع احتياطي ،إذ أن
دور الدولة في التعويض يتجلى بغياب جهة مسؤولة عن التعويض ،وفي حالة عجز آليات التعويض السابقة
مكمالً لنظام التأمين من المسؤولية الطبية وليس موازياً له.2
عن تعويض المخاطر الطبية ،فيكون دور الدولة ّ
تدخل الدولة هذا ،قد يكون عبر طريقتين ،تقديم المساعدات أو التعويضات.
ومن ناحية أخرىّ ،
فيتم تقديم المساعدات إلى فئة من المجتمع أصابتها كوارث عامة ،إال أن هذه المساعدات ال تثير مسؤولية
الدولة ،إذ أنها عبارة عن منحة تقدمها الدولة إلى مواطنيها دون أن يكون لهم الحق بمطالبتها بذلك قانوناً.1
أما التعويضات ،فإن الدولة تؤديها على أساس فكرة المسؤولية للتعويض على الضحايا كضحايا المخاطر
الطبية .وينتج عن ارتباط هذه التعويضات بفكرة المسؤولية شمولية التعويض لكافة األضرار الناتجة عن
المخاطر الطبية ،أي التعويض الكامل ،وبالتالي يكون تدخل الدولة في هذه الحالة مفروض بالقانون وليس
منحة من قبلها.
يحرص اإلسالم على ترسيخ مبدأ التكامل اإلجتماعي بين أفراد المجتمع ،وهدف الشريعة في أحكام التعويض
هو جبر الضرر ،لذلك شرع اإلسالم الضمان العام بين المسلمين بما يسمى بيت مال المسلمين ويتم من
خالله التعويض من قبل الدولة.
وبالتالي يعتبر بيت المال نطاقاً للتعويض من قبل الدولة ،يرتكز على تكامل اجتماعي بهدف جبر األضرار
المالية والجسدية ،وقد وضع النظام اإلسالمي نطاقاً محكماً من الصدقات والزكاة والخمس من أجل تحقيق
الضمان اإلجتماعي.
إال أن نجاح هذه العملية يتوقف على شروط معينة واجبة التحقق لدى طرفيها ،وأن التبرع يعتبر أهم تصرف
قانوني على الدم ،بل هو األصل لما فيه من تنمية لحس التضامن والتكافل اإلجتماعي وكي ال تصبح حياة
وبينا أن بعض التشريعات قد تبيح بيع الدم ،إال أن هذا األمر يبقى استثناء عن
اإلنسان محالً للمتاجرةّ ،
األصل.
وتطرقنا إلى التزامات المتدخلين في هذا النوع من العمليات ،وبحثنا في مسؤولية كل واحد منهم ،وان اإلخالل
بهذه اإللتزامات يعد خطأ ،فإذا نتج عنه ضرر ،انعقدت المسؤولية المدنية ،وبالتالي ال بد من التعويض عنها
كأثر طبيعي لها ،خاصة أن هذا النوع من العمليات تتضمن خصوصية معينة في طبيعة األضرار ،فبحثنا
بأركانها ،وبآثارها وبآليات التعويض المعتمدة في بعض البلدان.
وبناء لما تقدم ،ونظ اًر ألهمية هذا الموضوع ،نضع المقترحات التالية:
)2وضع تشريعات مواكبة له ،قادرة على استيعاب خصوصيته ،كما هو حاصل في فرنسا ،فيتوجب
على التشريعات العربية بشكل عام ،واللبنانية بشكل خاص ،وضع تشريع مختص ومتكامل في هذه
العمليات ،أوسع وأشمل من قانون إنشاء وتنظيم ومراقبة مراكز نقل الدم اللبناني ،من شأنه وضع
المبادىء واإللتزامات الواجب مراعاتها ،وشروط المسؤولية الناجمة عنها وأسسها بشكل واضح ال
لبس فيه ،فيكون هو المرجع الرئيسي دون اإلضطرار للعودة إلى القواعد العامة.
)1تبني هذه التشريعات المسؤولية على أساس المخاطر ،على غرار القضاء الفرنسي ،تسهيالً على
المتضرر حصوله على التعويض ،نظ اًر لصعوبة إثباته الخطأ الطبي ،خاصة أنه الطرف الضعيف.
)3تشديد هذه التشريعات على مبدأ مجانية نقل الدم ،وحث األفراد على التبرع بالدم ،وتكريس ذلك
صراحة في موادها منعاً ألي التباس قد يحصل في تفسير هذه المواد ،على غرار ما هو حاصل في
مصر ،إذ أن البعض يعتبر بجواز بيع الدم ،فتصبح حياة اإلنسان مرهونة بتجارة البعض.
123
)9دعوة المشرع اللبناني ،إلى حين اعتماده تشريع متكامل ،العمل على تعديل المادة 12من قانون
إنشاء وتنظيم ومراقبة مراكز نقل الدم التي نص على منع بيع الدم لمراكز نقل الدم بأي شكل من
األشكال ومهما كانت الظروف ونص على معاقبة البائع والشاري ،وجعل هذا المنع شامالً أكثر
ليصبح منعاً بالبيع ألي كان ال سيما مركز نقل الدم ،لتصبح القاعدة أكثر وضوحاً وشمولية ،فتحقق
الغاية المرجوة منها ،وقد يرى البعض أن حصر المنع لمركز نقل الدم ناتج عن أن هذا القانون
مختص بهذا المركز ،إال أن ذلك برأينا ال يمنع من اعتماد المنع الشامل ،أو من الممكن إضفاء نص
على قانون العقوبات يقضي بذلك.
)5إنشاء هيئات رقابية تابعة للدولة ،تتألف من مختصين تتولى مهمة الرقابة واإلشراف على جميع
العمليات المجراة على الدم ،إن لناحية سحبه ،تخزينه ،نقله ،في كافة المؤسسات العالجية ،وال سيما
مراكز نقل الدم.
)6مراعاة مبادىء ضمان الجودة والنوعية الشاملة ،المعتمد عالمياً ،والزام هذه المؤسسات العالجية
اعتماده في عملها ،من أجل التمكن من تقييم أدائها المستمر ،وحثها على البقاء ضمن المستوى
ويعزز
المطلوب ،خاصة لناحية ضمان سالمة العمليات التي تجريها ،مما يقلّل احتمال الخطأ لديهاّ ،
ثقة المتعاملين معها.
)7وضع نظام وآلية متكاملين للتعويض عن األضرار الناجمة عن نقل دم ملوث ،خاصة وأن هذه
األضرار قد تؤدي إلى الموت كما هو الحال مع مرضى السيدا ،وبالتالي يجب أن يكون التعويض
معادالً للضرر وشامالً كافة أنواعه ،وبإمكان التشريعات العربية ،ومن ضمنها لبنان ،أن تحذو حذو
التشريع الفرنسي ،وتنشئ صناديق تعويضات خاصة للمتضررين من عمليات نقل الدم ال سيما
مرضى السيدا ،وان عجز هذا الصندوق عن التعويض لكافة المتضررين ،من الجائز األخذ
بالتعويض التكميلي من الدولة نظ اًر لدورها اإلجتماعي ،وبإمكان الدول المتأثرة بالشريعة اإلسالمية
مثل مصر واألردن ،اعتماد نظام بيت مال المسلمين كأحد وسائل التعويض التكميلي.
)8وضع التشريعات العربية ،ومن ضمنها لبنان ،تشريع من شأنه الفرض على المؤسسات العالجية التي
لها عالقة في عمليات نقل الدم ،ال سيما مركز نقل الدم ،اعتماد التأمين اإللزامي ،ال سيما عن
حوادث نقل الدم ،على غرار التأمين اإللزامي على السيارات والمركبات اآللية ،لما في ذلك من
ضمان أكبر للمتعاملين معها.
)4ضرورة قيام الدولة ،ومؤسسات المجتمع المدني ،والجسم الطبي ،بنشر الوعي والثقافة حول أهمية
التبرع بالدم ،والوقاية من انتقال األمراض إليهم بالدم ،وحثهم على اعتماد أسلوب حياة سليم.
124
وفي الختام ،يبقى حتى تاريخه ،الدم شريان الحياة ،وسر من أسرار الوجود ،ووسيلة لخالص البشرية ،إال أن
طريقه ما زالت محفوفة بالمخاطر ،فهل سيتمكن التطور الطبي الحاصل ،من إيجاد بديل اصطناعي عن الدم
من شأنه تأمين سالمة نقله ؟ أم هل سيتمكن من إيجاد اكتشاف عالجاً فعاالً لألمراض المستعصية مثل
السيدا ،تسمح بالقضاء عليها مع ما ينتج عن ذلك من تغير في مفهوم المسؤولية والتعويض عنها؟ فما كان
مستحيل باألمس أصبح ممكناً اليوم ،وبالتالي هل ما هو مستحيل اليوم سيصبح ممكناً غداً؟
لن نتمكن من اإلجابة على هذه األسئلة اآلن ،إال أن الغد لناظره لقريب!
125
قائمة المراجع
المراجع باللغة العربية:
أ -الكتب
)2األبراشي ،حسن زكي ،مسؤولية األطباء والجراحين المدنية في التشريع المصري والقانون المقارن،
دار النشر للجامعات المصرية ،القاهرة ،مصر2452 ،
أبو الليل ،إبراهيم الدسوقي ،تعويض الضرر في المسؤولية المدنية دراسة تحليلية تأصيلية لتقدير )1
التعويض ،غير مذكور دار النشر2445،
)3أبو خطوة ،أحمد شوقي عمر ،القانون الجنائي والطب الحديث :دراسة تحليلية مقارنة لمشروعية نقل
وزرع األعضاء البشرية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر2486 ،
)9األتروشي ،محمد جالل حسن ،المسؤولية المدنية الناجمة عن عمليات نقل الدم ،الطبعة األولى ،دار
الحامد للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن1117 ،
)5أحمد محمود سعد ،تغيير الجنس بين الحظر واإلباحة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،الطبعة األولى،
2443
)6إدمون كسبار ،الوصايا والهبات واإلرث ،غير مذكور دار وسنة النشر
)7الباز ،محمد علي ،الموقف الفقهي واألخالقي من قضية زرع األعضاء ،دار القلم للنشر والتوزيع،
الطبعة األولى ،دمشق ،سوريا2449 ،
)8البخاري ،صحيح ،المجلد األول ،الجزء الثالث ،الطبعة الثانية ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت،
لبنان2912 ،ه 2482/م
بوساق ،محمد بن المدني ،التعويض عن الضرر في الفقه اإلسالمي ،الطبعة األولى ،دار إشبيليا )4
للنشر والتوزيع ،الرياض ،المملكة العربية السعودية2444 ،
)21التونجي ،عبد السالم ،المسؤولية المدنية للطبيب في الشريعة اإلسالمية وفي القانون السوري
والمصري والفرنسي ،غير مذكور دار النشر2466 ،
126
)22جابر ،أشرف ،التأمين من المسؤولية المدنية لألطباء ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر2444 ،
-األحكام الشرعية القانونية للتصرفات الواردة على الدم ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر،
1113-1111
-التأمين اإلجباري من المسؤولية المدنية المهنية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر2446،
)23داود ،محمد عبد المقصود حسن ،مدى مشروعية اإلستشفاء بالدم البشري وأثر التصرف فيه ،دار
الجامعة الجديدة للنشر ،اإلسكندرية ،مصر2444 ،
)29رسالن ،أنور ،وسيط القضاء اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،سنة 2444
)25الزحيلي ،وهبة ،نظرية الضرورة الشرعية مقارنة بالقانون الوضعي ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة
الرابعة ،دمشق ،سوريا 2911 ،ه 2481/م
)26الزقرد ،أحمد السعيد ،تعويض ضحايا مرض اإليدز والتهاب الكبد الوبائي بسبب نقل دم ملوث،
دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،مصر1117 ،
)27زيدان ،زكي زكي حسين ،حق المجني عليه في التعويض عن ضرر النفس في الفقه اإلسالمي
والقانون الوضعي ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،مصر1119 ،
)28الزيود ،حمد سلمان سليمان ،المسؤولية المدنية عن عملية نقل الدم الملوث ،دراسة مقارنة ،دار
النهضة العربية ،القاهرة ،مصر1114 ،
)24سلطان ،أنور ،مصادر اإللتزام في القانون المدني األردني ،دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي ،الطبعة
األولى ،منشورات الجامعة األردنية ،عمان ،األردن2487 ،
)11مرقص ،سليمان ،في عقد البيع ،الطبعة الرابعة ،عالم الكتب بالقاهرة2481 ،
)12السنهوري ،عبد الرزاق ،الوسيط في شرح القانون المدني ،الجزء األول ،مصادر اإللتزام ،دار إحياء
التراث العربي ،بيروت ،لبنان2451 ،
127
)11الشافي ،نادر عبد العزيز ،عقد الهبة في القانون اللبناني والمقارن (دراسة فقهية) ،المؤسسة الحديثة
للكتاب ،طرابلس ،لبنان1112 ،
)13شرف الدين ،أحمد ،األحكام الشرعية لألعمال الطبية ،الطبعة الثانية ،دار الفكر العربي ،القاهرة،
مصر2487 ،
)19صافي ،محمد ،في نقل الدم وأحكامه الشرعية ،الطبعة األولى ،مؤسسة الزعبي ،حمص ،سوريا،
2341ه 2473 /م
)15الصغير ،عبد العزيز محمد ،نقل وزراعة األعضاء البشرية في ضوء الشريعة اإلسالمية والقانون
الوصعي ،الطبعة األولى ،المركز القومي لإلصدارات القانونية ،القاهرة ،مصر1125،
)16عبد الباسط ،محمد فؤاد ،تراجع فكرة الخطأ أساساً لمسؤولية المرفق الطبي ،دار منشأة المعارف،
اإلسكندرية ،مصر1113 ،
)17عبد الحميد ،ثروت ،تعويض الحوادث الطبية – مدى المسؤولية عن التداعيات الضارة للعمل
الطبي ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،مصر1117 ،
)18عبد المهدي ،عبد الهادي مصباح ،اإليدز بين الرعب واالهتمام بالحقيقة ،دار المصرية اللبنانية،
القاهرة ،مصر 2443
)14عبداهلل ،حسين ،المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع اإلسالمي ،الجزء
الثاني ،الطبعة األولى ،دار أحياء الكتب العربية ،القاهرة ،مصر2494 ،
)31عجاج ،طالل ،المسؤولية المدنية للطبيب – دراسة مقارنة ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،طرابلس،
لبنان1119 ،
)32عرجاوي ،مصطفى محمد ،أحكام نقل الدم في الفقه اإلسالمي ،الطبعة الثانية ،دار النهضة
العربية ،القاهرة ،مصر2443 ،
)31العوجى ،مصطفى:
-القانون المدني ،العقد ،الجزء األول،الطبعة الثالثة ،منشورات الحلبى الحقوقية ،بيروت،
لبنان1117 ،
128
-القانون المدني ،المسؤولية المدنية ،الجزء الثاني ،الطبعة الثالثة ،منشورات الحلبي الحقوقية،
بيروت ،لبنان1117 ،
)33فرج ،توفيق حسن ،النظرية العامة لإللتزام،الجزء األول ،غير مذكور دار النشر ،مصر2445 ،
)39الفضل ،منذر ،التصرف القانوني في األعضاء البشرية ،دار الشؤون الثقافية العامة ،و ازرة الثقافة
واإلعالم ،الطبعة األولى ،بغداد ،العراق2441 ،
)35قدوس ،حسن عبد الرحمن ،مدى اإللتزام المنتج بضمان السالمة في مواجهة مخاطر التقدم
العلمي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر2448 ،
)36مجمع اللغة العربية ،المعجم الوسيط ،،الطبعة الرابعة ،مكتبة الشروق الدولية ،مصر1119 ،
)37المحمدي ،علي محمد يوسف ،حكم التداوي في اإلسالم ،غير مذكور دار النشر ،قطر2442 ،
)38محمصاني ،صبحي ،المبادئ الشرعية والقانونية في الحجر والنفقات والمواريث والوصية ،الطبعة
التاسعة ،دار العلم للماليين ،بيروت ،لبنان1111 ،
)34مرقص ،سليمان ،الوافي في شرح القانون المدني ،الجزء األول ،الطبعة الخامسة2441 ،
)91مصطفى ،محمود محمود ،مسؤولية األطباء والجراحين الجنائية ،دار اإلسراء للنشر والتوزيع،
عمان ،األردن 2448
)92منصور ،محمد حسين ،المسؤولية الطبية ،المسؤولية المدنية لكل من األطباء و الجراحين و أطباء
األسنان ،منشأة الناشر للمعارف باإلسكندرية 2444 ،
)91المهدي ،نزيه ،عقد التأمين ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر2441 ،
)93النقيب ،عاطف ،النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن الفعل الشخصي ،المنشورات الحقوقية
صادر ،بيروت ،لبنان2444 ،
)99نمور ،حبيب ،حالة الضرورة والدفاع المشروع في القانون المدني ،الطبعة األولى ،غير مذكور دار
النشر2484 ،
129
ب -األبحاث والدراسات والمقاالت
)2األهواني ،حسام الدين كامل ،المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع األعضاء البشرية ،مجلة
العلوم القانونية واإلقتصادية ،العدد األول ،السنة السابعة عشر ،القاهرة ،مصر2475 ،
)1البحر ،محمود خليل ،المسؤولية الجنائية الناشئة عن نقل الدم ،دراسة مقارنة ،مقال في مجلة
الحقوق والبحوث القانونية واإلقتصادية ،كلية الحقوق ،جامعة اإلسكندرية ،العدد ،2دار الجامعة
الجديدة ،مصر1112 ،
)3حسني ،محمود نجيب ،الحق في سالمة الجسد ،مجلة القانون واإلقتصاد ،العدد األول ،السنة ،14
مطبعة جامعة القاهرة2454 ،
)9العامري ،سعدون ،تعويض الضرر في المسؤولية التقصيرية ،منشورات مركز البحوث القانونية ،و ازرة
العدل ،بغداد2482 ،
)5الفضل ،منذر ،حلقة دراسية حول المسؤولية الطبية ،مجلة القانون ،مكتبة جامعة عمان ،بتاريخ
2443/19/29
)6فوزي ،أحمد ،آراء الفقهاء في نقل الدم من شخص إلى آخر (دراسة فقهية تحليلية) ،بحث مقدم
للحصول على الدرجة الجامعية األولى ،كلية الدراسات اإلسالمية والعربية ،جامعة شريف هداية اهلل
اإلسالمية الحكومية ،جاكرتا ،إندونيسيا
130
ث -الرسائل واألطروحات
)2جابر مهنا شبل ،مدى مشروعية نقل وزرع األعضاء البشرية ،رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون،
جامعة بغداد ،العراق2442 ،
)1زهدور كوثر ،المسؤولية المدنية عن عمليات نقل الدم في التشريع الجزائري مقارناً ،أطروحة لنيل
شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة وهران ،الجزائر1123-1121 ،
)3سارة دانون ،المسؤولية المدنية عن حوادث نقل الدم ،مذكرة مقدمة الستكمال شهادة ماستر أكاديمي،
قسم الحقوق ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة قاصدي مرباح ،ورقلة ،الجزائر1123-1121 ،
)9سميرة عايد الديات ،مسؤولية الطبيب الجزائية في عمليات نقل وزرع األعضاء البشرية ،رسالة
ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق في جامعة عمان ،األردن2484 ،
)5عبد الراضي محمد هاشم عبداهلل ،رسالة ماجستير ،المسؤولية المدنية لألطباء في الفقه اإلسالمي
والقانون الوضعي2449 ،
)6محمد فوزي فيض اهلل ،المسئولية التقصيرية بين الشريعة والقانون ،أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية
الشريعة والقانون في جامعة األزهر2461 ،
نافع ممدوح الكبيسي ،رسالة ماجستير ،الدم البشري ومدى مشروعية التصرف به في الفقه )7
االسالمي والقانون الوضعي ،كلية القانون في جامعة بغداد ،العراق1119 ،
)8نجيب محمد سعيد الحلوي ،الحماية الجنائية لإلنسان من التجارب الطبية ،دراسة مقارنة ،رسالة
ماجستير ،كلية القانون ،جامعة الموصل ،العراق2444 ،
ج -القوانين
)2تعليمات السلوك المهني العراقي
)1قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني
)28قانون إنشاء وتنظيم ومراقبة مراكز نقل الدم اللبناني رقم 1116/766
)24قانون حقوق المرضى والموافقة المستنيرة اللبناني
)11قانون رقم 2282الصادر بتاريخ 2476/21/11الفرنسي
)12قرار وزير الصحة المصري رقم 139سنة 2479
)11القرآن الكريم
)13مجلة األحكام العدلية
)19المرسوم الفرنسي رقم 226الصادر في 20تموز 2449
)15نظام مزاولة المهن الصحية السعودي
132
www.courdecassation.fr )2
www.ifsidijon.info )3
/http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs164/ar )4
www.law-arab.com )5
133
الفهرس
المقدمة 1 ...............................................................
المبحث الثاني :مشروعية نقل الدم بين القانون والشريعة اإلسالمية 11 .......................................................
المبحث األول :الشروط المطلوبة لدى طرفي عملية نقل الدم 32 ...............................................................
134
أوالً :رضى متلقي الدم 31 ............................................................................................................................
المبحث الثاني :التصرفات الواردة على عمليات نقل الدم 44 ....................................................................
ثالث ًا :اإللتزام بضمان السالمة لمركز نقل الدم 11 ..................................................................................................
135
الفصل الثاني :أحكام المسؤولية 22 ...............................................................................................
أوالً :درجات الخطأ الطبي وخروج الطبيب عن القواعد واألصول العلمية 90 .....................................................................
الفقرة الثانية :نظم تعويض ضحايا نقل الدم الملوث الجماعية 112 ........................................................................
136