Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 35

‫األأسـبــوعـيـة ‪Atar‬‬

‫العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬

‫كيـف‬
‫يسافـر‬
‫البـرهـان؟‬

‫‪-‬ألأنهم ال يستطيعون التخلي عن مهنتهم‪ :‬يكافح المزارعون هذا‬


‫الموسم � آثار الحرب وغياب الدولة‬
‫‪-‬حدث في الجنينة‪ :‬محاولة النجاة من الحرب‪ ،‬كيف فشلت‬
‫‪-‬وسط ركام الحرب‪ :‬رحلة البحث عن مدرسة!‬
‫‪ -‬إ�ريتريا‪ ..‬قطعة من المحبة‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪1‬‬
‫مــجــلــة‬

‫فــاتـحـة‬
‫‪Atar‬‬ ‫األأسبـوعـيـة‬
‫تصدر عن مركز سودان فاكتس للصحافة‬ ‫مرحب ًا‪،‬‬

‫هذا هو العدد ا أألول من مجلة أ«�تَــر» ا أألسبوعية‪،‬‬


‫وهي من إ�صدارات مركز فاكتس للصحافة‪ .‬نتط ّلع أ�ن‬
‫منصة لتناول ا أألخبار والقضايا وفق معايير‬ ‫تكون ّ‬
‫أ‬
‫مهنية تقوم على استخدام �دوات تساعدنا على‬
‫والتقصي والبحث‪ .‬هدفنا هو تقديم ا أألخبار‬ ‫ّ‬ ‫التدقيق‬
‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫والثقافية‬ ‫والسياسية‬ ‫االجتماعية‬ ‫سياقاتها‬ ‫في‬
‫واإلقليمية والدولية‪.‬‬
‫إ‬ ‫المحلية‬
‫عارف الصاوي‬
‫نحن فريق متنوع االهتمامات والمهارات‪ ،‬يعمل‬
‫على السودان من كل مكان‪ ،‬نتعاون مع شبكة من مدير التحرير‪:‬‬
‫أ‬
‫الصحافيين الموجودين في �ماكن مختلفة داخل محمد الصادق الحاج‬
‫والمتخصصين في المجاالت‬ ‫ّ‬ ‫السودان وخارجه‬
‫نقدم قصص ًا صحافية نعتقد أ�نها‬
‫كافة‪ ،‬نحاول أ�ن ّ‬
‫المحرر العام‪:‬‬ ‫للر�ي العام بخاص ٍة أ‬
‫الر�ي العام المحلي‪.‬‬ ‫مهمة أ‬
‫عمار جمال‬
‫إ�ننا على قناعة تا ّمة من أ� ّن وجود صحافة مستقلة‪،‬‬
‫تنتهج معايير مهنية أو�خالقية قد يساعد أ�هل‬
‫مع شبكة من المراسلين‪.‬‬ ‫السودان على اتخاذ قرارات حكيمة حول ما يجري‬
‫حولهم‪ ،‬خصوص ًا في ظل هذه الظروف العسيرة التي‬
‫تعيشها بالدنا‪.‬‬
‫الستالم نسخة (‪ )pdf‬من مجلة أ«�تَـر» أ�سبوعياً‪،‬‬
‫الرجاء مراسلتنا مرة واحدة على‪:‬‬ ‫خالل العامين الماضيين‪ ،‬تو ّلى مركز فاكتس‬
‫‪atar@sudanfacts.org‬‬ ‫للصحافة تدريب قرابة العشرين صحفية وصحفي‬
‫عبر برنامج زمالة ُأ� ِّسس في ‪ ،2020‬وقد شكّل ٌ‬
‫عدد‬
‫لالنضمام إ�لى شبكة مراسلي أ«�تَـر» في السودان‪،‬‬ ‫منهم نوا ًة لفريق تحرير مجلة أ«�تَــر» التي أ‬
‫ست�تيكم‬
‫الرجاء مراسلتنا على‪:‬‬
‫‪correspondent@sudanfacts.org‬‬
‫أ�سبوعي ًا كل خميس‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪2‬‬


‫األأسـبــوعـيـة ‪Atar‬‬
‫العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬

‫كيــف يـســافـر البــرهان؟‬


‫تحرير‪ :‬فريق شبكة أ�تَــر‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪3‬‬


‫خروج الفريق الربهان من الخرطوم يف ‪ 25‬أغسطس املايض‪ُ ،‬فتحت أبواب‬
‫ري من‬
‫االتصاالت مع العالم الذي كان ينتظر أن يتحدث إىل قائد الجيش يف كث ٍ‬
‫مع‬
‫األمور ا ُملتع ّلقة بالحرب‪ ،‬خصوصا ً بشأن ما يدور يف ذهنه وما يُخ ِّ‬
‫طط له‪ ،‬وذلك ألنه يف‬
‫واقع األمر هو القائد العام للجيش ورئيس مجلس السيادة‪ ،‬عىل الرغم من التحفظات‬
‫السياسية الكثرية عىل رشعية التمثيل السيادي‪ ،‬خصوصا ً من القوى السياسية املحلية‪.‬‬

‫خالل شهر واحد‪ ،‬أي يف املدة من ‪ 25‬أغسطس إىل ‪ 28‬سبتمرب‪ ،‬قام الفريق الربهان‬
‫ٍ‬
‫محطات محلية‪ ،‬فكيف كان يتنقل؟ وما الذي‬ ‫بست رحالت خارجية‪ ،‬وزار خمس‬‫ّ‬
‫ً‬
‫يبحث عنه؟ يركز هذا التقرير حرصا عىل متى‪ ،‬أين وكيف كان يسافر؟‬

‫وصل الفريق عبد الفتاح الربهان القائد العام للقوات املسلحة إىل مدينة عطربة‬
‫يف يوم الجمعة ‪ 25‬أغسطس ‪ ،2023‬قادما ً إليها من القيادة العامة للجيش وسط‬
‫الخرطوم‪ ،‬حيث كان هو وكبار الضباط م َ‬
‫ُحارَصين هناك‪ ،‬منذ اندالع الحرب؛ وطوال‬
‫وصف الفريق الربهان عملية خروجه‬‫ذلك الوقت كان يدير الحرب من داخل القيادة‪َ .‬‬
‫من الخرطوم بأنها عملية خاصة‪ ،‬شاركت فيها قوات من مختلف األسلحة وإدارات‬
‫الجيش‪.‬‬

‫قىض يوما ً واحدا ً يف عطربة‪ ،‬وسافر يف اليوم التايل إىل بورتسودان‪ ،‬التي وصل إليها‬
‫يف صباح ‪ 27‬سبتمرب بطائرة أنتنوف ‪ .An-32‬تُظهر الصورة أدناه أنها واحدة من‬
‫طائرتني يتنقل بهما الربهان يف رحالته الداخلية‪.‬‬

‫يملك الجيش عددا ً من طائرات األنتنوف من ماركة ‪ ،An-32‬وعادة ما تُستخدم يف‬


‫نقل ضباط العمليات والضباط الكبار يف زياراتهم امليدانية‪ ،‬ويف أحيان كثرية تُقِ ّل‬
‫مسؤولني‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪4‬‬


‫طائرة أنتنوف ‪ .An-32‬إحدى طائرتني يتنقل بهما الربهان يف رحالته الداخلية‪.‬‬

‫خالل الفرتة من ‪ 2000‬إىل ‪ 2020‬تسببت ظروف عدّة يف وقوع ‪21‬‬


‫حادثة تحطم لطائرات أنتنوف من طراز ‪ An-32‬و‪ An-26‬يف مدن‬
‫مختلفة من السودان‪ .‬يف هذه األحداث‪ُ ،‬ق ِت َل أكثر من ‪ 90‬شخصاً‪،‬‬
‫وأصيب عرشات آخرون‪ ،‬وتعرضت جميع الطائرات ألعطال ال يمكن‬
‫إصالحها‪ .‬معظم هذه الطائرات تملكها وتديرها القوات الجوية أو‬
‫رشكات خاصة تتبع للقوات املسلحة مثل رشكة عزة وأبابيل وغريهما‬
‫من رشكات الطريان التي يملكها الجيش‪ .‬وقد ظهرت طائرات‬
‫األنتنوف‪ An-32‬ألول مرة يف ‪1977‬م‪ ،‬أثناء معرض باريس للطريان‪،‬‬
‫ضت الطائرة حينها عىل أساس أنها نسخة مطورة من ‪.An-26‬‬ ‫وعُ ِر َ‬
‫يوضح الجدول امللحق بعض تفاصيل تلك الحوادث‪.‬‬

‫يتنقل بطائرات أنتنوف ‪ ،An-32‬لكن الحقيقة هي‬ ‫«يُجازف» الفريق الربهان كثرياً‪ ،‬وهو ّ‬
‫أنها الخيار الوحيد املتاح لجهاز الدولة اآلن‪ .‬ومع انعدام إجراءات السالمة‪ ،‬أو توافرها يف‬
‫الحد األدنى‪ ،‬كجهاز اإلطفاء واإلسعافات األولية وآليات اإلنقاذ‪ ،‬إضافة بالطبع إىل عدم‬
‫توافر نظام صحي فاعل‪ ،‬فإن ذلك ينقلها بال شك من «املجازفة» إىل «املخاطرة»‪.‬‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪5‬‬
‫يف صباح يوم األربعاء‪ 20 ،‬سبتمرب ‪ ،2023‬غادر الفريق عبد الفتاح الربهان مدينة‬
‫بورتسودان إىل نيويورك يف الواليات املتحدة مبارشة‪ ،‬لحضور أعمال الجمعية العامة‬
‫لألمم املتحدة‪ .‬هذه املرة كانت رحلته عىل متن طائرة إيرباص ‪ ،A319‬مُسجّ لة للطريان‬
‫األمريي القطري تحت رقم التسجيل ‪ .A7-MHH‬وهي الطائرة ذاتها التي أعادته من‬
‫نيويورك إىل بورتسودان يوم ‪ 23‬سبتمرب‪.2023 ،‬‬

‫الطريان األمريي القطري رشكة خاصة تُقدّم أعمالها حرصيا ً ألفراد العائلة املالكة يف قطر‪.‬‬
‫تملك رشكة الطريان األمريي القطري أسطوال ً من الطائرات يبلغ عددها ‪ 14‬طائرة من فئات‬
‫اإليرباص والبوينق‪ .‬املوقع الرسمي للطريان األمريي القطري ال يعمل اآلن‪ ،‬لكن بالبحث يف‬
‫أرشيفه سنجد أنه كان غري نشط طوال العامني ‪ 2022‬و‪ ،2023‬ويف ‪ 2021‬كان نشطا ً يف‬
‫يوم ‪ 6‬فرباير ‪ .2021‬حوى املوقع معلومات تعريفية محدودة مثل أنه طريان خاص يعمل‬
‫لخدمة األرسة األمريية يف قطر‪ ،‬ويُقدّم خدمة طريان بمعايري عالية الجودة (‪.)VVIP‬‬
‫بحسب موقع ‪ ،Airfleets.net‬فإن رشكة الطريان األمريي بدأت عمليا ً يف ‪ ،2014‬ومنذ‬
‫ذلك التاريخ زاد عدد طائراتها حتى وصل إىل ‪ ،14‬معظمها من اإليرباص والبوينق‪ .‬لم‬
‫نجد معلومات تدعم أن طريان األمري القطري يقوم بأي عمليات طريان خارج دائرة األرسة‬
‫األمريية‪ ،‬أو املسؤولني الرفيعني يف الحكومة القطرية‪ .‬وهذا يعني أنه ليس لديها قسم‬
‫للمعامالت التجارية مع زبائن آخرين‪ ،‬مما يُرجِّ ح أن الرحلة عرب الطائرة إيرباص ‪A319‬‬
‫التابعة للطريان األمريي القطري‪ ،‬كانت مهداة إىل الفريق الربهان لتُق ّله إىل نيويورك وتعود‬
‫به إىل بورتسودان‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪6‬‬


‫سافر الفريق الربهان إىل الدوحة يف زيارة قصرية استغرقت يوما ً واحداً‪ ،‬عىل متن‬
‫طائرة بوينق ‪ 737‬مسجلة لرشكة بدر للطريان‪ ،‬وتحمل رقم التسجيل ‪.C5-BDV‬‬
‫حسب موقع ‪ ،Airfleets.net‬فإن هذه الطائرة عمرها ‪ 29‬عاماً‪ ،‬وهذا يعني أنها قد‬
‫تجاوزت العمر املسموح به للطريان حسب لوائح الطريان املدني السوداني‪ .‬بحسب‬
‫الفصل األول املادة ‪« ،»1« ،3‬هـ»‪ ،‬فإن أي مركبة هوائية مسجلة يف دولة أجنبية‬
‫ويشغلها أو يقوم بصيانتها سوداني بموجب عقد إيجار‪ ،‬تخضع لتفاهمات بني‬ ‫ّ‬
‫الدولتني‪ .‬سجّ لت رشكة بدر للطريان عددا ً من طائراتها يف دولة قامبيا ومن ضمنها‬
‫طائرات من ماركة بوينق ‪ .737‬بحسب موقع ‪ ،Airfleets.net‬فإن رشكة بدر تملك‬
‫حاليا ً طائرتني من ماركة بوينق ‪ 737‬صالحتني للطريان‪ ،‬وهما اللتان استخدمهما‬
‫الفريق الربهان يف تنقالته الخارجية خالل الشهر املايض‪.‬‬

‫أول رحلة للربهان بعد يومني فقط من وصوله إىل بورتسودان‪ ،‬يف ‪ 29‬أغسطس‬
‫‪ ،2023‬كانت إىل جمهورية مرص العربية دون غرابة يف ذلك‪ ،‬فقد وصل إىل مطار‬
‫العلمني الدويل شمال غرب مرص يف ‪ 29‬أغسطس عىل متن طائرة بوينق ‪ 737‬مسجلة‬
‫تحت الرقم ‪ C5-BDA‬تابعة لرشكة بدر للطريان‪ ،‬وهي الطائرة الثانية التي كان‬
‫ّ‬
‫يتنقل بها الربهان حيث سافر بها أيضا ً إىل أوغندا يف ‪ 23‬سبتمرب ‪.2023‬‬

‫إحدى طائرتي رشكة بدر هاتني (من طراز بوينق ‪ )737‬وهي املسجلة تحت الرقم‬
‫‪ ،C5-BDA‬كانت يف حركة نشطة إذ قامت برحلتني يف يومي ‪ 22‬سبتمرب و‪ 23‬سبتمرب‬
‫غري رحلة الفريق الربهان إىل أوغندا يف اليوم ذاته‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬يسابق الفريق الربهان الزمن‪ ،‬ويجازف بحياته متنقالً بكل وسيلة‬
‫متاحة وإن لم تكن آمنة‪ .‬صحيح أنه يتحرك بموارد محدودة‪ ،‬وصحيح أنه قد تحدث‬
‫كثريا ً منذ خروجه وخالل رحالته هذه‪ ،‬فهل هو مع ذلك فصيحٌ بما يكفي للتعبري عما‬
‫يريده من كل هذا العناء؟!‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪7‬‬


‫ملحق‪:‬‬
‫جدول يوضح بعض التفاصيل املتعلقة بحوادث تحطم طائرات األنتنوف من طراز ‪ An-32‬و‪An-26‬‬
‫يف مدن مختلفة من السودان‪.‬‬

‫املكان‬ ‫النوع‬ ‫املشغل‬ ‫التاريخ‬


‫الجنينة غرب دارفور‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫القوات الجوية السودانية‬ ‫‪Jan 2, 2020‬‬
‫الخرطوم‬ ‫‪Antonov AN-26‬‬ ‫القوات الجوية السودانية‬ ‫‪Oct 3, 2018‬‬
‫الخرطوم‬ ‫‪Antonov AN-32‬‬ ‫القوات الجوية السودانية‬ ‫‪Oct 3, 2018‬‬
‫االبيض شمال كردفان‬ ‫‪Antonov AN-26‬‬ ‫القوات الجوية السودانية‬ ‫‪Apr 30, 2016‬‬
‫الخرطوم‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫رشكة عزة للنقل‬ ‫‪Oct 7, 2012‬‬
‫تلودي جنوب كردفان‬ ‫‪Antonov AN-26‬‬ ‫طريان الفا‬ ‫‪Aug 19, 2012‬‬
‫زالنجي وسط دارفور‬ ‫‪Antonov AN-24‬‬ ‫تاركو للطريان‬ ‫‪Nov 11, 2010‬‬
‫هجليج جنوب كردفان‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫طريان املجال‬ ‫‪Jan 4, 2010‬‬
‫الخرطوم‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫جوبا للشحن الجوي‬ ‫‪Nov 8, 2007‬‬
‫الجنينة غرب دارفور‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫الخطوط الجوية العربية املتحدة‬ ‫‪Feb 24, 2007‬‬
‫االبيض شمال كردفان‬ ‫‪Antonov AN-26‬‬ ‫طريان ابابيل‬ ‫‪Aug 28, 2006‬‬
‫الجنينة غرب دارفور‬ ‫‪Antonov AN-26‬‬ ‫القوات الجوية السودانية‬ ‫‪Aug 7, 2006‬‬
‫الجنينة غرب دارفور‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫القوات الجوية السودانية‬ ‫‪Jul 14, 2006‬‬
‫الخرطوم‬ ‫‪Antonov AN-24‬‬ ‫مارسالند‬ ‫‪Jun 2, 2005‬‬
‫كادقيل جنوب كردفان‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫سارية للطريان‬ ‫‪Oct 5, 2004‬‬
‫الجنينة غرب دارفور‬ ‫‪Antonov AN-26‬‬ ‫طريان ابابيل‬ ‫‪Jun 7, 2004‬‬
‫تاتل جنوب كردفان‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫طريان املجال‬ ‫‪May 11, 2004‬‬
‫الجنينة غرب دارفور‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫سارية للطريان‬ ‫‪Nov 3, 2003‬‬
‫هجليج جنوب كردفان‬ ‫‪Antonov AN-12‬‬ ‫ايروفيستا‬ ‫‪Apr 30, 2002‬‬
‫هجليج جنوب كردفان‬ ‫‪Antonov AN-26‬‬ ‫طريان املجال‬ ‫‪Feb 27, 2002‬‬
‫ليما جنوب كردفان‬ ‫‪Antonov AN-32‬‬ ‫‪Aviatrans-K Airlines‬‬ ‫‪Jun 7, 2000‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪8‬‬


‫األأسـبــوعـيـة ‪Atar‬‬
‫العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬

‫ألأنهم ال يستطيعون التخلي عن مهنتهم‪:‬‬


‫يكافح المزارعون هذا الموسم � آثار الحرب وغياب الدولة‬

‫كـوا (القضارف) ـ عارف الصاوي (نيروبي)‬


‫بيـرا ّ‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪9‬‬


‫الحرب يف منتصف أبريل‪ ،‬قبل شه َريْن من بداية التحضريات للموسم‬
‫الزراعي الصيفي يف السودان؛ املوسم الذي يم ُّد غالبية السكان‬
‫اندلعت‬
‫بالغذاء والسلع النقدية‪ ،‬التي تؤدي دو ًرا أساسيًا يف دخل السودانيني‪.‬‬

‫بحسب برنامج الغذاء العاملي‪ ،‬هناك ‪ 20‬مليونا ً من السودانيني يواجهون أزمة يف‬
‫الغذاء‪ ،‬إضافة إىل ‪ 5‬ماليني أُجربوا عىل مغادرة مناطقهم إىل داخل السودان وخارجه‬
‫ُتوقع مع احتمال تمدُّد الحرب إىل أجزاء متفرقة من السودان‪،‬‬ ‫منذ اندالع الحرب‪ .‬وي ّ‬
‫أن يُضاف ماليني آخرون إىل الذين هم اآلن يف حاجة إىل الغذاء‪ .‬ورغم تعلق اآلمال عىل‬
‫املوسم الزراعي الحايل‪ ،‬لكن تتضاءل االحتماالت حول ما إذا كان سيخفف من أثر‬
‫أزمة غذائية حادة قادمة‪.‬‬

‫تُساهم عوامل كثرية يف زيادة الخوف من خروج هذه األزمة عن السيطرة‪ ،‬منها إغالق‬
‫معظم الشوارع الرئيسية الرابطة بني مناطق البالد ومدنها‪ ،‬وضعف وانهيار معظم‬
‫مؤسسات الدولة التي كانت داعما ً رئيسيا ً للمزارعني من ناحية توفري مدخالت اإلنتاج‬
‫الزراعي‪ ،‬مثل التقاوي والوقود والتمويل وتسهيل وتنظيم عملية التجارة داخليا ً‬
‫وخارجياً‪.‬‬

‫يف مثل هذه الظروف االستثنائية التي تعيشها البالد اآلن‪ ،‬قد تنجح « َدبَارة» األشياء‬
‫يتعنّي عليه دون أن يتمكن منه األمل‬‫بإعادة التفكري‪ .‬فعَ ل محمد عبد الله إسحق ما ّ‬
‫الكاذب‪ .‬أعاد التفكري يف الوقت املناسب ووصل إىل خالصة أن االعتماد عىل الدولة‬
‫مخاطرة ترضّ بالتواقيت املعلومة لكل خطوة يف العملية الزراعية‪ .‬كان كغريه من‬
‫املزارعني الذين ع ّلمتهم التجربة‪ ،‬أن ا ُملزارع الناجح دائما ً صاحب مبادرة وتدبري‪ ،‬وما‬
‫الزراعة غري التدبري والتواقيت‪ .‬تجاوز محمد عبد الله الستني عاماً‪ ،‬وظل طوال أكثر‬
‫من ‪ 35‬عاما ً يحرث األرض يف ميقاتها‪ ،‬يُب ِد ُل املحاصيل ويُنوّ ع فيها حسب ما تقتيض‬
‫الرضورة وما يتعلمه من الحياة‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪10‬‬


‫كان مستلقيا ً يف مسجد داخل سوق املحاصيل يف القضارف‪ ،‬يعتصم به من صيف‬
‫املدينة وقد عاد للتو إىل املدينة من مناطق «صربنا» و«ديدة» جنوب القضارف‪ .‬هنا‬
‫يف املدينة يتعرف املزارعون عىل أحوال السوق وأسعار سلع املبيدات والسماد والوقود‬
‫وأسعار العمالة‪ ،‬ويُجرون عمليات حسابية دقيقة لتوقعات اإلنتاج‪.‬‬

‫مواقيت الذرة يف السودان للموسم الصيفي‬

‫عاد ًة يبدأ موسم زراعة املحاصيل الصيفية كالذرة والدخن يف السودان‬


‫يف يونيو ويوليو حيث تجري التحضريات األساسية‪ ،‬وتستمر العمليات‬
‫الزراعية حتى منتصف أكتوبر ليبدأ الحصاد يف نوفمرب وديسمرب‪.‬‬

‫محمد عبد الله إسحق‪ ،‬مزارع اعتاد عىل زراعة الدخن والفيرتيتة والسمسم والقطن‬
‫بمناطق «صربنا» و«ديدة» وما جاورها منذ خمسة وثالثني عاماً‪ .‬م ّكنته هذه السنون‬
‫الطويلة من مالحظة التغيريات يف هذا املجال‪ ،‬قال لـ «شبكة أتَـر»‪« :‬زادت تكاليف‬
‫مدخالت اإلنتاج مثل التقاوي والوقود واملبيدات زيادة كبرية جداً‪ ،‬عىل سبيل املثال زاد‬
‫سعر صندوق املبيد من ‪ 65‬ألف جنيه إىل ‪ 100‬ألف جنيه‪ ،‬وبذلك ارتفع سعر الربميل‬
‫إىل مليار جنيه سوداني»‪ ،‬وأضاف قائالً‪« :‬اضطررت هذا املوسم إىل التخيل عن زراعة‬
‫القطن بسبب ارتفاع تكاليفه بالنسبة إىل املحاصيل األخرى حتى يف الظروف الطبيعية»‪.‬‬

‫منذ عامني؛ توقف هذا املزارع ذو الخربة الطويلة عن االعتماد عىل تمويل البنك‬
‫الزراعي لتمويل زراعته‪ ،‬لكن هذا العام كان مختلفا ً تماماً؛ فقبل حوايل شهرين‬
‫فقط من بداية املوسم الزراعي اندلعت حرب يف البالد‪ ،‬يقول متذكرا ً تلك اللحظات‪:‬‬
‫«شعرت باحتمالية فشل هذا املوسم‪ ،‬مع ذلك رشعت يف اإلعداد بتمويل ذاتي‪ ،‬كان‬
‫السوق يعاني بالفعل من ندرة السيولة النقدية وركود يف حركة تجارة املحاصيل؛‬
‫عىل الرغم من ذلك تمكنت من بداية مرحلة «الكرس» يف شهر يونيو‪ ،‬وعند بداية يوليو‬
‫بدأت بزراعة السمسم والدخن‪ ،‬يف السابق كنت أبدأ مرحلة «الكرس» أي حرث األرض‬
‫وتحضريها للزراعة يف يوليو‪ ،‬لقد بدأ الجميع مبكرا ً هذا العام»‪.‬‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪11‬‬
‫تُعترب مدينة القضارف إحدى املدن التي استقبلت أعدادا ً كبرية من الفا ّرين من أتون‬
‫الحرب‪ ،‬األمر الذي يعتربه كثريون هنا سببا ً يف زيادة األيدي العاملة بالزراعة‪ .‬ويف هذا‬
‫الصدد يقول املزارع أحمد عبد الله‪« :‬هناك وفرة يف األيدي العاملة‪ ،‬لقد تمكنت من‬
‫زراعة مساحة أكرب عن ما كان عليه الحال يف املوسم املايض‪ ،‬ويمكنني مالحظة أن‬
‫أقراني املزارعني أيضا ً توسعوا يف املساحات الخاصة بهم هذا املوسم»‪.‬‬

‫يف ‪ 27‬مارس ‪ ،2023‬أصدرت منظمة األمم املتحدة لألغذية والزراعة «الفاو» تقريرا ً‬
‫عن تقييم إمداد الطعام والحبوب يف السودان‪ .‬كشف التقرير عن ارتفاع مقدّر يف إنتاج‬
‫الحبوب الغذائية يف السودان خصوصا ً القمح والدخن والذرة‪.‬‬

‫وأشار التقرير إىل أن معظم املدخالت الزراعية مثل الوقود‪ ،‬العمالة واألسمدة‪ ،‬كانت‬
‫متوفرة خالل املوسم الزراعي ‪ ،2022‬لكن تكلفتها كانت عالية جداً‪ .‬اضطر معظم‬
‫املزارعني الصغار إىل استخدام مخزونهم من الحبوب يف العام ‪ ،2021‬إلعادة زراعتها‬
‫كتقاوي‪ .‬ورغم كل هذه الظروف حقق املوسم الزراعي ارتفاعا ً كبريا ً يف اإلنتاج العام‪.‬‬

‫بحسب التقرير الذي أعدته منظمة الفاو‪ ،‬بطلب من وزارة الزراعة السودانية‪ ،‬فإن‬
‫مجمل إنتاج الحبوب ‪ -‬الذرة والدخن والقمح ‪ -‬كان حوايل ‪ 7.4‬مليون طن‪ ،‬بزيادة‬
‫بلغت ‪ 45‬باملائة من املوسم الزراعي السابق ملوسم ‪ ،2021‬إذ حقق إنتاج الذرة وحدها‬
‫حوايل ‪ 5.2‬طن بزيادة بلغت ‪ 50‬باملائة من العام ‪ ،2021‬فيما حقق إنتاج الدخن‬
‫حوايل ‪ 1.7‬مليون طن بزيادة بلغت ‪ 87‬باملائة من العام ‪.2021‬‬
‫املفاجاة كانت يف إنتاج القمح‪ ،‬إذ بلغت جملة إنتاجه يف العام ‪ 2022‬حوايل ‪ 476‬ألف‬
‫طن‪ ،‬وهو أقل من إنتاج العام الذي سبقه بـ‪ 30‬باملائة‪.‬‬

‫خالل السنوات العرش األخرية ارتفعت املساحات املزروعة من الذرة يف السودان‬


‫ارتفاعا ً ملحوظاً‪ ،‬كما زاد اإلنتاج أيضاً‪ .‬أعىل إنتاج للذرة كان يف املوسم الزراعي ‪2016‬‬
‫– ‪ ،2017‬وكانت جملة املساحة املزروعة حوايل ‪ 9‬ماليني فدان وبلغت قيمة اإلنتاج‬
‫الكيل ‪ 6.4‬مليون طن‪ .‬يف املوسم الزراعي السابق ‪ 2023 - 2022‬جرت زراعة ‪7‬‬
‫ماليني فدان وحققت ‪ 5‬ماليني طن من الذرة‪.‬‬

‫يبذل املزارعون قصارى جهدهم إلنجاح زراعتهم خالل هذه الحرب‪ ،‬لكنهم وحدهم‬
‫تقريباً‪ .‬يقول أحمد عبد الله‪ « :‬الدولة غائبة تماماً‪ ،‬حتى التقاوي املخصصة لصغار‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪12‬‬
‫املزارعني التي يُفرتض توزيعها عليهم يف مايو لم تو َّزع إال يف أغسطس‪ ،‬أي بعد أن‬
‫زرع الناس بالفعل‪ ،‬إنها محنة‪ ،‬لكن ال يمكن للمرء أن يتخىل عن مهنته‪ ،‬إننا نكافح»‪.‬‬

‫يف مكاتب الزراعة اآللية بالقرب من الصومعة‪ ،‬جلسنا إىل عبد الرحيم العوض أحمد‬
‫مسم واحدة‬ ‫مسم التابعة للزراعة اآللية‪ .‬تعترب محطة َس َ‬ ‫مدير تفتيش محطة َس َ‬
‫من عرش محطات تابعة للزراعة اآللية بوالية القضارف‪ ،‬ويوجد بوالية القضارف‬
‫ثمانية ماليني فدان صالحة للزراعة‪ .‬يقول عبد الرحيم العوض‪« :‬املساحات الصالحة‬
‫للزراعة بمحطة سمسم تبلغ ‪ 553‬ألف فدان داخل التخطيط؛ أي مساحات منظمة‬
‫بأبعاد محددة‪ ،‬تعمل داخل هذه املساحة مجموعة رشكات‪ ،‬وهناك أيضا ً ‪ 335‬ألف‬
‫فدان مستثمرة يف الزراعة التقليدية خارج التخطيط‪ ،‬هذه املساحات تمت زراعتها‬
‫بالكامل»‪ ،‬ويضيف‪« :‬عند قيامنا بالجولة األوىل مع بداية التحضريات كان اإلقبال كبريا ً‬
‫رغم الصعوبات التي تمر بها الدولة واملزارع‪ ،‬وتجاوزت نسبة التحضريات ‪%75‬‬
‫من املساحة الكلية يف شهر يونيو»‪ .‬أط َلعَ نَا مدير محطة سمسم عىل جدول يوضح‬
‫الرتكيبة املحصولية حسب حجم املساحة املزروعة لكل محصول‪ .‬يبني الجدول حيازة‬
‫محصول الذرة عىل أكرب املساحات بلغت ‪ 330.000‬فدان‪ ،‬يليه القطن والسمسم‬
‫وفول الصويا والدخن والتسايل والفول السوداني عىل التوايل‪.‬‬

‫«لقد كانت األمطار هذا املوسم مناسبة بحيث تمكن املزارعون من زراعة املحاصيل‬
‫يف أوقاتها املحددة‪ ،‬يف الواقع تمت زراعة ‪ 43‬ألف فدان هذا املوسم لم تكن مستثمرة‬
‫يف املوسم املايض»‪ ،‬يقول مدير محطة سمسم‪ .‬ويضيف بخصوص مشكالت التمويل‬
‫التي تواجه صغار املزارعني‪« :‬يعتمد صغار املزارعني اعتمادا ً كبريا ً عىل التمويل الذاتي‬
‫عرب التجارة وتربية املاشية واستخدام خربتهم الطويلة يف ابتكار حلول للتحديات‬
‫املاثلة‪ ،‬لذا فإن مشكالت التمويل يواجهها أصحاب املشاريع الكبرية أكثر من صغار‬
‫املزارعني‪ .‬عىل الرغم من فتح فرص التمويل من قبيل توفري التقاوي والوقود لكنها‬
‫كانت متأخرة جداً»‪.‬‬

‫عندما جلس مراسل «شبكة أتَـر» إىل املهندس الزراعي محمد يعقوب بُعَ يْ َد أيام قليلة‬
‫من عودته من مزرعته‪ ،‬أفاد بأن تكلفة زراعة الساعة الواحدة (خمس أفدنة) قد‬
‫ارتفعت من ‪ 15‬ألفا ً إىل نحو ‪ 25‬ألف جنيه»؛ ومىض يف توضيح تأثري ارتفاع تكاليف‬
‫مدخالت اإلنتاج قائالً‪« :‬يف املوسم املايض زرعت ‪ 30‬فداناً‪ ،‬اضطررت إىل تقليصها يف‬
‫املوسم الحايل إىل ‪ 15‬فداناً»‪ ،‬وأضاف قائالً‪« :‬اعتياد املزارعني عىل غياب الدولة حتى‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪13‬‬
‫قبل الحرب جعلهم يوفقون أوضاعهم بحسب اإلمكانيات املتوفرة يف هذا املوسم‪ ،‬ولم‬
‫تتأثر الجداول الزمنية ملراحل املوسم الزراعي كثرياً»‪.‬‬

‫لقد كشفت الظروف الحالية للبالد بشكل أكرب‪ ،‬اإلهمال الذي يعاني منه املزارعون‪.‬‬
‫يعلق محمد يعقوب قائالً‪« :‬يف السابق كانت منظمة ‪ ZOA‬توفر صيغا ً للزراعة‬
‫التعاقدية مع املزارعني‪ ،‬لكني ال أدري ما إذا كانت ما تزال توفر هذا النوع من الدعم‪،‬‬
‫إضافة إىل نشاط صغري لبعض جمعيات املزارعات»‪.‬‬

‫يف زيارة إىل سوق املحصول‪ ،‬التقى مراسل «شبكة أتَـر» محمد داؤود محمد آدم‪،‬‬
‫وهو مزارع وتاجر محاصيل منذ عرشين عاماً‪ ،‬يف منطقة أبو شعران‪ .‬تعرضت زراعة‬
‫محمد داؤود هذا املوسم لرضبة موجعة‪ ،‬يقول‪« :‬عىل الرغم من الركود الذي أصاب‬
‫سوق املحاصيل‪ ،‬تمكنت من زراعة مساحات أكرب هذه املرة‪ ،‬لكن السيول غمرت حوايل‬
‫ألف فدان قبل أسبوعني‪ ،‬لقد تدمرت مزارع السمسم بالكامل»‪ .‬ترضب السيول سنويا ً‬
‫مساحات واسعة من املزارع جنوب القضارف‪ ،‬مما يزيد من الكلفة التي يتحملها‬
‫املزارعون‪.‬‬
‫كيف يعوض املزارعون هذه الخسائر؟ يجيب محمد داؤود قائالً‪« :‬يتحمل املزارعون‬
‫وحدهم هذه الخسائر‪ ،‬يتعني عيل ّ اآلن التجهيز للزراعة الشتوية لتعويض هذه‬
‫الخسارة‪ ،‬أي أنني سأشرتي مجددا ً الوقود والتقاوي واألسمدة يف ظل ارتفاع تكلفة‬
‫هذه املواد‪ ،‬لن تعوض زراعة املحاصيل الشتوية خسائر السمسم بالتأكيد‪ ،‬لكنها‬
‫تخفف من وطأة الخسارة»‪ .‬يواجه محمد داؤود موسما ً هو األصعب يف حياته‪ ،‬وتواجه‬
‫البالد الرازحة تحت وطأة الحرب تهديدا ً جديا ً يف األمن الغذائي‪ ،‬ويأمل املزارعون‬
‫وتجار املحاصيل أن ينتهي املوسم الزراعي بأقل الخسائر املمكنة‪.‬‬

‫مرفقات‪:‬‬
‫‪ .1‬خريطة توضح مناطق إنتاج الذرة يف السودان‪.‬‬
‫‪ .2‬صورة توضيحية للمساحات املزروعة وإنتاج الذرة خالل األعوام العرشة املاضية‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪14‬‬


‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪15‬‬
‫األأسـبــوعـيـة ‪Atar‬‬
‫العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬

‫حـ َد َث في الجِ ـنـيـنـة‪:‬‬


‫محاولة النجاة من الحرب‪ ،‬كيف فشلت؟‬
‫محيـي الدين محمد (الجنينة) ـ عمار جمال (كمباال)‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪16‬‬


‫مدينة الجنينة‪ ،‬عاصمة والية غرب دارفور‪ ،‬حالة من السيولة األمنية‬
‫وارتفاع وترية خطاب الكراهية بني املكونات االجتماعية عقب اندالع‬
‫تعيش‬
‫االشتباكات املسلحة التي انطلقت رشاراتها يف الخرطوم بني القوات املسلحة السودانية‬
‫وقوات الدعم الرسيع يف الخامس عرش من أبريل املنرصم‪.‬‬

‫وخوفا ً من انتقال الحرب إىل مدينة الجنينة‪ ،‬سارعت قيادات مجتمعية وكيانات نقابية‪،‬‬
‫يف التواصل مع قادة الجيش يف الفرقة (‪ )15‬مشاة وقوات الدعم الرسيع‪ ،‬بجانب‬
‫قيادات قبيلتي املساليت والعرب‪ ،‬وطرحوا مبادرة إلنقاذ املدينة من شبح الحرب‬
‫التي باتت جميع مؤرشاتها ماثلة أمام أعني املواطنني‪ .‬وافق الطرفان العسكريان‬
‫املتحاربان‪ ،‬وقيادات املساليت والعرب عىل املبادرة‪ ،‬وأعلنوا التبشري بها ونرشها وسط‬
‫سكان املدينة بتاريخ ‪ 24‬أبريل يف احتفال يُقام وسط املدينة‪.‬‬

‫يف التاريخ املرضوب‪ ،‬وقبل بدء الفعالية‪ُ ،‬سمع دوي إطالق نار كثيف يف ّ‬
‫حي الجمارك‬
‫حي الجبل‪ .‬وبحسب ترصيحات‬ ‫الواقع غربي املدينة‪ .‬ورسعان ما تحول االشتباك إىل ّ‬
‫رسمية لوايل غرب دارفور خميس عبد الله‪ ،‬قال إن قوة تتبع لقوات الشعب املسلحة‬
‫تحركت صوب مقر قيادة القوات املشرتكة السودانية التشادية الستالم سيارات‬
‫حي الجمارك‪ ،‬تع ّرضت لهجوم من قوة تتبع‬‫تخص حماية املدنيني‪ .‬وعند وصولها ّ‬
‫لقوات الدعم الرسيع مدعومة بمليشيات مسلحة‪ .‬بعد ذلك تحرك املهاجمون صوب‬
‫مناطق يقطنها النازحون‪ ،‬ومن ثم مواقع تمركز قوات التحالف السوداني التابعة‬
‫للوايل خميس‪.‬‬

‫القوات املشرتكة السودانية التشادية‪ :‬هي وحدات عسكرية أُنشئَت‬


‫بموجب الربوتوكول األمني والعسكري َّ‬
‫املوقع بني تشاد والسودان يف‬
‫منتصف يناير ‪ ،2010‬قوامها ‪ 3.000‬جندي و‪ 360‬رشطياً‪ ،‬مناصفة‬
‫بني الدولتني‪ .‬يعمل أفراد هذه القوات جنبا ً إىل جنب عىل طريف الحدود‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪17‬‬


‫بني السودان وتشاد البالغ طولها ‪ 1350‬كلم‪ ،‬وبمعدات تسمح‬
‫بالتحرك واملراقبة برا ً وجوا ً وعىل مدار الساعة‪ .‬قيادة هذه القوات‪،‬‬
‫وفقا ً للربوتوكول‪ ،‬تكون بالتناوب‪ ،‬ستة أشهر لكل دولة‪ .‬جاء تكوين‬
‫هذه القوات تتويجا ً التفاقيات ومحاوالت صلح بني الدولتني إثر‬
‫توتر وقطع العالقات بينهما‪ ،‬بعد تع ّرض عاصمتَي البلدين لهجوم‬
‫مسلح يف مطلع ومنتصف ‪ .2010‬قبل أشهر من اندالع الحرب بني‬
‫القوات املسلحة والدعم الرسيع‪ ،‬كان الفريق الربهان قد زار إنجمينا‪،‬‬
‫وبحث مع رئيسها «الحاجة امللحة لتعزيز القدرة التشغيلية للقوات‬
‫املشرتكة التشادية والسودانية‪ ،‬ملواجهة التحديات األمنية التي تتكرر‬
‫أكثر فأكثر يف املنطقة الحدودية بني البلدين»‪ ،‬كما ناقشت الزيارة‬
‫زيادة أعداد قوات الدعم الرسيع يف املناطق الحدودية‪ .‬واتفق الطرفان‬
‫عىل نرش قوات سودانية تشادية عىل طول الحدود املشرتكة بوالية‬
‫غرب دارفور‪ .‬وفقا ً للربوتوكول‪ ،‬فإن مهام القوات هي بسط األمن‬
‫واالستقرار يف املناطق الحدودية وإعادة الحركة عرب الحدود إىل‬
‫طبيعتها‪.‬‬

‫ونقل مراسل «شبكة أتَـر» يف الجنينة‪ ،‬أن مليشيات القبائل العربية وقوات الدعم‬
‫الرسيع‪ ،‬رسعان ما سيطرت عىل مقر القوات املشرتكة السودانية التشادية‪ ،‬واستولت‬
‫عىل مخازن السالح واملركبات العسكرية‪ .‬وأكد بيان أصدرته قيادات قبيلة املساليت‬
‫أن ما جرى ليس محض صدفة‪ ،‬بل هو أمر مدبر ُخ ّ‬
‫طط له ضمن املؤامرات التي تُحاك‬
‫ضد إنسان املنطقة بغية نقل رصاع قوات الشعب املسلحة وقوات الدعم الرسيع إىل‬
‫رصاع بني املواطنني‪.‬‬

‫وقد نجح ا ُملخطط‪ .‬انتهت االشتباكات بني القوات املسلحة وقوات الدعم الرسيع‬
‫رسيعا‪ ،‬وتحول الرصاع إىل اقتتال قبيل بني املساليت والقبائل العربية‪.‬‬

‫القبائل العربية‪ :‬هي مكونات قبلية‪ ،‬تشمل الرزيقات‪ ،‬واملسريية‪،‬‬


‫بني هلبة‪ ،‬أوالد راشد‪ ،‬الرتجم‪ ،‬أوالد مالك‪ ،‬أوالد بابا‪ ،‬املهادي‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫تجتمع هذه املكونات تحت راية القبائل العربية لحظة بروز عدو‬
‫مشرتك (املساليت يف حالة غرب دارفور)‪ .‬كما تتمثل يف أي مؤتمر‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪18‬‬


‫صلح تحت الراية ذاتها‪ ،‬منذ مؤتمر ‪ 1996‬وحتى املبادرة األخرية‬
‫التي حاولت إنقاذ مدينة الجنينة من الوقوع يف براثن الحرب الجارية‪.‬‬
‫لدى «شبكة أتَـر» نسخة من هذه املبادرة التي حملت اسم «مبادرة‬
‫األطباء واألئمة والدعاة وممثيل العمل اإلنساني واإلدارة األهلية‬
‫ومكونات مجتمع الجنينة»‪.‬‬

‫كان القتال عنيفاً‪ ،‬استُخدمت فيه جميع انواع األسلحة‪ ،‬الخفيفة والثقيلة‪ ،‬وشوهدت‬
‫أعمدة الدخان ترتفع من سقوف املنازل‪ .‬واتسعت رقعة القتال القبَيل لتشمل أحياء‬
‫الجبل‪ ،‬والتضامن‪ ،‬والثورة‪ ،‬والكفاح‪ ،‬والجمارك‪ ،‬واضطرت عىل إثرها مئات األرس إىل‬
‫النزوح داخل املدينة‪.‬‬

‫ما زلنا يف اليوم األول للقتال‪.‬‬

‫تم ّكنت مليشيات قبيلة املساليت من السيطرة عىل مقر رئاسة رشطة الوالية‪،‬‬
‫واالستيالء عىل مخازن السالح‪ .‬أفادت مصادر أمنية بأن عدد األسلحة يفوق ‪9.000‬‬
‫قطعة سالح‪ ،‬بينها أسلحة ثقيلة وكمندرات عسكرية‪ .‬كذلك ُقتل نائب مدير رشطة‬
‫الوالية‪ ،‬العميد عبد الباقي الحسن‪ ،‬يف ظروف غامضة‪ .‬وتمكنت املليشيات أيضا ً من‬
‫السيطرة عىل مقر جهاز املخابرات‪ ،‬واالستيالء عىل مخازن السالح‪.‬‬

‫حدث هذا يف وقت تنامت فيه وترية الخالفات بني الوايل خميس أبكر‪ ،‬وينتمي إىل‬
‫قبيلة املساليت‪ ،‬ونائبه تجاني الطاهر كرشوم‪ ،‬وينتمي إىل القبائل العربية‪ .‬ويف خضم‬
‫هذا القتال وانتشار السالح وسط املواطنني‪ ،‬أصبحت الجنينة مدينة تعجّ باملليشيات‬
‫القبلية املتناحرة‪ ،‬والقوات العسكرية التي تقف خلفها وتدعمها‪.‬‬

‫مع اشتداد وترية االشتباكات‪ ،‬تمردت قوة من أبناء قبيلة املساليت تتبع للقوات‬
‫املسلحة‪ ،‬ودخلت املدينة عىل رأس دبابات وآليات عسكرية ملساندة أهلهم‪ .‬كما صارت‬
‫املدينة محارصة بالكامل من قبل مليشيات القبائل العربية وقوات الدعم الرسيع‪.‬‬

‫دارت الحرب سجاال ً ألكثر من ‪ 50‬يوماً‪ ،‬راح ضحيتها آالف القتىل والجرحى‪ ،‬كما ف ّرت‬
‫حرقت مقار املؤسسات الحكومية‪ ،‬واملنظمات‪،‬‬ ‫مئات األرس ما بني اللجوء والنزوح‪ ،‬وأ ُ ِ‬
‫ومنازل أبناء قبيلة املساليت‪.‬‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪19‬‬
‫كان يوم الرابع عرش من يونيو من أكثر أيام الحرب رضاو ًة إذ ظ ّلت أصوات الدانات‬
‫والتفجريات تُسمع دون انقطاع‪ .‬تركزت املعارك يف ذلك اليوم حول منزل الوايل‪،‬‬
‫ومقر أمانة الحكومة ومحيطها‪ ،‬وأحياء الجبل والجمارك‪ .‬كانت سماء املدينة مُغطاة‬
‫بالدخان‪ ،‬وسكن الخوف الرعب وجوه النساء واألطفال الذين يختبئون وراء املباني‬
‫هلعا ً من تساقط قذائف األر بي جي والهاون‪.‬‬

‫يف خضم هذه الظروف السيئة‪ ،‬جرحى يئنّون وال يجدون من يسعفهم‪ ،‬وقتىل من‬
‫الجانبني تناثرت أشالؤهم يف شوارع املدينة‪ ،‬ع ّم املدينة خرب القبض عىل وايل غرب‬
‫دارفور‪ ،‬خميس عبد الله‪ ،‬املشهور بلقب «كندم»‪ ،‬بينما كان يف طريقه إىل دولة تشاد‬
‫هربا ً من جحيم الحرب التي قضت عىل األخرض واليابس يف مدينة الجنينة‪ .‬عندها‬
‫ارتفعت أصوات إطالق الرصاص وسط مليشيات القبائل العربية وزغردت نساؤهم‬
‫فرحاً‪ ،‬وعلت أبواق سياراتهم‪.‬‬

‫تضاربت الروايات واختلفت حول حقيقة القبض عىل الوايل‪ ،‬يف وقت تعيش فيه املدينة‬
‫عزلة كاملة بسبب انقطاع شبكات االتصاالت منذ اندالع االشتباكات املسلحة‪ .‬وسارع‬
‫البعض صوب املناطق الجبلية العالية اللتقاط إرسال شبكات اتصاالت الرشكات‬
‫التشادية‪ ،‬للتحقق من صحة األنباء املتداولة عن مقتل الشخصية األبرز يف والية غرب‬
‫دارفور‪.‬‬

‫عمّ ت الجنينة فوىض عارمة عقب مقتل الوايل خميس‪ ،‬وحدث انفالت أمني‪ ،‬ودخل‬
‫بخاصة من أبناء املساليت‪ ،‬يف حرية من أمرهم ما بني مجابهة املوت تحت‬ ‫ّ‬ ‫املواطنون‪،‬‬
‫نريان أسلحة مليشيات القبائل العربية وقوات الدعم الرسيع‪ ،‬أو الهرب نزوحا ً ولجوءا‪ً.‬‬

‫يمض وقت طويل حتى تناقلت وسائل التواصل االجتماعي صورا ً لجثة الوايل‬ ‫لم ِ‬
‫خميس يحيط بها مسلحون بأزياء مدنية‪ ،‬وأطفال‪ ،‬ونساء‪ ،‬وسط أهازيج واحتفاالت‪.‬‬

‫تتهم القبائل العربية الوايل خميس بقيادة الحرب ضدهم‪ ،‬مستغالً وضعه يف رئاسة‬
‫لجنة أمن الوالية‪ ،‬وتسخري كل اإلمكانات العسكرية لقوات الرشطة‪ ،‬بما يف ذلك فتح‬
‫مخازن السالح لجنوده من قوات التحالف السوداني‪ .‬فيما تعتقد قبيلة املساليت أن‬
‫قوات الدعم الرسيع تقف وراء مقتل الوايل‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪20‬‬


‫بعد انتشار خرب القبض عىل الوايل خميس‪ ،‬ومقتله‪ ،‬والتمثيل بجثته‪ ،‬أصيب أنصا ُره‬
‫بصدمة كبرية انعكست يف معنويات قواته وأدائها يف ميدان القتال‪ .‬وتمكنت مليشيات‬
‫القبائل العربية‪ ،‬التي تُعرف باسم املقاومة‪ ،‬من السيطرة عىل مقر أمانة الحكومة‬
‫ومنزل الوايل‪.‬‬

‫تسارعت وترية األحداث بشدّة بعد يوم من مقتل خميس‪ ،‬إذ قررت قواته‪ ،‬واملليشيات‬
‫املتحالفة معه‪ ،‬مثل عصابة كوملبيا‪ ،‬االنسحاب من الجنينة‪ .‬استَخدمت هذه القوات‬
‫مسارين للخروج من املدينة‪:‬‬

‫املسار األول إىل الحدود مع دولة تشاد سريا ً عىل األقدام‪ ،‬برفقة النساء واألطفال‪ .‬ويبلغ‬
‫طول الطريق بني الجنينة وأدري التشادية حوايل ‪ 25‬كلم‪ .‬وقد تعرض الفا ّرون عرب‬
‫هذا املسار إىل انتهاكات وعنف من قبل مليشيات القبائل العربية املنترشة عرب الطريق‬
‫الرابط بني مدينة الجنينة والحدود التشادية‪.‬‬

‫تحصلت «شبكة أتَـر» عىل مقاطع فيديو توثق فرار آالف النساء‪ ،‬واألطفال‪ ،‬والشباب‬
‫لحظة تع ّرضهم لنريان مسلحي القبائل العربية‪ ،‬إضافة إىل مقاطع أخرى توثق لحظة‬
‫عبور مسلحني من مليشيات قبيلة املساليت الحدود التشادية‪ ،‬وإجبارهم عىل تسليم‬
‫أسلحتهم من قبل القوات التشادية قبل دخولهم تشاد‪.‬‬

‫املسار الثاني هو الهرب إىل مقر قيادة الفرقة ‪ 15‬مشاة يف أردَمَ تا‪ ،‬وقد اتخذه‬
‫املس ّلحون‪ ،‬حيث توافرت لهم تغطية عسكرية بدبابات وكمندرات سيطر عليها أبناء‬
‫املساليت يف سالح املدفعية‪ ،‬وشاركوا بها يف األحداث قبل تدمري بعضها الحقا‪.‬‬

‫تحرك الفا ّرون عرب هذا املسار عند الساعة الرابعة صباح يوم الخميس‪ ،‬واشتبكوا مع‬
‫حي النسيم‪ ،‬قبل أن يتمكنوا من دخول‬
‫قوة مسلحة من مليشيات القبائل العربية يف ّ‬
‫قيادة الجيش‪ .‬بعد يومني من مقتل خميس هدأت اصوات الرصاص‪ ،‬لكن يف املقابل‬
‫دخل املواطنون يف حالة هلع ورعب واسعة‪ ،‬وبدأت رحالت النزوح واللجوء بأعداد‬
‫كبرية جداً‪ ،‬خاصة بعد انتشار شائعة فحواها أن سالح الجو السوداني سيقصف‬
‫الجنينة‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪21‬‬


‫استغلت بعض املجموعات الفوىض األمنية وحالة االنفالت‪ ،‬وبدأت يف عمليات نهب‬
‫ورسقة واسعة‪ ،‬شملت األحياء السكنية التي اضطر أصحابها إىل هجرها‪ .‬وانترشت يف‬
‫املدينة رائحة املوتى‪ ،‬وكثرت الجثث املتناثرة يف الطرقات‪ ،‬والجرحى الذين ال يجدون‬
‫من يسعفهم بعد أن أغلقت املستشفيات أبوابها‪ .‬ولم تسلم املؤسسات الحكومية‬
‫ومقار املنظمات األممية من التخريب ورسقة السيارات واملعدات املكتبية‪.‬‬

‫سارع قائد قوات الدعم الرسيع بوالية غرب دارفور‪ ،‬عبد الرحمن جمعة بارك‪ ،‬إىل نفي‬
‫تورط قواته يف مقتل الوايل‪ .‬وروى يف ترصيحات صحفية طريقة القبض عىل الوايل؛‬
‫وقال إن ضباطا ً من رشطة االحتياطي املركزي طلبوا منه الحضور عىل وجه الرسعة‬
‫إىل مق ّرهم‪ .‬وعند وصوله وجد سيارة بداخلها الوايل خميس‪ .‬وحسب جمعة‪ ،‬فإن‬
‫خميس طلب حمايته وتوصيله إىل تشاد‪ .‬وتابع جمعة قائالً‪« :‬حملت الوايل يف سيارتي‬
‫وذهبت به إىل مكتب قيادة الدعم الرسيع»‪.‬‬

‫تداول ناشطون وقتها مقطع فيديو يَظهر فيه الوايل خميس هو يعتمر خوذة وواقي‬
‫رصاص‪ ،‬ويتعرض لالعتداء من فرد مسلح عند دخوله مكتب قائد الدعم الرسيع‪.‬‬

‫«طلبت من أشخاص أثق فيهم جيدا ً ترحيل الوايل خميس إىل‬


‫ُ‬ ‫وواصل جمعه روايته‪:‬‬
‫دولة تشاد‪ ،‬لكن فوجئنا بأكثر من ‪ 50‬سيارة عسكرية تحارص مقر الدعم الرسيع‬
‫وتطالب بتسليمها الوايل»‪.‬‬

‫وأشار جمعة إىل أنهم رفضوا طلب القوة‪ ،‬وسلموا الوايل إىل األشخاص املوثوق بهم‬
‫بغرض ترحيله إىل تشاد؛ لكن مسلحني طاردوا السيارة التي تحمل الوايل فور‬
‫تحركها‪ُ ،‬‬
‫وقتل عىل إثر ذلك اثنان من طاقم حراسته‪ .‬واكتفى جمعة بهذا‪ ،‬وقال‪« :‬إىل‬
‫هنا انتهى ما لديّ من معلومات»‪.‬‬

‫وبحسب معلومات تحصلت عليها «شبكة أتَـر»‪ ،‬فإن املسلحني سيطروا عىل السيارة‬
‫التي كانت تقل الوايل‪ ،‬وتمكنوا من قتله والتمثيل بجثته‪.‬‬

‫الحقا ً فرضت وزارة الخارجية األمريكية قيودا ً عىل منح جمعة تأشرية دخول إىل‬
‫بالدها لتورطه يف انتهاك جسيم لحقوق اإلنسان واختطاف وقتل وايل غرب دارفور‬
‫خميس أبكر وشقيقه‪.‬‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪22‬‬
‫األأسـبــوعـيـة ‪Atar‬‬
‫العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬

‫وسط ركام الحرب‪:‬‬


‫اللوحة من أ�عمال الفنان‪ :‬عبادة جابر‬

‫رحلة البحث عن مدرسة!‬


‫ميساء حنفي (القاهرة) ـ عمار جمال (كمباال)‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪23‬‬


‫وصلت منال‪ ،‬وهي أ ٌّم لخمسة أطفال‪ ،‬إىل العاصمة املرصية القاهرة‪،‬‬
‫هربا ً من الحرب الدائرة يف الخرطوم‪ ،‬كان همُّ ها األول‪ ،‬هو البحث عن‬ ‫عندما‬
‫مدرسة البنها البكر‪ ،‬الذي ينتظر الجلوس المتحانات الشهادة السودانية‪.‬‬
‫توقف الدراسة خالل األشهر الثالثة التي‬‫تسبّب إرضاب لجنة املعلمني السودانيني يف ُّ‬
‫سبقت الحرب‪ ،‬لذا قررت منال أن يبدأ ابنها يف التحضري الستئناف الدراسة عرب‬
‫كورس صيفي بإحدى املدارس السودانية بالقاهرة‪ .‬أثناء سعيها بحثا ً عن مدرسة‬
‫ّ‬
‫يتعنّي‬ ‫مالئمة قبل بدء العام الدرايس‪ ،‬فوجئت منال بأسعار املدارس الفلكية‪ ،‬إذ‬
‫عىل الطالب دفع رسوم ترتاوح ما بني ‪ 30.000‬و‪ 60.000‬جنيه مرصي (‪1.000‬‬
‫و‪ 2.000‬دوالر أمريكي)‪ .‬اضطرت األم للتضحية بتعليم أربعة من أبنائها هذا العام‪،‬‬
‫يف ظروف إقامتهم املجهولة‪ ،‬ومنح الفرصة البنها البكر‪ .‬فالزوج بال عمل حالياً‪ ،‬ولم‬
‫يستطع اللحاق بهم يف مرص بسبب صعوبة استصدار تأشرية دخول‪ ،‬واضطراره‬
‫للبقاء مع والده العاجز عن الحركة ووالدته داخل السودان‪.‬‬

‫أدت الحرب الدائرة يف السودان بني القوات املسلحة السودانية وقوات الدعم الرسيع‬
‫منذ ‪ 15‬أبريل ‪ ،2023‬إىل نزوح أكثر من خمسة ماليني داخل السودان وخارجه‪،‬‬
‫أكثر من ‪ 300.000‬منهم نزحوا إىل مرص‪ .‬كما دفعت الحرب بنظام التعليم املتعثر يف‬
‫السودان إىل حافة االنهيار‪ ،‬إذ أُغلقت العديد من املدارس يف مدن السودان املختلفة‪ ،‬أو‬
‫استُخدمت مراكز إليواء النازحني‪ ،‬ومراكز صحية‪ ،‬وثكنات عسكرية‪ ،‬وأحيانا ً مدافن‪.‬‬

‫َ‬
‫السودان‬ ‫قبل اندالع حرب حلفاء األمس وأعداء اليوم‪ ،‬صنَّفت منظمة إنقاذ الطفولة‪،‬‬
‫ضمن البلدان األربعة األوىل‪ ،‬عىل مستوى العالم‪ ،‬من حيث تع ُّرض التعليم لخطر‬
‫شديد‪ .‬واآلن ارتفع عدد األطفال غري امللتحقني باملدارس إىل ‪ 9.000‬من حوايل ‪7.000‬‬
‫قبل الحرب الدائرة‪ ،‬ونزح أكثر من مليون طفل يف سن الدراسة‪ ،‬وأُغلقت ما ال يقل‬
‫عن ‪ 10.400‬مدرسة منذ بدء القتال‪ ،‬وفقا ً للمنظمة العاملة يف مجال تحسني رشوط‬
‫حياة األطفال‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪24‬‬


‫الحكومة املرصية تزيد الطني ِب َّل ًة‬
‫بعد اندالع الحرب‪ ،‬أقدمت الحكومة املرصية عىل تغيري اتفاقياتها وترتيباتها السابقة‬
‫ّ‬
‫يتعنّي اآلن عىل النساء‪ ،‬واألطفال‬ ‫بخصوص دخول السودانيني إىل أراضيها؛ فصار‬
‫دون الخامسة عرشة‪ ،‬والرجال فوق الخمسني إصدار تأشرية دخول‪.‬‬

‫لم يكن أمام أرسة إبراهيم‪ ،‬املكونة منه‪ ،‬وزوجته‪ ،‬وخمسة أبناء‪ ،‬ووالديه‪ ،‬من مفر‬
‫سوى التسجيل يف برنامج الغذاء العاملي‪ ،‬لالستفادة من الدعم الذي يقدمه‪ .‬سافرت‬
‫الزوجة مع األطفال إىل القاهرة ب ّرا ً يف رحلة استمرت ثالثة أيام‪ ،‬واستقروا يف شقتهم‬
‫الخاصة التي كانوا يحرضون إليها سنويا ً لقضاء اإلجازة؛ بينما انتظر إبراهيم مع‬
‫والديه‪ ،‬ريثما يحصل عىل تأشرية الدخول‪ ،‬فضالً عن تذاكر الطريان التي كان ال ب ّد‬
‫منها‪ ،‬ألن والده أصيب بجلطة أصبح بعدها يعاني من شلل كامل‪ ،‬إضافة إىل أمراض‬
‫أخرى يستحيل معها السفر الربّي‪ .‬لكن‪ ،‬قبل استالم التأشرية‪ ،‬صدر قرار إلغاء‬
‫استثناء كبار السن من السودانيني من دخول مرص دون تأشرية‪ ،‬مما صعّ ب عليه‬
‫اللحاق بأرسته‪ ،‬وق ّرر االستقرار يف الوالية الشمالية يف انتظار الفرج‪.‬‬

‫يف بادئ األمر رفضت أرسة إبراهيم اللجوء إىل معونة مفوضية الالجئني يف القاهرة‪،‬‬
‫واعتمدت عىل ما يرسله األب من السودان عرب تطبيق بَنكك‪ .‬تغري هذا مع مرور‬
‫الوقت‪ ،‬إذ كان يقع عىل عاتق إبراهيم دفع إيجار شقة القاهرة‪ ،‬وإيجار منزل يف شمال‬
‫السودان‪ ،‬دعك من ارتفاع تكاليف املعيشة يف السودان والقاهرة‪ ،‬وفوق ذلك فاتورة‬
‫عالج والده املريض‪ .‬الحقا ً اضط َّرت أرسة إبراهيم للوقوف يف طابور معونة برنامج‬
‫الغذاء العاملي للتخفيف ولو قليالً من عبء املعيشة‪.‬‬

‫قالت رانيا‪ ،‬وهي أ ٌّم طفلني‪ ،‬إن ابنتها البكر تم ّكنت من الجلوس المتحانات الشهادة‬
‫االبتدائية‪ ،‬بعد وصولها إىل القاهرة بشهر‪ .‬بسبب توقف وزارة الرتبية والتعليم‬
‫االتحادية عن العمل من جراء الحرب‪ ،‬قررت السفارة السودانية بالقاهرة‪ ،‬أن يجلس‬
‫تالميذ الصف السادس (يبلغ عددهم حوايل ‪ 6.000‬تلميذ)‪ ،‬املوجودين بمرص ضمن‬
‫امتحانات والية الجزيرة‪ ،‬وقررت أيضا ً تخفيض رسوم االمتحانات من ‪ 130‬دوالرا ً‬
‫إىل ‪ 60‬دوالراً‪ ،‬عىل أن تُدفع بالجنيه املرصي للسفارة السودانية‪ .‬ويف يونيو ‪،2023‬‬
‫جلسوا لالمتحان يف مدرسة الصداقة السودانية التابعة للمكتب الخارجي لوزارة‬
‫الرتبية والتعليم االتحادية‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪25‬‬


‫كانت وزارة الرتبية والتعليم بوالية الجزيرة‪ ،‬قد أعدت مركزا ً موحدا ً لتصحيح‬
‫امتحانات الشهادة االبتدائية ملدارس الجاليات ومدرسة الصداقة السودانية‪ ،‬التي‬
‫جلست هذا العام المتحان والية الجزيرة‪ ،‬بعدد ‪ 11.500‬تلميذ وتلميذة‪ ،‬موزعني‬
‫عىل ‪ 16‬مركزا ً خارج السودان‪ ،‬تحت إرشاف ومتابعة حكومة الوالية ووزارة الرتبية‬
‫والتعليم‪ ،‬بالتنسيق مع وزارة التعليم العام‪ ،‬ووزارة الخارجية‪ ،‬ومجلس الوزراء‪،‬‬
‫ووزارة املالية‪ ،‬وديوان الحكم االتحادي‪.‬‬

‫يف مطلع أغسطس ‪ ،2023‬أصدرت وزارة الرتبية والتعليم قرارا ً بإلغاء امتحانات‬
‫الشهادة االبتدائية‪ ،‬وامتحانات النقل ملراحل التعليم االبتدائي‪ ،‬واملتوسط‪ ،‬والثانوي‪،‬‬
‫يف جميع الواليات املتأثرة بالحرب‪ .‬ونص القرار عىل نقل جميع طالب الصف السادس‬
‫إىل املرحلة املتوسطة مبارشة‪ ،‬ونقل طالب مراحل التعليم الثالث إىل الصفوف األعىل‬
‫مبارش ًة‪ .‬وينطبق هذا القرار حرصا ً عىل الواليات املتأثرة بالحرب (الخرطوم‪ ،‬واليات‬
‫دارفور الخمس‪ ،‬شمال وجنوب كردفان)‪ ،‬بينما شهدت الواليات املستقرة جلوس‬
‫تالميذ الصف السادس المتحانات الشهادة االبتدائية يف شهري مايو ويونيو‪.‬‬

‫وتواترت األنباء يف مطلع سبتمرب‪ ،‬عن نية وزارة الرتبية والتعليم االتحادية‪ ،‬عقد‬
‫امتحانني للشهادة السودانية‪ :‬األول للطالب الجاهزين يف الواليات غري املتأثرة بالحرب‪،‬‬
‫ومدارس السودانيني بالخارج‪ ،‬والراغبني من الواليات املتأثرة بالحرب؛ والثاني الحقا ً‬
‫بعد فرتة زمنية مناسبة‪ ،‬عىل أن تُعلن نتيجة االمتحانني معاً‪ .‬وهو األمر الذي انتقدته‬
‫لجنة املعلمني السودانيني‪ ،‬يف بيان نرشته عىل وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬ورأت فيه‬
‫«طعنا ً ملبدأ العدالة واإلنصاف» من باب أن القرار «سيجعل التعليم ملن استطاع إليه‬
‫سبيالً»‪.‬‬

‫مدارس السودانيني يف القاهرة قبل الحرب وبعدها‬


‫إىل جانب املدارس السودانية املوجودة يف القاهرة قبل اندالع الحرب‪ ،‬سواء كانت مدارس‬
‫خاصة أم حكومية (مدرسة الصداقة)؛ افتَتَحت عدة مدارس سودانية خاصة مراكز‬
‫لها يف القاهرة بعد الحرب‪ ،‬مثل مدارس «إدريس»‪« ،‬كبيدة»‪« ،‬ليقايس»‪« ،‬سمارت»‪،‬‬
‫«أباذر الكودة»‪ ،‬و»الخرطوم العاملية املتطورة»‪ .‬لكن إزاء رسومها الباهظة‪ ،‬وارتفاع‬
‫إيجارات الشقق‪ ،‬وعبء تكلفة املعيشة‪ ،‬اضط ّرت األرس إىل اللجوء إىل كل ما من شأنه‬
‫املساعدة‪ ،‬فكان قرار البعض التوجه إىل منظمة الهجرة الدولية والبحث عن فرص‬
‫اللجوء عرب البحار‪.‬‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪26‬‬
‫نظرا ً إىل توقف عمل الوزارة االتحادية يف الخرطوم‪ ،‬كان عىل جميع املدارس التي‬
‫افتُتحت يف القاهرة بعد الحرب‪ ،‬أن تعمل دون الحصول عىل تصاديق‪ .‬ويف ظل الطلب‬
‫العايل‪ ،‬رفعت هذه املدارس رسومها الدراسية إىل ح ّد فائق‪ ،‬خصوصا ً يف منطقة‬
‫فيصل ذات الكثافة السكانية العالية من األرس السودانية‪ ،‬كما زادت املدارس القديمة‬
‫رسومها أسوة بالجديدة‪ :‬بعد أن كانت أسعار املدارس ترتاوح بني ‪ 4.000‬و‪6.000‬‬
‫جنيه مرصي‪ ،‬بلغت اآلن ‪ 30.000‬للقسم العربي و‪ 70.000‬جنيه مرصي للقسم‬
‫اإلنجليزي‪ .‬وعىل سبيل املثال‪ ،‬ارتفعت رسوم مدارس املجلس األفريقي من ‪-5.000‬‬
‫‪ 6.000‬جنيه مرصي قبل الحرب إىل ‪ 20.000-15.000‬جنيه مرصي بعد الحرب‪.‬‬

‫أما بشأن طاقم التدريس‪ ،‬فقد فتحت هذه املدارس الجديدة باب التقديم للتعيني‪.‬‬
‫وبينما واصل بعضهم التدريس يف نفس مدارسهم التي كانت يف الخرطوم‪ ،‬اختار‬
‫آخرون العمل يف مدارس أخرى بسبب قربها من مناطق سكنهم‪ ،‬وفقا ً ملن التقهم‬
‫«شبكة أتَـر»‪.‬‬

‫لحل مشكلة غالء الرسوم الدراسية‪ ،‬وعدم توافر شواغر‪ ،‬مع نُشدان جودة التعليم‪،‬‬
‫ابتكرت بعض األرس السودانية يف القاهرة طرق تعليم بديلة‪ ،‬مثل أرسة سحر وعالء‪،‬‬
‫التي اختارت باالتفاق مع أرس سودانية أخرى تقطن جوارها أن تسجّ ل أطفالها‪،‬‬
‫ومعظمهم كانوا يدرسون يف مدارس إنرتناشيونال يف الخرطوم‪ ،‬للدراسة بنظام‬
‫التعليم املنزيل (‪ ،)Homeschooling‬حيث اتفقت هذه األرس مع بعض األساتذة‬
‫السودانيني‪ ،‬ممن لجأوا إىل القاهرة بعد الحرب‪ ،‬لتدريس األطفال املقرر الدرايس‪،‬‬
‫والتسجيل المتحان نهاية العام الدرايس عن طريق إحدى املدارس بعد سداد رسوم‬
‫االمتحانات للمدرسة املعنية‪.‬‬

‫كذلك لجأت أرس أخرى إىل خيار التعليم املنزيل لكن أسباب مغايرة‪ .‬يرسا‪ ،‬وهي أم‬
‫طفل يف الصف الرابع االبتدائي‪ ،‬وطفلة يف الصف الثاني؛ أخربت «شبكة أتَـر» أن‬
‫طفليها كانا يدرسان يف إحدى مدارس التعليم البديل يف الخرطوم‪ ،‬التي تستخدم‬
‫«آثرت عدم تسجيلهم يف مدرسة هذا العام إىل حني دراسة‬ ‫ُ‬ ‫املنهج التفاعيل؛ لذا‬
‫الخيارات ا ُملتاحة حالياً»‪ .‬وقالت يرسا إن ارتفاع رسوم املدارس هو أيضا ً من عوامل‬
‫ً‬
‫إضافة إىل العامل السايكولوجي‪ ،‬إذ إنها ال تريد لهما‬ ‫عدم التحاق طفليها باملدارس‪،‬‬
‫التع ّرض لصدمة بيئة مدرسية مختلفة قبل اندماجهما يف املجتمع الجديد‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪27‬‬


‫وفقا ً لألستاذة منازل محمد خري الحاج‪ ،‬مديرة مدرسة التميز السودانية بمدينة ‪6‬‬
‫أكتوبر بالقاهرة‪ ،‬واألمني العام لتضامن مديرات املدارس بمرص‪ ،‬فإنه كانت توجد‬
‫حوايل ‪ 48‬مدرسة سودانية تحت مُسمّ ى مراكز تعليمية‪ .‬ويف ‪ 2021‬حرضت لجنة‬
‫من وزارة الرتبية والتعليم السودانية إىل القاهرة‪ ،‬ووضعت معايري للمدارس‪ ،‬مثل أن‬
‫تكون يف مبنى منفصل‪ .‬سحبت الوزارة تصديق كل مدرسة ال تستويف الرشوط‪ ،‬بينما‬
‫منحت أخرى فرتة أسبوعني لتحسني وضعها‪ .‬والحقا ً أعلنت اللجنة عن استيفاء ‪16‬‬
‫وسمح لها بمواصلة عملها‪ ،‬بواقع ‪ 3.000‬طالبة وطالب لكل‬‫مدرسة لرشوط الوزارة‪ُ ،‬‬
‫مدرسة‪.‬‬

‫وأضافت قائلة‪« :‬وزارة الرتبية والتعليم والتعليم الفني يف مرص لديها رشوط عسرية‬
‫ملنح التصديق للمدارس األجنبية‪ ،‬مثل أن تملك املدرسة قطعة أرض ذات مساحة‬
‫واسعة‪ ،‬وأن يكون لديها ملف رضيبي مكتمل»‪.‬‬

‫وكان وزير شؤون مجلس الوزراء‪ ،‬عمر بشري مانيس‪ ،‬قد أصدر القرار رقم (‪ )1‬لسنة‬
‫‪2019‬م بتشكيل لجنة برئاسة وكيل وزارة الرتبية والتعليم‪ ،‬بهدف دراسة أوضاع‬
‫مدارس الصداقة السودانية بالخارج من الناحيتني املالية والهيكلية‪ ،‬ورفع تقرير‬
‫تفصييل بشأنها‪ .‬وأوصت اللجنة يف أوىل اجتماعاتها برتفيع املدارس السودانية يف‬
‫القاهرة‪ ،‬ويوغندا‪ ،‬وتركيا إىل «مدارس صداقة»‪ ،‬واعتماد الوظائف الـ(‪ )48‬املصادق‬
‫عليها للمعلمني‪ ،‬إضافة إىل زيادة الوظائف بالتدريج خالل السنوات القادمة‪.‬‬

‫ووفقا لألستاذة منازل‪ ،‬فإن وزارة الرتبية والتعليم االتحادية تنتدب مدير مدرسة‬
‫الصداقة وبعض املعلمني من السودان براتب يبلغ ‪ 3.000‬دوالر‪ ،‬ويتم إكمال عدد‬
‫املعلمني من مرص براتب يبلغ ‪ 4.000 -3.000‬جنيه مرصي‪.‬‬

‫من لم يرغب يف الهجرة‪ ،‬أو تحفظ عىل التقديم ملفوضية الالجئني‪ ،‬أو انتظر أمل أن‬
‫تنتهي الحرب والعودة إىل السودان‪ ،‬أو ربما له فرص سفر لدول أخرى؛ توجه إىل‬
‫برنامج الغذاء العاملي الذي يمنح أي سوداني دخل مرص بعد الحرب وغري مُسجّ ل‬
‫من َقبل لدى مفوضية الالجئني‪ ،‬مبلغ ‪ 450‬جنيها ً مرصيا ً شهريا ً عن كل جواز‪ .‬حيث‬
‫يُمنح بطاقة مثل بطاقة الرصاف اآليل يَسحب عربها من أي مركز فوري بالقرب من‬
‫سكنه‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪28‬‬


‫تحدثت «شبكة أتَـر» إىل أرسة سودانية لديها ثالثة أطفال‪ ،‬جميعهم باملرحلة‬
‫االبتدائية‪ ،‬لجأت إىل العاصمة املرصية‪ .‬قرر الوالدان التقديم عرب مفوضية الالجئني‬
‫للحصول عىل امتيازات تدريس أطفالهم باملدارس الحكومية املرصية برسوم رمزية‪.‬‬
‫كان لدى الوالد متجر لصيانة وبيع الهواتف ومستلزماتها يف الخرطوم‪ ،‬لكن بعد نهب‬
‫متجره‪ ،‬واملنزل والسيارة‪ ،‬ويف ظ ّل مجهولية أمد نهاية الحرب‪ ،‬وفقدان أمل العودة‬
‫للوطن‪ ،‬قرر الوالدان تقديم طلب اللجوء إىل أي دولة يستطيعان فيها إيجاد فرص‬
‫عمل وتعليم أبنائهما‪.‬‬

‫سددت بعض املنظمات‪ ،‬مثل إنقاذ الطفولة (‪ ،)Save the Children‬رسوما ً عن عدد‬
‫كبري من الطالب ا ُملمتَحَ نني للشهادة االبتدائية ممن جاءوا بعد الحرب‪ ،‬بينما دفعت‬
‫بعض األرس امليسورة ألبنائها‪ .‬وطلبت هيئة اإلغاثة الكاثوليكية (‪ )CRS‬قائمة بأسماء‬
‫الطالب الذين دفعوا رسومهم‪ ،‬وأعادت املبالغ إىل بعضهم‪ .‬وتواصلت منظمة الهجرة‬
‫الدولية (‪ )IOM‬مع بعض مديري املدارس‪ ،‬وطلبت منهم رفع ملفات التالميذ الذين‬
‫حرضوا بعد الحرب‪ ،‬وأسماء املدارس التي ُقيّدوا بها‪ ،‬لتسدّد عنهم الرسوم إىل مدير‬
‫املدرسة مبارشة‪ ،‬حتى وإن كانت أرسته غري مسجِّ لة لطلب الهجرة‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪29‬‬


‫األأسـبــوعـيـة ‪Atar‬‬
‫إ�ريــتـــريـــا‪..‬‬ ‫العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬

‫قطعة من المحبة‬
‫مقتطف من رحلة الخروج‬
‫ٌ‬
‫أ‬
‫شندي‪ ،‬كسال‪� ،‬سمرا إ�لى نيروبي‬

‫يوميات‪ :‬حاتم الكناني (نيروبي)‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪30‬‬


‫إىل أسمرا والعودة هو إقامة يف الفتنة»‪ ،‬لم أشعر ببالغة عبارة‬
‫الكاتب عادل القصاص تلك ‪ -‬وعادل ممن ُف ِتنُوا بتلك املدينة كما‬
‫«الطريق‬
‫يُفتَ ُن العشاق بمعشوقاتهم ‪ -‬حتى طفق الباص‪ ،‬منطلقا ً من مدينة كرن يف منتصف‬
‫الطريق بني تسني وأسمرا‪ ،‬يتلوّى يف أعماق الجبال‪ ،‬صاعدا ً مثل طائرة نفاثة بال‬
‫محركات أو أجنحة مبرشا ً بالعلو والجمال األخرض الذي يخفف من حدة فوبيا‬
‫الصعود األبدي إىل جنة السماء واألرض يف آن‪.‬‬

‫قبل ذلك‪ ،‬ومع حفاوة االستقبال الرسمي والشعبي للقادمني من الحرب‪ ،‬وبسبب‬
‫الشعور بأن اإلقليمني الحدوديني املتجاورين كسال وقاش بركة‪ ،‬هما امتداد‬
‫لبعضهما‪ ،‬من ناحية التضاريس واملناخ واملجتمع واللغات السائدة‪ ،‬لم أملس أنني‬
‫استطعت بالفعل الخروج عرب الحدود رغم الختم الذي طبعه ضابط الجوازات يف‬
‫املعرب األريرتي عىل جواز سفري‪ .‬يقرأ سكان تسني مالمح الهارب من الحرب يف‬
‫وجوه السودانيني فيسألون عن الخرطوم‪ ،‬بأىس وتعاطف صادق‪ ،‬ذلك التعاطف الذي‬
‫يبديه الجار للجار والصديق القديم لصديقه يف النوازل‪ ..‬يسألون والخرطوم بيتهم‬
‫مثلما أيّ مدينة إريرتية‪ :‬من أين أتيت يف السودان؟ متى خرجت من الخرطوم؟ كيف‬
‫تركتها؟ ما الذي يحدث؟ وأكثر من شعور يتبدى يف األسئلة‪ :‬األىس‪ ،‬االرتباك‪ ،‬الحرية‪،‬‬
‫التعاطف النبيل‪ ،‬وأكثر من ذلك معدن املحبة النادر‪ ..‬يقول يل أحدهم‪ :‬ما يحدث يف‬
‫بلدكم صادم بالنسبة لنا‪ ..‬إنها مالذنا اآلمن إذا ما حلت بنا النوازل‪.‬‬

‫قضينا نهارنا األول يف املعرب اإلريرتي يف انتظار الباصات املتوجهة إىل تسني‪ ..‬وقد‬
‫تكفلت السلطات بإيصال السودانيني مجانا ً من الحدود حتى املدينة‪ ..‬وصلنا مع‬
‫الغروب إىل مبنى إدارة إقليم قاش بركة‪ ،‬حيث أُعِ َّد الغداء لركاب الباصات جميعهم‪..‬‬
‫وبات معظم املسافرين يف الفنادق الصغرية الراقية بالقرب من محطة الباصات‬
‫السفرية‪ ..‬يف اليوم التايل فجرا ً اتّ ُ‬
‫جهت إىل مكتب التذاكر ألتعلم ألول مرة – وأنا القادم‬
‫من مرتع الفوىض واألنانية الخرطومية – قيمة االنتظام يف الصفوف بال جلبة‪..‬‬
‫اكتشفت ومن معي من السودانيني أنهم خصصوا لنا صفا ً يسبق صفوف أهل املدينة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فكانت مأثرة من مآثرهم ومكرمة لطيفة عىل قلوبنا املحزونة‪.‬‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪31‬‬
‫يومان إال قليالً قضيتهما سائحا ً يف تسني‪ ،‬مدينة خفيفة الروح‪ ،‬تشبه مالمحها عفوية‬
‫القرى‪ ،‬سوقها هادئ وحميم‪ ،‬والحركة فيها هادئة بغري رتابة‪ ،‬تختلط فيها األجناس‬
‫واللغات وترتادف‪ ،‬والقهوة فيها كأنك ترشبها ألول مرة‪ ،‬ومركز للتجارة الحدودية‬
‫املتبادلة التي ينتفع بها البائع واملشرتي عىل حد سواء‪ .‬ويف الفتات املحالت ترتادف‬
‫اللغات الثالث‪ :‬التقرنجا‪ ،‬اإلنجليزية‪ ،‬والعربية‪ ،‬وعىل قلة السيارات تمتلئ الشوارع‬
‫بالدراجات الهوائية والنساء الجميالت‪.‬‬

‫يف الطريق إىل أسمرا‪ ،‬خارجا ً من كرن‪ ،‬تلوح الفتة تعلو بوابة سور يف شموخ بهي‪،‬‬
‫ومن عىل البعد ستقرأ عىل اليافطة‪« :‬مقابر السودان»‪ .‬أثناء محاولتي التقاط صورة يف‬
‫الذاكرة ملرة أخرى – لم تكن كامريا املوبايل جاهزة للتصوير ‪ -‬قبل أن ينحرف الباص‬
‫ُ‬
‫تذكرت روايات من زاروا من قبل قرب الفنان الخالد محمد‬ ‫صاعدا ً إحدى العقبات‪،‬‬
‫أحمد رسور بإريرتيا‪ ..‬ثم خمنت أن يكون مدفونا ً بني تلك الجبال الشاهقة الخرضاء‪،‬‬
‫ذلك املكان الذي يليق بجسد الفنان‪.‬‬

‫الحقا ً أسأل عادل القصاص عن قرب رسور‪ ،‬فيؤكد يل أن رسور قد دُفن يف أسمرا وليس‬
‫تكفل بتشييده الوزير السوداني خرض حمد‪ ،‬بعد‬ ‫بكرن‪ ،‬يف مقابر شيخ األمني‪ ،‬وله قرب َّ‬
‫تهدم البناء الذي شيده سابقا ً الفنان التجاني السيويف بعامل الزمن‪ ،‬نقالً عن الصحايف‬
‫الجليل والخبري يف شؤون الغناء السوداني معاوية حسن يسن‪ ،‬يف موسوعاته الثالث‬
‫عن الغناء واملوسيقى السودانيني‪ .‬ليت أيامي القليلة يف أسمرا سمحت يل بزيارة قرب‬
‫الفنان املجيد كما سمحت يل من قبل‪ ،‬بزيارة رضيح سيدي الحسن يف حي الختمية‬
‫بكسال‪ ،‬متربكا ً ومتنشقا ً نفحات منافع أولياء الله يف أرضه‪.‬‬

‫أسمرا ضمَّ ت السودانيني الهاربني إىل بالد الله‪ ،‬كما ضمت قرب أحد مؤسيس الفن‬
‫السوداني الحديث محمد أحمد رسور‪ ،‬ومثلما بكته إريرتيا كلها وأقيمت له املآتم يف‬
‫أماكن متعددة يف منتصف األربعينيات بعد حياة أسست ما تركناه من سودان ما قبل‬
‫الحرب؛ فإنها ألقت بمعطف املحبة وحسن الجرية والقرابة الوجدانية‪ ،‬فكان بردا ً‬
‫وسالما ً عىل األجساد التي أُرهقت‪ ،‬واألرواح التي أُزهقت وهي بني الجنبني تُرفرف‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪32‬‬


‫معاوية يسن يقول‪ :‬إن الحقيقة التي ال تقبل الجدال‬
‫هي أن من تكفل بتشييد املقربة هو الوزير السوداني‬
‫خرض حمد‪ ،‬بعد أن ذكر احتمال تهدم البناء الذي‬
‫شيده سابقا ً الفنان التجاني السيويف بعامل الزمن‪.‬‬
‫ويقول السيد خرض يف مذكراته‪« :‬يف ‪ 4‬مايو عام‬
‫‪ 1955‬زرت إرتريا وأردت زيارة قرب رسور وما أن‬
‫أبديت ذلك حتى سمعت عن رسور وطيبته وسماحة‬
‫خلقه وأغانيه التي يرددها الكل‪ ،‬وحني مات بكته‬
‫إريرتيا كلها وأقيمت له املآتم يف أماكن متعددة‪.‬‬
‫ذهبنا إىل املقربة‪ ،‬ولم نهت ِد إىل قربه إىل أن جاء معنا‬
‫السيد هاشم الخبري بمكان القرب‪ ،‬فدلنا عليه‪ ،‬وكاد‬
‫فت السيد صادق محمد وكيل حكومة‬ ‫أن يندثر‪ .‬ك ّل ُ‬
‫السودان ببناء القرب عىل حسابي نيابة عني‪ ،‬ثم‬
‫عدت بعد سنة ولم أجده فعل شيئاً‪ ،‬فاتفقت مع أحد‬ ‫ُ‬
‫اإليطاليني ليقوم بعملية البناء وترك فراغات ثالثة‬
‫لتوضع عليها الرخامات؛ األوىل عليها آلة موسيقية‪،‬‬
‫والثانية اسم املرحوم‪ ،‬والثالثة أشعار بخط يد‬
‫«كرف» وقام بحفرها عبد املاجد «زقل» ثم حملت‬
‫بالطائرة إىل أسمرا»‪.‬‬
‫أبيات كرف املحفورة عىل قرب رسور‪:‬‬
‫َّحت أول ما صدحت مغ ّردا ً‬ ‫سب َ‬
‫باسم الديار وكنت أبرع من شدا‬
‫ولك الروائع من أغانيك التي‬
‫مازال يرسي يف النفوس لها صدى‬
‫يا باعث الفن األصيل تحية‬
‫من شاطئ النيلني يغمرها الندى‬
‫تغىش ثراك وتستهل غمامة‬
‫تهمي وتسقي بالدموع املرقدا‪.‬‬
‫الخط والتوقيع «كرف» وهو الشاعر املعروف محمد‬
‫عبد القادر كرف وقام بحفر هذه الكلمات املرحوم‬
‫محمد عبد املاجد‪.‬‬
‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪33‬‬
‫أسمرا مدينة عميقة‪ ،‬يألف الزائر شوارعها مع أول خطوة‪ ..‬يسكنها التهذيب واللطف‬
‫وصالبة الحداثة االستعمارية‪ ،‬واملشاة فيها أنيقون كأنهم ذاهبون إىل حفل دائم‪،‬‬
‫لنسائها بالغات الجمال والرقة والذوق الرفيع حضور كثيف يف حياة املدينة‪ ،‬يَن ْ ُسجْ َن‬
‫شوارعها وأسواقها بالعمل الدؤوب والتهذيب العفوي‪ .‬وعىل ارتفاع ‪ 2325‬مرتًا فوق‬
‫سطح البحر‪ ،‬يتقلب الطقس بني اإلمطار واإلشماس الخفيف‪ .‬وبني مساجد املدينة‬
‫وكنائسها يغدو شعب كامل ويروح‪ ،‬وتَعمُر املقاهي والحانات واملطاعم بكل طالب‬
‫للحياة‪ ،‬طعامها سائغ يذكرك طعم البهار فيه بلسعة الحياة مع كل لقمة‪ .‬يدبُّ الصحو‬
‫يف املدينة حتى منتصف النهار‪ ،‬ثم تميض يف قيلولتها‪ ،‬لتصحو عىل فتنتها املمزوجة‬
‫بالفرح عرصاً‪ .‬ورغم شح الكهرباء واملاء وصعوبة الوصول إىل خدمة اإلنرتنت‪ ،‬تحافظ‬
‫املدينة عىل نظافتها وزهوها وإرشاق وجوه ساكنيها بالطيبة الصادقة‪.‬‬

‫امتألت فنادق املدينة بالهاربني من حرب السودان األخرية واألبدية‪ ،‬يلتمسون فيها‬
‫املعرب الحميم إىل أصقاع الدنيا‪ :‬األطفال وأمهاتهم وآباؤهم‪ ،‬طالب وخريجون‪،‬‬
‫وموظفون وأصحاب أعمال‪ ،‬يمضون غري آبهني بما حدث أو سيحدث‪ ،‬يطلبون الحياة‬
‫العادية يف جوالتهم بني سفارات العالم وخطوط الطريان واملطارات واملعابر الربية‪،‬‬
‫ألن رجلني مهووسني فاضت شهوتهما للسلطة ولم يعد يحتمل أحدهما البقاء يف كنف‬
‫اآلخر‪ ،‬وهما ينوءان بحملهما من املخازي التي شكلت جربوت كل منهما‪.‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪34‬‬


‫الستالم نسخة (‪ )pdf‬من املجلة أسبوعيا ً الرجاء مراسلتنا مرة واحدة عىل‪:‬‬
‫‪atar@sudanfacts.org‬‬

‫لالنضمام إىل شبكة مراسيل أتَـر يف السودان الرجاء مراسلتنا عىل‪:‬‬


‫‪correspondent@sudanfacts.org‬‬

‫‪@atarnetwork‬‬

‫األأسبوعية‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬الخميس‪ 12 ،‬أ�كتوبر ‪2023‬م‬ ‫]‬ ‫[‪35‬‬

You might also like