Professional Documents
Culture Documents
الحل - القصــدي - للغة في مواجهة الإعتباطية
الحل - القصــدي - للغة في مواجهة الإعتباطية
الحل - القصــدي - للغة في مواجهة الإعتباطية
كتاب في
نقد المباحث االعتباطية لاللفاظ ومنهج البالغة
( ويليه كتاب الرّد على الجرجاني )
1
تأليـــــــــف
عالم سبيط النيلي
1
2 1
3
المقدمة
1
2 8
3
المبحث الثاني :المفرد والمرّك ب في اللفظ ومدلوله
األقسام المعتمدة عندهم للعالقة بين اللفظ ( المفرد والمركب
في مدلوله ) وبين المعنى هي أربعة أقسام ،ألن مدلول كّل لفظ أما
مفرد أو مركب وكالهما أما يدل على معنى أو ال يـدل على معنى
وهذه األقسام هي :
.1مفرٌد داٌّل على معنًى مفرٍد :كلـفظ ِ :فعٌل ،اسم ،كّلمٌة .
.2مفرٌد داٌّل على لفظ آخر مركب هو بدوره داٌّل على معنى مركب
مثل :الخبر ،الكالم ،القول .فالخبر مثل زيد كاتب ـ مرَّك ب من
ألفاظ وهي داّلة على معنى مركب من زيد والكتابة أو فعل الكتابة.
.3مفرٌد داٌّل على لفٍظ مفرٍد آخٍر (واآلخر غير دال على معنى) مثل
حروف المعجم :ألف ،باء ...
.4لفٌظ مفرٌد داٌّل على لفٍظ آخٍر مركب واألخير غير داٍّل كلفظ الهذيان
والهذر ..الخ .
نالحظ في التقسيم عدة مشاكّل وتناقضات :
األّو ل :إن التقسيم لم يكن مطابق ًا للمقّدمات :كّل مدلول إما
مفرد أو مركب من ألفاظ .وهذان هما نوعا اللفظ ,وهذان النوعان
أما يدل على معنى أو ال يدل فاالحتماالت المتكونة للفظ األصلي 6ال
4ومنها المفرد الداّل على مفرد داّل بدوره على معنى ،والمفرد
الداّل على معنى مركب حيث لم يذكرا.
الثاني :إن التقسيم لم يلتزم ظروفًا موّح دة لدراسة الوحدة
1
2 9
3
اللغوية .فلو قال :الفعل – بأل التعريف في النوع األّو ل أسوة
بالنوع الثاني ( الخبر ) لكان لهذا الفعل بالمعنى معنًى مركبًا – ألن
الفعل الحقيقي هو ما ال يعبر عنه إال بجملة مركبة أو عدة جمل .و
من جهة أخرى لو قال ( خبر ) بغير أل التعريف في النوع الثاني
لكان المفهوم هو من النوع األّو ل – أي الخبر في النحو ومن غير
ذلك كّله يمكنك نقل المفاهيم من المفرد الى المركب في األمثال
المضروبة – فلفظة ( كلمة ) مثًال قد تعني خطبة طويلًة أو قصيرًة ال
مفردة وهكذا .
إذن تبرز نفس المشكلة المراد وضع حلول لها خالل محاولة
( اعتباطية ) الحّل .إذ يستحيل التخّلص من
التأسيس لمبادئ لغوية تعتقد سلف ًا أنها لغة اعتباطية !! و هذا امٌر
منطقٌي واضٌح تجاهلوه .وهذه المناقضة المذهلة وقع فيها جميع
علماء اللغة في الغرب والشرق بال استثناء ،ولكنهم استمروا في
تأسيس مبادئ اعتباطية بل أقّر سوسير بما سماه بـ ( المبدأ
االعتباطي ) .وقد أشرُت في كتاب ( اللغة الموحدة ) الى التناقض
في نفس العبارة بين مفردتي ( مبدأ – واعتباطي ) حيث ال يمكن
وصف االعتباط بالمبدئية أو المبدأ باالعتباط .
الثالث :هناك مشاكل أخرى :فمثًال إن النوع الرابع ( الهذيان )
هو لفظ يدّل ضمنًا على وجود ألفاظ أخرى – قالوا ال يدل على معنى
.و هذا غير صحيح ألن الذي ال يدّل على معنى – إذا سلمنا أن
1
2 10
3
الهذيان خال تمام ًا من كّل معنى– هو الجمل والتراكيب ال الوحدات
المركبة منها وهي موضوع البحث!
وفي النوع الثالث ال تجد اللفظ الثاني في حروف المعجم إّال
أن يكون المقصود :أ – ب – ج من النظام الكتابي الى نظام صوتي
بنطق التسمية هكذا ألف – باء ،جيم .و هذا بالطبع خالف المنهجية
في البحث وال قيمة له بهذا المعنى .
إذن فالتقسيم متناقض في داخله وال يؤدي الى نتائج علمية .
ومعلوم أننا أظهرنا القيمة الفعلية للوحدات الصوتية وليس
للمفردات ( األلفاظ ) فقط في كتاب ( اللغة الموحدة ) وبالتالي فال
قيمة لهذا التقسيم في منهجنا .ومع أني أعتمد في هذه األبحاث على
خالصٍة لـ( لكمال الدين ميثم بن علي البحراني ) – ت سنة 679هـ
– في مقِّدمته لشرح نهج البالغة ،إّال أن المسائل المذكورة وحلولها
االعتباطية ال تختلف بشيء جوهرٍّي عن أّية أبحاٍث لغويٍة حديثٍة
قائمٍة على مبدأ االعتباطية في الغرب فيما يخص العالقُة بين الدال
والمدلول .
و قد ذكر سوسير أن االعتقاد بأّن األلفاظ ال قيمة ذاتية لها هو
أمر ال يختلف حوله إثنان ،وأما األصوات فإّن االعتقاد بوجود قيمة
لها هو ضرب من الخيال وشيء ال يخطر على بال .وهو بهذا ال
يختلف عن( ميثـم ) بشيء في نظرته لألصوات إذ اعتبرها غير دالٍة
على شيء ،وكذلك األلفاظ ال تدل على المعاني إّال بعد التركيب كما
1
2 11
3
سيأتيك .
1
2 12
3
المبحث الثالث :الدالالت المختلفة للفظ
هذا العنوان من وضعنا لنجمع فيه عدة أبحاث لعلماء االعتباط
كّلها تدور في فلك واحد ،ومن الواضح أن منشأه المترادفات أيضًا ،
ولكنهم كثير ًا ما كان يعجبهم تفريع أبحاث عديدة ألصٍل واحٍد
ومشكلٍة واحدٍة .فالمشكلة نفسها ال تحسم بحل منطقي ـ أما
التفرعات فيحاولون إيجاد حلول لها !! .
ومن تلك المشاكل الفرعية أن اللفظ قد يعطي دالالت مختلفة فما
هي الداللة الحقيقية له من بين تلك الدالالت .مثًال ( الصالة ) في
قوله تعالى :
إن الله ومالئكته يصّلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صّلوا
( األحزاب ) 56 عليه وسّلموا تسليما /
فالصالة من الله ( رحمة ) ومن المالئكة ومن الناس ( استغفار
) .وكقوله تعالى :
ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في األرض
(الحج ) 18 والشمس والقمر والنجوم /
فالسجود من المالئكة ( خشوع ) ومن الناس وأمثالهم هو
المتصور من وضع الجبهة على األرض ومن الجمادات هو قسّر ية
الحركة واحتياجها الى الصانع .
وهذا األصل دخل أبحاثا فرعية مختلفة ـ مثل اللفظ المشترك هل
يستعمل في معانيه على الجمع أم ال ؟ أجاز ذلك الباقالني والجبائي
1
2 13
3
والقاضي عبد الجبار والشافعي ومنع منه أبو هاشم وأبو الحسن
البصري والكرخي وغيرهم .
المالحظ أن المدخل الى المبحث متناقض منذ البدء في المسألة
شأنه شأن جميع تفرعات ( علم اللغة ) االعتباطي .وقد أوضحت
المسألة في كتاب اللغة الموحدة لغرض آخر ـ وأشرت في الختام الى
أن نتائجه ستلغي جميع تفرعات المسائل االعتباطية .
فأصل البحث هو عن مدلوالت ( أو مدلول ) اللفظ ـ ومن ثم
التراكيب مجتمعة من ألفاظ وليس اشتراك األلفاظ في المدلول .
ولكننا نالحظهم وكما فعل علماء اللغة في الغرب منذ سوسير
يعتبرون األلفاظ األخرى ـ والتي هي مدلوالت المفردة األولى من
معاني اللفظ األّو ل .بمعنًى آخر :أنت تبحث عن معاني األلفاظ
ومدلوالتها فاللفظ رقم ( ) 1مثًال تعطيه ثالثة مدلوالت .ولكن هذه
المدلوالت استعملت إلظهارها ثالثة ألفاظ أخرى ،وهذه األلفاظ هي
جزء من أبحاثك يفترض أّنك تبحث عن مدلوالتها أيضًا فهذا العمل ال
يقوم به شخص عاقل مطلق ًا ألنه إذا كان يؤمن بـ ( المترادفات ) ـ
فليؤمن ولكن يتوجب عليه أن يكون منطقيًا فيبحث في المرادفات
نفسها وال يبحث عن الداللة األصلية أو الفعلية لكّل لفظ مادام يبدأ
فور ًا من األمثلة بتخريِب وتدمير تلك الداللة المبحوث عنها ؟!
في المثال السابق وجميع األمثلة عدة مشاكّل منهجية :
.1الصالة من الله ( رحمة ) :هو معنى للصالة صيغ بلفظ جديد
1
2 14
3
هو ( رحمة ) ـ وهو لفظ يحتاج هو اآلخر الى داللة وبحث كما أشرت
.فالبحث ال يفسر ( لغًة إعتباطيًة ) وحسب وإنما اسلوب البحث
نفسه اعتباطي الشكل والمضمون .
.2إن هذا التحديد تدمير ( لنظام المترادفات ) حتى حينما يؤمن
المرء بها ـ إذ المفروض وجود حدود معينة للمترادفات فتحديد
الصالة من الله على أنها رحمة هو منتهى التعسف بحق
( المترادفات ) التي هي في األصل تعسف بحق اللغة .وهذا يعني أن
مباحث األلفاظ ال تقوم اال بالمزيد من التخريب أو التدمير للنظام
اللغوي .
يمكن للمرء أن يقول :إن الصالة من الله هي ( لطف ) ،أو
( مودة ) أو ( تأييد ) أو ( عناية ) أو ( ذكر ) ـ كما قال
اذكروني أذكركم أو أّية ألفاظ أخرى ذات صلة بالموضوع وما
أكثرها .فالتحديد بكونها رحمة هو هتك لمجموعة األلفاظ المشتركة
في نفس موضوع ( اللفظ المشترك ) وفتح المحدود للمترادفات .
وإذا كان النص القرآني أو أي نص آخر ـ هو الغاية والوسيلة
في آٍن واحٍد لهذا البحث ـ فإّن عملية التخريب لنفس النص قد بدأت
منذ أن ابتدأ البحث .فعلى سبيل المثال نالحظ غير َّيًة بين الصالة
والرحمة في استعمال ( مرَّك ب ) واحد من النص القرآني مثل :
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ( / البقرة .) 157وهو دليٌل
أكيٌد على أن الصالة شيٌء مختلٌف عن الرحمِة .
1
2 15
3
وكذلك األمر في معناها أي الصالة ـ من المالئكة ومن الناس .
إذن فالباحث بدأ بتخريب ( النصوص ) كّلها منذ بداية البحث .
.3دخل هذا المبحث الى الفقه التشريعي أيضًا :فاختلفوا في
( مبحث األوامر) حول القصدية في األمر :أقيموا الصالة مثًال ـ
هل المقصود تلك العبادة الخاصة التي تتضمن حركات وقراءة معينة
أم المعنى األعم المرتبط بالصلة ؟
ومن جراء ذلك كانت النتيجة هي ( عدم وجود ) فقٍه إسالمٍّي
مصدُر ه الكتاب بشكٍّل فعلٍّي ـ وما يقال من أّن الكتاب هو أحد
مصادرهم في التشريع فهو مجّر د إدعاٍء ـ ففي أوضح آيات التقسيم
في اإلرث مثًال ال يمكن الركون الى شيٍء معتمد وحاسٍم لفهم آيات
التشريع بصورة دقيقة كما حّددتها (السَّنة) ـ والتي ظنوا أن
( نصوصها ) قطعية الداللة غير قطعية الصدور ـ بعكس الكتاب الذي
هو قطعٌّي الصدور غير قطعّي الداللة وهذا مجّر د احتيال على
الموضوع .إذ أن النص النبوي هو نص بكّل ما يتضمنه معنى النص
من إحكام وقد أكد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على أنه
أوتي جوامع الكلم ـ وإن في كالمه شبه ًا من كالم الله ،من حيث أفاد
نص آخر لإلمام علي ( ) أن كالمهم ( يفسر بعضه بعضًا ) ـ وهذا
يعني وجود نظام لفظي في كالمهم كما هو الحال في القرآن مع
اختالف جوهري ذكرناه سابق ًا .
وكان من المفترض أن يؤّدي ذلك الى ( بحث لغوي ) قائم على
1
2 16
3
أسٍس علميٍة ومنطقيٍة ،لكن ذلك لم يحدث ـ واعترف شّر اح نهج
البالغة ـ مثلما اعترف مفسروا القرآن بعجزهم عن الفصل في
المشترك المعنوي أو اللفظي من قبيل قول اإلمام علي ( ) في
خلق الكون :
( أنشأ الخلق إنشاء ًا وابتدأه ابتداء ًا ..الخ )
قال أحد الشّر اح ميثم بن علي البحراني /شرح النهج /ج / 1
الشارح غياب التفريق (مشكلة ) ـ بخاصة إذا أردنا صون كالمه (
) عن التكرار !! وهذه نتيجة ال مفّر منها ومحتومٌة العتباطية اللغة
واإليمان بالمترادفات .
ولو أردنا استعمال معاني األصوات وقصدية اللغة في كتاب
( اللغة الموّح دة ) وإخضاع هذه الفقرة فقط لها ـ فسنكون بإزاِء
نظريٍة متكاملٍة عن خلق العالم ال عالقة لها بكّل ما ذكرته
الميتافيزيقيا من أطروحاٍت ـ مع التأكيد على ترتيب ونسق األلفاظ
في هذه الجملة .
وقد أدى ذلك الى حالة ( ملٍل وسأٍم ) واضٍح لتفسير التراكيب
القرآنية والنصَّية األخرى والتي ( ظهرت لهم ) على صورة مكررات
وكانت واضحًة وصريحًة جد ًا في التفاسير التي أحالت تفسير بعضها
على بعٍض سابٍق رغم االختالف في النسق ـ والذي زعموا أنه يغِّير
1
2 17
3
المعنى الك ّلي للجملة ومع ذلك فلم يلتزموا بما ألزموا أنفسهم به من
دراسة األنساق .
وحاول أحد شراح النهج في العصر الحديث تجاوز هذا السأم
الذي وقع فيه جميع شراح النهج قبله وهم علماء سنة ومعتزلة
وشيعة مختلفون ،ولكنه اعترف في النهاية وبخاصة في ما يتعلق
بوصف الدنيا واآلخرة قائًال ( حتى مللت ) أو عبارة أشبه بذلك .
علم ًا أن ( انساق ) هذه المكررات مختلفة اختالفًا شديد ًا .
وعلى ذلك فإّن ( المباحث ) الخاصة باأللفاظ لم تؤدي الى أّية
نتائٍج علميٍة لها قيمة تذكر على الصعيد العملي في أّي نشاط فكري .
.4إذا أخذنا مثال السجود – نالحظ عالوة على اآلية اآلنفة –
السجود آلدم في آية ( – ) 1و سجود الظالل في آية ( – ) 2و
غير ذلك كما في آية ( ) 3و ( ) 4وتكون الحصيلة أن السجود كلفظ
يحل محل ألفاظ أخرى على محوراأللفاظ أو ( المعاني ) التي هي
ألفاظ على الشكل اآلتي :
إذعان انكباب
سجود
خشوع احترام حركة
فاللفظ ( سجود ) :يقفز كّل مرة ليحّل محّل ( لفظ ) آخر ـ ك ّلما
تغير الفاعل وموضوعه المكتوب أسفل المحور .
فهو من الجمادات إذعان ومن اإلنسان الوضع الخاص المعروف
1
2 18
3
ومن المالئكة خشوع ..الخ .
هذه العملية هي عبارة عن ( تقريب للمعاني ) ويقوم بها أدنى
الناس معرفة باألشياء واللغة وهي في النهاية ليست سوى ( جعل )
األلفاظ األخرى تدل على معاني ( ذهنية ) للفظ ( سجود ) ال غير ـ
ودخولها بصورتها البدائية الساذجة في متون الشروح المتعلقة
بداللة اللفظ ـ ال يعني شيئا سوى أن علماء اللغة يرغبون في
تأسيس مبادئ ثابتة لهذه اإلعتباطية والفهم البدائي لأللفاظ والذي
يّتسم بالالمنطقية والسذاجة .
مثل هذا الرسم وضعته في كتاب اللغة الموّح دة وأمكن التخّلص
من هذه المشكلة بالكشف عن معاني األصوات ،فالتعاقب ( س ـ ج ـ
د ) له حركة عامة ويمتلك قيمة أصلية ال تتغير ،وهو ما كان ولن
يكون بحركة التعاقبات األخرى مثل ( خ ـ ش ـ ع ) أو (ا – ن – ك –
ب ) … الخ ..
وتؤدي الذوات المختلفة هذه الحركة كّل بحسب طبيعتها
وقدراتها وهذه الحركة مطلقة فال يمكن أداء ( سجود ) بمعناه
المطلق اال من المجموعة كّلها أي الموجودات بأسرها ـ فهي في
حالة سجود فعلي مطلق دائم ًا كمجموع ويمكن للذات ـ حال كونها
مختارة وحرة أن تسجد بالصورة المرضية فليس هناك حدود للحركة
في التعاقبات اال حدود نفس التعاقب من حيث أن حركته األصلية
محددة بوجوده وهذا شيء عام ينطبق على كّل تعاقب ذكرت منه
1
2 19
3
مئات األمثلة في كتاب ( اللغة الموّح دة ) .
وبدًال من أن نجعل لكّل ( لفظ ) ألفاظ ًا أخرى للداللة على معناه ـ
يتوجب بدًال من ذلك دراسة حركة كّل لفظ لمعرفة المزيد من نفس
الحركة فهذا يؤدي الى معرفة صحيحة للغة واألشياء ويجنبنا العبث
بالنظام اللغوي ويقضي على مشاكله جميع ًا .
وبالطبع يحتاج هذا األمر الى معرفة أولية بقيمة األصوات ومن
ثم التعاقبات وقد تـّم ذلك ـ وبموجبه يمكن تمييز النظام اللغوي
المطلق من الكالم عن غيره من الكالم وقد تـّم اكتشاف أن القرآن هو
كذلك فكان ( المنهج اللفظي ) مقدمة أّو لية في محاولة الدخول الى
ذلك النظام .
.5إذن يمكن القول أن البحث اللفظي ( الكالسيكي ) المتعلق
باستعمال اللفظ على الجمع هل يجوز أو ال يجوز هو مبحث ساقط
عن االعتبار ومثاله قوله ( يصّلون ) هل المقصود مجموع صالة
هؤالء لكّل ذات منهم وكّل نوع أو غير ذلك ؟ فقول المجِّو زين مثًال :
أن ضمير الجمع في الفعل ( يصّلون ) بمنزلة الضمائر المتعددة
المقتضية ألفعال متعّددة – هو محاولة لتبرير المرادفات على
المحور وهو شيء ال يمكن لهم تحقيقه .أما الذين منعوا من ذلك
فليس هو بسبب ( قصدية اللغة ) – وإنما هو محاولة للجمع بين
االعتباط و القصدية في آٍن واحٍد – وهو عين ما يفعله دي سوسير
في علم اللغة العام .
1
2 20
3
قال ميثم ( :وإن أريد أنه يجوز استعمال اللفظ على الجميع
كيفما اتفق فهو يصُّح مع داللتها على األفراد فرد ًا فرد ًا تضمنًا ) .
وهذا التضمن القصدي هو نفس ما سّم اه سوسير ( اإلشارة
المحفزة ) داخل التركيب والموجودة ( ضمنًا ) في النظام الالقصدي
أواالعتباطي ومعلوم أن هذا هو الهراء بعينه .
وبالنسبة للتنظير اللغوي في الشرق اإلسالمي فهو مخالف
لألسس المنطقية في خصائص الجزء والكّل .فالكّل هنا اعتباطي
كيفما اتفق والجزء قصدي وهو مقلوب المبدأ المنطقي مرتين ال مرة
واحدة.
الصورة النهائية للحل القصدي تتوضح بالرسم اآلتي المختلف
في االتجاه فقط عن الرسم في كتاب اللغة الموحدة ،وهو رسٌم
لوحدٍة لغويٍة واحدٍة مثل ( َسَج َد ) لمجرد التوضيح :
سجد سجد سجد
سجد
جد
سسج د
1
2 21
3
المبحث الرابع
التخصيص واإلجمال
1
2 25
3
المبحث الخامس
وقت ظهور داللة المفردة
احتال دي سوسر إلبراز وقت ظهور داللة المفردة بطريقٍة تـّم
تفنيدها في كتاب اللغة الموّح دة ،وهي ال تختلف مطلق ًا عن ظهورها
عند قدامى المسلمين فالمعنى يظهر بعد اإلطالق أي إطالق المفردة
على الشيء وليس قبله .ومثلما أشكل سوسير على ذلك بأّن عكسه
يستلزم وجود األسماء قبل المسَّم يات ،فقد صاغ العبارات بصورٍة
غامضٍة لتّم رير القصدية من خالل الالقصدية ،ألنه وجد إشكاًال في
ذلك فأقَّر باألمرين مع ًا في موضعين مختلفين .
أما ميثم البحراني ( ت ـ 679هـ ) فكان واضح ًا في تأسيس
مبدأ اإلعتباطيِة على هذا اإلشكال والذي هو غير منطقي متابع ًا
الرازي والجرجاني .وإنطباع اإلشارِة في الذهن عند سوسير يسم َّيه
ميثم ( ارتسام ) ومثل هذا اإلشكال في األسبقية عند أهل المشرق
يسّم ى في االصطالح ( الدور ) وبقية المفاهيم هي نفسها بل هناك
تشابه في األلفاظ المستعملِة لكّل منهما بهذا المعنى .وميثم
البحراني هو أحد شراح اإلعتباطية ،أّم ا المؤسس الفعلي فهو عبد
القاهرالجرجاني .
ولما كنت قد أوضحت ذلك بالنسبة لسوسير فاكتفي بإيراد نص
ميثم الذي يقول :
( ليس الغرض األّو ل من وضع األلفاظ المفردة إفادتها لمسمياتها
1
2 26
3
المفردة ) وبذلك يلغي ميثم وجود القصدية األّو لى للتعاقب الصوتي
من خالل التعبير عن هذه القصدية بـ ( المفردة ) لأللفاظ المفردة .
ثم شرح ذلك موضح ًا إشكال األسبقية فقال:
( بيان ذلك يستلزم أن إفادتها لها موقوفٌة على العلم بكونها
موضوعة لها وهذا يستلزم العلم بها قبل الوضع ) .والضمير في
( بها ) األخير راجع بالطبع الى األلفاظ ال المسميات ( األشياء )
والتي يسّم يها سوسر أحيانا ( األفكار ) .ومعنى العبارة أن الواضع
لو كان يضع اللفظ خصيصًا للمعنى أو الفكرة لكان ذلك يعني أنه
يدرك معنى محدد ًا لكّل لفظ فهذه هي قصد َّية اللفظ ـ وهي شيء
رفضوه رفضًا قاطع ًا .وهنا قال ميثم ( :فلو توقفت إفادتها ـ أي
تلك األفكار ـ على الوضع لزم الدور )
ولكن ميثم تجاهل أمر ًا آخر ًا هو أن االستمرار باالعتقاد أنه ال
يوجد زمان تّم فيه الوضع هو اآلخر دور .وهذا األمر اقّر ه سوسير
واعترف به ولكنه اعترف لغايٍة خاصٍة وهو إدخال ( الالاعتباط )
داخل االعتباط بطريقٍة ماكرة .
والحقيقُة هي أنه ال يوجد هنا دوٌر إذا افترضنا أن الواضع األّو ل
يعلم جيد ًا الرموز الحركية والقيمة الفعلية لألصوات .وحينما أطلق
تعاقبات معينة حتى لو كانت بعدٍد محدوٍد على األشياء فقد أدخل
اإلشارة الى األذهان ضمنًا وحدث بعد ذلك االشتقاق المتنّو ع وتكّو نت
اللغات بالطريقة التي أوضح ُتها في كتاب ( اللغة الموّح دة ) والتي
1
2 27
3
مرجعها الى المترادفات فتّم تشكيل تكويناٍت لغويٍة مستقلة تدريجيًا
ألهداف أوضحتها وميول ذكرتها في ذلك الكتاب ،ولها جميع ًا بقايا
ظاهرٌة وواضحٌة في كّل أّم ٍة حيث ُتستعمُل ألفاٌظ عدٌة في نفس اللغة
الواحدِة لمعنًى واحٍد حسب المناطق ،فلم يستفْد سوسير من هذه
الظاهرِة لفهم طريقة نشوء اللغات وتجاهل هذا النشوء تماما .وإنما
استعمل الظاهرة كدليل على اإلعتباطيِة .وقد أوضحت أن هذا هو
تغافٌل شديٌد ـ ألن اإلشكال األّو ل واألخير هو صياغة داللة اللفظ عن
طريق ألفاٍظ أخرى تحتاج هي بدورها الى إيضاٍح لداللتها المتعّددة .
وقد أعلن ميثم أن الداللة تظهر متأخرة بعد اإلطالق وهو ما
زعمه سوسير فيما بعد .قال ميثم :
( بل الغرض األّو ل منها ـ أي األلفاظ ـ تمكن اإلنسان من تفّه م ما
يتركب من تلك المسميات بواسطة تركيب تلك األلفاظ المفردة) .
وفي هذا النص إشكال منطقي تخّلص منه سوسير بتجاهله
وباستعمال أساليب ملتوية وهو :إن اإلنسان ال يمكنه التفهم مما
يتركب من المسميات ما لم يدرك سلف ًا لما هي موضوعة له من
المعاني المفردة .
أما ميثم ـ فقد ترك هذا االعتراض الجوهري ليصوغه بطريقٍة
تخص المركبات الك ّلية ـ ليتجاوز مشكلة العالقة بين الدال والمدلول
فاعترض على نفسه قائًال :
( ال يقال :ما ذكرتموه قائٌم بعينه في المركبات إذ المركب ال
1
2 28
3
يفيد مدلوله إال عند العلم بكون األلفاظ موضوعه لتلك المعاني ) .
( ال نسّلم بذلك ـ فمتى علمنا وضع كّل واحد من تلك األلفاظ المفردة
لكّل واحد من تلك المعاني المفردة فإذا توالت األلفاظ المفردة
بحركاتها المخصوصة على السمع ارتسمت المعاني المفردة في
الذهن مستلزمة للعلم بنسبة بعضها الى بعض ) .
إذن فالقيمة األصلية للمفردة غير موجودة وإنما تظهر من خالل
نسبة األلفاظ بعضها الى بعض أي خالل الجملة .
واإلشكال األخير على هذا النص هو إذا كان األمر كذلك فال يوجد
شيء اسمه ( الهذيان ) وهو القسم الرابع من أقسام اللفظ والذي
مركباته ال تعني شيئًا ،إذ أن النسبية يفترض أن تعمل دائم ًا فتعطي
األلفاظ مدلوالت كيفما اتفق الكالم وهو أمٌر ال يقُّر ُه علماُء اللغة
جميع ًا ـ ولكنه استنتاج حتمي ـ وسوف نالحظه واضح ًا في بالغة
الجرجاني حيث أصبح الهذيان ـ عمليًا عنده من احسن البالغات !! .
وفي الحّل القصدي يتـّم نسف هذا المبحث من جذوره إذ يتناقض
المفهوم البسيط والبدائي عن المترادفات وهو وجود حدود معينة
لأللفاظ المترادفة حتى وفق النظرة اإلعتباطية العامة فال يمكن أن
يقفز لفظ ( بحر ) ليكون أحيانا بمعنى ( تفاح ) .وهذه الحدود وفق
نفس المبدأ االعتباطي تقوم بإلغاء أصول هذا المبحث ( أي أن هذه
الحدود المعترف بها حتم ًا في اإلعتباطية تستلزم وجود قصدية أولى
) .فكيف إذا تسّنى لنا معرفة القيمة الفعلية لألصوات وبالتالي
1
2 29
3
القيمة الحركية لكّل لفظ على حدة ؟.
1
2 30
3
المبحث السادس
المجــاز والحقيقــة
عّر فوا المجاز والحقيقة بعّدة تعاريٍف ولكنها تؤدي الى نتيجٍة
واحدٍة .واألكثرية على أن المجاز هو ( :إذا عدل باللفظ عن وضعه
اللغوي ُو ِص َف بأّنُه مجاٌز ِم ن جازه إذا تعّداه بمعنى أن الذهن إذا
انتقل باللفظ الى معنًى غيِر معناه الذي وضع له فهو مجاز ) .أّم ا
الحقيقة فقالوا ( :كّل كلمة ُأفيد بها ما وضعت له في أصل االصطالح
الذي وقع التخاطب به ) .
واضٌح أّن ميثم ـ وهذه هي عبارته ـ حذٌر جد ًا في تعريف الحقيقة
،ألنه أدرك أن تعريف المجاز مناقض لفكرة االعتباطية حينما حّدد
أن لكّل لفظ معنى ُو ضع له وإذن فال اعتباطية .وأراد التخلص من
ذلك عند تعريف الحقيقة فجعلها تظهر خالل التخاطب تخلصًا من
اإلقرار بوجود قيمٍة مستقلٍة لكّل لفظ .وهذا هو عين ما حاول
اللغويون في الغرب إبرازه من بعده بل هو جوهر ما قامت وتقوم به
البنيوية الحديثة والتفكيكية األخيرة .ولكن هنا مشكلة أخرى هي أن
تغّير الداللة خالل التراكيب المختلفة كانت هي الظاهرة التي أثبتوا
من خاللها مبدأ ظهور الداللة بعد االستعمال – وهي بالتالي داللة
متغيرة حسب التراكيب – وهو أيضًا مبحث اقّر وه ( تعدد المعاني
للمفردة ) – فكيف يمكن بعد ذلك معرفة أٍّي من تلكم الدالالت هو
المقصود في عبارته ( أصل االصطالح الذي وقع به التخاطب ) ؟ .
1
2 31
3
إذن فالتعريف يناقُض المبادئ الموضوعِة قبل المباشرة بالتطبيق
الفعلي .
وقد رضي علماء اللغة بهذه الحال – ألّنهم ظنوا أن ما أكثر
الناُس من استعماله كمعنًى للفظ هو ذلك االصطالح األصلي وهو
خطأ شنيع .
وأقول أيضًا :إن ميثم قد احتاط بصورٍة مشددٍة في انتقاء
العبارات وهو يدرك جيد ًا أن المؤسسين لهذه األفكار أعني
الجرجاني والرازي وغيرهم قد ظهرت لديهم التناقضاُت بصورٍة
مكشوفٍة وميثم هو أكثرهم رغبًة في إحكام القضية وإن كان اقَّلهم
شهرًة في المشرق والمغرب .
ومعلوم أن التأكيد على أن األصل هو اصطالح واالعتراف بهذا
( الحقيقة ) بما هي حقيقة األمر يناقض من جهٍة أخرى تعريف
في علم الكالم العام .ألن االستعمال االصطالحي عرضة للتغّير زيادة
على كونه متعّدد بنفسه – ال ُيعلم ما هو ( حقيقة ) على التعريف وما
هو ( مجاز ) وإذن فنحن بازاء حقيقة متغيرة دوم ًا – وهو األمر
الذي اقّر ه دي سوسير في علم اللغة وأجاب على تناقضاته بطريقٍة
تثير العجب حيث زعم أن التغير نفسه اعتباطي ولكن نظام اللغة
يعيد توازنه ك ّلما حدث التغير وقد سألنا عند ذلك :ما فائدة علم اللغة
إذا كانت اللغة تقوم تلقائيًا بتعديل الوضع وإعادة التوازن ؟ .كما
سألنا أسئلة عدة عن ( العالقة بين التغير االعتباطي والتوازن
1
2 32
3
االنتظامي ) بما يؤد ّي الغرض الهاّم وهو أن هذه األفكار ال تمت الى
العلم بصلة تذكر .
وفي الحّل القصدي ال توجد مشكلة من هذا النوع ألنه
ببساطة ال يوجد مجاز وحقيقة – مثلما ال يوجد تعّدد لمدلول اللفظ
ومثلما ال يوجد خلط فاضٌخ بين مدلول كّل لفظ والدوال األخرى من
األلفاظ .
المبحث السابع
أقســـام المجــــاز
القسم األّو ل من المجاز :وقوعه في اللفظ المفرد .
مثل لفظ األسد إذا أطلق على الشجاع .ولفظ الحمار على
البليد .1
وفي هذا مشاكل أخرى غير ما ذكر سابق ًا ـ فالمشاكل السابقة
الزالت قائمة أما المشكلة الجديدة فهي أن التراكيب المذكورة هي
( مقوالت ) مستعملة قد تصّح وقد ال تصّح ـ فاالستعمال حتى لو كان
كثير ًا فال عالقة له بصحة االستعمال وخطأه على نفس الفهم
االعتباطي ـ إذ المفروض أن الغاية هي معرفة ما يصّح وما ال يصّح
من الكالم ـ واألبحاث تبدأ بدالالت األلفاظ أوًال وخالل ما هي تبحث
عن الداللة تستعمل النص العام والعادي جد ًا في حين أن اقّل ما
ُيفترض أن تفعله هو أخذ نصوٍص مختارٍة ممن يُـقّدر ولو إجماال أنه
1 انظر البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن للزملكاني /المجاز والمثل نفسه ُيكّر ُر في المباحث اإلعتباطية في جميع أو اكثر المؤلفات . 1
2
3
4 33
5
يتحدث بلغٍة صحيحٍة .فيمكن للمرء أن يقول أن االسم االصطالحي
نفسه متغّيٌر وإنه كان يوما ما غير األسد مثل الليث أو الضيغم أو
غير ذلك ،مثلما يمكن القول أن هذا اإلطالق نفسه ( األسد على
الشجاع ) ال يصّح .كذلك يمكن القول أن إطالق الحمار على البليد ال
يصّح .ومن جهة أخرى فإن المدلوالت لم يتم استعراضها لمعرفة ما
هو األصل في االصطالح وتجد نفسك فور ًا أمام مدلوالت فرغوا من
تصّو ر معانيها األصلية ! .وهذه العملية بمجموعها ال تمت الى العلم
بصلٍة .
ففي النص القرآني نالحظ أنه تجنب إطالق لفظ الحمار على
اإلنسان البليد .لماذا ؟ ألنه إذا كان المجاز هو تجاوز ( الحقيقة )
والحقيقة هي الصحيح فالمجاز إذن خطأ .وهي مسالٌة هامٌة في
المنطق أهملوها رغم كثرة ما تفاخروا بدقة منطقهم.
وعلم اللغة ُيفترض أن يبحَث عما هو صحيح ويمّيزه عما هو
خطأ في االستعمال فالتعريف إذن للمجاز والحقيقة يحمل ضمنًا
إقرار ًا بجواز االستعمال الخاطئ ،والتشابه بين المقوالت ال يحل
اإلشكال.
استعمل القرآن معادلًة مختلفًة لهذا اإلطالق ،وذلك بالقيام بأربع
عمليات لتبرير إطالق لفظ الحمار على اإلنسان إذا اعتبرنا أن ما
فعله نوعًا من اإلطالق مع أنه ليس كذلك كما سترى .وذلك في اآلية
الكريمة :
1
2 34
3
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل
أسفارا آية / 5الجمعة .
وهذه العمليات هي :
األولى :أنه قام بتسمية فعٍل كائٍن وهو فعٌل محّدٌد من أفعال
اإلنسان كما قام
بتسمية فعٍل من أفعال الحمار هو حم ُله األسفاِر .
الثانية :أنه جعل لهذا الفعل مثًال مثل الذين ُح ِم لوا التوراة ثم
لم يحملوها .
الثالثة :أنه جعل لفعل الحمار مثًال .. .كمثل الحمار يحمل
أسفارا .
الرابعة :أنه عقد التشابه بين مثلي الفعلين ال بين الفعلين وال
بين الكائنين .
[ مثل ] الذين [ حِّم لوا ] التوراة [ ك ] [ مثل ] الحمار[ يحمل ]
أسفار ًا
وكّل ما فعله هو عقد التشابه وليس اإلطالق المباشر .فابتعد
بذلك عن إطالق لفظ الحمار على اإلنسان بخمس خطوات كمجموع .
وكذلك فعل حينما أراد عقد الشبه بين فعل إنساٍن معيٍن وفعل
الكلب ،ولكنه هنا ابتعد ظاهريًا ثالث خطوات بيد أنه أحاط
الخطوتين ( وهما تّم ثيل فعِل كّل منهما بم َثٍْل ) بالفعل نفسه ولم يذكر
أنه م َثل للفعل فاكتفى بعقد الشبه بين مثليهما ـ ولكن العدد يبقى
1
2 35
3
نفسه .
إذا الحظنا بداية اآلية حيث أمر الرسول أن يتلو نبأه ( وفعله
جزء منه ) ثم قام بعقد الشبه بين المثلين :
واتُل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان
فكان من الغاوين .ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى األرض
واّتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث
األعراف . 176
فالشبـه ـ إذا تركنا أّية محاولة للتدخل ـ بعيد بثالثة مراحل ألنه
تشبيه ال إطالق هذا أوًال .وثانيًا هو تشبيه بين مثلي كّل منهما ـ
فلكّل واحد منهما مثْل والشبه هو بين المثلين ونحن بالطبع ال نعلم
المثلين .
وفي آيات أخرى كان السياق يبدأ بقوله واضرب لهم مثًال ..
ثم يذكر المثل ويفترض أن يقوم الرسول ( صلى الله عليه وآله
وسلم ) لو سألوه بأخبارهم بالمثل المجهول لفهم أدق وأصّح
للتشبيه ولكن يبدو انهم فهموا أن هذا هو المثل واستمر العلماء
يذكرون أمثال القرآن ـ في حين أن األمثال نفسها ظّلت خافية في كّل
سياق تّم فيه التشبيه بين الشيء ومثله أو بين المثلين .بينما كان
التشبيه مباشر ًا في آيات أخرى .
وعلى ذلك يظهر جليًا أن إطالق لفظ على معنى لفظ آخر للداللة
1
2 36
3
عليه أو نقله من أصله لمعنى آخر لم يحدث في القرآن مطلق ًا .
وقد عالجنا بعض المجازات والكنايات واالستعارات األخرى في
كتاب "النظام القرآني" وتّم توضيح ذلك .
إذن فقد استعمل القرآن التشبيهات ولم يستعمل المجازات .
1
2 43
3
المبحث الثامن
أصنــــاف المجـــــاز
حِّددت أصناف المجاز بصورٍة نهائية على يد فخر الدين الرازي
( الملقب عندهم باإلمام ) باثني عشر صنف ًا .ويمكننا أن نالحظ أن
اإلشكاالت السابقة تجتمع أو تفترق في جميع هذه األصناف .
وبالطبع توجد خصائص ذاتية أخرى في األمثلة ألن لكّل تعاقب
حركته الخاصة به كما أسلفت وبالتالي فلكّل مثال حٌّل مختلٌف في
النظام القصدي .ولذلك فاألمثلة المضروبة ال تستوعب جميع
االحتماالت المتوقع أن تدخل فيها .ولكن يكفي تفنيد األمثلة ومن ثّم
حّل إشكاالتها كشواهد على طريقة وأسلوب الحّل القصدي في
معالجتها .فلنمض قدم ًا في هذا العمل .
1
2 46
3
نبوي أو علوي من النهج أو صحائف الدعاء أو الرسائل أو غيرها ،
بل الشواهد كلها بخالف ما ذكروه .
1
2 51
3
الصنف الثالث :مجاز إطالق اسم الشيء على ما يشابهه
:
كإطالق لفظ الحمار على البليد وهو االستعارة .
ويمكن مناقشة هذه الفقرات على أساس اللغة المستعملة للحل
االعتباطي قبل معرفة أي حل آخر .فهو يقول إطالق اسم الشيء
على ما يشابهه .
فإذا قال المرء ( فالن كالحمار ) .
فهو عندهم تشبيه وقد يعلم السامع بماذا هو كالحمار إذ المفروغ
منه أنه ال شبه بينهما اال إذا أراد نوعًا من السلوك كقّو ة االحتمال أو
البالدة ـ فهو كالحمار في تلك الصفة وحسب .
ولكن إذا قال المرء ( هذا الرجل حمار) ـ فهذا االستعمال هو
المجاز والذي هو من نوع االستعارة .
وهذا تهاون في الحدود المسموح بها للمجاز في نفس األفكار
االعتباطية ومخالف للجملة المنطقية في مباحثهم حيث ال يكون
الرجل حمار ًا قط ـ وهو ال يختلف بشيء عن عبارة مثل ( األفعى
كلبة ) ( ،السفرجل يقطين ) ... ،أو ماشاكله من عبارات ال منطقية
.
علما أنه لم يؤثر عن الفصحاء أمثال ذلك وإنما يؤثر عنهم
التشبيه ومع ذلك فإّن الحمار سمي كذلك لوقوعه في الداللة العامة
للتعاقب الصوتي وهذا هو الحّل القصدي لمثل هذه المسألة .
1
2 52
3
الصنف الرابع :مجاز تسمية الشيء باسم ضده :
كتسمية الِع قاب بسبب الجريمة بالجزاء المختص بمقابلة
اإلحسان بمثله .والمناقشة هنا بسيطة للغاية ،فإّن اختصاص
الجزاء باإلحسان هو من مبتكراتهم اللغوية وجزء من اعتباطيتهم ال
من اعتباطية النظام اللغوي .
إذ ال يوجد وما وجد عربي خّص ص الجزاء باإلحسان فقط ،
والجزاء ليس عقابًا وال ثوابًا وإنما هو نفسه مقابلة الشيء بما هو
من جنسه ـ ولو كان مخصصًا لما قال العربي ( جزاك الله خير ًا )
ولكان اكتفى بقوله ( جزاك الله ) ،وال يستطيع العربي قول هذه
العبارة مطلق ًا ألنه يتحّر ج من انتظار السامع لتكملة العبارة بنوع
الجزاء إذ يمكن أن يكون خير ًا أو شر ًا .
ومن ناحية االستعمال فقد استعمله نفس أهل اللغة بهذا العموم
في جواب الشرط إذ سموه ( الجزاء ) ـ ولوال إفادته عموم األفعال
لما كان يصلح لعموم أجوبة الشرط :إن تفعل كذا فعلت كذا .
والزعم أن النص القرآني هو مصدر مباحث األلفاظ هو أكذوبة .
وقد ألمحت بتحفظ الى أن األمر قد يكون مختلف ًا أو معكوسًا ال في
المنهجية بل في األهداف أي أن النص القرآني هو الهدف من
تكريس اإلعتباطية في اللغة .
1
2 53
3
وامتلك وثيقة سرية سأعلن عنها يوما ما تدُّل على نحو قاطع
على هذا األمر .
فهذا هو استعمال النص القرآني ِللفظ الجزاء :
6 / 146 ( ذلك جزيناهم ببغيهم )
7 / 152 ( وكذلك نجزي المفترين )
12 / 75 ( وكذلك نجزي الظالمين )
7 / 40 ( وكذلك نجزي المجرمين )
21 / 29 ( فذلك نجزيه جهنم )
41 / 27 ( ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون )
35 / 36 ( كذلك نجزي كّل كفور )
6 / 93 ( اليوم تجزون عذاب الهون )
3 / 87 ( جزاؤهم أن عليهم لعنة الله )
17 / 98 ( ذلك جزاؤهم بأّنهم كفروا )
18 / 106 ( ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا )
4 / 93 ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها )
10 / 27 ( جزاُء سيئة بمثلها )
54 / 14 ( جزاًء لمن كفر )
9 / 26 ( وذلك جزاء الكافرين )
وعشرات أخرى من الموارد التي ذكر فيها لفظ الجزاء مقترنًا
بالعقاب وليس مختصا بالثواب وحده .
1
2 54
3
وكذلك نالحظ المعنى العام للجزاء في القرآن أيضًا ـ فإذا زعموا
وكثير ًا ما نعتقد انهم يجرءون على الزعم بأّن جميع تلك الموارد هي
( مجازات ) فإّن موارد العموم ـ بالعقاب والثواب سوية ـ هي من
النوع الذي ال تتمكن االعتباطية من تفسيره ألنه يتضمن العقاب
والثواب .ومثل هذه الموارد هي في اآليات :
ـ ( كّل أمة تدعى الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون )
45 / 28
ـ ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها فيها لتجزى كّل نفس بما تسعى )
20 / 15
ـ ( اليوم تجزى كّل نفس بما كسبت )
40 / 17
فهذه الموارد مثال ـ يستحيل تصور مجاز فيها وهي تجمع في
الجزاء باعتباره لفظ ًا يفيد مقابلة العمل بجنس جزاء من جنسه إن
خير ًا فخير ًا وان شر ًا فشر ًا ،وهي تجمع العقاب والثواب فال تكون
مجاز ًا من جهة وحقيقة من جهة أخرى .
وال يتوقف األمر على ذلك ففي خطوة ثالثة نالحظ تخصيصًا
غريبا في القرآن وكأنه يتنبأ بمحاوالت لتدمير اللغة مستقبًال فيتم في
إحدى اآليات حصر الجزاء بهذا المعنى حصر ًا .أي كونه مقابلة من
جنس العمل وذلك في قوله :
1
2 55
3
( ومن جاء بالسيئة فال يجزى الذين عملوا السيئات اال ما كانوا
يعملون ) 28 / 84
فقد ترَك التصريح بنوعه وحصره بأداة الحصر ( اّال ) بـ ( العمل
) وذلك لكون الجزاء عام في العقاب والثواب وليس مختصًا بالعقاب
.
وهناك مناقشات أخرى :
فإّن إظهار المعنى بلفظ عن طريق لفظ مضاد تحتاج الى تفسير ،
فهو في هذه الحالة نوع من التورية ـ وفي هذا اللفظ ال توجد تورية
ما .إذ المهّدد بالعذاب والخزي ال يراعى في استعمال لفظ ما ـ كما
لو قال أحد أن األمر يحتاج الى إظهار العقاب كما لو كان مثوبة بل
الواقع خالفه .وفي كتاب ( اللغة الموّح دة ) إذا راجعت التسلسل ( ع
ـ م ـ ا ) فانك تجد بحثًا لطيف ًا عن لفظي ( العمى ) و ( البصر )
وكذلك ( الرؤية ) ـ بحيث أن إطالق لفظ ( بصير ) على أعمى النظر
هو استعمال حقيقي يراد به مراعاة كونه غير أعمى في مجموع
الصفات إنما هو أعمى العينين ومن المحتمل أن يكون بصير ًا ،ألن
اإلبصار من أفعال القلب ال من أفعال العين .
وقد تّم التفريق هناك بين األلفاظ الثالثة وعالقاتها بآآلتها :
فالنظر الخارجي للحاسة والبصر للقلب والرؤية للعقل ،وبذلك يسقط
البحث الكالمي المسمى ( رؤية الله ) سقوط ًا لغويًا ويصبح االستناد
الى اآليات القرآنية استناد ًا عشوائيًا لخلِّو ه من هذا التفريق .
1
2 56
3
الصنف الخامس :مجاز إطالق اسم الجزء على الكل :
مثل إطالق لفظ األسَو د على الزنجي .
وعند مالحظة تعريف المجاز نجد افتراقًا بين التعريف وهذا
الصنف .
والسؤال األول هو :أليس الزنجي أسود اللون ؟ والجواب :نعم
.فهذه الصفة مشتركة لكافة الزنوج .
والسؤال الثاني :هل السواد في الزنجي حقيقة ؟ والجواب :نعم
.
إذن فاالستعمال من نوع ( الحقيقي ) ال ( المجازي ) ألن
التعريف ذكر الحقيقي وفي بعض شروحهم لم يذكر ما هو المجازي
إذ اكتفى بالقول ( ما هو عكس ذلك ) .
األسَو د إذن صفة لم تنقل من معناها الى معنى لفظ آخر ـ بل
بقيت عاملة وهي مثل أن يقول المرء ( الرازي ) مرة ويقول مرة
أخرى ( فخر الدين ) ـ فإذا قال القائل ( :األسَو د ) فإنه لم يجعله
محل الزنجي أو بمعناه حيث يشير الى األصل أو الساللة أو الجنس
بل استعمل صفة عامة أخرى ،وهذه الصفة هي شيء عام لكل من
كان له اسم ولقب وكنية وصفة يعرف بها ـ كّل منها حقيقي في
موضعه .
1
2 57
3
إذن فهذا الصنف من المجاز هو مجرد وهم مثل باقي أصنافه ال
وجود له اّال في التصورات الذهنية المحّددة بنوع من االصطالحات
الضِّيقة المعنى في أذهان علماء اللغة .
1
2 59
3
واليمكن للنجار اختصار العبارة الى ( الخشب المعد ) ألن في
المحل خشب كثير مّع د الشياء كثيرة ـ فاالختصار الغى مفردة زرع
والغى عبارة ( الخشب المعد ) واكتفى بمآل وهدف الحركة والفعل ـ
وبالتالي فهو لم يتجاوز باللفظ من موضعه الى معنى لفظ آخر على
تعريف المجاز .
ولنا أن نسال الحّل االعتباطي عن اللفظ اآلخر الذي نقل أن اللفظ
االول في مثال الزرع والخشب المعد ـ فهذه األلفاظ عامة المعنى
واللفظ اآلخر هو كما تالحظ نفس اللفظ االول حنطة وسرير ...الخ .
فاليجد ولن يجد االعتباط اللفظ المنقول أن معنى االول .
الصنف الثامن :مجاز إطالق المشتق بعد زوال المشتق
منه :
مثل ضارب على من فرغ من الضـــرب .
في هذا النوع تكفل ميثم البحراني بالغاءه حينما قال ( :وقد
عرفت أن ذلك هل هو مجاز أم حقيقة ؟ ) .
ويقصد بهذه العبارة ماذكره في المقدمات من أن ذلك هو من
النوع الحقيقي وخَّر ج المسألة بطريقة ذكية في قوله تعالى :
( باسط ذراعيه بالوصيد ) .
خالصته أن مثل قوله :
( من إله غير الله يرزقكم من السماء واألرض )
1
2 60
3
الفعل المستمر ( يرزقكم ) يشتمل على األزمان كلها أي يرزقكم
دوم ًا .
ولكن حينما ال يريد المتكلم إبراز الزمن فانه يأتي بصيغة الفاعل
مثل ( :باسط ذراعيه ) ـ أي أن حاله هو كذلك بغير اشارة الى
الزمان .
والمناقشه هنا أّو ًال مع واضع هذا الصنف فعلى رأيه أن كّل اسم
فاعل هو بالنهاية مجاز ألن كّل فاعل قد يفرغ من الفعل مثل كاتب ،
عامل ،راحل ،ساكن ...الخ !!
اليس ذلك أمر ًا غريبًا ؟ لكنه اختاره في ( الضرب ) العتقاده أن
الضرب فعل ال يكون إال مرة واحدة ! وهو خطأ شنيع ألن الضارب
صفة مالزمة متلبسة حتى لو كان مرة واحدة لما يستلزم بعدها تبعة
من نوع ما مثل ( قاتل ) ـ فالحاكم إذ يسأل عن ( القاتل ) و
( الضارب ) لمحاكمته ـ فانه يسأل لغويًا عن تلّبس الفعل بالفاعل
ولو مرة واحدة لكنه اتصف بهذه الصفة وكونه موصوف بها ال تنفك
عنه .
والى أن تتوضح مناقشة الحّل القصدي مع ميثم في تخريجه لـ
( باسط ) فإّن عدم ظهور الزمان في صيغة الفاعل ليس ألن المتكلم
اليريد التنويه عن الزمان بل لظهوره التام في نفس الصيغة من
حيث أن الفاعل متصف بها فال ضرورة لذكر زمان آخر .
1
2 61
3
وعند المناقشة على أصل التعريف تالحظ المخالفة مع التعريف ـ
زيد ضرب عمرو ـ فهو الضارب :هل هذا حقيقة أم اخراج لمعنى
ضرب الى معنى آخر ؟
والسؤال اآلخر ماهو اللفظ اآلخر المنقول إليه معنى اللفظ وفق
تعريف المجاز ؟
يالحظ الحّل القصدي أن األفعال التي ال تتضمن التكرار على نحو
ما أو المالزمة الزمنية المستمرة ـ يالحظ فيما إذا كانت كالصنف
االول تحتاج الى اختصار أم ال ،خالل التركيب :
يقول القاضي ( :أين الرجل الضارب عمر ًا ؟ )
ويقول ( :أين الرجل الذي كان ضاربا لعمرو ؟ )
وإضافة كان هنا لتاسيس الفكرة عن الفراغ من العمل .
ال تتضمن هذه الحال اختصار ًا من نوع ما كالحالة السابقة ،ألن
هذا التركيب مقصود وغايته ابقاء التبعة على الضارب فهي مرافعة
له فلو قال ( كان ضاربًا ) ،فالعبارة تشير الى التهاون في المسألة
من حيث االشارة الى انتهاء الفعل .
لكن اللغة ليست جامدة ،وانما تعِّبر عن المعايير الفكرية
واالخالقية بما تمتلكه من قدرة على التعبير ،فقوله ( اين الرجل
الضارب ) إنما هو استعمال حقيقي وإن مَّر زمانه ـ أي اتصف بهذه
الصفة المالزمة وهي تشير ( فلسفيًا الى أن فاعل الشيء مرة ـ له
القدرة على فعله مرات أخرى وهذه القدرة ال عالقة لها بنوع الفعل
1
2 62
3
فاالمر سواء في الصانع والعامل والكاتب ...الخ مع االختالف في
حركة التعاقب .
1
2 64
3
1
2 65
3
المبحث التاسع
الفرق بين الحقيقــة والمجـــاز
2
3 66
4
كذا هو مجاز وأن هذا النص هو من الواضع !!! بل يدعي أن
الواضع ( يقول ) هذا حقيقة وهذا مجاز ؟
ومن ثم ُتركت العبارة هكذا بغير شرٍح إضافي كما لو كان الخلق
بلهاء والسامعون والقراء قد فقدوا العقل والذكاء !!.
ولم يكتف بذلك بل نسب الى الواضع أشياء أخرى فقال :
( أو يذكر واحد ًا منهما وثالثًا أن يذكر خواصهما وأما االستدالل
) ...
وهكذا فهو قد ترك الناس في حيرة من أمرهم إذ ال يعلمون إن
كان ( اإلمام الباحث ) يلتقي بواضع اللغة سر ًا في مكان ما أو يراه
في األحالم !!.
كّل ما أستطيع قوله هنا :إن هذا هو منتهى التخّبط والتدليس ..
ألن البحث عن الداللة قاد الى البحث عن الحقيقة والمجاز والفرق
بينهما وخالل البحث عن الفرق يفترض الباحث أنه فرغ من معرفة
الفرق !! وهذه الطريقة الملتوية العالقة لها بالعلم والبحث العلمي .
وإذا أردنا مناقشة الطريقة األخرى لتمييز الحقيقة عن المجاز
والتي هي ( االستدالل ) كما عبر عنها نالحظ المزيد من التخبط
والتناقض .فقد قال :
( واما االستدالل فالحقيقة تعرف من وجهين أحدهما أن يسبق
المعنى من ذلك اللفظ الى فهم بعض السامعين من أهل تلك اللغة
فيحكم أنه حقيقة في ذلك المعنى ) .
1
2 67
3
والمناقشة هنا على شيئين :
األول :إن هذا العمل ليس استدالًال وال يمت الى االستدالل بعالقة
ما ـ ألن مايسبق االستدالل هو ( استقراء ) لجميع الموارد ومن
بينها ( المجاز ) لذلك اللفظ عينه .فإذا افترضنا أن الجماعة
المذكورة ـ ال تنطق بالمجاز ـ فهناك من يستعمل نفس اللفظ في
المعنى اآلخر ـ فما هو المرّج ح لصحة استعمال تلك الجماعة دون
األخرى واعتبار هذا االستعمال حقيقة دون األخرى ؟ .ومعلوم أن
افتراضنا هذا محال وإنما نقوله جدًال ،إذ أن أهل اللغة أنفسهم
يستعملون اللفظ في تلك المعاني جميع ًا على قدم المساواة .
وفي الحّل القصدي تتغير المسأله تغير ًا جذريًا .
فالحل القصدي لم يلغ مصطلح ( المجاز ) ولكنه حَّو له بصورة
جذرية ،إذ أصبح أحد مصاديق الحركة العامة للتعاقب وهو يقترب
ويبتعد عنها بنسب متفاوتة ،ولكنه اليخرج مطلق ًا عن ذلك التسلسل
المعَّين لحروف اللفظ واليشارك لفظ ًا آخر في تلك الحركة أبد ًا .
الثاني :أن الذي يسبق من المعاني متغيّـر بين الحقيقة والمجاز
.
وتوضيح هذا األمر كاآلتي :
لقد أثبتوا وكما فعل سوسير بعد ذلك أن المعنى ـ أو الداللة ـ ال
تظهر اّال بعد التركيب وقد رأيت أقوالهم في األبحاث السابقة .إذن
فما يسبق الى ( فهم السامعين ) حسب فكرتهم هو الداللة التي تظهر
1
2 68
3
خالل الجملة .فاللفظ نفسه عديم القيمة قبل التركيب ،ومعلوم أن
السامعين يسبق الى فهمهم المعنيين أو المعاني الكثيرة باطراد كلما
تغيّـر نسق التركيب ،وسوف تظهر المعاني جميع ًا بالنسبة لهم خالل
التراكيب .فكيف يتمّك ن السامعون من الحكم على أحدها فقط على
أنه هو االستعمال الحقيقي دون غيره ؟ .
ومن الواضح أن هذا اإلشكال على الطريقة التي تسمى
( االستدالل ) هو إشكال حقيقي ال يمكن ألحد تفنيده أو اإلجابة عليه
بما يطابق إطروحات النظرية اإلعتباطية.
أما الطريق اآلخر لالستدالل فقد قال :
( واما ثانيهما فإّن أهل اللغة إذا أرادوا إفهام غيرهم اقتصروا
على عبارات مخصوصة )
في حين أنهم على رأيه إذا لم يقصدوا االفهام عَّبروا بعبارات
أخرى ،فنعلم من الفرق أن األول حقيقة .
إما النص فلم يذكر األمر على هذا النحو تخلصًا من مشكلة أن
يتكلم المرء بكالم ال يقصد منه االفهام فقال :
( وإذا قصدوا بالتعبير الحسن بعد الفهم عبروا عبارات أخرى )
وهذه واحدة من طرائقهم الملتوية التي الحصر لها .
وفي هذا الطريق االستداللي الغريب نطرح أسئلة ال حّل لها في
اإلعتباطية :
1
2 69
3
السؤال األول :إن البحث هو عن تمييز داللة المفردة بين
الحقيقة والمجاز فما عالقة العبارات التي تتضمن مفردات عّدة؟.
السؤال الثاني :من هم أهل اللغة ؟ وكيف نحّددهم ؟ .
السؤال الثالث :كيف يعبرون أوًال لغرض ( اإلفهام ) ويعبرون
ثانيًا لمجرد الكالم الحسن ( بعد الفهم ) ؟ ولماذا يكّر رون كالمهم بعد
الفهم ؟ ومن منهم كان يقوم بذلك وأين ومتى ؟
السؤال الرابع :كيف يعلم السامع أن العبارات األولى ( لإلفهام )
( اإلفهام ) والتي بعدها هي الكالم الحسن ؟ وهل عبارات
تختلف في الحسن عن العبارات األخرى ؟ ولماذا ال يكون العكس
متوقع ًا ؟ .
ويمكنك أن تضع اسئلة غريبة أخرى ولكنها لن تكون أغرب
من الحّل االعتباطي بأّية صورة .
1
2 70
3
المبحث العاشر
دواعـــــي المجــــــــاز
حّدد العلماء ـ في التفسير االعتباطي ـ عّدة عوامل اعتبروها
دواعي لذكر المتكلم المعنى المجازي للـفظ بدًال عن اللفظ الحقيقي .
وال تسلم تلك الدواعي من المناقشة ألنها لم تقم على أسس علمية ،
ولم توضع لها جداول الستقراء النصوص بدقّـة لفهم مراد المتكلم ،
وإنما ُأعلنت تلك الدواعي استناد ًا للحدس والتخمين والظن ال غير .
واألسباب الداعية لذكر المجاز عندهم هي :
األول :أن يكون اللفظ الدال بالحقيقة ثقيًال على اللسان إما لثقل
المجاز عذبًا. أجزاءه أو لتنافر تركيبه أو لثقل وزنه ويكون
وهذا مجّر د ادعاء ال يستند الى أّية معطيات لغوية .ويفترض
هنا أن يأتوا بمئات إن لم نقل بآالٍف من الشواهد ألجل إيضاح لفظ
المعنى الحقيقي والذي هو متنافر التركيب أو ثقيل االجزاء ويضعوه
بدًال عن اللفظ المجازي المزعوم ويبرهنوا على نحو واضح على أن
اللفظ المعدول عنه هو الحقيقي من خالل استعماالت أخرى مشهود
لها أنها قيلت بصورة عفوية ـ ال إنشائية ألغراض البحث ـ .
ولكن ذلك لم يحدث ال بهذه الشروط العلمية القاسية للبحث وال
بغيرها وال بدون شروط .علم ًا أّنك ادركت أن المجاز وفق االصناف
المذكورة سابق ًا قد طال أغلب االستعماالت اللغوية حسب اعتقادهم .
1
2 71
3
الثاني :أن يكون ألجل المعنى إذا قصد التعظيم لما هو ليس
كذلك أو إذا قصد التحقير وهو كائن في الحقيقة .مثال األول قول
القائل ( :سالم على المجلس السامي ) ومثال الثاني التعبير عن
قضاء الحاجة بالغائط .
في هذا الداعي ال تتمّك ن اإلعتباطية من حّل اإلشكال الهام حول
ظهور ( التحقير ) من خالل المجاز .وهو إشكال منطقي نوّض حه
كاآلتي :
إذا أراد المتكلم تحقير المجلس من خالل اطالق لفظ ( السامي )
فكيف يفهم السامع ،أو اللغوي ،أن اللفظ للتحقير وليس للحقيقة
إذا لم يكن لفظ ( سامي ) بالمعنى الحقيقي ؟ ألننا إذا اعتبرناه مجاز ًا
وفق التعريف انصرف المعنى ـ معنى هذا اللفظ ـ الى معنى آخر فال
يظهر التحقير !!...فتأمل في ال منطقية االعتباط اللغوي .
ومعنى ذلك أن االستعمال العالقة له بانطباق أو عدم انطباق
الداللة على الموضوع الخارجي ألن لديك داللة لهذا اللفظ
( سامي ) فالداللة لم تتغير وعدم مطابقتها لصفة المجلس هو قصد
المتكلم من التحقير فلو كانت مطابقة لصفة المجلس لم يكن ثمة
تحقير ـ بل لكان مدح ًا يمّج د المجلس ! ومثل هذا الذهول في
اإلعتباطية هو صفة دائمة فيها .
ومن جهة أخرى فهناك خلل فاضح :فالمجاز على التعريف هو
ليس اإلتيان بلفظ بدل لفظ ( األول الداخل على الجملة هو المجازي
1
2 72
3
والمتروك هو الحقيقي ) وإنما هو العدول عن معنى اللفظ الحقيقي
الى معنى آخر مجازي .فلو كان التعريف هو تبّدل الفاظ مع بعضها
لكان يصّح ،إذ نتصور أن المتكلم يريد في األصل أن يقول
( المجلس الحقير ) فعدل الى لفظ ( السامي ) ،ولكنه لم يغير معنى
السامي بل أبقاه على معناه وهذا هو منشأ التحقير من حيث أنه
مخالف للواقع .
فاالستعمال له حقيقتان :داخلية في التركيب وخارجية في
االنطباق على الموضوع الخارجي .واإلعتباطية من الجرجاني الى
سوسير ال تفتأ تخلط بينهما خلط ًا فاضح ًا بل ومخزيًا .وهذا الخلط
يهتك عملية ( التعبير ) وفي النهاية يحّطم النظام اللغوي .وهو
مخالف ومناقض ألسس اإلعتباطية نفسها ومن بينها أن اللغة رموز
من اإلشارات ـ فهي إذن مستقلة عن الموضوع ـ ولوال هذا االستقالل
لما كانت هناك قدرات متفاوتة على ( التعبير ) عن نفس الفكرة
بتراكيب مختلفة قربًا وبعد ًا في االنطباق على الموضوع الخارجي
ولوال ذلك لكانت اإلشارات والمشار إليه شيئًا واحد ًا ولكانت اللغة
جامدة جمود الصخر .
وهذا التصور في اإلعتباطية قد أّدى الى تجميد اللغة .حيث
اعترف بذلك العشرات من الباحثين ،بحيث ادعى ( فصحاء وبلغاء )
أنهم لم يقدروا بعد بالغة الجرجاني والسكاكي من ( إنشاء جملة
واحدة بشجاعة تامة ) ـ ألنها قد تكون مخالفة لشروط بالغتهما .
1
2 73
3
وكذلك أّدى هذا التصّو ر الى نفس النتيجة في الغرب ـ وقد عّلقنا
باسلوب قصصي ولّم ا نزل في مرحلة الدراسة الثانوية على هذا
العمل بالقول الذي كّنا نته ّيب من إعالنه :
( وسيقوم الجيش اللغوي اللجب بقيادة الفارس المغوار ليفي
شتراوس بشن هجوم تكتيكي بنيوي مع الضياء األول على الجبهة
الشعرية آللويت فيحيلها عند طلوع الشمس الى ركام من الحروف
المبعثرة وأكوام من جثث االلفاظ الميتة ،وسيقوم بتوزيع غنائم
المعركة الكثيرة والتي هي "الشيء" على جميع المشاركين في
الهجوم كّل حسب شجاعته . ) ..
وهذا هو المسار الذي تتحرك فيه اإلعتباطية الى هذا اليوم ـ
فاللغة عندها ليست اال هياكل أثارية تحفرها بترٍو شديد بحثًا عن
األقبية المطمورة والهياكل العظمية النخرة ولو كانت من إحدى
النصوص
والحل القصدي كما رأيت في ( اّللغة الموّح دة ) يعطي االشارة
اللغوية ـ قيمة حركية عليا ال حدود الستعمالها ولكن ال عبثية فيها
وال اعتباط .
وفي الحل القصدي ينفصل االستعمال عن موضوعه وبذلك
يمكن تبرير نشوء أو إنشاء علم للغة حيث يكون واجب هذا العلم
( تقييم ) االستعمال وهو ما تفتقر إليه اإلعتباطية ،وقد وضعنا هذا
التساؤل الكبير في ( اّللغة الموّح دة ) أمام علماء اإلعتباطية .
1
2 74
3
الثالث :الداعي الثالث من دواعي استعمال المجاز .قال :وهو
حصول اللذة .فإذا عبر عن الشيء باللفظ الدال عليه على سبيل
الحقيقة حصل تمام العلم به فال تحصل اللذة .
إن هذا التفسير السايكولوجي الغريب هو اآلخر ال عالقة له
بالمجاز .فالمرء حال القيام بمثل ذلك أشبه بمن يقوم بمداعبة
المتلقي والمتلقي يعلم جيد ًا إن كان االستعمال في موضوعه ام أنه
يرمز له برموز أبعد في التعبير؟ .وهذا العالقة له باالستعمال
اللفظي للتراكيب ـ حال كونها بعيدة أو قريبة في التعبير ،فكل منها
حقيقة في موضوعه واالختالف هو أنه ال يعبّـر عن الموضوع نفسه
وإنما يعبّـر عما هو ( بجواره ) أو ما يحيط به من ( مواضيع ) فكل
منها حقيقي في موضوعه .وهو كما تالحظ ذهول آخر غريب عن
موضوع البحث .
الرابع :وهو السبب األخير من أسباب الدواعي :ان يكون
صالح ًا للشعر وللسجع وأصناف البديع دون الحقيقي .
اليختلف هذا الداعي بشيء عما سبقه فإننا نتصور عدد ًا من
االحتماالت :
أ .أن يكون االستعمال مقحم ًا لتنظيم الشكل مع إغفال المضمون
فهذا التزويق اللفظي ـ العالقة له بالمجاز فاذا ابتعد بعد ًا كبير ًا
وخرج عن المضمون كان استعماًال خاطئًا .
ونود ان ننبّـه هنا الى أمٍر هاٍم هو :إن اإلعتباطية ال تخِّط ئ أي
1
2 75
3
استعمال وبالتالي ال تجيب على السؤال :لماذا اذن علم اّللغة ؟ .
ب .أن يكون متالئم ًا مع المقصود :فهذا حقيقي ال مجازي وهو
اذا تمّك ن من المحافظة على إبراز الفكرة مع االعتناء بااللفاظ ،
فهذا االحتمال العالقة له بالمجاز المذكور في التعريف .
ج .أن يقصد ذلك :أي أنه يقصد االبتعاد عن التصريح بالفكرة
ويكتفي بالتلميح الى ما حولها ـ وهو أوسع بكل تأكيد ـ وموضوعه
يساعده في ذلك كأن يكون عدم التصريح مبرر ًا على نحو كاٍف
اجتماعيًا أو دينيا أو غير ذلك .
وإذن فالقصدية في االبتعاد تختار ألفاظ ًا ـ تصلح لما هو حول
الموضوع وال تصلح للموضوع المكتوم ـ فهي حقيقية في موضوعها
فأين هو المجاز ؟ .
نعم .هنا أيضا يظهر المجاز إذا أصرت اإلعتباطية على الخلط بين
اإلشارة وداللتها وبين الموضوع الذي تنطبق أو ال تنطبق عليه وقد
الحظت فساده الشنيع .
1
2 76
3
المبحث الحادي عشر
االعتباطيــة و مجــاز القرآن
2
3 79
4
الفئات الفلسفية التي أدخلت القواعد المنطقية الفلسفية ـ وبـا للغة
اإلعتباطية ـ الى مبادئ األصول .وكانت األعمال متكاتفة ومتالحمة
من أجل الهدف المشترك وكانت الضحايا بالطبع كثيرة أيضا إذ ال
يمكن وصف الجميع بقصدية هذا العمل .
وإذا عدنا الى سطر السيوطي الذي يقمع به االتجاه المضاد ـ
فانك تالحظ الهدف بجالء تاٍّم حينما قَّس م القرآن بطريقة غير مباشرة
الى شطرين ( شطر الُح ْس ن ) وشطٍر آخٍر عليك أن تفهم ما هو
بمفردك !.
وطبيعي أن ( البلغاء ) الذين اتفقوا عنده على أن المجاز أبلغ
من الحقيقة وأن ( شطر الحسن ) في القرآن هو في هذا المجاز هم
جماعة يعلمهم هو ـ إذ ليس منهم البلغاء الذين نعلمهم كالنبي ( ص
) أو علي بن أبي طالب ( ع ) وال حتى معاصريهما ،ألن المجاز لم
يظهر كمصطلٍح إّال في وقٍت متأخر بعد ظهور اإلسالم .
وذلك ألن النبي محمد ( ص ) واإلمام علي (ع ) واألئمة (ع )
كانوا يؤكدون بصورة مستمرة على أن القرآن ( ماء واحد ) يجري
أوله على آخره وأنه ( واحد من عند واحد ) وأنه ( ال يختلف وال
يخالف ) ،وأن ( باطنه عميق وظاهره أنيق ) ،وأن ( الرجال
قصرت عقولهم عن إدراك مراميه ) ،وهي عبارات كثيرة جدا ال
أحسب أن ( الشاطر ) الذي يشطره الى شطرين بعيد عنها أو بعيدة
عنه وهو مختص بعلوم القرآن ،فان غابت عنه فليست العبارات
1
2 80
3
القرآنية التي تتناغم معها وتشير إليها تلك األحاديث بغائبة عنه
وهي جزء من النص القرآني كقوله تعالى:
( متشابها مثاني )
وقوله :
( ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه )
وقوله :
( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير )
..الى غيرها من اآليات التي تؤكد وحدته اللغوية العجيبة
ونظامه المحكم ومصاديقه الالمتناهية والتي يكون ادعاء المجاز
فيها على التعريف نوع من عدم اإلقرار بهذه الخصائص بطريقة
غير مباشرة اكتنفتها واحتضنتها عبارات ( التبجيل واالحترام )
والتعظيم للقرآن والتي كان هدفها تمرير اإلعتباطية الى هذا الكتاب
بأية صورة .
ومثلما تـّم قمع االتجاه المضاد وقتله في مهده الّدعائه
( الشبهات ) في التيار السّني فقد ُقمع نفس االتجاه في الفكر الشيعي
بصورة حاسمة .ولكنه احتاج الى وقٍت أطول زمنيًا لتكتّـل التالمذة
األوائل لإلمام الثاني عشر ( ع ) مع بعضهم على قلّـتهم ووقوفهم
بوجه التأسيس االعتباطي لمباحث األلفاظ الخاص بعلم األصول
عندما افتقدت القواعد زعيمها الذي أوصى باعتماد األخبار المروية
في السّنة المؤَّك دة فقط لمعرفة حقائق الدين لحين مجيء ( أمر الله
1
2 81
3
) .فأحاطت األكثرية اإلعتباطية بهذه الق ّلة وأجهضت محاوالتها في
مهدها وسّم تها بأسماء غريبة لعل أهونها هو ( جماعة اإلخباريين )
،حيث اعتبرتها جماعة ال تمت في فكرها الى العلم الحقيقي بصلة
مستغلة ضرورة ( التحقق من سند الخبر ) ورقًة تشهرها ضدها تدل
ضرورة ( التحّقق ) من األلفاظ واألسس المنطقية على
للعملية االجتهادية برمتها .وهكذا دخلت جميع المبادئ السنية التي
ال تؤمن بضرورة لوجود ( معصوم ) يحمل علم الكتاب األزلي
والالمتناهي الى دور وأقبية ودراسات ومساجد التيار الشيعي الذي
يؤمن بهذه الضرورة جامع ًا بين تناقضاتها ـ بين اإلقرار بوجود
اإلمام الفعلي وبين ضرورة البحث االعتباطي ـ .
ويبدو أن جميع األبحاث كانت جاهزة على يد التيار السني وإن
كان التيار االعتباطي للتشيع ينكر هذا ( الفضل ) أحيانًا ،وكل ما
احتاجه هذا التيار هو إدخال هذه األبحاث في ( قالبها اإلمامي )
وإضفاء طابع التشيّـع عليها ومن ثم كانت الزعامة المطلقة للتيار
األصولي االعتباطي على جميع القواعد االمامية للقرون العشرة
الماضية .
ولكن الحق يقال أن التيار القصدي ( اإلخباري ) الذي استطاع
أن يحدس بذكاء منقطع النظير ( يظهر من دراسة مجادالته القليلة
جدا التي وصلتنا ) استطاع أن يحدس ما ستؤول إليه العملية
االجتهادية من جمود ،يبلغ درجة أن توضع اللغة نفسها في قوالب
1
2 82
3
جامدة تعزل القرآن والفقه عن األمة ـ هذا التيار لم يمت نهائيًا في
الفكر الشيعي .لكن يمكن القول أنه عاش ( طالبًا األمان ) بجوار
التيار اآلخر بشروط ضمنية يعرفها الطرفان أهمها أّال يَّدعي
المرجعية والفتوى ويكتفي بتسجيل األخبار بعيد ًا عن البّت بالمسائل
الفقهية ـ وقد انتفع كال الطرفان بهذا االتفاق فأبقى اإلخباري على
وجوده على النحو المعلوم من العيش في الظل في وقت انتفع فيه
التيار اآلخر من تلك األخبار ليختار منها ما يالئم أصوله ويهجر ما
ال يالئمه منها بعملية انتقاء محضة .وقد خضع هذا ( االنتقاء ) الى
شروط إطارها العام هو ( التحقيق ) ولكن جوهرها هو تكريس
االنتقاء خدمة لألصول اإلعتباطية .
وقد تم تكريس الجهود في العملية االجتهادية وحصرها في نطاق
العبادات والمعامالت وفتح باب االجتهاد وهما خطوتان حاول فيها
األصوليون تج ّنب المشاكل التي تنجم عن االعتباط والمتمثلة
بالتصادم بين أصول العملية االجتهادية واألصول العامة للدين على
طريقة المذهب االمامي في الخطوة األولى وحالة الجمود والتحجر
كصفة دائمة لالعتباط في الثانية .وحاول التيار األصولي بإصدار
الكراسات بين الحين واآلخر تبرير العملية االجتهادية كلما سمع
بدقات نبض يصدرها قلب االتجاه اإلخباري المضاد والذي ربما
يظهر بشكل مفاجئ داخل مجلس المرجعية نفسه فيما إذا تقدم شاٌّب
قاده حدسه العميق الى كشف التناقض بين األمرين وتساءل بشغف
1
2 83
3
عن مبررات االجتهاد .
وعلى الطرف اآلخر للفكر االعتباطي تم التخلص من هذه
المشكلة بإيقاف العمل االجتهادي واختيار ( أربعة أئمة ) من بين
عشرات المجتهدين واعتبارهم أرباب المذاهب التي يمكن لبراءة
الذمة أن تلحق المكلف باتباعهم وهؤالء هم الذين اتخذتهم الدولة
القائمة على الفكر السِّني في أوج قوتها ممثلين لها في باب الفتيا
والقضاء ،فاّتبعهم أكثرية الناس مثلما يتبعون أي تشريع جديد
تضعه الدولة وتجعله موضع التنفيذ في المحاكم والجامعات
ومؤسسات الدولة للبِّت في شؤون الناس وإنجاز معامالتهم حيث
المحيص للجمهور من اتباعهم .
ولم يقم التيار القصدي بنقض االتفاق فلم يزاحم األصوليين على
مقاعدهم ولم يفسر القرآن ولم يفِت بشيء يذكر .ولكن رجال هذا
التيار كانوا بالقرب من األصوليين دائم ًا ـ وغالبًا ما كانوا رجاًال
زاهدين منتهى الزهد في الدنيا وغالبًا ما تذكر أسماؤهم تحت عنوان
( الفاضل األجل ) وغالبًا ما تفتقر تراجمهم الى العبارات التي تبّج ل
األصوليين ويكتفى بالقول عن أي واحٍد منهم ( :فالن ـ كان فاضًال
جليًال وله آراء عجيبة ورؤى صادقة مثل فلق الصبح رأيته في سنة
كذا … له تصانيف كثيرة نافعة )!
لم يفعل التيار القصدي شيئًا من ذلك ولم يحض باالحترام الالزم
والشهرة ولكنه فعل ما هو افضل من كّل ذلك .فقد حافظ هذا التيار
1
2 84
3
على القصدية وكان ال يسأم من تسجيل كّل شاردة وواردة ،وكان
يقطع الجبال ويخوض المستنقعات واألهوار إلعادة استنساخ جملة
واحدة أو حديثًا مفرد ًا وكان صادقًا كّل الصدق فال يكذب أبد ًا .وما
درى التيار األصولي أنه حينما كان ينتقي الحديث حسب هواه فيأخذ
ويترك ،وأنه حينما يأخذ بغيته ويترك غيرها ،ما درى أن مقتله
ونهايته على يد هذا المتروك .
ويبدو أن التيار االعتباطي قد شعر بالخطر عند ظهور الطباعة
الميكانيكية واستقرارها وانتشار كتب الحديث للتيار القصدي لخدمة
األصولية الرائجة فوقعت بأيدي الجماهير وإزاء ذلك حاول
األصوليون مغازلة التيار القصدي بادعاء أو ( تبني ) العرفانية
واإلعالن عن أسماء أصولية عرفانية في ذات الوقت ،حيث يفهم
من ( العرفاني ) أنه الرجل الذي يتمّك ن من معرفة الحقائق الدينية
بأسلوب بعيد عن المنطق االرسطي والنحو البصري والكوفي
وشقاقهما مع بعضهما والبالغة الجرجانية أو السكاكية وبعيد ًا عن
الجدل الهيجلي والوجودية السارتريه والبنيوية السوسرية
والصوفية الغزالية والفلسفة الفيضية ـ إسلوب يتميز بالتأمل في
النص القرآني مجرد ًا عن أية تأويالت سابقة أو أصول موضوعة
ويبدأ دائم ًا من ألف الم ميم ـ ال يمكنني أن اعرف كّل شيء ( ذلك
الكتاب ال ريب فيه هد ًى للمتقين ) ـ حيث يفهم منه أن ( الهدى )
معرفة من ( النوع المتعالي ) وهو ال يحتاج اّال الى التقوى ـ وان
1
2 85
3
الفكرة األصولية القائلة بان المرء إذا كان مشغوًال بحاجات الدنيا
وغير متفرغ لمعرفة الدين فان هذه المعرفة تسقط عنه باتباعه أحد
المذاهب ـ تبدو للمتأمل في هذا النص غير صحيحة ـ ألن الهدى
معرفة وليس ثمة من يسقط عنه التكليف بالهدى أو يحتكره لنفسه ـ
وليس ثمة أيضا من يزعم أن على الجميع ترك مشاغلهم والتوجه
لمعرفة حقائق الدين وبناء على ذلك فال بد أن يكون طريق معرفة
الدين هو طريق آخر غير األصولية القائمة على االعتباط .
لكن من يزعم أن هناك من استطاع التوصل فعال الى الهدى بهذا
الطريق السهل الذي ال يمر بالبصرة أو الكوفة وال يحتاج الى حفظ
ألفية ابن مالك ؟ .المَّدعون كثيرون بيد أننا إذا افترضنا أن أحد ًا ما
قد وصل بهذا الطريق فأنه سيصبح ( مفارقًا ) للعالم بأسره
وسيحاول جاهد ًا أن ال يعرفه أحد بهذه الصفة فضال عن أن يدعيها .
وكل ما يمكنه أن يفعله هو أن يحاول تمرير القصدية بطريقة ما ـ
كما فعل أهل التيار القصدي في مؤلفاتهم فاآلخرون قد يزعمون بعد
موت أحدهم معترفين أو مخمنين أنه ( ربما كان من األولياء أو
األبدال ) .فليس من المعقول أن يتحّدث المفسر بالمجاز ويشرح
اآليات القرآنية بطريقة الحذف واالستعارة ويكون أيضا من األولياء
!! ملمح ًا أو مصرح ًا أو يترك ( المريدين ) يفعلون هذه الدعاية
لصالحــه !! .
فقد آن األوان لالمة أن تعلم أنه ليس من أولياء الله واحد من
1
2 86
3
( الوالية التيار االعتباطي ،وإذا كان يصلح أحد منهم لتلك
) فان الشيخ ( دي سوسير ) يصلح لها إذ هو أعالهم كعبًا وأكثرهم
عمًال في تأسيس اإلعتباطية في الفكر اللغوي العام مع أن الشيخ لم
يتعرض ( لمجاز ) القرآن كما تعرضوا بصورة مباشرة ولم يشطره
الى شطرين شطر الحسن وهو ما فيه المجاز وشطر آخر ....ولم
تكن له غاية مما فعل سوى ( مباركة ) ما فعلوا وتثبيته في نظريٍة
تنشر في الغرب خشية أن ( يصحو ) يوم ًا ما فيعيد النظر في
نصوص العهدين .
حق ًا ..لقد انتفع الفالسفة ( المؤمنون ) أو ( المحبّـون ) للمسيح
( ع ) في الغرب من الشيخ وصدق ظنّـه .فحينما أدخل ( سبينوزا )
اإللحاد بجلباب اإليمان الى المسيحية وراجع فلسفتها انتفع بما فعله
الشيخ من مبادئ اعتباطية لتفسير النصوص بطريق ( االستعارة )
على طريقة الشيخ الجرجاني حينما وجدها تصطدم مع فلسفته . 1
وإزاء هذا الكم الهائل من التراث االعتباطي فليس باإلمكان
مناقشة جميع تفاصيله فكان ال بد من استعمال أسرع وأنجح الطرق
وقد تم ذلك باإلعالن عن ( النظام القرآني ) وقصدية اللغة في (
اللغة الموّح دة ) والكتب الالحقة ومنها هذا الكتاب المكّر س لهدم
مبتنيات اإلعتباطية في مباحث األلفاظ ومناقشة جملة من التفاصيل
خالل ذلك .
2
3 87
4
ولما كان المجاز القرآني وهو الجزء الهام من تطبيقات
اإلعتباطية واحد أهم نتائج المرادفات والقائم بأكبر قدر من التخريب
اللغوي وإخفاء معالم النظام القرآني فاني ساذكر أهم ما تفتقت عنه
عقلية الفكر االعتباطي من أنواع المجاز القرآني وشواهدها مع
التعليق السريع عليها .وسبب ذلك أن التفصيل غير ممكن في مثل
ذلك ،ألن من طبيعة اللفظ في القصدية أن ُيالحق في كّل القرآن
و ُتالحظ جميع موارده لغرض التفنيد التام للمجاز .وهذا يعني أن كّل
صفحة في كتب اإلعتباطية وشواهدها تحتاج الى كتاب بأكمله لهذا
الغرض .ويكفي أننا فندنا أسس مباحث األلفاظ .وستستخدم
إشارات ورموز النظام القرآني هنا لتنبيه القارئ إلى مكمن الخطأ .
ومعنى ذلك أننا نطلب من القارئ الكريم االطالع بل دراسة كتاب
"النظام القرآني" قبل دراسة هذه المباحث .
1
2 88
3
أصناف أخرى للمجاز المزعوم
في القرآن
.1إطالق واحد من المفرد والمثنى والجمع على آخر
الشواهد :
أ ( .وجعل القمر فيهن نور ًا )
قالوا وهو في إحداهن / .أ.هـ .
أقول :بل فيهن جميع ًا لما أثبتـه علم الفيزياء المعاصر من
استمراٍر لحركة النور في أنحاء الفضاء بغير انقطاع فالنور في
السماوات جميع ًا .فيتحقق المعنى من لفظ ( فيهن ) .
الحظ بنفسك اإلعتباطية في التطبيق أيضًا ـ وكأنما ارتقوا
األسباب ورأوا السبع الطباق .
ط ( .نسيا حوتهما )
قالوا :والناسي واحد هو يوشع ( ع ) .
بل نسيا ـ إذ لو كان موسى ذاكر ًا لقيل لم ال يذّك ره ؟!
ولو قال ( نسي حوته ) العترضت اإلعتباطية بهذا االعتراض أو
قالت المعنى ( نسيا ) وهو مجاز ألنها مولعة بقلب االشياء بخاصة
في القرآن .أما قول يوشع بعد ذلك لموسى ( ع ) ( :أني نسيت
الحوت ) فما أراد إشراكه فيما كان هو مسؤوًال عنه وذلك لتأدبه مع
الرسول ( ع ) ـ فالنسيان من موسى وفتاه والمسؤولية على الفتى
ألن الحوت معه .
ي ( .الطالق مرتان )
قالوا :وإنما هو مره واحدة .
بل هو مرتان وفي الثالثة ُتبان . .و االعتباطية ال تدافع عن
المذهب بل هي مصدر المذاهب المتعددة .وهو ال يلتبس مع
( الطلقات الثالثة ) ـ ألن هذه المسألة كيفية فقد اختلفوا في كون
لفظ الطالق ثالث مرات في مجلس واحد أم مجالس متفرقة وإنما
1
2 92
3
ُيحل اإلشكال بهذه اآلية ألنها تحدد المرات الفعلية للطالق ال صيغة
الطالق المكررة في كّل مرة .
ك ( .فنادته المالئكة )
قالوا :وإنما هو واحد جبرائيل (ع) .
بل المالئكة .إنهم يختلفون في الواضحات ويزعمون معرفة
الخفيات فما أدراهم أن المنادي واحد ؟
ل ( .ومن كّل تأكلون لحم ًا طريًا وتستخرجون حليًة )
قالوا :وإنما الحلية من المالح ! ( أي ليس من العذب ) .
معرفة واسعة لالعتباطية بأسرار البحار أيضا ! علما أن القدامى
من الغواصين أعلنوا أن اللؤلؤ من المحار والمرجان من شواطئ
المرجان والدر من نوع من الحيوان البحري ،وأسرار البحار
الزالت غامضة في احدث التقنيات العلمية فمن أين لالعتباطية هذا
التحديد ؟ هناك غرائب عن البحار كوجود ماء عذب داخل الماء
المالح وغيرها .
م ( .القيا في جهنم )
قالوا :أي ( ألِق ) .فعدل عن المفرد الى المثنى .
إّطالع آخر لالعتباطية على الغيب !
1
2 93
3
ن َ ( .يخُر ج منهما اللؤلُؤ والمَر جان )
قالوا :يخرج من أحدهما وهو اُألجاج .
بل يخرج منهما و االعتباطية ال تفهم شيئًا في اللغة العامة فكيف
تفهم لغة النظام القرآني ؟ وهي ال تعلم ما في البحار المعلومة فضال
عن ( البحرين ) !
1 انظر القرافي في كتابه "االستغناء في أحكام االستثناء " في قوله تعالى ( :ما كان استغفار إبراهيم ألبيه إّال عن موعدة وعدها إّياه ) . 1
2
3 94
4
ستقوم بها القصدية وتجابه من خاللها العالم بأسره في المشرق
والمغرب .يأتي الشرح الوافي ألمثال ذلك في مباحث ألفاظ الطور
المهدوي حيث سنرى أن اآلتي لم يجيء بعد فيصح الماضي ( أتى )
مع األمر ( فال تستعجلوه ) .
ب ( .ونفخ في الصور )
قالوا :أي سُينفخ .
تتجاهل اإلعتباطية االنتقال الزمني للذهن في السياقات القرآنية
الى المستقبل لتقرير األحوال التي تسبقها بالماضي ـ ألن غايتها
البحث عن شواهد للمجاز ال تفسير اّللغة وال تفسير القرآن .ومثل
ذلك جميع اآليات المشابهة في ( الزمن ) والتي لن اذكرها هنا .
ب ( .أيام ًا معدودات )
قالوا :جعله لما دون العشرة لإليحاء بسهولة الصيام ! .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون .يظنون أو يوحون أن الله (
يخالف الحقيقة ) ألسبابهم اإلعتباطية .
لو قال ( معدودة ) على جمع التكسير لما كانت محدودة .ولما
قال معدودات فكما في ( غرفات ) ـ موجودة فعًال في شهر معلوم ال
يزيد على ثالثين يوم ًا .فانظر بنفسك الى قيمة الحلول اإلعتباطية .
أ ( .وكانت من القانتين )
قالوا :واألصل القانتات .
إذا أخذنا قولهم على محمل الجد فان األلفاظ ( الكافرون ) ،
( المؤمنون ) وما أكثرها في القرآن إما ال تشتمل على النساء أو
تكون كلها مجازات خالف االستعمال الحقيقي .
فقل لهؤالء المتفيقهين ـ ماذا يطلق على المجموعة من الذكور
وبينهم إناث ـ لفظ الذكور أم لفظ اإلناث ؟
إن لفظ اإلناث خاص ألن األنثى الحقة بالذكر من أول الخلق وأن
السجود كان آلدم دون حواء بينما الذكر عام يشمل على اإلناث بهذا
اإللحاق ( :وألحقنا بهم أزواجهم ) .
وهم يتحدثون عن ( الحقيقة ) العرفية كنوع من أنواع الحقيقة
فإذا جاء وفد يضم النساء بل لتكن النساء أغلبية فهل يقال مثًال ( في
الحقيقة العرفية ) :جاءت بنات تميم أم بنو تميم ؟ .وهل يقول
1
2 103
3
المرء في العرف إذا خرج الناس من الجامعة عند انتهاء الدوام
الرسمي ( خرج الطالب ) أم خرجت الطالبات ؟
لقد تبَّخ رت الحقيقة العرفية لالعتباط خالل بحثه الدؤوب عن
مجاز القرآن! .
هـ .آيات متفرقة ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) ،
( وحَّر منا عليه المراضع ) ( ،ماء دافق ) ( ،حجابا مستورا ) .
لوحظت جميع ًا في كتاب النظام القرآني .
استعمال الحروف في غير معانيها . .10
في هذا الصنف ال يمكن اإلحاطة بالموارد فهي بالمئات .وقد
جاءك أمثلة منها في كتاب النظام القرآني ـ ونناقش القسم األكبر في
أجزاء من كتاب ( اّللغة الموّح دة ) حيث يتوجب إعادة المعاني
المختلفة للحروف الى أصل الحركة ونمر كذلك ببعض الموارد
1
2 116
3
القرآنية .
الحذف : .11
وعّدوه من المجاز وهو أسوأ منه في تدمير اّللغة والتجاوز على
النصوص بأنواعها وليس على النص القرآني فقط وهو ما تالحظه
في الموضوع الالحق ( المبحث الثالث عشر ) .
موارد الحذف بالمئات وال يمكن اإلحاطة بها وقد سقنا نماذج
منها في كتاب النظام القرآني .
.12التشبيه :
عَّده بعض االعتباطيين من المجاز ـ وعارض ذلك األكثرية .
ونقل السيوطي عن عز الدين أنه قال إذا كان بحرف ( أي حرف
تشبيه ) فهو حقيقة وان حذف فهو مجاز .وهو كثير أيضا .ويبدو
أن من ( قّدر ) فيه مفردات من عنده فهو يعَّده من المجاز ومن لم
يفعل اعتبره حقيقة .وتأتي أمثلة في سلسلة النظام القرآني من غير
حرف تشبيه نثبت فيها أنه حقيقية فيها .
1
2 118
3
المبحث الثاني عشر
قيمة النص عند اإلعتباطية
1 ( الحظ دفاع السيوطي في اإلتقان عن مجازية العبارة /ج / 89 / 2دار الكتب العلمية ) 1
2
3 123
4
ينبّـهنا الى أن الكفر هو قضية ذاتية واإليمان قضية ذاتية ال عقلية
وأن هناك نوعًا واحد ًا فقط من الشرك هو الشرك العقلي المنحى .
لذلك خاطب هذا الشرك بالقضايا العقلية وضرب األمثال وساق له
األدلة ،ألنه عبارة عن خطأ عقلي يغفر ثم يبدأ المرء بعقل جديد
ويحاسب على المعرفة العقلية الجديدة بعد اتخاذه هذا الموقف .
أما الكفر واإليمان فليس فيهما ذلك االتجاه العقلي ألن مصدرهما
االرادة الذاتية .فالذي يؤمن بالله ورسله وكتبه ولكنه في فقرة
واحدة من مئات الفقرات يحاول التشريع فيها ومشاركة اإلله على
أي نحو كان لغويًا أو فقهيًا أو كالميًا فقد كفر بتلك الفقرة من
التشريع .وإذا بقي على هذا الحال فهو عند الله كافر ألن الله قد
سّن قاعدة ذكر فيها أن الكفر بالبعض كفر بالكل وجعل إبليس مثًال
لذلك حينما قام بتفسيٍر خاٍص وذاتي المنحى لعملية خلقه وخلق آدم
،في حين كانت غايته تحقيق ( وجوده الذاتي ) مقابل ( الوجود
الذاتي ) لإلله .قال تعالى :
( ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض أولئك هم الكافرون حقا )
النساء .150 /
فمثل هذا المخلوق يكشف عن طبيعته الخاصة من خالل تجربة
ذاتية مع األوامر االلهية .
وإذن فمعرفة اإلله شيء وطاعته شيء آخر .فيظهر من ذلك أن
اإليمان الفعلي ال يبدأ اال حين التخلص من تلك الذاتية .أي من
1
2 124
3
لحظة التسليم والتي تعني اإلقرار بالالشيئية والفناء .وهذا الفهم
هو الذي حاولت اإلعتباطية القضاء عليه .
ومن المعروف أن هذه العملية ليست عمد ّية على مستوى األفراد
فرد ًا فرد ًا بصوره دائمة .فاالعتباطية وهي ( فكر عام ) وعقيدة
معينة تج ِّند لنفسها أعداد ًا كثيرًة تقوم بخدمة الفكرة بصورة غير
واعية أحيانًا .وتقوم اإلعتباطية بمداعبة الالوعي والرغبات الكامنة
في النفس لتحقيق ذاتها بخدعة كبيرة تؤمن بها مثلما يفعل الشيطان
تمام ًا .والناس ينجرفون في الفكر بطريقة أسهل وأسرع من
االنجراف في السلوك الذي ينعكس عن الفكر ـ فاالنجراف في الفكر
هو البداية لكل سلوك خارجي يظهر على الساحة .
أما التناقضات التي أفرزتها اإلعتباطية والمشاكل التي وقعت
فيها فال يمكن إحصاؤها ألن اإلعتباطية تيارات محدودة تجتمع في
هذه الصفة أي في النظرة اإلعتباطية للغة وبالتالي اإلعتباطية في
الفكر والسلوك .فمحاولة جمع آثارها مرة واحدة هو ضرب من
الخيال ،فهي تضم على مستوى المذاهب المجموعات المذهبية كلها
وعلى مستوى الفلسفة االتجاهات الفلسفية جميع ًا وعلى مستوى
اّللغة والنقد المدارس اللغوية والنقدية كلها .
أما القصدية فإنها تظهر بصورتها الفردية المنعزلة دائم ًا ـ
والعزلة هي ( سلوك ) جميع األنبياء ( ع ) واألولياء قبل صدور
األمر اإللهي بوجوب القيام بالتبليغ .فهي تظهر في إبراهيم (ع) :
1
2 125
3
( واعتزلكم وما تعبدون )
وفي مريم (ع) :
( فاتخذت من دونهم حجابا )
وفي عيسى (ع) في الفترة الواقعة بين تكليمهم في المهد وكهًال
:
( ويكلم الناس في المهد وكهال )
وفي يوسف (ع) من غيابت الجب الى السجن وفي أصحاب
الكهف (ع) :
( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون )
وفي صالح (ع) :
( قد كنت فينا مرجوا )
وفي رسول الله محمد (ص) :
(فقد لبثت فيكم عمر ًا من قبله أفال تعقلون )
وبصفة عامة في جميع الرسل واألولياء مثل الساكن في ( مجمع
البحرين ) ومؤمن آل يس الذي جاء يسعى من أقصى المدينة ـ وهي
عبارة تدل على السكن بعزلة في األطراف ـ واللفظ األخير موجود
في تفسير لآلية عن اإلمام علي ( ع ) حيث قال :
( كان قد اعتزل قومه قبل مجيء الرسل ) .
فالقصدية إذن فرد ّية في وجودها .
وقد يقال :لماذا لم تو ّض ح القصدية فكرتها وتحاول تعميمها كما
1
2 126
3
تفعل اإلعتباطية ؟ .
واإلجابة على ذلك واضحة وعسيرة في آٍن واحٍد فهي واضحة
من حيث أن القصدية قامت بما يجب عليها من التوضيح فهذا بشكل
عام ،ولكنها عسيرة من حيث أن اإلعتباطية قامت بما هو مناسب
من العمل المضاد إلخفاء هذا التوضيح باعتبارها قِّيمة على تراث
وأرث القصدية فاحتوته وفَّر قته ثم في الخطوة الثالثة أجهزت عليه
أو ألبسته لباسًا آخر ًا فاإلجابة تكون عسيرة من جهة أنها تحتاج الى
تفصيل وإعادة إلرث الجماعات كلها .
ويقوم مبدأ اإلعتباطية على فكرة تحويل ما هو يقيني الى
مشكوك فيه .فإن من طبيعة اإلعتباطية أنها تنكر الحقائق المطلقة
وتحمل الناس على هذا اإلنكار الذي تزرعه في النفوس زرعًا وإن
لهجت األلسن باإلقرار بالحقائق فهذا اإلقرار ال أهمية له وهو
الشيء الوحيد الصحيح منطقيًا في كّل الفكر االعتباطي .
ويشير القرآن بوضوح الى اإلرث المشكوك فيه عند اإلعتباطية
بقوله :
( وان الذين أورثوا الكتاب لفي شك منه مريب ) الشورى 14 /
ومعلوم أنه يتحدث عن الكتاب باعتباره حقيقة من الحقائق ال
شك فيها وأن الذين يشكون هم الذين أورثوا الكتاب وهم بالطبع
الجماعات الق ِّيمة عليه ظاهريًا والتي تتبنى اطروحاته وتوِّض حها ،
فالقرآن يتهم بصراحة واضحة علماء األديان كونهم أول الناس شك ًا
1
2 127
3
في الكتاب وعملهم بالتالي هو تعميم هذا الشك .وفي لفظ ( أورثوا )
بالبناء للمجهول قضية من قضايا النظام القرآني المهولة في
إعجازه ال تتوضح اّال باستعراض االقترانات فموضعها ليس هنا .
وقد تسأل سؤاًال آخر ًا :إذا كانت القصدية فردية في وجودها
وغريبة عن هذا العالم بما تتميز به من حكمة وترى أن الفكر
اإلنساني ما خال القصدي فيه هو فكر اعتباطي ،وأن التوجه الى أحد
االتجاهين ( الكفر أو اإليمان ) هو أمر ذاتي المنشأ مرتبط بالدرجة
األولى بنظرة اإلنسان الى نفسه والى الله والى العالم فإذا كان
مسِّلما للخالق تسليم ًا كامًال فهو قصدي وإذا كان غير ذلك بدرجة ما
فهو اعتباطي ـ إذا كان األمر كذلك فما الداعي لمثل هذه األبحاث ؟
والجواب قريب جد ًا من الذهن فالداعي هو استدعاء أكبر عدد
من األفراد القصديين الذين يعملون بال وعي منهم وال إدراك في
خدمة اإلعتباطية ليعودوا الى اتجاههم األول وينتموا الى ما يرغبون
في االنتماء إليه والذي احتوته اإلعتباطية بكثرة تآليفها وتنوع
اتجاهاتها المختلفة ظاهريًا فقط .ذلك ألنهم إذا كانوا مقِّر ين
بالعبودية لله فعًال فليس ثمة عند الله إال انتماءين مصير أحدهما
الجنة وأفراده هم :
( ثلة من األولين وقليل من اآلخرين ) الواقعة 13 /
ومصير اآلخر النار وهو االنتماء الذي يضم أمم ًا وشعوبًا كاملة
:
1
2 128
3
( كلما دخلت أمة لعنت أختها ) األعراف 38 /
فهؤالء األفراد على قّلتهم هم في منتهى األهمية من ثالث نواح :
األولى حرمان اإلعتباطية من جهودهم واستغالل قدراتهم والثانية
استحقاقهم الشخصي لبذل أي جهد ممكن إلرجاعهم وانتفاع القصدية
بهم ولهذين األمرين أهمية في سير األحداث وحركة التاريخ ،ألن
األمر الثالث وهو ( إرضاء الرب ) تفسيره الوحيد هو إتمام الشروط
المتعلقة بفعل اإلنسان إلتمام تحقيق إرادته من وجود هذا العدد
القليل ،فما دام الخلط مستمر ًا تبقى مشيئة تحقيق اإلرادة وتغير
العالم معلّـقة الى اجل غير مسمى تسمية محتومة .إذن فغاية هذه
األبحاث هي اإلسراع بهذا التغيير المنشود .
والفكر القصدي هو أصًال لهذه الغاية التي تحقق له الهدف األبعد
( عالم آخر ) أي تمييز القصدي عن االعتباطي فيتوجب على
القصدي أن يعرف نفسه ويميزها عن التيار االعتباطي .وقد أكد
القرآن على ذلك في مواضع عديدة .فالفرز بين االتجاهين هو
المدخل الى الجنة وهذا المدخل هو بداية التغيير :
( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم
الصابرين )
األنعام 142
وهذا فرز بين المجموعة المتصفة بذلك واألخرى والتي لم تذكر
باأللفاظ ألنها واضحة فهي الضد والنقيض لألولى وقد ذكرت في
1
2 129
3
اآلية السابقة ألن هذه اآلية جاءت عقب إرادة التمحيص :
( وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) .
فالفئة االخرى مذكورة لفظ ًا في ما قبلها مباشرة .وكذلك في
موضع اخر حيث الهدف هو إخراج المجموعه المقصودة من هذا
الكل :
( ماكان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث
من الطيب )
آل عمران . 179
فلو تأملت لفظ "المؤمنين" ثم االلتفات الى الخطاب "ماأنتم
عليه" ألدركت عالقات الكّل بالمجموعة المقصودة .
في اآلية السابقة كان دخول الجنة مشروط ًا بهذا التمييز .
وطبع ًا المفهوم هو المفهوم القصدي ال االعتباطي للجنة .ألنه ثمة
جنتان .فاألبدية بعد إلغاء النظام الكوني الحالي والمعروف لدينا ال
نعلم موضعها وال يدخلها اّال من ذاق الموت .واألخرى قبل الغاء
النظام والعالقة لها بالموت من هذه الجهة .
اما عند اإلعتباطية فهذا الفهم ال يحمل خطورة وحسب بل هو
الشيء الذي تحاربه في حقيقة األمر ـ ألن الج ّنة السابقة باب
للدخول إلى الج َّنة الالحقة ،وكالهما لهما مدخل واحد هو
( العبودية ) المتصفة بالتسليم الطوعي والذي هو مضاد لطبيعة
1
2 130
3
وتوجهات اإلعتباطية القائمة على الذاتية وتفخيم ( األنا ) . 1
وهذه االشياء ال يمكن توضيحها هنا بالتفصيل ولكني سقتها
كإجابٍة على السؤال اآلنف الذكر ـ فالتفاصيل تأتي تباعًا خالل
األبحاث القصد َّية.
وقد تالحظ ـ إذا كنت ممن يطالع هذه السلسلة كلها ـ أننا نحاول
التحدث عن أشياء متشابهة كلما سنحت الفرصة بأساليب مختلفة
وسبب ذلك هو إدراكنا أن األفراد المقصودين بها موزعين بشكل
غير منَّظم في تيارات اإلعتباطية والتي لكًل منها اسلوٌب معيٌن في
الكتابة لذلك توزعت هذه السلسلة بين اإلسلوب االدبي النقدي
الحديث والكالمي والفلسفي والديني السلفي ،في حين كان الجزء
االول من ( اللغة الموّح دة ) قد روعيت فيه مصالح الترجمة .
واذا كانت اإلعتباطية بمثل هذا التنوع والسعة فهذا ال يعني أن
المرء يعجز عن النظر اليها بنظرٍة موحدٍة من خالل الخصائص
المشتركة لها ،بل يمكنه ذلك ألن تلك الخصائص تظهر بصور
متعددة في الفكر والسلوك االعتباطي ،على حد سواء .وقد رأيت
في المؤلفات السابقة وفي أبحاث األلفاظ وأنواع المجاز في هذا
الكتاب مدى التخّبط والالعقالنية في تلك األبحاث والذي هو سمتها
المشتركة وبذلك يمكن لنا ان نحّدد الخصائص المشتركة للفكر
االعتباطي .وإن فهم األمور بصورة شاملة أفضل من مناقشة
1 الحظ محاوالت اإلعتباطية جعل الجنتين جنة واحدة من خالل المجاز وهي واحدة من عشرات المحاوالت فيما يخص الجنات والعذاب ومايتعلق بهما . 1
2
3 131
4
الحاالت الجزئية ولذلك وضعت هذا البحث العام عن اإلعتباطية بين
شطرين من التفاصيل الجزئية ليتمكن القارئ من الربط بين السلوك
العملي لالعتباط وبين خططه وأهدافه الشاملة .فمن الخصائص
المشتركة للفكر االعتباطي :
2
3 137
4
هو اإلعجاز .
وهدف االعتباط من ذلك هو تعميم االعجاز الى جميع ما هو
حسن النظم كما ستالحظه في كتاب ( اعجاز القرآن ) للجرجاني
أيضًا .
والمؤلف لم يعّلق بشيء على القصة فيما اذا كانت عبارة ( لم
يشك الجمع ...الخ ) هي جزء من الحكاية ال من كالمه .
ومثل هذا االيحاء تجده في كّل صفحة تحدثت بها اإلعتباطية عن
إعجاز القرآن ـ والقصديون السائرون في ركاب االعتباط الينتبهون
لذلك وتنطلي عليهم العبارات المجاورة لإليحاء االعتباطيي التي
تمِّج د القرآن والنص سواء بسواء .وقد تستغل اإلعتباطية اعجاز
القرآن للتقليل من شأن النبي (ص) ،فابتداعها فكرة ( أمية النبي )
وتفسيرها االعتباطي للنص القرآني ( :الرسول النبي األمي )
منحها طريقة فذة لإليحاء بذلك وكمثال انظر عبارة الزملكاني في
البرهان المذكور :
( هذا وإنه لصادر على لسان من لم يمارس الخط والخطب
وينافس في معرفة الّدر من المخشلب ) . 2وهذا إيحاء للمتلقي
ليكِّو ن صورة غير محترمة عن صاحب الرسالة (ص) ،وهو
يناقض فكرة النظم .ذلك ألن االعجاز اذا كان في ذات القرآن فليكن
صاحب الرسالة ما يكون من العلم والمعرفة فما هي عالقته
2
3 138
4
بالمعجز االلهي المطلق ؟ .
لكن إدراج هذه العبارات وهو يتحدث عن اعجاز النص القرآني
له مدلوالن :األول االساءة للنبي (ص) ،والثاني هو ضمن الفكرة
نفسها ..بمعنى أن ( النظم ) هو موضع اإلعجاز ولكن مع حكايات
اإلعرابي وغيره فإن التفريق بين ما هو معجز وغير معجز شيء
غير ممكن .وإذن فيجب البحث عن دليل آخر وهذا الدليل هو أن
الصادر عنه هذا الكتاب ال يم ّيز بين الّدر والمخشلب وال يحسن
الخطابة وال يعرف الخط فمن أين له هذه البالغة واإلطالع ؟! وإذا
بلغ الموضوع هذه الغاية فالمؤلف يتخذ واديًا يهرب فيه من وجه
القارئ ..ففي تلك النقطة هرب الزملكاني تارك ًا الموضوع الرئيسي
لشرٍح مسهٍب ال طائل من وراءه للحروف المقّطعة في أوائل السور
واتخاذها سّلما إليحاءات أخرى .ومن ذلك العدول عن فكرة األم ّية
الى فكرة أخرى ضمنية مفادها أن األحرف المقَّطعة هي :
( للتنبيه على أن تعداد هذه الحروف ممن لم يمارس الخط ولم
يعان النظر فيه متنزل منزلة األقاصيص عن األمم السالفة ممن
ليس له إطالع على ذلك ) .
وبهذا أثبت مقولة ( للذين كفروا ) !.
ويتوجب على القصدي التوّقف والتمّع ن في المراد من هذه
االنتقالة ،إذ يفهم منها أن إعالن النبي (ص) عن النص القرآنى
هو مثل إعالن الرجل عن أقاصيص من أمٍم سالفٍة لم يّطلع على
1
2 139
3
أحوالها ألنه لم يعش تلك األزمان.
وهذه الفقرة هي نهاية المقالة الموضوعة لإلعجاز وهي الهدف
من وراء البحث الكلي .فالمخبر عن شيء لم يطلع عليه إنما يخبر
عنه سماعًا وجمع ًا لألحداث من السماع وهي الفكرة القديمة نفسها
التي ذكرها القرآن :
( وقالوا اساطير االولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيال )
/الفرقان 5
ومعلوم أن اكتتبها ال تعني سَّج لها بالرمز الكتابي بل طلب أن
تكون كتابًا ويمكن للمرء الحسن الحفظ أن يكتب االشياء في ذاكرته
،ألن القائلين مثل المؤلف يعلمون أن النبي (ص) ال يكتب بالرمز
الكتابي .
وقد مّه ـد لهذه الفكرة وقبولها قبيل ذلك بعبارة يمكنك التأمل
فيها مليًا قال :
( السيما وهي صادرة عن رجٍل عليه مهابة وجاللة قد قام مقام
أولي الرسالة . ) ..
فانظر الى عبارات التنكير في األلفاظ :رجل ،عليه مهابة ،
وجاللة وانظر الى قوله ( قام مقام أولي الرسالة ) .
وهكذا يقوم العلماء بإعادة ( تأسيس ) الكفر داخل مقوالت
الِّدين .
وهذه مجرد نماذج ففي كّل صفحة من صفحات الفكر االعتباطي
1
2 140
3
تجد مخطط ًا ( للشك ) وتحويل الحقائق الى أشياء نسبية .وعلى
ذلك يمكنك القول أن اإلعتباطية التي حاربت النبي (ص) هي التي
استولت على كتابه المعجز وتراثه وجميع إرثه وقامت بتقديمه
للناس بالصورة التي أرادتها فيما بعد .فاإلعتباطية التي حاربها
النبي (ص) هي اآلن الجزء األكبر واألشهر من فكره الذي وصلنا .
وفي نصوص متفرقة للقصدية المطمورة في كتٍب قديمٍة تجد
إشارات للنبي (ص) نفسه يحكي فيها غربته في أّم ته وغربة كتابه
وجهل الناس به وهجرها له رغم زخرفتهم المساجد وتزيينهم
المصاحف في آخر الزمان .فهل هذا هو آخر الزمان يا ترى ؟ ! .
2
3 142
4
إذن فاالبهام الذي يتعّم ده المتكلم ألجل أن يترك المتلقي مع ّلق ًا
بأمله في اصطياد المراد هو هدف بحّد ذاته يعطي للمتكلم ميزة هي
علو كالمه في نفس المتلقي .وهذه الفكرة كلها هي نقيض لفكرة (
الكتاب المبين ) .
وإذا رجعنا الى أنواع األلفاظ والتراكيب نجد أن هذه الصفة
موجودة في ( الهذيان ) ألنه تراكيب مترابطة ال يفهم المتلقي
المراد منها فلماذا يعّدها المتلقي هذيانًا ؟ .
إذن فاإلعتباطية تعّد الكالم الذي يوهم المتلقي هو الكالم الذي
يعلو ،وبالتالي فما الكالم البليغ إال ذاك الموهم والمبهم .ومعلوم
أن النتيجة هذه تخالف تعريف البالغة ،ألن البالغة هي أن يبِّلغ
المتكِّلم مراده من المعاني من خالل الكالم ،وتناقض كذلك أبحاث
الداللة اللفظية وغاياتها ،وهي نقيض للهدف من اّللغة وغاياتها .
فالحركات الصورية أكثر إبهام ًا وإيهام ًا ويتوجب إذ ذاك ترك اللغة
الصوتية ألجل علو تلك الحركات وما تفعله من شو ٍق في النفوس
لمعرفة الحقيقة ( ،صم بكم عمي ) .وتلك هي فلسفة اإلعتباطية
وذلك هو مقدار حرصها على العقل البشري وتطوره واّللغة
وغاياتها .
االستبداد والتّعنت
إن االعتباط فكٌر مستبٌد في خصائصه الذاتية على مستوى
1
2 143
3
أفراده وبالتالي تنعكس استبداديته بصورٍة جليٍة في نشاطاته
المختلفة .ويظهر االستبداد على جميع المستويات ـ األسلوب
وصياغة العبارات واستعمال وسائل التهديد غير المباشر إلحتمال
ولوج الحل القصدي والتلويح باألعلمية واّدعاء الوالية والقرب من
الرضا اإللهي واّدعاء األولوية في اكتشاف الحلول وعدم ذكر
أصحاب الفكرة األولى وإعادة النصوص اإلعتباطية واالفكار بل
والشواهد نفسها والصياغات نفسها مئات المرات في مؤلفات
عديدة وحقٍب طويلٍة من غير اشارٍة الى أنها مزبورة جميع ًا في
مؤلفات السابقين ..الخ وهي خصائص كثيرة جد ًا تجمع السلوك
االعتباطي .
فاإلعتباطية ال تسأم من التكرار واإلجترار قرونًا طويلًة لنفس
األفكار ويعجبها دوم ًا أن تضفي عليها ُح ّلًة جديدًة فهي مثل كائن
عتيق يبّدل زينته كلما رأى أن مالبسه مختلفة عن مالبس اآلخرين
.
وذلك ألن اإلعتباطية وهي فكر عام تغفو أحيانًا العتمادها على
نشاط في جانب معين فتأخذ ( راحة أو إجازة ) من العمل في
الجانب المقابل ـ ولّم ا تصحو تجد أن مالبسها غدت ناشزة فتكتسي
بُح لٍة جديدٍة وتخرج من مخدعها .
واإلعتباطية تّتصف كذلك ـ ونتيجة الستبدادها ـ بالعجلة والحكم
السريع على األشياء بغير رؤية أو دراسة جّدية وحينما تقع في
1
2 144
3
مشاكل معينة فإنها تحّلها بطريقة أسرع بكثيٍر من وقوعها فيها
والنتيجة هي المزيد والمزيد من االعتباط ،وهي تتصف بالغرور
والعنجهية من جهة تعاملها مع الحلول القصّدية والذ ّلة والتمّلق من
جهة تعاملها مع بعضها البعض حيث تكيل المديح والثناء لهؤالء
وتكيل الشتائم والسباب ألولئك ،وتفعل ذلك حتى في لحظات الهدنة
مع التيار القصدي وقيام الحرب بين اتجاهاتها !!
واإلعتباطية بعد ذلك هي مصدر الفقر المادي والفكري وعنوان
البؤس والتباؤس على مّر التاريخ وهو ما ستالحظه فيها خالل
أبحاثنا وفي الواقع الفعلي المعاش .
1
2 145
3
المبحث الثالث عشر
الحــــذف
3
4 147
5
في النظام القرآني الحظنا أن هذا الشاهد نفسه عند البصرة
والكوفة في خصامهما المفتعل تحت موضوع ( هل يجوز تقديم
الفاعل على فعله أم ال ) ؟ .هذا في موضوع النحو ،وأما في
البالغة فقد أوتي به تحت عنوان ( الحذف ) .
وقد ذكرنا هناك أن المتكلم له حريته في اإلختيار فإذا أراد
التنبيه الى الفاعل قَّدمه واذا أراد االهتمام بالفعل قَّدمه .فالنص
يحمل في ذاته مراد القائل ،والتقدير إنما هو محاولة لمشاركته في
أقواله .فالمستجير والمرأة الخائفة من بعلها نشوز ًا في قوله تعالى
:
( وإن امرأة خافت من بعلها نشوز ًا أو اعراضًا ) /النساء 28
وهو شاهد آخر لنا ُقّدموا لهذا الغرض ،وفي األصل ال يوجد
قانون يقول بتأخير الفاعل حتى نبحث عن تقديمه ،إنما دراسة
النص تالحظ ترتيب األلفاظ لمعرفة غايات المتكلم .فاذا ر َّتب
المتلقي ألفاظ المتكلم ترتيبًا جديد ًا فهو يكفر بالنص وقائله .
بل تزعم اإلعتباطية أن هناك ما هو دائر بين الحذف والذكر مثل
( :والسماء رفعها ) ( ،إذا الشمس كورت ) .فاإلعتباطية تّدعي
أن لهذه العبارات أصل هو ( َر فَع السماء ) و ( كِّو رت الشمس ) .1
وهي أشياء تحاول بها تفكيك النص بخالف مراد وغايات القائل .
وفي أمثله أخرى تقّدر اإلعتباطية جمًال أو أفعاًال أو ألفاظ ًا محذوفة
2
3
4 149
5
كان الله أكبر الجميع فهو محدود أيضًا بالنتيجة ألنه قد قيس إلى
غيره ! .والرجل قد فهم األمر بسرعة فسأل ( :فكيف أقول جعلني
الله فداك ؟ )
قال :تقول ( الله أكبر من أن يعرف ) .
وهذا التعميم هو السبب في ترك المفضول في صيغة التفضيل .
بمعنى أن عبارة " الله اكبر " هي عبارة مستمرة دوم ًا مهما جاء
ما بعدها .ولّم ا كان أقصى ما يمكن أن يكون كبير ًا هو المتخَّيل أو
المعروف إجماًال فالعبارة مطلقة ،فهو أكبر من القدرة على معرفته
ـ ألن كّل محدود له معرفة محّددة والله تعالى أكبر من أن تناله أِّي
معرفة .
فإذا تخ ّيلت السموات واألفالك تقول :بل الله أكبر وإذا أردت
توّهمه أو تصوره أو تخ ّيله قلت الله أكبر واذا أردت معرفة ما كان
قبل الخلق قلت الله أكبر .واذن فالصيغة متروك آخرها النها مطلقة
غير متضمنة لحدود ،ولكن اإلعتباطية ال تتورع عن التخريب في
كّل جزء ومكان وهي تقّر ر بعبارات ملؤها الزهو واالفتخار وستأتيك
نماذج منها في بالغة الجرجاني .
وفي الشواهد االخرى مثل ذيول اآليات ( :لقوم يشكرون ) قال
أي يشكرون الله وقد حذف لظهوره .
ترى اذا كان المحذوف ظاهر ًا عند المتلقي ومعلوم ًا فما فائدة أن
تخبره اإلعتباطية به ؟ ولماذا ال تسكت وتتـرك المتلقي يستمع
1
2 150
3
للمقول الظاهر الذي يفهمه جيد ًا ؟ .
إذ يفترض أن يعطي علم اللغة للمتلقي معلومة جديدة عن النص
.أما أن يخبره ( بمحذوفات ) مقَّدرة ويقول له أيضًا ( :إنها حذفت
ألنك تفهمها ) .فهذا مثل ما يفعله رجٌل ظنه أحد المالئكة ناسك ًا إذ
رآه يبكي على قمة جبٍل ! وذلك في حكاية قديمة فسأل الله أن يريه
مكانه في الجنة فرآه في أدنى مرتبة فقال الملك :لم ذلك يارب ؟
فقال له الله تعالى :لقلِة عقله إذهب فانظر مَّم بكاؤه ؟ .فلما جاء
الملك وسأله قال :إني أنظر الى هذا الحشيش فأقول ما أكثره فلو
أن حمار ًا جائع ًا يأكله ،ثم إني رأيت أن الحمار قد ال يقدر على
ارتقاء الجبل وكلما بلغ موضع ًا تدحرج فما زلت على هذا الحال
حتى أبكاني امره !! .
وقد يكون الناسك معذور ًا إذ الحمير الجائعة لها وجود حقيقي
على األرض وربما لدى الناسك ( ُعقدة ) نفسية قديمة من جوع
حماره خاصة ! أما محذوفات اإلعتباطية فلم يرها أحد موجودة
حتى تدعونا اإلعتباطية للبحث عنها والتباكي عليها .فهي تقول
للمتلقي بقوة ( خذها ! ) وبعد هنيهة تقول وبضعف :ال تأخذها
ألنها عندك وتعلمها ! .
وأمثلة الحذف بعد ذلك ال تحصى عدد ًا واليمكن لمنهجنا ذكر
هذه الكثرة والبحث عنها فإنها قد عّم ت النص القرآني من أوله الى
آخره وما نستطيع ذكره هو ما أمكننا جمعه أو ما وجدناهم قد
1
2 151
3
جمعوه في مقدماتهم أو شروحهم البالغية والنحوية فهذه نماذج
أخرى غير ما مَّر عليك :
2
3
4 154
5
قوله تعالى ( :جعل الله الكعبة البيت الحرام قيام ًا للناس ) / /2 /
المائدة 97
هذه اآلية استخدمت كتطبيق للقانون السابق .فاآلية هي جملة
مكونة من فعل وفاعل ومفعول به وإيضاح للمفعول ومفعول ثان
وشبه جملة من جار ومجرور ...والتركيب كله بالترتيب القياسي
البسيط ليس فيه تقديم وال تأخير ! .فلماذا تصّر اإلعتباطية على
تقدير لفظ محذوف قبل لفظ ( الكعبة ) هو ( نصب ) على ما قّدره
( أبو علي ) أو ( حرمة ) على ماقّدره غيره!.
ثم وجدوا أن ( حرمة ) أحسن من ( نصب ) فقّدروه بهذا اللفظ .
فما فائدة ( حرمة ) وهناك تمييز أو بدل مو َّض ح للكعبة كونها
( نصب ( البيت الحرام ) ؟ فقالوا :ألن ( حرمة ) أفصح من
) … وتركوا اآلية وتجادلوا حول الحرمة والنصب مع غياب تلكم
األلفاظ فيها! .
وتلك فصاحة اإلعتباطية ( :حرمة الكعبة البيت الحرام ) !
وعلى ذلك لماذا لم تقّدر اإلعتباطية اسم ًا آخر بعد كّل فعل أو
بعد كّل جعل !؟.
مثل ( :وجعل الشمس سراج ًا ) فتقول :وجعل ( فلك ) أو
( ضوء ) أو ( وجود ) أو ( شأن ) ..الخ .ولنستمر في المناقشة
حول المقدرات ونترك اآليات ألننا يمكن أن نقّدر أي شيء مالئم
في كّل تركيب قرآني بال استثناء إذا أخذنا بقوانين اإلعتباطية
1
2 155
3
وفذلكاتها ! .
قوله تعالى ( :ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) / /3 /
الزخرف 87
ُأنّبـه القارئ الكريم الى مسألة لها داللتها في مناقشات االعتباط
.فإنهم تجادلوا في ( المكان ) الذي يضعون فيه اللفظ المقّدر
المحذوف وهذا بالنسبة للقصدية ال يعني اّال شيئًا واحد ًا وحسب !
وهو ( :أن اإلعتباطية تريد دائم ًا وضع لفظ مقّدر من عندها ) .
فهذا هو الهدف وليس ذلك غاية لهدٍف آخر كالتفسير ونحوه ـ إذ
المفروض أن المحذوف يعلن عن نفسه ويحدد موضعه بنفسه ألن
المحذوف أصل في الجملة والجملة نسق متكامل واذا حذفت منها
شيئًا ألي سبب فيفترض أن ( الموضع ) الذي خال من اللفظ يحكي
داخل النسق ويعلن عن نفسه .لكن لما كان األمر ليس كذلك عند
االعتباط ،فالنتيجة الوحيدة هي أن اللفظ ( غريب ) عن النسق
ويحاول االعتباط أن يجد لهذا الغريب موضع ًا .ومثال ذلك اآلية
الكريمة السابقة .
فاللفظ المقّدر عندهم هو ( خلقهم ) ثان يجب أن يضاف إلى
اآلية ! ولكن أين يضعوه ؟
قال قوم :بعد لفظ الجاللة .وقال آخرون بل قبل لفظ الجاللة . 1
2
3 156
4
واألخير اختاره السيوطي .
وكما ترى فهذا مثل الفقره ( ) 1ألن السؤال ( من ) يسأل عن
فالجواب عليه ( : الفاعل ( فاعل الخلق المتعلق بهم )
الله ) .
وتقديرهم سؤاله :كيف وجدتم ؟ يصح أن يكون جوابه الكيفية
التي تحتاج الى فاعل فيقولون :خلقهم الله .
اإلعتباطية اذن ال تفرق بين الصيغ المتعددة لالستفهام واالجوبة
المالئمة لكل منها وال تدري كيف تعمل أدوات االستفهام ،ألنها في
الواقع ال تريد أن تدري .
1 في االتقان ـ 130ـ وفي مؤلفاتهم االخرى ـ باب الحذف . 2
2
3
4 157
5
حاولوا استجالب نسق سورة المعارج ( :فال أقسم برب
المشارق والمغارب ) ـ لتقديره في نسق الصافات .ولئن سألتهم :
هل نسي المتكلم ( المغارب ) ؟ ليقولن :معاذ الله ،ولئن سألتهم :
هل كان عجًال فتركه هنا ؟ ليقولن :سبحان الله ،قل :فأِذ ن لكم أن
تأخذوا لفظ ًا من موضع فتجعلوه في موضع آخر ؟ سيقولون :ال ! ،
قل :فهل تعلمون مافي نفسه كما يعلم مافي انفسكم ؟ سيقولون :ال
،قل :فهل ترك لفظ ( المغارب ) هنا لغاية يقتضيها المعنى أم
اعتباط ًا ؟ ( ...فسينغضون اليك رؤوسهم ويقولون . ) ...
ويتضح لك من هذه التساؤالت المفترضة طبيعة الحل القصدي
وعالقته بالنص مقابل اإلعتباطية التي تحاول إغفال الغايات
المحّددة للنص بحسب مراد القائل .
( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ) /البقرة 171 /6 /
1
2 158
3
قالوا :أي وما تحّر ك فحذف .
ومناقشته شبيهه بمناقشة ( ورب المشارق ) في الفقرة . 5 /
وهذا على العموم إلبطال مقوالت اإلعتباطية .اما مناقشة النص
نفسه فهي كباقي النصوص غير ممكنة في هذا المختصر .
وهذه جمله من ( الكنوز ) التي كانت محذوفة في النص القرآني /9 /
1
2 163
3
المبحث الرابع عشر
تقديم الخبر على المبتدأ
2
3
4 165
5
فعليين ! فهو يجعل البنين الفعليين بني البنين دون بني البنات .وال
يعزب هذا الفهم عن االعتباطيين المولعين باألنساب واألحساب ،
والذين يقصرون البنّو ة لبني األبناء الذكور تملق ًا للتيار العباسي
الذي يجابه التيار العلوي بمثل هذه األفكار باعتبارهم بني األبناء
وأولئك بني البنات إشارة الى الزهراء ( ) بنت النبي ( ص ) ـ ال
تعزب هذه المفاهيم عن التيار االعتباطي ـ والبيت إنما هو من
وسائل الدعاية لهذه المسألة .
ولكن ما دام التعريف يتحّو ل الى بني األبناء ـ وهم أكثر أهمية
ألنهم المقصودون بذلك وما دام ذلك ليس فيه إّال مزيد شرف
للممدوحين ويحل اشكاًال في التقديم وتأخذه الناس على أنه شاهد
لتقدم الخبر فلماذا ال تحاوله اإلعتباطية ؟ بل تحاوله حتى لو ناقض
مباحث الداللة وناقض المنطق اللغوي وناقض مراد الشاعر ـ ألن
التناقض ليس اسلوبًا في اإلعتباطية ـ بل التناقض هو هدفها من
العملية كلها .
1
2 166
3
المبحث الخامس عشر
تقديم بعض األسماء على بعض
في القرآن
2
3
4 167
5
غيره .وهي تختار الموارد الواضحة وضوح ًا كافيًا ـ وال تبحث عن
الموارد التي يتغّير فيها هذا الترتيب .وتكتفي عند التغّير بذكر
شاهد واحد ويستمر االعتباط بذكر الشواهد نفسها ألف سنة
وأربعمائة سنة أخرى بعد األلف ! .
والذي يحّدد التقديم والتأخير عندهم هو الرتبة المتعلقة هنا
بمفهوم أو معنى اللفظ وهذا مثال متكرر لالعتباط :
الغفور الرحيم : المغفرة سالمة والرحمة غنيمة والسالمة
مطلوبة قبل الغنيمة .1
ولّم ا وَج َد ْت في سورة سبأ تغّير الترتيب ( وهو الرحيم الغفور )
قالت اإلعتباطية بضرورة قراءة اآليات كاملًة فوجدت أن الحديث
فيها هو عن الكائنات كلها والرحمة عاّم ة والمغفرة خاصة والعام
مقّدم على الخاص .
إذن فمنهج االعتباطية متغّيٌر وظروف الدراسة متغيرة .أَو
ليست الكائنات تف ِّض ل السالمة قبل الغنيمة كما في اآليات االخرى ؟
أَو ليس اإلنسان من الكائنات ؟
ففي المرة األولى المقياس هو معنى اللفظ وموضوعه المتلقي !
.
وفي المرة الثانية المقياس هو سياق الحديث وموضوعه فيما
هو خاص وعام من جهة الصدور أي صدور المغفرة والرحمة من
1
2 169
3
/ المائدة ..الخ عزيز ذو انتقام 95
/ العزيز الحميد 8
البروج / 1 ،إبراهيم .
قال :أي فاعلموا إّنا بغاة وكذلك أنتم ألن الخبر يجب أن يأتي
أوًال فتعّج ل الشاعر ذكرهم ألنهم أكثر بغيًا من قومه .
وهكذا ترك االعتباط اآلية وعّلقها على ما هو مثل معنى بيت
الشعر .وأود من القارئ أن ينتبه معي اآلن ويراجع نص اآلية فان
المجموعات المعطوف بعضها على بعض هي بالترتيب اربع
مجموعات ( :إن الذين آمنوا ،والذين هادوا ،والصابئون ،
والنصارئ ) .واالعتباط أخرج الصابئين فقط من النص وقّدم الخبر
وتم تزحيف النصارى مع أن ( الصابئين ) قبل النصارى في
الترتيب .لماذا ؟ ألن المؤلف أراد اعتبار ( الصابئين ) أشرار ًا بما
يكفي إلبعادهم وتأخيرهم .مّر ة أخرى أؤكد أنه قد قام بذلك بالرغم
من أن ترتيبهم هو الثالث والنصارى هو الرابع .
انظر ما قال ( :ذلك ألن الصابئين أبين هؤالء المعدودين ضالًال
وأشدهم غيًا وما ُس موا صابئين اّال ألنهم صبئوا عن األديان كلها
) !!
وذكر الماتريدي في وجوه التفسير الشيء نفسه وأبعد الصابئين
قال:
( وقيل فيه تقديم وتأخير كأنه قال أن الذين هادوا والنصارى
2
3 177
4
من آمن منهم بالله واليوم اآلخر والذين آمنوا ) . 2والوجوه
مذكورة في أكثر التفاسير المطولة .وخال هذا الوجه تمام ًا من
الصابئين كما ترى .
ولكن االعتباط ينسى أنه حينما يريد تعريف الملل ،فقريبًا جد ًا
يقول عن الصابئة :
( إنهم قوم يعبدون الكواكب ويذهبون مذهب الزنادقة ويقولون
بإثنين ال كتاب لهم وال علم لنا بهم )
ومعلوم أن هذه العبارة متناقضة فالزنادقة شيء وعبدة الكواكب
القول ( ال علم شيء وأهل اإللهين قوم غيرهم وكلها تناقض
لنا بهم ) فمن أين جاءوا إذن بهذه المعلومات ؟ وكما تالحظ في
العمل التفسيري فان ( رائحة ) الترويج لليهود والنصارى دون
الفئات األخرى واضحة وظاهرة .
واالعتباط ال يدرك بالطبع أن هناك آيتين ( متشابهتين ) في هذا
السياق وأنه يقوم بعمل مختلف عند شرح كّل منهما في موردها .
ففي آية البقرة :
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن
بالله واليوم اآلخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم وال خوف
عليهم والهم يحزنون
حيث جاء ترتيب الصابئين رابع ًا استبعدوهم من األجر واألمان
2
3 178
4
من الخوف وفي آيه المائدة حيث جاءوا بالترتيب الثالث أّخ روهم
مع ( خبرهم ) في جملة مقدرة الى الترتيب الرابع وفي كّل ذلك ال
نجد شيئًا له عالقة بالتفسير ..إنما له عالقة باألهداف والصراعات
الم ّلية .فكيف تريد من الفكر االعتباطي اللغوي أن يخبرك عن سبب
التغّير في الترتيب بين النصارى والصابئين دون الفئتين األخريين
في النص القرآني بين المائدة والبقرة واالعتباط مشغول بالبحث
عن ترتيب جديد يخ ّص ه هو مقابل النص ؟؟ .
وانظر اآلن من هو الذي صبأ فعًال عن األديان كلها ؟
فإن هذين النصين قد فضحا الفكر االعتباطي من جهة أخرى .
فالمجموعات األربعة جمعها الله في م ّلة واحدة بمواصفات موّح دة
هي ( األيمان بالله واليوم اآلخر والعمل الصالح ) ـ ولم يشترط
شروط ًا أخرى تخّص ص اإليمان برسول معين وذلك هو ماتم ّيز به
( االسالم المحمدي ) ،فإذا آمنوا بشريعة النبي ( ص ) فقد خرجوا
من تسمية ( نصارى وصابئين وهادوا ) ـ والنص القرآني أبقاهم
في مّلتهم مع تلك الشروط فَش ْت مهم والتهّج م عليهم ال يتجزأ أي أنه
( الذين آمنوا ) به ولكل شتيمة لإلسالم المحمدي وللصحابة
مؤمن بالله يعمل صالحا من كّل األماكن واألزمان حيث هم إحدى
المجموعات األربعة .فأقرا اآلية لترى أن اإلعتباطية وهي تسُّب
إحدى المجموعات إنما ُتخِر ج بهذا السب نفسها من المجموعات
األربعة .فاإلعتباطية تشتم ( الصحابة والتابعين والتابعين لهم
1
2 179
3
باحسان ) وكل مؤمن الى يوم الدين .
ولربما تدرك جيدا أن المجموعات األربعة هي االتجاه القصدي
وهي مجموعات فرد ّية متفرقة في الملل ،وان االعتباط هو األكثرية
وغاية االعتباط بالطبع هو تأجيج الصراعات والحروب وإثارة الفتن
وهو نقيض الغايات التي جاء بها االسالم من الجمع والتوحيد .
واإلعتباطية لم تستخدم هذين الموردين فقط لتحقيق أهدافها في
الصراعات وتفريق الملل والشعوب وإنما استخدمت كّل النصوص
ذات العالقة .
واالسلوب هو نفسه اي شتم القصّدية وحرف الناس عنها من
خالل القصدية ونصوصها ـ فحيث ال يمكن لالعتباط من الجهر
بمحاربة الدِّين يقوم بمحاربته من داخله ـ واالعتباط في الملل
مصطلح االخرى يؤدي الدور نفسه .ففي الغرب يستخدم
( المحمديون الوثنيون ) ،واالعتباط ( المسيحي واليهودي ) يتمّلق
الدين بشتم نفس الدين من خالل تسمية أخرى ـ تمام ًا مثلما يفعل
االعتباط في ( اإلسالم ) حينما يقوم بمحاربة اإلسالم من خالل
عناوين أخرى .
فمن النصوص المستخدمة جميع النصوص المتعلقة بالتسميات
:النصارى ،أهل اإلنجيل ،اليهود ،الذين هادوا ،بني إسرائيل ،
الذين أوتوا الكتاب ،الذين آتيناهم الكتاب ..الخ .ومعلوم أن هذه
االلفاظ والمركبات المتنوعة في القرآن تحمل داللتها المستق ّلة ،
1
2 180
3
فكانت المرادفات هي السالح المكين لالعتباطية لخلط األمور
وتمرير أفكارها ـ ومثال ذلك أنها استعملت اآليات التي تهاجم فئات
معينة لتفسير آيات أخرى تتحدث عن القصدية ووحدتها العامة في
القرآن ـ واشاعت أن العهدين القديم والجديد ليس فيه شيء من
كالم الله ،وإن وجد فهو منسوخ وذلك إلفراغ القرآن من محتواه
الشمولي باعتباره ( مهيمنًا ) على الكتاب و ( مصّدقًا ) لما بين
يديه من الكتاب وشارح ًا لغوامضه بما فيه من نظام محكم وصارم
فكانت تلك الفكرة التي هاجمت ظاهريًا أهل الكتاب هي بغية
اإلعتباطية في أهل الكتاب وهدفها ـ كما في قوله تعالى (:كلما
أوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ) ـ إذ التفريق وتأجيج الحروب هو
طبيعة من طبائع االعتباط .الحظ بعض النصوص :
وليحـكم أهُل اإلنجيل بما أنزَل اللُه فيه وَم ْن َلْم يحكم بما أنزَل اللُه
فأولئك هم الفاسقون .
ويدل النص على أن ما أنزل الله في اإلنجيل موجود والقرآن
أو يطالبهم بالحكم به بينما يشيع االعتباط أنه ال وجود له
( منسوخ ) أو ( محّر ف ) !!
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونوٌر يحكم بها النبيون الذين
أسلموا للذين هادوا والربانيون واالحبار بما اسُتحفظوا من كتاب
الله وكانوا عليه شهداء فال تخشوا الناس واخشون والتشتروا
بآياتي ثمنًا قليال ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون
1
2 181
3
44 المائدة /
ويشير النص بوضوح الى التيار القصدي الذي يدرك ما استحفظ
من الكتاب والذي يخشى الحكم به من الناس فيطالبه القرآن اّال
يخشى الناس .ولّم ا أشار النص الثالث المتعلق بهذا الترابط بين
الكتب في تصديق بعضها لبعض وطالب النبي ( ص ) بالحكم لم
يذكر الحكم بما أنزل الله في القرآن خصوصًا بل طالبه بالحكم بما
انزل الله بصفٍة مطلقٍه وشمول الكتب كلها بالحكم الحظ النص :
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصّدقًا لما بين يديه من الكتاب
ومهيمنًا عليه فاحكْم بينهم بما أنزل الله وال تتبع أهوائهم عما
جاءك من الحق لكٍل جعلنا شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمًة
واحدًة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم المائدة 48 /
فالشرعة والمنهاج شيء واإليمان بالله واليوم اآلخر والعمل
الصالح شيء آخر .إن الشرعة والمنهاج هي اسلوب العمل الصالح
.ولك أن تالحظ أن النص اشار الى إنزال الكتاب وهو في منهجنا
القرآني قطع ًا ليس القرآن فقط .وإنما هو الكتاب الكلي الذي يشتمل
على كّل الكتب السابقة ويزيد عليها فالحظ دخول ( من ) البعضية
على الكتاب الثاني ـ فالكل مهيمن ومصّدق لجميع األجزاء .
واإلعتباطية ال تدرك بل ال تريد أن تدرك الفوارق اللفظية وال تم ّيز
بين الوحي والتنزيل واإلنزال ،وال تفّر ق بين الكتاب والقرآن وما
هو من الكتاب وال تعلم وال تريد أن تعلم الفرق بين اهل الكتاب
1
2 182
3
والذين أوتو الكتاب ..الخ فعملها وغايتها هو االعتباط .
وبصفة عامة :فإّن الفكر االعتباطي يحاول تج ّنب النظام
القرآني ويف ّض ل الخوض في المجازات واالحتماالت .وحينما يبّر ر
هذه العملية فإنه يرد على نفسه ـ فالمبرر الذي تكرره اإلعتباطية
هو أن القرآن ال يعلم تأويله إّال الله .فهنا مناقشتان تصّح ان
إلسكاته .األولى :إن التأويل المطلق ال يعلمه إال الله ـ ألن الفاظ
هذا النص مطلقة فال يمنع ذلك من دخول التأويل الممكن معرفته
والذي هو جزء من المطلق ،إذ لو كان المعنى ال يعلم أحد تأويله
مطلق ًا بأِّي حٍد من الحدود فإنزاله عبث وإذا كان يعلمه أفراد على
الخصوص فِلم ال تَّتبع االعتباطية أولئك األفراد ؟
والثانية :إن تأويله ( أي حقيقة مطابقة معانيه أللفاظه ) إذا لم
يكن ممكنًا فمن أجاز لالعتباط التصّدي لتأويله ؟! إذ السكوت أولى
بها ! .
لكن اإلعتباطية شأنها التناقض أبد ًا في المبادئ والسلوك فوجود
األفراد القصديين القادرين على تأويله يمنعها من القيام بتأويله
وبهذا الخصوص تقّر ر أن ال أحد يعلم تأويله .وعند غيابهم تقّر ر
إمكانية تعديد االحتماالت والوجوه لتأويله ،فأخذ القليل خير من
ترك الكثير ! .لكن القليل من االعتباط هو شر فما بالك بالكثير !
فاإلعتباطية حصرت التأويل بنفسها وهذا هو المطلوب.
وحينما يقوم األفراد بمتابعة تأويل اإلعتباطية فإنما يقومون
1
2 183
3
بمتابعة من هو ( مثل الحمار ) ألن ذلك هو المثل القرآني لمن
يحِّم ل األمانة لشخوص ال يحملوها ( أمانَة َفْه م النص اإللهي ) :
مثل الذين ّح ِّم لوا التوراة ثم لـَْم يحملوها كمثِل الحماِر يحمُل
أسفارا .
والتابع أدنى رتبة من المتبوع فيلزمه انطباق المثل عليه
بصورة أشمل .
ومعلوم أن االعتباط يحتال على هذا النص كما يحتال على غيره
النه يشعر أن النص يتحدث عن االعتباط .
بيد اننا نكشف في النظام القرآني الفوارق الكبيرة بين ( الذين
آتيناهم الكتاب ) و ( الذين أوتوا الكتاب ) .فالمجموعة األولى نسب
فيها اإلتيان الى السماء والسماء ال تختار اّال رجاًال صالحين يؤتيهم
الله علم ًا لدنَّيًا لمعرفة الكتب المنزلة وأنظمتها .أما الذين أوتوا
الكتاب بالبناء للمجهول فهم مذمومون في جميع الموارد بعكس
المجموعة األولى ،ألن هؤالء سَّلمتهم األمم مهمة الكتاب ولم
يسِّلمهم الله هذه المهمة وقبلوا بذلك لحمقهم وغباءهم فلم يقدروا
على تحّم ل األمانة وخانتهم اللغة ونظامها ففضحوا أنفسهم.
والذين ُح ِّم لوا التوراة إنما هم مجموعة فرعية من أولئك .
لكن االعتباط حاول االحتيال على هذا النظام الدقيق لالستعمال
القرآني فزعم أن ( الذين آتيناهم الكتاب ) هم ( أهل الكتاب ) حسب
المرادفات وهم اليهود والنصارى .
1
2 184
3
واالعتباط دوم ًا يصنع ألفاظ ًا يف ّس ر بها ألفاظ ًا أخرى .من اجل
ذلك تميز كتاب "النظام القرآني" بوضع قواعد قاسية لمجابهة
االعتباط وسلك منهج ًا محدد ًا في قصدية األلفاظ القرآنية سميناه
هناك ( المنهج اللفظي ) ،ومثل هذه المباحث قد تأتي بإذن الله
مف َّص لة في كتٍب الحقٍة .لكننا نعتقد أن االمر واضٌح إذا قرأت ما
ذكرته بتأٍن وراجعت الموارد القرآنية بخصوص تلك االلفاظ ،
وعليك أن تعلم أن النص اذا كان يقصد ( اليهود والنصارى ) فقط
جاء بمركب يم ّيز به هذا االستعمال هو ( من قبلكم ) ـ وعند غيابه
فالمقصود بالطبع ( الحمير ) االعتباطيين من جميع الملل على
التمثيل القرآني ( مع االعتذار للقصدية هنا في استعمال اللفظ
مجرد ًا عن أدوات التشبيه وعلى الطريقة اإلعتباطية ) .
1
2 185
3
المبحث السادس عشر
في أسباب التقّد م
2
3 188
4
النموذج الثاني :أرادت االعتباطية وضع قواعد الرتبة لأللفاظ
أيضًا أسوًة باألعداد ! .
فزعمت أن قوله تعالى :
إنما أموالكم وأوالدكم فتنة / التغابن 15 -
( تقديم األموال من تقديم السبب فإنما يشرع في النكاح عند
قدرته فهو سبب التزويج والنكاح سبب التناسل فالمال سبب للتنعم
بالولد وفقده سبب للشقاء به ) .
ولكن اإلعتباط ّية وليس بعيد ًا عن هذا الموضع بل في نفس
الصفحة وما يتلوها ذكرت سبب تقدم األلفاظ والمسميات في قوله
تعالى :
ُ ز َّين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة
من الذهب والفضة والخيل المسَّو مة واألنعام والحرث /آل عمران/
14
فقد تقَّدم البنين هنا على المال !
قالت ( :فلما صِّدرت اآلية بذكر ( الحّب ) اقتضت حكمة الترتيب
أن يقِّدم ما هو األهم فاألهم في رتبة المحبوبات فَأَّخ َر ذكر الذهب
والفضة عن النساء والبنين ألنهما أقوى في الشهوة الجبلِّية من
المال فان الطبع يحث على بذل المال لتحصيل النكاح والولد ) .
ويمكن للقصدية أن تسأل :إذا كان األمر كذلك وجَب أن يقول
في اآلية األولى ( إنما أوالدكم ) ألن األوالد أقوى في الشهوة وأهم
1
2 189
3
من المال الذي يبذل ( بالطبع ) لهما وبالتالي تكون ( الفتنة ) بهما
أشد وهي موضوع اآلية األولى !
ففي نفس الصفحة يقدم االعتباط المال على الولد ثم يقوم بتقديم
الولد على المال لتفسير آية أخرى بناء ًا على سبٍب واحٍد متالعبًا
باأللفاظ !
2
3
4 191
5
عن مراحل الخلق وما تعلق به من أرزاق مقَّدرة تقدير ًا .
2
3 192
4
بل يمكن القول إن هذا المرّك ب ( سميع عليم ) مختص بالرحمة
،وإذا ورد في حاالت التجاوز فالمقصود به والمخاطب به أولئك
المبرءون من التجاوز مثل :
فإنما إثمه على الذين يبِّدلونه إن الله سميع عليم / البقرة
181
( فالسميع العليم ) مرّك ب ( االطمئنان ) ونزول الرحمة وتبديل
السيئات الى حسنات فالحظ بنفسك بقية الموارد .
1
2 195
3
النموذج الخامس :في قوله تعالى :
واسجدي واركعي مع الراكعين / آل عمران 43 -
وقوله :
للطائفين والقائمين والركع السجود / آل عمران 26 -
تخّبطت اإلعتباط ّية في تخريج تقدم السجود على الركوع في
األولى وانعكاسه في الثانية .فلم تتمكن بواسطة الرتبة من حّل هذا
اإلشكال ولذلك قدمت ( متواضعة ) هذه المرة بعض االقتراحات
االعتباطية وذلك حينما جوبهت بالسؤال :
( إن الركوع مقَّدم على السجود بالزمان والرتبة ومساس
األرض ) !
فمن تلك المقترحات :
أ .إّن ( اركعي ) بمعنى ( اشكري ) ! وهكذا تتخلى االعتباطية
عن الداللة الشرعية والعرفية واالقتضائية والتضمنية وجميع
الدالالت ! .
ب .إن ( اسجدي ) بمعنى صلّي ـ كي تتقدم الصالة في عمومها
على الركوع وهو مثل االول .
ج .إن اسجدي :صلي في بيتك واركعي :صلّي جماعًة .
وهي محاولة لالستفادة من عبارة ( مع الراكعين ) وذلك بالرغم
الجماعة ( أفضل من أن المأمور امرأة .ولما كانت الصالة في
) دوم ًا في الحل االعتباطي فقد انتقض الحل واختل الترتيب .فقالوا
1
2 196
3
:بل يبقى ألن صالة المرأة منفردة أفضل من صالتها في جماعة
( في جميع التفاسير المطولة ) .1
والقصدية تسأل :ما ذنب هذه الصِّديقة فيحرمها الله من الصالة
األفضل ولماذا ال يمنحها الحرية كي ال تحتسب حسناتها مّر ة أقّل
ومرة أكثر ما دامت صالة الجماعة جائزة لها وليست محرمة ؟ .
وكان المفروض أن اآلية األولى سائرة في الحّل ألَّن ( السجود
مقدم بالرتبة على الركوع ) فلما وجدوا تقّدم الركوع في الثانية
وفي قوله تعالى ( تراهم رَّك ع ًا سجد ًا ) ووجدوا تقدم الركوع في
الزمان ومساس األرض في الصالة انعكس األمر فأصبحت اآلية
األولى هي المخالفة للحل االعتباطي .
أما الحّل القصدي فواضح ـ إذ أنه ال يقّر ر وجود رتبة محددة
لكّل لفظ بل التقديم والتأخير يحّدده المتكلم لغاياته اآلنية خالل
الواقعة وموضوعها ومثلما أوضحناه في بداية هذا الموضوع في
األعداد .
فالخطاب الموّج ه لمريم ( )وهي امرأة ،أجاز لها الشرع
أشياء لم يجزها للرجل وتسامح في عبادتها في مواضع عديدة
معلومة ـ في مثل هذا الخطاب يتوجه األمر من الحركة األدنى الى
الحركة األعلى .مثلما تقول إلنساٍن ما ( :تحّر ك قليًال ) ثم تقول :
أمش ثم تقول :بل اركض إن قدرت ) ـ ولو بدأت بالركض أوًال لما
2
3 197
4
كانت هناك فرصة الستئناسه وتطمينه على موافقتك إذا اقتصر على
المشي أو الحركة .فهذا الترتيب يمنحه العزيمة على فعل األشياء
كما ر ّتبتها له وهذا واضح .فالحركة بشأن مريم ( ع ) انتقلت من (
اقنتي ) حيث القنوت مناجاة ال تحتاج الى حركة الى ( اسجدي )
وهو أمر أعلى حركة وصرف للطاقة وانتقلت بعد ذلك الى ( اركعي
) وهو أعالها حركة فقال ( مع الراكعين ) كي ال يفوتها الركوع
الذي يفعله الرسل واألولياء فليس ثمة صالة مفردة وصالة جماعة
ـ إنما هي معية ألمثالها من األولياء في كّل األزمان .
أما اآليات األخرى فهي بحركة معكوسة الختالف المخاطبين
والموضوع .
األمر اإللهي إلبراهيم وإسماعيل هو تطهير البيت ( وطهرا بيتي
هو ) والسؤال المفترض اآلن هو :لمن ؟ والجواب
( للطائفين ) ومعلوم أن الطائف ـ يطوف ويخرج فالحركة اآلن
تصاعدية :بل للقائمين أيضًا ! وهؤالء زمنهم أطول والخدمة التي
يحتاجونها أكبر وال زالت الحركة تتصاعد ( والرّك ع السجود )
وهؤالء بقاءهم أطول وخدمتهم أكثر فأعطى ( السجود ) داللة
وصفية ووصف به الرّك ع وذلك إلمكانية أن يقوم الرّك ع بالسجود
وتج ّنب ذكر طائفة رابعة وأوحى للرّك ع بضرورة السجود مثلما
أوحى للقائمين بضرورة الركوع ومثلما أوحى للطائفين بضرورة
القيام .فبالنسبة للزائرين كان الترتيب تنازليًا وبالنسبة للمأمور
1
2 198
3
بالتطهير وهو مركز هذا الترتيب كان تصاعديًا ( إذا خدمت
الطائفين فاخدم القائمين ) فكيف ال يخدم والعبادة تتصاعد ؟ ( وإذا
خدمت القائمين فاخدم الركع السجود ) فكذلك يفعل .
أما الرتبة الذاتية للمفردة فهي موضوع آخر في العبادة وتلك
مسألة شرعية ،فالترتيب نفسه أعلن أن القيام مع الطواف أفضل (
لنفس الشخص ) من الطواف وحده .وبالطبع فليس ثمة قيام بال
طواف ! والقيام أسهل والمثوبة أعظم .
وكذلك أعلن أن الركوع مع القيام أفضل وليس ثمة ركوع بال
قيام ! وكذلك األمر في السجود ـ وليست هناك أفضليات قائمة في
األلفاظ والرتب فاألمر هنا عام للخلق كلهم ـ وهناك خطاب خاص
إلمرأة صّديقة ،فيحكم ترتيب األلفاظ موضوعها والمخاطب بها
ومراد المتكلم وأحوال المتلقي وعالقته به ـ شأنه شأن أّية عبارة
يرتبها المتكلم في موضوعها وأحواله .وفي القرآن تكون المشكلة
أكبر بكثير بل ال يمكن تقدير حجمها ألن اآلية ليست منتظمة في
ذاتها فقط وإنما هي متصلة لفظيًا بجميع اآليات باالقتران المباشر
وغير المباشر ـ فتحديد رتبة للفظ إنما هو خروج تام عن هذا
النسيج وفرار من نظامه .
نعم للمفردة معنًى محدٌد في المنهج اللفظي يتم بموجبه إلغاء
المترادفات وهذا ال عالقة له بالرتبة المذكورة في االعتباطية وقد
تو ّض ح لكم كما ينبغي .
1
2 199
3
1
2 200
3
المبحث السابع عشر
همزة االستفهام
يقوم الحل االعتباطي بتقرير وضع الداللة الخاصة بكل لفظ خالل
( معاناته ) تجربة اإلجابة على االشكاالت اللغوية ،فيضع الحل
خالل العملية ال قبلها ،وهذا يعني أن موضوع اإلشكال ينعكس
نفسه بأثٍر معيٍن على الحل ـ فكأن االعتباطية وفي كّل حالة من
حاالت اإلشكال ليس عليها إال التخلص من ذلك المورد وحسب
سواء كان أدبيًا أو خطابيًا أو قرآنيًا أو غير ذلك .وهي تكره أيضًا
وضع منهج محّدد ألن ذلك يق ّيدها ويغاير أهدافها .
حينما تدخل همزة االستفهام على األلفاظ ـ فال حدود معينة لهذا
الدخول إذ يمكن ترتيب نفس الجملة بصور مختلفة كّل منها يؤدي
غرضًا ما .وحاول معي اآلن أن تجرب بطريقتك وباالستعماالت
العامية جد ًا كيفية طرح سؤال عن قيام شخص معين وخروجه من
عندك .فمرًة أنت تطلب قيام زيد في حاجة ما واآلن فأنت ال تراه
أمامك وعندئذ تسأل َ ( :أقام زيد ؟ ) ليذهب في الحاجة ؟ وبالطبع
فيتوجب اآلن على المجيب إن أراد الدقة أن يقول :ال أو نعم .فإذا
كان عمرو قد ذهب بدًال عنه يقول :ال بل قام عمروا .
فلنفرض اآلن فرضًا آخر :
قام أحدهما ليذهب في الحاجة ولكنك ال تعلم من هو :زيد أم
1
2 201
3
غيره ؟ فكيف تصوغ السؤال :مثل األول أم بصورة أخرى ؟ .
الُع ّو ام وعلى السليقة يصوغونه بطريقة مختلفة حيث يقدمون االسم
فيقولون (أزيٌد قام ) ؟ والمجيب اآلن يعلم أنك تسأل عن الفاعل .
أما الفعل فإنك تعلم أن أحد ًا ما فعله .في هذه الحالة إذا كان هو
فيقول :نعم .زيد قام .وإذا كان غيره يقول :بل عمرو قام .وال
يتوجب عليه أن يقول :ال .لماذا ؟ ألن السؤال السابق كان عن
الفعل وال بديل للفعل ألنه ثابت وهو( القيام ) ،أما في هذا السؤال
فالبديل موجود وهو عمرو ألن السؤال عن الفاعل فإذا قال لك :بل
عمرو .علمت أنه يريد عمرو ال زيد فال يحتاج أن يبدأ بنفي قيام
زيد .ولكن المجيب إذا َع ِلم أنك ال تبحث عن الخبر مجرد ًا بل تبحث
عمن فعل أي قيام فيجب عندئذ أن يبدأ اإلجابة بالنفي :ال .لم يقم
زيد بل عمرو .ليخّلص زيد ًا من القيام مطلق ًا .كذلك إذا كان يريد
الوشاية على زيد وتذكيرك بعدم تنفيذ األمر .وهذا موضوع خارج
عما نحن بصدده اآلن ـ إذ سيقوم بالوشاية أو بالتذكير لغرض آخر
واحتماالت ذلك ونبرة إطالق الكالم كثيرة جد ًا ،ونحن نتحدث اآلن
في صياغة الجملة لغويًا خالية من كّل غرض سوى اإلخبار المجّر د
عن قيام أحدهما .
لكن اإلعتباط ّية تـزعم أن جواب الهمزة هو دوم ًا بـ ( نعم )أو
( ال ) وأن ( بل ) ال تصلح لتصدير الكــالم . 1واالعتباطية ليست
2
3 202
4
غافلة بالطبع عن أّن السؤال وجوابه هو محاورة متصلة دوم ًا وأن
المخاطبات في المحاورات تجري دائم ًا على أن الكالم مستمٌر وليس
متجدد ًا ـ وأن المجيب والمحاور يكمل أحدهما لآلخر جمًال وعبارات
كّل ذلك ليس بغائب عن االعتباط .
فلماذا فعلت ذلك ومتى ؟
قررت االعتباطية هذه القاعدة بصورة مفاجئة خالل بحث اآلية :
أأنت فعـلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم .قال بل َفعلُه ك َبيرُهم هذا
فاسألوهم أن كانوا ينطقون / األنبياء – .63
أما لماذا فعلت ذلك ؟ ،فألن المجيب إذا قال ( :ال .لم افعله بل
فعله فالن ) يكون قد أنكر وقوع الفعل منه بصفة مطلقة وحينما ال
يأتي بـ ( ال ) فهو يشير الى الفاعل وحسب ويمكن في هذه الحالة
أن يكون هو فاعل أيضًا بالمشاركة أو بالتبع ّية ولكنه يجيب عن
الفاعل الحقيقي .
مثال ذلك :إذا عاتبت موظف ًا حكوميًا فقلت :أأنت فعلت هذا ؟
فإذا قال ( :ال بل فعله القاضي ) فمعناه أن القاضي قام بنفسه
بالعمل كامًال وإذا قال ( :بل فعله القاضي ) يكون المعنى أنه فعله
ولكن الفعل الحقيقي واألمر صادر من القاضي .
غاية االعتباط هو تثبيت ( ال ) كإجابة مقّدرة على االستفهام
وبذلك يكون إبراهيم قد أنكر وقوع التكسير منه بصورة مطلقة وهو
1
2 203
3
خالف الواقع إذ يخبرنا القرآن أنه قام بفعل التكسير قبيل ذلك .
وحينما وصل االعتباط الى هذه النتيجة بلغ غايته من السرور
لحدوث التناقض الذي يحتاج الى حل ،وقد تخّيل المؤلف أن ( رجًال
) محبًا للقرآن يحاوره ويعرض عليه حلوًال لتقدير الجملة
واالعتباطي يأبى ويف ّند تلك الحلول وعندئذ قال ( القصدي )
المسكين ( :يلزم على ما ذكرت أن يكون الخلف واقع ًا ) ..أي
التناقض !
فيقول المؤلف االعتباطي مسرور ًا ( :وانه الزٌم أن يكون
التقديَر ( :ما أنا فعلته بل َفعله كبيرُهم هذا ) مع زيادة الخلف عما
أفادته الجملة األولى من التعريض إذ منطوقها نفي الفعل وحصول
التكسير من غيره ) !
واآلن وقد بلغ القصدي غايته من اإلحباط قال ( متوسًال )
لالعتباطي ( :فال بد من ذكر ما يكون مخّلصًا من الخلف ) !
فقال االعتباطي مسرور ًا إلقرار القصدي بوجود التناقض
وتوسله أن في تخليص ( األمة اإلسالمية والقرآن منه ) قال :
( ليكن على خاطرك .1 ) ...
ثم يبدأ بسرد أربعة حلول مقترحة لتناقٍض كان هو رائَد ه
ومبتدَع ُه .
فانظر الى عبارة ( ليكن على خاطرك ، ) ...فانه يتوجب على (
2
3 204
4
المثقف ) اّال تفوته فرصة التحليل النفسي للعبارات في ذات الوقت ـ
فالمحاور هنا وإن كان رمز ًا لشخص ولكنه في حقيقته يمثل القرآن
نفسه فالقرآن هو الذي يطلب من االعتباطي تخليصه من مشكلة
التناقض ـ وهذا هدف هام من أهداف اإلعتباط ّية ـ أن يكونوا قّيمين
على الكتب المنزلة ويبّينوا بطريقتهم ( اآليات البّينات ) .
وقد تقول أن المناقشة ال زالت قائمة مع وجود هذا العرض
الواضح لحيثياتها فما الذي انتفعت به اإلعتباط ّية من اإلصرار على
تضمن الجواب ( ال ) ؟ إذ بدونها يبقى التناقض قائم ًا ألنه يقول ( :
بل فعله كبيرهم ) ؟ ونحن نعلم أنه هو الفاعل .
والجواب على ذلك أن هناك فائدة ،فالفائدة التي جنتها
االعتباطية هي جعل التناقض شديد ًا بحيث يستحيل حَّله بأي مقترح
لغوي مع وجود ( ال ) .
أما هكذا وعلى ألفاظ اآلية فاألمر يأخذ اتجاه ًا آخر إذ أن إبراهيم
( ) لم ينف الفعل عن نفسه وإنما نسبه الى ( كبيرهم ) فالمناقشة
في صحة هذه النسبة فقط .
وسأوضح هذا األمر :
إن ( بل ) تفيد ( اإلضراب ) دوم ًا .وهي في الحل القصدي كأي
لفظ آخر ال تتغير في المعنى الحظ اآلية اآلتية مثال :
بل أدارَك علُم هم في اآلخرة بل هم في شٍك منها بْل هم منها
َع مُو ن / النحل 66
1
2 205
3
فاإلضراب من صفة الى أخرى أو فعل الى آخر ال يلغي كون
السابق حقيقة فإذا كانوا في شك منها فال يعني أن علمهم لم يّدارك
في اآلخرة وإذا كانوا منها ( عمون ) فال يعني أنهم ليسوا في شك
منها بل هناك تدّر ج في تحديد وتخصيص وتشخيص حالتهم ـ أي
ليسوا في شك فقط إنما هم منها عمون أيضًا .
واآلن انقل هذا المعنى للفظ ( بل ) وطريقته في العمل الى
المحاورة :
أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟ الجواب :بل فعله كبيرهم .
وهذا إضراب عن الفعل بمعنى فعلته أنا بل فعله كبيرهم ـ تدّر ج
من ذكر المسبب الفرعي الى المسبب األصلي األكثر تخصيصًا .
إذن فهذا الحل هو نقيض التقدير االعتباطي الذي ال يفوته معنى
( بل ) وفائدتها في إكمال المحاورة من حيث انتهت واالنتقال الى
فاعل اكثر تخصيصًا .فان لفظ ( بل ) ال يلغي ما كان قبله من وقائع
.
هكذا فإبراهيم ( )لم يكذب في هذه اإلجابة بل اقّر بالفعل مع
نسبته الى كبيرهم ،وهو يدرك جيد ًا أن القضية متلبسة فيه واألدلة
قائمة عليه 1ويبقى فقط مناقشة صحة النسبة الى كبيرهم .
فلنالحظ اآلن التوقعات :ماذا يتوقع السائلون أن يجيبهم
إبراهيم ( )؟
1 ( فجعلهم جذاذًا اال كبيرًا لهم ) والتي ( إشارة الى المنهج اللفظي الذي يحدد أن عبارة ( فتوالهم ضربا باليمين فاقبلوا ..الخ ) هي لواقعة غير واقعة 1
2 صمموا فيها على إحراقه بالنار وهي غيرها من حيث ترتيبها الزمني ) .
3
4
5 206
6
إن للقضية أوليات معلومة :
األولى :إنهم سمعوا فتًى يذَك رُهم ُيقال لُه إبراهيم .
الثانية :إن محاورة شديدة اللهجة حصلت بينه وبينهم قبل
تكسير األصنام كانت األصنام موضوعها ـ انظر الصافات 85 /ـ 95
.
الثالثة :إن إبراهيم هو الوحيد الذي يذكرهم .
الرابعة :أنه حينما ك ّس ر األصنام وضع الفأس على ِج يد كبيرهم
.
إذن فالمتهم الوحيد ( هو ) واألدلة كلها ضده وليس هناك من
سبيل إلنكار ما فعله وهو في أي غضبه وشّدة مجادالته معهم .
والتوقع هو أن ينكر إبراهيم ( )الفعل وينسبه الى غيره أو ال
ينسبه فلم يجب باإلجابات المتوقعة وإنما أجاب بـ :
بل َفعلُه كبُيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون
إذ يتوجب مالحظة ترابط هذه اإلجابات في ألفاظها بصورة
شاملة .
وقد علمنا أن ( بل ) ال تنفي ما سبقها من أفعال وهي تظهر في
المحاورات بخالف ظهورها في الكالم المتصل من غير محاورة .
بمعنى أن ( بل ) ال تتصدر الكالم مطلق ًا ما لم يكن هناك كالم سابق
من المحاِو ر .والكالم السابق هو َ أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا
إبراهيم ؟
1
2 207
3
والجواب بل فعله كبيرهم .إذن فلفظ ( بل ) يبني عمله على ما
سبقه وهو ال يلغي أو ينفي االتهام إنما يضيف إليه فاعًال آخر هو
كبيرهم .
بيد أنه يضيفه بشرط موجود في العبارة وهو إْن كانوا
ينطقون ، والتي يكمن فيها الحل القصدي .
ومعلوم أن االعتباط ال يرضى بهذا التخريج ألنه سيزعم أن
جواب هذا الشرط هو ( فاسألوهم )
وهذا خطأ ألن إبراهيم ( )ال يعِّلق األمر بسؤال األصنام على
الشرط إْن كانوا ينطقون
وإنما يمكن أن يعلق الفعل المرتبط بهم فقط أي باألصنام ال
بالناس .
أي أن كبيرهم فعل هذا إن كانوا ينطقون وجملة ( فاسألوهم
)جملة معترضة .
كيف أوضح هذه المسالة الدقيقة ؟
إن إبراهيم ( )يعلم أنهم يعلمون أن األصنام ال ينطقون .لذلك
فال يعلق السؤال على هذا الشرط .ألن السائل ال بد أن يسأل ناطق ًا
ال جامد ًا يستحيل نطقه .وقد ظهر ذلك في عبارتهم إلبراهيم ( : )
لقد عـلمَت أْن هؤالء ال ينطقون ! فال يعلق السؤال على النطق
.
فلماذا ربط بين النطق والفعل ؟ من الواضح أنه ( )ال يأمرهم
1
2 208
3
بشيء يدركونه جيد ًا .أنه يثير فيهم تساؤًال آخر ًا ويوضح عالقة
أخرى هي العالقة بين ( الفعل والنطق ) .
وهو ليس كأي فعل فلو دخل حيوان كالعجل مثًال وك ّس ر أحد
األصنام أو بعضها لما كان فعله مقصود ًا .أما أن يجدوا الجميع
تكّس روا اال كبيَر األصنام فهو فعل ينطوي على تخطيط من كائٍن ذي
عقل .
ومعلوم أن العاقل أو المخّطط للفعل هو ناطق بأّية صورة .
ذلك الن الفعل الُم خّطط له ال بد أن تتقدم عليه الفكرة المحمولة
في اللغة فالنطق جزء ال يتجزأ من الفعل العقلي .
واذن فالشرط إن كانوا ينطقون تقدم عليه في السياق جوابه
الذي تضمن عدم إنكار فعله عن طريق اللفظ بل ونسبة الفعل الى
كبيرهم شرط أن يكونوا ناطقين وهي جملة بل فعله كبيرهم هذا
.
إن هذا ال يعني اّال شيئًا واحد ًا وهو أنه ( )نسب الفعل لنفسه
فقط وأنكر إنكار ًا تام ًا أن يكون َك بيرُه م قد فعله ألنه ال ينطق شأنه
شأنهم .أما لماذا استعمل هذه الطريقة ولماذا فعلها عن طريق
إبقاء َك بيرُهم فهناك مالحظتان :
األولى :أنه لو ك ّس ر الجميع لما تّم ت المحاورة ولما أمكن
الربط بين الفعل والنطق .ألن اإلنسان فاعل فإذا قتل نفسه مثًال فلن
يقدر على النطق بعد ذلك فال بد من إبقاء نموذج واحد من األصنام
1
2 209
3
لتحقيق هذه المحاججة إذ قد يقال أنهم فعلوا ذلك بأنفسهم ولم
يقدروا على النطق بعد إن كّس روا أنفسهم إلثبات قدرتهم على الفعل
.
الثانية :إن هذه النسبة والمشاركة في الفعل بينُه وبين كبيرهم
هي نموذج مصّغ ر إلبطال الشرك .فكما ال يجوز نسبة هذا الفعل لهم
بل حتى لكبيرهم والذي هو بحاجة ماسة لالنفراد بالعبادة والتخّلص
من مجموعة شركاء فكذلك ال تجوز من باب أولى نسبة الفاعلية
لهم بأية صورة .بمعنى أنه إذا بطلت فاعليُتهم في تجربة عملية مع
إنسان هو إبراهيم ( )فمن المحال أن تثبت لهم فاعلية كونية مع
اإلله الواحد.
ومعنى هذا أن إبراهيم ( ) في هذه المحاورة اثبت الفعَل
لنفسه وجاء بجميع األلفاظ للتأكيد على فعله هو إلتمام المحاججة
وهو كما ترى نقيض الحل االعتباطي الذي يجعل إبراهيم منكر ًا
لفعل التكسير ملقيًا بالتبعِة على كبيرهم ـ ألن ذلك يستلزم انعكاس
النتائج كلها ومن بينها إثبات الفاعلية لألصنام !
إذا فالشرط إن كانوا ينطقون جوابه عبارة بل فعله كبيرهم
هذا المتقدمة وليست عبارة ( فاسألوهم ) المتقدمة على الشرط ـ
فيسقط فعل كبيرهم لعدم تحقق الشرط .
1
2 210
3
أمثلة متنوعة لالعتباطية
أ .أألله أذن لكم أم على الله تفترون ـ السؤال عن اآلذن هل
هو الله ؟
لكن االعتباط يزعم أن السؤال عن الفعل .وحينما شرح ذلك
جاء بفعل الكينونة حشر ًا ،فانتبه جيد ًا الى اسلوب الشرح قالوا :
( فإنه إنكار إن يكون من الله إذن ) .
وهذا التغيير وإلتواء العبارة وإدخال ( أن يكون ) هو لجعل
السؤال عن الفعل عن طريق فعل الكينونة وهو دليل أكيد على
التخبط .
والحل القصدي يقول وعلى غرار ذلك عبارة واضحة إذا أراد
هي :
( أي أن الله لم يأذن ) ـ فاالستفهام عن الفاعل .
2
3 212
4
.بينما مثال التقرير قوله تعالى :ألم تعلم أن الله على كّل شيء
قدير .
فالمفهوم عندهم من التعجب راجع الى الجملة والمفهوم من
التقرير كذلك وال عالقة له بالهمزة التي تدخل الصيغ والتراكيب
المتنوعة التي تفيد معاني ال حصر لها.
ففي القصدية تجتمع كّل المعاني المذكورة في معنًى مّو حٍد لكل
( باب حرف وتفصيل ذلك تجده في الكتاب المذكور
الهمزة ) .
1
2 213
3
المبحث الثامن عشر
أحـكام غيـر
2
3 214
4
والسبب الذي دعاها الى ذلك ظاهريًا هو ( حكم غير ) التي تأتى
بعد ذلك في عبارة ( غير المغضوب ) ـ حيث اّدعت االعتباطية أن
( غير ) أشد األلفاظ إبهام ًا .وهي لشدة إبهامها ال تتعرف حتى
( باإلضافة ) ،وأن ( غير ) المضافة لفظ ًا تستعمل على جهتين
إحداهما أن تكون صفة للنكرة أو ما شابه النكرة وأن ما قبلها في
سورة الحمد هو نكرة أو قريب من النكرة .ويمكننا أن نناقش
الحكم نفسه وهو ( إبهام غير ) فهذا اإلبهام هو تصور اعتباطي ال
غير .
وفي عبارتي األخيرة حينما قلت ( ال غير ) فهمت أيها القارئ
أنني قصدت أنه ال شيء غير االعتباط وليس من شيء غير
االعتباط سوى القصدية وإذن فإن ( غير ) أشارت الى اآلخر من
خالل المذكور وعرفت المتروك من خالل المخبر عنه فكيف قالوا
أنها شديدة اإلبهام في ما تشير إليه ؟
وقد اقّر وا أن ( غير ) إذا وقعت بين ضدين ( ضعف إبهامها ) ـ
وحينما قال ( ابن السّر اج ) أنها حينئذ تتعرف رّدوه بقوله تعالى ( :
نعمل صالح ًا غير الذي كنا نعمل ) من غير أن يقوموا بشرح
اإلبهام المزعوم .
فالحظ بنفسك أليس العمل الصالح معروفًا ومعلوم ًا للسامع ؟
وانظر :أليس الذي هو غيره من العمل ال يكون إال عمًال طالح ًا ؟ ،
إذ ليس ثمة تصنيف لألعمال في مثل هذا العموم اّال هذا التصنيف
1
2 215
3
فكل عمل أما أن يكون صالح ًا أو طالح ًا وهو ما نعبر عنه اختصارا
بقولنا ( :صالح ًا أو غير ذلك ) .
فإن ( غير ) هنا تشير الى ( اآلخر ) المتروك ذكره من العمل
وقد تم تعريفه من خالل ذكر األول ـ فأين اإلبهام في لفظ
( غير ) ؟ بل لفظ ( غير ) هو أشد األلفاظ وضوح ًا .
وحينما قرأ بعض القصديين ـ بناء ًا على الخبر ـ قوله تعالى :
ال يستوي القاعدون من المؤمنين غيِر أولي الضرر .
حينما قرأها ( غيِر ) بالجر واعتبرها مضافة للمؤمنين وبذلك
تصبح معّر فة استعملت االعتباطية معه ( أساليب اإلرهاب ) حينما
قالت أن قراءته ( خارج القراءات السبع ) ! .
وأود أن أذكرك أن ( القراءات السبع ) و ( القراءات الشاذة )
وهو االسم الذي أطلق على غير السبع تستخدمها االعتباطية في آٍن
واحٍد :فإذا لم يعجبها تخريج اآليات والنصوص على قراءة معينة
قالت :هذه القراءة خارج السبع المتواترة!.
وإذا لم تجد في السبع المتواترة ما يؤيد قواعدها قالت عبارة
مشهورة يعلمها كّل القّر اء من المختصين والمطلعين هي :
( ..وما يؤيد ذلك ورود قراءة على هذا النحو ) ...ـ والقراءة
المذكورة هنا بالطبع خارج السبع ! .
وإذا رجعنا للقراءات السبع وتضارب األقوال فيها والخلط بينها
وبين ( األحرف السبعة ) فال نشك أن هذه الـ ( السبع ) كانت
1
2 216
3
استغالال ً بشع ًا 1لالعتباطية لمرويات العالقة لها بالقراءات
الموضوعة لتكريس االعتباط .كّل ما في األمر أن ( السبع) تمكنت
من استيعاب أكــبر قـدر من االعتباط وعند حدوث شذوذ يستعان
بالشاذة وعند حدوث مجابهات يستعان بالسبع ! .
1 ( كانت استغالًال :العبارة مقصودة وليست خاطئة أي طلبا للغّل وهي على قوله تعالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة 1
2
3 217
4
المبحث التاسع عشر
نماذج من الحلول االعتباطية للمشكالت القرآنية
النموذج االول
( التعارض بين آيات الخلق )
2
3
4 219
5
تكذبون ؟ وكيف تصح الجملة عند األبدال بهذا اللفظ ؟ فهل يصح
القول ( أنتم تكذبون إفك ًا ) ؟ .فاإلفك نفسه شيٌء وهمي الوجود له
مرموز بشيء له وجود يخلقه األّفاك .
ولم تالحظ اإلعتباطية في النص اآلخر وإذ تخلق من الطين
كهيئة الطير بإذني ـ لم تالحظ أن المخاطب مخلوق وهو المسيح (
) والطين الذي استعمله كمادة للخلق مخلوق أيضًا مع التحوط
بعبارة ( بإذني ) المكررة مرتين :فيكون طير ًا بإذني .
الحظ أن الحل القصدي يعتمد على اإلحكام في ( النظام القرآني
) وثبات الداللة اللفظية بينما الحل االعتباطي يعتمد على إثارة
التناقضات من خالل اعتباطية الداللة ـ فهذه هي قيمة النظرية
االعتباطية بدء ًا بالجرجاني وانتهاء ًا بعلم اللغة المعاصر مرور ًا
بشيخ االعتباط دي سوسر .وإني إذ أسوق هذه النماذج فإنما أذِّك ر
القارئ بحقيقة أن كّل موضوع لغوي وكل لفظ وكل نص أدبي أو
ديني أو روائي قد نال قسطه األوفر من التعسف على أيدي
االعتباطيين فهذه الفصول نماذج جزئية ليدرك القارئ ما حصل
للكل من أشباهها وهي جميع النصوص بال استثناء ـ فعلم اللغة
الحقيقي سوف ينبثق من الحل الَقّص دي وحده .
لقد كان على االعتباطية بدًال من ذلك إثارة سؤال وجيه حول
النص ألنه قال إنما تعبدون من دون الله أوثانًا وتخلقون إفك ًا ـ
ألن األوثان عند االعتباط مرادف لألصنام فهم يخلقونها ألنها من
1
2 220
3
الحجارة ويعبدون اإلفك الذي ابتدعوه فيتوجب على قواعد االعتباط
أن يقول عبارة معكوسة في الترتيب واألفعال مثل ( إنما تخلقون
أوثانًا وتعبدون إفكا ) فهو أولى من الترتيب األول وفق قواعدهم
وأبلغ في التقريع إذ يجعل ما يخلقون معبود ًا لهم .
لم تفعل ذلك ألنها لن تقدر على اإلجابة .والحل القصدي بإنكاره
المرادفات هو وحده القادر على تفسير هذا الترتيب .فاألوثان غير
األصنام ،األوثان شخوص يتبعهم المخاطبون فال يجوز أن يقول
( تخلقون أوثانًا ) النهم خلق من خلق الله لكنهم طغاة وجبابرة .
واإلفك :هو الوهم الذي يتجسد بصورة من الصور :كالم ،عمل ،
شعر ،تمثال ،صورة .... ،الخ ويقوم األّفاك بخلق الصورة التي
تجسد هذا الوهم ـ وهو هنا يشير الى جميع المعبودات المصّو رة
والمنحوتة والمرموزات المبتدعة عندهم لإلله ـ فهذا اإلفك مخلوق
لهم وسببه وعلته هو عبادتهم للطغاة ( األوثان ) لذلك قدم العبادة
على خلق اإلفك فقال إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون
أفكا ـ تنفيذ ًا ألمِر من تعبدون .
النموذج الثاني
آيات ( ومن أظلم ) ..
النموذج الثالث
حول االستعارات القرآنية
قالوا في تقسيم االستعارات القرآنية :
( وينقسم باعتبار آخر الى مؤكد وهو ما حذفت فيه األداة نحو
و وجنة وهي تمر مر السحاب ، وأزواجه أمهاتهم
1
2 228
3
عرضها السماوات واألرض . ومرسل وهو ما لم تحذف فيه األداة
كاآليات السابقة ،والمحذوف األداة ابلغ ألنه نزل فيه الثاني منزلة
االول تجّو ز ًا ) ـ انتهى
أقول :يريد باألداة أداة التشبيه نحو ( الكاف ) و ( مثل ) و
( كأن ) و ( ُيخّيل ) و ( يحسب ) كقوله تعالى :يحسبه الضمآن
ماء ، وقوله يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ، أو كرماد
اشتدت به الريح .. وأمثال ذلك .فقوله والمحذوف األداة أبلغ
يستلزم منه قطع ًا اختالف القرآن في درجة البالغة من آية الى
أخرى ومن تشبيه الى آخر ونتيجته أن هذا الكالم ليس من كالم
اإلله لقوله تعالى :
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختالفا كثيرا /
النساء 82 -
فالتمايز في البالغة بين التشبيهات هو من االختالف الكثير
فانظر الى تخبط االعتباطية إذ ال يكاد يمر سطر حتى تناقض أقوالها
علم ًا أن هذه الفقرة وردت تحت عنوان ( من وجوه إعجاز القرآن
تشبيهاته واستعاراته ) في كتاب مخصص إلعجاز القرآن .1
وانظر مرة أخرى الى ما فعله االعتباط في هذا التقسيم ! إذ
دخل في التشبيه ما خال من األداة فقوله تعالى :وجنة عرضها
السماوات واألرض وضعها االعتباط في التشبيهات التي حذفت
1 النص في القسم الرابع من ـ معترك األقرآن في إعجاز القرآن ـ ج. 273 / 1 1
2
3 229
4
فيها األداة ـ بينما هي حقيقة ال تشبيه فالسماوات واألرض
معروضة المتالكها ألنها الوضع الفعلي للجنة والذي ال يدرك لحين
نزول األمر اإللهي وهذه مسألة كبيرة جد ًا وهي الغاية من خلق
الملكوت ـ تحولت بفضل االعتباط الى تشبيه استعاري ـ وقد أشرنا
إليها في كتاب النظام القرآني بصورة ملخصة إما تفاصيل
الموضوع ودخول هذه اآلية في نظام اآليات التي تتحدث عن
االستخالف فستجده مفصًال في كتاب ( طور االستخالف ) وفيه
تفصيل الفوارق بين الجنتين .
النموذج الرابع
آيات القسم
أشكل على االعتباط قوله تعالى ال أقسُم بهذا البلد ـ قالوا :
وهذا البلد نفي القسم ولكنه أقسم بالبلد في موضع آخر فقال :
األمين .
وأجاب االعتباط على ذلك متفاخر ًا بقوله ( :سأل رجل بعض
العلماء عن ذلك فقال :أيما احب إليك أجيبك ثم اقطعك أو أقطعك ثم
أجيبك ؟ فقال الرجل اقطعني ثم اجبني !
فقال :إعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله ( ص ) بحضرة
رجال كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزا ..الى قوله ..
1
2 230
3
ولكن القوم علموا وجهلت فلم ينكروا ما أنكرت ثم قال له :أن
العرب قد تدخل ( ال ) في أثناء كالمها وتلغي معناها وأنشد فيه
أبياتا ! 1
وللحل القصدي هنا مناقشات أربعة :
األولى :إن هذا التعارض مفتعل مرتين أي على قواعد االعتباط
( :ال أقسم ) هو بمعنى ( أقسم ) ـ وقد مر عليك هذا النموذج وتجد
له تفصيًال في كتاب "اللغة الموحدة" حيث أظهرنا الجرأة فيه على
الخالق تعالى .فأين التعارض المزعوم ألنهم لم يذكروا لمعنى ( ال
ُأقسم ) سوى هذا المعنى أي ( ُألقسم ) .وقالوا أيضًا أن ( ال ) تفيد
توكيد القسم !! .
الثانية :إن قطع السائل كان عمًال إرهابيًا ال غير ـ ألن
االعتباط إذا زعم أن األسلوب القرآني هو األسلوب العربي فال
إعجاز فيه ! ألن ألفاظه عربية ونظامه الصوتي عربي فال يبقى إّال
طريقة تأليف األلفاظ في الجمل فإذا كان هذا التأليف هو اآلخر
عربيًا وجاريًا على أساليب العرب فلم ال يقدر الخلق على اإلتيان
بمثله ؟ .أشكلنا عليهم ذلك وأثبتنا أيضًا أنهم بهذه الدعوى كانوا
مصدر التشكيك في إعجازه لذلك ابتدعوا طرقًا ملتويًة إلثبات
اإلعجاز من حيث قاموا بنفيه كالصرفة أو باستعمال أساليب
اإلرهاب كقوله هنا ( علموا وجهلت ولم ينكروا ما أنكرت ) .
2
3 231
4
الثالثة :إن المجيب يكذب والذي يكذبه القرآن ـ فالقرآن لعّلوه
لم ينكر أنهم أنكروا منه ذلك بل ذكره وذكره مفصًال أيضا كقوله
تعالى :
بل أضغاث أحالم بل افتراه بل هو شاعر / األنبياء ـ 5
وقوله :
ويقولون أإننا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون / الصافات ـ
36
والشاعر عندهم يجوز له ما ال يجوز لغيره فيخالف أساليبهم
المعتادة .
إنما أمرهم أن يتد ّبروه فقال :
أفال يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها / محمد – 24
وذلك الن فيه سرا ( نظام ًا ) يثبت أنه كالم الله فاألعجاز ال
يثبته شيء خارج المعجز نفسه ،ال يثبته عدم إنكارهم حتى لو صح
تاريخيًا وال يثبته استخدامه أساليبهم العربية بل ذلك هو المبطل
لألعجاز من الناحية المنطقية .
فقوله :ولم ينكروا ما أنكرت إنما هو تكذيب للواقع الذي ينقله
القرآن ـ عالوة على التاريخ ( ذكرنا نماذج من عيبهم على القرآن (
اللحن ) لجهلهم بنظامه اللغوي في كتاب النظام القرآني ـ الباب
الثالث ) .
الرابعة :إن اإلجابة تضمنت الخلط االعتباطي بين عبارة ( ال
1
2 232
3
أقسم بهذا البلد ) و عبارة ( وهذا البلد األمين ) .إما نحن فنفرق
بين العبارتين فاألولى في الحل القصدي ( نفي القسم ) والثانية
( إثبات الحلف ) وفي هذا الحل نفّر ق بين القسم الذي يعني البراءة
من الموجودات واالعتماد على المقسم به في مجابهة الفناء وبين
الحلف الذي يعني التحالف مع المحلوف به .فاألول ال يجوز بحق
الخالق الموجد لالشياء وال يجوز للمخلوق القسم اال بالخالق بينما
الثاني يجوز في حق الخالق والمخلوق إذ يجوز لهما التحالف مع
أي موجود ـ وهو تفريق نفيس ومبحث ظريف لم يذكره أحد قبل
اليوم تجد تفصيله في كتاب اللغة الموحدة في بابي الالم والواو .
وقد برهنا فيه أن القسم ( براءة ) و ( اعتماد ) على المقسم به
( براءة من الموجودات ) لذلك لم يجز القسم بغير الله ولذلك ال
يجوز في حقه تعالى أن يقسم فقال ( ال اقسم ) في جميع الموارد
القرآنية فهو نفي حقيقي ال كما زعم االعتباط أنه يفيد توكيد القسم
!!
وعلى ذلك تالحظ أن االعتباطية تخبط خبط العشواء في الليلة
الظلماء ال يصدها عن ركم المتناقضات بعضها فوق بعض صاد .
إما قول المجيب ( :العرب تدخل في كالمها ال وتنفي معناها
) ! فهو هراء وإذا صح فهو اعتباط في االستعمال مخالف ألصول
اللغة ورموزها ال في الحل القصدي وحده بل مخالف لها من حيث
هي ( نظام اعتباطي ) في االعتباطية نفسها ..لكن ذلك لم يصح
1
2 233
3
ولن يصح مطلقا فالجماعات اكثر حّس ًا ووعيا لنظام اللغة من علماء
اللغة فهال ذكر لنا االعتباط تلكم األشعار التي انشدها المجيب
للسائل ولماذا سكت عنها واالعتباطية مولعة بذكر األشعار ولع
قيس بليلى؟
لقد سكت عنها ألنها أكذوبة ..مثلما سكت عن اسم المجيب
الذي هو ( بعض العلماء ) ! مثلما سكت عن اسم السائل الذي هو (
رجل ) ! .
النموذج الخامس
الفواصل في القرآن الكريم
2
3 235
4
ساقط عن االعتبار عندهم .
فاإلجابة بمجموعها خليط اعتباطي ال يمت الى علم اللغة بأية
صلة فضًال عن نظامه المحكم ـ فلماذا وضعوا السؤال أصًال ؟ .
ال يمكن شرح النظام المتعلق بهذا المركب ولكننا نشير الى أن
مركب ( العزيز الحكيم ) مركب مستقل مرتبط بموضوع معين هو
( االستخالف ) في األرض ،فحيثما وجدت أفعال أو وقائع أو
دعوات مرتبطة باإلمهال والحلم على العباد للوصول الى هذا الطور
يأتي مركب ( العزيز الحكيم ) ـ الرتباطه بالعزة اإللهية التي ال تضر
معها ذنوب العباد وظهور عزة الدين وأهله في هذا الطور ،
والمرتبط من جهة أخرى بالحكمة التي خلق العالم بها حيث تتجلى
أهداف الخلق في هذا الطور وهو بالطبع مختلف تمام ًا عن
المركبات المتشابهة ( :القوي العزيز ) ( ،العزيز الغفور ) ،
( التواب الحكيم ) ( ،العزيز العليم ) ( ،العزيز الغفار ) ( ،الحكيم
الخبير ) ( ،حكيم عليم ) ...الخ .
أن تناوب هذين اللفظين مع غيرهما من األلفاظ تقديم ًا وتأخير ًا
يشكل ( مركبات) مختلفة لكل منها استعمالها الخاص ونظامها
الخاص ضمن النظام القرآني الشامل .
نعم تأتي إن شاء الله أمثال تلك التفاصيل إذا تفرغنا لدراسة
النظام القرآني بصورة مستقلة بعد االنتهاء من تدمير االعتباطية
على كافة مستوياتها .
1
2 236
3
1
2 237
3
المبحث العشرون
نماذج من التفسير االعتباطي المخالف
للنص القرآني
2
3 238
4
الحظ التغيير بين الشرح والنص فالنص يقول لو كان ( في
األرض ) مالئكة والشرح يقول لو كان أهل األرض ( الناس )
مالئكة ...فالقرآن ال يفترض مثل هذه الفروض االعتباطية ـ ألن
الناس لو كانوا مالئكة لما كانوا ناسًا ـ فالمخلوق في نظام ال يمكن
أن يكون مخلوقًا في نظام آخر فالسـنن ال تتغير وال يتم افتراض
تغ ّيرها منطقيًا ..ولن تجد لسنة الله تبديال ولن تجد لسنة الله
تحويال / . فاطر 43
قل لَو انتم تم َلكون خزائَن رحمِة َر بَّي أذن ألم َس كتم خشيَة .1
األنفاق
100 اإلسراء
أي لو ملكتم الخزائن ألمسكتم عن العطاء خشية الفقر ـ فالمراد
باألنفاق عاقبة األنفاق وهو الفقر ومفعول أمسكتم محذوف . 1
واالعتباط في هذا يغّير النص ويقلبه رأسًا على عقب .ألن النص
يقول إنهم يمسكون خشية ( األنفاق ) ـ ال خشية عاقبة األنفاق .
فالنص منسجم مع النظام القرآني تمام ًا ـ ألن خزائن الّر ب ال نفاذ
لها فال يخشى مالكها على هذا الفرض َفقر ًا وإنما هو يكره األنفاق
نفسه وال تقوى عليه نفسه لشدة ح ّبه لذاته ورغبته في التم ّيز عن
الخلق وإبقاءهم تحت سطوته .
2
3 239
4
وكذلك قال وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه / سبأ – ، 39
فمع هذا القانون ال يحصل فقر ولو لم يمتلك الخزائن فكيف مع
امتالكها ؟
الخطاب في اآلية موجه الى مجموعة ( تحسد الناس ) على ما
آتاهم الله من فضله وهي تعرقل نزول البركات فأظهر النص حقيقة
مشاعرهم فهم يرفضون اإلنفاق حتى لو امتلكوا الخزائن ـ بينما
الشرح أعطاهم عذر ًا مشروعًا وهو خوفهم من الفقر!! .
ولذلك يبدو لك واضح ًا أن غياب هذه الشروح كان أفضل لالمة
واللغة والفكر من وجودها ـ وهذا هو في الواقع حال التراث الديني
كله ونحن ال نختار أية نماذج بصورة انتقائية وإنما نفتح أي كتاب
قريب منا من أي موضوع لنسجل لكم هذه النماذج كأمثلة فإن
الجزء ينبئ عن الكل والكل هو مجموع األجزاء ـ ألننا إذا أردنا
إظهار االعتباط في التراث كله فانه يتوجب كتابة عدد كبير جد ًا من
المؤلفات ـ ومثل هذا العمل ال ضرورة له بعد التأكد من أن القسم
األكبر منه هو الخبيث :
قل ال يسَتوي الخبيُث والط ّيُب ولو أعجَبك كَثرُة الخبيث / .
المائدة 100 -
نعم ربما تج ّنب الزمخشري أو حاول تج ّنب هذا الشرح ولكنه جاء
( أمسكتم ال بكالم هو خليط من القصدية واالعتباط في قوله :
مفعول له ألن معناه بخلتم ومعنى اآلية وصف اإلنسان بالشح
1
2 240
3
وخوف الفقر !! ) ..
1
2 242
3
في لغة أنمار :
طائره :عمله
أغطش :أظلم
القصدية :نفس التعليق .
مدلج :
رفث :جماع
الوصيد :الفناء
حقبًا :دهر ًا
الخرطوم :األنف
مقيتا :مقتدرا
كنانة :
السفهاء :الجهال
موئال :ملجأ
مبلسون :آيسون
أسفار ًا :كتبًا
الخّر اصون :الكّذ ابون
ملوك ًا :أحرار
1
2 247
3
معجزين :سابقين
خاسئين :صاغرين
شطر :تلقاء
ال خالق :ال نصيب
يعزب :يغيب
هذيل :
فرقانًا :مخرج ًا
صلد ًا :نقيًا
آناء :ساعات
الّر جز :العذاب
شروا :باعوا
عزموا :حققوا
مدرارا :متتابعا
ِع يلة :فاقة
ببدنك :بدرعك
رجما :ظنا
دلوك :زوال
فور :وجه
وليجة :بطانة
انفروا :إغزوا
1
2 248
3
السائحون :الصائمون
إن تعقيب الحل القصدي على هذه القائمة وغيرها مما تركناه
وهو كثير جد ًا هو نفس التعقيب .فالقرآن استعمل األلفاظ المذكورة
وما قبلها من المعاني ،وهذا يستلزم أن تكون مختلفة ويبدو أن
االعتباط يحاول ذلك رغم ظهور الصيغ المقابلة في القرآن ظهور ًا
واضح ًا للغايات التي ذكرناها لالعتباط مثل :
موئال :ملجأ لو يجدون ملجأ
شطر :تلقاء ولما توجه تلقاء مدين ... وغيرها
حيث ظهرت في القرآن بنفس الصيغة في آيات أخرى .
تضم قائمة االعتباط خمسين لغة للعرب وردت بها مفردات
قرآنية ترجمت الى لغة قريش ونحو خمس لغات أعجمية وردت بها
مفردات أخرى كثيرة .
ولم تهتم االعتباطية لمخالفة النص القرآني حيث قال :
ولو جعلناه قرآنًا أعجميًا لقالوا لوال فصلت آياته / فصلت
44
فهذه اآلية مرتبطة بآيات ( التفصيل) ارتباط ًا وثيق ًا ـ الن التفصيل
ظهوٌر للحقائق المتطابقة المؤيدة بعضها لبعض والكاشفة عن
حقائق خفية .فهذا نظام .ومعلوم أن النظام في نسق الكالم ال
يمكن أن يتم باستعمال أكثر من لسان ألن النظام اللغوي جزء ال
1
2 249
3
يتجزأ من النظام الصوتي .فإذا حدث تغّير في النظام اللغوي وابتعد
عن النظام الصوتي حدث تغّير متبادل مماثل على النظام الصوتي
نفسه يؤدي الى تكّو ن لسان مختلف تدريجيًا ( الحظ تفاصيل
الموضوع في اللغة الموحدة ) وهذه النتيجة ال تقرها االعتباطية بما
في ذلك االعتباطيون الجدد حيث إجماعهم على أن القرآن حفظ
للعربية نظامها وإن كانوا يجهلون أنه حفظ النظام الصوتي للسان
العربي أيضًا.
واذن فإذا أمكن قبول بدعة االعتباطية القائلة أن القرآن استعمل
مفردات من خمسين لغة عربية من لغات القبائل ـ على اعتبار أن
مرجعها الى لسان واحد بنظام صوتي واحد وفق الحل القصدي ـ فال
يمكن قبول البدعة األخرى وهي استعمال مفردات من لسان آخر ـ
اال بتخريج معقد على الحل القصدي تذعن فيه االعتباطية لهذا الحل
وهي راغمة .وخالصة هذا التخريج أن المستعمل هو من التعاقبات
الصوتية التي يقع انتظامها في تلكم المفردات خصوصًا وفق النظام
الصوتي للسان العربي .
نعم هذا يثبت أمومة اللسان العربي لأللسن كافة ولكننا ال نحتاج
إلثبات ذلك لمثل هذا التخريج لثبوته بنفسه في معاني األصوات
ومطابقتها في مئات التعاقبات لنظام اللسان العربي الذي أظهره
البحث في كتاب ( اللغة الموحدة ) ـ والذي وقعت فيه النسبة األكثر
استعماًال على المعاني الحركية األصلية لألصوات ـ عالوة على
1
2 250
3
النظام الكتابي المتم ّيز جد ًا الذي حافظ على روح العالقة بين
األصوات وبين حرف األلف ومظاهره األربعة .
تنبيــــه :
1
2 251
3
مثال على الفوارق بين
المترادفين
1
2 253
3
المبحث الحادي والعشرون
تطـّو ر الداللــة
1 التطور النحوي للغة العربية /برجستر اسر . 127 / 1
2
3 254
4
الغربيين وتابعهم على هذا الخلط بين األمرين علماء اللغة في العالم
وفي العالم العربي .فجمعوا بين هذين الهدفين المتضادين في وقت
( برجستر اسر ) واحد ذاهلين عن تعارضهما حتى أثبت
األمرين في موضٍع واحٍد .
وبصدد هذه المشكلة التي يثيرها الحل القصدي تبرز إشكاالت
عديدة أخرى ال يمكن لالعتباطية تفسيرها ناهيك عن حّلـها وال تجد
لها تفسير ًا وحًال مرضيًا اّال في المشروع القصدي للغة .
فمن تلك اإلشكاالت :
ما ذكرناه في كتاب اللغة الموحدة وهو أن االعتباط ال يملك
المبّر ر الكافي لتأسيس علٍم للغة فضًال عن مبرٍر آخر لمراقبِة
االستعمال ما دام يؤمن بالتغّير (التطور) الذاتي للغة كما وضعه دي
سوسير وسار الجميع من بعده على تلك الفكرة وهي [ أن الداللة
جزافية َبيـد أن تغيرها ليس جزافيًا ] كما في هذا النص :
( وهذا التطور ال يحدث اتفاقًا وال يتم بطريقة عشوائية فمن
وجهة نظر علم اللغة الحديث أن التطور ينجم عن عوامل كامنة في
كّل لغة ما تزال بها حتى تخرج بها من حال الى حال ) .1
وقد ذكر شيخ االعتباط ( دي سوسير ) أنه ليس ثمة من قوة
قادرة على تحويل الداللة أو إلغاء الداللة ما لم يحدث ذلك بصورة
تلقائية من داخل الجماعة التي تستعمل تلك الداللة .
1 لحن العامة والتطور اللغوي @ 33 /التطور اللغوي التاريخي .41 / 1
2
3 255
4
وقد أشكلنا على ذلك بالسؤال :ما فائدة علم اللغة إذن ؟ وما
معنى ثناؤهم على الذين وضعوا فكرة ما يجوز وما ال يجوز أو قل
وال تقل ؟ وبعبارة أخرى كيف تجتمع فكرة التطور مع فكرة
التصحيح إذا كان التصحيح محاًال في ذاته ؟ إذ ال واجب لعلم اللغة
سوى التصحيح في نهاية المطاف .
قد تجيب االعتباطية على ذلك بالقول :
إن الفائدة في ذلك هو المعرفة المجردة .معترفة بأن الذين
امتدحوا التصحيح كانوا واهمين وأنهم أقلية في علماء االعتباط
مثًال ؟!! .
ولكن هذه اإلجابة تتضمن أمر ًا آخر يّتسم بالالمنطقية فنحن ننكر
كما ينكر جميع العقالء وجود معرفة في موضوع ال أثر لها بالمرة
على ذلك الموضوع ـ وهذا ال يحدث عادة اّال إذا كانت تلك المعرفة
وهم ًا أي أنها في الواقع ليست معرفة .
وقد تجيب على ذلك بالقول :
أن التغّير والتطور يطرأ على الداللة الخاصة باللفظ وعلم اللغة
يالحظ التركيب ال الداللة وحدها وبذلك يمكنه تصحيح التراكيب بما
يتفق والداللة المتطورة .
ولكن هذه اإلجابة متناقضة في داخلها ومخالفة لما عليه
االعتباطية من أفكار حول الداللة وعالقتها بداللة التركيب كله ..
فليس هناك فصل بين تغّير داللة اللفظ والتغيرات المماثلة في
1
2 256
3
التركيب بل العكس تمام ًا ( ..فإعادة التوازن ) ـ الذي وضعه دي
سوسر والذي مثل له بالنظام الشمسي الذي يعيد توازنه كلما حدث
حادث يغّير من أوضاع أفراد المجموعة ـ يمثل جوهر النظرية
االعتباطية في تطور اللغة ـ ألن اللغة نظام وهو يشتمل على
المركبات فقط دون األلفاظ فال يحدث أي تغّير في الداللة ما لم
يحدث فور ًا تعديل في التركيب والمركبات .
إذن فاإلجابة وإن تو ّقعَت ظهورها على لسان أحد علماء االعتباط
فهي واقعة ضمن طرقهم الملتوية لإلجابة على اإلشكاالت والتي
تمّيزت بها االعتباطية في جميع إجاباتها قديمها وحديثها والتي
تهدم فيها ما وضعته من أسس ومبادئ .
معلوم أن الحل القصدي يؤمن بالتغير ويؤمن بضرورة علم اللغة
والمراقبة والتصحيح ولكنه يجمع بين األمرين بطريقته الخاصة
التي تنسجم مع مبادئه وتقوم بتقوية عناصر منهجه بخالف ما
يفعله االعتباط .وخالصة الحل القصدي لهذا اإلشكال أوضحه فيما
يلي :
أ .إن الحل القصدي يالحظ التغّير ال باعتباره واقعة ال مفر منها
وإنما باعتباره ظاهرة اجتماعية فعًال .ولكنه يالحظ أيضًا أن هذا
التغير ليس بالضرورة أن يكون تطور ًا بل قد يكون تقهقر ًا للغة ،
وقد يبقى بنسبة مقاربة لألصل .فهو ال يختلف مطلق ًا من هذه
الناحية عن اإلنسان نفسه فالجيل الالحق أما أكثر وعيًا وتطور ًا من
1
2 257
3
الجيل السابق وأما أقل تطور ًا أو هو متطور في جهة ومتقهقر في
جهة أخرى .وبصفة عامة فكل الكائنات تتغير أفرادها جميع ًا من
حقبة الى أخرى وما يصدق على تلك الكائنات في التغير يصدق على
اللغة ـ وإذن فهناك تغير في اللغة وواجب علم اللغة هو رسم الخط
البياني لهذا التغير لمالحظة اتجاه التغير ورصده ومن خالله يتم
تأشير مستوى تدني أو تنامي الوعي اللغوي وبالتالي المعرفي العام
للمجموعة اللغوية – و بهذا يربط الحل القصدي المعرفة و التطور
العام بالمعرفة اللغوية وتطورها سلبًا وإيجابًا ويعتبرهما دالتين
متبادلتين في تأثر إحداهما باألخرى .فهو يرفض أن يكون التغير
واقع ًا ال مفر منه ويرفض كذلك أن يكون تلقائيًا بالمعنى السلبي
التام ويرفض ثالثًا عدم إمكانية التأثير في االستعمال وبذلك يعطي
لنفسه الحق في تأسيس علم اللغة خالف ًا لالعتباط ويجعل لهذا العلم
مغزًى وهدفًا يسعى إليه .
ج .إن الحل القصدي يمتلك الداللة المسبقة لكل لفظ في أّية لغة
في العالم من خالل تحديده لمعاني األصوات وبالتالي فكّل تعاقب
صوتي هو كائن مستقل قائم بذاته إذ ال يشبهه أي تسلسل آخر
لألصل وال يحل محله أي عضو آخر وهو بمجموعه يمثل حركة
مج ّس دة ذات صورة حركية .
وتبرز من ذلك نتائج عديدة أهمها هنا :
1
2 260
3
األولى :إن كّل استعمال أما يكون جزء ًا من تلك الحركة العامة
أو خارجها .فإن كان خارجها فالمتكلم واهٌم ،إذ هو يريد حركة
لفظ آخر غير هذا اللفظ ـ ومن هنا يمتلك الحل القصدي أحق َّية
التصحيح .وإما إذا كان ضمن تلك الحركة فهو استعمال حقيقي
سواء كان يحاكي الحركة تشبيه ًا أو تمثيًال أو في تسلسل األصوات
أو في نتائجها فليس في الحل القصدي أي صورة من صور المجاز
الذي تذكره االعتباطية .
2
3 261
4
قادر على تحديد تلك المعاني المختلفة على ما حّدده من قيمة
مسبقة لألصوات والعالمات .
2
3 262
4
اآلثار المادية ومخلفات األقوام التي ورد فيها استعمال جزئي وهو
ما يخّص الحجر والجوز .
و مثال آخر من اعتباط العرب :
قالوا أن ( الَم َّلة ) بفتح الميم في األصل هي الرماد الحار ثم
قالوا ( :أكلنا م ّلة ) ويعنون به نوع من الخبز يوضع على النار ال
في التنور .
أقول هذا وهم عجيب فالناس في قرانا ال زالوا يقولون ( :أكلنا
خبز م ّلة ) وال يقولون ( :أكلنا ملة ) .
وال أريد أن أّدعي أن القائل كاذب ألنه إن صح فال نقل للداللة
وإنما هو اختصاٌر َّس يٌء للكالم فان كنت تشّك في ذلك فاذهب الى
الشيوخ في العراق وحادثهم عن خبز الم ّلة فان رأيتهم يقولون نأكل
َم َّلة بغير ما ذكر لمفردة الخبز فإّنا نبرأ من كتبنا كلها .
وهذا مثال آخر :زعم أن قولهم ( هذا يوم شاٍت ) هو للداللة
على أنه مطير فتنقل داللة أحد اللفظين الى اآلخر للعالقة بينهما .
وهذه أكذوبة فإننا ال زلنا نستعمل هذه الجملة كلما حل الشتاء فإذا
حدث برد مفاجئ وريح بعد دفئ قلنا هذا يوم شات أو هذا من أيام
الشتاء وال نريد به المطير بل نريد به يوم ًا من أيام الشتاء في
مطره وبرده وهبوط شمسه سواء بسواء .بل سمعنا أحدهم يقول
لنا :أنظر هذا اليوم كأنه من أيام الشتاء وكان صحو ًا دافئًا قبل
الموسم فانتبهنا لذلك ونظرنا فإذا هو يريد به هبوط الشمس وطول
1
2 263
3
الظل وكان الشتاء بمطره وبرده قد تأخر فلما تذكرنا أنه أول شهر
من الشتاء فعال قلنا له :لقد صدقت ! وذلك ألن الصورة صورة
شتاء .
وهذا مثال آخر :زعم صاحب األضداد أن لفظ الدنيا أصله الحياة
الدنيا وعّده صاحب الترادف من أسباب ظهور الترادف وهو حذف
المضاف فإن صح فهو اختصار ال نقل للداللة وكيف يصح وقد أثبتنا
في أحد األبحاث أن القرآن استعمل الدنيا والحياة الدنيا بنظام صارم
وفّر ق بينهما تفريق ًا بّينًا ؟ ووجدنا أمر ًا عظيم ًا في هذا التفريق
يأتيك في موضعِه أن شاء الله .
الرابعة :ومن نتائج ذلك أن فهم األصول اللغوية سوف يتغّير في
الحل القصدي فالحركة العامة لألصوات واحدة وعند محاولة فهم
لفظ مثل ( ) makerوما يقابله في العربية فليس المقابل هو
( صانع ) بل األقرب في أداء ذلك التعاقب بين الميم والكاف والراء
وسوف تجده في العربية في ( مكر ) أو ( ماكر ) وهو الذي يجد
لكل أمر ًا مخرج ًا ـ الن المكر ليس صفة ذميمة بل براعة وإتقان
وسعة معرفة سلبًا وإيجابًا سواء بسواء لقوله تعالى ( :والله خير
الماكرين) ـ وإن كان قد تحدد استعمالُه عند العرب بأهل المخادعة
فهنا يبرز دور علم اللغة في تصحيح وتوضيح االستعمال تعميم ًا أو
تقييد ًا أو حسب التعاقب .
1
2 264
3
فكذلك يختلف األمر عند ترجمة المفردات من نظام الى آخر إذ
ُيوجب الحل القصدي البحث عن تسلسل األصوات ذاته في اللغة
االخرى فال يصح ترجمة (نجيب) من العربية الى ( ) noble
اإلنجليزية والفرنسية بل يصح ترجمة ( نبيل ) إليها وذلك
بالمحافظة على تعاقب األصوات األساسية من غير أحرف علة في
األقل أي مجيء الباء بعد النون ومجيء الالم بعد الباء بهذا
الترتيب ذاته .
2
3 270
4
جواز الترادف وعدمه فاالعتباط يستعمل سكوتهم للبرهنة على
جواز الترادف ـ بينما سكوتهم ال يعني سوى استمرار الحوار بشأن
األصل وذلك إذا غضضنا الطرف عن ( ميلهم ) الى التوقيف أي الى
القصدية في اللغة .
فاالعتباط ال يكتفي بأفراده االعتباطيين على كثرتهم وإنما يحاول
استعمال مقوالت القصديين لصالحه مثل أي جبار في األرض يّدعي
أن الذين يعارضونه على قَّلتهم إنما يؤيدونه من وجه آخر .
وأما االِّدعاء اآلخر فهو اعتباطي أيضًا نصًا وروح ًا ألنه يزعم أن
الترادف المقصود هو بعدما توسعت اللغة وتطورت فكأنه يقول أن
اعتباطية اإلشارة أصبحت واقعا مفروغًا منه ،فحتى لو ثبت رأي
المانعين من الترادف على أصل اللغة فعليهم أن يتنكروا لهذه
الحقيقة ويكونوا اعتباطيين لضياع هذا األصل وغياب القصدية فيه
!
والحجة في ذلك هو ( عدم توفر األدلة للبت في أصل اللغة
التصالها بالتاريخ البدائي القديم ) .
ترى ما الفائدة من ذكر هذه الحجة والنص يرفض اإلذعان ألصل
اللغة حتى لو ثبت فيها عدم جواز الترادف ؟
كما تالحظ فأني أقوم بتفكيك عبارات ( اللغو االعتباطي ) ُإلبِّين
لك نموذج ًا من نماذج نصوصه المعاصرة ولترى بعينك االعتباط في
المنطق العام ال في اإلشارة اللغوية وحدها ـ ألن اعتباطية اإلشارة
1
2 271
3
يقود الى اعتباط فكري عام ال محالة ـ فكل صفحة من الكتب
المعاصرة والقديمة لالعتباط تتصف بهذه الصفة المشتركة .
ومن جهة أخرى أهمل االعتباط النظر في تاريخ النظام الكتابي
وتطور الكتابة وتأثرها في ترسيخ الترادف خالف ًا لألصل .
فاالعتباط يتغاضى عن األبحاث اآلثارية والحقائق العلمية ألنه ال
يجد فيها بغيته ـ فهو يدعي زور ًا أن ذلك التاريخ البعيد ال يعطي أية
معلومات عن أصل اللغة .
فهذا ( جورج كونتينو ) ـ اآلثاري الفرنسي ـ في كتابه ( الحياة
اليومية لبالد بابل وآشور ) ـ يخصص موضوعًا لتطور الكتابة من
حالتها المصورة الى المقطعية ويظهر فيها وبصورة جلية األثر
السّيئ الذي تركته الكتابة على الداللة ـ بل يظهر منه أن الترادف
حدث بسبب مشكلة العالمات الكتابية .قال :
( القى هذا التبديل عونًا كبير ًا من التغيير األساسي في الكتابة
وكما قلنا فان العالمة كانت تمثل في األصل شيئًا واحد ًا ولم تكن
هناك طريقة للتعبير عن األفعال والصفات والضمائر وتصريفات
األسماء كما لم تكن هناك إمكانية إلنجاز مثل هذه األمور دون وجود
نوع من االتفاق العام بين الكتبة الذين كان بإمكانهم إضافة معاني
ثانوية الى العالمات .
فمثًال صورة الحصان كانت تقرأ ـ حصان ـ فإن الصورة إياها
يمكن أن تعطي معنى ـ السرعة أو الحركة أو المسافة التي يشملها
1
2 272
3
السفر .1
لم يكن هذا العالم اآلثاري يقصد تفسير الترادف مطلق ًا وإنما جاء
هذا النص عرضًا خالل بحثه عن تطور الكتابة ومشاكلها ولكنه كما
ترى مخالف العتباطية دي سوسر وأتباعه .فالعالمة كانت تشير
الى شيء واحد في األصل في نظام الكتابة كما يقول النص وهذا
غير ممكن أبد ًا اّال إذا كانت العالمة تشير الى ذلك الشيء عينه في
الواقع ـ ولو كانت هناك مترادفات في األصل لظهرت المشكلة منذ
البدء إنما ظهر الترادف ألول مرة ليحل مشكلة اإلشارة الى األفعال
وبقية التصاريف ومعلوم أن ذلك سينعكس بالتدريج على الداللة
حينما تحولت الكتابة الى صورتها المقطعية ومن ثم الى المسمارية
وبخاصة وهو يعتبر ( الك ّتاب ) نخبة المجتمع القديم بحيث أن
( آشور بانيبال ) ـ في إحدى سجالته االفتخارية يفتخر أنه يتقن
الكتابة اتقانًا تام ًا.2
لقد عثرنا على نصوص ( كونتينو ) هذه بعدما أكدنا في اللغة
الموّح دة موضوع العالقة بين تعدد المعاني للمفردة وتعدد المفردات
للمعنى الواحد واعتبرنا الظاهرتين من منشأ واحٍد وتشّك الن مشكلًة
واحدًة في األصل وأنهما من المقبول بل الواجب اعتبارهما مشكلة
واحدة حدثت بسبب أنظمة كتابية معقدة خالل حقب التاريخ أو لجهل
وضياع الداللة من خالل تفرق واجتماع األقوام وخالل الترجمة .
1 الحياة اليومية لبالد بابل وآشور /جورج كونتينو ـ . 310 1
2 الحياة اليومية لبالد بابل وآشور /جورج كونتينو ـ . 300 2
3
4 273
5
وها نحن اليوم نعثر على نص آخر قريب لكونتينو يؤكد الظاهرتين
حيث قال :
( ونتيجة لذلك فان عالمة أو رمز مفرد يمكن أن يكون لها أو له
في هذه المرحلة عدة معاني .وعلى نقيض هذا نجد أن معنى واحد
يمكن أن يكون له عدد من العالمات .وهكذا أصبحت المجموعة
بأكملها من اختصاص الخبراء وتحولت الى مهارة علمية راقية
وشديدة التعقيد الى درجة أن الرجل العادي ال يمكن أن يدركها ) .1
أقول إن هذا الحال هو حال اللغة اليوم ـ ولكن أليس من الغريب
أن يكون هذا هو حال اللغة اليوم ـ ال الكتابة ـ مع أن الكتابة
أصبحت ميسورة للجميع بفضل التحول الى رموز لألصوات نفسها (
الحروف ) بدًال من األلفاظ ؟
فبماذا تجيب االعتباطية على مشكلة االنفصال بين الجماعة
وإدراك اللغة وبقاء علم اللغة موضوعًا خاصًا ـ ومع ذلك يختلف
حوله وفيه المختصون اختالفًا شديد ًا ؟
ذلك ألن غياب الداللة القصدية لإلشارة قد استمر الى اليوم ولم
يتمكن الرمز الكتابي الجديد من إنقاذ الداللة ولكنه تمكن فقط من
تثبيت االعتباط في االستعمال إلى حدوده التي بلغها ـ أما الترادف
فهو اعتباط تفسيري ال لغوي فالناس يدركون جيد ًا الفرق بين
المترادفات والتي يّدعي االعتباط تساويها في الداللة .
2
3 274
4
إشكاالت االعتباط حول إنكار الترادف :
ومن االشياء التي آثارها االعتباط واعتبرها حجة على وقوع
الترادف نالحظ ما يلي :
.1إن حجة المنكرين للترادف القائمة على العقل والحكمة ( نرى
فيها نظرة منطقية محضة وحجة عقلية بحتة مبعثها القول
بالتوقيف .واألخذ بالمنطق العقلي والحكمة في النظر الى الظواهر
اللغوية فيه إجحاف وبعد عن طبيعة اللغة ...فاللغة في كثير من
جوانبها لها منطقها الخاص الذي يبدو في اكثر األحيان على جانب
كبير من الغرابة ) .1
لقد بلغت الجرأة باالعتباط أن يجعل ( االعتباط ) أمر ًا منطقيًا وأن
المنطق والحكمة إجحاف بحق اللغة وبعد عن طبيعتها !
ولك أن تسأل إذا كان األمر كذلك فما هو الضابط لعلم اللغة
وكيف يمكن لالعتباط نفسه إثبات شيء ما دامت اللغة ال تمت
بطبيعتها الى أي منطق ؟
بل ما هو المبرر إذن لضبط حركٍة ال تنضبط ؟ وما هو المبرر
لتعّقل ما ال يعقل ؟ وما هو المبرر لتقعيد ما ال تضبطه قاعدة ؟ .
إنه هنا ينقل عبارات دي سوسر القائلة أن ( اللغة نظام المنطقي
) وقد ذكرنا أكثر من مرة أن العبارة نفسها "المنطقية" ألنها تجمع
بين مفردتي ( نظام ) الذي يعني وجود منطق على نحو ما وبين
2
3 275
4
الوصف ( المنطقي ) في حيلة ماكرة مكشوفة لتبرير االشتغال بعلم
اللغة من حيث أن ( الالمنطق ) الذي يّدعونه في اللغة يوجب عدم
االشتغال بها !! .
فهل تجعل عبارة ( منطق يتسم بالغرابة ) أو عبارات دي سوسر
مثل ( وهذا األمر المتناقض في اللغة ) ـ هل تجعل تلك العبارات
اللغة منطقية أم أنها وصف للغة ؟
إذا كانوا صادقين في وصف اللغة بهذا الوصف فعليهم التخ ّلي
فور ًا عن قول أي شيء في اللغة وترك أي بحث فالقصدية تلزمهم
بهذا االعتراف وتعلن للمأل أن كّل ما كتبه االعتباط عن علم اللغة
هو محض هراء بإقرار من االعتباط نفسه ـ لعلهم يريحوا
ويستريحوا .
2
3 276
4
( الدور ) ولكنه يستعملها دوم ًا خالف ًا ألسسه المنطقية .
3
4 277
5
إجراء أي بحث في اللغة ليبقى ( منطقيًا ) بالحد األدنى .
2
3 278
4
القسم الثاني
إبطال بالغة لجرجاني
مناقشة كتاب
( أسرار البالغة )
1
2 279
3
تنبيـــــــــه ..
يتغّير اسلوب المناقشة هنا عما مّر سابق ًا حيث يّتسم بالقسوة
واستعمال مفردات هجومية لسببين األول :أننا سنبرهن إن شاء
الله أن الرجل كانت له غايٌة من تأليف ( دالئل األعجاز ) هي عكس
ما في العنوان فهو يستحق في المناقشة من األساليب أقساها
لتنّك ره للمسلمات اللغوية والعرفية خدمة ألغراض االعتباطية وثانيًا
أنه بدأ بالهجوم على القصدية بعباراٍت قاسية واستعمل ألفاظ ًا نابيًة
واتهمها بأكثر مما تجده في هذه الصفحات من كالمنا وهو ما ذكرنا
بعضه هنا تنبيها للقارئ الى أننا ال نفعل اال ما ُامرنا :وان عاقبتم
فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به / ..النحل 126 -
وال حول وال قول اال بالله .
1
2 280
3
-1بالغة الجرجاني
مقدمــــــة
لسنا بحاجة الى التعريف بالجرجاني عبد القاهر الذي أضيف الى
اسمه لقب (اإلمام ) ،فقد اجمع المتأخرون والسابقون ممن جاء
بعده ،في شرق األمة وغربها على أنه إمام هذا الفن ،ورئيسه
والمبِّشر به وواضع أسسه ومو ّض ح مسالكه .فليس للبيان من علم
يذكُر قبل الجرجاني وليست البالغة شيئًا معلوم ًا قبل أن يوضح
الجرجاني مسالكها وطرقها وأنواعها فهو واضع أسس هذا العلم
بال منازع .
وتعّد ُك تبه في هذا الشأن دستور البالغة األول الذي أخذ منه كّل
من جاء بعده ،وأصبحت محط أنظار الدارسين لعلوم اللغة والقرآن
والتفسير والفقه واألدب والنقد األدبي وشّر اح دواوين الشعر
وغيرهم ممن يتعاطى العلوم الدينية واإلنسانية وال تجد أحد ًا في
هذه الميادين ال يعرف من هو عبد القاهر الجرجاني صاحب ( أعظم
) كتابين في البالغة ( أسرار البالغة ) و ( دالئل األعجاز ) ،وال
فرق في كونهم قدامى أو محدثين ،فقهاء أو مفسرين ،شعراء أو
نقاد ،كتّـاب أو مثقفين ومن جميع المذاهب والمشارب .فاألزهر
والقيروان ومكة والمدينة تّدرس الجرجاني كما تّدرسه النجف
1
2 281
3
وكربالء وبغداد وقم ودلهي واستانبول .
ذلك أن الجرجاني خرج من دائرة الصراع المذهبي الضّيق من
الباب الخلفي الى دائرة الصراع األممي محاوًال تأسيس البالغة
وعلم البيان وإظهار كنوز القرآن وأسراره وجمال األدب عموم ًا
وفق مقاييس ومعايير لغوية وتركيبية لم يسبقه أحد في كشفها
فأظهر محاسن اللغة وفّر ق بين ما هو حسن وقبيح في استعمالها
ووضع فكرة النظم القرآني وفسر سحر القرآن وجماله بكشفه عن
استعاراته وكناياته ورموزه وإشاراته وأمثاله وتشبيهاته فاح ّبه
الجميع لهذا وأخذ عنه هذا الجميع .وإن كان تالمذته ومن جاء
بعدهم قد انحرفوا قليًال عن بعض تلك القواعد اّال أنهم يعّدون عاّلـة
عليه فما تعّلم أحد هذا الفن اال على يديه .
ولّم ا كان المنهج اللفظي قد أنكر المجاز واالستعارة في كتاب
الله كاشف ًا عن النظام القرآني ،وخالف بذلك ما أجمعت عليه األمة
اللغوية كافة .وجاء بأمر جديد على بعض القلوب شديد ،فقد
ارتأى بعض األخوان اقتالع الفساد من جذره أو اجتثاثه من أصله ،
إلنهاك فرعه وبتر نسله وأبادة خيله ورجله وكشف حبائله ومكره
وذلك بإخضاع هذين الكتابين لقواعد هذا المنهج ومحاكمتهما وفق
النظام القرآني والمذهب القصدي للغة الذي خالف االعتباطية من
خالل تحديده قيمة مسبقة لألصوات واأللفاظ .1
1 ظهر ذلك في كتابْي ( النظام القرآني ـ مقدمة في المنهج اللفظي ) و ( اللغة الموحدة ) للمؤلف . 1
2
3 282
4
فالجرجاني هو حق ًا واضع هذا الفن ومؤسسه ويراه المنهج أول
من أدخل كالم الخالق مع كالم المخلوقين في نفس العبارة وأشار
إليهما بنفس اإلشارة ووصمهما بنفس الكناية أو االستعارة وأجرى
عليهما مع ًا تقسيمه وشملهما بنفس القواعد لمحاسن الكالم وسقيمه
حتى صار يخرج من اآلية الى الشعر ومن قول الجاحظ الى اآلية بال
حرج مذكور ،فانخدع بمكيدته علماء األمة طوال العصور .
1
2 283
3
.2التأثيرات النفسية للجرجاني على القّر اء
ال تحسب أخي القارئ أن الباحث في هذا المنهج محبًا للسجع من
هذه المقدمة ! لكن جرى القلم بذلك ربما ألنه عاش لحظات وهو
يتصفح بالغة الجرجاني وأسلوبُه في الكالم فأراد أن ينقلك الى تلك
األجواء .فتلك األجواء كانت مشحونة بالكالم المنمق واأللفاظ
والتراكيب الشديدة الجرس الفارغة المعنى والمباراة بين أولئك
المتحذلقين في فن النثر والكتابة ومنادمة الخلفاء أو الخطابة
جارية في الحلبة على قدم وساق .
لكن الجرجاني تخلص من هذه التهمة بلباقة حينما قّدم لك ابتداء ًا
طبق ًا من األلفاظ واالستعماالت الجوفاء في مقارنات جميلة لفتح
شهيتك لقبول بالغته خشية أن يغص النهم بتعبير قرآني ( :ال يأتي
الجن واألنس ولو تظاهروا بمثله ) د ّس ه لك وسط صحن مليء بما
لّذ وطاب من أصناف الشعر الجاهلي واإلسالمي واألموي والعباسي
وقد زّينت حاشيته بألوان مختلفة من األقوال المأثورة للسلف
الصالح والطالح تتخلّله أقوال مأثورة لعهد ما قبل الصحابة ومطّع م
بأحاديث نبوية .
وكان في الحسبان أن المرء إذا ازدرد مقطع ًا من اآلية القرآنية
مع ما يزدرد وهو بعد لم يزل جائع ًا وشرب عليه حديثًا نبويًا فمن
المؤمل أن يزدرد في الوجبات الالحقة أطباقًا من التراكيب القرآنية
1
2 284
3
ولو كانت خالصة ،باعتبار أن الفم الذي يتذوق المجاز واالستعارة
فانه لن يفّر ق بعد لالعتياد عليهما بين ما يقوله الملك الضليل وما
يقوله الملك الجليل ،إذا كان حكمهما في مطعم خان البالغة واحد ًا
،ووضعا في قائمة أسعار األكالت البديعة سوية .
وال شأن للمنهج اللفظي بصاحب المطعم ونواياه ( إنما حسابه
عند ربه ) وال يقدر أن يزّك يه مثلما ال يقدر أن يبّر يه وما كان ليدخل
المطعم ليأكل فهو ال يشعر بجوع لتلك األكالت ،وإنما أراد إجراء
( الفحص الطبي ) وإظهار البيان الصّح ي لهذه األطعمة مستّغ ًال شدة
الزحام ،واضطرار الناس الى المضغ وهم قيام وهو ال يدري بعد
ماذا يصنع بالالفتة وكيف يعلقها وأين ،وهل يرفع الجياع رؤوسهم
ليقرأوها أم ال ! ...؟ الالفتة التي تقول ( :إحذروا … الطعام
مسموم ! ) .
قال الرسول (ص) :
( ..رَّب حامل فقه وما هو بفقيه ورَّب حامل فقه الى من هو
أفقــــه منه ) .
وتمر عشر صفحات وليس فيه شاهد من كالم الوحي اّال حديثًا
واحد ًا للنبي (ص) .ثم تمر أربعون صفحة قبل أن يأتيك بشاهد
قرآني يرمي به شاهد ًا آخر من غير أن يو ّض ح األول أو يذكر نص
الثاني ! .
وعلى النحو آالتي :
1
2 285
3
( ثم انظروا في مخرج قوله تعالى ( ولتصنع على عيني .واصنع
الفلك بأعيننا ) فلم يجدوا للفظة العين ما يتناوله على حد تناول
النور مثال للهدى والبيان ،ارتبكوا في الشك وحاموا حول الظاهر
وحملوا أنفسهم على لزومه حتى يفضي بهم الى الضالل البعيد
وارتكاب ما يقدح في التوحيد ! ) . .
وهكذا مّه د لألمر ببطء شديد لم يظهر ( بالغة ) النص األول
للتشويق والمح الى نص لم يذكره آمًال في أن يأتيك به بعد حين ،
كمن يمّر ر من أنفك رائحة الشواء ليّر غب فمك ومعدتك في اللحم ..
مع شيء من التهديد والترهيب من الضالل أو القدح في التوحيد ! .
وكل ذلك في حشد من شواهد عاّم ة من األشعار واألقوال ـ فراجع
كتابه وليكن بين يديك وأنت تطالع ما نذكره لك من نماذج لتجري
على ما بقى منها الحكم الذي تدلّـك عليه هذه األوراق .
وتمر خمسة وأربعون صفحة ..فيعطيك لفظ ( شّق ) ،تمهيد ًا
لقبول ( مّز ق ) ..تمهيدا لوضع ( ومزقناهم كّل ممّز ق ) في طبق
فيه قول الشاعر ( :صفاة الهدى من أن تّر ق فتحرقا ) وقول القائل
( خرق الحشمة ) وقول القائل ( تشقق الثوب ) بعد مقدمة عن
استعارة الصفاة رغم صالبتها لما يرق ويخرق كالثوب ..وانت اآلن
( مّز قناهم ) قد تهيأت نفسيًا وروحيًا لقبول فكرة :أن
استعارة من تمزيق ( الثوب ) مع حذر شديد هو قوله ( أنه راجع
الى الحقيقة من حيث أنه تفريق على كّل حال ) ..
1
2 286
3
فاسأله إذن :إذا كان راجع ًا الى الحقيقة في كّل حال ألن التمزيق
تفريق ( اّال أنهم خ ّص وا ما كان مثل الثوب بالتمزيق ) على حد
عبارته فلماذا إذن االستعارة ومن هم الذي ( خ ّص وا ) هذا بهذا
وأنت البادئ بالتأسيس ؟
وبهذا الحذر الشديد ..أرادك أن تعبر أو يعبر إليك :
( وقّطعناهم في األرض ّأمما ) ما دام التمـــــزيق في الحقيقة
تفريق والتفريق في الحقيقة ( تقطيع ) . ! ..
وتلك لعمري أول وجبة دسمة جد ًا ومنقوعة بالسموم يقّدمها
الجرجاني للزبائن ،أكلوها ،بل شربوها من غير أن يشعروا .
1
2 287
3
.3اعتباطية الجرجاني في شرح التمزيق والتفريق
2
3 289
4
أول شيء د ّس ه في بالغته ( ومزّقناهم كّل ممزق ) .فمَّر ولم
يتطير منه فما أبلده!
وأول شيء مّه د به من الحديث النبوي ( الظلم ظلمات يوم
القيامة ) فمّر ولم يتطّير منه فما أبلده ! .
1
2 290
3
.4قدرات الجرجاني في فهم التشبيه
تنبيــــــــه :
ألم يالحظ هذا الرجل أنه تعالى قال :النور الذي أنزل معه
ليسأل إن كان أنزل إليه أو أنزل عليه أو أنزل معه كلها سواء أم
بينها فرق يذكر ؟ .فإن النص القرآني قد ذكر ( الكتاب ) و
( القرآن ) و ( كالم الله ) و ( الذي أوحينا ) عدد ًا كبير ًا جد ًا من
المرات ورد فيها جميع ًا أنه أنزل ( إليه ) أو ( عليه ) اّال هذا
المورد الذي ورد فيه النور فقال ( أنزل معه ) وهذا كاف إلثبات أنه
هو نفسه ( ص ) قد أنزل وأن ( نور ًا ) أنزل معه يجب ( اتباعه ) ال
( تالوته ) أو (ستماعه).
1
2 293
3
فزعم أنها استعارة للحجة وزعم أن الحجة كالم وزعم أن النور
هو القرآن ولم يفسر لنا لماذا .قال في هذا المورد وحده ( أنزل
معه ) ال إليه وال عليه كما في باقي الموارد .فيا لبالغة الجرجاني
محّر ف الكلم عن مواضعه باستعارته ،جاعل النور الذي أنزل معه
الواجب اّتباعه القرآن الذي أنزل عليه الواجب استماعه ..
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون .
فلم يّتبع الجرجاني النور ولم يستمع القرآن .
1
2 294
3
.5استعارات أخرى للجرجاني
1
2 296
3
.6مدارك الجرجاني في آية
ـ ( مثل الذين حِّم لوا التوراة ) ـ
1
2 299
3
ب .حقيقة الشبه
زعم أن التشبيه بين اليهود والحمار !
وال يدري أن الله تعالى أجّل وأعظم من أن يعقد مقارنة مباشرة
بين اإلنسان والحــيوان .
فللذين ( ُح ّم لوا التوراة ) َم َثٌل ال نعلم ما كان وللحمار يحمل
أسفارا مثٌل ال نعلم ما كان والشبه بين المثل األول والمثل الثاني
وليس بين اليهود والحمار !
وتلك لعمري هي البالغة ال ما زعمه الجرجاني .
فلو قال ( الذين حملوا التوراة كالحمار يحمل أسفارا ) ألختل
التشبيه وتهاوى برمته ألنه ال شبه بينهما مطلق ًا فانتبه ،فان ذلك
من آيات الله ،حيث فصلت كاف التشبيه بين المثل والمثل ال بينهما
.
1
2 300
3
ج .معنى الَح ْم ل
وزعم أن الَح مْل غير مقصود وإنما تعّدي الحمل الى األسفار هو
األساس في التشبيه !
وهو ال يرى أنه قال ( ًح ّم لوا ـ َيحمُل ) ـ للتأكيد على أن األساس
في التشبيه هو ( اإلجبار ) على الحمل ..وإنما فّر ق بينهما بالبناء
للمجهول في األول ألنه ( إنسان وله عقل وهو مسؤول عن ذلك )
وبنى الثاني للمعلوم ألنه ( بهيمة ) ـ فهو يحمل تلقائيا ـ فهنا مركز
البالغة ومركز التشبيه وليس التعدي الى األسفار .ألنه لو قال
يحمل أثقاًال ـ لبقى أساس التشبيه واختل جزء منه وحسب وال
يتهاوى كما لو قال ( كمثل الحمار ال يعقل ) ! فانتبه فان الحمل في
كليهما هو ميزان التشبيه ـ وتعّم د هذه اآلية بالذات لعظمتها عند
الله في تفنيد االعتباطية ـ كما أشارت إليه نصوص نبو ّية جهل
الناس مغزاها !
2
3
4 302
5
استعمل القرآن لفظ األسفار ولفظ الكتب في تغاير واضح ال ينكره
اّال جاهل .
ونسي أن مفردة ( أسفار ) التي يستعملها القرآن إنما يستعملها
على أصلها اللغوي ال على سبيل المجاز كما سميت به أسفار
التوراة .علم ًا أن هذا المجاز باطل عندنا إذ القصد أنها كتب
لألسفار ،ال أسفار ًا بمعنى الكتب فانتبــه .
وهنا ندرك أن أساس التشبيه هو ( الحمل ) وليس التعدي الى
األسفار وإنما جاء باألسفار لبيان توزع حركة الحمار في اتجاهات
مختلفة وأزمان مختلفة ألماكن مختلفة بحسب الذين يركبونه
فالتشبيه في األصل بين مثليهما في ( الحمل ) وجاء بالتعدي الى
األسفار إلتمام الصورة وإكمال خطوطها من حيث أن الذين ( ُح م ّلوا
التوراة ) ..ألعوبة بيد الطغاة والجبابرة في كّل مكان وزمان ال
ينتبهون من غفلتهم مهما تبّدل القادة ،فكذلك مثل الحمار دائم
األسفار وراكبوه كثار ال يتبدل شأنه في األسفار بتبدلهم .
نعم أنه مثل لالعتباطية ال شك في ذلك ولهذا ُهوجمت هذه اآلية
في جميع األماكن وعلى جميع المستويات إلفراغها من محتواها فقد
ُهوجمت في إعرابها وفي نحوها وفي تفسيرها ـ فانظر ماذا ستفعل
يوم تأتى شاكية الى ربها مما جرى لها ؟ !
وللعلم أن السورة كلها حول هذا الموضوع وقد هُو جمت اآليات
السابقة على هذه اآلية وعلى كافة المستويات وفي جميع المذاهب
1
2 303
3
اإلسالمية .
1
2 304
3
.7دفاٌع عن الكّذ ابين والكذب
يؤ ّس سُه الَج رجاني
أ .الموازنة :
ثم جاء الى شرح المقولة المناقضة ( خير الشعر أصدقه ) فقال
:يجوز أن يكون مراده ..
ومن أول مفردة يؤكد لك أسلوبه المريض الكامن في نفسه ألنه
مراده قال هناك ( :فهذا مراده ) وقال هنا ( :يجوز أن يكون
)!
وهذا االختالف في األسلوب يدّل داللة يقينية على صحة توقعك
كون الرجل جاء بالموازنة ال لغرض الموازنة بل لغرض تثبيت
المقولة األولى واإلجهاز على المقولة الثانية ! بحيث ال يذكرها
ذاكر .
لم يمّج د المقولة الثانية إّال بكالٍم أراد به تضعيف حجتهم وتوهيَن
1
2 306
3
مقولتهم والتأكيد على أن الشعر ال يستحسن أن يكون كاذبًا بل
يتوجب أن يكون كذلك !
1 تعتبر هذه العبارة إحدى القواعد الهامة في الحل القصدي للغة . 1
2
3 309
4
كاذبة ويكون الشعار نفسه ليس بليغ ًا .
أال ترى أن أسم البالغة يدّل عليها ؟ فإذا لم تبلغ بالكالم المراد
الحقيقي منه ولن تبلغ السامع بهذا المراد فليست من البالغة في
شيء .
لو صّح كالم الجرجاني الخالي من كّل بالغة لكان كالم الله أقَّل
الكالم بالغًة ألنه أصدقه ،وما أدراك لعّل المراَد من الموازنة كّلها
إيصالك الى هذه النتيجة التي يحلم بتحقيقها هذا الرجل ! ؟
بلى هي ال غيرها كما سيأتيك في مناقشة نماذج من ( دالئل
اإلعجاز ) .
1
2 310
3
.8ذوق الجرجاني في التشبيه
أفسد الجرجاني ذائقَة أهِل اللغِة عموم ًا وأفسد النقَد األد َّبي
خصوصًا وزاَد من فساد ذائقة ( المبدعين ) من الشعراء والك ّتاب
بتأسيسه ألوّل مرة منهاج ًا نقديًا فاسد ًا ..وكان نتيجة ذلك أن
المرض الذي استفحل بسريانه في عروق األدب انتج أمة نقدية
متدنية للغاية في ذائقتها مثلما جعل الشعر خصوصًا واألدب عموما
يتجهان اتجاه ًا مزيف ًا فارغًا من المحتوى الحقيقي إرضاء لبالغة
الجرجاني وأصحابه وتالمذته .فحيثما اّتجه النقد اتجه األدب ..
وتلك قاعدة مطردة دوم ًا .
هل ترى شاعر ًا يسلك سلوك ًا مغاير ًا لميزان النقد المجمع عليه ؟
كال .اّال أن يكون أوحد زمانه وعّدو أقرانه والباني لنفسه أساس
بنيانه ..ومثل هؤالء ال يجود بهم الدهر اال مّر ة في كّل عصر أن
فعل ِفعل األجواد ،وقليًال ما يفعل .
تمادت هذه األمة في التشبيه والتمثيل حتى َبعدت الُش ّقة بين
المَّشبه والمشبُه به ..وكان عدم إدراك التشبيهات القرآنية بل
وعدم تد ّبرها أصًال قد زاد الطين بلة وجعلهم يظنون أنهم جاءوا بما
يؤنس النفوس ويزيد اإلفهام وينمي الذائقة .
تمادوا في ذلك الى حٍّد مقرف ..والى حِّد أن لم تكن هناك أية
عالقة بين المشبه والمشبه به ال في الفكرة وال المادة ،ال في
1
2 311
3
الصورة وال في الحركة بل ذهبوا أكثر من ذلك الى ( خلق الصور
الالمعقولة ) ..للتشبيه بها وإدراجها ضمن التمثالت للمعقوالت
والمحسوسات .
أسألك اآلن أيها الرجل الواعي المثقف عن رأيك بهذا التشبيه :
فإنطباقا مرة وانفتاحا! وكأن البرق مصحف قار
الحظ التعسف في التشبيه فالبرق كأنه مصحف ! ثم يجعلك
تتراجع عن ذلك لربطه بالحركة ( انفتاح وانطباق ) وهذا الكالم
أشبه بكالم المصابين بالعّي إذ يتوجب عليك صرف طاقة كبيرة
لجمع مفرداتهم وفهم ما يرمون إليه .وفي التشبيه افتراُق آخر في
الحجوم فإذا حجزت اآلن عقلك وأطلقت العنان لمخيلتك لتتخّيل هذا
المصحف ،وزعمت ُم كره ًا أن حروفه بيضاء وأن انفتاحه ( السريع
) سيظهر منه بياض الحروف بلمعة سريعة كالبرق ،فان خيالك
سيبقى عاجز ًا عن تصّو ر السماء مثل المصحف ! ألنك أكبر من
المصحف والسماء أكبر منك ،اللهم اال أن تغصب نفسك مرة أخرى
لتتخيل أنك ـ حاشاك ـ نملة في بطن مصحف ليسعك كما تسعك
السماء!
هذا التشبيه الذي ( ابتكره ) ابن المعتز هو من الصور
والتشبيهات التي أعجبت الجرجاني ! بل وأذهلته !
قال الجرجاني ( :ولم يكن إعجاب هذا التشبيه لك وإيناسه إياك
ألن الشيئين مختلفان في الجنس أشد االختالف فقط ! بل ألن حصل
1
2 312
3
بإزاء االختالف في شدة في االئتالف ـ حال وَح ُس َن وراَق وَفتن ! ) .
في أي شيء هو االئتالف أيها الناقد العبقري ؟ فأين العالقة
الزمنية بين البرق والمصحف الذي يفتح بأزمان مختلفة وببطء
شديد ؟ .وأين هي المالئمة بين صورة الكتاب المفتوح وخط البرق
الالمع المتعرج في صفحة السماء الداكنة الملبدة بالّس حب ؟
وما العالقة بين صورة األسطر بالمداد األسود على الورق
األبيض بصورة البرق الالمع في السماء الداكنة ؟ إذا كان المداد
بهذا اللون والورق على لونه المعتاد ؟
إني أحيل المسألة الى أهل الفن ! ليوّض حوا لنا أين ( الُح سن
والحالوة والمالئمة واالئتالف المقابل لالختالف والذي جعل هذا
التشبيه يروق ويفتن كما يزعم الجرجاني) ؟ .
1
2 313
3
تنبيــــــــه :
1
2 314
3
.9اختيار عشوائي
1
2 317
3
.10تشبيه ُغ رة الفرِس األدهم بالصبح أو العكس
تنبيـــــــه :
1
2 320
3
أصعب شيء على الرسام المحترف رسم الفجر أو أول بزوغ
الشمس الضطراره إلى تدريج األلوان واإلضاءة على صفحة األفق
الواسع !
ولو درى الرسامون أنه كالعلم األبيض على الديباج األسود لما
أتعبوا أنفسهم والذنب هو ذنبهم ألنهم لم يقرأوا بالغة الجرجاني
!.
1
2 321
3
القسم الثالث
نقد كتاب الجرجاني
( دالئـل اإلعجاز )
إعجاز القرآن أم إعجاز الكالم؟
1
2 322
3
.1نظرية النظم وإعجاز القرآن عند الجرجاني
1
2 326
3
.2اختيارات عشوائية
نفتح كتاب دالئل اإلعجاز بشكل عشوائي لنبّين لكم كيف د ّس
الجرجاني مقاطع اآليات القرآنية بين األبيات والشواهد الشعرية
واللغوية وأنه اخرج الجميع مخرج ًا واحد ًا وأنه أجرى على الجميع
( نظم ) حكم ًا واحد ًا بما يفهم منه أن اإلعجاز الذي هو في
القرآن إنما هو في ( نظم ) غير القرآن أيضًا :
االختيار االول :ص ـ / 286طبعة / 1969القاهرة /الطبعة
األولى .
العنوان :فن من المجاز لم نذكره في ما تقّـدم :
التسلسل على النحو اآلتي :
تمهيد نصف صفحة ـ آية فما ربحت تجارتهم ، شرح لهذا
المقطع من اآلية ثالثة أسطر ،انتقال الى بيت الشعر الوارد في
التمهيد .
شاهد آخر :فنام ليلي وتجّلى هّم ي ـ مثال ( رأيت األسد ) .
شعر :يحمى إذا اخترط السيوف /شرح للبيت كونه ( كنز من
كنوز البالغة ) ،شعر آخر :وسالت بأعناق المطّي االباطح /شرح
نصف صفحة ثم عودة الى اآلية مما يظهر منه بالغة كّل قول في
نفسه ونظمه وغايته ال فرق بين اآلية والشعر ،شاهد آخر /بيتان
لحاجز بن عوف شرح لجهات اللطف في البّيتين نصف صفحة .
1
2 327
3
شاهد آخر ثالثة أبيات لمجنون ليلى ،شرح لجماليات المجاز
الحكمي في شعر المجنون نصف صفحة .
شاهد آخر /وصاعقة من نصله ينكفي بها /للبحتري .شرح
الستعارة البحتري وأسرارها الجمالية والبالغية ثلث صفحة /شاهد
آخر للبحتري :والبارقات كأنها...
تشبيه وشاهد آخر الحق للخنساء شرح للشواهد نصف صفحة .
كّل هذا واآلن يمر مقطع من آية على النحو اآلتي :وال يعد هذا
معد ما حذف منه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله تعالى :
واسأل القرية ومثل قول النابغة الجعدي :
1
2 328
3
خاللتُه كأبي مرحب وكيف تواصل من أصبحت
وقول األعرابي :حسبت بغام راحلتي عناقا ..الخ
شرح للبيتين نصف صفحة ،شاهد آخر للمتنبي ،شرح للشاهد
نصف صفحة ،مقارنة مع حسبت بغام راحلتي /نهاية الفصل .
المجموع 9 :صفحات
الشواهد الشعرية 19 :بين من الشعر
الشواهد المأثورة 4 :شواهد
الشواهد االفتراضية 7 :شواهد
الشواهد القرآنية :شاهد واحد هو ( فما ربحت تجارتهم )
مقطوع عما قبله وبعده.
الشروح :ثالثة اسطر للشاهد القرآني والباقي للشواهد االخرى
.
نتيجة الشرح والمقارنة :يوجد في الشاهد القرآني مجاز الن
التجارة ال تربح نفسها بل يربح فيها وهو مجاز عادي جد ًا ،أما
الشواهد الشعرية والنثرية فهي آيات من آيات الفن والفصاحة
والبالغة !
1
2 329
3
تنبيــــــــــه :
معلوم أننا في الحل القصدي وضعنا ألول مّر ة إعجاز القرآن في
موضعه وكشفنا ألول مرة عن سّر ه الدفين الكائن في النظام العام
والمرتبط بإلغاء المترادفات وثبات المعنى الموّح د والداللة األصلية
( جملة لكل لفظ مما يوجب العجز التام عن اإلتيان بأي تركيب
مفيدة ) من جنسه واقعة ضمن هذا النظام الشامل ـ انظر لفهم
الفكرة كتاَبْي النظام القرآني واللغة الموحدة في حين سعت نظرية
اإلعتباطية ( ونظرية النظم ) الى إثبات أنه ( ص ) تقّو له .
1
2 330
3
.3اختيار عشوائي آخر
1
2 333
3
.4اختيار عشوائي آخر
1
2 335
3
.5النظم واإلعجاز نتيجة وتناقض
1
2 337
3
.6تفسير الجرجاني لقوله تعالى
ال تقولوا ثالثة ـ
ال يوجد هنا أي احتمال ألي تقدير .ألن اللفظ المقّدر موجود في
نفس اآلية فهو لم يحذف ليقّدر مجدد ًا .وذلك أن اآليات مترابطة
اليمكن فصل جزء منها .
أليس قوله تعالى :وال تقولوا ثالثة انتهوا خيرا لكم أنكرتني
الله اله واحد مترابط مع بعضه ومع ما يسبقه وما يلحقه ؟
فاللفظ المقّدر مفرد ال جمع هو نفس لفظ الجاللة ( الله ) والذي
اصله ( اإلله ) فأدغمت الالمان وأزيلت الهمزة واأللف الثاني فصار
( الله ) ـ ( هذا تخريجهم للفظ الجاللة ) ـ ولفظ اإلله ال يطلق اال
على اإلله الواحد كما هو معلوم لوجود أل التعريف .
ما استخرجناه كان البد من تقدير على عادتهم العجيبة فهو :وال
تقولوا الله أمة (اإلله ) ثالثة ..فيدخل نفي التعدد من أول العبارة
الى آخرها ويوضّح ه :أنكرتني الله أو ( اإلله ) إله واحد ..حيث
1
2 340
3
يتعلق ( المحذوف ) المزعوم باللفظ المذكور الحق ًا.
فكيف يقّدر هو وغيره المحذوف المزعوم بصيغة الجمع وهم
يريدون من الجملة أن تفيد نفي التعدد ؟
فالجرجاني لم يم ّيز شأنه شأن الجميع بين المخاطبين
والمقصودين من القولين :
قوله تعالى لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثالثة / المائدة ـ
73
وقوله وال تقولوا ثالثة / النساء ـ 171
إذ أن هناك طائفتين تمثالن أسوأ وأهون القائلين بالتثليث من
النصارى .وتقع بينهما أكثر من تسعة اتجاهات في فهم هذا التثليث
.
فالذين قالوا أن الله الذي هو إله ثالث ثالثة فقد اثبتوا ثالثة آلهة
وهو أسوأ َفْه م للتثليث وقولهم كفر .والذين قالوا :اإلله واحد لكنه
ثالثة .وهي طائفة في النصارى جمعت بين القول بالتوحيد الخالص
وبين التعدد في االقانيم في مفهوم غامض ومعّقد للغاية .ال يفهمه
حتى قادة االتجاه أنفسهم ـ وهؤالء لم يكفروا مثل أولئك فقال :
انتهوا خير لكم ! الن قولهم مخالف العتقادهم فافهم .
األ تراه قال عبارتين في التوحيد مختلفتين مع كّل منهما :
لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثالثة ـ بعدها :وما من إله إال
إله واحد
1
2 341
3
ال تقولوا ثالثة انتهوا خير لكم ـ بعدها :أنما الله إله واحد ..
فأوضح للذين كفروا بقولهم هو ثالث :أنه ليس من إله اال إله
واحد ألنهم عّددوا الله نفسه !
وأوضح للذين قالوا اإلله الواحد ثالثة :أن هذا اإلله الذي
تؤمنون به هو الله وأنه واحد .فانتهوا عن القول .ولم وال فروق
أن ينتهوا عن الكفر الن الكافر ال ينتهي عن الكفر .
أن الذين كفروا سواء عليهم أءنذرتهم إليه لم تنذرهم ال
يؤمنون
ثم انظر الى اإلعجاز المذهل في ذكر الفريق الثاني مع األول في
مورد المائدة :
لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثالثة وما من إله اال إله واحد
..
فكأن السامع تذّك ر الفريق الثاني الذي يقول ثالثة وال يعني األ
الواحد فسأل :والذين يقولون ذلك ويعنون أنه واحد هل يكفرون ؟
فقال :ولئن لم ينتهوا عما يقولون ليمّس ن الذين كفروا منهم
عذاب اليم
فجمعهما مع ًا في مورد المائدة فانتبه .فبعض هؤالء كفر وبعض
لم يكفر فقال (منهم ) بينما كَّفر الفريق االول كلهم لقد كفر الذين
قالوا أن الله ثالث ثالثة .
فزعم آخرون من أمثال الجرجاني أن ( منهم ) في اآليات مزيدة
1
2 342
3
!!
فافهم وتأمل وأعد القراءة أن لم تفهم ألني أوضحت لك األمر
بطريقة تظهرك على اإلعجاز الفعلي في كّل القرآن باعتباره ( نظام ًا
) محكم ًا ونسيج ًا واحد ًا ال (نظمًا) في كّل مقطع !
1
2 343
3
. 7التقديم والتأخير عند الجرجاني
1
2 346
3
.8اختيار عشوائي آخر
تنبيــــــــه :
1
2 350
3
الدسيسة في هذه الفقرة هي :فصُل اإلعجاز عن القرآن ـ بتعميم
أن اإلعجاز ال يعود الى القرآن من حيث هو ( كالم الله ) بل من
حيث هو نظم للكالم ! والنظم عام في كّل كالم وليس مقصور ًا على
كالم الله .
ولذلك جمع الجرجاني القليل من كالم الله مع الكثير جد ًا من كالم
غيره في نسق واحد وأجرى على الجميع حكم ًا واحد ًا ـ مع التأكيد
المستمر على مزايا كالم الخلق والصمت المستمر عن مزايا كالم
الخالق .
1
2 351
3
.9افتعال الجرجاني ألحاديث بال موضوع
تنبيــــــــــه :
1
2 355
3
.10تقديرات الجرجاني االعتباطية
1
2 358
3
وقد رأيت أنه بخالف ما جرت به العادة بين المخلوقين ألنه
بخالف كالم المخلوقين كونه كالم معجز وكالم المخلوقين غير
معجز ..فان كان الجرجاني يريد إثبات أنه ككالم المخلوقين ال فرق
.فلعنة الله على بالغة الجرجاني !
إنتبــــــــــــه :
إذا وضعت طعام ًا لضيوفك فانك تقول :تفضلوا كلوا واشربوا .
وال تقول :اال تأكوا ؟ فأنت ال تقول هذه العبارة إال حينما
يفعلون أمرين اثنين معا االول :االمتناع عن األكل والثاني الصمت
لحد تلك اللحظة ! ألنه سؤال يتضمن إنكارا على امتناعهم عن
األكل ،فلم يفهم الجرجاني االمر من صيغة الكالم أيضًا مثلما لم
يفهمه من القصة .
1
2 359
3
.11اكتشافات الجرجاني
1
2 362
3
.12اختيار عشوائي آخر
تنبيــــه :
قول القصدية
في العبارة القرآنية والعبارة الجرجانية
فأين غيرة الجرجاني على الدين وعلى القرآن وقد ختم الفصل
اآلنف بمثل هذا اإليحاء الى تساوي العبارتين عند الناس ؟
أين هي َغ ير ُته على القرآن وقد اكتفى بالقول أن هذا االعتقاد
اليمكن أن يؤخذ به على ظاهره ،فلم يطلعنا على ظاهره فضًال عن
باطنه ؟
1
2 370
3
وقبل ذلك أين هي غيرته على البالغة ..وفي هذا األمر مجال
واسع إلظهار البراعة في البالغة ؟
كال ..إن المدافع عن أكذب الكالم وعن مقولة ( أحسن الشعر
أكذبه ) لن تطيعه نفسه للدفاع عن أصدقه !.ولو كان أبلغ الكالم
.
ومرت ألف سنة ولم يرفع أحد من تالمذة الجرجاني وما أكثرهم
عقيرته للدفاع عن اآلية أو للدفاع عن البالغة أو للدفاع عن
الصدق !
ومات سنة 471هـ ] [ الجرجاني ولد سنة 400هـ
1
2 371
3
.13زيد المنطلق وعمرو
1
2 374
3
.14نموذج آخر من لغويات الجرجاني
1
2 376
3
.15مقارنة أخرى غريبة
في ص ـ : 219
في قولهم ( قمت ..وأّص ك وَج هه ) ـ قال الجرجاني :ليست الواو
فيها للحال وليس المعنى قمت صاك ًا وجهه ولكن :أصك وجهه !
ومن الذي قال أن الواو هنا للحال ليرد عليه الجرجاني ؟ ومن
هو الذي يشك أن المتحدث يريد وصف حدث مضى بتجسيده في
الحاضر وعطف الحركة على قمت فيبدأ باألمر الواضح وينتهي
دوم ًا بالخطأ الفاضح :
فأراد أن يثبت هذا ( الجديد ) المكتشف ويبطل مزاعم قوم
( وهميين ) ال وجود لهم فقال :هو مثل قوله :
فمضيت ثم قلت ال يعنيني ولقد أّم ر على اللئيم يسبني
قال وكما أن ( أّم ر ) ههنا بمعنى مررت فكذلك ( وأصك ) بمعنى
صككت !
ما عالقة هذا بذاك ؟ وما هذا التناقض حيث قال ليس هو صاك ًا
ولكن أصك ثم يقول بمعنى صككت !!؟
فان قوله :قمُت :حد ٌث وقع بالماضي وقوله وأصك :نقل من
الماضي الى الحاضر لتجسيد الحركة بحادث معين وقع سلف ًا.
أما البيت فمراده في المضارع وهو صفة مستمرة للشاعر .كونه
يمر على اللئيم دوم ًا وحاله أنه يسّبه ..وحال الشاعر دوم ًا أنه
1
2 377
3
يمضي يقول ال يعنيني !
وكان بمقدوره أن يقول :ولقد مررت على اللئيم يسبني ـ أي
وهو يسبني ولكنه كان سيحصر ذلك بواقعة واحدة معينة في
الماضي بينما هو يريد أن هذا الفعل يتكرر من اللئيم ـ وإن حاله
دائم ًا أنه يمضي ويقول ال يعنيني .
نحن نناقش الجرجاني على قواعده وعلى مسّلمات القوم النحوية
والبالغية وأسرار فإن لجملة ( قمت .وأصك وجهه ) ..تفسير ًا
آخر على منهجنا .
هذه العبارة وأمثالها ال زالت مستعملة يوميًا باللهجة العامية
بصوٍر مختلفة فيقول المعجب بنفسه مثلها كقولهم :
( فقمت وأضربه على رأسه ) ـ وال يقول وضربته ! ومعناها ( :
فقمت "وحالي في القيام" أني أضربه على رأسه ) .وهذا على
تقديرنا الذي ينطوي على جملة ال ضرورة لذكرها تفسير ًا للفعل
المضارع .
وكما ذكرت لك يحاول القائل نقل الذهن بالفعل المضارع لتصوير
الحال في الزمن الحاضر بدًال من الماضي الذي أكده الفعل الماضي
( قمت ) .فكأن السامع تصّو ر المشهد ،وعاد المتكلم ينقل الحدث
من مشهد معاين في الزمن الحاضر وهذا هو سبب االلتفات الزمني
الكثير التداول.
ولكن فهم النحويين القدامى ومن جاء بعدهم ( للحال ) أنه ال
1
2 378
3
يجوز اّال عند النصب مثل ( قمت ضاربًا له على رأسه ) ـ استدعى
تفسير العبارة وتقدير زمن مغاير لزمنها وصرفها عن الحال وهو
خطأ .
وحقيقة االمر أن الواو هي واو الحال بصوره المختلفة وهي
تتقلب ما شائت في التراكيب ..ومن هنا ذكرنا مرارا أن القواعد
النحوية وضعت جزافًا وبتعسف حتى إذا اسقط في أيديهم ورأوا أن
الشواذ عن القاعدة أصبحت اكثر من الجارية في القاعدة وضعوا
لها قواعد استثنائية أو تفسيرات جزافية مثل هذه وغيرها بالمئات
.
وهذا واضح من سوء تقدير الجملة ،والفعل المضارع ـ حيث
قّدره الجرجاني بالماضي على نسق قمت فقال ( قمت وصككت
وجهه ) !
ترى فما الذي جعل القائل يقول وأصك بدال من صككت ؟ وهل
كان يعجزه أن يقول ( :صككت ) ؟ وما الجديد الذي جاء به إذا
قّدر زمنًا مغاير ًا للزمن الذي قصده القائل ؟
إن هذا معناه أن الجرجاني لم يف ّس ر العبارة ..اللهم اّال كمن فسر
الماء بعد الجهد بالماء ! ألنه ناقض نظريته في النظم بتغيير نظم
اللفظ .
فانظر الى تقديرنا للفعل وتقديره وقارن األمرين بنفسك .
1
2 379
3
تنبيــــــــه :
1
2 380
3
.16اختيار عشوائي
الصفحة : 123
فصل بعنوان ( مزايا في النظم بحسب المعاني واألغراض ) .
.1شرح صفحتين في مزايا النظم ..بكالم الطائل من وراءه
مطلق ًا .
.2ثالثة أبيات من الشعر القديم .
.3بيت للعباس ابن األحنف :قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ..
.4شاهد ثالثة أبيات البن الدمينة .إلفات الى الفصل واالستئناس
في قوله ( تريدين قتلي قد ضفرت بذلك ) .
.5شاهد آخر ثالثة أبيات للشطرنجي على لسان ُعلية أخت
الرشيد .
إلفات الى جملة قد احسب في قوله :
قد كنت أحسب أني قد مألت ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه
يدي
.6شاهد آخر :بيتان ألبي داود ( هكذا ) وهو األيادي شاعر
جاهلي :
ولقد اغتدي يدافع ركني ..
.7شاهد آخر البن البّو اب :أربعة أبيات آخرها :
فأني ذلك الرجل وان قتل الهوى رجال
1
2 381
3
إلفات الى العجز .
.8شاهد آخر لعبد الصمد ابن المعذل ( ت 240هـ ) :آخره
يدعو وفوق الكبد اليسرى يرفع عيناه الى ربه
إلفات الى موضع يدعو
.9شاهد آخر لجرير :آخره
صدع الزجاجة ما لذاك تداِن صدع الغواني إذ رمين فؤاده
إلفات الى :ما لذاك
خالصة الفصل :
عدد الشواهد الشعرية 20 :بيت
عدد الشواهد القرآنية :ال يوجد
الموضوع :مزايا النظم بحسب المعاني واألغراض
اسم الكتاب :دالئل اإلعجاز
إعجاز ماذا وإعجاز من ؟
تنبيــــه :
قد تقول أن قول الشاعر :وان قتل الهوى رجًال فإني ذلك
الرجل
أجده كالما جميال ونظم ًا حسنًا .ولكنك إذا حاكمته على الحق
والمنطق وجدته كالمًا كاذبًا فالمتكلم لم يقتل ومن هنا قال الجرجاني
1
2 382
3
احسن الشعر أكذبه !
فهو يقصد هذه األصناف وأشباهها .
أقول :سبحان ربك رب العزة عما يصفون ! وماذا كنا نتكلم
من أول ما ابتدأنا بكتاب النظام القرآني واللغة الموحّدة والمعنى
الفعلي لأللفاظ والحل القصدي والدالالت العامة ؟
ألم نقل انظر في األلفاظ كلها لفظ ًا لفظ ًا :فإذا نظرت في البيت
وجدت شرط ًا هو ( :إن قتل الهوى رجال ) .ثم جوابًا للشرط :فأني
ذلك الرجل .فلم يقتل الهوى رجًال بعد وإنما هو محمول على
الشرط فلم يكذب الشاعر .
1
2 383
3
ألم نقل ثم انظر الى اللفظ ومعناه الجذري وقيمته قبل االستعمال
ثم أنظره في االستعمال ..فإذا فعلت وجدت ( قتل ) على األصل هو
إيقاف الحركة عّم ن وقع عليه الفعل وليس هو ( إهالك القتل
بإخراج الدم ) ،اال ترى أن الله تعالى قال ( فلم تقتلون أنبياء الله
) ـ وهم لم يقتلوا نبيًا منهم على المعنى االصطالحي ولكنهم أماتوا
سننهم وأوقفوا حركة شرائعهم فانظرلفظ " قتل" في معاني
الحروف ـ بل انظر الفعل ( في اإلنكليزية والذي
هو نفس اللفظ بتغيير بسيط تجد أحد استعماالته الباقية هو ( أوقف
) ( . 1ثم انظر قوله ( الهوى ) وعمومه فلو قال ( الحب ) أو
( الغرام ) أو ( العشق ) الختلف المعنى اختالفًا شديد ًا وهي عندهم
مرادفات يحل بعضها محل البعض اآلخر ـ لكنه قال ( الهوى ) ـ
والهوى ـ والهواء من مصدر واحد ومعناه األصلي التخّبط واتباع
الخياالت واألوهام بال عقل أو رو ّية ـ ولكنه أطلق على المحب
التصافه بذلك ـ فقد صدق كّل الصدق في ذلك بل فلسفيًا طابق
الحكمة المعلومة من التناقض بين الحرية والوجود ـ حيث االلتزام
وجود والتخبط فناء ـ أو االلتزام بالعقل حركة وحياة ومجانبة العقل
توقف وموت فما تجده من جمالية وحسن في البيت إنما مرجعه الى
الصدق وصحة الوصف ودقة اختيار األلفاظ والتناغم والتالئم بين
السبب والنتيجة بصورة منطقية .واعلم أن للمنهج القصدي رأي
2
3 384
4
في البالغة خالصته أن الصدق ودقة الوصف وتوّخ ي الحقيقة
بشغف وقوة ينتج ال محالة كالمًا بليغ ًا فالبالغة ليست هدفًا وال
قصد ًا وال غايًة وال وسيلًة لبلوغ أمر ـ بل هي تحصيل حاصل
للصدق عند المتكلم ..وقد ذكرنا أن بالغة القرآن هي تحصيل
حاصل لصدقه المطلق وانطباقه على حقائق الموجودات بأسرها ،
بحيث أن المعنى الذي يشير الى حقيقة ال يمكن أن يشار إليه بدقة
وصدق اال بعبارة واحدة فقط فلسفيًا ومنطقيًا وكل عبارة غير تلك
ستكون كاذبة في جزء معين ولذلك صار القرآن ابلغ الكالم ألنه
أصدقه .هذا هو خالصة الرأي القصدي وهو نقيض البالغة
الجرجانية القائمة على الكذب والخلط بين المفردات بالمرادفات
والجمود على المعنى الذهني االصطالحي للمفردة .
1
2 385
3
1
1
2 386
3