91 مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 23 38

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 16

2022 - ‫ نوفمرب‬- 91 ‫العدد‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫ إكراهات سوسيوثقافية لبناء املشروع الشخص ي للمتعلم‬:‫التوجيه املدرس ي واملنهي والجامعي‬


Educational guidance: Sociocultural compulsions to construct the learner's personal project
‫ املغرب‬،‫مكناس‬-‫ أكاديمية فاس‬،‫ مستشارفي التوجيه التربوي‬/‫ سعدي عبد الرحمان‬.‫د‬
Saadi Abderrahmane/ educational guidance counselor, the Academy of Fes-Meknes, Morocco

23

: ‫ملخص‬
‫ وبشكل أدق‬،‫يحاول هذا املقال القيام بمقاربة سوسيولوجية للمشروع الشخص ي للمتعلم املعتمد كأساس للتوجيه التربوي‬
‫ ال نسعى من ذلك إلى إلغاء‬،‫محاولة الوقوف عند أهمية العوامل السوسيوثقافية في سيرورة بناء املشروع الشخص ي للمتعلم‬
‫ وإنما نهدف باملقابل إلى تأكيد هذه األهمية لكن ضمن‬،‫أهمية الدور املحوري للبعد السيكولوجي في بناء املشروع الشخص ي‬
.‫نطاق التأثيرات التي قد تنتج عن السياقات االجتماعية والثقافية التي ينتمي إليها الفرد املعني باملشروع الشخص ي‬
.‫ مشروع حياة‬،‫ بناء الذات‬،‫ السياق السوسيوثقافي‬،‫ التوجيه‬،‫ املشروع الشخص ي‬:‫الكلمات املفتاحية‬
Abstract:
This article attempts to take a sociological approach to the learner's personal project approved as a basis for
educational guidance, and more precisely an attempt to identify the importance of sociocultural factors in the
process of constructing the personal project of student. We do not seek from this to cancel the importance of
the pivotal role of the psychological dimension in building the personal project, but we aim to confirm this
importance, but within the scope of the effects that may result from the social and cultural contexts to which
the individual concerned with the personal project belongs.
Key words: personal project, guidance, sociocultural context, self-construction, life project.
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫ساهمت التحوالت االجتماعية واالقتصادية والتقنية في إعادة توجيه التمثالت االجتماعية بزيادة الطلب على التربية‬
‫والتوجيه من جهة‪ ،‬ومكن تطور األبحاث السيكولوجية والسوسيولوجية من إحداث تغيير في النظريات املرتبطة بالتوجيه‪ ،‬من‬
‫ّ‬
‫حيث املوضوع‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬حيث تم االنتقال من نموذج ميكانيكي تمركز على تصنيف املتعلمين تبعا الستعداداتهم (التي‬
‫يتم تقويمها باألداء املدرس ي)‪ ،‬إلى نموذج "تربوي" أفرد مكانة خاصة للفكرة القائلة بقابلية الفرد للتربية من اجل بناء مسار‬
‫مدرس ي ومنهي خاص‪ ،‬حيث مهدت األفكار الليبرالية بعد الحرب العاملية الثانية وخالل فترة الستينات إلحداث تغييرات عميقة‬
‫‪24‬‬
‫جعلت االهتمام يرتكز على الفرد باعتباره مستقال ومبدعا وقادرا على بلورة اختياراته‪ ،‬وأصبح ُينظر لالستعدادات الفردية‬
‫وحظي التوجيه التكويني بأهمية كبيرة باعتباره " ُيسهل التحديد الذاتي لألفراد وقدراتهم‬‫كمكتسبات اجتماعية قابلة للتطور ُ‬
‫على التكيف مع عالم الشغل بانخراط واعي في التحوالت التقنية واالجتماعية التي يفرضها التقدم"‪.1‬‬
‫في هذا اإلطار برز املشروع كمفهوم حديث وسمة مميزة للحياة املعاصرة‪ ،‬ولم تمنع بدايته في القطاع الصناعي من انتقاله‬
‫إلى مختلف ميادين الحياة الفردية والجماعية‪ ،‬فقد أضحى يمثل "األداة الناجعة لتقويم إمكانيات األشخاص الذاتية وتوقع‬
‫آفاق واحتماالت نجاحهم املستقبلي"‪ ،2‬إن تعدد املجاالت والسياقات التي يحيل اليها وكذلك غزارة االدبيات التي تناولته‪ ،‬تمثل‬
‫في الواقع شهادة تعبر عن قوة وأهمية املفهوم وتعقده بل وهشاشته أحيانا‪.‬‬
‫لم يبقى املجال التربوي املغربي في منأى عن هذه التطورات‪ ،‬فمنذ بداية القرن الجاري عرفت النصوص املنظمة لهذا القطاع‬
‫حضورا قويا ملفهوم املشروع من خالل مفاهيم أساسية كمشروع املؤسسة وبيداغوجيا املشروع‪ ،‬واملشروع التربوي‪ ،‬واملشروع‬
‫الشخص ي‪...‬إلى غير ذلك‪ ،‬حيث أصبح مفهوم املشروع ال سيما املشروع الشخص ي يحتل مكانة مركزية في السياسة والتفكير‬
‫ُ‬
‫التربويين‪ ،‬وأريد له أن يحتل ذات املكانة في املمارسات التربوية بمستوياتها االبتدائي والثانوي والجامعي‪ ،‬وأضحت مساعدة‬
‫وتمكين كل متعلم من بناء مشروع شخص ي معيارا مركزيا يحدد بموجبه مدى نجاعة عمل املؤسسة املدرسية في القيام بمهامها‬
‫التربوية‪ ،‬لذلك تجد املدرسة نفسها أمام ضرورة تعبئة شركائها وكافة الفاعلين التربويين للمساهمة الفعالة من أجل مساعدة‬
‫املتعلم على بناء مشروع شخص ي يستطيع من خالله بناء شخصيته وهويته وكذلك املالءمة مع الحاجيات االقتصادية واملهنية‬
‫للمجتمع ‪.3‬‬
‫ما يستفاد منه أن املشروع الشخص ي للمتعلم وفقا لهذا املنظور يركز على أهمية املسؤولية الشخصية لهذا األخير على‬
‫مساره الدراس ي وفي مواجهة التحديات واإلكراهات الخارجية التي قد يفرضها املحيط‪ ،‬أي أن املتعلم لم يعد مجرد متلقي‪ ،‬وإنما‬
‫أضحى كباقي املتدخلين فاعال ومبدعا ومخرجا ملشروعه الشخص ي ومسؤوال عنه في ظل عالم سمته األساسية التحول‬

‫‪1 Léon, 1957, p.131 cité par Sylvain Obajtek et Francis Danvers, « L’approche éducative en orientation à l’Université en France‬‬
‫‪:‬‬
‫‪évolutions politiques, idéologiques et pédagogiques », Formation et profession 22, no‬‬ ‫‪1 (2014): P.3,‬‬
‫‪https://doi.org/10.18162/fp.2014.59.‬‬
‫‪ 2‬الغالي أحرشاو‪ « ،‬املشروع الشخص ي للمتعلم ‪ :‬مقاربة سيكولوجية »‪ ،‬مجلة الطفولة العربية‪ no ،‬مج‪ ،11 .‬ع‪ ،42 .‬مارس ‪ ،2010‬ص‪.1.‬‬
‫‪http://search.shamaa.org/FullRecord?ID=63178.‬‬
‫‪ 3‬أحرشاو‪ ،,‬ص‪.1.‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫والاليقين‪ ،‬وقد يعني ذلك مما يعنيه أن هناك نقال لإلكراهات الخاصة باألجهزة التنظيمية واملؤسساتية إلى مستوى ضيق ضمن‬
‫املجال الخاص للمتعلم الذي ينبغي تحمل كل املسؤولية بهذا الشأن‪.1‬‬
‫بعد تناول مفهوم التوجيه باعتباره مساعدة املتعلم على بناء مشروعه الشخص ي‪ ،‬سنقدم مفهوم املشروع الشخص ي عند‬
‫املتعلم وشروط بنائه‪ ،‬وبعد ذلك سنتطرق لإلكراهات السوسيوثقافية التي قد تعيق االختيارات الحرة للمتعلم في بناء مشروعه‬
‫الشخص ي‪ ،‬وفي األخير سنعرض بشكل موجز لتصور أكثر شمولية ينظر للتوجيه كبناء ذاتي للحياة‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪ -1‬التوجيه التربوي‪ :‬من ثنائية الشخصية‪-‬الوظيفة إلى بناء املشروع الشخص ي ‪:‬‬
‫لقد انطلق االشتغال بالتوجيه عامة بداية القرن املاض ي في ظرفية اتسمت باالستقرار وقابلية التنبؤ باألحداث املستقبلية‪،‬‬
‫حيث ارتكز آنذاك على أساس وضع الرجل املناسب في املكان املناسب‪ ،‬وكان هذا النهج الوظيفي يربط كل فرد بالخبرة املتوفرة‬
‫لديه‪.‬‬
‫وخالل الستينات‪ ،‬انتقل التوجيه من ذاك النمط القائم على مبدأي التشخيص والتنبؤ إلى شكل جديد يحتل فيه االختيار‬
‫شيد التوجيه على أساس تربوي‪ ،‬وأفرد‬ ‫عند الفاعل مكانة أساسية‪ ،‬وتال ذلك بداية السبعينات ظهور تيار سيكولوجي بكندا َّ‬
‫مكانة مركزية للمشروع وأهمية كبيرة التخاذ القرار‪ ،‬ال تعتبر سيكولوجية املشروع هذه‪ ،‬الفرد فاعال فحسب بل مؤسسا فعليا‬
‫ملشرعه الشخص ي في عالم يتسم بالتغير وغياب االستقرار‪ ،‬فهو مطالب كفاعل باكتشاف والوعي بذاته وبمحيطه‪ ،‬وجمع‬
‫املعلومات ومعالجتها‪ ،‬ثم بناء على ذلك اتخاذ قرارات مناسبة‪ ،‬وبفرنسا تم قانونيا تكريس العمل باملشروع الشخص ي سنة‬
‫‪ ،1989‬حيث جاء في مرسوم لوزارة التربية الوطنية الفرنسية "ينبغي أن يتم توجيه الشباب عن طريق سيرورة بناء املشروع"‪.2‬‬
‫وباملغرب حثت وثيقة امليثاق الوطني للتربية والتكوين في الدعامة السادسة على البعد التربوي في التوجيه باعتباره "جزء ال‬
‫يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين"‪ ،3‬كما دعت إلى ضرورة "مساعدة من يرغبون في ذلك على بلورة اختياراتهم في التوجيه‬
‫ومشاريعهم الشخصية"‪ ،4‬وجاء في الرؤية االستراتيجية ‪ 2030-2015‬بالرافعة الخامسة ضرورة "االعتماد املبكر على التوجيه‬
‫ملصاحبة املتعلم في بلورة مشروعه الشخص ي من السلك االبتدائي إلى غاية التعليم العالي‪ ،‬وتعزيز التربية على االختيار تأسيسا‬
‫على استعدادات املتعلمين وميولهم وقدراتهم"‪.5‬‬
‫ونجد بالقرار الوزاري ‪ 062-19‬أن التوجيه املدرس ي واملنهي والجامعي هو املساعدة على التوجيه‪ ،6‬بهذا التعريف يكون هذا‬
‫القرار قد فك االرتباط بما كان سائدا من قبل بكون التوجيه عالقة تربط شخصا مالكا لخبرة يقدم وصفات وحلول ملشاكل‬

‫‪1 Cécile Paul et Mariane Frenay, « Le projet personnel de l’élève dans l’enseignement secondaire qualifiant, concept prometteur‬‬

‫‪ou nouveau défi jeté à l’égalité », De l’école au marché du travail: l’égalité des chances en question. Berne: Peter Lang, 2008, p.1,‬‬
‫‪https://sites.uclouvain.be/ages/Socio/DelUniversite/ProjetPersonnelEleveDefi11_2007.pdf.‬‬
‫‪2 Monique Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et‬‬

‫‪professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », Nouveaux c@hiers de la recherche en éducation 3, no 1 (1996), p.135,‬‬
‫‪https://doi.org/10.7202/1017455ar.‬‬
‫‪ 3‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ « ,‬امليثاق الوطني للتربية والتكوين »‪ ,1999 ,‬املادة ‪.99‬‬
‫‪ 4‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ ,‬املادة ‪.101‬‬
‫‪ 5‬اململكة املغربية‪ ،‬املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬املغرب‪ « ،‬من أجل مدرسة االنصاف والجودة واالرتقاء (رؤية استراتيجية لإلصالح‬
‫‪ ,2015 ,» )2030-2015‬ص‪,https://www.csefrs.ma/wp-content/uploads/2017/09/Vision_VF_Ar.pdf.13.‬‬
‫‪ 6‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ « ،‬القرار الوزاري رقم ‪ 062.19‬بشأن التوجيه املدرس ي واملنهي»‪ septembre 2019, 07 ,‬املادة ‪.1‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫من جهة‪ ،‬بشخص آخر يمثل زبونا باحثا عن عالج آني من جهة أخرى‪ ،‬فاملساعدة كما جاءت بهذا القرار تحيل إلى وجود مساحة‬
‫شاسعة لتدخالت املعني باألمر نفسه كفاعل مسؤول بشأن ذاته ومستقبله‪ ،‬في حين أن مهمة الطرف الثاني في هذه العالقة ال‬
‫ستهدف بها موضع الفاعل النشيط املسؤول عن‬ ‫تتجاوز مهمة املرشد واملساعد‪ ،‬كما جاء باملادة ‪ 5‬التي تقول " ُيوضع املُ َ‬
‫اختياراته الدراسية والتكوينية واملهنية‪ ،‬وعن قراراته املترتبة عنها‪ ،‬ويقف تجاهه كل الفاعلين واملتدخلين في املجال موقف‬
‫املرشد واملساعد على تحديد وترشيد هذه االختيارات والقرارات"‪.1‬‬
‫انطالقا مما سبق ليس التوجيه عالقة ميكانيكية أحادية الجانب بين فاعل خبير وبين متلقي سلبي‪ ،‬وإنما أضحت املساعدة‬
‫‪26‬‬
‫على التوجيه عبارة عن مقاربة تربوية ضمن سيرورة تمتد على مدى الحياة‪ ،2‬وال تسعى إلى تقديم وصفات وحلول جاهزة ملشاكل‬
‫املتعلم‪ ،‬بل تهدف باملقابل إلى مواكبة هذا األخير إلرساء استقالليته في االختيار وفي اتخاذ القرار‪ ،‬وتقوية مسؤولياته من أجل‬
‫بناء مشروع شخص ي يفض ي به إلى االندماج املنهي‪ ،‬وبهذا الصدد تقول املادة ‪ 6‬من ذات القرار "يهدف التوجيه املدرس ي واملنهي‬
‫والجامعي إلى دعم نضج واستقاللية املتعلمين وتعزيز مسؤولياتهم عن بناء وتحقيق مشاريعهم الشخصية التي تعكس‬
‫طموحاتهم املهنية املستقبلية"‪.3‬‬
‫وعلى الرغم من دعوته إلى تبني املشروع الشخص ي كأساس للتوجيه إال أن مضمون املادتين السابقتين يظهر أنه إذا كان‬
‫الهدف من التوجيه هو املساعدة على بناء مشروع شخص ي‪ ،‬فإن غاية هذا األخير ال تتعدى تمكين املتعلم من االندماج على‬
‫املستوى املنهي دون إشارة إلى مشروع حياة بصفة عامة‪ ،‬كما تؤكده الفقرة ‪ 3‬باملادة ‪" 7‬فاملشروع الشخص ي للمتعلم هي السيرورة‬
‫التي ينخرط فيها املتعلم من أجل تحديد هدف منهي يطمح إلى تحقيقه‪ ،‬وتحديد املسارات الدراسية والتكوينية املؤدية اليه‪،‬‬
‫وخطته الشخصية لبلوغه"‪ ،4‬وعليه فإن جميع التدخالت الداخلية (املواكبة التربوية‪ ،‬واإلدارية‪ ،‬والتخصصية) والخارجية‬
‫(الشركاء‪ ،‬األسرة‪ ،‬املحيط‪ ،)...‬وكذلك مسؤولية املتعلم نفسه يجب أن تنصب في اتجاه كل ما من شأنه مساعدته على تحديد‬
‫وترشيد االختيارات والقرارات املناسبة لبلوغ حلمه املنهي عبر مسار دراس ي وتكويني في إطار مشروع الشخص ي‪.‬‬
‫لقد أضحى التوجيه بصفة عامة سيرورة تربوية بامتياز تتمحور حول املتعلم باعتباره فاعال أساسيا في بناء وتوجيه حياته‬
‫عامة ومساره الدراس ي واملنهي خاصة‪ ،‬انطالقا من قيامه ببلورة فعلية ومسؤولة ملشروعه الشخص ي الذي ينبغي القيام به منذ‬
‫بداية مشواره الدراس ي ويستمر مدى حياته‪ ،‬فماذا يقصد بهذا املفهوم؟‬
‫‪ -2‬تعريف املشروع الشخص ي ‪:‬‬
‫لقد فرض املشروع نفسه بقوة على كافة مجاالت الحياة ال سيما املجال التربوي‪ ،‬لكنه مع ذلك يعتبر مفهوما حديث الظهور‬
‫باملنظومة التربوية املغربية‪ ،‬لذلك فإن بيان مدلوله ووظيفته وأسس بنائه تحتاج إلى املزيد من البحث‪.‬‬
‫يعني املشروع في القاموس اإلنجليزي تخطيط واقتراح‪ ،‬وتعهد أو عملية تتطلب مجهودا‪ ،‬كما يقصد أيضا الدفع واالرتماء‬
‫إلى األمام‪ ،‬إضافة إلى ذلك يشير املشروع في اللغة الفرنسية إلى معنى القصدية للقيام بش يء ما‪ ،5‬وبهذه الدالالت‪ ،‬نستشف أن‬

‫‪ 1‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ ،‬املادة ‪.5‬‬


‫‪ 2‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ ،‬املادة ‪.2‬‬
‫‪ 3‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ ،‬املادة ‪.6‬‬
‫‪ 4‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ ،‬الفقرة ‪ ،3‬املادة ‪.7‬‬
‫‪5 Richard A. Young et Ladislas Valach, « La notion de projet en psychologie de l’orientation », L’orientation scolaire et‬‬

‫‪professionnelle, no 35/4 (15 décembre 2006), p.2 https://doi.org/10.4000/osp.1168.‬‬


‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫مفهوم املشروع يمتاز بالقوة ألنه يتضمن القصدية والفعل واالتجاه والهدف في املكان والزمان‪ ،‬كما أن البعدين األول واألخير‬
‫يجعالنه اليوم أكثر قربا ومالءمة لحياة األفراد من املسار املنهي املعمول به في السابق‪ ،‬ذلك أنه إذا كان كال املفهومين يتجه نحو‬
‫هدف معين‪ ،‬فإن مفهوم املسار املنهي غالبا ما يحيل إلى مسارات منظمة اجتماعيا أصبحت حاليا تفقد تأثيرها في الحياة املهنية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫طور لدى الفرد نمط حياة محدد ملسار منهي بعينه‪ ،‬في حين أنها تصر اليوم على‬ ‫فالتربية على سبيل املثال‪ ،‬كانت في السابق ت ِ‬
‫تنمية املهارات لدى األفراد وهو ما يمكن تحقيقه عن طريق املشروع ‪.1‬‬
‫يشير املشروع بصفة عامة إلى "كل ما لدينا نية القيام به مستقبال على املدى املتوسط"‪ ،2‬أو بعبارة أخرى تمثل ذهني واعي‬
‫‪27‬‬
‫ومعبر عنه بوضعية في املستقبل‪ ،‬يعتقد الفرد أنه قادر على تنزيلها على أرض الواقع وجعلها حقيقة‪ ،‬والتي تدمج كل معارف‬
‫الفرد حول ذاته وحول محيطه الخارجي‪.3‬‬
‫ال يخرج النظام التربوي املغربي عن إطار التعريف السابق للمشروع الشخص ي للمتعلم‪ ،‬حيث يحدده كـ"سيرورة ذاتية‬
‫وداخلية للمتعلم‪ ،‬ذهنية ووجدانية ونفسية واجتماعية‪ ،‬مع إسقاطات مستقبلية ملساره الدراس ي واملنهي"‪ ،4‬انطالقا من هذا‬
‫التعريف يشير املشروع الشخص ي للمتعلم إلى انخراط في املستقبل وتفتح على آفاقه وإسقاط للذات في مساره من خالل تحديد‬
‫هدف منهي يتطلب تحقيقه تحديد مسار دراس ي أو تكويني يؤدي إليه‪ ،‬وذلك طبعا وفق خطة يعتمدها الشخص لتحقيق هذه‬
‫املقاصد املحددة عن طريق توقعها وتعبئة الوسائل الالزمة لبلوغها‪ ،‬أي "تمثل تنبؤي لنتيجة مستقبلية يستهدف منها الشخص‬
‫تحقيق غاياته ومطامحه ورغباته وحاجاته"‪ ،5‬وتبعا لكل ما سبق يحيل املشروع الشخص ي للمتعلم إلى عدة عناصر أساسية‪6‬‬

‫كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود قصد أو نية قيام الفرد بفعل الذي يعني عزم الفرد االختياري واملقصود للقيام بفعل‪ ،‬ومن ثم إلى إرادة اإلنجاز‪،‬‬
‫كما يحيل أيضا إلى تمثل الفرد للهدف الذي ينشد بلوغه‪.‬‬
‫‪ -2‬هناك هدف محدد يسعى الفرد إلى تحقيقه‪.‬‬
‫‪ -3‬يتوقع الفرد حامل املشروع مجموعة من الوسائل يستطيع بموجبها بلوغ أهدافه‪.‬‬
‫‪ -4‬يتم تحديد املشروع على شكل برنامج أنشطة متتالية سيتم بفضلها تنفيذ هذه الوسائل‪.‬‬

‫‪1 A. Young et Valach, p.2‬‬

‫‪2Bru‬‬ ‫‪& Not, (1991), p.327 cité par Paul et Frenay, « Le projet personnel de l’élève dans l’enseignement secondaire qualifiant,‬‬
‫‪concept prometteur ou nouveau défi jeté à l’égalité », p.2.‬‬
‫‪3 Sandrine Biémar, Marie-Christelle Philippe, et Marc Romainville, « L’injonction au projet : paradoxale et infondée ?. Approche‬‬

‫‪longitudinale du choix d’études supérieures », L’orientation scolaire et professionnelle, no 32/1 (1 mars 2003): p.3,‬‬
‫‪https://doi.org/10.4000/osp.3167.‬‬
‫‪ 4‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ « ،‬القرار الوزاري رقم ‪ 062.19‬بشأن التوجيه املدرس ي واملنهي »‪ ،‬املادة ‪.7‬‬
‫‪ 5‬أحرشاو‪ « ،‬املشروع الشخص ي للمتعلم »‪ ،‬ص‪.2 .‬‬
‫‪6 Paul et Frenay, « Le projet personnel de l’élève dans l’enseignement secondaire qualifiant, concept prometteur ou nouveau défi‬‬

‫‪jeté à l’égalité ». p.2‬‬


‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫وعالوة على ذلك‪ ،‬ال يتطلب املشروع البحث وتحديد الوسائل الالزمة لالنتقال من القصد إلى الفعل فحسب‪ ،‬بل هو كذلك‬
‫في حاجة ماسة إلى ضرورة وضع استراتيجية حقيقية لهذا االنتقال في إطار زمان ومكان محددين تعتمد على الخصائص املميزة‬
‫للمشروع وعلى الشروط املنهجية الالزمة لتنفيذه‪.‬‬
‫‪ -2-1‬خصائص املشروع الشخص ي للمتعلم ‪:‬‬
‫َع َّدد الباحثان يونغ و فالش‪ 1‬مجموعة من الخصائص املميزة للمشروع الشخص ي للمتعلم‪ ،‬منها على سبيل املثال ما يلي‪:‬‬
‫‪28‬‬ ‫‪ -1‬يفترض املشروع أفعاال‪ 2‬أو سلسلة متتالية من األفعال تتميز بكونها ليست قصيرة املدى كالفعل‪ ،‬وال طويلة املدى‬
‫كاملسار الذي يمتد مدى الحياة‪ ،‬فاملشروع منظور متوسط املدى ومرتبط باملوارد الضرورية إلنجازه‪ ،‬ومن ثم فهو قابل للتغير‬
‫والتطور لكونه ليس سجينا للمعايير واألدوار واالتفاقات‪.‬‬
‫‪ -2‬ال يتحدد املشروع ضمن نطاق املجال املنهي فقط‪ ،‬بل إنه أقل ارتباطا باملؤسسة من املسار‪ ،‬ويتسع تطبيقه إلى مختلف‬
‫مجاالت الحياة‪ ،‬إنه يمثل مفهوما أساسيا لفك ارتبطا التوجيه بالجانب املنهي‪ ،‬كما يعد أكثر مالءمة للتغيرات والتطورات‬
‫السريعة التي تميز عالم الشغل والطابع الكوني واملعلوماتي لالقتصاد‪.‬‬
‫‪ -3‬إن املشروع هو بناء اجتماعي‪ ،‬ألن طبيعته العالئقية هي خاصيته األكثر تجليا‪.‬‬
‫‪ -4‬ال يتم التحكم تماما في املشروع‪ ،‬فعملية اإلسقاط التي يخضع لها تجعله مفتوحا على تدخالت ومساهمات مستقبلية‪.‬‬
‫‪ -5‬يعد املشروع طريقة لتنظيم تجاربنا املاضية وتوقع تجاربنا املستقبلية في الوقت ذاته‪.‬‬
‫‪ -2-2‬الشروط املنهجية للمشروع الشخص ي ‪:‬‬
‫أورد ووش ‪ 3 Wach‬أن أعمال عالم النفس االجتماعي ‪ Jean-Pierre Boutinet‬تتضمن أربعة شروط ضرورية ملنهجية‬
‫املشروع كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬ينبغي أن يكون املشروع كليا ‪:‬‬
‫تحمل منهجية املشروع في طياتها ضرورة الكلية أو الشمولية‪ ،‬وذلك ألن الفرد هو ذاته من يتحمل مسؤولية املشروع خالل‬
‫كل مراحله‪ ،‬أي من لحظة التصور إلى مرحلة التنزيل واإلنجاز‪ ،‬ويعني ذلك من جهة أن أهداف املشروع ليست خارجية‪ ،‬وإنما‬
‫هي في الواقع أهداف الفرد نفسه‪ ،‬وأنه مؤلف مشروعه أي هو املقرر واملسؤول عنه‪ ،‬ويشير من جهة أخرى إلى أن كل فرد حامل‬
‫ملشروع يتميز بكثرة نشاطه وقوة املواجهة‪ ،‬وأكثر مناعة من غيره ضد املخاطر املحتملة‪ ،‬كما يستطيع النجاح في الحياة‬
‫االجتماعية من يتحمل املسؤولية فيما يتعرض له‪.‬‬
‫‪ -2‬يقتض ي املشروع تدبيراملعقد والاليقين ‪:‬‬
‫إن السمة األساسية للمشروع هي أنه متعدد الحلول‪ ،‬ومن ثم فإن الفرد‪ ،‬باعتباره مؤلفا وفاعال في املشروع‪ُ ،‬مطالب بوضع‬
‫عدة سيناريوهات محتملة‪ ،‬ما يفرض عليه بطبيعة الحال التحلي باملرونة واألخذ بعين االعتبار تعقد واليقين الوضعية والتفكير‬

‫‪1 A. Young et Valach, « La notion de projet en psychologie de l’orientation ». p.5‬‬

‫‪ 2 -‬يعتبر الفعل مفتاح فهم االشتغال اإلنساني‪ ،‬فعلى الرغم من كونه فرديا إال أن معظمها يعد اجتماعيا‪ ،‬كما أن هذه األخيرة ال تقتصر على‬
‫األفعال املشتركة بين األشخاص فحسب‪ ،‬بل تعد األفعال الفردية كذلك اجتماعية ال سيما تلك التي تبنى وتدمج في شبكة اجتماعية‪( .‬مثال التوجيه‬
‫الذي يعطي االنطباع بأنه فردي)‪.A. Young et Valach, p.6‬‬
‫‪3 Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et‬‬

‫‪professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », p.p : 136-137‬‬


‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫كذلك في عدة حلول باستعمال معايير مختلفة في الوقت نفسه ‪ ،‬ينبغي إذن على الفرد استبعاد منطق الحتمية والعمل بدل‬
‫ذلك على امتالك قدرة اللعب على مخططات عدة‪.‬‬
‫‪ -3‬ينبغي أن يفض ي إلى حلول فريدة ‪:‬‬
‫ال تستدعي منهجية املشروع أن يكون الفرد مؤلفا ملشروعه فحسب‪ ،‬بل تقتض ي كذلك أن يتمتع بروح اإلبداع واالبتكار‬
‫والتجديد‪ ،‬الن االمر ال يتعلق بوضعية مألوفة وإنما بوضعية غير مسبوقة في حاجة إلى جواب فريد‪ ،‬لذلك فإن بناء مشروع‬
‫‪29‬‬ ‫يتطلب من الفرد االنطالق من عناصر ونماذج خارجة‪ ،‬لكن ال يعني ذلك إعادة انتاج نماذج سابقة وإنما االستعانة بها فقط‬
‫من اجل بلورة وبناء مشروع خاص‪ ،‬بحيث ال توجد هناك وصفة قبلية لكيفية بناء مشروع‪ ،‬ونشير أيضا إلى فكرة بالغة األهمية‬
‫مفادها أن جودة هذه النماذج مرتبطة بمختلف أوساط التنشئة االجتماعية ال سيما املدرسة‪.‬‬
‫‪ -4‬ال يمكن بناء مشروع إال في بيئة مفتوحة ‪:‬‬
‫يحتاج املشروع بطبيعته إلى بيئة خصبة ومتفتحة تسمح باستكشاف اإلمكانيات املتاحة وإحداث تغييرات‪ ،‬ألن املشروع‬
‫يتطلب التحلي بالتفاؤل وانطالقته تستدعي تقدير احتمال تحقيق ولو بعض من اإلنجازات‪.‬‬
‫نخلص مما جاء سابقا‪ ،‬أن التصور الراهن للتوجيه باعتباره سيرورة تربوية تضع املتعلم كفاعل أساس ي يتحمل مسؤولية‬
‫تأليف وبناء مشروعه الشخص ي خالل كل مراحله‪ ،‬أي من لحظة التصور إلى مرحلة االنجاز‪ ،‬ويعتبر أهداف املشروع الشخص ي‬
‫تجسيدا لطموحات املتعلم واستعداداته ورغباته هو نفسه‪ ،‬غير أنه مقابل ما سبق يحتاج املشروع بطبيعته إلى بيئة ثقافية‬
‫واجتماعية تتميز بالخصوبة واالنفتاح على املحيط الخارجي بما يسمح باستكشاف اإلمكانيات املتاحة وإحداث تغييرات أيضا‪،‬‬
‫ذلك أن عملية اإلسقاط التي يخضع لها املشروع الشخص ي‪ ،‬كما ورد أعاله تجعله مفتوحا على تدخالت ومساهمات مستقبلية‬
‫عديدة ومختلفة‪ ،‬إن املشروع بصفة عامة كما جاء أعاله هو بناء اجتماعي‪ ،‬ألن طبيعته العالئقية هي خاصيته األكثر تجليا‪،‬‬
‫من هذا املنطلق يمكن البحث في اإلكراهات السوسيوثقافية التي قد تعيق بناء املشروع الشخص ي عند املتعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬املشروع الشخص ي‪ :‬أهمية العوامل االجتماعية والثقافية‬
‫‪ -3-1‬هشاشة الشغل‪ :‬انكماش لحرية االختيار‬
‫عرف العالم حسب السوسيولوجي الفرنس ي سيرج بوغام‪ ،‬منذ سبعينات القرن املاض ي انفجارا واسعا للعمل الهش الذي‬
‫شمل قسما جد مهم من السكان‪ ،‬وال يعزى ذلك إلى نتائج األزمة التي سادت آنذاك فحسب‪ ،‬بل يرجع أيضا إلى دوافع اقتصادية‬
‫وسياسية تتمثل في زيادة مرونة اليد العاملة وتقليص نسب البطالة‪ ،1‬وحيث تشير إلى التفاقم املادي والرمزي لعدد متزايد من‬
‫ُ‬
‫األجراء‪ ،‬فالهشاشة أصبحت بذلك نمطا لالندماج في سوق الشغل‪ ،‬كما تمثل واحدا من الدواليب الضرورية الشتغال نظام‬
‫اإلنتاج‪.2‬‬
‫وملا كان العمل لدى السوسيولوجي الفرنس ي إيميل دوركايم يمثل أساسا لالندماج االجتماعي‪ ،‬نظرا ملا كان يتيحه من‬
‫إمكانيات لتحقيق الحماية واالعتراف االجتماعيين لدى األفراد‪ ،‬فإن سمة اليوم على العكس من ذلك‪ ،‬عند سيرج بوغام هي‬

‫‪1 Véronique Vergnereau, « S. Paugam. Le salarié de la précarité.. Paris‬‬ ‫‪: PUF. », L’orientation scolaire et professionnelle, no 30/3‬‬
‫‪(18 juillet 2001): p.1, http://journals.openedition.org/osp/5170.‬‬
‫‪2 Brice Gilardi, « Serge Paugam, Le salarié de la précarité. Les nouvelles formes de l’intégration professionnelle », Lectures, 7 mars‬‬

‫‪2008, http://journals.openedition.org/lectures/546.‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫انعدام األمن (الألمن) الناتج عن تفش ي الوظائف الهشة بشكل مضاعف وغياب االستقرار في الشغل التي تظهر مثال في‪)1 :‬‬
‫شغل محدود الزمن‪ ،‬بمعنى إرساء ال أمن بنيوي للشغل ‪ )2‬تواتر متزايد للعمل بالعقد‪ ،‬أي زيادة املرونة في العمل وغياب‬
‫ّ‬
‫يولد غياب األمن واالستقرار في الشغل لدى األجراء‪.1‬‬‫االستمرار‪ )3 ،‬البحث املستمر لتقليص تكاليف اإلنتاج‪ ،‬ما ِ‬
‫نستخلص من ذلك أن مفهوم الهشاشة يشير إلى وجود عالقة هيمنة باملعنى الذي يقض ي أن تنمية وتطور الفرد يخضعان‬
‫لقرار األخر‪ ،‬ذلك أن وجود الفرد في وضعية هشاشة يجعله في وضعية تتسم بغياب االختيار وضعف هامش التصرف الذاتي‪،2‬‬
‫ومن هذا املنطلق ال يستند الفرد عامة واملتعلم بصفة خاصة في انخراطه في مشروع شخص ي على تمثالته فحسب‪ ،‬بل يخضع‬
‫‪30‬‬
‫كذلك لتأثير ات اجتماعية متعددة‪ ،‬فكيف ذلك؟‬
‫‪ -3-2‬التأثيراالجتماعي على التمثالت والكفايات الفردية ‪:‬‬
‫انطلق أولفيي ‪ Olivier‬من فكرة مفادها أن التربية على التوجيه عرفت تطورات كبيرة خالل سنوات السبعينات من القرن‬
‫املاض ي‪ ،‬وذلك في سياق اتسم أوال بأهمية دور املدرسة في التنشئة وتربية الشباب‪ ،‬وثانيا بأولوية النجاح الفردي الذي يجعل‬
‫الفرد املسؤول املباشر عن بنائه الشخص ي‪ ،‬وثالثا بحصول تحوالت عميقة في تنظيم الشغل جعلت ارتباط مناصب الشغل‬
‫بالكفايات الفردية‪ ،3‬لذلك أضحت كفايات االختيار والتوجيه‪ ،‬حسبه‪ ،‬كفايات مفتاح ينبغي امتالكها خالل التعليم االلزامي‬
‫لكي يصبح كل فرد على مدى حياته قادرا على تحليل وضعية وتعبئة موارده للتكيف وتغيير مهنة أو منطقة‪ ،‬غير أنه مع ذلك‬
‫َع َّد َد عوامل أخرى مسؤولة عن اختيارات التوجيه واملسار الدراس ي للمتعلم منها كفاياته الفردية وكفاياته املكتسبة‪ ،‬واألسرة‬
‫واملحيط وسياق التعلم‪ ،‬واألصل االجتماعي واالثني‪ ،‬فخالل املسار الدراس ي‪ ،‬يتمتع األصل االجتماعي‪ ،‬حسب الباحث‪ ،‬بأهمية‬
‫كبيرة في ‪:‬‬
‫‪ )1‬تفييئ الناس‪ ،‬إذ ُيهيأ الطفل لالستفادة من وضعه االجتماعي باملدرسة‪.‬‬
‫‪ )2‬إرساء الال مساواة االجتماعية كآليات للنجاح ترفع من قيمة الطفل املدرسية‪ ،‬وكاستراتيجيات اجتماعية خالل‬
‫اختيارات التوجيه تحفز بقوة مساره الدراس ي‪.‬‬
‫ومن ثم ليس غريبا أن يحتد التنافس حول املساعي نحو التفرد واالختالف (اختيار أفضل املدارس‪ ،‬وأفضل املدرسين‪،)...‬‬
‫ألن من شأن ذلك التأثير على املصير املدرس ي للمتعلم‪ ،‬فالتمدرس مثال في بيئة مدرسية صعبة َ‬
‫ست ُحد من تطور الكفايات‬
‫الفردية للمتعلمين وتؤثر سلبا عليها‪.4‬‬
‫في ذات اإلطار‪ ،‬اعتبر ووش ‪ wach‬أن ضعف اإلعالم عند الشباب يولد لديهم قوالب جاهزة وتصلب في التمثالت حول‬
‫مسالك التكوين واملهن‪ ،‬ذلك أن تكوين مشروع عند هذه الفئة مرتبط بمفهومين أساسيين هما‪ :‬التأثير االجتماعي والهابتوس‪،‬‬
‫فمثلها‬
‫إن التمثالت املهنية مرتبطة بنظام اهتمامات أو مصالح محددة من طرف شخصية الفرد وحسب وضعه االجتماعي‪ِ ،‬‬

‫‪1 Gilardi.‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪Valentine Hélardot, « Précarisation du travail et de l’emploi : quelles résonances dans la construction des expériences‬‬
‫‪sociales ? », Empan no 60, no 4 (2005): p.31, https://www.cairn.info/revue-empan-2005-4-page-30.htm.‬‬
‫‪3 Meunier Olivier, « VERS DE NOUVELLES MODALITES DE L’ORIENTATION SCOLAIRE EN FRANCE ET AILLEURS », 2008, p.1,‬‬

‫‪http://espritcritique.uiz.ac.ma/publications/1201/esp1201article05.pdf.‬‬
‫‪4 Olivier, p.2‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫مثل التمثالت املدرسية كلها تمثالت اجتماعية‪ ،‬بمعنى معارف مختلفة ُم َّ‬
‫عدلة عن طريق عالقات اجتماعية و ُم َّ‬
‫حينة في وضعيات‬
‫خاصة‪.1‬‬
‫فإذا كانت التمثالت ترتبط بالفرد‪ ،‬فإنها تبقى على الدوام خاضعة لتأثيرات اجتماعية‪ ،‬كما جاء في نموذج )‪،Huteau (1982‬‬
‫يقول ووش )‪ ،(wach‬لسيرورة بناء التمثالت الذي يفترض فيه أن إنجاز املشروع الشخص ي هو في الواقع عبارة عن مقارنة بين‬
‫تمثل الذات وتمثل املهن انطالقا من حقيقة اجتماعية وعاطفية خاصة بالفرد‪ ،‬ومن ثم ال تتكون التمثالت من معارف فحسب‪،‬‬
‫جم ِع ّيا‬
‫بل تتشكل أيضا من معتقدات‪ ،‬بمعنى أنها ليست نتاج معرفي محض‪ ،‬وإنما هي كذلك عاطفية واجتماعية‪ ،2‬أي تتولد ْ‬
‫‪31‬‬
‫(بلغة إميل دوركايم) وتخضع لتأثيرات اجتماعية (عند موسكوفيش ي) أو لهابتوس (عند بورديو)‪ ،‬هذا الهابتوس الذي يجعل‬
‫البعض يفكر تلقائيا أن يصبح دبلوماسيا والبعض اآلخر أن يشتغل كمساعدي رعاية األطفال‪.3‬‬
‫بناء على ما سبق قد ال يستطيع العديد من املتعلمين بناء مشروع شخص ي ليس جراء نظرته السلبية حول ذاته فحسب‪،‬‬
‫بل كذلك بسبب عسر حياته األسرية أو االجتماعية أو املدرسية‪ ،‬فتأثير هذه األخيرة بحصر املتعلمين مثال في خانة املتعثرين‬
‫دراسيا متجاهلة وجودهم كشباب خارجها‪ ،‬تكون قد زجت بهم في وضعيات يواجهون فيها صعوبات في بناء تمثالت متنوعة حول‬
‫الذات‪.4‬‬
‫في ذات السياق يشير أوليفيي‪ 5‬إلى نموذج للباحث ‪ Holland‬يصف فيه األشخاص تبعا لبيئاتهم والتفاعالت الناتجة عنها‪،‬‬
‫ومن ثم اعتماد ذلك في تفسير سلوكاتهم املهنية‪ ،‬ليس االختيار املنهي بالنسبة لهذا الباحث مسألة شخصية فحسب‪ ،‬بل يقوم‬
‫أيضا على عناصر سوسيولوجية أخرى أهمها تاريخ األفراد وأصولهم االجتماعية والسياق االجتماعي ونظرتهم إلى الحياة وطريقة‬
‫ارتباطهم بالكون‪ ،‬يتأسس نموذج ‪ ،Holland‬على مبدأين أساسين‪ :‬يشير األول إلى أن اختيارات األفراد املهنية ‪vocationnelle‬‬
‫هي تعابير شخصية‪ ،‬ويعتبر الثاني بأن األعضاء في كل جماعة مهنية يتقاسمون سمات مشتركة‪ ،‬فعالوة على شخصيته‪ ،‬يستند‬

‫‪1‬‬ ‫‪Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et‬‬
‫‪professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », p.138‬‬
‫‪ 2‬يورد (‪ )wach, 1996‬أمثلة على ذلك كاآلتي‪:‬‬
‫)‪ ،‬في حين أن نظرائهم ‪profession manuel‬فيما يتعلق باألصل االجتماعي‪ :‬يصف الشباب املنحدر من أسر شعبية مهنة االلكتروني بأنها يدوية (‬
‫‪ (profession scientifique )Wach, p.p: 140-141.‬املنحدرين من أسر ميسورة يصفونها بأنها مهنة علمية‬
‫أما بخصوص املسالك‪ :‬يثمن كل واحد مهنا مختلفة تبعا للحظوظ املتوفرة لديه لولوجها انطالقا من املسلك الذي يوجد فيه (الصحافة مثال يثمنها‬
‫تالميذ االدب أكثر من تالميذ التكنولوجيا الصناعية)‪.‬‬
‫‪Wach, p.141.‬وبالنسبة للنوع‪ :‬يالحظ أن االناث يعطين األولوية للمشاريع األسرية أكثر من األهداف املهنية‬
‫‪3 Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et‬‬

‫‪professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », p.140‬‬


‫‪4 Wach, p.141‬‬

‫‪5 Dulu Olivier, « Approche structurale de la compétence à s’orienter : proposition d’un modèle général ,hiérarchique, dynamique‬‬

‫‪et multivarié. » (France, Conservatoire national des arts et métiers- CNAM, 2014.Français.NNT:2014CNAM0949, 2014), p.37,‬‬
‫‪https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-01159637.‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫الفرد في اختياراته على تاريخه الشخص ي‪ ،‬فالبراميترات الخاصة املالزمة لبعض املهن تجذب األفراد الذين يتقاسمون سمات‬
‫مشتركة مع هذه الجماعة املهنية مؤسسين بذلك ملناخ عمل يعكس تلك الجماعة‪.1‬‬
‫وبالتالي يستفاد مما جاء آنفا أنه في التوجيه لسنا بصدد عملية ميكانيكية يتم بموجبها إعداد األفراد ملهن محددة بعينها‪،‬‬
‫وإنما ينبغي أن نفهم التوجيه كسيرورة تربوية تمكن املتعلم عبر مشروعه الشخص ي من بناء الذات وهوياته املتعددة‪ ،‬ملواجهة‬
‫الحياة بكل تعقيداتها وتقلباتها‪ ،‬ضمن إطار من التفاعالت سواء مع املحيط حيث يساهم األفراد بموجبها في تطور السياق الذي‬
‫يعيشون فيه أو مع الذات بقيام الفرد بتنظيم سلوكه وإدراك اآلخرين من خالل شمات ذهنية وثيقة االرتباط بجماعته أو فئته‬
‫‪32‬‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3-3‬تكوين املشروع الشخص ي‪ :‬بين رهان االسرة ودوراملدرسة ‪:‬‬
‫يلعب مستوى طموحات األسر دورا بالغ األهمية في تحديد املسار الدراس ي واملنهي للمتعلمين‪ ،‬ويمكن اإلشارة بهذا الصدد‬
‫إلى بعدين أساسيين ذا تأثير كبير فيما يخص التوجيه املدرس ي واملنهي عامة وبناء املشروع الشخص ي بصفة خاصة‪ :‬األصل‬
‫االجتماعي للمتعلم وانتقائية املدرسة‪ ،‬فنادرا ما تحظى رغبات املتعلم وال مشروعه الشخص ي بأية أهمية في عملية التوجيه‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإنما تخضع باملقابل إلى ضغوطات تمارسها أسر املتعلمين أحيانا وإلى أهداف خاصة باملؤسسة املدرسية أحيانا أخرى‪ ،‬حيث‬
‫ُيعتمد في اختيار التوجيه ببعض املؤسسات استنادا على "معايير مدرسية وال تحظى رغبات األسر بأهمية‪ ،‬في حين تمارس‬
‫طلبات األسر بمؤسسات أخرى تأثيرا واضحا على التوجيه‪ ،‬إلى درجة أنه يصبح من األهمية بمكان معرفة طلب األسرة على‬
‫حساب القيمة املدرسية للمتعلم للحسم في توجيهه"‪.2‬‬
‫يبدو من الطرح السابق أنه ال قيمة لظروف املتعلم املدرسية إال إذا كان هذا األخير ال يحظى بدعم واضح من قبل األسرة‪،‬‬
‫أي حينما يكون مصيره متروكا له أو لفائدة املدرسة التي تتولى التصرف بهذا الشأن‪ ،‬وحينها يتم اللجوء أحيانا إلى مواصفاته‬
‫املدرسية أو إلى ما قد يعتبرونه مشروعه الشخص ي للحسم في عملية توجيهه‪ ،‬فسياق التمدرس ال يؤخذ "بعين االعتبار في‬
‫التوجيه إال بالنسبة للمتعلمين املنحدرين من أوساط شعبية خاصة‪ ،‬أي أنه ال يصبح ذا أهمية إال عند تحليل التمايزات‬
‫االجتماعية للمسارات املدرسية"‪.3‬‬
‫إن هذا الحضور القوي للمدرسة واألسرة في عملية التوجيه عامة وبناء املشروع الشخص ي بصفة خاصة عند املتعلم ال‬
‫ينفي باملقابل أن قبول واستدخال منطق املشروع الشخص ي هما في األساس مسألتين وثيقتا االرتباط بطبيعة النمط الثقافي‬
‫السائد باملحيط االسري واملدرس ي للمتعلم‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪Olivier, « Approche structurale de la compétence à s’orienter : proposition d’un modèle général, hiérarchique, dynamique et‬‬
‫» ‪multivarié.‬‬
‫– ‪2Duru et Mingat, 1987 cité par Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision‬‬

‫‪L’orientation scolaire et professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », p.13.‬‬


‫‪3Duru-Bellat, 1989 cité par Wach, p.13.‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫‪ -3-4‬بناء املشروع الشخص ي‪ :‬الحاجة إلى نمط ثقافي جديد ‪:‬‬


‫في مقاربته للمشروع الشخص ي‪ ،‬ينطلق برنود ‪ 1 Perrnoud‬من فكرة مؤداها أن تكوين مشروع يفترض وجود عالقة خاصة‬
‫بالعالم‪ ،‬حيث أنه على الرغم من وجود أهداف وغايات لدى الكائن اإلنساني إال أن هذه األخيرة ليست سمة كل الثقافات‪،‬‬
‫فالقدرة على بناء مشروع‪ ،‬كالعالقة باملعرفة‪ ،‬مسألة ثقافية بامتياز وليس نمطا كونيا للعالقة بالعالم إن "املشروع كقطيعة‪،‬‬
‫كإسقاط في املستقبل‪ ،‬كإبداع هو سمة تميز املجتمعات التي ابدعت وابتكرت فكرة التقدم والتنمية والتخطيط"‪ ،2‬ظهر باملوازاة‬
‫مع ميالد الرأسمالية وتثمين التطور االقتصادي‪ ،‬في حين أن األهم في املجتمعات التقليدية هو بقاء األمور على عادتها واستقرار‬
‫‪33‬‬
‫نظامها‪ ،‬وفي املقابل "يستدعي العيش عبر مشاريع غياب االشباع باستمرار‪ ،‬ووجود ال توازن ونقص ينبغي تغطيتهما"‪.3‬‬
‫وإذا كانت هذه العالقة بالعالم هي املهيمنة في املجتمعات املتقدمة‪ ،‬إلى درجة أن عدم توفر الفرد على مشروع شخص ي يعد‬
‫عالمة على عدم نضجه بعد‪ ،‬فإن فكرة املشروع تقتصر باملقابل على النخبة في املجتمعات التقليدية‪ ،‬ما يستفاد منه أن هذه‬
‫العالقة ليست معيارا‪ ،‬وإنما هي نمط للعيش من بين أنماط أخرى مختلفة‪ ،‬فاالختالفات "شاسعة داخل كل مجتمع‪ ،‬وبين‬
‫الطبقات االجتماعية وبين األسر‪ ،‬وأن جميع الكائنات اإلنسانية ال تحدد هويتها بمشاريعها‪ ،‬وال تبني مشاريع لكي تمنح معنى‬
‫لحياتها"‪.4‬‬
‫تعتبر الحياة في الوقت الحالي‪ ،‬مشروعا وال تجد معنى لها إال في املشروع‪ ،‬غير أنه تنبغي اإلشارة إلى أن جميع األسر ال تعيش‬
‫طبقا لهذا النموذج وال تقوم بنقله تلقائيا إلى أبنائها السيما باملجتمع التقليدي‪ ،‬ويعزى إلى عاملي السلطان والواقعية‪ ،5‬فمن‬
‫جهة ترتبط القدرة على بناء مشروع بالسلطان بهذه املجتمعات‪ ،‬بمعنى ال يستمد املشروع هنا معناه وداللته إال من خالل امتالك‬
‫الفرد للقدرة واإلمكانات والوسائل الكافية للتأثير على الواقع‪ ،‬ويعتبر املشروع من جهة أخرى هدفا واقعيا قابال للتحقق عن‬
‫طريق املثابرة واالجتهاد‪ ،‬أي يمكن العمل من أجله بكل نشاط في حالة كان هناك سلطان على األشياء واألحداث والناس‪ ،‬ونضرب‬
‫مثاال على ذلك كاآلتي‪ :‬إذا قال ابن مسؤول أو إطار‪ ،‬سأصبح طبيبا في املستقبل أو مدير شركة‪ ،‬فإنه ليس على يقين من ذلك‬
‫لكنه يمتلك إمكانات ونقط قوة واستراتيجية و‪...‬الخ قد تسمح له بذلك‪ ،‬في حين إذا قال ابن عامل بسيط سأكون ّ‬
‫رب شركة في‬
‫املستقبل فإنه دون شك سيكون أضحوكة أقرانه‪.6‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك نشير أن الطفل يقاد مبكرا في بعض الطبقات االجتماعية إلى االستئناس باملشاريع‪ ،‬حيث يستمد هويته‬
‫ومعنى وجوده وقوة شخصيته وتقديره من املشاريع التي يستطيع بناءها وتطويرها‪ ،‬في حين أنه في أسر أخرى ال يتلقى الطفل‬
‫خالل تنشئته األسرية أي ش يء من ذلك‪ ،‬إذ يقال للطفل ال تحلم وال تنظر بعيدا حتى ال تسقط من األعلى‪.‬‬
‫ّ‬
‫انطالقا مما سبق يبدو أن املدرسة كما يؤكد بيرنود ‪ Perrenoud‬تستقبل فئتين من املتعلمين‪ :‬أما األولى فهي تمتلك تأهيال‬
‫واستعدادا مسبقا للعمل باملشروع قبل ولوج املدرسة‪ ،‬وهي على وعي تام بأن بناء مشروع يتطلب تعبئة كفايات اجتماعية‬
‫ومهارات وهوية وقوة‪ ،‬ويمتلكون القدرة على تصور مشاريع والسالسة في املرور إلى الفعل وحل املشاكل إلى غير ذلك‪ ،‬والفئة‬

‫‪1‬‬ ‫‪Philippe‬‬ ‫‪Perrenoud,‬‬ ‫‪« Le‬‬ ‫‪projet‬‬ ‫‪personnel‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪l’élève,‬‬ ‫‪une‬‬ ‫‪fiction ? »,‬‬ ‫‪2001,‬‬
‫‪https://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_2001/2001_20.html.‬‬
‫‪2 Perrenoud.‬‬

‫‪3 Perrenoud.‬‬

‫‪4 Perrenoud.‬‬

‫‪5 Perrenoud.‬‬

‫‪6 Perrenoud.‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫رخص لها للتعبير عن طموحاتها وال تؤهلها تنشئتها االجتماعية للتفكير كفاعلين وكمبدعي مشاريع بسبب رفض‬ ‫الثانية غير ُم َّ‬
‫ّ‬
‫تحويل وتغيير عالقتها بالعالم‪ ،‬وبالتالي ال يمكن مساعدة هذه الفئة األخيرة من املتعلمين على بناء مشاريع خاصة ذات طبيعة‬
‫مثالية إال عن طريق تغيير عالقتها شيئا فشيئا باآلخرين وبالعالم‪ ،‬أي تغيير ثقافتها وهويتها ونمط حياتها‪.1‬‬
‫‪ -4‬التوجيه‪ :‬بناء مسارحياة قائم على املشروع الشخص ي للمتعلم ‪:‬‬
‫ترتكز النظرية النسقية على مفهوم النسق الذي تقوم من خالله بتوضيح العالقات التفاعلية بين عدد من املتغيرات ذات‬
‫‪34‬‬ ‫التأثير على تطور املسار املنهي للفرد‪ ،‬ويتم التمييز في هذا النموذج بين املحتوى والسيرورة حيث يحاول من خالل األول توضيح‬
‫املتغيرات املرتبطة بالفرد والسياق باعتبارها ذات تأثير مهم على تطور املسار‪ ،‬ويهتم الثاني بالتفاعالت بين املكونات الداخلية‬
‫يعبر عن هذا النموذج بخطاطة يحتل الفرد مركزها باعتباره‬ ‫للفاعل (املهارات‪ ،‬الشخصية‪ ،‬الكفايات‪ )...‬وبين مكونات السياق‪َّ ،2‬‬
‫نسقا فرعيا يحتوي عناصر داخلية (مفهوم الذات‪ ،‬معرفة عالم الشغل‪ ،‬التكوين‪ ،‬الكفايات‪ )...‬يؤثر من خاللها على محيطه‬
‫الخارجي‪ ،‬ثم يرتبط به نسق فرعي عبارة عن سياق اجتماعي ينخرط من خالله في تفاعالت مع باقي الفاعلين بمعنى مع انساق‬
‫فرعية أخرى (األسرة‪ ،‬األقران‪ ،‬الشركة‪ ،‬املدرسة‪ ،)...‬وتتميز هذه األنساق بطابعها املتغير في الزمن‪ ،‬كما أن التفاعالت داخل‬
‫وبين هذه األنساق ليست خطية وغير سببية‪ ،‬بل هي تراجعية من طبيعتها ومتعددة األبعاد وتحيل إلى ماض ي وحاضر ومستقبل‬
‫الفرد‪.3‬‬
‫في ذات السياق‪ْ ،‬أولى باندورا ‪ Bandura‬من جهة أولى بالغ األهمية للتفاعل بين العوامل الشخصية والبيئة والسلوك‬
‫ولخاصية التغيير في حياة الفرد‪ ،‬فعالوة على طموحاتهم وآفاقهم املتغيرة في الزمن تؤثر األنساق االجتماعية التي يعيش فيها‬
‫األفراد على طرق بناء وتنظيم وتقييم حيواتهم‪ ،‬ومن جهة ثانية استبعد فكرة اختزال الحياة الفردية وقولبتها في إطار مراحل‬
‫محددة سلفا "إن التغيرات النفس‪-‬اجتماعية التي تحدث فجأة في الزمن ليست مراحل قهرية ال محيد للجميع من تخطيها ألنها‬
‫جزء من سلسلة نمائية محددة من قبل"‪ ،4‬ومن جهة أخرى اعتبر أن هناك مقابل ذلك مسارات متعددة في حياة األفراد ويرتبط‬
‫نجاح كل واحد في تخطي دورات الحياة بفعاليته الذاتية‪ 5‬أو مشاعر الفعالية الشخصية للفرد وكذلك بسياقات زمنية ومكانية‪.6‬‬
‫تتشكل مسارات الحياة حسب هذا التصور من خالل التفاعل املتبادل بين العوامل الشخصية ومختلف التأثيرات البيئية‪،‬‬
‫ولذلك ال تمثل هذه األخيرة وحدة ظرفية تقف وراء تدبير مسار حياة فرد سلبي‪ ،‬وإنما يتعلق األمر بمتوالية من املعامالت ‪les‬‬
‫‪ transactions‬يلعب الفرد خاللها دورا تتشكل بموجبه مسارات نمائه الشخص ي‪ ،‬ما يفيد بأن حياة الفرد ليست مسارا وحيدا‬
‫عبارة عن مراحل واضحة املعالم ومحددة بشكل مسبق نتيجة عامل البيئة‪ ،‬ولكن األمر على العكس من ذلك يتعلق بمسارات‬
‫حياة تتضمن قسطا مهما من العشوائية بمعنى يمتطي األفراد مسارات حياة جديدة تنتجها ظروف مفاجئة ليسوا عاجزين‬

‫‪1 Perrenoud.‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪Olivier, « Approche structurale de la compétence à s’orienter: proposition d’un modèle général, hiérarchique, dynamique et‬‬
‫‪multivarié. », p.40.‬‬
‫‪3 Olivier, p.40.‬‬

‫‪4 Albert Bandura et al., Les adolescents : leur sentiment d efficacité personnelle et leur choix de carrière, Martin Rochette (Canada:‬‬

‫‪Septembre Editeur, 2009), p.11.‬‬


‫‪ 5‬تشير الفاعلية الذاتية إلى "معتقدات الفرد حول قدرته على أن ينجز بنجاح مهمة‪ ،‬تعلم‪ ،‬تحدي‪ ،‬تغيير ما يحفزه على االنخراط في الفعل والقيام‬
‫بكل ما ينبغي لبلوعه"‪ ،‬وتتمثل مصادرها في‪ :‬اإلنجازات االدائية‪ ،‬واالقناع اللفظي‪ ،‬والخبرات البديلة‪ ،‬والحالة الفيزيولوجية ‪..Bandura et al., p.5‬‬
‫‪6 Bandura et al., p.11.‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫أمامها‪ ،‬ألنه يمكنهم باعتبارهم فاعلين في الحياة استثمار مواردهم الشخصية (مهاراتهم‪ ،‬فعالياتهم الذاتية‪ ،‬ميوالتهم‪ )...‬الغتنام‬
‫الفرص املتاحة‪.1‬‬
‫ومن جهته اعتمد السوسيولوجي الفرنس ي دوبار‪ Dubar‬في تحليله ملسارات الحياة عن األفراد على تحديد املعاني التي يحيل‬
‫اليها مفهوم الهوية‪ ،‬ويتعلق األمر بالتمييز بين منظورين مختلفين لهذا املفهوم‪ :‬أما األول فيسميه بالهوية للذات أو الهوية‬
‫السردية ‪ ،identité biographique‬حيث يعتبر الفرد فاعال يعرف نفسه بنفسه أي أنه يقوم ببناء أو إعادة بناء ذاتي لنفسه‪،‬‬
‫فالهوية في هذه الحالة تعد عموما نتاج عملية لغوية وشكال سرديا يشير إلى مختلف الطرق التي من خاللها يحاول األفراد إعادة‬
‫‪35‬‬
‫االعتبار ملساراتهم (املدرسية‪ ،‬األسرية‪ ،‬املهنية‪ )...‬باعتماد سرديات الحياة ألجل تبرير موقف معين أو توقع مستقبل محتمل‪،‬‬
‫واملنظور الثاني يطلق عليه دوبار اسم الهوية للغير‪ ،‬ويشير إلى التحديد االجتماعي للهوية‪ ،‬حيث تولى في هذه الحالة أهمية بالغة‬
‫لتحديد هوية الفرد في فضاء اجتماعي معين أو هوية الفرد من وجهة نظر الغير (سواء كان هذا غير الشخصية ذات أهمية‪ ،‬أو‬
‫كان عاما ومؤسساتيا)‪ ،‬يقوم هذا التمييز على أساس قطبية نظرية للتنشئة االجتماعية يقابل فيها بين اتجاه سيكولوجي أو‬
‫جوهراني يستند إلى فرضية الذات كحقيقة جوهرية قائمة الوجود وكوحدة مستقلة تشترط الهوية وتحددها كقدر محتوم‪،‬‬
‫وبين منظور سوسيولوجي أو نسبي عكس ي يختزل الذات ومن ثم الهوية السردية إلى وهم يخفي أهمية األدوار االجتماعية ويعتبر‬
‫باملقابل أن األطر االجتماعية والفئات االجتماعية (مستوى دراس ي‪ ،‬فئات مهنية‪ ،‬وضعية ثقافية‪ )...‬التي يتم استيعابها طيلة‬
‫دورة الحياة هي مصدر الهويات الفردية‪ ،‬وبالتالي فإن املسار االجتماعي هو الذي يحدد الهوية الذاتية‪.2‬‬
‫في مقابل هذه الثنائية القطبية‪ ،‬حاولت وجهة نظر ثالثة ذات طابع سوسيولوجي أن تتموقع بين الصيغتين السابقتين‬
‫ويتعلق األمر بوجهة النظر العالئقية التي تحاول نسج عالقات بين املسارات الذاتية وبين التصنيفات االجتماعية املؤسساتية‪،‬‬
‫وتشهد كل من مدرسة شيكاغو واملدرسة الفرنسية على هذا التوجه‪ ،‬فقد جعل رواد األولى من امللفات الشخصية‪ ،‬وال سيما‬
‫كرسوا جهودا مضنية‬ ‫املواد السردية معطيات سوسيولوجية بالغة األهمية لبلوغ السيرورات االجتماعية األكثر هيكلة‪ ،‬كما ّ‬
‫إلقامة روابط بين األطر االجتماعية (جماعات املنحرفين مثال) وبين املسارات الفردية على أساس أن التفاعالت واملعامالت‪3‬‬

‫(‪ )les transactions‬واملفاوضات (التأثيرات املتبادلة بين األفراد من جهة واملؤسسات من جهة أخرى) تشكل الخلفية األساسية‬
‫لبناء الهويات‪ ،‬كما حذت األبحاث بفرنسا أيضا نفس املنحى باعتماد مقاربات بهدف بناء عالقات تربط بين املسارات الفردية‬
‫وتصنيفات اجتماعية (فئات عمرية‪ ،‬مستويات دراسية‪ ،‬فئات مهنية‪ ،)...‬وبصفة عامة تشكل هذه الخطوات محاوالت ترمي‬
‫إلى إقامة جسور عالئقية بين املسارات الذاتية وعوالم معاشة منظمة حول فئات اجتماعية مصدرها السير الذاتية التي‬
‫يصطلح عليها باألطر الهوياتية‪.4‬‬

‫‪1 Bandura et al., p.11.‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪Claude Dubar, « Trajectoires sociales et formes identitaires. Clarifications conceptuelles et méthodologiques », Sociétés‬‬
‫‪Contemporaines 29, no 1 (1998): p.74, https://doi.org/10.3406/socco.1998.1842.‬‬
‫‪ 3‬هناك صنفان من املعامالت املعتمدة لتوصيف الهوية السردية‪:‬‬
‫‪" -‬املعامالت العالئقية‪ :‬هي عمليات لتعريف الذات في عالقة مع الغير‪ ،‬وهي عملية يدخل بموجبها الفرد في تفاعل مع الفاعلين ذوي داللة في مجال‬
‫معين[‪ ]...‬وتستند هذه املعامالت على التفاعالت واملحادثات وأحينا على الصراع مع الغير[‪.]...‬‬
‫‪" -‬املعامالت السردية‪ :‬تصف العمليات التي يتوقع بموجبها االفراد مستقبلهم انطالقا من ماضيهم [‪ ]...‬من اجل بناء مستقبل محتمل‪ ،‬وتعتمد هذه‬
‫املعامالت على السرديات الذاتية أو على الحوارات الداخلية" ‪Jean Guichard, « Se faire soi », L’orientation scolaire et professionnelle, no‬‬
‫‪33/4 (15 décembre 2004): p.p: 5-6, https://doi.org/10.4000/osp.226.‬‬
‫‪4 Dubar, « Trajectoires sociales et formes identitaires. Clarifications conceptuelles et méthodologiques », p.79.‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫وعلى غرار ما سبق عبر كيشاغد ‪ Guichard‬عن املشكل االجتماعي الذي يتناوله التوجيه بالسؤال اآلتي‪ :‬كيف يمكن للفرد‬
‫أن يوجه حياته إلى األفضل في املجتمع اإلنساني الذي يعيش فيه؟ ثم صاغه علميا بالتساؤل عن العوامل السيكولوجية‬
‫والسوسيولوجية التي تشكل أساس بناء الذات على مدى الحياة‪ ،‬ما يبين من خالله أن بناء الذات هي الغاية األساسية من‬
‫التوجيه‪ ،‬وأن هذا البناء ال يقتصر على جانب دون غيره من جوانب الحياة املتعددة (كمساعدة الفرد على بناء مشروع شخص ي‬
‫يحقق اندماجه املنهي حصريا)‪ ،‬كما أنه يتميز باالستمرارية على مدى الحياة وال يتوقف امتداده على مرحلة زمنية محددة‪،‬‬
‫إضافة إلى ذلك ينفي مفهوم بناء الذات التصور النمائي للذات وفق مسار خطي كسلسلة من مراحل دقيقة وقهرية ال يسمح‬
‫‪36‬‬ ‫القفز على إحداها للمرور إلى املرحلة املوالية‪.1‬‬
‫إن بناء الذات حسب هذا املنظور عبارة عن سيرورة بناء وإعادة بناء تمتد على مدى الحياة كمسارات متعددة مرتبطة‬
‫بسياقات زمكانية‪ ،‬ويحتل فيها البعد اإلنساني بالغ األهمية‪ ،‬ذلك أنه إذا كان هذا األخير يستند على حاالت ذهنية وسيرورات‬
‫فكرية كونية تميز النوع اإلنساني‪ ،‬فإنه تحدث أيضا في سياق مجتمع إنساني محدد يشكل إطارا محددا يسمح بجعل الفرد‬
‫إنسانا أو بالتشكل كإنسان‪.2‬‬
‫يظهر مما سبق أن هناك ضرورة إلعادة النظر في أنماط التوجيه الحالية‪ ،‬وذلك ألن فرضياتها املركزية املتمثلة في توقع‬
‫واستقرار املسار ومراحله ال يمكن تحيينها في ظل املناخ السوسيواقتصادي والثقافي الحالي الذي يتسم بدينامية وتغير سريعين‪،‬‬
‫فالسلوك واملواقف الفردية ال ترتبط بالفرد فحسب‪ ،‬بل هي كذلك نتاج البيئة التي يعيش فيها‪ ،‬لذلك من األهمية بمكان إعداد‬
‫نماذج جديدة من شأنها األخذ بعين االعتبار هذه التطورات وما نتج عنها من قبيل املرونة اإلنسانية والتكيف والتكوين مدى‬
‫الحياة‪ ،‬بناء على ذلك فعوض التوجيه املدرس ي واملنهي‪ ،‬من املناسب الحديث عن مسارات حياة‪ ،‬حيث يقوم كل فرد داخلها‬
‫ببناء حياته آخذا بعين االعتبار مشاريعه الخاصة‪.3‬‬
‫خالصة القول‪ ،‬إن االنتقال في التوجيه من املسار املنهي إلى مسار حياة عند املتعلم لهو أمر في غاية األهمية نظرا للتطورات‬
‫السريعة التي تشهدها مختلف مناحي الحياة اإلنسانية املعاصرة‪ ،‬لكن من الجدير في هذا اإلطار أن نذكر بأن مفهوم تطور‬
‫مسار حياة ال يرتبط بالفرد والتحوالت الحاصلة في عالم الشغل فحسب‪ ،‬بل يتعلق أيضا بتحوالت املحيط السوسيوثقافي‬
‫للفرد‪ ،‬ألنه ال يمكن فهم هذ األخير وال عالم الشغل دون استحضار سياق التطور اإلنساني بشكل أوسع‪ ،‬ذلك ألن بناء الفرد‬
‫لحياته يتم ضمن األدوار واملهام التي يتحملها خالل مراحل حياته بكل ما يطبعها من تغيرات وفترات انتقالية مهمة‪.‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫لم يبقى ميدان التوجيه عامة في منأى عن التحوالت السريعة التي تلحق باستمرار مختلف مناحي الحياة املعاصرة‪ ،‬وملا‬
‫كانت الغاية منه إعداد األفراد لشغل مناصب مهنية محددة تبعا لشخصياتهم‪ ،‬فإنه أصبح ينظر إليه اليوم باعتباره سيرورة‬
‫تربوية تهدف إلى تعزيز مسؤولية املتعلم عن بناء وتحقيق مشروعه الشخص ي‪.‬‬

‫‪1 Guichard, « Se faire soi », p.1.‬‬

‫‪2 Guichard, p.2.‬‬

‫)‪3 Mark L. Savickas et al., « Construire sa vie (Life designing‬‬


‫‪: un paradigme pour l’orientation au 21e siècle », L’orientation scolaire‬‬
‫‪et professionnelle, no 39/1 (15 mars 2010): p.p: 4-5, https://doi.org/10.4000/osp.2401.‬‬
‫العدد ‪ - 91‬نوفمرب ‪2022 -‬‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

‫لم يعد املتعلم بموجب ذلك مجرد متلقي أو زبون في حاجة لالستشارة‪ ،‬وإنما أضحى فاعال تعود إليه مسؤولية تأليف وبناء‬
‫مشروعه الشخص ي‪ ،‬فهذا األخير ليس إمالء خارجيا وإنما عبارة عن هدف وثيق االرتباط بطموحات ورغبات وكفايات‬
‫واستعدادات املتعلم الشخصية‪.‬‬
‫وبالتالي إنه ال من شك أن املسؤولية الكاملة للمشروع الشخص ي تقع على املتعلم شخصيا‪ ،‬لكن من الجدير بالذكر أن‬
‫املشروع الشخص ي ال يرتبط بالفرد فقط‪ ،‬بل هو في الواقع بناء اجتماعي بامتياز‪ ،‬حيث تتدخل في تأليفه وبنائه‪ ،‬إلى جانب‬
‫الخصائص الفردية‪ ،‬جملة من العوامل ذات الطابع االجتماعي والثقافي التي أصبح من الضروري مراعاتها وإيالئها بالغ األهمية‬
‫‪37‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬ال سيما أن منطق التوجيه يروم اليوم الدفع باملتعلم أال ينشغل باملجال املنهي بشكل حصري‪ ،‬وإنما إلى جعله‬
‫بصدد بناء مسار حياة حيث تتقاطع عوامل مختلفة املشارب وتتعدد ضمن هذا املسار مهام متنوعة ليس املشروع املنهي سوى‬
‫جزء منها‪ ،‬وأدوار مختلفة يتحمل مسؤوليتها طيلة مراحل حياته املتقلبة باستمرار‪.‬‬
‫قائمة املراجع ‪:‬‬
‫‪ .1‬أحرشاو‪ ،‬الغالي‪ « ،‬املشروع الشخص ي للمتعلم ‪ :‬مقاربة سيكولوجية »‪ ،‬مجلة الطفولة العربية‪ no ،‬مج‪ ،11 ،‬ع‪ ،42 ،‬مارس‬
‫‪ :)2010( 2010‬ص ‪. http://search.shamaa.org/FullRecord?ID=63178.115-107‬‬
‫‪ .2‬اململكة املغربية‪ ،‬املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬املغرب‪ « ،‬من أجل مدرسة االنصاف والجودة واالرتقاء‬
‫‪.‬‬ ‫‪https://www.csefrs.ma/wp-2015‬‬ ‫‪،»)2030-2015‬‬ ‫لالصالح‬ ‫استراتيجية‬ ‫(رؤية‬
‫‪content/uploads/2017/09/Vision_VF_Ar.pdf.‬‬
‫‪ .3‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ « ،‬القرار الوزاري رقم ‪ 062.19‬بشأن التوجيه املدرس ي واملنهي »‪.2019 ،‬‬
‫‪ .4‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة التربية الوطنية‪ ،‬امليثاق الوطني للتربية والتكوين»‪.1999 ،‬‬
‫‪5. A. Young, Richard, et Ladislas Valach. « La notion de projet en psychologie de l’orientation ». L’orientation‬‬
‫‪scolaire et professionnelle, no 35/4 (15 décembre 2006): 495‑509. https://doi.org/10.4000/osp.1168.‬‬
‫‪6. Bandura, Albert, Nancy Betz, Steven D. Brown, Robert W. Lent, et Frank Pajares. Les adolescents : leur‬‬
‫‪sentiment d efficacité personnelle et leur choix de carrière. Martin Rochette. Canada: Septembre Editeur,‬‬
‫‪2009.‬‬
‫‪7. Biémar, Sandrine, Marie-Christelle Philippe, et Marc Romainville. « L’injonction au projet : paradoxale et‬‬
‫‪infondée ?. Approche longitudinale du choix d’études supérieures ». L’orientation scolaire et‬‬
‫‪professionnelle, no 32/1 (1 mars 2003): 31‑51. https://doi.org/10.4000/osp.3167.‬‬
‫‪8. Dubar, Claude. « Trajectoires sociales et formes identitaires. Clarifications conceptuelles et‬‬
‫‪méthodologiques ».‬‬ ‫‪Sociétés‬‬ ‫‪Contemporaines‬‬ ‫‪29,‬‬ ‫‪no‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪(1998):‬‬ ‫‪73‑85.‬‬
‫‪https://doi.org/10.3406/socco.1998.1842.‬‬
‫‪9. Gilardi, Brice. « Serge Paugam, Le salarié de la précarité. Les nouvelles formes de l’intégration‬‬
‫‪professionnelle ». Lectures, 7 mars 2008. http://journals.openedition.org/lectures/546.‬‬
2022 - ‫ نوفمرب‬- 91 ‫العدد‬ ‫مركز جيل البحث العلمي‬

10.Guichard, Jean. « Se faire soi ». L’orientation scolaire et professionnelle, no 33/4 (15 décembre 2004):
499‑533. https://doi.org/10.4000/osp.226.
11.Hélardot, Valentine. « Précarisation du travail et de l’emploi : quelles résonances dans la construction des
expériences sociales ? » Empan no 60, no 4 (2005): 30‑37. https://www.cairn.info/revue-empan-2005-4-
page-30.htm.
38 12.Obajtek, Sylvain, et Francis Danvers. « L’approche éducative en orientation à l’Université en France :
évolutions politiques, idéologiques et pédagogiques ». Formation et profession 22, no 1 (2014).
https://doi.org/10.18162/fp.2014.59.
13.Olivier, Dulu. « Approche structurale de la compétence à s’orienter: proposition d’un modèle général,
hiérarchique, dynamique et multivarié. » Conservatoire national des arts et metiers- CNAM,
2014.Français.NNT:2014CNAM0949, 2014. https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-01159637.
14.Olivier, Meunier. « VERS DE NOUVELLES MODALITES DE L’ORIENTATION SCOLAIRE EN FRANCE ET
AILLEURS », 2008. http://espritcritique.uiz.ac.ma/publications/1201/esp1201article05.pdf.
15.Paul, Cécile, et Mariane Frenay. « Le projet personnel de l’élève dans l’enseignement
secondaire qualifiant, concept prometteur ou nouveau défi jeté à l’égalité ». De l’école au
marché du travail: l’égalité des chances en question. Berne: Peter Lang, 2008.
https://sites.uclouvain.be/ages/Socio/DelUniversite/ProjetPersonnelEleveDefi11_2007.pdf.
16.Perrenoud, Philippe. « Le projet personnel de l’élève, une fiction ? », 2001.
https://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_2001/2001_20.html.
17.Savickas, Mark L., Laura Nota, Jérôme Rossier, Jean-Pierre Dauwalder, Maria Eduarda Duarte, Jean
Guichard, Salvatore Soresi, Raoul Van Esbroeck, Annelies E. M. van Vianen, et Christine Bigeon.
« Construire sa vie (Life designing) : un paradigme pour l’orientation au 21e siècle ». L’orientation scolaire
et professionnelle, no 39/1 (15 mars 2010): 5‑39. https://doi.org/10.4000/osp.2401.
18.Vergnereau, Véronique. « S. Paugam. Le salarié de la précarité.. Paris : PUF. » L’orientation scolaire et
professionnelle, no 30/3 (18 juillet 2001). http://journals.openedition.org/osp/5170.
19.Wach, Monique. « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision –
L’orientation scolaire et professionnelle comme aide à la réussite de l’individu ». Nouveaux c@hiers de la
recherche en éducation 3, no 1 (1996): 133. https://doi.org/10.7202/1017455ar.

You might also like