Professional Documents
Culture Documents
هل اللغة توقيفية او اصطلاحية
هل اللغة توقيفية او اصطلاحية
تعريف اللغة
اللغة "فعلة" بضم الفاء؛ قال الجوهري :أصلها لغي أو لغو ،والهاء عوض .وزاد أبو البقاء :ومصدره اللغو وهو الطرح ،فالكالم
لكثرة الحاجة إليه يرمى به ،وحذفت الواو تخفيًفا .جمعه لغات ،ولغون ،ولغى ،والفعل لغا يلغو لغًو ا إذا تكلم؛ أو من لغي به لًغ ا
"كرضي" إذا لهج به.وقال الراغب :لغي بكذا إذا لهج به ،ولهج العصفور بلغاه أي بصوته .ومنه قيل للكالم الذي يله جبه فرقة
فرقة :لغة.وفي المصباح :لغي باألمر يلغى ،من باب "تعب" :لهج به .وفي األساس" :لغوت بكذا :لفظت به وتكلمت .وإذا أردت
أن تسمع من األعراب فاستلغهم واستنطقهم .ومنه اللغة ".وجاء في لسان العرب" :اللغة اللسن ،وحدها أنها أصوات يعبربها كل
]قوم عن أغراضهم ،وهي "فعلة" من لغوت أي تكلمت
قال أبو الفتح ابن جني في الخصائص حد اللغة :أصوات ُيعّبر بها كُّل قوم عن أغراضهم ،وبنحوه في المزهر وبمثله قال أبو
الوفا الهوريني :وهذا الحد للغة من حيث هي ،وأما حّد الفن :فهو علم يبحث فيه عن مفردات األلفاظ الموضوعة من حيث داللتها
على معانيها بالمطابقة.وقد علم بذلك أن موضوع علم اللغة المفرد الحقيقي ،ولذلك حده بعض أهل العلم بأنه :علم األوضاع
الشخصية للمفردات ،وغايته االحتراز عن الخطأ في حقائق الموضوعات اللغوية ،والتمييز بينها وبين المجازات والمنقوالت
العرفية.قال بعض أهل التحقيق :معرفة مفردات اللغة نصف العلم ،ألن كل علم تتوقف إفادته واستفادته عليها ،وحكمه أنه من
فرض الكفايات.وقال صاحب كشف الظنون :علم اللغة هو علم باحث عن مدلوالت جواهر المفردات وهيئآتها الجزئية ،التي
وضعت تلك الجواهر معها لتلك المدلوالت بالوضع الشخصي ،وعما حصل من تركيب كل جوهر وهيئتة ،من حيث الوضع
والداللة على المعاني الجزئية ،وغايته االحتراز عن الخطأ في فهم المعاني الوضعية ،والوقوف على ما ُيفِه م من كلمات العرب،
ومنفعتة اإلحاطة بهذه المعلومات ،وطالقة العبارة وجزالتها ،والتمكن من التفنن في الكالم ،وإيضاح المعاني بالبيانات الفصيحة
واألقوال البليغة.فإن قيل علم اللغة :عبارة عن تعريفات لفظية والتعريف من المطالب التصورية وحقيقة كل علم مسائلة ،وهي
قضايا كلية والتصديقات بها وأياما كان فهي من المطالب التصديقية ،فال تكون اللغة علمًا اجيب بأن التعريف اللفظي ال يقصد به
تحصيل صورة غير حاصلة ،كما في سائر التعاريف من الحدود ،والرسوم الحقيقية أو األسمية بل المقصود من التعريف
اللفظي :تعيين صورة من بين الصور الحاصلة ِليلتفت إليه ويعلم أنه موضوع لهاللفظ ،فما له إلى التصديق بان هذا اللفظ
موضوع بازاء ذلك المعنى فهو من المطالب التصديقية ،لكن يبقى أنه حينئذ ( )/7يكون علم اللغة :عبارة عن قضايا شخصية
حكم فيها على األلفاظ المعينة المشخصة ،بأنها وضعت بأزاء المعنى الفالني والمسألة البد وأن تكون قضية كلية ...انتهى (
.)1قال ابن خلدون :علم اللغة هو بيان الموضوعات اللغوية ...انتهى
وقد ذهب علماء اللغات قديًما وحديًث ا في أصل الوضع مذاهب ستى ،فقال بعضهم بالوحي واإللهام
*.اللغة من وحي هللا وإلهامه*
قالوا :إن اللغة تعليم من هللا علمه آدم /وفسروا اآلية" :وعلم آدم األسماء كلها" بأنها هذه األسماء التي يتعارفها الناس .رووا ذلك
عن ابن عباس ،وزادوا فقالوا :إن األسماء التي تعلمها آدم هي أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات ،فكان آدم وولده يتكلمون
بها إلى أن تفرق ولده في الدنيا .وعلق كل فريق بلغة من تلك اللغات ،فغلبت عليه واضمحل عنه ما سواها لبعد عهده بها .وأراد
باألسماء هنا اللغة كلها :أسماءها وأفعالها وحروفها على التغليب ،ألن األسماء ركن في الكالم ال يمكن خلو جملة من جمله
عنها ،فصح ،والحال هذه ،إطالقها عليها بخالف الفعل إذ يجوز خلو الجمل عنه.وعلى هذا المذهب تكون اللغة محصورة في ما
علمه هللا آدم من اللغات ،فال تغيير وال تبديل فيها ،بل هي على ما تكلم به أبو البشر بال تحريف آخر الدهر .وهذا معنى قولهم:
إن اللغات توقيفية ال تتعدى اورد.والظاهر أن ناموس التغير والتبدل لم يخطر ألصحاب هذا المذهب ببال .فحسبوا أن اللغة باقية
.على وضعها األول الذي تعلمه آدم في كل لغة من اللغات ،وانتقلت متوزعة بين أبنائه كما كان ألقاها هو
وقال أبو الحسين أحمد بن فارس ،في كتابه "فقه اللغة" المعروف بالصاحبي" :والدليل على صحة ما نذهب إليه من التوقيف،
إجماع العلماء على االحتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فيه أو يتفقون عليه ،ثم احتجاجهم بأسعارهم .ولو كانت اللغة مواضعة
واصطالًح ا ،لم يكن أولئك باالحتجاج بأولى منا لو اصطلحنا على لغة ،اليوم ،وال فرق .ولعل ظاًنا يظن أن اللغة التي دللنا على
أنها توقيفية إنما جاءت جملة واحدة ،وفي زمن واحد ،وليس األمر كذلك ،بل وقف هللا آدم ،عليه السالم ،على ما شاء أن يعلمه
إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه وانتشر من ذلك ما شاء هللا،ثم علم بعد آدم من عرب األنبياء ،صلوات هللا عليهم ،نبًيا نبًيا ،ما
شاء أني علمه حتى انتهى األمر إلى نبينا محمد ،صلى هللا عليه وآله وسلم ،فآتاه هللا عز وجل من ذلك ما لم يؤته أحًدا قبله ،تماًم ا
على ما أحسنه من اللغة المتقدمة .ثم قر األمر قراره فلم نعلم لغة بعده حدثت .أهـ".ثم قال" :وقد كان في الصحابة ،رضوان هللا
عليهم ،وهم البلغاء الفصحاء ،من النظر في العلوم الشريفة ما ال خفاء به ،وما علمناهم اصطلحوا على اختراع لغة أو إحداث
لفظة لم تتقدمهم .ومعلوم أن حوادث العالم ال تنقضي إال بانقضائه ،وال تزول إال بزواله ،وفي ذلك دليل على صحة ما ذهبنا إليه
".من هذا الباب .أهـ
يظهر أن أبا الحسين بن فارس يخص بحثه باللغة العربية فيقول :إنها جاءت بالوحي واإللهام إلى األنبياء من أبناء العرب ،من
آدم إلى خاتم األنبياء ،صلعم ،وإنها كانت تأتي على قدر الحاجة من طريقهم فقط .ولكنها تثبت كما أتت زكما نصوا عليه .ويقول
.بنفي المواضعة واالصطالح ،ثم أورد دلليه على ذلك
أما حصر بحثه في اللغة العربية فألنها مدار البحث في كتابه .وأما الوحي واإللهام ،وأنه كان يأتي على قدر الحاجة فال نعرف
له دلياًل مما جاء به على صحته .ولم نجد في تعاليم نبي من األنبياء مما وصل إلينا منها ما يدل على شيء من ذلك ،فهي إًذ ا
.دعوى بال دليل
وأما نفيه المواضعة واالصطالح فله رأيه ،وكثير غيره نفوه ،ولكن ما أورده من الدليل ال ينهض بالمراد ،وليس فيه قوة وال
.شبه قوة تؤيد إنكاره هذا لها
وما كان إجماع العلماء على االحتجاج بلغة القوم ليمنع من كونها مواضعة واصطالًح ا ،بل يصح لنا االحتجاج بكالمهم على هذا
التقدير كما نحتج في أصل أو قاعدة من أصول العلم وقواعده بكالم األئمة في ذلك العلم .فكذا يصح لنا االحتجاج هناك مع كونه
اصطالًح ا عليه ،يصح لنا االحتجاج هنا مع كونها كذلك ال فرق .وكما ال يصح لنا أن نجعل موضوعات وأصواًل جديدة في
أصول العلم المصطلح عليها لشال تقع الفوضى في الوضع ،كذلك ال يصح لنا وضع أسماء لما وضعوا له ،ليكون لنا مثل حالهم
.من حق االحتجاج بكالمهم
ثم إننا اصطلحنا على لغة اليوم ،كما قال ابن فارس ،فهل يكون اصطالحنا هذا هو من تلك اللغة؟ -والمفروض أنه مغاير
الصطالحهم -أو هو إحداث لغة جديدة؟
ال حاجة إلى القول ،بأن ما نصطلح عليه هو غير تلك اللغة المصطلح عليها قبلنا ،والتي نريد االحتجاج لها كما هو المفروض؛
ألن اصطالحنا الجديد إن لم يكن غير المصطلح القديم ،كان نفسه أو مماثاًل له ،فيكون اصطالحنا على هذا تحصياًل للحاصل
وال فائدة منه .فكيف ال يكونون أولى منا؟ وأين مكان األولوية لوضعنا الجديد؟ ولو صح لكل متكلم أن يقول :أنا اصطلحت وأنا
وضعت ،لكانت الفوضى بعينها ،وهل الفوضى غير ذلك؟
أما إحداث األلفاظ الجديدة ،فإن كان لمعان جديدة طارئة على اللغة لم تكن قبل ،فهو صحيح ال غبار عليه ،وال يجوز أن يكون
مثله محظوًر ا .والمعاني تتجدد على مرور الزمن بتجدد حوادث العالم ،وابن فارس نفسه يقول" :إن حوادث العالم ال تنقضي إال
.".بانقضائه وال تزول إال بزواله
وإن كان إحداثها لمعان ليست طارئة بل لها مسميات في اللغة وأسماء ،فإن كان لزيادة في المعنى أو نقصان ،أو لنكتة سائغة أو
لمقتضيات أخر فال بأس ،وال يعارض ذلك الوضع القديم؛ وإن كان ليس لشيء من ذلك بل لشهوة الوضع وحب التفنن فيه
.وإظهار الحذق ،فهو لزوم ما ال يلزم ،وهو غير مرغوب فيه بل هو مما يرغب عنه
قال ابن جني في الخصائص" :إن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطالح ال وحي وتوقيف .وذلك بأن
يجتمع حكيمان أو ثالثة فصاعًدا يحتاجون إلى اإلبانة عن األشياء والمعلومات فيضعون لكل سمة لفًظا إذا ذكر عرف به
.".مسماه .".ثم قال" :والبد ألولها من أن يكون تواضًعا بالمشاهدة واإليماء
الظاهر أن هذا القول كسابقه ال يعترف بتطور اللغة ،والظاهر أيًض ا ،أن القائلين به يريدون أصل كل اللغات بدليل قول ابن
جني" :والبد ألولها من أن يكون تواضًع ا بالمشاهدة واإليماء" وإن الحكماء يجمعونه ليضعوا بطريق المشاهدة واإليماء أسماء
لمسميات .فهؤالء الحكماء ،إما أن يكونوا ليسوا بذوي لغة أصاًل كما هو الظاهر ،فال أعلم ،بل ال أتصور كيف يفي اإلماء
بحاجاتهم في مثل اجتماعهم هذا ،المنعقد لوضع ألفاظ ثابتة على الدهر ،للغة ال تتغير ،وال تتبدل ،وال تتحرف ،وهم ليسوا
بأصحاب لغة؛ وال كيف كانوا حكماء واضعين وليس لهم لغة تصل بهم إلى الحكمة ليكونوا فيها بهذه المرتبة التي ال يبلغها أحد
بغير التعلم .والعلم ينحصر بالفهم الذي ال يكاد يتم على الوجه األوفى أو الوافي على األقل بغير مطارحة الكالم المتوقفة على
معرفة اللغة .وإما أن يكون هؤالء الحكماء أولي لغة سابقة واجتمعوا إلحداث لغة جديدة ،فال إخال أن الباحثين عن اصل
اللغات يريدونه .ثم ال أعلم ما الفائدة لقوم أولي صالحة للتفاهم ،يجتمعون إلحداث لغة جديدة على لغتهم ،إال إذا كانوا يريدون
تهذيب اللغة والتوسع فيها بوضع ألفاظ لمعان طارئة بحوادث الزمن كما تفعل المجامع اللغوية اليوم .فهم إًذ ا على هذا ليسوا
.بواضعين ،وإنما هم مهذبون ،وهو غير مراد في هذا البحث
قال ابن جني" :وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو األصوات المسموعة كحنين الريح ،ودوي الرعد ،وخرير
الماء ،وشحيح الحمار ،ونغيق الغراب ،وصهيل الفرس ،ونزيب الظبي ،ونحو ذلك ،ثم ولدت اللغات من ذلك فيما بعد" .قال:
".".وهذا عندي وجه صالح ومذهب مقتبل
أو ليس بغريب أن نسمع من مثل ابن جني هذا القول ،المبني على إعماال الفكر المجرد دون تقيد بتقاليد سابقة ،فكان في ذلك
على غير سنن الكثير من علماء عصره؟ وإنه لم يرض أن يكون القول باإللهام والوحي قواًل برأسه ،بل صرفه بالتأويل المقبول
إلى غير ما حملوه عليه فقال" :إن أبا علي قال لي يوًم ا :هي من عند هللا ،واحتج بقوله تعالى" :وعلم آدم األسماء كلها ".وهذا ال
يتناول موضع الخالف ألنه قد يجوز أن يكون تأويله :أقدر آدم على أن واضع عليها ،وهذا المعنى من عند هللا ال محالة ،فإذا
".كان ذلك غير مستنكر سقط االستدالل
وهذا لمذهب قال به جماعة من المتأخرين مثل "آدم سميث" و"دوكلد ستيورت" ونقل عنهم :أن اإلنسان كان يعبر عما في
ضميره باإلشارات والحركات حتى تكاثرت ،فجعل يحكي األصوات التي يسمعها ،فكان إذا أراد أن يشير إلى الغراب قال:
غاق ،ولما وجد حكاية األصوات هذه تفي بالمقصود اعتمد عليها فحصلت منها أصوات اللغة؛ ثم طرأ عليها التركيب والنحت
.والحذف والتغيير وما شاكل ،فتألفت سائر ألفاظ عن كل خاطر يخطر في النفس ()1
لكن ابن جني لم يمض في الجزم بترجيحه هذا الرأي على غيره ،بل تردد فقال" :واعلم أنني ،على تقادم الوقت ،دائم التنقير
والبحث عن هذا الموضوع ،فأجد الدواعي والخوالج قائمة التجاذب لي ،مختلفة جهات التغول على فكري ،وذلك ألنني تأملت
حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة ،فوجدت فيها من الحكمة والدقة واإلرهاب والرقة ما ملك على جانب الفكر ،فعرضت
صحة ما وفقوا لتقديمه منه ولطف ما أسعدوا ،وانضاف إلى ذلك وارد األخبار المأثورة بأنها من عند هللا ،فقوي في نفسي اعتقاد
كونها توفيًق ا من هللا سبحانه وأنها وحي .ثم أقول في ضد هذا أنه كما وقع ألصحابها ولنا ،وتنبهوا وتنبهنا على تأمل الحكمة
الرائعة الباهرة ،كذلك ،ال ننكر أن يكون هللا قد خلق قبلنا ،وإن بعد مداه عنا ،من كان ألطف منا أذهاًنا وأسرع خواطر وأجرأ
جناًنا ....فأقف بين الخلتين حسيًرا وأكاثرهما فانكفئ مكثوًر ا .وإن خطر خاطر بعد يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها عن
".صاحبتها قلنا به
وهو الذي يمكن أن يستقر عليه الرأي من تلك األقوال ومن القياس على األشباه والنظائر .إن اللغة نشأت متدرجة من إيماء
وإشارات إلى مقاطع صوتية على أبسط ما تكون ،وفيها تقليد وحكايات لألصوات الطارئة على سمع اإلنسان ،طبيعية كانت أو
غير طبيعية ،مختلفة باختالف المناسبات الطبيعية أو المرتجلة من القوة والضعف ،والقرب والبعد .وكان للبيئة والزمان
واألحوال لعارضة تأثيرها الفعال ،فكان التشتت والتشعب .وازداد بطول المدة ،وبعد االتصال بين الفروع واألصول ،حتى
.ضعفت دالئل االتصال وازدادت ضعًف ا على تطاول العهد
أواًل :إننا نجد الطفل قبل أن يفهم اللغة يحاول إطالق األسماء للداللة على مسمياتها وال علم له بما وضع لها من األسماء،
فيسميها بالمقاطع المشابهة ألصواتها كما يطلق على البقر اسم "النع" وعلى الجمل اسم "الهب" وعلى الكلب اسم "العو" أو
"التوتو" "من الصوت الذي يدعى به -تي تي "-وعلى المعزى "المآء" " -بالمد" -وعلى ما يخفيه من غول ونحوه "الهم" وما
.هي إال أشباه أصوات هذه المسميات
فلم ال نقول في اإلنسان أول عهده بالكالم مثل هذا أو ما يقرب منه؟
ثانًيا :إذا أغلق على المستدل باب الدليل الحسي في أمر يريد االستدالل به ،صح له المصير إلى التمثيل والقياس باالشتباه
والنظائر .وهذا الرأي يجري فيه قياس التمثيل بتطور الكتابة التي هي اقرب شيء إلى التكلم من حيث الغاية .وقد دلت اآلثار
:لداللة يحس بها على تطورها فتقول
أثبت الباحثون ودلت اآلثار على أن الكتابة بدأت بتصوير الوقائع ثم اتسعت الحال وكثرت الحاجة إلى الكتابة ،فأصبح تصوير
الوقائع أمراض عسيًر ا ال يفي بالحاجة ،فصنفت المقاطع الصوتية وكانت حروًف ا تتدرج مخارجها من أقصى الحلق غلى
الشفتين ،وجعل لكل حرف صورة ،فبعد أن كانت تصور صورة الجمل للداللة على معناهـ ،أصبحت الصورة رمًز ا لمقطع
الجيم الذي هو أول حروفه ،ثم اتسعت الحاجة فاختصرت رسوم الكتابة ،وأبحتن صورة رأس الجمل للداللة على مقطع الجيم،
ثم تقدمت الكتابة واتسعت صورها ،واختلف باختالف الزمان والمكان وتصاريف األحوال ،فتغيرت عن وضعها ،وتباينت
صورها باختالف الشعوب وتفرقها واختالف عاداتها .فكما أثبت الباحثون في الكتابة ،نقول في اللغة أيًض ا :إنها بدأت طبيعية
بحكاية األصوات ،للداللة على ما تصدر منه مما له صوت مثل :قط للقطع ،وهف لهبوب الريح ،والصهيل والنهيق
واألطيط ..أو بحكاية ما يناسبها ،مما ليس بله صوت ...أو بإحداث مقاطع صوتية مرتجلة ،من غير تعمل ،ـ قالها بعض
.فتبعه آخرون سمعوه ،فشاعت فاستقرت
ثم إنه كان لإلنسان أصوات تدل على حاالت النفس :فللجوع والعطش وللنجدة وللحرب وللسرور وللحزن ولغيرها مقاطع أو
.أصوات شبه المقاطع تدل عليها ،فأشبه هذا تصوير الوقائع في الكتابة أي انه كان على البساطة الفطرية
ثم اتسعت الحال باتساع الحاجة ،فاحتاج اإلنسان ،مع اتساع تمدنه ،إلى زيادة في التفاهم مع إخوانه ومعاشريه .ولكن هذه
المقاطع التي صيغت له على البساطة الفطرية ال تقوم بالحاجة وال تفي بالغرض ،فعمد إلى التوسع؛ فربما تركب المعنى
أمامه ،فركب المقاطع الدالة على جزأيه تركيًبا مزجًيا ،ثم شذ بها بالنحت ،فخرجت كلمة جديدة ،كما قالوا في "أجنك فعلت"
أي من أجل أنك فعلت .وقالوا" :برقل برقلة ،بمعنى :كذب - ".قال الخليل :إنه من قولهم :برق ال مطر معه -وقالوا" :حبرم:
أي اتخذ حب الرمان ".وكما في :بسمل ،وحوقل ،وجعفل ،وطلبق ،وكثير أمثال ذلك؛ فأشبه هذا االنتقال في الكتابة من داللة
.الصور على الوقائع إلى جعلها رمًز ا لمقطع حرفي
وربما عر ض لإلنسان معنى يقرب من بعض المعاني التي لها مقاطع صوتية ،فدل عليها بما يقرب من ذلك المقطع مع شيء
من تحريف أو تبديل كما في" :درأ وطلع" أو تقديم وتأخير كما في" :جذب وجبذ"؛ وربما أطلق الكلمة على غير معناها
لمناسبة أو شبه مناسبة أو ألدنى مالبسة ،ثم يشيع هذا اإلطالق فيصبح وضًع ا مستقاًل .وحيث أنهم لم يشترطوا في أصل
الوضع قوة المناسبة ،وقرب المعنى من اللفظ ،اتسع نطاق إطالق األلفاظ على المعاني بادئ بدء ،فاتسعت اللغة واختلف
الزمان والمكان ،وطال المدى ،وتعددتا الشعوب ،فاختلفت جهات االستعمال :فكانت اللغات القريبة التناسب والبعيدة فيه ،كما
].كان ذلك في الكتابة وتنوعها
نقل الُّسُيوِط ّي ِفي المزهر َعن أبي اْلَفْتح بن ُبرهان ِفي كتاب اْلُو ُصول ِإَلى اُألصول :اْخ تلف العلماُء ِفي الُّلَغة َهل تثبت توقيفًا َأو
اْص ِط اَل حاَ ،فَذ َهبت المعتِز لة ِإَلى َأن الُّلَغات بَأسرها تثبت اْص ِط اَل حاَ ،و َذ َهبت َطاِئَفة ِإَلى َأَّنَها تثبت توقيفًاَ ،و زعم اُألستاذ َأُبو
ِإْس َح اق اإلسفرايني َأن الَقْد ر اَّلِذ ي َيْد ُعو ِبِه اإلنساُن غيَر ه ِإَلى الَّتَو اُضع يثبت توقيفًاَ ،و َم ا عدا َذ ِلك يجوز َأن يثبت ِبُك ل َو اِح د من
الَّطِريَقْيِن َ ،و َقاَل الَقاِض ي َأُبو بكر :اَل يجوز َأن يثبت توقيفًاَ ،و يجوز َأن يثبت اْص ِط اَل حا َو يجوز َأن يثبت بعضه توقيفًا َو َبعضه
.اْص ِط اَل حا ،والكّل ممِكٌن
َو نقل َأْيضا َعن ِإَم ام اْلَح َر َم ْيِن أبي اْلَم َع اِلي ِفي اْلُبْر َهان ،اْخ تلف َأرباُب اُألصول ِفي مْأخذ الُّلَغاتَ ،فذهب ذاهبون ِإَلى َأَّنَها توقيٌف
.من هللا َتَع اَلىَ ،و َص اَر صائرون ِإَلى َأَّنَها تثبت اْص ِط اَل حا وتواطؤًا
َو نقل َعن الَّز ركشي ِفي اْلَبْح ر اْلُمِح يط :حكى اُألستاذ َأُبو َم ْنُصور قوال َأن الَّتْو ِقيف َو قع ِفي ااِل ْبِتَداء على ُلَغة َو اِح َدةَ ،و َم ا ِس واها
من الُّلَغات َو قع َع َلْيَها الَّتْو ِقيف بعد الُّطوفان ،من هللا َتَع اَلىِ ،في َأْو اَل د نوحِ ،ح ين تفَّرقوا ِفي اَألقطارَ .قاَل َ :و قد ُر ِو ي َعن اْبن
عباٍس َرِض ي هللا َع ْنُهَم ا َأن أّول من تكلم ِباْلَعَر ِبَّيِة اْلَم ْح َض ة ِإْس َم اِع يلَ ،و َأَر اَد ِبِه عربَّية ُقريش اَّلِتي نزل بَها اْلُقْر آنَ ،و أما عربّية
.قحطاَن وِح مير َفَك اَنت قبل ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّساَل م
َ.و َقاَل ِفي شرح اَأْلْس َم اءَ :قاَل اْلُج ْم ُهور اَأْلْع َظم من الَّص َح اَبة َو الَّتاِبِع يَن من المفِّسرين ِإَّنَها كّلها َتْو ِقيف من هللا َتَع اَلى
َو َقاَل أهُل الَّتْح ِقيق من َأصحابنا :اَل ُبد من الَّتْو ِقيف ِفي أصل الُّلَغة اْلَو اِح َدة ،اِل ْس ِتَح اَلة ُو ُقوع ااِل ْص ِط اَل ح على أّول الُّلَغات ،من غير
معرفٍة من المصطلحين ِبَع ْين َم ا اْص َطلُحوا َع َلْيِهَ ،و ِإذا حصل الَّتْو ِقيف على لغٍة َو اِح َدةَ ،ج اَز َأن يكون َم ا بْعدَها من الُّلَغات
.اْص ِط اَل حاَ ،و َأن يكون توقيفًاَ ،و اَل ُيْقَطع ِبَأَحِدِهَم ا ِإاَّل ِبداَل َلة
ثَّم َقاَل َ :و اْخ تلُفوا ِفي ُلَغة اْلَعَر بَ ،فمن زعم َأن اللغاِت كَّلها اصطالٌح َفَك َذ ا قوُله ِفي لغِة اْلَعَر بَ ،و من َقاَل بالتوقيف على اللغِة
اُألخرى َو َأَج اَز ااِل ْص ِط اَل ح ِفيَم ا سواَها من اللغاِت ،اْخ تلُفوا ِفي ُلَغة اْلَعَر بَ ،فمنهْم من َقاَل ِ :ه َي أول الُّلَغات ،وكُّل ُلَغة سواَها
َح دَثْت ِفيَم ا بعد ِإَّم ا توقيفًا َأو اْص ِط اَل حاَ ،و اْسَتَد ُّلوا ِبَأن اْلُقْر آن َكاَل م هللا َتَع اَلىَ ،و ُهَو عربٌّي َ ،و ُهَو َد ِليل على َأن ُلَغة اْلَعَر ب أسبُق
اللغاِت وجوداَ ،وِم ْنُهم من َقاَل ُ :لَغة اْلَعَر ب َنْو َعاِن َ :أحدهَم ا َعربَّية ِحْم يرَ ،و ِه ي اَّلِتي تكّلموا بَها من عهد ُهود وَم ن َقبَلهَ ،وَبِقي
بعُضها ِإَلى وقتناَ ،و الَّثانَِية اْلَعَر بَّية اْلَم ْح َض ة ،اَّلِتي بَها نزل اْلُقْر آن ،وأّول من َأطلق ِلسانه بَها ِإْس َم اِع يل ،فعلى َهَذ ا القوِل يكون
َتْو ِقيف ِإْس َم اِع يل على اْلَعَر بَّية اْلَم ْح َض ة يْح َتمل َأمرْينِ :إَّم ا َأن يكون اْص ِط اَل حا َبينه َو َبين ُجْر ُهٍم النازلين َع َلْيِه بمَّك ةَ ،و ِإَّم ا َأن يكون
.توقيفًا من هللا َتَع اَلىَ ،و ُهَو الَّص َو اب
َقاَل الُّسُيوِطّي :وَأخرج ابُن َع َس اِك ر ِفي الَّتاِر يخَ ،عن اْبن َعَّباسَ ،أن آدم َع َلْيِه الَّساَل م َك اَن لغته ِفي اْلجَّنة العربَّيةَ ،فَلَّم ا َعصى َس لَبه
ُ.هللا العربيَة َفتكلم بالسْر يانيةَ ،فَلَّم ا تاَب هلل ،رد هللا َع َلْيِه اْلَعَر بَّية
َو أخرج عبُد اْلملك بن َح بيبَ :ك اَن الِّلَس ان األّول اَّلِذ ي نزل ِبِه آدم من اْلجَّنة عربًّيا ِإَلى َأن َبُعد العهُد وطاَل ُحِّر ف َو َص اَر سريانًّيا،
َو ُهَو َم ْنُسوب ِإَلى ُسوريةَ ،وِه ي أرُض الجزيرة ،بَها َك اَن نوٌح َع َلْيِه الَّس اَل م وقوُم ه قبل الَغ َر قَ ،قاَل َ :و َك اَن ُيشاِك ل اللساَن العربَّي ،
ِإاَّل َأنه محَّرفَ ،و ُهَو َك اَن لساَن جميِع َم ن ِفي السفينِة ِإاَّل رجال َو اِح ًدا ُيَقال َلُه ُجرُهمَ ،فَك اَن ِلَس انه ِلَس ان العربّي األّولَ ،فَلَّم ا َخرُجوا
من الَّس ِفيَنة تزّوج إرُم بن َس اٍم بعَض َبَناتهَ ،فمنهْم َص ار اللساُن العربُّي ِفي َو َلده ُعوص أبي َعاد ،وَع ِبيل ،وجاِثر أبي َجِد يس
َو َثُم ود ،وسّم يت عاٌد باسم ُجْر ُهمَ ،أِلَّنُه َك اَن َج َّد هم من اُألّم َ ،وَبِقي الِّلَس ان السريانُّي ِفي َو لد َأْر َفخشذ بن َس ام ِإَلى َأن وصل ِإَلى
َ.يشُجب بن قحطاَن ِم ن ُذ رَّيتهَ ،و َك اَن ِباْليمنَ ،فنزل ُهَناَك َبنو ِإْس َم اِع يل فتعلم ِم ْنُهم َبنو قحطان الّلسان العربَّي
األول عاِر بة وَع ْر باء ،وهم الُخ ّلص ،وهم ِتسُع قبائَل من ولد إَر م بن َس ام بن نوحَ ،وِه يَ :عادَ ،و َثُم ود ،وَأِم يم ،وَع ِبيل ،وَطْسم،
.وَجِد يس ،وِعْمِليق ،وُجْر ُهم ،وَو َبارَ ،وِم ْنُهم تعلم ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّساَل م اْلَعَر بَّية
َ.و الَّثاِني المتعربة :وهم اَّلذين َلْيُسوا بخَّلص وهم َبنو قحطان
َ.و الَّثاِلث المستعربة :وهم َبنو ِإْس َم اِع يل وهم ولد َم عّد بن عدنان ،اْنتهى
َو َقاَل َأُبو بكر بن ُد َر ْيد ِفي الجمهرة :اْلَعَر ب العاربة سبع قبائلَ :عاد ،وَثمود ،وِع مليق ،وَطْسم ،وَج ديس ،وَأميم ،وجاسمَ ،و قد
انقرض َأْكَثرهم ِإاَّل بقايا متفّرقين ِفي اْلَقَباِئلَ .قاَل :وسِّم ي َيعُرب بن قحطان َأِلَّنُه أول من انعدل ِلَس انه َعن الُّسريانَّية ِإَلى اْلَعَر بَّية،
َ.و َهَذ ا معنى َقول الجوهرّي ِفي الِّص َح اح :أول من تكلم اْلَعَر بَّية َيعُرب بن قحطان
َو َقاَل اْلَح اِكم ِفي اْلُم ْس َتْد ركَ ،و َص ححُهَ ،و اْلَبْيَهِقّي ِفي ُش َع ب اِإْل يَم انَ :عن ُبَر ْيَدة َرِض ي هللا َعنُهِ ،في َقْو له َتَع اَلى {ِبِلَس ان َع َر ِبّي
ُ.م بين} َقاَل ِ :بِلَس ان ُجرهم
َو َقاَل ُمَحَّم د بن َس المَ :و َأْخ برِني ُيوُنسَ ،عن أبي َع ْم رو بن الَع الءَ ،قاَل :اْلَعَر ب كّلها ولد ِإْس َم اِع يلِ ،إاَّل ِحْم ير وبقايا ُجْر همَ ،و لَذ ِلك
.يْر وى َأن ِإْس َم اِع يل جاوَر ُهم وَأْص َهر ِإَلْيِه م
َو َقاَل اْلَح اِفظ عماد الّد ين بن كثير ِفي َتاِر يخه :قيل ِإن َجِم يع اْلَعَر ب ينتسبون ِإَلى ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّساَل مَ ،و الَّص ِح يح اْلَم ْش ُهور َأن
اْلَعَر ب العاربة قبل ِإْس َم اِع يل وهمَ :عادَ ،و َثُم ود ،وطسم ،وجديس ،وَأميم ،وجرهم ،والعماليق .وُأمم آَخ ُروَن َك اُنوا قبل اْلَخ ِليل َع َلْيِه
الَّس اَل مَ ،وِفي َز َم انه َأْيضاَ ،فَأما اْلَعَر ب المستعربة وهم عرب الِح جاز َفمن ُذ ِّرَّية ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّس اَل مَ ،و أما َعرب اْليمن ،وهم
حميرَ ،فاْلَم ْش ُهور َأنهم من َقحطان ،واْسمه ِم ْهَزمَ .قاَل ابُن ماُك والَ ،و ذكروا َأنهم َك اُنوا َأْر َبَع ة إْخ َو ةَ ،و قيل :من ُذ رَّيتهَ ،و قيلِ :إن
قحطاَن ابُن هوٍد َ ،و قيلَ :أُخ وُهَ ،و قيل :من ُذ ريتهَ ،و قيلِ :إن قحطان من ُساللة ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّس اَل مَ ،ح َك اُه اْبن ِإْس َح اق َو َغيره،
َ.و اْلُج ْم ُهور َأن اْلَعَر ب القحطانية من عرب اْليمن َو َغيرهم َلْيُسوا من ساللة ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّس اَل م
َو َقاَل الِّش يرازّي ِفي كتاب اَأللقابِ ،بَس َنِدِه ِإَلى ِم ْسمع بن عبد اْلملكَ ،عن ُمَحَّم د بن علّي بن الُحسينَ ،عن آَباِئِهَ ،عن الَّنِبي
َ ".قاَل " :أوُل من ُفِتَق لساُنه بالعربّية المبينة ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّساَل مَ ،و ُهَو اْبن َأربع عشَر ة سنة
َوِفي ُج ْز ء الغطريف ِبَس َنِدِه ِإَلى عمر بن اْلخطاب َأنه َقاَل َ :يا َر ُسول هللاَ ،م الك َأفصحناَ ،و لم تخرج من َبين َأظُهِرنا؟ َقاَل َ " :ك اَنت
ُ.لَغة ِإْس َم اِع يل قد َد َر ست ،فجاَء بَها ِج ْبِريل َع َلْيِه السالُم فحَّفَظِنيها فحفْظتها " أخرجه ابُن َع َس اِكر ِفي َتاِريخه
َو أخرج الَّد يلمي ِفي ُم سند الفرَدوس َعن أبي رافٍع َقاَل َ :قاَل َر ُسول هللا
ُم ِّثَلت لي ُأمتي ِفي الَم اء والِّطين وُع ِّلمت األسماَء كَّلها َك َم ا ُع ِّلم آدُم اَألسماَء كَّلها "
الواضع إّما هللا تعالى أو الخلق أو هللا تعالى والخلق بالتوزيع ،ثم أن يجزم بأصالة الثالثة أم ال؟ فهذه أربعة أقسام ،قال بكّل
قسم منها قائل .فقال األشعري ومتابعوه الواضع للغات هو هللا تعالى وعّلمها بالوحي أي بأن خاطب إّما بذاته أو بإرسال ملك
عبدا أو داعيا بكون األلفاظ موضوعة للمعاني ،أو بخلق أصوات تدّل على الوضع ،وذلك إّما بخلق األصوات والحروف أعني
جميع األلفاظ التي وضعها للمعاني وإسماعها لواحد أو لجماعة بحيث يحصل له أو لهم العلم بأّن ها بإزاء تلك المعاني ،وإّما
بخلق أصوات وحروف تدّل على أّن تلك األلفاظ موضوعة ،أو بخلق علم ضروري بأن يخلق العلم الضروري لواحد أو
لجماعة باللغات وأّن واضعها قد وضعها لتلك المعاني المخصوصة .وقالت البهشمية أي أصحاب أبي هاشم وضعها البشر
واحدا أو جماعة بأن انبعث داعيته أو داعيتهم إلى وضع هذه األلفاظ بإزاء معانيها ثم حصل تعريف الباقين باإلشارة والتكرار
كما في األطفال يتعلمون اللغات بترديد األلفاظ مرة بعد أخرى مع قرينة اإلشارة وغيرها ،كأن يقال هات الكتاب ولم يكن فيه
غيره فيعلم أّن اللفظ بإزائه .وقال االستاذ أبو إسحاق الواضع هو هللا تعالى والخلق بالتوزيع ال من حيث أّن بعضا لهذا قطعا
وبعضا لذلك قطعا ،بل من حيث إّن البعض هلل سبحانه جزما والبعض اآلخر يترّدد بينهما ،وأما عكس مذهبه بأن يكون
االصطالحي مقّد ما على التوقيفي فهو وإن كان مندرجا تحت التوزيع لكنه على ما قيل من أّن ه لم يتحّقق ال هو وال صاحبه،
والقدر المحتاج إليه في التعريف يحصل بالتوقيف من قبل هللا وغيره محتمل لألمرين .وقال القاضي أبو بكر الجميع ممكن
.عقال ولشيء من أدلة المذاهب ال يفيد القطع فوجب التوّقف وهذا هو الصحيح
ثم إّن ه إن كان المقصود هو الّظ ّن بأن كان النزاع في الظهور ال في القطع وهو الحّق إذ األلفاظ يكتفى فيها بالظواهر ،فالحّق ما
صار إليه األشعري لقوله تعالى َو َع َّلَم آَد َم اَأْلْس ماَء ُكَّلها
األول :إَّن الواضع هو هللا سبحانه وتعالى واليه ذهب األشعري ( )5وأتباعه وابن فورك ( )6قال ابن فارس :دليل ذلك قوله
تعالى {وَع َّلَم آدم اَألْس ماء َك َّلها} ( ... )7انتهى ،قال ابن عباس :وهي هذه األسماء التي يتعارفها الناس؛ من داّبة ،وأرض،
وسهل ،وجبل ،وجمل ،وحمار ،وأشباه ذلك من االمم وغيرها ،وقال مجاهد :عَّلمه اسم كِّل شيء ،حتى الَقْص َع ة والُقَص ْي َع ة،
والَفْس َو ة والُفَس ْي َو ة ،وعن سعيد بن جبير :حتى البعير ،والبقرة ،والشاة ،واسم اإلنسان ،واسم الدابة ،واسم كل شيء ،وعن قتادة:
.علم آدم من أسماء َخ ْل قه ،ما لم ُيَع َّلم المالئكة ،فسَّمى كل شيء باْس مه ،وألجأ ُك َّل شيء إلى جنسه
وعن عطاء{ :قال ياآدُم َأْن ِبئُهم بأسماِئِه م} ( ،)8فقال [آدم] ( :)9هذه ناقة ،جمل ،بقرة ،نعجة ،شاة ،فرس ،وهو من َخ ْلق ربي،
فكُّل شيء َسَّم ى آدم فهو اسمه الى يوم القيامة ،وجعل يدعو كل شيء باسمه ،وهو يمُّر بين يديه ،فعِلمت المالئكة أنه أكرُم على
.هللا وأعلم منهم
.قال السيوطي :وفي هذا فضيلة عظيمة وَم ْن َقَب ة شريفة ِلعْلِم اللغة ()10
وعن عطية بن بشر قال :عَّلمه في تلك األسماء أْلَف ِحْر فٍة ( ،)/9وقال ابن زيد عَّلمه أسماء ُذ ِّر ِّيته أجمعين ،وقال الربيع بن
أنس :عَّلمه أسماء المالئكة ،وقال حميد الشامي :عَّلمه أسماء النجوم ( ،)1وقال القاضي ثناء هللا الفاني :فتى عَّلمه أسماءه
.الحسنى فقط
قال ابن فارس :والذي نذهب إليه ما قاله ابن عباس ...انتهى ،فاألسماء كلها معلمة من عند هللا بالنص ،وقال :فلما َع َر َض هم،
ولم يقل َع رَضُهَّن أو عرَض ها ألنه غّلَب ما يعقل وهي سنة من سنن العرب ،والدليل على صحته إْج ماُع العلماء على االحتجاج
بُلَغ ة القوم فيما يْخ تلفون فيه ،أو َي َّت فقون عليه ،ثم احِتجاُجهم بأشعارهم؛ ولو كانت اللغة ُم َو اَض عة واْص طالحًا ،لم يكن أولئك في
االحتجاج بهم بَأْو َلى مَّن ا في االحتجاج بنا لو اْص َط لحنا على لغة الَي وْم وال َفْر ق ،ولم يبلغنا أن قومًا من العرب في زمان ُيقارُب
زماننا ،أْج معوا على َت ْس مَي ة شيٍء من األشياء ُمْص طِلحين عليه ،فكّن ا نستدل بذلك على اصطالح قد كان َقْب َلهم ،وقد كان في
الصحابة – وهم الُب َلغاء والُفَص حاء – من النظر في العلوم الشريفة ما ال خفاَء به ،وما َع ِلمناهم اصطلحوا على إختراع لغة
واحدة أو إْح َد اث لفظة لم َتَت قَّدمْهم ،ومعلوم أَّن حوادَث العالم ال َت ْن َقضي إّال باْن ِقضائه وال تزول إّال بزواله ،وفي كل ذلك دليل
.على أّن أصل اللغة .وحي وتوقيف ال تواضع واصطالح ()2
وأن هللا سبحانه َذ َّم قومًا على تسميتهم بعض األشياء من دون توقيف بقوله{ :إْن هي إّال أسماٌء َسَم ْي ُتُموها أنُت م وآباُؤ كم ما َأْن َز َل
هللا بها من ُس ْلطان} ( )3فلو َلْم تكن اللغة توقيفية لما صح هذا الذم ،وأيضًا قال تعالى{ :وِمْن آياِتِه َخ ْلُق الّسماوات واألْر ض
واْخ ِتالُف ألِس َن ِتُك م وألواِنُك م} ( )4والمراد اختالف اللغات ال اختالف تأليفات األلسن ،لعدم اختالفها؛ وألن بدائَع الُّص ْن ع في
.غيرها أكثر ،فالمراد هي اللغات ،دون األْلسنة الُّلْح مانية ()5
قال ابن جني :إنني تأّملت حال هذه اللغة الشريفة ،الكريمة اللطيفة ،فوجدت فيها من الحكمة ،والِّد َّقة ،واإلرهاف ( ،)6والّرقة،
ما يملك علَّى جانب الفكر ،حتى يكاد يطمُح به أمام َغ ْلَو ة الِّسْح ر ،فعرفت بَتَت اُبعه وانقياده على (ُ )7بْع د َم راميه وآماده صّحة ما
ُو ِّفقوا لتقديمه منه ،وُلْط ف ما أسِعدوا به ،وُفِر ق لهم عنه ،وانضاف الى ذلك وارد األخبار
.لمأثورة ،بأنها من عند هللاَ ،فَقوَي في نفسي اعتقاْد كونها من هللا تعالى وأنها وحي ...انتهى
وقد قيل :إنه تعالى عَّلم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات :العربية ( )/10والفارسية ،والسريانية ،والعبرانية،
والرومية ،وغير ذلك؛ فكان آدُم وولده يتكلمون بها ثم إّن ولده تفرقوا في الدنيا ،وعلق كل واحد منهم بلغة من تلك اللغات،
َفَغ لبْت عليه واضمحَّل عنه ما سواها ،لُبْع د عهدهم بها ،وإذا كان الخبُر الصحيح قد ورد بها وجب َت َّلقيه باعتقاده ،واإلنطواء
على القول به ( ،)1وإذا ثبت التوقيف في األسماء ثبت أيضًا في األفعال والحروف إذ ال قائل بالفرق ،وأيضًا االسم إنما سمّي
اسمًا لكونه عالمة على مسماه ،واألفعال والحروف كذلك [فهي أسماء] ( )2وتخصيص اإلسم ببعض أنواع الكالم اصطالح
.للنحاة وألن التكلم باألسماء وحدها متعذر ()3
القول الثاني :إن الواضع هو البشر وإليه ذهب أبو هاشم ( )4ومن تابعه من المعتزلة وعلى ذلك ايضًا اختلفت أقالم ذوي
اللغات كما اختلفت ألسن األصوات المرتبة على مذاهبهم في المواضعات ،والدليل على ذلك قوله سبحانهَ{ :و ما َأْر َس ْلنا ِمْن
َر سوِل إّال ِبِلساِن َقْو ِمِه} ( )5أي بلغتهم ،وهذا يقتضي تقدم اللغة على بعثة الرسل فلو كانت اللغة توقيفية لم يتصور ذلك إّال
باإلرسال فيلزم الدور ،وفيه إَّن ذلك إنما يوجب سبق اإلرسال على التوقيف ،ال سبق اإلرسال على اللغات ،حتى يلزم الدور،
وأيضًا إَّن آدم ُع َّلمها ال قوم رسول فال دور ( ،)6وقال بعضهم إَّن أصل اللغات كلها إنما هو من األصوات المسموعات كَد ِو ّي
الريح ،وحنين الرعد ،وخرير الماء ،وشحيج ( )7الحمار ،ونعيق الغراب ،وصهيل الفرس ،ونزيب الظبي ونحو ذلك ،ثم
ُ.و ِّلدت اللغات عن ذلك فيما بعد
القول الثالث :إَّن إبتداء اللغة وقع بالتعليم من هللا سبحانه والباقي باالصطالح
.القول الرابع :إَّن إبتداء اللغة وقع باالصطالح والتتمة من هللا وبه قال األستاذ اإلسفرائيني ( ،)1و قيل إنه قال بالذي قبله
القول الخامس :إن نفس األلفاظ دلّت على معانيها بذاتها ،وهو مذهب عباد بن سليمان الصيمري ،واحتَّج بأنه لوال الّداللة
.الذاتية لكان وضُع لفظ من بين األلفاظ بآزاء معنًى من بين المعاني ترجيحًا بال ُم َر ِّج ح ،وهو محال
وجوابه :إّن الواضع إن كان هو هللا فتخصيصه األلفاظ بالمعاني كتخصيص العالم باإليجاد في وقت من بين سائر األوقات،
وإن كان هو الناس فلعَّلة لتعّين الخطران بالبال؛ ودليُل فساده إن اللفظ ( ) ... /11لو دَّل بالذات َلفِه م كل واحد كَّل اللغات،
.لعدم إختالف الدالالت الذاتية والالزم باطل فالملزوم كذلك ()2
القول السادس :انه يجوز كل واحد من هذه األقوال من غير جزم بأحدها ،وبه قال الجمهور ،كما حكى الرازي في المحصول
( ،)3وتبعه تاج الدين األرموي في الحاصل ( ،)4وسراج الدين األرموي في التحصيل ( ،)5وإليه ذهب المحققون من أهل
األصول واللغات وعلم األلسن ،واحتجوا بان هذه األدلة التي استدل بها القائلون ال يفيد شيء منها القطع بل لم ينهض شيء
منها لمطلق األدلة ،فوجب عند ذلك الوقف ألن ما عداه هو من التقول على هللا بما لم يقل ،وإنه باطل ،قال الشوكاني :وهذا هو
.الحق
قال السيوطي :ودليل إمكان التوقف احتمال َخ ْل ق هللا تعالى األلفاظ َو َو ْض عها بأزاء المعاني ،ودليل إمكان االصطالح أن يتوّلى
واحد أو جمٌع وضَع األلفاظ لمعان ،ثم ُيْف هموها لغيرهم باإلشارة ،كحال الوالدات مع أطفالهن ،وهذان الدليالن هما دليال إمكان
.التوزيع ...انتهى
والجواب عن القول األول :إن المراد من تعليم األسماء اإللهام إلى وضعها وأيضًا ال حّج ة فيه من جهة القطع؛ فإنه عموم؛
.والعموم ظاهر في االستغراق ،وليس بنص وذمهم ألنهم سموا األصنام آلهة واعتقدوها كذلك ()1
.قال القاضي ( :)2وأما الجواز فثابت من جهة القطع وأما كيفية الوقوع فأنا متوقف ،فإن دَّل دليل من الَّسْم ع على ذلك ثبت به
وقال الغزالي :قوله {وَع َلَم آدم اَألْس ماء َك َّلها} ( )3ظاهر في كونه توقيفًا ،وليس بقاطع ،وُيْح َت مل كوُن ها مصطلحًا عليها من َخ ْلق
.هللا تعالى قبل آدم ...انتهى ()4
وقال ابن الحاجب :الظاهر من هذه األقوال قول األشعري ،قال التاج السبكي ( )5معناه :القول بالوْق ف عن الَقْط ع بواحد من
هذه االحتماالت وترجيح مذهب األشعري بغلبة الظن ثم قال :واالنصاف أن األدلة ظاهرة فيما قاله األشعري فالمتوقف إن
توقف لعدم القطع فهو مصيب ،وان ادعى عدم الظهور فغير مصيب ،هذا هو الحق الذي فاه به جماعة من المتأخرين ،ومنهم
.ابن دقيق العيد ( )6في شرح العنوان
وقال في رفع الحاجب :اعلم أَّن للمسألة مقامين أحدهما الجواز فمن قائل ال يجوز أن تكون اللغة إّال توقيفًا ،ومن قائل ال يجوز
.أن تكون إّال اصطالحًا ،والثاني إنه ما الذي وقع على تقدير جواز كل من األمرين () ... /12( )7
والقول بتجويز كل من األمرين هو رأي المحققين ،ولم أَر من َص رّح عن األشعري بخالفه والذي أراه إنه إنما تكَّلم في
الوقوع ،وإنه يجّو ز صدور اللغة اصطالحًا ،ولو منع الجواز لَنَق له عنه القاضي ،وامام الحرمين ،وابن الُقَش يري ،واالشعري (
)8في مسألة مبدأ
.اللغات البّت ة ،وذكر امام الحرمين اإلختالف في الجواز ،ثم قال :إن الوقوع لم َي ْث ُبْت وَت ِبعه الُقَش يري وغيره ()1
قال في رفع الحاجب :عندي انه ال فائدة لهذه المسألة ،وهو ما صَّح حه ابن األنباري ( )2وغيره ،ولذلك قيل ذكرها في
األصول فضول ،وقيل :فائدتها النظر في جواز َقْل ب اللغة فُحكي عن بعض القائلين بالَّت وقيف منع الَقْلب مطلقًا فال يجوز تسمية
.الَّث ْو ب فرسًا والفرس ثوبًا ،وعن القائلين باالصطالح تجويزه
وأما المتوِّقفون قال المازري ( :)3فاختُّلفوا ،فذهب بعضهم الى التجويز كمذهب قائل االصطالح ،وأشار الّصابوني الى الَم ْن ع،
وجوز كون التوقيف واردًا على انه ما وجب أن يقع النطق اال بهذه األلفاظ ،قال ابن السبكي :واليه يشير كالم المازري أنه ال
تعلق لهذا باألصل السابق فان التوقيف لو تَّم ليس فيه حجر علينا حتى ال ينطق بسواه ،فإن فرض حجر فهو أمر خارجي،
.والفرع حكمه حكم األشياء قبل ورود الشرائع فأنا ال نعلم في الشرع ما يدل عليه ما ذكره الصابوني من اإلحتمال مدفوع
قال المازري :وقد علم أن الفقهاء المحققين ال يحرمون الشيء بمجرد احتمال ورود الشرع بتحريمه ،وانما يحِّر مونه عند
اْن تهاض دليل تحريمه ،قال :وإن اْس ُت ند في التحريم الى االحتياط فهو نظر في المسألة من جهة أخرى؛ وهذا كّله فيما يؤدي قلبه
الى فساد النظام ،وتغييره الى اختالط األحكام؛ فإن أَّد ى الى ذلك قال المازري :فال تختلف في تحريم قلبه ،ال ألجل نفسه ،بل
.ألجل ما ُي ؤِّد ى اليه ()4
وقال في شرح المنهاج :إّن بناء المسألة على هذا األصل غير صحيح؛ فإن هذا األصل في أن هذه اللغات الواقعة بين أْظ ُهرنا،
هل هي باالصطالح أو التوقيف؟ ال في شخص خاٍص اصطلح مع صاحبه على اطالق لفظ الثوب على الفرس مثال
لم يحظ أي موضوع لغوي بالنظر فيه ،والكتابة عنه .واختالف المذاهب فيه مثل ما حظى به هذا الموضوع ومع هذا فلم يصل
الباحثون فيه إلى رأي سديد يقتنع به الباحث ،وسنذكر أواًل رأي ابن فارس في هذا الموضوع يقول ابن فارس :باب القول على
لغة العرب أتوقيف أم اصطالح؟
أقول إن لغة العرب توقيف ودليل ذلك قوله جل ثناؤهَ{ :و َع َّلَم َآَد َم اَأْلْس َم اَء ُكَّلَه ا} ،1فكان ابن عباس يقول :علمه األسماء كلها
.وهي هذه التي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وحمار وأشباه ذلك من األمم وغيرها
وروى خصيف عن مجاهد قال :علمه اسم كل شيء .وقال غيرهما :إنما علمه أسماء المالئكة .وقال آخرون :علمه أسماء
ذريته أجمعين .والذي نذهب إليه في ذلك ما ذكرناه عن ابن عباس .فإن قال قائل :لو كان ذلك ما تذهب إليه لقال" :ثم
عرضهن أو عرضها" فلما قال" :عرضهم" علم أن ذلك ألعيان بني آدم أو المالئكة؛ ألن موضوع الكناية في كالم العرب يقال
لما يعقل "عرضهم" ولما ال يعقل "عرضها أو عرضهن" قيل له :إنما مثال ذلك وهللا أعلم؛ ألنه جمع ما يعقل وما ال يعقل
فطلب ما يعقل ،وهي سنة من سنن -العرب ،أعني "باب التغليب" .وذلك كقوله جل ثناؤهَ{ :و ُهَّللا َخ َلَق ُك َّل َد اَّبٍة ِمْن َماٍء َفِم ْن ُهْم
َم ْن َي ْم ِش ي َع َلى َب ْط ِنِه َو ِم ْن ُهْم َم ْن َي ْم ِش ي َع َلى ِر ْج َلْي ِن َو ِم ْن ُهْم َم ْن َي ْم ِش ي َع َلى َأْر َب ٍع } 1فقال" :منهم" تغليًبا لمن يمشي على رجلين
.وهم بنو آدم
فإن قال :أفتقولون في قولنا سيف وحسام وعضب إلى غير ذلك من قوله توقيف حتى ال يكون شيء منه مصطلًح ا عليه؟ قيل
له كذلك تقول :وعلى صحة ما نذهب إليه إجماع العلماء على االحتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فيه أو يتفقون عليه ،ثم
احتجاجهم بأشعارهم ،ولو كانت اللغة مواضعة واصطالًح ا لم يكن أولئك في االحتجاج بهم أولى منافي االحتجاج لو اصطلحنا
:على لغة اليوم وال فرق يقول ابن فارس
ولعل ظانا يظن أن اللغة التي دللنا على أنها توقيف إنما جاءت جملة واحدة وفي زمان واحد .وليس األمر كذا ،بل وقف هللا -
عز وجل -آدم عليه السالم على ما شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه ،وانتشر من ذلك ما شاء هللا ،ثم علم من
بعد آدم عليه السالم من عرب األنبياء صلوات هللا عليهم نبًّي ا نبًّي ا ما شاء أن يعلمه ،حتى انتهى األمر إلى نبينا محمد -صلى هللا
عليه وسلم -فآتاه هللا -عز وجل -من ذلك ما لم يؤته أحًد ا قبله،تماًما على ما أحسنه من اللغة المتقدمة ثم قر األمر قراره فال
.نعلم لغة من بعده حدثت
فإن تعمل اليوم لذلك متعمل وجد من نفاذ العلم من ينفيه ويرده .ولقد بلغنا عن "أبي األسود" أن امرأ كلمه ببعض ما أنكره أبو
األسود فسأله أبو األسود عنه فقال" :هذه لغة لم تبلغك" فقال له :يا ابن أخي ال خير لك فيما لم يبلغني "فعرفه بلطف أن الذي
تكلم به مختلف .وخلة أخرى أنه يبلغنا أن قوًم ا من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على تسمية شيء من األشياء
مصطلحين عليه فكنا نستدل بذلك على اصطالح كان قبلهم .وقد كان في الصحابة -رضي هللا تعالى عنهم -وهم البلغاء
.والفصحاء ،من النظر في العلوم الشريفة ما ال خفاء به .وما علمناهم اصطلحوا على اختراع لغة أو إحداث لفظة لم تتقدمهم
.ومعلوم أن حوادث العالم ال تنقضي إال بإنقضائه وال تزال إال بزواله وفي ذلك دليل على صحة ما ذهبنا إليه في هذا الباب1
فابن فارس يرى أن اللغة توقيفية من عند هللا علمها آلدم عن طريق الوحي أو اإللهام بأن علمه هللا عز وجل ما شاء أن يعلمه
إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه ،ثم علم بعد آدم من األنبياء صلوات هللا عليهم نبيا نبًيا ما شاء هللا أن يعلمون حتى انتهى
األمر إلى نبينا محمد -صلى هللا عليه وسلم -فآتاه هللا من ذلك ما لم يؤته ألحد قبله زيادة على ما أحسنه من اللغة المتقدمة
.وتكملة له .ثم قر األمر قراره فلم نعلم لغة وجدت بعد ذلك
وقد ذهب إلى هذا الرأي في العصور القديمة الفيلسوف اليوناني هيراكليت ،وفي العصور الحديثة طائفة من العلماء وعلى
.رأسها األب فرانسو المي المتوفى عام 1711م في كتابة "فن الكالم"2
:يعتمد القائلون بالتوقيف على أدلة نقلية من القرآن الكريم والكتب المقدسة وأخرى عقلية ونسوقها إليك فيما يأتي
قال تعالىَ{ :و َع َّلَم َآَد َم اَأْلْس َم اَء ُكَّلَه ا} 1ويعتمدون كما سبق في قول ابن فارس على تفسير ابن عباس الذي يفسر األسماء بأنها
أسماء كلها من دابة وأرض وسهل وجبل وحيوان
قال تعالىَ{ :و ِمْن َآَياِتِه َخ ْلُق الَّسَمَو اِت َو اَأْلْر ِض َو اْخ ِتاَل ُف َأْلِس َن ِتُك ْم َو َأْلَو اِنُك ْم } 2واأللسنة اللحمانية
.غير مرادة لعدم اختالفها؛ وألن بدائع الصنع في غيرها أكثر ،فالمراد منها اللغات
قال تعالىِ{ :إْن ِهَي ِإاَّل َأْس َم اٌء َس َّمْي ُتُموَه ا} 1فذم قوًم ا في إطالقهم أسماء غير توقيفية ،وذلك يقتضي كون البواقي توقيفي
:االدلة النقلية
إجماع العلماء على االحتجاج بلغة العرب كما سبق في قول ابن فارس ولو كانت اللغة مواضعة واصطالًح ا لم يكن العرب في
االحتجاج بأقوالهم بأولى منافي االحتجاج لو اصطلحنا على لغة اليوم وال فرق .ولم يقل أحد من العلماء بهذه المساواة وهذا
.يدل على أن اللغة التي وصلت إلينا توقيفية ليس لنا أن نغير أو نبدل فيها
وما روى عن أبي األسود -كما سبق في قول ابن فارس -أن امرأ كلمه ببعض ما أنكره أبو األسود فسأله أبو األسود عنه
.فقال" :هذه لغة لم تبلغك" فقال له :يا ابن أخي ال خير لك فيما لم يبلغني فعرفه بلطف أن الذي يتكلم به مختلق مخترع
و ما سبق من قول ابن فارس :أنه لم يبلغنا أن قوًم ا من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على
تسمة شيء من األشياء مصطلحين عليه ،فكنا نستدل بذلك على اصطالح كان قبلهم .وقد كان في الصحابة -رضي هللا عنهم-
من البلغاء والفصحاء ،وما علمناهم اصطلحوا على اختراع لغة أو إحداث لفظة لم تتقدمهم .وهذا يدل على أن اللغة توقيف من
.صنع هللا وأنه ال يد لإلنسان فيه
لو كانت اللغات اصطالحية الحتيج في التخاطب بوضعها إلى اصطالح آخر من لغة أو كتابة يعود إليه الكالم ،ويلزم إما
.الدور والتسلسل في األوضاع وهو محال ،فال بد من االنتهاء إلى التوقيف1
فابن فارس يرى أن اللغة لم تأت دفعة واحدة وفي زمان واحد بل يذهب إلى أن اللغة في تطورها واكتمالها كانت توقيفية أيًض ا
فيقول :ثم علم بعد آدم -عليه السالم -من عرب األنبياء -صلوات هللا عليهم -نبًّي ا نبًّي ا ما شاء أن يعلمه حتى انتهى األمر إلى
نبينا محمد -صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم -فأتاه هللا -جل وعز -من ذلك ما لم يؤته أحًد ا قبله تماًما على ما أحسنه من اللغة
المتقدمة ثم قر األمر قراره فال نعلم لغة من بعده حدثت فإن تعمل اليوم لذلك متعمل وجد من نقاد العلم من ينفيه ويرده 1وهذا
يعطينا صورة عن تصور ابن فارس لنشأة اللغة وتطورها ،فاللغة نشأت عنده مع اإلنسان األول وأنها نالت الرعاية عبر
السنين حتى وصلت إلى أوج عظمتها في عهد النبي -صلى هللا عليه وسلم
:الحمد هلل ،والصالة والسالم على رسول هللا ،وعلى آله وصحبه ،ومن وااله ،أما بعد
اللغة :أهي من وضع هللا تعالى أم من وضع البشر وعلى مناسبة األلفاظ للمعاني ،وعلى الدالالت النحوية؟
اختلف العلماء اختالًفا طوياًل في بيان واضع اللغة ،وقد عقد ابن جني باًبا في (الخصائص) عنوانه :باب القول على أصل اللغة،
أإلهام هي أم اصطالح؟ وقال في صدارة هذا الباب" ،هذا موضع ُم حوج إلى فضل تأّم ل" وهي عبارة توحي بأنه موضوع دقيق
يحتاج إلى شَّد ة معاناة ،وإمعان نظر؛ ولذلك اختلف العلماء قديًم ا وحديًثا فيه ،وتنوعت آراؤهم ،وتعددت مذاهبهم ،ومع ذلك -كما
قيل -لم يصل في بحثهم إلى نتائج يقينية ،بل كان ُجّل آرائهم يصطبغ بالصبغة الشخصية ولم يتجاوز مرحلة الظن والحدس
:والتخمين ،ونسوق هنا أشهر هذه المذاهب في ضوء ما أورده السيوطي منها
المذهب األول :مذهب الوحي واإللهام ،أو هو مذهب التوقيف ،وهو أن اللغة بوضع هللا -تبارك وتعالى -علمها هللا تعالى نبيه آدم
-عليه السالم -ووَّقف عليها عباده ،وهذا المذهب منسوب إلى األشعري ،وهو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق المتوفى
سنة أربع وعشرين وثالثمائة من الهجرة ،وقد اختار هذا المذهب جماعة من العلماء ،منهم :أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي
المعروف المتوفى سنة خمس وتسعين وتسعمائة من الهجرة ،وبسط القول في كتابه المسمى بـ (الصاحبي) في توضيح هذا
الرأي ،وبيان األسباب التي دعته إلى اختياره ،فذكر" :أن دليل ذلك قول هللا -جل ثناؤهَ{ :-و َع َّلَم آَد َم اَأْلْس َم اَء ُك َّلَها} (البقرة)31 :
فكان ابن عباس -رضي هللا عنهما -يقول :علمه األسماء كلها ،وهي هذه األسماء التي يتعارفها الناس من دابة ،وأرض ،وسهل،
وجبل ،وحمار ،وأشباه ذلك من األمم وغيرها" ،وأجاب ابن فارس على ما قد يوجه إلى هذا المذهب من اعتراض مضمونه :لو
كان ذلك كما تذهب إليه لقال الخالق -تبارك وتعالى" :-ثم عرضهَّن " ،أو "ثم عرضها" ،لكنه سبحانه قالُ{ :ثَّم َع َر َض ُهْم }
(البقرة ) 31 :فمنطوق اآلية يدل على أن المعروض عليهم جماعة العقالء ،أي :أعيان بني آدم أو المالئكة؛ ألن موضوع
.الضمير في كالم العرب أن يقال لمن يعقل :عرضهم ،ولما ال يعقل :عرضها أو عرضهّن
وقد أجاب ابن فارس بأن ما ورد في اآلية الكريمة جاء مطابًقا لسّنة من سنن العرب في كالمهم؛ فمن سنن كالمهم ما ُيعرف
بالتغليب ،فهم يغّلبون على الشيء ما لغيره الختالط بين الشيئين ،فإذا اختلط جمع ما ال يعقل بجمع من يعقل ُغ ّلب جمع من يعقل
كقول هللا -تبارك وتعالىَ{ :-و ُهَّللا َخ َلَق ُك َّل َد اَّبٍة ِم ْن َم اٍء َفِم ْنُهْم َم ْن َيْمِش ي َع َلى َبْطِنِه َوِم ْنُهْم َم ْن َيْمِش ي َع َلى ِر ْج َلْيِن َوِم ْنُهْم َم ْن
َيْمِش ي َع َلى َأْر َبٍع َيْخ ُلُق ُهَّللا َم ا َيَش اُء ِإَّن َهَّللا َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َقِد يٌر} (النور )45 :فقال تعالىَ{ :فِم ْنُهْم } تغليًبا لمن يمشي على رجلين،
وهم بنو آدم ،وأشار ابن فارس إلى أنه ليس معنى أن اللغة توقيفية أنها جملة واحدة في زمان واحد ،بل وقف هللا -عز وجل -آدم
-عليه السالم -على ما شاء أن ُيعّلمه إَّياه في زمانه ،ثم عَّلم بعده من عرب األنبياء -صلوات هللا عليهم -نبًّيا نبًّيا ما شاء أن يعلمه،
حتى انتهى األمر إلى نبينا محمد -صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم -فآتاه هللا ما لم يؤِته أحٌد قبله ،ثم قر األمر قراره ،فال
".نعلم لغًة حدثت بعده .وقال السيوطي" :ومال إلى هذا القول ابن جني ،ونقله عن شيخه أبي علي الفارسي وهما من المعتزلة
والمذهب الثاني :أنها اصطالحية وضعها البشر ،وهو مذهب أبي هاشم الجبائي المعتزلي المتوفى ببغداد سنة إحدى وعشرين
وثالثمائة من الهجرة ،ثم اختلف
أصحاب هذا المذهب فيمن وضع اللغة من البشر على ثالثة آراء ،فقيل :وضعها آدم -عليه السـالم -وقـد ذكـر ابن جـني أن أكـثر
أهل النظر على أن أصل اللغة ،إنما هو تواضع واصطالح ،ال وحي وتوقيف ،وعندما قال له شيخه أبو علي الفارسي يوًم ا :هي
من عند هللا ،واحتج بآية البقرة السابقةَ{ :و َع َّلَم آَد َم اَأْلْس َم اَء ُك َّلَها} (البقرة )31 :ذكــر ابن جــني أن اآليــة الكريمــة ال تقطــع بكــون
اللغة توقيفية؛ إذ يجوز أن تؤَّو ل على معنى أقدر هللا آدم -عليه السالم -على أن واضع عليها ،وقيل :لعله كان يجتمــع حكيمــان أو
ثالثة فصاعًدا ،فيحتاجون إلى اإلبانة عن األشياء المعلومة ،فوضعوا لكــل واحــد منهــا ســمة ولفًظ ا؛ إذا ُذ كــر ُع رف بــه مســماه،
وامتاز به عن غيره ،وأغنى ذكره عن إحضاره إلى مرآة العين؛ إذ ربمـا قـد ُيحتـاج في كثـير من األحـوال إلى ذكـر مـا ال ُيمكن
إحضاره كالمعاني ،وقيل :إن أصل اللغات كلها إنما هو من األصوات المسموعات كدوّي الريح ،وخرير الماء ،ونعيق الغــراب،
وصهيل الفرس ،ونهيق الحمار ...ونحو ذلك ،ثم ُو لـدت اللغـات عن ذلـك فيمـا بعـد .قـال ابن جـني" :وهـذا عنـدي وجـه صـالح
ومذهب ُم تقَّبل".
والمذهب الثالث :الوقف -أي :ال ُيدرى أهي من وضع هللا -تبارك وتعالى -أم من وضع البشر ،وهذا المذهب هو الذي اختاره
ابن جني بعد طول ترُّد د؛ لعدم وجود دليل قاطع على مذهب غيره من وجهة نظره ،فالعقل يجّو ز ذلك كله .ومن هنا ذكر
السيوطي أن بعضهم زعم أنه ال فائدة لهذا الخالف ،قال السيوطي" :وليس كذلك بل ُذ كر له فائدتان :األولى فقهية ،ولذا كرت
ُذ
هذه المسألة في أصوله -يعني :في أصول الفقه -واألخرى نحوية ،ولهذا ذكرتها في أصوله -يعني :في أصول النحو -تبًعا البن
".جني في (الخصائص) ،وهي جواز قلب اللغة ،فإن قلنا :إنها اصطالحية؛ جاز وإال فال
أما الفائدة الفقهية التي أشار إليها السيوطي فهي المعروفة بمهر الّسّر والعالنية ،وهي :إذا تزوج رجل امرأة بألف واصطلح على
تسمية األلف بألفين ،هل الواجب ألف ألنه مقتضى االصطالح اللغــوي ،أو ألفــان نظــًرا لهــذا الوضــع الحــادث؟ اختلــف في ذلــك
الفقهاء وصَّححوا كاًّل من االعتبارين.
وأما الفائدة النحوية فهي النظر في جواز قلب اللغة ،فُح كي عن بعض القائلين بالتوقيف منع القلب مطلًقا؛ فال يجوز تسمية الثوب
فرًسا ،والفرس ثوًبا ،وعن القائلين باالصطالح تجويزه .وأما المتوقفون فاختلفوا ،فذهب بعضهم إلى التجويز كمذهب قائل
االصطالح ،وبعضهم إلى المنع ،وهذا كله فيما ال يؤّد ي قلبه إلى فساد النظام ،أو تغييره إلى اختالط األحكام ،فإن أَّد ى إلى ذلك
.فال يختلف في تحريم قلبه
أي :دليله الذي يدل على أن الكلمة من هذا الباب أن يكون ماضيه (َأْن َيُك وَن )َم ْو ُز وُنُه اْسَتْخ َر َج َيْسَتْخ ِر ُج اْس ِتْخ َر اًجاَ .و َع َالَم ُتُه(
َم اِض يِه َع َلى ِس َّتِة َأْح ُر ٍف ) يعني معدود بأحرف ستة ،ثالثة أصلية وهي الثالثي المجرد ،وثالثة زوائد أو زائدات (َع َلى ِس َّتِة
َأْح ُر ٍف ) كيف صارت ستًة قالِ( :بِزَياَد ِة ) .باء هذه باء السببية يعني بسبب زيادة صار ستًة ونحن نقول هذا الكالم في الثالثي
المجرد كيف صارت ستة أحرف (ِبِزَياَد ِة) يعني بسبب زيادة (ِبِزَياَد ِة الَهْم َز ِة) همزة وصل (َو الِّسْيِن ) التي تلي همزة الوصل
(َو الَّتاِء ) على التوالي رتبها لك ألن األلف تكون سابقة ،ثم السين ،ثم التاء وال يجوز تقديم وتأخير لماذا؟ هل يجوز التقديم
والتأخير ،نقدم السين على األلف ما دام أن الزائد ثالثة أحرف الهمزة والسين والتاء إًذ ا نقدم ونؤخر يجوز أو ال يجوز؟ ال يجوز
ما الدليل؟
..
عدم الوقوع ،ألن اللغة توقيفية ومبناها على النقل ،أما العقل ليس له مجال إال باالستنباط نستنبط كما قلنا قلبت ألف تحركت ...
إلى آخره هذا باستنباط العقل أما في التأصيل والحكم على الكلمة بتقديم حرف على حرف ابتداًء دون تعليل أو التماس حكمة
.فهذا موقوف على العرب أنفسهم
:ويكاد أن يجزم بأن اللغة توقيفية على أصح قولي أو أقوال أهل العلم األصوليين وأهل اللغة
توقيف اللغات :اللغات توقيفية ،كلها توقيفية سواء كانت العربية أو اإلنجليزية أو الفرنسية ،أو غيرها كلها توقيف ،بمعنى :أن هللا
.عز وجل علمها آدم عليه السالمَ(( :و َع َّلَم آَد َم اَألْس َم اَء ُك َّلَها)) [البقرة]31:
:قال السيوطي
َو الُّلَغ ُة الَّرُب َلَها َقْد َو َضَع ا َ ...و َع ْز ُو َها ِلالْص ِط َالِح ُس ِمَع ا
أكثر األصوليين على أن اللغات كلها عمومًا أنها توقيفية ،والواضع حكيٌم ،وال يزيد حرفًا لغير معنى ،فإذا قيل :الرحمن مشتق
من َر ُح َم أو َر ِح َم ،والرحيم مشتق من َر ِح َم أو َر ُح َم ،وزاد الرحمن حرفًا على الرحيم ،البد أن يزيد في المعنى؛ ألن الواضع
حكيم ،وال يزيد حرفًا إال لمعنى ،إذًا الرحمن أشد مبالغة من الرحيم ألمرين :أوًال :تقديمه على الرحيم ،ثانيًا :زيادة المبنى تدل
على زيادة المعنى
ما هو االصطالح
االصطالح :عبارٌة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضعه األول
وقيل :االصطالح اتفاق طائفة على وضع اللفظ بازاء المعنى .وقيل :االصطالح إخراج الشيء عن معنى لغوي إلى معنى
.آخر؛ لبيان المراد
ااِل ْص ِط اَل حُ :ه َو اِّت َفاق اْلَقْو م على وضع الَّش ْي ءَ ،و قيلِ :إْخ َر اج الَّش ْي ء َع ن اْلَم ْع نى الّلَغ ِو ّي ِإَلى معنى آخر لَبَي ان الُم َر اد
واالصطالحُ :م َقابل الَّش ْر ع ِفي عرف اْلُفَقَه اءَ ،و َلَع َّل َو جه َذ ِلك َأن ااِل ْص ِط اَل ح (افتعال) من (الُّص ْل ح) للمشاركة كاالقتسام،
واألمور الَّش ْر ِع َّية َم ْو ُضوَع ات الَّش اِر ع َو حده اَل يتصالح َع َلْي َه ا َب ين األقوام ،وتواضع ِم ْن ُهم
َو يْس َت ْع مل ااِل ْص ِط اَل ح َغ اِلبا ِفي اْلعلم اَّلِذي تحصل معلوماته ِبالّن ظِر َو ااِل ْس ِتْد اَل ل
َو أما الِّص َن اَع ةَ :فِإَّن َه ا تْس َت ْع مل ِفي اْلعلم اَّلِذي تحصل معلوماته بتتبع َك اَل م اْلَع َر ب
واللغات كلَه ا اصطالحية ِع ْن د َع اَّمة اْلُمْع َت زَلة َو َب عض اْلُفَقَه اءَ ،و َقاَل َع اَّمة اْلُم َتَك ِّلمين َو اْلُفَقَه اء َو َع امة أهل الَّتْف ِس ير ِإَّن َه ا توقيفية
َو َقاَل بعض أهل الَّت ْح ِقيق :اَل ُبد َو َأن تكون ُلَغ ة َو اِحَد ة ِم ْن َه ا توقيفية ثَّم الُّلَغ ات اُأْلَخ ر ِفي حد اْلَج َو از َب ين َأن تكون اصطالحية َأو
توقيفيةَ ،أِلن ااِل ْص ِط اَل ح من اْلعباد على َأن ُيسمى َه َذ ا َك َذ اَ ،و َه َذ ا اَل يَت َح َّقق ِباِإْلَش اَر ِة َو حدَه ا ِبُد وِن اْلُم َو اَضَع ة باْلَقْو ل
َو ِفي " أنوار الَّتْن ِز يل " ِفي َقْو له َت َع اَلىَ{ :و علم آدم اَأْلْس َم اء كلَه ا} َأن الُّلَغ ات توقيفيةَ ،فِإن اَأْلْس َم اء تدل على اَأْلْلَفاظ ِبُخ ُصوص َأو
ُعُموم َو َت ْع ِليمَه ا َظ اهر ِفي إلقائها على المتعلم ُمبيًن ا َلُه َمَع اِنيَه اَ ،و َذ ِلَك َي ْس َتْد ِع ي َس اِبَقة وضعَ ،و اَأْلْص ل َي ْن َب ِغي َأن يكون َذ ِلك
اْلَو ضع ِمَّمن َك اَن قبل آدمَ ،فيكون من هللا َت َع اَلى
وهللا اعلم