Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 16

‫هل اللغة توقيفية او اصطالحية‬

‫تعريف اللغة‬

‫‪ :‬قال احمد رضا في معجم متن اللغة‬

‫اللغة "فعلة" بضم الفاء؛ قال الجوهري‪ :‬أصلها لغي أو لغو‪ ،‬والهاء عوض‪ .‬وزاد أبو البقاء‪ :‬ومصدره اللغو وهو الطرح‪ ،‬فالكالم‬
‫لكثرة الحاجة إليه يرمى به‪ ،‬وحذفت الواو تخفيًفا‪ .‬جمعه لغات‪ ،‬ولغون‪ ،‬ولغى‪ ،‬والفعل لغا يلغو لغًو ا إذا تكلم؛ أو من لغي به لًغ ا‬
‫"كرضي" إذا لهج به‪.‬وقال الراغب‪ :‬لغي بكذا إذا لهج به‪ ،‬ولهج العصفور بلغاه أي بصوته‪ .‬ومنه قيل للكالم الذي يله جبه فرقة‬
‫فرقة‪ :‬لغة‪.‬وفي المصباح‪ :‬لغي باألمر يلغى‪ ،‬من باب "تعب"‪ :‬لهج به‪ .‬وفي األساس‪" :‬لغوت بكذا‪ :‬لفظت به وتكلمت‪ .‬وإذا أردت‬
‫أن تسمع من األعراب فاستلغهم واستنطقهم‪ .‬ومنه اللغة‪ ".‬وجاء في لسان العرب‪" :‬اللغة اللسن‪ ،‬وحدها أنها أصوات يعبربها كل‬
‫]قوم عن أغراضهم‪ ،‬وهي "فعلة" من لغوت أي تكلمت‬

‫‪ :‬قال صديق حسن خان‪ ،‬البلغة الى أصول اللغة‬

‫قال أبو الفتح ابن جني في الخصائص حد اللغة‪ :‬أصوات ُيعّبر بها كُّل قوم عن أغراضهم‪ ،‬وبنحوه في المزهر وبمثله قال أبو‬
‫الوفا الهوريني‪ :‬وهذا الحد للغة من حيث هي‪ ،‬وأما حّد الفن‪ :‬فهو علم يبحث فيه عن مفردات األلفاظ الموضوعة من حيث داللتها‬
‫على معانيها بالمطابقة‪.‬وقد علم بذلك أن موضوع علم اللغة المفرد الحقيقي‪ ،‬ولذلك حده بعض أهل العلم بأنه‪ :‬علم األوضاع‬
‫الشخصية للمفردات‪ ،‬وغايته االحتراز عن الخطأ في حقائق الموضوعات اللغوية‪ ،‬والتمييز بينها وبين المجازات والمنقوالت‬
‫العرفية‪.‬قال بعض أهل التحقيق‪ :‬معرفة مفردات اللغة نصف العلم‪ ،‬ألن كل علم تتوقف إفادته واستفادته عليها‪ ،‬وحكمه أنه من‬
‫فرض الكفايات‪.‬وقال صاحب كشف الظنون‪ :‬علم اللغة هو علم باحث عن مدلوالت جواهر المفردات وهيئآتها الجزئية‪ ،‬التي‬
‫وضعت تلك الجواهر معها لتلك المدلوالت بالوضع الشخصي‪ ،‬وعما حصل من تركيب كل جوهر وهيئتة‪ ،‬من حيث الوضع‬
‫والداللة على المعاني الجزئية‪ ،‬وغايته االحتراز عن الخطأ في فهم المعاني الوضعية‪ ،‬والوقوف على ما ُيفِه م من كلمات العرب‪،‬‬
‫ومنفعتة اإلحاطة بهذه المعلومات‪ ،‬وطالقة العبارة وجزالتها‪ ،‬والتمكن من التفنن في الكالم‪ ،‬وإيضاح المعاني بالبيانات الفصيحة‬
‫واألقوال البليغة‪.‬فإن قيل علم اللغة‪ :‬عبارة عن تعريفات لفظية والتعريف من المطالب التصورية وحقيقة كل علم مسائلة‪ ،‬وهي‬
‫قضايا كلية والتصديقات بها وأياما كان فهي من المطالب التصديقية‪ ،‬فال تكون اللغة علمًا اجيب بأن التعريف اللفظي ال يقصد به‬
‫تحصيل صورة غير حاصلة‪ ،‬كما في سائر التعاريف من الحدود‪ ،‬والرسوم الحقيقية أو األسمية بل المقصود من التعريف‬
‫اللفظي‪ :‬تعيين صورة من بين الصور الحاصلة ِليلتفت إليه ويعلم أنه موضوع لهاللفظ‪ ،‬فما له إلى التصديق بان هذا اللفظ‬
‫موضوع بازاء ذلك المعنى فهو من المطالب التصديقية‪ ،‬لكن يبقى أنه حينئذ (‪ )/7‬يكون علم اللغة‪ :‬عبارة عن قضايا شخصية‬
‫حكم فيها على األلفاظ المعينة المشخصة‪ ،‬بأنها وضعت بأزاء المعنى الفالني والمسألة البد وأن تكون قضية كلية ‪ ...‬انتهى (‬
‫‪.)1‬قال ابن خلدون‪ :‬علم اللغة هو بيان الموضوعات اللغوية ‪ ...‬انتهى‬

‫هل اللغة توقيفية و اصطالحية‬

‫‪ :‬قال أحمد رضا‪ ،‬معجم متن اللغة‬

‫وقد ذهب علماء اللغات قديًما وحديًث ا في أصل الوضع مذاهب ستى‪ ،‬فقال بعضهم بالوحي واإللهام‬
‫*‪.‬اللغة من وحي هللا وإلهامه*‬

‫قالوا‪ :‬إن اللغة تعليم من هللا علمه آدم‪ /‬وفسروا اآلية‪" :‬وعلم آدم األسماء كلها" بأنها هذه األسماء التي يتعارفها الناس‪ .‬رووا ذلك‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬وزادوا فقالوا‪ :‬إن األسماء التي تعلمها آدم هي أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات‪ ،‬فكان آدم وولده يتكلمون‬
‫بها إلى أن تفرق ولده في الدنيا‪ .‬وعلق كل فريق بلغة من تلك اللغات‪ ،‬فغلبت عليه واضمحل عنه ما سواها لبعد عهده بها‪ .‬وأراد‬
‫باألسماء هنا اللغة كلها‪ :‬أسماءها وأفعالها وحروفها على التغليب‪ ،‬ألن األسماء ركن في الكالم ال يمكن خلو جملة من جمله‬
‫عنها‪ ،‬فصح‪ ،‬والحال هذه‪ ،‬إطالقها عليها بخالف الفعل إذ يجوز خلو الجمل عنه‪.‬وعلى هذا المذهب تكون اللغة محصورة في ما‬
‫علمه هللا آدم من اللغات‪ ،‬فال تغيير وال تبديل فيها‪ ،‬بل هي على ما تكلم به أبو البشر بال تحريف آخر الدهر‪ .‬وهذا معنى قولهم‪:‬‬
‫إن اللغات توقيفية ال تتعدى اورد‪.‬والظاهر أن ناموس التغير والتبدل لم يخطر ألصحاب هذا المذهب ببال‪ .‬فحسبوا أن اللغة باقية‬
‫‪.‬على وضعها األول الذي تعلمه آدم في كل لغة من اللغات‪ ،‬وانتقلت متوزعة بين أبنائه كما كان ألقاها هو‬

‫*مذهب ابن فارس*‬

‫وقال أبو الحسين أحمد بن فارس‪ ،‬في كتابه "فقه اللغة" المعروف بالصاحبي‪" :‬والدليل على صحة ما نذهب إليه من التوقيف‪،‬‬
‫إجماع العلماء على االحتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فيه أو يتفقون عليه‪ ،‬ثم احتجاجهم بأسعارهم‪ .‬ولو كانت اللغة مواضعة‬
‫واصطالًح ا‪ ،‬لم يكن أولئك باالحتجاج بأولى منا لو اصطلحنا على لغة‪ ،‬اليوم‪ ،‬وال فرق‪ .‬ولعل ظاًنا يظن أن اللغة التي دللنا على‬
‫أنها توقيفية إنما جاءت جملة واحدة‪ ،‬وفي زمن واحد‪ ،‬وليس األمر كذلك‪ ،‬بل وقف هللا آدم‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬على ما شاء أن يعلمه‬
‫إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه وانتشر من ذلك ما شاء هللا‪،‬ثم علم بعد آدم من عرب األنبياء‪ ،‬صلوات هللا عليهم‪ ،‬نبًيا نبًيا‪ ،‬ما‬
‫شاء أني علمه حتى انتهى األمر إلى نبينا محمد‪ ،‬صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬فآتاه هللا عز وجل من ذلك ما لم يؤته أحًدا قبله‪ ،‬تماًم ا‬
‫على ما أحسنه من اللغة المتقدمة‪ .‬ثم قر األمر قراره فلم نعلم لغة بعده حدثت‪ .‬أهـ"‪.‬ثم قال‪" :‬وقد كان في الصحابة‪ ،‬رضوان هللا‬
‫عليهم‪ ،‬وهم البلغاء الفصحاء‪ ،‬من النظر في العلوم الشريفة ما ال خفاء به‪ ،‬وما علمناهم اصطلحوا على اختراع لغة أو إحداث‬
‫لفظة لم تتقدمهم‪ .‬ومعلوم أن حوادث العالم ال تنقضي إال بانقضائه‪ ،‬وال تزول إال بزواله‪ ،‬وفي ذلك دليل على صحة ما ذهبنا إليه‬
‫‪".‬من هذا الباب‪ .‬أهـ‬

‫‪:‬الرد على هذا المذهب‬

‫يظهر أن أبا الحسين بن فارس يخص بحثه باللغة العربية فيقول‪ :‬إنها جاءت بالوحي واإللهام إلى األنبياء من أبناء العرب‪ ،‬من‬
‫آدم إلى خاتم األنبياء‪ ،‬صلعم‪ ،‬وإنها كانت تأتي على قدر الحاجة من طريقهم فقط‪ .‬ولكنها تثبت كما أتت زكما نصوا عليه‪ .‬ويقول‬
‫‪.‬بنفي المواضعة واالصطالح‪ ،‬ثم أورد دلليه على ذلك‬

‫أما حصر بحثه في اللغة العربية فألنها مدار البحث في كتابه‪ .‬وأما الوحي واإللهام‪ ،‬وأنه كان يأتي على قدر الحاجة فال نعرف‬
‫له دلياًل مما جاء به على صحته‪ .‬ولم نجد في تعاليم نبي من األنبياء مما وصل إلينا منها ما يدل على شيء من ذلك‪ ،‬فهي إًذ ا‬
‫‪.‬دعوى بال دليل‬

‫والدعاوى‪ ،‬ما لم تقيموا عليها ‪ ...‬بينات‪ ،‬أبناؤها أدعياء‬

‫وأما نفيه المواضعة واالصطالح فله رأيه‪ ،‬وكثير غيره نفوه‪ ،‬ولكن ما أورده من الدليل ال ينهض بالمراد‪ ،‬وليس فيه قوة وال‬
‫‪.‬شبه قوة تؤيد إنكاره هذا لها‬

‫وما كان إجماع العلماء على االحتجاج بلغة القوم ليمنع من كونها مواضعة واصطالًح ا‪ ،‬بل يصح لنا االحتجاج بكالمهم على هذا‬
‫التقدير كما نحتج في أصل أو قاعدة من أصول العلم وقواعده بكالم األئمة في ذلك العلم‪ .‬فكذا يصح لنا االحتجاج هناك مع كونه‬
‫اصطالًح ا عليه‪ ،‬يصح لنا االحتجاج هنا مع كونها كذلك ال فرق‪ .‬وكما ال يصح لنا أن نجعل موضوعات وأصواًل جديدة في‬
‫أصول العلم المصطلح عليها لشال تقع الفوضى في الوضع‪ ،‬كذلك ال يصح لنا وضع أسماء لما وضعوا له‪ ،‬ليكون لنا مثل حالهم‬
‫‪.‬من حق االحتجاج بكالمهم‬
‫ثم إننا اصطلحنا على لغة اليوم‪ ،‬كما قال ابن فارس‪ ،‬فهل يكون اصطالحنا هذا هو من تلك اللغة؟ ‪ -‬والمفروض أنه مغاير‬
‫الصطالحهم ‪ -‬أو هو إحداث لغة جديدة؟‬

‫ال حاجة إلى القول‪ ،‬بأن ما نصطلح عليه هو غير تلك اللغة المصطلح عليها قبلنا‪ ،‬والتي نريد االحتجاج لها كما هو المفروض؛‬
‫ألن اصطالحنا الجديد إن لم يكن غير المصطلح القديم‪ ،‬كان نفسه أو مماثاًل له‪ ،‬فيكون اصطالحنا على هذا تحصياًل للحاصل‬
‫وال فائدة منه‪ .‬فكيف ال يكونون أولى منا؟ وأين مكان األولوية لوضعنا الجديد؟ ولو صح لكل متكلم أن يقول‪ :‬أنا اصطلحت وأنا‬
‫وضعت‪ ،‬لكانت الفوضى بعينها‪ ،‬وهل الفوضى غير ذلك؟‬

‫أما إحداث األلفاظ الجديدة‪ ،‬فإن كان لمعان جديدة طارئة على اللغة لم تكن قبل‪ ،‬فهو صحيح ال غبار عليه‪ ،‬وال يجوز أن يكون‬
‫مثله محظوًر ا‪ .‬والمعاني تتجدد على مرور الزمن بتجدد حوادث العالم‪ ،‬وابن فارس نفسه يقول‪" :‬إن حوادث العالم ال تنقضي إال‬
‫‪.".‬بانقضائه وال تزول إال بزواله‬

‫وإن كان إحداثها لمعان ليست طارئة بل لها مسميات في اللغة وأسماء‪ ،‬فإن كان لزيادة في المعنى أو نقصان‪ ،‬أو لنكتة سائغة أو‬
‫لمقتضيات أخر فال بأس‪ ،‬وال يعارض ذلك الوضع القديم؛ وإن كان ليس لشيء من ذلك بل لشهوة الوضع وحب التفنن فيه‬
‫‪.‬وإظهار الحذق‪ ،‬فهو لزوم ما ال يلزم‪ ،‬وهو غير مرغوب فيه بل هو مما يرغب عنه‬

‫*‪:‬اللغة مواضعة واصطالح*‬

‫قال ابن جني في الخصائص‪" :‬إن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطالح ال وحي وتوقيف‪ .‬وذلك بأن‬
‫يجتمع حكيمان أو ثالثة فصاعًدا يحتاجون إلى اإلبانة عن األشياء والمعلومات فيضعون لكل سمة لفًظا إذا ذكر عرف به‬
‫‪.".‬مسماه‪ .".‬ثم قال‪" :‬والبد ألولها من أن يكون تواضًعا بالمشاهدة واإليماء‬

‫الظاهر أن هذا القول كسابقه ال يعترف بتطور اللغة‪ ،‬والظاهر أيًض ا‪ ،‬أن القائلين به يريدون أصل كل اللغات بدليل قول ابن‬
‫جني‪" :‬والبد ألولها من أن يكون تواضًع ا بالمشاهدة واإليماء" وإن الحكماء يجمعونه ليضعوا بطريق المشاهدة واإليماء أسماء‬
‫لمسميات‪ .‬فهؤالء الحكماء‪ ،‬إما أن يكونوا ليسوا بذوي لغة أصاًل كما هو الظاهر‪ ،‬فال أعلم‪ ،‬بل ال أتصور كيف يفي اإلماء‬
‫بحاجاتهم في مثل اجتماعهم هذا‪ ،‬المنعقد لوضع ألفاظ ثابتة على الدهر‪ ،‬للغة ال تتغير‪ ،‬وال تتبدل‪ ،‬وال تتحرف‪ ،‬وهم ليسوا‬
‫بأصحاب لغة؛ وال كيف كانوا حكماء واضعين وليس لهم لغة تصل بهم إلى الحكمة ليكونوا فيها بهذه المرتبة التي ال يبلغها أحد‬
‫بغير التعلم‪ .‬والعلم ينحصر بالفهم الذي ال يكاد يتم على الوجه األوفى أو الوافي على األقل بغير مطارحة الكالم المتوقفة على‬
‫معرفة اللغة‪ .‬وإما أن يكون هؤالء الحكماء أولي لغة سابقة واجتمعوا إلحداث لغة جديدة‪ ،‬فال إخال أن الباحثين عن اصل‬

‫اللغات يريدونه‪ .‬ثم ال أعلم ما الفائدة لقوم أولي صالحة للتفاهم‪ ،‬يجتمعون إلحداث لغة جديدة على لغتهم‪ ،‬إال إذا كانوا يريدون‬
‫تهذيب اللغة والتوسع فيها بوضع ألفاظ لمعان طارئة بحوادث الزمن كما تفعل المجامع اللغوية اليوم‪ .‬فهم إًذ ا على هذا ليسوا‬
‫‪.‬بواضعين‪ ،‬وإنما هم مهذبون‪ ،‬وهو غير مراد في هذا البحث‬

‫*‪:‬اللغة أصوات طبيعية عامة*‬

‫قال ابن جني‪" :‬وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو األصوات المسموعة كحنين الريح‪ ،‬ودوي الرعد‪ ،‬وخرير‬
‫الماء‪ ،‬وشحيح الحمار‪ ،‬ونغيق الغراب‪ ،‬وصهيل الفرس‪ ،‬ونزيب الظبي‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬ثم ولدت اللغات من ذلك فيما بعد"‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪".".‬وهذا عندي وجه صالح ومذهب مقتبل‬

‫أو ليس بغريب أن نسمع من مثل ابن جني هذا القول‪ ،‬المبني على إعماال الفكر المجرد دون تقيد بتقاليد سابقة‪ ،‬فكان في ذلك‬
‫على غير سنن الكثير من علماء عصره؟ وإنه لم يرض أن يكون القول باإللهام والوحي قواًل برأسه‪ ،‬بل صرفه بالتأويل المقبول‬
‫إلى غير ما حملوه عليه فقال‪" :‬إن أبا علي قال لي يوًم ا‪ :‬هي من عند هللا‪ ،‬واحتج بقوله تعالى‪" :‬وعلم آدم األسماء كلها‪ ".‬وهذا ال‬
‫يتناول موضع الخالف ألنه قد يجوز أن يكون تأويله‪ :‬أقدر آدم على أن واضع عليها‪ ،‬وهذا المعنى من عند هللا ال محالة‪ ،‬فإذا‬
‫"‪.‬كان ذلك غير مستنكر سقط االستدالل‬

‫وهذا لمذهب قال به جماعة من المتأخرين مثل "آدم سميث" و"دوكلد ستيورت" ونقل عنهم‪ :‬أن اإلنسان كان يعبر عما في‬
‫ضميره باإلشارات والحركات حتى تكاثرت‪ ،‬فجعل يحكي األصوات التي يسمعها‪ ،‬فكان إذا أراد أن يشير إلى الغراب قال‪:‬‬
‫غاق‪ ،‬ولما وجد حكاية األصوات هذه تفي بالمقصود اعتمد عليها فحصلت منها أصوات اللغة؛ ثم طرأ عليها التركيب والنحت‬
‫‪.‬والحذف والتغيير وما شاكل‪ ،‬فتألفت سائر ألفاظ عن كل خاطر يخطر في النفس (‪)1‬‬

‫‪:‬مذهب ابن جني‬

‫لكن ابن جني لم يمض في الجزم بترجيحه هذا الرأي على غيره‪ ،‬بل تردد فقال‪" :‬واعلم أنني‪ ،‬على تقادم الوقت‪ ،‬دائم التنقير‬
‫والبحث عن هذا الموضوع‪ ،‬فأجد الدواعي والخوالج قائمة التجاذب لي‪ ،‬مختلفة جهات التغول على فكري‪ ،‬وذلك ألنني تأملت‬
‫حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة‪ ،‬فوجدت فيها من الحكمة والدقة واإلرهاب والرقة ما ملك على جانب الفكر‪ ،‬فعرضت‬
‫صحة ما وفقوا لتقديمه منه ولطف ما أسعدوا‪ ،‬وانضاف إلى ذلك وارد األخبار المأثورة بأنها من عند هللا‪ ،‬فقوي في نفسي اعتقاد‬
‫كونها توفيًق ا من هللا سبحانه وأنها وحي‪ .‬ثم أقول في ضد هذا أنه كما وقع ألصحابها ولنا‪ ،‬وتنبهوا وتنبهنا على تأمل الحكمة‬
‫الرائعة الباهرة‪ ،‬كذلك‪ ،‬ال ننكر أن يكون هللا قد خلق قبلنا‪ ،‬وإن بعد مداه عنا‪ ،‬من كان ألطف منا أذهاًنا وأسرع خواطر وأجرأ‬
‫جناًنا ‪ ....‬فأقف بين الخلتين حسيًرا وأكاثرهما فانكفئ مكثوًر ا‪ .‬وإن خطر خاطر بعد يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها عن‬
‫"‪.‬صاحبتها قلنا به‬

‫‪:‬خير ما يقال في أصل اللغة‬

‫وهو الذي يمكن أن يستقر عليه الرأي من تلك األقوال ومن القياس على األشباه والنظائر‪ .‬إن اللغة نشأت متدرجة من إيماء‬
‫وإشارات إلى مقاطع صوتية على أبسط ما تكون‪ ،‬وفيها تقليد وحكايات لألصوات الطارئة على سمع اإلنسان‪ ،‬طبيعية كانت أو‬
‫غير طبيعية‪ ،‬مختلفة باختالف المناسبات الطبيعية أو المرتجلة من القوة والضعف‪ ،‬والقرب والبعد‪ .‬وكان للبيئة والزمان‬
‫واألحوال لعارضة تأثيرها الفعال‪ ،‬فكان التشتت والتشعب‪ .‬وازداد بطول المدة‪ ،‬وبعد االتصال بين الفروع واألصول‪ ،‬حتى‬
‫‪.‬ضعفت دالئل االتصال وازدادت ضعًف ا على تطاول العهد‬

‫‪:‬ونستدل على ذلك‬

‫أواًل ‪ :‬إننا نجد الطفل قبل أن يفهم اللغة يحاول إطالق األسماء للداللة على مسمياتها وال علم له بما وضع لها من األسماء‪،‬‬
‫فيسميها بالمقاطع المشابهة ألصواتها كما يطلق على البقر اسم "النع" وعلى الجمل اسم "الهب" وعلى الكلب اسم "العو" أو‬
‫"التوتو" "من الصوت الذي يدعى به ‪-‬تي تي‪ "-‬وعلى المعزى "المآء" ‪" -‬بالمد" ‪ -‬وعلى ما يخفيه من غول ونحوه "الهم" وما‬
‫‪.‬هي إال أشباه أصوات هذه المسميات‬

‫فلم ال نقول في اإلنسان أول عهده بالكالم مثل هذا أو ما يقرب منه؟‬

‫ثانًيا‪ :‬إذا أغلق على المستدل باب الدليل الحسي في أمر يريد االستدالل به‪ ،‬صح له المصير إلى التمثيل والقياس باالشتباه‬
‫والنظائر‪ .‬وهذا الرأي يجري فيه قياس التمثيل بتطور الكتابة التي هي اقرب شيء إلى التكلم من حيث الغاية‪ .‬وقد دلت اآلثار‬
‫‪:‬لداللة يحس بها على تطورها فتقول‬

‫أثبت الباحثون ودلت اآلثار على أن الكتابة بدأت بتصوير الوقائع ثم اتسعت الحال وكثرت الحاجة إلى الكتابة‪ ،‬فأصبح تصوير‬
‫الوقائع أمراض عسيًر ا ال يفي بالحاجة‪ ،‬فصنفت المقاطع الصوتية وكانت حروًف ا تتدرج مخارجها من أقصى الحلق غلى‬
‫الشفتين‪ ،‬وجعل لكل حرف صورة‪ ،‬فبعد أن كانت تصور صورة الجمل للداللة على معناهـ‪ ،‬أصبحت الصورة رمًز ا لمقطع‬
‫الجيم الذي هو أول حروفه‪ ،‬ثم اتسعت الحاجة فاختصرت رسوم الكتابة‪ ،‬وأبحتن صورة رأس الجمل للداللة على مقطع الجيم‪،‬‬
‫ثم تقدمت الكتابة واتسعت صورها‪ ،‬واختلف باختالف الزمان والمكان وتصاريف األحوال‪ ،‬فتغيرت عن وضعها‪ ،‬وتباينت‬
‫صورها باختالف الشعوب وتفرقها واختالف عاداتها‪ .‬فكما أثبت الباحثون في الكتابة‪ ،‬نقول في اللغة أيًض ا‪ :‬إنها بدأت طبيعية‬
‫بحكاية األصوات‪ ،‬للداللة على ما تصدر منه مما له صوت مثل‪ :‬قط للقطع‪ ،‬وهف لهبوب الريح‪ ،‬والصهيل والنهيق‬
‫واألطيط ‪ ..‬أو بحكاية ما يناسبها‪ ،‬مما ليس بله صوت ‪ ...‬أو بإحداث مقاطع صوتية مرتجلة‪ ،‬من غير تعمل‪ ،‬ـ قالها بعض‬
‫‪.‬فتبعه آخرون سمعوه‪ ،‬فشاعت فاستقرت‬

‫ثم إنه كان لإلنسان أصوات تدل على حاالت النفس‪ :‬فللجوع والعطش وللنجدة وللحرب وللسرور وللحزن ولغيرها مقاطع أو‬
‫‪.‬أصوات شبه المقاطع تدل عليها‪ ،‬فأشبه هذا تصوير الوقائع في الكتابة أي انه كان على البساطة الفطرية‬

‫ثم اتسعت الحال باتساع الحاجة‪ ،‬فاحتاج اإلنسان‪ ،‬مع اتساع تمدنه‪ ،‬إلى زيادة في التفاهم مع إخوانه ومعاشريه‪ .‬ولكن هذه‬
‫المقاطع التي صيغت له على البساطة الفطرية ال تقوم بالحاجة وال تفي بالغرض‪ ،‬فعمد إلى التوسع؛ فربما تركب المعنى‬
‫أمامه‪ ،‬فركب المقاطع الدالة على جزأيه تركيًبا مزجًيا‪ ،‬ثم شذ بها بالنحت‪ ،‬فخرجت كلمة جديدة‪ ،‬كما قالوا في "أجنك فعلت"‬
‫أي من أجل أنك فعلت‪ .‬وقالوا‪" :‬برقل برقلة‪ ،‬بمعنى‪ :‬كذب‪ - ".‬قال الخليل‪ :‬إنه من قولهم‪ :‬برق ال مطر معه ‪-‬وقالوا‪" :‬حبرم‪:‬‬
‫أي اتخذ حب الرمان‪ ".‬وكما في‪ :‬بسمل‪ ،‬وحوقل‪ ،‬وجعفل‪ ،‬وطلبق‪ ،‬وكثير أمثال ذلك؛ فأشبه هذا االنتقال في الكتابة من داللة‬
‫‪.‬الصور على الوقائع إلى جعلها رمًز ا لمقطع حرفي‬

‫وربما عر ض لإلنسان معنى يقرب من بعض المعاني التي لها مقاطع صوتية‪ ،‬فدل عليها بما يقرب من ذلك المقطع مع شيء‬
‫من تحريف أو تبديل كما في‪" :‬درأ وطلع" أو تقديم وتأخير كما في‪" :‬جذب وجبذ"؛ وربما أطلق الكلمة على غير معناها‬
‫لمناسبة أو شبه مناسبة أو ألدنى مالبسة‪ ،‬ثم يشيع هذا اإلطالق فيصبح وضًع ا مستقاًل ‪ .‬وحيث أنهم لم يشترطوا في أصل‬
‫الوضع قوة المناسبة‪ ،‬وقرب المعنى من اللفظ‪ ،‬اتسع نطاق إطالق األلفاظ على المعاني بادئ بدء‪ ،‬فاتسعت اللغة واختلف‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬وطال المدى‪ ،‬وتعددتا الشعوب‪ ،‬فاختلفت جهات االستعمال‪ :‬فكانت اللغات القريبة التناسب والبعيدة فيه‪ ،‬كما‬
‫]‪.‬كان ذلك في الكتابة وتنوعها‬

‫قال االمام الزبيدى في تاج العروس‬

‫نقل الُّسُيوِط ّي ِفي المزهر َعن أبي اْلَفْتح بن ُبرهان ِفي كتاب اْلُو ُصول ِإَلى اُألصول‪ :‬اْخ تلف العلماُء ِفي الُّلَغة َهل تثبت توقيفًا َأو‬
‫اْص ِط اَل حا‪َ ،‬فَذ َهبت المعتِز لة ِإَلى َأن الُّلَغات بَأسرها تثبت اْص ِط اَل حا‪َ ،‬و َذ َهبت َطاِئَفة ِإَلى َأَّنَها تثبت توقيفًا‪َ ،‬و زعم اُألستاذ َأُبو‬
‫ِإْس َح اق اإلسفرايني َأن الَقْد ر اَّلِذ ي َيْد ُعو ِبِه اإلنساُن غيَر ه ِإَلى الَّتَو اُضع يثبت توقيفًا‪َ ،‬و َم ا عدا َذ ِلك يجوز َأن يثبت ِبُك ل َو اِح د من‬
‫الَّطِريَقْيِن ‪َ ،‬و َقاَل الَقاِض ي َأُبو بكر‪ :‬اَل يجوز َأن يثبت توقيفًا‪َ ،‬و يجوز َأن يثبت اْص ِط اَل حا َو يجوز َأن يثبت بعضه توقيفًا َو َبعضه‬
‫‪.‬اْص ِط اَل حا‪ ،‬والكّل ممِكٌن‬

‫َو نقل َأْيضا َعن ِإَم ام اْلَح َر َم ْيِن أبي اْلَم َع اِلي ِفي اْلُبْر َهان‪ ،‬اْخ تلف َأرباُب اُألصول ِفي مْأخذ الُّلَغات‪َ ،‬فذهب ذاهبون ِإَلى َأَّنَها توقيٌف‬
‫‪.‬من هللا َتَع اَلى‪َ ،‬و َص اَر صائرون ِإَلى َأَّنَها تثبت اْص ِط اَل حا وتواطؤًا‬

‫َو نقل َعن الَّز ركشي ِفي اْلَبْح ر اْلُمِح يط‪ :‬حكى اُألستاذ َأُبو َم ْنُصور قوال َأن الَّتْو ِقيف َو قع ِفي ااِل ْبِتَداء على ُلَغة َو اِح َدة‪َ ،‬و َم ا ِس واها‬
‫من الُّلَغات َو قع َع َلْيَها الَّتْو ِقيف بعد الُّطوفان‪ ،‬من هللا َتَع اَلى‪ِ ،‬في َأْو اَل د نوح‪ِ ،‬ح ين تفَّرقوا ِفي اَألقطار‪َ .‬قاَل ‪َ :‬و قد ُر ِو ي َعن اْبن‬
‫عباٍس َرِض ي هللا َع ْنُهَم ا َأن أّول من تكلم ِباْلَعَر ِبَّيِة اْلَم ْح َض ة ِإْس َم اِع يل‪َ ،‬و َأَر اَد ِبِه عربَّية ُقريش اَّلِتي نزل بَها اْلُقْر آن‪َ ،‬و أما عربّية‬
‫‪.‬قحطاَن وِح مير َفَك اَنت قبل ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّساَل م‬

‫‪َ.‬و َقاَل ِفي شرح اَأْلْس َم اء‪َ :‬قاَل اْلُج ْم ُهور اَأْلْع َظم من الَّص َح اَبة َو الَّتاِبِع يَن من المفِّسرين ِإَّنَها كّلها َتْو ِقيف من هللا َتَع اَلى‬
‫َو َقاَل أهُل الَّتْح ِقيق من َأصحابنا‪ :‬اَل ُبد من الَّتْو ِقيف ِفي أصل الُّلَغة اْلَو اِح َدة‪ ،‬اِل ْس ِتَح اَلة ُو ُقوع ااِل ْص ِط اَل ح على أّول الُّلَغات‪ ،‬من غير‬
‫معرفٍة من المصطلحين ِبَع ْين َم ا اْص َطلُحوا َع َلْيِه‪َ ،‬و ِإذا حصل الَّتْو ِقيف على لغٍة َو اِح َدة‪َ ،‬ج اَز َأن يكون َم ا بْعدَها من الُّلَغات‬
‫‪.‬اْص ِط اَل حا‪َ ،‬و َأن يكون توقيفًا‪َ ،‬و اَل ُيْقَطع ِبَأَحِدِهَم ا ِإاَّل ِبداَل َلة‬

‫ثَّم َقاَل ‪َ :‬و اْخ تلُفوا ِفي ُلَغة اْلَعَر ب‪َ ،‬فمن زعم َأن اللغاِت كَّلها اصطالٌح َفَك َذ ا قوُله ِفي لغِة اْلَعَر ب‪َ ،‬و من َقاَل بالتوقيف على اللغِة‬
‫اُألخرى َو َأَج اَز ااِل ْص ِط اَل ح ِفيَم ا سواَها من اللغاِت‪ ،‬اْخ تلُفوا ِفي ُلَغة اْلَعَر ب‪َ ،‬فمنهْم من َقاَل ‪ِ :‬ه َي أول الُّلَغات‪ ،‬وكُّل ُلَغة سواَها‬
‫َح دَثْت ِفيَم ا بعد ِإَّم ا توقيفًا َأو اْص ِط اَل حا‪َ ،‬و اْسَتَد ُّلوا ِبَأن اْلُقْر آن َكاَل م هللا َتَع اَلى‪َ ،‬و ُهَو عربٌّي ‪َ ،‬و ُهَو َد ِليل على َأن ُلَغة اْلَعَر ب أسبُق‬
‫اللغاِت وجودا‪َ ،‬وِم ْنُهم من َقاَل ‪ُ :‬لَغة اْلَعَر ب َنْو َعاِن ‪َ :‬أحدهَم ا َعربَّية ِحْم ير‪َ ،‬و ِه ي اَّلِتي تكّلموا بَها من عهد ُهود وَم ن َقبَله‪َ ،‬وَبِقي‬
‫بعُضها ِإَلى وقتنا‪َ ،‬و الَّثانَِية اْلَعَر بَّية اْلَم ْح َض ة‪ ،‬اَّلِتي بَها نزل اْلُقْر آن‪ ،‬وأّول من َأطلق ِلسانه بَها ِإْس َم اِع يل‪ ،‬فعلى َهَذ ا القوِل يكون‬
‫َتْو ِقيف ِإْس َم اِع يل على اْلَعَر بَّية اْلَم ْح َض ة يْح َتمل َأمرْين‪ِ :‬إَّم ا َأن يكون اْص ِط اَل حا َبينه َو َبين ُجْر ُهٍم النازلين َع َلْيِه بمَّك ة‪َ ،‬و ِإَّم ا َأن يكون‬
‫‪.‬توقيفًا من هللا َتَع اَلى‪َ ،‬و ُهَو الَّص َو اب‬

‫َقاَل الُّسُيوِطّي ‪ :‬وَأخرج ابُن َع َس اِك ر ِفي الَّتاِر يخ‪َ ،‬عن اْبن َعَّباس‪َ ،‬أن آدم َع َلْيِه الَّساَل م َك اَن لغته ِفي اْلجَّنة العربَّية‪َ ،‬فَلَّم ا َعصى َس لَبه‬
‫‪ُ.‬هللا العربيَة َفتكلم بالسْر يانية‪َ ،‬فَلَّم ا تاَب هلل‪ ،‬رد هللا َع َلْيِه اْلَعَر بَّية‬

‫َو أخرج عبُد اْلملك بن َح بيب‪َ :‬ك اَن الِّلَس ان األّول اَّلِذ ي نزل ِبِه آدم من اْلجَّنة عربًّيا ِإَلى َأن َبُعد العهُد وطاَل ُحِّر ف َو َص اَر سريانًّيا‪،‬‬
‫َو ُهَو َم ْنُسوب ِإَلى ُسورية‪َ ،‬وِه ي أرُض الجزيرة‪ ،‬بَها َك اَن نوٌح َع َلْيِه الَّس اَل م وقوُم ه قبل الَغ َر ق‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬و َك اَن ُيشاِك ل اللساَن العربَّي ‪،‬‬
‫ِإاَّل َأنه محَّرف‪َ ،‬و ُهَو َك اَن لساَن جميِع َم ن ِفي السفينِة ِإاَّل رجال َو اِح ًدا ُيَقال َلُه ُجرُهم‪َ ،‬فَك اَن ِلَس انه ِلَس ان العربّي األّول‪َ ،‬فَلَّم ا َخرُجوا‬
‫من الَّس ِفيَنة تزّوج إرُم بن َس اٍم بعَض َبَناته‪َ ،‬فمنهْم َص ار اللساُن العربُّي ِفي َو َلده ُعوص أبي َعاد‪ ،‬وَع ِبيل‪ ،‬وجاِثر أبي َجِد يس‬
‫َو َثُم ود‪ ،‬وسّم يت عاٌد باسم ُجْر ُهم‪َ ،‬أِلَّنُه َك اَن َج َّد هم من اُألّم ‪َ ،‬وَبِقي الِّلَس ان السريانُّي ِفي َو لد َأْر َفخشذ بن َس ام ِإَلى َأن وصل ِإَلى‬
‫‪َ.‬يشُجب بن قحطاَن ِم ن ُذ رَّيته‪َ ،‬و َك اَن ِباْليمن‪َ ،‬فنزل ُهَناَك َبنو ِإْس َم اِع يل فتعلم ِم ْنُهم َبنو قحطان الّلسان العربَّي‬

‫‪َ:‬و َقاَل اْبن دْح َية‪ :‬اْلَعَر ب َأقَس ام‬

‫األول عاِر بة وَع ْر باء‪ ،‬وهم الُخ ّلص‪ ،‬وهم ِتسُع قبائَل من ولد إَر م بن َس ام بن نوح‪َ ،‬وِه ي‪َ :‬عاد‪َ ،‬و َثُم ود‪ ،‬وَأِم يم‪ ،‬وَع ِبيل‪ ،‬وَطْسم‪،‬‬
‫‪.‬وَجِد يس‪ ،‬وِعْمِليق‪ ،‬وُجْر ُهم‪ ،‬وَو َبار‪َ ،‬وِم ْنُهم تعلم ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّساَل م اْلَعَر بَّية‬

‫‪َ.‬و الَّثاِني المتعربة‪ :‬وهم اَّلذين َلْيُسوا بخَّلص وهم َبنو قحطان‬

‫‪َ.‬و الَّثاِلث المستعربة‪ :‬وهم َبنو ِإْس َم اِع يل وهم ولد َم عّد بن عدنان‪ ،‬اْنتهى‬

‫َو َقاَل َأُبو بكر بن ُد َر ْيد ِفي الجمهرة‪ :‬اْلَعَر ب العاربة سبع قبائل‪َ :‬عاد‪ ،‬وَثمود‪ ،‬وِع مليق‪ ،‬وَطْسم‪ ،‬وَج ديس‪ ،‬وَأميم‪ ،‬وجاسم‪َ ،‬و قد‬
‫انقرض َأْكَثرهم ِإاَّل بقايا متفّرقين ِفي اْلَقَباِئل‪َ .‬قاَل ‪ :‬وسِّم ي َيعُرب بن قحطان َأِلَّنُه أول من انعدل ِلَس انه َعن الُّسريانَّية ِإَلى اْلَعَر بَّية‪،‬‬
‫‪َ.‬و َهَذ ا معنى َقول الجوهرّي ِفي الِّص َح اح‪ :‬أول من تكلم اْلَعَر بَّية َيعُرب بن قحطان‬

‫َو َقاَل اْلَح اِكم ِفي اْلُم ْس َتْد رك‪َ ،‬و َص ححُه‪َ ،‬و اْلَبْيَهِقّي ِفي ُش َع ب اِإْل يَم ان‪َ :‬عن ُبَر ْيَدة َرِض ي هللا َعنُه‪ِ ،‬في َقْو له َتَع اَلى {ِبِلَس ان َع َر ِبّي‬
‫‪ُ.‬م بين} َقاَل ‪ِ :‬بِلَس ان ُجرهم‬

‫َو َقاَل ُمَحَّم د بن َس الم‪َ :‬و َأْخ برِني ُيوُنس‪َ ،‬عن أبي َع ْم رو بن الَع الء‪َ ،‬قاَل ‪ :‬اْلَعَر ب كّلها ولد ِإْس َم اِع يل‪ِ ،‬إاَّل ِحْم ير وبقايا ُجْر هم‪َ ،‬و لَذ ِلك‬
‫‪.‬يْر وى َأن ِإْس َم اِع يل جاوَر ُهم وَأْص َهر ِإَلْيِه م‬

‫َو َقاَل اْلَح اِفظ عماد الّد ين بن كثير ِفي َتاِر يخه‪ :‬قيل ِإن َجِم يع اْلَعَر ب ينتسبون ِإَلى ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّساَل م‪َ ،‬و الَّص ِح يح اْلَم ْش ُهور َأن‬
‫اْلَعَر ب العاربة قبل ِإْس َم اِع يل وهم‪َ :‬عاد‪َ ،‬و َثُم ود‪ ،‬وطسم‪ ،‬وجديس‪ ،‬وَأميم‪ ،‬وجرهم‪ ،‬والعماليق‪ .‬وُأمم آَخ ُروَن َك اُنوا قبل اْلَخ ِليل َع َلْيِه‬
‫الَّس اَل م‪َ ،‬وِفي َز َم انه َأْيضا‪َ ،‬فَأما اْلَعَر ب المستعربة وهم عرب الِح جاز َفمن ُذ ِّرَّية ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّس اَل م‪َ ،‬و أما َعرب اْليمن‪ ،‬وهم‬
‫حمير‪َ ،‬فاْلَم ْش ُهور َأنهم من َقحطان‪ ،‬واْسمه ِم ْهَزم‪َ .‬قاَل ابُن ماُك وال‪َ ،‬و ذكروا َأنهم َك اُنوا َأْر َبَع ة إْخ َو ة‪َ ،‬و قيل‪ :‬من ُذ رَّيته‪َ ،‬و قيل‪ِ :‬إن‬
‫قحطاَن ابُن هوٍد ‪َ ،‬و قيل‪َ :‬أُخ وُه‪َ ،‬و قيل‪ :‬من ُذ ريته‪َ ،‬و قيل‪ِ :‬إن قحطان من ُساللة ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّس اَل م‪َ ،‬ح َك اُه اْبن ِإْس َح اق َو َغيره‪،‬‬
‫‪َ.‬و اْلُج ْم ُهور َأن اْلَعَر ب القحطانية من عرب اْليمن َو َغيرهم َلْيُسوا من ساللة ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّس اَل م‬

‫َو َقاَل الِّش يرازّي ِفي كتاب اَأللقاب‪ِ ،‬بَس َنِدِه ِإَلى ِم ْسمع بن عبد اْلملك‪َ ،‬عن ُمَحَّم د بن علّي بن الُحسين‪َ ،‬عن آَباِئِه‪َ ،‬عن الَّنِبي‬

‫‪َ ".‬قاَل ‪ " :‬أوُل من ُفِتَق لساُنه بالعربّية المبينة ِإْس َم اِع يل َع َلْيِه الَّساَل م‪َ ،‬و ُهَو اْبن َأربع عشَر ة سنة‬

‫َوِفي ُج ْز ء الغطريف ِبَس َنِدِه ِإَلى عمر بن اْلخطاب َأنه َقاَل ‪َ :‬يا َر ُسول هللا‪َ ،‬م الك َأفصحنا‪َ ،‬و لم تخرج من َبين َأظُهِرنا؟ َقاَل ‪َ " :‬ك اَنت‬
‫‪ُ.‬لَغة ِإْس َم اِع يل قد َد َر ست‪ ،‬فجاَء بَها ِج ْبِريل َع َلْيِه السالُم فحَّفَظِنيها فحفْظتها " أخرجه ابُن َع َس اِكر ِفي َتاِريخه‬

‫َو أخرج الَّد يلمي ِفي ُم سند الفرَدوس َعن أبي رافٍع َقاَل ‪َ :‬قاَل َر ُسول هللا‬

‫ُم ِّثَلت لي ُأمتي ِفي الَم اء والِّطين وُع ِّلمت األسماَء كَّلها َك َم ا ُع ِّلم آدُم اَألسماَء كَّلها "‬

‫قال التهاوني في كشف اصطالحات لفنون‬

‫الواضع إّما هللا تعالى أو الخلق أو هللا تعالى والخلق بالتوزيع‪ ،‬ثم أن يجزم بأصالة الثالثة أم ال؟ فهذه أربعة أقسام‪ ،‬قال بكّل‬
‫قسم منها قائل‪ .‬فقال األشعري ومتابعوه الواضع للغات هو هللا تعالى وعّلمها بالوحي أي بأن خاطب إّما بذاته أو بإرسال ملك‬
‫عبدا أو داعيا بكون األلفاظ موضوعة للمعاني‪ ،‬أو بخلق أصوات تدّل على الوضع‪ ،‬وذلك إّما بخلق األصوات والحروف أعني‬
‫جميع األلفاظ التي وضعها للمعاني وإسماعها لواحد أو لجماعة بحيث يحصل له أو لهم العلم بأّن ها بإزاء تلك المعاني‪ ،‬وإّما‬
‫بخلق أصوات وحروف تدّل على أّن تلك األلفاظ موضوعة‪ ،‬أو بخلق علم ضروري بأن يخلق العلم الضروري لواحد أو‬
‫لجماعة باللغات وأّن واضعها قد وضعها لتلك المعاني المخصوصة‪ .‬وقالت البهشمية أي أصحاب أبي هاشم وضعها البشر‬
‫واحدا أو جماعة بأن انبعث داعيته أو داعيتهم إلى وضع هذه األلفاظ بإزاء معانيها ثم حصل تعريف الباقين باإلشارة والتكرار‬
‫كما في األطفال يتعلمون اللغات بترديد األلفاظ مرة بعد أخرى مع قرينة اإلشارة وغيرها‪ ،‬كأن يقال هات الكتاب ولم يكن فيه‬
‫غيره فيعلم أّن اللفظ بإزائه‪ .‬وقال االستاذ أبو إسحاق الواضع هو هللا تعالى والخلق بالتوزيع ال من حيث أّن بعضا لهذا قطعا‬
‫وبعضا لذلك قطعا‪ ،‬بل من حيث إّن البعض هلل سبحانه جزما والبعض اآلخر يترّدد بينهما‪ ،‬وأما عكس مذهبه بأن يكون‬
‫االصطالحي مقّد ما على التوقيفي فهو وإن كان مندرجا تحت التوزيع لكنه على ما قيل من أّن ه لم يتحّقق ال هو وال صاحبه‪،‬‬
‫والقدر المحتاج إليه في التعريف يحصل بالتوقيف من قبل هللا وغيره محتمل لألمرين‪ .‬وقال القاضي أبو بكر الجميع ممكن‬
‫‪.‬عقال ولشيء من أدلة المذاهب ال يفيد القطع فوجب التوّقف وهذا هو الصحيح‬

‫ثم إّن ه إن كان المقصود هو الّظ ّن بأن كان النزاع في الظهور ال في القطع وهو الحّق إذ األلفاظ يكتفى فيها بالظواهر‪ ،‬فالحّق ما‬
‫صار إليه األشعري لقوله تعالى َو َع َّلَم آَد َم اَأْلْس ماَء ُكَّلها‬

‫‪:‬قال صادق حسان في البلغة الي اصول اللغة‬

‫األول‪ :‬إَّن الواضع هو هللا سبحانه وتعالى واليه ذهب األشعري (‪ )5‬وأتباعه وابن فورك (‪ )6‬قال ابن فارس‪ :‬دليل ذلك قوله‬
‫تعالى {وَع َّلَم آدم اَألْس ماء َك َّلها} (‪ ... )7‬انتهى‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬وهي هذه األسماء التي يتعارفها الناس؛ من داّبة‪ ،‬وأرض‪،‬‬
‫وسهل‪ ،‬وجبل‪ ،‬وجمل‪ ،‬وحمار‪ ،‬وأشباه ذلك من االمم وغيرها‪ ،‬وقال مجاهد‪ :‬عَّلمه اسم كِّل شيء‪ ،‬حتى الَقْص َع ة والُقَص ْي َع ة‪،‬‬
‫والَفْس َو ة والُفَس ْي َو ة‪ ،‬وعن سعيد بن جبير‪ :‬حتى البعير‪ ،‬والبقرة‪ ،‬والشاة‪ ،‬واسم اإلنسان‪ ،‬واسم الدابة‪ ،‬واسم كل شيء‪ ،‬وعن قتادة‪:‬‬
‫‪.‬علم آدم من أسماء َخ ْل قه‪ ،‬ما لم ُيَع َّلم المالئكة‪ ،‬فسَّمى كل شيء باْس مه‪ ،‬وألجأ ُك َّل شيء إلى جنسه‬
‫وعن عطاء‪{ :‬قال ياآدُم َأْن ِبئُهم بأسماِئِه م} (‪ ،)8‬فقال [آدم] (‪ :)9‬هذه ناقة‪ ،‬جمل‪ ،‬بقرة‪ ،‬نعجة‪ ،‬شاة‪ ،‬فرس‪ ،‬وهو من َخ ْلق ربي‪،‬‬
‫فكُّل شيء َسَّم ى آدم فهو اسمه الى يوم القيامة‪ ،‬وجعل يدعو كل شيء باسمه‪ ،‬وهو يمُّر بين يديه‪ ،‬فعِلمت المالئكة أنه أكرُم على‬
‫‪.‬هللا وأعلم منهم‬

‫‪.‬قال السيوطي‪ :‬وفي هذا فضيلة عظيمة وَم ْن َقَب ة شريفة ِلعْلِم اللغة (‪)10‬‬

‫وعن عطية بن بشر قال‪ :‬عَّلمه في تلك األسماء أْلَف ِحْر فٍة (‪ ،)/9‬وقال ابن زيد عَّلمه أسماء ُذ ِّر ِّيته أجمعين‪ ،‬وقال الربيع بن‬
‫أنس‪ :‬عَّلمه أسماء المالئكة‪ ،‬وقال حميد الشامي‪ :‬عَّلمه أسماء النجوم (‪ ،)1‬وقال القاضي ثناء هللا الفاني‪ :‬فتى عَّلمه أسماءه‬
‫‪.‬الحسنى فقط‬

‫قال ابن فارس‪ :‬والذي نذهب إليه ما قاله ابن عباس ‪ ...‬انتهى‪ ،‬فاألسماء كلها معلمة من عند هللا بالنص‪ ،‬وقال‪ :‬فلما َع َر َض هم‪،‬‬
‫ولم يقل َع رَضُهَّن أو عرَض ها ألنه غّلَب ما يعقل وهي سنة من سنن العرب‪ ،‬والدليل على صحته إْج ماُع العلماء على االحتجاج‬
‫بُلَغ ة القوم فيما يْخ تلفون فيه‪ ،‬أو َي َّت فقون عليه‪ ،‬ثم احِتجاُجهم بأشعارهم؛ ولو كانت اللغة ُم َو اَض عة واْص طالحًا‪ ،‬لم يكن أولئك في‬
‫االحتجاج بهم بَأْو َلى مَّن ا في االحتجاج بنا لو اْص َط لحنا على لغة الَي وْم وال َفْر ق‪ ،‬ولم يبلغنا أن قومًا من العرب في زمان ُيقارُب‬
‫زماننا‪ ،‬أْج معوا على َت ْس مَي ة شيٍء من األشياء ُمْص طِلحين عليه‪ ،‬فكّن ا نستدل بذلك على اصطالح قد كان َقْب َلهم‪ ،‬وقد كان في‬
‫الصحابة – وهم الُب َلغاء والُفَص حاء – من النظر في العلوم الشريفة ما ال خفاَء به‪ ،‬وما َع ِلمناهم اصطلحوا على إختراع لغة‬
‫واحدة أو إْح َد اث لفظة لم َتَت قَّدمْهم‪ ،‬ومعلوم أَّن حوادَث العالم ال َت ْن َقضي إّال باْن ِقضائه وال تزول إّال بزواله‪ ،‬وفي كل ذلك دليل‬
‫‪.‬على أّن أصل اللغة‪ .‬وحي وتوقيف ال تواضع واصطالح (‪)2‬‬

‫وأن هللا سبحانه َذ َّم قومًا على تسميتهم بعض األشياء من دون توقيف بقوله‪{ :‬إْن هي إّال أسماٌء َسَم ْي ُتُموها أنُت م وآباُؤ كم ما َأْن َز َل‬
‫هللا بها من ُس ْلطان} (‪ )3‬فلو َلْم تكن اللغة توقيفية لما صح هذا الذم‪ ،‬وأيضًا قال تعالى‪{ :‬وِمْن آياِتِه َخ ْلُق الّسماوات واألْر ض‬
‫واْخ ِتالُف ألِس َن ِتُك م وألواِنُك م} (‪ )4‬والمراد اختالف اللغات ال اختالف تأليفات األلسن‪ ،‬لعدم اختالفها؛ وألن بدائَع الُّص ْن ع في‬
‫‪.‬غيرها أكثر‪ ،‬فالمراد هي اللغات‪ ،‬دون األْلسنة الُّلْح مانية (‪)5‬‬

‫قال ابن جني‪ :‬إنني تأّملت حال هذه اللغة الشريفة‪ ،‬الكريمة اللطيفة‪ ،‬فوجدت فيها من الحكمة‪ ،‬والِّد َّقة‪ ،‬واإلرهاف (‪ ،)6‬والّرقة‪،‬‬
‫ما يملك علَّى جانب الفكر‪ ،‬حتى يكاد يطمُح به أمام َغ ْلَو ة الِّسْح ر‪ ،‬فعرفت بَتَت اُبعه وانقياده على (‪ُ )7‬بْع د َم راميه وآماده صّحة ما‬
‫ُو ِّفقوا لتقديمه منه‪ ،‬وُلْط ف ما أسِعدوا به‪ ،‬وُفِر ق لهم عنه‪ ،‬وانضاف الى ذلك وارد األخبار‬

‫‪.‬لمأثورة‪ ،‬بأنها من عند هللا‪َ ،‬فَقوَي في نفسي اعتقاْد كونها من هللا تعالى وأنها وحي ‪ ...‬انتهى‬

‫وقد قيل‪ :‬إنه تعالى عَّلم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات‪ :‬العربية (‪ )/10‬والفارسية‪ ،‬والسريانية‪ ،‬والعبرانية‪،‬‬
‫والرومية‪ ،‬وغير ذلك؛ فكان آدُم وولده يتكلمون بها ثم إّن ولده تفرقوا في الدنيا‪ ،‬وعلق كل واحد منهم بلغة من تلك اللغات‪،‬‬
‫َفَغ لبْت عليه واضمحَّل عنه ما سواها‪ ،‬لُبْع د عهدهم بها‪ ،‬وإذا كان الخبُر الصحيح قد ورد بها وجب َت َّلقيه باعتقاده‪ ،‬واإلنطواء‬
‫على القول به (‪ ،)1‬وإذا ثبت التوقيف في األسماء ثبت أيضًا في األفعال والحروف إذ ال قائل بالفرق‪ ،‬وأيضًا االسم إنما سمّي‬
‫اسمًا لكونه عالمة على مسماه‪ ،‬واألفعال والحروف كذلك [فهي أسماء] (‪ )2‬وتخصيص اإلسم ببعض أنواع الكالم اصطالح‬
‫‪.‬للنحاة وألن التكلم باألسماء وحدها متعذر (‪)3‬‬

‫القول الثاني‪ :‬إن الواضع هو البشر وإليه ذهب أبو هاشم (‪ )4‬ومن تابعه من المعتزلة وعلى ذلك ايضًا اختلفت أقالم ذوي‬
‫اللغات كما اختلفت ألسن األصوات المرتبة على مذاهبهم في المواضعات‪ ،‬والدليل على ذلك قوله سبحانه‪َ{ :‬و ما َأْر َس ْلنا ِمْن‬
‫َر سوِل إّال ِبِلساِن َقْو ِمِه} (‪ )5‬أي بلغتهم‪ ،‬وهذا يقتضي تقدم اللغة على بعثة الرسل فلو كانت اللغة توقيفية لم يتصور ذلك إّال‬
‫باإلرسال فيلزم الدور‪ ،‬وفيه إَّن ذلك إنما يوجب سبق اإلرسال على التوقيف‪ ،‬ال سبق اإلرسال على اللغات‪ ،‬حتى يلزم الدور‪،‬‬
‫وأيضًا إَّن آدم ُع َّلمها ال قوم رسول فال دور (‪ ،)6‬وقال بعضهم إَّن أصل اللغات كلها إنما هو من األصوات المسموعات كَد ِو ّي‬
‫الريح‪ ،‬وحنين الرعد‪ ،‬وخرير الماء‪ ،‬وشحيج (‪ )7‬الحمار‪ ،‬ونعيق الغراب‪ ،‬وصهيل الفرس‪ ،‬ونزيب الظبي ونحو ذلك‪ ،‬ثم‬
‫‪ُ.‬و ِّلدت اللغات عن ذلك فيما بعد‬

‫القول الثالث‪ :‬إَّن إبتداء اللغة وقع بالتعليم من هللا سبحانه والباقي باالصطالح‬

‫‪.‬القول الرابع‪ :‬إَّن إبتداء اللغة وقع باالصطالح والتتمة من هللا وبه قال األستاذ اإلسفرائيني (‪ ،)1‬و قيل إنه قال بالذي قبله‬

‫القول الخامس‪ :‬إن نفس األلفاظ دلّت على معانيها بذاتها‪ ،‬وهو مذهب عباد بن سليمان الصيمري‪ ،‬واحتَّج بأنه لوال الّداللة‬
‫‪.‬الذاتية لكان وضُع لفظ من بين األلفاظ بآزاء معنًى من بين المعاني ترجيحًا بال ُم َر ِّج ح‪ ،‬وهو محال‬

‫وجوابه‪ :‬إّن الواضع إن كان هو هللا فتخصيصه األلفاظ بالمعاني كتخصيص العالم باإليجاد في وقت من بين سائر األوقات‪،‬‬
‫وإن كان هو الناس فلعَّلة لتعّين الخطران بالبال؛ ودليُل فساده إن اللفظ (‪ ) ... /11‬لو دَّل بالذات َلفِه م كل واحد كَّل اللغات‪،‬‬
‫‪.‬لعدم إختالف الدالالت الذاتية والالزم باطل فالملزوم كذلك (‪)2‬‬

‫القول السادس‪ :‬انه يجوز كل واحد من هذه األقوال من غير جزم بأحدها‪ ،‬وبه قال الجمهور‪ ،‬كما حكى الرازي في المحصول‬
‫(‪ ،)3‬وتبعه تاج الدين األرموي في الحاصل (‪ ،)4‬وسراج الدين األرموي في التحصيل (‪ ،)5‬وإليه ذهب المحققون من أهل‬
‫األصول واللغات وعلم األلسن‪ ،‬واحتجوا بان هذه األدلة التي استدل بها القائلون ال يفيد شيء منها القطع بل لم ينهض شيء‬
‫منها لمطلق األدلة‪ ،‬فوجب عند ذلك الوقف ألن ما عداه هو من التقول على هللا بما لم يقل‪ ،‬وإنه باطل‪ ،‬قال الشوكاني‪ :‬وهذا هو‬
‫‪.‬الحق‬

‫قال السيوطي‪ :‬ودليل إمكان التوقف احتمال َخ ْل ق هللا تعالى األلفاظ َو َو ْض عها بأزاء المعاني‪ ،‬ودليل إمكان االصطالح أن يتوّلى‬
‫واحد أو جمٌع وضَع األلفاظ لمعان‪ ،‬ثم ُيْف هموها لغيرهم باإلشارة‪ ،‬كحال الوالدات مع أطفالهن‪ ،‬وهذان الدليالن هما دليال إمكان‬
‫‪.‬التوزيع ‪ ...‬انتهى‬

‫والجواب عن القول األول‪ :‬إن المراد من تعليم األسماء اإللهام إلى وضعها وأيضًا ال حّج ة فيه من جهة القطع؛ فإنه عموم؛‬
‫‪.‬والعموم ظاهر في االستغراق‪ ،‬وليس بنص وذمهم ألنهم سموا األصنام آلهة واعتقدوها كذلك (‪)1‬‬

‫‪.‬قال القاضي (‪ :)2‬وأما الجواز فثابت من جهة القطع وأما كيفية الوقوع فأنا متوقف‪ ،‬فإن دَّل دليل من الَّسْم ع على ذلك ثبت به‬

‫وقال الغزالي‪ :‬قوله {وَع َلَم آدم اَألْس ماء َك َّلها} (‪ )3‬ظاهر في كونه توقيفًا‪ ،‬وليس بقاطع‪ ،‬وُيْح َت مل كوُن ها مصطلحًا عليها من َخ ْلق‬
‫‪.‬هللا تعالى قبل آدم ‪ ...‬انتهى (‪)4‬‬

‫وقال ابن الحاجب‪ :‬الظاهر من هذه األقوال قول األشعري‪ ،‬قال التاج السبكي (‪ )5‬معناه‪ :‬القول بالوْق ف عن الَقْط ع بواحد من‬
‫هذه االحتماالت وترجيح مذهب األشعري بغلبة الظن ثم قال‪ :‬واالنصاف أن األدلة ظاهرة فيما قاله األشعري فالمتوقف إن‬
‫توقف لعدم القطع فهو مصيب‪ ،‬وان ادعى عدم الظهور فغير مصيب‪ ،‬هذا هو الحق الذي فاه به جماعة من المتأخرين‪ ،‬ومنهم‬
‫‪.‬ابن دقيق العيد (‪ )6‬في شرح العنوان‬

‫وقال في رفع الحاجب‪ :‬اعلم أَّن للمسألة مقامين أحدهما الجواز فمن قائل ال يجوز أن تكون اللغة إّال توقيفًا‪ ،‬ومن قائل ال يجوز‬
‫‪.‬أن تكون إّال اصطالحًا‪ ،‬والثاني إنه ما الذي وقع على تقدير جواز كل من األمرين (‪) ... /12( )7‬‬

‫والقول بتجويز كل من األمرين هو رأي المحققين‪ ،‬ولم أَر من َص رّح عن األشعري بخالفه والذي أراه إنه إنما تكَّلم في‬
‫الوقوع‪ ،‬وإنه يجّو ز صدور اللغة اصطالحًا‪ ،‬ولو منع الجواز لَنَق له عنه القاضي‪ ،‬وامام الحرمين‪ ،‬وابن الُقَش يري‪ ،‬واالشعري (‬
‫‪ )8‬في مسألة مبدأ‬

‫‪.‬اللغات البّت ة‪ ،‬وذكر امام الحرمين اإلختالف في الجواز‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن الوقوع لم َي ْث ُبْت وَت ِبعه الُقَش يري وغيره (‪)1‬‬
‫قال في رفع الحاجب‪ :‬عندي انه ال فائدة لهذه المسألة‪ ،‬وهو ما صَّح حه ابن األنباري (‪ )2‬وغيره‪ ،‬ولذلك قيل ذكرها في‬
‫األصول فضول‪ ،‬وقيل‪ :‬فائدتها النظر في جواز َقْل ب اللغة فُحكي عن بعض القائلين بالَّت وقيف منع الَقْلب مطلقًا فال يجوز تسمية‬
‫‪.‬الَّث ْو ب فرسًا والفرس ثوبًا‪ ،‬وعن القائلين باالصطالح تجويزه‬

‫وأما المتوِّقفون قال المازري (‪ :)3‬فاختُّلفوا‪ ،‬فذهب بعضهم الى التجويز كمذهب قائل االصطالح‪ ،‬وأشار الّصابوني الى الَم ْن ع‪،‬‬
‫وجوز كون التوقيف واردًا على انه ما وجب أن يقع النطق اال بهذه األلفاظ‪ ،‬قال ابن السبكي‪ :‬واليه يشير كالم المازري أنه ال‬
‫تعلق لهذا باألصل السابق فان التوقيف لو تَّم ليس فيه حجر علينا حتى ال ينطق بسواه‪ ،‬فإن فرض حجر فهو أمر خارجي‪،‬‬
‫‪.‬والفرع حكمه حكم األشياء قبل ورود الشرائع فأنا ال نعلم في الشرع ما يدل عليه ما ذكره الصابوني من اإلحتمال مدفوع‬

‫قال المازري‪ :‬وقد علم أن الفقهاء المحققين ال يحرمون الشيء بمجرد احتمال ورود الشرع بتحريمه‪ ،‬وانما يحِّر مونه عند‬
‫اْن تهاض دليل تحريمه‪ ،‬قال‪ :‬وإن اْس ُت ند في التحريم الى االحتياط فهو نظر في المسألة من جهة أخرى؛ وهذا كّله فيما يؤدي قلبه‬
‫الى فساد النظام‪ ،‬وتغييره الى اختالط األحكام؛ فإن أَّد ى الى ذلك قال المازري‪ :‬فال تختلف في تحريم قلبه‪ ،‬ال ألجل نفسه‪ ،‬بل‬
‫‪.‬ألجل ما ُي ؤِّد ى اليه (‪)4‬‬

‫وقال في شرح المنهاج‪ :‬إّن بناء المسألة على هذا األصل غير صحيح؛ فإن هذا األصل في أن هذه اللغات الواقعة بين أْظ ُهرنا‪،‬‬
‫هل هي باالصطالح أو التوقيف؟ ال في شخص خاٍص اصطلح مع صاحبه على اطالق لفظ الثوب على الفرس مثال‬

‫قال ابراهيم في ‪ ،‬دراسات لغوية في أمهات كتب اللغة‬

‫لم يحظ أي موضوع لغوي بالنظر فيه‪ ،‬والكتابة عنه‪ .‬واختالف المذاهب فيه مثل ما حظى به هذا الموضوع ومع هذا فلم يصل‬
‫الباحثون فيه إلى رأي سديد يقتنع به الباحث‪ ،‬وسنذكر أواًل رأي ابن فارس في هذا الموضوع يقول ابن فارس‪ :‬باب القول على‬
‫لغة العرب أتوقيف أم اصطالح؟‬

‫أقول إن لغة العرب توقيف ودليل ذلك قوله جل ثناؤه‪َ{ :‬و َع َّلَم َآَد َم اَأْلْس َم اَء ُكَّلَه ا} ‪ ،1‬فكان ابن عباس يقول‪ :‬علمه األسماء كلها‬
‫‪.‬وهي هذه التي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وحمار وأشباه ذلك من األمم وغيرها‬

‫وروى خصيف عن مجاهد قال‪ :‬علمه اسم كل شيء‪ .‬وقال غيرهما‪ :‬إنما علمه أسماء المالئكة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬علمه أسماء‬
‫ذريته أجمعين‪ .‬والذي نذهب إليه في ذلك ما ذكرناه عن ابن عباس‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬لو كان ذلك ما تذهب إليه لقال‪" :‬ثم‬
‫عرضهن أو عرضها" فلما قال‪" :‬عرضهم" علم أن ذلك ألعيان بني آدم أو المالئكة؛ ألن موضوع الكناية في كالم العرب يقال‬
‫لما يعقل "عرضهم" ولما ال يعقل "عرضها أو عرضهن" قيل له‪ :‬إنما مثال ذلك وهللا أعلم؛ ألنه جمع ما يعقل وما ال يعقل‬
‫فطلب ما يعقل‪ ،‬وهي سنة من سنن ‪-‬العرب‪ ،‬أعني "باب التغليب"‪ .‬وذلك كقوله جل ثناؤه‪َ{ :‬و ُهَّللا َخ َلَق ُك َّل َد اَّبٍة ِمْن َماٍء َفِم ْن ُهْم‬
‫َم ْن َي ْم ِش ي َع َلى َب ْط ِنِه َو ِم ْن ُهْم َم ْن َي ْم ِش ي َع َلى ِر ْج َلْي ِن َو ِم ْن ُهْم َم ْن َي ْم ِش ي َع َلى َأْر َب ٍع } ‪ 1‬فقال‪" :‬منهم" تغليًبا لمن يمشي على رجلين‬
‫‪.‬وهم بنو آدم‬

‫فإن قال‪ :‬أفتقولون في قولنا سيف وحسام وعضب إلى غير ذلك من قوله توقيف حتى ال يكون شيء منه مصطلًح ا عليه؟ قيل‬
‫له كذلك تقول‪ :‬وعلى صحة ما نذهب إليه إجماع العلماء على االحتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فيه أو يتفقون عليه‪ ،‬ثم‬
‫احتجاجهم بأشعارهم‪ ،‬ولو كانت اللغة مواضعة واصطالًح ا لم يكن أولئك في االحتجاج بهم أولى منافي االحتجاج لو اصطلحنا‬
‫‪:‬على لغة اليوم وال فرق يقول ابن فارس‬
‫ولعل ظانا يظن أن اللغة التي دللنا على أنها توقيف إنما جاءت جملة واحدة وفي زمان واحد‪ .‬وليس األمر كذا‪ ،‬بل وقف هللا ‪-‬‬
‫عز وجل‪ -‬آدم عليه السالم على ما شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه‪ ،‬وانتشر من ذلك ما شاء هللا‪ ،‬ثم علم من‬
‫بعد آدم عليه السالم من عرب األنبياء صلوات هللا عليهم نبًّي ا نبًّي ا ما شاء أن يعلمه‪ ،‬حتى انتهى األمر إلى نبينا محمد ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬فآتاه هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬من ذلك ما لم يؤته أحًد ا قبله‪،‬تماًما على ما أحسنه من اللغة المتقدمة ثم قر األمر قراره فال‬
‫‪.‬نعلم لغة من بعده حدثت‬

‫فإن تعمل اليوم لذلك متعمل وجد من نفاذ العلم من ينفيه ويرده‪ .‬ولقد بلغنا عن "أبي األسود" أن امرأ كلمه ببعض ما أنكره أبو‬
‫األسود فسأله أبو األسود عنه فقال‪" :‬هذه لغة لم تبلغك" فقال له‪ :‬يا ابن أخي ال خير لك فيما لم يبلغني "فعرفه بلطف أن الذي‬
‫تكلم به مختلف‪ .‬وخلة أخرى أنه يبلغنا أن قوًم ا من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على تسمية شيء من األشياء‬
‫مصطلحين عليه فكنا نستدل بذلك على اصطالح كان قبلهم‪ .‬وقد كان في الصحابة ‪-‬رضي هللا تعالى عنهم‪ -‬وهم البلغاء‬
‫‪.‬والفصحاء‪ ،‬من النظر في العلوم الشريفة ما ال خفاء به‪ .‬وما علمناهم اصطلحوا على اختراع لغة أو إحداث لفظة لم تتقدمهم‬

‫‪ .‬ومعلوم أن حوادث العالم ال تنقضي إال بإنقضائه وال تزال إال بزواله وفي ذلك دليل على صحة ما ذهبنا إليه في هذا الباب‪1‬‬

‫فابن فارس يرى أن اللغة توقيفية من عند هللا علمها آلدم عن طريق الوحي أو اإللهام بأن علمه هللا عز وجل ما شاء أن يعلمه‬
‫إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه‪ ،‬ثم علم بعد آدم من األنبياء صلوات هللا عليهم نبيا نبًيا ما شاء هللا أن يعلمون حتى انتهى‬
‫األمر إلى نبينا محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فآتاه هللا من ذلك ما لم يؤته ألحد قبله زيادة على ما أحسنه من اللغة المتقدمة‬
‫‪.‬وتكملة له‪ .‬ثم قر األمر قراره فلم نعلم لغة وجدت بعد ذلك‬

‫وقد ذهب إلى هذا الرأي في العصور القديمة الفيلسوف اليوناني هيراكليت‪ ،‬وفي العصور الحديثة طائفة من العلماء وعلى‬
‫‪.‬رأسها األب فرانسو المي المتوفى عام ‪1711‬م في كتابة "فن الكالم"‪2‬‬

‫‪:‬أدلة القائلين بالتوقيف‬

‫‪:‬يعتمد القائلون بالتوقيف على أدلة نقلية من القرآن الكريم والكتب المقدسة وأخرى عقلية ونسوقها إليك فيما يأتي‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و َع َّلَم َآَد َم اَأْلْس َم اَء ُكَّلَه ا} ‪ 1‬ويعتمدون كما سبق في قول ابن فارس على تفسير ابن عباس الذي يفسر األسماء بأنها‬
‫أسماء كلها من دابة وأرض وسهل وجبل وحيوان‬

‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِمْن َآَياِتِه َخ ْلُق الَّسَمَو اِت َو اَأْلْر ِض َو اْخ ِتاَل ُف َأْلِس َن ِتُك ْم َو َأْلَو اِنُك ْم } ‪ 2‬واأللسنة اللحمانية‬

‫‪.‬غير مرادة لعدم اختالفها؛ وألن بدائع الصنع في غيرها أكثر‪ ،‬فالمراد منها اللغات‬

‫قال تعالى‪ِ{ :‬إْن ِهَي ِإاَّل َأْس َم اٌء َس َّمْي ُتُموَه ا} ‪ 1‬فذم قوًم ا في إطالقهم أسماء غير توقيفية‪ ،‬وذلك يقتضي كون البواقي توقيفي‬

‫‪:‬االدلة النقلية‬

‫إجماع العلماء على االحتجاج بلغة العرب كما سبق في قول ابن فارس ولو كانت اللغة مواضعة واصطالًح ا لم يكن العرب في‬
‫االحتجاج بأقوالهم بأولى منافي االحتجاج لو اصطلحنا على لغة اليوم وال فرق‪ .‬ولم يقل أحد من العلماء بهذه المساواة وهذا‬
‫‪.‬يدل على أن اللغة التي وصلت إلينا توقيفية ليس لنا أن نغير أو نبدل فيها‬

‫وما روى عن أبي األسود ‪-‬كما سبق في قول ابن فارس‪ -‬أن امرأ كلمه ببعض ما أنكره أبو األسود فسأله أبو األسود عنه‬
‫‪.‬فقال‪" :‬هذه لغة لم تبلغك" فقال له‪ :‬يا ابن أخي ال خير لك فيما لم يبلغني فعرفه بلطف أن الذي يتكلم به مختلق مخترع‬

‫و ما سبق من قول ابن فارس‪ :‬أنه لم يبلغنا أن قوًم ا من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على‬
‫تسمة شيء من األشياء مصطلحين عليه‪ ،‬فكنا نستدل بذلك على اصطالح كان قبلهم‪ .‬وقد كان في الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪-‬‬
‫من البلغاء والفصحاء‪ ،‬وما علمناهم اصطلحوا على اختراع لغة أو إحداث لفظة لم تتقدمهم‪ .‬وهذا يدل على أن اللغة توقيف من‬
‫‪.‬صنع هللا وأنه ال يد لإلنسان فيه‬

‫لو كانت اللغات اصطالحية الحتيج في التخاطب بوضعها إلى اصطالح آخر من لغة أو كتابة يعود إليه الكالم‪ ،‬ويلزم إما‬
‫‪ .‬الدور والتسلسل في األوضاع وهو محال‪ ،‬فال بد من االنتهاء إلى التوقيف‪1‬‬

‫‪:‬رأي ابن فارس في تطور اللغة‬

‫فابن فارس يرى أن اللغة لم تأت دفعة واحدة وفي زمان واحد بل يذهب إلى أن اللغة في تطورها واكتمالها كانت توقيفية أيًض ا‬
‫فيقول‪ :‬ثم علم بعد آدم ‪-‬عليه السالم‪ -‬من عرب األنبياء ‪-‬صلوات هللا عليهم‪ -‬نبًّي ا نبًّي ا ما شاء أن يعلمه حتى انتهى األمر إلى‬
‫نبينا محمد ‪-‬صلى هللا تعالى عليه وآله وسلم‪ -‬فأتاه هللا ‪-‬جل وعز‪ -‬من ذلك ما لم يؤته أحًد ا قبله تماًما على ما أحسنه من اللغة‬
‫المتقدمة ثم قر األمر قراره فال نعلم لغة من بعده حدثت فإن تعمل اليوم لذلك متعمل وجد من نقاد العلم من ينفيه ويرده‪ 1‬وهذا‬
‫يعطينا صورة عن تصور ابن فارس لنشأة اللغة وتطورها‪ ،‬فاللغة نشأت عنده مع اإلنسان األول وأنها نالت الرعاية عبر‬
‫السنين حتى وصلت إلى أوج عظمتها في عهد النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‬

‫أصول النحو ‪ - 1‬جامعة المدينة (ص‪)23 :‬‬

‫اختالف العلماء في وضع اللغة‬

‫‪:‬الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪ ،‬ومن وااله‪ ،‬أما بعد‬

‫‪:‬فنتعرف فيه على إجابة هذا السؤال‬

‫اللغة‪ :‬أهي من وضع هللا تعالى أم من وضع البشر وعلى مناسبة األلفاظ للمعاني‪ ،‬وعلى الدالالت النحوية؟‬

‫اختلف العلماء اختالًفا طوياًل في بيان واضع اللغة‪ ،‬وقد عقد ابن جني باًبا في (الخصائص) عنوانه‪ :‬باب القول على أصل اللغة‪،‬‬
‫أإلهام هي أم اصطالح؟ وقال في صدارة هذا الباب‪" ،‬هذا موضع ُم حوج إلى فضل تأّم ل" وهي عبارة توحي بأنه موضوع دقيق‬
‫يحتاج إلى شَّد ة معاناة‪ ،‬وإمعان نظر؛ ولذلك اختلف العلماء قديًم ا وحديًثا فيه‪ ،‬وتنوعت آراؤهم‪ ،‬وتعددت مذاهبهم‪ ،‬ومع ذلك ‪-‬كما‬
‫قيل‪ -‬لم يصل في بحثهم إلى نتائج يقينية‪ ،‬بل كان ُجّل آرائهم يصطبغ بالصبغة الشخصية ولم يتجاوز مرحلة الظن والحدس‬
‫‪:‬والتخمين‪ ،‬ونسوق هنا أشهر هذه المذاهب في ضوء ما أورده السيوطي منها‬

‫المذهب األول‪ :‬مذهب الوحي واإللهام‪ ،‬أو هو مذهب التوقيف‪ ،‬وهو أن اللغة بوضع هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬علمها هللا تعالى نبيه آدم‬
‫‪-‬عليه السالم‪ -‬ووَّقف عليها عباده‪ ،‬وهذا المذهب منسوب إلى األشعري‪ ،‬وهو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق المتوفى‬
‫سنة أربع وعشرين وثالثمائة من الهجرة‪ ،‬وقد اختار هذا المذهب جماعة من العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي‬
‫المعروف المتوفى سنة خمس وتسعين وتسعمائة من الهجرة‪ ،‬وبسط القول في كتابه المسمى بـ (الصاحبي) في توضيح هذا‬
‫الرأي‪ ،‬وبيان األسباب التي دعته إلى اختياره‪ ،‬فذكر‪" :‬أن دليل ذلك قول هللا ‪-‬جل ثناؤه‪َ{ :-‬و َع َّلَم آَد َم اَأْلْس َم اَء ُك َّلَها} (البقرة‪)31 :‬‬

‫فكان ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬يقول‪ :‬علمه األسماء كلها‪ ،‬وهي هذه األسماء التي يتعارفها الناس من دابة‪ ،‬وأرض‪ ،‬وسهل‪،‬‬
‫وجبل‪ ،‬وحمار‪ ،‬وأشباه ذلك من األمم وغيرها"‪ ،‬وأجاب ابن فارس على ما قد يوجه إلى هذا المذهب من اعتراض مضمونه‪ :‬لو‬
‫كان ذلك كما تذهب إليه لقال الخالق ‪-‬تبارك وتعالى‪" :-‬ثم عرضهَّن "‪ ،‬أو "ثم عرضها"‪ ،‬لكنه سبحانه قال‪ُ{ :‬ثَّم َع َر َض ُهْم }‬
‫(البقرة‪ ) 31 :‬فمنطوق اآلية يدل على أن المعروض عليهم جماعة العقالء‪ ،‬أي‪ :‬أعيان بني آدم أو المالئكة؛ ألن موضوع‬
‫‪.‬الضمير في كالم العرب أن يقال لمن يعقل‪ :‬عرضهم‪ ،‬ولما ال يعقل‪ :‬عرضها أو عرضهّن‬
‫وقد أجاب ابن فارس بأن ما ورد في اآلية الكريمة جاء مطابًقا لسّنة من سنن العرب في كالمهم؛ فمن سنن كالمهم ما ُيعرف‬
‫بالتغليب‪ ،‬فهم يغّلبون على الشيء ما لغيره الختالط بين الشيئين‪ ،‬فإذا اختلط جمع ما ال يعقل بجمع من يعقل ُغ ّلب جمع من يعقل‬
‫كقول هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪َ{ :-‬و ُهَّللا َخ َلَق ُك َّل َد اَّبٍة ِم ْن َم اٍء َفِم ْنُهْم َم ْن َيْمِش ي َع َلى َبْطِنِه َوِم ْنُهْم َم ْن َيْمِش ي َع َلى ِر ْج َلْيِن َوِم ْنُهْم َم ْن‬
‫َيْمِش ي َع َلى َأْر َبٍع َيْخ ُلُق ُهَّللا َم ا َيَش اُء ِإَّن َهَّللا َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َقِد يٌر} (النور‪ )45 :‬فقال تعالى‪َ{ :‬فِم ْنُهْم } تغليًبا لمن يمشي على رجلين‪،‬‬
‫وهم بنو آدم‪ ،‬وأشار ابن فارس إلى أنه ليس معنى أن اللغة توقيفية أنها جملة واحدة في زمان واحد‪ ،‬بل وقف هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬آدم‬
‫‪-‬عليه السالم‪ -‬على ما شاء أن ُيعّلمه إَّياه في زمانه‪ ،‬ثم عَّلم بعده من عرب األنبياء ‪-‬صلوات هللا عليهم‪ -‬نبًّيا نبًّيا ما شاء أن يعلمه‪،‬‬
‫حتى انتهى األمر إلى نبينا محمد ‪-‬صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم‪ -‬فآتاه هللا ما لم يؤِته أحٌد قبله‪ ،‬ثم قر األمر قراره‪ ،‬فال‬
‫‪".‬نعلم لغًة حدثت بعده‪ .‬وقال السيوطي‪" :‬ومال إلى هذا القول ابن جني‪ ،‬ونقله عن شيخه أبي علي الفارسي وهما من المعتزلة‬

‫والمذهب الثاني‪ :‬أنها اصطالحية وضعها البشر‪ ،‬وهو مذهب أبي هاشم الجبائي المعتزلي المتوفى ببغداد سنة إحدى وعشرين‬
‫وثالثمائة من الهجرة‪ ،‬ثم اختلف‬

‫أصحاب هذا المذهب فيمن وضع اللغة من البشر على ثالثة آراء‪ ،‬فقيل‪ :‬وضعها آدم ‪-‬عليه السـالم‪ -‬وقـد ذكـر ابن جـني أن أكـثر‬
‫أهل النظر على أن أصل اللغة‪ ،‬إنما هو تواضع واصطالح‪ ،‬ال وحي وتوقيف‪ ،‬وعندما قال له شيخه أبو علي الفارسي يوًم ا‪ :‬هي‬
‫من عند هللا‪ ،‬واحتج بآية البقرة السابقة‪َ{ :‬و َع َّلَم آَد َم اَأْلْس َم اَء ُك َّلَها} (البقرة‪ )31 :‬ذكــر ابن جــني أن اآليــة الكريمــة ال تقطــع بكــون‬
‫اللغة توقيفية؛ إذ يجوز أن تؤَّو ل على معنى أقدر هللا آدم ‪-‬عليه السالم‪ -‬على أن واضع عليها‪ ،‬وقيل‪ :‬لعله كان يجتمــع حكيمــان أو‬
‫ثالثة فصاعًدا‪ ،‬فيحتاجون إلى اإلبانة عن األشياء المعلومة‪ ،‬فوضعوا لكــل واحــد منهــا ســمة ولفًظ ا؛ إذا ُذ كــر ُع رف بــه مســماه‪،‬‬
‫وامتاز به عن غيره‪ ،‬وأغنى ذكره عن إحضاره إلى مرآة العين؛ إذ ربمـا قـد ُيحتـاج في كثـير من األحـوال إلى ذكـر مـا ال ُيمكن‬
‫إحضاره كالمعاني‪ ،‬وقيل‪ :‬إن أصل اللغات كلها إنما هو من األصوات المسموعات كدوّي الريح‪ ،‬وخرير الماء‪ ،‬ونعيق الغــراب‪،‬‬
‫وصهيل الفرس‪ ،‬ونهيق الحمار ‪ ...‬ونحو ذلك‪ ،‬ثم ُو لـدت اللغـات عن ذلـك فيمـا بعـد‪ .‬قـال ابن جـني‪" :‬وهـذا عنـدي وجـه صـالح‬
‫ومذهب ُم تقَّبل"‪.‬‬
‫والمذهب الثالث‪ :‬الوقف ‪-‬أي‪ :‬ال ُيدرى أهي من وضع هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬أم من وضع البشر‪ ،‬وهذا المذهب هو الذي اختاره‬
‫ابن جني بعد طول ترُّد د؛ لعدم وجود دليل قاطع على مذهب غيره من وجهة نظره‪ ،‬فالعقل يجّو ز ذلك كله‪ .‬ومن هنا ذكر‬
‫السيوطي أن بعضهم زعم أنه ال فائدة لهذا الخالف‪ ،‬قال السيوطي‪" :‬وليس كذلك بل ُذ كر له فائدتان‪ :‬األولى فقهية‪ ،‬ولذا كرت‬
‫ُذ‬
‫هذه المسألة في أصوله ‪-‬يعني‪ :‬في أصول الفقه‪ -‬واألخرى نحوية‪ ،‬ولهذا ذكرتها في أصوله ‪-‬يعني‪ :‬في أصول النحو‪ -‬تبًعا البن‬
‫‪".‬جني في (الخصائص)‪ ،‬وهي جواز قلب اللغة‪ ،‬فإن قلنا‪ :‬إنها اصطالحية؛ جاز وإال فال‬

‫أما الفائدة الفقهية التي أشار إليها السيوطي فهي المعروفة بمهر الّسّر والعالنية‪ ،‬وهي‪ :‬إذا تزوج رجل امرأة بألف واصطلح على‬
‫تسمية األلف بألفين‪ ،‬هل الواجب ألف ألنه مقتضى االصطالح اللغــوي‪ ،‬أو ألفــان نظــًرا لهــذا الوضــع الحــادث؟ اختلــف في ذلــك‬
‫الفقهاء وصَّححوا كاًّل من االعتبارين‪.‬‬
‫وأما الفائدة النحوية فهي النظر في جواز قلب اللغة‪ ،‬فُح كي عن بعض القائلين بالتوقيف منع القلب مطلًقا؛ فال يجوز تسمية الثوب‬
‫فرًسا‪ ،‬والفرس ثوًبا‪ ،‬وعن القائلين باالصطالح تجويزه‪ .‬وأما المتوقفون فاختلفوا‪ ،‬فذهب بعضهم إلى التجويز كمذهب قائل‬
‫االصطالح‪ ،‬وبعضهم إلى المنع‪ ،‬وهذا كله فيما ال يؤّد ي قلبه إلى فساد النظام‪ ،‬أو تغييره إلى اختالط األحكام‪ ،‬فإن أَّد ى إلى ذلك‬
‫‪.‬فال يختلف في تحريم قلبه‬

‫شرح متن البناء (‪ ،8 /5‬بترقيم الشاملة آليا)‬

‫أي‪ :‬دليله الذي يدل على أن الكلمة من هذا الباب أن يكون ماضيه (َأْن َيُك وَن )َم ْو ُز وُنُه اْسَتْخ َر َج َيْسَتْخ ِر ُج اْس ِتْخ َر اًجا‪َ .‬و َع َالَم ُتُه(‬
‫َم اِض يِه َع َلى ِس َّتِة َأْح ُر ٍف ) يعني معدود بأحرف ستة‪ ،‬ثالثة أصلية وهي الثالثي المجرد‪ ،‬وثالثة زوائد أو زائدات (َع َلى ِس َّتِة‬
‫َأْح ُر ٍف ) كيف صارت ستًة قال‪ِ( :‬بِزَياَد ِة )‪ .‬باء هذه باء السببية يعني بسبب زيادة صار ستًة ونحن نقول هذا الكالم في الثالثي‬
‫المجرد كيف صارت ستة أحرف (ِبِزَياَد ِة) يعني بسبب زيادة (ِبِزَياَد ِة الَهْم َز ِة) همزة وصل (َو الِّسْيِن ) التي تلي همزة الوصل‬
‫(َو الَّتاِء ) على التوالي رتبها لك ألن األلف تكون سابقة‪ ،‬ثم السين‪ ،‬ثم التاء وال يجوز تقديم وتأخير لماذا؟ هل يجوز التقديم‬
‫والتأخير‪ ،‬نقدم السين على األلف ما دام أن الزائد ثالثة أحرف الهمزة والسين والتاء إًذ ا نقدم ونؤخر يجوز أو ال يجوز؟ ال يجوز‬
‫ما الدليل؟‬

‫‪..‬‬

‫عدم الوقوع‪ ،‬ألن اللغة توقيفية ومبناها على النقل‪ ،‬أما العقل ليس له مجال إال باالستنباط نستنبط كما قلنا قلبت ألف تحركت ‪...‬‬
‫إلى آخره هذا باستنباط العقل أما في التأصيل والحكم على الكلمة بتقديم حرف على حرف ابتداًء دون تعليل أو التماس حكمة‬
‫‪.‬فهذا موقوف على العرب أنفسهم‬

‫وعرفت بالنقل ال بالعقل فقط بل استباطه بالنقل‬

‫شرح ألفية ابن مالك للحازمي (‪ ،1 /1‬بترقيم الشاملة آليا)‬

‫‪:‬ويكاد أن يجزم بأن اللغة توقيفية على أصح قولي أو أقوال أهل العلم األصوليين وأهل اللغة‬

‫توقيٌف اللغاُت عند األكثِر ‪ ...‬ومنهم ابن فورك واألشعري‬

‫توقيف اللغات‪ :‬اللغات توقيفية‪ ،‬كلها توقيفية سواء كانت العربية أو اإلنجليزية أو الفرنسية‪ ،‬أو غيرها كلها توقيف‪ ،‬بمعنى‪ :‬أن هللا‬
‫‪.‬عز وجل علمها آدم عليه السالم‪َ(( :‬و َع َّلَم آَد َم اَألْس َم اَء ُك َّلَها)) [البقرة‪]31:‬‬

‫واللغة الرب لها قد وضعها‬

‫شرح نظم المقصود (‪ ،11 /3‬بترقيم الشاملة آليا)‬

‫‪:‬قال السيوطي‬

‫َو الُّلَغ ُة الَّرُب َلَها َقْد َو َضَع ا ‪َ ...‬و َع ْز ُو َها ِلالْص ِط َالِح ُس ِمَع ا‬

‫‪:‬وقال صاحب المراقي‬

‫َتْو ِقيٌف الُّلَغاُت ِع ْنَد اَأْلْكَثِر‬

‫أكثر األصوليين على أن اللغات كلها عمومًا أنها توقيفية‪ ،‬والواضع حكيٌم ‪ ،‬وال يزيد حرفًا لغير معنى‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬الرحمن مشتق‬
‫من َر ُح َم أو َر ِح َم ‪ ،‬والرحيم مشتق من َر ِح َم أو َر ُح َم ‪ ،‬وزاد الرحمن حرفًا على الرحيم‪ ،‬البد أن يزيد في المعنى؛ ألن الواضع‬
‫حكيم‪ ،‬وال يزيد حرفًا إال لمعنى‪ ،‬إذًا الرحمن أشد مبالغة من الرحيم ألمرين‪ :‬أوًال‪ :‬تقديمه على الرحيم‪ ،‬ثانيًا‪ :‬زيادة المبنى تدل‬
‫على زيادة المعنى‬

‫ما هو االصطالح‬

‫قال الجرجاني في التعريفات‬

‫االصطالح‪ :‬عبارٌة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضعه األول‬

‫االصطالح‪ :‬إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر‪ ،‬لمناسبة بينهما‬

‫وقيل‪ :‬االصطالح اتفاق طائفة على وضع اللفظ بازاء المعنى‪ .‬وقيل‪ :‬االصطالح إخراج الشيء عن معنى لغوي إلى معنى‬
‫‪.‬آخر؛ لبيان المراد‬

‫‪.‬وقيل‪ :‬االصطالح‪ :‬لفٌظ معين بين قوم معينين‬

‫قال ابو البقاء الكفوي في الكليات‬

‫ااِل ْص ِط اَل ح‪ُ :‬ه َو اِّت َفاق اْلَقْو م على وضع الَّش ْي ء‪َ ،‬و قيل‪ِ :‬إْخ َر اج الَّش ْي ء َع ن اْلَم ْع نى الّلَغ ِو ّي ِإَلى معنى آخر لَبَي ان الُم َر اد‬

‫واصطالح التخاطب ُه َو عرف الُّلَغ ة‬

‫واالصطالح‪ُ :‬م َقابل الَّش ْر ع ِفي عرف اْلُفَقَه اء‪َ ،‬و َلَع َّل َو جه َذ ِلك َأن ااِل ْص ِط اَل ح (افتعال) من (الُّص ْل ح) للمشاركة كاالقتسام‪،‬‬
‫واألمور الَّش ْر ِع َّية َم ْو ُضوَع ات الَّش اِر ع َو حده اَل يتصالح َع َلْي َه ا َب ين األقوام‪ ،‬وتواضع ِم ْن ُهم‬

‫َو يْس َت ْع مل ااِل ْص ِط اَل ح َغ اِلبا ِفي اْلعلم اَّلِذي تحصل معلوماته ِبالّن ظِر َو ااِل ْس ِتْد اَل ل‬

‫َو أما الِّص َن اَع ة‪َ :‬فِإَّن َه ا تْس َت ْع مل ِفي اْلعلم اَّلِذي تحصل معلوماته بتتبع َك اَل م اْلَع َر ب‬

‫واللغات كلَه ا اصطالحية ِع ْن د َع اَّمة اْلُمْع َت زَلة َو َب عض اْلُفَقَه اء‪َ ،‬و َقاَل َع اَّمة اْلُم َتَك ِّلمين َو اْلُفَقَه اء َو َع امة أهل الَّتْف ِس ير ِإَّن َه ا توقيفية‬

‫َو َقاَل بعض أهل الَّت ْح ِقيق‪ :‬اَل ُبد َو َأن تكون ُلَغ ة َو اِحَد ة ِم ْن َه ا توقيفية ثَّم الُّلَغ ات اُأْلَخ ر ِفي حد اْلَج َو از َب ين َأن تكون اصطالحية َأو‬
‫توقيفية‪َ ،‬أِلن ااِل ْص ِط اَل ح من اْلعباد على َأن ُيسمى َه َذ ا َك َذ ا‪َ ،‬و َه َذ ا اَل يَت َح َّقق ِباِإْلَش اَر ِة َو حدَه ا ِبُد وِن اْلُم َو اَضَع ة باْلَقْو ل‬

‫َو ِفي " أنوار الَّتْن ِز يل " ِفي َقْو له َت َع اَلى‪َ{ :‬و علم آدم اَأْلْس َم اء كلَه ا} َأن الُّلَغ ات توقيفية‪َ ،‬فِإن اَأْلْس َم اء تدل على اَأْلْلَفاظ ِبُخ ُصوص َأو‬
‫ُعُموم َو َت ْع ِليمَه ا َظ اهر ِفي إلقائها على المتعلم ُمبيًن ا َلُه َمَع اِنيَه ا‪َ ،‬و َذ ِلَك َي ْس َتْد ِع ي َس اِبَقة وضع‪َ ،‬و اَأْلْص ل َي ْن َب ِغي َأن يكون َذ ِلك‬
‫اْلَو ضع ِمَّمن َك اَن قبل آدم‪َ ،‬فيكون من هللا َت َع اَلى‬
‫وهللا اعلم‬

You might also like