‫الفصل األول‬

‫تمهيد‬

‫مجتمعات العصور الوسطى‬

‫بداية العصور الوسطى‬

‫نهاية العصور الوسطى‬

‫المراحل الرئيسية وخصائص كل منها‬

‫إن الدارس للتاريخ يالحظ أن عالم العصور الوسطى قد اشتمل على ثالثة مجتمعات كب يرة‬
‫هي ‪ -‬حس ب ظهوره ا الت اريخي ‪ -‬المجتم ع الب يزنطي ال ذي ورث الج انب الش رقي من‬
‫أمالك االمبراطوري ة الروماني ة والمجتم ع األوروبي ال ذي ع اش على أراض ي الج انب‬
‫الغربي لالمبراطورية الرومانية والمجتمع اإلسالمي الذي بدأ من شبه جزيرة العرب ثم م ا‬
‫لبث أن احتوى أمالك الدولة الفارسية وجانبًا كبيرًا من أمالك االمبراطورية الرومانية هو‬
‫الشام وآسيا الصغرى والشمال اإلفريقي من مصر حتى المحيط األطلسي وأسبانيا وغير‬
‫ذلك في آسيا وإ فريقيا‪.‬‬

‫والمجتم ع األول وه و الب يزنطي ق د اتخ ذ من الديان ة المس يحية دين ًا ل ه ش أنه في ذل ك ش أن‬
‫المجتم ع األوروبي‪ ،‬ولكن ه اختل ف عن المجتم ع األوروبي في اتخ اذ الم ذهب األرثوذكس ي‬
‫م ذهبًا مس يحيًا رس ميًا لدولت ه‪ .‬وق د اتخ ذ ه ذا المجتم ع من مدين ة القس طنطينية عاص مة ل ه‬
‫ليحكم األراضي التابعة له التي تضمنت شعوبًا مختلفة‪ ،‬منها ما هو آسيوي أو إغريقي أو‬
‫س الفي وغ ير ذل ك من الش عوب ال تي ك انت تتح رك في ش مال أوروب ا وغ ربي آس يا‪.‬‬
‫والمالح ظ هن ا أن أمالك االمبراطوري ة البيزنطي ة ق د تقلص ت م ع الزم ان ولكن عاص متها‬
‫وهي القسطنطينية ظلت باقية طالما بقيت االمبراطورية البيزنطية‪.‬‬

‫أما المجتمع الثاني وهو المجتمع األوروبي فقد اشتمل على العناصر الرومانية بعد انهيار‬
‫االمبراطورية الرومانية‪ ،‬هذا باإلضافة إلى العناصر التي وفدت إليه على شكل هجرات أو‬
‫غ زوات وه و م ا يع رف في الت اريخ باس م الغ زوات الجرماني ة‪ .‬وق د حملت ه ذه العناص ر‬
‫معها حضارتها التي اختلطت بالحضارة الرومانية وظهر مجتمع جديد كان في بداية األمر‬
‫يعتن ق غالبيت ه الديان ة المس يحية على الم ذهب األريوس ي‪ ،‬ثم م ا لبث أن تخلص من‬
‫األريوسية واتخذ المذهب الكاثوليكي‪ .‬وإ ذا كانت مدينة روما ظلت مركزًا لهذا المجتم ع في‬
‫مطل ع العص ور الوس طى من الناحي ة السياس ية والروحي ة ف إن ه ذا المرك ز ق د تالش ى في‬
‫مراحل الحقة واقتصر على السيادة الروحية فقط التواجد المركز البابوي بها‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالمجتمع الثالث وهو المجتمع اإلسالمي الذي بدأ بظهور اإلسالم‪ ،‬فقد أصبح‬
‫له دولته المتميزة سياسيًا وحضاريًا لقيامها على مفهوم إسالمي مستمد من شريعتها‪ .‬وإ ن‬
‫كان هذا المجتمع قد بدأ صغيرًا مع الدعوة المحمدية فإنه ما لبث أن انتشر سريعًا وساد‬
‫أقاليم شاسعة لما بعثته الدعوة المحمدية في الشعوب المعاصرة‪.‬‬

‫وم ا يعنين ا في ه ذه الدراس ة ه و المجتم ع األوروبي في غ رب أوروب ا‪ .‬وواق ع األم ر أن‬

‫العص ور الوس طى ليس ت عص ورًا منفص لة عن العص ور القديم ة أو العص ور الحديث ة فهي‬
‫مرحل ة من مراح ل الت اريخ الطويل ة يص عب تحدي د ب دايتها أو نهايته ا بحادث ة مح ددة مث ل‬
‫تولي ة مل ك أو أم براطور أو معرك ة عس كرية له ا أهيمته ا‪ .‬ومن المتف ق علي ه أن التط ور‬
‫الت اريخي يس ير في حرك ة غ ير ملموس ة تك ون م دخًال لعص ر آخ ر ل ه أبع اده السياس ية‬
‫والحضارية التي تميزه عن مرحلة سابقة وأخرى الحقة‪.‬‬

‫وإ ذا ك انت العص ور الوس طى تتوس ط الت اريخ الق ديم والح ديث وهي ف ترة امت دت أك ثر من‬
‫عشر قرون‪ ،‬فليس معنى ذلك أن هذه المرحلة قد س ارت على وتيرة واحدة في الجوانب‬
‫السياس ية والحض ارية‪ ،‬فق د اختلفت ه ذه الج وانب من مرحل ة إلى مرحل ة ومن منطق ة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬بمعنى أن ما ساد العصور الوسطى من نظم قد اختلف عنه في نهايتها‪ ،‬وما ظهر‬
‫من حض ارة في إيطالي ا في ف ترة م ا يختل ف عم ا ظه ر من حض ارة في انجل ترا في الف ترة‬
‫ذاتها‪ .‬وعلى ذلك يتضح أن لكل مرحلة من مراحل العصور الوسطى خصائصها المتميزة‬
‫عن غيرها مع شيء من التجاوز‪.‬‬

‫ولم ا ك ان لك ل مرحل ة من مراح ل الت اريخ الوس يط م ا يميزه ا عن غيره ا‪ .‬فمن هن ا أطل ق‬
‫بعض الم ؤرخين عب ارة العص ور الوس طى المظلم ة على المرحل ة األولى من العص ور‬
‫الوسطى لما سادها من حروب وغزوات وهرطقات دينية‪ .‬ولكن هذا المفهوم قد تغير بعد‬
‫قيام المؤرخين المحدثين بالبحوث التاريخية عن هذه المرحلة وما تالها من مراحل‪ ،‬وهي‬
‫البح وث ال تي أوض حت الج وانب اإليجابي ة لف ترة العص ور الوس طى بأكمله ا وأظه رت‬
‫الجوانب الحضارية التي سادت مجتمع أوروبا في العصور الوسطى‪ ،‬وهي الحض ارة التي‬
‫ارتكزت عليها العصور الحديثة في أوروبا وفي العالم أجمع ‪.‬‬

‫وعلى أي ة ح ال فالم دخل الط بيعي لدراس ة العص ور الوس طى ه و تحدي د ب دايتها ونهايته ا‪،‬‬
‫وه و أم ر ص عب دار حول ه ج دل كث ير واجته د ك ل ب احث في إيض اح وجه ة نظ ره ح ول‬
‫بداية ونهاية العصور الوسطى‪ .‬وما يسطر على الصفحات التالية عرض ألهم اآلراء حول‬
‫بداي ة ونهاي ة العص ر الوس يط‪ ،‬وق د ح اولت إدماجه ا في وح دات متجانس ة أو إلى أس باب‬
‫متشابهة حتى يتيسر فهمها بسهولة‪.‬‬

‫أوًال ‪ :‬آراء تدور حول أعمال بعض األباطرة ‪:‬‬

‫يرى البعض اختيار عصر االمبراطور دقلديانوس ‪274 - 305( Dioclétien‬م) ليكون‬
‫م دخال للت اريخ الوس يط‪ .‬ويرج ع ذل ك إلى أن االم براطور دقل ديانوس ح اول إع ادة تنظيم‬
‫االمبراطورية على أسس إدارية اختلفت كثيرًا عن األنظمة التي سادت االمبراطورية من‬
‫قبل‪ ،‬كما أنه ترك مدينة روما عاصمة االمبراطورية واستقر في آسيا الصغرى واتخذ من‬
‫نيف ر مي ديا ‪ Nicumeha‬مق رًا لي ه ذا باإلض افة إلى موقع ه المع ادي للديان ه‬ ‫مدين ة‬
‫المسيحية وما القاه المسيحيون في عصره من اضطهاد حتى عرف عصره بعصر الشهداء‬
‫وأص بح ع ام ‪٢٨٤‬م وه و الع ام ال ذي يب دأ ب ه حكم ه بداي ة للت اريخ القبطي في مص ر‪ .‬ولم ا‬
‫ك انت المس يحية ق د اع ترف به ا بع د نهاي ة حکم دقل ديانوس بف ترة قص يرة‪ ،‬ولم ا ك انت‬
‫المسيحية أيض ًا من معالم العصور الوسطى‪ ،‬فمن هنا كانت وجهة نظر هؤالء المؤرخين‬
‫تبدو مقبولة ومعقولة‪.‬‬

‫ويتخ ذ البعض عص ر االم براطور قس طنطين األول )‪Constantine 1 (337-300‬‬

‫م دخال للعص ور الوس طى‪ ،‬ألن قس طنطين تمكن من القض اء على الح رب األهلي ة داخ ل‬
‫االمبراطورية وأصبح حاكمًا ال منافس له‪ ،‬كما صاحب عهده تغییرات جذرية في مجاالت‬
‫متعددة‪ .‬ومن هذه التغيرات االعتراف بالديانة المسيحية كدين في الدولة إلى جانب الوثنية‬
‫عن دما ص در مرس وم میالن ‪ Edit of Milan‬ع ام ‪313‬م‪ .‬ه ذا باإلض افة إلى بن اء مدين ة‬
‫القس طنطينية واتخاذه ا عاص مة لالمبراطوري ة‪ ،‬ثم إص الحاته المتع ددة في الج وانب‬
‫التشريعية والعسكرية واإلدارية‪.‬‬

‫وتش ير مجموع ة أخ رى من الم ؤرخين إلى االم براطور جس تينيان ‪Justinian (527 -‬‬
‫)‪ ،565‬على اعتبار أن عهده يفصل بين القديم والوسيط‪ .‬ويحللون وجهة نظرهم باألعمال‬
‫الكب يرة ال تي ق ام به ا ه ذا االم براطور في ال داخل والخ ارج‪ ،‬ومن ذل ك م ا قدم ه لن ا من‬
‫تشريعات ظلت باقية لفترة طويلة من الزمن‪ ،‬وما صاحب عصره من حرك ة معمارية ظل‬
‫بعضها إلى يومنا هذا‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ما قام به من محاوالت عسكرية إلعادة أراضي‬
‫االمبراطورية وبخاصة في استرداد شمال إفريقيا من الوندال وإ يطاليا من القوط الشرقيين‬
‫وجانبًا من اسبانيا من يد القوط الغربيين‪ .‬ولما كانت محاولته هذه تعتبر آخر محاولة قام‬
‫بها أمبراطور روماني‪ ،‬فإن ما حدث يعتبر نهاية لمجد االمبراطورية الرومانية ألن خلفائه‬
‫من بع ده فش لوا في الحف اظ على ه ذه األراض ي‪ ،‬وعلى ذل ك يعت بر عص ره مرحل ة جدي دة‬
‫تنقلنا إلى عصر جدید هو عصر التاريخ الوسيط ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬أسباب دينية ‪:‬‬

‫س بق أن أوض حنا أن البعض اخت ار عص ر قس طنطين ليك ون م دخًال للت اريخ الوس يط نظرًا‬
‫لما قام به هذا االمبراطور في مجاالت متعددة‪ .‬ولكن هناك فريق من المؤرخين يرون في‬
‫عام ‪313‬م بداية للتاريخ األوروبي الوسيط الصدور مرسوم ميالن في هذا العام نظرًا لما‬
‫أبداء هذا المرسوم من تسامح تجاه المسيحيين وجعل الديانة المسيحية ديانة معلنة بعد ما‬
‫ك انت حرك ة س رية‪ .‬ولكن فري ق آخ ر من الم ؤرخين ي رى أن ه ذا التس امح لم ي دم‪ ،‬فق د‬
‫أص يب بنكس ة في عه د االم براطور جولي ان المرت د ‪361 -( Julian the Apostate‬‬
‫‪363‬م) الذي ارتد من المسيحية إلى الوثنية وجعل األخيرة دين ًا رسميًا للدولة‪ .‬ولكن هذه‬
‫المحاول ة ق د فش لت تمام ًا وانتص رت المس يحية‪ .‬ومن هن ا يعت بر ه ؤالء المؤرخ ون عص ر‬
‫جولي ان بداي ة للعص ور الوس طى على اعتب ار أن عص ره ك ان آخ ر عص ور الوثني ة وأول‬
‫عصور المسيحية إحدى دعائم العصور الوسطى‪.‬‬

‫ومن الفريق الذي ينظر إلى الجانب الديني على أنه بداية للعصور الوسطى يتخذ البعض‬
‫المرحل ة ال تي تح ولت فيه ا بعض العناص ر الجرماني ة ‪ .‬وهم الق وط ‪ Goth‬من الوثني ة إلى‬
‫المسيحية وإ ن كانت على المذهب األريوسي‪ ،‬ويضعون عام ‪372‬م بداية لهذا التح ول وهو‬
‫العام الذي بدأ فيه المبشر أولفيالس ‪ ))310-383‬التبشير في القوط‪ ،‬وما لبث أن اعتنق‬
‫ه ذا الم ذهب عناص ر أخ رى تح ركت م ع الق وط األس باب متع ددة ودخلت إلى أراض ي‬
‫االمبراطورية وأقاموا دوًال كانت عالمة بارزة في تاريخ أوروبا العصور الوسطى‪.‬‬

‫وفي خت ام تل ك الن واحي الديني ة تق ول إن بعض الم ؤرخين يض عون حكم االم براطور‬
‫ثيودوس يوس األول ‪ Theodosius)1379-1395 1‬م) نقط ة البداي ة للت اريخ الوس يط‬
‫ويح ددون س نة ‪٣٧٩‬م لتك ون نهاي ة للت اريخ الق ديم وبداي ة الوس يط ‪ .‬ومرج ع ذل ك أن ه ذا‬
‫االم براطور ق رر في ه ذا الع ام القض اء‪ .‬على العناص ر الوثني ة وعلى اتب اع الم ذهب‬
‫األريوسي‪ .‬وقد تجلى ذلك في مجمع القسطنطينية عام ‪381‬م الذي أقر نهائيا عدم شرعية‬
‫المذهب األريوسي وفرض العقوبات على أتباعه‪ .‬كما وقف في وجه الوثنيين وأقفل مراكز‬
‫عب ادتهم وأص در التعليم ات الكفيل ة بع دم مباش رتهم طقوس هم وح رق م ا ه و م دون من‬
‫تعاليمهم‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬أسباب عسكرية ‪:‬‬

‫وت رى مجموع ة من الم ؤرخين أن معرك ة أدرن ة ‪ Adrianpole‬ال تي دارت رحاه ا ع ام‬
‫‪۳۷۸‬م تص لح لتك ون نهاي ة للت اريخ الق ديم وبداي ة للت اريخ الوس يط‪ .‬ويعلل ون وجه ة نظ رهم‬
‫بأن القرط الغربيين بعدما عبروا الدانوب استقروا في مواشيا ‪ Moesia‬وتراقيا ‪،Thrace‬‬
‫قد ضاقوا بهذه المناطق ودخلوا في صراع مع االمبراطورية وحاربوها وانتصروا عليها‬
‫في معركة أدرنة وهي المعركة التي قتل فيها االمبراطور فالنز )‪Valens (364 - 37‬‬
‫وهزمت جيوش االمبراطورية هزيمة ساحقة‪ .‬وكان لهذه المعركة والنتائج المترتبة عليها‬
‫أث رًا كب يرًا في ت اريخ االمبراطوري ة ح تى أن بعض الم ؤرخين ش بهوها بمعرك ة كان اي‬
‫‪ Canay‬ال تي وقعت في ع ام ‪216‬م بين االمبراطوري ة الروماني ة وهانيب ال وقت ل فيه ا م ا‬
‫يقرب من خمسين ألف وأسر حوالي ثالثة آالف من قوات االمبراطورية‪.‬‬

‫رابعًا ‪ :‬نظم إدارية ‪:‬‬

‫ي رى فري ق من الم ؤرخين أن ع ام ‪395‬م وه و الع ام ال تي ت وفي في ه االم براطور‬

‫ثيودوس يوس نهاي ة للت اريخ الق ديم ومطل ع للت اريخ األوروبي الوس يط‪ .‬وتس تند أفك ارهم إلى‬
‫أنه في هذه السنة قسمت االمبراطورية الرومانية إلى قسمين بين أبناء ثيودوسيوس‪ ،‬تولى‬
‫القس م الش رقي منه ا ابن ه أرك اديوس ‪ )Arcarlius 35-47‬وابن ه اآلخ ر هونوري وس‬
‫‪395-423( Honorius‬م) القسم الغربي وعاصمة روما وبذلك أصبح كل قسم دولة قائمة‬
‫ب ذاتها‪ .‬وبمع نى آخ ر أن ذل ك ك ان بداي ة الدول ة في الش رق ع رفت باس م االمبراطوري ة‬
‫البيزنطي ة وعاص متها القس طنطينية اس تمرت ح تى ع ام ‪1453‬م‪ ،‬وقي ام دول ة في الغ رب‬
‫عاصمتها روما لم تلبث أن تعرضت الغزوات العناصر الجرمانية التي أقامت على أرضها‬
‫دوًال وممالك كانت من معالم تاريخ أوروبا في العصور الوسطى‪.‬‬

‫خامسًا ‪ :‬أفكار تتعلق بمدينة روما‪:‬‬

‫تدور أفكار بعض المؤرخين حول مدينة روما‪ ،‬وما كان لها من عظمة ومجد باعتبارها‬
‫عاص مة االمبراطوري ة الروماني ة من ذ قيامه ا‪ ،‬ه ذا باإلض افة إلى كونه ا مق ر الكرس ي‬
‫الرسولي بعد قيام القديس بطرس بتأسيس كنيستها‪ .‬وإ ن سقوط هذه المدينة الخالدة في أيدي‬
‫عناصر غير رومانية كان إيذانا بنهاية التاريخ القديم وبداية التاريخ الوسيط‪ .‬ويرى الفري ق‬
‫المؤي د له ذا ال رأي في ع ام ‪410‬م تحدي دًا ل ذلك‪ ،‬ألن الق رط الغرب يين ‪ -‬بقي ادة األري ك ‪-‬‬
‫‪ Alanic‬ق د تمكن وا في ه ذا الع ام من غ زو إيطالي ا‪ ،‬والزح ف على روم ا واقتحامه ا في‬
‫ال وقت ال ذي لج أ في ه االم براطور الغ ربي ه و توري وس إلى رافن ا ‪Ravenna‬واتخ ذ منه ا‬
‫عاصمة له بعد روما‪.‬‬

‫سادسًا ‪ :‬آرام تتعلق بمنصب االمبراطور الغربي‪:‬‬

‫ي رى العدي د من الم ؤرخين في ع ام ‪476‬م نهاي ة لت اريخ االمبراطوري ة الروماني ة وبداي ة‬

‫ت اريخ العص ور الوس طى ألنه ا الس نة ال تي تمكن فيه ا أودواك ر ‪ Odoacer‬زعيم اله رول‬
‫‪ - Herules‬إح دى العناص ر الجرماني ة ‪ -‬من دخ ول مدين ة رافن ا وع زل االم براطور‬
‫الغ ربي روم ولس أو نط ولس ‪475 - 476( Romulus Augustulus‬م) ال ذي ك ان في‬
‫الثانية عشر من عمره‪ ،‬ونفيه إلى جنوب إيطاليا مع تخصيص معاش مناسب له‪.‬‬

‫وإ ذا ك ان البعض يض ع ع ام ‪٤٧٦‬م نهاي ة للت اريخ الروم اني وذل ك النته اء حكم األب اطرة‬
‫الرومان للقسم الغربي لالمبراطورية الرومانية‪ ،‬فإن البعض يضع على المعيار نفسه عام‬
‫‪800‬م بداية التاريخ الوسيط على اعتبار أنه في هذا العام توج شارلمان ‪Charlemagne‬‬
‫(‪ 14 - ٧٦٨‬م) أم براطورًا في الغ رب األوروبي وتم إحي اء االمبراطوري ة تحت اس م‬
‫االمبراطوري ة الروماني ة المقدس ة بع د م ا خال الغ رب من ش خص يحم ل لقب االم براطور‬
‫طوال الفترة الممتدة من ‪800 - 476‬م ‪.‬‬

‫بع د ه ذا الع رض المح دود ألهم اآلراء ال تي دارت ح ول س قوط االمبراطوري ة الروماني ة‬
‫وبداي ة الت اريخ األوروبي الوس يط ولك ل منه ا م ا يؤي دها‪ ،‬يمكن الق ول أن هن اك عوام ل‬
‫متداخلة أثرت بشكل أو بآخر في تحول المجتمع األوروبي إلى التاريخ الوسيط‪ ،‬وإ ن هذه‬
‫العوامل سارت بدرجة غير ملموسة حتى شكلت التاريخ الوسيط‪ .‬وعلى أية حال فإنه إذا‬
‫تمعنا في اآلراء التي سبق عرضها نجد أن القرن الرابع الميالدي قاسمًا مش تركًا في معظم‬
‫الحاالت‪ ،‬وأن هذا القرن قد شهد تطورًا في مجاالت سياسية وحضارية كان لها أكبر األث ر‬
‫في المجتمع األوروبي ومن ذلك االعتراف بالديانة المسيحية دين ًا في الدولة ثم االعتراف‬
‫به ا دين ًا رس ميًا للدول ة‪ ،‬وظه ور بعض الغ زوات الجرماني ة ال تي اجت احت أوروب ا وازدي اد‬
‫ح دتها م ع زي ادة ض عف االمبراطوري ة‪ ،‬والتقس يم اإلداري ال ذي فص ل الج زء الش رقي عن‬
‫الجزء الغربي من االمبراطورية‪ .‬وعلى ذلك يمكن القول أن القرن الرابع الميالدي يعتبر‬
‫مدخًال لتاريخ أوروبا العصور الوسطى‪.‬‬

‫نهاية العصور الوسطى‪:‬‬

‫وكما ظهرت اآلراء حول بداية العصور الوسطى فقد تعددت األفكار حول نهاية العصور‬
‫الوس طى‪ .‬وإ ذا ك ان م ا ح دث في الق رن الراب ع من تغي يرات على المجتم ع الروم اني ه و‬
‫الذي دفعنا إلى تغيير اسم هذا المجتمع إلى مجتمع العصور الوسطى‪ ،‬فإنه ال بد أن تحدث‬
‫تغييرات في المجتمع الوسيط تجعلنا ننهي بهذه التغيرات المجتمع الوسيط إلى مجتمع آخر‬
‫وه و م ا نطل ق علي ه مجتم ع العص ر الح ديث‪ .‬وم ع ه ذه التغ يرات ظه رت ‪ .‬بعض اآلراء‬
‫لوض ع نهاي ة الت اريخ األوروبي الوس يط‪ .‬وق د ح اولت إدماجه ا في عناص ر متش ابهة ح تى‬
‫تصبح واضحة المعالم‪.‬‬

‫أوًال ‪ :‬آراء تدور حول الجوانب الحربية ‪:‬‬

‫ي رى بعض الم ؤرخين إنه اء العص ور الوس طى بع ام ‪1453‬م ويعلل ون وجه ة نظ رهم‬
‫بحادثتين وقعنا في تلك السنة كان لهما أثرهما البالغ األهمية في الشرق والغرب األوروبي‬
‫ففي الشرق سقطت القسطنطينية في أيدي األتراك العثمانيين بعدما ضيقوا الحصار عليها‬
‫بع د بن اء قلع ة أناض ولي حص ار ع ام ‪1397‬م على الش اطيء األس يوي على مس افة س نة‬
‫أمي ال ش مالي العاص مة‪ ،‬ثم قلع ة روملي حص ار لتقابله ا على الش اطيء األوروبي ع ام‬
‫‪١٤٥٢‬م‪ .‬وم ع س قوط ه ذه المدين ة يأف ل نجم مجتم ع االمبراطوري ة البيزنطي ة أي نص ف‬
‫مجتم ع أوروب ا العص ور الوس طى وينف ذ األت راك إلى أوروب ا ح املين معهم أفك ارًا جدي دة‬
‫قض ت على أنظم ة االمبراطوري ة البيزنطي ة ومه دت القي ام أنظم ة أخ رى س اهمت في قي ام‬
‫العصر الحديث‪.‬‬

‫أم ا فيم ا يتعل ق باألح داث ال تي وقعت في الع ام نفس ه (‪1453‬م) في الج انب الغ ربي من‬
‫أوروب ا‪ ،‬ففي ه ذا الع ام تنتهي ح رب المائ ة ع ام ال تي دارت رحاه ا بین انجل ترا وفرن ا‬
‫وانتص ار األخ يرة بع د س قوط مدين ة ب ايو ‪ Bayonne‬ومدين ة ب ودرو ‪ Bordeaux‬على‬
‫الت والي‪ .‬ولع ل اتخ اذ بعض الم ؤرخين له ذه األح داث عالم ة على نهاي ة العص ور الوسطى‬
‫مرجع ه إلى م ا ت رتب عليه ا من نت ائج ش ملت الج وانب القرمي ة والفكري ة واالقتص ادية‬
‫والمعمارية في انجلترا وفرنا ثم انسحبت على بقية الغرب األوروبي‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬آراء حول عصر النهضة ‪:‬‬

‫يضع بعض المؤرخين عصر النهضة فاص ًال بين التاريخ الوسيط والحديث‪ .‬ومرجع ذلك‬
‫إلى أن عص ر النهض ة اش تمل على تط ورات واس عة في كاف ة المج االت‪ .‬ففي مج ال اللغ ة‬
‫ك انت اللغ ة الالتيني ة هي لغ ة الكتاب ة في أوروب ا العص ور الوس طى وه ذا يع ني أن طائف ة‬
‫معينة هي التي كانت تطلع على ما كتب في هذه المرحلة‪ .‬ولكن تحوًال كبيرًا المرأ على‬
‫ه ذا الج انب عن دما كتب دان تي البج يري (‪ – 1215 - 1321( Dante Alighieri‬ره و‬
‫الش اعر الفلورنس ي ال ذي اعت بروه كب ير ش عراء عص ره ‪ -‬كتب باللغ ة اإليطالي ة ب دًال من‬
‫الالتينية ولعل أعظم ما كتبه هو الكوميديا اإللهية ‪ Divine Comedy‬التي ص اغها شعرًا‪.‬‬
‫وفي هذا المجال تجدر بنا اإلشارة إلى الشاعر الفيلسوف أبي العالء المعري ‪- 973( -‬‬
‫‪1057‬م) صاحب رسالة الغفران ولما لهذه الرسالة من أثر على كتابات دانتي‪ .‬وإ ذا كان‬
‫دانتي قد برز في إيطاليا فإن الشاعر اإلنجليزي جوفري تشوسر ‪1340-( Geoffrey‬‬
‫‪1400‬م) يعتبر أبرز الشعراء اإلنجليز قبل وليم شكسبير‪ .‬وقد قدم تشوسر المعاصريه ع دة‬
‫مؤلفات ختمها بكتابه الذي لم يتم وهو قصص كانتربوري ‪. The Canterbury Tales‬‬
‫وك ان الس تخدام ه ذا الش اعر اللغ ة اإلنجليزي ة في الكتاب ة أث رًا كب يرًا على معاص ريه‪ .‬وفي‬
‫فرنس ا ي برز لن ا الش اعر الفرنس ي فرانس وا ل ييون ‪)François Villon 1491‬م) ال ذي‬
‫اس تخدم اللغ ة الفرنس ية في الكتاب ة بمنهج س اخر‪ .‬ومم ا ال ش ك في ه أن التح ول إلى الكتاب ة‬
‫باللغ ة المحلي ة وهي اللغ ة ال تي يس تطيع الكث ير اس تخدامها ب دًال من الالتيني ة ال تي احتك ر‬
‫معرفتها القليل كان له أبلغ األثر وأعطى الفرصة للعديد لالطالع على آراء المفكرين في‬
‫هذه المرحلة‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بالفنون نذكر الرسام اإليطالي سيمون مارتيني ‪1274-( Simon Martine‬‬
‫‪1344‬م) الذي تميزت أعماله بالرشاقة‪ ،‬ومن بعده رفاييل سانزو ‪( Raphael Sanzio‬‬
‫‪1430 - 1520‬م) الرس ام المهن دس المعم اري اإليط الي ال ذي اعت بروه أعظم الفن انين‬
‫الع الميين في مختل ف العص ور‪ ،‬وتكتفي في ه ذه المرحل ة ب ذكر ث الث وه و م ا يك ل أنجل و‬
‫‪1450- 1564( Michel Angelo‬م) وهو النحات والرسام والمهندس المعماري‪ .‬وواقع‬
‫الح ال أن ه ؤالء الفن انين وغ يرهم ق د خرج وا على تقالي د العص ور الوس طى وخاص ة‬
‫كنيستها‪ ،‬وقدموا أعماًال ‪ .‬فنية في غاية الروعة والجرأة وتركوا لنا فن ًا مختلف ًا تمام ًا عن‬
‫فنون العصور الوسطى‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬آراء مرتبطة بالجانب الديني‪:‬‬

‫لم ا ك انت الكنيس ة وم ا فرض ته من تع اليم وس يطرة على أوروب ا من أهم مع الم العص ور‬
‫الوسطى‪ ،‬لذلك كان الخروج على الكنيسة وأفكارها التي سادت مجتمع العصور الوسطى‬
‫يعت بر نقل ة من مرحل ة إلى مرحل ة أخ رى‪ .‬ل ذلك ي رى البعض أن حرك ة اإلص الح ال ديني‬
‫ال تي ب دأت بمهاجم ة رج ال ال دين لبع دهم من مث ل المس يحية وبس اطتها نهاي ة للعص ور‬
‫الوس طى‪ .‬ومهم ا ك ان موق ف االبري ة من أمث ال من ن ادوا ب ذلك فم ا ال ش ك في ه أن مرك ز‬
‫البابوي ة ق د ت أثر كث يرًا من ذ الق رن الراب ع عش ر الميالدي نتيج ة األس ر الب ابوي ( ‪- 1305‬‬
‫‪1377‬م) واالنش قاق ال ديني األك بر (‪1417-1378‬م)‪ .‬ويج در بن ا اإلش ارة هن ا إلى اث نين‬
‫من ال ذين ن ادوا باإلص الح ال ديني في ه ذه المرحل ة هم ا يرحن ا هي ‪John His (15-‬‬
‫)‪ ، 1373‬المص لح ال ديني الب وهيمي ال ذي انتهم بالهرملي ة وأم ام حرق ًا‪ ،‬ويرحن ا ويكل ف‬
‫‪1330-1384( John‬م) المصلح الديني اإلنجليزي الذي أنكر سلطة البابا إذا تعارضت‬
‫م ع تع اليم الكت اب المق دس ل ذلك انهم بالهرطق ة ‪ ..‬وال ش ك أن ه ذين المص لحين ق د مه دا‬
‫الدعوة مارتن لوثير ‪Martin‬‬

‫(‪ 1546 - 1483‬م) الراهب األلماني الذي تزعم حركة اإلصالح البروتستانتي في المانيا‪،‬‬
‫ومن بعده هيوالنيمر ‪1485 - 1555( Hugh‬م) المص لح البروتس تانتي اإلنجليزي ال ذي‬
‫حكم علي ه ب الموت حرق ًا بتهم ة الهرطق ة‪ .‬وتخلص من ذل ك أن حرك ة اإلص الح ال ديني‬
‫امت دت ح تى منتص ف الق رن الس ادس عش ر الميالدي وأن الحكم ب الموت حرق ًا في ه ذه‬
‫المرحلة يشير إلى أن أفكار العصور الوسطى كانت سائدة حتى هذه المرحلة أيضًا‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬أفكار تدور مع الكشوف الجغرافية ‪:‬‬

‫مما هو معروف أن الكشوف الجغرافية وما ترتب عليها من نتائج في كافة المجاالت كان‬
‫لها أثرها البالغ عن مجتمعات العصور الوسطى في العالم أجمع‪ .‬هذه الكشوف الجغرافية‬
‫ال تي ق ام بج انب منه ا المالح البرتغ الي بارتليميودي از ‪1450 -( Bartholomé Dia‬‬
‫‪1500‬م) واكتش ف طري ق رأس الرج اء الص الح ‪)1417‬م(‪ ،‬ومن بع ده فاس كودي بام ا‬
‫‪1524 - )Vasco de Gama 1469‬م) ال ذي ق ام ب أول رحل ة بحري ة إلى الهن د عن‬
‫طري ق رأس الرج اء الص الح (‪1498 - 1487‬م)‪ ،‬وفردینان د م اجالن ‪Ferdinand‬‬
‫‪1380 1921-( Magellan‬م) المالح البرتغالي الذي اعتبروه أول من قام برحلة حول‬
‫الع الم‪ .‬وفي مج ال الكش وف الجغرافي ة يلم ع كريس توفر كولمب وس ‪Christopher‬‬
‫‪1451 - 1506( Columbus‬م) ال ذي اكتش ف أمريك ا الجنوبي ة دون أن ي دري ع ام‬
‫‪1492‬م‪ .‬ويتخذ أصحاب هذا الرأي هذا العام منطلقًا لعصر جديد ونهاية للعصور الوسطى‬
‫لما ت رتب على هذه الكش وف من نت ائج في المج االت السياسية واالقتص ادية بص فة خاصة‬
‫وفي المجاالت الفكرية بصفة عامة‪.‬‬

‫وعلى أي ة ح ال وبع د ه ذا الع رض المح دود ألهم اآلراء ال تي دارت ح ول نهاي ة العص ور‬
‫الوسطى نك رر أن التحول من مرحلة الت اريخ الوسيط إلى الت اريخ الحديث لم تتم في سنة‬
‫بذاتها وإ نما هي عملية تحول تتم تدريجيًا وبطريقة غير ملموسة‪ ،‬وأن كل ما ورد من آراء‬
‫لها وجاهتها‪ ،‬ولكنه يمكن اتخاذ القرن الخامس نهاية للعصور الوسطى نظرًا لما حدث في‬
‫هذا القرن من تطورات فكرية وسياسية ودينية واقتصادية واجتماعية أدت إلى االنتقال من‬
‫العصر الوسيط إلى العصر الحديث‪.‬‬

‫مراحل العصور الوسطى‪:‬‬

‫يتضح من الصفحات القليلة السابقة أن الفترة التي نسميها بالعصور الوسطى فترة طويلة‬
‫اس تمرت ح والي أل ف ومائ ة ع ام‪ .‬وم ع ط ول ه ذه الف ترة ال يمكن الق ول إن الن اس ال ذين‬
‫عاشوا في هذه المرحلة ساروا على نظام واحد طوال هذه الفترة‪ ،‬فقد كانت األحوال تتبدل‬
‫وتتح ول وإ ن ك ان ذل ك بطيء الخط ا‪ .‬وإليض اح ذل ك نق ول إن الن اس ال ذين عاش وا أي ام‬
‫جس تينيان في الق رن الس ادس الميالدي ق د اختلفت حي اتهم وأفك ارهم عن ال ذين عاش وا أي ام‬
‫ش ارلمان في الق رن الث امن الميالدي‪ ،‬واختل ف االثن ان أيض ًا في معيش تهم عن الحي اة ال تي‬
‫عاشها الفرد أيام الملك اإلنجليزي هنري ‪ Henry‬الثالث‪ .- 1272( )1216‬وعلى ذلك‬
‫يمي ل بعض الم ؤرخين المح دثين إلى تقس يم ت اريخ العص ور الوس طى إلى مراح ل متع ددة‬
‫يمكن وضعها في ثالث مراحل رئيسية لكل مرحلة منها ما يميزها عن غيرها مع شيء‬
‫من التجاوز في الزمان والمكان‪.‬‬

‫المرحلة األولى‪:‬‬
‫وهي المرحلة التي تبدأ ببداية العصور الوسطى وهي ما حددناها بالقرن الرابع وتمتد حتى‬
‫الق رن العاش ر وفي ه ذه المرحل ة تالح ظ تزاي د اض محالل االمبراطوري ة الروماني ة وبداي ة‬
‫الغزوات الجرمانية‪ ،‬كما بدأت الفتوحات اإلسالمية في القرن السابع والثامن حتى وصلت‬
‫غرب ًا إلى إس بانيا‪ ،‬كم ا ش اهدت ه ذه المرحل ة تحرك ات الف ايكنج ‪ Viking‬في ش به جزي رة‬
‫اسكندناوه في القرن التاسع‪ .‬ويمعنى آخر إن هذه المرحلة شهدت تحركات واسعة النطاق‬
‫ش ملت األراض ي األوروبي ة‪ .‬وق د ص احب ذل ك انع دام األمن لع دم ق درة الحكوم ات على‬
‫السيطرة على ما تحت أيديها مه أراضي‪ .‬ومع ذلك كله فقد تمت في هذه المرحلة عملية‬
‫انصهار الحضارة الرومانية مع الحضارة الجديدة التي جاءت بها العناصر الجديدة التي‬
‫اتخ ذت من أراض ي أوروب ا مس تقرًا له ا كم ا ش هدت ه ذه المرحل ة أيض ًا الهرطق ات الديني ة‬
‫حتى ساد المذهب األرثوذكسي في االمبراطورية البيزنطية والمذهب الكاثوليكي في غرب‬
‫أوروبا‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪:‬‬

‫وتلي المرحل ة األولى مرحل ة أخ رى تب دأ من الق رن الح ادي عش ر وتس تمر ح تى الق رن‬
‫الث الث عش ر‪ .‬وتالح ظ في ه ذه المرحل ة تمت ع الغ رب األوروبي بق در من األمن النس بي‬
‫ووج ود النظ ام اإلقط اعي ‪ Feudalism‬رب ا ص احبه من الفروس ية ‪ Kinghthood‬وم ا‬
‫احتوته من مثل عليا‪ .‬كما ظورت الجامعات واهتم البعض بالمعرفة خاصة دراسة الفلسفة‬
‫اليونانية والدائرة الروماني‪ .‬ونشاهد أيض ًا التحول الذي ظهر في الفنون المعمارية‪ ،‬ونمو‬
‫الم دن‪ ،‬وقي ام أوروب ا تحت زع امتين هم ا الزعام ة الديني ة بقي ادة الباب ا والدنيوي ة بزعام ة‬
‫االمبراطور‪ ،‬ويتضح من هذه المرحلة أن أوروبا قد دخلت مرحلة التكوين وأن حضارتها‬
‫في هذه المرحلة بدأت تتخذ شكًال مميزًا اختلف عن المرحلة السابقة‪ ،‬وظهرت به نهضة‬
‫لها خصائصها عرفت باسم نهضة القرن الثاني عشر‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة ‪:‬‬

‫وتنحصر هذه المرحلة في القرن الرابع عشر‪ ،‬وفي هذه المرحلة تغيرت أفكار العصور‬
‫الوسطى بفعل تصادم أفكار المرحلة السابقة مع األفكار الجديدة التي ظهرت في أوروبا‬
‫بفعل التطور أو من جراء دخول أفكار جديدة نتيجة االحتكاك بين الشرق والغرب وخاصة‬
‫عن طريق األندلس وستلية والحروب الصليبية هذا االحتكاك الذي أثرى العرب األوروبي‬
‫ب الكثير من العلم والمعرفة‪ ،‬وليس لنا في هذا المجال أن نستشهد بأحد بل يكفينا أن تذكر‬
‫بعض علم اء المس لمين في ه ذه المرحل ة‪ .‬فق د كتب ج ابر بن حیان (‪725 - 702‬م) عن‬
‫الطب والكيمياء‪ ،‬ووضع الخوارزمي‪850 - 780( .‬م) أقدم جداول في حساب المثلثات‪،‬‬
‫وكتب الفرغاني حوالي عام ‪860‬م كتاب ًا من الذلك ظلت تعتمد عليه أوروبا لزمن طويل‪،‬‬
‫كم ا عم ل ث ابت بن ق رة (‪901-862‬م( ب الطب والفل ك‪ .‬كم ا ك ان الب يروني (‪- 973‬‬
‫‪1048‬م) فيلسوفًا ومؤرخ ًا وجغرافي ًا ولغوب ًا ورياضيًا وفلكي ًا وشاعرًا وعالم ًا في الطبيعة‪.‬‬
‫ون ذكر أيض ًا الش اعر والط بيب والفيلس وف ابن طفي ل (‪1185 - 1107‬م) وابن رش د (‬
‫‪1198 -1127‬م) ال ذي ك ان أك بر فالس فة المس لمين ت أثرًا في العق ول‪ ،‬وق د ع رف في‬
‫العصور الوسطى باسم أفروس ‪ ،Averroes‬وابن البيطار(‪1248‬م) عالم النبات صاحب‬
‫كتاب األدوية وابن النفيس (‪1288‬م) الطبيب الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى‪.‬‬

‫ولعل من جراء تأثير هؤالء العلماء وغيرهم من داخل أوروب ا ومن خارجها تغير تفكير‬
‫الناس في أوروبا في هذه المرحلة في نواحي عديدة فإذا نظرنا إلى نظام الحكم على سبيل‬
‫المث ال نج د أن نظ رة الش عب إلى النظ ام الملكي ق د تغ يرت وأص بحت تنظ ر إلي ه على أن ه‬
‫رأس الدول ة ب ذًال من رأس اإلقط اع‪ ،‬وأك ثر من ذل ك أن بعض ش عيب أوروب ا ق د ط البت‬
‫الملكية هذا التحول بتحديد سلطاتها وهو ما أدى إلى ظهور البرلمانات‪ .‬ومع الفكري في‬
‫نظ ام الحكم أص بح الن اس يهتم ون ب أمور دولتهم واض محلت الفك رة ال تي ك انت س ائدة ب أن‬
‫أوروبا وحدة واحدة‪.‬‬
‫وإ ذا نظرنا إلى الجانب العلمي تالحظ ظهور اللغات المحلية بدًال من الالتينية وهذا يؤكد‬
‫م ا أوردن اه من تفك ك الوح دة األوروبي ة‪ ،‬ويب دو أن ه ذا التح ول ق د أث ر على التعليم لبعض‬
‫ال وقت ح تى أنن ا نج د أن الحرك ة العلمي ة في الجامع ات ق د أص ابها الجم ود‪ ،‬ولع ل ذل ك‬
‫مرجع ه إلى أن ه ذا التح ول يحت اج لبعض ال وقت ح تى تتفهم الن اس الحض ارة الواف دة إليه ا‬
‫واللغة الجديدة التي ظهرت‪.‬‬

‫أم ا م ا يتعل ق بالج انب ال ديني فق د تزع زع مرك ز الباب ا والكنيس ة مع ًا وهاجمه ا الن اس في‬
‫مواض ع عدي دة وه و م ا لم يكن مألوف ًا في مراح ل س ابقة‪ .‬وعلى الج انب ال ديني ن ذكر‬
‫الحروب الصليبية التي ابتعد عنها الناس كثيرًا بعد ما ضعف التعصب الديني وبدأ الناس‬
‫يهتمون بشؤونهم وتنمية مواردهم في بالدهم‪.‬‬

‫وخالصة القراء إن عالم العصور الوسطى بدأ في القرن الرابع وانتهى في القرن الخامس‬
‫عش ر الميالدي‪ ،‬وأن ه ذا العص ر لم يس ر على وت يرة واح دة ب ل يمكن تقس يمه إلى ف ترات‬
‫ثالث لك ل منه ا م ا يميزه ا‪ .‬وأن ف ترة العص ور الوس طى أس همت في التط ور الحض اري‬
‫الذي نقلنا من التاريخ القديم إلى التاريخ الحديث‪.‬‬