تقريب روضة الناظر وجنة المناظر باب القياس القياس في النفي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 130

‫تقريب‬

‫روضة الناظر‬
‫وجنة املناظر‬

‫تأليف‪:‬‬
‫موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي‬
‫‪ 620 0 541‬هـ‬

‫باب القياس‪ -‬إجراء القياس في النفي‬

‫إعداد‪:‬‬
‫الطالبة‪ /‬رزكا أماليا إسكندر‬

‫الفصل الدراسي الثاني العام الجامعي‪ 1444 :‬هـ‬

‫‪https://t.me/waalhiqnibisshalihin‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫تقريب‬

‫روضة الناظر‬
‫وجنة املناظر‬
‫تأليف‪:‬‬
‫موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي‬
‫‪ 620 0 541‬هـ‬

‫باب القياس‪ -‬إجراء القياس في النفي‬

‫إعداد‪:‬‬
‫رزكا أماليا إسكندر‬

‫الفصل الدراسي الثاني العام الجامعي‪ 1444 :‬هـ‬


‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪4‬‬

‫متن روضة الناظر الذي ل يوجد يف العرض التقديمي للدكتور حسن الشنقيطي‬
‫حفظه اهلل‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫الكتاب السادس فيما هو فرع لألصول املذكورة وهو القياس‬


‫تعريف القياس‬
‫القياس لغة‬
‫باب‪ :‬القياس‬
‫القياس يف اللغة‪ :‬التقدير‪،‬‬
‫• ومنه‪« :‬قست الثوب بالذراع»‪ :‬إذا قدرته به‪.‬‬
‫• «وقاس الطبيب الجراحة»‪ :‬إذا جعل فيها الميل يقدّ رها به‪ ،‬ليعرف غورها‪.‬‬
‫‪ o‬قال الشاعر‪ ،‬يصف جراحة أو شجة‪:‬‬
‫إذا قاسها اآلسي النطاسي أدبرت … غثيثتها أو زاد وه ًيا هزومها‪.‬‬
‫القياس اصطالحا‬
‫وهو يف الشرع‪:‬‬
‫[‪ ]1‬حمل فرع على أصل يف حكم بجامع بينهما‪.‬‬
‫[‪ ]2‬وقيل‪ :‬حكمك على الفرع بمثل ما حكمت به يف األصل‪ ،‬لشرتاكهما يف العلة التي‬
‫اقتضت ذلك يف األصل‪.‬‬
‫[‪ ]3‬وقيل‪ :‬حمل معلوم على معلوم يف إثبات حكم لهما‪ ،‬أو نفيه عنهما‪ ،‬بجامع بينهما من‬
‫إثبات حكم أو صفة لهما‪ ،‬أو نفيهما عنهما‪.‬‬
‫‪ o‬ومعاين هذه الحدود متقاربة‪.‬‬
‫[هذا مسلم في التعريف األول والثاني‪ ،‬أما الثالث فغير مسلم‪ ،‬فإن قوله‪« :‬من إثبات حكم أو صفة‬
‫لهما‪ ،‬أو نفيهما عنهما» غير صحيح‪ ،‬فإن القياس يثبت حكم الفرع فقط‪ ،‬أما حكم األصل فمعلوم‪،‬‬
‫وإال فكيف يقاس عليه؟‬
‫وهذه التعريفات جارية على أن حكم الفرع هو نفس حكم األصل‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪6‬‬

‫وهناك اتجاه آخر يرى أن حكم الفرع ليس هو حكم األصل‪ ،‬وإنما هو مثله‪ ،‬ولذلك عرفه القرافي بأنه‪:‬‬
‫إثبات مثل حكم معلوم ملعلوم آخر ألجل اشتباههما في علة الحكم عند املثبت‪.‬‬
‫فقوله‪« :‬مثل حكم معلوم» يدل على أنه مثله ال عينه‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬عند املثبت» ليشمل القياس الصحيح والفاسد؛ ألن علة القياس قد تكون منصوصة‪ ،‬وقد‬
‫تكون مستنبطة‪ ،‬فتختلف فيها وجهة نظر العلماء‪،‬‬
‫كما اختلفوا في علة الربا في األمور الستة الواردة في حديث عبادة بن الصامت‪ ،‬هل هي الكيل‪ ،‬أو‬
‫الطعم‪ ،‬أو الوزن‪ ،‬أو االقتيات؟‬
‫ً‬
‫صحيحا‪،‬‬ ‫ًّ‬
‫شرعيا‬ ‫فإذا قلنا‪ :‬إن كل مجتهد مصيب‪ ،‬كان ذلك ً‬
‫قياسا‬
‫ً‬
‫فاسدا‪ ،‬ومع‬ ‫وإذا قلنا‪ :‬إن املجتهد يصيب ويخطئ‪ ،‬كان املصيب ً‬
‫واحدا‪ ،‬وغيره مخطئ‪ .‬فيكون قياسه‬
‫ذلك فهو داخل في التعريف‪.‬‬
‫انظر‪ :‬اإلحكام لآلمدي»‪«١٨٣ /٣‬شرح مختصر الروضة»‪«٢٢٠ /٣‬وما بعدها»‬
‫مناقشة تعريف القياس باالجتهاد‬
‫▪ وقيل‪ :‬هو الجتهاد‪[ ،‬وأثر ذلك عن اإلمام الشافعي] إتحاف ذوي البصائر ‪.٢6/7‬‬
‫‪ o‬وهو خطأ‪،‬‬
‫▪ فإن الجتهاد قد يكون بالنظر يف العمومات وسائر طرق األدلة‪ ،‬وليس بقياس‪.‬‬
‫أي‪ :‬عرف علماء الشرع‪ ،‬وحاصل الرد على هذا التعريف‪ :‬أن لفظ «القياس» ينبئ عن‬
‫معنى التقدير واالعتبار‪ ،‬واالجتهاد ال ينبئ عن ذلك‪ ،‬وهذا نقض للتعريف من جهة‬
‫اللفظ‪.‬‬
‫▪ ثم ل ينبئ يف العرف إل عن بذل المجهود‪ ،‬إذ من حمل خردلة ل يقال‪ :‬اجتهد‪،‬‬
‫وقد يكون القياس جل ًّيا ل يحتاج إلى استفراغ الوسع وبذل الجهد‪.‬‬
‫أركان القياس‬
‫ول بد يف كل قياس من‪:‬‬
‫[‪ ]1‬أصل‪،‬‬
‫[‪ ]2‬وفرع‪،‬‬
‫[‪ ]3‬وعلة‪،‬‬
‫‪7‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫[‪ ]4‬وحكم‪.‬‬
‫إطالق القياس على مقدمتي النتيجة‬
‫***فأما إطالق القياس على المقدمتين اللتين يحصل منهما نتيجة‪ :‬فليس بصحيح؛‬
‫▪ ألن القياس يستدعي أمرين يضاف أحدهما إلى اآلخر‪ ،‬ويقدر به‪ ،‬فهو اسم إضايف بين‬
‫شيئين على ما ذكرناه يف اللغة‪*** .‬‬

‫‪‬‬

‫أضرب االجتهاد في العلة‬


‫املراد بالعلة‬
‫ونعني بالعلة‪ :‬مناط الحكم‪.‬‬
‫▪ وسميت علة؛ ألهنا غيرت حال المحل‪،‬‬
‫ً‬
‫أخذا من علة المريض؛ ألهنا اقتضت تغيير حاله‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫وفي إرشاد الفحول للشوكاني "‪ "١57 /٢‬وقيل‪ :‬إنها مأخوذة من العلل بعد النهل‪ ،‬وهو معاودة الشرب‬
‫مرة بعد مرة؛ ألن املجتهد في استخراجها يعاود النظر مرة بعد مرة‪.‬‬

‫أما في االصطالح الشرعي‪ :‬فلها معان كثيرة‪.‬‬


‫علما على الحكم‪ ،‬إن وجد املعنى وجد الحكم‪.‬‬‫املعنى األول‪ :‬أنها املعرفة للحكم‪ ،‬بأن جعلت ً‬
‫املعنى الثاني‪ :‬أنها املؤثرة في الحكم بجعل هللا تعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫املعنى الثالث‪ :‬أنها الباعث على التشريع‪ ،‬بمعنى‪ :‬أن يكون الوصف مشتمًل على مصلحة صالحة ألن‬
‫تكون مقصودة للشارع من شرح الحكم‪.‬‬
‫املعنى الرابع‪ :‬هي املؤثرة في الحكم بذاتها‪ ،‬ال بجعل هللا تعالى‪ .‬وهو تعريف املعتزلة‪ ،‬وهو مرفوض‪ ،‬ألن‬
‫هللا تعالى هو الفعال ملا يريد‪ ،‬وال يجب عليه ش يء‪ ،‬فإنه سبحانه ال يحمله ش يء على فعل ش يء‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪8‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫ونستطيع أن نستخلص من هذه التعريفات تعريفا شامال للعلة بأنها‪ :‬هي الوصف الظاهر املنضبط‬
‫الذي يناسب الحكم بتحقيق مصلحة الناس‪ ،‬إما بجلب منفعة أو دفع مضرة‪.‬‬
‫[انظر‪ :‬املعتمد "‪ ،"7٠4 /٢‬فواتح الرحموت "‪ ،"٢6٠ /٢‬نهاية السول "‪ ،"٣9 /٣‬إرشاد الفحول "‪ ١57 /٢‬وما بعدها"]‪.‬‬

‫واالجتهاد يف العلة على ثالثة أضرب‪:‬‬


‫[‪ ]1‬تحقيق المناط للحكم‪،‬‬
‫[‪ ]2‬وتنقيحه‪،‬‬
‫[‪ ]3‬وتخريجه‬

‫‪‬‬

‫(الضرب الثالث في الكتاب)‬ ‫‪ -1‬تخريج املناط‬


‫الضرب الثالث‪ :‬تخريج المناط‬
‫التخريج في اللغة‪ :‬االستخراج واالستنباط‪.‬‬
‫أما في االصطًلح‪ :‬فهو عبارة عن إضافة حكم ‪-‬لم يتعرض الشرع لعلته‪ -‬إلى وصف مناسب في نظر‬
‫املجتهد بالسبر والتقسيم‪ ،‬كاألمثلة التي ذكرها املصنف‪.‬‬
‫ً‬
‫موضحا ذلك‪" :‬وتحرير الكًلم ههنا‪ :‬أنا إذا رأينا الشارع قد نص على حكم‪ ،‬ولم‬ ‫قال الشيخ الطوفي‪،‬‬
‫يتعرض لعلته‪ ،‬قلنا‪ :‬هذا حكم حادث ال بد له بحق األصل من سبب حادث‪ ،‬فيجتهد في استخراج ذلك‬
‫من محل الحكم‪ ،‬فإذا ظفر بوصف مناسب له‪ ،‬واجتهد ولم يجد غيره‪ ،‬غلب على ظنه أن ذلك‬
‫الوصف هو سبب ذلك الحكم"‪ .‬شرح املختصر "‪"٢4٣ /٣‬‬

‫أصًل‪.‬‬
‫وهو‪ :‬أن ينص الشارع على حكم يف محل‪ ،‬ول يتعرض لمناطه ً‬
‫▪ كتحريمه شرب الخمر‪ ،‬والربا يف الب‪ ،‬فيستنبط المناط بالرأي والنظر‪،‬‬
‫مسكرا‪ ،‬فيقيس عليه النبيذ‪،‬‬
‫ً‬ ‫حرم الخمر‪ ،‬لكونه‬
‫‪ o‬فيقول‪ّ :‬‬
‫‪9‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫مكيًل‪ ،‬فيقيس عليه األرز‪.‬‬


‫ً‬ ‫وحرم الربا يف الب‪ ،‬لكونه‬
‫ّ‬ ‫‪o‬‬

‫حكمه‪ :‬وهذا هو الجتهاد القياسي الذي وقع الخًلف فيه‪.‬‬

‫اعترض على تعريف ابن قدامة والطوفي على تخريج املناط اعتراضين هما‪:‬‬
‫‪ -١‬أنه تعرض للعلة املستنبطة دون الثابتة بالنص أو اإليماء أو اإلجماع‪.‬‬
‫‪ -٢‬أنه ذكر مسلكا واحدا من مسالك العلة على كثرتها‪.‬‬
‫أجب جوابين يصوبان ما ذهب إليه الطوفي وابن قدامة‪:‬‬
‫‪ -١‬أنهما ذكرا العلة املستنبطة والسبر والتقسيم على سبيل املثال ال الحصر‪.‬‬
‫‪ -٢‬أنهما إنما عرفا تخريج املناط التام بعيد الغوص‪ ،‬وذلك باإليماء والسبر والتقسيم وهما أبعد في‬
‫املسالك‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -2‬تنقيح املناط‬
‫ونقحت الش يء‪:‬‬‫التنقيح في اللغة‪ :‬التخليص والتهذيب‪ ،‬يقال‪َ :‬ن َّق ْح ُت العظم‪ :‬إذا استخرجت مخه‪ّ ،‬‬
‫خلصت جيده من رديئه‪ .‬انظر‪ :‬املصباح املنير مادة "نقح"‪.‬‬
‫وأما في االصطًلح‪ :‬فهو إلغاء بعض األوصاف التي أضاف الشارع الحكم إليها لعدم صًلحيتها لًلعتبار‬
‫في العلة‪ .‬انظر‪ :‬شرح الطوفي "‪"٢٣7 /٣‬‬

‫وهو‪ :‬أن يضيف الشارع الحكم إلى سببه‪ ،‬فيقرتن به أوصاف ل مدخل لها يف اإلضافة‪ ،‬فيجب‬
‫حذفها عن العتبار‪ ،‬ليتسع الحكم‪.‬‬
‫مثاله‬
‫َعت؟ " قال‪ :‬وقعت‬
‫هلكت يا رسول اهلل‪ .‬قال‪َ " :‬ما َصن َ‬ ‫ُ‬ ‫▪ ومثاله‪ :‬قول األعرابي الذي قال‪:‬‬
‫على أهلي يف هنار رمضان‪ .‬قال‪َ " :‬أعْتِ ْق َر َقب ًة"‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪10‬‬

‫‪ o‬فنقول‪ :‬كونه أعراب ًّيا‪ :‬ل أثر له‪ ،‬فيلحق به "الرتكي" و"العجمي"‪ ،‬لعلمنا أن مناط‬
‫الحكم‪ :‬وقاع مكلف‪ ،‬ل وقاع األعرابي‪ ،‬إذ التكاليف تعم األشخاص‪ ،‬على ما مضى‬
‫يف باب العموم‪.‬‬
‫‪ o‬ويلحق به‪ :‬من أفطر بوقاع يف رمضان آخر؛ لعلمنا أن المناط‪ :‬حرمة رمضان‪ ،‬ل حرمة‬
‫ذلك الرمضان‪.‬‬
‫‪ o‬وكون الموطوءة منكوحة‪ :‬ل أثر له‪ ،‬فإن الزنا أشد يف هتك الحرمة‪.‬‬
‫▪ فهذه إلحاقات معلومة تبنى على مناط الحكم‪ ،‬بحذف ما علم بعادة الشرع يف‬
‫مصادره وموارده وأحكامه‪ :‬أنه ل مدخل له يف التأثير‪.‬‬
‫وقد يكون بعض األوصاف مظنونًا‪ ،‬فيقع الخًلف فيه كالوقاع‪،‬‬
‫▪ إذ يمكن أن يقال‪ :‬مناط الكفارة‪ :‬كونه مفسدً ا للصوم المحرتم‪ ،‬والجماع آلة اإلفساد‪ ،‬كما‬
‫أن السيف آلة للقتل الموجب للقصاص‪ ،‬وليس هو من المناط‪ ،‬كذا ههنا‪.‬‬
‫يعني‪ :‬أنه قد تكون علة الحكم ظنية‪ ،‬فتختلف فيها األنظار‪ ،‬مثل‪ :‬هل العلة في الكفارة خصوص‬
‫الجماع في نهار رمضان‪ ،‬أو عموم إفساد الصوم‪ ،‬كاألكل والشرب؟ خًلف بين العلماء‪:‬‬
‫‪ -١‬فأبو حنيفة ومالك يرون أن األكل والشرب كالجماع في وجوب الكفارة‪ ،‬بل هما أولى من الجماع؛‬
‫ألنهما مادة الجماع وسببه املقوي عليه‪ ،‬ووسيلته املتوصل بها إليه‪ ،‬إذ الجائع ال يستطيعه‪،‬‬
‫والشبعان ينشط له‪ ،‬فكان إيجاب الكفارة باألكل والشرب من باب‪ :‬سد الذرائع‪ ،‬وحسم مواد‬
‫الفساد‪.‬‬
‫‪ -٢‬والشافعي وأحمد يقوالن‪ :‬ال كفارة إال بخصوص الجماع‪ ،‬ألن النفس ال تنزجر عنه عند هيجان‬
‫الشهوة بمجرد الوازع الديني‪ ،‬فاحتيج فيه إلى زيادة في الوازع وهي الكفارة‪.‬‬
‫[انظر‪ :‬شرح الطوفي "‪.]"٢4٠ /٣‬‬

‫▪ ويمكن أن يقال‪ :‬الجماع مما ل تنزجر النفس عنه عند هيجان الشهوة بمجرد وازع الدين‪،‬‬
‫فيحتاج إلى كفارة وازعة‪ ،‬بخًلف األكل‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪ o‬والمقصود‪ :‬أن هذا نظر يف تنقيح المناط بعد معرفته بالنص‪ ،‬ل بالستنباط‪،‬‬
‫حكمه‪ :‬وقد أقر به أكثر منكري القياس‪.‬‬
‫وأجراه أبو حنيفة يف الكفارات‪ ،‬مع أنه ل قياس فيها عنده‪.‬‬
‫يعني‪ :‬مع أن أبا حنيفة وأصحابه ال يرون القياس في الكفارات‪ ،‬إال أنهم خالفوا أصلهم في‬
‫هذه املسالة‪ ،‬وأجروا القياس فيها‪.‬‬

‫‪‬‬

‫(الضرب الول في الكتاب)‬ ‫‪ -3‬تحقيق املناط‬


‫أما تحقيق المناط‪ ،‬فنوعان‪:‬‬
‫ُ‬
‫واملراد باملناط‪ :‬ما نيط به الحكم‪ ،‬أي‪ :‬علق به‪ ،‬وهو العلة التي رتب عليها الحكم في األصل‪ ،‬يقال‪ :‬نطت‬
‫ً‬
‫الحبل بالوتد‪ ،‬أنوطه نوطا‪ :‬إذا علقته‪ ،‬ومنه ذات أنواط‪ ،‬وهي شجرة كانوا في الجاهلية يعلقون فيها‬
‫سًلحهم‪.‬‬
‫النوع الول من تحقيق املناط‬
‫أولهما‪ :‬ل نعرف يف جوازه خًل ًفا‪.‬‬
‫منصوصا عليها‪ ،‬ويجتهد يف تحقيقها يف الفرع‪.‬‬
‫ً‬ ‫ومعناه‪ :‬أن تكون القاعدة الكلية متف ًقا عليها‪ ،‬أو‬
‫أمثلته‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ٓ ُۡ‬
‫ج َزاء‪ ٞ‬مِّثل َما ق َتل م َِّن‬‫• ومثاله‪ :‬قولنا‪" :‬يف حمار الوحش‪ :‬بقرة" لقوله تعالى‪ :‬ﵟف‬

‫ٱلن َع ِّمﵞ [المائدة‪ ]95 :‬فنقول‪" :‬المثل واجب‪ ،‬والبقرة مثل‪ ،‬فتكون هي الواجب"‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪ o‬فاألول‪ :‬معلوم بالنص واإلجماع‪ ،‬وهو‪ :‬وجوب المثلية يف البقرة‪.‬‬


‫[أي‪ :‬أن وجوب املثل متفق عليه ثابت بالنص واإلجماع]‪.‬‬
‫‪ o‬أما تحقيق المثلية يف البقر‪ ،‬فمعلوم بنوع من الجتهاد‪[ ،‬أي‪ :‬أن كون البقرة مثل حمار‬
‫الوحش‪ ،‬اجتهادي‪ ،‬ثابت باالجتهاد في تحقيق النص؛ ألن هللا ‪-‬تعالى‪ -‬لم ينص على أن البقرة‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪12‬‬

‫ً‬
‫متعمدا]‪.‬‬ ‫مثل حمار الوحش‪ .‬في كفارة قتل املحرم للصيد‬
‫• ومنه الجتهاد يف القبلة فنقول‪ :‬وجوب التوجه إلى القبلة معلوم بالنص‪ ،‬أما أن هذه جهة‬
‫القبلة‪ :‬فيعلم بالجتهاد‪.‬‬
‫• وكذلك تعيين اإلمام‪[ ،‬يعني‪ :‬أن نصب اإلمام والوالي والقاض ي واجب‪ ،‬لكن تعيين فًلن أو فًلن‬
‫من الناس لهذه املناصب موكول إلى اجتهاد أهل الحل والعقد في ذلك]‪.‬‬
‫• والعدل‪ ،‬أي‪ :‬أن حكم القاض ي بالصدق واجب‪ ،‬وهو أمر معلوم بالنص‪ ،‬وقول العدل صدق‬
‫معلوم بالظن‪ ،‬وأمارات العدالة ال تعلم إال بالظن‪.‬‬
‫• ومقدار الكفاية يف النفقات ونحوه‪ .‬أي‪ :‬أن قدر الكفاية في نفقة الزوجات واألقارب ونحوهم‬
‫واجب متفق عليه‪ ،‬أما كون قدر الكفاية بالوزن أو الكيل كذا‪ ،‬فيدرك باالجتهاد والظن‪.‬‬
‫‪ o‬فليعب عن هذا بتحقيق المناط‪ ،‬إذ كان معلو ًما‪ ،‬لكن تعذر معرفة وجوده يف آحاد‬
‫الصور‪ ،‬فاستدل عليه بأمارات‪.‬‬
‫أي‪ :‬أن مناط الحكم معلوم بنص أو إجماع‪ ،‬فًل حاجة على استنباطه أو االجتهاد فيه لكن تعذر‬
‫معرفة وجوده في الصور التي يراد إثبات الحكم فيها‪ ،‬فاستدل عليه بأمارات ظنية‪ ،‬تسمى تحقيق‬
‫املناط‪ .‬انظر‪ :‬املستصفى»‪ 4٨6 /٣‬وما بعدها «‪ ،‬شرح مختصر الروضة»‪."٢٣5-٢٣4 /٣‬‬
‫النوع الثاني من تحقيق املناط‬
‫• الثاين‪ :‬ما عرف علة الحكم فيه بنص أو إجماع‪ ،‬فيبين المجتهد وجودها يف الفرع باجتهاده‪.‬‬
‫وافات»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َجس؛ إِن ََّها مِ َن ال َّط َّوافين عليكم وال َّط‬
‫• مثاله‪ :‬قول النبي ﷺ يف الهر‪« :‬إِن ََّها َل ْي َس ْت بِن ٍ‬

‫الفأ َر ِة‬
‫ات من ْ‬ ‫واف يف الح َشر ِ‬
‫َ َ‬
‫هاد ِه وجود ال َّط ِ‬
‫ُ َ‬
‫المجتهدُ باجتِ ِ‬
‫ِ‬ ‫جعل ال َّطوافَ ع َّلةً‪ ،‬ف ُي َب ِّي ُن‬ ‫*** َ‬
‫هار ِة***‬ ‫باله ِّر يف ال َّط َ‬ ‫ح َق َها ِ‬‫وغيرِها؛ لي ْل ِ‬
‫ُ‬
‫حكمه‬
‫القياس‪.‬‬
‫َ‬ ‫أقر ِبه جماع ٌة ِم َّمن ُينْكِ ُر‬ ‫***[حكم النوع الثاين]‪ :‬فهذا ٌ ِ‬
‫قياس جل ٌّي قد َّ‬
‫قياسا؛‬
‫ك ً‬ ‫فليس ذلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تحقيق المناط‪َ :‬‬ ‫األو ُل من‬
‫َّوع َّ‬
‫وأما الن ُ‬
‫َّ‬
‫والقياس ُمخت َلفٌ فيه‪،‬‬ ‫َّفق ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫فإن هذا مت ٌ‬
‫َّ‬ ‫•‬
‫ُ‬
‫‪13‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫ِ‬
‫كفاية ك ُِّل‬ ‫ِ‬
‫وقدر‬ ‫ِ‬
‫عدالة األشخاص‬ ‫َّنصيص على‬
‫ألن الت‬ ‫ٍ‬
‫شريعة؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫ضرورة ك ُِّل‬ ‫• وهذا من‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫شخص ال يوجدُ ***‪.‬‬

‫‪‬‬

‫فصل في إثبات القياس على منكريه‬


‫القوال ونسبتها‬
‫القول الثالث‪ :‬ال حكم للعقل‬ ‫القول الثاين‪ :‬ال يجوز التعبد‬ ‫القول األول‪ :‬قال بعض‬

‫فيه بإحالة وال إيجاب‪ ،‬لكنه‬ ‫عقال وال شر ًعا‬


‫به ً‬ ‫أصحابنا‪ :‬يجوز التعبد‬

‫يف مظنة الجواز‪ ،‬فأما التعبد به‬ ‫(أهل الظاهر والنظام)‬ ‫عقال وشر ًعا‬
‫بالقياس ً‬

‫شر ًعا‪ :‬فواجب‪( ،‬بعض‬ ‫وقد أومأ إليه أحمد ‪ ‬فقال‪:‬‬ ‫(عامة الفقهاء والمتكلمين)‬

‫الشافعية وطائفة من‬ ‫"يجتنب المتكلم يف الفقه‬ ‫لقول أحمد‪ :‬رحمه اهلل‪" :‬ل‬

‫المتكلمين)‬ ‫هذين األصلين‪ :‬المجمل‬ ‫يستغني أحد عن القياس"‬


‫والقياس"‬
‫وتأوله القاضي على قياس‬
‫نصا‪.‬‬
‫يخالف به ًّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والتحذير منه إنما يعنون به الرأي الفاسد‪ ،‬كالقياس‬ ‫اعلم أوال أن ما ورد عن الصحابة من ذم الرأي‬
‫املخالف للنص أو املبني على الجهل إلجماعهم على العمل بالرأي واالجتهاد فيما ال نص فيه‪ ،‬وإلى هذا‬
‫َ‬
‫أشار في املراقي بقوله‪:‬‬
‫وما َ‬‫َ‬
‫روى من ذمه فقد عنى‪ ... ... ...‬به الذي على الفساد قد بنى‬

‫الدلة‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪14‬‬

‫دليل جوازالتعبد بالقياس عقال‬


‫*** وجه قول أصحابنا‪:‬‬
‫[الدليل األول] أن تعميم الحكم واجب‪ ،‬ولو لم يستعمل القياس‪ :‬أفضى إلى خلو كثير من‬
‫الحوادث عن األحكام‪ ،‬لقلة النصوص‪ ،‬وكون الصور ال نهاية لها‪ ،‬فيجب ردهم إلى االجتهاد‬
‫ضرورة‪.‬‬
‫‪ o‬فإن قيل‪ :‬يمكن التنصيص على المقدمات الكلية ويبقى االجتهاد يف المقدمات الجزئية‪،‬‬
‫فيكون من تحقيق المناط‪ ،‬وليس ذلك بقياس‪،‬‬
‫▪ وذلك مثل‪ :‬أن ينص على‪" :‬أن كل مطعوم ربوي" وهذه المقدمة الكلية‪ ،‬فيبقى‬
‫االجتهاد يف‪" :‬أن هذا مطعوم أم ال"؟ وهذا ال خالف يف جوازه‪.‬‬
‫تصور هذا فليس بواقع‪ ،‬فإن أكثر الحوادث ليس بمنصوص على مقدماتها الكية‪،‬‬
‫‪ o‬قلنا‪ :‬إن ّ‬
‫كميراث الجد وأشباهه‪ ،‬فيقتضي العقل‪ :‬أن ال يخلو عن حكم‪.‬‬

‫[دليل ثان]‪ :‬أن العقل يدل على العلل الشرعية ويدركها‪ ،‬إذ مناسبة الحكم عقلية مصلحية‪،‬‬
‫يقتضي العقل تحصيلها وورود الشرع بها‪ ،‬كالعلل العقلية‪.‬‬

‫[‪ ]3‬وألننا نستفيد بالقياس ظنًّا غال ًبا يف إثبات الحكم‪ ،‬والعمل بالظن الراجح متعين***‪.‬‬
‫الدليل على جوازالتعبد بالقياس عقال‬
‫[‪ ]١‬أن عدم العمل به يفض ي إلى خلو كثير من الحوادث عن األحكام لقلة النصوص وكون الصور ال‬
‫نهاية لها‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬ومنها‪ :‬أن العقل يدرك حكم العلل الشرعية إذ مناسبتها للحكم عقلية مصلحية يدرك العقل‬
‫طلب تحصيلها وورود الشرع بها‪.‬‬
‫ً ً‬
‫[‪ ]٣‬ومنها‪ :‬أننا نستفيد بالقياس ظنا غالبا‪ ،‬والعمل بالظن الراجح متعين‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫[‪ ]4‬ومنها‪ :‬إجماع الصحابة رض ي هللا عنهم على الحكم بالرأي في الوقائع الخالية من النص‪،‬‬
‫‪ ‬كقياسهم العهد على العقد في اإلمامة العظمى‪،‬‬
‫‪ ‬وكاجتهادهم في مسألة الجد واألخوة‪ ،‬وتمثيلهم في ذلك بالغصنين (علي) والخليجين (مثل زيد‬
‫بجدولين تفرعا من نهر)‪.‬‬
‫‪ ‬وكقولهم في املشركة‪.‬‬
‫‪ ‬وكقول أبي بكر رض ي هللا عنه في الكًللة‪ :‬أقول فيها برأيي‪.‬‬
‫‪ ‬وكقول عمر رحمه هللا ألبي موس ى األشعري‪ " :‬اعرف األشباه واألمثال وقس األمور برأيك "‪.‬‬
‫‪ ‬وكقولهم في السكران‪ :‬إذا سكر هذى‪ ،‬وإذا هذى افترى فحدوه حد الفرية‪.‬‬
‫‪ ‬وكقول معاذ للنبي ﷺ أنه يجتهد حيث ال كتاب وال سنة‪ ،‬فصوبه النبي ﷺ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬وأمثال هذا كثيرة جدا‪ ،‬أن لم تتواتر آحادها حصل بمجموعها العلم الضروري أنهم كانوا‬
‫يجتهدون فيما ال نص فيه‪.‬‬
‫[‪ ]5‬وقد استدل على إثبات القياس بقوله تعالى‪{ :‬فاعتبروا يا أولي األبصار}‪ ،‬وحقيقة االعتبار‪:‬‬
‫مقايسة الش يء بغيره‪ ،‬كقولهم‪( :‬اعتبر الدينار بالصنجة) وهذا االعتبار هو القياس‪.‬‬
‫[‪ ]6‬وقوله ﷺ‪( :‬الحمد هلل الذي وفق رسو َل رسول هللا ملا يرض ي رسول هللا)‪.‬‬
‫[‪ ]7‬وقوله ﷺ‪( :‬إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر)‪.‬‬
‫[‪ ]٨‬وقوله ﷺ‪( :‬أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فدين هللا أحق أن‬
‫يقض ى)‪ .‬فهو تنبيه على قياس دين هللا على دين املخلوق‪.‬‬
‫[‪ ]9‬وقوله ﷺ لعمر حين سأله عن القبلة للصائم‪( :‬أرأيت لو تمضمضت) فهو قياس للقبلة على‬
‫ً‬
‫املضمضة بجامع أن الكل مقدمة الفطر‪ ،‬وأمثال هذا كثيرة جدا‪.‬‬
‫(تنبيه)‬
‫هذه األدلة التي ذكر منها ما هو أعم من محل النزاع؛ ألن مطلق االجتهاد أعم من القياس‪ ،‬ومنها ما يدل‬
‫على محل النزاع؛ كقصة معاذ‪ ،‬فإنه صرح فيها بأن اجتهاده في ما ال نص فيه‪ ،‬وذلك أنما يكون‬
‫باإللحاق باملنصوص وكحديث الدين واملضمضة‪.‬‬

‫ومن أصرح األدلة على إثبات القياس‪ :‬ما ثبت في الصحيحين من قصة الذي ولد له ولد أسود يخالف‬
‫لونه لون أمه وأبيه فقاسه ﷺ على أوالد اإلبل الحمر يكون فيها األورق‪ ،‬وقال فيه عليه الصًلة‬
‫والسًلم‪ :‬فلعله نزعه عرق‪ .‬والقصة صحيحة مشهورة‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪16‬‬

‫الرد على منكري القياس‪:‬‬


‫ومن أشنع من يحمل على املجتهدين في القياس الظاهرية وباألخص أبو محمد ابن حزم عفا هللا عنا‬
‫وعنه فإنه حمل على أئمة الهدى رحمهم هللا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وشنع عليهم تشنيعا عظيما وسخر بهم سخرية ال تليق به وال بهم‪ ،‬وجزم بأن كل من اجتهد في ش يء لم‬
‫ً‬
‫يكن منصوصا عن هللا أو سنة نبيه فإنه ضال وأنه مشرع ‪...‬‬

‫أدلة ابن حزم على نفي القياس‬


‫ْ‬
‫{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} قال ابن حزم‪ :‬والقياس لم ُين َزل من ربنا‪.‬‬ ‫[‪]١‬‬
‫{قل إن ضللت فإنما أضل على نفس ي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي} قال ابن حزم‪ :‬فالهدى إنما‬ ‫[‪]٢‬‬
‫يكون بالوحي خاصة‪.‬‬
‫ْ‬
‫{وأن احكم بينهم بما أنزل هللا} قال ابن حزم‪ :‬والقياس لم ُين َزل من هللا‪.‬‬ ‫[‪]٣‬‬
‫{إن الظن ال يغني من الحق شيئا} قال ابن حزم‪ :‬والقياس ال يفيد إال الظن‪.‬‬ ‫[‪]4‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ٌ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ ٌ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬
‫نه ف ُه َو َعف ٌو] (طب)‬ ‫هللا في كتابه فهو حًلل‪ ،‬وما حرم فهو حرام‪ ،‬وما سكت ع‬ ‫َ[ما َأ َح َّل ُ‬ ‫[‪]5‬‬
‫رد الشنقيطي على أدلة ابن حزم على نفي القياس‬
‫[‪ ]١‬أنه توجد أشياء ال يمكن أن تكون عفوا‪ ،‬بل الوحي يسكت عن أشياء والبد البتة من االجتهاد فيها‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬مسألة العول وخصوصا مسألة الزوج واألختين واملسألة املنبرية‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬أجمع الصحابة والتابعون على العمل بالقياس واستنباط ما سكت عنه الوحي مما نطق به‪.‬‬
‫[‪ ]٣‬داوود بن علي الظاهري كان ال ينكر القياس املعروف عند الفقهاء بالقياس الجلي وقياس نفي‬
‫الفارق‬
‫أمثلة تفصيلية من القيسة التي نفاها ابن حزم وهي ثابتة عند غيره‬
‫[‪ ]١‬وقوله تعالى‪{ :‬فًل تقل لهما أف} يقول ابن حزم‪ :‬إن هذه اآلية‪ ،‬ناطقة بالنهي عن التأفيف ولكنها‬
‫ساكتة عن حكم الضرب‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬ملا نهى عن التأفيف وهو أخف األذى فقد دلت هذه اآلية‬
‫من باب أولى على أن ضرب الوالدين أشد حرمة؛ فاآلية غير ساكتة عنه بل نبهت على األكبر بما‬
‫هو أصغر منه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫[‪ ]٢‬ونقول‪ :‬إن قوله تعالى‪{ :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} فًل نقول‪:‬‬
‫نصت على الذرة وما فوق الذرة فهو مسكوت عنه فًل يؤخذ من اآلية‪ ،‬بل نقول‪ :‬إن اآلية غير‬
‫ساكتة عنه‪ ،‬وإن ذلك املسكوت (عنه) يلحق بذلك املنطوق‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫وقوله‪{ :‬وأشهدوا ذوي عدل منكم} فًل نقول‪ :‬أربعة عدول مسكوت عنها بل نقول‪ :‬إن اآلية التي‬ ‫[‪]٣‬‬
‫نصت على قبول شهادة العدلين دالة على قبول شهادة أربعة عدول‪.‬‬
‫ً‬
‫ونقول‪ :‬إن قوله تعالى‪{ :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما}‬ ‫[‪]4‬‬
‫ال نقول كما يقول ابن حزم اآلية ساكتة عن إحراق مال اليتيم وإغراقه ألنها نصت على حرمة‬
‫أكله فقط‪ ،‬بل نقول‪ :‬إن اآلية التي نهت عن أكله دلت على حرمة إغراقه وإحراقه بالنار؛ ألن‬
‫الجميع إتًلف‪.‬‬
‫وما ورد عن النبي ﷺ من النهي عن البول في املاء الراكد‪ ،‬يقول ابن حزم‪ :‬لو بال في قارورة وصبها‬ ‫[‪]5‬‬
‫في املاء لم يكن هذا من املكروه؛ ألن النبي لم ينه عن هذا‪ ،‬وإنما قال‪ :‬ال يبولن أحدكم في املاء‬
‫الدائم ثم يغتسل فيه‪ ،‬ولم يقل‪ :‬ال يبولن أحدكم في إناء ثم يصبه فيه‪ُ ،‬أيعقل أن الشرع الكريم‬
‫ً‬
‫يمنع من أن يبول إنسان بقطرات قليلة‪ ،‬ثم يجوز له أن يمأل عشرات القوارير بوال ثم يصبها في‬
‫املاء وإن هذا جائز‪.‬‬
‫ً‬
‫وأيضا في الحديث‪ :‬ال يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان‪ ،‬فألحق به الفقهاء إن كان في حزن‬ ‫[‪]6‬‬
‫شديد مفرط يذهل عقله‪ ،‬أو فرح شديد مفرط يدهش عقله أو في عطش شديد مفرط يدهش‬
‫عقله أو في جوع شديد يدهش عقله‪ ،‬ونحو ذلك من مشوشات الفكر التي هي أعظم من‬
‫الغضب‪،‬‬
‫ُأيعقل أن يقال للقاض ي‪ :‬احكم بين الناس وأنت في غاية تشويش الفكر بالجوع والعطش‬
‫املفرطين أو الحزن والسرور املفرطين‪ ،‬أو الحقن والحقب املفرطين (والحقن‪ :‬مدافعة البول‪،‬‬
‫والحقب‪ :‬مدافعة الغائط)‪،‬‬
‫لذا قال العلماء‪ :‬ال يجوز للقاض ي أن يحكم وهو مشوش الفكر‪.‬‬
‫فنعلم أن قول ابن حزم‪ :‬أنهم جاؤوا بتشريع جديد أنه كذب؛ وإن حديث‪ :‬ال يقضين أحدكم بين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اثنين وهو عضبان يدل على أن من كان فكره مشوشا تشويشا أشد من الغضب‪ ،‬أولى باملنع من‬
‫هذا الحكم‪،‬‬
‫وكذلك نهيه ﷺ عن التضحية بالشاة العوراء‪ ،‬ال نقول‪ :‬إن العلماء ملا نهوا عن التضحية بالشاة‬ ‫[‪]7‬‬
‫العمياء فقد شرعوا‪ .‬هذا مما ال يقوله عاقل‪.‬‬
‫وكذلك قال هللا‪{ :‬والذين يرمون املحصنات} ولم يصرح في اآلية إال أن يكون القاذف ذكر‬ ‫[‪]٨‬‬
‫ً‬
‫واملقذوفة أنثى‪ ،‬فلو قذفت أنثى ذكرا أو قذف رجل رجًل فًل مؤاخذة فيه ألن هللا إنما نص على‬
‫قذف الذكور باإلناث ألنه قال‪{ :‬والذين يرمون املحصنات}‬
‫‪ ‬وملا أراد ابن حزم هنا أن يدخل الجميع في عموم املحصنات قال‪ :‬املحصنات نعت للفروج‪،‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪18‬‬

‫والذين يرمون الفروج املحصنات فيشمل الذكور واإلناث يرد عليه أن املحصنات في القرآن‬
‫لم تأت قط للفروج وإنما جاءت للنساء‪،‬‬
‫‪ ‬وكيف يأتي ذلك في قوله‪{ :‬إن الذين يرمون املحصنات الغافًلت املؤمنات}‪ ،‬وهل يمكن أن‬
‫تكون الفروج غافًلت مؤمنات‪ .‬هذا مما ال يعقل‪.‬‬
‫ً‬
‫[‪ ]9‬وكذلك نص هللا جل وعًل على أن املبتوتة إذا نكحت زوجا غير زوجها األول فطلقها الزوج األخير‬
‫بعد أن دخل بها فإنه يجوز لألول أن ينكحها؛ ألنها حلت بنكاح الثاني‪ ،‬وهللا إنما صرح في هذه‬
‫السورة بنص واحد وهو أن يكون الزوج الذي حللها إنما طلقها ألنه قال في تطليق األول‪{ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫طلقها فًل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}‪.‬‬
‫ثم قال في تطليق الزوج الذي حللها‪{ ،‬فإن طلقها فًل جناح عليهما} أي‪ :‬على الزوجة التي كانت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حراما والزوج الذي كانت حراما عليه {أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود هللا}‪،‬‬
‫فنص على طًلق املحلل خاصة‪ ،‬أرأيتم لو حللها وجامعها مائة مرة حتى حلت وكانت كماء املزن ثم‬
‫مات قبل أن يطلقها أو فسخ حاكم عقدهما بموجب آخر كاإلعسار بنفقة أو غير ذلك من‬
‫أسباب الفسخ‪ ،‬أيقول مسلم هذه ال تحل لألول‪ ،‬ألن هللا ما نص إال على قوله {فإن طلقها} فإن‬
‫ً‬
‫مات لم تحل؛ ألن املوت ليس بطًلق‪ ،‬هذا مما ال يقوله عاقل‪ .‬وأمثال ذلك كثيرة جدا‪.‬‬

‫فنحن نقول‪ :‬إن هذا الذي يقول ابن حزم إن الوحي سكت عنه‪ ،‬لم يسكت الوحي عنه‪ ،‬وإنما أشار إليه‬
‫لتنبيهه ببعضه على بعضه؛‬
‫‪ ‬فالغضب يدل على تشويش الفكر واملحصنات ال فرق بين املحصنات واملحصنين‪،‬‬
‫‪ ‬وقوله‪{ :‬فإن طلقها} ال فرق بين ما لو طلقها أو مات عنها فبعد أن جامعها وفارقها تحل لألول؛‬
‫سواء كان الفراق بالطًلق املنصوص في القرآن أو بسبب آخر كاملوت والفسخ وهذا مما ال ينازعَ‬
‫فيه وإن نازع فيه ابن حزم‪.‬‬

‫ومن أشد ما حمل به األئمة رحمهم هللا مسألة حديث تحريم ربا الفضل ألن النبي ﷺ ثبت عنه في‬
‫األحاديث الصحيحة أنه قال‪:‬‬
‫ً‬
‫الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر وامللح بامللح مثًل بمثل فمن زاد أو استزاد‬
‫فقد أربى‪.‬‬
‫فابن حزم يقول‪ :‬ليس في الدنيا حديث يحرم فيه ربا الفضل إال هذا‪ ،‬ويقول‪ :‬الدليل على أنهم‬
‫مشرعون وأن أقوالهم كلها كاذبة‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫إن بعضهم كالشافعي يقول‪ :‬علة الربا في البر الطعم‪ ،‬ويقيس كل مطعوم على البر‪ ،‬فيقول كل‬
‫ً‬
‫املطعومات؛ كالفواكه كالتفاح وغيره من الفواكه يحرم فيه الربا قياسا على البر بجامع الطعم‬
‫ً‬
‫وأبو حنيفة وأحمد يقوالن‪ :‬علة الربا الكيل‪ ،‬ويقوالن‪ :‬كل مكيل يحرم فيه الربا قياسا على البر‬
‫فيحرمان الربا في النورة واالشنان وكل مكيل‪.‬‬
‫فيقول فيه ابن حزم‪ :‬هذا يقول العلة الطعم ويلحق أشياء‪ ،‬وهذا يقول العلة الكيل ويلحق أشياء‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ً‬
‫ونحن نضرب مثًل لهذه املسألة‪ ،‬ونقول‪ :‬إن األئمة رض ي هللا عنهم أبا حنيفة وأحمد والشافعي رحمهم‬
‫هللا الذين سخر ابن حزم من قياساتهم هم أولى بظواهر النصوص من ابن حزم‪،‬‬
‫ً‬
‫ونقول البن حزم مثًل‪ :‬أنت قلت إنك مع النصوص في الظاهر وقلت‪:‬‬
‫ألم تعلموا أني ظاهري وأني ‪ ... ...‬على ما بدا حتى يقوم دليل‬
‫‪ ‬فهذا اإلمام الشافعي الذي قال‪ :‬إن علة الربا في البر الطعم استدل بحديث ثابت في صحيح‬
‫مسلم وهو حديث معمر بن عبد هللا رض ي هللا عنه الثابت في صحيح مسلم قال‪ :‬كنت أسمع‬
‫ً‬
‫رسول هللا ﷺ يقول‪ :‬الطعام بالطعام مثًل بمثل‪ .‬الحديث‪ .‬فاإلمام الشافعي فيما سخر منه ابن‬
‫حزم أقرب لظاهر نصوص الوحي من ابن حزم‪،‬‬
‫‪ ‬وكذلك اإلمام أبو حنيفة وأحمد بن حنبل رحمهما هللا تعالى اللذان قاال‪ :‬إن علة الربا في البر‬
‫الكيل استدال كذلك بالحديث الصحيح‪ ،‬أن النبي ﷺ ملا بين املكيًلت وبين أن الربا حرام فيها‬
‫قال‪ :‬وكذلك امليزان‪( .‬خ‪-‬م)‬
‫والتحقيق أن املوزونات مثل املكيًلت‪ ،‬فجعل معرفة القدر علة للربا‬
‫وفي حديث حيان بن عبيد هللا الذي أخرجه الحاكم في مستدركه‪ ،‬وقال‪ :‬أنه صحيح على شرط‬
‫الشيخين ولم يخرجاه عن أبي سعيد الخدري ملا ذكر الستة التي يحرم فيها الربا قال عن رسول هللا ﷺ‬
‫وكذلك كل ما يكال ويوزن‪.‬‬
‫وهذا الحديث حاول ابن حزم تضعيفه من ثًلث جهات وهذا الحديث ناقشناه في الكتاب الذي كتبنا‬
‫على القرآن مناقشة وافية‪،‬‬
‫والتحقيق أن حيان بن عبيد هللا ليس بمجروح وإن زعم هو أن أبا مجلز الذي روى عنه الحديث لم‬
‫يلق ابن عباس أنه كذب وأنه أدرك ابن عباس وأبا سعيد الخدري رحمهما هللا‪.‬‬
‫والحديث ال يقل عن درجة القبول بوجه من الوجوه عند املناقشة الصحيحة‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪20‬‬

‫وليس قصدنا في هذا الكًلم أن نتكلم عن ابن حزم؛ ألنه فحل من فحول العلماء إال أن له زالت وال‬
‫يخلو أحد من خطأ؛ ومقصودنا‪ :‬أن نبين ملن نظر في كتب ابن حزم أن الغلط معه في حمًلته على‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األئمة أنهم أولى بالصواب منه وأكثر علما وورعا‪.‬‬
‫وقد ثبت عن النبي ﷺ في أحاديث ثابتة متعددة في الصحيحين أنه سأله رجل مرة وامرأة مرة عن دين‬
‫يقضيانه عن ميت لهما‪- ،‬مرة تقول‪ :‬مات أبي‪ ،‬ومرة تقول‪ :‬أمي وكذلك الرجل‪ ،‬فقال النبي ﷺ أرأيت لو‬
‫كان على أمك دين فقضيته أكان ينفعه؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فدين هللا أحق أن يقض ى‬
‫فهو تنبيه منه ﷺ على قياس َدين هللا على َدين اآلدمي بجامع أن الكل حق مطالب به اإلنسان وأنه‬
‫يقض ي عنه بدفعه ملستحقه‪ .‬وأمثال ذلك كثيرة‪.‬‬

‫ومن أصرح القيسة‪ :‬ما ثبت في الصحيحين‪ :‬أن النبي ﷺ جاءه رجل‪ ،‬كان الرجل أبيض وامرأة بيضاء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فولدت له غًلما أسود فأصاب الرجل فزعا من سواد الغًلم‪ ،‬وظن أنها زنت برجل أسود وجاءت بهذا‬
‫ً‬
‫الغًلم فجاء إلى النبي ﷺ منزعجا وأخبره بأنها جاءت بولد أسود وكان يريد أن يًلعنها وينفي عنه الولد‬
‫ً‬
‫باللعان زعما أن هذا الولد من زان أسود وأنه ليس ولده ألنه هو أبيض وزوجته بيضاء‬
‫فقال له النبي ﷺ‪ :‬هل لك من إبل؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ما ألوانها؟ قال حمر‪ .‬قال هل فيها من أورق‬
‫الو ْرقة‪ ،‬والورقة لونا حمام الحرم] يعني سواد مع بياض يكون في اإلبل‪.‬‬ ‫[واألورق املتصف بلون ُ‬
‫قال الرجل‪ :‬إن فيها ألورق‪ .‬قال‪ :‬ومن أين جاءتها تلك الورقة؟ آباؤها حمر وأمهاتها حمر فمن أين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جاءتها تلك الورقة؟ قال‪ :‬لعل عرقا نزعها‪ .‬قال له وهذا الولد لعل عرقا نزعه‪.‬‬
‫فاقتنع األعرابي؛ وهذا إلحاق نظير بنظير‪.‬‬
‫والقياس منه قياس صحيح كاألقيسة التي ذكرنا ومنه قياس فاسد‪ ،‬والقرآن ذكر بعض األقيسة‬
‫الفاسدة وبعض األقيسة الصحيحة‪.‬‬
‫ومن األقيسة الصحيحة في القرآن قوله تعالى‪{ :‬إن مثل عيس ى عند هللا كمثل آدم خلقه من تراب ثم‬
‫قال له‪ :‬كن فيكون}‪.‬‬
‫ملا قال اليهود‪ :‬إن عيس ى ال يمكن أن تلده مريم إال من رجل زنا بها‪ ،‬فقالوا لها‪{ :‬يا أخت هارون ما كان‬
‫ً‬
‫أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا}‪.‬‬
‫وهذا الولد البد أن يكون له والد‪ ،‬وهذا الوالد رجل فجرت معه وزنيت به‪ ،‬فقاس لهم هللا جل وعًل‬
‫هذا الولد على آدم بجامع أن آدم خلق ولم يكن له أم وال أب‪ ،‬فالذي خلق آدم ولم يكن أب وال أم فهو‬
‫قادر على أن يخلق عيس ى من أم ولم يكن له أب‪ ،‬كما خلق حواء من ضلع رجل‪،‬‬
‫ً‬
‫أما القياس الفاسد الذي يكون مخالفا للنصوص‪ :‬كقياس إبليس لعنه هللا‪،‬‬
‫‪21‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫وكاألقيسة املخالفة للنصوص وكأقيسة الشبه املبنية على الفساد‪ :‬فإن الكفار جاؤوا بقياس الشبه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كثيرا باطًل ومثله باطل‬
‫كما قالوا في يوسف عليه وعلى نبينا الصًلة والسًلم‪{ :‬إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} فأثبتوا‬
‫السرقة على أخ يوسف‪ ،‬ألن يوسف قد سرق قبله واألخ شبيه باألخ فيلزم من مشابهتهما أن يكونا‬
‫متشابهين في األفعال وأن هذا سرق كما سرق ذلك‪.‬‬
‫وثبت في صحيح البخاري عن الحسن البصري مضمونه ومعناه أنه كان يقول‪ :‬لوال أنه من كتاب هللا‬
‫أشفقت على املجتهدين‪ ،‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث} ألن هللا جل وعًل‬
‫صرح في اآلية بأنهما حكما‪ ،‬حيث قال‪ :‬إنه يحكمان بألف االثنين الواقعة على داوود وسليمان‪،‬‬
‫ً‬
‫ثم قال‪{ :‬ففهمناها سليمان} ولم يذكر شيئا عن داوود فعلمنا أن داوود لم يفهمها ألنه لو فهمها ملا‬
‫اقتصر على ذكره ولم يكن لًلقتصار على ذكر سليمان فائدة‬
‫ً‬
‫ولو كان هذا وحيا من هللا ملا فهمها أحدهما دون اآلخر؛ ألن الوحي أمر الزم للجميع‪ ،‬ودل على أنهما‬
‫اجتهدا‪ ،‬وأن داوود لم يصب في اجتهاده وأن سليمان أصاب في اجتهاده‪ ،‬وهللا أثنى على كل منهما ولم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يؤنب داوود بل قال بعده‪{ :‬وكًل آتينا حكما وعلما}‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيحين ما يستأنس به ألنه ثبت في الصحيحين‪ :‬أن داوود عليه السًلم في زمانه جاءته‬
‫امرأتان نفستا وجاء الذئب واختطف ولد واحدة منهما وكانت التي اختطف ولدها هي الكبرى وبقي ولد‬
‫ً‬
‫الصغرى‪ ،‬فقالت الكبرى‪ :‬هذا ولدي واختصمتا وتحاكمتا إلى داوود فقض ى به للكبرى اجتهادا منه‬
‫ألمارات ظهرت له أو لش يء في شرعه يقتض ي ظاهره ذلك االجتهاد‪.‬‬

‫دليل املانعين من جوازالقياس عقال‬


‫ً‬
‫***وشبهة املانعين منه عقال‪ :‬ما مض ى في رد خبرالواحد***‬

‫دليل جوازالتعبد بالقياس شرعا‬


‫الدليل الول‪ :‬إجماع الصحابة‬
‫***فأما التعبد به شر ًعا‪ :‬فالدليل عليه‪:‬‬
‫إجماع الصحابة ‪ ‬على الحكم بالرأي يف الوقائع الخالية عن النص‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫• حكمهم بإمامة أبي بكر ‪ ‬باالجتهاد مع عدم النص‪ ،‬إذ لو كان ثم نص لنقل‪ ،‬ولتمسك به‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪22‬‬

‫المنصوص عليه‪.‬‬
‫• وقياسهم العهد على العقد‪ ،‬إذ عهد أبو بكر إلى عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬ولم يرد فيه نص‪،‬‬
‫قياسا لتعيين اإلمام على تعيين األمة‪[ .‬أي‪ :‬أن األصل في اختيار اإلمام أن يكون بالبيعة‪،‬‬
‫لكن ً‬
‫كما حدث ألبي بكر ‪ ‬إال أن أبا بكر ‪ ‬عهد إلى عمر ‪ ‬بالخًلفة‪ً ،‬‬
‫قياسا للعهد من اإلمام على‬
‫تعيين األمة بعقد البيعة‪ ،‬وعهد أبي بكر إلى عمر ‪ ‬ثابت في التاريخ الصحيح]‪.‬‬
‫• ومن ذلك‪ :‬موافقتهم أبا بكر ‪ ‬يف قتال مانعي الزكاة باالجتهاد‪[ .‬معناه‪ :‬أن أبا بكر ‪ ‬قاس‬
‫الزكاة على الصًلة في قتال املمتنع منها‪ ،‬بجامع كونهما عبادتين من أركان اإلسًلم‪ ،‬وقال في ذلك‪:‬‬
‫ً‬
‫إجماعا على صحة‬ ‫"ألقاتلن من فرق بين الصًلة والزكاة" ووافقه الصحابة ‪ ‬على ذلك‪ ،‬فكان‬ ‫ّ‬
‫القياس]‪.‬‬
‫• وكتابة المصحف بعد طول التوقف فيه‪.‬‬
‫• وجمع عثمان له على ترتيب واحد‪.‬‬
‫• واتفاقهم على االجتهاد يف مسألة "الجد واإلخوة" على وجوه مختلفة‪ ،‬مع قطعهم أنه ال‬
‫نص فيها‪.‬‬
‫المشركة [وهي‪ :‬أن يوجد في املسألة زوج وأم‪ ،‬وإخوة ألم‪ ،‬اثنان أو أكثر‪ ،‬وإخوة أشقاء‬
‫ّ‬ ‫• وقولهم يف‬
‫فللزوج النصف‪ ،‬ولألم السدس‪ ،‬ولإلخوة ألم الثلث‪ ،‬وال ش يء لإلخوة األشقاء؛ ألنهم عصبة‪...‬‬
‫فشرك بينهم‪ ،‬ولذلك سميت باملشركة‪ ،‬وعدل عمر ‪ ‬عن رأيه وعمل على التشريك بينهم‪ ،‬فيما‬ ‫ّ‬
‫بعد]‬
‫• ومن ذلك‪ :‬قول أبي بكر ‪ ‬يف الكاللة‪" :‬أقول فيها برأيي‪ ،‬فإن يكن صوا ًبا فمن اهلل‪ ،‬وإن‬
‫يكن خطأ فمني ومن الشيطان‪ ،‬واهلل ورسوله بريئان منه‪ .‬الكاللة‪ :‬ما عدا الوالد والولد"‪.‬‬
‫ً‬
‫• ونحوه عن ابن مسعود يف قضية َب ْروع بنت واشق [فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شهرا‪ ،‬أو قال‪ :‬مرات‪ ،‬قال‪ :‬فإني أقول فيها‪ :‬إن لها صداقا كصداق نسائها‪ ،‬ال وكس وال شطط‪،‬‬
‫وإن لها امليراث‪ ،‬وعليها العدة‪ ،‬فإن يك ً‬
‫صوابا فمن هللا‪ ،‬وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان‪ ،‬وهللا‬
‫ورسوله بريئان]‪.‬‬
‫• ومنه‪ :‬حكم الصديق ‪ ‬يف التسوية بين الناس يف العطاء‪ ،‬كقوله‪" :‬إنما أسلموا هلل‬
‫‪23‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫وأجورهم عليه‪ ،‬وإنما الدنيا بالغ"‪ ،‬ولما انتهت النوبة إلى عمر ‪ ‬فصل بينهم وقال‪" :‬ال‬
‫كرها"‪.‬‬
‫أجعل من ترك داره وماله وهاجر إلى اهلل ورسوله كمن أسلم ً‬
‫• ومنه‪ :‬عهد عمر ‪ ‬إلى أبي موسى‪" :‬اعرف األمثال واألشباه‪ ،‬وقس األمور برأيك‪.‬‬
‫• وقال علي ‪" :‬اجتمع رأيي ورأي عمر يف أمهات األوالد أن ال ُيبعن‪ ،‬وأنا اآلن أرى‬
‫بيعهن"‪.‬‬
‫• وقال عثمان لعمر‪" :‬إن نتبع رأيك فرأي رشيد‪ ،‬وإن نتبع رأي من قبلك فنعم ذو الرأي‬
‫كان"‪.‬‬
‫• ومنه‪ :‬قولهم‪ ،‬يف السكران‪" :‬إذا سكر هذي‪ ،‬وإذا هذي أفترى‪ ،‬فحدوه حد المفتري"‪ ،‬وهذا‬
‫التفات منهم إلى أن مظنة الشيء تنزل منزلته‪.‬‬
‫• وقال معاذ للنبي ﷺ‪" :‬أجتهد رأيي" فصوبه‪.‬‬
‫‪ o‬فهذا وأمثاله ‪-‬مما ال يدخل تحت الحصر‪ -‬مشهور‪ ،‬إن لم تتواتر آحاده‪ :‬حصل‬
‫بمجموعة العلم الضروري‪ :‬أنهم كانوا يقولون بالرأي‪،‬‬
‫‪ o‬وما من وقت إال وقد قيل فيه بالرأي‪ ،‬ومن لم يقل‪ ،‬فألنه أغناه غيره عن االجتهاد‪ ،‬وما‬
‫أنكر على القائل به‪ ،‬فكان إجما ًعا***‬

‫االعتراض الول على الدليل الول‬


‫االعتراض‬
‫***[االعتراضات الواردة على إجماع الصحابة]‬
‫• فإن قيل‪ :‬فقد نقل عنهم ذم الرأي وأهله‪:‬‬
‫• فقال عمر ‪" :‬إياكم وأصحاب الرأي‪ ،‬فإنهم أعداء السنن‪ ،‬أعيتهم األحاديث أن‬
‫يحفظوها‪ ،‬فقالوا بالرأي‪ ،‬فضلوا وأضلوا"‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪24‬‬

‫• وقال علي ‪" :‬لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعاله"‪.‬‬
‫جهاال‬
‫ً‬ ‫• وقال ابن مسعود‪" : ،‬قراؤكم وصلحاؤكم يذهبون‪ ،‬ويتخذ الناس رؤساء‬
‫فيقيسون ما لم يكن بما كان"‪.3‬‬
‫كثيرا مما أحله"‪.‬‬
‫كثيرا مما حرم اهلل‪ ،‬وحرمتم ً‬
‫• وقولهم‪" :‬إن حكمتم بالرأي أحللتم ً‬
‫اس‬ ‫ك َم َبيۡ َن َّ‬
‫ٱلن ِّ‬
‫َ ۡ ُ‬
‫• وقول ابن عباس‪" :‬إن اهلل لم يجعل ألحد أن يحكم برأيه‪ ،‬وقال لنبيه‪ :‬ﵟل ِّتح‬
‫َٓ ََ ٰ َ‬
‫ك َّ ُ‬
‫ٱّللُۚ ﵞ [النساء‪ ]105 :‬ولم يقل‪ :‬بما رأيت"‪.‬‬ ‫بِّما أرى‬

‫• وقوله‪" :‬إياكم والمقاييس‪ ،‬فما عبدت الشمس إال بالمقاييس"‪.‬‬


‫• وقال ابن عمر‪" :‬ذروين من أرأيت وأرأيت"***‬
‫الجواب الول‬
‫***قلنا‪:‬‬
‫• هذا منهم ذم لمن استعمل الرأي والقياس يف غير موضعه‪ ،‬أو بدون شروطه‪.‬‬
‫‪ o‬فذم عمر ‪ ‬ينصرف إلى من قال بالرأي من غير معرفة للنص‪ ،‬أال تراه قال‪" :‬أعيتهم‬
‫األحاديث أن يحفظوها" وإنما يحكم بالرأي يف حادثة ال نص فيها‪ ،‬فالذم على ترك‬
‫الترتيب‪ ،‬ال على أصل القول بالرأي‪ ،‬ولو قدم إنسان القول بالسنة على ما هو أقوى‬
‫مذموما‪.‬‬
‫ً‬ ‫منها‪ :‬كان‬
‫‪ o‬وكذلك قول علي‪ ،‬رضي اهلل عنه***‪.‬‬
‫‪ o‬وكل ذم يتوجه إلى أهل الرأي فلرتكهم الحكم بالنص هو أولى‪ ،‬كما قال بعض‬
‫العلماء‪:‬‬
‫أهل الكًلم وأهل الرأي قد جهلوا … علم الحديث الذي ينجو به الرجل‬
‫لو أهنم عرفوا اآلثار ما انحرفوا … عنها إلى غيرها لكنهم جهلوا‬
‫الجواب الثاني‬
‫‪25‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫جواب ٍ‬
‫ثان‪:‬‬
‫أهًل لًلجتهاد والرأي‪ ،‬ويرجع إلى محض‬
‫أهنم ذموا الرأي الصادر عن الجاهل الذي ليس ً‬
‫الستحسان‪ ،‬ووضع الشرع بالرأي‪،‬‬
‫‪ o‬بدليل أن الذين نقل عنهم هذا هم الذين نقل عنهم القول بالرأي والجتهاد‪ .‬فًل بد من‬
‫دفع هذا التعارض‪ ،‬وهذا إنما يكون بحمل الذم على الرأي الفاسد الذي لم تكتمل شروطه‪،‬‬
‫أو املخالف للنص‪ ،‬أو الصادر من الجاهل‪.‬‬
‫• والقائلون بالقياس مقرون بإبطال أنواع من القياس‪،‬‬
‫قياسا‪ ،‬فكذلك الفروع‪.‬‬
‫‪ o‬كقياس أهل الظاهر‪ ،‬إذ قالوا‪ :‬األصول ل تثبت ً‬
‫▪ فإ ًذا‪ :‬إن بطل القياس‪ ،‬فليبطل قياسهم‪.‬‬
‫أي‪ :‬ومما يؤيد ما قلناه من دفع التعارض السابق‪ :‬أن القائلين بحجية القياس مقرون ومعترفون‬
‫بفساد بعض األقيسة‪ ،‬مثل‪ :‬قياس أهل الظاهر‪ ،‬حيث قالوا‪ :‬ال يجوز القياس في األصول‪ ،‬فمنعوا‬
‫القياس في الفروع‪ً ،‬‬
‫قياسا على األصول‪.‬‬
‫فرد الجمهور هذا القياس وقالوا للظاهرية‪ :‬إنكم أبطلتم القياس من أساسه‪ ،‬فكيف تقيسون الفروع‬
‫على األصول‪ ،‬فأنتم بذلك تبطلون القياس بالقياس؟!‬

‫االعتراض الثاني على الدليل الول‬


‫االعتراض‬
‫***فإن قيل‪:‬‬
‫• فلعلهم عولوا يف اجتهادهم على عموم‪ ،‬أو أثر‪ ،‬أو استصحاب حال‪ ،‬أو مفهوم‪ ،‬أو استنباط‬
‫معنى صيغة من حيث الوضع واللغة يف جمع بين آيتين أو خبرين‪،‬‬
‫• أو يكون اجتهادهم يف تحقيق مناط الحكم‪ ،‬ال يف استنباطه‪ ،‬فقد علموا أنه ال بد من إمام‪،‬‬
‫وعرفوا ‪-‬باالجتهاد‪ -‬من يصلح للتقديم‪ ،‬وهكذا يف بقية الصور***‬
‫الجواب عنه‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪26‬‬

‫***قلنا‪:‬‬
‫مقصورا على ما ذكروه‪،‬‬
‫ً‬ ‫لم يكن اجتهاد الصحابة‬
‫• بل قد حكموا بأحكام ال تصح إال بالقياس‪،‬‬
‫قياسا للعهد على العقد بالبيعة‪،‬‬
‫‪ o‬كعهد أبي بكر إلى عمر‪ً ،‬‬
‫‪ o‬وقياس الزكاة على الصالة‪،‬‬
‫‪ o‬وقياس عمر الشاهد على القاذف يف حد أبي بكرة‪،‬‬
‫‪ o‬وإلحاق السكر بالقذف ألنه مظنته‪.‬‬
‫قياسا‪:‬‬
‫• وقد اشتهر اختالفهم يف الجد ً‬
‫‪ o‬فقال ابن عباس‪" :‬أال يتقي اهلل زيد‪ ،‬يجعل ابن االبن ابنًا‪ ،‬وال يجعل أب األب أ ًبا"‪،‬‬
‫فأنكر ترك قياس األبوة على البنوة‪ ،‬مع افتراقهما يف األحكام‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬فالمدلى به‬
‫‪ o‬وصرح من سوى بينهما بأن األخ يدلي باألب‪ ،‬والجد يدلي به ً‬
‫واحد‪ ،‬واإلدالء مختلف وصرحوا بالتشبيه بالغصنين‪ ،‬والخليجين‪.‬‬
‫• ومن فتّش عن اختالفهم يف الفرائض وغيرها؛ عرف ضرورة سلوكهم التشبيه‬
‫والمقايسة‪ ،‬وأنهم لم يقتصروا على تحقيق المناط يف إثبات األحكام‪ ،‬بل استعملوا ذلك‬
‫يف بقية طرق االجتهاد***‪.‬‬

‫الدليل الثاني‬
‫َۡ‬ ‫َ َۡ ُ ْ َ ُ‬
‫يأ ْولِّي ٱلأبۡ َصٰ ِّرﵞ [الحشر‪.]2 :‬‬
‫***وقد استدل على إثبات القياس بقوله تعالى‪ :‬ﵟفٱعتبِّروا َٰٓ‬

‫بالصنْجة" [هي امليزان‪.‬‬


‫• وحقيقة االعتبار‪ :‬مقايسة الشيء بغيره كما يقال‪" :‬اعتبر الدينار َّ‬
‫ّ‬
‫معربة]‪ .‬وهذا هو القياس‪.‬‬
‫فإن قيل‪:‬‬
‫‪27‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫• المراد به‪ :‬االعتبار بحال من عصى أمر اهلل‪ ،‬وخالف رسله‪ ،‬لينزجر‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُۡ َ‬
‫• ولذلك ال يحسن أن يصرح بالقياس ههنا فيقول ﵟيخ ِّربُون ُب ُيوت ُهم بِّأيۡدِّي ِّه ۡم َوأيۡدِّي‬

‫ِّينﵞ [الحشر‪ ]2 :‬فألحقوا الفروع باألصول‪ ،‬لتعرف األحكام‪.‬‬ ‫ٱل ۡ ُم ۡؤ ِّمن َ‬

‫قلنا‪:‬‬
‫• اللفظ عام‪،‬‬
‫• وإنما لم يحسن التصريح بالقياس ههنا‪ ،‬ألنه يخرج عن عمومه المذكور يف اآلية‪ ،‬إذ ليس‬
‫حالنا فر ًعا لحالهم***‬
‫الدليل الثالث‬
‫***دليل آخر‪:‬‬
‫ِ‬
‫لم تَجدْ ؟ " قال‪ :‬بسنة رسول‬ ‫قول النبي ﷺ لمعاذ‪" :‬بِ َم َت ْقضي؟ " قال‪ :‬بكتاب اهلل‪ .‬قال‪" :‬فإن ْ‬
‫ول رس ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫لم تَجدْ ؟ " قال أجتهد رأيي‪ ،‬قال‪" :‬ا ْل َح ْمدُ ل َّله ا َّلذي َو َّف َق َر ُس َ َ ُ‬
‫اهلل ﷺ قال‪َ " :‬فإن ْ‬
‫ﷺ لما يرضي رسول اهلل ﷺ"‪.‬‬
‫قالوا‪:‬‬
‫[‪ ]1‬هذا الحديث يرويه الحارث بن عمرو عن رجال من أهل حمص‪ ،‬والحارث‪ ،‬والرجال‬
‫مجهولون‪ .‬قاله الترمذي‪.‬‬
‫[‪ ]2‬ثم إن هذا الحديث ليس بصريح يف القياس‪ ،‬إذ يحتمل أنه يجتهد يف تحقيق المناط‪.‬‬
‫قلنا‪:‬‬
‫[‪ ]1‬قد رواه عبادة بن ن َُس ّي عن عبد الرحمن بن َغنْم عن معاذ‪.‬‬
‫مرسال‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ o‬ثم الحديث تلقته األمة بالقبول‪ ،‬فال يضره كونه‬
‫[‪ ]2‬والثاين‪ :‬ال يصح؛ ألنه بين أنه يجتهد فيما ليس فيه كتاب وال سنة***‬
‫الدليل الرابع‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪28‬‬

‫اب َف َل ُه َأ ْج َر ِ‬
‫ان‪َ ،‬وإِ ْن َأخْ َط َأ َف َل ُه‬ ‫ِ‬
‫اجت ََهد َف َأ َص َ‬
‫***خبر آخر‪ :‬قول النبي ﷺ‪ " :‬إذا َحك ََم ا ْل َحاك ُم َف ْ‬
‫َأ ْج ٌر"‪ .‬رواه مسلم‬
‫• ويتجه عليه أنه‪ :‬يجتهد يف تحقيق المناط‪ ،‬دون تخريجه***‬
‫الدليل الخامس‬
‫***خبر آخر‪:‬‬
‫يك َد ْي ٌن َف َق َض ْيتِه َأ َ‬
‫كان َينْ َف ُع ُه"؟ قالت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫َان ع َلى َأبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قول النبي ﷺ للخثعمية‪َ " :‬أ َر َأ ْيت َل ْو ك َ َ‬
‫قال‪َ " :‬فدَ ْي ُن اهللِ َأ َح ُّق َأ ْن ُي ْق َضى" فهو تنبيه على قياس دين اهلل على دين الخلق‪*** .‬‬
‫الدليل السادس‬
‫***وقوله ‪ ‬لعمر‪ ،‬حين سأله عن قبلة الصائم‪َ " :‬أ َر َأ ْي َ‬
‫ت َل ْو ت ََم ْض َم ْض َ‬
‫ت؟ "‬
‫فهو قياس للقبلة على المضمضة‪ ،‬بجامع أنها مقدمة الفطر‪ ،‬وال يفطر***‬
‫الدليل السابع‬
‫***وروى أبو عبيد أن النبي ﷺ قال‪" :‬إنِّي َأ ْق ِضي بينَكُم بالر ْأي فِيما َلم ين ِْز ْل ِ‬
‫فيه َو ْح ٌي"‪ .‬وإذا‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ ْ َّ‬
‫كان يحكم بينهم باجتهاده‪ :‬فلغيره الحكم برأيه إذا غلب على ظنهم‪*** .‬‬

‫الدلة النقلية للمانعين من التعبد بالقياس‬


‫احتجوا‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َۡ ٗ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َّ َ َّ ۡ َ‬
‫ل ش ۡيءﵞ [النحل‪:‬‬ ‫ۡ‬ ‫[‪ ]1‬بقوله تعالى‪ :‬ﵟما فرطنا فِّي ٱلكِّتٰ ِّ‬
‫ب مِّن شيءٖۚﵞ [األنعام‪ ،]38 :‬وقوله‪ :‬ﵟت ِّبيٰنا لِّك ِّ‬
‫‪ ،]89‬فما ليس يف القرآن ليس بمشروع‪ ،‬فيبقى على النفي األصلي‪.‬‬
‫نزل َّ ُ‬ ‫ٓ َ َ‬ ‫ٱح ُ‬
‫كم بَيۡ َن ُهم ب َما أ َ‬ ‫َ‬
‫[‪ ]2‬الثانية‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﵟ َوأن ۡ‬
‫ٱّللﵞ [المائدة‪ ،]49 :‬وهذا حكم بغير المنزل‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱلر ُسو ِّلﵞ [النساء‪ ،]59 :‬وأنتم تردونه إلى الرأي‪.‬‬
‫ٱّللِّ َو َّ‬ ‫وهكذا قوله‪ :‬ﵟف ُردوهُ إِّلي‬
‫‪29‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫الدلة العقلية للمانعين من التعبد بالقياس‬


‫وأما شبههم المعنوية‪:‬‬
‫• [فاألولى]‪ :‬قالوا‪ :‬براءة الذمة باألصل معلومة قط ًعا‪ ،‬فكيف ترفع بالقياس المظنون؟!‬
‫• والثانية‪ :‬كيف يتصرف بالقياس يف شرع مبناه على التحكم والتعبد‪ ،‬والفرق بين‬
‫المتماثًلت‪ ،‬والجمع بين المختلفات‪،‬‬
‫ار َي ِة‪َ ،‬و ُين َْض ُح َب ْو ُل ا ْلغ ًَُلم»ِ ويجب الغسل من المني‬
‫‪ o‬إذ قال‪ُ « :‬يغ َْس ُل َب ْو ُل ا ْل َج ِ‬

‫والحيض‪ ،‬دون المذي والبول‪ ،‬ونظائر ذلك كثير‪.‬‬


‫• الثالثة‪ :‬أن الرسول اهلل ﷺ قد أويت جوامع الكلم‪ ،‬فكيف يليق به أن يرتك الوجيز المفهم‬
‫مت الربا يف المكيل» إلى األشياء الستة؟‬
‫حر ُ‬
‫إلى الطويل الموهم‪ ،‬فيعدل عن قوله‪َّ « :‬‬
‫• الرابعة‪ :‬قالوا‪ :‬الحكم ثبت يف األصل بالنص؛ ألنه مقطوع به والحكم مقطوع به‪ ،‬فكيف‬
‫يحال على العلة المظنونة‪ ،‬والحكم يثبت يف الفرع بالعلة‪ ،‬فكيف يثبت الحكم فيه بطريق‬
‫سوى طريق األصل؟‬
‫منصوصا عليها‪ ،‬وذلك ل يوجب اإللحاق‪ ،‬كما لو‬
‫ً‬ ‫• الخامسة‪ :‬قالوا‪ :‬غاية العلة‪ :‬أن يكون‬
‫سالما؛ ألنه أسود" لم يقتض عتق كل أسود‪ ،‬ول يجري ذلك‬
‫ً‬ ‫قال‪" :‬أعتقت من عبيدي‬
‫مجرى قوله‪" :‬أعتقت كل أسود"‪ .‬كذا قوله‪" :‬حرمت الربا يف الب‪ ،‬ألنه مطعوم" ل يجري‬
‫مجرى قوله‪" :‬حرمت الربا يف كل مطعوم"‪.‬‬

‫مناقشة أدلة املانعين‬


‫الدليل النقلي الول‬
‫الجواب‪:‬‬
‫َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َّ َ َّ ۡ َ‬
‫ب مِّن ش ۡيءٖۚﵞ [األنعام‪:]38 :‬‬
‫أما قوله تعالى‪ :‬ﵟما فرطنا فِّي ٱلكِّتٰ ِّ‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪30‬‬

‫[‪ ]1‬فإن القرآن دل على جميع األحكام‪ ،‬لكن‪:‬‬


‫‪ o‬إما بتمهيد طريق العتبار‪،‬‬
‫‪ o‬وإما بالدللة على اإلجماع والسنة‪ ،‬وهما قد دل على القياس‪.‬‬
‫▪ وإل فأين يف الكتاب مسألة‪" :‬الجد واإلخوة" و"العول" و"المبتوتة"‬
‫و"المفوضة"‪ ،‬و"التحريم" [وهي قول الرجل لزوجته‪« :‬أنت ّ‬
‫علي حرام» هل يعتبر‬
‫ً‬
‫ثًلثا أو ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫رجعيا؟ فيه خًلف طويل يراجع في‬ ‫ظهارا‪ ،‬أو طًلقا؟ وإذا اعتبر طًلقا‪ ،‬هل يقع‬
‫املغني «‪ ،].»6١ /١١« ،»٣96 /١٠‬وفيها حكم هلل شرعي‪.‬‬
‫حرمتم القياس‪ ،‬وليس يف القرآن تحريمه‪.‬‬
‫[‪ ]2‬ثم قد ّ‬
‫الدليل النقلي الثاني‬
‫ٓ َ َ‬
‫نزل َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ٱح ُ‬
‫كم بَيۡ َن ُهم ب َما أ َ‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬ﵟ َوأن ۡ‬
‫ٱّللﵞ [المائدة‪.]49 :‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫قلنا‪:‬‬
‫[‪ ]1‬القياس ثابت باإلجماع والسنة‪ ،‬وقد دل عليه القرآن المنزل‪.‬‬
‫تفهم معاين‬
‫[‪ ]2‬ل نرده إل إلى العلة المستنبطة من كتاب اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ونص رسوله‪ ،‬فالقياس‪ّ :‬‬
‫النصوص بتجريد مناط الحكم‪ ،‬وحذف الحشو الذي ل أثر له‪.‬‬
‫[‪ ]3‬ثم أنتم رددتم القياس بًل نص‪ ،‬ول معنى نص‪.‬‬
‫الدليل العقلي الول‬
‫وقولهم‪" :‬كيف ترفعون القواطع بالظنون"‪.‬‬
‫قلنا‪:‬‬
‫[‪ ]1‬كما ترفعونه بالظواهر‪ ،‬والعموم‪ ،‬وخب الواحد‪ ،‬وتحقيق المناط يف آحاد الصور‪.‬‬
‫[‪ ]2‬ثم نقول‪ :‬ل نرفعه إل بقاطع‪ ،‬فإنا إذا تعبدنا باتباع العلة المظنونة‪ ،‬فإنا نقطع بوجود الظن‪،‬‬
‫ونقطع بوجود الحكم عند الظن‪ ،‬فيكون قاط ًعا‪.‬‬
‫الدليل العقلي الثاني‬
‫‪31‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫وقولهم‪" :‬مبنى الحكم على التعبدات"‪.‬‬


‫قلنا‪ :‬نحن ل ننكر التعبدات يف الشرع‪ ،‬فًل جرم‪ ،‬قلنا‪ :‬األحكام ثًلثة أقسام‪:‬‬
‫[‪ ]1‬قسم‪ :‬ل يعلل‪.‬‬
‫معلًل‪ ،‬كالحجر على الصبي‪ ،‬لضعف عقله‪.‬‬
‫[‪ ]2‬وقسم‪ :‬يعلم كونه ً‬
‫[‪ ]3‬وقسم‪ :‬يرتدد فيه‪.‬‬
‫معلًل‪.‬‬
‫‪ o‬ول نقيس ما لم يقم دليل على كون الحكم ً‬
‫معناه‪ :‬أننا ال نقيس إال إذا وجد املعنى الذي في األصل في الفرع بعينه‪ ،‬وتحققت شروط القياس‪،‬‬
‫كالنبيذ مع الخمر‪ ،‬واألرز مع البر‪ ،‬فإن األحكام الشرعية إما غير معللة‪ :‬كالعبادات املختلفة‪ ،‬فًل يجري‬
‫فيها القياس‪ ،‬وإما معللة بعلة معينة‪ :‬وهذه هي التي يجري فيها القياس‪.‬‬

‫وأما اعتراضهم بالتفرقة بين املتماثًلت‪ :‬فله علة ‪ً -‬‬


‫أيضا‪ -‬لكنها خفيت عليهم‪ ،‬فقد نص العلماء على أن‬
‫بول األنثى أثقل من بول الذكر‪ ،‬حيث إن مزاج الذكر حار‪ ،‬ومزاج األنثى بارد‪ ،‬فيضعف الهضم‬
‫ً‬
‫محتاجا إلى‬ ‫عندها‪ ،‬فتبقى الفضلة كثيفة‪ ،‬ذات قوام كثيف‪ ،‬فإذا تعلقت باألجسام‪ ،‬كان أثرها‬
‫الغسل‪ ،‬بخًلف الغًلم‪ .‬وهكذا سائر الصورة التي أوردوها‪ .‬انظر‪« :‬شرح الطوفي‪ ،٢75 /٣‬وما بعدها»‪.‬‬
‫الدليل العقلي الثالث‬
‫وقولهم‪" :‬ل ِ َم لم ينص على المكيل‪ ،‬ويغني عن القياس على األشياء الستة"؟‬
‫قلنا‪:‬‬
‫وطول‬
‫صرح ون ّبه ّ‬
‫[‪ ]1‬هذا تحكم على اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وعلى رسوله‪ ،‬وليس لنا التحكم عليه فيما ّ‬
‫وأوجز‪،‬‬
‫يصرح بمنع القياس على األشياء الستة؟ ول ِ َم‬
‫‪ o‬ولو جاز ذلك‪ :‬لجاز أن يقال‪" :‬فلم لم ّ‬
‫لم يبين األحكام كلها يف القرآن‪ ،‬ويف المتواتر‪ ،‬لينحسم الحتمال؟ وهذا كله غير‬
‫جائز‪.‬‬
‫[‪ ]2‬ثم نقول‪ :‬إن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬علم لط ًفا يف تعبد العلماء بالجتهاد‪ ،‬وأمرهم بالتشمير يف‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪32‬‬

‫ُ ۡ َ َّ َ ُ ُ ْ ۡ ۡ‬ ‫َ ۡ َ َّ ُ َّ َ َ َ ْ‬
‫ام ُنوا مِّنكم وٱلذ‬
‫ِّين أوتوا ٱلعِّل َم‬ ‫استنابط دواعي الجتهاد‪ ،‬لـ ﵟيرفعِّ ٱّلل ٱلذِّين ء‬
‫ََ َ‬
‫درجٰ ٖۚ‬
‫تﵞ [المجادلة‪.]11 :‬‬
‫الدليل العقلي الرابع‬
‫وقولهم‪" :‬كيف يثبت الحكم يف الفرع بطريق غير طريق األصل"؟‬
‫قلنا‪:‬‬
‫• ليس من ضرورة كون الفرع تاب ًعا لألصل أن يساويه يف طريق الحكم؛‬
‫‪ o‬فإن الضروريات والمحسوسات أصل للنظريات‪ ،‬ول يلزم تساويهما يف الطريق‪ ،‬وإن‬
‫تساويا يف الحكم‪.‬‬
‫الدليل العقلي الخامس‬
‫سالما؛ لسواده"‬
‫ً‬ ‫وأما إذا قال‪" :‬أعتقت‬
‫فالفرق بينه وبين أحكام الشرع من حيث اإلجمال والتفصيل‪.‬‬
‫املناقشة اإلجمالية‬
‫• أما اإلجمال‪:‬‬
‫سالما‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ o‬فإنه لو قال‪ ،‬مع هذا‪" :‬فقيسوا عليه كل أسود" لم يتعد العتق‬
‫‪ o‬ولو قال الشارع‪" :‬حرمت الخمر لشدّ هتا‪ ،‬فقيسوا عليه كل مشتد"‪ :‬للزمت التسوية‪،‬‬
‫▪ فكيف يقاس أحدهما على اآلخر‪ ،‬مع العرتاف بالفرق؟‬
‫املناقشة التفصيلية‬
‫الوجه الول‬
‫• ***وأما التفصيل‪:‬‬
‫وزواال على اللفظ‪ ،‬دون اإلرادات‬
‫ً‬ ‫حصوال‬
‫ً‬ ‫‪ o‬فألن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬علق الحكم يف األمالك‬
‫المجردة‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪ o‬أما أحكام الشرع‪ :‬فتثبت بكل ما دل عليه رضا الشارع وإرادته‪،‬‬


‫▪ ولذلك تثبت بدليل الخطاب‪ ،‬وبسكوت النبي ﷺ عما جرى بين يديه من‬
‫الحوادث‪.‬‬
‫▪ ولو أن إنسانًا باع مال غيره بأضعاف قيمته وهو حاضر‪ ،‬ولم ينكر ولم يأذن‪ ،‬بل‬
‫ظهرت عليه عالمات الفرح‪ :‬ال يصح البيع‪.‬‬
‫▪ بل قد ضيق الشرع أحكام العباد حتى ال تحصل بكل لفظ‪.‬‬
‫▪ فلو قال الزوج‪" :‬فسخت النكاح‪ ،‬ورفعت عالقة الحل بيني وبين زوجتي" لم‬
‫يقع الطالق‪ ،‬إال أن ينويه‪.‬‬
‫▪ وإذا أتى بلفظ الطالق‪ :‬وقع وإن لم ينوه‪.‬‬
‫▪ وإذا لم تحصل األحكام بجميع األلفاظ فكيف تحصل بمجرد اإلرادة؟ ***‬
‫الوجه الثاني‬
‫‪ o‬على أن القياس مفهوم يف اللغة‪ ،‬فإنه لو قال‪" :‬ل تأكل األهليلج؛ ألنه مسهل"‪ ،‬و"ل‬
‫تجالس فًلنًا؛ ألنه مبتدع" فهم منه التعدي بتعدي العلة‪ ،‬وهذا مقتضى اللغة‪ ،‬وهو مقتضاه‬
‫يف العتق‪ ،‬لكن التعبد منع منه‪.‬‬
‫األهليلج‪ :‬ثمر معين بالغ النضج‪ ،‬منه األصفر واألسود‪ ،‬معرب‪ .‬املصباح املنير مادة "هلج"‬
‫الوجه الثالث‬
‫‪ o‬وعلى أن هذا الذي ذكروه قياس لكًلم الشارع على كًلم المكلفين يف امتناع قياس ما‬
‫وجدت العلة التي علل هبا فيه عليه‪ ،‬فيكون رجوعًا إلى القياس الذي أنكروه‪.‬‬
‫الوجه الرابع‬
‫‪ o‬ثم إن قياس كًلم الشارع على كًلم غيره أبعد من قياس أحكام الشرع بعضها على بعض‪.‬‬

‫اعتراض على القائلين بحجية القياس‬


‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪34‬‬

‫االعتراض‬
‫فإن قيل‪:‬‬
‫• فلعل الشرع علل الحكم بخاصية المحل‪،‬‬
‫‪ o‬فتكون العلة يف تحريم الخمر‪ :‬شدة الخمر‪ ،‬ويف تحريم الربا بطعم الب‪ ،‬ل بالشدة‬
‫المجردة‪[ .‬ول بالطعم المجرد]‪.‬‬
‫• وهلل أسرار يف األعيان‪ :‬فقد حرم الخنزير والدم والميتة لخواص ل يطلع عليها‪،‬‬
‫‪ o‬فلم يبعد أن يكون لشدة الخمر من الخاصية ما ليس لشدة النبيذ‪ ،‬فبماذا يقع األمن عن‬
‫هذا؟‬
‫الجواب عنه‬
‫قلنا‪:‬‬
‫• قد نعلم ضرورة سقوط اعتبار خاصية المحل‬
‫تاع ِه» يعلم أن المرأة يف معناه‪.‬‬
‫احب المتاع َأح ُّق بِم ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫‪ o‬كقوله‪َ « :‬أ ُّي َما َر ُج ٍل َأ ْف َل َس َف َص ُ َ‬
‫‪ o‬وقوله‪َ « :‬م ْن أ ْعت ََق ِش ْركًا َل ُه فِي َع ْب ٍد ُق ِّو َم َع َل ْي ِه ا ْل َباقِي» فاألمة يف معناه‬
‫▪ عرفنا بتص ّفح أحكام العتق‪ ،‬والبيع‪ ،‬وبمجموع أمارات وتكريرات‪ ،‬وقرائن‪ :‬أنه ل‬
‫مدخل للذكورية يف العتق والبيع‪.‬‬
‫• وقد يظن ذلك ظنًّا يسكن إليه‪.‬‬
‫‪ o‬وقد عرفنا أن الصحابة عولوا على الظن‪ ،‬فعلمنا أهنم فهموا من رسول اهلل ﷺ قط ًعا‪،‬‬
‫إلحاق الظن بالقطع‪.‬‬
‫‪ o‬وقد اختلف الصحابة يف مسائل‪ ،‬فلو كانت قطعية‪ :‬لما اختلفوا فيها‪ ،‬فعلمنا أن الظن‬
‫كالعلم‪.‬‬
‫‪ o‬فإن انتفى العلم والظن‪ :‬فًل يجوز اإلقدام على القياس‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪‬‬

‫اإللحاق بالعلة املنصوصة لفظي أو قياس ي؟‬


‫القوال ونسبتها‬
‫القول الثاين‪ :‬وهذا خطأ (وإنما بطريق‬ ‫القول األول‪ :‬العلة المنصوص عليها توجب‬

‫القياس)‬ ‫اإللحاق بطريق اللفظ والعموم‪ ،‬ال بطريق‬

‫(اختيار المؤلف)‬ ‫القياس‬

‫(النظام)‬

‫الدلة‬
‫• إذ ل يتناول قوله‪" :‬حرمت الخمر‬ ‫حرمت‬
‫• إذ ل فرق يف اللغة بين قوله‪ّ " :‬‬
‫لشدهتا" من حيث الوضع إل تحريمها‬ ‫حرمت كل‬
‫الخمر لشدهتا" وبين‪ّ " :‬‬
‫خاصة‪ ،‬ولو لم يرد التعبد بالقياس‪:‬‬ ‫مشتد" (يريد أن اإللحاق حاصل من جهة‬

‫لقتصرنا عليه‪ ،‬كما لو قال‪" :‬أعتقت‬ ‫اللفظ الشامل للفرع عموما معنويا‪ ،‬ال من‬
‫جهة القياس‪.)...‬‬
‫غانما لسواده"‬
‫ً‬
‫خًلصة الرد‪ :‬أننا ال نسلم باستواء الصيغتين‪،‬‬
‫فإن قوله‪« :‬حرمت كل مشتد» يفيد العموم‬ ‫مناقشة دليل القول الول‬
‫لعليته‪ ،‬أما قوله‪« :‬حرمت الخمر لشدتها» فًل‬ ‫ويتجه عليه‪ :‬ما ذكره نفاة القياس‪ ،‬واهلل أعلم‬
‫يفيد إال تحريم الخمر خاصة‪ ،‬ولوال القياس ملا‬ ‫(وهي األدلة التي استندوا إليها ً‬
‫سابقا)‪.‬‬
‫حرم كل مشتد‪ ،‬كما لو قيل‪« :‬أعتقت ً‬
‫غانما‬
‫لسواده» فيختص العتق بغانم «والنص على‬
‫العلة ال يوجب العموم اللفظي‪ .‬انظر‪ :‬شرح‬
‫الطوفي»‪."٣46 /٣‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪36‬‬

‫• وكيف يصح هذا وهلل تعالى ‪-‬أن ينصب‬

‫شدة الخمر‪ -‬خاصة‪ -‬؟‪ ،‬ويكون فائدة‬

‫التعليل‪ :‬زوال التحريم عند زوال الشدة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫أوجه دخول الخطأ على القياس‬


‫***ويتطرق الخطأ إلى القياس من خمسة أوجه‪:‬‬
‫معلال‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬أن ال يكون الحكم ً‬
‫والثاين‪ :‬أن ال يصيب علته عند اهلل تعالى‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يقصر يف بعض أوصاف العلة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن يجمع إلى العلة وص ًفا ليس منها‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن يخطئ يف وجودها يف الفرع‪ ،‬فيظنها موجودة‪ ،‬وال يكون كذلك***‪.‬‬

‫‪‬‬

‫أقسام إلحاق املسكوت باملنطوق‬


‫إلحاق المسكوت بالمنطوق ينقسم إلى‪:‬‬
‫[‪ ]1‬مقطوع‪،‬‬
‫[‪ ]2‬ومظنون‪.‬‬
‫أقسام اإللحاق القطعي‬
‫‪37‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫القسم الول‪ :‬مفهوم املو افقة الولوي‬


‫فالمقطوع ضربان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق‪ ،‬وهو المفهوم‪ ،‬ويسمى‪:‬‬
‫مفهوم املوافقة‪.‬‬ ‫▪‬
‫الفحوى‪.‬‬ ‫▪‬
‫القياس الجلي‪.‬‬ ‫▪‬
‫معقول النص‪.‬‬ ‫▪‬
‫داللة النص‪.‬‬ ‫▪‬
‫ول يكون مقطوعًا حتى يوجد فيه المعنى الذي يف المنطوق وزيادة‪،‬‬
‫• كقولنا‪ :‬إذا قبل شهادة اثنين‪ ،‬فثًلثة أولى‪ ،‬فإن الثًلثة‪ :‬اثنان وزيادة‪.‬‬
‫عور مرتين‪.‬‬
‫• وإذا هنى عن التضحية بالعوراء‪ :‬فالعمياء أولى‪ ،‬فإن العمى‪َ :‬‬
‫أمثلة ملا قد يتوهم أنه من القسم الول‬
‫فأما قولهم‪:‬‬
‫• "إذا وجبت الكفارة يف القتل الخطأ‪ ،‬ففي العمد أولى"‬
‫• و"إذا ردت شهادة الفاسق‪ ،‬فالكافر أولى"‪:‬‬
‫‪ o‬فهذا يفيد الظن لبعض المجتهدين‪ ،‬وليس من األول؛‬
‫▪ ألن العمد نوع يخالف الخطأ‪ ،‬فيجوز أن ل تقوى الكفارة على رفعه‪ ،‬بخًلف‬
‫الخطأ‪.‬‬
‫▪ والكافر يحرتز من الكذب لدينه‪ ،‬والفاسق متهم يف الدين‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬مفهوم املو افقة املساوي‬
‫الضرب الثاين‪ :‬أن يكون المسكوت مثل المنطوق‪،‬‬
‫• كسراية العتق يف العبد‪ ،‬واألمة مثله‪،‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪38‬‬

‫• وموت الحيوان يف السمن‪ ،‬والزيت مثله‪.‬‬


‫وهذا يرجع إلى العلم بأن الفارق ل أثر له يف الحكم‪ ،‬وإنما يعرف ذلك باستقراء أحكام الشرع‬
‫يف موارده ومصادره يف ذلك الجنس‪.‬‬
‫ضابط هذا الجنس‬
‫وضابط هذا الجنس‪ :‬ما ل يحتاج فيه إلى التعرض للعلة الجامعة‪ ،‬بل بنفي الفارق المؤثر‪،‬‬
‫ويعلم أنه ليس ثم فارق مؤثر قط ًعا‪( .‬كإلغاء الفارق بين البول في املاء الراكد‪ ،‬وبين البول في إناء‬
‫وصبه فيه)‪.‬‬
‫فإن تطرق إليه احتمال‪ :‬لم يكن مقطوعًا به‪ ،‬بل يكون مظنونًا‪.‬‬

‫ونفي الفارق أربعة أقسام‪:‬‬


‫األول‪ :‬هو ما كان املسكوت عنه فيه أولى بالحكم من املنطوق مع القطع بنفي الفارق‪.‬‬
‫وأمثلته‪:‬‬
‫‪ -١‬إلحاق أربعة عدول بالعدلين في قبول الشهادة في قوله تعالى‪{ :‬وأشهدوا ذوي عدل منكم}‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -٢‬إلحاق مثقال الجبل بمثل الذرة في املؤاخذة في قوله تعالى‪{ :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} اآلية‪.‬‬
‫‪ -٣‬إلحاق الضرب بالتأفيف في الرحمة في قوله تعالى‪{ :‬فًل تقل لهما أف} اآلية‪.‬‬

‫ً‬
‫الثاني‪ :‬هو ما كان املسكوت عنه فيه مساويا للمنطوق مع القطع بنفي الفارق‪.‬‬
‫من أمثلته‪:‬‬
‫‪ -١‬إلحاق إحراق مال اليتيم وإغراقه بأكله في الحرمة وذلك في قوله تعالى‪{ :‬إن الذين يأكلون أموال‬
‫اليتامى ظلما}‪.‬‬
‫‪ _٢‬إلحاق صب البول في املاء بالبول فيه‪ .‬املذكور في حديث‪( :‬ال يبولن أحدكم في املاء الدائم الذي ال‬
‫يجري ثم يغتسل فيه) الحديث‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬هو ما كان املسكوت عنه فيه أولى مع نفي الفارق بالظن الغالب‪.‬‬
‫من أمثلته‪:‬‬
‫‪39‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫ً‬
‫‪-١‬إلحاق شهادة الكافر بشهادة الفاسق في الرد فيقول تعالى‪{ :‬وال تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم‬
‫الفاسقون}‪.‬‬
‫الحتمال الفرق بأن الكافر يحترز عن الكذب لدينه في زعمه والفاسق متهم في دينه‪،‬‬
‫‪-٢‬إلحاق العمياء بالعوراء في منع التضحية املنصوص في الحديث‪.‬‬
‫فالعمياء أولى بالحكم املذكور من العوراء‪ ،‬ولكن نفي الفارق مظنون ظنا غالبا مزاحما لليقين‪ ،‬وليس‬
‫ً‬
‫قطعيا كما قاله غير واحد‪،‬‬
‫ً‬
‫ووجه ذلك أن الغالب على الظن أن علة منع التضحية بالعوراء هي كون العور نقصا في ثمنها‪ ،‬والعمياء‬
‫أحرى بذلك من العوراء‬
‫ولكن هناك احتمال آخر‪ ،‬وهو أن تكون العلة هي‪ :‬أن العور مظنة الهزال ألن العوراء ناقصة البصر إذ‬
‫ال ترى إال ما قابل عينها املبصرة ونقص بصرها املذكور مظنة لنقص رعيها‪ ،‬ونقص رعيها مظنة لهزالها‪،‬‬
‫وهذه العلة املحتملة ليست موجودة في العمياء ألن من يعلفها يختار لها أجود العلف‪ ،‬وذلك مظنة‬
‫السمن‪.‬‬
‫ملحوظة‪ :‬ال يلزم من كون املسكوت عنه أولى بالحكم من املنطوق أن يكون قطعيا خًلفا ملا ذكره‬
‫ً‬
‫املؤلف رحمه هللا‪ ،‬وأنه ال يلزم أيضا من كونه مساويا أن يكون نفي الفارق ظنيا خًلفا لظاهر كًلمه‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬هو ما كان املسكوت عنه فيه مساويا للمنطوق به مع كون نفي الفارق مظنونا ال مقطوعا‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫‪-١‬إلحاق األمة بالعبد في سراية العتق املنصوص عليه في العبد في الحديث الصحيح‬
‫فالغالب على الظن أنه ال فرق في سراية العتق بين األمة والعبد ألن الذكورة واألنوثة بالنسبة إلى العتق‬
‫وصفان طرديان ال يعلق بواحد منهما حكم من أحكام العتق‪.‬‬
‫وهناك احتمال آخر هو الذي منع كون نفي الفارق قطعيا‪ ،‬وهو احتمال أن يكون الشارع إنما نص‬
‫على العبد في قوله‪( :‬من أعتق شركا له في عبد) الحديث لخصوصية في العبد ال توجد في األمة‪ ،‬وهي أن‬
‫العبد إذا أعتق يزاول من مناصب الرجال ما ال تزاوله األنثى ولو حرة‪.‬‬

‫ملحوظة‪ :‬نفي الفارق داخل في تنقيح املناط‪.‬‬


‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪40‬‬

‫وقد اختلف يف تسمية هذا قياسا (سبق في باب داللة املفهوم أن بعضهم يسميه ً‬
‫قياسا ًّ‬
‫جليا‪،‬‬ ‫ً‬
‫وبعضهم يسميه مفهوم موافقة‪ ،‬والبعض يطلق عليه داللة النص‪ ،‬وقلنا‪ :‬إن ذلك راجع إلى‬
‫االصطًلح‪ ،‬وال مشاحة فيه)‪.‬‬
‫وما عدا هذا من األقيسة‪ :‬فمظنون‪.‬‬

‫‪‬‬

‫طرق اإللحاق‬
‫ويف الجملة‪ ،‬فاإللحاق له طريقان‪:‬‬
‫‪ -2‬اإللحاق بذكرالجامع‬ ‫‪ -1‬اإللحاق بنفي الفارق‬
‫الثاين‪ :‬أن يتعرض للجامع فيبينه‪ ،‬ويبين‬ ‫أحدهما‪:‬‬
‫وجوده يف الفرع‪.‬‬ ‫• أنه ل فارق إل كذا‪ ،‬وهذه مقدمة‬
‫قياسا‪.‬‬
‫وهذا المتفق على تسميته ً‬ ‫[صغرى]‪.‬‬

‫أيضا‪:‬‬ ‫• ول مدخل لهذا الفارق يف التأثير‪ ،‬وهذه‬


‫وهذا يحتاج إلى مقدمتين‪ً ،‬‬
‫مثًل‪ -‬علة التحريم‬
‫• أحدهما‪ :‬أن السكر‪ً -‬‬ ‫مقدمة أخرى [كبرى]‪.‬‬

‫يف الخمر‪.‬‬ ‫‪ o‬فيلزم منه نتيجة‪ ،‬وهو أن ل فرق‬

‫• والثانية‪ :‬أنه موجود يف النيبذ‪.‬‬ ‫بينهما يف الحكم‪.‬‬


‫مثال ذلك أن يقال‪ :‬ال فارق بين العبد واألمة في‬
‫سراية العتق‪ ،‬وتنصيف الحد إال الذكورية‪ ،‬وال‬
‫أثر لذلك‪ ،‬فيجب استواؤهما في الحكم‪.‬‬
‫وهذا إنما يحسن إذا ظهر التقارب بين الفرع‬
‫واألصل‪ ،‬فًل يحتاج إلى التعرض للجامع‬
‫لكثرة ما فيه من الجتماع‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫أدلة ثبوت املقدمة الثانية‬


‫فهذه المقدمة الثانية يجوز أن تثبت‪:‬‬
‫[‪ ]1‬بالحس‪،‬‬
‫[‪ ]2‬ودليل العقل‪،‬‬
‫[‪ ]3‬والعرف‪،‬‬
‫[‪ ]4‬وأدلة الشرع‪.‬‬
‫دليل ثبوت املقدمة الولى‬
‫وأما األولى‪ :‬فًل تثبت إل بدليل شرعي‪،‬‬
‫▪ فإن كون الشدة عًلمة التحريم وضع شرعي‪ ،‬كما أن نفس التحريم كذلك‪ ،‬وطريقه‬
‫طريقه‪ ،‬فالشدة التي جعلت عًلمة للتحريم يجوز أن يجعلها الشارع عًلمة للحل‪ ،‬فليس‬
‫إيجاهبا لذاهتا‪.‬‬
‫أقسام دليل املقدمة الولى (مسالك العلة)‬
‫وأدلة الشرع ترجع إلى‪:‬‬
‫[‪ ]1‬نص‪،‬‬
‫[‪ ]2‬أو إجماع‪،‬‬
‫[‪ ]3‬أو استنباط‪،‬‬
‫▪ فهذه ثًلثة أقسام‪.‬‬

‫‪‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪42‬‬

‫القسم الول‪ :‬إثبات العلة بأدلة نقلية‬


‫وهي ثًلثة أضرب (مع أن ابن قدامة لم يذكر إال ضربين؛ فلعله أخذ عنوان املستصفى في جعلها‬
‫ضربا ً‬
‫واحدا‪ ،‬أو يكون ذلك من تصرف النساخ)‪.‬‬ ‫ثًلثة أضرب‪ ،‬وأدخل الظاهر مع القاطع وجعلهما ً‬

‫وجمهور العلماء يجعلونها ثًلثة أضرب هي‪:‬‬


‫النص القاطع‪ :‬وهو الذي يدل على التعليل داللة صريحة دون احتمال لغيره‪ ،‬مثل‪ :‬لعلة كذا‪ ،‬أو‬
‫لسبب كذا‪ ،‬أو ألجل كذا‪ ،‬ولكي‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫النص الظاهر‪ :‬وهو ما يدل على العلية مع احتمال غيرها احتماال مرجوحا‪ ،‬وله ألفاظ معينة تدل على‬
‫التعليل‪ ،‬كالًلم والباء ّ‬
‫وإن‬
‫ً‬
‫واإليماء والتنبيه‪ :‬وهو أن يقترن الحكم بوصف على وجه لو لم يكن علة لكان الكًلم معيبا عند‬
‫العقًلء‪.‬‬
‫الضرب الول‪ :‬النص الصريح‬
‫[الصورة األولى]‪:‬‬
‫األول‪ :‬الصريح‪.‬‬
‫وذلك أن يرد فيه لفظ التعليل؛‬
‫َ َ َ ُ َ ُ َ‬
‫كقوله تعالى‪ :‬ﵟك ۡ‬
‫ي لا يكون دولَۢة ﵞ [الحشر‪،]7 :‬‬ ‫•‬
‫َ َۡ َۡ َ ْۡ‬
‫ﵟل ِّكيلا تأسوا ﵞ [الحديد‪،]23 :‬‬ ‫•‬
‫َ َ َ َّ ُ ۡ َ ٓ ُّ ْ َّ َ َ َ ُ َ ُ‬
‫ﵟذٰل ِّك بِّأنهم شاقوا ٱّلل ورسوله ُۚۥﵞ [األنفال‪.]13 :‬‬ ‫•‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ﵟم ِّۡن أَ ۡج َ َ َ َ ۡ َ َ َ َ‬
‫ل ذٰل ِّك كتبنا عل ٰى بنِّ ٓي إِّس َرَٰٓءِّيلﵞ [المائدة‪،]32 :‬‬ ‫•‬
‫ِّ‬
‫َ ۡ َ َ َ َ َّ ُ َّ ُ َ‬
‫ﵟل ِّنعلم من يتبِّع ٱلرسول ﵞ [البقرة‪،]143 :‬‬ ‫•‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ﵟل َِّيذوق َوبَال أ ۡم ِّرهِّۗۦﵞ [المائدة‪.]95 :‬‬ ‫•‬
‫ْذان مِ ْن َأ ْج ِل ا ْل َب َص ِر»‪،‬‬
‫الستِئ ُ‬ ‫ِ‬
‫• وقول النبي ﷺ‪« :‬إِنَّما ُجع َل ْ‬
‫• و «إِن ََّما ن ََه ْي ُت ُك ْم مِ ْن َأ ْج ِل الدَّ ا َّف ِة»‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫[الصورة الثانية]‪:‬‬
‫وكذلك إن ُذكر المفعول له‪ ،‬فهو صريح يف التعليل؛‬
‫• ألنه يذكر للعلة والعذر‪،‬‬
‫َّ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ‬
‫كقوله تعالى‪ :‬ﵟلأمسكتم خشية ٱل ِّإنف ِّ ٖۚ‬
‫اق ﵞ [اإلسراء‪،]100 :‬‬ ‫‪o‬‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َۡ ُ َ َ‬
‫َ‬
‫‪ o‬ﵟيجعلون أصٰبِّع ُه ۡم ف ِّ ٓي َءاذان ِّ ِّهم م َِّن ٱلصوٰع ِِّّق حذ َر ٱل َم ۡو ِّ ٖۚ‬
‫تﵞ [البقرة‪.]19 :‬‬
‫▪ وما جرى هذا المجرى من صيغ التعليل‪.‬‬
‫[احتراز]‪:‬‬
‫فإن قام دليل على أنه لم يقصد التعليل نحو‪ :‬أن يضاف إلى ما ل يصلح علة‪ :‬فيكون مجازً ا‪،‬‬
‫أردت"‪،‬‬
‫ُ‬ ‫• كما لو قيل‪" :‬لم فعلت هذا"؟ قال‪" :‬ألين‬
‫‪ o‬فهذا استعمال اللفظ يف غير محله‪.‬‬

‫[الصورة الثالثة]‪:‬‬
‫فأما لفظة " ّ‬
‫إن"‬
‫• مثل قوله‪ ،‬عليه السًلم‪ ،‬لما ألقى الروثة‪« :‬إِنَّها ِر ْجس»‪،‬‬
‫َجس‪ ،‬إِنَّها مِ َن ال َّط َّوافِي َن َع َلي ُك ْم»‪،‬‬
‫• وقال‪ ،‬يف الهرة‪« :‬إِنَّها َل ْي َس ْت بِن ٍ‬

‫• و « َل ُتنْ َك ُح ا ْل َم ْر َأ ُة َع َلى ع ََّمتِها َو َل َع َلى َخا َلتِ َها؛ إِ َّن ُك ْم إِ ْن َف َع ْلت ُْم َذل ِ َك َق َط ْعت ُْم َأ ْر َحا َم ُك ْم»‪.‬‬
‫إن" حرف الفاء‪ :‬فهو آكد‪ ،‬نحو قوله‪ ،‬عليه السًلم‪َ « :‬ل ُت َق ِّر ُبو ُه طِي ًبا فإِ َّن ُه ُي ْب َع ُث‬ ‫فإن انضم إلى " ّ‬
‫ُم َل ِّب ًيا»‪.‬‬

‫[الخالف فيها]‪:‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪44‬‬

‫قال أبو الخطاب‪ :‬هذا صريح يف التعليل‪.‬‬


‫وقيل‪ :‬بل هذا من طريق التنبيه واإليماء إلى العلة‪ ،‬ل من طريق الصريح‪ .‬واهلل أعلم‬
‫الضرب الثاني‪ :‬التنبيه واإليماء‬
‫الضرب الثاين‪ :‬التنبيه واإليماء إلى العلة‪.‬‬
‫وهو أنواع ستة‪.‬‬
‫النوع الول‪ :‬ترتيب الحكم على الوصف بالفاء‬
‫أحدها‪ :‬أن يذكر الحكم عقيب وصف بالفاء‪ ،‬فيدل على التعليل بالوصف؛‬
‫ۡ‬ ‫ٓ‬ ‫َ َۡ ُ ْ‬ ‫َٗ‬ ‫ُ‬ ‫ُۡ‬
‫يضﵞ [البقرة‪،]222 :‬‬ ‫• كقوله تعالى‪ :‬ﵟقل ه َو أذى فٱعت ِّزلوا ٱلن َِّسا َء فِّي ٱل َم ِّ‬
‫ح ِّ‬
‫َُ َ ۡ َ ُ ْٓ َۡ َ ُ َ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫وﵟوٱلسارِّق وٱلسارِّقة فٱقطعوا أيدِّيهما ﵞ [المائدة‪،]38 :‬‬
‫َ َّ‬ ‫•‬
‫• وقول النبي ﷺ‪َ « :‬م ْن َبدَّ َل ِدينَ ُه َفا ْق ُت ُلو ُه»‪،‬‬
‫• و « َم ْن َأ ْح َيا َأ ْر ًضا َمي َت ًة ف ِه َي له»‪.‬‬

‫[دليل اعتباره مسلكا للتعليل]‬


‫فيدل ذلك على التعليل؛‬
‫• ألن الفاء يف اللغة للتعقيب‪ ،‬فيلزم من ذكر الحكم مع الوصف بالفاء‪ :‬ثبوته عقيبه‪ ،‬فيلزم‬
‫منه السببية‪،‬‬
‫‪ o‬إذ ل معنى للسبب إل ما ثبت الحكم عقيبه‪ .‬ولهذا يفهم منه السببية وإن انتفت‬
‫َوض ْأ»‪.‬‬
‫المناسبة‪ ،‬نحو قوله‪َ « :‬م ْن َم َّس َذك ََر ُه َف ْل َيت َّ‬
‫امللحق بالنوع الول‬
‫ويلحق هبذا القسم‪ :‬ما رتبه الراوي بالفاء‪،‬‬
‫• كقوله‪َ « :‬س َهى َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ﷺ َف َس َجدَ »‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫ول اهللِ ﷺ َأ ْن ُي َر َّض َر ْأ ُس ُه َب ْي َن َح َج َر ْي ِن»‪.‬‬


‫ار َي ٍة‪َ ،‬ف َأ َم َر بِ ِه َر ُس ُ‬ ‫• و «ر َض َخ يه ِ‬
‫ود ٌّي َر ْأ َس َج ِ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬

‫[دليل اعتباره مسلكا للتعليل]‪:‬‬


‫يفهم منه السببية فًل يحل نقله من غير فهم السببية؛‬
‫تلبيسا يف دين اهلل‪ ،‬والظاهر أن الصحابي يمتنع مما يحرم عليه يف دينه‪ ،‬ل سيما إذا‬
‫• لكونه ً‬
‫علم عموم فساد‪ ،‬فيظهر أنه فهم منه التعليل‪.‬‬
‫• والظاهر أنه مصيب يف فهمه‪ ،‬إذ هو عالم بمواقع الكًلم ومجاري اللغة‪ ،‬فًل يعتقد السببية‬
‫إل بما يدل عليها‪ ،‬واللفظ مشعر به‪.‬‬

‫[عدم اشتراط فقه الراوي]‪:‬‬


‫ول يحتاج إلى فقه الراوي‪ ،‬فإن هذا مما يقتبس من اللغة‪ ،‬دون الفقه‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء‬
‫الثاين‪ :‬ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء يدل على التعليل به‪.‬‬
‫َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫اب ضِّ ۡعفيۡ ِّنٖۚﵞ [األحزاب‪.]30 :‬‬
‫حشة ُّم َبي َنة يُ َضٰ َعف ل َها ٱل َعذ ُ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫• كقوله تعالى‪ :‬ﵟ َمن يَأ ِّ‬
‫ت مِّنك َّن بِّفٰ ِّ‬
‫َ‬ ‫ٓ َ‬ ‫ُّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ِّنك َّن ِّ َّّللِّ َو َر ُسولِّهِّۦ َوت ۡع َمل َصٰل ِّٗحا ن ۡؤت َِّها أ ۡج َر َها َم َّرتيۡ ِّنﵞ [األحزاب‪،]31 :‬‬
‫تم ُ‬ ‫• ﵟ َو َمن َيق ُن ۡ‬
‫َۡ‬ ‫َّ‬ ‫َۡ‬
‫• ﵟ َو َمن َي َّتق َّ َ‬
‫ٱّلل يج َعل ل ُهۥ مخ َر ٗجاﵞ [الطالق‪ ]2 :‬أي‪ :‬لتقواه‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫اشي ٍة َأو صي ٍد َن َقص مِن َأج ِر ِه ك َُّل يو ٍم قِيرا َط ِ‬
‫ِ‬
‫ان»‪.‬‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ب َم َ ْ َ ْ‬ ‫• وقول النبي ﷺ‪َ « :‬م ِن ا َّت َخ َذ َك ْل ًبا إِ َّل َك ْل َ‬
‫• وكذلك ما أشبهه‬

‫[دليل اعتباره مسلكا للتعليل]‪:‬‬


‫فإن الجزاء يتعقب شرطه ويًلزمه‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪46‬‬

‫فًل معنى للسبب إل ما يستعقب الحكم ويوجد بوجوده‪.‬‬


‫النوع الثالث‪ :‬ترتيب الحكم على سؤال عن و اقعة‬
‫النوع الثالث‪:‬‬
‫أن يسأل النبي ﷺ عن أمر حادث‪ ،‬فيجيب بحكم‪ ،‬فيدل على أن المذكور يف السؤال علة‪.‬‬
‫• كما روي أن أعراب ًّيا أتى النبي ﷺ فقال‪ :‬هلكت وأهلكت‪ .‬قال‪َ :‬ما َذا َصنَ ْع َت؟ قال‪:‬‬
‫واقعت أهلي يف رمضان‪ .‬فقال‪ ،‬عليه السًلم‪ :‬أعْتِ ْق َر َق َبة»‪.‬‬
‫‪ o‬فيدل على أن الوقاع سبب؛ ألنه ذكره جوا ًبا له‪ ،‬والسؤال كالمعاد يف الجواب‪ ،‬فكأنه‬
‫قال‪َ « :‬وا َق ْع َت َأ ْه َل َك َفاعْتِق َر َق َبة»‪.‬‬
‫‪ o‬واحتمال أن يكون المذكور منه ليس بجواب‪ :‬ممتنع‪،‬‬
‫▪ إذ يفضي ذلك إلى خلو محل السؤال عن الجواب‪ ،‬فيتأخر البيان عن وقت‬
‫الحاجة‪ ،‬وهو ممتنع بالتفاق‪.‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬اقتران الحكم بما يدل على التعليل‬
‫لغوا غير مفيد‪.‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬أن ُيذكر مع الحكم شيء‪ ،‬لو لم يقدر التعليل به‪ :‬لكان ً‬

‫[دليل اعتباره مسلكا]‪:‬‬


‫فيجب تقدير الكًلم على وجه مفيد‪ ،‬صيانة لكًلم النبي ﷺ عن اللغو‪.‬‬
‫وهو قسمان‪:‬‬
‫• أحدهما‪ :‬أن ُيستنطق السائل عن الواقعة بأمر ظاهر الوجود‪ ،‬ثم يذكر الحكم عقيبه‪،‬‬
‫ب إِ َذا َيبِ َس؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫الر َط ُ‬
‫ص ُّ‬‫‪ o‬كما سئل ﷺ عن بيع الرطب بالتمر فقال‪َ « :‬أ َينْ ُق ُ‬
‫َف ًَل إِ َذ ْن»‪.‬‬
‫▪ فلو لم يقدر التعليل له‪ :‬كان الستكشاف عن نقصان الرطب غير مفيد لظهوره‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫• الثاين‪ :‬أن يعدل يف الجواب على نظير محل السؤال‪:‬‬


‫‪ o‬كما روي أنه لما سألته الخثعمية عن الحج عن الوالدين‪ ،‬فقال ‪َ « :‬أر َأي ِ‬
‫ت َل ْو ك َ‬
‫َان‬ ‫َ ْ‬
‫ان ينْ َفعها؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪َ :‬فدَ ين اهللِ َأح ُّق بِال َق ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ضاء»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َع َلى ُأ ِّمك َد ْين َف َق َض ْيته‪َ ،‬أ َك َ َ ُ َ‬
‫تقريرا لفائدة التعليل‪.‬‬
‫ً‬ ‫▪ فيفهم منه‪ :‬التعليل بكونه دينًا‬
‫النوع الخامس‪ :‬أن يكون في سياق الحكم ما يدل على لتعليل‬
‫النوع الخامس‪ :‬أن يذكر يف سياق الكًلم شيء لو لم يعلل به‪ :‬صار الكًلم غير منتظم؛‬
‫َ ۡ ِّ ۡ ُ ُ َ َ ۡ ْ َ ۡ َّ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ َ ُ َ َّ َ‬
‫ٱس َع ۡوا إِّل ٰي ذِّك ِّر ٱّللِّ‬‫ِّلصل ٰوة ِّ مِّن يوم ٱلجمعةِّ ف‬ ‫• كقوله تعالى‪ :‬ﵟيأيها ٱلذِّين ءامنوا إِّذا نودِّي ل‬

‫ع ﵞ [الجمعة‪.]9 :‬‬
‫َ َ ُ ْ َۡ ۡ َ‬
‫وذروا ٱلبي ُۚ‬
‫‪ o‬فإنه يعلم منه التعليل للنهي عن البيع بكونه مان ًعا من السعي إلى الجمعة؛ إذ لو قدرنا‬
‫النهي عن البيع مطل ًقا من غير رابطة الجمعة يكون خب ًطا يف الكًلم‪[ .‬الخبط‪ :‬هو السير‬
‫على غير جادة‪ ،‬أو طريق واضحة‪ .‬تاج العروس مادة "خبط"]‪.‬‬
‫• وكذا قوله ‪« :‬ل يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان»‪.‬‬
‫‪ o‬تنبيه على التعليل بالغضب‪ ،‬إذ النهي عن القضاء مطل ًقا من غير هذه الرابطة ل يكون‬
‫منتظما‪.‬‬
‫ً‬
‫النوع السادس‪ :‬اقتران الحكم بوصف مناسب‬
‫النوع السادس‪ :‬ذكر الحكم مقرونًا بوصف مناسب‪ ،‬فيدل على التعليل به؛‬
‫َْ‬ ‫َُ َ ۡ‬ ‫ُ‬
‫ٱلسارِّقة فٱق َط ُع ٓوا أيۡد َِّي ُه َما ﵞ [المائدة‪.]38 :‬‬
‫ٱلسارق َو َّ‬
‫ِّ‬
‫• كقوله تعالى‪ :‬ﵟ َو َّ‬
‫َ‬ ‫َّ ۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ۡ َ‬
‫• وﵟإِّن ٱلأبۡ َر َار ل ِّفي نعِّيم ‪َ ١٣‬وِإن ٱلف َّج َار ل ِّفي َج ِّحيمﵞ [االنفطار‪ ،]14-13 :‬أي‪ :‬لبهم وفجورهم‪،‬‬
‫فإنه يسبق إلى األفهام التعليل به‪،‬‬

‫[أدلة اعتباره مسلكا للتعليل]‬


‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪48‬‬

‫الفساق" يفهم منه‪ :‬أن إكرام العلماء لعلمهم‪ ،‬وإهانة‬


‫[‪ ]1‬كما لو قال‪" :‬أكرم العلماء وأهن ّ‬
‫الفساق لفسقهم‪.‬‬
‫‪ o‬فكذلك يف خطاب الشارع‪ ،‬فإن الغالب منه‪ :‬اعتبار المناسبة‪.‬‬
‫[‪ ]2‬بل قد نعلم أنه ل يرد الحكم إل لمصلحة‪ :‬فمتى ورد الحكم مقرونًا بمناسب‪ :‬فهمنا‬
‫التعليل به ففي هذه المواضع يدل على أن الوصف معتب يف الحكم‪،‬‬
‫‪ o‬لكنه يحتمل‪ :‬أن يكون اعتباره لكونه علة يف نفسه‪.‬‬
‫‪ o‬ويحتمل أن اعتباره لتضمنه للعلة؛‬
‫▪ نحو‪ :‬هنيه عن القضاء مع الغضب‪ ،‬ينبه على أن الغضب علة ل لذاته‪ ،‬بل لما‬
‫يتضمنه من الدهشة المانعة من استيفاء الفكر‪ ،‬حتى يلتحق به الجائع والحاقن‪.‬‬
‫▪ ويحتمل‪ :‬أن ترتيبه فساد الصوم على الوقاع؛ لتضمنه إفساد الصوم‪ ،‬حتى‬
‫يتعدى إلى األكل والشرب‪.‬‬
‫‪ o‬والظاهر‪ :‬اإلضافة إلى األصل‪ ،‬فصرفه عن ذلك إلى ما يتضمنه يحتاج إلى دليل‪.‬‬

‫‪‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬ثبوت العلة باإلجماع‬


‫القسم الثاين‪ :‬ثبوت العلة باإلجماع‬
‫قال بعض األصوليين بتقديم االجماع على النص‪ ،‬ألن النص يحتمل النسخ واإلجماع ال يحتمله‪.‬‬

‫[أمثلته]‪:‬‬
‫• كاإلجماع على تأثير "الصغر" يف الولية‪[ .‬أي‪ :‬والية اإلجبار على البكر الصغيرة‪ ،‬وعلى‬
‫الصغير في املال أو النكاح‪ ،‬فيقول الحنفي في الثيب الصغيرة‪ :‬صغيرة‪ ،‬فتجبر على النكاح‪ً ،‬‬
‫قياسا‬
‫‪49‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫على البكر الصغيرة‪ ،‬واالبن الصغير‪ ،‬ويدعى أن العلة في األصل‪ :‬الصغر باإلجماع‪ ،‬وقد تحققت في‬
‫الفرع]‪.‬‬
‫• وكاإلجماع على أن علة منع القاضي من القضاء وهو غضبان‪:‬‬
‫▪ اشتغال قلبه عن الفكر والنظر يف الدليل والحكم‪ ،‬وتغير طبعه عن السكون والتلبث‬
‫لًلجتهاد‪.‬‬
‫• وكتأثير تلف المال تحت اليد العادية يف الضمان؛ أي‪ :‬املعتدية‪ .‬وتوضيحه‪ :‬أن تلف املال تحت‬
‫ً‬
‫إجماعا‪ ،‬فيلحق به تلف العين في يد السارق‪ ،‬وإن قطع‬ ‫اليد العادية علة للضمان على الغاصب‬
‫بها؛ ألن يده عادية‪ ،‬فضمن ما تلف فيها كالغاصب‪ ،‬الشتراكهما في الوصف الجامع وهو التلف‬
‫تحت اليد العادية‪ .‬انظر‪ :‬شرح الطوفي "‪."٣77-٣76 /٣‬‬
‫▪ فإنه يؤثر يف الغصب إجماعًا‪ ،‬فقيس السارق ‪-‬وإن ُقطع‪ -‬على الغاضب‪ ،‬لتفاقهما يف‬
‫العلة المؤثرة يف محل الوفاق إجماعًا‪.‬‬
‫املنع من املطالبة بتأثيرالعلة في الصل والفرع‬
‫فًل تصح المطالبة بتأثير العلة يف األصل‪ ،‬لًلتفاق عليها‪.‬‬
‫وإن طولب بتأثيرها يف الفرع‪ ،‬فجوابه أن يقال‪:‬‬
‫• القياس لتعدية حكم العلة من موضع إلى موضع‪ ،‬وما من تعدية إل ويتوجه عليها هذا‬
‫السؤال‪ ،‬فًل يفتح هذا الباب‪.‬‬
‫أمثلة ملا يطلب به املعترض‬
‫• بل يكلف المعرتض الفرق‪ ،‬أو التنبيه على مثار خيار الفرق‪( .‬أي‪ :‬الفرق الذي يتخيله‬
‫املناظر)‪،‬‬
‫واملعنى‪ :‬يقال له‪ :‬قد بينت أن العلة مؤثرة في األصل باالتفاق‪ ،‬وبينت وجودها في الفرع‪ ،‬فتم‬
‫القياس‪ ،‬فإن كان عندك ما تبين به عدم تأثيرها فهاته‪.‬‬
‫األخوة من األبوين أثرت يف التقديم يف الميراث إجماعًا‪ ،‬فلتؤثر يف‬
‫ّ‬ ‫‪ o‬وكذلك لو قال‪:‬‬
‫التقديم يف النكاح‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪50‬‬

‫‪ o‬أو قال‪ :‬الصغر أثر يف ثبوت الولية على البكر‪ :‬فكذلك على الثيب (أي إذا كانت‬
‫صغيرة)‪.‬‬

‫‪‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬ثبوت العلة باالستنباط‬


‫وهو ثًلثة أنواع‪:‬‬
‫النوع الول من مسلك االستنباط‪ :‬املناسبة‬
‫‪ -1‬املناسبة‬
‫تعريف املناسبة‬
‫لغة‪ :‬املًلئمة‪.‬‬
‫وفي االصطًلح‪ :‬كون الوصف يتضمن ترتب الحكم عليه مصلحة‪ ،‬كاإلسكار‪ ،‬فإن ترتب املنع عليه فيه‬
‫مصلحة حفظ العقل من االختًلل‪( ،‬ويسمى املناسبة‪ ،‬واإلخالة)‪.‬‬
‫وضابطه عند األصوليين‪ :‬أن يقترن وصف مناسب بحكم في نص من نصوص الشرع‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫الوصف ساملا من القوادح‪ ،‬ويقوم دليل على استقًلله باملناسبة دون غيره‪ ،‬فيعلم أنه علة ذلك‬
‫الحكم‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬اقتران حكم التحريم بوصف االسكار ‪ ...‬فاإلسكار مناسب للتحريم سالم من القوادح‪،‬‬
‫مستقل باملناسبة‪.‬‬

‫أحدها‪ :‬إثبات العلة بالمناسبة‪.‬‬


‫وهو‪ :‬أن يكون الوصف المقرون بالحكم مناس ًبا‪.‬‬
‫ومعناه‪ :‬أن يكون يف إثبات الحكم عقيبه مصلحة‪.‬‬
‫ول يعتب أن يكون منشأ للحكمة‪ ،‬كالسفر مع المشقة‪،‬‬
‫• بل متى كان يف إثبات الحكم عقيب الوصف مصلحة فيكون مناس ًبا‪،‬‬
‫‪51‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪ o‬كالحاجة مع البيع‪،‬‬
‫‪ o‬والشكر مع النعمة‪،‬‬
‫▪ فيدل ذلك على التعليل به‪،‬‬
‫ً‬
‫ومعنى ذلك‪ :‬أن كون الوصف املناسب منشأ للحكمة املطلوبة من الحكم ليس شرطا‪ ،‬بل املعتبر‪:‬‬
‫ثبوت املصلحة عقيبه‪ ،‬وهو أعم من أن يكون منشأ لها أو ال‪ ،‬وهو رأي جمهور العلماء‪.‬‬
‫وهذا يصدق على ثًلث صور‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬أن يكون الوصف منشأ للحكمة املطلوبة من الحكم‪،‬‬
‫‪ ‬كقولنا‪ :‬السفر منشأ املشقة املبيحة للترخص‪ ،‬والزنا منشأ املفسدة‪ ،‬وهي‪ :‬تضييع األنساب‬
‫وإلحاق العار‪ ،‬وانتهاك الحرمات‪ ،‬فهذه األوصاف ينشأ عنها الحكمة التي ثبتت هذه األوصاف‬
‫ألجلها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الصورة الثانية‪ :‬أن يكون الوصف معرفا للحكمة ودليًل عليها‪،‬‬
‫‪ ‬كقولنا‪ :‬النكاح أو البيع الصادر ممن هو أهل لذلك يناسب الصحة‪ ،‬أي‪ :‬يدل على الحاجة التي‬
‫سببا لتحصيل االنتفاع بواسطة الصحة‪ ،‬كما أن النكاح سبب لًلستمتاع‬ ‫اقتضت جعل البيع ً‬
‫بالزوجة‪.‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬أن يظهر عند الوصف‪ ،‬ولم ينشأ عنه‪ ،‬ولم يدل عليه‪،‬‬
‫‪ ‬كشكر النعمة املناسب للزيادة منها‪ ،‬فالشكر هو الوصف املناسب‪ ،‬وزيادة النعمة‪ :‬هي الحكمة‪،‬‬
‫الحكم‪ .‬انظر‪ :‬شرح مختصر الروضة "‪"٣٨7-٣٨6 /٣‬‬ ‫ووجوب الشكر هو ُ‬

‫[دليل اعتباره مسلكا للتعليل]‪:‬‬


‫حكما إل لمصلحة‪.‬‬
‫ً‬ ‫إذ قد علمنا أن الشارع ل يثبت‬
‫فإذا رأينا الحكم مفض ًيا إلى مصلحة يف محل‪ ،‬غلب على ظننا أنه قصد بإثبات الحكم تحصيل‬
‫تلك المصلحة‪ ،‬فيعلل بالوصف المشتمل عليها‪.‬‬
‫أنواع املناسب‬
‫إذا ثبت هذا‪ :‬فالمناسب ثًلثة أنواع‪:‬‬
‫[‪ ]1‬مؤثر‪،‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪52‬‬

‫[‪ ]2‬ومًلئم‪،‬‬
‫[‪ ]3‬وغريب‪.‬‬
‫[‪ ]4‬مرسل‪.‬‬

‫تحصيل‪ :‬املراد بالجنس في هذا املبحث‪ :‬القدر املشترك بين أفراد مختلفة حقائقها‪ ،‬واملراد بالنوع‪:‬‬
‫القدر املشترك بين أفراد متفقة حقائقها‪.‬‬

‫أقسام املؤثر‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما دل نص أو اجماع على تأثير عين الوصف في عين الحكم‪ ،‬ومثاله‪ :‬نفي الفارق‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما دل نص أو اجماع على تأثير عين الوصف في جنس الحكم‪ ،‬ومثاله‪ :‬األخوة من األب واألم‬
‫فإنه مؤثر بالنص في التقديم في امليراث‪ .‬فقياس عليه والية النكاح‪.‬‬

‫واملالئم‪ :‬ما دل نص أو اجماع على تأثير جنس الوصف في عين الحكم فيه‪ ،‬ومثاله‪ :‬لو لم يرد دليل على‬
‫الجمع في الحضر ملشقة املطر ونحوه بأن الدليل دل على اعتبار جنس املشقة في عين الحكم الذي هو‬
‫الجمع كتأثير مشقة السفر في الجمع‪.‬‬
‫والغريب‪ :‬ما دل نص أو إجماع على تأثير جنس الوصف في جنس الحكم فيه‪ ،‬ومثل له بتأثير جنس‬
‫املصالح في جنس األحكام‪ .‬ومثاله‪ :‬اعتبار جنس املشقة املشتركة بين الحائض واملسافر في جنس‬
‫التخفيف؛ فإن عين مشقة الحائض ليست عين مشقة املسافر بل من جنسها‪ ،‬وعين التخفيف عن‬
‫املسافر بإسقاط الركعتين الزائدتين ليس عين التخفيف عن الحائض بإسقاط أصل الصًلة بل من‬
‫جنسها‬
‫واملرسل‪ :‬ما لم يقم دليل خاص على اعتبار مناسبته‪ ،‬وال على إهدارها‪.‬‬

‫تأثير عين الوصف في عين الحكم‬


‫مثاله‪ :‬تأثير عين تقذير املاء الدائم بالبول في عين كراهة االغتسال فيه فيستوي في ذلك الحكم‬
‫مباشرة البول فيه وصب البول فيه من إناء‪.‬‬
‫تأثير عين الوصف في جنس الحكم‬
‫مثاله‪ :‬تأثير عين الصغر في والية النكاح‪ ،‬ألن عين الصغر اعتبر إجماعا في جنس الوالية املتمثل في‬
‫والية املال‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫تأثير جنس الوصف في عين الحكم‬


‫مثاله‪ :‬بأنه لو لم يرد دليل على الجمع في الحضر ملشقة املطر ونحوه بأن الدليل دل على اعتبار جنس‬
‫املشقة في عين الحكم الذي هو الجمع كتأثير مشقة السفر في الجمع‪.‬‬
‫تأثير جنس الوصف في جنس الحكم‪:‬‬
‫مثاله‪ :‬تأثير القتل باملثقل في القصاص لإلجماع على اعتبار جنس الجناية في جنس القصاص‪.‬‬

‫النوع الول‪ :‬املؤثر‬


‫***فالمؤثر‪ :‬ما ظهر تأثيره يف الحكم بنص أو إجماع‪.‬‬
‫• كقياس األمة على الحرة يف سقوط الصالة بالحيض‪ ،‬لما فيه من مشقة التكرار‪ ،‬إذ قد يظهر‬
‫تأثير عينه يف عين الحكم باإلجماع‪ ،‬لكن يف محل مخصوص‪ ،‬فعدّ يناه إلى محل آخر‪.‬‬
‫***‬
‫[هذا املثال إنما يصح لو أن سقوط الصًلة على الحائض خاصة بالحرة‪ ،‬لكن الدليل الدال على‬
‫مرة قالت لعائشة ‪-‬رض ي هللا عنها‪-‬‬‫عاما‪ ،‬فيشمل الحرة واألمة‪ ،‬وهو‪ :‬ما روي أن َع َ‬
‫سقوط الصًلة جاء ًّ‬
‫ما بال الحائض تقض ي الصوم‪ ،‬وال تقض ي الصًلة؟ أخرجه البخاري حديث "‪ "٣٢١‬ومسلم "‪"٣٣5‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وأولى من ذلك‪ :‬التمثيل بإلحاق األمة بالعبد في سراية العتق‪ ،‬وإلحاق والية النكاح بوالية املال‪ ،‬بجامع‬
‫الصغر‪ ،‬فالصغر وصف أثر عينه في عين الحكم‪ ،‬وهو الوالية على الصغير‪ ،‬ولم يختلف إال محل‬
‫الوالية وهو املال والنكاح‪ .‬انظر‪ :‬شرح مختصر الروضة "‪]"٣9١-٣9٠ /٣‬‬

‫[بيان رتبة ما ظهر تأثير عينه يف عين الحكم]‪:‬‬


‫وهذا ل خًلف يف اعتباره عند القائلين بالقياس‪.‬‬
‫ومن خاصيته‪ :‬أنه ل يحتاج إلى نفي ما عداه يف األصل‪.‬‬
‫ولو ظهر يف األصل مؤثر آخر‪ :‬لم يضر‪ ،‬بل يعلل هبما‪ ،‬فإن الحيض" و"العدة" و"الردة" قد‬
‫تجتمع يف امرأة‪ ،‬ويعلل تحريم الوطء بالجميع‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪54‬‬

‫أقسام املؤثر‬
‫***وهو قسمان‪:‬‬
‫• أحدهما‪ :‬أن يظهر أثر عينه يف عين ذلك الحكم‪ ،‬فهو الذي يقال‪ :‬إنه يف معنى األصل‪.‬‬
‫يقر به منكرو القياس؛ إذ ال يبقى بين الفرع واألصل مباينة إال تعدد المحل‪،‬‬
‫‪ o‬وربما ّ‬
‫▪ كقولنا‪" :‬إذا ثبت أن الكيل علة يف تحريم الربا يف البر‪ ،‬فالزبيب ملحق به"‪.‬‬
‫▪ ويكون هذا كظهور أثر الوقاع يف إيجاب الكفارة على األعرابي‪ ،‬فالتركي‬
‫والهندي يف معناه‪.‬‬
‫• الرتبة الثانية‪ :‬أن يظهر أثر عينه يف جنس ذلك الحكم‪:‬‬
‫‪ o‬كظهور أثر األخوة من األبوين يف التقديم يف الميراث‪ ،‬فيقاس عليه والية النكاح‪ ،‬فإن‬
‫الوالية يف النكاح ليست هي عين الميراث‪ ،‬لكن بينهما مجانسة‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬املالئم‬
‫النوع الثاين‪ :‬المالئم‪:‬‬
‫وهو‪ :‬ما ظهر تأثير جنسه يف عين الحكم‪.‬‬
‫• كظهور أثر المشقة يف إسقاط الصالة عن الحائض‪ ،‬فإنه ظهر تأثير جنس الحرج يف إسقاط‬
‫قضاء الصالة‪ ،‬كتأثير مشقة السفر يف إسقاط الركعتين الساقطتين بالقصر‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬الغريب‬
‫النوع الثالث‪ ،‬الغريب‪:‬‬
‫وهو‪ :‬ما ظهر تأثير جنسه يف جنس ذلك الحكم‪.‬‬
‫كتأثير جنس المصالح يف جنس األحكام‪*** .‬‬

‫‪‬‬
‫‪55‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫مراتب جنس الحكم والوصف‬


‫ثم الجنسية مراتب‪ ،‬بعضها أعم من بعض؛‬
‫مراتب الحكم‬
‫• فإن أعم األوصاف‪:‬‬
‫حكما‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ o‬كونه‬
‫‪ o‬ثم ينقسم إلى‪ :‬إيجاب‪ ،‬وندب‪ ،‬وتحريم‪ ،‬وإباحة‪ ،‬وكراهية‪.‬‬
‫‪ o‬ثم الواجب ينقسم إلى‪ :‬عبادة‪ ،‬وغير عبادة‪.‬‬
‫‪ o‬والعبادة تنقسم إلى‪ :‬صًلة وغيرها‪.‬‬
‫▪ فما ظهر تأثيره يف الصًلة الواجبة أخص مما ظهر يف العبادة‪،‬‬
‫▪ وما ظهر يف العبادة أخص مما ظهر يف الواجب‪،‬‬
‫▪ وما ظهر يف الواجب أخص مما ظهر يف األحكام‪.‬‬
‫مراتب الوصف‬
‫• ويف المعاين أعم أوصافه‪:‬‬
‫‪ o‬أنه وصف يناط الحكم بجنسه حتى يدخل فيه الشتباه‪.‬‬
‫‪ o‬وأخص منه‪ :‬كونه مصلحة‪،‬‬
‫‪ o‬وأخص منه‪ :‬كونه مصلحة خاصة‪ ،‬كالردع‪ ،‬أو سد الحاجة‪.‬‬
‫فألجل تفاوت درجات الجنسية ‪-‬يف القرب والبعد‪ -‬تتفاوت درجات الظن‪ ،‬واألعلى مقد ًما‬
‫على ما دونه‪.‬‬
‫أي‪ :‬يقدم ما هو أخص على ما هو أعم‪ ،‬فجنس القرابة مثًل مؤثر في نوع امليراث فتقدم البنوة على‬
‫األخوة‪ ،‬واألخوة على العمومة مثًل‪ ،‬ومن هنا قال بعض العلماء‪ :‬إنه إن لم يجد املحرم املضطر إال‬
‫ميتة وصيدا أكل امليتة دون الصيد ألن تحريم الصيد خاص باملحرم‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪56‬‬

‫‪‬‬

‫تعريف آخرللمالئم‬
‫*** وقيل‪ :‬بل المالئم‪ :‬ما ظهر تأثير جنسه يف جنس الحكم‪،‬‬
‫• كتأثير المشقة يف التخفيف‪.‬‬
‫تعريف آخرللغريب‬
‫والغريب‪ :‬الذي لم يظهر تأثيره‪ ،‬وال مالئمته لجنس تصرفات الشرع‪،‬‬
‫مسكرا‪ ،‬ويف معناه‪ :‬كل مسكر‪ ،‬ولم يظهر أثر السكر يف‬
‫ً‬ ‫• كقولنا‪ :‬الخمر إنما حرم لكونه‬
‫موضع آخر‪ ،‬لكنه مناسب اقترن الحكم به‪.‬‬
‫• وقولنا‪ :‬المبتوتة يف مرض الموت ترث؛ ألن الزوج قصد الفرار من الميراث‪ ،‬فعورض‬
‫قياسا على القاتل ‪-‬لما استعجل الميراث‪ -‬عورض بنقيض قصده‪ ،‬فإنا لم‬
‫بنقيض قصده‪ً ،‬‬
‫نر الشارع التفت إلى مثل هذا يف موضع آخر‪ ،‬فتبقى مناسبة مجردة غريبة‪*** .‬‬

‫‪‬‬

‫قصرالتعليل على املؤثر‬


‫القوال ونسبتها‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يصح ما ذكروه‬ ‫القول األول‪ :‬وقد قصر قوم القياس على المؤثر‬

‫(اختيار المؤلف)‬ ‫(قوم)‬

‫الدلة‬
‫‪57‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫لوجهين‪:‬‬ ‫*** ألن الجزم بإثبات الشارع الحكم رعاية لهذا‬

‫• أحدهما‪ :‬أنا قد علمنا من أقيسة‬ ‫المناسب تحكّم‪،‬‬

‫الصحابة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬يف‬ ‫• إذ يحتمل أن يكون الحكم ثبت تعبدً ا‪،‬‬

‫اجتهاداتهم أنهم لم يشترطوا يف‬ ‫‪ o‬كتحريم الميتة‪ ،‬والخنزير‪ ،‬والدم والحمر‬

‫كل قياس كون العلة معلومة‬ ‫األهلية‪ ،‬وكل ذي ناب من السباع‪ ،‬مع إباحة‬

‫بنص أو إجماع‪.‬‬ ‫الضب والضبع‬

‫• ويحتمل أن يكون لمعنى آخر مناسب‪ ،‬لم يظهر لنا‪ • .‬والثاين‪ :‬أن المطلوب غلبة‬

‫الظن‪ ،‬وقد حصل‪ ،‬فإن إثبات‬ ‫• "ويحتمل أن يكون حكم الشرع بتحريم الخمر‬

‫الشرع الحكم على وفقه يشهد‬ ‫وتحكما"‪ 1‬ويحتمل أن يكون لإلسكار‪.‬‬


‫ً‬ ‫تعبدً ا‬

‫لمالحظة الشرع له‪.‬‬ ‫‪ o‬فهذه ثالث احتماالت‪ ،‬فالتعيين تحكم بغير‬

‫دليل‪ ،‬ووهم مجرد مستنده‪ :‬أنه لم يظهر إال‬

‫هذا‪ ،‬وهذا غلط‪،‬‬

‫علما بعدم سبب‬


‫▪ فإن عدم العلم ليس ً‬
‫آخر‪.‬‬

‫▪ وبمثل هذا القول بطل القول بالمفهوم‪.‬‬

‫وهذا ال ينقلب يف المؤثر؛ فإنه عرف كونه علة بإضافة‬

‫نصا‪ ،‬أو إجما ًعا ***‬


‫الحكم إليه ًّ‬

‫مناقشة دليل القول الول‬


‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪58‬‬

‫*** وهذا االحتمال راجح على احتمال التحكم بما رددنا به مذهب منكري القياس‪ ،‬كما يف‬
‫المؤثر‪،‬‬
‫• فإن العلة إذا أضيف إليها الحكم يف محل‪ :‬احتمل اختصاصها به وبه اعتصم نفاة القياس‪.‬‬
‫• لكن قيل لهم‪ُ :‬علم من الصحابة اتباع العلل‪ ،‬وا ّطراح التعبد‪ ،3‬مهما أمكن‪،‬‬
‫‪ o‬فكذا ههنا‪ ،‬وال فرق‪.‬‬
‫وقولهم‪" :‬يحتمل أن ثم مناس ًبا آخر‪،‬‬
‫• فهو وهم محض"‪.‬‬
‫‪ o‬غلبة الظن يف كل موضع تستند إلى مثل هذا الوهم ويعتمد انتفاء الظهور يف معنى آخر‬
‫لو ظهر لبطل الظن‪.‬‬
‫‪ o‬ولو فتح هذا الباب لم يستقم قياس‪ ،‬فإن المؤثر إنما يغلب على الظن‪ ،‬لعدم ظهور‬
‫الفرق‪ ،‬ولعدم ظهور معارض‪.‬‬
‫‪ o‬وصيغ العموم والظواهر إنما تغلب على الظن بشرط‪ :‬انتفاء قرينة مخصصة‪ ،‬لو‬
‫ظهرت لزال الظن‪ ،‬وإذا لم تظهر جاز التعويل عليه‬
‫‪ o‬ولم يظهر لنا من الصحابة إال اتباع الرأي األغلب‪ ،‬ولم يضبطوا أجناسه‪ ،‬ولم يميزوا‬
‫جنسا عن جنس‪ ،‬فمهما سلمتم غلبة الظن‪ :‬وجب اتباعه‪.‬‬
‫ً‬
‫وقولهم‪" :‬هذا وهم"‪:‬‬
‫• ال يصح؛‬
‫‪ o‬فإن الوهم ميل النفس من غير سبب‪ ،‬والظن‪ :‬ميلها بسبب‪ ،‬وهذا الفرق بينهما‪.‬‬
‫معذورا‪ ،‬ومن بناه على الوهم ُس ِّفه‪.‬‬
‫ً‬ ‫▪ ومن بنى أمره يف المعامالت على الظن‪ :‬كان‬
‫▪ ولو تصرف يف مال اليتيم بالظن‪ :‬لم يضمن‪ ،‬ولو تصرف بالوهم ضمن‪.‬‬
‫‪ o‬وقد بينا الظن ههنا فيجب البناء عليه‪ .‬واهلل أعلم‪*** .‬‬
‫‪59‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪‬‬

‫النوع الثاني من مسلك االستنباط‪ :‬السبروالتقسيم‬


‫النوع الثاين يف إثبات العلة‪ :‬السب‪.‬‬
‫تعريف السبر‬
‫ً‬
‫هذا املسلك‪ ،‬يسمى بالسبر فقط‪ ،‬وبالتقسيم فقط‪ ،‬وبهما معا‪ ،‬وهو األكثر‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫والسبر لغة‪ :‬االختبار؛ ومنه يسمى ما يعرف به طول الجرح وعرضه سبارا ومسبارا‪،‬‬
‫أما في االصطًلح فيعني أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬حصر أوصاف املحل‪ ،‬وهو املعبر عنه بالتقسيم‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيهما‪ :‬إبطال ما ليس صالحا للتعليل فيتعين الوصف الباقي وهو املعبر عنه بالسبر‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬الحكم معلل وال علة إال كذا وكذا وقد بطل أحدهما فيتعين اآلخر‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬أن يقول الحنبلي مثًل‪ :‬علة تحريم الربا إما الكيل وإما الطعم وإما االقتيات واإلدخار فيبطل ما‬
‫سوى الكيل فيتعين الكيل‪.‬‬

‫فهذا املسلك متأسس على ثًلثة أمور على ما درج عليه املؤلف‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإلجماع على كون حكم األصل معلًل‪.‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫الثاني‪ :‬كون التقسيم حاصرا لجميع ما يعلل به‪ ،‬وذلك إما بموافقة الخصم أو عدم إبدائه وصفا زائدا‬
‫سواء أقر بالعجز عن ذلك‪ ،‬أو ادعاه وامتنع عن ذكره‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إبطال ما سوى ذلك الوصف‪ ،‬ولهذا اإلبطال طريقان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬وجود الحكم بدون الوصف الذي يبطله املستدل بالسبر‪ ،‬فيظهر أنه غير العلة لوجود الحكم‬
‫دونه‪ ،‬ومثاله قول الشافعي املعلل تحريم الربا في البر بالطعم أن وصف الكيل واالقتيات‪ ،‬واالدخار‬
‫لغو؛ بدليل وجود الحكم الذي هو منع الربا في ملء الكف من البر مع أنه ال يكال وليس فيه قوت‬
‫لقلته‪ ،‬فيتعين وصف الطعم‪.‬‬
‫ومثل له الشنقيطي بقول الحنبلي والشافعي مثًل‪ :‬يصح أمان العبد ألنه صادر عن عاقل مسلم غير‬
‫ً‬
‫متهم فيصلح قياسا على الحر‪ .‬فيقول الحنفي مثًل‪ :‬بقي وصف آخر هو الحرية لم يوجد في الفرع‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪60‬‬

‫فيبطل القياس‪ ،‬فيقول املستدل‪ :‬وصف الحرية لغو هنا بدليل االتفاق على صحة أمان العبد املأذون‬
‫له‪.‬‬
‫ً‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون الوصف طرديا لم يعهد من الشارع االلتفات إليه في إثبات األحكام؛ أما بالنسبة إلى‬
‫جميع األحكام كالطول والقصر‪ ،‬أو إلى بعضها كالذكورة واألنوثة بالنسبة إلى العتق ألنهما يعتبران في‬
‫غير العتق كالشهادة وامليراث‪.‬‬

‫قال أبو الخطاب‪:‬‬


‫• "ول يصح إل‪:‬‬
‫‪ o‬أن تجمع األمة على تعليل أصل‪،‬‬
‫‪ o‬ثم يختلفون يف علته‪،‬‬
‫‪ o‬فيبطل جميع ما قالوه إل واحدة‪،‬‬
‫▪ فيعلم صحتها؛‬
‫• كي ل يخرج الحق عن أقاويل األمة"‪[ .‬والصحيح‪ :‬أنه ال يشترطون اإلجماع على تعليل حكم‬
‫ً‬
‫األصل؛ ألن الغالب في األحكام التعليل خًلفا ألبي الخطاب]‪.‬‬

‫*** [صور مسلك السبر والتقسيم]‬


‫فنقول‪:‬‬
‫• الحكم معلل‪،‬‬
‫• وال علة إال كذا أو كذا‪،‬‬
‫• وقد بطل أحدهما‪:‬‬
‫‪ o‬فيتعين اآلخر‪.‬‬
‫مثاله‪:‬‬
‫• الربا يحرم يف البر بعلة‪،‬‬
‫‪61‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫• والعلة‪" :‬الكيل‪ ،‬أو القوت‪ ،‬أو الطعم"‬


‫• وقد بطل التعليل بالقوت والطعم‪،‬‬
‫‪ o‬فثبت أن العلة‪ :‬الكيل‬
‫شروط مسلك السبر‬
‫فيحتاج إلى ثالثة أمور‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬إثبات تعليل الحكم‬
‫أحدها‪ :‬أنه ال بد من علة‪.‬‬
‫ودليله‪ :‬اإلجماع على أن الحكم معلل‪،‬‬
‫• فإن لم يكن مجمعا عليه لم يلزم من إفساد جميع العلل إال واحدة‪ :‬صحتها؛‬
‫‪ o‬لجواز أن يكون الحكم ثابتًا تعبدً ا‪،‬‬
‫▪ إذ لم يوجد من الدليل على صحتها إال خلو المحل عما سواها‪.‬‬
‫▪ والوجود المجرد ال يكفي يف التعليل‪*** .‬‬
‫‪ o‬وقول المستدل‪ :‬بحثت يف المحل فلم أعثر على ما يصلح للتعليل‪ :‬ليس بأولى من قول‬
‫خصمه‪ :‬بحثت يف الوصف الذي ذكرته‪ ،‬فلم أعثر فيه على مناسبة‪ ،‬أو ما يصلح به‬
‫التعليل‪،‬‬
‫▪ فيتعارض الكًلمان‪.‬‬
‫أكثر املالكية والشافعية على االكتفاء بقوله‪ :‬بحثت فلم أجد غير هذا‪ ،‬أو عدم ما سوى هذا األصل‪،‬‬
‫وعليه فالسبر ليس تطويل طريق‪،‬‬
‫ومما يوضح ذلك‪ :‬إطباق النظار على أن من أعظم طرق الحصر العقل واالستقراء‪ ،‬فاالستقراء من‬
‫طرق الحصر قطعا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬بحثت فلم أجد غير هذا استقراء منه ألوصاف املحل حتى ال يجد غير تلك األوصاف التي‬
‫حصرها باالستقراء فرد هذا الحصر ال وجه له‪ .‬واألكثر منهم يثبت به الحجة للناظر واملناظر معا‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬تمام السبرللعلل‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪62‬‬

‫حاصرا لجميع ما يعلل به‪:‬‬


‫ً‬ ‫األمر الثاين‪ :‬أن يكون سبه‬
‫[‪ ]1‬إما بموافقة خصمه‪،‬‬
‫[‪ ]2‬وإما بأن يسير حتى يعجز عن إبراز غيره‪.‬‬
‫السبر والتقسيم منقسم عند األصوليين إلى قطعي وظني‪،‬‬
‫‪ ‬فالقطعي‪ :‬هو ما كان فيه حصر األوصاف وإبطال الباطل منها قطعيين‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬والظني‪ :‬هو ما إذا كان ظنيين أو أحدهما ظنيا‪.‬‬

‫ً ً‬
‫الثاني‪ :‬اعلم أن املعترض إذا أبدى وصفا زائدا على األوصاف التي حصرها املستدل‪ ،‬فإن السبر يبطل‬
‫لبطًلن أحد ركنيه‪ :‬وهو الحصر‪ ،‬ومحل هذا ما لم يبين املستدل أن الوصف الزائد الذي أبداه‬
‫املعترض طردي ال دخل له في التعليل‪ ،‬فانه يكون وجوده وعدمه سواء فيستقيم حصر املستدل‬
‫بالسبر وال يبطل دليله‪.‬‬

‫مناظرا‪ :‬كفاه أن يقول‪ :‬هذا منتهى قدرتي يف السبر‪،‬‬


‫ً‬ ‫***فإن كان‬
‫• فإن شاركتني يف الجهل بغيره‪ :‬لزمك ما لزمني‪،‬‬
‫• وإن اطلعت على علة أخرى فيلزمك إبرازها يف صحتها‪،‬‬
‫‪ o‬فإن كتمانها ‪-‬حينئذ‪ -‬عناد‪ ،‬وهو محرم‪،‬‬
‫‪ o‬وصاحبها إما كاذب‪ ،‬وإما كاتم لدليل مست الحاجة إلى إظهاره‪ ،‬وكالهما محرم‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬إبطال العلل إال واحدة‬
‫الثالث‪ :‬إبطال أحد القسمين‪:‬‬
‫وله يف ذلك طريقان‪:‬‬
‫• أحدهما‪ :‬أن يبين بقاء الحكم بدون ما يحذفه‪،‬‬
‫‪ o‬فيبين أنه ليس من العلة‪ ،‬إذ لو كان منها‪ :‬لم يثبت الحكم بدونه‪.‬‬
‫• الثاين‪ :‬أن يبين أن ما يحذفه‪:‬‬
‫‪63‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪ o‬من جنس ما عهدنا من الشارع عدم االلتفات إليه يف إثبات األحكام‪،‬‬


‫▪ كالطول والقصر‪ ،‬والسواد والبياض‪،‬‬
‫‪ o‬أو عهد منه اإلعراض عنه يف جنس األحكام المختلف فيها؛‬
‫▪ كالذكورية‪ ،‬واألنوثية يف سراية العتق‪.‬‬
‫ما ال يصلح إلبطال العلة‬
‫‪ -1‬النقض‬
‫وال يكفيه يف إفساد علة خصمه‪ :‬النقض؛‬
‫• الحتمال أن يكون جز ًءا من العلة‪ ،‬أو شر ًطا فيها‪ ،‬فال يستقل بالحكم‪ ،‬وال يلزم من عدم‬
‫استقالله‪ :‬صحة علة المستدل بدونه‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم العثورعلى مناسبة‬
‫القول األول (اختيار المؤلف)‪:‬‬
‫أيضا أن يقول‪ :‬بحثت يف الوصف الفالين فما عثرت فيه على مناسبة‪ ،‬فيجب إلغاؤه‪،‬‬
‫وال يكفيه‪ً ،‬‬
‫• فإن الخصم يعارض بمثل كالمه فيفسد‪.‬‬
‫• فإن ب ّين ‪-‬مع ذلك‪ -‬صالحية ما يدّ عيه علة‪ ،‬أو سلم له ذلك بموافقة خصمه‪ :‬فذلك يكفيه‬
‫ابتداء‪ ،‬بدون السبر‪ ،‬فالسبر إ ًذا تطويل طريق غير مفيد‪ ،‬فلنصطلح على ر ّده‪.‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫وقال بعض أصحاب الشافعي‪ :‬يكفيه ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬اتفاق الخصمين على علتين‬
‫القول األول‪:‬‬
‫وقال بعض المتكلمين‪ :‬إذا اتفق خصمان على فساد تعليل َمن سواهما‪ ،‬ثم أفسد أحدهما علة‬
‫دليال على صحة علته‪.‬‬
‫صاحبه‪ :‬كان ذلك ً‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪64‬‬

‫القول الثاين (اختيار المؤلف)‪:‬‬


‫وليس بصحيح؛‬
‫• فإن اتفاقهما ليس بدليل على فساد قول من خالفهما‪.‬‬
‫• والذي فسدت علته منهما يعتقد فساد علة خصمه الحاضر‪ ،‬كاعتقاد فساد علة الغائب‪،‬‬
‫فيتساوى عنده األمر فيهما‪.‬‬
‫‪ o‬فال يتعين عنده صحة إحداهما‪ ،‬ما لم يكن الحكم مجم ًعا على تعليله‪ ،‬ويبطل ما قيل‪:‬‬
‫إنه علة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪‬‬

‫النوع الثالث من مسلك االستنباط‪ :‬الدوران‬


‫النوع الثالث‪ -‬يف إثبات العلة‪[ :‬الدوران]‪:‬‬
‫[تعريفه]‪ :‬أن يوجد الحكم بوجودها‪ ،‬ويعدم بعدمها‪.‬‬
‫[وهو في اللغة‪ :‬مصدر دار يدور دور ًانا‪ ،‬إذا تحرك حركة دورية كالدوالب والرحا‪.‬‬
‫وعدما‪ ،‬أو‪ :‬وجود الحكم بوجود العلة‪ ،‬وعدمه‬ ‫ً‬
‫وجودا ً‬ ‫أما في االصطًلح فهو‪ :‬ترتب حكم على وصف‬
‫بعدمها‪ .‬وسماه اآلمدي وابن الحاجب‪ :‬الطرد والعكس‪ .‬وهو بمعناه]‬

‫• كوجود التحريم بوجود الشدة يف الخمر‪ ،‬وعدمه لعدمها‪،‬‬


‫دليًل على الشرعية وهي‬
‫• فإنه دليل على صحة العلة العقلية‪ ،‬وهي موجبة‪ ،‬فأولى أن يكون ً‬
‫أمارة‪.‬‬
‫• وألنه يغلب على الظن ثبوت الحكم مستندً ا إلى ذلك الوصف‪،‬‬
‫‪65‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫جالسا‪ ،‬فدخل رجل فقام عند دخوله‪ ،‬ثم جلس عند خروجه‪،‬‬
‫ً‬ ‫رجًل‬
‫‪ o‬فإننا لو رأينا ً‬
‫وتكرر منه‪ ،‬غلب على ظننا‪ :‬أن العلة يف قيامه‪ :‬دخوله‪.‬‬

‫اعتراضات على مسلك الدوران‬


‫فإن قيل‪:‬‬
‫• الوجود عند الوجود طرد محض‪ ،‬وزيادة العكس ل تؤثر‪ ،‬إذ ليس بشرط يف العلل‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫• وألن الوصف يحتمل‪:‬‬
‫‪ o‬أن يكون مًلز ًما لعلة أو جز ًءا من أجزائها فيوجد الحكم عند وجوده‪ ،‬لكون العلة‬
‫مًلزمة‪ ،‬وينتفي بانتفائه‪.‬‬
‫‪ o‬ويحتمل ما ذكرتم‪.‬‬
‫▪ ومع التعارض ل معنى للتحكم‪.‬‬
‫• ثم لو كان ذلك علة؛ ألمكن كل واحد من المختلفين يف علة الربا أن يثبت الحكم بثبوهتا‪،‬‬
‫وينفيه بنفيها‪.‬‬
‫• ثم يبطل هذا المعنى برائحة الخمر المخصوصة به مقرنة بالشدة‪ ،‬يزول التحريم بزوالها‪،‬‬
‫ويوجد بوجودها‪ ،‬وليس بعلة‪.‬‬
‫الجواب عنه‬
‫قلنا‪:‬‬
‫• قد بينا أن الطرد والعكس يؤثران يف غلبة الظن‪.‬‬
‫• وكون كل واحد من "الطرد" ل يؤثر منفر ًدا‪ ،‬ل يمنع من تأثيرهما مجتمعين‪ ،‬فإن العلة إذا‬
‫كانت ذات وصفين ل يحصل األثر من أحدهما‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪66‬‬

‫• واحتمال شيء آخر ل ينفي الظن‪ ،‬ول يمنع من التمسك بما ظنناه علة‪ ،‬ما لم يظهر األمر‬
‫معارضا‪.‬‬
‫ً‬ ‫اآلخر‪ ،‬فيكون‬
‫• والنقض برائحة الخمر‪ :‬غير لزم‪ ،‬فإن صًلحية الشيء للتعليل ل يلزم أن يعلل به‪ ،‬إذ قد‬
‫يمتنع ذلك‪ ،‬لمعارضة ما هو أولى منه‪.‬‬

‫القول باشتراط السبروالتقسيم لصحة مسلك الدوران‬


‫وقال قوم‪ :‬إنما يصح التعليل به مع السبر‪ ،‬فيقول‪ :‬علة الحكم أمر حادث‪ ،‬وال حادث إال كذا‬
‫وكذا‪ ،‬ويبطل ما سواه‪.‬‬
‫• والسبر إذا تم بشروطه‪ :‬استغني عما سواه‪،‬‬
‫أمرا حاد ًثا‪،‬‬
‫• مع أنه ال يلزم أن يكون علة الحكم ً‬
‫‪ o‬إذ يجوز أن تكون العلة سابقة‪ ،‬ويقف ثبوت الحكم على شرط حادث‪ ،‬كالحول يف‬
‫الزكاة‪.‬‬
‫‪ o‬أو يكون الحادث جز ًءا تمت العلة به‪.‬‬
‫‪ o‬أو يكون الحكم غير معلل‪ .‬واهلل أعلم‬

‫إثبات العلة بشهادة الصول‬


‫ومما يشبه هذا‪ -‬شهادة األصول‪.‬‬
‫• كقولهم يف الخيل‪ :‬ما ال تجب الزكاة يف الذكور منفردة‪ :‬لم تجب يف الذكور واإلناث‪.‬‬
‫‪ o‬ويستدل على صحتها باالطراد واالنعكاس يف سائر ما تجب فيه الزكاة‪ ،‬وما ال تجب‪.‬‬
‫• وقولهم‪ :‬من صح ظهاره‪ :‬صح طالقه كالمسلم‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫[القول األول]‪ :‬ذهب القاضي وبعض الشافعية إلى صحته‪ ،‬لشبهه بما ذكرنا‪ ،‬وتغليبه على‬
‫الظن‪.‬‬
‫[القول الثاين]‪ :‬ومنع منه بعضهم‪ .‬واهلل أعلم‬

‫‪‬‬

‫بعض املسالك الفاسدة في إثبات العلة‬


‫أوال‪ -‬إثبات العلة بالطرد‬
‫***فأما الداللة على صحة العلة باطرادها ففاسد؛ إذ ال معنى له إال سالمتها عن مفسد واحد‬
‫هو‪ :‬النقض‪.‬‬
‫وانتفاء المفسد ليس بدليل على الصحة‪ ،‬فربما لم يسلم من مفسد آخر‪ .‬ولو سلمت من كل‬
‫دليال على صحتها‪ ،‬كما لو سلمت شهادة المجهول من جارح‪ :‬لم تكن حجة ما‬
‫مفسد‪ :‬لم يكن ً‬
‫لم تقم بينة معدلة مزكية‪ :‬فكذلك ال يكفي للصحة انتفاء المفسد‪ ،‬بل ال بد من قيام دليل على‬
‫الصحة‪.‬‬
‫ويف الجملة‪ :‬فنصب العلة مذهب يفتقر إلى دليل كوضع الحكم‪ ،‬وال يكفي يف إثبات الحكم‬
‫بأنه ال مفسد له‪ ،‬فكذلك العلة‪.‬‬
‫ويعارضه‪ :‬أنه ال دليل على الصحة‪.‬‬
‫واقتران الحكم بها ليس بدليل على أنها علة‪ ،‬فقد يالزم الخمر لون وطعم ورائحة يقترن به‬
‫التحريم‪ ،‬ويطرد وينعكس‪ ،‬والعلة‪ :‬الشدة واقترانه بما ليس بعلة كاقتران األحكام بطلوع‬
‫كوكب أو هبوب ريح‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪68‬‬

‫ثم للمعترض يف إفساده المعارضة بوصف مطرد يختص باألصل فال يجد إلى التقصي عنه‬
‫طري ًقا‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬قولهم‪ ،‬يف الخل‪ :‬مائع ال يصاد من جنسه السمك‪ ،‬وال تبنى عليه القناطر‪ ،‬فال تزال‬
‫به النجاسة كالمرق‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬سالمة العلة عن علة تفسدها‬
‫وكذلك لو استدل على صحتها بسالمتها عن علة تفسدها‪ ،‬لم يصح؛ لما ذكرنا‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬دليل صحتها‪ :‬انتفاء المفسد‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬بل دليل الفساد‪ :‬انتفاء المصحح‪ ،‬وال فرق بين الكالمين‪***1‬‬

‫‪‬‬

‫حكم العلة إذا تضمنت مفسدة‬


‫متى لزم من الوصف المتضمن للمصلحة مفسدة مساوية للمصلحة‪ ،‬أو راجحة عليها‬
‫القوال ونسبتها‬
‫القول الثاين‪ :‬وهذا غير صحيح‬ ‫القول األول‪ :‬فقيل‪ :‬إن المناسبة تنتفي‬

‫الدلة‬
‫القول الول‬
‫• فإن تحصيل المصلحة على وجه يتضمن فوات مثلها أو أكبر منها ليس من شأن العقالء‪،‬‬
‫‪ o‬لعدم الفائدة على تقدير التساوي‪،‬‬
‫‪ o‬وكثرة الضرر على تقدير الرجحان‪،‬‬
‫▪ فال يكون مناس ًبا‪ ،‬إذ المناسب‪ :‬ما إذا عرض على العقول السليمة تلقته بالقبول‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫تحصيال للمصلحة يف ضمن الوصف المعين‪1‬‬


‫ً‬ ‫• فيعلم أن الشارع لم يرد بالحكم‬
‫القول الثاني‬
‫[‪ ]1‬فإن المناسب [هو] المتضمن للمصلحة‪ ،‬والمصلحة أمر حقيقي ال ينعدم بمعارض‪،‬‬
‫‪ o‬إذ ينتظم من العاقل أن يقول إلى مصلحة يف كذا‪ ،‬يصدين عنه ما فيه من الضرر من‬
‫وجه آخر"‪.‬‬
‫‪ o‬وقد أخبر اهلل‪ .‬تعالى‪ .‬أن يف الخمر والميسر منافع‪ ،‬وأن إثمهما أكبر من نفعهما‪ ،1‬فلم‬
‫ينف منافعهما مع رجحان إثمهما‪.‬‬
‫[‪ ]2‬والمصلحة‪ :‬جلب المنفعة‪ ،‬أو دفع المضرة‪ ،‬ولو أفردنا النظر إليها‪ :‬غلب على الظن ثبوت‬
‫الحكم من أجلها‪.‬‬
‫‪ o‬وإنما يختل ذلك الظن مع النظر إلى المفسدة الالزمة من اعتبار الوصف اآلخر‪،‬‬
‫ً‬
‫معارضا؛ إذ هذا حال كل دليل له معارض‪.‬‬ ‫فيكون هذا‬
‫[‪ ]3‬ثم ثبوت الحكم مع وجود المعارض ال يعد بعيدً ا‪.‬‬
‫‪ o‬ونظيره‪ :‬ما لو ظفر الملك بجاسوس لعدوه‪ ،‬فإنه يتعارض يف النظر اقتضاءان‪:‬‬
‫▪ أحدهما‪ :‬قلته؛ دف ًعا لضرره‪.‬‬
‫▪ والثاين‪ :‬اإلحسان إليه استمالة له ليكشف حال عدوه‪.‬‬

‫▪ فسلوكه إحدى الطريقين ال يعد عب ًثا‪ ،‬بل يعد ً‬


‫جريا على موجب العقل‪.‬‬
‫نظرا إلى الجهات المختلفة‪،‬‬
‫[‪ ]4‬ولذلك ورد الشرع باألحكام المختلفة يف الفعل الواحد‪ً ،‬‬
‫‪ o‬كالصالة يف الدار المغصوبة؛ فإنها سبب للثواب من حيث إنها صالة‪ ،‬وللعقاب من‬
‫نظرا إلى المصلحة والمفسدة‪ ،‬مع أنه ال يخلو‪ :‬إما أن يتساويا‪ ،‬أو‬
‫حيث إنها غصب‪ً ،‬‬
‫يرجح أحدهما؛‬
‫‪ o‬فعلى تقدير التساوي‪ :‬ال تبقى المصلحة مصلحة‪ ،‬وال المفسدة مفسدة‪ ،‬فيلزم انتفاء‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪70‬‬

‫الصحة والحرمة‪.‬‬
‫‪ o‬وعلى تقدير رجحان المصلحة‪ :‬يلزم انتفاء الحرمة‪.‬‬
‫‪ o‬وعلى تقدير رجحان المفسدة‪ :‬يلزم انتفاء المصلحة‪.‬‬
‫▪ فال يجتمع الحكمان م ًعا‪ ،1‬ومع ذلك اجتمعا‪.‬‬
‫▪ فدل على بطالن ما ذكروه‪.2‬‬
‫[‪ ]5‬ثم لو قدرنا توقف المناسبة على رجحان المصلحة‪ ،‬فدليل الرجحان‪ :‬أنا لم نجد يف محل‬
‫الوفاق مناس ًبا سوى ما ذكرناه‪.‬‬
‫معقوال‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ o‬فلو قدرنا الرجحان‪ :‬يكون الحكم ثابتًا‬
‫‪ o‬وعلى تقدير عدمه‪ :‬يكون تعبدً ا‪.‬‬
‫‪ o‬واحتمال التعبد أبعد وأندر‪،‬‬
‫▪ فيكون احتمال الرجحان أظهر‪.‬‬
‫‪ o‬ومثال ذلك‪ :‬تعليلنا وجوب القصاص على المشتركين يف القتل بحكمة الردع والزجر؛‬
‫كي ال يفضي إسقاطه إلى فتح باب الدماء‪ .‬فيعارض الخصم بضرر إيجاب القتل‬
‫الكامل على من لم يصدر منه ذلك‪ .‬فيكون جوابه‪ :‬ما ذكرناه‪ ،1‬واهلل أعلم‬

‫‪‬‬

‫قياس الشبه‬
‫واختلف يف تفسيره‪ .،‬ثم يف‪ :‬أنه حجة‬
‫القيسة أربعة أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬قياس العلة‪ ،‬وهو الجمع بين األصل والفرع بوصف مناسب وهو الذي تقدم أول الباب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قياس الشبه‪ :‬وهو الذي معنا‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫الثالث‪ :‬قياس الداللة‪ ،‬وهو الجميع بين األصل والفرع بدليل العلة ال بها‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬قياس الطرد‪ :‬وهو الجمع بين األصل والفرع بوصف غير مناسب وال موهم املناسبة‪ ،‬كقياس‬
‫ًّ‬
‫الخل على املرق أو الدهن في عدم إزالة النجاسة‪ ،‬بجامع أن كًل منهما ال تبنى عليه القناطر وال تصاد‬
‫منه األسماك‪ ،‬وال تجري فيه السفن‪ ،‬وسيأتي بيانه ً‬
‫قريبا‬
‫فأما تفسيره‪:‬‬
‫املراد بقياس الشبه‬
‫القول الثاين‪ :‬الجمع بين األصل والفرع‬ ‫القول األول‪ :‬هو أن يتردد الفرع بين أصلين‪:‬‬
‫بوصف يوهم اشتماله على حكمة الحكم‪:‬‬ ‫حاظر ومبيح‪ ،‬ويكون شبهه بأحدهما أكثر‬
‫من جلب المصلحة‪ ،‬أو دفع المفسدة‪.‬‬ ‫(القاضي يعقوب)‬
‫بيانه‬
‫القول الول‬
‫• نحو‪ :‬أن يشبه المبيح يف ثًلثة أوصاف ويشبه الحاظر يف أربعة‪ ،‬فنلحقه بأشبههما به‪.‬‬
‫• ومثاله‪ :‬تردد العبد بين الحر وبين البهيمة يف أنه يملك‪.‬‬
‫‪ o‬فمن لم يملكه قال‪ :‬حيوان يجوز بيعه‪ ،‬ورهنه‪ ،‬وهبته‪ ،‬وإجارته‪ ،‬وإرثه‪ ،‬أشبه الدابة‪.‬‬
‫‪ o‬ومن يم ّلكه قال‪ :‬يثاب ويتعاقب‪ ،‬وينكح ويطلق‪ ،‬ويكلف‪ ،‬أشبه الحر‪.‬‬
‫شبها‪.‬‬
‫▪ فيلحق بما هو أكثرهما ً‬

‫مثال آخر لقياس الشبه‪:‬‬


‫"املذي"‪ :‬فإنه متردد بين البول واملني‪.‬‬
‫فمن قال بنجاسته قال‪ :‬هو خارج من الفرج‪ ،‬ال يخلق منه الولد‪ ،‬وال يجب به الغسل‪ ،‬أشبه البول‪،‬‬
‫ّ‬
‫ومن قال بطهارته قال‪ :‬هو خارج تحلله الشهوة‪ ،‬ويخرج أمامها‪ ،‬أشبه املني‪.‬‬
‫انظر‪ :‬شرح الكوكب املنير "‬
‫ََّ‬
‫قال ابن العربي‪ " :‬قول أبي بكر [ألقاتلن من فرق بين الصًلة والزكاة] ‪ ...‬بين فائدة وهي جواز القياس في‬
‫العبادات والذي يجري فيها هو قياس الشبه دون التعليل ألنه ال يعقل معناها "‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪72‬‬

‫القول الثاني‬
‫• *** وذلك أن األوصاف تنقسم ثالثة أقسام‪:‬‬
‫[‪ ]1‬قسم يعلم اشتماله على المناسبة لوقوفنا عليها بنور البصيرة‪ ،‬كمناسبة الشدة للتحريم‪.3‬‬
‫أصال‪ ،‬لعدم الوقوف عليها بعد البحث التام‪ ،‬مع إِ ْل ِفنَا من‬
‫[‪ ]2‬وقسم ال يتوهم فيه مناسبة ً‬
‫الشارع‪ :‬أنه ال يلتفت إليه يف حكم ما‪ ،‬كالطول والقصر‪ ،‬والسواد والبياض‪ ،4‬وكون المائع‬
‫ال تبنى عليه القناطر‬
‫[‪ ]3‬وقسم ثالث ‪-‬بين القسمين األولين‪ -‬وهو‪ :‬ما يتوهم اشتماله على مصلحة الحكم‪ ،‬ويظن‬
‫أنه مظنتها وقالبها من غير اطالع على عين المصلحة‪ ،‬مع عهدنا‪ ،‬اعتبار الشارع له يف بعض‬
‫مسحا‪،‬‬
‫األحكام‪ ،‬كالجمع بين مسح الرأس ومسح الخف يف نفي التكرار‪ ،‬بوصف كونه ً‬
‫أصال يف الطهارة‪ ،‬فهذا قياس‬
‫والجمع بينه وبين األعضاء المغسولة يف التكرار‪ ،‬بكونه ً‬
‫الشبه‪.‬‬
‫▪ فالقسم األول‪ :‬قياس العلة‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬
‫▪ والقسام الثاين‪ :‬باطل‪.‬‬
‫▪ والثالث‪ :‬الشبه‪ .‬وهو مختلف فيه‪.‬‬
‫‪ o‬وكل قياس فهو مشتمل على شبه وا ّطراد‪.‬‬
‫▪ لكن قياس العلة عرف بأشبه صفاته وأقواها‪.‬‬
‫▪ وقياس الشبه كان أشرف صفاته المشابهة‪ ،‬فعرف به‬
‫▪ وكذلك القياس الطردي عرف بخاصيته‪ ،‬وهو‪ :‬االطراد؛ إذ لم يكن له ما يعرف به‬
‫سواه‪.‬‬
‫▪ وكل وصف ظهر كونه منا ًطا للحكم فاتباعه من قبيل قياس العلة‪ ،‬ال من قبيل قياس‬
‫الشبه‪*** .‬‬
‫‪73‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫حجية قياس الشبه‬


‫*** واختلفت الرواية عن أحمد ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يف قياس الشبه‪:‬‬
‫(وللشافعي قوالن كالروايتين‪)1‬‬
‫القول األول‪ :‬واألخرى‪ :‬أنه غير صحيح‬ ‫القول األول‪ :‬فروي‪ :‬أنه صحيح‬
‫(القاضي)‬
‫دليل القول الول‬
‫[دليل القائلين بحجيته]‬
‫ووجه كونه حجة‪ :‬هو أنه يثير ظنًّا غال ًبا يبنى على االجتهاد‪ ،‬فيجب أن يكون متب ًعا كالمناسب‪.‬‬
‫فال يخلو‪:‬‬
‫• إما أن يكون الحكم لغير مصلحة‪.‬‬
‫• أو لمصلحة يف الوصف الشبهي‪.‬‬
‫• أو لمصلحة يف ضمن األوصاف األخر‪.‬‬
‫‪ o‬ال يجوز أن يكون لغير مصلحة‪ ،‬فإن حكم الشارع ال يخلو عن الحكمة‪.‬‬
‫‪ o‬واحتمال كونه لمصلحة وعلى ظاهرة أرجح من احتمال التعبد‬
‫‪ o‬واحتمال اشتمال الوصف الشبهي على المصلحة أغلب وأظهر من اشتمال األوصاف‬
‫الباقية عليها‪.‬‬
‫▪ فيغلب على الظن ثبوت الحكم به‪ ،‬فتعدى الحكم بتعديه‪*** .‬‬

‫‪‬‬

‫قياس الداللة‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪74‬‬

‫وهو‪ :‬أن يجمع بين الفرع واألصل بدليل العلة‪ ،‬ليدل اشرتاكهما فيه على اشرتاكهما يف العلة‪،‬‬
‫ظاهرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فيلزم اشرتاكهما يف الحكم‬

‫والصحيح أنه هو الجمع بين الفرع واألصل بًلزم من لوازم علة األصل مثل‪:‬‬
‫مثال القياس بًلزم العلة‪ :‬قياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة املشتدة‪ ،‬فهي الزمة لإلسكار‪.‬‬
‫فاألصل‪ :‬الخمر‪ ،‬والفرع‪ :‬النبيذ‪ ،‬والعلة‪ :‬اإلسكار‪ ،‬والجامع هنا‪ :‬الرائحة‪.‬‬

‫مثال القياس بجامع بأثر من آثار العلة أن يقال‪ :‬القتل باملثقل يوجب القصاص كالقتل باملحدد‪،‬‬
‫بجامع اإلثم‪ ،‬وهو أثر العلة التي هي‪ :‬القتل العمد العدوان‪.‬‬
‫فاألصل‪ :‬القتل باملحدد‪ ،‬والفرع‪ :‬القتل باملثقل‪ ،‬والعلة‪ :‬القتل العمد العدوان‪ ،‬والجامع هنا‪ :‬اإلثم‪.‬‬

‫مثال القياس بجامع االشتراك في حكم العلة‪ ،‬أن يقال‪ :‬تقطع الجماعة بالواحد كما يقتلون به‪،‬‬
‫بجامع وجوب الدية عليهم في ذلك‪ ،‬حيث كان غير عمد‪.‬‬
‫فاألصل‪ :‬قتل الجماعة بالواحد‪ ،‬والفرع‪ :‬قطعهم به‪ ،‬والعلة‪ :‬التعاون‪ ،‬والجامع هنا‪ :‬االشتراك في الدية‬
‫تنبيه‪ :‬وترتيبها من حيث القوة‪ :‬أعًلها‪ :‬دليل العلة‪ ،‬ثم الزم العلة‪ ،‬ثم أثرها‪ ،‬ثم حكمها‪.‬‬
‫مثاله‬
‫ومثاله‪:‬‬
‫• قولنا‪ ،‬يف جواز إجبار البكر‪ :‬جاز تزويجها وهي ساكتة‪ ،‬فجاز وهي ساخطة كالصغيرة؛‬
‫‪ o‬فإن إباحة تزويجها مع السكوت‪ ،‬يدل على عدم اعتبار رضاها‪ ،‬إذ لو اعتب‪ ،‬لعتب‬
‫دليله وهو النطق‪ .‬أما السكوت‪ :‬فمحتمل مرتدد‪ ،‬وإذا لم يعتب رضاها أبيح تزويجها‬
‫حال السخط‪.‬‬
‫فاألصل‪ :‬جواز تزويج الصغيرة وهي ساخطة‪ ،‬والفرع‪ :‬تزويج البكر وهي ساخطة‪ ،‬والعلة‪ :‬عدم اعتبار‬
‫رض ى الصغيرة‪ ،‬والجامع هنا‪ :‬عدم اعتبار دليل الرض ى وهو النطق‪.‬‬
‫• وكذا قولنا‪ ،‬يف منع إجبار العبد على النكاح‪ :‬ل يجب على إبقائه‪ ،‬فًل يجب على ابتدائه‬
‫كالحر‪،‬‬
‫‪75‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪ o‬فإن عدم اإلجبار على اإلبقاء يدل على خلوص حقه يف النكاح‪ ،‬وذلك يقتضي المنع‬
‫من اإلجبار يف البتداء‪.‬‬
‫فاألصل‪ :‬عدم إجبار الحر على النكاح‪ ،‬والفرع‪ :‬عدم إجبار العبد على النكاح‪ ،‬والعلة‪ُ :‬خ ُلوص ّ‬
‫حقه في‬
‫ّ‬
‫النكاح‪ ،‬والجامع هنا‪ :‬ال يجبران على الطًلق‪.‬‬

‫‪‬‬

‫باب أركان القياس‬


‫باب‪ :‬أركان القياس‬
‫وهي أربعة‪:‬‬
‫[‪ ]1‬أصل‪،‬‬
‫[‪ ]2‬وفرع‪،‬‬
‫[‪ ]3‬وعلة‪،‬‬
‫[‪ ]4‬وحكم‪.‬‬
‫الركن الول‪ :‬الصل‬
‫الشرط الول‪ :‬ثبوت حكمه بنص أو اتفاق الخصمين‬
‫فاألول له شرطان‪:‬‬
‫أحدهما‪:‬‬
‫• أن يكون ثابتًا بنص‪،‬‬
‫• أو اتفاق من الخصمين‪.‬‬
‫‪ o‬فإن كان مختل ًفا فيه‪ ،‬ول نص فيه‪ :‬لم يصح التمسك به‪ ،‬ألنه ليس بناء أحدهما على‬
‫اآلخر بأولى من العكس‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪76‬‬

‫مثال األصل الثابت بالنص‪ :‬وجوب غسل اإلناء من ولوغ الخنزير ً‬


‫قياسا على وجوب غسله من ولوغ‬
‫الكلب الثابت بالحديث‪" :‬إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات"‪.‬‬
‫ومثال اتفاق الخصمين على األصل‪ :‬قياس النبيذ على الخمر‪ ،‬واألرز على البر‪.‬‬

‫وإنما اشترط ثبوت األصل بالنص؛ ألنه يلحق به الفرع‪ ،‬ويبنى عليه‪ ،‬وما ال ثبوت له ال يتصور بناء غيره‬
‫عليه‪.‬‬
‫مختلفا فيه كان من حق الخصم أن ينازع في القياس‬‫ً‬ ‫وأما اشتراط كونه ً‬
‫متفقا عليه؛ فألنه إذا كان‬
‫بعدم التسليم بحكم األصل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد علل املصنف لشرط كون األصل ثابتا بالنص أو متفقا عليه بقوله‪" :‬فإن كان مختلفا فيه إلخ"‬
‫ً‬ ‫منصوصا وال ً‬
‫ً‬
‫متفقا عليه ال يصح التمسك به لعدم أولويته‪ ،‬فكونه أصًل يقاس‬ ‫ومعناه‪ :‬أن الذي ليس‬
‫عليه ليس بأولى من أن يكون فرعا‪ً.‬‬

‫ما حكم القياس على الصل الثابت بالقياس؟‬


‫ولو أراد إثبات حكم األصل بالقياس على محل آخر‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬يجوز القياس على ما ثبت‬ ‫القول األول‪ :‬لم يجز‬
‫بالقياس‬
‫الدلة‬
‫القول الول‬
‫فإن العلة التي يجمع هبا بين األصل الثاين واألول‪،‬‬
‫• إن كانت موجودة يف الفرع‪ :‬فليقس على هذا األصل الثاين ويكفيه‪ ،‬فذكر األول تطويل غير‬
‫مفيد‪ ،‬فليصطلح على رده‪.‬‬
‫• وإن كان الجامع بين األصلين غير موجود يف الفرع‪ :‬لم يصح قياسه على األصل األول؛‬
‫‪ o‬ألنه قد تبين ثبوت حكمه بعلة غير موجودة يف الفرع‪ ،‬ومن شرط القياس‪ :‬التساوي يف‬
‫العلة‪.‬‬
‫‪ o‬ول يمكن تعليل الحكم يف األصل األول بغير ما علله به يف قياسه إياه على األصل‬
‫‪77‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫الثاين‪ ،‬فإنه إنما يعرف كون الجامع علة‪ :‬بشهادة األصل له‪ ،‬واعتبار الشرع له بإثبات‬
‫الحكم على وفقه‪.‬‬
‫▪ ول يعرف اعتبار الشرع للوصف إل أن يقرتن الحكم به عر ًيا عما يصلح أن يكون‬
‫علة‪ ،‬أو جز ًءا من أجزائها‪،‬‬
‫▪ فإنه متى اقرتن بوصفين يصلح التعليل هبما مجتمعين‪ ،‬أو بكل واحد منهما‬
‫منفر ًدا‪ ،‬احتمل أن يكون ثبوت الحكم هبما جمي ًعا‪ ،‬أو بأحدهما غير معين‪،‬‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سؤال‬ ‫فالتعيين تحكم‪ .‬ولذلك كانت المعارضة يف األصل‬
‫القول الثاني‬
‫أصًل يف نفسه‪ ،‬فجاز القياس عليه كالمنصوص‪.‬‬
‫• ألنه لما ثبت صار ً‬
‫ولعله أراد‪ :‬ما ثبت بالقياس‪ ،‬واتفق عليه الخصمان‪.‬‬
‫ً‬
‫مخرجا فقال‪" :‬ولعله أراد ما ثبت‬ ‫وملا كان املصنف ال يرى ذلك‪ ،‬كما سيأتي فقد حاول أن يوجد له‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صحيحا جدال؛ ألنه يشترط في القياس أن‬ ‫بالقياس واتفق عليه الخصمان" فإن القياس حينئذ يكون‬
‫يكون حكم األصل ً‬
‫ثابتا بنص أو اتفاق الخصمين‪ ،‬وقد حصل الثاني‪.‬‬
‫وتأويل املصنف هذا محل نظر؛ فإنه إن أراد توضيح مذهبه فذلك له‪ ،‬وإن أراد أن هذا هو رأي‬
‫القائلين بذلك فهذا غير مسلم؛ ألن أصحاب هذا املذهب لم يصرحوا بش يء من ذلك‪.‬‬
‫هل يشترط في الصل املقيس عليه أن يجمع عليه كل أمة أو يكفي اتفاق‬
‫الخصمين؟‬
‫القول الثاين‪ :‬يشترط (من شرطه‪ :‬أن‬ ‫القول األول‪ :‬ال يشترط (فإنه ال يعتبر كون األصل‬
‫يكون متف ًقا عليه بين األمة)‪.‬‬ ‫متفقا عليه بين األمة إذا كان متفقا عليه بين‬
‫(قوم)‬ ‫الخصمين)‪.‬‬
‫الدلة‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪78‬‬

‫فإنه إذا لم يكن مجم ًعا عليه فللخصم‬ ‫وهذا ل يصح لوجهين (جواب للقول الثاين)‬
‫أن يعلل الحكم يف األصل بمعنى‬ ‫أحدهما‪ :‬أن كل واحد من المتناظرين مق ِّلد‪ ،‬فليس‬
‫مختص به ل يتعدى إلى الفرع‪.‬‬ ‫له منع حكم ثبت مذه ًبا إلمامه؛ لعجزه عن تقريره‪،‬‬
‫• فإن ساعده المستدل على التعليل‬ ‫• فإنه ل يتيقن مأخذ إمامه يف الحكم‪ ،‬ولو عرف‬
‫به‪ :‬انقطع القياس؛ لعدم المعنى يف‬ ‫ذلك فًل يلزم من عجزه عن تقريره فساده‪ ،‬إذ‬
‫الفرع‪.‬‬ ‫من المحتمل‪ :‬أن يكون لقصوره؛ فإن إمامه‬
‫• وإن لم يساعده‪ :‬منع الحكم يف‬ ‫أكمل منه‪ ،‬وقد اعتقد صحته‪.‬‬
‫وسموه‪:‬‬
‫األصل‪ ،‬فبطل القياس‪ّ ،‬‬ ‫• ويحتمل‪ :‬أن إمامه لم يثبت الحكم يف الفرع؛‬
‫القياس المركب‪.‬‬ ‫لوجود مانع عنده‪ ،‬أو لفوات شرط‪.‬‬
‫‪ o‬ومثاله‪ :‬قياسنا العبد على‬ ‫فًل يجوز له منع حكم ثبت يقينًا؛ بناء على فساد‬
‫المكاتب‪.‬‬ ‫ً‬
‫احتمال‪.‬‬ ‫مأخذه‬
‫‪ o‬فنقول‪ :‬العبد منقوص بالرق‪،‬‬ ‫‪ o‬وحاصل هذا‪ :‬أنه ل يخلو‪ :‬إما أن يمنع على‬
‫فًل يقتل به الحر كالمكاتب‪.‬‬ ‫مذهب إمامه‪ ،‬أو على خًلفه‪.‬‬
‫‪ o‬فيقول المخالف‪ :‬العلة يف‬ ‫▪ فاألول باطل‪ ،‬لعلمنا أنه على خًلفه‪.‬‬
‫المكاتب‪ :‬أنه ل ُيعلم هل‬ ‫▪ والثاين باطل؛ فإنه تصدى لتقرير‬
‫المستحق لدمه الوارث‪ ،‬أو‬ ‫مذهبه‪ ،‬فتجب مؤاخذته به‪ .‬ثم لو صح‬
‫السيد؟‬ ‫هذا‪ :‬لما تمكن أحد الخصمين من‬
‫▪ فإن سلمتم ذلك‪ :‬امتنع‬ ‫حكما على مذهبه غير‬
‫ً‬ ‫إلزام خصمه‬
‫قياس العبد عليه؛ ألن‬ ‫مجمع عليه؛ ألنه ل يعجز عن منعه‪.‬‬
‫مستحقه معلوم‪.‬‬
‫▪ وإن منعتم‪ :‬منعنا الحكم‬
‫‪79‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫يف المكاتب‪ ،‬فذهب‬ ‫الثاين‪ :‬أنا لو حصرنا القياس يف أصل مجمع عليه بين‬
‫األصل‪ ،‬فبطل القياس‪.‬‬ ‫األمة‪ :‬أفضى إلى خلو كثير من الوقائع عن‬
‫األحكام‪ ،‬لقلة القواطع‪ ،‬وندرة مثل هذا القياس‪.‬‬
‫هل يجوزالقياس على الصل املنصوص عليه إذا كان مختلفا فيه بين‬
‫الخصمين؟‬
‫فإن كان الحكم منصوصا عليه‪:‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يجوز (ل يجوز القياس‬ ‫القول األول‪ :‬يجوز (جاز الستناد إليه يف القياس‬
‫على المختلف فيه بحال)‬ ‫وإن كان مختل ًفا فيه بين الخصمين‪ ،‬بشرط أن يكون‬
‫(قوم)‬ ‫النص غير متناول للفرع)‬
‫الدلة‬
‫• ألنه يفضي إلى نقل الكًلم من‬ ‫منصوصا عليه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متناول للفرع‪ :‬كان‬ ‫• فإنه إذا كان‬
‫مسألة إلى مسألة‪ ،‬وبناء الخًلف‬ ‫فًل يسرتوح إلى القياس على وجه ل يجد ُبدًّ ا‬
‫على الخًلف‪ ،‬وليس أحدهما‬ ‫من السرتواح إلى النص‪ ،‬فيكون تطويل طريق‬
‫أولى من اآلخر‪.‬‬ ‫بغير فائدة‪ ،‬فليصطلح على رده‪.‬‬
‫ولنا‪:‬‬
‫أن حكم األصل أحد أركان الدليل‪ ،‬فيجب أن‬
‫يتمكن من إثباته بالدليل‪ ،‬كبقية أركانه؛ فإنه ليس من‬
‫شرط ما ُيفتقر إليه يف إثبات الحكم‪ :‬أن يكون متف ًقا‬
‫عليه‪ ،‬بل يكفي أن يكون ثابتًا بدليل يغلب على‬
‫الظن‪ ،‬فيجب أن يكتفي بذلك يف األصل؛ إذ الفرق‬
‫تح ّكم‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪80‬‬

‫جواب عن اعتراض مقدر‬


‫• وإنا منعنا من إثباته بالقياس‪ ،‬لما ذكرناه ابتداء‪.‬‬
‫• فأما إذا أمكن إثبات ذلك بنص‪ ،‬أو إجماع منقول عن أهل العصر األول‪ :‬فيكون كاف ًيا‪.‬‬
‫فإن اعترض أحد فقال‪ :‬لم ال تجوزون القياس على ما ثبت بالقياس‪ ،‬مع أنه يفيد غلبة الظن؟‬
‫فالجواب‪ :‬ما تقدم من أن العلة إن كانت واحدة فليقس على األصل األول‪ ،‬وإن كانت مختلفة فًل‬
‫يصح القياس‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون الحكم معقول املعنى‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون الحكم معقول المعنى‪،‬‬
‫• إذ القياس إنما هو‪ :‬تعدية الحكم من محل إلى محل بواسطة تعدي المقتضى‪.‬‬
‫• وما ل يعقل معناه‪ ،‬كأوقات الصلوات‪ ،‬وعدد الركعات‪ ،‬ل يتوقف فيه على المعنى‬
‫المقتضى‪ ،‬ول يعلم تعديه‪،‬‬
‫‪ o‬فًل يمكن تعدية الحكم فيه‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الركن الثاني‪ :‬الحكم‬


‫الشرط الول‪ :‬مساواة حكم الفرع لحكم الصل‬
‫وله شرطان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون حكم الفرع مساو ًيا لحكم األصل‪،‬‬
‫• كقياس البيع على النكاح يف الصحة [كما يقال في بيع الغائب‪ :‬عقد على غائب فصح‪ً ،‬‬
‫قياسا‬
‫على عقد النكاح]‪.‬‬
‫• والزنا على الشرب يف التحريم‪،‬‬
‫‪81‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫• والصًلة على الصوم يف الوجوب‪.‬‬


‫أدلة الشرط الول‬
‫[الدليل األول]‪:‬‬
‫فإن حقائق هذه األحكام ل تختلف باختًلف متعلقها‪ ،‬والسبب يقتضي الحكم‪ ،‬إلفضائه إلى‬
‫حكمته‪[ .‬أي‪ :‬أن حقائق هذه األحكام من الصحة والحرمة والوجوب كما هي ثابتة في األصل ثابتة في‬
‫الفرع على التساوي‪ ،‬وال تختلف‪ ،‬وإنما الذي اختلف هو املحل الذي تعلقت به]‬
‫• فإذا كان حكم الفرع مثل حكم األصل تأدي به من الحكمة مثل ما تأدي بحكم األصل‪،‬‬
‫فيجب أن يثبت‪.‬‬
‫• أما إذا كان مخال ًفا له فًل يصح قياسه عليه؛‬
‫‪ o‬ألن ما يتأدى به من الحكمة مخال ًفا لما يتأدى بحكم األصل إما بزيادة‪ ،‬وإما بنقصان‪.‬‬
‫[كما لو قسنا الوجوب على الندب أو العكس‪ ،‬فإن الحكمة في الوجوب أكمل منها في‬
‫الندب]‪.‬‬
‫▪ فإذا كانت أنقص‪ :‬فإثبات الحكم يف األصل يدل على اعتبارها بصفة الكمال‪،‬‬
‫فًل يلزم اعتبارها بصفة النقصان‪.‬‬
‫▪ وإن كانت الحكمة يف الفرع أكثر‪ :‬فعدول الشرع عنه إلى حكم األصل يدل على‬
‫أن يف تعيينه مزيد فائدة أوجبت تعيينه‪ ،‬أو على وجود مانع منع ثبوت حكم‬
‫الفرع‪ ،‬فكيف يصح قياسه عليه؟‬

‫[الدليل الثاين]‪:‬‬
‫وألن القياس‪ :‬تعدية الحكم بتعدي علته‪ ،‬فإذا أثبت يف الفرع غير حكم األصل‪ :‬لم يكن ذلك‬
‫تعدية‪ ،‬بل ابتداء حكم‪.‬‬
‫صورمخالفة حكم الفرع لحكم الصل‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪82‬‬

‫الصورة الولى‪ :‬املخالفة تماما‬


‫وقولهم‪ ،‬يف السلم‪" :‬بلغ بأحد عوضيه أقصى مراتب األعيان‪ ،‬فليبلغ باآلخر أقصى مراتب‬
‫قياسا ألحدهما على اآلخر" ليس بقياس‪،‬‬
‫الديون‪ً ،‬‬
‫• إذ القياس‪ :‬تعدية الحكم وتوسعة مجراه‪ ،‬فكيف تختلف التعدية‪ ،‬وهذا إثبات ضده؟‬
‫توضيح هذا املثال‪ :‬أنه ال يجوز قياس إثبات األجل في العين املسلم فيها على نفي األجل في الثمن؛ ألنه‬
‫قياس إثبات على نفي؛ ألن من شرط السلم‪ :‬تسليم الثمن في مجلس العقد‪ ،‬بينما املثمن مؤجل‪ .‬فًل‬
‫يصح القياس‪ ،‬الختًلف الحكم في األصل والفرع‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬املخالفة بزيادة أو نقصان‬
‫حكما‪ ،‬ولم يمكنه إثباته يف الفرع إل بزيادة أو نقصان‪ :‬فهو باطل؛‬
‫ً‬ ‫وكذلك لو أثبت يف األصل‬
‫• ألنه ليس على صورة التعدية‪.‬‬
‫‪ o‬مثاله‪ :‬قولهم يف صًلة الكسوف‪" :‬يشرع فيها ركوع زائد؛ ألهنا صًلة شرعت لها‬
‫الجماعة‪ ،‬فتختص بزيادة‪ ،‬كصًلة الجمعة‪ ،‬تختص بالخطبة‪ ،‬وصًلة العيد تختص‬
‫بالتكبيرات"‪.‬‬
‫▪ وهذا فاسد؛ ألنه لم يتمكن من تعدية الحكم على وجهه وتفصيله‪.‬‬
‫وهذه صورة أخرى اختلف فيها حكم الفرع مع حكم األصل بنوع من الزيادة‪ ،‬كما في قياس صًلة‬
‫الكسوف على صًلة الجمعة وصًلة العيدين‪ ،‬بجامع أن كًل منها فيها زيادة على نفس الصًلة‪ .‬فهذا غير‬
‫جائز‪ ،‬ألن القائس لم يستطع من تعدية حكم األصل للفرع على وجه الكمال والتفصيل‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون الحكم شرعيا‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون الحكم شرع ًّيا‪.‬‬
‫• فإن كان عقل ًّيا‪،‬‬
‫• أو من المسائل األصولية‪،‬‬
‫‪ o‬لم يثبت بالقياس؛ ألهنا قطعية ل تثبت بأمور ظنية‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫▪ وكذلك لو أراد إثبات أصل القياس‪ ،‬وأصل خب الواحد بالقياس‪ :‬لم يجز‪ ،‬لما‬
‫ذكرناه‪ .‬في شروط األصل‪ ،‬حيث قال في شروطه‪" :‬أن يكون ً‬
‫ثابتا بنص أو اتفاق من‬
‫الخصمين … ثم قال‪ :‬ولو أراد إثبات حكم األصل بالقياس على محل آخر لم يجز … "‬
‫• فإن كان لغو ًّيا‪:‬‬
‫‪ o‬ففي إثباته بالقياس خًلف ذكرناه فيما مضى‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الركن الثالث‪ :‬الفرع‬


‫شرطه املعتبر‬
‫• ويشترط فيه‪:‬‬
‫• أن تكون علة األصل موجودة فيه‪ ،‬فإن تعدية الحكم فرع تعدي العلة‪.‬‬
‫هل يشترط في الفرع أن يتقدم الصل عليه؟‬
‫القول الثاين‪ :‬يشترط لقياس العلة فقط‬ ‫القول األول‪ :‬ال بد (تقدم األصل على الفرع‬
‫(والصحيح‪ :‬أن ذلك يشرتط لقياس العلة‪،‬‬ ‫يف الثبوت)‬
‫ول يشرتط لقياس الدللة)‬
‫الدلة‬
‫بل يجوز قياس الوضوء على التيمم مع تأخره‬ ‫ألن الحكم يحدث بحدوث العلة‪ ،‬فكيف‬
‫عنه؛ فإن الدليل يجوز تأخره عن المدلول؛‬ ‫تتأخر عنه؟!‬
‫فإن حدوث العالم دليل على الصانع القديم‪،‬‬
‫وأن الدخان دليل على النار‪ ،‬واألثر دليل على‬
‫المؤثر‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪84‬‬

‫[في اشتراط النية‪ ،‬فمن املعلوم أن مشروعية‬


‫التيمم متأخرة عن الوضوء]‪.‬‬
‫مما ال يشترط في الفرع أيضا‬
‫أيضا أن يكون وجود العلة مقطوعًا به يف الفرع‪ ،‬بل يكفي فيه غلبة الظن‪ ،‬فإن الظن‬
‫ول يشرتط ً‬
‫كالقطع يف الشرعيات‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الركن الرابع‪ :‬العلة‬


‫ومعنى العلة الشرعية‪ :‬العًلمة‪.‬‬
‫هذا هو تعريف الجمهور للعلة وهو‪ :‬أنها مجرد أمارة على وجود الحكم إن وجدت وجد الحكم‪ ،‬وإن‬
‫وعدما‪.‬‬ ‫ً‬
‫وجودا ً‬ ‫انتفت انتفى‪ ،‬وهذا معنى قولهم‪ :‬الحكم يدور مع علته‬
‫صورالعلة التي يجوزالتعليل بها‬
‫حكما شرع ًّيا‪ ،‬كقولنا‪" :‬يحرم بيع الخمر فًل يصح بيعه كالميتة"‪.‬‬
‫ً‬ ‫• ويجوز أن تكون‬
‫عارضا‪ ،‬كالشدة يف الخمر‪،‬‬
‫ً‬ ‫• وتكون وص ًفا‬
‫• ولز ًما كالصغر والنقدية‪[ ،‬أي‪ :‬كالوالية على الصغيرة وإجبارها على النكاح والتعدية في تحريم‬
‫الربا في الذهب والفضة]‪.‬‬
‫• أو من أفعال المكلفين‪ .‬كالقتل والسرقة‪[ ،‬كالقتل فإنه علة للقصاص‪ ،‬والسرقة فإنها علة‬
‫للقطع وهكذا]‪.‬‬
‫• ووص ًفا مجر ًدا‪ ،‬أو مرك ًبا من أوصاف كثيرة‪ ،‬ول ينحصر ذلك يف خمسة أوصاف‪.‬‬
‫• وتكون نف ًيا‪ ،‬وإثبا ًتا‪.‬‬
‫• وتكون مناس ًبا وغير مناسب‪.‬‬
‫• ويجوز أن ل تكون العلة موجودة يف محل الحكم‪ ،‬كتحريم نكاح األمة‪ ،‬لعلة رق الولد‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪ o‬وتفارق العلة الشرعية العقلية يف هذه األوصاف‪.‬‬

‫‪‬‬

‫هل من شرط صحة العلة أن تكون متعدية؟‬


‫القول الثاين‪ :‬ال يشترط ذلك‪ ،‬بل يصح التعليل‬ ‫القول األول‪ :‬يشترط أن تكون متعدية‬
‫بالعلة القاصرة‬ ‫(أصحاب أحمد‪ ،‬والحنفية)‬
‫(أصحاب الشافعي وبعض المتكلمين وأبو‬
‫الخطاب)‬
‫الدلة‬
‫لثالثة أوجه‪:‬‬ ‫• فإن كانت قاصرة على محلها‪،‬‬
‫• أحدها‪ :‬أن التعدية فرع صحة العلة‪ ،‬فًل يجوز‬ ‫كتعليل الربا يف األثمان بالثمنية لم‬
‫أن تكون شر ًطا‪ ،‬فإنه يفضي إلى اشرتاط تقدم‬ ‫يصح‪ ،‬وهو قول الحنفية‪،‬‬
‫ما يشرتط تأخره‪.‬‬ ‫[محل الخًلف في العلة القاصرة‬
‫املستنبطة‪ ،‬أما العلة املنصوصة أو املجمع‬
‫‪ o‬وذلك أن الناظر ينظر يف استنباط العلة‪،‬‬
‫عليها فًل خًلف في صحتها]‪.‬‬
‫وإقامة الدليل على صحتها باإليماء‬ ‫لثالثة أوجه‪:‬‬
‫والمناسبة‪ ،‬أو تضمن المصلحة المبهمة‪،‬‬ ‫• أحدها‪ :‬أن علل الشرع أمارات‪،‬‬
‫ثم ينظر فيها‪ :‬فإن كانت أعم من النص‬ ‫والقاصرة ليست أمارة على شيء‪.‬‬
‫عدّ اها‪ ،‬وإل اقتصر‪ .‬فالتعدية فرع الصحة‪،‬‬ ‫أي‪ :‬عًلمات على الحكم‪ ،‬والعلة القاصرة‬
‫فكيف يجوز أن تكون من جملة‬ ‫ليست أمارة على ش يء؛ ألن الحكم في‬
‫األصل ثبت بالنص‪ ،‬فيكون التعليل بالعلة‬
‫المصحح‪.‬‬ ‫القاصرة ً‬
‫خاليا عن الفائدة‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪86‬‬

‫• الثاين‪ :‬أن التعدية ليست شر ًطا يف العلة‬ ‫• الثاين‪ :‬أن األصل أن ل يعمل‬
‫المنصوص عليها‪ ،‬ول يف العقلية‪ ،‬وهما آكد‪،‬‬ ‫بالظن؛ ألنه جهل ورجم بالظن‪،‬‬
‫فكذلك المستنبطة‪.‬‬ ‫وإنما جوز يف العلة المتعدية‪،‬‬
‫• الثالث‪ :‬أن الشارع لو نص على جمع القاتلين‬ ‫ضرورة العمل هبا‪ ،‬والعلة القاصرة‬
‫ظلما بوجوب القصاص‪ :‬ل يمنعنا أن نظن أن‬
‫ً‬ ‫ل عمل هبا‪ ،‬فتبقى على األصل‪.‬‬
‫الباعث حكمة الردع والزجر‪ ،‬وإن لم يتعد إلى‬ ‫• الثالث‪ :‬أن القاصرة ل فائدة فيها‬
‫غير قاتل‪ :‬فإن الحكمة ل تختلف باستيعاب‬ ‫[لعدم تعديها]‪ ،‬وما ل فائدة فيه ل‬
‫النص لجميع الحوادث أو اقتصاره على‬ ‫يرد الشرع به‪.‬‬
‫البعض‪.‬‬ ‫‪ o‬دليل المقدمة األولى‪ :‬أن فائدة‬
‫العلة‪ :‬تعدية الحكم‪ ،‬والقاصرة خًلصته‪ :‬أن الشارع لو نص على وجوب القصاص على‬
‫ً‬
‫وعدوانا‪ ،‬فإن ذلك ال يمنعنا أن‬ ‫جميع القاتلين ً‬
‫ظلما‬
‫ل تتعدى‪.‬‬
‫نظن أن الباعث على ذلك هو الردع والزجر‪ ،‬حتى ولو‬
‫▪ ودليل أن فائدهتا التعدي‪ :‬لم يتعد ذلك القصاص إلى غير القاتل؛ ألن الحكمة‬
‫ً‬
‫مستوعبا‬ ‫الشرعية تستنبط من النص‪ ،‬حتى ولو كان‬ ‫أن الحكم ثابت يف محل‬
‫لجميع الحوادث‪ ،‬فًل فرق بين النص على الجميع‪ ،‬أو‬
‫النص بالنص‪ ،‬لكونه‬
‫االقتصار على البعض‪ ،‬والنتيجة عدم الفرق بين‬
‫املنصوصة واملستنبطة‪.‬‬ ‫مقطوعًا به‪ ،‬والقياس‬
‫مظنون‪ ،‬ول يثبت‬
‫المقطوع بالمظنون‪ .‬إذا‬
‫ثبت هذا‪ :‬تعين اعتبارها يف‬
‫غير محل النص‪،‬‬
‫والقاصرة ل يمكن فيها‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫االعتراض على الدليل الثالث للقول الول‬


‫فإن قيل‪ :‬فلو لم يكن الحكم مضا ًفا إلى العلة يف محل النص‪ ،‬لما تعدى الحكم بتعديها‪.‬‬
‫ول تنحصر الفائدة يف التعدي‪ ،‬بل يف التعليل فائدتان سواه‪.‬‬
‫• إحداهما‪ :‬معرفة حكمة الحكم‪ ،‬لستمالة القلب إلى الطمأنينة‪ ،‬والقبول بالطبع‪،‬‬
‫والمسارعة إلى التصديق‪.‬‬
‫• والثانية‪ :‬قصر الحكم على محلها‪ ،‬إذ معرفة خلو المحل عن الحكم يفيد ثبوت ضده‪،‬‬
‫وذلك فائدة‪.‬‬
‫الجواب عنه‬
‫قلنا‪:‬‬
‫• قولكم‪" :‬الحكم يتعدى"‬
‫‪ o‬مجاز يتعارفه الفقهاء‪ ،‬فإن الحكم لو تعدى‪ :‬لخًل عنه المحل األول‪ ،‬والتحقيق فيه‪:‬‬
‫أنه ل يتعدى‪ ،‬وإنما معناه‪ :‬أنه متى وجد يف محل آخر مثل تلك العلة‪ :‬ثبت مثل ذلك‬
‫الحكم‪.‬‬
‫‪ o‬وظنُّنَا‪ :‬أن باعث الشرع على الحكم كذا‪ ،‬ل يوجب إضافة الحكم يف الثبوت إليه‪ ،‬إذ‬
‫لو كان مضا ًفا إليه لكان على وفقه يف القطع والظن؛ إذ ل يثبت بالظن شيء مقطوع به‪.‬‬
‫دليًل أقوى‬
‫ثم ً‬ ‫‪ o‬وامتناع إضافة الحكم إلى العلة يف محل النص ل لقصورها‪ ،‬بل ألن َّ‬
‫منها‪ ،‬ففي غير محل النص يضاف إليها؛ لصًلحيتها‪ ،‬وخلوها عن المعارض‪.‬‬

‫• وقولكم‪" :‬فائدة التعليل‪ :‬الطًلع على حكمة الحكم ومصلحته"‪.‬‬


‫• قلنا‪ :‬نحن ل نسد هذا الباب‪ ،‬لكن ليس كل معنى استنبط من النص علة‪ ،‬إنما العلة‪ :‬معنى‬
‫تعلق الحكم به يف موضع‪ ،‬والقاصرة ليست كذلك‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪88‬‬

‫• وقولهم‪" :‬فائدته‪ :‬قصر الحكم على محلها"‪.‬‬


‫معلًل‪ ،‬قصرناه على محله‪.‬‬
‫• قلنا‪ :‬هذا يحصل بدون هذه العلة إذا لم يكن الحكم ً‬
‫إن العلة القاصرة تفيد قصر الحكم على محلها‪ ،‬وال يتعداه إلى غيره‪ .‬فأجاب املصنف‪ :‬بأن هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يحصل إذا لم يكن الحكم معلًل‪ ،‬أما إذا كان معلًل‪ ،‬فًل نقصره على محله‪.‬‬
‫مزيد مناقشة للدليل الثالث من أدلة القول الول‬
‫وقولهم‪" :‬ل فائدة يف التعليل بالعلة القاصرة"‬
‫عنه جوابان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬المنع‪ ،‬فإن فيها فائدتين ذكرناهما‪.‬‬
‫• إحداهما‪ :‬قصر الحكم على محلها‪.‬‬
‫‪ o‬وقولهم‪" :‬إن قصر الحكم مستفاد من عدم التعليل"‪.‬‬
‫‪ o‬قلنا‪ :‬بل يحصل هذا بالعلة القاصرة‪ ،‬فإن كل علة غير المؤثرة‪ ،‬إنما تثبت بشهادة‬
‫األصل‪ ،‬وتتم بالسب‪ ،‬وشرطه التحاد‪.‬‬
‫▪ فإن ظهرت علة أخرى‪ :‬انقطع الحكم‪ ،‬فإن أمكن التعليل بعلة متعدية‪ :‬تعدى‬
‫الحكم‪.‬‬
‫مقصورا على‬
‫ً‬ ‫▪ فإذا ظهرت علة قاصرة عارضت المتعدية ودفعتها‪ :‬وبقي الحكم‬
‫محلها‪ ،‬ولولها لتعدى الحكم‪.‬‬
‫• والثانية‪ :‬معرفة باعث الشرع وحكمته‪ ،‬ليكون أسرع يف التصديق وأدعى إلى القبول‪ ،‬فإن‬
‫النفوس إلى قبول األحكام المعقولة أميل منها إلى قهر التحكم‪ ،‬ومرارة التعبد‪.‬‬
‫‪ o‬ولمثل هذا الغرض استحب الوعظ والتذكير‪ ،‬وذكر محاسن الشريعة‪ ،‬ولطائف‬
‫معانيها‪ ،‬وكون المصلحة مطابقة للنص على قدره تزيده حسنًا وتأكيدً ا‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫[المناقشة الثانية]‬
‫الثاين‪ :‬أننا ل نعني بالعلة إل باعث الشرع على الحكم‪ ،‬وثبوته بالنص ل يمنعنا أن نظن أن‬
‫الباعث عليه حكمته التي يف ضمنه‪،‬‬
‫• كما أن تنصيصه على رخص السفر ل يمنعنا أن نظن أن حكمته‪ :‬دفع مشقته‪.‬‬
‫• وكذلك المسح على الخفين‪ :‬معلل بدفع المشقة الًلحقة بنزع الخف‪ ،‬وإن لم يقس عليه‬
‫غيره‪ ،‬ول يسقط هذا الظن باستيعاب مجاري الحكم‪،‬‬
‫• ولما نص على أن كل مسكر حرام‪ ،‬لم يمنعنا أن نظن أن باعث الشرع على التحريم‪:‬‬
‫السكر‪.‬‬
‫‪ o‬ول َيسقط هذا الظن باستيعاب مجاري الحكم‪.‬‬
‫‪ o‬ول حجر علينا يف أن نصدق فنقول‪ :‬إنما ظننا كذا‪ ،‬مهما ظننا كذا‪ ،‬ول مانع من هذا‬
‫الظن‪.‬‬
‫▪ وأكثر المواعظ ظنية‪،‬‬
‫▪ وطباع اآلدميين خلقت مطيعة للظنون‪.‬‬
‫▪ وأكثر بواعث الناس على أعمالهم وعقائدهم الظنون‪.‬‬

‫اعرتاض على المناقشة الثانية‪:‬‬


‫قولهم‪" :‬ل نسمي هذا علة"‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬متى سلمتم أن الباعث هذه الحكمة‪ ،‬وهي غير متعدية‪ ،‬وجب أن يقتصر الحكم على‬
‫محلها‪ ،‬وهو فائدة الخًلف‪ ،‬ول يضرنا أن ل تسموه علة‪ ،‬فإن النزاع يف العبارات‪ ،‬بعد التفاق‬
‫على المعنى ل يفيد‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪90‬‬

‫خالصة الخالف السابق في املسألة وتحريرمحل النزاع‬


‫وتلخيص ما ذكرناه‪:‬‬
‫• أنه ل نزاع يف أن القاصرة ل يتعدى هبا الحكم‪،‬‬
‫• ول ينبغي أن ينازع يف أن يظن أن حكمة الحكم‪ :‬المصلحة المظنونة يف ضمن محل‬
‫النص‪ ،‬وإن لم يتجاوز محلها‪.‬‬
‫أيضا؛ ألنه بحث لفظي ل يرجع إلى المعنى‪.‬‬
‫• ول ينبغي أن ينازع يف تسميته علة ً‬
‫‪ o‬فيرجع حاصل النزاع إلى أن الحكم المنصوص عليه‪ ،‬إذا اشتمل على حكمتين‪:‬‬
‫قاصرة ومتعدية‪ ،‬هل يجوز تعديته؟‬
‫[اختيار المؤلف يف المسألة]‬
‫فالصحيح أنه ل يتعدى؛‬
‫• ألنه ل يمتنع أن يثبت الشارع الحكم يف محل النص‪،‬‬
‫‪ o‬رعاية للمصلحة المختصة به‪،‬‬
‫‪ o‬أو رعاية للمصلحتين جمي ًعا‪.‬‬
‫▪ فًل سبيل إلى إلغاء هذين الحتمالين بالتحكم‪ ،‬ومع بقائهما تمتنع التعدية‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫خًلصة ذلك‪ :‬أن الحكم إذا علل بعلتين‪ :‬إحداهما قاصرة‪ ،‬واألخرى متعدية‪ ،‬فهل يعلل بالقاصرة‬
‫ويمنع التعدي‪ ،‬أو يتعدى بالعلة املتعدية؟‬
‫رجح املصنف األول وقال‪ :‬إنه الصحيح‪ ،‬وعليه جمهور العلماء‪ ،‬ملا قاله املصنف‪ :‬من أنه ال يمتنع أن‬
‫حكما في محل النص رعاية للمصلحة املختصة به‪ ،‬أو رعاية للمصلحتين ً‬
‫معا‪.‬‬ ‫يثبت الشارع ً‬
‫أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أنه ال يمتنع التعليل بالعلة املتعدية؛ ألنه ال اعتبار بغلبة الظن بغلبة‬
‫الوصف القاصر‪ ،‬فإنها مجرد وهم‪ ،‬ال غلبة ظن‪ ،‬فًل يعارض غلبة الظن بغلبة الوصف املتعدي‬
‫املؤثر‪ .‬انظر‪ :‬نزهة الخاطر العاطر "‪"٣٢٠ /٢‬‬
‫‪91‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪‬‬

‫هل اطراد شرط لصحة العلة؟‬


‫وهو‪ :‬استمرار حكمها يف جميع محالها‪.‬‬
‫ومعناه‪ :‬وجود حكمها في كل محل وجدت فيه‪ ،‬مثل‪ :‬وجود التحريم حيث وجد اإلسكار‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬التفريق بين‬ ‫القول الثاين‪ :‬ليس شرطا‬ ‫القول األول‪ :‬هو شرط‬
‫العلة المنصوص عليها وبين‬ ‫لصحة العلة‬ ‫(القاضي أبو يعلى‪ ،‬بعض‬
‫المستنبطة‬ ‫(أبو الخطاب‪ ،‬مالك‪،‬‬ ‫الشافعية)‬
‫(قوم)‬ ‫والحنفية‪ ،‬وبعض الشافعية)‬

‫الدلة‬
‫القول الول‬
‫حكى أبو حفص البمكي يف كون ذلك شر ًطا لصحتها وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬هو شرط‪،‬‬
‫• فمتى تخلف الحكم عنها مع وجودها‪:‬‬
‫‪ o‬استدللنا على أهنا ليست بعلة إن كانت مستنبطة‪.‬‬
‫منصوصا عليها‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ o‬أو على أهنا بعض العلة إن كانت‬
‫القول الثالث‬ ‫القول الثاني‬
‫وفرق قوم بين العلة المنصوص عليها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والوجه اآلخر‪ :‬تبقى حجة فيما عدا المحل‬
‫وبين المستنبطة‪ ،‬وجعل نقض المستنبطة‬ ‫المخصوص‪ ،‬كالعموم إذا خص‪.‬‬
‫مبطًل لها‪.‬‬
‫ً‬ ‫لوجهين‪:‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪92‬‬

‫وإن كانت ثابتة بنص أو إجماع فًل يقدح‬ ‫أحدهما‪ :‬أن علل الشرع أمارات‪ ،‬واألمارة ل‬
‫ذلك فيها؛‬ ‫توجب وجود حكمها معها أبدً ا‪ ،‬بل يكفي كونه‬
‫معها يف األغلب األكثر‪.‬‬
‫أدلة القول الثالث على عدم إبطال العلة‬ ‫• كالغيم الرطب يف الشتاء‪ ،‬أمارة على المطر‪،‬‬
‫غير المستنبطة بالنقض‬ ‫• وكون مركوب القاضي على باب األمير‪،‬‬
‫[‪ ]1‬ألن كوهنا علة عرف بدليل متأكد‬ ‫أمارة على أنه عنده‪،‬‬
‫قوي‪ ،‬وتخلف الحكم يحتمل أن‬ ‫‪ o‬وقد يجوز أن ل يكون عنده‪ ،‬فلو لم يكن‬
‫يكون لفوات شرط‪ ،‬أو وجود مانع‪،‬‬ ‫عنده يف مرة‪ ،‬لم يمنع ذلك من رأي تلك‬
‫فًل يرتك الدليل القوي لمطلق‬ ‫اإلمارة أن يظن وجود ما هو أمارة عليه‪.‬‬
‫الحتمال‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن ثبوت الحكم على وفق المعنى‬
‫[‪ ]2‬وألن ظن ثبوت العلة من النص‪،‬‬ ‫المناسب يف موضع دليل على أنه العلة‪ ،‬بدليل أنه‬
‫وظن انتفاء العلة من انتفاء الحكم‬ ‫يكتفى بذلك‪ ،‬فإن لم يظهر أمر سواه‪.‬‬
‫مستفاد بالنظر‪ ،‬والظنون الحاصلة‬ ‫• وتخلف الحكم‪:‬‬
‫بالنصوص أقوى من الظنون‬ ‫‪ o‬يحتمل أن يكون لمعارض من فوات‬
‫الحاصلة بالستنباط‪.‬‬ ‫شرط‪ ،‬أو وجود مانع‪.‬‬
‫‪ o‬ويحتمل‪ :‬أن يكون لعدم العلة‪،‬‬
‫أدلة القول الثالث على إبطال العلة‬ ‫▪ فًل يرتك الدليل المغلب على الظن‬
‫المستنبطة بالنقض‬ ‫ألمر محتمل مرتدد‪.‬‬
‫وإن كان ثبوت العلة بالستنباط‪ :‬بطلت‬
‫بالنقض؛‬ ‫اعتراض على القول الثاين‪:‬‬
‫[‪ ]1‬ألن ثبوت الحكم على وفق المعنى‪،‬‬ ‫فإن قيل‪:‬‬
‫‪93‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫إن دل على اعتبار الشارع له يف‬ ‫• نفي الحكم لمعارض نفي للحكم مع وجود‬
‫موضع‪ ،‬فتخلف الحكم عنه يدل‬ ‫سببه‪ ،‬وهو خًلف األصل‪،‬‬
‫على أن الشرع ألغاه‪.‬‬ ‫• ونفيه لعدم العلة موافق لألصل‪ ،‬إذ هو نفي‬
‫[‪ ]2‬وقول القائل‪" :‬إنني أعتبه إل يف‬ ‫الحكم؛ لنتفاء دليله‪ ،‬فيكون أولى‪.‬‬
‫موضع أعرض الشرع عنه" ليس‬ ‫الجواب عنه‪:‬‬
‫بأولى ممن قال‪" :‬أعرض عنه إل يف‬ ‫قلنا‪:‬‬
‫موضع اعتبه الشرع بالتنصيص‬ ‫• هو مخالف لألصل من جهة أخرى‪ ،‬وهو‪ :‬أن‬
‫على الحكم"‪.‬‬ ‫فيه نفي العلة مع قيام دليلها‪ ،‬واألصل توفير‬
‫[‪ ]3‬ثم إن ُج ِّوز وجود العلة مع انتفاء‬ ‫المقتضى [الحكم] على المقتضي [العلة]‬
‫الحكم من غير مانع‪ ،‬ول تخلف‬ ‫فيتساويان‪،‬‬
‫شرط‪ ،‬فليجز ذلك يف محل النزاع‪.‬‬ ‫• ودليل العلة ظاهر‪ ،‬والظاهر ل يعارض‬
‫بالمحتمل المرتدد‪.‬‬

‫مناقشة الدليل الثاني من أدلة القول الثاني‬


‫قولهم‪" :‬ثبوت الحكم على وفق المعنى يف موضع دليل على أنه علة"‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬وتخلف الحكم مع وجوده [أي‪ :‬وجود الوصف املدعى أنه علة]‪ :‬دليل على أنه ليس بعلة‪،‬‬
‫فإن انتفاء الحكم لنتفاء دليله موافق لألصل‪ ،‬وانتفاؤه لمعارض على خًلف األصل‪.‬‬
‫مناقشة لبعض ما تقدم في أدلة القول الثاني‬
‫قولهم‪" :‬إنه مخالف لألصل‪ ،‬إذ فيه نفي العلة مع قيام دليلها‪ ،‬فيتساوى الحتمالن"‪.‬‬
‫قلنا‪:‬‬
‫• متى سلمتم أن احتمال انتفاء الحكم لنتفاء السبب كاحتمال انتفائه لوجود المعارض‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪94‬‬

‫على السواء‪ ،‬لم يبق ظن صحة العلة‪،‬‬


‫‪ o‬إذ يلزم من الشك يف دليل الفساد‪ :‬الشك يف الفساد ل محالة‪ ،‬إذ ظن صحة العلة مع‬
‫الشك فيما يفسدها محال‪ ،‬فهو كما لو قال‪" :‬أشك يف الغيم‪ ،‬وأظن الصحو" و"أشك‬
‫يف موت زيد‪ ،‬وأظن حياته"‬
‫مناقشة لبعض ما تقدم في أدلة القول الثاني‬
‫قولهم‪" :‬دليل العلة ظاهر"‪.‬‬
‫أيضا فيتساويان‪ ،‬فًل يبقى الظن مع وجود المعارض‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬والمعارض ظاهر ً‬
‫مناقشة للدليل الول من أدلة القول الثاني‬
‫قولهم‪" :‬العلة أمارة‪ ،‬واألمارة ل توجب وجود حكمها أبدً ا"‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬إنما يثبت كوهنا أمارة‪ :‬إذا ثبت أهنا علة‪.‬‬
‫والخًلف ‪-‬ههنا‪ -‬هل هذا الوصف علة وأمارة أو ل؟‬
‫• وليس الستدلل على أنه علة بثبوت الحكم مقرونًا به أولى من الستدلل على أنه ليس‬
‫بعلة بتخلف الحكم عنه‪ ،‬إذ الظاهر‪ :‬أن الحكم ل يتخلف عن علته‪.‬‬
‫• أو احتمال انتفاء الحكم يف محل النقض لمعارض كاحتمال ثبوت الحكم يف األصل بغير‬
‫هذا الوصف‪ ،‬أو به وبغيره‪.‬‬
‫• وكما أن وجود مناسب آخر يف األصل على خًلف األصل‪ :‬كذلك وجود المعارض يف‬
‫محل النقض على خًلف األصل فيتساويان‪.‬‬
‫‪ o‬وهبذا يتبين الفرق بين العلة المنصوص عليها والمستنبطة‪،‬‬
‫▪ فإن المنصوص عليها يثبت كوهنا أمارة بغير اقرتان الحكم هبا‪ ،‬فًل يقدح فيها‬
‫تخلفه عنها‪ ،‬كما ل يقدح يف كون "الغيم أمارة على المطر" تخلفه عنه يف بعض‬
‫األحوال‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫▪ والمستنبطة إنما يثبت كوهنا أمارة باقرتان الحكم هبا‪ ،‬فتخلفه عنها ينفي أهنا أمارة‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫طرق الجواب عن النقض‬


‫فإ ًذا طريق الخروج عن عهدة النقض أربعة أمور‪:‬‬
‫• أحدها‪ :‬منع العلة يف صورة النقض‪.‬‬
‫• والثاين‪ :‬منع وجود الحكم‪.‬‬
‫• والثالث‪ :‬أن يبين أنه مستثنى عن القاعدة بكونه على خًلف األصلين‪.‬‬
‫‪ o‬وإن أمكن المعرتض إبراز قياس ما ينتفي بمسألة النقض‪ :‬كانت علته المطردة أولى‬
‫من المنقوضة‪ ،‬ولم يقبل دعوى المعلل‪ :‬أنه خارج عن القياس‪.‬‬
‫معارضا يف محل النقض‪ ،‬أو تخلف ما يصلح شر ًطا‪،‬‬
‫ً‬ ‫• والرابع‪ :‬بيان ما يصلح‬
‫‪ o‬ل ُيظن أن انتفاء الحكم كان ألجله‪ ،‬فيبقى الظن المستفاد من مناسبة الوصف وثبوت‬
‫الحكم على وفقه كما كان‪ ،‬فإن الغالب من ذات الشرع‪ :‬اعتبار المصالح والمفاسد‪،‬‬
‫فيظن‪ :‬أن عدم الحكم للمعارض‪ ،‬فًل تكون العلة منتقضة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫أضرب تخلف الحكم عن العلة‬


‫تخلف الحكم عن العلة على ثًلثة أضرب‪:‬‬
‫الضرب الول‪ :‬تخلف الحكم الستثنائه بدليل خاص‬
‫أحدها‪ :‬ما يعلم أنه مستثنى عن قاعدة القياس‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪96‬‬

‫أمثلته‬
‫• كإيجاب الدية على العاقلة دون الجاين‪ ،‬مع أن جناية الشخص علة وجوب الضمان عليه‪.‬‬
‫المصراة‪ ،‬مع أن علة إيجاب المثل يف المثليات‪ :‬تماثل‬
‫ّ‬ ‫• وإيجاب صاع تمر من لبن‬
‫األجزاء‪[ .‬التصرية‪ :‬جمع اللبن في ضرع الحيوان إليهام الناس أنها حلوب‪ ،‬وقد حرم اإلسًلم ذلك‬
‫ملا فيه من التدليس على املشتري]‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬فهذه العلة معلومة قط ًعا‪ ،‬فًل تنتقض هبذه الصورة‪ ،‬ول يكلف المستدل الحرتاز عنها‪.‬‬

‫وكذلك لو كانت العلة مظنونة‪،‬‬


‫نقضا لعلة من يعلل الربا بالكيل‪ ،‬أو الطعم‪،‬‬
‫• كإباحة بيع العرايا ً‬
‫أيضا‪ ،‬بدليل‪ :‬وروده على علة كل معلل‪،‬‬
‫فإن مستثنى ً‬
‫[روى البخاري ومسلم‪ ،‬أن رسول هللا‪ ،‬ﷺ‪" :‬نهى عن بيع التمر بالتمر‪ ،‬ورخص في العرية أن تباع‬
‫بخرصها يأكلها أهلها ً‬
‫رطبا"]‬
‫نقضا على القياس‪ ،‬ول يفسد العلة‪ ،‬بل يخصصها بما وراء الستثناء‪،‬‬
‫حكمه‪ :‬فًل يوجب ً‬
‫فيكون علة يف غير محل الستثناء‪.‬‬
‫شرط قبول عدم النقض بالضرب الول‬
‫ول يقبل قول المناظر‪ :‬إنه مستثنى‪ ،‬إل أن يبين ذلك للخصم‪:‬‬
‫أيضا‪،‬‬
‫• بكونه على خًلف قياسه ً‬
‫• أو بدليل يصلح لذلك‪[ .‬ألنها دعوى‪ ،‬فتحتاج إلى دليل يثبتها]‪.‬‬

‫اعتراض‬
‫فإن قيل‪ :‬فلم ل ينعطف قيد على العلة يكون وص ًفا من أوصافها يندفع به النقض؟‬
‫• فنقول يف مسألة "المصراة"‪ :‬العلة يف وجوب المثل‪ :‬تماثل األجزاء مع قيد اإلضافة إلى‬
‫‪97‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫المصراة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫غير‬
‫• ويكون التماثل المطلق بعض العلة‪.‬‬
‫نقضا‪،‬‬
‫• وعلى هذا يكون تخلف الحكم يف "المصراة" لعدم العلة‪ ،‬فًل يكون ً‬
‫‪ o‬فليجب على المعلل ذلك‪.‬‬
‫الجواب عنه‬
‫الصل اللغوي الذي استعيرمنه لفظ العلة‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬العلة بمعنى الباعث (اختياراملؤلف)‬
‫قلنا‪ :‬بل العلة‪ :‬مطلق التماثل‪،‬‬
‫فإن العلة‪:‬‬
‫• إما أن تكون سميت علة استعارة من البواعث‪ ،‬فإن الباعث على الفعل يسمى علة الفعل‪.‬‬
‫(مثاله)‪:‬‬
‫عدوي‪ ،‬ومنع‬
‫فقيرا آخر وقال‪ :‬ألنه ِّ‬
‫فقيرا شيئًا لفقره‪ ،‬وعلل بأنه فقير‪ ،‬ثم منع ً‬
‫‪ o‬فمن أعطى ً‬
‫آخر وقال‪ :‬هو معتزلي‪ ،‬فإن الباقي على الستقامة التي يقتضيها أصل الفطرة‪ :‬ل يستبعد‬
‫متناقضا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ذلك‪ ،‬ول نعده‬
‫‪ o‬ويجوز أن يقول‪ :‬أعطيته لفقره‪ ،‬إذ الباعث هو الفقر‪ ،‬وقد ل تحضره عند اإلعطاء العداوة‬
‫والعتزال وانتفاؤهما‪ ،‬ولو كانا جزءين من الباعث لم ينبعث إل عند حضورهما يف ذهنه‪،‬‬
‫وقد انبعث ولم يخطر بباله إل مجرد الفقر‪.‬‬
‫بيان مو افقة التعليل بمطلق املماثلة للوجه الول‬
‫▪ كذلك مجرد التماثل علة؛ ألنه الذي يبعثنا على إيجاب المثل يف ضمانه‪ ،‬ول تحضرنا‬
‫أصًل‪ ،‬عن تلك الحالة‪.‬‬
‫مسألة "المصراة" ً‬
‫▪ ويقبح يف مثل هذا أن يكلف الحرتاز عنه فيقول‪ :‬تماثل يف غير المصراة‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪98‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬علة املريض‬


‫• وإما أن تسمى العلة استعارة من علة المريض؛ ألهنا اقتضت تغيير حاله‪ ،‬كذلك العلة‬
‫الشرعية اقتضت تغيير الحكم‪ ،‬فيجوز أن يسمى الوصف المقتضى علة بدون تخلف‬
‫الشرط‪ ،‬ووجود المانع‪،‬‬
‫(مثاله)‪:‬‬
‫مثًل‪ ،‬علة المرض يف المريض؛ ألنه يظهر عقيبها‪ ،‬وإن كانت ل تحصل‬
‫‪ o‬فإن "البودة" ً‬
‫مثًل‪ -‬لكن‬
‫بمجرد البودة‪ ،‬بل ربما ينضاف إليها يف المزاج األصلي أمور كالبياض ‪ً -‬‬
‫يضاف المرض على البودة الحادثة‪.‬‬
‫بيان مو افقة التعليل بمطلق املماثلة للوجه الثاني‬
‫أيضا أن يسمى التماثل المطلق علة‪ ،‬وإن كان ينضاف إليها [شيء آخر]‪ :‬إما شر ًطا‪،‬‬
‫▪ فيجوز ً‬
‫وإما انتفاء المانع‪ .‬واهلل أعلم‬
‫الوجه الثالث‪ :‬العلة العقلية‬
‫• ومن سماها علة ً‬
‫أخذا من العلة العقلية‪،‬‬
‫‪ o‬وهو عبارة عما يوجب الحكم لذاته‪.‬‬
‫▪ لم يسم التماثل المطلق علة‪ ،‬ولم يفرق بين المحل والعلة والشرط‪،‬‬
‫▪ بل العلة‪ :‬المجموع‪ ،‬واألهل‪ ،‬والمحل وصف من أوصاف العلة‪.‬‬
‫▪ ول فرق بين الجميع؛ ألن العلة‪ :‬العًلمة‪ ،‬وإنما العًلمة جملة األوصاف‪.‬‬
‫دليل الوجه الول‬
‫واألولى أولى؛‬
‫• ألن علل الشرع ل توجب الحكم لذاهتا‪ ،‬بل هي أمارة معرفة للحكم‪ ،‬فاستعارهتا عما‬
‫ذكرنا ً‬
‫أول أولى‪ .‬واهلل أعلم [وهو قوله‪" :‬إما أن تكون سميت علة استعارة من البواعث؛ فإن‬
‫الباعث على الفعل يسمى علة الفعل]‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪‬‬

‫الضرب الثاني‪ :‬تخلف الحكم ملعارضة علة أخرى‬


‫أمثلته‬
‫• كقوله‪" :‬علة رق الولد‪ :‬رق األم"‪ ،‬ثم المغرور بحرية جارية ولده‪ :‬حر‪ ،‬لعلة‪ :‬الغرور‪،‬‬
‫ولول أن الرق يف حكم الحاصل المندفع‪ :‬لما وجبت قيمة الولد‪.‬‬
‫حكمه‬
‫تقديرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬ول يفسد العلة؛ ألن الحكم ههنا كالحاصل‬
‫نقضا ً‬
‫فهذا ل يرد ً‬
‫هذا الضرب سماه الشيخ الطوفي بالنقض التقديري فقال‪" :‬القسم الثاني من أقسام تخلف الحكم‬
‫عن العلة‪ ،‬وإنما سميته "النقض التقديري" ملناسبته‪ ،‬وذلك بما ذكر في إثباته‪ ،‬وهو تخلف الحكم عن‬
‫العلة ال لخلل فيها‪ ،‬بل ملعارضة علة أخرى أخص كقول القائل‪" :‬رق األم علة رق الولد" فينتقض عليه‬
‫"بولد املغرور ّ‬
‫بأمه"‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الضرب الثالث‪ :‬تخلف الحكم لعدم املحل أو لفوات شرط‬


‫الضرب الثالث‪ :‬أن يتخلف الحكم ل لخلل يف ركن العلة‪ ،‬لكن لعدم مصادفتها محلها‪ ،‬أو‬
‫فوات شرطها‪.‬‬
‫أمثلته‬
‫• كقولنا‪" :‬السرقة علة القطع" وقد وجدت يف "النباش" فيقطع"‪.‬‬
‫‪ o‬فيقال‪ :‬تبطل بسرقة ما دون النصاب‪ ،‬وبسرقة الصبي‪ ،‬أو بسرقة من غير الجرز‪،‬‬
‫• وكقولنا‪ :‬البيع علة الملك‪ ،‬وقد جرى‪ ،‬فليثبت الملك يف زمن الخيار‪،‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪100‬‬

‫‪ o‬فيقال‪ :‬يبطل ببيع الموقوف والمرهون‪.‬‬


‫حكمه‬
‫فهذا ل يفسد العلة‪.‬‬
‫نقضا؟‬
‫لكن هل يكلف المناظر جمع هذه الشروط يف دليله؛ كي ل يرد ذلك ً‬
‫فهذا اختلف فيه الجدليون‪ ،‬والخطب فيه يسير‪ ،‬فإن الجدل موضوع‪ ،‬فكيف اصطلح عليه‬
‫فإليهم ذلك‪.‬‬
‫واألليق‪ :‬تكليفه ذلك؛‬
‫• ألن الخطب فيه يسير‪ ،‬وفيه ضم نشر الكًلم وجمعه‪.‬‬
‫فأما تخلف الحكم لغير أحد هذه األضرب الثًلثة‪ :‬فهو الذي تنتقض العلة به‪ ،‬وفيه من‬
‫الختًلف ما قد مضى‪.‬‬

‫‪‬‬

‫القياس على املستثنى من قاعدة القياس‬


‫والمستثنى عن قاعدة القياس منقسم إلى‪:‬‬
‫[‪ ]1‬ما عقل معناه‪.‬‬
‫[‪ ]2‬وإلى ما ل يعقل‪.‬‬
‫حكم القياس على القسم الول وأمثلته‬
‫فاألول‪ :‬يصح أن يقاس عليه ما وجدت فيه العلة‪.‬‬
‫• من ذلك‪ :‬استثناء العرايا للحاجة‪ ،‬ل يبعد أن نقيس العنب على الرطب‪ ،‬إذا تبين أنه يف‬
‫معناه‪.‬‬
‫‪101‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫المصراة" مستثنى من قاعدة الضمان بالمثل‪ .‬نقيس‬


‫ّ‬ ‫• وكذا إيجاب صاع من تمر يف لبن "‬
‫عليه‪ :‬ما لو ر ّد "المصراة" بعيب آخر‪ ،‬وهو نوع إلحاق‪.‬‬
‫• ومنه‪ :‬إباحة أكل الميتة عند الضرور‪ ،‬صيانة للنفس‪ ،‬واستبقاء للمهجة [الدم]‪ .‬يقاس عليه‪:‬‬
‫بقية المحرمات‪ ،‬إذا اضطر إليها‪ ،‬ويقاس عليه [على املضطر]‪ .‬المكره؛ ألنه يف معناه‪.‬‬
‫صحة القياس على املستثنى هو مذهب الجمهور‪ ،‬وهو الذي رجحه املصنف‪ ،‬كما يظهر من تعليله‪.‬‬
‫أمثلة القسم الثاني وحكم القياس عليه‬
‫وأما ما ال يعقل‪:‬‬
‫• فكتخصيصه بعض األشخاص بحكم‪،‬‬
‫‪ o‬كتخصيصه أبا بردة بجذعة من المعز‪،‬‬
‫‪ o‬وتخصيصه خزيمة بشهادته وحده‪.‬‬
‫‪ o‬وكتفريقه يف بول الصبيان بين الذكر واألنثى‪.‬‬
‫عن علي ‪ ‬أن رسول هللا ﷺ قال‪" :‬بول الغًلم ينضح‪ ،‬وبول الجارية يغسل"‪ .‬قال قتادة‪:‬‬
‫هذا ما لم يطعما الطعام‪ ،‬فإن طعما غسل بولهما‪ .‬املغني "‪"496 /٢‬‬
‫(حكم القياس عليه)‪:‬‬
‫فإنه لما لم ينقدح فيه معنى‪ :‬لم يقس عليه الفرق يف البهائم بين ذكورها وإناثها‪.‬‬
‫ويف الجملة‪ :‬إن معرفة المعنى من شرط صحة القياس يف المستثنى وغيره‪ .‬واهلل أعلم‬

‫‪‬‬

‫هل يجوزأن تكون العلة أمرا عدميا؟‬


‫القوال ونسبتها‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪102‬‬

‫القول الثاين‪ :‬ال يجوز أن يكون العدم سببا إلثبات حكم‬ ‫القول األول‪ :‬يجوز أن تكون العلة‬
‫(بعض الشافعية)‬ ‫نفي صفة أو اسم أو حكم‬
‫(أبو الخطاب‪ ،‬أصحاب أحمد)‬
‫الدلة‬
‫مشتمًل على معنى يثبت‬
‫ً‬ ‫• ألن السبب ل بد أن يكون‬ ‫• كقولهم‪ :‬ليس بمكيل ول‬
‫الحكم‪ ،‬رعاية له‪.‬‬ ‫موزون [أي‪ :‬فًل يحرم فيه‬
‫• والمعنى إما تحصيل مصلحة‪ ،‬أو نفي مفسدة‪،‬‬ ‫التفاضل]‪،‬‬

‫‪ o‬والعدم ل يحصل به شيء من ذلك‪.‬‬ ‫• ليس برتاب [أي‪ :‬فًل يصح التيمم‬
‫به]‪،‬‬
‫• ل يجوز بيعه فًل يجوز رهنه‪.‬‬
‫(االعتراض األول على القول الثاين)‪:‬‬
‫فلئن قلتم‪ :‬إنه تحصل به الحكمة‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬بل يجوز التعليل بالعدم‪:‬‬
‫مضرا‬
‫• فإن ما كان ناف ًعا‪ ،‬فعدمه مضر‪ ،‬وما كان ً‬
‫[‪ ]1‬فإن علل الشرع أمارات على‬
‫فعدمه يلزمه منه منفعة‪،‬‬
‫الحكم‪ ،‬ول يشرتط فيها أن‬
‫• ويكفي يف مظنة الحكم أن يلزم منها الحكمة‪ ،‬ول‬
‫تكون منشأ للحكمة‪ ،‬ول مظنة‬
‫يشرتط أن يكون منشأ لها‪.‬‬
‫لها‪ .‬وعند ذلك ل يمتنع أن‬
‫قلنا‪ :‬ل ننكر ذلك‪،‬‬
‫ينصب الشارع العدم أمارة‪ :‬إذا‬
‫حكما يف حق كل أحد‪،‬‬
‫ً‬ ‫• لكن ل يناسب‬
‫كان ظاهرة معلو ًما‪.‬‬
‫‪ o‬بل إعدام النافع يناسب عقوبة يف حق من وجد‬
‫‪ o‬ولو قال الشارع‪ :‬اعلموا أن ما‬
‫زجرا له‪،‬‬
‫منه اإلعدام‪ً ،‬‬
‫ل ينتفع به ل يجوز بيعه‪ ،‬وأن‬
‫حكما ناف ًعا يف حق من‬
‫ً‬ ‫‪ o‬وإعدام المضر يناسب‬
‫ما ل يجوز بيعه ل يجوز‬
‫وجد منه إعدامه‪ ،‬ح ًّثا له على تعاطي مثله‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫• فالمناسبة يف الموضعين انتسبت إلى اإلعدام‪ ،‬وهو‬ ‫رهنه‪ :‬فما المانع من هذا‬
‫أمر وجودي‪ ،‬ل إلى العدم‪.‬‬ ‫وأشباهه؟‬
‫[‪ ]2‬وقد تقرر بين الفقهاء‪ :‬أن انتفاء‬
‫(اعتراض على الجواب السابق)‪:‬‬ ‫الشرط عًلمة على عدم‬
‫فلئن قلتم‪ :‬إن عدم األمر النافع للشخص يناسب ثبوت‬ ‫المشروط‪ ،‬فإنه ينتفي بانتفائه‪.‬‬
‫حكم نافع له‪ ،‬جبًا لحاله‪.‬‬ ‫وإذا جاز ذلك يف النفي‪ :‬ففي‬
‫قلنا‪ :‬عنه جوابان‪:‬‬ ‫اإلثبات مثله‪،‬‬
‫أحدهما‪ :‬منع المناسبة؛‬ ‫‪ o‬فإنه لو قال الشارع "ما ل‬
‫فإنه ل يخلو‪:‬‬ ‫مضرة فيه من الحيوان فمباح‬
‫• إما أن تثبت المناسبة بالنسبة إلى اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬ ‫لكم أكله" و"ما لم يذكر اسم‬
‫• أو إلى غيره‪.‬‬ ‫اهلل عليه فحرام عليكم أكله"‬
‫‪ o‬ويف الجملة‪:‬‬ ‫لم يمتنع ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫ً‬
‫معقول‬ ‫▪ شرع الجائز [العقوبة] إنما يكون‬ ‫‪ o‬وقد قال اهلل تعالى‪ :‬ﵟ َولا‬
‫َ ۡ ُ ُ ْ َّ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ َّ‬
‫على من وجد منه الضرر [على من وجد منه‬ ‫ٱس ُم ٱّللِّ‬ ‫تأكلوا مِّما لم يذك ِّر‬
‫َ‬
‫اإلضرار]‪.‬‬ ‫َعل ۡيهِّ ﵞ [األنعام‪ ]121 :‬وهذا‬
‫▪ وأما شرعه يف حق غيره‪ :‬فإنه عدول على‬ ‫تعليق لتحريم األكل على عدم‬
‫مذاق القياس‪ ،‬ومقتضى الحكمة‪ ،‬كإيجاب‬ ‫اسم اهلل‪.‬‬
‫ضمان فرس زيد على عمرو‪ ،‬إذا تلف بآفة‬ ‫[‪ ]3‬وألن النفي صلح أن يكون علة‬
‫سماوية‪.‬‬ ‫للنفي‪ ،‬فيلزم منه أن يصلح‬
‫‪ o‬فإن قيل‪ :‬يناسب الثواب بالنسبة إلى اهلل ‪-‬عز‬ ‫التعليل به لإلثبات؛ ألن كل‬
‫وجل‪ -‬فهو عود إلى الوجود‪[ .‬إلى األمر الوجودي ال‬ ‫حكم له ضد‪ ،‬فالحل ضده‪:‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪104‬‬

‫إلى العدم]‪.‬‬ ‫الحرمة‪ ،‬والوجوب ضده‪ :‬براءة‬


‫ثم إن وجوبه على واحد من الخلق يلزم منه من‬ ‫الذمة‪ ،‬والصحة ضدها‪ :‬الفساد‪،‬‬
‫الضرر يف حق من وجب عليه بقدر ما يحصل من‬ ‫وكل ما نفي شيئًا أثبت ضده‪.‬‬
‫المصلحة لمن وجب له‪ ،‬فًل يكون مناس ًبا؛ فإن‬ ‫فما كان علة لنتفاء الحرمة‪ :‬فهو‬
‫نفع زيد بضرر عمرو ل يكون مناس ًبا‪ ،‬لكوهنما يف‬ ‫علة اإلباحة‪.‬‬
‫نظر الشرع على السواء‪.‬‬

‫َ َ َّ‬
‫ﵟوأن ليۡ َس‬ ‫الثاين‪ :‬أنه ل يمكن اعتباره؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ۡ‬
‫لِّل ِّإ َ ٰ‬
‫نس ِّن إِّلا َما َس َع ٰيﵞ [النجم‪ .]39 :‬وإثبات الحكم له‬
‫لمنفعته من غير سعيه مخالف للعموم [أي‪ :‬عموم اآلية]‪.‬‬

‫مناقشة لبعض ما ذكره أصحاب القول الثاني‬


‫وما ذكروه من‪" :‬أن النفي ل يناسب إثبات الحكم يف حق اآلدمي؛ ألنه يلزم منه‪ :‬ضرر يف حق‬
‫اآلدمي اآلخر"‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬عنه جوابان‪:‬‬
‫• أحدهما‪ :‬أن جهات إثبات العلة ل تنحصر يف المناسبة‪ ،‬بل طرقها كثيرة على ما علم‪ ،‬فًل‬
‫يلزم من انتفاء طريق واحد انتفاؤها‪.‬‬
‫• الثاين‪ :‬أن المناسبة متحققة فيه‪،‬‬
‫مضرا‪ :‬لزم من عدمه النفع‪.‬‬
‫‪ o‬فإن ما كان وجوده ناف ًعا‪ ،‬لزم من عدمه الضرر‪ ،‬وما كان ًّ‬
‫▪ فل َّله ‪-‬تعالى‪ -‬فرائض وواجبات‪ ،‬كما أن له محظورات ومحرمات‪ ،‬فكما أن فعل‬
‫زجرا عنها‪ ،‬فعدم [فعل]‬
‫المحرمات يناسب شرع عقوبات يف حق من فعلها‪ً ،‬‬
‫‪105‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫الفرائض يناسب ترتيب العقوبات على تاركها‪ ،‬ح ًّثا عليها‪.‬‬


‫▪ ول ُبعد يف قول من قال‪ :‬إن ترك الصًلة يناسب شرع القتل‪ ،‬أو الضرب‪ ،‬أو‬
‫الحبس‪ ،‬وكذلك أشباهها من الواجبات‪.‬‬
‫وقولهم‪" :‬إن هذا إعدام"‪.‬‬
‫• غير صحيح‪ ،‬بل هو مجرد عدم؛‬
‫‪ o‬إذ اإلعدام‪ :‬إخراج الموجود إلى العدم‪ ،‬ولم يكن للصًلة من تاركها وجود فيعدمها‪.‬‬
‫• ول يلزم من ثبوت الحكم‪ :‬أن يكون يف حق آدمي آخر‪.‬‬
‫‪ o‬ثم لو لزم منه ضرر‪:‬‬
‫▪ فًل تنتفي المناسبة بوجود الضرر‪ ،‬على ما علم يف موضع آخر‪.‬‬
‫▪ ومثل هذا يوجد يف اإلثبات‪ ،‬فًل فرق إ ًذا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َّ‬
‫ﵟوأن ليۡ َس لِّل ِّإ َ ٰ‬
‫نس ِّن إِّلا َما َس َع ٰيﵞ [النجم‪.]39 :‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ :‬‬

‫• يتناول ما له‪ ،‬دون ما عليه‪ ،‬فليست عامة‪ ،‬فًل يصح الستدلل هبا على عموم التعليل‬
‫بالنفي‪.‬‬
‫• على أن اآلية إنما أريد هبا الثواب يف اآلخرة‪ ،‬دون أحكام الدنيا‪ ،‬بدليل أن‪:‬‬
‫‪ o‬فقر القريب صلح علة إليجاب النفقة له‪.‬‬
‫‪ o‬وعدم المال يف حق المسكين جعله مصر ًفا للزكاة‪ .‬وأمثال هذا يكثر‪ .‬واهلل أعلم‬

‫‪‬‬

‫تعليل الحكم الواحد بعلتين‬


‫يجوز تعليل الحكم بعلتين؛ (اختيار المؤلف)‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪106‬‬

‫وضح الطوفي مذاهب العلماء في املسألة فقال‪" :‬قال اآلمدي‪ :‬اتفقوا على جواز تعليل الحكم بعلل في‬
‫كل صورة بعلة‪،‬‬
‫ً‬
‫واختلفوا في الحكم الواحد بالشخص في صورة واحدة‪ ،‬هل يعلل بعلتين معا؟‬
‫فمنع من ذلك‪ :‬القاض ي أبو بكر‪ ،‬وإمام الحرمين‪ّ ،‬‬
‫وجوزه‪ :‬آخرون‪.‬‬
‫وفصل الغزالي بجواز ذلك في العلل املنصوصة دون املستنبطة‪.‬‬
‫قال اآلمدي‪ :‬واملختار منعه‪.‬‬
‫دليل اختباراملؤلف‬
‫• ألن العلة الشرعية أمارة‪ ،‬فًل يمتنع نصب عًلمتين على شيء واحد‪.‬‬
‫‪ o‬ولذلك من لمس‪ ،‬وبال يف وقت واحد‪ :‬انتقض وضوؤه هبما‪.‬‬
‫‪ o‬من أرضعتها أختك‪ ،‬وزوجة أخيك‪ ،‬فجمع لبنهما وانتهى على حلقها دفعة واحدة‪:‬‬
‫حرمت عليك؛ ألنك خالها وعمها‪.‬‬
‫▪ ول يحال على أحدهما دون اآلخر‪.‬‬
‫▪ ول يمكن أن يقال‪ :‬تحريمان‪ ،‬وحكمان؛ ألن التحريم له حد واحد وحقيقة‬
‫واحدة‪ ،‬ويستحيل اجتماع مثلين‪.‬‬
‫االعتراض الول والجواب عنه‬
‫فإن قيل‪:‬‬
‫فإذا ذكر المعرتض علة أخرى يف األصل‪ ،‬فلم يعارض علة المستدل‪ ،‬لم يقبل هذا العرتاض‪،‬‬
‫إذا أمكن الجمع بين علتين‪.‬‬

‫قلنا‪:‬‬
‫• إن كانت علة المستدل مؤثرة‪ :‬لم تبطل بذلك‪،‬‬
‫‪ o‬كما ذكرناه من األمثلة‪،‬‬
‫‪107‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪ o‬وكاجتماع العدة والردة؛‬


‫▪ إذ دل الشرع على أن كل واحدة علة على حيالها‪.‬‬
‫• وإن كانت ثابتة بالستنباط‪ :‬فسدت هبذه المعارضة؛‬
‫‪ o‬ألن ظن كوهنا علة إنما يتم بالسب‪ ،‬وهو أنه ل بد لهذا الحكم من علة‪ ،‬ول يصلح علة‬
‫إل هذا‪.‬‬
‫‪ o‬فإذا ظهرت علة أخرى‪ :‬بطلت إحدى المقدمتين‪ ،‬وهي‪" :‬أنه ل يصلح علة إل كذا"‪.‬‬
‫فقيرا‪ :‬ظنناه أنه أعطاه لفقره‪ ،‬وعللنا به‪.‬‬
‫▪ مثاله‪ :‬من أعطى إنسانًا شيئًا فوجدناه ً‬
‫▪ فإن وجدناه قري ًبا‪ :‬عللناه بالقرابة‪.‬‬
‫فقيرا قري ًبا‪ :‬أمكن أن يكون اإلعطاء لهما‪ ،‬أو ألحدهما‪ ،‬فًل يبقى‬
‫▪ فإن وجدناه ً‬
‫الظن أنه أعطاه لواحد بعينه‪.‬‬
‫االعتراض الثاني والجواب عنه‬
‫فإن قيل‪:‬‬
‫فلم يلزم العكس‪ ،‬وهو وجود الحكم بدون العلة‪ ،‬فإن العلل الشرعية أمارات ودللت‪ ،‬فإذا‬
‫جاز اجتماع دللت‪ ،‬لم يكن من ضرورة انتفاء البعض انتفاء الحكم‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬هذا صحيح‪،‬‬


‫• وإنما يلزم العكس إذا لم يكن للحكم إل واحدة‪ ،‬فإن الحكم ل بد له من علة‪ ،‬فإذا‬
‫اتحدت وانتفت‪ ،‬فلو بقي الحكم‪ :‬لكان ثابتًا بغير سبب‪.‬‬
‫• وأما إذا تعددت العلة‪ :‬فًل ينتفي عند انتفاء بعضها‪ ،‬بل عند انتفاء جميعها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪108‬‬

‫هل يجوزإجراء القياس في السباب؟‬


‫القوال ونسبتها‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يجوز (ومنع منه اآلخرون)‬ ‫القول األول‪ :‬يجوز إجراء القياس يف األسباب‪.‬‬
‫قال الطوفي‪" :‬وهو مذهبنا ومذهب أكثر الشافعية‪،‬‬
‫ومنع منه أبو زيد الدبوس ي والحنفية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال اآلمدي‪ :‬وصورته‪ :‬إثبات كون اللواط سببا للحد قياسا على الزنا قلت‪ :‬وكذا الكًلم في النباش‬
‫والنبيذ"‪ ،‬شرح املختصر "‪."44٨ /٣‬‬
‫قال اإلسنوي‪" :‬الصحيح‪ ،‬وهو مذهب الشافعي كما قاله اإلمام‪ ،‬أن القياس يجري في الشرعيات كلها‪،‬‬
‫أي‪ :‬يجوز التمسك به في إثبات كل حكم‪ ،‬حتى الحدود‪ ،‬والكفارات‪ ،‬والرخص‪ ،‬والتقديرات‪ ،‬إذا وجدت‬
‫شرائط القياس فيها" انظر‪ :‬نهاية السول "‪"٣6 /٣‬‬
‫الدلة‬
‫• فنقول‪ :‬إنما نصب الزنا سب ًبا لوجوب الرجم قالوا‪:‬‬
‫[‪ ]1‬الحكم يتبع السبب دون حكمته؛ فإن‬ ‫لعلة كذا‪ ،‬وهو موجود يف اللواط‪ ،‬فيجعل‬
‫الحكمة‪ :‬ثمرة‪ ،‬وليست علة‪ ،‬فًل‬ ‫سب ًبا‪ ،‬وإن كان ل يسمى زنا‪.‬‬
‫يجوز أن يوجب القصاص بمجرد‬ ‫ولنا‪:‬‬
‫الحاجة إلى الزجر بدون القتل‪ ،‬وإن‬ ‫• أن نصب األسباب حكم شرعي‪ ،‬فيمكن أن‬
‫علمنا أنه حكمة وجوب القصاص يف‬ ‫تعقل علته‪ ،‬ويتعدى إلى سبب آخر‪.‬‬
‫القتل‪.‬‬ ‫‪ o‬فإن اعرتفوا هبذا ثم توقفوا عن التعدية‪:‬‬
‫[‪ ]2‬وألن القياس يف األسباب يعتب فيه‬ ‫كانوا متحكمين بالفرق بين حكم‬
‫التساوي يف الحكمة‪ ،‬وهذا أمر استأثر‬ ‫وحكم‪ ،‬كمن يقول‪ :‬يجري القياس يف‬
‫اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بعلمه‪.‬‬ ‫حكم الضمان ل يف القصاص‪ ،‬ويف‬
‫البيع دون النكاح‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪ o‬وإن ا ّدعوا اإلحالة‪:‬‬


‫▪ فمن أين عرفوا ذلك‪ ،‬أبضرورة أو‬
‫نظر؟‬
‫▪ كيف ونحن نبين إمكانه باألمثلة!‬

‫اعتراض على القول الول والجواب عنه‬


‫فإن قالوا‪ :‬هو ممكن يف العقل‪ ،‬لكنه غير واقع؛ ألنه ل يلغي لألسباب علة مستقيمة تتعدى‪.‬‬
‫الجواب الول عنه‬
‫قلنا‪:‬‬
‫قد ارتفع النزاع األصولي‪ ،‬إذ ل ذاهب على تجويز القياس‪ ،‬حيث ل تعقل العلة‪ ،‬ول تتعدى‬
‫وهم قد ساعدوا على جواز القياس حيث أمكنت التعدية‪ ،‬فارتفع الخًلف‪.‬‬
‫الجواب الثاني عنه من وجهين‬
‫ثم إننا نذكر إمكان القياس يف األسباب من منهجين‪.‬‬
‫الوجه الول‬
‫أحدهما‪ :‬تنقيح المناط‪.‬‬
‫• فنقول‪ :‬قياس الًلئط على الزاين‪ ،‬كقياس األكل على الجماع يف الكفارة‪ ،‬فإنا تعرفنا أن‬
‫وصف كونه "زنا" ل يؤثر‪ ،‬بل المؤثر‪ :‬كونه إيًلج فرج يف فرج محرم قط ًعا‪ ،‬مشتهى طب ًعا‪.‬‬
‫االعتراض على الوجه الول والجواب عنه‬
‫فإن قالوا‪:‬‬
‫• ليس هذا بقياس؛ فإن القياس أن يقال‪ :‬علق الحكم بالزنا لعلة كذا‪ ،‬وهي موجودة يف‬
‫اللواط‪ ،‬فيلحق به‪،‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪110‬‬

‫‪ o‬كما يقال‪ :‬ثبت التحريم يف الخمر لعلة الشدة‪ ،‬وهي موجودة يف النبيذ‪ ،‬فيضم النبيذ‬
‫إلى الخمر يف التحريم‪ ،‬ولم نغير من الخمر شيئًا‪.‬‬
‫• ونحن يف "الكفارة" لم نبين أن الحكم ثبت للجماع‪ ،‬ولم نعلق به‪ ،‬وإنما علقنا الحكم‬
‫بإفساد الصوم‪ ،‬فنتعرف الحكم الوارد شرعًا أين ورد‪ ،‬وكيف ورد؟ وكذا أنتم لم تع ّلقوا‬
‫الحكم بالزنا‪.‬‬
‫وهبذا يظهر الفرق ‪-‬للمنصف‪ -‬بين تعليل الحكم‪ ،‬وتعليل السببية‪،‬‬
‫• فإن تعليل الحكم تعدية له عن محله‪ ،‬مع تقريره يف محله‪.‬‬
‫• ويف السببية إذا قلنا‪ :‬علق الشرع الرجم بالزنا لعلة كذا‪ ،‬فألحقنا به غير الزنا‪ :‬تناقض آخر‬
‫الكًلم وأوله؛‬
‫‪ o‬ألن الزنا إن كان منا ًطا من حيث إنه "زنا" فألحقنا به ما ليس بزنا‪ :‬أخرجنا الزنا عن‬
‫كونه علة ومنا ًطا‪ ،‬فإنا نتب ّين باآلخرة‪ :‬أن الزنا لم يكن هو السبب‪ ،‬بل معنى أعم منه‬
‫وهو‪ :‬إيًلج فرج يف فرج محرم‪ ،‬فكيف يعلل كونه منا ًطا بما يخرج به عن كونه منا ًطا‪،‬‬
‫والتعليل تقرير ل تغيير‪.‬‬
‫محًل‬
‫تعليًل أن لو بقي الزنا سب ًبا‪ ،‬وانضم إليه سبب آخر‪ ،‬كما بقي الخمر ًّ‬
‫ً‬ ‫‪ o‬وإنما يكون‬
‫للتحريم‪ ،‬وانضم إليه محل آخر‪ ،‬وذلك غير جار يف األسباب‪.‬‬

‫قلنا‪:‬‬
‫• هذا الطريق جار لنا يف "الًلئط" و"النباش" وهو نوع إلحاق لغير المنصوص‬
‫بالمنصوص‪ ،‬بفهم العلة التي هي مناط الحكم‪ ،‬فيرجع النزاع إلى السم‪ ،‬ول فائدة فيه‪.‬‬
‫• أو يقول‪ :‬هذا بعينه جار يف األحكام‪،‬‬
‫خمرا ل أثر له‪ ،‬والمؤثر إنما هو‬
‫‪ o‬فإن الخمر لما حرم لعلة الشدة‪ :‬بينا أن وصف كونه ً‬
‫‪111‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫مزيًل للعقل‪.‬‬
‫كونه مشتدً ا ً‬
‫‪ o‬كما تبينا أن المؤثر يف الحد‪ :‬إيًلج فرج يف فرج محرم‪.‬‬
‫‪ o‬وكما جعلتم الموجب للكفارة يف الجماع‪ :‬كونه مفسدً ا للصوم‪.‬‬
‫▪ فالقياس يف كل موضع‪ :‬توسعة محل الحكم‪ ،‬بحذف األوصاف غير المؤثرة‪.‬‬

‫وقولهم‪" :‬إنا نبين هبذا أن الزنا لم يكن سب ًبا"‪.‬‬


‫قلنا‪ :‬بل هو سبب؛ لشتماله على المعنى المؤثر‪.‬‬
‫الوجه الثاني‬
‫المنهج الثاين‪:‬‬
‫أنا نعلل الحكم بالحكمة‪ ،‬ونعدّ ي الحكم بتعديها‪.‬‬

‫أمثلته‪:‬‬
‫• كما يف قوله عليه السًلم‪َ " :‬ل ي ْق ِضي ال َق ِ‬
‫اضي َب ْي َن ا ْثنَ ْي ِن ُ‬
‫وه َو غ َْض َبان"‪ .‬إنما جعل الغضب‬ ‫َ‬
‫سب ًبا؛ ألنه يدهش العقل‪ ،‬ويمنع من استيفاء الفكر‪ ،‬وهو موجود يف "الجوع والعطش"‬
‫المفرطين‪ ،‬فنقيسه عليه‪.‬‬
‫• وكقولنا‪ :‬الصبي يو ّلى عليه لحكمة‪ ،‬وهي‪ :‬عجزه عن النظر لنفسه‪ ،‬فينصب "الجنون"‬
‫قياسا على "الصغر" لهذه الحكمة‪.‬‬
‫سب ًبا‪ً ،‬‬

‫دليل الوجه الثاين‪:‬‬


‫قياسا على الواحد بالواحد‪،‬‬
‫• ولذلك‪ :‬اتفق عمر وعلي ‪ ‬على قتل الجماعة بالواحد‪ً ،‬‬
‫لًلشرتاك يف الحاجة إلى الردع والزجر‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪112‬‬

‫الجواب عن الدليل الول للقول الثاني‬


‫وقولهم‪" :‬الزجر‪ :‬ثمرة‪ ،‬إنما تحصل بعد الحكم‪ ،‬فكيف تكون علة"؟‬

‫قلنا‪ :‬الحاجة إلى الزجر هي العلة؛ لكون القتل سب ًبا‪ ،‬دون نفس الزجر‪ ،‬والحاجة سابقة وإن‬
‫تأخر الزجر‪،‬‬
‫• كما يقال‪ :‬خرج األمير للقاء زيد‪ ،‬ولقاء زيد بعد خروجه‪ ،‬لكن الحاجة إلى اللقاء علة باعثة‬
‫على الخروج سابقة عليه‪ ،‬وإنما المتأخر نفس اللقاء‪.‬‬
‫• كذلك ههنا‪ :‬الحاجة إلى العصمة هي الباعثة‪ ،‬وهي متقدمة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫هل يجوزالقياس في الكفارات والحدود؟‬


‫القوال ونسبتها‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يجوز‬ ‫القول األول‪ :‬ويجري القياس يف‬
‫(الحنفية)‬ ‫الكفارات والحدود (الشافعية)‬
‫الدلة‬
‫[‪ ]1‬ألن الكفارات والحدود وضعت لتكفير المآثم‪،‬‬ ‫ولنا‪:‬‬
‫والزجر والردع عن المعاصي‪ ،‬والقدر الذي‬ ‫[‪ ]1‬ما تقدم يف المسألة التي قبلها‪ :‬من‬
‫يحصل ذلك به من غير زيادة أمر استأثر اهلل‬ ‫أنه يجري فيه قياس التنقيح‪.‬‬
‫بعلمه‪.‬‬ ‫[‪ ]2‬وألنه حكم من أحكام الشرع‬
‫‪113‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫‪ o‬وكذلك الحكم بمقدار معلوم يف الصًلة‬ ‫عقلت علته‪ ،‬فجرى فيه القياس‬
‫و"الزكاة" و"المياه" ل يعلمه إل اهلل ‪-‬‬ ‫كبقية األحكام‪.‬‬
‫سبحانه‪ -‬فلم يجز اإلقدام عليه بالقياس‪.‬‬
‫[‪ ]2‬وألن الحد يدرأ بالشبهة‪ ،‬والقياس ل يخلو من‬
‫الشبهة‪.‬‬

‫الجواب عن الدليل للقول الثاني‬


‫الدليل الول‬
‫وما ذكروه‪.‬‬
‫• يبطل بسائر األحكام فإهنا شرعت لمصالح العباد والقياس يجري فيها‪.‬‬
‫• ولو ساغ ما ذكروه‪ :‬لساغ لنفاة القياس يف الجملة‪.‬‬
‫• وألننا إنما نقيس إذا علمنا األصل‪ ،‬ويثبت ذلك عندنا بالقياس‪ ،‬فيصير كالتوقيف‪.‬‬
‫‪ o‬فأما ما ل نعلمه‪ :‬كأعداد الركعات ونحوه‪ :‬فًل يجري القياس فيه‪.‬‬
‫الدليل الثاني‬
‫وقولهم‪" :‬إن يف القياس شبهة"‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬يبطل بخب الواحد‪ ،‬والشهادة‪ ،‬والظاهر‪ ،‬فإنه يثبت به الحد‪ ،‬مع وجود الحتمال فيه‪.‬‬

‫‪‬‬

‫إجراء القياس في النفي‬


‫والنفي على ضربين‪:‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪114‬‬

‫[‪ ]1‬طارئ‪،‬‬
‫• كباءة الذمة من الدَّ ين‪.‬‬
‫‪ o‬فهو حكم شرعي يجري فيه قياس العلة‪ ،‬وقياس الدللة‪،‬‬
‫▪ كاإلثبات‪.‬‬
‫[‪ ]2‬ونفي أصلي‪ :‬وهو البقاء على ما كان قبل ورود الشرع‪،‬‬
‫• كانتفاء صًلة سادسة‪،‬‬
‫‪ o‬فهو منفي باستصحاب موجب العقل‪.‬‬
‫▪ فًل يجري فيه قياس العلة؛ ألنه ل موجب له قبل ورود السمع‪ ،‬فليس بحكم‬
‫شرعي حتى تطلب له علة شرعية‪ ،‬بل هو نفي حكم الشرع ول علة له‪ ،‬إنما‬
‫العلة لما يتجدد‪.‬‬
‫▪ لكن يجري فيه قياس الدللة‪ ،‬وهو‪ :‬أن يستدل بانتفاء حكم شيء على انتفائه‬
‫عن مثله‪ ،‬ويكون ذلك ضم دليل إلى دليل‪ ،‬هو‪ :‬استصحاب الحال‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪‬‬

‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‬
‫‪115‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫تلخيص‬

‫القياس‬
‫• لغة‪ :‬التقدير‪.‬‬ ‫تعريف‬
‫• في الشرع‪:‬‬ ‫القياس‬
‫[‪ ]١‬حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬حكمك على الفرع بمثل ما حكمت به في األصل‪ ،‬الشتراكهما في العلة التي‬
‫اقتضت ذلك في األصل‪.‬‬
‫[‪ ]٣‬حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما‪ ،‬أو نفيه عنهما‪ ،‬بجامع بينهما‬
‫من إثبات حكم أو صفة لهما‪ ،‬أو نفيهما عنهما (غير مسلم)‪.‬‬
‫• القياس بمعنى االجتهاد غيرمسلم؛‬
‫[‪ ]١‬ألن االجتهاد قد يكون بالنظر في العمومات وسائر طرق األدلة‪،‬‬
‫[‪ ]٢‬ال ينبئ في العرف إال عن بذل املجهود‪.‬‬
‫تعريف العلة • العلة‪ :‬مناط الحكم‪ ،‬وسميت علة؛ ألنها غيرت حال املحل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنها مأخوذة من العلل بعد النهل‪ ،‬وهو معاودة الشرب مرة بعد مرة؛ ألن‬ ‫واملناط‬
‫املجتهد في استخراجها يعاود النظر مرة بعد مرة (الشوكاني)‪.‬‬
‫• من معاني العلة في االصطالح الشرعي‪ :‬أنها املعرفة للحكم‪ ،‬وقيل‪ :‬أنها املؤثرة في‬
‫الحكم بجعل هللا تعالى‪ ،‬وقيل‪ :‬أنها الباعث على التشريع‪ ،‬وقيل‪ :‬هي املؤثرة في‬
‫الحكم بذاتها‪ ،‬ال بجعل هللا تعالى (تعريف املعتزلة وهو مرفوض)‪.‬‬
‫• تعريف العلة تعريفا شامال‪ :‬هي الوصف الظاهر املنضبط الذي يناسب‬
‫الحكم بتحقيق مصلحة الناس‪ ،‬إما بجلب منفعة أو دفع مضرة‪.‬‬
‫• املناط‪ :‬ما نيط به الحكم‪ ،‬أي‪ :‬علق به‪ ،‬وهو العلة التي رتب عليها الحكم في‬
‫األصل‪ ،‬ومنه‪ :‬ذات أنواط‪.‬‬
‫أضرب االجتهاد في العلة‬
‫• لغة‪ :‬االستخراج واالستنباط‪.‬‬ ‫‪ -1‬تخريج‬
‫ً‬ ‫املناط‬
‫• اصطالحا‪ :‬أن ينص الشارع على حكم في محل‪ ،‬وال يتعرض ملناطه أصًل‪،‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪116‬‬

‫أو‪ :‬عبارة عن إضافة حكم ‪-‬لم يتعرض الشرع لعلته‪ -‬إلى وصف مناسب في نظر‬
‫املجتهد بالسبر والتقسيم‪.‬‬
‫• مثاله‪ :‬تحريمه شرب الخمر‪ ،‬والربا في البر‪.‬‬
‫• حكمه‪ :‬وهذا هو االجتهاد القياس ي الذي وقع الخًلف فيه‪.‬‬
‫• لغة‪ :‬التخليص والتهذيب‪.‬‬ ‫‪ -2‬تنقيح‬
‫• اصطالحا‪ :‬فهو إلغاء بعض األوصاف التي أضاف الشارع الحكم إليها لعدم‬ ‫املناط‬
‫صًلحيتها لًلعتبار في العلة‪.‬‬
‫أو‪ :‬أن يضيف الشارع الحكم إلى سببه‪ ،‬فيقترن به أوصاف ال مدخل لها في‬
‫اإلضافة‪ ،‬فيجب حذفها عن االعتبار‪ ،‬ليتسع الحكم‪.‬‬
‫• مثاله‪ :‬حديث األعرابي الذي وقع على امرأته في نهار رمضان‪.‬‬
‫• حكمه‪ :‬أقر به أكثر منكري القياس‪ ،‬فليس قياسا‪.‬‬
‫• وهو نوعان‪:‬‬ ‫‪ -3‬تحقيق‬
‫ً‬
‫منصوصا عليها‪ ،‬ويجتهد في‬ ‫ً‬
‫[‪ ]١‬أن تكون القاعدة الكلية متفقا عليها‪ ،‬أو‬ ‫املناط‬
‫تحقيقها في الفرع‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬ال خًلف في جوازه‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬تحقيق املثلية في البقر‪ ،‬االجتهاد في القبلة‪ ،‬تعيين اإلمام‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬ما عرف علة الحكم فيه بنص أو إجماع‪ ،‬فيبين املجتهد وجودها في الفرع‬
‫باجتهاده‪.‬‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫القياس‪.‬‬ ‫أقر به جماعة م َّمن ُي ْنك ُر‬ ‫ٌ‬
‫قياس جل ٌّي قد َّ‬ ‫حكمه‪:‬‬
‫َْ‬ ‫َ ََ‬
‫مثاله‪ :‬إلحاق الحشرات من الفأرة وغيرها بالهر في الطهارة لعلة الطواف‪.‬‬
‫فصل في إثبات القياس على منكريه‬
‫[‪ ]١‬يجوز تعبد بالقياس عقًل وشرعا (عامة الفقهاء واملتكلمين)‪.‬‬ ‫القوال‬
‫[‪ ]٢‬ال يجوز ذلك عقًل وشرعا (أهل الظاهر والنظام)‪.‬‬ ‫ونسبتها‬
‫[‪ ]٣‬يجوز عقًل وواجب شرعا (بعض الشافعية وطائفة من املتكلمين)‪.‬‬
‫الدليل على جوازالتعبد بالقياس‬
‫[‪ ]١‬أن عدم العمل به يفض ي إلى خلو كثير من الحوادث عن األحكام‪.‬‬ ‫عقال‬
‫[‪ ]٢‬أن العقل يدرك حكم العلل الشرعية‪.‬‬
‫‪117‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫[‪ ]٣‬أننا نستفيد بالقياس ظنا غالبا‪ ،‬والعمل بالظن الراجح متعين‪.‬‬
‫إجماع الصحابة رض ي هللا عنهم على الحكم بالرأي في الوقائع الخالية من‬ ‫[‪]١‬‬ ‫شرعا‬
‫النص‪.‬‬
‫{فاعتبروا يا أولي األبصار}‪ ،‬وحقيقة االعتبار‪ :‬مقايسة الش يء بغيره‪.‬‬ ‫[‪]٢‬‬
‫وقوله ﷺ‪( :‬الحمد هلل الذي وفق رسو َل رسول هللا ملا يرض ي رسول هللا)‪.‬‬ ‫[‪]٣‬‬
‫وقوله ﷺ‪( :‬إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر)‪.‬‬ ‫[‪]4‬‬
‫وقوله ﷺ‪( :‬أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬ ‫[‪]5‬‬
‫فدين هللا أحق أن يقض ى)‪.‬‬
‫وقوله ﷺ لعمر حين سأله عن القبلة للصائم‪( :‬أرأيت لو تمضمضت)‪.‬‬ ‫[‪]6‬‬
‫قصة الذي ولد له ولد أسود يخالف لونه لون أمه وأبيه فقاسه ﷺ على أوالد‬ ‫[‪]7‬‬
‫اإلبل الحمر يكون فيها األورق‪.‬‬
‫دليل املانعين من التعبد بالقياس‬
‫قطعا‪ ،‬فكيف ترفع بالقياس املظنون‪.‬‬‫براءة الذمة باألصل معلومة ً‬ ‫[‪]١‬‬ ‫عقال‬
‫[‪ ]٢‬كيف يتصرف بالقياس في شرع مبناه على التحكم والتعبد‪ ،‬والفرق بين‬
‫املتماثًلت‪ ،‬والجمع بين املختلفات‪.‬‬
‫[‪ ]٣‬أن الرسول هللا ﷺ قد أوتي جوامع الكلم‪ ،‬فًل يليق به أن يترك الوجيز املفهم إلى‬
‫الطويل املوهم‪.‬‬
‫[‪ ]4‬الحكم ثبت في األصل بالنص؛ فكيف يثبت الحكم فيه بطريق سوى طريق‬
‫األصل؟‬
‫ً‬
‫[‪ ]5‬غاية العلة‪ :‬أن يكون منصوصا عليها‪ ،‬وذلك ال يوجب اإللحاق‪.‬‬
‫أدلة ابن حزم‪:‬‬ ‫نقال‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫[‪{ ]١‬اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} قال ابن حزم‪ :‬والقياس لم ينزل من ربنا‪.‬‬
‫[‪{ ]٢‬قل إن ضللت فإنما أضل على نفس ي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي} قال ابن‬
‫حزم‪ :‬فالهدى إنما يكون بالوحي خاصة‪.‬‬
‫ْ‬
‫[‪{ ]٣‬وأن احكم بينهم بما أنزل هللا} قال ابن حزم‪ :‬والقياس لم ُين َزل من هللا‪.‬‬
‫[‪{ ]4‬إن الظن ال يغني من الحق شيئا} قال ابن حزم‪ :‬والقياس ال يفيد إال الظن‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ٌ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ ٌ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬
‫نه ف ُه َو َعف ٌو]‬ ‫هللا في كتابه فهو حًلل‪ ،‬وما حرم فهو حرام‪ ،‬وما سكت ع‬ ‫[‪[َ ]5‬ما َأ َح َّل ُ‬
‫(طب)‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪118‬‬

‫دليل آخر‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ٗ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫[‪َّ { ]6‬ما ف َّرطنا في ٱلكتب من ش ۡيء} [األنعام‪ ،]٣٨ :‬وقوله‪{ :‬ت ۡبينا لك ّل ش ۡيء} [النحل‪:‬‬
‫‪ ،]٨9‬فما ليس في القرآن ليس بمشروع‪ ،‬فيبقى على النفي األصلي‪.‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫[‪{ ]7‬ف ُر ُّد ُوه إلى ٱّلل َوٱ َّلر ُسول} [النساء‪ ،]59 :‬وأنتم تردونه إلى الرأي‪.‬‬
‫اإللحاق بالعلة املنصوصة لفظي أو قياس ي؟‬
‫القول الثاني‪ :‬قياس ي (اختياراملؤلف)‪.‬‬ ‫القول الول‪ :‬لفظي (النظام)‪.‬‬
‫‪ ‬إذ ال يتناول قوله‪" :‬حرمت الخمر لشدتها" من حيث‬ ‫إذ ال فرق في اللغة بين قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫الوضع إال تحريمها خاصة‪ ،‬ولو لم يرد التعبد بالقياس‪:‬‬ ‫"حرمت الخمر لشدتها" وبين‪:‬‬ ‫ّ‬
‫القتصرنا عليه‪ ،‬كما لو قال‪" :‬أعتقت ً‬
‫غانما لسواده"‪.‬‬ ‫"حرمت كل مشتد"‬‫ّ‬
‫‪ ‬وكيف يصح هذا وهلل تعالى ‪-‬أن ينصب شدة الخمر‪-‬‬
‫خاصة‪ -‬؟‪ ،‬ويكون فائدة التعليل‪ :‬زوال التحريم عند زوال‬
‫الشدة‪.‬‬
‫أقسام إلحاق املسكوت باملنطوق‬
‫قياس نفي الفارق‪.‬‬ ‫[‪]١‬‬ ‫أنواع‬
‫قياس العلة‪.‬‬ ‫[‪]٢‬‬ ‫القياس‬
‫قياس الداللة‪.‬‬ ‫[‪]٣‬‬
‫قياس الشبه‪.‬‬ ‫[‪]4‬‬
‫• ونفي الفارق أربعة أقسام‪:‬‬ ‫املقطوع‬
‫[‪ ]١‬ما كان املسكوت عنه فيه أولى بالحكم من املنطوق مع القطع بنفي الفارق‪،‬‬
‫مثاله‪ :‬إلحاق أربعة عدول بالعدلين في قبول الشهادة في قوله تعالى‪:‬‬
‫{وأشهدوا ذوي عدل منكم}‪.‬‬
‫ً‬
‫[‪ ]٢‬ما كان املسكوت عنه فيه مساويا للمنطوق مع القطع بنفي الفارق‪،‬‬
‫مثاله‪ :‬إلحاق إحراق مال اليتيم وإغراقه بأكله في الحرمة وذلك في قوله‬
‫تعالى‪{ :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما}‪.‬‬
‫[‪ ]٣‬ما كان املسكوت عنه فيه أولى مع نفي الفارق بالظن الغالب‪،‬‬
‫مثاله‪ :‬إلحاق شهادة الكافر بشهادة الفاسق في الرد فيقول تعالى‪{ :‬وال‬
‫ً‬
‫تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون}‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫[‪ ]4‬ما كان املسكوت عنه فيه مساويا للمنطوق به مع كون نفي الفارق مظنونا‪،‬‬
‫مثاله‪ :‬إلحاق األمة بالعبد في سراية العتق املنصوص عليه في العبد في‬
‫الحديث الصحيح‪.‬‬
‫• نفي الفارق داخل في تنقيح املناط‪.‬‬
‫• وقد اختلف في تسمية هذا ً‬
‫قياسا‪.‬‬
‫ما عدا هذا من األقيسة (ما عدا نفي الفارق)‪.‬‬ ‫املظنون‬
‫طرق اإللحاق‬
‫• يحتاج إلى املقدمتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬بنفي‬
‫[‪ ]١‬أنه ال فارق إال كذا‪،‬‬ ‫الفارق‬
‫[‪ ]٢‬وال مدخل لهذا الفارق في التأثير‪.‬‬
‫• إنما يحسن إذا ظهر التقارب بين الفرع واألصل‪ ،‬فًل يحتاج إلى التعرض للجامع‬
‫لكثرة ما فيه من االجتماع‪.‬‬
‫• أن يتعرض للجامع فيبينه‪ ،‬ويبين وجوده في الفرع‪.‬‬ ‫‪ -2‬بذكر‬
‫• يحتاج إلى املقدمتين‪:‬‬ ‫الجامع‬
‫ً‬
‫[‪ ]١‬أن السكر‪-‬مثًل‪ -‬علة التحريم في الخمر‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬أنه موجود في النيبذ‪.‬‬
‫• وهذا املتفق على تسميته ً‬
‫قياسا‪.‬‬
‫أدلة ثبوت‬
‫• املقدمة الثانية يجوز أن تثبت‪:‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪ ‬بالحس‪ ،‬ودليل العقل‪ ،‬والعرف‪ ،‬وأدلة الشرع‪.‬‬ ‫الثنية‬
‫• وأما األولى‪ :‬فًل تثبت إال بدليل شرعي‪.‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪ ‬مسالك العلة‪ :‬النص‪ ،‬أو إجماع‪ ،‬أو استنباط‪.‬‬ ‫الولى‬
‫‪ -1‬إثبات العلة بأدلة نقلية‬
‫• وهو الذي يدل على التعليل داللة صريحة دون احتمال لغيره‪ ،‬مثل‪ :‬لعلة كذا‪ ،‬أو‬ ‫‪ -1‬النص‬
‫لسبب كذا‪ ،‬أو ألجل كذا‪ ،‬ولكي‪.‬‬ ‫القاطع‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫• مثال‪ :‬كقوله تعالى‪{ :‬كي ال َيكون ُدولة} [الحشر‪ ،]7 :‬وقول النبي ﷺ‪« :‬إنما ُجع َل‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪120‬‬

‫ذان م ْن َأ ْجل ْال َب َ‬


‫صر»‪.‬‬ ‫االست ْئ ُ‬
‫ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مرجوحا‪ ،‬وله ألفاظ معينة‬ ‫• وهو ما يدل على العلية مع احتمال غيرها احتماال‬ ‫‪ -2‬النص‬
‫تدل على التعليل‪ ،‬كالًلم والباء ّ‬
‫وإن‪.‬‬ ‫الظاهر‬
‫س»‪،‬‬‫• مثال‪ :‬قوله عليه السًلم‪ ،‬ملا ألقى الروثة‪« :‬إ َّنها ر ْج ٌ‬
‫• وهو ستة أنواع‪:‬‬ ‫‪ -3‬اإليماء‬
‫[‪ ]١‬ترتيب الحكم على الوصف بالفاء؛‬ ‫والتنبيه‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ َّ َ َ ُ َ ْ ُ ُ‬
‫مثاله‪ :‬قول النبي ﷺ‪« :‬من بدل دينه فاقتلوه»‪،‬‬
‫«س َهى َر ُسو ُل‬ ‫‪ ‬ما رتبه الراوي بالفاء (وال يحتاج إلى فقه الراوي)‪ ،‬كقوله‪َ :‬‬
‫َ‬
‫هللا ﷺ ف َس َج َد»‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء‪.‬‬
‫اب‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اعف ل َها ال َعذ ُ‬‫ْ‬ ‫مثاله‪ :‬كقوله تعالى‪َ { :‬م ْن َي ْأت م ْن ُك َّن ب َفاح َشة ُم َب ّينة ُي َ‬
‫ض َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ض ْع َف ْين} [األحزاب‪.]٣٠ :‬‬
‫[‪ ]٣‬ترتيب الحكم على سؤال عن واقعة‪،‬‬
‫مثاله‪ :‬سؤال األعرابي الذي وقع على امرأته في نهار رمضان‪ ،‬فقال النبي‪:‬‬
‫َ‬
‫أعت ْق َرق َبة»‪.‬‬ ‫« ْ‬
‫[‪ ]4‬اقتران الحكم بما يدل على التعليل‪ ،‬وهو قسمان‪:‬‬
‫‪ ‬أن ُيستنطق السائل عن الواقعة بأمر ظاهر الوجود‪ ،‬ثم يذكر الحكم‬
‫ََ‬
‫س؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فًل‬ ‫الر َط ُب إ َذا َيب َ‬ ‫ص ُّ‬ ‫عقيبه‪ ،‬مثاله‪ :‬فقال‪«َ :‬أ َي ْن ُق ُ‬
‫َ‬
‫إذ ْن»‪.‬‬
‫َ َ‬
‫‪ ‬أن يعدل في الجواب على نظير محل السؤال‪ ،‬مثاله‪ :‬فقال ﷺ‪« :‬أ َرأ ْيت‬
‫َ‬
‫ان َي ْن َف ُع َها؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ف َد ْي ُن‬ ‫ض ْيته‪َ ،‬أ َك َ‬
‫ان َع َلى ُأ ّمك َد ْي ٌن َف َق َ‬ ‫َل ْو َك َ‬
‫القضاء»‪.‬‬ ‫هللا َأ َح ُّق ب َ‬
‫[‪ ]5‬أن يكون في سياق الحكم ما يدل على لتعليل‪،‬‬
‫مثاله‪« :‬ال يقض ي القاض ي بين اثنين وهو غضبان»‪.‬‬
‫[‪ ]6‬اقتران الحكم بوصف مناسب‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ ُ َ َّ َ ُ َ ْ َ ُ َ‬
‫مثاله‪﴿ :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾ [املائدة‪.]٣٨ :‬‬
‫‪ -2‬ثبوت العلة باإلجماع‬
‫‪121‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫• اإلجماع على تأثير "الصغر" في الوالية‪.‬‬ ‫مثاله‬


‫• اإلجماع على أن علة منع القاض ي من القضاء وهو غضبان اشتغال قلبه عن‬
‫الفكر والنظر في الدليل والحكم‪،‬‬
‫• تأثير تلف املال تحت اليد العادية في الضمان‪.‬‬
‫‪ -3‬ثبوت العلة باالستنباط‬
‫• لغة‪ :‬املًلئمة‪،‬‬ ‫‪ -1‬املناسبة‬
‫ً‬
‫مناسبا‪.‬‬ ‫• وهو‪ :‬أن يكون الوصف املقرون بالحكم‬
‫• وضابطه عند الصوليين‪ :‬أن يقترن وصف مناسب بحكم في نص من نصوص‬
‫الشرع‪ ،‬ويكون ذلك الوصف ساملا من القوادح‪ ،‬ويقوم دليل على استقًلله‬
‫باملناسبة دون غيره‪ ،‬فيعلم أنه علة ذلك الحكم‪.‬‬
‫• مثاله‪ :‬اقتران حكم التحريم بوصف اإلسكار‪.‬‬
‫• أنواع املناسب‪:‬‬
‫[‪ ]١‬املؤثر‪:‬‬
‫‪ ‬ما ثبت على تأثير عين الوصف في عين الحكم‪،‬‬
‫ومثاله‪ :‬تأثير عين تقذير املاء الدائم بالبول في عين كراهة االغتسال‬
‫فيه باملباشرة البول فيه وصب البول فيه من إناء‪.‬‬
‫‪ ‬ما ثبت على تأثير عين الوصف في جنس الحكم‪،‬‬
‫ومثاله‪ :‬تأثير عين الصغر في والية النكاح في جنس الوالية املتمثل في‬
‫والية املال‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬واملًلئم‪ :‬ما ثبت على تأثير جنس الوصف في عين الحكم فيه‪،‬‬
‫ومثاله‪ :‬الجمع في الحضر ملشقة املطر كتأثير مشقة السفر في الجمع‪.‬‬
‫[‪ ]٣‬والغريب‪ :‬ما ثبت على تأثير جنس الوصف في جنس الحكم فيه‪،‬‬
‫ومثل له‪ :‬تأثير القتل باملثقل في القصاص لإلجماع على اعتبار جنس‬
‫الجناية في جنس القصاص‪ ،‬واعتبار جنس املشقة املشتركة بين الحائض‬
‫واملسافر في جنس التخفيف؛‬
‫[‪ ]4‬واملرسل‪ :‬ما لم يقم دليل خاص على اعتبار مناسبته‪ ،‬وال على إهدارها‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪122‬‬

‫• حكم‪ ،‬ثم ينقسم إلى‪ :‬إيجاب‪ ،‬وندب‪ ،‬وتحريم‪ ،‬وإباحة‪ ،‬وكراهية‪ ،‬ثم عبادة‪ ،‬وغير‬ ‫مراتب‬
‫عبادة‪ ،‬ثم‪ :‬صًلة وغيرها‪.‬‬ ‫الحكم‬
‫• أنه وصف يناط الحكم بجنسه‪ ،‬ثم كونه مصلحة‪ ،‬ثم كونه مصلحة خاصة‪،‬‬ ‫مراتب‬
‫كالردع‪ ،‬أو سد الحاجة‪.‬‬ ‫الوصف‬
‫َّ‬
‫السبر لغة‪ :‬االختبار؛‬ ‫•‬ ‫‪ -2‬السبر‬
‫• أما في االصطًلح فيعني أمرين‪:‬‬ ‫والتقسيم‬
‫أحدهما‪ :‬حصر أوصاف املحل‪ ،‬وهو املعبر عنه بالتقسيم‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيهما‪ :‬إبطال ما ليس صالحا للتعليل فيتعين الوصف الباقي (السبر)‪.‬‬
‫• هذا املسلك متأسس على ثًلثة أمور على ما درج عليه املؤلف‪:‬‬
‫[‪ ]١‬كون حكم األصل معلًل‪.‬‬
‫ً‬
‫[‪ ]٢‬كون التقسيم حاصرا لجميع ما يعلل به‪ ،‬وذلك إما بموافقة الخصم أو‬
‫ً ً‬
‫عدم إبدائه وصفا زائدا‪.‬‬
‫[‪ ]٣‬إبطال ما سوى ذلك الوصف‪،‬‬
‫‪ ‬وجود الحكم بدون الوصف الذي يبطله املستدل بالسبر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬أن يكون الوصف طرديا لم يعهد من الشارع االلتفات إليه في إثبات‬
‫األحكام‪.‬‬
‫• وهو‪ :‬أن يوجد الحكم بوجودها‪ ،‬ويعدم بعدمها‪.‬‬ ‫‪ -3‬الدوران‬
‫• مثاله‪ :‬وجود التحريم بوجود الشدة في الخمر‪ ،‬وعدمه لعدمها‪.‬‬
‫قياس الشبه‬
‫• هو‪ :‬أن يتردد الفرع بين أصلين‪ :‬حاظر ومبيح‪ ،‬ويكون شبهه بأحدهما أكثر‪.‬‬ ‫تعريفه‬
‫• مثاله‪:‬‬ ‫ومثاله‬
‫‪ ‬تردد العبد بين الحر وبين البهيمة في أنه يملك‪.‬‬
‫‪" ‬املذي"‪ :‬فإنه متردد بين البول واملني‪.‬‬
‫قياس الداللة‬
‫• هو الجمع بين الفرع واألصل بًلزم من لوازم علة األصل‪.‬‬ ‫تعريفه‬
‫• مثال‪:‬‬ ‫ومثاله‬
‫‪123‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫القياس بًلزم العلة‪ :‬قياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة املشتدة‪ ،‬فهي‬ ‫‪‬‬

‫الزمة لإلسكار‪.‬‬
‫القياس بجامع بأثر‪ :‬القتل باملثقل يوجب القصاص كالقتل باملحدد‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫بجامع اإلثم‪.‬‬
‫القياس بجامع االشتراك في حكم العلة‪ :‬تقطع الجماعة بالواحد كما‬ ‫‪‬‬

‫يقتلون به‪ ،‬بجامع وجوب الدية عليهم في ذلك‪.‬‬


‫• مثال‪ :‬في جواز إجبار البكر‪ :‬جاز تزويجها وهي ساكتة‪ ،‬فجاز وهي ساخطة‬
‫كالصغيرة‪.‬‬
‫أركان القياس وشروطه‬
‫• شرطه‪:‬‬ ‫‪ -1‬الصل‬
‫[‪ ]١‬ثبوت حكمه بنص أو اتفاق الخصمين‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬أن يكون الحكم معقول املعنى‪.‬‬
‫مسائل تتعلق بالصل‬
‫• ما حكم القياس على الصل الثابت بالقياس؟‬ ‫ما حكم‬
‫[‪ ]١‬لم يجز‪،‬‬ ‫القياس على‬
‫‪ ‬إن كانت موجودة في الفرع‪ :‬فليقس على هذا األصل الثاني ويكفيه‪،‬‬ ‫الصل‬
‫فذكر األول تطويل غير مفيد‪،‬‬ ‫الثابت‬
‫‪ ‬وإن كان الجامع بين األصلين غير موجود في الفرع‪ :‬لم يصح قياسه‬ ‫بالقياس؟‬
‫على األصل األول‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬يجوز ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬ألنه ملا ثبت صار أصًل في نفسه‪ ،‬فجاز القياس عليه كاملنصوص‪.‬‬
‫هل يشترط • هل يشترط في الصل املقيس عليه أن يجمع عليه كل أمة أو يكفي اتفاق‬
‫الخصمين؟‬ ‫في الصل‬
‫[‪ ]١‬ال يشترط‪.‬‬ ‫املقيس عليه‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أن يجمع‬
‫مذهبا‬ ‫‪ ‬ألن كل واحد من املتناظرين مقلد‪ ،‬فليس له منع حكم ثبت‬
‫إلمامه؛‬ ‫عليه كل‬
‫‪ ‬لو اشترطنا ذلك‪ ،‬أفض ى إلى خلو كثير من الوقائع عن األحكام‪.‬‬ ‫أمة؟‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪124‬‬

‫[‪ ]٢‬يشترط ذلك (قوم)‪.‬‬


‫ً‬
‫مجمعا عليه فللخصم أن يعلل الحكم في األصل بمعنى‬ ‫‪ ‬إذا لم يكن‬
‫مختص به ال يتعدى إلى الفرع‪.‬‬
‫إن ساعده املستدل‪ :‬انقطع القياس؛ لعدم املعنى في الفرع‪.‬‬
‫وإن لم يساعده‪ :‬منع الحكم في األصل‪ ،‬فبطل القياس‪.‬‬
‫القياس على • هل يجوزالقياس على الصل املنصوص عليه إذا كان مختلفا فيه بين‬
‫الخصمين؟‬ ‫الصل‬
‫[‪ ]١‬يجوز ذلك‪.‬‬ ‫املنصوص‬
‫‪ ‬أن حكم األصل أحد أركان الدليل‪ ،‬فيجب أن يتمكن من إثباته‬ ‫عليه إذا كان‬
‫بالدليل‪ ،‬فإنه ليس من شرط ما ُيفتقر إليه في إثبات الحكم‪ :‬أن يكون‬ ‫مختلفا فيه‬
‫متفقا عليه‪ ،‬بل يكفي أن يكون ً‬
‫ثابتا بدليل يغلب على الظن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بين‬
‫[‪ ]٢‬ال يجوز (قوم)‪.‬‬ ‫الخصمين‬
‫‪ ‬ألنه يفض ي إلى نقل الكًلم من مسألة إلى مسألة‪ ،‬وبناء الخًلف على‬
‫الخًلف‪ ،‬وليس أحدهما أولى من اآلخر‪.‬‬
‫• شرطه‪:‬‬ ‫‪ -2‬الحكم‬
‫ً‬
‫مساويا لحكم األصل‪.‬‬ ‫[‪ ]١‬أن يكون حكم الفرع‬
‫‪ ‬فإن حقائق هذه األحكام ال تختلف باختًلف متعلقها‪ ،‬والسبب‬
‫يقتض ي الحكم‪ ،‬إلفضائه إلى حكمته‪.‬‬
‫‪ ‬وألن القياس‪ :‬تعدية الحكم بتعدي علته‪،‬‬
‫[‪ ]٢‬أن يكون الحكم شرعيا‪.‬‬
‫• الصورة الولى‪ :‬املخالفة تماما‪.‬‬ ‫صور‬
‫مثل‪ :‬وقولهم‪ ،‬في السلم‪" :‬بلغ بأحد عوضيه أقص ى مراتب األعيان‪ ،‬فليبلغ باآلخر‬ ‫مخالفة‬
‫قياسا ألحدهما على اآلخر (ألنه قياس إثبات األجل في‬ ‫أقص ى مراتب الديون‪ً ،‬‬ ‫حكم الفرع‬
‫العين املسلم فيها على نفي األجل في الثمن)‪.‬‬ ‫لحكم‬
‫• الصورة الثانية‪ :‬املخالفة بزيادة أو نقصان‪.‬‬ ‫الصل‬
‫مثل‪ :‬قياس صًلة الكسوف على صًلة الجمعة وصًلة العيدين‪ ،‬بجامع أن كًل‬
‫منها فيها زيادة على نفس الصًلة‪.‬‬
‫‪125‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫• يشترط فيه‪ :‬أن تكون علة األصل موجودة فيه‪ ،‬فإن تعدية الحكم فرع تعدي‬ ‫‪ -3‬الفرع‬
‫العلة‪.‬‬
‫• هل يشترط في الفرع أن يتقدم الصل عليه؟‬ ‫هل يشترط‬
‫[‪ ]١‬يشترط ذلك وال بد‪.‬‬ ‫في الفرع أن‬
‫‪ ‬ألن الحكم يحدث بحدوث العلة‪ ،‬فكيف تتأخر عنه؟!‬ ‫يتقدم‬
‫[‪ ]٢‬يشترط لقياس العلة فقط‪.‬‬ ‫الصل‬
‫‪ ‬يجوز قياس الوضوء على التيمم مع تأخره عنه؛ فإن الدليل يجوز‬ ‫عليه؟‬
‫تأخره عن املدلول‪.‬‬
‫ً‬
‫مقطوعا به في الفرع‪ ،‬بل يكفي فيه غلبة‬ ‫• وال يشترط ً‬
‫أيضا‪ :‬أن يكون وجود العلة‬
‫الظن‪.‬‬
‫• صورالعلة التي يجوزالتعليل بها‪:‬‬ ‫‪ -4‬العلة‬
‫ًّ‬
‫شرعيا‪ ،‬كالحرام‪.‬‬ ‫حكما‬‫ً‬ ‫‪‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬وصفا عارضا‪ ،‬كالشدة في الخمر‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ ‬وصفا الزما‪ ،‬كالصغر والنقدية‪.‬‬
‫‪ ‬أفعال املكلفين‪ .‬كالقتل والسرقة‪.‬‬
‫مركبا من أوصاف كثيرة‪،‬‬ ‫ً‬
‫مجردا‪ ،‬أو ً‬ ‫ً‬
‫ووصفا‬ ‫‪‬‬
‫نفيا‪ً ،‬‬
‫وإثباتا‪.‬‬ ‫‪ً ‬‬
‫‪ ‬موجودة في محل الحكم‪ ،‬كتحريم نكاح األمة‪ ،‬لعلة رق الولد‪.‬‬
‫هل من شرط العلة أن تكون متعدية؟‬
‫كتعليل الربا في األثمان بالثمنية‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ال يشترط ذلك‪ ،‬بل‬ ‫القول الول‪ :‬يشترط أن تكون متعدية‬
‫يصح التعليل بالعلة القاصرة‬ ‫(أصحاب أحمد‪ ،‬والحنفية)‬
‫(أصحاب الشافعي وبعض املتكلمين‬
‫وأبو الخطاب)‬
‫[‪ ]١‬أن التعدية فرع صحة العلة‪ ،‬فًل‬ ‫[‪ ]١‬أن علل الشرع أمارات‪ ،‬والقاصرة ليست أمارة على‬
‫ً‬
‫يجوز أن تكون شرطا‪ ،‬فإنه‬ ‫ش يء‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪126‬‬

‫يفض ي إلى اشتراط تقدم ما‬ ‫[‪ ]٢‬أن األصل أن ال يعمل بالظن؛ ألنه جهل ورجم بالظن‪،‬‬
‫يشترط تأخره‪.‬‬ ‫وإنما جوز في العلة املتعدية‪ ،‬ضرورة العمل بها‪،‬‬
‫ً‬
‫[‪ ]٢‬أن التعدية ليست شرطا في العلة‬ ‫والعلة القاصرة ال عمل بها‪ ،‬فتبقى على األصل‪.‬‬
‫املنصوص عليها‪ ،‬وال في العقلية‪،‬‬ ‫[‪ ]٣‬أن القاصرة ال فائدة فيها‪ ،‬وما ال فائدة فيه ال يرد‬
‫وهما آكد‪ ،‬فكذلك املستنبطة‪.‬‬ ‫الشرع به‪.‬‬
‫‪ ‬الجواب‪ :‬فيها فائدتين؛ قصر الحكم على محلها‪ ]٣[ ،‬إن الحكمة ال تختلف باستيعاب‬
‫النص لجميع الحوادث أو‬ ‫معرفة باعث الشرع وحكمته‪.‬‬
‫اقتصاره على البعض‪.‬‬
‫هل اطراد شرط لصحة العلة؟‬
‫وهو‪ :‬استمرار حكمها في جميع محالها‪.‬‬
‫مثل‪ :‬وجود التحريم حيث وجد اإلسكار‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬التفريق بين العلة‬ ‫القول الثاني‪ :‬ليس شرطا‬ ‫القول الول‪ :‬هو‬
‫املنصوص عليها وبين املستنبطة‬ ‫لصحة العلة‬ ‫شرط‬
‫(قوم)‬ ‫(أبو الخطاب‪ ،‬مالك‪،‬‬ ‫(القاض ي أبو يعلى‪،‬‬
‫والحنفية‪ ،‬وبعض‬ ‫بعض الشافعية)‬
‫الشافعية)‬
‫عدم إبطال العلة غيراملستنبطة‬ ‫[‪ ]١‬أن علل الشرع أمارات‪،‬‬ ‫فمتى تخلف الحكم‬
‫بالنقض‪:‬‬ ‫واألمارة ال توجب وجود‬ ‫عنها مع وجودها‪:‬‬
‫[‪ ]١‬ال يترك الدليل القوي ملطلق‬ ‫حكمها معها أب ًدا‪ ،‬بل‬ ‫‪ ‬أنها ليست بعلة‬
‫االحتمال‪.‬‬ ‫يكفي كونه معها في‬ ‫إن كانت‬
‫[‪ ]٢‬الظنون الحاصلة بالنصوص أقوى‬ ‫األغلب األكثر‪.‬‬ ‫مستنبطة‪.‬‬
‫من الظنون الحاصلة باالستنباط‪.‬‬ ‫‪ ‬أنها بعض العلة [‪ ]٢‬أن ثبوت الحكم على‬
‫وفق املعنى املناسب في‬ ‫إن كانت‬
‫إبطال العلة املستنبطة بالنقض‪:‬‬ ‫موضع دليل على أنه‬ ‫ً‬
‫منصوصا عليها‪.‬‬
‫[‪ ]١‬ألن ثبوت الحكم على وفق املعنى‪ ،‬إن‬ ‫العلة‪ ،‬بدليل أنه يكتفى‬
‫دل على اعتبار الشارع له في موضع‪،‬‬ ‫بذلك‪ ،‬فإن لم يظهر أمر‬
‫فتخلف الحكم عنه يدل على أن‬ ‫سواه‪.‬‬
‫الشرع ألغاه‪.‬‬ ‫وتخلف الحكم يحتمل‪:‬‬
‫‪127‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫[‪" ]٢‬إنني أعتبره إال في موضع أعرض‬ ‫‪ ‬ملعارض من فوات‬


‫الشرع عنه" ليس بأولى ممن قال‪:‬‬ ‫شرط‪ ،‬أو وجود‬
‫"أعرض عنه إال في موضع اعتبره‬ ‫مانع‪.‬‬
‫الشرع‪.‬‬ ‫‪ ‬أن يكون لعدم‬
‫[‪ ]٣‬إن ُج ّوز وجود العلة مع انتفاء الحكم‬ ‫العلة‪.‬‬
‫من غير مانع‪ ،‬وال تخلف شرط‪،‬‬ ‫فًل يترك الدليل املغلب‬
‫فليجز ذلك في محل النزاع‪.‬‬ ‫على الظن ألمر محتمل‬
‫متردد‪.‬‬
‫منع العلة في صورة النقض‪.‬‬ ‫[‪]١‬‬ ‫طرق‬
‫منع وجود الحكم‪.‬‬ ‫الجواب عن [‪]٢‬‬
‫أن يبين أنه مستثنى عن القاعدة بكونه على خًلف األصلين‪.‬‬ ‫[‪]٣‬‬ ‫النقض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معارضا في محل النقض‪ ،‬أو تخلف ما يصلح شرطا‪.‬‬ ‫بيان ما يصلح‬ ‫[‪]4‬‬
‫أضرب تخلف الحكم عن العلة‬
‫‪ -1‬الستثنائه • مثاله‪:‬‬
‫[‪ ]١‬إيجاب الدية على العاقلة دون الجاني‪،‬‬ ‫بدليل خاص‬
‫ّ‬
‫املصراة‪.‬‬ ‫[‪ ]٢‬إيجاب صاع تمر من لبن‬
‫• مثال لعلة مظنونة‪:‬‬
‫[‪ ]١‬إباحة بيع العرايا ً‬
‫نقضا لعلة من يعلل الربا بالكيل‪ ،‬أو الطعم‪.‬‬
‫نقضا على القياس‪ ،‬وال يفسد العلة‪ ،‬بل يخصصها بما وراء‬ ‫• حكمه‪ :‬فًل يوجب ً‬
‫االستثناء‪ ،‬فيكون علة في غير محل االستثناء‪.‬‬
‫‪ ‬شرط قبول عدم النقض‪ :‬أن يبين ذلك للخصم‪ :‬بكونه على خًلف قياسه‬
‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬أو بدليل يصلح لذلك‪.‬‬
‫• األصل اللغوي الذي استعير منه لفظ العلة‪:‬‬
‫[‪ ]١‬بمعنى الباعث (اختيار املؤلف)‪ :‬مجرد التماثل علة‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬علة املريض‪ :‬يجوز ً‬
‫أيضا أن يسمى التماثل املطلق علة‪.‬‬
‫[‪ ]٣‬العلة العقلية‪ :‬لم يسم التماثل املطلق علة‪.‬‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪128‬‬

‫• مثال‪ :‬علة رق الولد‪ :‬رق األم"‪ ،‬ثم املغرور بحرية جارية ولده‪ :‬حر‪ ،‬لعلة‪ :‬الغرور‪،‬‬ ‫‪ -2‬ملعارضة‬
‫ً‬
‫تقديرا‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬وال يفسد العلة؛ ألن الحكم ههنا كالحاصل‬‫نقضا ً‬‫• حكمه‪ :‬ال يرد ً‬ ‫علة أخرى‬
‫• مثال‪ :‬كقولنا‪" :‬السرقة علة القطع" وقد وجدت في "النباش" فيقطع"‪.‬‬ ‫‪ -3‬لعدم‬
‫‪ ‬فيقال‪ :‬تبطل بسرقة ما دون النصاب‪ ،‬وبسرقة الصبي‪ ،‬أو بسرقة من غير‬ ‫املحل أو‬
‫الجرز‪،‬‬ ‫لفوات‬
‫• حكمه‪ :‬فهذا ال يفسد العلة‪،‬‬ ‫شرط‬
‫• واألليق تكليف املناظر جمع هذه الشروط في دليله‪.‬‬
‫• فأما تخلف الحكم لغير أحد هذه األضرب الثًلثة‪ :‬فهو الذي تنتقض العلة به‪،‬‬
‫وفيه من االختًلف ما قد مض ى‪.‬‬
‫القياس على املستثنى من قاعدة القياس‬
‫• مثاله‪:‬‬ ‫‪ -1‬ما عقل‬
‫‪ ‬استثناء العرايا للحاجة‪ .‬ال يبعد أن نقيس العنب على الرطب‪ ،‬إذا تبين أنه‬ ‫معناه‬
‫في معناه‪.‬‬
‫ّ‬
‫"املصراة" مستثنى من قاعدة الضمان باملثل‪.‬‬ ‫‪ ‬إيجاب صاع من تمر في لبن‬
‫نقيس عليه‪ :‬ما لو ّرد "املصراة" بعيب آخر‪.‬‬
‫‪ ‬إباحة أكل امليتة عند الضرور‪ ،‬يقاس عليه‪ :‬بقية املحرمات‪ ،‬إذا اضطر‬
‫إليها‪.‬‬
‫• حكمه‪ :‬يصح أن يقاس عليه ما وجدت فيه العلة‪.‬‬
‫• مثاله‪ :‬كتخصيصه بعض األشخاص بحكم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما ال‬
‫‪ ‬كتخصيصه أبا بردة بجذعة من املعز‪.‬‬ ‫يعقل معناه‬
‫‪ ‬وتخصيصه خزيمة بشهادته وحده‪.‬‬
‫• حكمه‪ :‬لم يقس عليه‪.‬‬
‫هل يجوزأن تكون العلة أمرا عدميا؟‬
‫كقولهم‪ :‬ليس بمكيل وال موزون‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ال يجوزأن يكون العدم‬ ‫القول الول‪ :‬يجوزأن تكون العلة نفي صفة أو اسم أو‬
‫سببا إلثبات حكم‬ ‫حكم‬
‫(بعض الشافعية)‬ ‫(أبو الخطاب‪ ،‬أصحاب أحمد)‬
‫‪129‬‬ ‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬

‫ً‬
‫[‪ ]١‬إن علل الشرع أمارات على الحكم‪ ،‬وال يشترط فيها أن ألن السبب ال بد أن يكون مشتمًل على‬
‫معنى يثبت الحكم‪ ،‬رعاية له‪،‬‬ ‫تكون منشأ للحكمة‪ ،‬وال مظنة لها‪ .‬وعند ذلك ال‬
‫يمتنع أن ينصب الشارع العدم أمارة‪ :‬إذا كان ظاهرة واملعنى إما تحصيل مصلحة‪ ،‬أو نفي‬
‫مفسدة‪،‬‬ ‫ً‬
‫معلوما‪.‬‬
‫والعدم ال يحصل به ش يء من ذلك‪.‬‬ ‫[‪ ]٢‬أن انتفاء الشرط عًلمة على عدم املشروط‪ ،‬فإنه‬
‫ينتفي بانتفائه‪ .‬وإذا جاز ذلك في النفي‪ :‬ففي اإلثبات‬
‫مثله‪،‬‬
‫[‪ ]٣‬ألن النفي صلح أن يكون علة للنفي‪ ،‬فيلزم منه أن‬
‫يصلح التعليل به لإلثبات؛ ألن كل حكم له ضد‪،‬‬
‫تعليل الحكم الواحد بعلتين‬
‫• يجوز تعليل الحكم بعلتين‪.‬‬ ‫اختيار‬
‫• دليل‪ :‬ألن العلة الشرعية أمارة‪ ،‬فًل يمتنع نصب عًلمتين على ش يء واحد‪.‬‬ ‫املؤلف‬
‫• مثال‪ :‬من ملس‪ ،‬وبال في وقت واحد‪ :‬انتقض وضوؤه بهما‪.‬‬
‫هل يجوزإجراء القياس في السباب؟‬
‫سببا لوجوب الرجم لعلة كذا‪ ،‬وهو موجود في اللواط‪ ،‬فيجعل ً‬
‫سببا‪ ،‬وإن كان ال‬ ‫مثل‪ :‬نصب الزنا ً‬
‫يسمى زنا‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ال يجوز‬ ‫القول الول‪ :‬يجوزإجراء‬
‫(اآلخرون)‬ ‫القياس في السباب‬
‫[‪ ]١‬أن نصب األسباب حكم [‪ ]١‬الحكم يتبع السبب دون حكمته؛ فإن الحكمة‪ :‬ثمرة‪ ،‬وليست‬
‫علة‪.‬‬ ‫شرعي‪ ،‬فيمكن أن تعقل‬
‫علته‪ ،‬ويتعدى إلى سبب [‪ ]٢‬ألن القياس في األسباب يعتبر فيه التساوي في الحكمة‪ ،‬وهذا‬
‫أمر استأثر هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بعلمه‪.‬‬ ‫آخر‪.‬‬
‫إمكان القياس في السباب من منهجين‪:‬‬
‫[‪ ]١‬تنقيح املناط‪ ،‬قياس الًلئط على الزاني‪ ،‬كقياس األكل على الجماع في الكفارة‪ ،‬فإنا تعرفنا أن‬
‫قطعا‪ ،‬مشتهى ً‬
‫طبعا‪.‬‬ ‫وصف كونه "زنا" ال يؤثر‪ ،‬بل املؤثر‪ :‬كونه إيًلج فرج في فرج محرم ً‬
‫تقريب روضة الناظر وجنة المناظر‬ ‫‪130‬‬

‫ونعدي الحكم بتعديها‪ ،‬كما في قوله عليه السًلم‪"َ :‬ال َي ْقض ي َ‬


‫القاض ي َب ْي َن‬ ‫[‪ ]٢‬تعليل الحكم بالحكمة‪ّ ،‬‬
‫سببا؛ ألنه يدهش العقل‪ ،‬ويمنع من استيفاء الفكر‪ ،‬وهو‬ ‫ض َبان"‪ .‬إنما جعل الغضب ً‬ ‫ْاث َن ْين ُ‬
‫وه َو َغ ْ‬
‫موجود في "الجوع والعطش" املفرطين‪ ،‬فنقيسه عليه‪.‬‬
‫هل يجوزالقياس في الكفارات والحدود؟‬
‫القول الثاني‪ :‬ال يجوز‬ ‫القول الول‪ :‬ويجري القياس في الكفارات‬
‫(الحنفية)‬ ‫والحدود (الشافعية)‬
‫[‪ ]١‬ما تقدم في املسألة التي قبلها‪ :‬من أنه يجري [‪ ]١‬ألن الكفارات والحدود وضعت لتكفير‬
‫املآثم‪ ،‬والزجر والردع عن املعاص ي‪ ،‬والقدر‬ ‫فيه قياس التنقيح‪.‬‬
‫الذي يحصل ذلك به من غير زيادة أمر‬ ‫[‪ ]٢‬ألنه حكم من أحكام الشرع عقلت علته‪،‬‬
‫استأثر هللا بعلمه‪.‬‬ ‫فجرى فيه القياس كبقية األحكام‪.‬‬
‫[‪ ]٢‬ألن الحد يدرأ بالشبهة‪ ،‬والقياس ال يخلو من‬
‫الشبهة‪.‬‬
‫إجراء القياس في النفي‬
‫• مثال‪ :‬براءة الذمة من َّ‬
‫الدين‪.‬‬ ‫‪ -1‬طارئ‬
‫• حكمه‪ :‬فهو حكم شرعي يجري فيه قياس العلة‪ ،‬وقياس الداللة كاإلثبات‪.‬‬
‫• وهو البقاء على ما كان قبل ورود الشرع‪.‬‬ ‫‪ -2‬نفي‬
‫• مثال‪ :‬انتفاء صًلة سادسة‪،‬‬ ‫أصلي‬
‫• حكمه‪ :‬ال يجري فيه قياس العلة‪ ،‬لكن يجري فيه قياس الداللة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‬

You might also like