نشرة 06 23

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 8

1

‫مقدمة‬
‫بحلول التاسع من أكتوبر من السنة ‪ ،0202‬يكون النظام األساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية‬
‫الوطنية قد دخل خير التنفيذ بعد صدروه بالجريدة الرسمية في شكل مرسوم تحت رقم ‪ 31030232.2‬ستحاول‬
‫هذه الفقرات تقديم عرض وصفي ينظر في السياقات المؤسسة‪ ،‬والمرتكزات المؤطرة‪ ،‬والمرجعيات المؤطرة‪،‬‬
‫والمفاهيم الموظفة لهذا النظام الخاص‪ ،‬قبل أن نسجل جملة من المالحظات الناقدة لهذه الوثيقة التي ستوجه‬
‫في ما سيأتي من الزمن المسار المهني إن لم نقل المصير المهني لكتلة كبيرة من الموظفين في قطاع‬
‫حيوي هو قطاع التربية والتعليم‪3‬‬
‫‪ .1‬سياقات ومرتكزات‬
‫سيتحدث الخطاب الرسمي في عرضه للسياقات الناظمة لمرسوم النظام األساسي الجديد لموظفي التربية‬
‫الوطنية عن ما سماه ب"الوضعية المقلقة" التي تمس خمسة عناصر تهم نظام ‪ ،0222‬والوضع االعتباري‬
‫العام للموارد البشرية في القطاع‪ ،‬والخصوصيات المهنية لوظيفة التعليم‪ ،‬والوضعية العامة للقطاع على‬
‫مستوى التعلمات والتعميم وظروف االشتغال‪ ،‬وطابع الالستقرار الذي يسم المنظومة التربوية على مستويي‬
‫استدامة العمل والبنية القانونية المعتمدة في التوظيف‪ 3‬وهي الوضعية التي تفرض حسب الخطاب الرسمي‬
‫التدخل السريع للتدارك‪32‬‬
‫لكن التأمل الموضوعي يفرض القول إنه ال يمكن أن نعزل صدور النظام األساسي الجديد عن سياقات‬
‫ثالثة هي‪ :‬سياق المضي في تنزيل برامج إصالح التعليم التي أقرتها الدولة منذ نهاية البرنامج االستعجالي‪،‬‬
‫بدءا بفرض الرؤية االستراتيجية (‪ ،)22/.1‬مرو ار بإقرار القانون اإلطار (‪ ،)1./.1‬وانتهاء باعتماد خارطة‬
‫الطريق(‪ 3)02/00‬وسياق اعتماد النموذج التنموي الجديد بعد االختالالت الكبيرة التي عرفتها برامج مبادرة‬
‫التنمية البشرية في تحقيق التنمية المستدامة في كافة المجاالت‪ 3‬وسياق تصاعد االحتقان العام في المشهد‬
‫التعليمي المغربي بسبب سياسات الدولة في مقاربة التدبير العام للقطاع خاصة على مستوى التوظيف‬
‫والتكوين والتحفيز‪ 3‬وان الجامع الناظم بين هذه السياقات الثالثة‪ ،‬على المستوى العام الفشل التنموي البارز‬
‫رغم تعدد الوصفات المقدمة التي لم تسعف في حلحلة الوضع التنموي للمغرب‪ ،‬ولم تفلح في توجيه بوصلة‬
‫التنمية نحو تحقيق االستقرار االجتماعي واالقتصادي بعد سنوات عديدة من االستقالل‪ 3‬وعلى المستوى‬
‫الخاص الفشل الذريع لمختلف برامج إصالح التعليم والدخول في دوامة جديدة من إصالح اإلصالح باعتماد‬
‫اآلليات ذاتها والنهوج نفسها التي كانت السبب في تأزيم وضعية القطاع من دون تحقيق األهداف المسطرة‬
‫في كل النماذج المقدمة في رؤية اإلصالح المتشابهة معنى المختلفة صياغة ومبنى‪3‬‬

‫المملكة المغربية‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬النشرة العامة‪ ،‬السنة ‪ ،..0‬العدد ‪ ،1021‬عدد ‪( ،1021‬الصادر في ‪ 02‬من ربيع‬ ‫‪1‬‬

‫األول ‪ ،.441‬الموافق ل ‪ 2‬أكتوبر‪ ،)0202‬ابتداء من الصفحة ‪31212‬‬


‫المملكة المغربية‪ ،‬و ازرة التربية الوطنية والتعليم األولي والرياضة‪ ،‬عرض تواصلي حول النظام األساسي الخاص لموظفي‬ ‫‪2‬‬

‫قطاع التربية الوطنية‪ :‬اإلمكانيات‪ ،‬واآلفاق‪ ،‬أكتوبر ‪ ،02‬ص ‪34‬‬

‫‪2‬‬
‫في مذكرة التقديم الواردة في مشروع المرسوم هذا‪ ،‬يتم الحديث عن اعتماد "المقاربة التشاركية" في إعداد‬
‫مشروع النظام األساسي مع النقابات األكثر تمثيلية‪ ،‬ثم عن االستناد إلى مرتكزات أربعة تروم تحقيق أهداف‬
‫محددة‪ ،‬وغايات معينة؛ أما المرتكزات فتتلخص في التكامل واالنسجام في البنية الهندسية للهيئات‪،‬‬
‫واالستقطاب للمهنة‪ ،‬والزامية التكوين المستمر مدخال للتأهيل والترقي‪ ،‬وتثمين االستحقاق‪ 3‬أما األهداف‬
‫فتمس على الخصوص السعي لتحقيق "التحول في المدرسة العمومية" على مستوى تثمين مهنة التدريس‪،‬‬
‫وبلوغ جودة التعلمات‪ ،‬وقرن التحفيز بالمردودية‪ ،‬وربط المسؤولية بالمحاسبة‪ 3‬وبالنسبة للغايات فتبرز في‬
‫عناصر أربعة تشمل التوحيد‪ ،‬والتحفيز‪ ،‬وااللتزام والمسؤولية‪ ،‬والمردودية‪ 3‬وطبعا سيؤكد الخطاب الرسمي‬
‫أن هذه المبادئ والمرتكزات واألهداف والغايات ستسهم في إحداث التجديد في بناء النظام األساسي‪،‬‬
‫وستفضي إلى تحقيق مكتسبات مهمة للجسم التعليمي تتمثل في توحيد اإلطار القانوني لموظفي التعليم‪،‬‬
‫واعتماد هندسة جديدة تالئم بين المهام واإلطار‪ ،‬وفتح إمكانات للترقي وتغيير اإلطار‪ ،‬واعتماد الموضوعية‬
‫في تقييم األداء المهني‪ ،‬واقرار ضمانات للموظفين ترعى مصالحهم في سيرورة مسارهم الوظيفي‪ ،‬وترسيخ‬
‫ثقافة االستحقاق والتقدير‪33‬‬
‫‪ .2‬مرجعيات ومفاهيم‬
‫يجد النظام األساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية‪ ،‬مستنداته المرجعية في العناصر الخمسة التالية‪:‬‬
‫أحكام القانون اإلطار (‪ )1./.1‬التي تتحدث عن مبادئ ثالثة‪ :‬التجديد لمهنة التدريس وما يتعلق بها من‬
‫تكوين وتدبير‪ ،‬والمالءمة لألنظمة األساسية‪ ،‬وااللتزام المشترك لبلوغ أهداف اإلصالح التربوي‪ 3‬ثم توجهات‬
‫النموذج التنموي الجديد‪ ،‬والتي تراهن استراتيجيا على وضع المدرسة في صلب المشروع المجتمعي للمغرب‪،‬‬
‫وتريد على مستوى الغايات بلوغ نهضة تربوية‪ ،‬وتروم على مستوى األهداف االستثمار في الفاعل البشري‬
‫لتحقيق الجودة في التعلمات‪ ،‬فأهداف البرنامج الحكومي(‪ )02/0.‬الذي جعل من التعليم ركيزة من ركائز‬
‫الدولة االجتماعية‪ ،‬عبر التوجه نحو رد االعتبار لمهنة التدريس‪ ،‬والرفع من الجودة في كل المستويات‪ 3‬وكذا‬
‫التزامات خارطة الطريق (‪ )02/00‬التي جعلت من األستاذ أحد المحاور الثالثة لتسريع تنفيذ مقتضيات‬
‫اإلصالح التربوي‪ ،‬ورفعت على عاتقها االعتناء بالتميز في التكوين‪ ،‬وتجويد ظروف العمل‪ ،‬وبناء نظام‬
‫لتدبير المسار المهني محفز ومثمن‪ 3‬وبعدها بنود االتفاق الموقع بين الو ازرة والنقابات األكثر تمثيلية يوم‬
‫‪ .4‬يناير ‪ ،02‬والذي حدد المبادئ المؤطرة للنظام األساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية‪ ،‬وذلك‬

‫‪ 3‬راجع هنا مذكرة التقديم الواردة في مشروع المرسوم رقم ‪ 030232.2‬في شأن النظام األساسي الخاص لموظفي قطاع التربية‬
‫الوطنية‪ ،‬والتي وجهها األمين العام للحكومة ألجل عرض المشروع في مجلس الحكومة رقم ‪/224‬د بتاريخ ‪ 04‬شتنبر‪،0202‬‬
‫وكذا العرض التواصلي حول النظام األساسي الخاص لموظفي قطاع التربية الوطنية‪ :‬اإلمكانيات‪ ،‬واآلفاق‪ ،‬أكتوبر ‪،02‬‬
‫مرجع سابق‪3‬‬

‫‪3‬‬
‫في إطار مواصلة تنزيل مقتضيات الحوار االجتماعي القطاعي المرحلي والذي عبر عنه محضر اتفاق ‪.2‬‬
‫يناير ‪3400‬‬
‫والى جانب هذه المستندات المرجعية التي صرحت بها مذكرة التقديم وبالغ اجتماع المجلس الحكومي ليوم‬
‫‪ 01‬شتنبر ‪ ،02‬نجد في المراجع التي استند إليها مرسوم النظام األساسي الخاص بموظفي قطاع التربية‬
‫الوطنية‪ .1 ،‬مستندا قانونيا يمكن تصنيفها كاآلتي‪ :‬ظهير شريف واحد‪ 4 ،‬قوانين‪ ،‬و‪ .0‬مرسوما‪ 3‬وهي‬
‫تغطي مجاال عاما يخص النظام األساسي للوظيفة العمومية‪ ،‬وميثاق المرافق العامة‪ ،‬ونظام المعاشات‬
‫المدنية‪ ،‬والشروط النظامية لولوج سلك الوظيفة العمومية‪ ،‬وساللم األجور والترتيب‪ ،‬وشروط التعويض‬
‫التكميلي الممنوح‪ 3‬كما تغطي مجاال خاصا بالتربية والتعليم يضم القانون اإلطار‪ ،‬وقانون إحداث األكاديميات‬
‫الجهوية‪ ،‬والمراكز الجهوية والوطنية المكلفة بالتكوين‪ ،‬والنظام األساسي لألساتذة الباحثين بمؤسسات التعليم‬
‫العالي غير التابعة للجامعات‪3‬‬
‫على المستوى اللغوي والمفهومي‪ ،‬يستعمل النظام األساسي عددا من المفردات ذات الطابع القانوني والحقوقي‬
‫والتربوي‪ ،‬وذات السمات االقتصادية واالجتماعية والبيئية‪ ،‬من قبيل‪ :‬الموارد البشرية‪ ،‬شروط الصحة‬
‫والسالمة‪ ،‬الموارد الديداكتيكية‪ ،‬الحقائب البيداغوجية‪ ،‬جودة التعلمات‪ ،‬إيقاعات التعلمات‪ ،‬األنظمة الداخلية‪،‬‬
‫تكافؤ الفرص‪ ،‬اإلنصاف والمساواة‪ ،‬مدونة أخالقيات المهنة‪ ،‬السلوك المهني‪ ،‬مختص تربوي‪ ،‬مختص‬
‫اجتماعي‪ ،‬التقييم والدعم‪ ،‬التنمية‪ ،‬المواكبة النفسية‪ ،‬التوجيه المهني‪ ،‬التدبير المالي والمحاسباتي‪ ،‬الخدمات‬
‫اللوجستية‪ ،‬التفتيش واالفتحاص‪ ،‬المردودية‪ ،‬المراقبة الداخلية‪ ،‬استمارات تقييم األداء المهني‪ ،‬المدرسة الرائدة‪،‬‬
‫الفريق التربوي‪ ،‬شارة مؤسسة الريادة‪ ،‬العقوبات التأديبية‪ ,‬وغير ذلك من مفاهيم تحيل على مرجعيات قانونية‬
‫وتربوية وفلسفية متعددة ومختلفة‪3‬‬
‫‪ .3‬مالحظات نقدية عامة‬
‫إذا كان الخطاب الرسمي يفتخر بالمكتسبات التي ستتحقق من النظام األساسي الجديد لموظفي التربية‬
‫الوطنية‪ ،‬ويشيد باآلثار العامة التي ستنتج عنه‪ ،‬خاصة في ما يرتبط بمجال توحيد الفئات والهيئات‪ ،‬وتدقيق‬
‫المهام واالختصاصات‪ ،‬وبلورة آليات لتثمين وتحفيز األداء المهني‪ ،‬فإن القراءة الفاحصة لهذا النظام األساسي‬
‫شكال ومضمونا‪ ،‬تفرض اإلدالء بالمالحظات الناقدة التالية‪:‬‬

‫‪ 4‬ينظر هنا‪ :‬مذكرة التقديم الواردة في مشروع المرسوم‪ ،‬مرجع سابق‪ 3‬والبالغ الصحفي حول انعقاد اجتماع مجلس الحكومة‬
‫ليوم األربعاء ‪ ..‬ربيع األول ‪ُ .441‬م َو ِافق ‪ 01‬شتنبر ‪ 30202‬والقانون اإلطار ‪ 1./.1‬المتعلق بمنظومة التربية والتكوين‬
‫والبحث العلمي‪ 3‬وتقرير النموذج التنموي‪ :‬التقرير العام أبريل ‪ 3020.‬والبرنامج الحكومي ‪ ،02/0.‬أكتوبر ‪ 30.‬وخارطة‬
‫الطريق ‪ :02/00‬اثنا عشر التزاما من أجل مدرسة عمومية ذات جدوى‪ 3‬ومحضر اتفاق بين و ازرة التربية الوطنية والتعليم‬
‫األولي والرياضة والنقابات التعليمية األكثر تمثيلية بشأن المبادئ المؤطرة للنظام األساسي الخاص بموظفي قطاع التربية‬
‫الوطنية‪ ،‬السبت ‪302/./ .4‬‬

‫‪4‬‬
‫إن هناك افتقادا للرؤية النسقية في مقاربة سياقات إنتاج نظام أساسي جديد لموظفي التربية الوطنية؛‬ ‫‪-‬‬
‫إذ أغفل الخطاب الرسمي رغم حديثه اللطيف عن "الوضعية المقلقة للقطاع" تبيئة هذا النظام‬
‫األساسي ضمن سياقات وضع "الفشل العام" للمنظومة التربوية في تحقيق شعاراتها المرفوعة عن‬
‫اإلنصاف والتعميم والجودة‪ ،‬وضمن االختالل العام للنموذج التنموي المغربي‪ 3‬وان أبرز ما سكت‬
‫عنه هنا هو أن أه م إنجاز سيحققه هذا النظام هو إقفال ملف التعاقد بإلحاق المتعاقدين أطر‬
‫االكاديميات بالموارد البشرية للو ازرة‪ ،‬وبهذا اإللحاق يتم تمرير التعاقد وترسيمه ليتم توسيعه في باقي‬
‫مجاالت الوظيفة العمومية‪ ،‬وذلك في سياقات االندماج التام للمغرب في التزامات عولمية وتطبيعية‬
‫متعددة المخاطر على األمن االستراتيجي العام للبالد‪ 3‬وسينتج عن افتقاد الرؤية النسقية في تحليل‬
‫الوضع العام للمنظومة التربوية في سياقات الفشل العام للنموذج التنموي‪ ،‬وتصاعد وترسيخ مظاهر‬
‫التحكم في كل بنيات المجتمع اعتماد مقاربة تقنوية ضيقة ال تدخل في مساءلة موضوعية علمية‬
‫نقدية لمسار المنهج اإلصالحي للمنظومة التعليمية عندنا‪ ،‬وعوض النفاذ إلى عمق المشكالت‬
‫الجوهرية لبنية النظام التربوي‪ ،‬يتم التركيز على ما يمس فقط جانب األعراض التي قيل فيها من‬
‫النقد ما يبلغ حد التخمة من دون جدوى‪3‬‬
‫إن مما يستغرب له في تتبع سيرورة "والدة" النظام األساسي هذا هو تغييب المنهجية الديموقراطية‬ ‫‪-‬‬
‫الالئقة بنظام سيرهن مصير ومسار كتلة مهمة جدا من الموظفين في قطاع مهم جدا لحياة البالد‬
‫والمجتمع عموما؛ فرغم التغني بالمقاربة التشاركية‪ ،‬فإن وقائع اإلرجاء المستمر لظهور النظام لمدة‬
‫تقرب من السنتين‪ ،‬والتكتم والسرية الشديدين لمجريات اللقاءات مع الو ازرة‪ ،‬والتسريبات المختلفة‬
‫لنسخ ومسودات ومضامين‪ ،‬واإلشاعات والسجاالت والنزاالت التي حدثت والتي وصلت حد التالسن‬
‫والتساب‪ ،‬لمما قد يكشف عن وجود "خبايا" و" خفايا" تفتح الباب للحديث عن "اتفاقات" ما لضمان‬
‫الزمة "السلم االجتماعي"‪ 3‬وسيتأكد تغييب النهج الديموقراطي المالئم بالتسريع الذي تم في عملية‬
‫المصادقة القانونية عبر تقنية مشروع مرسوم في سياق غلبت عليه ظروف الدخول المدرسي‪ ،‬وآثار‬
‫كارثة الزلزال الذي ضرب بعض مناطق المغرب عوض التوجه نحو البرلمان‪ ،‬وفتح نقاش مجتمعي‬
‫عام يليق بنظام مهم لقطاع أهم‪3‬‬
‫سيلحظ الباحث المدقق وجود الخلط الجلي بين المبادئ والمرتكزات والغايات واألهداف في المرسوم‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫والخلط في عرضها على الفاعلين والتداخل بينها في بالغ الحكومة‪ ،‬كما سيلحظ خلطا آخر بين‬
‫المرجعيات المستند إليه‪ ،‬فبعضها ذو صبغة قانونية‪ ،‬وأخرى تصورية‪ ،‬وثالثة برمجية تخطيطية‪3‬‬
‫وسنجد أن هناك استنادا إلى مرجعيات كثر الحديث عن هويتها وطبيعتها‪ ،‬كخريطة الطريق التي‬
‫ال تعدو أن تكون إنقاذا للرؤية االستراتيجية‪ ،‬وقانون اإلطار الذي تم انتقاده من المجتمع المدني‪،‬‬
‫والنموذج التنموي الذي قيل إنه صيغ تحت أعين وبمباركة فرنسا‪ 3‬كما يمكن مالحظة اعتماد مراسيم‬
‫وقوانين قديمة جدا تعود إلى عهد االستعمار‪ 3‬ولقد كان غريبا جدا عدم اإلشارة إلى اعتماد الميثاق‬

‫‪5‬‬
‫الوطني للتربية والتكوين في المستندات المرجعية للنظام األساسي‪ ،‬والحال أن النظام األساسي جاء‬
‫ليتم تمرير ما لم تستطع الدولة إنفاذه منذ سنة ‪ 0222‬خاصة ما يتعلق بالمقتضيات التي تتحدث‬
‫عن تنويع أوضاع الموظفين بما في ذلك اللجوء إلى التعاقد‪ ،‬وما يرتبط بالتكوين المستمر‪ ،‬وربط‬
‫الترقية بالمردودية التربوية‪ ،‬وتنزيل خيارات الالمركزية والالتمركز الجهوي‪ ،‬وغير ذلك‪ 35‬وهو ما‬
‫يعني أن المغرب ماض وبروح صامدة وبمنهجية متدرجة في التنفيذ النجيب اللتزاماته الدولية‪3‬‬
‫‪ -‬إن من األشياء التي عمل النظام األساسي على تمريرها فرض التعاقد والتوظيف الجهوي‪ ،‬بالحديث‬
‫عن نوعين من األطر التي يشملها النظام األساسي هما موظفو القطاع‪ ،‬واألطر النظامية‬
‫لألكاديميات الجهوية‪ ،‬ومن ذلك أيضا فرض وتقنين سن الثالثين لولوج وظيفة التعليم‪ ،‬ووضع شرط‬
‫االنتقاء األولي للحاصلين على إجازة في الدراسات األساسية أو المهنية قصد التوظيف في القطاع‪3‬‬
‫ثم إن هناك ترسيما لمهام جديدة كان المدرس يقوم بها تطوعا من دون الرفع من األجور‪ ،‬بل حتى‬
‫ومن دون تعويض مادي مالئم؛ كإقرار " التواصل المنتظم مع أولياء األمور"‪ ،‬وفرض المشاركة في‬
‫أنشطة الحياة المدرسية‪ ،‬هذا إلى جانب الحد من الحرية في التنقل بدعوى االستقرار البيداغوجي‪،‬‬
‫والتهديد في الممارسة الوظيفية بربط الترسيم بآليات التقييم للمردودية‪ 3‬وكذا فرض التكوين المستمر‬
‫وجعله من آليات الترقي وتحسين المردودية‪ ،‬وفرض قيود على عمليات االستقالة واالستيداع اإلداري‪3‬‬
‫‪ -‬يكتنف النظام األساسي الجديد نوع من الغموض‪ :‬غموض في وضعية هيئة األساتذة الباحثين في‬
‫التربية والتكوين‪ ،‬على مستوى المهام واالختصاصات‪ ،‬وساعات العمل‪ ،‬وطريقة الولوج خاصة مع‬
‫إجراء مباراة للتوظيف‪ 3‬ومن ذلك غموض وضعية االستقاللية الوظيفية واالنتساب اإلداري للمفتش‬
‫التربوي‪ 3‬أيضا هناك غموض في التنزيل القانوني لإلجراءات من خالل إرجاء عدد كبير من‬
‫النصوص التنظيمية التي ستمكن من األجرأة العملية للنظام‪ ،‬من تلك النصوص والمقررات مدونة‬
‫أخالقيات المهنة‪ ،‬وآليات تقييم األداء المهني‪ ،‬ونظام التحفيز المهني‪ ،‬وشروط ومعايير اختيار‬
‫وانتقاء الكفاءات للمسؤولية‪ ،‬واجراءات وكيفيات تنظيم مباراة توظيف األساتذة‪ ،‬وشروط واجراءات‬
‫وبرامج المباريات المهنية وامتحانات الكفاءة المهنية ومعايير االنتقاء األولي‪ ،‬وكيفيات واجراءات‬
‫ترسيم المتمرنين المنتمين لهيئة التدريس‪ ،‬وكيفيات واجراءات ترسيم المتمرنين المنتمين إلى أطر‬
‫مختص االقتصاد واإلدارة ومختص تربوي ومختص اجتماعي‪ 3‬كما يكتنف هذا النظام نوع من‬
‫التناقض‪ :‬تناقض بين القول بعدم إلزام الموارد البشرية بمزاولة مهام غير تلك المسندة إليها وبين‬
‫الحديث عن تدقيق وتفصيل المهام المنصوص عليها أو إسناد مهام أخرى‪ 3‬وتناقض بين القول‬
‫والفعل‪ :‬ففي الوقت الذي تنص عليه المادة ‪ 1‬على المعاملة المبنية على االحترام وحفظ الكرامة‬
‫فإن التدخل القمعي في حق المحتجين من األساتذة وفي عيدهم الوطني وأمام و ازرتهم واضحة‬

‫الميثاق الوطني للتربية والتكوين ص ‪ 42‬وما بعدها‪3‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫النهار‪ ،‬وسحلهم‪ ،‬واعتقالهم‪ ،‬وضربهم قد كذب دعاوى االحترام والكرامة‪ 3‬والتناقض بين القول بالتميز‬
‫والريادة وبين تقييد عمل المدرسين من خالل الحديث عن منح هامش معقول فقط من حرية اإلبداع‬
‫واالبتكار والحال أن اإلبداع وتقييد الحرية وجعلها على الهامش ال يجتمعان‪3‬‬
‫‪ -‬من جهة أخرى نعتبر أن اللغة الموظفة في النظام األساسي مادية صرفة‪ ،‬تقنية محضة‪ ،‬تستعمل‬
‫عبارات مستوردة من حقل المقاولة والشركات؛ من تجليات ذلك في أوضح مثال وصف الموظفين‬
‫الممارسين بالموارد البشرية‪ ،‬ورهن عملية تقييم أداء الموارد البشرية بعناصر يغلب عليها منطق‬
‫جودة المؤسسات التجارية‪ 3‬وهذا إنما يرسخ توجه الدولة نحو تسليع التعليم‪ ،‬وتغليب المقاربة‬
‫المقاوالتية التي ال تعي طبيعة وبنية العملية التربوية‪ ،‬في حين أن المدرسة ليست مؤسسة إنتاجية‪،‬‬
‫والعملية التربوية فيها تخضع فيها العتبارات ال دخل للسوق فيها‪3‬‬
‫إذا كان النظام األساسي يراهن على التحفيز والتثمين‪ ،‬فإن المقاربة المعتمدة تكاد تتوجه نحو خلق‬ ‫‪-‬‬
‫نوع من التمييز بين األطر والمؤسسات واستنساخ تجارب فاشلة كمدرسة الريادة التي تذكر بمدرسة‬
‫النجاح والتميز‪ 3‬ولما يتم الحديث عن مسألة التحفيز المهني يتم قصر المنحة المالية الموعودة على‬
‫الفريق التربوي بمؤسسات الريادة‪ ،‬ووفق شروط منها تتبع األثر على التعلمات‪ ،‬وتقديم الدعم خارج‬
‫الحصص الرسمية‪ ،‬كما أن فتح باب االستحقاق المهني هذا سيكون وفق شروط غير منصوص‬
‫عليها في انتظار نص تنظيمي‪ ،‬بينما اقتصر على منح شواهد تقديرية لمن قام بمبادرات استثنائية‪3‬‬
‫خالصة‬
‫لقد رفع النظام األساسي على عاتقه رهان توفير ظروف العمل المالئمة التي هي شرط ال غنى عنها في‬
‫توفير األرضية األساسية للعمل التربوي المالئم‪ ،‬لكنه قرن ذلك بشرط حدود اإلمكانات المتاحة مما يجعل‬
‫كل الحديث عن المكتسبات الموعودة واآلثار المنتظرة حديثا غير ذي جدوى‪ 3‬ولقد كان للمقاربة المعتمدة‬
‫في بناء هذا النظام األساسي والتي حكمت بالمنطق نفسه الذي أطر كل التصورات اإلصالحية للتعليم‬
‫واجراءاتها التنزيلية؛ منطق التحكم‪ ،‬وغياب اإلرادة السياسية‪ ،‬والشح في التمويل‪ ،‬والوقوع تحت ضغوط‬
‫المؤسسات الدولية المانحة‪ ،‬أثرها في هذا الخداج الذي ولد به هذا النظام والذي أدخل المشهد التعليمي في‬
‫احتقان شديد ستكون له عواقب وخيمة على البالد في ظرفية وطنية وعالمية شديدة االضطراب والتوتر‪3‬‬

‫‪7‬‬
8

You might also like