Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫الطاهر وطار‬

‫الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي‬

‫( إن اإلنسانية مقبلة على أحد أمرين‪ :‬إما حرب مدمرة تعيدها إلى البداية‪ ،‬إن بقي منها باقية‪ ،‬وإما انفجار سكاني نملي‪،‬‬

‫يصير فيه أكل البشر مثل أكل لحم أي كائن آخر)‪.‬‬

‫ال يكاد ُيذكر النص الروائي الجزائري إال وُيذكر معه اسم "الطاهر وطار"‪ُ .‬يعّد وّطار أحد أبرز األقالم‬
‫السردية في الجزائر بعيد االستقالل وُيمثل رفقة عبد الحميد بن هدوقة (ريح الجنوب‪ )1970 ،‬ومرزاق‬
‫بقطاش (طيور في الظهيرة‪ )1976 ،‬ثلًة من رواد النص الروائي المكتوب باللسان العربي‪ .‬لم يقتصر‬
‫النشاط األدبي للطاهر وطار على الرواية بل كانت له انتاجات قصصية ومسرحية وحتى درامية‪ .‬امتد هذا‬
‫النشاط اإلبداعي ألكثر من ربعين عاًم ا‪ ،‬امتزجت فيها األمال واألحالم وكثير من التجاذبات السياسية‪.‬‬

‫ولد الطاهر وطار في أحض‪VV‬ان أع‪V‬رق من‪VV‬اطق الش‪VV‬رق الجزائ‪VV‬ر‪ ،‬في بيت أم‪VV‬ازيغي ُم حاف‪VV‬ظ‪ ،‬ع‪V‬رف عن‪VV‬ه‬
‫األصالة والشجاعة‪ ،‬إذ ك‪VV‬ان األب ُم حب‪VV‬ا للغ‪VV‬ة العربي‪VV‬ة وال‪VV‬تراث ال‪VV‬ديني‪ ،‬فش‪ّVV‬جع رغم ُأّم يِت ه تحفي‪VV‬ظ الق‪VV‬رآن‬
‫وتدريسه‪ ،‬وس‪VV‬اهم مادًي ا ومعنوًي ا في ترس‪VV‬يخ مب‪VV‬ادئ ال‪ّV‬د ين رغم األوض‪VV‬اع القاس‪VV‬ية‪ ،‬ال‪VV‬تي عاش‪VV‬ها الش‪VV‬رق‬
‫الجزائري (كباقي مناطق الجزائر) تحت وطأة الكولونيالية الفرنسية‪ .‬تأثر وطار بتلك األجواء من‪V‬ذ الص‪V‬غر‬
‫ونهل منها محّبته للتراث الديني واللغوي‪ ،‬فأحّب العربية وت‪VV‬أثر ب‪VV‬القرآن ومب‪VV‬ادئ اإلس‪VV‬الم‪ ،‬واص‪VV‬بغت تل‪VV‬ك‬
‫العناصر على أعماله صبغة التصوف والنض‪VV‬ال‪ ،‬من خالل النص‪VV‬وص الروائي‪VV‬ة الالحق‪VV‬ة‪( :‬ال‪VV‬ولي الط‪VV‬اهر‬
‫يعود إلى مقامه الزكي والشمعة والدهاليز)‪.‬‬

‫ترّد د الطاهر طفال على كتاتيب منطقت‪V‬ه الش‪V‬رقية‪ ،‬قب‪V‬ل ان يلتح‪V‬ق بج‪V‬امع الزيتون‪V‬ة في ت‪V‬ونس‪ ،‬الص‪V‬رح‬
‫الديني الذي حافظ على اللسان العربي وتطويره‪ .‬مثلما أّث رت الزيتون‪V‬ة على ك‪V‬ل ط‪V‬الب درس فيه‪V‬ا‪ ،‬أث‪V‬رت‬
‫على الش‪VV‬اب الط‪VV‬اهر وعلى طريق‪VV‬ة تلقي‪VV‬ه للنص‪VV‬وص وتحليله‪VV‬ا‪ ،‬كم‪VV‬ا ك‪VV‬ان لألج‪VV‬واء ال‪VV‬تي ت‪VV‬ربى فيه‪VV‬ا س‪VV‬لفا‬
‫(المحافظة واألصيلة) دوٌر في ميالد ثورة داخلية بسبب سطوة االستعمار الجزائري وهمجيت‪VV‬ه‪ ،‬فك‪VV‬انت من‬
‫نتائج ذلك تكوينه األيديولوجي ووعيه السياسي‪ ،‬اللذان دفعا به إلى التمّسك أكثر بأصوله األمازيغية الث‪VV‬ائرة‬
‫وبرواف‪VV‬ده الديني‪VV‬ة النبيل‪VV‬ة‪ ،‬فتص‪VV‬دى من خالل مقاالت‪VV‬ه األولى لثقاف‪VV‬ة الطمس واالستئص‪VV‬ال ال‪VV‬تي مارس‪VV‬ها‬
‫االستعمار‪ ،‬فلم ير فيه وطار إال الخراب والتنكي‪VV‬ل ب‪VV‬دل التن‪VV‬وير والثقاف‪VV‬ة‪ .‬ولم ُيخ‪ِV‬ف وط‪VV‬ار انك‪VV‬اره للمقول‪VV‬ة‬
‫الشهيرة بأن اللغة الفرنسية غنيمة ح‪VV‬رب‪ ،‬وي‪VV‬رى أن من ك‪VV‬ل من يت‪VV‬أثر بثقاف‪VV‬ة فرنس‪VV‬ا االس‪VV‬تعمارية م‪VV‬ا ه‪VV‬و‬
‫نصير للهوية الكولونيالية‪ ،‬التي ُتعادي هوية الفرد الجزائري ودينه وتستأصل تاريخه وماضيه‪.‬‬

‫انعكس‪VV‬ت ك‪VV‬ل تل‪VV‬ك األفك‪VV‬ار على نصوص‪VV‬ه الس‪VV‬ردية‪ ،‬وق‪VV‬ال غ‪VV‬ير م‪VV‬رة ع‪VV‬بر وس‪VV‬ائل اإلعالم أّن المثقفين‬
‫الفرنكفونيين الذين درسوا بم‪V‬دارس الكول‪V‬ون ال يمثل‪V‬ون بالنس‪V‬بة ل‪V‬ه طبق‪V‬ة مثقف‪V‬ة جزائري‪V‬ة‪ ،‬ألنهم ي‪V‬دافعون‬
‫لسانيا وحضاريا عن ثقافة غريبة‪ ،‬بلسان مستعمر األمس‪ ،‬الُم غّلف بتراث غريب وثقافة دخيلة عن المجتمع‬
‫الجزائري‪.‬‬

‫وطار اليساري‪:‬‬

‫منذ بواكير وعيه السياسي تبّنى وطار النهج اليس‪VV‬اري‪ ،‬مؤمن‪VV‬ا ب‪VV‬أن االش‪VV‬تراكية كمفه‪VV‬وم اجتم‪VV‬اعي هي‬
‫الحل األمثل لشعوب تعرضت للقهر والظلم‪ ،‬على مدار عشريات متعاقبة‪ ،‬كالشعب الجزائري‪ .‬ودافع فنّي ا‬
‫وإبداعيا عن فكرته هذه فكريا‪ ،‬من خالل نصوص روائية كانت من بواكير األعمال التي حملت موقفا ضد‬
‫السائد وضد "التيار"‪ ،‬وكانت رواية الالز أبرز أعماله األدبية‪ ،‬التي جعلت من وطار القلم الرافض لمقول‪VV‬ة‬
‫"مات الملك عاش الملك"‪ ،‬وهو ما تسبب له الحقا في كثير من المشاكل‪ ،‬انعكست على الصعيد المهني‪ ،‬إذ‬
‫ورغم كونه أحد رجال (الحزب الواحد) سليل جيش التحرير الجزائري‪ ،‬فقد دف‪VV‬ع ثمن تغري‪VV‬ده خ‪VV‬ارج تي‪VV‬ار‬
‫النهج العام‪ ،‬الذي فرضته ذهنية (الشرعية الثورية) ثمنا غالي‪VV‬ا‪ ،‬وأمس‪VV‬ت مواقف‪VV‬ه ال‪VV‬تي تتب‪VV‬نى مب‪VV‬دأ محاس‪VV‬بة‬
‫الجميع ومحاربة أشكال المحسوبية والشللية‪ ،‬عقب‪V‬ة أم‪V‬ام أعدائ‪V‬ه فتم تحيي‪V‬ده وه‪V‬و في س‪V‬ن ب‪V‬اكرة نس‪V‬ينا من‬
‫العمل "السياسي" ودفع‪VV‬ه إلى التقاع‪VV‬د‪ .‬لتب‪VV‬دأ من تل‪VV‬ك اللحظ‪VV‬ة معانات‪VV‬ه وص‪VV‬راعه "المض‪VV‬مر" م‪VV‬ع تي‪VV‬ار في‬
‫السلطة يقوده الفرنكفونيين‪.‬‬

‫ُيشهد لـ الطاهر وطار تأسيسه أول أسبوعية في الجزائر المستقلة (سنة ‪ ،)1962‬وي‪VV‬برز توّجهه‪VV‬ا من خالل‬
‫اسمها "األحرار"‪ ،‬لكنها لم تستمر للسبب ذاته الذي دفع وطار للكتاب‪VV‬ة والنض‪VV‬ال‪ ،‬ال‪VV‬دفاع عن الحري‪VV‬ة وعن‬
‫الحق في قول كل شيء‪ ،‬دون رقيب أو سّيد‪.‬‬

‫وطار واالسالميين‪:‬‬

‫لم يكن وطار استئصاليا وال تغريبيا من وجهة النظر السياسية‪ ،‬ب‪VV‬ل ك‪VV‬ان يس‪VV‬اريا معت‪VV‬دال وم‪VV‬دافعا بش‪VV‬كل‬
‫علني عن الطبقة البرجوازية التقليدية‪ ،‬ورغم ذلك فهو تراثي التفكير ومنفتح على جميع التيارات‪ ،‬وانعكس‬
‫ذلك على أعماله خصوصا األخيرة منها وعلى رأسها (ال‪VV‬ولي الط‪VV‬اهر)‪ ،‬ال‪VV‬تي تستحض‪VV‬ر حقب‪VV‬ا م‪VV‬رت على‬
‫التاريخ اإلسالمي وتوظف التراث العربي توظي‪VV‬ف فني‪VV‬ا‪ ،‬ت‪VV‬ارة يب‪VV‬دو ص‪VV‬وفيا ورمزي‪VV‬ا‪ ،‬ويب‪VV‬دو ت‪VV‬ارة أخ‪VV‬رى‬
‫معارضا بشكل واضح‪.‬‬

‫كل ه‪V‬ذه المح‪V‬اوالت الفني‪V‬ة وااليديولوجي‪V‬ة جعلت التي‪V‬ار اإلس‪V‬المي (ال‪V‬ذي ب‪V‬رز بع‪V‬د االنفت‪V‬اح ال‪V‬ديمقراطي‬
‫واكتسح المعارضة والخط‪V‬اب) في الجزائ‪V‬ر أواخ‪V‬ر الثمانين‪V‬ات على إث‪V‬ر أح‪V‬داث أكت‪V‬وبر ‪ 1988‬الش‪V‬هيرة‪،‬‬
‫يص‪V‬نف وط‪V‬ار على كون‪V‬ه أح‪V‬د عناص‪V‬ر اإللح‪V‬اد في الجزائ‪V‬ر‪ ،‬لكن المنعط‪V‬ف الحقيقي وال‪V‬ذي ش‪V‬كل نقط‪V‬ة‬
‫التحول بين االسالميين (وطبقة شعبية من المحافظين ال يستهان بها) هو وق‪VV‬وف الط‪VV‬اهر وط‪VV‬ار م‪VV‬ع نت‪VV‬ائج‬
‫انتخابات ‪ ،1991‬التي أتت بالفيس (الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ) إلى س‪VV‬دة الحكم‪ ،‬ودفاع‪VV‬ه المس‪VV‬تميت على م‪VV‬ا‬
‫اعتبره (اختيار الشعب)‪ ،‬وهو ما سماه بعض المحللين عودة وطار إلى معارضة السلطة التي ك‪VV‬ان الوحي‪VV‬د‬
‫من وقف ضدها في سنوات ذروة سطوتها وجبروتها (أواخر السبعينات وبدايات الثمانينيات)‪ .‬بدءا من هذا‬
‫الموقف تم تصنيف وطار‪-‬الذي كتب فيما سبق نصوصا تدين التطرف وتدافع عن حرية االختيار والمعتق‪VV‬د‬
‫في روايات مثل عرس بغل ورمانة وغيرها‪-‬على أنه إسالمي وقومي بل وحتى متطرف‪.‬‬

‫المطرقة والسندان‪:‬‬

‫بين مطرقة السلطة‪-‬التي كانت بين يدي تيار التغريب‪-‬وسندان التيار اإلسالمي‪-‬ال‪VV‬ذي س‪VV‬طا على الس‪VV‬احة‬
‫السياسية المعارضة‪-‬رفقة بعض من تبقى من الوطن‪V‬يين‪ ،‬وج‪V‬د وط‪V‬ار نفس‪V‬ه‪ ،‬دون أن ي‪V‬دري‪ ،‬رجال معادي‪V‬ا‬
‫لكل السياسيين‪ .‬فلم يجد ملجأ إال القلم‪ ،‬ينير دربه وسط الدهاليز‪ ،‬يداوي به مآسيه ومآسي وطنه الذي ناضل‬
‫من أجل حريته ودفع بسبب ذلك الثمن إذ عانى التهميش والمرض ولوال مكانته العربية الب‪VV‬ارزة لم‪VV‬ا احتفي‬
‫به فنيا وانسانيا من أبناء بلده‪-‬خصوصا من الرسميين أنفس‪VV‬هم‪-‬وك‪VV‬انت ج‪VV‬ائزة الع‪VV‬ويس نوًع ا من التع‪VV‬ويض‬
‫النفسي والمادي لرجل لم يعرف المهادنة في حياته‪.‬‬

‫وألن األدباء مثلهم مثل األنبياء والسحرة‪ ،‬فال ب‪V‬د من استحض‪V‬ار إح‪V‬دى نب‪V‬وءات الط‪V‬اهر وط‪V‬ار في إح‪V‬دى‬
‫رواياته "الشمعة والدهاليز"‪:‬‬

‫(إن اإلنسانية مقبلة على أحد أمرين‪ .‬إما حرب مدمرة تعيدها إلى البداية‪ ،‬إن بقي منه‪#‬ا باقي‪#‬ة‪ ،‬وإم‪#‬ا انفج‪#‬ار س‪#‬كاني نملي‪،‬‬
‫يصير فيه أكل البشر مثل أكل لحم أي كائن آخر)‪.‬‬

You might also like