8 2018 01 15!11 10 33 PM

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫‪ -‬قضية (اللفظ والمعنى) ‪:‬‬

‫ذهب عب د الق اهر إلى أن الجم ال في العب ارة؛ إنم ا يع ود إلى حس ن إداء الكلم ات لمعانيه ا‬
‫فقوله‪ " :‬أن تأتي المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته‪ ،‬وتختار له اللف ظ ال ذي ه و أخص ب ه‪،‬‬
‫وأكشف عنه واتم له‪ ،‬واحرى بأن يكسبه نبال ‪ ،‬ويظهر فيه مزية" (‪ ،)2‬وهو ال يرى فضال (للفظة)‬
‫إال إذا وضعت إلى جوار أختها‪ ،‬واختيرت بدقة ‪ ،‬بحيث تؤدي المعنى المطلوب وهذا ال يتأتى لكل‬
‫إنسان‪.‬أي أنه ينظر إلى اللف ظ من عالئق ه م ع األلف اظ األخ رى‪ ،‬وه ذا واض ح؛ لكون ه متأتي ا من‬
‫نظرية (النظم) عنده‪ ،‬بوصفها اسلوبا جامعا للبالغة والفصاحة معا ‪.‬‬
‫وبهذا يرد على من قال بشرف (اللفظ )من حيث هو لفظ في ح د ذات ه فيق ول‪ " :‬من نص ر‬
‫اللفظ على المعنى كان كمن أزال الشيء عن جهته ‪ ،‬وأحاله عن طبيعتة وذلك مظن ة األس تكراه ‪،‬‬
‫وفي ه فتح أب واب العيب والتع رض للش ين"(‪ ،)3‬واع تراف الجرج اني ببعض المزاي ا (للف ظ) في‬
‫حصول البالغة ال يمكن جعله أساس الحكم‪ ،‬إذ يقول‪ " :‬واعلم أنا ال نأبى أن تكون مذاقة الحروف‬
‫وسالمتها مما يثقل على اللسان داخال فيما ي وجب الفض يلة‪ ،‬وأن تك ون مم ا يؤك د أم ر اإلعج از‬
‫وإنما الذي ننكره ونفيل رأي من يذهب إليه أن يجعله معجزا به وحده ويجعله األصل والعمدة"(‪.)4‬‬

‫______________________‬
‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز ‪7 :‬‬
‫(‪ )2‬م ‪ .‬ن ‪.43 :‬‬
‫(‪ )3‬أسرار البالغة ‪.100 /1 :‬‬
‫(‪ )4‬دالئل اإلعجاز ‪.522 :‬‬

‫وجاء في نص آخر‪ " :‬وأما رجوع اإلستحسان إلى اللفظ من غ ير ش رك من المع نى في ه‪ ،‬وكون ه‬
‫من أس بابه ودواعي ه‪ ،‬فال يك اد يع دو نمط ا واح دا ه و أن تك ون اللفظ ة مم ا يتعارف ه الن اس في‬
‫استمالهم ويتداولونه في زمانهم وال يكون وحشيا غريبا أو عاميا سخيفا "(‪.)1‬‬
‫والمزية ليست لأللفاظ منفردة‪ ،‬فلو كانت كذلك لكان بعض الكلمات أما أن يحس ن أب دا‪ ،‬وام ا‬
‫أن ال يحسن أبدا وقول ه‪ " :‬ل و ك انت الكلم ة إذا حس نت من حيث هي لف ظ‪ ،‬وإذا اس تحقت المزي ة‬
‫والش رف اس تحقت ذل ك في ذاته ا وعلى انفراده ا‪ ،‬دون أن يك ون الس بب في ذل ك ح ال له ا م ع‬
‫(‬
‫أخواتها المجاورة لها في النظم ‪ ،‬لما اختلفت بها الحال ولكانت أما أن تحسن أبدا أوال تحسن أبدا"‬
‫‪ ،)2‬ولو كانت المزية في ذات اللفظة منف ردة ‪،‬لم يكن هن اك ق ول افض ل من ق ول‪ ،‬وه و ي رى أن‬
‫الكلمة المفردة ال قيمة لها قب ل دخوله ا في الت أليف‪ ،‬وقب ل أن تص ير إلى الص ورة ال تي يفي د به ا‬
‫الكالم غرض ا من أغراض ه ‪ .‬وال ذي نلحظ ه أن عب د الق اهر في خطاب ه ه ذا يتف ق م ع رأي‬
‫العسكري(‪ ،)3‬بأن اللفظ وحده ال قيمة له‪ ،‬إال أن يكون ج زءا من الكالم‪ ،‬ه ذا فيم ا يتعل ق باأللف اظ‬
‫مفردة وما تحويه من داللة ‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بنظم الكلم فان األمر فيه يختلف ألن ناظمها إنما يقتفي " آثار المعاني‪ ،‬وترتيبه ا‬
‫على حسب ترتيب المعاني فـي النفس‪ ،‬فهو إذن نظم يعت بر في ه ح ال المنظ وم بعض ه م ع بعض‪،‬‬
‫وليس هو النظم الذي معناه ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق " (‪ ،)4‬يظهر في هذا النص أثر‬
‫خطاب ابي هالل العسكري الذي تحدث فيه عن‪" :‬حسن النظم وج ودة الرص ف والس بك وخالف‬
‫ذلك "(‪ ، )5‬أشارفيه إلى ان الشاعر إذا أراد " أن يصنع كالما فأخطر معانيه ببالك‪ ،‬وتنوق له كرائم‬
‫اللفظ"(‪ .)6‬فاختي ار األلف اظ وترتيبه ا وابرازه ا في ش كل معين‪،‬ونس ق خ اص إنم ا يك ون بحس ب‬
‫المعنى الذي ي روم المب دع إظه اره‪ ،‬ومن هن ا ك انت األلف اظ تبع ا " للمع نى في النظم‪ ،‬وان الكلم‬
‫تترتب في النطق بسبب ترتب معانيها في النفس "(‪ ،)7‬وهو بخطابه يؤيد العسكري في رأيه(‪.)8‬‬
‫_______________________‬
‫(‪ )1‬أسرار البالغة ‪( :‬المقدمة) ‪.‬‬
‫(‪ )2‬دالئل اإلعجاز ‪.48 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر ‪ :‬كتاب الصناعتين ‪.130 :‬‬
‫(‪ )4‬دالئل اإلعجاز ‪.49 :‬‬
‫(‪ )5‬كتاب الصناعتين ‪.128 -127 :‬‬
‫(‪ )6‬م ‪ .‬ن ‪.123 :‬‬
‫(‪ )7‬دالئل اإلعجاز ‪.56 :‬‬
‫(‪ )8‬ينظر ‪ :‬كتاب الصناعتين ‪.129 – 128 :‬‬

‫آخذين بنظر األعتبار أن كال منهما يوجه الكالم بحسب ما يراه ؛ فاألتفاق في الرؤية قد يؤدي إلى‬
‫اختالف في التعبير عنها ‪ ،‬ألن كال منهما يوجهها الوجه التي يراها مناسبة لما يسمى عالقة اللفظ‬
‫بالمعنى ‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بنظرة عبد القاهر إلى المعاني فاني ألحظ انه يقسم المع اني من حيث داللته ا على‬
‫ضربين ‪ " :‬ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بداللة اللفظ وحده… وض رب آخ ر أنت ال تص ل‬
‫منه إلى الغرض بداللة اللفظ وحده ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغ ة‪،‬‬
‫ثم تجد لذلك المعنى داللة ثانية تصل بها إلى الغرض‪ ،‬ومدار هذا األم ر على الكناي ة واالس تعارة‬
‫والتمثيل "(‪. )1‬‬
‫والضرب األول ‪ :‬هو الكالم الذي يصل إليه المتلقي مباشرة‪ ،‬أي انه ظاهر الداللة والكالم فيه على‬
‫سبيل الحقيقة ‪ ،‬وهو ما عبر عنه الجرجاني " بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ "(‪.)2‬‬
‫أما الضرب الثاني ‪ :‬فيقصد به الكالم الذي ال يصل إليه المتلقي مباشرة ‪ ،‬وإنما يفضي ب ه المع نى‬
‫الظاهر إلى معنى ثان على سبيل االستدالل ‪ ،‬وهو ما أطلق عليه الجرجاني (معنى المعنى)‪ ،‬وبه ا‬
‫تتحقق " شعرية" النص بلغته المجازية‪ ،‬وهو هدف الكاتب‪ ،‬والشاعرمعا‪.‬‬
‫ومن الجدير بال ذكر أن عب د الق اهر الجرج اني لم ي رض عن رأي من نص ر (المع اني) في‬
‫عمومه ليحكم بالجودة أو الردائة على العمل األدبي بحسب معناه مغفلين أمر الص ياغة‪ ،‬ل ذا نج ده‬
‫يقول‪ " :‬وأعلم ان الداء الدوي والذي أعيى أمره في هذا الباب غل ط َم ْن ق دم الش عر بمعن اه وأق ل‬
‫االحتفال باللفظ وجعل ال يعطيه من المزية إن ه و أعطى إّال م ا فض ل عن المع نى‪ :‬يق ول م ا في‬
‫اللفظ لوال المعنى‪ ،‬وهل الكالم إّال بمعناه ؟ فأنت ت راه ال يق دم ش عرا ح تى يك ون ق د أودع حكم ة‬
‫وأدبا واشتمل على تشبيه غريب‪ ،‬ومع نى ن ادر‪ ،‬ف ان م ال إلى اللف ظ ش يئا ورأى أن ينحل ه بعض‬
‫الفضيلة لم يعرف غ ير االس تعارة‪ ،‬ثم ال ينظ ر في ح ال تل ك االس تعارة‪ :‬أحس نت بمج رد كونه ا‬
‫استعارة أم من أجل فرق ووجه أم لألمرين‪ ،‬ال يحفل بهذا وشبهه قد قنع بظواهر األم ور …‪،)3(".‬‬
‫فكالهما‪ -‬اللفظ والمعنى‪ -‬في مستوى خام ليس من حق (طورهما األول) هذا أن ينال حظًا من مزية‪،‬‬
‫فإذا انتفى عن األلفاظ كل مزية فكيف يمكن اإلقرار بمثل ذلك لألغراض‪ ،‬وأصول المعاني؟ إنما هي‬
‫مادة قابلـة للتشكيـل‪ ،‬ويتحـدد لهـا الفضل والحسن طبـق الشكل الذي تتلبسه‪ ،‬والصورة التي تداخلها؛‬
‫________________________‬
‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز ‪.262 :‬‬
‫(‪ )2‬م ‪ .‬ن ‪.263 :‬‬
‫(‪ )3‬م ‪ .‬ن ‪.252 -251 :‬‬

‫ذلك أنهم لم يعيبوا تقديم الكالم بمعناه من حيث جهل وا أن المع نى إذا ك ان أدب ًا وحكم ة وك ان غريب ًا‬
‫نادرًا فهو أشرف مما ليس كذلك‪ ،‬بل عابوه من حيث كان من حكم من قضى في جنس من األجن اس‬
‫بفضل أو نقص أن ال يعتبر في قضيته تلك إال األوصاف التي تخص ذلك الجنس وترجع إلى حقيقت ه‬
‫وأن ال ينظر فيها إلى جنس آخر وإن كان من األول بسبيل أو متصًال به اتص اًال م ا ال ينف ك من ه(‪.)1‬‬
‫وهو لم يقف عند األلفاظ وحدها أو المع اني وح دها وإنم ا رب ط بينهم ا ربط ا وثيق ا " فق د اتض ح‬
‫اتضاحا اليدع للشك مج اال أن األلف اظ ال تتفاض ل من حيث هي ألف اظ مج ردة‪ ،‬وال من حيث هي‬
‫كلم مفردة ‪ ،‬وإن األلفاظ تثبت لها الفضيلة وخالفها في مالءمة معنى اللفظ ة لمع نى ال تي تليه ا أو‬
‫ما أشبه ذلك مما ال تعلق له بصريح اللفظ"(‪.)2‬‬
‫اهتم عبد القاهر بالتصوير األدبي اهتماما كبيرا‪ ،‬وهو لم يقف عند األلفاظ وحدها أو المع اني‬
‫وحدها‪ ،‬وإنما ربط بينهما ربطا وثيقا‪ ،‬وبذلك يدخل الجرجاني عنصرا ثالث ا في النق د األدبي وه و‬
‫مراعاة الصورة األدبية التي تحدث من اجتم اع اللف ظ والمع نى‪ ،‬وه و به ذا ي درك بفك ره الث اقب‬
‫صعوبة تقسيم العمل االدبي الى لفظ ومعنى‪ ،‬أو صورة وفكرة‪ .‬من كل هذه القيم صاغ عبد القاهر‬
‫الجرجاني فلسفته البالغية التي جعل محورها نظريت ه في (النظم )‪ ،‬وال تي رب ط فيه ا بين (اللف ظ‬
‫والمعنى)‪ ،‬ثم بين دالالت اإلسلوبية‪ ،‬ودالالتها الثانوية‪ ،‬ثم بين مع نى األلف اظ األولى في الت أليف‪،‬‬
‫وبين ما تؤدي إليه من معنى ثان في المج از‪ ،‬وجع ل النظم وح ده مظه ر البالغ ة‪ ،‬ومث ار القيم ة‬
‫الجمالية في النص األدبي ‪ .‬والذي يتضح لنا إن ما صاغه عب د الق اهر في خطاب ه من قيم أسس ت‬
‫لنظريته (النظم)التي تحسب له بالسبق؛ يظهر فيها تأثير أب وهالل العس كري الواض ح وب األخص‬
‫في النص الذي أوضح فيه ُحسن الرصف(‪ ،)3‬التي يمكن عّد ها واحدة من األسس ال تي ب نى عليه ا‬
‫عبد القاهر نظريته في نظم الكالم ‪.‬‬
‫وبذلك نجد مهاد نظريتة تعود إلى جهود أبي هالل العسكري التي لم تخل من معطيات تتعلق‬
‫بالتأليف والنظم‪ ،‬فقد تواتر فيه استعمال مص طلحات الت أليف‪ ،‬وال تركيب‪ ،‬والرص ف‪ ،‬والص وغ‪،‬‬
‫والسبك‪ ،‬والنظم‪ ،‬والمبنى وما شابه ذلك(‪.)4‬‬

‫_______________________‬
‫(‪ )1‬تنظر ‪ :‬دالئل اإلعجاز ‪.254 :‬‬
‫(‪ )2‬م ‪ .‬ن ‪.46 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر ‪ :‬كتاب الصناعتين ‪.147 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬م ‪ .‬ن ‪.177 ،167 ،147 ،64 ،63 ،61 ، 7 :‬‬

‫وطبيعة التأليف ترتبط بأجناس الكالم وجميعها في رأي العسكري يحتاج إلى حسن الت أليف ال ذي‬
‫(‬
‫يزيد المعنى وضوحا وشرفا‪ ،‬أما سوء التأليف ورداءة الرصف والتركيب فإنها تؤدي إلى التعمية‬
‫‪ ،)1‬والتأكي د هن ا على أن االس لوب ال ينفص ل عن (النظم)؛ ألن وض ع األلف اظ في موض عها‬
‫الصحيحة من شأنه أن يحقق المعنى الشعري أو الن ثري الم ؤثر في نفس س امعه‪ ،‬فاألهمي ة تكمن‬
‫في داللة اللفظ وإدائه لمعناه‪ ،‬وال شيء فيه ا للف ظ بذات ه أي من حيث هي (ح روف)و(أص وات)‪،‬‬
‫وتحدد قيمة اللفظ أو قيمة معناه بمقدار م ا ي وحي ب ه من المع نى‪ ،‬ويح دد ه ذه القيم ة‪ ،‬ويزي د في‬
‫استحسانها واستهجانها عند المتلقي‪ ،‬معرض سياقها الذي يتكشف بانضمام اللفظ إلى اللفظ؛ ألن "‬
‫المعاني مشتركة بين العقالء فربما وقع المعنى الجيد للسوقي‪ ،‬والنبطي‪ ،‬والزنجي‪ ،‬وإنما تتفاض ل‬
‫الناس في األلفاظ‪ ،‬ووصفها‪ ،‬وتأليفها‪ ،‬ونظمها" (‪. )2‬‬
‫أخلص من ذلك أن النص األدبي في رأي العسكري (صياغة‪ ،‬وتشكيل) قبل أن يكون موقف ا‪،‬‬
‫فالقيم الجمالية التي ينطوي عليها‪ ،‬ال تتحقق فقط بمضامينه‪ ،‬بل من طريقة تشكيلها بألفاظ مناسبة‪،‬‬
‫وهذا ما وضعه الجرجاني في منحى نظري أشد وضوحا‪ ،‬وذهب ب ه م ذهبا منظم ا ت ؤدي أوائل ه‬
‫إلى أواخره على نحو منهجي جديد‪ ،‬هو ما عرفن اه عن ده ﺑ(النظم)‪.‬من دون أن نتط رق إلى أوج ه‬
‫الخالف‪ ،‬واإلختالف بينهما في غايات النظم ومراميه‪ .‬وهذا موضوع آخر ال يدخل في هدف ه ذا‬
‫البحث‪.‬‬
‫أحتفى عبد القاهر الجرجاني ﺑ(زيادة المعنى ) أيما اهتمام ‪ ،‬واتخ ذ من ه معي ارا للمفاض لة بين‬
‫كالم وكالم في كثير من المواضع ‪ .‬منها ما جاء اثناء بيان ه ل دقائق التش بيه الم ركب ‪ ،‬ق ال ‪ ":‬إن‬
‫قوله ‪:‬‬
‫دون التعانق ناحلين كشكلتي نصب أدقها وضم الشاكــــل‬
‫ال يكون كقوله ‪:‬‬
‫كما تعانق الم الكاتب األلفا‬ ‫إني رأيتك في نومي تعانقني‬
‫فإن هذا قد أدى إليك شكال مخصوصا ال يتصور في كل واحد من المذكورين على األنفراد بوجه‪،‬‬
‫وصورة ال تكون م ع التفري ق‪ ،‬وأم ا المتن بي ف أراك الش يئين في مك ان واح د‪ ،‬وش دد في الق رب‬
‫بينهما‪ ،‬وذاك أنه لم يعرض لهيئة العناق ومخالفتها صورة االف تراق‪ ،‬وإنم ا عم د إلى المبالغ ة في‬
‫فـرط النـحول ‪ ...‬واالول لم يعـن بحديـث الدقـة والنحول وإنـما عني بأمر الهيئة التي تحصل في‬
‫_____________________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬كتاب الصناعتين ‪.147 ،138 :‬‬
‫(‪ )2‬م ‪ .‬ن ‪.177 :‬‬

‫العناق خاصة من انعطاف أحد الشكلين على صاحبه ‪ ...‬وأجاد وأصاب الب ه أحس ن إص ابة؛ ألن‬
‫خطي االم واأللف في (ال) ترى رأسيهما في جهتين وتراهما وقد تماس ا من الوس ط ‪ ...‬ولئن ك ان‬
‫المتنبي قد زاد على األول فليس تلك الزيادة من حيث وضع الشبه على تركيب ش كلين ‪ ،‬ولكن من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وهي األغراق في الوصف بالنحول ‪،‬وجمع لك للخليلين معا ‪ ،‬ثم اصابة مث ال ل ه من‬
‫الخط " (‪ ، )1‬ويتضح من هذه المقارنة مقدار ما في البيتين من زيادة في المعنى‪ ،‬لذلك فضل ال بيت‬
‫الث اني على األول لم ا في الث اني من استقص اء للمع نى والوص ف ليس في األول؛ ل ذلك يعم د‬
‫الجرج اني على ترس يخ مقي اس (زي ادة المع نى )‪ ،‬وبي ان م ا ل ه من أهمي ة جمالي ة في كث ير من‬
‫أساليب األداء ‪.‬‬
‫وال يخفى ما في ه ذا الخط اب من ص دى لجه ود أبي هالل العس كري في ه ذا المض مار إذ‬
‫أولى زيادة المعنى اهتماما خاصا‪ ،‬وعبر عنه ﺑ (الغلو) وهو " تجاوز ح د المع نى واإلرتف اع في ه‬
‫إلى غاية ال يكاد يبلغها " (‪ ،)2‬وهذه الزيادة‪ ،‬نشطت نش اطا منقط ع النظ ير في العص رين األم وي‬
‫والعباسي‪ ،‬ويخبرن ا العس كري ب أن المم دوحين ك انوا يط البون األدب اء ب ذلك‪ ،‬والش عراء ك انوا‬
‫يتنافسون على ذلك‪ ،‬ويطبقون معيار (زي ادة المع نى ) نص ا وروح ا(‪ ،)3‬ومن ه ذا نس تنتج أن م ا‬
‫ورد عند أبي هالل العسكري كان واسطة لمن أتى بعده ‪ ،‬بوصفه ناقال لكثير من آرائهم‪.‬‬
‫يؤسس عبد القاهر الجرجاني بهذه المزية (زيادة المعنى) رأيا مف اده انك ار أن يك ون الكالم‬
‫األدبي أدبيا حتى يشتمل على مزية فنية أو نكتة بالغي ة‪ ،‬يتع دى به ا مس توى إيص ال المع نى إلى‬
‫مستوى الحسن البالغي‪ ،‬وهذا التج اوز على مس تويات متفاوت ة‪ ،‬ودرج ات ونس ب مختلف ة‪ ،‬على‬
‫أساسها يمكن تفضيل كالم على آخر‪ ،‬وذلك بما يمتلكه ك ل كالم من مزاي ا وخص ائص‪ ،‬من حيث‬
‫الكم والكيف (‪.)4‬‬
‫ويصعب في هذا المقام األلمام بجميع المواض ع ال تي نب ه فيه ا عب د الق اهر الجرج اني على‬
‫ضرورة رعاية زيادة المعنى‪ ،‬وما لها من مزية بالغية‪ ،‬لكن ‪ -‬في ضوء ما تق دم ‪ -‬نش يرإلى عب د‬
‫القاهر أسس لمقياس (زيادة المعنى) في عمله‪ ،‬وإجالء ما له من قيمة جمالية في أساليب األداء ‪.‬‬
‫وفـي (زيادة المعنى) طـرق عديدة‪ ،‬تتـأتى بأساليب مختلفـة‪ ،‬تـلك الطرق‪ ،‬واألساليب التي تكسب‬
‫______________________‬
‫(‪ )1‬اسرار البالغة ‪.176 -175 :‬‬
‫(‪ )2‬كتاب الصناعتين ‪.224 :‬‬
‫(‪)3‬ينظر ‪ :‬ديوان المعاني ‪.27 -25 /1 :‬‬
‫(‪ )4‬تنظر ‪ :‬دالئل اإلعجاز ‪.7 :‬‬

‫الكالم عمقا‪ ،‬واستقصاء للمعنى الم راد‪ ،‬منه ا‪ ( :‬التش بيه‪ ،‬اإلس تعارة‪ ،‬الكناي ة‪ ،‬التتم ييم ‪،‬الحش و‪،‬‬
‫تأكي د الم دح بم ا يش به ال ذم‪ ،‬س ماه العس كري (االس تثناء)‪ ،‬التخيي ل أس ماه العس كري (حس ن‬
‫التعليل) ‪،)...‬وهذه الطرق وأساليبها تمد األديب سعة في األختيار منها في كل مقام ما يتناسب م ع‬
‫الغرض‪ ،‬وما يقدم لكالمه بعدا جماليا‪ ،‬ويكسبه صفة التأثير في القارئ؛ لذلك وقف العسكري على‬
‫عدد منها؛ لكونها من أهم السمات لفن األدب‪ ،‬سار النقاد بعده على إثره في رعايتها والتنبي ه على‬
‫أهميتها‪ ،‬والسعي إلى مراعاتها‪ ،‬وتوضيح طرقها وأساليبها ‪.‬‬
‫وبهذ كانت مداخل أبي هالل العسكري في هذه القضية ‪ -‬اللفظ والمعنى – مهادا لمن جاءوا‬
‫بعده؛ ليضيفوا إليه ما يرونه مناسبا ‪ .‬والذي نجده أن النص األدبي المؤلف من ( اللفظ والمعنى )‬
‫ال يمكن الفصل بينهما؛ ألنهما يولدان معا‪ ،‬فالشكل ال ينفصل عن المظمون؛ ألن فهمه ﻛ‬
‫(أصوات‪ ،‬و مفردات‪ ،‬ونظم الجمل) يقودنا إلى فهم المضمون (المعاني الجزئية‪ ،‬والمعاني‬
‫العامة)‪ ،‬لكن المعنى األدبي المتأتي من التخييل يظل أوسع من األلفاظ المحدودة الدالة عليه ‪.‬‬

You might also like