Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 27

1

‫المقدمة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين والصالة والسالم على النبي األمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم‬
‫الدين‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫مسلم "‬
‫ٍ‬ ‫طلب ال ِع ِلم فريضةٌ على ِ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫يقول النبي ﷺ‪" :‬‬
‫وإن النساء شقائق الرجال في األحكام إال ما خص‬
‫وال يخفى على أي إنسان عاقل دور المرأة في المجتمع ‪ ،‬فهي نصف المجتمع ‪ ،‬وهي تلد وتربي النصف اآلخر ‪ ،‬فهي‬
‫المجتمع كله‬
‫فإن صلحت هذه المرأة صلح المجتمع كله ‪ ،‬وإن فسدت فسد المجتمع كله‬
‫واإلسالم لم يأمر بتجهيل المرأة ولم يحرم المرأة من التعلم في شريعته ‪ ،‬بل حث المرأة على التعلم والتفقه في الدين ‪،‬‬
‫وكان النبي ﷺ يخصص يوما ً يعلم فيه النساء أمور الدين‬
‫وإذا نظرنا إلى حال المرأة في هذا الزمان ‪ ،‬كيف تقضي المرأة المسلمة المعاصرة وقت فراغها ؟؟‬
‫لوجدناها أمام قنوات أو منصات اجتماعية تثير كوامن الغرائز أو في محادثة هاتفية فارغة أو جوالت في األسواق‬
‫معرضة نفسها للفتنة أو ماشابه ذلك من عوامل هدم اإليمان في نفسها إال ما رحم ربي‬
‫ي بالمرأة المسلمة الواعية أن تستجيب ألمر الله تعالى ورسوله وتتوجه لطلب العلم‬ ‫فانطالقا ً من الحديث المذكور حر ٌّ‬
‫الشرعي الذي به ستكون نجاتها يوم القيامة ‪ ،‬يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى الله بقلب سليم‬
‫قمنا بجمع هذه األحاديث المنتقاة من سنة رسول الله ﷺ ‪ ،‬وغالب مواضيعها تخص المرأة المسلمة‬
‫راجين من الله تعالى السداد والقبول ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الحديث األول‬

‫ون ال َجنَّةَ إِ ََّّل َمن أَبَى‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬


‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ُ " :‬ك ُّل أ ُ َّمتي يَ ْد ُخلُ َ‬
‫صانِي فقَ ْد أَبَى‪".‬‬ ‫ع َ‬ ‫عنِي َد َخ َل ال َجنَّةَ‪َ ،‬و َمن َ‬ ‫سو َل اللَّ ِه‪َ ،‬و َمن َيأْبَى؟ قا َل‪َ :‬من أ َ َ‬
‫طا َ‬ ‫َر ُ‬

‫شرح الحديث‬
‫كل ما نهى عنه؛ قال اللهُ‬ ‫الشهادة ُ بأن ُمحمدًا رسو ُل الل ِه صلى اللهُ عليه وسلم تتضم ُن طاعته في ِ‬
‫كل ما أمر به‪ ،‬واجتناب ِ‬
‫تعالى‪{ :‬يا أيُّها الذِين آمنُوا أ ِطيعُوا الله وأ ِطيعُوا الر ُ‬
‫سول} [النساء‪.]95 :‬‬
‫ي صلى اللهُ عليه وسلم بأن أُمته ستد ُخ ُل الجنة يوم القيام ِة‪ ،‬إال من عصاه ولم يمتثِ ْل أ ْمره‪،‬‬ ‫ث يُخ ِب ُر النب ُّ‬
‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ق‬
‫عن الطري ِ‬‫ب‪ ،‬وضل ِ‬ ‫عن الصوا ِ‬
‫سن ِة‪ ،‬دخل الجنة‪ ،‬وم ِن اتبع هواه وزل ِ‬ ‫ب وال ُّ‬
‫الكالم‪ :‬من أطاعني وتمسك بال ِكتا ِ‬ ‫ِ‬ ‫قدير‬
‫وت ُ‬
‫كون قد رفض أن يد ُخل الجنة‪ ،‬واختار لنف ِسه أن يد ُخل النار‪.‬‬ ‫ستقيم‪ ،‬فإنه ي ُ‬
‫ال ُم ِ‬
‫وال ُمرا ُد باألُم ِة في قو ِله صلى اللهُ عليه وسلم‪ُ « :‬ك ُّل أُمتي»‪ :‬أُمةُ الدعوةِ؛ وهي الن ُ‬
‫اس كافةً‪ ،‬وعليه فاآل ِبي هو الكا ِف ُر‬
‫برسالتِه‪ ،‬وعليه فاآلبي هو العاصي‬ ‫بامتِنا ِعه عن قبو ِل الدعوةِ‪ .‬وقيل‪ :‬أُمةُ اإلجاب ِة؛ وهي التي آمنت بما جاء به وأقرت ِ‬
‫المؤمنين‪ ،‬فالمقصو ُد استثناؤُهم من‬ ‫ِ‬ ‫عن المعاصي؛ فإن أُريد به ُ‬
‫عصاة ُ‬ ‫جرا ِ‬‫ظا وز ً‬ ‫منهم‪ ،‬استثناهم من دُخو ِل الجن ِة تغلي ً‬
‫ار ف ُهم لن يد ُخلوا‬‫سن ِة والجماع ِة‪ ،‬وإن أُريد به الكف ُ‬
‫دُخو ِل الجن ِة من أو ِل وهلةٍ‪ ،‬وإال فمآلُه ُم الجنةُ‪ ،‬كما هي عقيدة ُ أه ِل ال ُّ‬
‫ً‬
‫أصال‪.‬‬ ‫الجنة‬
‫ب النار‬ ‫ب الجنة‪ ،‬ومعصيته ت ُ ِ‬
‫وج ُ‬ ‫وفي الحديثِ‪ :‬أن طاعة النبي ِ صلى اللهُ عليه وسلم تُو ِج ُ‬

‫الحديث الثاني‬
‫امرئ ما‬
‫ٍ‬ ‫ت وإنَّما ِل ِ‬
‫كل‬ ‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ " :‬إنَّما األعما ُل ِ‬
‫بالنيَّا ِ‬ ‫َ‬ ‫عن‬
‫نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّ ِه ورسو ِل ِه فَهجرتُهُ إلى اللَّ ِه ورسو ِل ِه ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها‬
‫هاجر إل ْي ِه"‬
‫َ‬ ‫أو امرأ ٍة ي ْنك ُحها فَهجرتُهُ إلى ما‬

‫شرح الحديث‬
‫حيث قال فيه‬‫ُ‬ ‫لث ال ِع ِلم‪،‬‬‫اإلسالم‪ ،‬وأص ٌل ِمن أُصو ِل الشريع ِة‪ ،‬حتى قِيل فيه‪ :‬إنه ث ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الحديث العظي ُم قاعدة ٌ ِمن قواع ِد‬ ‫هذا‬
‫ئ ما نوى»‪،‬‬ ‫امر ٍ‬‫كل ِ‬
‫بوجو ِد النِي ِة فيها‪« ،‬و ِل ِ‬ ‫ت الشرعي ِة إال ُ‬ ‫صلى اللهُ عليه وسلم‪« :‬األعما ُل بِالنِي ِة‪ ،‬فال ِ‬
‫تص ُّح جمي ُع ال ِعبادا ِ‬
‫ت واألعما ِل‬ ‫ت والمعامال ِ‬ ‫المسلم ِمن عم ِله ما قصده منه‪ ،‬وهذا ال ُحك ُم عا ٌّم في جميعِ األعما ِل ِمن العبادا ِ‬ ‫ِ‬ ‫فإنما يعو ُد على‬
‫قرب‬‫نل إال تلك المنفعة ولو كان ِعبادةً‪ ،‬فال ثواب له عليها‪ ،‬ومن قصد بعم ِله الت ُّ‬ ‫العادي ِة‪ ،‬فم ْن قصد بعم ِله منفعةً دُنيويةً لم ي ْ‬
‫ب‪ ،‬ثُم ضرب صلى‬ ‫شر ِ‬ ‫إلى الل ِه تعالى وابتغاء مرضاتِه‪ ،‬نال ِمن عم ِله المثوبة واألجر ولو كان عم ًال عاديًّا‪ ،‬كاألك ِل وال ُّ‬
‫ت في األعما ِل فبين أن من قصد بِهجرتِه امتثال ْأم ِر ربِ ِه‪ ،‬وابتغاء مرضاتِه‪،‬‬ ‫أثير النِيا ِ‬
‫بيان ت ِ‬‫اللهُ عليه وسلم األمثلة العملية ِل ِ‬
‫ق ن ِيتِه‪ ،‬وأن من قصد بِ ِهجرتِه‬ ‫لصد ِ‬
‫ُثاب عليها ِ‬ ‫الفتن؛ ف ِهجرتُه هِجرة ٌ شرعيةٌ مقبولةٌ عند الل ِه تعالى وي ُ‬ ‫ِ‬ ‫والفرار ِبدِينِه ِمن‬

‫‪3‬‬
‫منفعةً دُنيويةً وغر ً‬
‫ضا شخصيًّا‪ِ ،‬من ما ٍل‪ ،‬أو تجارةٍ‪ ،‬أو زوج ٍة حسناء؛ «ف ِهجرتُه إلى ما هاجر إليه»‪ ،‬فال ينا ُل ِمن هِجرتِه‬
‫ب‪.‬‬ ‫األجر والثوا ِ‬
‫ِ‬ ‫إال تلك المنفعة التي نواها‪ ،‬وال نصيب له ِمن‬

‫الحديث الثالث‬

‫يا ِ‬
‫ش ِدي ُد بَ ِ‬ ‫وم‪ْ ،‬‬
‫إذ َطلَ َع عليْنا َر ُج ٌل َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّ َم ذاتَ يَ ٍ‬ ‫عمر بن الخطاب قا َل ‪ :‬ب ْينَما َنحْ نُ ِع ْن َد َرسو ِل الل ِه َ‬ ‫َ‬ ‫عن‬
‫صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّ َم‪،‬‬
‫س إلى النبي ِ َ‬ ‫سفَ ِر‪ ،‬وَّل َي ْع ِرفُهُ ِمنَّا أ َحدٌ‪ ،‬حتَّى َجلَ َ‬ ‫ش َع ِر‪َّ ،‬ل يُ َرى عليه أث َ ُر ال َّ‬
‫سوا ِد ال َّ‬ ‫شدِي ُد َ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫الثِيا ِ‬
‫ض َع َكفَّ ْي ِه علَى فَ ِخ َذ ْي ِه‪.‬‬ ‫سنَ َد ُر ْكبَت َ ْي ِه إلى ُر ْكبَت َ ْي ِه‪َ ،‬‬
‫وو َ‬ ‫فأ ْ‬
‫أن َّل إلَهَ َّإَّل اللَّهُ‬
‫ش َه َد ْ‬ ‫سال ُم ْ‬
‫أن ت َ ْ‬ ‫صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّ َم‪ :‬اإل ْ‬ ‫الم‪ ،‬فقا َل َرسو ُل الل ِه َ‬‫س ِ‬‫أخبِ ْرنِي ع َِن اإل ْ‬‫َوقالَ‪ :‬يا ُم َح َّم ُد ْ‬
‫ضان‪ ،‬وت َ ُح َّج‬
‫صو َم َر َم َ‬ ‫الزكاةَ‪ ،‬وت َ ُ‬
‫ي َّ‬ ‫صالةَ‪ ،‬وت ُ ْؤ ِت َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّ َم‪ ،‬وت ُ ِقي َم ال َّ‬ ‫أن ُم َح َّمدًا َرسو ُل الل ِه َ‬ ‫و َّ‬
‫صد َْقتَ ‪ ،‬قالَ‪ :‬فَ َع ِجبْنا له َي ْ‬
‫سأَلُهُ‪ ،‬ويُ َ‬
‫ص ِدقُهُ‪،‬‬ ‫س ِب ً‬
‫يال‪ ،‬قالَ‪َ :‬‬ ‫ست َ َ‬
‫ط ْعتَ إلَ ْي ِه َ‬ ‫إن ا ْ‬ ‫ال َبيْتَ ِ‬
‫اآلخ ِر‪ ،‬وت ُ ْؤ ِم َن بالقَد َِر‬
‫وم ِ‬ ‫س ِل ِه‪ ،‬وا ْل َي ِ‬ ‫أن ت ُ ْؤ ِم َن باللَّ ِه‪ ،‬و َمال ِئ َك ِت ِه‪ ،‬و ُكت ُ ِب ِه‪ُ ،‬‬
‫ور ُ‬ ‫اإليمان‪ ،‬قالَ‪ْ :‬‬
‫ِ‬ ‫قالَ‪ْ :‬‬
‫فأخ ِب ْرنِي ع َِن‬
‫صد َْقتَ ‪،‬‬ ‫َ‬
‫خي ِْر ِه وش َِر ِه‪ ،‬قالَ‪َ :‬‬
‫فإن لَ ْم تَك ُْن تَراهُ فإنَّه يَراكَ ‪،‬‬
‫أن ت َ ْعبُ َد اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ‪ْ ،‬‬
‫سان‪ ،‬قالَ‪ْ :‬‬ ‫قالَ‪ْ :‬‬
‫فأخبِ ْرنِي ع َِن اإلحْ ِ‬
‫ع ْنها بأ َ ْعلَ َم ِم َن ال َّ‬
‫سائِ ِل‬ ‫سؤُو ُل َ‬
‫سا َع ِة‪ ،‬قالَ‪ :‬ما ال َم ْ‬ ‫قالَ‪ْ :‬‬
‫فأخبِ ْرنِي ع َِن ال َّ‬
‫طاولُ َ‬
‫ون في‬ ‫أن ت َ ِل َد األ َمةُ َربَّتَها‪ ،‬وأ َ ْن ت َ َرى ال ُحفاةَ العُراةَ العالَةَ ِرعا َء الش ِ‬
‫َّاء يَت َ َ‬ ‫أمارتِها‪ ،‬قالَ‪ْ :‬‬
‫فأخبِ ْرنِي عن َ‬ ‫قالَ‪ْ :‬‬
‫البُ ْن ِ‬
‫يان‪،‬‬
‫ورسولُهُ أ ْعلَ ُم‪ ،‬قالَ‪ :‬فإنَّه ِجب ِْري ُل أتا ُك ْم‬ ‫قالَ‪ :‬ث ُ َّم ا ْن َطلَ َق فَلَبِثْتُ َم ِليًّا‪ ،‬ث ُ َّم قا َل ِلي‪ :‬يا ُ‬
‫ع َم ُر أتَد ِْري َم ِن ال َّ‬
‫سائِ ُل؟ قُلتُ ‪ :‬اللَّهُ َ‬
‫يُعَ ِل ُم ُك ْم دِينَ ُك ْم‪".‬‬

‫الحديث الرابع‬

‫سيا ٌ‬
‫ط‬ ‫أر ُهما‪ ،‬قَ ْو ٌم مع ُه ْم ِ‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ِ " :‬ص ْن ِ‬
‫فان ِمن أ ْه ِل النَّ ِار لَ ْم َ‬
‫ت‬ ‫س ُه َّن َكأ َ ْ‬
‫س ِن َم ِة البُ ْخ ِ‬ ‫عارياتٌ ُم ِميالتٌ ما ِئالتٌ ‪ُ ،‬رؤُو ُ‬ ‫سياتٌ ِ‬ ‫ون بها النَّ َ‬
‫اس‪ ،‬و ِنسا ٌء كا ِ‬ ‫ض ِربُ َ‬ ‫ب ال َبقَ ِر َي ْ‬ ‫َكأ َ ْذنا ِ‬
‫ير ِة كَذا وكَذا"‬
‫س َ‬ ‫الما ِئ َل ِة‪َّ ،‬ل َي ْد ُخ ْل َن ال َجنَّةَ‪ ،‬وَّل َي ِجد َْن ِري َحها‪َّ ،‬‬
‫وإن ِري َحها لَيُو َج ُد ِمن َم ِ‬

‫شرح الحديث‬
‫ب مرة ً أُخرى‪ ،‬وكان يُخبِ ُرهم بما أعده اللهُ ِمن ج ِ‬
‫زاء‬ ‫ب تارة ً والترهي ِ‬
‫ظ أصحابه بالترغي ِ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم ي ِع ُ‬ ‫كان النب ُّ‬
‫ب‬ ‫ُّ‬
‫اس على بصيرةٍ ِمن ْأم ِرهم فيعملوا ِآل ِخرتِهم ويحذروا الوقوع في المعاصي والذنو ِ‬ ‫المطيعين والعُصاةِ؛ حتى يكون الن ُ‬
‫ور ُد أصحابها المها ِلك يوم القيام ِة‪.‬‬‫التي ت ُ ِ‬

‫‪4‬‬
‫ار لم يرهما رسو ُل الل ِه صلى‬ ‫اس ِمن أ ْه ِل الن ِ‬
‫ين ِمن الن ِ‬
‫صنف ِ‬‫ث يُحذ ُِر رسو ُل الل ِه صلى اللهُ عليه وسلم ِمن ِ‬‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫جم ُع سوطٍ ‪ ،‬وهو آلةٌ تُتخذُ‬ ‫ط» ْ‬ ‫نف األولُ‪ :‬قو ٌم معهم « ِسيا ٌ‬ ‫الص ُ‬‫كونان بعده؛ ِ‬
‫ِ‬ ‫صرهِ‪ْ ،‬‬
‫بل سي‬ ‫اللهُ عليه وسلم‪ ،‬ولم يُوجدا في ع ِ‬
‫ط طويلةٌ ولها ِريشةٌ‬ ‫البقر»‪ ،‬أي‪ :‬ذُيو ِلها‪ ،‬والمعنى أنها ِسيا ٌ‬‫ب ِ‬ ‫ب بها كالعصا ونح ِوها‪ ،‬وهي «كأذنا ِ‬ ‫الجل ِد يُضر ُ‬
‫ِمن ِ‬
‫ُ‬
‫وأعوان الظلم ِة‬ ‫شر ُ‬
‫ط‬ ‫طو ِلها و ِغل ِظها و ِشدتِها‪ .‬وهؤالء ُه ُم ال ُّ‬‫قر ل ُ‬
‫ب الب ِ‬
‫ياط بأذنا ِ‬ ‫حق‪ ،‬وتشبيهُ ِ‬
‫الس ِ‬ ‫غير ٍ‬
‫ضربون بها الناس ِب ِ‬ ‫ي ِ‬
‫حق‪.‬‬
‫غير ٍ‬
‫ضربون الناس بِ ِ‬ ‫الذين ي ِ‬
‫ياء‪ ،‬وتجردْن مما أوجبتْه عليهن الشريعةُ ِمن ثِيا ٍ‬
‫ب‬ ‫س ِهن ثوب ال ِعف ِة والح ِ‬ ‫ساء خل ْعن عن أنف ُ‬ ‫ع ِمن النِ ِ‬ ‫نف الثاني‪ :‬نو ٌ‬ ‫والص ُ‬
‫ِ‬
‫ي صلى اللهُ عليه وسلم في وص ِف ِهن‪« :‬نِسا ٌء كاسياتٌ »‪ ،‬في‬ ‫ق وافِ ٍر‪ُ ،‬مخا ِلفين بذ ِلك الله ورسوله‪ ،‬قال النب ُّ‬ ‫ساترةٍ‪ ،‬و ُخلُ ٍ‬
‫هارا‬‫إظ ً‬ ‫ف البشرة‪ ،‬أو يستُرن بعض بدنِ ِهن ويك ِش ْفن بعضهُ؛ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫الحقيق ِة‪« ،‬عارياتٌ » في الم ْعنى؛ ألنهن يلبسْن ثِيابًا ِرقاقًا ت ِ‬
‫لباس التقوى‪ُ « ،‬م ِميالتٌ »‬ ‫ت ِمن ِ‬ ‫ت بِال ُحلى وال ُح ِلي ِ‪ ،‬عاريا ٍ‬‫ت في الحقيق ِة‪ ،‬أو كاسيا ٍ‬ ‫ب عاريا ٍ‬ ‫وإن كن كاسيا ٍ‬
‫ت ِللثِيا ِ‬ ‫للجما ِل‪ْ .‬‬
‫ظهر‬ ‫ْ‬
‫والمقن ُع الذي تُغ ِطي به المرأة ُ رأسها وظ ْهرها وصدْرها‪ -‬عن ُرؤو ِس ِهن؛ ِلت ْ‬ ‫الرجا ِل إليهن‪ ،‬أ ِو ُم ِميالتُ المقانِعِ ‪ِ -‬‬ ‫قلوب ِ‬
‫المذموم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ت ِألكتافِهن‪ ،‬وقيل‪ :‬ي ُِم ْلن غيرهن إلى فِع ِلهن‬ ‫ت ُم ِميال ٍ‬ ‫ُوجو ُههن‪ ،‬وقيل‪ُ :‬مميالتٌ بِأكتافِهن في ْم ِشين ُم ْ‬
‫تبختِرا ٍ‬
‫فظ‬
‫وح ِ‬ ‫فظ ُحدودِه ِ‬ ‫االنحراف والزي ُغ‪ ،‬فهن زائغاتٌ عن طاع ِة الل ِه تعالى‪ ،‬وما يلز ُمهن ِمن ِح ِ‬ ‫ُ‬ ‫«مائالتٌ » والمي ُل هو‬
‫الرجا ِل ِبقُلو ِبهن أو بِقوال ِبهن‪ ،‬أو ُمتبختراتٌ في م ْش ِيهن‪ ،‬أو زائغاتٌ ع ِن‬ ‫ضا مائالتٌ إلى ِ‬ ‫وغير ذلك‪ ،‬وهن أي ً‬ ‫ِ‬ ‫روجهن‬ ‫فُ ِ‬
‫ت‬ ‫سهن كأسنم ِة الب ُْخ ِ‬ ‫صفاتِهن « ُرؤو ُ‬ ‫ومن ِ‬ ‫شطن ِمشطة البغايا‪ِ ،‬‬ ‫جور والهوى‪ ،‬وقيل‪ :‬مائالتٌ ي ْمت ْ‬ ‫فاف‪ ،‬أو مائالتٌ إلى الفُ ِ‬ ‫الع ِ‬
‫بيرا‬
‫هر الجم ِل‪ ،‬وكلما كان ك ً‬ ‫فوق ظ ِ‬ ‫ئ ْ‬‫نام‪ ،‬وهي الجز ُء المرت ِف ُع النات ُ‬ ‫ُ‬
‫ق‪ ،‬واألسْنمة جم ُع س ٍ‬ ‫المائل ِة»‪ ،‬وهي ِجما ٌل ِطوا ُل األعنا ِ‬
‫لف ِعصاب ٍة ونح ِوها‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫ُكبرنها ِب ِ‬
‫ُعظ ْمن حجْ م ُرؤو ِسهن وي ِ‬ ‫النسا ُء ي ِ‬ ‫واهتزازا عند الحرك ِة‪ ،‬فهؤالء ِ‬ ‫ً‬ ‫وعاليًا كان أكثر م ً‬
‫يال‬
‫ت إنما هو الرتفاعِ‬ ‫ُنكسْن ُرؤوسهن‪ ،‬و ُمرا ُد التشبي ِه بأسْنم ِة البُخ ِ‬ ‫ضن ِمن أبصارهِن‪ ،‬وال ي ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫الرجا ِل ال يغ ُ‬ ‫يطمحْ ن إلى ِ‬
‫البعير‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أس كما يمي ُل سنا ُم‬ ‫ُضف ْرنه حتى تميل إلى ناحي ٍة ِمن نواحي الر ِ‬ ‫س ِرها بما ي ِ‬ ‫فوق ُرؤو ِسهن‪ ،‬وتك ُّ‬ ‫فائر ْ‬ ‫دائر أو الض ِ‬ ‫الغ ِ‬
‫ت ال يد ُخ ْلن الجنة وال يجدْن ِريحها‪ ،‬وإن ِريحها لتُوج ُد ِمن مسير ِة كذا وكذا‪ ،‬وهذا ِكنايةٌ عن المساف ِة‬ ‫الصفا ِ‬ ‫فمن ُكن بهذه ِ‬
‫دخلنها وال يجدْن ِريحها حينما يد ُخلُها ويج ُد‬ ‫من طوي ٍل ويمت ُّد في ِريحِ الجن ِة‪ ،‬ومعناه‪ :‬أنهن ال ي ْ‬ ‫يرها بز ٍ‬ ‫البعيدةِ التي يُقد ُر س ُ‬
‫ْ‬
‫محموال على أنهن إذا استحْ للن هذه األفعال وهذه‬ ‫ً‬ ‫أن يكون‬ ‫ُمكن ْ‬ ‫ْ‬
‫تورعاتُ ‪ ،‬ال أنهن ال يد ُخلن أبدًا‪ ،‬وي ُ‬ ‫فائف ال ُم ِ‬ ‫ِريحها الع ُ‬
‫جر والتغلي ُ‬
‫ظ‪.‬‬ ‫الح ْرمان ِمن الجن ِة‪ ،‬أو المرا ُد منه الز ُ‬ ‫فرا استحقُّوا به ِ‬ ‫الذُّنوب‪ ،‬فيكون ُك ً‬
‫ث‪ :‬عالمةٌ ِمن عالما ِ‬
‫ت نُبوتِه صلى اللهُ عليه وسلم‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِ‬
‫ار‬
‫ت أه ِل الن ِ‬
‫بعض صفا ِ‬‫ِ‬ ‫وفيه‪ُ :‬‬
‫بيان‬
‫حذير ِمن ُّ‬
‫الظ ِلم واإلعان ِة عليه‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬الت ُ‬
‫فور‪.‬‬
‫س ِ‬ ‫برجِ وال ُّ‬
‫ساء ِمن الت ُّ‬
‫حذير للنِ ِ‬
‫وفيه‪ :‬ت ٌ‬

‫‪9‬‬
‫الحديث الخامس‬

‫ض َحى‪،‬‬ ‫صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّ َم‪ ،‬أ َ ْن نُ ْخ ِر َج ُه َّن في ال ِف ْط ِر َواأل ْ‬ ‫ع َْن أ ُ ِم ع َِطيَّةَ‪ ،‬قالَتْ ‪ :‬أ َ َم َرنَا َرسو ُل الل ِه َ‬
‫ش َهد َْن ال َخي َْر‪َ ،‬و َدع َْوةَ ال ُم ْ‬
‫س ِل ِم َ‬
‫ين‪،‬‬ ‫ ِ فَيَ ْعت َ ِز ْل َن ال َّ‬
‫ص َالةَ‪َ ،‬و َي ْ‬ ‫ت ال ُخد ِ‬
‫ُور‪ ،‬فأ َّما ال ُحيَّ ُ‬ ‫ ِ‪َ ،‬و َذ َوا ِ‬‫العَ َواتِقَ ‪َ ،‬وا ْل ُحيَّ َ‬
‫س َها أ ُ ْخت ُ َها ِمن ِج ْلبَابِ َها‪.‬‬ ‫قُلتُ ‪ :‬يا َرسو َل الل ِه‪ ،‬إحْ دَانَا َّل يَكو ُن لَ َها ِج ْلبَ ٌ‬
‫اب‪ ،‬قا َل‪ِ :‬لت ُ ْل ِب ْ‬

‫شرح الحديث‬
‫كانت في الجاهلي ِة ال تزي ُد عن سق ِط المتاعِ في البيتِ‪ ،‬ولم‬ ‫ْ‬ ‫جعل اإلسال ُم للمرأةِ المسلم ِة مكانةً ومنزلةً وشأنًا‪ ،‬ب ْعد ْ‬
‫أن‬
‫ط الشرعيةُ في ذ ِلك؛ ِمن أجْ ِل ذلك‬
‫ت الضواب ُ‬ ‫اإلسالم إذا ْالت ُ ِزم ِ‬
‫ِ‬ ‫عائر‬
‫هار ش ِ‬ ‫حر ْمها الشارعُ الحكي ُم ِمن المشارك ِة في ْ‬
‫إظ ِ‬ ‫ي ِ‬
‫ندبها إلى ال ُخروجِ إلى ُمصلى ال ِعيدِ؛ لتشهد الخير ودعوة ال ُمس ِلمين‪.‬‬
‫ث تذ ُك ُر التابعيةُ حفصةُ بنتُ ِسيرين أنهم كانوا يمنعون الشابة حديثة العه ِد بالبلوغِ ِمن ال ُخروجِ ِمن بيتِها‬ ‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ب ما حدث بعد‬ ‫وربما كانوا ي ْفعلون ذلك لعد ِم ِع ِلمهم بمشروعيتِه‪ ،‬أو كأنهم كانوا يفعلون ذلك بسب ِ‬ ‫إلى ُمصلى العيدِ؛ ُ‬
‫ص ٌر بالبصرةِ‬
‫ص ِر بني خلفٍ ‪ ،‬وهو ق ْ‬ ‫ت في ق ْ‬ ‫ت عليهم امرأة ٌ لم تُس ِمها‪ ،‬فنزل ْ‬‫صر األو ِل ِمن الفسا ِد ونحْ ِوه‪ ،‬حتى قدِم ْ‬ ‫الع ِ‬
‫ت تلك المرأة ُ الناس على هذه الحا ِل‬ ‫ْ‬
‫عروف بطلحة الطلحاتِ‪ ،‬فلما رأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫بن خلفٍ الم‬
‫بن عب ِد الل ِه ِ‬
‫منسوبٌ إلى خلفٍ ج ِد طلحة ِ‬
‫ِمن منعِ النِساء ِمن ال ُخروجِ إلى ُمصلى العيدِ‪ ،‬حدثتْهم عن زوجِ أختِها‪ ،‬وأنه ش ِهد مع النبي ِ صلى اللهُ عليه وسلم اثنت ْي‬
‫يوم‬
‫برعاي ِة المرضى و ُمداواةِ الج ْرحى‪ ،‬وفي ِ‬ ‫ساء ِ‬ ‫ت منهن‪ ،‬فكانت تقو ُم مع النِ ِ‬ ‫دت معه أختُها ِست غزوا ٍ‬ ‫ع ْشرة غزوةً‪ ،‬وش ِه ْ‬
‫ُغطي رأسها‬ ‫أختُها النبي صلى اللهُ عليه وسلم عن ُخروجِ المرأةِ إلى ُمصلى ال ِعي ِد إذا لم ي ُك ْن لديها ِخ ٌ‬
‫مار واس ٌع ي ِ‬ ‫لت ْ‬ ‫ِعي ٍد سأ ْ‬
‫حرم ن ْفسها ِمن ال ُخروجِ إلى‬ ‫ُ‬
‫أن تستعيره ِمن أختِها المسلم ِة‪ ،‬وال ت ِ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم إلى ْ‬ ‫فأرشدها النب ُّ‬ ‫وسائر بدنِها‪ْ ،‬‬
‫الخير ودعوةِ المس ِلمين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ضور‬
‫ِ‬ ‫ال ُمصلى و ُح‬
‫ث المرأةِ‪ ،‬فأقرتْه وصدقتْه‪ ،‬وأخبرتْها أن النبي‬ ‫ت عليهم‪ ،‬سألتْها عن حدي ِ‬ ‫ثم تُخبِ ُر ح ْفصةُ بنتُ ِسيرين أن أم عطية لما قدِم ْ‬
‫ساء ‪-‬حتى الحائض والشابة حديثة البُلوغِ‪ -‬بال ُخروجِ إلى ُمصلى ال ِعيدِ‪.‬‬ ‫صلى اللهُ عليه وسلم كان يأ ُم ُر جميع النِ ِ‬
‫فقالت‪ :‬نع ْم‪ ،‬أ ْفدِيه صلى اللهُ عليه وسلم‬
‫ْ‬ ‫الحائض تشه ُد ال ِعيد؟‬
‫ُ‬ ‫فسألت ح ْفصةُ بنتُ ِسيرين أُم عطية ُمستف ِهمةً‪ :‬ه ِل المرأة ُ‬
‫ض ُره‪ ،‬وتشه ُد كذا؟ وتشه ُد كذا؟‬‫ت وتح ُ‬ ‫الحائض تشه ُد عرفا ٍ‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫فقالت‪ :‬أليس‬ ‫ض ُرها المرأةُ؛‬ ‫بأبي‪ ،‬ثم استدلت ب ِعدةِ أحوا ٍل تح ُ‬
‫سا‬
‫يض‪ ،‬وقيا ً‬ ‫ض ُرها المرأة ُ وهي في حال ِة الح ِ‬ ‫ت الكبيرةِ التي تح ُ‬ ‫للمواقف والتج ُّمعا ِ‬
‫ِ‬ ‫مار‪ ،‬وهذا تعدا ٌد‬
‫الج ِ‬
‫ِمثل ال ُمزدلف ِة ور ْمي ِ ِ‬
‫صلي‪.‬‬ ‫أن ت ُ ِ‬
‫فوف دون ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫خلف ال ُّ‬‫تكون ْ‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ولكن‬ ‫ضر إلى ُمصلى ال ِعيدِ‪،‬‬ ‫أن تح ُ‬ ‫عليها فإن لها ْ‬
‫ِكر‪ِ ،‬سوى المساجدِ‪.‬‬
‫كمجالس ال ِعلم والذ ِ‬
‫ِ‬ ‫ير‪،‬‬
‫ث‪ :‬أن الحائض ال ته ُج ُر ذِكر الل ِه‪ ،‬وال مواطن الخ ِ‬
‫وفي الحدي ِ‬
‫ب أ ْولى‪.‬‬
‫ب؛ فمن لها ِجلبابٌ ِمن با ِ‬
‫ساء إلى ال ِعيدِ؛ ألنه إذا أمر من ال ِجلباب لها باستعارةِ ِجلبا ٍ‬‫وفيه‪ :‬تأكي ُد ُخروجِ ِ‬
‫الن ِ‬
‫ُغطي بدنها‪.‬‬
‫ب واسعٍ ي ِ‬ ‫رصهن على التست ُّ ِر‪ ،‬وامتِناعُ ُخروجِ المرأةِ ِ‬
‫بغير ِجلبا ٍ‬ ‫وح ِ‬
‫األنصار ِ‬
‫ِ‬ ‫ساء‬
‫ق نِ ِ‬ ‫وفيه‪ :‬ب ُ‬
‫يان جمي ِل أخال ِ‬
‫روجها مصلحةٌ‪ ،‬وأ ُ ِمن ِ‬
‫ت الفتنةُ والمفسدةُ‪.‬‬ ‫وفيه‪ُ :‬خرو ُج المرأةِ إلى ْ‬
‫الغز ِو إذا كان في ُخ ِ‬
‫عظيم الصحاب ِة للنبي ِ صلى اللهُ عليه وسلم‪ ،‬حتى إنهم قلما ي ْذ ُكرونه إال ويُفدُّونه بآبا ِئهم وأمها ِتهم صلى‬ ‫وفيه‪ :‬ب ُ‬
‫يان مدى ت ِ‬
‫اللهُ عليه وسلم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الحديث السادس‬

‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ ‪ " :‬المرأةُ عورةٌ فإذا خرجتْ‬
‫وأقرب ما تكو ُن ِمن َوجْ ِه ربِها وهي في قَ ْع ِر بيتها "‬
‫ُ‬ ‫ستَش َْرفَها الشيطا ُن‬
‫ا ْ‬

‫شرح الحديث‬
‫الرجال؛ فيُ ْغريهم ليُوقِعهم في الزنا‪ ،‬فأ ُ ِم ْرن‬
‫وأوث ُق مصائِ ِدهِ‪ ،‬فإذا خرجْ ن نصبهن شبكةً يصي ُد بها ِ‬
‫ْطان ْ‬‫النساء حبائِ ُل الشي ِ‬
‫ْطان و ِإ ْفسا ِدهِ‪.‬‬ ‫بعد ِم ال ُخروجِ ِإ ْغالقًا ِإل ْغ ِ‬
‫واء الشي ِ‬
‫للرجا ِل‪ ،‬والعورةُ‪ :‬السوءةُ‪ ،‬وهي‬ ‫هورها ِ‬ ‫ظ ُ‬‫ي صلى اللهُ عليه وسلم‪" :‬الم ْرأة ُ ع ْورة ٌ"‪ ،‬أي‪ :‬يُستقب ُح ُ‬ ‫ث يقو ُل النب ُّ‬‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ت المرأة ُ عورةً؛ ألن من ح ِقها أن ت ُستر‪" ،‬وإنها إذا‬ ‫س ِمي ِ‬ ‫ُ‬
‫العار‪ ،‬وهي المذمة‪ ،‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫صلها‪ :‬من‬ ‫ُ‬ ‫هاره‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ُك ُّل ما يُستحيا ِمن إظ ِ‬
‫الزين ِة "اسْت ْشرفها‬
‫هور ِ‬ ‫تر وعد ِم ُ‬
‫ظ ِ‬ ‫الس ِ‬
‫غير الهيئ ِة الشرعي ِة من ِ‬ ‫ذر شرعيٍ‪ ،‬وعلى ِ‬ ‫ع ٍ‬
‫لغير ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ت من بيتِها"‪ ،‬أي‪ :‬خرج ْ‬ ‫خرج ْ‬
‫راف ر ْف ُع البص ِر للنظ ِر إلى الش ِ‬
‫يء‪،‬‬ ‫الرجا ِل‪ ،‬فيُوقِعُهما في ال ِفتْن ِة‪ ،‬واأل ْ‬
‫ص ُل في اال ْستِ ْش ِ‬ ‫ْطان"‪ ،‬أي‪ :‬زينها في نظ ِر ِ‬ ‫الشي ُ‬
‫أن تلزم بيتها‪ ،‬وال‬ ‫أقرب إلى الل ِه منها في ق ْع ِر بيتِها"‪ ،‬وهذا ح ٌّ‬
‫ث للم ْرأةِ على ْ‬ ‫تكون ْ‬‫ُ‬ ‫ب‪" ،‬وإنها ال‬ ‫ف فوق الحاج ِ‬ ‫ط الك ِ‬ ‫وب ْس ُ‬
‫ب؛ يُجازيها اللهُ عز وجل به عن‬ ‫تخ ُرج إال عند الحاج ِة والضرور ِة‪ ،‬وأنها بتلك الحال ِة تنا ُل أعْظم أجْ ٍر لها وخير ثوا ٍ‬ ‫ْ‬
‫روجها من بيتِها‬‫ُخ ِ‬

‫الحديث السابع‬

‫عن أبي موسى األشعري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ " :‬أيما امرأ ٍة استعطرتْ فمرتْ على‬
‫ريحها فهي زانيةٌ"‬
‫قوم ليجدوا من ِ‬
‫ٍ‬

‫شرح الحديث‬
‫ُض ُّر بالمجتمعِ‪ ،‬ويؤدِي إلى‬ ‫صو ِر الفسا ِد وأسبابِه‪ ،‬وما ي ِ‬‫ت عليها‪ ،‬وحاربت كل ُ‬ ‫حمت الشريعةُ اإلسالميةُ الفضائل‪ ،‬وحث ْ‬
‫ين زانيةٌ"‪ ،‬أي‪ :‬إذا نظرت إلى امرأةٍ ال ت ِح ُّل له‪،‬‬ ‫ث يقو ُل الرسو ُل صلى اللهُ عليه وسلم‪" :‬ك ُّل ع ٍ‬ ‫انحال ِله‪.‬وفي هذا الحدي ِ‬
‫ِ‬
‫الطيب عليها ثم خرجت ِمن بي ِتها‪" ،‬فمرت بالمج ِل ِس"‪،‬‬ ‫إن كان عن شهوةٍ‪" ،‬والمرأة ُ إذا استعطرت"‪ ،‬أي‪ :‬وضعت ِ‬ ‫وقيل‪ْ :‬‬
‫الرجال يُ ْش ِرفون للنظ ِر‬ ‫حيث جعلت ِ‬‫ُ‬ ‫للزنا ُمتسبِبةٌ فيه‪،‬‬
‫تعرضةٌ ِ‬‫أي‪ :‬الذي به رجالٌ‪" ،‬فهي كذا وكذا‪ ،‬يعني‪ :‬زانيةٌ"‪ ،‬أي‪ُ :‬م ِ‬
‫للزنا الحقيقي ِ‬
‫األمر بعدها ِ‬
‫ُ‬ ‫ط ِور‬‫ظر‪ ،‬ول ُربما ُ‬
‫المحر ِم إليها‪ ،‬وهو ِزنا الن ِ‬

‫‪7‬‬
‫الحديث الثامن‬

‫صلَّى اللهُ عليه وسلَّ َم ال ُمتَشَبِ ِه َ‬


‫ين ِم َن ِ‬
‫الر َجا ِل‬ ‫عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬لَعَ َن َرسو ُل اللَّ ِه َ‬
‫بالر َجا ِل‬
‫اء ِ‬ ‫س ِ‬ ‫اء‪ ،‬وال ُمتَشَبِ َها ِ‬
‫ت ِم َن النِ َ‬ ‫س ِ‬‫بالنِ َ‬

‫شرح الحديث‬
‫ساء‪ ،‬وهذه ِخلقةُ الل ِه‪ ،‬ال تبديل ِل ِخ ْلقتِه تعالى‪.‬‬
‫وخ ْلق ِة النِ ِ‬
‫وطباعٍ تتماي ُز ع ْن ِجبِل ِة ِ‬ ‫جبل اللهُ ِ‬
‫الرجال على ِخلق ٍة ِ‬
‫الخ ْلق ِة التي خلقه‬‫اس أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم لعن من يحا ِو ُل ال ُخروج ع ِن ِ‬ ‫بن عب ٍ‬ ‫ث يُخ ِب ُر عب ُد الل ِه ُ‬
‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ب الل ْعنة‪ ،‬وهي الط ْر ُد ِمن‬‫ستوج ُ‬
‫ِ‬ ‫بأن يتشبه الر ُج ُل بِالمرأةِ‪ ،‬أو تتشبه المرأة ُ بِالر ُج ِل‪ ،‬فهذا ِمن المعاصي التي ت‬ ‫اللهُ عليها؛ ْ‬
‫اء خاصةً‪،‬‬ ‫ُ‬
‫األخالق واألفعا ُل التي هي ِللنِس ِ‬ ‫والزين ِة‪ ،‬وكذا‬
‫باس ِ‬ ‫الل ِ‬
‫ساء في ِ‬ ‫رحم ِة الل ِه تعالى؛ فال ي ْنبغي ِل ِلرجا ِل التشبُّهُ بِالنِ ِ‬
‫الرجا ِل فيما كان ذلك ِل ِلرجا ِل خاصةً‪.‬‬ ‫ساء التشبُّهُ ِب ِ‬ ‫وال ي ُ‬
‫جوز ِللنِ ِ‬

‫الحديث التاسع‬

‫ت‬ ‫ست َ ْو ِ‬
‫شما ِ‬ ‫لعن اللهُ الواشما ِ‬
‫ت ‪ ،‬والم ْ‬ ‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪َ " :‬‬
‫ت خ ْلقَ الل ِه"‬
‫س ِن ‪ ،‬ا ْل ُم َغ ِيرا ِ‬
‫ت ِل ْل ُح ْ‬
‫ت ‪ ،‬وا ْل ُمت َ َف ِل َجا ِ‬
‫ت ‪ ،‬و ا ْل ُمتَنَ ِمصا ِ‬
‫والنامصا ِ‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬

‫شرح الحديث‬
‫ض‬
‫ُعر ُ‬
‫ساء‪ ،‬وي ِ‬ ‫ث يُبيِ ُن رسو ُل الل ِه صلى اللهُ عليه وسلم ب ْعض أ ْنواعِ التزي ُِّن ال ُمحر ِم الذي ق ْد تق ُع فيه ب ْع ُ‬
‫ض النِ ِ‬ ‫في هذا الحدي ِ‬
‫اس‪.‬‬
‫ْليس على الن ِ‬‫لبيس وتد ٌ‬ ‫ق الل ِه‪ ،‬وت ٌ‬‫غيير ِلخل ِ‬ ‫ْ‬ ‫فا ِعلهُ لل ِ‬
‫عن والطر ِد ِمن رحْ م ِة الل ِه؛ إذ فيه ت ٌ‬
‫ضو‬
‫ع ٌ‬‫أن يُغرز ُ‬ ‫ت»‪ ،‬ج ْم ُع وا ِشمة‪ ،‬والو ْش ُم‪ْ :‬‬ ‫رضي اللهُ عنه أن الله عز وجل لعن «الوا ِشما ِ‬ ‫فيروي عب ُد الل ِه ُ‬
‫بن مسْعو ٍد ِ‬
‫أخضر‪« .‬وال ُموت ِشمات»‪ :‬جمع ُموت ِشمة‪ ،‬وهي التي‬ ‫صير ْ‬‫اإلنسان بِنح ِو اإلبْرةِ حتى يسيل الد ُم‪ ،‬ثُم يُحْ شى بِنحْ ِو ُكحْ ٍل في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫يُ ْفع ُل بِها الو ْش ُم‪.‬‬
‫ت» ج ْم ُع ُمتن ِمصة‪ ،‬وهي الطا ِلبةُ إزالة شع ِر وجْ ِهها بالن ِ‬
‫تف ونحْ ِوه‪ ،‬إال ما ينبُتُ ِب ِلحي ِة المرأ ِة أو‬ ‫ولعن اللهُ «ال ُمتن ِمصا ِ‬
‫ين لترفي ِعهما أو تسويتِهما‪.‬‬ ‫الحاجب ِ‬
‫ِ‬ ‫عر‬
‫ص بإزال ِة ش ِ‬
‫مص يخت ُّ‬
‫شاربِها‪ ،‬أو الن ُ‬ ‫ِ‬
‫كون‬ ‫لصغ ِر وهي ع ٌ‬
‫جوز؛ ألن ذلك ي ُ‬ ‫إظهارا ِل ِ‬
‫ً‬ ‫بالمبْر ِد‬ ‫ت» ج ْم ُع ُمتف ِلجةٍ‪ ،‬وهي التي ت ُ ِ‬
‫فر ُق ما بيْن ثناياها ِ‬ ‫ولعن اللهُ «ال ُمتف ِلجا ِ‬
‫الزمةٌ‬ ‫ت خ ْلق الل ِه»‪ ،‬وهو ِ‬
‫صفةٌ ِ‬ ‫زوير‪« .‬ال ُمغيِرا ِ‬
‫حسين والجما ِل؛ ِلما فيه ِمن الت ِ‬
‫ِ‬ ‫سن» أي‪ِ :‬ألجْ ِل الت‬ ‫غار غا ِلبًا‪ِ « ،‬لل ُح ِ‬
‫لص ِ‬‫ِل ِ‬
‫ِلمن تصن ُع الو ْشم والن ْمص والف ْلج‬

‫‪8‬‬
‫الحديث العاشر‬

‫شهرها‬
‫َ‬ ‫سها ‪ ،‬و صا َمت‬ ‫ت المرأةُ َخ ْم َ‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ ‪ " :‬إذا صلَّ ِ‬
‫ت"‬ ‫ب الجنَّ ِة ِ‬
‫شئ ِ‬ ‫صنَتْ فر َجها ‪ ،‬وأطاعَت زو َجها ‪ ،‬قي َل لها ‪ :‬اد ُخلي الجنَّةَ ِمن أي ِ أبوا ِ‬
‫‪ ،‬و ح َّ‬

‫شرح الحديث‬

‫ُخي ُرها يوم ال ِقيام ِة للدُّخو ِل‬ ‫للمرأة الصالح ِة ‪-‬التي تُؤدِي فُروضها وتُطي ُع زوجها‪ -‬مكانةٌ كبيرة ٌ عند ِ‬
‫ربها‪ ،‬في ْرضى عنها‪ ،‬وي ِ‬
‫ب الجن ِة شاء ْ‬
‫ت‪.‬‬ ‫من أي ِ أبْوا ِ‬
‫ت‬
‫ت الخ ْمس المكتوبا ِ‬ ‫ت الصلوا ِ‬ ‫ت الم ْرأة ُ خمسها" يعني‪ :‬إذا أد ِ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم‪" :‬إذا صل ِ‬ ‫ث يقو ُل النب ُّ‬
‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ت ف ْرجها"‬ ‫ذر‪" ،‬وحصن ْ‬ ‫ت ش ْهرها"‪ ،‬أي‪ :‬ش ْهر رمضان وأتمت ما فاتها منه لعُ ٍ‬ ‫ظت على أوقاتِها‪" ،‬وصام ْ‬ ‫كما ينبغي وحاف ْ‬
‫ع ْرفًا في القُبُ ِل‪،‬‬ ‫ق وغي ِْرهِ‪ ،‬والف ْر ُج يُطل ُق على القُبُ ِل وال ُّدب ُِر‪ ،‬وأ ْكث ُر ا ْستِ ْعما ِل ِه ُ‬ ‫والسحا ِ‬
‫ِ‬ ‫كالزنا‬
‫رام‪ِ ،‬‬ ‫بأن ح ِفظتْه عن الح ِ‬ ‫ْ‬
‫ت ز ْوجها"‪ ،‬أي‪ :‬في ُك ِل ما يتعل ُق ب ُحقوقِ ِه الم ْشروع ِة‪ ،‬وفي غي ِْر م ْعصيةٍ‪" ،‬قِيل لها‪ :‬ا ُ ْد ُخلي الجنة من أي ِ أبْوا ِ‬
‫ب‬ ‫"وأطاع ْ‬
‫الخير‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الخالل هي أمهاتُ أ ْفعا ِل‬ ‫ب الجن ِة الثمانِي ِة‪ ،‬تكريًما وتشريفًا؛ ألن هذه ِ‬ ‫ت" يعني‪ :‬يُنادى عليها من أبوا ِ‬ ‫الجن ِة ِشئْ ِ‬
‫ت شر ما عداها‬ ‫ت بها المرأة ُ ُوقِي ْ‬
‫ْباب دُخو ِل الجن ِة‪ ،‬فإذا وف ْ‬
‫وأس ُ‬

‫الحديث الحادي عشر‬

‫عن ثوبان مولى رسول الله ﷺ قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ " :‬أيُّ َما امرأ ٍة سألت زو َجها طالقًا في ِ‬
‫غير ما‬
‫بأس فحرا ٌم عليها رائحةُ الجن ِة"‬
‫ٍ‬

‫شرح الحديث‬
‫ين المحافظةُ‬ ‫ت وآكدِها‪ ،‬وخاصةً إذا أنجبا وكونا أُسرةً؛ فينبغي على الزوج ِ‬ ‫ق العالقا ِ‬ ‫ين من أوث ِ‬‫العالقة الزوجيةُ بين الزوج ِ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫واب الجزيل‪ ،‬وقد حذر النب ُّ‬ ‫األجر الكبير والث ُ‬ ‫ُ‬ ‫يان الجديدِ‪ ،‬ول ُهما في تربي ِة أبنائِهما‬
‫على هذا ال ِك ِ‬
‫ي صلى اللهُ‬ ‫ُ‬
‫حيث يقو ُل النب ُّ‬ ‫ضرر‪ ،‬كما في هذا الحديثِ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ب ودون‬ ‫ب الطالق دون سب ٍ‬ ‫تركُ هذا ال ِكيان وتطلُ ُ‬‫المرأة التي ت ُ‬
‫بأس فحرا ٌم عليها رائحةُ الجن ِة"‪ ،‬أي‪ :‬إن أي امرأةٍ طلبت الطالق‬ ‫غير ما ٍ‬ ‫عليْه وسلم‪" :‬أيُّما امرأةٍ سألت زوجها طالقًا في ِ‬
‫كون جزاؤُ ها أنها‬‫ب واضحٍ ومقبو ٍل‪ْ ،‬فلتحْ ذ ْر؛ ألنها سي ُ‬ ‫زوجها‪ ،‬ودون سب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫زوجها دون ُوقوعِ ضر ٍر أو أذًى عليها ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫حق من‬ ‫دم دخو ِلها الجنة‪ ،‬وهذا في ِ‬ ‫تُمن ُع ِمن رائح ِة الجن ِة‪ ،‬وهذا كنايةٌ عن بُعدِها من الجن ِة وم ْن ِعها من ْ‬
‫أن ت ِجد ِريحها وع ِ‬
‫اإلسالم محمو ٌل على أنها ال ت ِج ُد رائحة الجن ِة أول ما ي ِجدُها ال ُمح ِسنون‪ ،‬وال تد ُخلها مع أو ِل الداخلين‪ ،‬ال أنها‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ماتت على‬
‫ي صلى اللهُ عليْه وسلم ِ‬
‫عن‬ ‫أصال‪ ،‬وهذا ِمن المبالغ ِة في التهديدِ؛ ففي صحيح البخاري ِ أخبر النب ُّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ال ت ِجدها وال تدخلها‬
‫الجن ِة‪ ،‬فقال‪" :‬وإن ِريحها تُوج ُد ِمن مسيرةِ أربعين عا ًما"‪.‬‬
‫ضرر وقع عليها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ب ودون‬
‫ق دُون سب ٍ‬ ‫حذير الشدي ُد ِمن طل ِ‬
‫ب المرأةِ للطال ِ‬ ‫ث‪ :‬الت ُ‬
‫وفي ال َحدي ِ‬
‫‪5‬‬
‫الحديث الثاني عشر‬

‫س ُج َد ِأل َ َح ٍد ‪َ ،‬أل َ َم ْرتُ‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ " :‬لو ك ْنتُ ِ‬
‫آم ًرا أحدًا ْ‬
‫أن يَ ْ‬
‫س ُج َد ِل َز ْو ِجها"‬ ‫المرأةَ ْ‬
‫أن ت َ ْ‬

‫شرح الحديث‬
‫ت التي ال يستحقُّها إال اللهُ عز وجل ‪ ،‬قال عليه الصالة ُ والسال ُم‪ :‬لو ُكنتُ ِآم ًرا أحدًا أن‬ ‫سجو ُد تعظي ًما و ِعبادة ً ِمن ال ِعبادا ِ‬
‫ال ُّ‬
‫الحق‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ألزواج ِهن؛ ِلما جعل اللهُ لهم علي ِهن من‬
‫ِ‬ ‫لغير الل ِه‪ ،‬ألمرتُ النِساء أن يس ُجدن‬
‫سجو ٌد ِ‬ ‫يس ُجد‪ ،‬أي‪ :‬لو كان هناك ُ‬
‫ورهم في الحياةِ‪.‬‬ ‫ِلما لهم ِمن فض ٍل‪ ،‬ول ِعظ ِم د ِ‬
‫عظيم‪.‬‬
‫أعظم أنواعِ الت ِ‬
‫ِ‬ ‫سجود ِمن‬
‫وفي الحديث‪ :‬أن ال ُّ‬
‫الحث على عد ِم ِعصيانِه‬
‫ِ‬ ‫حق الزوجِ على زوجتِه‪ ،‬واإلشارة ُ إلى‬
‫وفيه‪ِ :‬عظ ُم ِ‬

‫الحديث الثالث عشر‬

‫سا ُء‪،‬‬ ‫ار فَ ِإ َذا أ ْكث َ ُر أ ْه ِل َها ِ‬


‫الن َ‬ ‫عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ " :‬أ ُ ِريتُ النَّ َ‬
‫س ْنتَ إلى إحْ دَا ُه َّن ال َّد ْه َر‪ ،‬ث ُ َّم َرأَتْ‬ ‫ان‪ ،‬لو أحْ َ‬ ‫ير‪ ،‬ويَ ْكفُ ْر َن اإلحْ َ‬
‫س َ‬ ‫ش َ‬‫يَ ْكفُ ْر َن قي َل‪ :‬أيَ ْكفُ ْر َن باللَّ ِه؟ قا َل‪ :‬يَ ْكفُ ْر َن العَ ِ‬
‫ط‪".‬‬‫ِم ْنكَ شيئ ًا‪ ،‬قا َلتْ ‪ :‬ما َرأَيْتُ ِم ْنكَ َخي ًْرا قَ ُّ‬

‫شرح الحديث‬
‫ي‬‫سبحانه الجنة ل ِعبادِه ال ُمطيعين الصا ِبرين‪ ،‬وخلق النار ِلمن أبى وأعرض عنه وكفر نِعمه‪ ،‬وقد بين لنا النب ُّ‬ ‫خلق اللهُ ُ‬
‫النار التي تكث ُ ُر في النِ ِ‬
‫ساء‬ ‫ت أه ِل ِ‬ ‫صفا ِ‬‫عض ِ‬ ‫بيان ب ِ‬‫ث ُ‬ ‫ثير ممن يد ُخلُهما‪ .‬وفي هذا الحدي ِ‬ ‫تك ٍ‬ ‫صفا ِ‬ ‫صلى اللهُ عليه وسلم ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ي صلى اللهُ عليه وسلم النِساء يو ًما فقال لهن‪ :‬إنِي أريتُ النار‪ ،‬فأطلعني اللهُ تعالى على الن ِ‬
‫ار‬ ‫ُ‬
‫حيث وعظ النب ُّ‬ ‫ُخصو ً‬
‫صا‪،‬‬
‫فقالت إحدا ُهن‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ين‪ ،‬فلما نظ ْرتُ إليها‪ ،‬وشاهدْتُ من فيها؛ كان ُ‬
‫أكثر أه ِلها النِساء‪،‬‬ ‫ْ‬
‫بقُدرتِه‪ ،‬وكشف لي عنها‪ ،‬فرأيتُها رأي الع ِ‬
‫ار؛ ألنهن يكفُ ْرن‪ ،‬ولم يُبيِ ْن صلى اللهُ عليه وسلم‬ ‫و ِلم يا رسول الل ِه؟ فأجابها صلى اللهُ عليه وسلم‪ :‬إنما ُكن أكثر أه ِل الن ِ‬
‫ي صلى اللهُ عليه وسلم‪ ،‬ويشتد خوفُهن‪ ،‬ولم يك ِد‬ ‫سهن إلى معرف ِة هذا ال ُك ْف ِر الذي وصفهن به النب ُّ‬ ‫يكفُ ْرن بماذا؛ ِلتتطلع نُفو ُ‬
‫بل يكفُ ْرن العشير‪ ،‬ويكفُ ْرن‬ ‫قالت إحداهن‪ :‬أيكفُ ْرن بالل ِه؟! فقال‪ْ :‬‬ ‫ْ‬ ‫نط ُق بهذه الكلم ِة حتى‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم ي ِ‬ ‫النب ُّ‬
‫ت منه شيئًا‬ ‫اإلحسان‪ ،‬أي‪ :‬يُن ِك ْرن نِعمة الزوجِ وإحسانه إليهن؛ فلو أحسن الزو ُج إلى إحدا ُهن الدهر والعمر كله‪ ،‬ثم رأ ْ‬
‫كلها!وإنما كان جحْ ُد النِعم ِة حرا ًما؛ ألن المرأة‬ ‫س ُّرني طوال حياتي ِ‬ ‫واحدًا مما تكرهُ‪ ،‬قالت‪ :‬ما وجدْتُ منك شيئًا ينفعُني أو ي ُ‬
‫وجها هي في الحقيق ِة واصلةٌ ِمن‬ ‫ت إليها ِمن ز ِ‬ ‫النعمة التي وصل ْ‬ ‫دت ِنعمة الل ِه؛ ألن هذه ِ‬ ‫وجها‪ ،‬فق ْد جح ْ‬ ‫دت ِنعمة ز ِ‬ ‫إذا جح ْ‬
‫أن يس ُجد‬ ‫ب لدقيق ٍة بديعةٍ؛ وهي قولُه صلى اللهُ عليه وسلم‪« :‬لو أم ْرتُ أحدًا ْ‬ ‫شير ِمن بي ِْن أنواعِ الذُّنو ِ‬‫الل ِه‪ .‬وخص ُكفران الع ِ‬
‫ت‬
‫بحق الل ِه‪ ،‬فإذا كفر ِ‬ ‫ِ‬ ‫وغيره؛ فقرن حق الزوجِ على الزوج ِة‬ ‫ُ‬ ‫وجها» وهذا رواه أحم ُد‬ ‫أن تس ُجد لز ِ‬ ‫مرتُ المرأة ْ‬ ‫ألحدٍ‪ ،‬أل ْ‬
‫فر؛‬ ‫ظ ال ُك ُ‬ ‫بحق الل ِه؛ فلذلك يُطل ُق عليها لف ُ‬
‫ِ‬ ‫هاو ِنها‬‫ليال على ت ُ‬ ‫حقه عليها هذه الغاية ‪-‬كان ذلك د ً‬ ‫وجها وقد بلغ ِمن ِ‬ ‫المرأة ُ حق ز ِ‬
‫‪11‬‬
‫غير ال ُك ِ‬
‫فر بالل ِه تعالى‪،‬‬ ‫فظ ال ُك ِ‬
‫فر قد يُطل ُق على ِ‬ ‫فران‪ ،‬وأن ل ِ‬ ‫ُ‬
‫‪.‬والحديث ي ُد ُّل على أن الكفر ُك ِ‬ ‫عن المل ِة‬
‫ُخر ُج ِ‬‫فر ال ي ِ‬‫لكنه ُك ٌ‬
‫إنكارها‬
‫ُ‬ ‫كأن يُراد ُك ُ‬
‫فر النِعم ِة‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ْ‬

‫الحديث الرابع عشر‬

‫ام َرأَتَهُ إلى ِف َرا ِ‬


‫ش ِه فأ َبتْ فَ َباتَ‬ ‫الر ُج ُل ْ‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ ‪ " :‬إذا َدعَا َّ‬
‫علَ ْي َها لَ َعنَتْ َها ال َم َال ِئكَةُ حتَّى ت ُ ْ‬
‫ص ِب َح "‬ ‫ض َب َ‬
‫ان َ‬ ‫َ‬
‫غ ْ‬

‫شرح الحديث‬
‫كل منهما‪.‬‬
‫ت ٍ‬‫وجين‪ ،‬وقد بين الشرعُ ُحقوق وواجبا ِ‬
‫ِ‬ ‫الزواج عالقةٌ شرعيةٌ بيْن الز‬
‫وجها إذا دعاها‪ ،‬وهو ِكنايةٌ عن‬ ‫راش ز ِ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم ُحكم امتناعِ المرأةِ ِمن فِ ِ‬ ‫ث يُبيِ ُن النب ُّ‬
‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ضب عليها زو ُجها‪ ،‬وبات على تلك‬ ‫ت عن إجابتِه‪ ،‬فغ ِ‬ ‫ُجامعها‪ ،‬فامتنع ْ‬
‫أن ي ِ‬ ‫والجماعِ‪ ،‬فإذا طلب الرج ُل ِمن المرأ ِة ْ‬ ‫ال ُمعاشر ِة ِ‬
‫الحال ِة؛ كان عاقبةُ ذلك وخيمةً على الزوج ِة‪ ،‬حيث تلعنُها المالئكةُ فتدْعو عليها بالطر ِد ِمن رحم ِة الل ِه تعالى حتى الصباحِ؛‬
‫رجع»‪ ،‬وم ْعنى ذلك‪ :‬أن‬ ‫ت البخاريِ‪« :‬لعنتْها المالئكةُ حتى ت ِ‬ ‫عض ِروايا ِ‬ ‫ت زوجها ومنعتْه حقه الشرعي‪ ،‬وفي ب ِ‬ ‫ألنها عص ْ‬
‫راش‪ ،‬ويُستثْنى ِمن‬‫ورجو ِعها إلى ال ِف ِ‬
‫واالستغناء عنها‪ ،‬أو بتوبتِها ُ‬
‫ِ‬ ‫الفجر‬
‫ِ‬ ‫ُ ُ‬
‫ستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوعِ‬ ‫ُّ‬ ‫اللعنة ت‬
‫ض ونحْ ِوه؛ فال حرج عليها‪.‬‬ ‫ي ِمن مر ٍ‬ ‫ذر شرع ٌّ‬‫ع ٌ‬‫ذلك ما لو كان لديها ُ‬
‫ث‪ :‬دلي ٌل على ِعظ ِم ِ‬
‫حق الزوجِ على زوجتِه‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِ‬
‫لزوجها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫صيان المرأ ِة‬
‫ِ‬ ‫هي عن ِع‬
‫وفيه‪ :‬الن ُ‬
‫وفيه‪ :‬دلي ٌل على قبو ِل د ِ‬
‫ُعاء المالئك ِة؛ لكونِه صلى اللهُ عليه وسلم خوف بذلك‪.‬‬

‫الحديث الخامس عشر‬

‫اس ِع ْن َد الل ِه َم ْن ِزلَةً يَو َم‬


‫إن ِمن أَش َِر النَّ ِ‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪َّ " :‬‬
‫ام َرأَتِ ِه‪َ ،‬وت ُ ْف ِضي ِإلَ ْي ِه‪ ،‬ث ُ َّم يَ ْنش ُُر ِ‬
‫س َّر َها"‬ ‫الر ُج َل يُ ْف ِضي إلى ْ‬
‫ال ِقيَا َم ِة‪َّ ،‬‬

‫شرح الحديث‬
‫ق الذي جعله اللهُ‬
‫والميثا ِ‬
‫باط ِ‬‫الر ِ‬
‫فاظ على هذا ِ‬
‫الح ِ‬
‫ت الزوجي ِة وطلب المودةِ والرحم ِة هو ِمن ِ‬ ‫إن تحقيق السالم ِة في العالقا ِ‬
‫ميثاقًا غلي ً‬
‫ظا؛ ووصفه بال ِغل ِظ لقوتِه و ِعظ ِمه‪.‬‬
‫عقوبةً عند الل ِه يوم‬
‫قضها وهت ِكها‪ ،‬وأعظمها ُ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم أن أعظم خيان ٍة لألمان ِة ون ِ‬ ‫ُخبر النب ُّ‬
‫ثي ُ‬ ‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ضي إِل ْي ِه» وهو كنايةٌ ِ‬
‫عن ال ُمعاشرةِ‬ ‫ضي إلى ْامرأتِ ِه‪ ،‬وت ُ ْف ِ‬ ‫زاء‪ِ ،‬خيانةُ الرج ِل لزوجتِه «الر ُجل يُ ْف ِ‬‫هور الج ِ‬
‫ظ ِ‬ ‫ال ِقيام ِة يوم ُ‬
‫ص أسْرار الزوجي ِة‪ ،‬وما أودعه الزو ُج إلى اآلخ ِر‪ ،‬ثُم إن‬ ‫ين‪ ،‬والمرا ُد به هنا‪ :‬ك ُّل ما ي ُخ ُّ‬‫تكون بين الزوج ِ‬ ‫ُ‬ ‫وال ُمالمس ِة التي‬
‫صف ما يجْ ري بين‬‫حتم ُل أن المراد و ُ‬ ‫الباطن ِة‪ ،‬وي ِ‬ ‫ِ‬ ‫دن‬
‫ب الب ِ‬ ‫عيو ِ‬ ‫ش ُر ِسرها‪ ،‬وال ُمرا ُد بِه ما ي ُ‬
‫كون ِمن ُ‬ ‫الرجل بعد هذا ين ُ‬
‫‪11‬‬
‫ذير لمن يُ ْفشي‬ ‫الجماعِ‪ ،‬وهذا وعي ٌد شديدٌ‪ ،‬وتحْ ٌ‬ ‫مور االستِ ْمتاعِ وما يجْ ري من المرأةِ من قو ٍل أو فِع ِل حال ِة ِ‬ ‫ين من أ ُ ِ‬
‫الزوج ِ‬
‫أن يُذيع أح ٌد سر اآلخ ِر‪ ،‬فال يُذي ُع الرج ُل سرها وال تُذي ُع‬ ‫حْذير من ْ‬
‫ين مع الت ِ‬ ‫وجه‪ ،‬والمرا ُد ت ْوجيهُ النُّصحِ للزوج ِ‬ ‫سر ز ِ‬
‫وجها؛‬‫لسر ز ِ‬ ‫ْ‬
‫ين ‪-‬وهو الزو ُج‪ -‬ليُشير به إلى اآلخ ِر‪ ،‬أو لم يذ ُك ْر إفشاء الزوج ِة ِ‬ ‫ولكن ا ْكتفى بذ ِ‬
‫ِكر أح ِد ال ُمتقابِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫المرأة ُ سره‪،‬‬
‫بخالف الرج ِل الذي يُتوق ُع منه‬
‫ِ‬ ‫ع ذلك‪،‬‬ ‫ش الحياء‪ ،‬وهي ‪-‬لحيائِها‪ -‬ي ِق ُّل منها وقو ُ‬ ‫وإخفاء ما يخ ِد ُ‬ ‫الستر ْ‬
‫صل في المرأ ِة ِ‬ ‫ألن األ ْ‬
‫حصولُه‪.‬‬

‫الحديث السادس عشر‬

‫ساء‪ ،‬فقا َل َر ُج ٌل ِم َن األ ْن ِ‬


‫صار‪ :‬يا‬ ‫عن عقبة بن عامر قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ " :‬إيَّا ُك ْم وال ُّد ُخو َل علَى ِ‬
‫الن ِ‬
‫َرسو َل اللَّ ِه‪ ،‬أفَ َرأَيْتَ ال َح ْم َو؟ قا َل‪ :‬ال َح ْم ُو ال َم ْوتُ "‬

‫شرح الحديث‬
‫قاصدًا إفساد دِينِ ِه‪،‬‬ ‫ق‪ِ ،‬‬ ‫ابن آدم مجْ رى الد ِم في العُرو ِ‬
‫نيف‪ ،‬ومعلو ٌم أن الشيطان يجْ ري ِمن ِ‬ ‫ت دِينِنا الح ِ‬ ‫هر ِمن ثوابِ ِ‬ ‫ُّ‬
‫والط ُ‬ ‫العفةُ‬
‫ب ِمن‬ ‫واح ِش وال ُمنكراتِ؛ ولذلك نهى الشرعُ عن االقترا ِ‬ ‫هر عنه‪ ،‬وجرهُ إلى الف ِ‬ ‫ُّ‬
‫والط ِ‬ ‫ب ال ِعف ِة‬‫وتدنيس فِطرتِ ِه‪ ،‬وخ ْلع ثِيا ِ‬
‫أن يقع فيه‪.‬‬‫الحمى يُو ِشكُ ْ‬
‫ت ودوا ِعي الش ِر؛ فإن من حام حول ِ‬ ‫جميعِ ُمقدِما ِ‬
‫ت والخ ْلوةِ بهن‪ ،‬فقال‪« :‬إياكم‬ ‫ساء األجنبيا ِ‬
‫ث ِمن الدُّخو ِل على النِ ِ‬‫ي صلى اللهُ عليه وسلم في هذا الحدي ِ‬ ‫وق ْد حذر النب ُّ‬
‫ٌ‬
‫يطان ثالثهما؛ فإن النُّفوس ضعيفة‪ ،‬والدوافع إلى المعاصي‬ ‫ساء»؛ فإنه ما خال ر ُج ٌل بامرأةٍ إال كان الش ُ‬ ‫والدُّخول على النِ ِ‬
‫وعمه ونحْ ِو ذلك‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬ ‫كأخيه‬
‫قريب الزوجِ‪ِ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫مو هو‬‫األنصار‪ :‬يا رسول الل ِه‪ ،‬أفرأيت الحمو؟» والح ُ‬ ‫ِ‬ ‫قويةٌ‪« ،‬فقال رج ٌل ِمن‬
‫ب الموتُ ‪،‬‬ ‫أن يُجتنبا كما يُجتن ُ‬ ‫ب ْ‬
‫يج ُ‬
‫ب الزوجِ بزوجتِه ِ‬ ‫صلى اللهُ عليه وسلم‪« :‬الح ْم ُو الموتُ »‪ ،‬أي‪ :‬إن دُخول وخ ْلوة أقار ِ‬
‫أخطر‬
‫ُ‬ ‫ب؛ وذلك ألن دُخوله‬ ‫ِين في القلو ِ‬‫ت الد ِ‬
‫ب الزوجِ على المرأةِ كالموتِ؛ ألنه يُؤدِي إلى مو ِ‬ ‫أو المعنى‪ :‬أن دُخول أقار ِ‬
‫بدون‬
‫ِ‬ ‫ب إلى ُوقوعِ الجريم ِة؛ ألن الناس يتساهلون ِب ِخ ْلط ِة الرج ِل بزوج ِة أخي ِه والخلوةِ بها‪ ،‬فيد ُخ ُل‬ ‫ِمن دُخو ِل األجنبي ِ وأقر ُ‬
‫إن وقعت المعصيةُ ووجب الرجْ ُم‪ ،‬أو إلى ه ِ‬
‫الك‬ ‫ت ْ‬ ‫فيكون الش ُّر منه أكثر والفتنةُ به أمكن‪ ،‬أو أنها تُؤدِي إلى المو ِ‬ ‫ُ‬ ‫نكير‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وجها إذا حملتْه الغيرة ُ على تطلي ِقها‪.‬‬ ‫قز ِ‬ ‫المرأةِ ب ِفرا ِ‬
‫ت والخلو ِة بهن؛ سدًّا للذريع ِة‪.‬‬
‫هي ع ِن الدُّخو ِل على األجنبيا ِ‬
‫ث‪ :‬الن ُ‬
‫وفي ال َحدي ِ‬
‫واطن الزل ِل عامةً؛ خشية الوقوعِ في الش ِر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وفيه‪ :‬االبتعا ُد عن م‬

‫‪12‬‬
‫الحديث السابع عشر‬

‫ش ِر المرأةُ المرأةَ فتَنعتَها‬


‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪َّ " :‬ل تُبا ِ‬
‫ينظر إليها"‬
‫ُ‬ ‫لزوجها كأنَّهُ‬
‫ِ‬

‫شرح الحديث‬
‫ْراض‪ ،‬وسد كل ذريع ٍة‬
‫هاك األع ِ‬
‫كل شيءٍ يُؤدِي إلى انتِ ِ‬
‫ْراض؛ ولذ ِلك نهى اإلسال ُم عن ِ‬
‫ظ األع ِ‬ ‫اإلسالم ِحف ُ‬
‫ِ‬ ‫من أه ِم مقاص ِد‬
‫الوقوعِ في الهوى‪.‬‬
‫ظ القلوب ِمن ُ‬ ‫أرشد إلى ما يحف ُ‬‫تُؤدِي إلى إ ْفسادِها‪ ،‬كما ْ‬
‫سم‬ ‫المس واتِصا ُل ِ‬
‫الج ِ‬ ‫ُّ‬ ‫المرأة»‪ ،‬المباشرة ُ هي‬ ‫ث يقو ُل الرسو ُل صلى اللهُ عليه وسلم‪« :‬ال تُبا ِش ِر ْ‬
‫المرأة ُ ْ‬ ‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫درك مدى نعومتِها‪ ،‬فهذا هو المقصو ُد من المباشرةِ؛ وذلك ألن‬ ‫سمها لت ُ ِ‬
‫سها أو تض ُع يدها على ِج ِ‬ ‫سم‪ ،‬بمعنى أنها تلم ُ‬
‫بالج ِ‬
‫ِ‬
‫عرف‬ ‫سمها لت ِ‬ ‫ُ‬
‫فتكون بوضعِ الي ِد على ِج ِ‬ ‫ق البص ِر إليها‪ ،‬وأما المباشرة ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون بإطال ِ‬ ‫نظرا وهناك ُمباشرةً‪ ،‬فالنظ ُر‬
‫هناك ً‬
‫سم‪.‬‬ ‫المرأة ُ بالمالمس ِة مدى نعوم ِة ِ‬
‫الج ِ‬
‫ظ ُر إليها؛ ل ِشدةِ‬‫صفها لزوجها وت ُ ْخبِره بِمحا ِسنها وما فيها ِمن جما ٍل أو قُبحٍ‪ ،‬كأنهُ ين ُ‬
‫فليس للمرأةِ أن تفعل ذلك‪ ،‬ثم بعد ذلك ت ِ‬
‫ت الموصوفةُ جميلةً تعلق ْقلبُه بها‪ ،‬فيمي ُل إليها‪ ،‬ويفتتِ ُن بها‪ ،‬ويكرهُ زوجتهُ التي وصفتْها ألجْ ِلها‪،‬‬ ‫صف ودِقتِه‪ْ ،‬‬
‫فإن كان ِ‬ ‫الو ِ‬
‫راض عنها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ت الموصوفةُ قبيحةً فهذا ِمن ال ِغيب ِة‪ ،‬والتي ُربما تجع ُل زوجها غير‬ ‫فيكون ذلك سبب طالقِها‪ ،‬وإِ ْن كان ِ‬
‫ُ‬
‫ث أبي سعي ٍد‬ ‫سن ِن من حدي ِ‬ ‫ب ال ُّ‬
‫مسلم وأصحا ِ‬
‫ٍ‬ ‫ضا؛ فقد ورد عند‬ ‫ص النِساء فقط‪ ،‬بل يشم ُل ِ‬
‫الرجال أي ً‬ ‫هي ال ي ُخ ُّ‬
‫وهذا الن ُ‬
‫ظ ُر المرأة ُ‬ ‫ظ ُر الر ُج ُل إلى عورةِ الر ُج ِل‪ ،‬وال تن ُ‬ ‫ضي اللهُ عنه‪ ،‬أن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم قال‪« :‬ال ين ُ‬ ‫ال ُخدري ِ ر ِ‬
‫الواح ِد»‪ ،‬فهذا‬ ‫ِ‬ ‫الواحدِ‪ ،‬وال تُفضي المرأة ُ إلى المرأةِ في الثو ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ضي الر ُج ُل إلى الر ُج ِل في الثو ِ‬
‫ب‬ ‫إلى عورةِ المرأةِ‪ ،‬وال يُ ْف ِ‬
‫الواحدِ‪ ،‬وعد ِم‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ضهم‪ ،‬أو تال ُم ِس األجسا ِد في الثو ِ‬ ‫ت ب ْع ِ‬ ‫ساء عن النظ ِر إلى ع ْورا ِ‬‫الرجا ِل والنِ ِ‬ ‫ُ‬
‫الحديث ي ُد ُّل على نهي ِ ِ‬
‫اء إلى المرضى‪،‬‬ ‫ُثير الغرائز‪ ،‬مع مراعاةِ الضرور ِة في النظ ِر‪ِ ،‬مث ُل نظ ِر األطب ِ‬ ‫غيره وصفًا ي ُ‬ ‫صف طرفٍ لآلخ ِر أمام ِ‬ ‫و ِ‬
‫طبها؛ فذلك ُكلُّه ال بأس به؛‬ ‫صفها له ليخ ُ‬ ‫ظر إلى امرأةٍ وت ِ‬ ‫ار ِمه لتن ُ‬
‫بعضهما‪ ،‬وكمن أرسل إحدى مح ِ‬ ‫وجين إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ونظ ِر الز‬
‫ض صحي ٌح مشروعٌ‪.‬‬ ‫ألنه قد تعلق به غر ٌ‬
‫بح ْفظ ِه‪.‬‬ ‫ير وإ ْف ِ‬
‫شاء ما أمر اللهُ ِ‬ ‫وجها‪ ،‬ون ْق ِل د ِ‬
‫واخ ِل الغ ِ‬ ‫ساء لز ِ‬
‫الن ِ‬
‫ف المرأ ِة غيرها ِمن ِ‬
‫ص ِ‬
‫هي عن و ْ‬
‫ث‪ :‬الن ُ‬
‫وفي ال َحدي ِ‬
‫ب ِمن التعلُّ ِ‬
‫ق بما حرمهُ اللهُ‪.‬‬ ‫فظ القُلو ِ‬
‫وح ِ‬
‫األعراض ِ‬
‫ِ‬ ‫فظ‬
‫لح ِ‬
‫ي ِ‬ ‫وفيه‪ :‬تربِيةٌ ْ‬
‫وإرشا ٌد نبو ٌّ‬
‫الناس‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ب وإ ْفسا ِد العالقا ِ‬
‫ت بيْن‬ ‫إرشا ٌد إلى س ِد الذرائعِ المؤدِي ِة إلى إ ْفسا ِد القُلو ِ‬
‫وفيه‪ْ :‬‬

‫‪13‬‬
‫الحديث الثامن عشر‬

‫عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ " :‬ال ُّد ْنيَا َمتَاعٌ‪َ ،‬و َخي ُْر َمتَاعِ ال ُّد ْنيَا ال َم ْرأَةُ‬
‫صا ِل َحةُ"‬
‫ال َّ‬

‫شرح الحديث‬
‫تيار المرأةِ الصالح ِة للزواجِ؛ ألنها ِمن أعظ ِم النِع ِم على اإل ْنس ِ‬
‫ان في‬ ‫باخ ِ‬‫الرجال والشباب ْ‬
‫ي صلى اللهُ عليه وسلم ِ‬
‫أرشد النب ُّ‬
‫الدُّنيا‪.‬‬
‫ع»‪ ،‬والمتاعُ‪ :‬ما ينت ِف ُع ب ِه اإل ْن ُ‬
‫سان ويستمتِ ُع‪ ،‬وأن خير‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم أن «الدُّنيا متا ٌ‬ ‫ث يُخبِ ُر النب ُّ‬
‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ظر إليها‪ ،‬وبطاعتِها له‪ ،‬وهي عفيفة تحفظ ن ْفسها إذا غاب عنها‪،‬‬ ‫ِين‪ ،‬التي يفر ُح بالن ِ‬ ‫ُ‬
‫صاحبة الد ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫متاعِ الدُّنيا للر ُج ِل الزوجة‬
‫وجها‪.‬‬ ‫ظ ماله؛ فهذا قِوا ُم المرأ ِة الصا ِلح ِة‪ ،‬فهي صالحةٌ في دِينِها ون ْف ِسها‪ ،‬و ُمص ِلحةٌ لحا ِل ز ِ‬ ‫وأمينةٌ تحف ُ‬

‫شر متاعِ الدُّنيا إذا لم ت ُك ْن بتلك ِ‬


‫الصف ِة؛ ألنها إذا لم يمن ْعها الصال ُح‬ ‫وخص هنا منها المرأة وقيدها بالصالحِ ليؤْ ذِن بأنها ُّ‬
‫رغبه في ال ُّدنيا حتى يتهالك فيها‪.‬‬ ‫عن الش ِر كانت عين المفسدةِ‪ ،‬فال تأ ُم ُر زوجها وال ت ُحثُّه إال على ش ٍر‪ ،‬وأق ُّل ذلك ْ‬
‫أن ت ُ ِ‬ ‫ِ‬

‫الحديث التاسع عشر‬

‫َّ‬
‫نساءكن‬ ‫َ‬
‫تدخلن‬ ‫الالتي‬ ‫لن على عائشةَ رضي اللَّه عنها فقالت َّ‬
‫أنتن َّ‬ ‫حمص أو الش َِّام د َخ َ‬‫ٍ‬ ‫إن نسا ًء من‬ ‫َّ‬
‫زوجها‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫س ِمعْتُ رسو َل اللَّ ِه صلَّى اللَّهُ علي ِه وسلَّ َم يقو ُل ما من امرأ ٍة تض ُع ثيابَها في ِ‬
‫غير بي ِ‬ ‫ت َ‬
‫الح َّماما ِ‬
‫َ‬
‫وبين ربِها‬ ‫تر بينَها‬
‫الس َ‬
‫ت ِ‬ ‫َّإَّل هت َ َك ِ‬

‫شرح الحديث‬
‫باس الجاهلي ِة‪ ،‬وبين العُقوبة الشديدة ِلم ْن فعل ْ‬
‫ت‬ ‫برجِ‪ ،‬والتزي ُِّن ب ِل ِ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم النِساء ِمن الت ِ‬
‫عري والت ُّ‬ ‫حذر النب ُّ‬
‫ذلك منهن‪.‬‬
‫بالشام‪ ،‬والشا ُم‪ :‬تق ُع في الشما ِل ِمن الجزيرةِ العربي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ص مدينةٌ‬‫وح ْم ُ‬‫ث إن نِسا ًء ِمن ِح ْمص ‪-‬أو الش ِام‪ِ "-‬‬ ‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫دخلن نِساءكن‬‫ْ‬ ‫رضي اللهُ عنها‪ ،‬فقالت‪ :‬أنتُن الالتي ت ُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سورية واأل ْردن‪ ،‬وفِلسطين ولبنان‪" ،‬دخلن على عائشة ِ‬ ‫ُ‬ ‫ض ُّم حاليًّا‪ُ :‬‬ ‫وت ُ‬
‫لموضعِ االغتِسا ِل بأي ِ ماءٍ كان‪ ،‬والمرا ُد بها‪ :‬أما ُ‬
‫كن‬ ‫ِ‬ ‫الحار‪ ،‬ثم قِيل‬
‫ِ‬ ‫بالماء‬
‫ِ‬ ‫وض ُع االغتِسا ِل‬
‫الحماماتِ!" والحما ُم م ِ‬
‫وجها"‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫تز ِ‬ ‫حمام العامةُ‪" ،‬س ِم ْعتُ رسول الل ِه صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ‪ :‬ما ِمن امرأةٍ تض ُع ثِيابها في غي ِر بي ِ‬ ‫االستِ ِ‬
‫تر‬
‫الس ِ‬
‫ت ما بيْنها وبيْن الل ِه ِمن ِ‬ ‫ت ومزق ْ‬ ‫الستر بيْنها وبيْن ربِها"‪ ،‬أي‪ :‬قطع ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ف ِمن ثِيابِها وت ْن ِزعُ مالبِسها‪" ،‬إال هتك ِ‬ ‫تتخف ُ‬
‫أن يكون خ ْلعُها لثيا ِبها في‬
‫ي عنه‪ ،‬والمرا ُد بهذا النهيِ‪ :‬هو ْ‬ ‫تحذير شدي ٌد ِمن هذا ال ِفع ِل ون ْه ٌ‬
‫ٌ‬ ‫والصل ِة‪ ،‬وفي هذا‬
‫ِ‬ ‫ياء‬
‫والح ِ‬
‫مواطن يُخشى منها ال ِفتنةُ‪ ،‬وعد ُم ْ‬
‫األم ِن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وجها‬ ‫حذير ِمن خ ْلعِ المرأةِ ثِيابها خارج بي ِ‬
‫تز ِ‬ ‫ث‪ :‬الت ُ‬
‫وفي ال َحدي ِ‬

‫‪14‬‬
‫الحديث العشرون‬

‫رأس رج ٍل بِ ِم ْخيَ ٍط من حدي ٍد ٌ‬


‫خير من أن‬ ‫عن معقل بن يسار قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪َ " :‬أل ْن يُطعَ َن في ِ‬
‫س امرأةً َّل ت َ ِح ُّل له"‬
‫ي َم َّ‬

‫شرح الحديث‬
‫ض ُّر ال ُمجْ تمع‪ ،‬ويُؤدِي إلى‬ ‫صو ِر الفسا ِد وأسْبابِه‪ ،‬وما ي ُ‬ ‫ت كل ُ‬ ‫ت عليْها‪ ،‬وحارب ْ‬ ‫ت الشريعةُ اإلسْالميةُ الفضائل‪ ،‬وحث ْ‬ ‫لقد حم ِ‬
‫بم ْخيطٍ ِمن حدي ٍد"‪ ،‬بم ْعنى‪ :‬أل ْن‬ ‫ْ‬
‫ُطعن في رأ ِس ر ُج ٍل ِ‬ ‫ث يقو ُل الرسو ُل صلى اللهُ عليْه وسلم‪" :‬أل ْن ي ْ‬ ‫ا ْن ِحال ِله‪ .‬وفي هذا الحدي ِ‬
‫بالذ ْك ِر؛ ألنه‬
‫الم ْخيط ِ‬
‫صنوع ِة ِمن الحديدِ‪ ،‬وخص ِ‬ ‫يُضْرب الر ُج ُل في رأْ ِسه بشيءٍ مما يُخا ُ‬
‫ط به ِمن اإلبْرةِ ونحْ ِوها‪ ،‬الم ْ‬
‫ب في الرأْ ِس‬ ‫أن يمس ْامرأة ً ال ت ِح ُّل له"‪ ،‬أي‪ :‬فذلك الض ْر ُ‬ ‫ير ِمن ْ‬‫اإليالم‪" ،‬خ ٌ‬
‫ِ‬ ‫يره‪ ،‬وأشد وأ ْقوى في‬ ‫ب ِمن غ ِ‬‫صع ُ‬ ‫ب وأ ْ‬ ‫صل ُ‬ ‫أ ْ‬
‫حق‪ .‬وإذا كان هذا في ُمجر ِد الم ِس‪ ،‬فما بالُك بما ف ْوقه ِمن نحْ ِو‬ ‫ير وجْ ِه ٍ‬ ‫أن ي ْل ِمس ْامرأة ً أجْ ن ِبيةً عنه بغ ِ‬
‫أ ْفض ُل للر ُج ِل ِمن ْ‬
‫ساء‬
‫رام مع النِ ِ‬ ‫حْذير شدي ٌد ِمن ُ‬
‫الوقوعِ في الح ِ‬ ‫الفاحش ِة؟! فهو أش ُّد ُح ْرمةً‪ .‬وفي الحديثِ‪ :‬ت ٌ‬ ‫ِ‬ ‫قُبْل ٍة و ُمباشرةٍ‪ ،‬أو ُوقوعٍ في‬
‫األجْ نبِياتِ‪.‬‬
‫ْراض‪.‬‬ ‫ساء؛ ِح ْف ً‬
‫ظا لألع ِ‬ ‫ق مع النِ ِ‬ ‫وفيه‪ :‬س ُّد الذرائِعِ ال ُمؤدِي ِة إلى فسا ِد ْ‬
‫األخال ِ‬

‫الحديث الحادي والعشرون‬

‫المرء تركُه ما َّل يَعني ِه"‬


‫ِ‬ ‫إسالم‬
‫ِ‬ ‫سن‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ " :‬من ُح ِ‬

‫شرح الحديث‬
‫ق ويمد ُحها‪ ،‬ويُحذ ُِر‬ ‫ث على فضائِ ِل ْ‬
‫األخال ِ‬ ‫وكثيرا ما كان ي ُح ُّ‬
‫ً‬ ‫ق‪،‬‬ ‫ْ‬
‫باألخال ِ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم يهت ُّم اهتِما ًما با ِلغًا‬ ‫كان النب ُّ‬
‫لمر ِء ت ْر ُكه ما ال‬ ‫إسالم ا ْ‬
‫ِ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم‪ِ " :‬من ُح ِ‬
‫سن‬ ‫ث يقو ُل النب ُّ‬ ‫ق ويذُ ُّمها‪ ،‬وفي هذا الحدي ِ‬ ‫ئ ْ‬
‫األخال ِ‬ ‫ِمن مسا ِو ِ‬
‫صه وال يُ ِه ُّمه وما ال يُفي ُدهُ ِمن‬‫وتمام إيمانِ ِه‪ ،‬ابتِعادُه عما ال ي ُخ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ْالم ال ُمس ِل ِم‬‫حاسن إس ِ‬‫ِ‬ ‫يعني ِه"‪ ،‬والم ْقصو ُد أن ِمن كما ِل م‬
‫موم‬
‫ع ِ‬ ‫ضا في ُ‬ ‫يرهِ‪ ،‬وعد ُم تطفُّ ِل ِه على غ ِ‬
‫ير ِه فيما ال ينفعُهُ وال يُفي ُدهُ‪ ،‬ويد ُخ ُل أي ً‬ ‫ؤون غ ِ‬
‫ش ِ‬ ‫األ ْقوا ِل واأل ْفعا ِل‪ ،‬وعد ُم تد ُّخ ِله في ُ‬
‫ي صلى اللهُ عليه وسلم‪ ،‬وكذلك ما ال يُحتا ُج إليه ِمن‬ ‫كرههُ النب ُّ‬‫الم ْعنى‪ :‬االبتِعا ُد عما ال يعني مما حرم اللهُ عز وجل وما ِ‬
‫األمور الدُّنيوية؛ بل إن مما ال‬ ‫ِ‬ ‫محصورا في‬
‫ً‬ ‫الم واأل ْفعا ِل واألحْ وا ِل؛ فمما ال يعني اإلنسان ليس‬ ‫فُضو ِل ال ُمباحا ِ‬
‫ت ِمن الك ِ‬
‫ُ‬
‫والبحث عن‬ ‫واألم ِر‪ ،‬ومنها السؤا ُل‬‫ْ‬ ‫الحكم في الخ ْل ِ‬
‫ق‬ ‫ب وتفاصي ِل ِ‬ ‫ق الغي ِ‬ ‫مور أخروي ٍة كحقائ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫متعل ٌق بأ ٍ‬
‫ضا ما هو ِ‬ ‫يعنيه أي ً‬
‫عها‪.‬‬ ‫مسائِل ُمقدرةٍ و ُمفترض ٍة لم تق ْع‪ ،‬أو ال تكا ُد تق ُع‪ ،‬أو ال يُتصو ُر وقو ُ‬
‫ِين والدُّنيا ‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫الحث على االن ِشغا ِل بما ينف ُع ويُفي ُد في الد ِ‬ ‫ث‪:‬‬
‫وفي ال َحدي ِ‬

‫‪19‬‬
‫الحديث الثاني والعشرون‬

‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه أن اللَّهَ قا َل‪َ :‬من عادَى لي‬
‫ع ْبدِي‬ ‫ضتُ عليه‪ ،‬وما يَزا ُل َ‬ ‫ي م َّما ْ‬
‫افت َ َر ْ‬ ‫ب إلَ َّ‬ ‫َيء أ َح َّ‬
‫ع ْبدِي بش ٍ‬ ‫ي َ‬ ‫ب إلَ َّ‬‫ب‪ ،‬وما تَقَ َّر َ‬ ‫َو ِليًّا فقَ ْد آ َذ ْنتُهُ بال َح ْر ِ‬
‫ْص ُر به‪ ،‬ويَ َدهُ‬ ‫ص َرهُ الَّذي يُب ِ‬ ‫س َم ُع به‪ ،‬وبَ َ‬ ‫س ْمعَهُ الَّذي يَ ْ‬ ‫ي بالنَّوافِ ِل حتَّى أ ُ ِحبَّهُ‪ ،‬فإذا أحْ بَ ْبتُهُ‪ُ ،‬ك ْنتُ َ‬ ‫ب إلَ َّ‬‫يَتَقَ َّر ُ‬
‫ستَعا َذنِي َأل ُ ِعي َذنَّهُ‪ ،‬وما ت َ َر َّد ْدتُ عن‬‫سأَلَنِي َألُع ِْطيَنَّهُ‪ ،‬ولَ ِئ ِن ا ْ‬
‫وإن َ‬‫شي بها‪ْ ،‬‬ ‫ورجْ لَهُ الَّتي يَ ْم ِ‬
‫ش بها‪ِ ،‬‬ ‫الَّتي يَب ِْط ُ‬
‫َيء أنا فا ِعلُهُ ت َ َر ُّددِي عن نَ ْف ِس ال ُم ْؤ ِم ِن؛ يَ ْك َرهُ ال َم ْوتَ ‪ ،‬وأنا أ ْك َرهُ َمسا َءتَهُ‪.‬‬ ‫ش ٍ‬

‫شرح الحديث‬
‫واآلخرةِ‪ ،‬ويزدا ُد التحري ُم ِشدةً‪،‬‬
‫ِ‬ ‫األليم في الدُّنيا‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫حق‪ ،‬وتوعد ال ُمجترئ على ذلك بال ِعقا ِ‬ ‫حرم اللهُ إيذاء ال ُم ِ‬
‫ؤم ِن بغي ِْر ٍ‬
‫ب ُخطورةً؛ إذا كان الواق ُع عليه اإليذا ُء أحد الصالحين‪.‬‬‫ويزدا ُد الوعي ُد بالعقا ِ‬
‫ث القُدسي ِ يُخبِ ُر رسو ُل الل ِه صلى اللهُ عليه وسلم أن الله عز وجل قال‪« :‬من عادى لي و ِليًّا»‪ ،‬أي‪ :‬ألحق‬ ‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ص في ِعبادتِه‪.‬‬
‫ب على طاعتِه‪ ،‬ال ُمخ ِل ُ‬
‫المواظ ُ‬
‫ِ‬ ‫ي‪ ،‬العا ِل ُم بالل ِه تعالى‪،‬‬‫ؤم ُن التق ُّ‬
‫ي‪ :‬هو ال ُم ِ‬
‫أولياء الل ِه‪ ،‬والو ِل ُّ‬
‫ِ‬ ‫األذى بولي ٍ ِمن‬
‫الحق ِرعايته‪ ،‬أو هو الذي يتولى ِعبادة‬ ‫ُّ‬ ‫سبحانه وتعالى ْأمره وال ي ِكلُه إلى ن ْف ِسه لحْ ظةً‪ْ ،‬‬
‫بل يتولى‬ ‫ضا من يتولى اللهُ ُ‬ ‫وهو أي ً‬
‫ٌ‬
‫صيان‪.‬‬ ‫أن يتخللها ِع‬ ‫الل ِه وطاعته‪ ،‬ف ِعباداتُه تجْ ري على التوالي ِمن غي ِْر ْ‬
‫سبحانه الحرب عليه‪ ،‬وهذا فيه الغايةُ القُصوى ِمن التهديدِ؛ إذ من حاربه اللهُ وعامله‬
‫فمن عادى و ِلي الل ِه‪ ،‬فق ْد أعلن اللهُ ُ‬
‫حرب الل ِه؟!‬ ‫ب‪ ،‬فهو هالكٌ ال محالة‪ ،‬ومن ي ُ‬
‫ُطيق ْ‬ ‫المحار ِ‬
‫ِ‬ ‫ُمعاملة‬
‫ضتُه عليه»‪ ،‬أي‪ :‬أوج ْبتُه عليه؛ فالصلواتُ الخ ُ‬
‫مس‬ ‫سبحانه‪« :‬وما تقرب إلي عبْدي بشيءٍ أحب إلي مما افتر ْ‬ ‫ثم قال الح ُّق ُ‬
‫والخميس‪،‬‬
‫ِ‬ ‫نين‬
‫صيام االث ِ‬ ‫ِ‬ ‫وصيا ُم رمضان أحبُّ إلى الله من‬ ‫قيام اللي ِل‪ ،‬وأحبُّ إلى الل ِه ِمن النوافِ ِل‪ِ ،‬‬
‫أحبُّ إلى الل ِه ِمن ِ‬
‫ب إلي بالنواف ِل» مع‬ ‫ض أحبُّ إلى الل ِه وأوكدُ‪« .‬وما يزا ُل عبْدي يتقر ُ‬ ‫الست ِة ِمن شوا ٍل‪ ،‬وما أشبهها؛ فالفرائِ ُ‬ ‫واألي ِام ِ‬
‫ب إلى الل ِه‪ ،‬وهي‬ ‫وغيرهما من أعما ِل البِ ِر والطاع ِة التي ليست من الفريض ِة؛ فالنوافِ ُل تُق ِر ُ‬ ‫ِ‬ ‫يام‪،‬‬
‫والص ِ‬
‫ِ‬ ‫الفرائض‪ ،‬كالصالةِ‬
‫ِ‬
‫سبحانه‬ ‫ض‪ ،‬نال محبة الل ِه‪ ،‬في ُِحبُّه اللهُ‪ ،‬وإذا أحبه كان اللهُ ُ‬ ‫قيامه بالفرائِ ِ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان ِمن النوافِ ِل مع ِ‬ ‫تُك ِم ُل الفرائِض‪ ،‬فإذا أكثر‬
‫ُ‬
‫يكون ُمس ِددًا له في‬ ‫ورجْ له التي ي ْم ِشي بها‪ ،‬يعني أنه‬ ‫ش بها‪ِ ،‬‬ ‫بط ُ‬‫ُبص ُر به‪ ،‬ويدهُ التي ي ِ‬
‫س ْمعه الذي يسم ُع به‪ ،‬وبص ُره الذي ي ِ‬
‫يحبُّ اللهُ‬ ‫ظ ُر إال إلى ما ِ‬ ‫ُرضي الله‪ ،‬ويُس ِددُه في بص ِره‪ ،‬فال ين ُ‬‫ضاء األربع ِة؛ يُس ِددُه في سم ِعه‪ ،‬فال يسم ُع إال ما ي ِ‬ ‫هذه األع ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫النظر إليه‪ ،‬وال ينظ ُر إلى المحر ِم‪ ،‬ويُس ِددُه في يدِه‪ ،‬فال يعم ُل بيدِه إال ما يُرضي الله؛ ألن الله يُس ِددُه‪ ،‬وكذلك ِرجْ له‪ ،‬فال‬
‫الخير‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يمشي إال إلى ما يُرضي الله؛ ألن الله يُس ِددُه‪ ،‬فال يسعى إال إلى ما فيه‬
‫ولئن استعاذ بالل ِه ولجأ إليه طلبًا للحماي ِة‪ ،‬فإن الله‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيكون ُمجاب الدعوةِ‪،‬‬ ‫وإن سأل الله شيئًا فإن الله يعطيه ما سأل‪،‬‬
‫سبحانه يُعيذُه ويحميه مما ي ُ‬
‫خاف‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ؤم ِن» وليْس هذا التر ُّد ُد ِمن أجْ ِل الش ِك في المصلح ِة‪ ،‬وال ِمن أجْ ِل‬ ‫«وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه تردُّدي عن ن ْف ِس ال ُم ِ‬
‫تعليال لهذا التر ُّد ِد‪« :‬ي ْكرهُ‬
‫ً‬ ‫ؤم ِن‪ ،‬ولهذا قال اللهُ‬
‫بل هو ِمن أجْ ِل رحم ِة هذا العب ِد ال ُم ِ‬ ‫الش ِك في القُدرةِ على فِع ِل الش ِ‬
‫يء‪ْ ،‬‬
‫صعوبتِه‪.‬‬‫تو ُ‬ ‫العظيم‪« ،‬وأنا أ ْكرهُ مساءتهُ»؛ ِلما ي ْلقى ال ُم ِ‬
‫ؤم ُن ِمن المو ِ‬ ‫ِ‬ ‫األلم‬
‫الم ْوت» ِلما فيه من ِ‬
‫ويحبُّ‬
‫يحبُّها ِ‬
‫يحبُّها‪ ،‬ثم اجتهد في النوا ِف ِل التي ِ‬
‫ض‪ ،‬وهو ِ‬ ‫ب إليه ً‬
‫أوال بالفرا ِئ ِ‬ ‫فالعب ُد الذي صار محبوبًا للح ِ‬
‫ق ُم ِحبًّا له‪ ،‬يتقر ُ‬
‫يحبُّ‬‫ق اإلرادةِ؛ بحيث ِ‬‫ص ِد اتفا ِ‬ ‫ق‪ ،‬فأحبه الح ُّق ل ِف ْع ِل محبوبِه من الجانِب ِ‬
‫ين بق ْ‬ ‫ب الح ِ‬‫فا ِعلها‪ ،‬فأتى ب ُك ِل ما يقد ُِر عليه من محبو ِ‬
‫محاب‬
‫ِ‬ ‫سوء عبْده ومحبوبه‪ ،‬فل ِزم ِمن هذا أن يكره الموت؛ ليزداد ِمن‬ ‫ب يكرهُ أن ي ُ‬‫يحبُّه‪ ،‬ويكرهُ ما يكر ُهه محبوبُه‪ ،‬والر ُ‬‫ما ِ‬
‫‪16‬‬
‫سبحانه وتعالى قد قضى بالموتِ‪ ،‬ف ُك ُّل ما قضى به فهو يريدُه‪ ،‬وال بُد منه؛ فالربُّ ُمري ٌد ِلموتِه ِلما سبق به‬ ‫محبو ِبه‪ ،‬واللهُ ُ‬
‫ق ِمن وجهٍ‪،‬‬ ‫ص ُل له بالموتِ؛ فصار الموتُ ُمرادًا للح ِ‬ ‫قضاؤُ ه‪ ،‬وهو مع ذلك كارهٌ لمساءةِ عبدِه‪ ،‬وهي المساءة ُ التي تح ُ‬
‫مكرو ًها له من وجهٍ‪ ،‬وهذا حقيقةُ التر ُّددِ‪.‬‬
‫أولياء الل ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إيذاء‬
‫ِ‬ ‫هي عن‬
‫ث‪ :‬الن ُ‬
‫وفي ال َحدي ِ‬
‫ض ِلهم‪.‬‬
‫واالعتراف بف ْ‬
‫ِ‬ ‫حمن‪،‬‬
‫أولياء الر ِ‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫رغيب في ُح ِ‬
‫ُ‬ ‫وفيه‪ :‬الت‬
‫الفرائض‪ ،‬وأفض ُل القُ ُربات ب ْعدها فِع ُل النواف ِل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وفيه‪ :‬أن أحب األعما ِل فِع ُل‬
‫نزلتِهم‪.‬‬
‫ورفع ِة م ِ‬
‫األولياء ِ‬
‫ِ‬ ‫وفيه‪ :‬داللةٌ على شر ِ‬
‫ف‬

‫الحديث الثالث والعشرون‬

‫ت ‪ ،‬احفَ ِظ اللَّهَ يحفَظكَ ‪،‬‬


‫أعل ُمكَ ك ِلما ٍ‬
‫غال ُم إنِي ِ‬ ‫عن عبد الله بن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪ " :‬يا ُ‬
‫أن األ َّمةَ لو اجتَمعت‬
‫احفَ ِظ اللَّهَ ت َ ِج ْدهُ تجاهَكَ ‪ ،‬إذا سأَلتَ فاسأ ِل اللَّهَ ‪ ،‬وإذا استعَنتَ فاست َ ِعن باللَّ ِه ‪ ،‬واعلَم َّ‬
‫يضروكَ بش ٍ‬
‫َيء لم‬ ‫ُّ‬ ‫بشيء قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ‪ ،‬وإن اجت َ َمعوا على أن‬
‫ٍ‬ ‫علَى أن ينفَعوكَ بش ٍ‬
‫َيء لم يَنفعوكَ َّإَّل‬
‫حف"‬ ‫ص ُ‬ ‫ت األقال ُم وجفَّ ِ‬
‫ت ال ُّ‬ ‫بشيء قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ‪ُ ،‬رفِعَ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ضروكَ َّإَّل‬‫يَ ُّ‬

‫شرح الحديث‬

‫الجامعة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وامع الك ِل ِم‪ ،‬فكان صلى اللهُ عليه وسلم يجم ُع الموا ِعظ الجمة والوصايا‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم ج ِ‬ ‫أُوتِي النب ُّ‬
‫غار وتعلي ُمهم أمور دِينِهم؛ ِمن العقيدةِ‬ ‫الكالم القلي ِل‪ ،‬وكان ِمن ه ْديِه عليه الصالة ُ والسال ُم تربيةُ ِ‬
‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫والحكم البا ِلغة في‬
‫ِ‬
‫ُّ‬
‫الصحيح ِة و ُحس ِْن التوك ِل على الل ِه‪.‬‬
‫غير الذي لم‬ ‫ي الص ُ‬ ‫اس‪" :‬يا غال ُم"‪ ،‬والغُال ُم هو الصب ُّ‬
‫بن عب ٍ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم ِلعب ِد الل ِه ِ‬ ‫ث يقو ُل النب ُّ‬‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ظ ُحدوده و ُحقوقه‬ ‫مورا وأشياء ينفعُك اللهُ بها‪ ،‬احف ِظ الله"‪ ،‬أي‪ :‬احْ ف ْ‬ ‫عل ُمك أ ُ ً‬
‫ت"‪ ،‬أي‪ :‬أ ُ ِ‬ ‫يبلُغِ ال ُحلُم بعدُ‪" ،‬إنِي أ ُ ِ‬
‫عل ُمك ك ِلما ٍ‬
‫واآلثام‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ت والقُرباتِ‪ ،‬وال ي ِجدُك في المعاصي‬ ‫بحيث ي ِجدُك في الطاعا ِ‬ ‫ُ‬ ‫أوام ِره ونواهيه‬ ‫ق الله في ِ‬ ‫وأوامره ونواهيه‪ ،‬فات ِ‬
‫ت ويحفظك في نف ِسك وأه ِلك وما ِلك‬ ‫رور والموبِقا ِ‬
‫ش ِ‬ ‫ظك"‪ ،‬أي‪ :‬إذا اتقيته وح ِفظته كان جزاؤُك أن يصونك ِمن ال ُّ‬ ‫"يحْ ف ْ‬
‫واآلخرة‬
‫ِ‬ ‫مكار ِه الدُّنيا‬
‫ِ‬ ‫ودِينِك ودُنياك‪ ،‬ويحفظك ِمن‬
‫ب المعاصي‪" ،‬ت ِجدْه تُجاهك"‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنك‬ ‫األوام ِر والنواهي‪ْ ،‬‬
‫والز ِم الطاعاتِ‪ ،‬وال تقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق الله في‬‫"احف ِظ الله"‪ ،‬أي‪ :‬ات ِ‬
‫ُ‬
‫بحيث ت ُ ْغنى بال ُك ِلي ِة عن نظ ِرك‬ ‫حاضر تِلقاءك وقُدامك في مقام إحسانك وإيقانك وكمال إيمانك‪ ،‬كأنك تراه‬‫ٌ‬ ‫ت ِجدُه حينئ ٍذ كأنه‬
‫ُسه ُل لك األمور التي‬ ‫ص ُرك في ُم ِهماتِك أينما توجهت‪ ،‬وي ِ‬ ‫ظت طاعة الل ِه وجدته يحف ُ‬
‫ظك وين ُ‬ ‫ما ِسواه‪ ،‬وقيل‪ :‬المعنى‪ :‬إذا ح ِف ْ‬
‫تج ُد ِعنايته ورأفته قريبًا منك؛ يُراعيك في جميعِ الحاالتِ‪ ،‬ويُن ِقذُك ِمن جميعِ المضرا ِ‬
‫ت‪.‬‬ ‫قصدت‪ ،‬وقيل المعنى‪ِ :‬‬
‫"إذا سألت فاسأ ِل الله"‪ ،‬أي‪ :‬إذا أردت أن تطلُب شيئًا‪ ،‬فال تطلُبْ إال ِمن الل ِه‪" ،‬وإذا استعنت فاست ِع ْن بالل ِه"‪ ،‬أي‪ :‬وإذا أردت‬
‫ث على التو ُّج ِه إِلى الل ِه‬ ‫األم ِر ِزيادة ً في الح ِ‬ ‫العون فال تطلُ ِ‬
‫ب العون إال ِمن الل ِه وال تست ِع ْن إال بالل ِه‪" ،‬واعْل ْم"‪ ،‬كرر فِعل ْ‬
‫ي‪ :‬ل ْم ي ْقد ُِروا أ ْن ي ْنفعُوك‪،‬‬‫ِيرا "على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك" أ ْ‬ ‫ضا وت ْقد ً‬
‫ت ف ْر ً‬ ‫تعالى "أن األُمة لو اجتمعت"‪ ،‬أيِ‪ :‬اتفق ْ‬
‫حصل منفعةً إال ما‬ ‫قين أنه لن يكون إال ما قدره اللهُ لك؛ فلن ت ُ ِ‬ ‫"إال بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك"‪ ،‬والمعنى‪ :‬و ْلي ُك ْن ِعندك ِعل ٌم وي ٌ‬
‫‪17‬‬
‫ض ُّروك إال بشيءٍ‬ ‫ض ُّروك بشيءٍ لم ي ُ‬‫"وإن اجتمعوا على أن ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫األرض جميعًا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫كتبه الله لك‪ ،‬ولو اجتمع على منفعتِك أه ُل‬
‫ضا أنك لن ترى إال ما قدره اللهُ عليك‪ ،‬فلن يبلُغك ُ‬
‫ض ٌّر إال ما قدره اللهُ‬ ‫قد كتبه اللهُ عليك"‪ ،‬أي‪ :‬و ْلي ُك ْن ِعندك ِعل ٌم أي ً‬
‫كم المقر ِر في االعتقا ِد أن اجتِماعهم على إيصا ِل‬ ‫األرض جميعًا‪ ،‬وهذا ُمت ِف ٌق مع ال ُح ِ‬
‫ِ‬ ‫ض ِرك أه ُل‬ ‫عليك‪ ،‬ولو اجتمع على ُ‬
‫ب‪ ،‬فهو‬ ‫ب والمهر ِ‬ ‫وحد الله في المطل ِ‬‫بدون مشيئ ِة الل ِه ِمن ال ُمحا ِل‪ ،‬و ُخالصةُ المعنى أن المطلوب ِمنك أن ت ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫النِفعِ والض ُِّر‬
‫ار الناف ُع‪ ،‬والمعطي المان ُع‪.‬‬‫الض ُّ‬
‫ت‬
‫كام‪" ،‬وجف ِ‬‫ورفِع القل ُم‪ ،‬فال ِزيادة وال نُ ْقصان في ِكتاب ِة األحْ ِ‬‫ق جميعًا‪ُ ،‬‬ ‫" ُرفِعت األقال ُم"‪ ،‬أي‪ُ :‬كتِبت م ُ‬
‫قادير الخالئ ِ‬
‫ق‪ ،‬فال تبْديل وال ت ْغيير‪ ،‬فك ُّل شيءٍ قد ُكتِب في‬ ‫قادير الخالئ ِ‬
‫حف بما كتبته األقال ُم فيها ِمن م ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫حف"‪ ،‬أي‪ :‬جفت ال ُّ‬ ‫ص ُ‬ ‫ال ُّ‬
‫ب في الشاه ِد ِمن كتابتِه‪،‬‬
‫فاف الصحيف ِة؛ تشبي ًها بفراغِ الكات ِ‬‫القضاء والقد ِر بر ْفعِ القل ِم‪ ،‬وج ِ‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫المحفوظ؛ فعبر عن س ْب ِ‬
‫ِ‬ ‫اللوحِ‬
‫سبحانه؛‬ ‫كل أعما ِلها‪ ،‬وأال تخاف غيره ُ‬ ‫وأن تُراقِبه في ِ‬ ‫ق مع الل ِه‪ْ ،‬‬ ‫بصد ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وهذا كله ِمن التربي ِة النبوي ِة لألم ِة على أن تتعامل ِ‬
‫المفاهيم الط ِيب ِة فينشؤوا وي ِشبُّوا عليها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فم ْنه النف ُع والض ُّر‪ ،‬وأن تُربِي أطفالها على هذه‬ ‫ِ‬
‫وتفردِه‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫شهو ِد توحيدِه‬ ‫فويض األ ُ ِ‬
‫مور إليه‪ ،‬والتو ُّك ِل عليه‪ ،‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫وهذا الح ُ‬
‫ديث أص ٌل عظي ٌم في ُمراقب ِة الل ِه‪ ،‬و ُمراعاةِ حقوقِه‪ ،‬وت‬
‫األولياء والصا ِلحين‬
‫ِ‬ ‫ير الله ِمن‬
‫رد على من اعتقد النفع والضر في غ ِ‬ ‫وافتقارهم إليه وحده‪ ،‬وفيه أبل ُغ ٍ‬‫ِ‬ ‫كلهم‬‫ق ِ‬
‫وعجْ ِز الخالئ ِ‬
‫ُون الل ِه تعالى‪.‬‬
‫القبور‪ ،‬أو سألهم واستعان ِبهم ِمن د ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأه ِل‬
‫أوام ِره ونواهيه‪.‬‬
‫فظ الل ِه عز وجل في ِ‬ ‫ُّ‬
‫الحث على ِح ِ‬ ‫ث‪:‬‬
‫وفي ال َحدي ِ‬
‫العون ِمن الل ِه عز وجل وحْ ده‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ُّ‬
‫الحث على طل ِ‬ ‫وفيه‪:‬‬

‫الحديث الرابع والعشرون‬

‫س ِم َع َرسو َل اللَّ ِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّ َم يقو ُل‪ُ :‬كلُّ ُك ْم َراعٍ‬ ‫عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنَّهُ َ‬
‫سؤُو ٌل عن‬ ‫والر ُج ُل في أ ْه ِل ِه َراعٍ وهو َم ْ‬ ‫َّ‬ ‫سؤُو ٌل عن َر ِعيَّتِ ِه‪،‬‬‫اإل َما ُم َراعٍ وهو َم ْ‬ ‫سؤُو ٌل عن َر ِعيَّتِ ِه؛ فَ ِ‬ ‫و َم ْ‬
‫سيِ ِد ِه َراعٍ وهو‬ ‫سؤُولَةٌ عن َر ِعيَّتِ َها‪ ،‬وال َخا ِد ُم في َما ِل َ‬ ‫ت َز ْو ِج َها َرا ِعيَةٌ وهي َم ْ‬ ‫َر ِعيَّتِ ِه‪ ،‬وال َم ْرأَةُ في بَ ْي ِ‬
‫ي صلَّى اللهُ‬ ‫ب النَّب َّ‬ ‫س ُ‬‫س ِمعْتُ َهؤ ََُّل ِء ِمن َرسو ِل اللَّ ِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّ َم‪ ،‬وأَحْ ِ‬ ‫سؤُو ٌل عن َر ِع َّي ِت ِه‪ .‬قا َل‪ :‬فَ َ‬ ‫َم ْ‬
‫سؤُو ٌل عن‬ ‫سؤُو ٌل عن َر ِع َّي ِت ِه‪ ،‬فَ ُكلُّ ُك ْم َراعٍ و ُكلُّ ُك ْم َم ْ‬ ‫والر ُج ُل في َما ِل أ ِبي ِه َراعٍ وهو َم ْ‬ ‫َّ‬ ‫عليه وسلَّ َم قا َل‪:‬‬
‫َر ِعيَّ ِت ِه"‬

‫شرح الحديث‬
‫غير ُمؤه ٍل له‪ ،‬فإذا تعينت المسؤوليةُ عليه ل ِزمه‬ ‫سا إال ُوسْعها‪ ،‬وواجبٌ على العب ِد أال يُقدِم ن ْفسه ٍ‬
‫ألمر وهو ُ‬ ‫ف اللهُ ن ْف ً‬
‫ُكل ُ‬
‫ال ي ِ‬
‫بحقها‪ ،‬وسيُسْأ ُل عنها أمام الل ِه عز وجل‪.‬‬ ‫القيا ُم ِ‬
‫القيام بواجبِه نحْ و ما خوله اللهُ عليه‪ ،‬فيُخ ِب ُر صلى‬ ‫ِ‬ ‫فر ٍد ِمن أُمتِه إلى‬
‫ي صلى اللهُ عليه وسلم كل ْ‬ ‫ث يُر ِش ُد النب ُّ‬‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫سلم في هذه األم ِة إال وتحْ ته من ي ْرعاهم ويتحم ُل مسؤوليتهم‪ ،‬فيقو ُل‪ُ « :‬كلُّ ُكم راعٍ ومسؤو ٌل عن‬ ‫اللهُ عليه وسلم أنه ما ِمن ُم ٍ‬
‫ُ‬
‫سن التع ُّه ِد له‪ ،‬والراعي‪ :‬هو الحافِظ ال ُمؤْ تم ُن ال ُملت ِز ُم صالح ما قام عليه‪ ،‬ف ُك ُّل من‬ ‫يء و ُح ُ‬ ‫ظ الش ِ‬ ‫ْي‪ :‬هو ِحف ُ‬ ‫رعيتِه»‪ ،‬والرع ُ‬
‫الرعاي ِة‬ ‫إن وفى ما عليه ِمن ِ‬ ‫والقيام بمصا ِل ِحه في دِينِه و ُد ْنياهُ و ُمتع ِلقاتِه‪ ،‬ف ْ‬
‫ِ‬ ‫كان تحْت نظ ِره شي ٌء فهو ُمطالبٌ بالعد ِل في ِه‬
‫وإن كان غير ذلك طالبه ك ُّل أح ٍد ِمن رعيتِه بِح ِق ِه‪ ،‬واللهُ عز وجل سائلُه عن تلك‬ ‫ظ األوف ُر والجزا ُء األكب ُر‪ْ ،‬‬ ‫حصل له الح ُّ‬
‫إن فرط في ُحقوقِها‪.‬‬ ‫الرعي ِة ْ‬

‫‪18‬‬
‫ظ رعيتِه فيما تعين‬ ‫ثُم فصل صلى اللهُ عليه وسلم ما أجْ مله‪ :‬فاإلما ُم األعْظ ُم ‪-‬الخليفةُ‪ -‬راعٍ فيما اسْت ْرعاه اللهُ‪ ،‬فعليه ِح ْف ُ‬
‫ب عنها‪ ،‬وعد ِم إ ْهما ِل ُحدودِهم‪ ،‬وتضْييعِ ُحقوقِهم وت ْر ِك ِحمايتِهم ِممن جار عليهم‪ ،‬و ُمجاهدةِ‬ ‫عليه ِمن ِح ْف ِظ شرائِ ِعهم والذ ِ‬
‫ب أجْ ره إال ِمن الل ِه‪ ،‬وهو مسؤو ٌل عن رعيتِه‪.‬‬ ‫ف في ِهم إال بإ ْذ ِن الل ِه ورسو ِله‪ ،‬وال يطلُ ُ‬
‫ع ُد ِوهم‪ ،‬فال يتصر ُ‬
‫ويمهم‪ ،‬وهو مسؤو ٌل عن‬ ‫ق في النفق ِة و ُحس ِْن ال ُمعاشر ِة‪ ،‬وت ْق ِ‬
‫بالقيام عليهم بالح ِ‬
‫ِ‬ ‫يرها‪ -‬راعٍ‬ ‫والر ُج ُل في أ ْه ِله ‪-‬زوجتِه وغ ِ‬
‫رعيتِه‪.‬‬
‫دبير في ْأم ِر بيتِه‪ ،‬وتربي ِة أوالدِه‪ ،‬والتع ُّه ِد ِلخد ِمه وأضيافِه‪ ،‬وهي مسؤولةٌ عن‬ ‫وجها راعيةٌ بِ ُح ِ‬
‫سن الت ِ‬ ‫والم ْرأة ُ في ب ْي ِ‬
‫تز ِ‬
‫رعيتِها‪.‬‬
‫وخدمتِه‪ ،‬وهو مسؤو ٌل عن‬
‫فظ ما في يدِه ِمنه ِ‬
‫بح ِ‬
‫بالقيام ِ‬
‫ِ‬ ‫عمو ًما‪ -‬في ما ِل سيِدِه راعٍ‬
‫األجير ُ‬
‫ُ‬ ‫والخا ِد ُم ‪-‬أي‪ :‬العبدُ‪ ،‬ويد ُخ ُل فيه‬
‫رعيتِه‪.‬‬
‫دبير مصلح ِته‪ ،‬وهو مسؤو ٌل عن رعيتِه‪.‬‬
‫فظه وت ِ‬ ‫والر ُج ُل في ما ِل أبي ِه راعٍ ِ‬
‫بح ِ‬
‫ف ُكلُّكم راعٍ‪ ،‬و ُكلُّكم مسؤو ٌل عن رعيتِه‪ ،‬فعمم صلى اللهُ عليه وسلم في أو ِل الحديثِ‪ ،‬ثم خصص‪ ،‬وقسم ال ُخصوصية إلى‬
‫وآخ ًرا‪.‬‬ ‫آخ ًرا تأْكيدًا ِلب ِ‬
‫يان الح ْك ِم أو ًال ِ‬ ‫وجه ِة الم ْرأةِ‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ثم عمم ِ‬
‫ِجه ِة الر ُج ِل ِ‬

‫الحديث الخامس والعشرون‬

‫سو َل الل ِه ﷺ يَقو ُل‪َ " :‬من َرأى ِمنكُم ُمنك ََرا ً فَليُغَيِ ْرهُ‬ ‫س ِمعتُ ِر ُ‬ ‫سعي ٍد ال ُخدري ِ رضي الله عنه قَا َل‪َ :‬‬ ‫ع َْن أَبي َ‬
‫ان"‬
‫ف اإلي َم ِ‬ ‫طع فَ ِبقَلبِه َو َذ ِلكَ أ َ ْ‬
‫ضعَ ُ‬ ‫سانِ ِه‪ ،‬فَ ِإ ْن لَ ْم يَست َ ْ‬
‫طع فَبِ ِل َ‬
‫بِيَ ِد ِه‪ ،‬فَ ِإ ْن لَ ْم يَست َ ْ‬

‫شرح الحديث‬
‫ث‪ :‬يجب على المؤمن إنكار المنكر فإذا استطاع أن يغيره بيده فليفعل وإن لم يستطع فلينكر بلسانه وإن لم‬ ‫وفي الحدي ِ‬
‫يستطع فلينكر بقلبه‬
‫فإنكار المنكر واجب ال يسقط عن المؤمن‬
‫ب استطاعتِه وقُدراتِه‪.‬‬
‫عن ال ُمنك ِر‪ ،‬ك ٌّل بحس ِ‬
‫بالمعروف والنهي ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫األمر‬
‫ِ‬ ‫درجِ في‬
‫األمر بالت ُّ‬
‫ُ‬ ‫وفيه ‪:‬‬
‫اإليمان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫غيير ال ُمنك ِر من‬
‫كون ت ِ‬
‫ِ‬ ‫وفيه‪ُ :‬‬
‫بيان‬
‫بيان أن اإليمان يزي ُد وينقُ ُ‬
‫ص‪.‬‬ ‫وفيه‪ُ :‬‬
‫غيير شيءٍ منها وال من ترتي ِبها‪ ،‬فالمنكر منكرا ً حتى ولو فعله كل الناس ‪،‬‬ ‫ت ال ي ُ‬
‫جوز ت ُ‬ ‫اإلسالم وال ِعبادا ِ‬
‫ِ‬ ‫سنن‬
‫وفيه‪ :‬أن ُ‬
‫والمعروف معروفا ً حتى ولو تركه كل الناس‬

‫‪15‬‬
‫الحديث السادس والعشرون‬

‫سو َل الل ِه َيقُو ُل‪ :‬قَا َل اللهُ ت َ َعالَى‪َ " :‬يا اب َْن آ َ َد َم ِإنَّكَ َما‬ ‫س ِمعْتُ َر ُ‬ ‫ع َْن أَنَ ِس ب ِْن َما ِل ٍك رضي الله عنه قَا َل‪َ :‬‬
‫اء ث ُ َّم‬
‫س َم ِ‬ ‫عنَ َ‬
‫ان ال َّ‬ ‫َان ِم ْنكَ َوَّل أ ُ َبا ِل ْي‪َ ،‬يا اب َْن آ َ َد َم لَو َبلَغَتْ ذُنُوبُكَ َ‬ ‫علَى َما ك َ‬ ‫غفَ ْرتُ لَكَ َ‬ ‫َدعَوت َ ِن ْي َو َر َجوت َ ِن ْي َ‬
‫ش ْيئَا ً ألَت َ ْيت ُكَ‬
‫طا َيا ث ُ َّم ل ِق ْيت َ ِن ْي َّلَ تُش ِْرك ِب ْي َ‬
‫ ِ َخ َ‬ ‫غفَ ْرتُ لَكَ ‪َ ،‬يا اب َْن آ َ َد َم ِإنَّكَ لَو أَت َ ْيتَ ِن ْي ِب ِق َرا ِ‬
‫ب األ َ ْر ِ‬ ‫است َ ْغفَ ْرت َ ِن ْي َ‬
‫ِب ِق َرا ِب َها َمغ ِف َرةً"‬

‫شرح الحديث‬
‫أن يكون هذا الع ْب ُد‬ ‫بشرط ْ‬
‫ِ‬ ‫من عبادِه مهما بلغت‪ْ ،‬‬
‫لكن‬ ‫ب ْ‬ ‫للعاصي والم ْذن ِ‬
‫ِ‬ ‫احمين‪ ،‬ي ْغ ِف ُر الذُّنوب‬
‫الله عز وجل هو أرح ُم الر ِ‬
‫الشرك؛ فإن الله تعالى ال ي ْغ ِف ُره إذا‬ ‫ب تحْ ت مشيئ ِة الل ِه تعالى في ْغ ِف ُر ِل ْ‬
‫من يشا ُء‪ ،‬إال ِ‬ ‫وحدًا لربِه ال يُ ْش ِركُ به شيئًا؛ فك ُّل ذ ْن ٍ‬
‫ُم ِ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان عليه ول ِقيه به‪.‬‬ ‫مات‬
‫ث القدسيِ‪ :‬يا ابن آدم‪" ،‬إنك ما‬ ‫ث يقو ُل رسو ُل الل ِه صلى اللهُ عليه وسلم‪" :‬قال اللهُ تبارك وتعالى" في الحدي ِ‬ ‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫دمت تدْعونِي وت ْرجو رحْ متي‪ ،‬ول ْم تقنط "غف ْرتُ لك"‪ ،‬أي‪ :‬محوتُ ذنبك أيُّها الع ْب ُد الداعي‬ ‫ورجوتني"‪ ،‬أي‪ :‬ما ْ‬
‫ْ‬ ‫دعوتني‬
‫ْ‬
‫وإن كانت‬ ‫والمعاصي ْ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫والمعاصي‪" ،‬وال أبالي"‪ ،‬أي‪ :‬وال أهت ُّم بهذه الذُّنو ِ‬
‫ِ‬ ‫لربه‪" ،‬على ما كان فيك" ِمن الذُّنو ِ‬
‫ب‬ ‫الراجي ِ‬
‫ت"‪ ،‬أي‪ :‬وصل ْ‬
‫ت‪،‬‬ ‫الكبائر وفي عد ِم ُمباالتِه معنى قو ِله‪{ :‬ال يُسْأ ُل عما ي ْفعلُ} [األنبياء‪ ،]23 :‬يا ابن آدم "لو بلغ ْ‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫أقطارها‪ ،‬ولعله‬
‫ِ‬ ‫ماء وما اعترض ِمن‬ ‫ماء"‪ ،‬أي‪ :‬السحاب‪ ،‬أو بمعنى صفائِحِ الس ِ‬ ‫"ذنوبُك" التي ارتكبتها وفعلتها‪" ،‬عنان الس ِ‬
‫ماء التي تراها‪" ،‬ثم" بعد ذلك‪" ،‬استغفرتني"‪،‬‬ ‫نوب إلى الس ِ‬‫ت الذُّ ُ‬ ‫ماء" أي‪ :‬وصل ِ‬ ‫المرا ُد ِمن الحديثِ؛ إذ ُروي‪" :‬أعنان الس ِ‬
‫ْ‬
‫كانت ِمن‬ ‫ب والمعاصي ْ‬
‫وإن‬ ‫والمعاصي‪" ،‬وال أُبالي" بهذه الذُّنو ِ‬
‫ِ‬ ‫أي‪ :‬طلبت المغ ِفرة منِي‪" ،‬غفرتُ لك" هذه الذُّنوب‬
‫احيها‪ ،‬ثم‬‫واألرض بحيث تبلُ ُغ أقطارها وتعُم نو ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكبائر‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنه لو كثُرت ذُنوبُك كثرة ً تمأل ُ ما بين الس ِ‬
‫ماء‬ ‫ِ‬
‫والكثير‪ ،‬والجلي ُل‬
‫ُ‬ ‫االستغفار للمغفرةِ يستوي فيه القلي ُل‬
‫ِ‬ ‫استغفرتني‪ ،‬غفرتُ لك جميعها غير ُمبا ٍل بكثرتِها؛ فإن استِدْعاء‬
‫والحقير‪.‬‬
‫ُ‬
‫عاصي‪" ،‬ثم لقيتني"‪،‬‬‫األرض‪" ،‬خطايا"‪ ،‬أي‪ :‬ذُنوبًا وم ِ‬‫ِ‬ ‫بم ْل ِء‬
‫ب"‪ ،‬أي‪ِ :‬‬ ‫"يا ابن آدم‪ ،‬إنك لو أتيتني"‪ ،‬أي‪ :‬بعد الموتِ‪" ،‬بِقُرا ِ‬
‫والصفاتِ‪" ،‬ألتيت ُك"‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫األسماء‬
‫ِ‬ ‫الربوبي ِة‪ ،‬وال في األلوهي ِة‪ ،‬وال في‬ ‫وحدًا "ال تُش ِركُ بي شيئًا"‪ ،‬ال في ُّ‬ ‫ت ُم ِ‬ ‫أي‪ :‬بعد المو ِ‬
‫رك؛ كما‬
‫الش ِ‬‫بم ْلئِها‪" ،‬مغ ِفرةً"؛ ألنني وا ِس ُع المغفرةِ‪ ،‬وأغ ِف ُر كل شيءٍ دون ِ‬ ‫معاصي‪" ،‬بقُرابها"‪ ،‬أي‪ِ :‬‬ ‫ِ‬ ‫قابلتُ هذه الذُّنوب ْ‬
‫وال‬
‫قال سبْحانه‪{ :‬إِنَّ اللَّهَ ََّل يَ ْغ ِف ُر أ َ ْن يُش َْركَ بِ ِه َويَ ْغ ِف ُر َما ُدونَ َذ ِلكَ ِل َم ْن يَشَا ُء} [النساء‪.]57 ،48 :‬‬
‫إن شاء عفا عنها وإن شاء عاقب‬ ‫ؤمنين يحتا ُج إلى توبةٍ‪ ،‬أو إن ْأمرها بي ِد الل ِه سبحانه‪ْ ،‬‬
‫الكبائر لل ُم ِ‬
‫ِ‬ ‫غفران‬‫وقال العُلما ُء‪ :‬إن ُ‬
‫ب فيها‪.‬‬
‫الحق وي ْعفو بكر ِمه عن المذنِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ق؛ فإنه ال بد ِمن ردِها‪ ،‬أو يُجازي اللهُ بفض ِله صاحب‬ ‫عليها‪ ،‬وكذلك ُح ُ‬
‫قوق الخل ِ‬
‫وحدين الذُّنوب والمعاصي‪.‬‬
‫ث‪ :‬فض ُل التوحيدِ‪ ،‬وأن الله يغ ِف ُر لل ُم ِ‬
‫وفي الحدي ِ‬
‫وفيه‪ :‬سعةُ رحم ِة الل ِه تعالى ومغفر ِته وفض ِله‪.‬‬
‫حذير منه‪.‬‬
‫رك والت ُ‬ ‫وفيه‪ُ :‬خطورة ُ ِ‬
‫الش ِ‬

‫‪21‬‬
‫الحديث السابع والعشرون‬

‫س ْو َل الل ِه ﷺ يَقُ ْو ُل‪ " :‬إِ َّن ال َحال َل بَيِ ٌن‬ ‫س ِمعْتُ َر ُ‬‫شيْر رضي الله عنهما قَا َل‪َ :‬‬ ‫ان ب ِْن بِ ِ‬ ‫ع ْب ِد الل ِه النُّ ْع َم ِ‬ ‫ع َْن أَبِ ْي َ‬
‫ستَبْرأ َ ِل ِد ْينِ ِه‬
‫ت فَقَ ِد ا ْ‬ ‫شتَبِ َهات َّلَ يَ ْعلَ ُم ُه َّن َكثِي ٌْر ِم َن النَّاس‪ ِ،‬فَ َم ِن اتَّقَى ال ُّ‬
‫شبُ َها ِ‬ ‫َوإِ َّن ال َح َرا َم بَيِ ٌن َوبَ ْينَ ُه َما أ ُ ُم ْو ٌر ُم ْ‬
‫شكُ أ َ ْن يَ َق َع فِ ْي ِه‪ .‬أََّل َوإِ َّن‬ ‫الح َمى يُو ِ‬
‫َالرا ِعي يَ ْرعَى َح ْو َل ِ‬ ‫ت َوقَ َع فِي ال َح َر ِام ك َّ‬ ‫و ِع ْر ِضه‪َ ،‬و َم ْن َوقَ َع فِي ال ُّ‬
‫شبُ َها ِ‬
‫س ُد ُكلُّهُ وإ َذا‬‫صلَ َح ال َج َ‬ ‫صلَ َحتْ َ‬‫ضغَةً إِ َذا َ‬ ‫ى ‪ .‬أََّل َوإِ َّن ِح َمى الل ِه َم َح ِار ُمهُ‪ ،‬أََّل وإِ َّن فِي ال َج َ‬
‫س ِد ُم ْ‬ ‫ِلك ُِل َم ِل ٍك ِح َم ً‬
‫ب"‬ ‫ي القَ ْل ُ‬ ‫س ُد ُكلُّهُ أََّل َوه َ‬ ‫س َد ال َج َ‬ ‫سدَت فَ َ‬ ‫فَ َ‬

‫شرح الحديث‬
‫ديث عظي ٌم‪ ،‬وأص ٌل ِمن أُصو ِل الشريع ِة‪ ،‬وهو ِمن‬ ‫اإلسالم؛ فهو ح ٌ‬ ‫ِ‬ ‫دار‬
‫ث التي عليها م ُ‬ ‫الحديث الجلي ُل هو أح ُد األحادي ِ‬ ‫ُ‬ ‫هذا‬
‫ِين‪ ،‬وبين‬ ‫ت في الد ِ‬ ‫وتر ِك ال ُمتشابها ِ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم على الورعِ‪ْ ،‬‬ ‫جوامعِ ك ِل ِمه صلى اللهُ عليه وسلم‪ ،‬حث فيه النب ُّ‬
‫قياس؛ وذلك ألن‬ ‫سنةٍ‪ ،‬أو إجماعٍ أو ٍ‬ ‫ب أو ُ‬ ‫حريمه؛ ِمن كتا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ظاهر واض ٌح‪ ،‬وهو ك ُّل شيءٍ ال يُوج ُد دلي ٌل على ت‬ ‫ٌ‬ ‫أن الحالل‬
‫حريمه‪ ،‬سوا ٌء كان هذا الدلي ُل ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ظاهر واض ٌح‪ ،‬وهو ما دل دلي ٌل على ت‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫األشياء اإلباحة‪ ،‬وكذلك الحرا ُم‬ ‫ِ‬ ‫األصل في‬
‫ُ‬
‫تكون‬ ‫األمور التي‬
‫ُ‬ ‫والحرام قِس ًما ثالثًا‪ ،‬وهو ال ُمشت ِبهاتُ ‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬ ‫سن ِة‪ ،‬أو ِمن اإلجماعِ‪ .‬وبين أن بيْن الحال ِل‬ ‫ب‪ ،‬أو ِمن ال ُّ‬ ‫ال ِكتا ِ‬
‫الكثير هل هي حال ٌل أو حرا ٌم‪ ،‬ويد ُخ ُل في ذلك جمي ُع األ ُ ِ‬
‫مور‬ ‫ُ‬ ‫الح ُّل وال ُحرمةُ‪ ،‬فال يعل ُم‬ ‫ُ‬
‫حيث ِ‬ ‫كم ِمن‬ ‫غير واضح ِة ال ُح ِ‬
‫ين الما ِل‬ ‫إن تأكد أن هذا ِمن ع ِ‬ ‫غيره ِمن األموا ِل ال ُمحرم ِة‪ ،‬أما ْ‬ ‫بالربا‪ ،‬أو ِ‬ ‫خلوط ِ‬ ‫ِ‬ ‫وك فيها؛ ِمثل‪ :‬الما ِل المشبو ِه أو الم‬ ‫المشك ِ‬
‫شك‪ ،‬وال يُع ُّد ِمن ال ُمشت ِبهاتِ‪ .‬ثم أوضح صلى اللهُ عليه وسلم أن من اجتنب ال ُمشت ِبها ِ‬
‫ت‬ ‫رف دون ٍ‬ ‫ص ٌ‬ ‫الربويِ‪ ،‬فإنه حرا ٌم ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ُّ‬
‫سمع ِة السيِئ ِة‪ ،‬أما من وقع في الشبها ِ‬ ‫ضه ِمن القدْحِ والذ ِِم وال ُّ‬ ‫قص‪ ،‬و ِعر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫فقد طلب البراءة لنف ِسه‪ ،‬فيسل ُم له دِينه ِمن الن ِ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫المكان الذي‬ ‫الحمى‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫الحرام‪ ،‬كراعٍ يرعى حول ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوقوعِ في‬ ‫واجترأ عليها‪ ،‬فقد عرض ن ْفسه للخط ِر‪ ،‬وأوشك على ُ‬
‫األرض التي حماها الم ِلكُ‬ ‫ِ‬ ‫بغير إذنِه بالعُقوب ِة الشديدةِ؛ فالراعي حول‬ ‫جعله الم ِلكُ لر ْعي ِ موا ِشيه‪ ،‬وتوعد من رعى فيه ِ‬
‫شبهاتِ‪ ،‬فإنه على‬ ‫تهاون بال ُّ‬
‫ُ‬ ‫سلطا ِن‪ ،‬كذلك من ي‬ ‫عقوبة ال ُّ‬ ‫ستح ُّق ُ‬ ‫الحمى‪ ،‬في ِ‬ ‫لن ْف ِسه‪ ،‬وجعلها خاصةً له‪ ،‬قد تد ُخ ُل ماشيتُه في ِ‬
‫االستهتار والالمباالةِ‪ ،‬فيق ُع في‬ ‫ِ‬ ‫ت فأدى به ذلك إلى‬ ‫شبها ِ‬ ‫خط ٍر؛ ألنها ربما كانت حرا ًما‪ ،‬فيق ُع فيه‪ ،‬وأنه ربما تساهل في ال ُّ‬
‫شبهة ت ُج ُّر إلى الصغيرةِ‪ ،‬والصغيرة ُ ت ُج ُّر إلى الكبيرةِ‪ ،‬نسأ ُل الله السالمة‪.‬ثم قال صلى اللهُ عليه وسلم‪:‬‬ ‫عمدًا؛ فإن ال ُّ‬ ‫الحرام ْ‬
‫ِ‬
‫لكل ملِكٍ ِح ًمى‪ ،‬أال وإن ِحمى الل ِه محار ُمه»‪ ،‬أي‪ :‬إن ِحمى الل ِه هي المعاصي التي حرمها على ِعبادِه‪ ،‬فمن‬ ‫«أال وإن ِ‬
‫ي صلى اللهُ عليه‬ ‫ت كان على خط ٍر‪.‬ثم ذكر النب ُّ‬ ‫شبها ِ‬ ‫ب شيءٍ ِمن المعاصي هلك‪ ،‬ومن قاربه ب ِفع ِل ال ُّ‬ ‫دخل ِحماهُ بارتكا ِ‬
‫ي على صالحِ‬ ‫ت بني آدم وفسادِها‪ ،‬وهي أن أساس صالحِ الجس ِد ُك ِله وأساس فسادِه مبن ٌّ‬ ‫وسلم كلمةً جامعةً لصالحِ حركا ِ‬
‫ب سخ ِطه‪،‬‬ ‫ث إال إلى طاع ِة الل ِه‪ ،‬واجتنا ِ‬ ‫القلب صلحت إرادت ُه‪ ،‬وصلحت جمي ُع الجوارحِ‪ ،‬فلم تنب ِع ْ‬ ‫ُ‬ ‫ب وفسادِه؛ فإذا صلح‬ ‫الق ْل ِ‬
‫ت في معاصي الل ِه عز وجل‪،‬‬ ‫ت الجوار ُح كلُّها‪ ،‬وانبعث ْ‬ ‫القلب فسدت إرادتُه‪ ،‬ففسد ِ‬ ‫ُ‬ ‫الحرام‪ ،‬وإذا فسد‬‫ِ‬ ‫ت بالحال ِل عن‬ ‫فقنِع ْ‬
‫الحق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عن‬
‫ب ومي ِله ِ‬ ‫ب هوى القل ِ‬ ‫الحرام بحس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت في‬ ‫بل أسرع ْ‬ ‫طه‪ ،‬ولم تقن ْع بالحال ِل‪ْ ،‬‬ ‫وما فيه سخ ُ‬

‫‪21‬‬
‫الحديث الثامن والعشرون‬

‫سو ِل الل ِه ﷺ قَا َل‪:‬‬


‫ع ْن ُه َما ع َْن َر ُ‬
‫ي اللهُ َ‬
‫الرحْ َم ِن ُمعَا ِذ بِ ِن َجبَ ٍل َر ِض َ‬ ‫بن ُجنَا َدةَ َوأَبِي َ‬
‫ع ْب ِد َّ‬ ‫ب ِ‬‫ع َْن أَبِ ْي َذ ٍر ُج ْن ُد ِ‬
‫س ٍن"‬ ‫اس بِ ُخلُ ٍ‬
‫ق َح َ‬ ‫س َنةَ ت َ ْم ُح َها‪َ ،‬و َخا ِل ِ‬
‫ق النَّ َ‬ ‫سيِئ َةَ ال َح َ‬
‫ق اللهَ َح ْيث ُ َما ُك ْنتَ ‪َ ،‬وأَتْبِ ِع ال َّ‬
‫" ات َّ ِ‬

‫شرح الحديث‬
‫ت الصالحِ التي ينبغي توافُ ُرها في‬
‫ق حسن ٍة ِمن عالما ِ‬ ‫تقوى الل ِه سبحانه وتعالى‪ ،‬ودوا ُم المراقب ِة‪ ،‬و ُمعاملةُ الن ِ‬
‫اس بأخال ٍ‬
‫ُحسن عمله‪ ،‬ويكون أقرب إلى الجن ِة‪.‬‬ ‫المس ِل ِم حتى ي ِ‬
‫وأن تجعل بينك‬ ‫الخوف ِمن الل ِه و ُمراقبتُه ْ‬
‫ُ‬ ‫ق الله"‪ ،‬والتقوى هي‬ ‫ث يقو ُل الرسو ُل صلى اللهُ عليه وسلم‪" :‬ات ِ‬ ‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫وجهةٍ‪،‬‬‫مكان ِ‬
‫ٍ‬ ‫ت "حيث ما ُكنت"‪ ،‬أي‪ :‬في ِ‬
‫كل‬ ‫باإلتيان بالواجباتِ‪ ،‬واالمتِناعِ عن ال ُمحرما ِ‬
‫ِ‬ ‫كون‬ ‫ً‬
‫ب الل ِه ِوقاية‪ ،‬وت ُ‬
‫وبين عذا ِ‬
‫سيئةٍ‪،‬‬
‫كل أحوا ِلك‪" ،‬وأت ِبعِ السيِئة الحسنة تم ُحها"‪ ،‬أي‪ :‬إن وقعت في ِ‬ ‫وفي ِس ِرك وعالنِيتِك‪ ،‬وفي بالئِك ورخائِك‪ ،‬وفي ِ‬
‫ق الناس‬ ‫ف بالحسن ِة؛ فإن ذلك يرف ُع‪ ،‬وي ْمحو تلك السيِئة‪" ،‬وخا ِل ِ‬ ‫وسائر ما يُوص ُ‬
‫ِ‬ ‫فافع ْل وراءها حسنةً ِمن صالةٍ وصدقةٍ‪،‬‬
‫ولين في التعا ُم ِل معهم؛‬
‫ٍ‬ ‫ق‬
‫ورف ٍ‬ ‫ق حسنةٍ‪ ،‬فأح ِس ْن ُمعامالتِهم‪ِ ،‬من تب ُّ‬
‫س ٍم في ُوجوهِهم‪ِ ،‬‬ ‫ق حس ٍن"‪ ،‬أي‪ :‬خا ِل ِط الناس بأخال ٍ‬‫ب ُخل ٍ‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فمن فعل ذلك حاز الدُّنيا‬
‫األمر بت ْقوى الل ِه على ِ‬
‫كل حا ٍل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ث‪:‬‬
‫وفي الحدي ِ‬
‫ت معهم‬
‫اس ال ت ْعني فِ ْعل المنهيا ِ‬
‫وفيه‪ :‬أن ُمخالطة الن ِ‬

‫الحديث التاسع والعشرون‬

‫ص َدقَةٌ ُك ُّل يَ ٍ‬
‫وم‬ ‫علَ ْي ِه َ‬‫اس َ‬ ‫سال َمى ِم َن النَّ ِ‬ ‫سو ُل الل ِه ﷺ ‪ُ " :‬ك ُّل ُ‬ ‫ع َْن أَبِي ُه َري َْرةَ رضي الله عنه قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫علَ ْي َها أَو ت َ ْرفَ ُع َلهُ َ‬
‫علَ ْي َها‬ ‫ص َدقَةٌ‪َ ،‬وت ُ ِع ْي ُن َّ‬
‫الر ُج َل في دَابَّتِ ِه فَتَحْ ِم ُل لَهُ َ‬ ‫س‪ :‬ت َ ْع ِد ُل بَي َْن اثْنَي ِْن َ‬
‫ت َ ْطلُ ُع فِ ْي ِه الش َّْم ُ‬
‫ْق‬
‫ط ِري ِ‬ ‫ط األَذى ع َِن ال َّ‬ ‫ص َدقَةٌ‪َ ،‬وت ُ ِم ْي ُ‬‫صال ِة َ‬ ‫ص َدقَةٌ‪َ ،‬وبِك ُِل ُخ ْط َو ٍة ت َ ْم ِ‬
‫ش ْي َها إِلَى ال َّ‬ ‫طيِبَةُ َ‬‫ص َدقَةٌ‪َ ،‬وال َك ِل َمةُ ال َّ‬
‫عهُ َ‬ ‫َمتَا َ‬
‫ص َدقَةٌ"‬ ‫َ‬

‫شرح الحديث‬
‫ت البد ِن وما‬‫عروف‪ِ :‬من صدقا ِ‬ ‫ِ‬ ‫يره بالم‬‫قغ ِ‬‫ق ن ْف ِسه بال ِعبادةِ‪ ،‬وفي ح ِ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان في ح ِ‬ ‫ير الذي يبذُلُه‬ ‫جعل اللهُ ُكل أنواعِ الخ ِ‬
‫الصح ِة والعافي ِة‪.‬‬ ‫يتمت ُع به ِمن ِ‬
‫وم تطلُ ُع عليه الش ُ‬
‫مس‪،‬‬ ‫اس صدقةٌ‪ ،‬في ُك ِل ي ٍ‬ ‫سالمى ِمن الن ِ‬ ‫ي صلى اللهُ عليه وسلم أنه على ُك ِل ُ‬ ‫ث يذ ُك ُر النب ُّ‬
‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫وم‪ ،‬وهذه‬ ‫ير ُكل ي ٍ‬ ‫ٌ‬
‫اإلنسان عليه صدقة لل ِه تعالى‪ِ ،‬من فِع ِل الطاع ِة والخ ِ‬
‫ِ‬ ‫فاص ِل‬
‫ص ٍل ِمن م ِ‬ ‫فاصلُ‪ ،‬ف ُك ُّل م ْف ِ‬ ‫سالمى‪ :‬هي الم ِ‬ ‫وال ُّ‬
‫فاص ِلها ِمن أعظ ِم نِع ِم الل ِه على ع ْبدِه‪،‬‬
‫ظام وم ِ‬ ‫ركيب هذه ال ِع ِ‬
‫ُ‬ ‫كون بتح ُّر ِكها في الطاع ِة‪ ،‬واشتِغا ِلها بال ِعباد ِة‪ ،‬فت‬ ‫الصدقةُ ت ُ‬

‫‪22‬‬
‫ب‪ ،‬ال‬ ‫كرا ِلهذه النِعم ِة‪ ،‬وال ُمرا ُد صدقةُ ن ْد ٍ‬
‫ب وترغي ٍ‬ ‫ش ً‬‫ابن آدم عنه؛ ِليكون ذلك ُ‬
‫ظم منها إلى صدق ٍة يتصد ُق بها ُ‬‫فيحتا ُج ُك ُّل ع ٍ‬
‫بالواجباتِ‪ ،‬ويجتنِب ال ُمحرماتِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كر هذه النِع ِم ْ‬
‫أن يأتي‬ ‫ش ِ‬‫وإلزام؛ فإنه يكفي في ُ‬
‫ٍ‬ ‫ب‬
‫إيجا ٍ‬
‫فاص ِله‪ ،‬فذكر أن العدْل‬ ‫اإلنسان عن م ِ‬‫ُ‬ ‫ت التي يتصد ُق بها‬ ‫عض ُوجو ِه الطاعا ِ‬ ‫ثم أرشد رسو ُل الل ِه صلى اللهُ عليه وسلم ِلب ِ‬
‫أن يُعين أخاه‬ ‫ع ِلم أن الحق ِألح ِدهما فال ميْل عنه‪ .‬ومنها‪ْ :‬‬ ‫ير‪ ،‬ل ِك ْن ْ‬
‫إن ُ‬ ‫كون صدقةً‪ ،‬وال ُّ‬
‫صل ُح خ ٌ‬ ‫ص ْل ًحا أو ُحك ًما‪ -‬ي ُ‬
‫بيْن اثني ِْن ‪ُ -‬‬
‫الركوب بن ْف ِسه‪ ،‬أو يُعينه بوضعِ متا ِعه عليها‪ ،‬فتلك صدقةٌ‪،‬‬ ‫إن لم يست ِطعِ ُّ‬ ‫يرها ِمن وسائِ ِل النق ِل ْ‬‫ب دابتِه وغ ِ‬ ‫على ُركو ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يرهما‪ ،‬وال ُمرا ُد باأل ُخوةِ هنا الدِينية ال النسبية؛ فال ُمس ِل ُم أخو‬ ‫ب وغ ِ‬ ‫عام وشرا ٍ‬ ‫ع هو‪ :‬ما يُتمت ُع به في السف ِر ِمن ط ٍ‬ ‫والمتا ُ‬
‫ضا‪:‬‬
‫ت أي ً‬‫ومن الصدقا ِ‬ ‫عروف‪ِ .‬‬
‫ِ‬ ‫عض ُكل أنواعِ الم‬ ‫ضهم ِلب ٍ‬‫ير ما يرجوه ِلنف ِسه‪ ،‬فيبذُ ُل ال ُمس ِلمون بع ُ‬ ‫ال ُمس ِل ِم‪ ،‬يرجو له ِمن الخ ِ‬
‫ق؛ فإنها‬‫سن ال ُخلُ ِ‬
‫اس‪ ،‬ك ُح ِ‬ ‫ق الن ِ‬ ‫كبير والتهلي ِل‪ ،‬أو في ح ِ‬ ‫ق الل ِه تعالى‪ ،‬كالتسبيحِ والت ِ‬ ‫الك ِلمةُ الطيِبةُ‪ ،‬سوا ٌء كانت طيِبةً في ح ِ‬
‫رت‪.‬‬‫ص ْ‬ ‫ت المسافةُ أو ق ُ‬ ‫ضا‪ُ :‬ك ُّل ُخطوةٍ يمشيها العب ُد إلى الصالةِ‪ ،‬سوا ٌء بعُد ِ‬ ‫صدقةٌ‪ .‬ومنها أي ً‬
‫ق‪ ،‬وهو ُك ُّل ما يُؤذي المارة‪ ،‬فإذا أُميط عن طري ِقهم فإنه صدقةٌ‪.‬‬ ‫حو األذى وإزالتُه ِ‬
‫عن الطري ِ‬ ‫ومن الصدقاتِ‪ :‬م ُ‬
‫ِ‬
‫تان يركعُهما‬
‫ئ ِمن ذلك ركع ِ‬ ‫ُجز ُ‬
‫ي صلى اللهُ عليه وسلم‪« :‬وي ِ‬ ‫ث ُمس ِل ٍم الذي يرويه أبو ذ ٍر رضي اللهُ عنه قال النب ُّ‬
‫وفي حدي ِ‬
‫ت صالة ُ الضُّحى‪ ،‬ركع ِ‬
‫تان؛ ِألن الصالة عم ٌل بجميعِ‬ ‫سالمى ِمن الصدقا ِ‬ ‫ِمن الضُّحى»‪ ،‬أي‪ :‬يكفي ِمما وجب على ال ُّ‬
‫يرها‪.‬‬
‫ت وغ ِ‬‫أعضاء البد ِن‪ ،‬وتشم ُل جميع ما ذُ ِكر ِمن الصدقا ِ‬
‫ِ‬
‫أن تكون صدقةً ُمقدمةً لل ِه‪.‬‬
‫ص ُّح ْ‬
‫ت التي ي ِ‬ ‫ث‪ :‬ب ُ‬
‫يان تع ُّد ِد أنواعِ الخيرا ِ‬
‫ت والطاعا ِ‬ ‫وفي ال َحدي ِ‬
‫مرا ُمداو ًما عليه‪.‬‬ ‫ت فِ ً‬
‫عال ُمست ًّ‬ ‫وفيه‪ :‬الح ُّ‬
‫ث على فِع ِل الطاعا ِ‬
‫يان فض ِل الل ِه على ِعبادِه ْ‬
‫بأن وفقهم إلى األعما ِل ثم أعطاه ُم األجْ ر عليها‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬ب ُ‬

‫الحديث الثالثون‬
‫من المسج ِد فاختل َ‬
‫ط‬ ‫ج َ‬ ‫سم َع رسو َل اللَّ ِه صلَّى اللَّهُ علي ِه وسلَّ َم يقو ُل َو َ‬
‫هو خار ٌ‬ ‫عن مالك بن ربيعة أنَّهُ ِ‬
‫عليكن بحافَّا ِ‬
‫ت‬ ‫َّ‬ ‫قن ال َّ‬
‫طريقَ‬ ‫كن أن تَحقُ َ‬‫ليس لَ َّ‬
‫رن فإنَّهُ َ‬ ‫استأخ َ‬
‫ِ‬ ‫ساء‬
‫للن ِ‬ ‫ريق فقا َل ِ‬
‫ط ِ‬ ‫ساء في ال َّ‬
‫الرجا ُل م َع النِ ِ‬‫ِ‬
‫ق بالجدار‬‫إن ثو َبها ل َيع َل ُ‬
‫بالجدار حتَّى َّ‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫ص ُ‬ ‫ريق فَكان ِ‬
‫ت المرأةُ تل َ‬ ‫ط ِ‬ ‫ال َّ‬

‫شرح الحديث‬
‫ُنظم أُمور ِ‬
‫الرجا ِل‬ ‫ع لهم ما ينفعُهم ويُصل ُح أحوالهم‪ ،‬وي ِ‬ ‫ُالح ُ‬
‫ظ أحوال أصحابِه ويشر ُ‬ ‫ي صلى اللهُ علي ِه وسلم ي ِ‬
‫كان النب ُّ‬
‫صنفٍ حقه المنا ِسب له‪.‬‬ ‫ق‪ ،‬حتى إنه أعطى كل ِ‬ ‫ير في الطري ِ‬
‫ساء‪ ،‬حتى في الس ِ‬‫والنِ ِ‬
‫ساء في‬‫الن ِ‬
‫الرجال اختلطوا مع ِ‬ ‫ث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى وهو خار ٌج من المسج ِد أن ِ‬ ‫وفي هذا الحدي ِ‬
‫قاء المجتمعِ؛ فقال للنِسا ِء‪:‬‬
‫ظ على ن ِ‬ ‫ُنظم ذلك األمر بما يدْف ُع ال ِفتنة ويُحافِ ُ‬ ‫ق وفي الدُّخو ِل وال ُخروجِ‪ ،‬أراد أن ي ِ‬ ‫الطري ِ‬
‫أن تحققن الطريق"‪ ،‬أي‪ :‬ليس‬ ‫بين؛ "فإنه ليس لكن ْ‬ ‫ق على الجانِ ِ‬ ‫الخلف وفي الطري ِ‬
‫ِ‬ ‫انتظرن و ُكن في‬
‫ْتأخ ْرن"‪ ،‬أي‪ِ :‬‬ ‫"اس ِ‬
‫ب‬
‫أن يُرا ِعين اآلدا ِ‬‫ساء إذا خرجْ ن لحاج ِتهن ْ‬ ‫الن ِ‬
‫ق"‪ ،‬أي‪ :‬على ِ‬ ‫ت الطري ِ‬ ‫ق؛ "علي ُكن بحافا ِ‬
‫وسط الطري ِ‬
‫ِ‬ ‫للنساء أن ي ِسرن في‬
‫ِ‬
‫دار"‪ ،‬أي‪ :‬في‬ ‫تلتص ُق ِ‬
‫بالج ِ‬ ‫ت المرأة ُ ِ‬ ‫لألمر النبويِ؛ "فكان ِ‬‫ِ‬ ‫ت النِسا ُء‬ ‫ق؛ فاستجاب ِ‬ ‫لتز ْمن السير على جانِبي الطري ِ‬‫الشرعي ِة وي ِ‬
‫الكريم صلى اللهُ‬
‫ِ‬ ‫بأمر النبي ِ‬
‫التزامهن ِ‬
‫ِ‬ ‫دار من لصوقِها بِه"‪ ،‬وهذا ِمن ِشدةِ‬ ‫ُ‬ ‫ق‪" ،‬حتى إن ثوبها ليتعل ُق ِ‬
‫بالج ِ‬ ‫يرها في الطري ِ‬ ‫س ِ‬
‫علي ِه وسلم‪.‬‬
‫دم‬
‫قاص للمرأةِ‪ ،‬وإنما يضعُها في مواضعِ ع ِ‬
‫ساء وليس في ِه انتِ ٌ‬
‫الرجا ِل والنِ ِ‬
‫ق بين ِ‬
‫ُنظ ُم السير في الطري ِ‬ ‫ُ‬
‫الحديث إنما ي ِ‬ ‫وهذا‬
‫واألماكن العام ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ً‬
‫الط والتزا ُح ِم مع الرجا ِل؛ ِحفظا لهن‪ ،‬وتنظي ًما للطري ِ‬
‫االختِ ِ‬
‫‪23‬‬
‫لألماكن العام ِة بينهم ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ساء‪ ،‬والترشي ُد‬
‫الرجا ِل والنِ ِ‬
‫الط بين ِ‬
‫دم التزا ُح ِم واالختِ ِ‬ ‫ُّ‬
‫الحث على ع ِ‬ ‫ث‪:‬‬
‫وفي الحدي ِ‬

‫‪24‬‬
29
26

You might also like