Professional Documents
Culture Documents
مفهوم العصبية ونشأة الدولة في الفكر الخلدوني
مفهوم العصبية ونشأة الدولة في الفكر الخلدوني
اجمللد/8الع ــدد ،)2020( 01 :ص .. -.. Eissn :2602-5264 Issn : 2353-0499
ملخص:
يعد ابن خلدون واحدا من أهم فالسفة التاريخ الذين قدموا نظرية يف نشأة الدولة قامت هذه
النظرية على فكرة القوة والغلبة من جهة ونظرية العصبية من جهة أخرى ،أصبحت من أهم نظريات الفكر
السياسي املفسرة لقيام ونشأة الدول وزواهلا ،إستقرأ من خالهلا ابن خلدون السياسي اإلسالمي منذ قيامه
إىل غاية اللحظة الزمنية للفكر اخللدوين.
وهلذا نروم من خالل هذا املقال االنفتاح على العديد من املفاهيم والتصورات الفكرية اليت حاول
من خالهلا العالمة ابن خلدون تقدمي تصور فلسفي تارخيي ألسباب نشأة الدول وقيامها وحىت زواهلا
واندثارها يف الفكر اإلسالمي.
كلمات مفتاحية :القوة ،الغلبة ،الدولة ،العصبية ،ابن خلدون.
تصنيفات(... ،.... ،.... : JELوضع ترميز JELإجباري)
Abstract:
Ibn khaldun is considered one of the most important philosophers of
history who presented a theory on the emergence of the state, this theory
was based on the idea of power and dominance on the one hand and the
theory of neurosis on the other hand, It became one of the most important
theories of political thought.
That is why we seek through this article an openness to many concepts
and intellectual perceptions through which the scholar ibn khaldun tried to
1
زينب بومهدي
.1مقدمة:
اعتربت الدولة تلك الظاهرة السياسية اليت شغلت مبواضيعها املتشعبة جل الفالسفة واملفكرين وحىت
السياسيني ،فبحثوا يف مفهومها واهتموا بشكل كبري يف اخلوض يف أسباب نشأهتا وظهورها ،وهذا منذ
الفكر اليوناين الذي أرسى نظريات يف الفكر السياسي ،وصوال إىل الفكر اإلسالمي وحىت الفكر الغريب
احلديث واملعاصر.و ابن خلدون أحد ممثلي الفكر اإلسالمي و أقطابه دون منازع ،و هذا ألنه قدم نظرية
يف تفسري نشأة الدولة كانت مبثابة عصارة تأمل فكري واطالع على كتب السابقني ونظرياهتم السياسية و
معاينة ألحوال اجملتمع العريب اإلسالمي ،و يدرج الباحثون نظرية ابن خلدون* يف تفسري نشأة الدولة ضمن
نظرية القوة و الغلبة تلك النظرية اليت ترى أن الدولة هي نتاج القوة املادية ألن العصبية تولّد القوة كما أهنا
مظهر من مظاهر القوة و من هنا انصب اهتمامنا للبحث يف هذا املوضوع رغم أنه مت تناوله من قبل
العديد من الدراسات وهذا حىت نسهم ولو بالقليل يف هذا املوضوع ،وجاءت إشكالية البحث كالتايل:
كيف جاءت قراءة ابن خلدون لنشأة الدول يف التاريخ السياسي اإلسالمي ؟ و ما هي عوامل ازدهار
الدول و أسباب زواهلا ؟ ما املقصود بالعصبية يف الفكر اخللدوين؟ وكيف ميكن هلا أن تكون األساس يف
قيام الدول وزواهلا يف وقت واحد ؟ كيف تساهم يف نقل السلطة من عهد البداوة إىل عهد احلضارة؟ ما
األسباب اليت تؤدي إىل فساد العصبية وزوال شوكتها ومن مثة اهنيار الدول واضمحالهلا؟ ماهي نظرة ابن
خلدون حلركة التاريخ اإلسالمي؟ هل هي تسري يف خط مستقيم أم يف حركة دائرية؟ كل هذه التساؤالت
سنحاول اإلجابة عليها بالبحث والتحليل مستخدمني املنهج التارخيي الوصفي واملنهج التحليلي من جهة
أخرى وهذا يف استقرائنا للفكر اخللدوين.
__________________________________________
املؤلف املرسل :زينب بومهدي
2
مفهوم العصبية ونشأة الدولة يف الفكر اخللدوين
3
زينب بومهدي
و حسب عبد الغين مغريب '' فكلمة العصبية كلمة عربية األصل ،مشتقة من لفظ "عصب" الذي
يعين حرفيا :ربط ،جتمع ،شد ،أحاط ،اجتمع ....مث أن عدد من الكلمات املشتقة من نفس األصل
تتضمن نفس الفكرة :عصب ( جعل شخصا على رأس حزب ) ،تعصب.
( عصب رأسه بعصابة ،كان متعصبا ) إنعصب ( أصبح قاسيا ) ،عصب (عمامة) ،عصب ( خنبة قبلية )
عصابة ( مجاعة من الرجال ) ....اخل '' ( مغريب ،1911 ،ص . ) 111
.2.2يف املفهوم االصطالحي:
يتضح من هنا أن العصبية هي رابطة تعمل على اجلمع بىتني أفىتراد اجلماعىتة الواحىتدة ذات صىتلة دمويىتة
أو صالت جوارية ،و جتمعهم تلك الرابطة يف أوقات الش ّدة و هذا ما يؤكىتد عليىته ابىتن خلىتدون يف قولىته '' و
ذلك أن صلة الرحم طبيعي يف البشر إالّ يف األقل و من صىتلتها النعىترة علىتى ذوي القىتر و أهىتل األرحىتام أن
يناهلم ضيم ،أو تصيبهم هلكة فإن القريب جيد يف نفسه غضاضة من ظلم قريبىته أو العىتداء عليىته ،و يىتود لىتو
يىتىتول بينىتىته و بىتىتني مىتىتا يصىتىتله مىتىتن املعاطىتىتب و املهالىتىتك نزعىتىتة طبيعيىتىتة يف البشىتىتر مىتىتذ كىتىتانوا ،فىتىتإذا كىتىتان النسىتىتب
املتواصل بىتني املتناصىتريين قريبىتا جىتدا حيىتث حصىتل بىته االحتىتاد و االلتحىتام كانىتت الوصىتلة ظىتاهرة ،فاسىتتدعت
ذلك مبجردها و وضوحها ،و إذا بعد النسب بعض الشيء فرمبا تنوسي بعضها و يبقى منها شىتهرة فتحمىتل
علىتىتى النصىتىترة لىتىتذوي نسىتىتبة األمىتىتر املشىتىتهور منىتىته ،فىترارا مىتىتن الغضاضىتىتة الىتىتيت يتووهىتىتا يف نفسىتىته مىتىتن ظلىتىتم مىتىتن هىتىتو
منسوب إليه بوجه '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص .) 001
اختلف مفهوم العصبية عند املفكرين باختالف القراءات للمقدمة فهناك من رآها أهنا تعين
''التماسك االجتماعي'' أو ''روح التضامن'' أو ''االلتحام القبلي'' أو ''القرابة بالعصب'' أو ''الذهنية
العشائرية'' ،غري أن كل هذه املفاهيم قد ال تؤدي إىل املع احلقيقي الذي يقصده صاحب املقدمة ،ففي
قراءة احلبايب للعصبية يرى أهنا الروابط احليوية والروح العشائرية القائمة على حلمة الدم ،فهي األساس الذي
من خالله تقام كل العالقات السياسية واالجتماعية بني أفراد القبيلة الواحدة ،وهي يف نفس الوقت القوة
اليت تتالحم هبا جمموعة من القبائل لتحتمي وتقوي شوكتها ،وهي قوة الدم املشرتك اليت حترك كل ميادين
4
مفهوم العصبية ونشأة الدولة يف الفكر اخللدوين
احلياة داخل القبيلة وجتعله يلتف حول رئيس عسكري أو سلطة أسرية واحدة لتكون بذلك اللبنة األوىل
لقيام الدولة( احلبايب ،0221 ،ص .) 11
.3ضرورة الدولة من ضرورة االجتماع البشري :
اإلنسان مدين بطبعه ال يستطيع العيش دون اجتماع و هذه النزعة حىت و إن كانت طبيعية فيه فهو تدفعه
إليها حاجته ،و هذا للحصول على معاشه ألنه ال يستطيع أن يققها دون وجود اآلخرين ،فاحلاجات
اإلنسانية تلعب دورا بارزا يف نشأة العمران البشري و تطوره وبقاء اإلنسان ،و من مث اجلماعات البشرية
ككل و لكن اإلنسان يف نفس الوقت ميّال إىل حب التملك و السيطرة و هلذا حتدث املنازعات و
االختالفات بني بين البشر ،وهذه الفكرة هي نفسها اليت سنجدها عند الفيلسوف االجنليزي توماس
هوبز 1111 ( Thomas Hobbesىت ) 1169القائلة أن "اإلنسان ذئب ألخيه اإلنسان " ،و
عليه و حىت يضمن بقاءه و استمراره يتاج إىل محاية و قانون و سلطة أو بلغة ابن خلدون هو حاجة إىل
الوازع ألنه ضرورة من ضرورات االجتماع البشري .و عليه فدور الوازع هو ردع املعتدي و إيقافه عن
التعدي على اآلخرين و هذا ما أقره ابن خلدون حني قال '' مث إن االجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه
و مت عمران العامل هبم فالبد من وازع يدفع بعضهم عن بعض ملا يف طباعهم احليوانية من العدوان و
الظلم'' ( ابن خلدون ،1911 ،ص . ) 011
جاءت فكرة الوازع عند ابن خلدون كحل للتناقض احلاصل بني ما نسميه اجتماعية اإلنسان
(اإلنسان مدين بطبعه) ال يستطيع أن يعيش مبعزل عن اآلخرين و هذا حىت يستقيم وجوده ،و من جهة
أخرى الطبع العدواين املوجود يف البشر ألهنم '' و إذا اجتمعوا دعت الضرورة إىل املعاملة و اقتضاء
احلاجات ،و م ّد كل واحد منهم يده إىل حاجته يأخذها من صاحبه ،ملا يف الطبيعة احليوانية من الظلم و
العدوان بعضهم على بعض ،و ميانعه اآلخر عنها مبقتضى الغضب و األنفة و مقتضى القوة البشرية يف
ذلك ،فيقع التنازع املفضي إىل املقاتلة ،و هي تؤدي إىل اهلرج و سفك الدماء ،و إذهاب النفوس،
املفضي ذلك إىل انقطاع النوع ،و هو مما خصه الباري سبحانه با افظة ،و استحال بقائهم فوضى دون
5
زينب بومهدي
حاكم يزع بعضهم عن بعض و احتاجوا من أجل ذلك إىل الوازع و هو احلاكم عليهم ،و هو مبقتضى
الطبيعة البشرية امللك القاهر املتحكم '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص . ) 333
ويستمر ابن خلدون يف التأكيد على هذه الفكرة فهو يقول هذه املرة أن ''أخالق البشر فيهم الظلم
و العدوان بعض على بعض ،فمن امتدت عينه إىل متاع أخيه امتدت يده إىل أخذه إال أن يصده وازع ''
( ابن خلدون ،1911 ،ص ،) 100و عليه جاءت احلاجة إىل الوازع مفروضة من طبيعة اإلنسان ذاته
باعتباره كائنا جمبوال على اخلري و الشر معا :على التعاون و العدوان ،إن قيام احلياة االجتماعية و بالتايل
بقاء اإلنسان يتطلب وجود نوع من السلطة حتفظ للمجتمع متاسكه ،و تعمل على تقوية التعاون بني
أفراده ،و كبح عدوان بعضهم على بعض سواء كأفراد أو كجماعات .
و بالرغم من أن احلاجة إىل الوازع و من مث االستعداد إىل تقبل الرياسة فرضتها طبيعة البشر و بالرغم
من أن هناك تشابه بني اإلنسان و بعض احليوانات اليت تصنع جتمعات و متيل إىل االنقياد و اإلتباع مثل
النحل إالّ أن يف احليوان موجود مبقتضى الفطرة و اهلداية ،يف حني أن مع اإلنسان هذا ''االستعداد موجود
مبقتضى الفكر و السياسة وهو استعداد طوعي أرادي اختياري ،تفرضه احلاجة و تدعو إليه ضرورة
االجتماع اإلنساين ''( النبهان ،1991 ،ص ) 119؛ فالوازع هو مبثابة السلطان القاهر و ال ميكن له
أن يكون قاهرا ما مل يعتمد على عصبية هي بدورها قاهرة ،متكنه من التحكم و التغلب و ممارسة امللك
التام من جباية األموال و بعث البعوث و محاية الثغور .
قسم ابن خلدون العمران إىل عمران بدوي و عمران حضري و كان هذا التقسيم نتيجة اختالف ّ
طرق كسب املعاش ،و بعدها رأى أن اختالف العيش بني البداية و املدينة يفرض اختالف الوازع ،ألن
احلياة يف البادية قائمة على البساطة و الفطرة و هذا راجع إىل الفالحة باعتبارها النحلة املعاشية السائدة
هناك ،يف حني أن احلياة يف املدن تكون معقدة و هي قائمة على الصنائع و لذلك فهي '' مركبة و علمية
تتصرف فيها األفكار و األنظار مبختلف التصرفات و احليل '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص . ) 199
إذن خيتلف الوازع من البادية إىل املدينة ألن بساطة العيش يف البادية تفرض ضرورة أن يكون الوازع
طبيعيا و فطريا متوافقا مع نظم العيش هناك ،يف حني أن احلياة املعقدة اليت تعاش يف احلضر ستضفي نوع
6
مفهوم العصبية ونشأة الدولة يف الفكر اخللدوين
من التعقيد و كذا الرتكيب على الوازع السائد فيها '' فالوازع عن الظلم يف احلضر إمنا هو السلطان القائم
بالدولة الغالبة ،ويف البدو ...فاملشايخ و الكرباء ملا وقر هلم يف النفوس من الوقار و التجلة '' ( األزرق،
،1966ص ،) 11و ال يتوقف األمر عند هذا فقط فكذلك العدوان خيتلف باختالف منط احلياة
فالعدوان يف البادية خيتلف عن العدوان يف املدينة ،و عليه سيختلف الوازع باختالف العدوان ( اجلابري،
،1991ص . ) 111
فهناك عدوان داخلي و عدوان خارجي فاألول متعلق باألفراد حني يعتدون على بعضهم البعض سواء
كان ذلك يف البدو أو يف احلضر ،و الثاين متعلق بالعدوان اخلارجي و هو عدوان على املدينة كلها و هذا
ما يؤكده ابن خلدون يف قوله '' فأما املدن و األمصار فعدوان ( الناس ) بعضهم على بعض تدفعه احلكام
و الدولة مبا قبضوا على أيدي من حتتهم من الكافة أن ميتد بعضهم على بعض أو يعدو عليه ،فإهنم
مكبوحون حَ َكمه القهر و السلطان عن التظامل ،إال إذا كان ذلك عن احلاكم نفسه و أما العدوان الذي
سياج األسوار عند الغفلة أو الغرة ليال ،أو العجز عن املقاومة هنارا ،أو يدفعه ذياد
من خارج املدينة فيدفعه ُ
احلامية من أعوان الدولة عند االستعداد و املقاومة ،هذا فيما يتعلق بالوازع يف العمران احلضري و أما
أحياء البدو فيزع بعضهم عن بعض مشاخيهم و كرباؤهم مبا وقر يف نفوس الكافة هلم من الوقار و التجلة،
و أما حللهم فإمنا يذود عنها من خارج حامية احلي أجنادهم و فتياهنم املعروفني بالشجاعة فيهم .و ال
يصدق دفاعهم و ذيادهم إال إذا كانوا عصبية و أهل نسب واحد ،ألهنم بذلك تشتد شوكتهم و خيشى
جانبهم ،إذ نصرة كل واحد نسبه و عصبيته أهم ''( ابن خلدون ،1911 ،ص . ) 103 ،100
و عليه ينطلق ابن خلدون من جمموعة مسلمات حىت يثبت من خالهلا ضرورة قيام الدولة و هذه
املسلمات هي :
.1اإلنسان اجتماعي بطبعه
.0العمران ال يتحقق إالّ باالجتماع
.3االجتماع ال يتم إالّ بوجود الوازع و هذا راجع للطبيعة العدوانية يف البشر
.1أداة الوازع هي القهر و القوة و الغلبة و السلطان
7
زينب بومهدي
إذن و كما بينا فيما سبق يتاج اإلنسان إىل سلطة توفر له احلماية أو كما مساها ابن خلدون الوازع
و من هنا ضرورة االجتماع البشري هي اليت فرضت وجود الدولة ،و لكن الدولة ال تنشأ إال بالعصبية
فكيف يكون ذلك ؟ هذا ما سنعمل على تبيانه يف ما يلي .
.4العصبية و الدولة /القوة أساس نشأة الدولة :
احتل موضوع الدولة حيزا هاما يف فكر ابن خلدون و يف كتاباته ،و يف كتاب املقدمة بالتحديد
ثلث املقدمة من أجل اخلوض يف هذا املوضوع ،و أن مباحث الباب الثالث تتناول الدول فهو قد خص
العامة و امللك و اخلالفة و املراتب ،فالدولة كانت ا ور األساسي يف الفلسفة اخللدونية و لكن ما ميكن
التأكيد عليه هو أن ابن خلدون و رغم أنه يستخدم هذا املصطلح بشكل كبري يف املقدمة إالّ أنه مل يقدم
له تعريفا حمددا و واحدا ،فهي تظهر ىت الدولة ىت عنده مبفهوم امللك تارة و تظهر أحيانا أخرى كمرادف
للسلطان فهو حني يقول '' :إن العمران كله من بداوة و حضارة و ملك له عمر حمسوس كما أن
الواحد من أشخاص املكونات عمرا حمسوسا '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص ) 361؛ و يف للشخ
مواضع أخرى جنده يتحدث عن الدولة و امللك كل يف سياقه ،و كأنه كل خيتلف عن األخر فهو يقول ''
إن الدولة و امللك هي صورة اخلليقة'' ( ابن خلدون ،1911 ،ص ، ) 061ليعود مرة أخرى و يأيت
كالمه ليوحي بأن أحدوا سابق يف وجوده عن اآلخر إذ يقول '' إن الدولة إمنا يصل هلا امللك و
االستيالء بالغلب '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص ) 361وهنا تظهر الدولة سابقة على امللك ،و يف
حديثه عن العصبية يقول '' إن امللك و الدولة غاية للعصبية '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص ) 361؛ و
هنا جنده جيمع بينهما لكن يرجع مرة أخرى ليأخذ أحدوا مكان األخر حىت يعرب عن نفس املع فيقول
'' إن امللك غاية طبيعية للعصبية '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص .) 020
و تلعب العصبية أدورا عدة يف احلياة االجتماعية و كذا السياسية فهي حتمل األفراد على التعاضد
فيما بينهم ألنه و من خالهلا فقط تكون احلماية و املدافعة ،كما أن البشر مييلون إىل إقامة امللك و إلقامته
يتطلب ذلك املنافسة و الصراع و من مث االقتتال حىت يصل امللك ،و هذا أمر طبيعي يف البشر ،و هذا
بدوره يتاج إىل العصبية ألن الرئاسة يف نظر ابن خلدون ال تكون إالّ بالغلب و الغلب إمنا يكون بالعصبية
8
مفهوم العصبية ونشأة الدولة يف الفكر اخللدوين
'' و العصبية هي سبب مباشر لقيام امللك و هي سبب مباشر أيضا الهنيار ذلك امللك ،ألن العصبية هي
حمور أساسي من ا اور اليت اعتربها ركائز الفكر السياسي ،و خباصة يف جمتمع قبلي تتحكم فيه معايري
القوة و السيطرة و التغلب ،و هذه عوامل ال ميكن بروزها إالّ يف ظل عصبية قوية تعطي مع التكاتف و
التالحم و التناصر '' ( النبهان .)111 ،1991 ،نصل مع ابن خلدون إىل أن كل شيء يف الدولة متعلق
ب العصبية وحالتها وكذا حال عصبيات األقوام الداخلة حتت لوائها فالتشييد والبناء واتساع الرقعة وقوة
السلطة كل ذلك مرتبط بالعصبية ،ومدى قوهتا ،والقوة املقصودة يف الفكر اخللدوين ال تعين إطالقا كثرة
العدد بقدر ما تعين قوة التالحم والتعاضد ،وكذا االنسجام بني العناصر املكونة هلا.
و عليه تنشأ الدولة يف الفكر اخللدوين نتيجة القوة أو التغلب القائم على العصبية ألهنا هي ا رك
لسري التاريخ و بقوهتا تقوم الدولة وبضعفها تضعف الدولة ،و تأيت أقوال ابن خلدون متتالية لتؤكد قيام
الدولة على القوة و أن امللك هو التغلب و احلكم بالقهر فهو يقول '' :الرئاسة ال تكون إالّ بالتغلب و
الغلب إمنا يكون بالعصبية '' امللك إمنا يصل بالتغلب و التغلب إمنا يكون بالعصبية '' و أيضا '' و ملا
كانت الرياسة إمنا تكون بالغلب وجب أن تكون عصبية ذلك النصاب أقوى من سائر العصائب ليقع
الغلب هبا و يتم الرياسة ألهلها ،فإذا وجب ذلك تعيني أن الرياسة عليهم ال تزال يف ذلك النصاب
املخصوص بأهل الغلب عليهم '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص . ) 199 ،191
و مييز ابن خلدون بني نوعني من العصبية عصبية عامة و أخرى خاصة فالعامة تكون أكثر اتساعا و
أقل ترابطا و جيمعها نسب عام ،يف حني أن العصبية اخلاصة جيمعها نسب خاص أو قريب فتشكل
عصبية خاصة و هو يقول يف هذا الصدد '' و النعرة تقع من أهل نسبهم املخصوص و من أهل النسب
العام إال أهنا يف النسب اخلاص أشد لقرب احلمية '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص . ) 032
و من هنا ستكون العصبية عند ابن خلدون مبثابة '' رابطة دفاع أو قوة مواجهة ،تنتظم العالقات
اخلارجية للمجموعات املتساكنة يف البادية ،عالقاهتا بعضها مع بعض ،و عالقتها مع الدولة'' ( اجلابري،
،1991ص ) 111؛ و ألن حث ابن خلدون متمركزا حول الدولة و الدولة عنده ترتكز هي األخرى
على العصبية ،ما جعله يعتمد عليها يف تفسري حوادث التاريخ اإلسالمي إال أن ما يؤكد عليه الدارسني
9
زينب بومهدي
للفكر اخللدوين هو أن اهتمام ابن خلدون بالعصبية جاء من جانب واحد و هو اجلانب السياسي أو كما
يقول اجلابري أن ما كان ''يهم ابن خلدون يف العصبية هو النتائج السياسية اليت ترتتب عليها يف أعلى
درجات وجودها ،و أرقى مراحل تطورها ،أي تلك املرحلة اليت تصبح فيها العصبية عبارة عن اتفاق
األهواء على املطالبة'' ( اجلابري ،1991 ،ص . ) 111
و من املنظور اخللدوين العصبية شعور داخلي يربط بني أفراد القبيلة يف حالة تعرض قبيلتهم للعدوان و
حىت يف حالة تعرض أحد أفرادها للعدوان فهم يعتربونه اعتداء على القبيلة كلها ،هذا الشعور يولد التالحم
و التعاون ملواجهة األخطار و من هنا تعمل العصبية على تقوية رابطة التعاون ،غري أن تلك الرابطة تضل
ضعيفة ما مل تكن هناك شخصية تكون هي الرئيس و تعمل على قيادة اجلميع و هذا ال يتم إالّ عن طريق
الغلب سواء بالنسبة لتصارع العصبيات املختلفة أو بالنسبة للعصبيات الفرعية بالنسبة للعصبية األصلية
ألن '' الرياسة ال تكون إالّ بالغلب ،و الغلب إمنا يكون بالعصبية ...فالبد يف الرياسة على القوم أن
تكون من عصبية غالبة لعصبياهتم واحدة واحدة ،ألن كل عصبية منهم إذا أحست بغلب عصبية الرئيس
هلم أقروا باإلذعان و اإلتباع '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص . ) 031
قلنا أن العصبية هي مبثابة ا رك األول لنشأة الدولة لكن هي وحدها غري كافية من الناحية األخالقية
يف اجملتمع اإلسالمي ألن '' العصبية كفكرة جمردة قد تكون النقيض ملفهوم اخلري العام املستمد من الشريعة
املنزلة ،و لذا فإن ابن خلدون كان يرى بأن ال إمكانية لنشوء الدول املستقرة ما مل يتظافر اخلري العام و
الشريعة مع العصبية بشكل من األشكال'' ( حوراين ،1911 ،ص . ) 31
يرى ابن خلدون أن العالقة بني الدين و العصبية هي عالقة تآزر و تعاضد و تكامل :الدين يزيد
من قوة العصبية بالتخفيف من مظاهر التعصب و العصبية من جهتها متنح الدعوة الدينية قوة و فعالية،
فهو يلعب دورا مهما يف توطيد دعائم الدولة ألنه يذهب التنافس بني الناس و يعمل على التأليف بني
قلوهبم ،و كذا صرف طبيعته العدوانية من أجل نشر دعوة التوحيد و إقامة جمتمع أفضل '' فإذا قام فيهم
النيب أو الويل الذي يبعثهم على أمر هللا و يذهب عنهم مذمومات األخالق و يأخذهم مبحمودها ،و
يؤلف كلمتهم إلظهار احلق ،مث اجتماعهم و حصل هلم التغلب و امللك'' ( ابن خلدون ،1911 ،ص
10
مفهوم العصبية ونشأة الدولة يف الفكر اخللدوين
. ) 101إذن الدين ال يقضي على العصبية و إمنا يعمل على نقلها من إطارها الضيق املتعلق بالتعصب
للنسب اخلاص إىل إطار أوسع و هو متعلق بالتعصب للنسب العام و هو العقيدة الدينية .
و عليه لعب اإلسالم هذا الدور من خالل دعوته إىل التوحيد و اإلخاء و املساواة بني البشر
فاستطاع أن جيمع القبائل و يوحدها و يدفعها إىل نشر اإلسالم ،و من مث قيام الدول اإلسالمية الكربى،
ابن خلدون شكالن من الدول اليت يكون للدين دورا يف قيامها و تأسيسها فالشكل األول و لقد خ
'' الدولة العامة االستيالء ،العظيمة امللك ،أصلها الدين إما من نبوة أو دعوة حق ،و ذلك ألن خي
امللك إمنا يصل بالتغلب و التغلب إمنا يكون بالعصبية و اتفاق األهواء على املطالبة ،و مجع القلوب و
تأليفها إمنا يكون مبعونة من هللا يف إقامة دينه '' ( ابن خلدون ) 131 ،1911 ،؛ أما الشكل الثاين
فيتمثل يف الدول اليت تقيم عقيدهتا على الشريعة اإلهلية لتأمني املصاحل الدينية و الدنيوية و هنا جند منوذج
دولة اخلالفة .
حني نظر ابن خلدون ملسألة نشأة الدولة كانت انطالقته قائمة على بعدين وا أن الدولة تنشأ من
البداوة '' إن الدولة تكون يف أوهلا بدوية '' و هنا تكون العصبية ركيزهتا ألن العصبية تكون أكثر قوة يف
البداوة ،أما البعد الثاين فنشأة الدولة هي عبارة عن بداية للدورة التارخيية سياسيا و هذا ألن الدولة
ستتقدم كموضوع و مثرة للصراع و هلذا فهو يقرر أن العصبية ال ميكن هلا أن تأسس الدولة إالّ إذا توفر
شرطان أساسيان و وا وجود عصبية عامة جامعة لعصبيات متفرقة و الشرط الثاين هو وقوع الدولة يف
طور اهلرم .
.5الدولة وتطورها :من التأسيس إىل االضمحالل
للدولة عند ابن خلدون أعمار طبيعية وهي تنتقل خالل عمرها الذي ميتد من 12سنة إىل 102
سنة من الطفولة إىل الشباب إىل الشيخوخة ،و يرتبط كل شيء يف تطور الدولة عند ابن خلدون
بالعصبية و قوهتا ،فإذا كانت الدولة قوية العصبية اتسع نطاقها و امتدت حدودها و دام عهدها ،أما إذا
أصاهبا الضعف فإنه يف تلك احلالة ستفقد الدولة قوهتا،وهنا ينظر ابن خلدون إىل الدولة باعتبارها حكم
11
زينب بومهدي
عصبية معينة ويفسر تطورها من خالل مستويات يتم التعبري عنها على هذا النحو 1 :الدولة هي صورة
ميلك 0 ،الدولة هي صورة عصبية حتكم 3 ،الدولة هي صورة عصبية غالبة وأخرى مغلوبة. شخ
يف املستوى األول نتحدث عن أطوار تطور الدولة وهي مخسة يف نظر ابن خلدون تكون البداية
بطور السعي إىل امللك و الظفر به بالغلبة و هذا بانتزاعه من أيدي الدولة السالفة قبلها و يكون صاحب
الدولة يف هذا الطور أسوة قومه يف اكتساب اجملد فهو يف هذا الطور ال ينفرد دوهنم بشيء منه ،ألن ذلك
راجع إىل العصبية اليت هبا حصل امللك و هي مل تزل بعد حاهلا ،و تظهر العصبية يف هذا الطور كمحرك
للتاريخ و صانعة له و موجهة ألحداثه ،فالعالقات يف هذا الطور تتميز باملساوة و املشاركة ،مث تنتقل
الدولة إىل الطور الثاين و هو '' طور االستبداد على قومه و االنفراد دوهنم بامللك ،يف هذا الطور يعمل
صاحب الدولة على اصطناع الرجال و اختاذ املوايل و الصنائع ،و االستكثار من ذلك جبدع أنوف عصبيته
و عشريته املقامسني له يف نسبه الضاربني معه يف امللك مبثل سهمه'' .
أما الطور الثالث فهو '' طور الفراغ و الدعة لتحصيل مثرات امللك مما تنزع طباع البشر إليه من حتصيل
املال و ختليد اآلثار و بعد الصيت فيستفرغ وسعه يف اجلباية ...و تشييد املباين ...و إجازة الوفود ...و
اعرتاض ( استعراض ) جنوده ...فيباهي هبم الدول املساملة و يرهب الدول ا اربة '' ،مث يأيت الطور الرابع
'' طور القنوع و املساملة ،و يكون صاحب الدولة يف هذا قانعا مبا ب ّأولوه سلما ألنظاره من امللوك و
أمثاله ،مقلدا للماضني من سلفه '' ،فالقوة يف هذا الطور مل يعد هناك مربر لوجودها ما يؤدي إىل شيوع
ظاهرة التقليد و حذو النعل بالنعل ،و أخريا يأيت الطور اخلامس '' طور اإلسراف و التبذير ،و يكون
صاحب الدولة يف هذا الطور متلفا ملا مجع أولوه يف سبيل الشهوات و املالذ و الكرم على بطانته و يف
جمالسه ...فيكون خمربا ملا كان سلفه يؤسسون ،و هادما ملا كانوا يبنون ،و يف هذا الطور حتصل يف الدولة
منه ،و ال يكون هلا منه برء إىل أن طبيعة اهلرم و يستويل عليها املرض املزمن ،الذي ال تكاد ختل
تنقرض '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص . ) 191 -193
12
مفهوم العصبية ونشأة الدولة يف الفكر اخللدوين
كما يدد ابن خلدون عمر الدولة يف ثالث أجيال ،وهنا سيأيت احلديث عن املستوى الثاين
لتطور الدولة و يف هذه األجيال تتطور العصبية من القوة إىل الضعف و من االلتحام إىل االحنالل ،وهي
كالتايل:
اجليل األول من العصبية احلاكمة هو جيل بدوي بكل ما حتمله الكلمة من مع كما أنه ذا قوة وبأس
وهو الذي قام بالثورة والغزو ،شخصية هذا اجليل تتميز بالقوة والشجاعة والدفاع عن الدولة بكل شراسة ،
ورغم أنه سينتقل إىل حياة احلضر يبقى '' على خلق البداوة و خشونتها و توحشها من شظف العيش و
البسالة و االفرتاس و االشرتاك باجملد ،فال تزال بذلك صورة العصبية حمفوظة فيهم فحدُّهم مرهف و
جانبهم مرهوب ،و الناس هلم مغلوبني '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص . )111
أما اجليل الثاين فهو خيتلف عن األول ألنه تر يف أحضان امللك و الرئاسة أي أنه نشأ نشأة اجملتمع
احلضري و ''ملا كان اإلنسان ابن عوائده و مألوفة ال ابن طبيعته و مزاجه ،فإن حال هذا اجليل ستكون
خمتلفة عن اجليل األول و هلذا فحالته قد حتولت '' من البداوة إىل احلضارة و من الشظف إىل الرتف و
اخلصب و من االشرتاك يف اجملد إىل إنفراد الواحد به و كسل الباقني عن السعي فيه '' ( ابن خلدون،
،1911ص ) 116ومن مثة يعترب هذا اجليل جيل وسط فهو بقيت فيه بعض اخلصال من البدواة كما
أنه مل يغرق بعد يف ترف احلضارة وهنا تكون العصبية فيه ال تزال حتافظ على قوهتا
يف حني أن اجليل الثالث وهو األخري فإنه ينسى '' عهد البداوة و اخلشونة كأن مل تكن و يفقدون حالوة
العز و العصبية مبا هم فيه من ملكة القهر و يبلغ فيهم الرتف غايته '' ( ابن خلدون ،1911 ،ص
، )116و هنا تضعف العصبية و تسقط ما يؤدي بصاحب الدولة إىل طلب املساعدة من غريهم
فيستكثر باملوايل و تبدأ الدولة بالضعف إىل أن تذهب هنائيا .
ال تبقى العصبية بنفس القوة اليت بدأت هبا و اليت على أساسها قامت الدولة و من هنا فزوال
العصبية هو اإلعالن الرمسي لزوال الدولة و إضعافها هذا ما جيعلنا نتساءل ملاذا تفسد العصبية ؟ أو ماهي
األسباب اليت تؤدي إىل زوال الدولة ؟ و تفسري ذلك عند ابن خلدون هو أنه و منذ اللحظة اليت تنتهي
فيها احلياة البدوية تبدأ القبائل بفقدان عصبيتهم ،روح تضامنهم ،فعاليتهم االجتماعية و أخالقهم كما أن
13
زينب بومهدي
فساد العصبية راجع إىل استئثار رئيس العصبية بامللك و منعه ألفراد عصبته من التطاول للمساوة و
املشاركة و هذا االستفراد بامللك حسب اجلابري '' ال يعين مطلقا فساد النسب فهو يظل قائما كما كان
أول األمر ،و إمنا يعين يف احلقيقة فساد األساس احلقيقي املوضوعي الذي قامت عليه العصبية و هو
املساوة و املشاركة يف الفوائد املادية و املعنوية اليت يققها امللك ألصحابه '' ( اجلابري ،1991 ،ص
. ) 166
فاالنفراد باجملد يؤدي حتما إىل إضعاف تالحم أهل العصبية ما يعمل على تفككها و عدم تالمحها،
أما السبب الثاين فهو راجع إىل الرتف هذا األخري يؤدي إىل زيادة نفقات الدولة ما جيعلها تصل إىل
مرحلة عجز يف دفع املال للجند ،و من مث يضعف الدفاع عن الذات وهنا يعمل احلاكم على فرض
الضرائب و كل هذا سيصل بالدولة إىل الزوال ،إضافة إىل هذا و مثلما طبيعة امللك تقتضي الرتف فهي
كذلك تقتضي الدعة و الراحة ،و إذا أصبحت الراحة مألفا و خلقا و طبيعة فيهم سيؤدي إىل تريب
األجيال يف غضارة العيش ،ما يؤدي إىل انقالب خلق التوحش و نسيان عوائد البدو اليت أدت إىل قيام
امللك .
كانت هذه األسباب اليت أوردها ابن خلدون يف حتليله الهنيار الدول و لكن ما ميكن التأكيد عليه
أن هذه األسباب هي تنطبق على الدولة القبلية اليت تتحكم فيها العصبية القوية الغالبة اليت حتميها و
تدافع عنها و تضحي يف سبيلها ،فهو ركز عل الدول اليت عايشها يف عصره و شهد أسباب اهنيارها .
. 1خامتة:
ما ميكن استنتاجه يف األخري أن نظرية ابن خلدون يف الدولة قامت على فكرة القوة و الغلبة و هذا
بالعودة إىل فكرته يف العصبية ،و هلذا فهو انطلق يف حتليالته من ظاهرة االجتماع البشري ليصل إىل
مناقشة كل الظواهر االجتماعية املرتبطة هبا ،و اليت متثلت يف فكرة ضرورة وجود الوازع للبشر هذا الوازع
الذي تطور إىل أن أصبح يعرف بالسلطة احلاكمة ،ليصل بعد ذلك إىل فكرة العصبية القائمة على صلة
الدم و اليت مثلت أساس نشأة الدولة و قوهتا ،لينتقل بعدها إىل أطور تطور الدولة من التأسيس إىل اهلرم،
ومن خالل هذا العرض املتدرج قدم ابن خلدون نظرية يف نشأة الدول اعتربت من أهم النظريات يف الفكر
السياسي ،كما ميكننا القول أن الفكر اخللدوين تؤسسه ثالث مفاهيم مرتابطة هي العصبية ،الدولة ،
14
مفهوم العصبية ونشأة الدولة يف الفكر اخللدوين
احلضارة وفهمها وحتديد معناها عند ابن خلدون يعين بالضرورة فهم النظرية اخللدونية يف االجتماع
والسياسة.
نستطيع القول كذلك أن الدولة عند ابن خلدون هي مدة حكم أسرة مالكة يف زمن معني وهلذا
فهو ينظر إىل الدولة من زاويتني ،فهي امتداد يف الزمان وامتداد يف املكان حلكم عصبية معينة ،فهي متتد
زمنيا مبدى قدرهتا على ا افظة على قوة عصبيتها ،كما متتد مكانيا كذلك مبدى قدرهتا وقوهتا على الغزو
وإخضاع األوطان األخرى وضمها إىل حكمها وحتت سلطاهنا ،كذلك علينا أن ال ننسى أن اتساع رقعة
الدولة ال يقتصر فقط على مدى قوة والتحام العصبية الغازية ،فهو مرتبط أيضا مبدى ضعف العصبية يف
املناطق املراد االستيالء عليها ،فكلما كانت ضعيفة كلما سهلت عملية الغزو والعكس صحيح.
وكنتيجة هنائية ميكن القول أن آراء ابن خلدون يف السياسة واالجتماع والعمران والتاريخ ما هي إال
عملية استنطاق لتجربتني األوىل هي جتربته الشخصية من خالل ماتواله من مهام يف بالط احلكم ،والثانية
هي جتربة العصر الذي عاش فيه ،باإلضافة إىل اطالعه الواسع ملا تضمنته كتب التاريخ السياسي
اإلسالمي ،وهلذا إذا أردنا أن نفهم الفكر اخللدوين ما علينا إالّ أن نقرؤه قراءة كلية ال جتزيئية ألنه كل
متكامل فالعمران واالجتماع البشري بأشكاله ييلنا إىل العصبية ،وهذه حتيلنا إىل الدولة وتشكلها وكذا
زواهلا واهنيارها.
.7قائمة املراجع:
* هو عبد الرمحن بن حممد ابن خلدون أبو زيد ويل الدين احلضرمي ( 1330ىت )1121و لد يف تونس
من أسرة أندلسية نزحت من األندلس إىل تونس ،وهو سليل أسرة عريقة من بيت رياسة وعلم ،تلقى
تعليمه يف جامعة الزيتونة ،حيث كان الطلبة يتلقون دروسا يف التفسري واحلديث والعلوم الطبيعية وغريها
من العلوم ،ويف سنة 1316استوىل بنو مرين على تونس وأتاح هذا الغزو لعبد الرمحن ابن خلدون أن
يدرس على يد مشايخ جدد كان أغلبهم قد نزحوا من األندلس وكان ابن خلدون يؤثر اآلبلي على كل
مشيخته وهو يقول عنه أنه '' شيخ العلوم العقلية'' ،بلغ شأنا عظيما إذ كان رجل سياسة وعلم ،ويل
يدرس
الكتابة و الوساطة بني امللوك يف بالد املغرب و األندلس مث انتقل إىل مصر ،ويف األزهر كان ّ
احلديث والفقه املالكي ويشرح نظريته يف العمران وأسس امللك ونشأة الدول ،قدم أهم املصادر للفكر
العاملي و هو كتاب العرب و ديوان املبتدأ و اخلرب يف أيام العرب و العجم و الرببر و من عاصرهم من ذوي
السلطان األكرب ( انظر عنان ،1933 ،ص ص . ) 11 ،31 ،13
15
زينب بومهدي
-1ابن خلدون ،عبد الرمحن ،)1911( ،العرب و ديوان املبتدأ و اخلرب يف أيام العرب و العجم و الرببر و
من عاصرهم من ذوي السلطان األكرب :املقدمة ،حتقيق علي عبد الواحد وايف :جلنة البيان العريب،
القاهرة ،مصر.
-0ابن منظور ( ،د/ت) ،لسان العرب ،مادة ( عصب) ،دار املعارف ،القاهرة ،مصر.
-3األزرق ،أيب عبد هللا ،)1966 ( ،بدائع السلك يف طبائع امللك ،حتقيق و تعليق علي النشار ،ج،1
دار احلرية للطباعة ،بغداد ،العراق.
-1اجلابري ،حممد عابد ،)1991( ،ابن خلدون العصبية و الدولة معامل نظرية خلدونية يف التاريخ
اإلسالمي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،لبنان
-1النبهان ،حممد فاروق )1991( ،الفكر اخللدوين من خالل املقدمة ،مؤسسة الرسالة للطباعة و
النشر و التوزيع ،بريوت ،لبنان.
-1حوراين ،ألربت ،) 1911 (،الفكر العريب يف عصر النهضة ،تر :كرمي عزقول ،دار النهار ،بريوت،
لبنان
-6عنان ،حممد عبد هللا ،) 1933 ( ،ابن خلدون حياته وتراثه الفكري ،مطبعة الكتب املصرية
بالقاهرة ،مصر.
-1مغريب ،عبد الغين ،)1911( ،الفكر االجتماعي عند ابن خلدون ،تر :حممد الشريف بن دايل
حسني ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر .
- 9احلبايب ،حممد ،) 0221 ( ،الدينامية ا ركة للتاريخ عند ابن خلدون ،تر :فاطمة احلبايب ،مركز
دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،لبنان.
16