‫العوامل الجغرافية المؤثرة في توزيع السكان‬

‫يرتبط توزيع الظواهر الجغرافية بشكل عام بالعوامل الطبيعية والبشرية التي ينتج‬
‫عنها تكوين أقاليم وبيئات جغرافية تكون أما جاذبة للسكان أو طاردة لهم ‪ ،‬أنها‬
‫العالقات المكانية التي تفسر تركز السكان أو عدم تركزهم ‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫يرتبط التوزيع الجغرافي للسكان بجملة من تلك العوامل التي توضح العالقة بين‬
‫السكان واألرض ‪ ،‬والكيفية التي يعيش فيها السكان في بيئتهم‪ .‬وفي هذا المجال تقدم‬
‫الجغرافيون بدراسات عديدة استهدفت تحديد دور العوامل الجغرافية في هذا التباين‬
‫ودرجة الكثافة وأساليب الحياة ‪،‬وغالبا ما تتداخل هذه العوامل فيما بينها بشكل‬
‫مترابط ومعقد في رسم مالمح هذا التوزيع بحيث يصعب تحديد مقدار تأثيرها بشكل‬
‫منفصل‪.‬‬

‫العوامل الطبيعية المؤثرة في توزيع السكان ‪.‬‬

‫عادة ما يرتبط التوزيع الجغرافي للسكان بجملة من العوامل الطبيعية والبش رية ال تي‬
‫تتفاعل مع بعضها البعض فتكون أقاليم أو بيئات جاذبة للس كان أو ط اردة لهم‪ ،‬وعلى‬
‫هذا األساس من الصعوبة بمك ان تحدي د العام ل الرئيس ي في التوزي ع وذل ك لتش ابك‬
‫وتداخل تأثيره ا بش كل معق د لترس م الص ورة النهائي ة للتوزي ع الس كان وخاص ة في‬
‫األقاليم السكانية المتطورة وتختلف هذه العوامل في أهميتها النسبية من دول ة ألخ رى‬
‫ومن إقليم ألخر وهي المتحكمة الوحيدة في توزيع السكان ‪،‬‬
‫وعموما يمكن القول أن العوامل الطبيعة متع ددة وتتف اوت في ق وة تأثيره ا مكاني ا و‬
‫زمانيا وسوف نبحث هذه العوامل دون التعمق بالتفاصيل الطبيعية واإلشارة لها بقدر‬
‫تأثيرها على وجود السكان ورسم نمط توزيعهم‬

‫عامل االرتفاع‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

 ‫يؤدي تباين وتنوع السطح ما بين ( السهول والهضاب والجبال ) دورا مهما في‬
‫التوزيع الجغرافي للسكان وتباين كثافتهم ‪ ،‬وبشكل عام تعد السهول من أفضل‬
‫وأنسب أنواع السطح لالستيطان البشري وذلك لما تتميز من خصائص جغرافية‬
‫تحفز على االستيطان البشري منها سهولة مد طرق الموصالت وإقامة كافة المنشأة‬
‫العمرانية وسهولة القيام بالعمليات الزراعية والصناعية وكل ما يرتبط بهما األمر‬
‫الذي أدى الى تميزها بكثافة سكانية عالية في كثير من جهات العالم وفي سهول دلتا‬
‫النيل بلغت الكثافة السكانية الى حوالي ‪1000‬نسمة ‪/‬كم‪ 2‬ولكن هذا ال يعني أن‬
‫السهول هي دائما انسب المواقع لالستيطان في كافة جهات العالم إذ توجد مساحات‬
‫واسعة من سهول سيبريا الواقعة في العروض العليا في النصف الشمالي للكرة‬
‫األرضية هي طاردة للسكان بسبب المناخ القاسي وخاصة في فصل الشتاء وال‬
‫تتجاوز فيها الكثافة السكانية فيها أكثر من ‪1‬نسمة‪/‬كم وكذلك الحال بالنسبة لسهول‬
‫األمزون الطاردة للسكان لما تتميز من خصائص جغرافية سيئة ال تشجع السكان‬
‫على االستيطان ولذلك يتخذ السكان في هذه البيئات المناطق الجبلية المرتفعة لما‬
‫تتميز من خصائص تشجع السكان على االستيطان فيها من مناخ معتدل وضعف‬
‫تأثير األمراض المدارية على المصاطب المرتفعة الى جانب االستثمار المعدني‬
‫والتربة البركانية الصالحة لالنتاج الزراعي وكذلك الحال في قارة أفريقيا فارتفاع‬
‫الكثافة السكانية في مرتفعات أثيوبيا يرتبط بنفس التأثير ويمكن القول أن الجبال‬
‫الواقعة بين المدارين هي مناطق جاذبة للسكان بينما تعتبر الجبال في العروض‬
‫العليا ال تساعد على االستيطان فأن أكثر المستوطنات ارتفاعا في النرويج تقع في‬
‫سفوحها الغربية اليزيد ارتفاعها عن ‪ 600‬م ‪ ،‬وهكذا نجد تباين في توزيع سكان‬
‫العالم وفق تنوع التضاريس فقد تكون السهول مكتظة بالسكان في المناطق المعتدلة‬
‫وأحيانا تخلوا الجبال من السكان وقد تقف عائقا دون أنتشار السكان وقد تكون الحالة‬
‫معكوسة في جهات أخرى وعموما يمكن القول أن حوالي ‪ %80‬من سكان العالم‬
‫يعشون دون منسوب ‪500‬م فوق مستوى سطح البحر‬
 ‫‪ -2‬المناخ ‪:‬‬
‫المناخ هو أحد محاور النظام البيئي لكونه يمثل الغالف الجوي الذي يرتبط بعالقة‬
‫متداخلة ومتبادلة مع الغالف الصخري والمائي والحيوي ويؤثر أي تغيير في‬
‫خصائصه في تغير العناصر البيئية األخرى ‪ .‬لذلك تؤثر عناصره المختلفة في‬
‫التوزيع الجغرافي للسكان بصورة مباشرة وذلك من خالل تأثيره على وظائف‬
‫اإلنسان العضوية وغير مباشرة فأنه يؤثر على التربة والحياة النباتية كونه ضابط‬
‫رئيسي يتحكم في نموها وتوزيعها ويعد المناخ عامل من العوامل الطبيعية المؤثرة‬
‫والمتحكمة في توزيع السكان لكونه الموجه الرئيسي للهجرات البشرية وأعتبر منبع‬
‫الحضارة والمحدد للطاقات الشعوب وشخصيتها‪ .‬ولكن أثر المناخ ال يظهر بوضوح‬
‫اإل في مناطق معينة من أقاليم سطح األرض فقد يفرض سيطرته بشكل واضح في‬
‫مناطق العروض العليا ما وراء دائرة ‪65‬شماال في سهول سيبريا واألسكا وفي‬
‫مناطق التندرا في أمريكا الشمالية التي تنخفض فيها درجات الحرارة الى مادون‬
‫الصفر المئوي في فصل الشتاء الطويل األمر الذي جعلها مناطق طاردة للسكان لما‬
‫تسببه البرودة الشديدة من مشاكل في الدورة الدموية وفقدان الطاقة والى خدر‬
‫مستمر وموت محقق ‪.‬وكما أن طول الليالي القطبية وضعف أشعة الشمس من جانب‬
‫والى فقر وندرة النبات الطبيعي التي تسبب قلة مصادر العيش للسكان األصليين‬
‫وكما يقل السكان وكثافتهم في المناطق المدارية الرطبة (الغابات االستوائية )‬
‫والتي تعد بيئة مالئمة لنمو العديد الطفيليات التي تسبب األمراض وتغطي األقاليم‬
‫الحارة الرطبة في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وأستراليا حوالي ‪ %28‬من‬
‫فالمناخ عامل مؤثر يفرض سيطرته في بيئات جغرافية محددة لم يستطع اإلنسان‬
‫التحكم به مع أنه حاول في بعض الجهات أن يغير قدرا من سيطرته باستخدامه‬
‫وسائل التكيف (الباردة والدافئة) وإنزاله األمطار االصطناعية والزراعة في البيوت‬
‫الزجاجية وغير ذلك ‪0‬‬
 ‫‪ -3‬الموارد المائية ‪:‬‬
‫وهي من أهم مقومات الحياة على األرض فهو المورد الوحيد الذي لواله النعدمت‬
‫الحياة على سطح األرض ومن المعرف أن الجهات التي تتساقط فيها كميات كبيرة‬
‫من األمطار والتي تساعد على قيام الزراعة الكثيفة وخاصة الرز تساعد في أعالة‬
‫أعداد كبيرة من السكان كما هو الحال في مناطق جنوب شرق أسيا التي تتميز‬
‫بالتركز السكاني الكثيف بينما نجد العكس من ذلك في المناطق الجافة وشيه الجافة‬
‫التي يندر فيها سقوط األمطار إذ ما كانت خالية من المجاري المائية السطحية‬
‫الدخيلة والتي تنبع من مناطق رطبة تقع خارجها ‪.‬‬
‫تعد الموارد المائية السطحية من أهم العوامل الطبيعية المؤثرة في التوزيع‬
‫الجغرافي للسكان وكثافتهم في كثير من جهات العالم والسيما المناطق الجافة وشبه‬
‫الجافة لدرجة أرتبط توزيع السكان فيها ارتباطا وثيقا مع توزيع الموارد المائية‬
‫السطحية فيها التي غالبا ما تكون دخيلة عليها‬
‫و تشكل األنهار عامل جذب سكاني يتسم بالتركز لما توفره من مزايا عديدة كموارد‬
‫للمياه والنقل المائي وقد تؤثر األنهار بشكل مباشر في جذب السكان لالستيطان على‬
‫ضفافها أو عند مناطق التقائها ‪ ،‬ولكن ليس في كل األحوال تتسم األنهار بالتركز‬
‫السكاني فقد تؤدي الى تبعثر النمط السكاني وذلك لما تجذبه من فيضانات وما‬
‫تصاحبها من تدمير في الممتلكات أو قد تكون في أقاليم مناخية غير مالئمة‬
‫لالستيطان كما هو الحال في نهري الكنغو و األمزون وغيرها من أنهار المناطق‬
‫المدارية‬

‫‪4‬ـ‪ -‬التربة ‪ :‬تعد التربة من عناصر البيئة الطبيعية المؤثرة في توزيع السكان وتباين‬
‫كثافتهم وغالبا ما تظهر الصعوبة عند تحديد أثارها في هذا التوزيع ألن االختالف‬
‫اإلقليمي في توزيعها يرجع إلى المناخ والتضاريس والنبات الطبيعي ‪ ،‬وبالنظر‬
‫ألهميتها في توزيع السكان وتغيير نمطه أندفع الكثير من الباحثين في دراسة العالقة‬
‫بينها وبين توزيع السكان من جانب وبين أثار جرفها وعالقتها بهذا التوزيع من‬
‫جانب أخر ‪ ،‬ومن المعروف أن التربة هي مصدر اإلنتاج الزراعي التي تقدم الغذاء‬
‫للسكان والحيوان وبالنظر لتعدد أنواع الترب وتباين توزيعها من مكان ألخر انعكس‬
‫هذا التباين على توزيع السكان وكثافتهم على الرغم من قلة وضوح إثرها في توزيع‬
‫السكان وكثافتهم‬