δτº ƒΘτφΩ∩í ƒΘπ⌐á∩í πΘε αφÿ ƒΘ¥½ΘƒΩ φƒΘφƒτπ

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 42

‫نقد القومية‬

‫العربية على‬
‫ضوء السإلما‬
‫والواقع‬
‫الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن‬
‫باز‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلةا والسلما على رسول الله وبعد‪:‬‬
‫فل يشك مسلم له أدنى بصيرةا بالتاريخ السلمي في فضل‬
‫العرب المسلمين‪ ،‬وما قاموا به من حمل رسالة السلما في‬
‫القرون المفضلة‪ ،‬وتبليغه لكافة الشعوب‪ ،‬والصدق في‬
‫الدعوةا إليه‪ ،‬والجهاد لنشره والدفاع عنه‪ ،‬وتحمل المشاق‬
‫العظيمة في ذلك‪ ،‬حتى أظهرها الله على أيديهم وخفقت‬
‫رايته في غالب المعمورةا‪ ،‬وشاهد العالم على أيدي دعاةا‬
‫السلما في صدر السلما أكمل نظاما وأعدل حاكم‪ ،‬ورأوا في‬
‫السلما كل ما يريدون وينشدون من خير الدنيا والخرةا‪،‬‬
‫ووجدوا في السلما تنظيم حياةا سعيدةا تكفل لهم العزةا‬
‫والكرامة والحرية من عبادةا العبيد‪ ،‬وظلم المستبدين‪ ،‬والولةا‬
‫الغاشمين‬
‫ووجدوا في السلما تنظيم علقتهم بالله سبحانه‪ :‬بعبادةا‬
‫عظيمة تصلهم بالله‪ ،‬وتطهر قلوبهم من الشرك والحقد‬
‫والكبر‪ ،‬وتغرس فيها غاية الحب لله وكمال الذل له والتلذذ‬
‫بمناجاته‪ ،‬وتعرفهم بربهم وبأنفسهم‪ ،‬وتذكرهم بالله وعظيم‬
‫حقه كلما غفلوا أو كادوا أن يغفلوا وجدوا في السلما تنظيم‬
‫علقتهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وماذا يجب عليهم من‬
‫حقه والسير في سبيله‪ ،‬ووجدوا في السلما أيضا تنظيم‬
‫العلقات التي بين الراعي والرعية‪ ،‬وبين الرجل وأهله‪ ،‬وبين‬
‫الرجل وأقاربه‪ ،‬وبين الرجل وإخوانه المسلمين‪ ،‬وبين‬
‫المسلمين والكفار‪ ،‬بعبارات واضحة وأساليب جلية ووجدوا‬
‫من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة وأتباعهم‬
‫بإحسان تفسير ذلك بأخلقهم الحميدةا وأعمالهم المجيدةا‪،‬‬
‫فأحب الناس السلما وعظموه ودخلوا فيه أفواجا‪ ،‬وأدركوا‬
‫فيه كل خير وطمأنينة وصلحا وإصلحا‬
‫والكلما في مزايا السلما وما اشتمل عليه من أحكاما سامية‬
‫وأخلق كريمة‪ ،‬تصلح القلوب‪ ،‬وتؤلف بينها وتربطها برباط‬
‫وثيق من المودةا في الله سبحانه‪ ،‬والتفاني في نصر دينه‪،‬‬
‫والتمسك بتعاليمه‪ ،‬والتواصي بالحق والصبر عليه‪ ،‬ل ريب أن‬
‫الكلما في هذا الباب يطول والقصد في هذه الكلمة الشارةا‬
‫إلى ما حصل على أيدي المسلمين من العرب في صدر‬
‫السلما من الجهاد والصبر‪ ،‬وما أكرمهم الله به من حمل‬
‫مشعل السلما إلى غالب المعمورةا‪ ،‬وما حصل للعالم من‬
‫الرغبة في السلما‪ ،‬والمسارعة إلى الدخول فيه‪ ،‬لما اشتمل‬
‫عليه من الحكاما الرشيدةا والتعاليم السمحة‪ ،‬والتعريف بالله‬
‫سبحانه وبأسمائه وصفاته وعظيم حقه على عباده‪ ،‬ولما‬
‫اتصف به حملته والدعاةا إليه من تمثيل أحكاما السلما في‬
‫أقوالهم وأعمالهم وأخلقهم‪ ،‬حتى صاروا بذلك خير أمة‬
‫خي َْر‬
‫م َ‬ ‫أخرجت للناس‪ ،‬وحققوا بذلك معنى قوله تعالى‪ :‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫من ْك َِ‬
‫ر‬ ‫ن ع َن ال ُْ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ت‬‫و‬ ‫ف‬ ‫رو‬ ‫ع‬‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫م‬ ‫أ ُمة أ ُخرجت للناس تأ ْ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ِ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ ٍ ْ ِ َ ْ ِ ّ ِ َ ُ ُ‬
‫ن ِبالل ّهِ ومعنى الية كما قال أبو هريرةا رضي الله عنه‬ ‫وَت ُؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫كنتم خير الناس للناس‬
‫ل يشك مسلم قد عرف ما كان عليه المسلمون في صدر‬
‫السلما فيما ذكرناه‪ ،‬فهو من الحقائق المعلومة بين‬
‫المسلمين‪ ،‬ول يشك مسلم في ما للمسلمين غير العرب من‬
‫الفضل والجهاد المشكور في مساعدةا إخوانهم من العرب‬
‫المسلمين في نشر هذا الدين والجهاد في إعلءا كلمته‪،‬‬
‫وتبليغه سكان المعمورةا‪ ،‬شكر الله للجميع مساعيهم الجليلة‪،‬‬
‫وجعلنا من أتباعهم بإحسان‪ ،‬إنه على كل شيءا قدير‬
‫وإنما الذي ينكر اليوما ويستغرب صدوره عن كثير من أبناءا‬
‫السلما من العرب‪ ،‬انصرافهم عن الدعوةا إلى هذا الدين‬
‫العظيم‪ ،‬الذي رفعهم الله به‪ ،‬وأعزهم بحمل رسالته‪ ،‬وجعلهم‬
‫ملوك الدنيا وسادةا العالم‪ ،‬لما حملوا لواءاه وجاهدوا في‬
‫سبيله بصدق وإخلصا‪ ،‬حتى فتحوا الدنيا‪ ،‬وكسروا كسرى‪،‬‬
‫وقصروا قيصر‪ ،‬واستولوا على خزائن مملكتيهما‪ ،‬وأنفقوها‬
‫في سبيل الله سبحانه‪ ،‬وكانوا حينذاك في غاية من الصدق‬
‫والخلصا والوفاءا والمانة والتحاب في الله سبحانه‬
‫والمؤاخاةا فيه‪ ،‬ل فرق عندهم بين عربي وعجمي‪ ،‬ول بين‬
‫أحمر وأسود‪ ،‬ول بين غني وفقير‪ ،‬ول بين شرقي وغربي‪ ،‬بل‬
‫هم في ذلك إخوان متحابون في الله‪ ،‬متعاونون على البر‬
‫والتقوى‪ ،‬مجاهدون في سبيل الله‪ ،‬صابرون على دين السلما‬
‫ل تأخذهم في الله لومة لئم‪ ،‬يوالون في السلما‪ ،‬ويعادون‬
‫فيه‪ ،‬ويحبون عليه‪ ،‬ويبغضون عليه‪ ،‬ولذلك كفاهم الله مكايد‬
‫أعدائهم‪ ،‬وكتب لهم النصر في جميع ميادين جهادهم‪ ،‬كما‬
‫وعدهم الله سبحانه بذلك في كتابه المبين حيث يقول‬
‫َ‬
‫ن وقال تعالى‪َ :‬يا أي َّها‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬‫قا ع َل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ح ّقَ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫سبحانه‪ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫مك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ت أقْ َ‬
‫دا َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬
‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬‫مُنوا إ ِ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ثم بعد هذا الشرف العظيم والنصر المؤزر من المولى‬
‫سبحانه لعباده المؤمنين من العرب وغيرهم‪ ،‬نرى نفرا من‬
‫أبنائنا يخدعون بالمبادئ المنحرفة‪ ،‬ويدعون إلى غير السلما‪،‬‬
‫كأنهم لم يعرفوا فضل السلما وما حصل لسلفهم بالسلما‬
‫من العزةا والكرامة‪ ،‬والمجد الشامخ والمجتمع القوي الذي‬
‫كتبه الله لهل السلما الصادقين‪ ،‬حتى إن عدوهم ليخافهم‬
‫وهو عنهم مسيرةا شهر‪ ،‬نسي هؤلءا أو تناسوا هذا المجد‬
‫المؤثل والعز العظيم والملك الكبير‪ ،‬الذي ناله المسلمون‬
‫بالسلما‪ ،‬فصار هؤلءا البناءا يدعون إلى التكتل والتجمع حول‬
‫القومية العربية‪ ،‬ويعرفونها بأنها اجتماع وتكاتف لتطهير البلد‬
‫من العدو المستعمر‪ ،‬ولتحصيل المصالح المشتركة‪ ،‬واستعادةا‬
‫المجد السليب‬
‫وقد اختلف الدعاةا إليها في عناصرها‪ ،‬فمن قائل‪ :‬أنها الوطن‬
‫والنسب واللغة العربية ومن قائل‪ :‬أنها اللغة فقط ومن قائل‪:‬‬
‫أنها اللغة مع المشاركة في اللما والمال ومن قائل غير ذلك‬
‫وأما الدين فليس من عناصرها عند أساطينهم والصرحاءا‬
‫منهم‪ ،‬وقد صرحا كثير بأن الدين ل دخل له في القومية‪ ،‬وصرحا‬
‫بعضهم أنها تحترما الديان كلها من السلما وغيره وهدفها كما‬
‫يعلم من كلمهم هو التكتل والتجمع والتكاتف ضد العداءا‬
‫ولتحصيل المصالح المشتركة كما سلف‪ ،‬ول ريب بأن هذا‬
‫غرض نبيل وقصد جميل‬
‫فإذا كان هذا هو الهدف‪ ،‬ففي السلما من الحث على ذلك‬
‫والدعوةا إليه‪ ،‬وإيجاب التكاتف والتعاون لنصر السلما‪،‬‬
‫وحمايته من كيد العداءا ولتحصيل المصالح المشتركة‪ ،‬ما هو‬
‫أكمل وأعظم مما يرتجى من وراءا القومية ومعلوما عند كل‬
‫ذي لب سليم أن التكاتف والتعاون الذي مصدره القلوب‪،‬‬
‫واليمان بصحة الهدف‪ ،‬وسلمة العاقبة في الحياةا وبعد‬
‫الممات كما في السلما الصحيح ‪ -‬أعظم من التعاون‬
‫والتكاتف على أمر اخترعه البشر ولم ينزل به وحي السماءا‪،‬‬
‫ول تؤمن عاقبته ل في الدنيا ول في الخرةا‪ .‬وأيضا فالتكاتف‬
‫والتعاون الصادر عن إيمان بالله‪ ،‬وصدق في معاملته ومعاملة‬
‫عباده‪ ،‬مضمون له النصر وحسن العاقبة ‪ -‬كما في اليات‬
‫الكريمات التي أسلفنا ذكرها ‪ -‬بخلف التكاتف والتعاون‬
‫المبني على فكرةا جاهلية تقليدية‪ ،‬لم يأت بها شرع ولم‬
‫يضمن لها النصر‪.‬‬
‫وهذا كله على سبيل التنزل لدعاةا القومية‪ ،‬والرغبة في إيضاحا‬
‫الحقائق لطالب الحق وإل فمن خبر أحوال القوميين‪ ،‬وتدبر‬
‫مقالتهم وأخلقهم وأعمالهم‪ ،‬عرف أن غرض الكثيرين منهم‬
‫من الدعوةا إلى القومية‪ ،‬أمور أخرى يعرفها من له أدنى‬
‫بصيرةا بالواقع وأحوال المجتمع‪ ،‬ومن تلك المور‪ ،‬فصل الدين‬
‫عن الدولة‪ ،‬وإقصاءا أحكاما السلما عن المجتمع‪ ،‬والعتياض‬
‫عنها بقوانين وضعية ملفقة من قوانين شتى‪ ،‬وإطلق الحرية‬
‫للنزعات الجنسية والمذاهب الهدامة ‪ -‬ل بلغهم الله مناهم ‪-‬‬
‫ول ريب أن دعوةا تفضي إلى هذه الغايات‪ ،‬يرقص لها‬
‫الستعمار طربا‪ ،‬ويساعد على وجودها ورفع مستواها ‪ -‬وإن‬
‫تظاهر بخلف ذلك ‪ -‬تغريرا للعرب عن دينهم‪ ،‬وتشجيعا لهم‬
‫على الشتغال بقوميتهم‪ ،‬والدعوةا إليها والعراض عن دينهم‬
‫ومن زعم من دعاةا القومية أن الدين من عناصرها‪ ،‬فقد‬
‫فرض أخطاءا على القوميين‪ ،‬وقال عليهم ما لم يقولوا لن‬
‫الدين يخالف أسسهم التي بنوا القومية عليها‪ ،‬ويخالف صريح‬
‫كلمهم ويباين ما يقصدونه من تكتيل العرب‪ ،‬على اختلف‬
‫أديانهم تحت راية القومية‬
‫ولهذا تجد من يجعل الدين من عناصر القومية يتناقض في‬
‫كلمه‪ ،‬فيثبته تارةا وينفيه أخرى‪ ،‬وما ذلك إل أنه لم يقله عن‬
‫عقيدةا وإيمان‪ ،‬وإنما قاله مجاملة لهل السلما‪ ،‬أو عن جهل‬
‫بحقيقة القومية وهدفها‪ ،‬وهكذا قول من قال‪ :‬إنها تخدما‬
‫السلما أو تسانده‪ ،‬وكل ذلك بعيد عن الحقيقة والواقع‪ ،‬وإنما‬
‫الحقيقة أنها تنافس السلما وتحاربه في عقر داره‪ ،‬وتطلي‬
‫ببعض خصائصه ترويجا لها وتلبيسا أو جهل وتقليدا‬
‫ولو كانت الدعوةا إلى القومية يراد منها نصر السلما وحماية‬
‫شعائره‪ ،‬لكرس القوميون جهدهم في الدعوةا إليه ومناصرته‪،‬‬
‫وتحكيم دستوره النازل من فوق سبع سماوات‪ ،‬ولبادروا إلى‬
‫التخلق بأخلقه‪ ،‬والعمل بما يدعو إليه‪ ،‬وابتعدوا عن كل ما‬
‫يخالفه؛ لنه الصل الصيل والهدف العظم‪ ،‬ولنه السبيل‬
‫الذي من سار عليه‪ ،‬واستقاما عليه‪ ،‬وصل إلى شاطئ‬
‫السلمة‪ ،‬وفاز بالجنة والكرامة‪ ،‬ومن حاد عن سبيله باءا‬
‫بالخيبة والندامة‪ ،‬وخسر الدنيا والخرةا‪ ،‬فلو كان دعاةا القومية‬
‫يقصدون بدعوتهم إليها تعظيم السلما وخدمته‪ ،‬ورفع شأنه‪،‬‬
‫لما اقتصروا على الدعوةا للخادما دون المخدوما‪ ،‬وكرسوا لهذا‬
‫الخادما جهودهم‪ ،‬وغضبوا من صوت دعاةا السلما إذا دعوا‬
‫إليه‪ ،‬وحذروا مما يخالفه أو يقف حجرا في طريقه‬
‫لو كان دعاةا القومية يريدون بدعوتهم إعلءا كلمة السلما‪،‬‬
‫واجتماع العرب عليه‪ ،‬لنصحوا العرب ودعوهم إلى التمسك‬
‫بتعاليم السلما‪ ،‬وتنفيذ أحكامه‪ ،‬ولشجعوهم على نصره‬
‫ودعوةا الناس إليه‪ ،‬فإن العرب أولى الناس بأن ينصروا‬
‫السلما‪ ،‬ويحموه من مكايد العداءا ويحكموه فيما شجر بينهم‪،‬‬
‫كما فعل أسلفهم؛ لنه عزهم وذكرهم ومجدهم‪ ،‬كما قال الله‬
‫قد أ َنزل ْنا إل َيك ُم كتابا فيه ذك ْرك ُ َ‬
‫ن وقال‬ ‫قُلو َ‬ ‫تعالى‪ :‬ل َ َ ْ ْ َ َ ِ ْ ْ ِ َ ً ِ ِ ِ ُ ْ‬
‫م أَفل ت َعْ ِ‬
‫ه‬
‫قيم ٍ وَإ ِن ّ ُ‬‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫ك ع ََلى ِ‬
‫صَرا ٍ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬‫ي إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ذي ُأو ِ‬
‫ح‬ ‫ك ِبال ّ ِ‬ ‫س ْ‬‫م ِ‬ ‫َفا ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫َ‬
‫ن وإذا عرفت أيها القارئ ما‬ ‫سأُلو َ‬ ‫ف تُ ْ‬ ‫سوْ َ‬ ‫م َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫قوْ ِ‬ ‫ك وَل ِ َ‬‫ل َذ ِك ٌْر ل َ َ‬
‫تقدما‪ ،‬فاعلم أن هذه الدعوةا‪ :‬أعني الدعوةا إلى القومية‬
‫العربية‪ ،‬أحدثها الغربيون من النصارى‪ ،‬لمحاربة السلما‬
‫والقضاءا عليه في داره‪ ،‬بزخرف من القول‪ ،‬وأنواع من‬
‫الخيال‪ ،‬وأساليب من الخداع‪ ،‬فاعتنقها كثير من العرب من‬
‫أعداءا السلما‪ ،‬واغتر بها كثير من الغمار ومن قلدهم من‬
‫الجهال‪ ،‬وفرحا بذلك أرباب اللحاد وخصوما السلما في كل‬
‫مكان‬
‫نشرةا صدرت في كتاب عن المكتب السلمي في بيروت‬
‫ودمشق عاما ‪ 1400‬هـ الطبعة الرابعة‪.‬‬

‫ومن المعلوما من دين السلما بالضرورةا أن الدعوةا إلى‬


‫القومية العربية أو غيرها من القوميات‪ ،‬دعوةا باطلة وخطأ‬
‫عظيم‪ ،‬ومنكر ظاهر‪ ،‬وجاهلية وكيد سافر للسلما وأهله‪،‬‬
‫وذلك لوجوه‬
‫الول أن الدعوةا إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين‪،‬‬
‫وتفصل المسلم العجمي عن أخيه العربي‪ ،‬وتفرق بين العرب‬
‫أنفسهم ؛ لنهم كلهم ليسوا يرتضونها‪ ،‬وإنما يرضاها منهم قوما‬
‫دون قوما‪ ،‬وكل فكرةا تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابا فكرةا‬
‫باطلة‪ ،‬تخالف مقاصد السلما وما يرمي إليه؛ وذلك لنه يدعو‬
‫إلى الجتماع والوئاما‪ ،‬والتواصي بالحق والتعاون على البر‬
‫َ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫والتقوى‪ ،‬كما يدل على ذلك قوله سبحانه‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫موا‬ ‫ص ُ‬‫ن َواع ْت َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ِإل وَأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ات ّ ُ‬
‫م‬‫م إ ِذ ْ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ة الل ّهِ ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ميًعا َول ت َ َ‬ ‫ج ِ‬‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫م ع ََلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬
‫واًنا وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ِ َ‬‫خ‬‫ْ‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬‫م‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ح‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ص‬‫ْ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ءا‬‫دا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬
‫م آَيات ِهِ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قذ َك ُ ْ‬‫ن الّنارِ فَأ َن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةاٍ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬‫َ‬
‫صرِهِ‬ ‫ك ب ِن َ ْ‬ ‫ذي أ َي ّد َ َ‬ ‫ن وقال تعالى‪ :‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫قت ما ِفي اْل َ‬ ‫ف بين قُُلوبهم ل َو أ َ‬ ‫ن وَأ َل ّ‬
‫ميًعا‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫وَِبال ْ ُ‬
‫م‬
‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ه أ َل ّ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما أ َل ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫صلةا َ َول ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ َوات ّ ُ‬
‫م َ‬
‫كوُنوا ِ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قوه ُ وَأِقي ُ‬ ‫مِنيِبي َ‬ ‫وقال تعالى‪ُ :‬‬
‫ما‬‫ب بِ َ‬ ‫حْز ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫شي ًَعا ك ُ ّ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن فَّرُقوا ِدين َهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن‬
‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫ل َد َي ْهِ ْ‬
‫فانظر أيها المؤمن الراغب في الحق كيف يحارب السلما‬
‫التفرق والختلف‪ ،‬ويدعو إلى الجتماع والوئاما‪ ،‬والتمسك‬
‫بحبل الحق والوفاةا عليه‪ ،‬تعلم بذلك أن هدف القومية غير‬
‫هدف السلما‪ ،‬وأن مقاصدها تخالف مقاصد السلما‪ ،‬ويدل‬
‫على ذلك أيضا أن هذه الفكرةا‪ ،‬أعني الدعوةا إلى القومية‬
‫العربية وردت إلينا من أعدائنا الغربيين‪ ،‬وكادوا بها المسلمين‪،‬‬
‫ويقصدون من ورائها فصل بعضهم عن بعض‪ ،‬وتحطيم كيانهم‪،‬‬
‫وتفريق شملهم‪ ،‬على قاعدتهم المشئومة )فرق تسد( وكم‬
‫نالوا من السلما وأهله بهذه القاعدةا النحيسة‪ ،‬مما يحزن‬
‫القلوب ويدمي العيون‬
‫وذكر كثير من مؤرخي الدعوةا إلى القومية العربية‪ ،‬ومنهم‬
‫مؤلف الموسوعة العربية‪ :‬أن أول من دعا إلى القومية‬
‫العربية في أواخر القرن التاسع عشر الميلدي‪ ،‬هم الغربيون‬
‫على أيدي بعثات التبشير في سوريا‪ ،‬ليفصلوا الترك عن‬
‫العرب‪ ،‬ويفرقوا بين المسلمين‪ ،‬ولم تزل الدعوةا إليها في‬
‫الشاما والعراق ولبنان تزداد وتنمو‪ ،‬حتى عقد لها أول مؤتمر‬
‫في باريس من نحو ستين سنة‪ ،‬وذلك عاما ‪ 1910‬ما‪ ،‬وكثرت‬
‫بسبب ذلك الجمعيات العربية‪ ،‬وتعددت التجاهات‪ ،‬فحاول‬
‫التراك إخمادها‪ ،‬بأحكاما العداما التي نفذها جمال باشا في‬
‫سورية في ذلك الوقت‪ ،‬إلي آخر ما ذكروا‪ ،‬فهل تظن أيها‬
‫القارئ أن خصومنا وأعداءانا يسعون في مصالحنا‪ ،‬بابتداعهم‬
‫الدعوةا إلى القومية العربية‪ ،‬وعقد المؤتمرات لها‪ ،‬وابتعاث‬
‫المبشرين بها‪ ،‬ل والله‪ ،‬إنهم ل يريدون بنا خيرا ول يعملون‬
‫لمصالحنا‪ ،‬إنما يعملون ويسعون لتحطيمنا وتمزيق شملنا‪،‬‬
‫والقضاءا على ما بقي من ديننا‪ ،‬وكفى بذلك دليل لكل ذي لب‪،‬‬
‫على ما يراد من وراءا الدعوةا إلى القومية العربية‪ ،‬وأنها معول‬
‫غربي استعماري‪ ،‬يراد به تفريقنا وإبعادنا عن ديننا كما سلف‬
‫ومن العجب الذي ل ينقضي‪ ،‬أن كثيرا من شبابنا وكتابنا ‪-‬‬
‫ألهمهم الله رشدهم ‪ -‬خفيت عليهم هذه الحقيقة‪ ،‬حتى ظنوا‬
‫أن التكتل والتجمع حول القومية العربية‪ ،‬والمناصرةا لها‪ ،‬أنفع‬
‫للعرب وأضر للعدو‪ ،‬من التجمع والتكتل حول السلما‬
‫ومناصرته‪ ،‬وهذا بل شك ظن خاطئ‪ ،‬واعتقاد غير مطابق‬
‫للحقيقة‪.‬‬
‫نعم ل شك أنه يحزن المستعمر ويقلق راحته كل تجمع وتكتل‬
‫ضد مصلحته‪ ،‬ولكن خوفه من التجمع والتكتل حول السلما‬
‫أعظم وأكبر‪ ،‬ولذلك رضي بالدعوةا إلى القومية العربية‪ ،‬وحفز‬
‫العرب إليها‪ ،‬ليشغلهم بها عن السلما‪ ،‬وليقطع بها صلتهم‬
‫بالله سبحانه‪ .‬لنهم إذا فقدوا السلما حرموا ما ضمنه الله‬
‫لهم من النصر‪ ،‬الذي وعدهم به في اليتين السابقتين‪ ،‬وفي‬
‫زيٌز *‬ ‫ِ‬ ‫ه لَ َ‬
‫قوِيّ ع َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬
‫ن ي َن ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬وَل َي َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن مك ّّناهُم ِفي اْل َ‬
‫مُروا‬ ‫وا الّز َ‬
‫كاةا َ وَأ َ‬ ‫صلةا َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن إِ ْ َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫عاقِب َ ُ ُ‬
‫مورِ‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫من ْك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫وا ع َ ِ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬
‫معُْرو ِ‬‫ِبال ْ َ‬
‫ومعلوما عند جميع العقلءا أنه إذا كان ل بد من أحد ضررين‪،‬‬
‫فارتكاب الدنى منهما أولى‪ ،‬حذرا من الضرر الكبر‪ ،‬وقد دل‬
‫الشرع والقدر على هذه القاعدةا‪ ،‬وقد عرفها المستعمر‬
‫وسلكها في هذا الباب وغيره فتنبه يا أخي واحذر مكايد‬
‫الشيطان والستعمار وأوليائهما‪ ،‬تنج من ضرر عظيم‪ ،‬وخطر‬
‫كبير‪ ،‬وعواقب سيئة عافاني الله وإياك والمسلمين من ذلك‬
‫ومما تقدما يعلم القارئ اليقظ أن الدعوةا إلى القومية العربية‬
‫‪ -‬كما أنها إساءاةا إلى السلما ومحاربة له في بلده ‪ -‬فهي أيضا‬
‫إساءاةا إلى العرب أنفسهم‪ ،‬وجناية عليهم عظيمة‪ .‬لكونها‬
‫تفصلهم عن السلما الذي هو مجدهم الكبر‪ ،‬وشرفهم‬
‫العظم ومصدر عزهم وسيادتهم على العالم‪ ،‬فكيف يرضى‬
‫عربي عاقل بدعوةا هذا شأنها وهذه غايتها‪:‬؟! ولقد أحسن‬
‫الكاتب السلمي الشهير‪ :‬أبو الحسن الندوي في رسالته‬
‫المشهورةا‪) :‬اسمعوها مني صريحة‪ :‬أيها العرب( حيث يقول‬
‫في صفحة ‪ 27‬و ‪ 28‬ما نصه‪:‬‬
‫)فمن المؤسف المحزن المخجل أن يقوما في هذا الوقت في‬
‫العالم العربي‪ ،‬رجال يدعون إلى القومية العربية المجردةا من‬
‫العقيدةا والرسالة‪ ،‬وإلى قطع الصلة عن أعظم نبي عرفه‬
‫تاريخ اليمان‪ ،‬وعن أقوى شخصية ظهرت في العالم‪ ،‬وعن‬
‫أمتن رابطة روحية تجمع بين المم والفراد والشتات‪ ،‬إنها‬
‫جريمة قومية تبز جميع الجرائم القومية‪ ،‬التي سجلها تاريخ‬
‫هذه المة‪ ،‬وإنها حركة هدما وتخريب‪ ،‬تفوق جميع الحركات‬
‫الهدامة المعروفة في التاريخ‪ ،‬وإنها خطوةا حاسمة مشئومة‪،‬‬
‫في سبيل الدمار القومي والنتحار الجتماعي( انتهى‪.‬‬
‫فتأمل‪ :‬أيها القارئ كلمة هذا العالم العربي الحسني الكبير‬
‫الذي قد سبر أحوال العالم وعرف نتائج الدعوةا إلى القوميات‬
‫وسوءا مصيرها‪ ،‬تدرك بعقلك السليم ما وقع فيه العرب‬
‫والمسلمون اليوما‪ ،‬من فتنة كبرى ومصيبة عظمى‪ ،‬بهذه‬
‫الدعوةا المشئومة‪ ،‬وقى الله المسلمين شرها‪ ،‬ووفق العرب‬
‫وجميع المسلمين للرجوع إلى ما كان عليه أسلفهم‬
‫المهديون‪ ،‬إنه سميع مجيب‬
‫ثم ل يخفاك أيها القارئ الكريم غربة السلما اليوما‪ ،‬وقلة‬
‫أنصاره والمتحمسين لدعوته‪ ،‬وكثرةا المحاربين له والمتنكرين‬
‫لحكامه وتعاليمه‪ ،‬فالواجب على أبناءا السلما بدل من‬
‫التحمس للقومية والمناصرةا لدعاتها‪ :‬أن يكرسوا جهودهم‬
‫للدعوةا إلى السلما وتعظيمه في قلوب الناس‪ ،‬وأن يجتهدوا‬
‫في نشر محاسنه وإعلن أحكامه العادلة‪ ،‬وتعاليمه السمحة‬
‫الصافية‪ ،‬نقية من شوائب الشرك والخرافات والبدع‬
‫والهواءاه حتى يعيدوا بذلك ما درس من مجد أسلفهم‪،‬‬
‫وحماستهم للسلما‪ ،‬وتكريس قواهم لنصرته وحمايته‪ ،‬والرد‬
‫على خصومه بشتى الساليب الناجعة‪ ،‬وأنواع الحجج‬
‫والبراهين الساطعة ول شك أن هذا واجب متحتم‪ ،‬وفرض‬
‫لزما على جميع أبناءا السلما‪ ،‬كل منهم بحسب ما أعطاه الله‬
‫من المقدرةا والمكانات‪ ،‬التي يستطيع بها القياما بما أوجب‬
‫الله عليه من النصر لدينه والدعوةا إليه‪ ،‬فنسأل الله أن يمن‬
‫على الجميع بذلك‪ ،‬وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا‪ ،‬وأن يقر أعين‬
‫المسلمين جميعا بنصر السلما الصافي من الشوائب‪،‬‬
‫وظهوره على جميع خصومه في القريب العاجل‪ ،‬إنه سبحانه‬
‫خير مسئول وأقرب مجيب‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن السلما نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها‪،‬‬
‫وأبدى في ذلك وأعاد في نصوصا كثيرةا بل قد جاءات النصوصا‬
‫تنهى عن جميع أخلق الجاهلية‪ ،‬وأعمالهم إل ما أقره السلما‬
‫من ذلك‪ ،‬ول ريب أن الدعوةا إلى القومية العربية من أمر‬
‫الجاهلية‪ ،‬لنها دعوةا إلى غير السلما‪ ،‬ومناصرةا لغير الحق‪،‬‬
‫وكم جرت الجاهلية على أهلها من ويلت وحروب طاحنة‪،‬‬
‫وقودها النفوس والموال والعراض‪ ،‬وعاقبتها تمزيق الشمل‬
‫وغرس العداوةا والشحناءا في القلوب‪ ،‬والتفريق بين القبائل‬
‫والشعوب قال شيخ السلما‪ :‬ابن تيمية رحمه الله )كل ما‬
‫خرج عن دعوى السلما والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو‬
‫مذهب أو طريقة‪ ،‬فهو من عزاءا الجاهلية‪ ،‬بل لما اختصهم‬
‫مهاجري وأنصاري‪ ،‬فقال المهاجري‪ :‬يا للمهاجرين‪ ،‬وقال‬
‫النصاري‪ :‬يا للنصار‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم وغضب لذلك غضبا شديدا‬
‫( انتهى‬
‫ن ِفي‬ ‫ومما ورد في ذلك من النصوصا قوله تعالى‪ :‬وَقَْر َ‬
‫لوَلى وأ َ‬ ‫جاه ِل ِي ّةِ ا ْ ُ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫تي‬
‫ِ‬ ‫وآ‬ ‫َ‬ ‫ةا‬ ‫صل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫ن ت َب َّر َ‬ ‫ج َ‬‫ن َول ت َب َّر ْ‬ ‫ب ُُيوت ِك ُ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫كاةا َ وأ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ََ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫الّز َ َ‬
‫جاه ِل ِي ّةِ‬‫ة ال ْ َ‬
‫مي ّ َ‬‫ح ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ّ َ‬‫ح ِ‬‫م ال ْ َ‬ ‫فُروا ِفي قُُلوب ِهِ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫وفي سنن أبي داود ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية‬
‫وليس منا من مات على عصبية وفي صحيح مسلم عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬إن الله أوحى إلي أن تواضعوا‬
‫حتى ل يبغي أحد على أحد ول يفخر أحد على أحد ول ريب أن‬
‫دعاةا القومية يدعون إلى عصبية ويغضبون لعصبية ويقاتلون‬
‫على عصبية‪ ،‬ول ريب أيضا أن الدعوةا إلى القومية تدعو إلى‬
‫البغي والفخر؛ لن القومية ليست دينا سماويا يمنع أهله من‬
‫البغي والفخر‪ ،‬وإنما هي فكرةا جاهلية تحمل أهلها على الفخر‬
‫بها والتعصب لها على من نالها بشيءا‪ ،‬وإن كانت هي الظالمة‬
‫وغيرها المظلوما‪ ،‬فتأمل أيها القارئ ذلك يظهر لك وجه الحق‬
‫ومن النصوصا الواردةا في ذلك ما رواه الترمذي وغيره‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬إن الله قد أذهب عنكم‬
‫عصبية الجاهلية وفخرها بالباءا إنما هو مؤمن تقي أو فاجر‬
‫شقي الناس بنو آدما وآدما خلق من تراب ول فضل لعربي‬
‫على عجمي إل بالتقوى وهذا الحديث يوافق قوله تعالى‪َ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫شُعوًبا وَقََبائ ِ َ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬‫أي َّها الّنا ُ‬
‫م أوضح سبحانه بهذه الية‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ََ َ‬
‫الكريمة أنه جعل الناس شعوبا وقبائل للتعارف ل للتفاخر‬
‫والتعاظم‪ ،‬وجعل أكرمهم عنده هو أتقاهم‪ ،‬وهكذا يدل الحديث‬
‫المذكور على هذا المعنى ويرشد إلى سنة الجاهلية التكبر‬
‫والتفاخر بالسلف والحساب‪ ،‬والسلما بخلف ذلك‪ ،‬يدعو‬
‫إلى التواضع والتقوى والتحاب في الله‪ ،‬وأن يكون المسلمون‬
‫الصادقون من سائر أجناس بني آدما‪ ،‬جسدا واحدا‪ ،‬وبناءا واحدا‬
‫يشد بعضهم بعضا‪ ،‬ويألم بعضهم لبعض‪ ،‬كما في الحديث‬
‫الصحيح‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬المؤمن‬
‫للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه وقال‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم‬
‫وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له‬
‫سائر الجسد بالحمى والسهر فأنشدك بالله أيها القومي‪ :‬هل‬
‫قوميتك تدعو إلى هذه الخلق الفاضلة‪ ،‬من الرحمة‬
‫للمسلمين من العرب والعجم‪ ،‬والعطف عليهم والتألم‬
‫للمهم؟ ل والله‪ ،‬وإنما تدعو إلى موالةا من انخرط في‬
‫سلكها‪ ،‬ونصب العداوةا لمن تنكر لها‪ ،‬فتنبه أيها المسلم‬
‫الراغب في النجاةا‪ ،‬وانظر إلى حقائق المور بمرآةا العدالة‬
‫والتجرد من التعصب والهوى‪ ،‬حتى ترى الحقائق على ما هي‬
‫عليه‪ ،‬أرشدني الله وإياك إلى أسباب النجاةا‬
‫ومن ذلك ما ثبت في الصحيح أن غلما من المهاجرين وغلما‬
‫من النصار تنازعا‪ ،‬فقال المهاجري‪ :‬يا للمهاجرين وقال‬
‫النصاري‪ :‬يا للنصار فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم فإذا كان من‬
‫انتسب إلى المهاجرين واستنصر بهم على إخوانهم في الدين‪،‬‬
‫أو إلى النصار واستنصر بهم على إخوانهم في الدين يكون قد‬
‫دعا بدعوى الجاهلية‪ ،‬مع كونهما اسمين محبوبين لله سبحانه‪،‬‬
‫وقد أثنى الله على أهلهما ثناءا عظيما في قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن َواْلن ْ َ‬ ‫ري َ‬‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَها ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن اْل َوُّلو َ‬
‫قو َ‬
‫ساب ِ ُ‬‫َوال ّ‬
‫ه الية‪ ،‬فكيف تكون حال‬ ‫ضوا ع َن ْ ُ‬‫م وََر ُ‬ ‫ه ع َن ْهُ ْ‬‫ي الل ّ ُ‬
‫ض َ‬
‫ن َر ِ‬‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬‫ب ِإ ِ ْ‬
‫من انتسب إلى القومية واستنصر بها وغضب لها؟ أفل يكون‬
‫أولى ثم أولي بأن يكون قد دعا بدعوى الجاهلية؟ ل شك أن‬
‫هذا من أوضح الواضحات‬
‫ومن ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن الحارث الشعري ‪،‬‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬إن الله أمر يحيى بن‬
‫زكريا بخمس أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن‬
‫فذكرها‪ ،‬ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬وأنا آمركم‬
‫بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرةا‬
‫والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة‬
‫السلما من عنقه إل أن يراجع ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو‬
‫من جثي جهنم" قيل يا رسول الله وإن صلى وصاما؟ قال‬
‫"وإن صلى وصاما وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي‬
‫سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله وهذا الحديث الصحيح‬
‫من أوضح الحاديث وأبينها في إبطال الدعوةا إلى القومية‪،‬‬
‫واعتبارها دعوةا جاهلية‪ ،‬يستحق دعاتها أن يكونوا من جثي‬
‫جهنم‪ ،‬وإن صاموا وصلوا‪ ،‬وزعموا أنهم مسلمون فيا له من‬
‫وعيد شديد‪ ،‬وتحذير ينذر كل مسلم من الدعوات الجاهلية‪،‬‬
‫والركون إلى معتنقيها‪ ،‬وإن زخرفوها بالمقالت السحرية‪،‬‬
‫والخطب الرنانة الواسعة‪ ،‬التي ل أساس لها من الحقيقة‪ ،‬ول‬
‫شاهد لها من الواقع‪ ،‬وإنما هو التلبيس والخداع والتقليد‬
‫العمى‪ ،‬الذي ينتهي بأهله إلى أسوأ العواقب‪ ،‬نسأل الله‬
‫السلمة من ذلك‬
‫وهنا شبهة يذكرها بعض دعاةا القومية أحب أن أكشفها‬
‫للقارئ‪ ،‬وهي أن بعض دعاةا القومية زعم أن النهي عن‬
‫الدعوةا إلى القومية العربية والتحذير منها يتضمن تنقص‬
‫العرب وإنكار فضلهم‪.‬‬
‫والجواب أن يقال‪ :‬ل شك أن هذا زعم خاطئ واعتقاد غير‬
‫صحيح‪ ،‬فإن العتراف بفضل العرب‪ ،‬وما سبق لهم في صدر‬
‫السلما من أعمال مجيدةا ل يشك فيه مسلم عرف التاريخ‬
‫كما أسلفنا‪ ،‬وقد ذكر غير واحد من أهل العلم‪ ،‬ومنهم أبو‬
‫العباس بن تيمية في كتابه‪) :‬اقتضاءا الصراط المستقيم( أن‬
‫مذهب أهل السنة تفضيل جنس العرب على غيرهم‪ ،‬وأورد‬
‫في ذلك أحاديث تدل على ذلك‪ ،‬ولكن ل يلزما من العتراف‬
‫بفضلهم أن يجعلوا عمادا يتكتل حوله‪ ،‬ويوالي عليه ويعادي‬
‫عليه‪ ،‬وإنما ذلك من حق السلما الذي أعزهم الله به‪ ،‬وأحيا‬
‫فكرهم ورفع شأنهم‪ ،‬فهذا لون وهذا لون‪ ،‬ثم هذا الفضل الذي‬
‫امتازوا به على غيرهم‪ ،‬وما من الله به عليهم من فصاحة‬
‫اللسان‪ ،‬ونزول القرآن الكريم بلغتهم‪ ،‬وإرسال الرسول العاما‬
‫بلسانهم‪ ،‬ليس مما يقدمهم عند الله في الخرةا‪ ،‬ول يوجب‬
‫لهم النجاةا إذا لم يؤمنوا ويتقوا‪ ،‬وليس ذلك أيضا يوجب‬
‫تفضيلهم على غيرهم من جهة الدين‪ ،‬بل أكرما الناس عند الله‬
‫أتقاهم‪ ،‬كما تقدما في الية الكريمة والحديث الشريف‪ ،‬بل هذا‬
‫الفضل عند أهل التحقيق يوجب عليهم أن يشكروا الله‬
‫سبحانه أكثر من غيرهم‪ ،‬وأن يضاعفوا الجهود في نصر دينه‬
‫الذي رفعهم الله به‪ ،‬وأن يوالوا عليه ويعادوا عليه‪ ،‬ودون أن‬
‫يلتفتوا إلى قومية أو غيرها من الفكار المسمومة‪ ،‬والدعوات‬
‫المشئومة‪ ،‬ولو كانت أنسابهم وحدها تنفعهم شيئا لم يكن أبو‬
‫لهب وأضرابه من أصحاب النار‪ ،‬ولو كانت تنفعهم بدون‬
‫اليمان لم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث‬
‫الصحيح‪ :‬يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله ل أغني‬
‫عنكم من الله شيئا وبذلك يعلم القارئ المسلم من الهوى أن‬
‫الشبهة المذكورةا شبهة واهية ل أساس لها من الشرع‬
‫المطهر‪ ،‬ول من المنطق السليم البعيد من الهوى‪.‬‬
‫وهنا شبهة أخرى وهي قول بعضهم‪ :‬أنه قد روي عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬إذا ذل العرب ذل السلما‬
‫ورواه بعضهم بلفظ‪ :‬إذا عز العرب عز السلما قالوا‪ :‬وهذا‬
‫يدل علي أن انتصار القومية العربية والدعوةا إليها انتصار‬
‫للسلما ودعوةا إليه‪ ،‬والجواب أن يقال‪ :‬يعلم كل ذي لب سليم‬
‫وبصيرةا بالسلما‪ ،‬أن هذه سفسطة في السمعيات‪ ،‬ومغالطة‬
‫في الحقائق‪ ،‬وتأويل للحديث على غير تأويله‪ ،‬سواءا صح أما لم‬
‫يصح‪ ،‬فإن الواقع يشهد بخلف ما ذكره القائل‪ ،‬فقد ذل العرب‬
‫يوما بدر ويوما الحزاب‪ ،‬وصار في ذلهم عز السلما وظهوره‪،‬‬
‫وانتصر العرب يوما أحد وصار في انتصارهم ذل المسلمين‬
‫والمضرةا عليهم‪ ،‬ولكن الله سبحانه لطف بأوليائه وأحسن‬
‫لهم العاقبة‪ ،‬فهل يستطيع هذا القائل أن يدعي خلف هذا‬
‫الواقع؟ وهل يمكن أن يقول‪ :‬إن انتصار العرب الكافرين‬
‫بالله‪ ،‬المحاربين لدينه‪ ،‬انتصار للسلما‪ ،‬من قال هذا فقد قال‬
‫خلف الحق‪ ،‬وهو إما جاهل أو متجاهل‪ ،‬يريد أن يلبس الحق‬
‫بالباطل ويخدع ضعفاءا البصائر‪ ،‬سبحان الله ما أعظم شأنه‬
‫ثم أعود فأوضح للقارئ أن الحديث المذكور ضعيف السناد‪،‬‬
‫ول يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ أبو‬
‫الحسن الهيثمي في‪) :‬مجمع الزوائد( لما ذكر هذا الحديث‬
‫بلفظ‪ :‬إذا ذلت العرب ذل السلما رواه أبو يعلى ‪ ،‬وفي‬
‫إسناده محمد بن الخطاب ضعفه الزدي وغيره‪ ،‬ووثقه ابن‬
‫حبان ( انتهى‪.‬‬
‫وقال الحافظ الذهبي في )الميزان( في ترجمة محمد‬
‫المذكور‪) :‬قال أبو حاتم ‪ :‬ل أعرفه وقال الزدي ‪ :‬منكر‬
‫الحديث( انتهى قلت‪ :‬وفي إسناده أيضا علي بن زيد بن‬
‫جدعان ‪ ،‬وهو ضعيف عند جمهور من المحدثين ل يحتج‬
‫بحديثه‪ ،‬لو سلم السناد من غيره‪ ،‬فكيف وفي السناد من هو‬
‫أضعف منه‪ ،‬وهو محمد بن الخطاب المذكور وأما توثيق ابن‬
‫حبان له‪ ،‬فل يعتمد عليه لنه معروف بالتساهل وقد خالفه‬
‫غيره‪ .‬ولو صح الحديث لكان معناه‪ :‬إذا ذل العرب الحاملون‬
‫راية السلما والدعوةا إليه‪ ،‬ل العرب المتنكرون له الداعون‬
‫إلى غيره ول يجوز أن يرد في سنة رسول الله كل ما يخالف‬
‫القرآن الكريم والحاديث الصحيحة أبدا‪ ،‬فإن كلما الله ل‬
‫يتناقض‪ ،‬وكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك‪،‬‬
‫والسنة ل تخالف القرآن بل تصدقه وتوافقه‪ ،‬وتدل على معناه‬
‫وتوضح ما أجمل فيه‬
‫وقد علق الله سبحانه في القرآن النصر على اليمان بالله‬
‫والنصر لدينه‪ ،‬فل يجوز أن يرد في السنة ما يناقض ذلك‪ ،‬فتنبه‬
‫أيها المؤمن‪ ،‬واحذر من الشبهات المضللة‪ ،‬والحاديث‬
‫المكذوبة‪ ،‬والراءا الفاسدةا والفكار المسمومة‪ ،‬فإن الخطر‬
‫عظيم‪ ،‬والمعصوما من عصمه الله سبحانه‪ ،‬فاعتصم به وتوكل‬
‫عليه وتفقه في دينه‪ ،‬واستقم عليه تفز بالنجاةا والعاقبة‬
‫الحميدةا‪.‬‬
‫وهذه الشبه وأمثالها تفسر لنا ما صح به الحديث عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة‪ :‬أنه قال‪ :‬كان الناس‬
‫يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله‬
‫عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في‬
‫جاهلية وشر فجاءانا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من‬
‫شر؟ قال "نعم" قلت فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال "نعم‬
‫وفيه دخن" قلت ما دخنه؟ قال "قوما يستنون بغير سنتي‬
‫ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر" قلت فهل بعد ذلك‬
‫الخير من شر؟ قال "نعم" دعاةا على أبواب جهنم من أجابهم‬
‫إليها قذفوه فيها" قلت يا رسول الله صفهم لنا قال "هم من‬
‫جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" قلت فما تأمرني يا رسول الله إن‬
‫أدركني ذلك؟ قال لتلزما جماعة المسلمين وإمامهم" قلت‬
‫فإن لم يكن لهم جماعة ول إماما؟ قال فاعتزل تلك الفرق‬
‫كلها ولو أن تعض بأصل شجرةا حتى يدركك الموت وأنت على‬
‫ذلك رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري ‪ ،‬فهذا الحديث‬
‫العظيم الجليل يرشدك أيها المسلم إلى أن هؤلءا الدعاةا‬
‫اليوما‪ ،‬الذين يدعون إلى أنواع من الباطل كالقومية العربية‪،‬‬
‫والشتراكية والرأسمالية الغاشمة‪ ،‬وإلى الخلعة والحرية‬
‫المطلقة وأنواع الفساد كلهم دعاةا على أبواب جهنم‪ ،‬سواءا‬
‫علموا أما لم يعلموا‪ ،‬من أجابهم إلى باطلهم قذفوه في جهنم‪،‬‬
‫ول شك أن هذا الحديث الجليل من أعلما النبوةا‪ ،‬ودلئل صحة‬
‫رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بالواقع قبل‬
‫وقوعه فوقع كما أخبر‬
‫فنسأل الله لنا ولسائر المسلمين العافية من مضلت الفتن‪،‬‬
‫ونسأله سبحانه أن يصلح ولةا أمر المسلمين وزعماءاهم حتى‬
‫ينصروا دينه‪ ،‬ويحاربوا ما خالفه إنه ولي ذلك والقادر عليه‬
‫الوجه الثالث من الوجوه الدالة على بطلن الدعوةا إلى‬
‫القومية العربية‬
‫هو أنها سلم إلى موالةا كفار العرب وملحدتهم من غير‬
‫المسلمين‪ ،‬واتخاذهم بطانة‪ ،‬والستنصار بهم على أعداءا‬
‫القوميين من المسلمين وغيرهم ومعلوما ما في هذا من‬
‫الفساد الكبير‪ ،‬والمخالفة لنصوصا القرآن والسنة‪ ،‬الدالة على‬
‫وجوب بغض الكافرين من العرب وغيرهم‪ ،‬ومعاداتهم وتحريم‬
‫موالتهم واتخاذهم بطانة والنصوصا في هذا المعنى كثيرةا‬
‫َ‬
‫ذوا ال ْي َُهود َ‬
‫خ ُ‬
‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫منها قوله تعالى‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫والنصارى أ َول ِياَءا بعضهم أ َ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ءا‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫و‬ ‫ْ َ َْ ُ ُ ْ‬ ‫َ ّ َ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * فَت ََرى ال ّ ِ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫قوْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫م إِ ّ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫صيب ََنا َدائ َِرةا ٌ‬‫ن تُ ِ‬ ‫شى أ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن نَ ْ‬‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن ِفيهِ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬‫ض يُ َ‬‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫الية سبحان الله ما أصدق قوله وأوضح بيانه‪،‬‬
‫هؤلءا القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية‬
‫مسلمها وكافرها‪ ،‬يقولون‪ :‬نخشى أن تصيبنا دائرةا‪ ،‬نخشى أن‬
‫يعود الستعمار إلى بلدنا‪ ،‬نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي‬
‫أعدائنا‪ ،‬فيوالون لجل ذلك كل عربي من يهود ونصارى‪،‬‬
‫ومجوس ووثنيين وملحدةا وغيرهم‪ ،‬تحت لواءا القومية‬
‫العربية‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن نظامها ل يفرق بين عربي وعربي‪ ،‬وإن‬
‫تفرقت أديانهم‪ ،‬فهل هذا إل مصادمة لكتاب الله‪ ،‬ومخالفة‬
‫لشرع الله‪ ،‬وتعد لحدود الله‪ ،‬وموالةا ومعاداةا‪ ،‬وحب وبغض‬
‫على غير دين الله؟ فما أعظم ذلك من باطل‪ ،‬وما أسوأه من‬
‫منهج والقرآن يدعو إلى موالةا المؤمنين ومعاداةا الكافرين‬
‫أينما كانوا وكيفما كانوا‪ ،‬وشرع القومية العربية يأبى ذلك‬
‫ه ويقول الله سبحانه‪َ :‬يا أ َي َّها‬ ‫ل أ َأ َنتم أ َع ْل َ َ‬
‫م أما ِ الل ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫ويخالفه‪ :‬قُ ْ ْ ُ ْ‬
‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫قو َ‬‫م أ َوْل َِياَءا ت ُل ْ ُ‬‫ذوا ع َد ُّوي وَع َد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫واَءا‬
‫س َ‬‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م فَ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فعَل ْ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫موَد ّةاِ إلى قوله تعالى وَ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬‫ال ّ‬
‫ونظاما القومية يقول‪ :‬كلهم أولياءا مسلمهم وكافرهم والله‬
‫َ‬
‫حي َْنا‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫حا َوال ّ ِ‬ ‫صى ب ِهِ ُنو ً‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫شَرع َ ل َك ُ ْ‬ ‫يقول‪َ :‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫دي َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن أِقي ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ك وَ َ‬
‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫ة‬
‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَةا ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫فّرُقوا ِفيهِ ويقول سبحانه قَد ْ َ َ ْ‬ ‫َول ت َت َ َ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م إ ِّنا ب َُرآُءا ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫قوْ ِ‬‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ِفي إ ِب َْرا ِ‬
‫داوَةا ُ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬
‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ت َعْب ُ ُ‬
‫َ‬
‫جد ُ‬ ‫حد َه ُ وقال تعالى‪ :‬ل ت َ ِ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤ ْ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ضاُءا أب َ ً‬ ‫َوال ْب َغْ َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْما ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ي ُؤ ْ ِ‬ ‫قَوْ ً‬
‫خوانه َ‬ ‫كانوا آباَءاهُم أ َو أ َبناَءاهُ َ‬
‫م وشرع‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ ع َ ِ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ َ َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫وَل َوْ َ ُ‬
‫القومية أو بعبارةا أخرى شرع دعاتها يقول‪ :‬أقصوا الدين عن‬
‫القومية‪ ،‬وافصلوا الدين عن الدولة‪ ،‬وتكتلوا حول أنفسكم‬
‫وقوميتكم‪ ،‬حتى تدركوا مصالحكم وتستردوا أمجادكم‪ ،‬وكأن‬
‫السلما وقف في طريقهم‪ ،‬وحال بينهم وبين أمجادهم‪ ،‬هذا‬
‫والله هو الجهل والتلبيس وعكس القضية‪ ،‬سبحانك هذا بهتان‬
‫عظيم‬
‫واليات الدالة على وجوب موالةا المؤمنين‪ ،‬ومعاداةا‬
‫الكافرين‪ ،‬والتحذير من توليهم كثيرةا ل تخفى على أهل‬
‫القرآن‪ ،‬فل ينبغي أن نطيل بذكرها وكيف يجوز في عقل‬
‫عاقل أن يكون أبو جهل ‪ ،‬وأبو لهب ‪ ،‬وعقبة بن أبي معيط ‪،‬‬
‫والنضر بن الحارث وأضرابهم من صناديد الكفار في عهد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلي يومنا هذا‪ ،‬إخوانا‬
‫وأولياءا لبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة‪ ،‬ومن‬
‫سلك سبيله من العرب إلى يومنا هذا‪ .‬هذا والله من أبطل‬
‫الباطل وأعظم الجهل وشرع القومية ونظامها يوجب هذا‬
‫ويقتضيه‪ ،‬وإن أنكره بعض دعاتها جهل أو تجاهل وتلبيسا‪ ،‬فل‬
‫حول ول قوةا إل بالله العلي العظيم‪.‬‬
‫وقد أوجب الله على المسلمين‪ :‬أن يتكاتفوا ويتكتلوا تحت‬
‫راية السلما‪ ،‬وأن يكونوا جسدا واحدا‪ ،‬وبناءا متماسكا ضد‬
‫عدوهم‪ ،‬ووعدهم على ذلك النصر والعز والعاقبة الحميدةا‪،‬‬
‫كما تقدما ذلك في كثير من اليات‪ ،‬وكما في قوله تعالي‪:‬‬
‫م ِفي‬ ‫فن ّهُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫وَع َد َ الل ّ ُ‬
‫م ال ّ ِ‬ ‫اْل َ‬
‫ذي‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫دون َِني ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مًنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَلي ُب َد ّلن ّهُ ْ‬ ‫ضى لهُ ْ‬ ‫اْرت َ َ‬
‫ت ك َل ِ َ‬
‫مت َُنا‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫قد ْ َ‬ ‫شي ًْئا الية وقال تعالى‪ :‬وَل َ َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫ن ُ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م ل َهُ ُ‬ ‫ن إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ل ِعَِباد َِنا ال ْ ُ‬
‫ن فوعد الله سبحانه عباده المرسلين‪ ،‬وجنده‬ ‫ال َْغال ُِبو َ‬
‫المؤمنين بالنصر والغلبة‪ ،‬واستخلفهم في الرض والتمكين‬
‫ف الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫لدينهم‪ ،‬وهو الصادق في وعده‪ ،‬وَع ْد َ الل ّهِ ل ي ُ ْ‬
‫ميَعاد َ وإنما يتخلف هذا الوعد في بعض الحيان بسبب‬ ‫ال ْ ِ‬
‫تقصير المسلمين‪ ،‬وعدما قيامهم بما أوجب الله عليهم من‬
‫اليمان بالله‪ ،‬والنصر لدينه‪ ،‬كما هو الواقع‪ ،‬فالذنب ذنبنا ل‬
‫ذنب السلما‪ ،‬والمصيبة حصلت بما كسبت أيدينا من الخطايا‪،‬‬
‫َ‬ ‫كما قال تعالى‪ :‬و َ‬
‫ديك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬
‫م ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما أ َ‬
‫َ َ‬
‫ن ك َِثيرٍ‬
‫فو ع َ ْ‬
‫وَي َعْ ُ‬
‫فالواجب على العرب وغيره‪ :‬التوبة إلى الله سبحانه‪،‬‬
‫والتمسك بدينه‪ ،‬والتواصي بحقه‪ ،‬وتحكيم شريعته‪ ،‬والجهاد‬
‫في سبيله‪ ،‬والستقامة على ذلك من الرؤساءا وغيرهم‪ ،‬فبذلك‬
‫يحصل لهم النصر ويهزما العدو‪ ،‬ويحصل التمكين في الرض‪،‬‬
‫وإن قل عددنا وعدتنا‪ ،‬ول ريب أن من أهم الواجبات اليمانية‪:‬‬
‫أخذ الحذر من عدونا‪ ،‬وأن نعد له ما نستطيع من القوةا‪ ،‬وذلك‬
‫من تماما اليمان‪ ،‬ومن الخذ بالسباب التي يتعين الخذ بها‪،‬‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ول يجوز إهمالها‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن قُوّةاٍ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م وقوله تعالى‪ :‬وَأ َ ِ‬
‫ع ّ‬ ‫حذ َْرك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫ُ‬

‫وليس للمسلمين أن يوالوا الكافرين أو يستعينوا بهم على‬


‫أعدائهم‪ ،‬فإنهم من العداءا ول تؤمن غائلتهم وقد حرما الله‬
‫موالتهم‪ ،‬ونهى عن اتخاذهم بطانة‪ ،‬وحكم على من تولهم‬
‫بأنه منهم‪ ،‬وأخبر أن الجميع من الظالمين‪ ،‬كما سبق ذلك في‬
‫اليات المحكمات‪ ،‬وثبت في‪) :‬صحيح مسلم (‪ ،‬عن عائشة‬
‫رضي الله عنها قالت‪ :‬خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قبل بدر فلما كان بحرةا الوبرةا أدركه رجل قد كان يذكر منه‬
‫جرأةا ونجدةا ففرحا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله جئت لتبعك وأصيب‬
‫معك وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤمن بالله‬
‫ورسوله؟ قال ل قال "فارجع فلن استعين بمشرك قالت ثم‬
‫مضى حتى إذا كنا بالشجرةا أدركه الرجل فقال له كما قال‬
‫أول مرةا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول‬
‫مرةا فقال ل قال "فارجع فلن استعين بمشرك" قالت ثم رجع‬
‫فأدركه في البيراءا فقال له كما قال أول مرةا "تؤمن بالله‬
‫ورسوله؟" قال نعم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫"فانطلق" فهذا الحديث الجليل‪ ،‬يرشدك إلى ترك الستعانة‬
‫بالمشركين‪ ،‬ويدل على أنه ل ينبغي للمسلمين أن يدخلوا في‬
‫جيشهم غيرهم‪ ،‬ل من العرب ول من غير العرب؛ لن الكافر‬
‫عدو ل يؤمن‪ .‬وليعلم أعداءا الله أن المسلمين ليسوا في حاجة‬
‫إليهم‪ ،‬إذا اعتصموا بالله‪ ،‬وصدقوا في معاملته‪ .‬لن النصر‬
‫بيده ل بيد غيره‪ ،‬وقد وعد به المؤمنين‪ ،‬وإن قل عددهم‬
‫وعدتهم كما سبق في اليات وكما جرى لهل السلما في‬
‫صدر السلما‪،‬‬
‫ذوا‬‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ويدل على تلك أيضا قوله تعالى‪ :‬يا أ َ‬
‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ها‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫ْ‬
‫ت‬‫م قَد ْ ب َد َ ِ‬ ‫ما ع َن ِت ّ ْ‬ ‫خَباًل وَّدوا َ‬ ‫م َ‬ ‫م ل ي َأُلون َك ُ ْ‬ ‫ن ُدون ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫بِ َ‬
‫طان َ ً‬
‫خفي صدورهُ َ‬ ‫ال ْبغْضاُءا م َ‬
‫م‬‫م أك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬ ‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ما ت ُ ْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واه ِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬
‫م فانظر أيها المؤمن إلى كتاب ربك وسنة نبيك‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫اْلَيا ِ‬
‫عليه الصلةا والسلما كيف يحاربان موالةا الكفار‪ ،‬والستعانة‬
‫بهم واتخاذهم بطانة‪ ،‬والله سبحانه أعلم بمصالح عباده‪،‬‬
‫وأرحم بهم من أنفسهم‪ ،‬فلو كان في اتخاذهم الكفار أولياءا‬
‫من العرب أو غيرهم والستعانة بهم مصلحة راجحة‪ ،‬لذن الله‬
‫فيه وأباحه لعباده‪ ،‬ولكن لما علم الله ما في ذلك من‬
‫المفسدةا الكبرى‪ ،‬والعواقب الوخيمة‪ ،‬نهى عنه وذما من‬
‫يفعله‪ ،‬وأخبر في آيات أخرى أن طاعة الكفار‪ ،‬وخروجهم في‬
‫جيش المسلمين يضرهم‪ ،‬ول يزيدهم ذلك إل خبال‪ ،‬كما قال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعالى‪ :‬يا أ َ‬
‫فُروا ي َُرّدوك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن كَ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫عوا‬‫ُ‬ ‫طي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫ع ََلى أ َ‬
‫خي ُْر‬‫م وَهُوَ َ‬ ‫ولك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫بوا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬
‫خَبالً‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ُ‬
‫ما َزاُدوك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جوا ِفيك ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن وقال تعالى‪ :‬ل َوْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫الّنا ِ‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَِفيك ُ ْ‬ ‫فت ْن َ َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َب ُْغون َك ُ ُ‬ ‫خلل َك ُ ْ‬ ‫ضُعوا ِ‬ ‫وََل َوْ َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ع َِلي ٌ‬
‫فكفى بهذه اليات تحذيرا من طاعة الكفار‪ ،‬والستعانة بهم‪،‬‬
‫وتنفيرا منهم‪ ،‬وإيضاحا لما يترتب على ذلك من العواقب‬
‫الوخيمة‪ ،‬عافى الله المسلمين من ذلك‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬
‫ض وقال تعالى‪:‬‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ءا‬‫يا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬‫وال ْمؤ ْمنون وال ْمؤ ْمنات بعضهم أ َ‬
‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ ْ‬
‫ُ‬ ‫فروا بعضهم أ َ‬
‫ة ِفي‬
‫ن فِت ْن َ ٌ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫لو‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫إل‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ض‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ءا‬‫يا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ن كَ َ ُ َ ْ ُ ُ ْ ْ‬
‫و‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ساد ٌ ك َِبيٌر أوضح سبحانه أن المؤمنين بعضهم أولياءا‬ ‫اْل َ‬
‫ض وَفَ َ‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫بعض‪ ،‬والكفار بعضهم أولياءا بعض‪ ،‬فإذا لم يفعل المسلمون‬
‫ذلك‪ ،‬واختلط الكفار بالمسلمين‪ ،‬وصار بعضهم أولياءا بعض‪،‬‬
‫حصلت الفتنة والفساد الكبير‪ ،‬وذلك بما يحصل في القلوب‬
‫من الشكوك‪ ،‬والركون إلى أهل الباطل والميل إليهم‪،‬‬
‫واشتباه الحق على المسلمين نتيجة امتزاجهم بأعدائهم‬
‫وموالةا بعضهم لبعض‪ ،‬كما هو الواقع اليوما من أكثر المدعين‬
‫للسلما حيث والوا الكافرين‪ ،‬واتخذوهم بطانة‪ ،‬فالتبست‬
‫عليهم المور بسبب ذلك‪ ،‬حتى صاروا ل يميزون بين الحق‬
‫والباطل ول بين الهدى والضلل‪ ،‬ول بين أولياءا الرحمن وأولياءا‬
‫الشيطان‪ ،‬فحصل بذلك من الفساد والضرار ما ل يحصيه إل‬
‫الله سبحانه‪.‬‬
‫وقد احتج بعض دعاةا القومية على جواز موالةا النصارى‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫داوَةا ً ل ِل ّ ِ‬‫س عَ َ‬ ‫شد ّ الّنا ِ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫جد َ ّ‬ ‫والستعانة بهم بقوله تعالى‪ :‬ل َت َ ِ‬
‫مُنوا‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫كوا ول َتجدن أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫آمنوا ال ْيهود وال ّذين أ َ‬
‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ةا‬‫ّ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫و‬‫م‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬‫َ‬
‫َ ُ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ش‬ ‫َُ َ َ ِ َ‬ ‫َ ُ‬
‫صاَرى وزعموا أنها ترشد إلى جواز موالةا‬ ‫ن َقاُلوا إ ِّنا ن َ َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫النصارى؛ لكونهم أقرب مودةا للذين آمنوا من غيرهم‪،‬‬
‫وهذا خطأ ظاهر وتأويل للقرآن بالرأي المجرد‪ ،‬المصادما‬
‫لليات المحكمات المتقدما ذكرها وغيرها‪ ،‬ولما ثبت في السنة‬
‫المطهرةا من التحذير من موالةا الكفار‪ ،‬من أهل الكتاب‬
‫وغيرهم وترك الستعانة بهم‪ ،‬وقد ورد عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال‪ :‬من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من‬
‫النار والواجب‪ :‬أن تفسر اليات بعضها ببعض‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يفسر شيءا منها بما يخالف بقيتها‪ ،‬وليس في هذه الية بحمد‬
‫الله ما يخالف اليات الدالة على تحريم موالةا الكفار من‬
‫النصارى وغيرهم‪ ،‬وإنما أتي هذا الداعية من سوءا فهمه‬
‫وتقصيره في تدبر اليات‪ ،‬والنظر في معناها‪ ،‬والستعانة على‬
‫ذلك بكلما أهل التفسير المعروفين بالعلم والمانة والمامة‪،‬‬
‫ومعنى هذه الية على ما قال أهل التفسير‪ ،‬وعلى ما يظهر‬
‫من صريح لفظها‪ :‬أن النصارى أقرب مودةا للمؤمنين من‬
‫اليهود والمشركين‪ ،‬وليس معناها‪ :‬أنهم يوادون المؤمنين‪ ،‬ول‬
‫أن المؤمنين يوادونهم‪ ،‬ولو فرض أن النصارى أحبوا المؤمنين‬
‫وأظهروا مودتهم لهم لم يجز لهل اليمان أن يوادوهم‬
‫ويوالوهم؛ لن الله سبحانه وتعالى قد نهاهم عن ذلك في‬
‫َ‬
‫مُنوا ل‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫اليات السالفات ومنها قوله تعالى‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫صاَرى أ َوْل َِياَءا الية‪.‬‬ ‫ذوا ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬
‫خ ُ‬‫ت َت ّ ِ‬
‫ن‬
‫واّدو َ‬‫خرِ ي ُ َ‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْما ِ اْل ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬
‫ما ي ُؤ ْ ِ‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬ل ت َ ِ‬
‫ه ول ريب أن النصارى من المحادين لله‬ ‫سول َ ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ولرسوله‪ ،‬النابذين لشريعته‪ ،‬المكذبين له ولرسوله عليه‬
‫أفضل الصلةا والسلما فكيف يجوز لمن يؤمن بالله واليوما‬
‫الخر‪ ،‬أن يوادونهم أو يتخذهم بطانة؟ نعوذ بالله من الخذلن‬
‫وطاعة الهوى والشيطان‪.‬‬
‫وزعم آخر من دعاةا القومية أن الله سبحانه قد سهل في‬
‫موالةا الكفار الذين لم يخرجونا من ديارنا‪ ،‬واحتج على ذلك‬
‫ن‬‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يُ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫بقوله تعالى‪ :‬ل ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫خرجوك ُم من ديارك ُ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬‫ن ت َب َّروهُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ َِ ِ ْ‬ ‫م يُ ْ ِ ُ‬‫وَل َ ْ‬
‫ن‬
‫طي َ‬
‫س ِ‬
‫ق ِ‬
‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬‫يُ ِ‬
‫وهذا كالذي قبله احتجاج باطل‪ ،‬وقول في القرآن بالرأي‬
‫المجرد‪ ،‬وتأويل للية على غير تأويلها‪ .‬والله سبحانه حرما‬
‫موالةاالكفار ونهى عن اتخاذهم بطانة في اليات المحكمات‪،‬‬
‫ولم يفصل بين أجناسهم‪ ،‬ول بين من قاتلنا ومن لم يقاتلنا‪،‬‬
‫فكيف يجوز لمسلم أن يقول على الله ما لم يقل‪ ،‬وأن يأتي‬
‫بتفصيل من رأيه لم يدل عليه كتاب ول سنة؟ سبحان الله ما‬
‫أحلمه‪ ،‬وإنما معنى الية المذكورةا عند أهل العلم‪ :‬الرخصة‬
‫في الحسان إلى الكفار‪ ،‬والصدقة عليهم إذا كانوا مسالمين‬
‫لنا‪ ،‬بموجب عهد أو أمان أو ذمة‪ ،‬وقد صح في السنة ما يدل‬
‫على ذلك‪ ،‬كما ثبت في الصحيح أن أما أسماءا بنت أبي بكر‬
‫قدمت عليها في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وهي مشركة تريد الدنيا‪ ،‬فأمر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أسماءا أن تصل أمها‪ ،‬وذلك في مدةا الهدنة التي وقعت بين‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة‪ ،‬وصح عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه أعطى عمر جبة من حرير‪ ،‬فأهداها‬
‫إلى أخ له بمكة مشرك‪ ،‬فهذا وأشباهه من الحسان الذي قد‬
‫يكون سببا في الدخول في السلما‪ ،‬والرغبة فيه‪ ،‬وإيثاره على‬
‫ما سواه‪ ،‬وفي ذلك صلة للرحم‪ ،‬وجود على المحتاجين‪ ،‬وذلك‬
‫ينفع المسلمين ول يضرهم‪ ،‬وليس من موالةا الكفار في‬
‫شيءا كما ل يخفى على ذوي اللباب والبصار‪.‬‬
‫وللقوميين هنا شبهة‪ ،‬وهي أنهم يقولون‪ :‬إن التكتل حول‬
‫القومية العربية بدون تفرقة بين المسلم والكافر يجعل‬
‫العرب وحدةا قوية‪ ،‬وبناءا شامخا‪ ،‬يهابهم عدوهم ويحترما‬
‫حقوقهم‪ ،‬وإذا انفصل المسلمون عن غيرهم من العرب‪،‬‬
‫ضعفوا وطمع فيهم العدو‪ ،‬وشبهة أخرى وهي أنهم يقولون‪:‬‬
‫إن العرب إذا اعتصموا بالسلما‪ ،‬وتجمعوا حول رايته‪ ،‬حقد‬
‫عليهم أعداءا السلما‪ ،‬ولم يعطوهم حقوقهم‪ ،‬وتربصوا بهم‬
‫الدوائر‪ ،‬خوفا من أن يثيروها حروبا إسلمية‪ ،‬ليستعيدوا بها‬
‫مجدهم السالف‪ ،‬وهذا يضرنا ويؤخر حقوقنا ومصالحنا‬
‫المتعلقة بأعدائنا‪ ،‬ويثير غضبهم علينا‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن يقال‪ :‬إن اجتماع المسلمين حول السلما‪،‬‬
‫واعتصامهم بحبل الله‪ ،‬وتحكيمهم لشريعته‪ ،‬وانفصالهم من‬
‫أعدائهم والتصريح لهم بالعداوةا والبغضاءا‪ ،‬هو سبب نصر الله‬
‫لهم وحمايتهم من كيد أعدائهم‪ ،‬وهو وسيلة إنزال الله الرعب‬
‫في قلوب العداءا من الكافرين‪ ،‬حتى يهابوهم ويعطوهم‬
‫حقوقهم كاملة غير منقوصة‪ ،‬كما حصل لسلفهم المؤمنين‪.‬‬
‫فقد كان بين أظهرهم من اليهود والنصارى الجمع الغفير‪ ،‬فلم‬
‫يوالوهم ولم يستعينوا بهم‪ ،‬بل والوا الله وحده‪ ،‬واستعانوا به‬
‫وحده‪ ،‬فحماهم وأيدهم ونصرهم على عدوهم والقرآن والسنة‬
‫شاهدان بذلك‪ ،‬والتاريخ السلمي ناطق بذلك‪ ،‬قد علمه‬
‫المسلم والكافر‪ .‬وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما‬
‫بدر إلى المشركين‪ ،‬وفي المدينة اليهود‪ ،‬فلم يستعن بهم‪،‬‬
‫والمسلمون في ذلك الوقت ليسوا بالكثرةا‪ ،‬وحاجتهم إلى‬
‫النصار والعوان شديدةا‪ ،‬ومع ذلك فلم يستعن نبي الله‬
‫والمسلمون باليهود‪ ،‬ل يوما بدر ول يوما أحد‪ ،‬مع شدةا الحاجة‬
‫إلى المعين في ذلك الوقت‪ ،‬ول سيما يوما أحد‪ ،‬وفي ذلك‬
‫أوضح دللة على أنه ل ينبغي للمسلمين أن يستعينوا‬
‫بأعدائهم‪ ،‬ول يجوز أن يوالوهم أو يدخلوهم في جيشهم‪،‬‬
‫لكونهم ل تؤمن غائلتهم‪ ،‬ولما في مخالطتهم من الفساد‬
‫الكبير‪ ،‬وتغيير أخلق المسلمين‪ ،‬وإلقاءا الشبهة‪ ،‬وأسباب‬
‫الشحناءا والعداوةا بينهم‪ ،‬ومن لم تسعه طريقة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم وطريقة المؤمنين السابقين فل وسع الله‬
‫عليه‪.‬‬
‫وأما حقد غير المسلمين على المسلمين إذا تجمعوا حول‬
‫السلما‪ ،‬فذلك مما يرضي الله عن المؤمنين ويوجب لهم‬
‫نصره‪ ،‬حيث أغضبوا أعداءاه من أجل رضاه‪ ،‬ونصر دينه‬
‫والحماية لشرعه‪ .‬ولن يزول حقد الكفار على المسلمين‪ ،‬إل‬
‫إذا تركوا دينهم واتبعوا ملة أعدائهم‪ ،‬وصاروا في حزبهم‪،‬‬
‫وذلك هو الضلل البعيد والكفر الصريح‪ ،‬وسبب العذاب‬
‫ضى‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫والشقاءا في الدنيا والخرةا‪ ،‬كما قال سبحانه‪ :‬وَل َ ْ‬
‫دى الل ّهِ هُوَ‬ ‫ن هُ َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫م قُ ْ‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ‬ ‫ع َن ْ َ‬
‫ما ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ب َعْد َ ال ّ ِ‬ ‫واَءاهُ ْ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫َ‬
‫دى وَلئ ِ ِ‬ ‫ال ْهُ َ‬
‫صيرٍ‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫م إِ ِ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م عَ‬ ‫حّتى ي َُرّدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬‫ن يُ َ‬‫وقال تعالى‪َ :‬ول ي ََزاُلو َ‬
‫ك‬‫كافٌِر فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ت وَهُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ن ي َْرت َد ِد ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫عوا وَ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫خَرةاِ وَأول َئ ِ َ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َواْل ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫كأ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أع ْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مرِ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ريعَةٍ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك ع ََلى َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وقال تعالى‪ :‬ث ُ ّ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ي ُغُْنوا ع َن ْ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ن إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫واَءا ال ّ ِ‬ ‫َفات ّب ِعَْها َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬
‫ظال ِمين بعضه َ‬
‫ن‬
‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ي ال ْ ُ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬ ‫م أوْل َِياءاُ ب َعْ ٍ‬ ‫ن ال ّ ِ َ َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫شي ًْئا وَإ ِ ّ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫فأبان الله سبحانه وتعالى في هذه اليات البينات‪ :‬أن الكفار‬
‫لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم‪ ،‬وندع شريعتنا‪ ،‬وإنهم ل يزالون‬
‫يقاتلونا حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا‪.‬‬
‫وأخبر أنه متى أطعناهم واتبعنا أهواءاهم‪ ،‬كنا من المخلدين في‬
‫النار‪ ،‬إذا متنا على ذلك‪ ،‬نسأل الله العافية من ذلك‪ ،‬ونعوذ‬
‫بالله من موجبات غضبه وأسباب انتقامه‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬من الوجوه الدالة على بطلن الدعوةا إلى‬
‫القومية العربية أن يقال‪ :‬إن الدعوةا إليها والتكتل حول رايتها‬
‫يفضي بالمجتمع ول بد إلى رفض حكم القرآن؛ لن القوميين‬
‫غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن‪ ،‬فيوجب ذلك لزعماءا‬
‫القومية أن يتخذوا أحكاما وضعية تخالف حكم القرآن‪ ،‬حتى‬
‫يستوي مجتمع القومية في تلك الحكاما‪ ،‬وقد صرحا الكثير‬
‫منهم بذلك كما سلف‪ ،‬وهذا هو الفساد العظيم‪ ،‬والكفر‬
‫كل‬ ‫المستبين والردةا السافرةا‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬فل وََرب ّ َ‬
‫دوا ِفي‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤ ْ ِ‬
‫ما‬
‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫وقال تعالى‪ :‬أ َفَحك ْم ال ْجاهل ِية يبُغون وم َ‬
‫ن الل ّهِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ِ ّ ِ َْ‬ ‫ُ َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وقال تعالى‪ :‬وَ َ‬ ‫قوْما ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ما ل ِ َ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ما‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وقال تعالى‪ :‬وَ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَأول َئ ِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ل الل ّه فَ ُ‬ ‫أَ‬
‫حك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫ن وكل دولة ل تحكم بشرع‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫بِ َ‬
‫الله‪ ،‬ول تنصاع لحكم الله‪ ،‬ول ترضاه فهي دولة جاهلية كافرةا‪،‬‬
‫ظالمة فاسقة بنص هذه اليات المحكمات‪ ،‬يجب على أهل‬
‫السلما بغضها ومعاداتها في الله‪ ،‬وتحرما عليهم مودتها‬
‫وموالتها حتى تؤمن بالله وحده‪ ،‬وتحكم شريعته‪ ،‬وترضى‬
‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫سوَةا ٌ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫بذلك لها وعليها‪ ،‬كما قال عز وجل‪ :‬قَد ْ َ َ ْ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م إ ِّنا ب َُرآُءا ِ‬ ‫مه ِ ْ‬ ‫قوْ ِ‬ ‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫داوَةا ُ‬‫م ال ْعَ َ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫حد َه ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤ ْ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ضاُءا أب َ ً‬ ‫َوال ْب َغْ َ‬
‫فالواجب على زعماءا القومية ودعاتها‪ ،‬أن يحاسبوا أنفسهم‬
‫ويتهموا رأيهم‪ ،‬وأن يفكروا في نتائج دعوتهم المشئومة‪،‬‬
‫وغاياتها الوخيمة‪ ،‬وأن يكرسوا جهودهم للدعوةا إلى السلما‬
‫ونشر محاسنه والتمسك بتعاليمه والدعوةا إلى تحكيمه بدل‬
‫من الدعوةا إلى قومية أو وطنية‪ ،‬وليعلموا يقينا أنهم إن لم‬
‫يرجعوا إلى دينهم ويستقيموا عليه ويحكموه فيما شجر بينهم‪،‬‬
‫فسوف ينتقم الله منهم‪ ،‬ويفرق جمعهم‪ ،‬ويسلبهم نعمته‪،‬‬
‫ويستبدل قوما غيرهم‪ ،‬يتمسكون بدينه ويحاربون ما خالفه‬
‫كوُنوا‬ ‫م ل يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ما غ َي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْد ِ ْ‬ ‫وا ي َ ْ‬ ‫ن ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫كما قال تعالى‪ :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫حَنا ع َل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ فَت َ ْ‬ ‫سوا َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫م وقال تعالى‪ :‬فَل َ ّ‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ة فَإ َِذا‬ ‫م ب َغْت َ ً‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ما ُأوُتوا أ َ َ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫حّتى إ َِذا فَرِ ُ‬ ‫يٍءا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫وا َ‬ ‫أب ْ َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫موا َوال ْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوْما ِ ال ّ ِ‬ ‫قط ِعَ َداب ُِر ال ْ َ‬ ‫ن فَ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫هُ ْ‬
‫ن وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬إن‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ قوله تعالى‬
‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ْ‬ ‫ك إَذا أ َ‬ ‫َ‬ ‫ك أَ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬
‫م‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ْ‬
‫ديد ٌ فيا معشر القوميين‪ :‬راقبوا الله سبحانه‪ ،‬وتوبوا إليه‪،‬‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫وخافوا عذابه واشكروه على إنعامه‪ ،‬وذلك بتعظيم كتابه وسنة‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بهما ودعوةا الناس إلى‬
‫ذلك‪ ،‬وتحذيرهم مما يخالفه‪ ،‬ففي ذلك عز الدنيا والخرةا‪،‬‬
‫وصلحا أمر المجتمع‪ ،‬وراحة الضمير وطمأنينة القلب‪،‬‬
‫والسعادةا العاجلة والجلة‪ ،‬والمن من عذاب الله في الدنيا‬
‫والخرةا‪ .‬وكل ما خالف ذلك من الدعوات‪ ،‬فهو دعوةا إلى‬
‫جهنم‪ ،‬وسبيل إلى قلق الضمائر‪ ،‬واضطراب المجتمع‪،‬‬
‫وتسليط العداءا‪ ،‬وحرمان السعادةا والمن في الدنيا والخرةا‪،‬‬
‫مّني‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأ ْت ِي َن ّك ُْ‬ ‫كما قال ذو العزةا والجلل في كتابه المبين‪ :‬فَإ ِ ّ‬
‫قى ومن أ َ‬
‫ن‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ل َول ي َ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫دايَ َفل ي َ ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ هُ َ‬ ‫ِ‬ ‫دى فَ َ‬
‫م‬ ‫هُ ً‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫مى َقا َ‬ ‫مةِ أع ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ما ال ْ ِ‬‫شُره ُ ي َوْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫كا وَن َ ْ‬ ‫ضن ْ ً‬ ‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ذ ِك ْ‬
‫ك آَيات َُنا‬ ‫ك أ َت َت ْ َ‬ ‫ل ك َذ َل ِ َ‬ ‫صيًرا َقا َ‬ ‫ت بَ ِ‬ ‫مى وَقَد ْ ك ُن ْ ُ‬
‫َ‬
‫شْرت َِني أع ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫َر ّ‬
‫ك نجزي م َ‬
‫ف وَل َ ْ‬
‫م‬ ‫سَر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫سى وَك َذ َ َل ِ َ َ ْ َ ِ‬ ‫ما ت ُن ْ َ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬ ‫سيت ََها وَك َذ َل ِ َ‬ ‫فَن َ ِ‬
‫قى فأبان سبحانه‬ ‫شد ّ وَأب ْ َ‬ ‫خَرةاِ أ َ‬ ‫ب اْل ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ت َرب ّهِ وَل َعَ َ‬ ‫ن ِبآَِيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ُؤ ْ ِ‬
‫في هذه اليات أن من اتبع هداه لم يضل ولم يشق‪ ،‬بل له‬
‫الهدى والسعادةا في الدنيا والخرةا ومن أعرض عن ذكره فله‬
‫المعيشة الضنك في الدنيا‪ ،‬والعمى والعذاب في الخرةا‪ ،‬ومن‬
‫ضنك المعيشة في الدنيا ما يبتلى به أعداءا السلما من ظلمة‬
‫القلوب وحيرتها‪ ،‬وما ينزل بها من الغموما والهموما والشكوك‬
‫والقلق‪ ،‬وأنواع المشاق في طلب الدنيا وجمعها والخوف من‬
‫نقصها وسلبها‪ ،‬وغير ذلك من أنواع العقوبات المعجلة في‬
‫َ‬ ‫الدنيا‪ ،‬كما قال الله سبحانه‪َ :‬فل تعجب َ َ‬
‫م‬‫م َول أْولد ُهُ ْ‬ ‫وال ُهُ ْ‬‫م َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ُْ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫حَياةاِ الد ّن َْيا وَت َْزهَقَ أن ْ ُ‬ ‫م ب َِها ِفي ال ْ َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ما ي ُ ِ‬‫إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ب اْلد َْنى‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫ن وقال تعالى‪ :‬وَل َن ُ ِ‬ ‫م َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫قن ّهُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن واليات في هذا المعنى‬ ‫جُعو َ‬ ‫ب اْلك ْب َرِ ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ُدو َ‬
‫كثيرةا‪ ،‬نسأل الله أن يصلح قلوبنا‪ ،‬وأن يعرفنا بذنوبنا‪ ،‬ويمن‬
‫علينا بالتوبة منها‪ ،‬وأن يهدينا وسائر إخواننا سواءا السبيل‪ ،‬إنه‬
‫على كل شيءا قدير‪.‬‬
‫ولنختم الكلما في هذا المقاما بنبذةا من كلما الكاتب المصري‬
‫الشهير الشيخ‪ :‬محمد الغزالي تتعلق بالقومية قد أجاد فيها‬
‫وأفاد‪ ،‬حيث قال في كتابه‪) :‬مع الله( صفحة ‪ 254‬ما نصه‪:‬‬
‫ل مكان لللحاد بيننا‬
‫ما هؤلءا الناس؟ إنهم ليسوا عربا ول عجما ول روس ول‬
‫أمريكان!! إنهم مسخ غريب الطوار صفيق الصياحا‪ ،‬بليت به‬
‫هذه البلد إثر ما وضعه الستعمار بها وترك بذوره في‬
‫مشاعرها وأفكارها‪ ،‬فهم ‪ -‬كما جاءا في الحديث ‪ -‬من جلدتنا‬
‫ويتكلمون بألسنتنا‪ ،‬بيد أنهم عدو لتاريخنا وحضارتنا وعبءا‬
‫على كفاحنا ونهضتنا‪ ،‬وعون للحاقدين على ديننا والضانين‬
‫بحق الحياةا له ولمن اعتنقه‪.‬‬
‫إن هؤلءا الناس الذين برزوا فجأةا‪ ،‬وملت ضجتهم الودية كما‬
‫تمل الضفادع بنقيقها أكناف الليل‪ ،‬يجب أن يمزق النقاب عن‬
‫سريرتهم‪ ،‬وأن تعرفهم هذه المة على حقيقتهم‪ ،‬حتى ل يروج‬
‫لهم خداع‪ ،‬ول ينطلي لهم زور‪ ،‬إن صفوف الذين يلبسون‬
‫مسوحا العروبة‪ ،‬ويندسون خلل صفوف المجاهدين‪،‬‬
‫ويزعمون أنهم مبشرون بالقومية العربية ورافعون للويتها‪،‬‬
‫وفي الوقت نفسه ينسحبون من تقاليد العروبة‪ ،‬ويهاجمون‬
‫أجل ما عرفت به‪ ،‬ويبعثرون العوائق في طريق اليمان‬
‫ورسالته إن هؤلءا الناس ينبغي أن يماط اللثاما عن وجوههم‬
‫الكالحة‪ ،‬وأن تلقى الضواءا على وظيفتهم التي يسرها‬
‫الستعمار لهم‪ ،‬ووقف بعيدا يرقب نتائجها المرةا‪ ،‬وما نتائجها‬
‫إل الدمار المنشود لرسالة القرآن‪ ،‬وصاحبها العظيم محمد بن‬
‫عبد الله صلى الله عليه وسلم لقد قرأنا ما يكتبون‪ ،‬وسمعنا ما‬
‫يقولون‪ ،‬ولم يعوزنا الذكاءا لستبانة غاياتهم‪ ،‬فهم ملحدون‬
‫مجاهرون بالكفر‪ ،‬يقولون في صراحة‪ :‬إن السلما ليس إل‬
‫نهضة عربية‪ ،‬فاز بها هذا الجنس العظيم في القرون‬
‫الوسطى‪ ،‬واستطاع في فورته العارمة أن يجتاحا العالم بقيادةا‬
‫رجل عبقري‪ ،‬هو الزعيم الكبير‪ :‬محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫أي أن هذا الدين الجليل‪ ،‬نبت من الرض‪ ،‬ولم ينزل من‬
‫السماءا‪ ،‬وأنه انطلقة شعب طامح فاتح‪ ،‬وليس هداية مثالية‬
‫فدائية‪ ،‬جاءات من عند الله لتنقذ العرب من جاهلية طامسة‪،‬‬
‫كانوا بها في مؤخرةا البشر‪ ،‬إلى حنيفية سمحة رفعت‬
‫خسيستهم‪ ،‬ثم انتشر شعاعها بعد في أنحاءا الرض‪ ،‬كما تنتشر‬
‫الضواءا في عرض الفق لدى الشروق‪ .‬والفضل في ذلك كله‬
‫لله وحده‪ ،‬الذي اصطفى محمدا‪ ،‬وامتن عليه بالهدى والحق‪،‬‬
‫ن‬
‫ما ُ‬ ‫ب َول ا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫ما ال ْك َِتا ُ‬ ‫ت ت َد ِْري َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫بعد أن قال له‪َ :‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬‫وقال‪ :‬وأ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫هّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫م كما يقول في العرب الذين أرسل فيهم‪ :‬ل َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫م ي َت ُْلو ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سوًل ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ ب َعَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ع ََلى ال ْ ُ‬
‫ن قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة وَإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫آَيات ِهِ وَي َُز ّ‬
‫ن فأي زحف عربي هنالك؟ وأي عبقرية‬ ‫مِبي ٍ‬‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫لَ ِ‬
‫أنشأت من عندها هذا الغيث الممرع لهل الرض؟ إن الزعم‪:‬‬
‫بأن السلما )ثورةا عربية( أكذوبة كبرى وأضلولة شائنة‪ ،‬وإن‬
‫هذا القول ليس تكذيبا للسلما فقط‪ ،‬بل دعوةا خطيرةا إلى‬
‫تكذيب الديانات كلها‪ ،‬وإلى إشاعة الكفر والفسوق والعصيان‬
‫في أنحاءا الرض‪ ،‬والغريب أن هؤلءا الناس يخاصمون السلما‬
‫بعنف‪ ،‬ويحاربون أمته بجبروت‪ ،‬ويهادنون الديان الخرى من‬
‫سماوية وأرضية‪ ،‬كأن السلما هو العدو الذي كلفوا باستئصاله‬
‫وحده‪ ،‬ل بل هو العقبة الفذةا التي وضعت المعاول في أيديهم‬
‫لهالتها ترابا‪ ،‬أجل‪ ،‬وهل للستعمار عدو في هذه البلد إل‬
‫السلما؟ إنه مصدر المقاومة العنيدةا‪ ،‬وروحا الكفاحا الباسل‬
‫الذي أعيا المهاجمين وأحبط مؤامراتهم‪ ،‬ومن ثم فعلى‬
‫الستعمار أن ينسج خيوطه حوله ليقتله‪ ،‬ويحول بينه وبين‬
‫الحياةا الكريمة‪ ،‬ولقد ابتدع القوميات الضيقة واستجباها بشتى‬
‫الساليب‪ ،‬لينال من كيان هذا الدين‪ ،‬فلما سقطت أماما‬
‫السلما في المعركة‪ ،‬دس أتباعه تحت لواءا القومية العربية‪،‬‬
‫وزودهم بضروب من الدعاءا‪ ،‬ليزحموا العرب المخلصين في‬
‫هذا الميدان‪ ،‬ولينالوا من السلما بطريقة أخرى‪.‬‬
‫وتفسير القومية العربية هذا التفسير الكفور الكنود‪ ،‬هو حرب‬
‫أخرى ضد السلما‪ ،‬إنه لجدير أن يتسمى هؤلءا بأتباع القومية‬
‫العبرية ل العربية‪ .‬أليسوا يعملون لمصلحة الستعمار‬
‫وإسرائيل‪ ،‬ولقد مرت أربعة عشر قرنا على اشتباك العروبة‬
‫بالسلما‪ ،‬أو بتعبيرنا نحن أهل اليمان‪ :‬على تشريف الله‬
‫العرب بحمل هذه المانة وإبلغها للناس‪ ،‬ونظرةا إلى البعيد‬
‫تعرفنا بسهولة أن العرب مرت عليهم أدهار قبل السلما‪ ،‬لم‬
‫يكونوا فيها شيئا مذكورا‪ ،‬ثم جاءا هذا الدين فدخلوا التاريخ به‪،‬‬
‫ه ل َذ ِك ٌْر ل َ َ‬
‫ك‬ ‫وطار صيتهم تحت رايته‪ ،‬وصدق الله إذ يقول وَإ ِن ّ ُ‬
‫ك وسوف ت َ‬
‫ن ثم أخطأ العرب‪ ،‬فظنوا أن هذا‬ ‫سأُلو َ‬
‫م َ َ َ ْ َ ُ ْ‬
‫قوْ ِ‬
‫وَل ِ َ‬
‫الدين العالمي الذي نزلت فيهم آياته‪ ،‬يمنحهم امتيازا خاصا‪،‬‬
‫ويجعلهم عنصرا أرقى من سائر الجناس‪ ،‬ونشأ عن هذا‬
‫الخطأ رد الفعل الذي ل بد منه‪ ،‬فقامت الشعوب الخرى‬
‫تدافع عن قيمة دمائها وكرامة عنصرها‪ ،‬وهذه الغلط‬
‫المتبادلة علتها حنين البشر إلى الجاهلية‪ ،‬واستثقالهم مؤنة‬
‫السعي لتحصيل الكمال النساني‪ ،‬فإذا عز على شخص تافه‬
‫أن يكون تقيا ينسبه عمله إلى المجد والعل‪ ،‬ذهب ينتحل نسبا‬
‫آخر إلى أسرةا أو وطن أو جنس‪ ،‬ليرتفع به دون جهد‪ ،‬وتلك‬
‫كلها عصبيات باطلة ونزعات نازلة‪ ،‬ول محل لها في دين‪ ،‬ول‬
‫وزن لها عند رب العالمين‪ ،‬ولكن المهم أن العرب الولين لما‬
‫أرادوا المفاخرةا والتميز كان السلما متكأهم ومعقد فخارهم‪،‬‬
‫فبأي شيءا يملئون أفواههم إذا لم يذكروا السلما؟ إن‬
‫وطابهم خال وتاريخهم صفر‪ ،‬حتى جاءا الفاكون في هذا‬
‫الزمان بالبدعة التي لم يسمع بها إنسان‪ ،‬فإذا العروبة في‬
‫نظرهم يجب أن تتجرد من اليمان‪ ،‬وزعموا ‪ -‬قبحهم الله ‪-‬‬
‫أنها بالنسلخ عن الدين تسمو وتسير‪ ،‬بل إن أحد الكتاب من‬
‫هذه العصابة وجد الوجه الذي يطالع به الناس ليقول‪ :‬إن‬
‫السلما جنى على العروبة‪ ،‬وإن اللغة العربية قد انتشرت أبعد‬
‫مما انتشر السلما‪ ،‬وإن السلما ‪ -‬لنه عالمي ‪ -‬ضار بالقومية‬
‫العربية‪ .‬وظاهر أن هذا الكلما بقطع النظر عن بطلنه‪ ،‬إنما‬
‫يروج لحساب الستعمار الغربي منه والشرقي على السواءا‪،‬‬
‫وأن قائله يخدما أهداف الغزاةا الذين عسكرت جيوشهم في‬
‫بعض أقطار العروبة وأنزلت بها الهون‪ ،‬ووقفت على حدود‬
‫البعض الخر تتربص به الدوائر‪.‬‬
‫وكاتب آخر من هذه العصابة يطلب منا بإلحاحا‪ :‬أن ننسى‬
‫التاريخ؛ لنه ل يضم إل رفات الموتى‪ ،‬وأن نتطلع إلى‬
‫المستقبل فحسب‪ ،‬ونسي هذا الغر أن اليهود في كبد الشرق‬
‫الوسط‪ ،‬أقاموا دولتهم بإمداد من التاريخ الموحى‪ ،‬وأنهم‬
‫جعلوا اسم إسرائيل علما عليها‪ ،‬إنه حلل للناس جميعا أن‬
‫يستصحبوا تاريخهم في كفاحهم‪ ،‬أما نحن المسلمين فحراما‬
‫علينا أن نذكر فصل من هذا التاريخ‪ ،‬وأن نستوحي منه عونا‬
‫في جهاد وأمل في امتداد‪ ،‬إنها قومية عبرية ل عربية‪ ،‬تلك التي‬
‫يبشر بها الملحدون وكارهو السلما‪ ،‬ولقد عرف الولون‬
‫والخرون أننا نحن المسلمين أحنى الناس على العروبة‬
‫وأوصلهم لمجدها‪ ،‬وأخلصهم لقضاياها‪ ،‬وأن هؤلءا القوميين ل‬
‫خير فيهم‪ ،‬بل إنهم مصدر شر طويل وأذى ثقيل(‪.‬‬
‫انتهى ما أردنا نقله للقراءا من كلما الشيخ‪ :‬محمد الغزالي‬
‫هاهنا‪،‬‬
‫وقال أيضا في كتابه المذكور صفحة ‪ 347‬ما نصه‪:‬‬
‫الهدما الروحي‬
‫يجتهد الستعمار في صرف المسلمين عن دينهم بكل ما يتاحا‬
‫له من وسائل‪ ،‬وفي جعل حركات التحرر الناشطة في بلدهم‬
‫مبتوتة العلقة بالدين‪ ،‬حتى تولد ميتة‪ ،‬أو تحيا عقيمة ل ثمر لها‬
‫ول زهر وما من نهضة في الولين والخرين إل ولها دعامة‬
‫معنوية تقوما عليها‪ ،‬وسناد روحي تتحرك به‪ ،‬ولما كان عمل‬
‫الدين في هذه الحالة مل القلوب بالضمائر الحية‪ ،‬وبنى‬
‫الخلق على الفضيلة‪ ،‬وصبغ الحياةا بتقاليد جامعة ومعلومة‬
‫وواضحة‪ ،‬ورصا الصفوف على إحساس مشترك‪ ،‬ودفعها إلى‬
‫مصير واحد‪ ،‬فإن الستعمار استهدف إقصاءا الدين عن آفاق‬
‫البلد كلها‪ ،‬وتكوين أجيال غريبة عنه‪ ،‬إن لم تكن كارهة له‪.‬‬
‫بل إن ذكر السلما أصبح محظورا في المناسبات الجادةا‪،‬‬
‫والشئون الهامة‪ ،‬وقد يحوما البعض حوله‪ ،‬ولكنه يوجل من‬
‫التصريح به‪ ،‬كأن السلما مجرما ارتكب ذنبا ثم فر من القضاءا‬
‫الذي حكم بعقوبته‪ ،‬فهو ل يستطيع الظهور في المجتمعات‪،‬‬
‫وربما تلوحا له فرصة الظهور متنكرا‪ ،‬تحت اسم مستعار‪،‬‬
‫فيتحرك قليل هنا وهناك‪ ،‬حتى إذا أحس انكشاف أمره‬
‫استخفى من النظار‪ ،‬يا عجبا‪ ،‬لماذا يلقى السلما هذا الهوان‬
‫كله؟‬
‫والجواب‪ :‬عند الستعمار الذي يجر خلفه ضغائن القرون‬
‫الولى ويضع نصب عينه أل تقوما للسلما قائمة في بلده‪ ،‬فهو‬
‫حريص على خنقه في ميدان التربية والمعاملت والتشريع‪،‬‬
‫وسائر ألوان الحياةا‪ ،‬إنه يطمئن إلى مجتمع واحد‪ ،‬المجتمع‬
‫الذي مات ضميره‪ ،‬والذي تفسخت أخلقه‪ ،‬في هذا المجتمع‬
‫الذي غاصت منه معاني الفضل‪ ،‬واستغلظت فيه غرائز‬
‫الشره‪ ،‬وزحفت فيه ثعابين الثرةا‪.‬‬
‫يستطيع الستعمار أن يطمئن إلى يومه وغده‪ ،‬فإذا جاءا‬
‫السلما ليمسح هذه القذار طلب منه على عجل أن يعود إلى‬
‫وكره ليخفى عن العين‪ .‬إنه اسم ل ينبغي أن يذكر وحقيقة ل‬
‫يجوز أن تعيش‪.‬‬
‫هكذا حكم الستعمار‪ ،‬حتى قيض الله لنا فكرةا العروبة‬
‫عنوانا‪ ،‬نستطيع تحته أن ندفع غوائل الموت‪ ،‬وقد هششنا‬
‫للفكرةا‪ ،‬ورجونا من ورائها الخير‪ ،‬وللعروبة المجردةا مثل‬
‫تعكر على الستعمار مآِربه‪ ،‬إن التعليم في ظل الحتلل‬
‫الجنبي أوجد أناسا تحركهم الشهوات وحدها‪ ،‬أناسا فرغت‬
‫عواطف اليقين من أفئدتهم فهي هواءا‪ ،‬فإذا جاءات إليهم‬
‫العروبة‪ ،‬فهل يعرفون أن العفة من خلئقها‪ ،‬وأن تقديس‬
‫العرض من شمائلها‪ ،‬وأن المحافظة على الحريم من صفاتها‬
‫الباطنة والظاهرةا‪ .‬إن أمثال العرب في الجاهلية تشهد بما‬
‫لهم من غيرةا على نسائهم‪ ،‬فالمثل القائل‪) :‬كل ذات صدار‬
‫خالة( يعني‪ :‬أن العرب يجعلون في حكم الخالة كل من‬
‫تلبس ثياب المرأةا‪ ،‬فما ينظرون إليها إل نظرةا الحتراما والعفة‪ ،‬وذلك‬
‫أن الخالة بمنزلة الما‪ ،‬ويقول الشاعر‪:‬‬

‫حتى يواري جارتي‬ ‫وأغض طرفي إن بدت‬


‫مثواها‬ ‫لي جارتي‬
‫الخر‪:‬‬ ‫ويقول‬

‫أداعبه‪ ،‬وريبته‬ ‫ول ألقي لذي‬


‫أريد‪!...‬‬ ‫الودعات سوطي‬
‫يعني‪ :‬أنه يداعب طفل مع أمها ابتغاءا إثم بالما نفسها‪ ،‬فهل‬
‫هذه الشوارع الغاصة بمتتبعي العورات وبغاةا الدنية شوارع‬
‫عربية؟‬
‫وهل عرب أولئك الذين ترى الواحد منهم يتأبط ذراع فتاةا‬
‫متبرجة لعوب تسير في وضع يقول لكل ناظر )هيت لك(؟‬
‫والعرب القدمون كانوا أصحاب كرما غريب‪ ،‬وإيثار لمع‪،‬‬
‫ونهوض بالحق على عض الزمن وشدةا الحاجة‪ ،‬واسمع قول‬
‫عروةا بن الورد‪:‬‬

‫وأنت امرؤ عافى إنائك‬ ‫وإني امرؤ عافى إنائي‬


‫واحد‬ ‫شركة‬
‫بوجهي شحوب الحق‬ ‫أتهزأ مني أن سمنت وأن‬
‫والحق جاهد‬ ‫ترى‬
‫وأحسو قراحا الماءا والماءا‬ ‫أفرق جسمي في جسوما‬
‫بارد‬ ‫كثيرةا‬
‫أرأيت صورةا النسان النبيل‪ ،‬يؤثر غيره بالطعاما‪ ،‬ويستعيض‬
‫برشحات من الماءا البارد يصفر بها وجهه‪ ،‬وهو يأبى تضييع من‬
‫نزلوا به‪ ،‬وحسبه أنه فرق جسمه في جسوما كثيرةا‪.‬‬
‫احتفظ بهذه الصورةا‪ ،‬ثم سل نفسك‪ :‬أمدن عربية هذه التي‬
‫تراها مزدحمة بأصحاب الفضول من المال النامي‪ .‬ومع ذلك‬
‫فقلما تؤوي يتيما‪ ،‬أو تغذو محروما‪ ،‬وما لنا نبحث عن الشمائل‬
‫العربية المفقودةا في بيئات مسخها الستعمار‪ ،‬وترك عليها‬
‫طابع الحيوانية والتقطع‪ ،‬إنك ترى الواحد من أولئك يقول‪ :‬إنه‬
‫عربي ولغة العرب ل تستقيم على فمه‪ ،‬ومن أعاجيب الليالي‬
‫أن أسمع المذيع مثل يقول‪ :‬يا أخي المواطن‪ ،‬أحنا بنعمل إيه‬
‫في هذه الياما‪ ،‬وكان يستطيع أن يقول ما نعمل في هذه‬
‫الياما‪ ،‬ولكنه حريص على تخليد لغة الرعاع‪ ،‬والتنكر للغة‬
‫الفصحى‪ ،‬وهي اللغة التي ترسل بها الذاعات من جميع‬
‫محطات العالم لمستمعيها على اختلف ألسنتهم‪ ،‬إذ أن‬
‫يخاطب المذيع قومه‪ ،‬في أي عاصمة بلغة غير الفصحى‪ ،‬فهل‬
‫من مظاهر الوفاءا لعروبتنا أن نذيع نحن بلغة الرعاع؟‬
‫الواقع‪ :‬أن السلما وحده هو الذي يخلد العروبة لغة وأدبا‬
‫وخلقا‪ ،‬وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاءا الحقيقي على‬
‫العروبة في لغتها وأدبها وخلقها‪ ،‬ولذلك يجب على الدعاةا أن‬
‫يستميتوا في إبراز هذا السم بقدر ما يستميت الستعمار في‬
‫إخفائه‪ ،‬وأن يذهبوا عنه الوحشة التي صنعها أعداؤه حوله‪،‬‬
‫حتى يصبح مألوفا في الذان‪ ،‬محببا إلى القلوب‪ ،‬وإظهار هذا‬
‫السم ل يكفي‪ ،‬فما قيمة شكل ل جوهر لها يجب على الدعاةا‬
‫أن يجمعوا الجماهير على تعاليمه وأن ينعشوا أنفسهم بروحه‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الضمير الديني الخاشي لله‪ ،‬الرحيم بخلقه‪ ،‬المحتفي‬
‫بالواجبات‪ ،‬النفور من الرذائل‪ ،‬الشجاع في نصرةا الحق‪،‬‬
‫المستعد للقاءا بالله‪ ،‬المتأسي بصاحب الرسالة‪ ،‬هذا الضمير‪،‬‬
‫يجب أن ندعمه بل أن نوجده في كل طائفة‪ ،‬وأن يربط به‬
‫إنجاز كل عمل‪ ،‬ونجاحا كل مشروع‪ ،‬ومنع كل تفريط‪ ،‬وصيانة‬
‫كل حق‪ ،‬فالسلما قبل كل شيءا قلب كبير‪ ،‬قلب موصول‬
‫بالله‪ ،‬يبادر لمرضاته ويتقيه حيث كان‪ ،‬وهذا القلب ل يتكون‬
‫من تلقاءا نفسه‪ ،‬ويستحيل أن يتكون بداهة وسط تيارات‬
‫الشكوك والتجهيل التي تسلط عليه عمدا ليتوقف ويزيغ‪ ،‬إنه‬
‫يتكون بأغذية روحية منظمة‪ ،‬تقدما له في برامج التعليم‪ ،‬وفي‬
‫عظات المساجد‪ ،‬وفي صبغ البيئة بمعان معينة‪ ،‬تساعد على‬
‫احتراما الفضيلة وإشاعتها‪ ،‬ونحن أحوج ما نكون لنشاءا هذه‬
‫الضمائر في الذراري المحدثة التي عريت عنها‪ ،‬والطبقات‬
‫الكثيفة التي مردت على العبث والستخفاف بجميع القيم‪،‬‬
‫إنني أستغرب كيف نشتري آلة ما بأغلى السعار‪ ،‬ثم نوقف‬
‫أمامها عامل ل يتقي الله‪ ،‬فهي تخرب بين يديه على عجل‪ ،‬أو‬
‫يقل إنتاجها لو قدر لها البقاءا سليمة‪ ،‬إننا لو بذلنا شيئا زهيدا‬
‫لغرس التدين الحق في قلب هذا العامل لربحنا الكثير‪ ،‬أفل‬
‫يبذل المسئولون هذا الشيءا بالزهيد‪ ،‬ولو على اعتباره نفقات‬
‫صيانة لللة التي اشتريت؟‬
‫إن من حق الله علينا ومن حق بلدنا علينا أن نربي الصغار‬
‫والكبار باسم اليمان لبتداءا عمل ما‪ ،‬فسوف يتم على خير‬
‫الوجوه‪ ،‬إن للضمير الديني علقة راشدةا بالسماءا‪ ،‬ونواةا‬
‫مباركة في الرض‪ ،‬وما أصدق قول الستاذ‪ :‬أحمد الزين في‬
‫وصفه‪:‬‬

‫أرض وروحا من اللطيف‬ ‫هو صوت السماءا في عالم‬


‫الخبير‬ ‫ال‬
‫خدع العيش من رياءا وزور‬ ‫وشعاع تذوب تحت سناه‬
‫وتعيا به قوى التفكير‬ ‫هو سر يحار في كنهه اللب‬
‫باطن الشخص ظاهر التأثير‬ ‫مبلغ العلم أنه روحا خير‬
‫حل من قلبه مكان الشعور‬ ‫كل حي عليه منه رقيب‬
‫ما وتهفو إلى مهاوي‬ ‫حل حيث الهواءا تنزو إلى‬
‫الشرور‬ ‫الثم‬
‫جامحات أعيت على الناس‬
‫رغم إنذارها بسوءا المصير‬
‫كبحا‬
‫فأصاخت إلى صياحا النذير‬ ‫ثم صاحا الضمير فيها نذيرا‬
‫بسليل الثرى لعالم نور‬ ‫هو روحا من الملئك يسمو‬
‫وهو باق على توالى‬
‫قد تولت بالنبياءا عصور‬
‫العصور‬
‫حافظا في الزمان ما‬
‫قائما في الصدور بالتذكير‬
‫خلفوه‬
‫قدست من صحائف‬ ‫حامل من شرائع الخير كتبا‬
‫وسطور‬
‫ليس يعفو عن الهنات وإن‬
‫تملح في اللوما والتعزير‬
‫أن‬
‫ونحن ننشد هذا الشعر هنا تكريما للدب العالي‪ ،‬وإل فل مجال‬
‫لقول بعد أن نتدبر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أل‬
‫إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت‬
‫فسد الجسد كله أل وهي القلب انتهى المقصود من كلما‬
‫الغزالي في كتابه‪) :‬مع الله( جزاه الله خيرا‪ ،‬ولعظيم فائدته‬
‫نقلته هاهنا‪ .‬وأسأل الله عز وجل أن يصلح قلوب المسلمين‬
‫ويعمرها بتقواه‪ ،‬وأن يمن علينا وعلى جميع شبابنا وسائر‬
‫إخواننا بالفقه في الدين‪ ،‬والستقامة على صراط الله‬
‫المستقيم‪ ،‬فإن ذلك هو سبيل النجاةا والفوز بالعزةا والكرامة‬
‫ن َقاُلوا َرب َّنا‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫في الدنيا والخرةا‪ ،‬كما قال الله سبحانه‪ :‬إ ِ ّ‬
‫ك‬‫ن ُأول َئ ِ َ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف ع َل َي ْهِ ْ‬‫خوْ ٌ‬ ‫موا َفل َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ثُ ّ‬
‫َ‬
‫ن وقال‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًءا ب ِ َ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫ل ع َل َي ْهِ ُ‬
‫م‬ ‫موا ت َت َن َّز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫تعالى إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ة َأل ت َ َ‬
‫جن ّةِ ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫خاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫توع َدون نح َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫خَرةاِ وَل َك ُ ْ‬ ‫حَياةاِ الد ّن َْيا وَِفي اْل ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ن أوْل َِياؤ ُك ُ ْ‬ ‫ُ َ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫حيم ٍ‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ن ُُزًل ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬من يرد الله به‬
‫خيرا يفقهه في الدين " والله أعلم‪ .‬وصلى الله وسلم على‬
‫عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوما‬
‫الدين‪.‬‬
‫تكميل في المحرما من العاما الماضي‪ ،‬أعني‪ :‬عاما ‪ 1380‬هـ‬
‫سألني مندوب صحيفة البلد عن مسائل‪ ،‬بعضها يتعلق‬
‫بالقومية‪ ،‬فأجبته بما نشر في صحيفة البلد‪.‬‬
‫ولتكميل الفائدةا للقراءا رأيت أن أذكر السئلة والجوبة هاهنا‪،‬‬
‫وهذا نصها‪:‬‬
‫السؤال الول‪ :‬ما رأي فضيلتكم في الدعوةا التي تقوما بها‬
‫بعض الوساط الخارجية إلى أن القومية العربية وحدها هي‬
‫الرابطة الولى بين العرب؟‬
‫السؤال الثاني‪ :‬ما رأي فضيلتكم في التجاه الذي يبدو واضحا‬
‫في هذه الياما للمقارنة بين القومية والسلما‪ ،‬والذي يظهر‬
‫في بعض الجرائد والمجلت بالمملكة؟‬
‫السؤال الثالث‪ :‬بعض المخلصين من الوعاظ يعالجون في‬
‫وعظهم المور البسيطة الفرعية في الدين كطريقة حلقة‬
‫الرأس‪ ،‬أو شكل الملبس‪ ،‬في حين أن هناك أمورا هامة‬
‫تتصل بالعقيدةا‪ ،‬تحتاج من هؤلءا المخلصين من الدعاةا إلى‬
‫عناية خاصة لنها أمور هامة أساسية‪ ،‬فما رأي فضيلتكم في‬
‫هذا؟‬
‫السؤال الرابع‪ :‬تود جريدةا البلد أن تحمل من فضيلتكم‬
‫نصيحة إلى قرائها من مختلف الطبقات فما هي؟ ‪.‬‬
‫الجواب عن السؤال الول‪ :‬أن يقال‪ :‬ل ريب أن الدعوةا إلى‬
‫أن تكون القومية العربية هي الرابطة الولى بين العرب‪،‬‬
‫دعوةا باطلة ل أساس يؤيدها‪ ،‬ل من العقل ول النقل‪ ،‬بل هي‬
‫دعوةا جاهلية إلحادية يهدف دعاتها إلى محاربة السلما‪،‬‬
‫والتملص من أحكامه وتعاليمه‪ .‬وقد يدعو إليها من ل يقصد‬
‫هذا المعنى‪ ،‬وإنما دعا إليها تقليدا لغيره وإحسانا للظن به‪ ،‬ولو‬
‫عرف حقيقة المقصود منها لحاربها وابتعد عنها‪ ،‬وكل من له‬
‫أدنى معرفة بتاريخ العرب قبل السلما وبعد يعلم إنه لم يكن‬
‫للعرب كبير قيمة تذكر ول راية ترهب إل بالسلما‪ ،‬وبه فتحوا‬
‫البلد وسادوا العباد‪ ،‬وبه كانوا أمة مرهوبة الجانب‪ ،‬محترمة‬
‫الحقوق مرفوعة الرأس‪ ،‬حتى غيروا فغير عليهم‪ ،‬كما قال‬
‫م‬‫سهِ ْ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬
‫قوْما ٍ َ‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫الله سبحانه‪ :‬إ ِ ّ‬
‫الية‪ .‬ول أحب أن أطيل في هذا الميدان؛ لن الصحيفة ل‬
‫تتحمل ذلك‪ ،‬والحق في ذلك أوضح من الشمس‪ ،‬ل يرتاب فيه‬
‫من له أدنى إلماما بحال العرب والسلما‪ ،‬وما أحسن قول الله‬
‫ي‬
‫ح َ‬ ‫ذي ُأو ِ‬ ‫ك ِبال ّ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‪َ :‬فا ْ‬
‫ف‬ ‫سوْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫قوْ ِ‬ ‫ك وَل ِ َ‬ ‫ه ل َذ ِك ٌْر ل َ َ‬ ‫قيم ٍ وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك ع ََلى ِ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫م أ ََفل‬ ‫قد ْ أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْك ُْ‬ ‫ن وقوله تعالى‪ :‬ل َ َ‬ ‫ت َ‬
‫م ك َِتاًبا ِفيهِ ذ ِك ُْرك ُْ‬ ‫سأُلو َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ن وإذا كان الهدف من الدعوةا إلى القومية العربية أن‬ ‫قُلو َ‬ ‫ت َعْ ِ‬
‫يجتمع العرب‪ ،‬وأن يشتركوا في مصالحهم‪ ،‬وأن ينتصفوا من‬
‫عدوهم ويطردوه عن بلدهم‪ ،‬فليس هذا هو السبيل إلى هذا‬
‫الغرض النبيل‪ ،‬وإنما السبيل الوحيد هو الرجوع إلى دينهم‬
‫الحق‪ ،‬الذي به شرفوا وعرفوا وبرزوا في الميدان‪ ،‬وسادوا‬
‫المم‪ ،‬والتمسك بتعاليمه السمحة وأحكامه الرشيدةا‪،‬‬
‫وتحكيمه في كل شيءا‪ ،‬والموالةا في ذلك والمعاداةا فيه‪،‬‬
‫وبذلك يحصل الجتماع‪ ،‬وتدرك المصالح وينتصف من العداءا‪،‬‬
‫ويكون النصر عليهم مضمونا والعاقبة حميدةا في الدنيا‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫والخرةا‪ ،‬كما قال الله تعالى في محكم التنزيل‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م وقال تعالى‪:‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫آ َ‬
‫مك ّّناهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫زيٌز ال ّ ِ‬ ‫قوِيّ َع َ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫وَل َي َن ْ ُ‬
‫وا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫رو‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫روا‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ةا‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫وآ‬ ‫َ‬ ‫ةا‬ ‫صل‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫في اْل َرض أ َ‬
‫َ َ ْ‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ه ال ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫مورِ وقال تعالى‪ :‬وَع َد َ الل ّ ُ‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫من ْك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫عَ‬
‫فن ّهم ِفي اْل َ‬
‫ما‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫خل ِ َ ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫آ َ‬
‫ضى‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫خوفه َ‬
‫ن ِبي‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫دون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫مًنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫شي ًْئا الية‪ .‬واليات في هذا المعنى كثيرةا معلومة‪ .‬وما أحسن‬ ‫َ‬
‫ما قال مالك بن أنس رحمة الله عليه في هذا المعنى‪ :‬لن‬
‫يصلح آخر هذه المة إل ما أصلح أولها لقد صدق هذا الماما‬
‫في هذه الكلمة القصيرةا العظيمة‪.‬‬
‫اللهم أصلحنا وولةا أمرنا جميعا وسائر المسلمين إنك سميع‬
‫قريب‪.‬‬
‫وأما السؤال الثاني فالجواب عنه‪ :‬أن يقال‪ :‬إن من أعظم‬
‫الظلم وأسفه السفه‪ ،‬أن يقارن بين السلما وبين القومية‬
‫العربية‪ ،‬وهل للقومية المجردةا من السلما من المزايا ما‬
‫تستحق به أن تجعل في صف السلما‪ ،‬وأن يقارن بينها وبينه؟‬
‫ل شك أن هذا من أعظم الهضم للسلما والتنكر لمبادئه‬
‫وتعاليمه الرشيدةا‪ ،‬وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين‬
‫قومية لو كان أبو جهل‪ ،‬وعتبة بن ربيعة‪ ،‬وشيبة بن ربيعة‬
‫وأضرابهم من أعداءا السلما أحياءا لكانوا هم صناديدها وأعظم‬
‫دعاتها‪ ،‬وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان‪ ،‬دعاته‬
‫وأنصاره هم‪ :‬محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو‬
‫بكر الصديق‪ ،‬وعمر ابن الخطاب‪ ،‬وعثمان بن عفان‪ ،‬وعلي بن‬
‫أبي طالب‪ ،‬وغيرهم من الصحابة صناديد السلما وحماته‬
‫البطال‪ ،‬ومن سلك سبيلهم من الخيار؟ ل يستسيغ المقارنة‬
‫بين قومية هذا شأنها‪ ،‬وهؤلءا رجالها وبين دين هذا شأنه‬
‫وهؤلءا أنصاره ودعاته‪ ،‬إل مصاب في عقله‪ ،‬أو مقلد أعمى‪ ،‬أو‬
‫عدو لدود للسلما ومن جاءا به‪ .‬وما مثل هؤلءا في هذه‬
‫المقارنة إل مثل من قارن بين البعر والدر‪ ،‬أو بين الرسل‬
‫والشياطين‪ ،‬ومن تأمل هذا المقاما من ذوي البصائر‪ ،‬وسبر‬
‫الحقائق والنتائج‪ ،‬ظهر له أن المقارنة بين القومية والسلما‪،‬‬
‫أخطر على السلما من المقارنة بين ما ذكر آنفا‪ .‬ثم كيف‬
‫تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار‪ ،‬وبين دين‬
‫غاية من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم‪ ،‬في دار الكرامة‬
‫والمقاما المين؟‬
‫اللهم اهدنا وقومنا سواءا السبيل‪ ،‬إنك على كل شيءا قدير‪.‬‬
‫الجواب على السؤال الثالث‪ :‬ل ريب أن المرشدين هم أطباءا‬
‫المجتمع‪ ،‬ومن شأن الطبيب أن يهتم بمعرفة الدواءا ثم يعمل‬
‫على علجها بادئا بالهم فالهم‪ ،‬وهذه طريقة أنصح الطباءا‬
‫وأعلمهم بالله وأقومهم بحقه وحق عباده‪ ،‬سيد ولد آدما عليه‬
‫من ربه أفضل الصلةا والتسليم فإنه صلى الله عليه وسلم لما‬
‫بعثه الله بدأ بالنهي عن أعظم أدواءا المجتمع وهو الشرك‬
‫بالله سبحانه‪ ،‬فلم يزل صلى الله عليه وسلم من حين بعثه‬
‫الله يحذر المة من الشرك ويدعوهم إلى التوحيد إلى أن‬
‫مضى عليه عشر سنين‪ ،‬ثم أمر بالصلةا‪ ،‬ثم ببقية الشرائع‪،‬‬
‫وهكذا الدعاةا بعده‪ :‬عليهم أن يسلكوا سبيله وأن يقتفوا أثره‪،‬‬
‫بادئين بالهم فالهم ولكن إذا كان المجتمع مسلما ساغ‬
‫للداعي أن يدعو إلى الهم وغيره‪ ،‬بل يجب عليه ذلل حسب‬
‫طاقته؛ لن المطلوب إصلحا المجتمع المسلم وبذل الوسع‬
‫في تطهير عقيدته من شوائب الشرك ووسائله‪ ،‬وتطهير‬
‫أخلقه مما يضر المجتمع ويضعف إيمانه‪ .‬ول مانع من بداءاته‬
‫بعض الوقات بغير الهم‪ ،‬إذا لم يتيسر الكلما في الهم‪ ،‬ول‬
‫مانع أيضا من اشتغاله بالهم وإعراضه عن غير الهم‪ ،‬إذا رأى‬
‫المصلحة في ذلك وخاف إن هو اشتغل بهما جميعا أن يخفق‬
‫فيهما جميعا‪ ،‬وهكذا شأن المصلحين والطباءا المبرزين‪،‬‬
‫يهتمون بطرق الصلحا ويسلكون أنجعها وأقربها إلى النتيجة‬
‫المرضية‪ ،‬وإذا لم يستطيعوا تحصيل المصلحتين أو المصالح‪،‬‬
‫أو تعطيل المفسدتين‪ ،‬اهتموا بالهم من ذلك واشتغلوا به‬
‫دون غيره‪ ،‬ومن تأمل قواعد الشرع وسيرةا الرسول عليه‬
‫الصلةا والسلما‪ ،‬وسيرةا خلفائه الراشدين والئمة الصالحين‪،‬‬
‫علم ما ذكرته‪ ،‬وعرف كيف يقوما بإرشاد الناس‪ ،‬وكيف‬
‫ينتشلهم من أدوائهم إلى شاطئ السلمة‪ ،‬ومن صحت نيته‬
‫وبذل وسعه في معرفة الحق‪ ،‬وطلب من موله الهداية إلى‬
‫خير الطرق‪ ،‬وأنجعها في الدعوةا‪ ،‬واستشار أهل العلم‬
‫والتجارب فيما أشكل عليه‪ ،‬فاز بالنجاحا وهدي إلى الصواب‪،‬‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْد ِي َن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كم قال سبحانه‪َ :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫لَ َ‬
‫الجواب الرابع‪ :‬نصيحتي لجميع القراءا هي‪ :‬أن يأخذوا بوصية‬
‫الله سبحانه التي أوصى بها في كتابه الكريم حيث يقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ن أوُتوا‬ ‫صي َْنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ض وَل َ َ‬
‫قد ْ و َ ّ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬
‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬‫وَل ِل ّهِ َ‬
‫ال ْكتاب من قَبل ِك ُم وإياك ُم أ َ‬
‫ه والتقوى كما يعلم‬ ‫قوا الل ّ َ‬‫ن ات ّ ُ‬
‫َِ َ ِ ْ ْ ْ َ ِّ ْ ِ‬
‫القارئ الكريم كلمة جامعة‪ ،‬حقيقتها‪ :‬أن يتقي العبد غضب‬
‫الرب وعذابه‪ ،‬بفعل ما أمر الله به ورسوله‪ ،‬وترك ما نهى الله‬
‫عنه ورسوله‪ ،‬عن علم وإيمان وإخلصا ومحبة ورغبة ورهبة‪،‬‬
‫وبذلك يفوز بالسعادةا وحسن العاقبة في الدنيا والخرةا‪ ،‬وهما‬
‫أنصح به القراءا وهو من جملة التقوى‪ ،‬التثبت في المور‪،‬‬
‫والتريث في الحكم عليها‪ ،‬إل بعد دراستها من جميع نواحيها‪،‬‬
‫وبعد التحقق من معناها ومعرفته معرفة تامة بعرض ذلك‬
‫المعنى على الميزان الشرعي وهو كتاب الله‪ ،‬وما صح من‬
‫السنة‪ ،‬فما وافق ذلك الميزان قبل‪ ،‬وما خالفه ترك‪ ،‬ويجب أن‬
‫يكون القارئ في دراسته للشياءا‪ ،‬وعرضه لها على الميزان‬
‫المذكور‪ ،‬بعيدا كل البعد عن الفراط والتفريط‪ ،‬متجردا عن‬
‫ثوبي التعصب والهوى‪ ،‬ومتى سلم من هذه المور‪ ،‬ودرس‬
‫المور حق دراستها بإخلصا‪ ،‬وقصد حسن‪ ،‬وفق للحقيقة وفاز‬
‫بالصواب ‪ ،‬وحمد العاقبة‪ ،‬وكم جرت العجلة على أصحابها‬
‫وغيرهم من ويلت ومشاكل‪ ،‬تذهب الياما والليالي وآثارها‬
‫وتبعتها باقية؟ وكم حصل بسبب التعصب والهوى من فساد‬
‫ودمار وعواقب ل تحمد؟ نسأل الله السلمة من ذلك‪ .‬ومما‬
‫أنصح به القراءا أيضا وهو من أهم التقوى دعوةا العباد إلى الله‬
‫سبحانه والتواصي بالحق والصبر عليه‪ ،‬والتعاون على البر‬
‫والتقوى‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة‬
‫والموعظة الحسنة والتغيير حسب الطاقة‪ ،‬كما في الحديث‬
‫الصحيح‪ ":‬من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع‬
‫فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان "‬
‫وأسأل الله للجميع الثبات على الحق والعافية من مضلت‬
‫الفتن‪ ،‬إنه خير مسئول‪ ،‬وأكرما مجيب‪ ،‬والله أعلم‪ ،‬وصلى الله‬
‫وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه‪.‬‬

You might also like