Professional Documents
Culture Documents
لاهوت الوجود عند بارمنيدس
لاهوت الوجود عند بارمنيدس
sharafameen@yahoo.com
المقدمة
) عام ( 485ق.م تقر ًيبا) ،أي بعد مائة عام تقر ًيبا من ازدهار أول الفالسفة ازدهر بارمنيدس (
كبير في مسار الفلسفة
تغيير ًا
ًا اليونانيين طاليس( 585ق.م تقر ًيبا .ويمكن أن نقول إن بارمنيدس قد أحدث
اليونانية بتأسيسه االنوولوييا وأول مر..
) لبارمنيدس -حسب ) :إن هذا النص من قصيد( .في الطبيعة، الويود مويود (
تعبير هانز جورج جادامير -أريقت من أيل تأويله أنهار من الحبر! لقد اختلف الباحثون حول فلسفة بارمنيدس
ومرور بكبار شراح
ًا تعددا مازالت أصداؤه تتردد منذ أفالطون وأرسوو،
كبيرا ،وتعددت تفسيرات مذهبه ً
اختالًفا ً
الفلسفة اليونانية أمثال بيرنت وزيلر وجمبرتز ،وحتى كبار الفالسفة المعاصرين أمثال هوسرل وهيدجر ورسل
وجاك دريدا وكارل بوبر وهانز جادمير وغيرهم .فقد كانت عبار .بارمنيدس (وهى ليست صريحة في اليونانية،
) ،أي الموجود، وال تشير إلى شيء محدد) مصدر اختالف بين المتريمين ،وبين الشراح ،فهو يقول(:
فكيف ذهب المتريمون إلى تريمتها "الويود مويود" ،وكان اوأولى أن يقولوا "المويود مويود" أو "الشيء مويود"
أو "هو موجود" ( .)It isوقد ثارت نقاشات واسعة حول كل من مريع ( )Itوالمعنى الذي يمكن أن تعود
إليه()Is؟! ويحاول البحث أن يقترح حالً لهذه اإلشكالية التي ال تنتهي إال لتبدأ من يديد.
يقسم معظم الباحثين القصيد – .بعد تجاوز المقدمة -قسمين :اوأول في الحقيقة ،أي الفلسفة (االنوولوييا)،
والثاني في الظن ،أي العلم الوبيعي(الكسمولوييا) وهذا التقسيم نجده منذ ديويينس الالئرسي .وتكمن مشكلة هذه
شيئا فاقد الحركة ،في حين نقل لنا الجزء الثاني
القصيد .في انسجام الجزأين؛ فقد ًعد الويود في الجزء اوأول ً
أساسيا من
ً قسما
معتبر المقدمة ً
ًا شيئا يتحرك .إال أنني أقسم القصيد .إلى أقسام ثالثة،
نظر .عن الوبيعة بوصفها ً
القصيد .وليس مجرد افتتاحية يتم عبورها بسرعة ،بل إن إغفال المقدمة -الثيولويية الميثولويية -ينتج عنه أننا
مهما -إن لم يكن الجزء اوأهم المؤسس النوولجيا بارمنيدس برمتها -وهو بالنسبة للتحليل نترك يزًءا ً
الهرمنيوطيقي الذي يقترحه الباحث مفتاح الشيفرة للدخول إلى النص البارمنيدي في كليته .ويتجه التأويل الذي
يتبناه الباحث هنا إلى عكس اتجاه جادامير الذي يرى أن هذا الشكل اوأسووري -رغم أنه يعترف به -ال يترتب
عليه أن يكون ذا عالقة بالدين ،بل سيحاول -من خالل هذا البحث -الكشف عن البنية الدينية العميقة للقصيد،.
تلك البنية التي لم يرد يادامير أن يوليها أية عناية هيرمنيوطيقية .وهذا ال يمنع من أن الشكل اوأسووري
1
والسردي الذي يسم اإلرث الملحمي العظيم الذي يرقى إلى هوميروس وهسيودوس ،أقول -متفًقا مع يادمير-
-هل يمكن قراءة قصيدة بارمنيدس”،في الطبيعة“ ،قراءة هرمنيوطيقية ،بمعزل عن السياق الديني والفلسفي
اليوناني القديم؟
-هل يمكن فصل مقدمة قصيدة بارمنيدس -وهي مفتتح ميثولوجي ثيولوجي -عن بقية القصيدة؟
-ما طبيعة االنطولوجيا عند بارمنيدس؟ وما طبيعة ما أطلقنا عليه ”الهوت الوجود عند بارمنيدس“؟
ِ
تأويل النصوص) في ومنهج
ُ فن الفهم،
سوف يستخدم الباحث المنهج الهرمنيوطيقي (ُّ = Hermeneutics
تفسير قصيد .بارمنيدس ،وهو المنهج الذي بلغ أويه على يد هانز جورج جادامير في كتابه ”الحقيقة
ِ
الفلسفة" .ولكن ربما ياءت والمنهج“ ،والذي طبقه على قصيد" .في الوبيعة" لبارمنيدس في كتابه "بداية
النتيجة النهائية لهذا البحث مخالفة له ،وقد يتفق البحث معه في بعض النتائج الجزئية .ويقوم المنهج
الهرمنيوطيقي هنا على آلية تأويل النص من خالل سياقه الخاص به ،سواء كان السياق الديني أم السياق
الفلسفي .أما قواعد التأويل الهرمنيوطيقي الذي سيعتمد عليها الباحث فتتلخص في المحاور اوأربعة اآلتية:
خصوصا في
ً الباحث نص القصيد .عبر سياقين فلسفيين :أحدهما سابق على بارمنيدس ويتمثلُ -4يؤول
اناكسيماندروس و اكسنيوفانيس ،واآلخر الحق عليه ،ويتمثل في أفالطون وأرسطو.
2
أوالا :بارمنيدس وتأسيس االنطولوجيا
ُيعد بارمنيدس المؤسس الحقيقي للمدرسة اإليلية ،ولالنوولوييا في بالد اليونان .وقد عمل بارمنيدس على
تقويض دعائم المدرسة اوأيونية .ورغم تأثره بالمدرسة الفيثاغورية ،إال أنه استواع أن يتجاوز الصوفية الرياضية
الفيثاغورية إلى تأسيس انوولوييا تقوم على االستنباط العقلي.
-1المدرسة اإليلية
يقيا أسسه األيونيون على الساحل الغربي إليواليا الجنوبية ،في حوالي سنة
أيونيا إغر ً
ثغر ً كانت إيليا(ً )Eleaا
540ق.م .وإذا كانت المدرسة اإليلية ليست محل يدل ،فإن عدد المفكرين المقبولين فيها كان دائماً مثار
نقاش؛ فأرسطو في كتابه "الميتافيزيقا"( ،)1ال يضم زينون إليها ،وال اتفاق حول اكسينوفانيس ،وال اتفاق إال على
()2
قانونا( .)3وهذا الدور السياسي
ميلسوس إلى يانب بارمنيدس .وقد شارك بارمنيدس في سياسة مدينته ،وسن لها ً
الذي قام به بارمنيدس تجاه مدينته ،لم يكن من المستغرب على الفالسفة السابقين على سقراط قيامهم بمثل هذا الدور
السياسي( .)4ثم هجر بارمنيدس السياسة وكرس حياته للتأمل تحت تأثير أمينياس الفيثاغوري( .)5وقد اتخذ
أدا .للتعبير عن فلسفته(:)6
بارمنيدس -مثله في ذلك مثل هوميروس وهسيودوس واكسينوفانيس -الشعر ً
أرسطططو :مابعططد الطبيعططة ،الكتططاب األول ،مقالططة األلفططا الكبططر ،ف 986 ،5ب 22ترجمططة إمططاع عبططد الفتططاح إمططاع ،ترجمططة ()1
الكتب الخمسة األولى من ميتافيزيقا أرسطو ،ضمن كتاب مطدلل إلطى الميتافيزيقطا ،نهمطة مصطر ،القطاهرة 2005ع ،ص
.270
( )2ميشلين سوفاج :برمنيذس ،ترجمة بشارة صارجي ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت1999 ،ع ،ص.111 ،
) (3
Diogenes Laertius, , Lives of Eminent Philosophers, Vol. 11, Trans by: R. D. Hicks: M.A.
Cambridge, Massachusetts, Harvard university Press, London, 1972, IX,23, p 433.
)(4
.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, Cambridge At The University Press,
1957, p 265.
) (5
A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, Greece and Rome, trans by: V. Stankerich,
Progress Publishers, Moscow, 1985, p 83.
) (6
Diogenes Laertius, Lives of Eminent Philosophers, Vol. 11, IX,22, p 431.
) (7
J. Burnet: Early Greek Philosophy, 4 th ed, Adam & Charles-Black, London, 1975, p.250.
) (7
A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, Greece and Rome, trans by: V. Stankerich,
Progress Publishers, Moscow, 1985 p.171.
) (8
K. Freeman: The Pre-Socratic philosophers, 2nd ed. Basil Black Well Oxford, 1959, p,173.
)(8
.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, Cambridge At The University Press, 1957
p,140-141.
) (9
Edward Hussey, The Presocratics, (Classical Life And Letters) Gerald Duckworth, London,
1972, p 78.
3
الشفاهي اليوناني قبل معرفة الكتابة .وهذا ما فعلته لي از ويلكينسون في كتابها ( Parmenides and To
.)10()Eonومازالت القصيد .تحظى حتى وقتنا الحالي بتريمات وتعليقات معاصر.)11(.
ووأن أبيات القصيد .تتحدث عن مذهب فلسفي سنولق عليها -مع هيدجر"-القصيدة المذهبية" أو "القصيدة
التعليمية"( .)12وفي ذلك يتبع بارمنيدس تقاليد المدرسة اإليوالية التي تجمع بين الميثوس واللوجوس ،بين
الفلسفة واوأساطير ،المستمد .من التراث الشفهي القديم ،في بنية واحد:.
يصفه سارتون -المتورف المتضارب .وقد ويد اوأمران كالهما -العقالنية واوأساطير -منفذاً ً
()15
بالغا داخل
عقل بارمنيدس ،وفي مركب فكري متسق غير متضارب كما سوف نرى .ومن خاللهما-الميثوس واللويوس-
استواع بارمنيدس أن يبدأ مرحلة يديد .في تاريخ الفلسفة اليونانية ،حتى إنه عد ثالث ثالثة:
(10
Lisa Atwood Wilkinson: Parmenides and To Eon, Reconsidering Muthos and Logos,
Continuum International Publishing Group, New York & London, 2009.See Introduction
PP,1-9.
) (11
See: Fragments Parmenides, Edited with New Translations by Richard McKirahan,
PARMENIDES PUBLISHING Las Vegas • Zurich • Athens, 2009.
)(12
Martin Heidegger, Parmenides, translated by Andre Schuwer and Richard Rojcewicz,
Indian University Press, 1992, p 2.
( )13اميططل برهييططه :تططاريا الفلسططفة ،الجططزء األول ،الفلسططفة اليونانيططة ،الطبعططة الثانيططة ،ترجمططة :جططورج طرابيشططي ،دار الطليعططة
للطباعة والنشر ،بيروت1987 ،ع ،ص .82
اميل برهييه :تاريا الفلسفة ،الجزء األول ،الفلسفة اليونانية ،ص .85 ()14
جططورج سططارتون :تططاريا العلططم ،الجططزء الثططاني ،ترجمطة لفيططم مططن العلمططاء ب شطراف ،إبطراميم بيططومي مططدكور ،دار المعططارف، ()15
4
-4ثالث ثالثة
إن بارميدس رأس المدرسة اإليلية ،والمفكر األكثر أهمية في تلك الفترة()16؛ هو ثالث ثالثة ياءوا بتغييرات
عميقة في الفلسفة اليونانية؛ فطاليس أدخل المنهج الطبيعي إلى بالد اليونان إلحالله محل المنهج اوأسووري،
وأكمله فيثاغورس بالمنهج الرياضي ،وياء بارمنيدس في أعقابهما لتأسيس الميتافيزيقا (االنوولوييا) والمنوق
()17
تماما عن المدرسة اوأيونية
العقلي .لقد عاود بارمنيدس البحث في مشكلة أصل العالم ولكن على نحو مختلف ً
والمدرسة الفيثاغورية حيث اتجه إلى البحث في الويود ذاته ،فمع بارمنيدس تحولت الفلسفة من الفيزياء ،علم
وقد قامت انوولوييا بارمنيدس بتقويض دعائم الفلسفة اوأيونية وأبرز ()18
الوبيعة ،إلى االنطولوجيا ،علم الويود
ممثليها هيراكليتوس ،وكذلك تجاوزت الصوفية الرياضية التي تبنتها المدرسة الفيثاغورية:
-6الحجاج العقلي
لكن اوأكثر أهمية فيما أحدثه بارمنيدس من تقويض للمدرسة اوأيونية يتمثل في ما يجب علينا أن نفهمه من
موقف بارمنيدس -حسب تعبير بنيامين فارتن -بشكله المزدوج :من حيث هو اعتراض ومن حيث هو تأكيد؛
فهو من ناحية يعارض النتائج اإللحادية للفلسفة اوأيونية التي أبعدت المقدسات عن الوبيعة ،وهو من الناحية
اوأخرى يؤكد اوأهمية القصوى لألسلوب الجديد الذي بدأنا نالحظه وأول مره ،أسلوب المحاجة المنطقية(.)22
فبارمنيدس كان أول فيلسوف اعمل مبدأ "الذاتية" أو "الهوية" ( )Identityبقوله " كل مويود فهو مويود" ،ومبدأ
ِ
العقل الذي ال يتزعزع ،في "عدع التناقض" ( )Non- contradictionوأعلنهما صراح ًة ،ويعل منهما أساس
) (16
Wilhelm Windelband: History of Ancient Philosophy, Trans by H. E Cushman, Dover
publication Inc, London, 1990, p 37.
( )17ميشلين سوفاج :برمنيذس ،ص .111
) (18
Julian Marias, history of philosophy, translated from Spanish By Stanley Appelbaum
and Clarence C.Strowbridge, Dover Publications, Inc, New York, 1967, p 24.
( )19محمططد عبططد الططرحمن مرحبططا :تططاريا الفلسططفة اليونانيططة مططن بططدايتها حتططى المرحلططة الهلنسططية ،مؤسسططة عططز الططدين للطباعططة
والنشر ،بيروت 1993،ص .85
جعفر آل ياسين :فالسفة يونانيون ،العصر األول ،مطبعة اإلرشاد ،بغداد1971،ع ،ص .57 ()20
بنيططامين فططارنتن :العلططم اإلغريقططي ،الجططزء األول ،ترجمططة :أحمططد شططكري سططالم ،مراجعططة :حسططين كامططل أبططو الليططم ،مكتبططة ()21
5
نفس الوقت الذي كان هيراكليتوس يهوي فيه على هذا اوأساس بكل قوته( .)23والذي تهكم عليه بارمنيدس بقوله:
إنه ينظر بويهين! ( يقترح فيرنر ييجر أن بارمنيدس كان يقصد الجنس البشري كله وليس هيراكليتوس وحده())24
فيذهب إلى "أن الويود مويود ،والالويود مويود ،وأن ()25
وقد فسر سمبليكيوس ذلك ب "الجمع بين النقيمين"
الويود والالويود شيء واحد ،وإلى أن كل شيء يتجه في اتجاهات متضاد .)26(".وعلى ذلك يوصف بارمنيدس
بأنه أول فيلسوف يعتمد منهجه على "االستدالل المنطقي" ( .)Logical Deductionوبناء على ذلك يمكننا أن
نستنتج أن بارمنيدس قد أكد على أن المادية األيونية هى طريق الظن .وإذا كان بارمنيدس قد عمل على
تقويض دعائم المادية اوأيونية ،فإنه قد عمل -رغم تأثره بفيثاغورس -على تجاوز الصوفية الفيثاغورية:
والحق أننا نجد لدي بارمنيدس نزعة فيثاغورية قوية تجعل من اوأفكار الدينية منولقا لها نحو تعقل الكون والعالم
يصلون بين بارمنيدس وبين ()31
ونحن نجد قدماء الروا .مثل ديوجينس الالئرتي وسوتيون()Sotion
الفيثاغوريين ،ويذكرون اسم أحدهم بالذات وهو أمينياس ( ،(Ameiniasوكان ًا
فقير ولكنه من اوأشراف الذين
تخليدا له( .)32وهنا يبرز التساؤل اآلتي :ما الذي تعلمه بارمنيدس الشاب من
ً فبر
ابتنى له بارمنيدس بعد وفاته ًا
( )23يوسف كرع :تاريا الفلسفة اليونانية ،دار القلم ،بيروت ،بدون تاريخ ،ص .30
) (24
W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers, At Clarendon Press, Oxford,
London. 1948, p.101.
)(25
.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 271.
( )26بارمنيططدس :فططي الطبيعططة ،شططذرة ،6تططرجم هططذا الشططذرات إلططى العربيططة ،أحمططد فطؤاء األهطواني ،ضططمن كتابططه ،فجططر الفلسططفة
اليونانية قبل سقراط ،الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة2009 ،ع ،ص 131
عبد الرحمن بدوي :ربيع الفكر اليوناني ،وكالة المطبوعات ،الكويت1979،ع ،ص .88 ()27
برتراند رسل :تطاريا الفلسطفة الغربيطة ،الكتطاب األ ول ،الفلسطفة القديمطة ،ترجمطة ،زكطي نجيطب محمطود ،راجعطه ،أحمطد أمطين، ()28
6
أستاذا أمينياس ويعله يعجب به كل هذا اإلعجاب أكثر من إعجابه باكسينوفانيس المشهور()33؟ يقول ريتشارد
جيلدارد -إياب ًة عن هذا السؤال -إنه الواحد الفيثاغوري الذي مارس ًا
تأثير عميًقا على واحدية بارمنيدس(.)34
ويرى بيرنت أن أمينياس -وليس اكسينوفانيس -هو الذي حول بارمنيدس إلى الحيا .التأملية()35؛ وهذا يدل على
عمق التأثير الديني الفيثاغوري على بارمنيدس .أما جومبرتز فيرى أن المذهب الفلسفي لبارمنديس مدين
لفيثاغورس أكثر مما هو مدين وأكسينوفانيس( .)36ولكني أرى أن تأثير اكسينوفانيس ال يقل عمًقا من تأثير
أمينياس على بارمنيدس ،كما سوف نرى.
بدأ بارمنيدس حياته فيثاغورًيا ،لكنه بعد ذلك تخلى عن الفلسفة الفيثاغورية لصالح آرائه الخاصة ( .)37لكن آراءه
ومنوقيا؛ إن بارمنيدس -كما
ً مظهر انوولويياً
ًا الخاصة هذه بقيت في بنيتها العميقة ديني ًة ،وإن اكتسى سوحها
يقول بيير دوكاسيه -وا ٍع تمام الوعي بهذا التصدع وهذا االنسالخ الذين يولبهما من اإلنسان ،ولكنه إذا أيبر
الفرد على اإلقالع عن المعقول العام فليس ليلقي به في أحضان صوفية غامضة ،ولكن ليبني الخووات اوأولى
للتحرر العقلي()38؛ وهو ذلك المذهب الجديد الذي نسميه ب"االنطولوجيا الثيولوجية" وبه قد تجاوز بارمنيدس
معا.
المادية اوأيونية والصوفية الفيثاغورية ً
(33
Richard Geldard, Parmenides and The way of Truth, translated and commentary, 2007, p
12.
(34
Richard Geldard, Parmenides and The way of Truth, p 15.
) (35
J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.170.
) (36
Theodor Gomperz, The Greek Thinkers, trans By Laurie Magnus, John Murray,Albemarle
Street,W, London, 1964, vol 1, p 167.
( )37فردريططك كوبلسططتون :تططاريا الفلسططفة ،المجلططد األول (اليونططان ورومططا) ،ترجمططة إمططاع عبططد الفتططاح إمططاع ،المشططروا القططومي
للترجمة ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة2002 ،ع ،ص .88
( )38بيير دوكاسيه :الفلسفات الكبر ،ط ، 2ترجمة ،جورج يونس ،منشورات عويدات ،بيروت1977 ،ع ،ص .30
) (39
David j. Furley: Parmenides, in the Encyclopedia of Philosophy, editor in chief Paul
Edwards,Vol six, Macmillan Publishing Co, New York & London, 1967, p.47.
( )40ميشلين سوفاج :برمنيذس ،ص .5
أحمد فؤاد األهواني :فجر الفلسفة اليونانية ،من ص 129إلى ص .135 ()41
7
بداية نقر بأنه ليس من السهل إعاد .صياغة فلسفة بارمنيدس من تلك الشذرات المتبقية من قصيدته التعليمية في
الوبيعة ،والتي هى انوولوييا تجريدية ذات صور خصبة( .)43وقد ياءت بعض أبياتها غامضة المعني
وتُعد النص الفلسفي المتسق الوحيد الذي وصلنا من ()45
للغاية( .)44والقصيد .عبار .عن مقدمة ويزءان تابعان
بداية الفكر الغربي :هذا النص الذي -حسب تعبير هانز جورج جادامير -أريقت من أيل تأويله أنهار من
الحبر( !)46ولم تك رحلة بارمنيدس في أي مكان على اوأرض بل في السماوات( ،)47ولعل هذه أول قصيد.
تتحدث عن رحلة إلى عالم الميتافيزيقا ،أو السماوات ،على نحو ما فعل بعد ذلك شعراء آخرون فالسفة من أمثال
أبي العالء المعري ،ودانتي الليجيري ،وربما كان هناك من هو أسبق من بارمنيدس(.)48
أما القسم الثاني من القصيدة -الذي ُيولق عليه "طريق الحقيقة" -فسوف يتناوله التحليل الهرمنيوطيقي على
أساس أنه طريق الحق الذي يدعو إليه بارمنيدس ،ويبرهن على ويوده بالمنوق العقلي :العالم اإللهي ،طريق
اآللهة المقدسين (كما سوف يحاول أن يثبته بحثنا الحالي) .هكذا يجتمع الوجود والالهوت بالمنطق في القسم
الثاني من القصيد .في صيغة تنم عن عبقرية مؤكد .عند بارمنيدس .وهذه الصيغة هي ما أسميتها
ب"االنوولوييا الثيولويية عند بارمنيدس"؛ حيث يمع بارمنيدس بين بهاء الوحي اإللهي مع تسلسل الحجة
المنوقي ،وكان الفيلسوف اوأول فيما نعلم الذي أدلى بنظريته في الوبيعة في صوره من صور االستنباط(.)49
وفيما يخص القسم الثالث الذي اُصولح على تسميته "طريق الظن" ،فينظر إليه الباحث على أنه ليس فقط
طريق الحواس ،بل هو طريق عالمنا المادي ،المتغير ،الذي هو طريق البشر الفانين.
ولعلنا نولى كل قسم من هذه اوأقسام الثالثة اوأهمية التي يستحقها من التأويل الديني والفلسفي ،وذلك من خالل
العناصر اآلتية:
()42
وهناك ترجمات ألر للقصيدة بالعربية:
-1مقتطفات بارمنيدس :ضمن كتاب :فردريك نيتشطه :الفلسطفة فطي العصطر المأسطاوي األغريقطي ،تعريطب سطهيل القط ،
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ،بيروت1981 ،ع ،ص ص.118-113
-2مقتطفات بارمنيدس ،ضمن كتاب هانز جطورج غطادامير :بدايطة الفلسطفة ،ترجمطة علطى حطاكم صطالح و حسطن نطا،م،
دار الكتاب الجديد المتحدة ،بيروت2002 ،ع ،ص ص .198-191
-3ميشلين سوفاج :برمنيذس ،ص ص .61-53
) (43
Wilhelm Windelband: History of Ancient Philosophy, p 37.
)(44
.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 265.
) (45
Julian Marias, history of philosophy, p 20.
هانز جورج غادايمر :بداية الفلسفة ،ص .158 ()46
) (47
David j. Furley: Parmenides, in the Encyclopedia of Philosophy, p.47.
شطططوقي جطططالل :مقدمطططة ترجمتطططه لكتطططاب جطططورج جطططي.اع .جطططيمس :التطططرال المسطططروق ،الفلسطططفة اليونانيطططة فلسطططفة مصطططرية ()48
8
ب -طريق الوجود :العالم اإللهي
يتجاهله كثير من الباحثين) .ولقد أهملت النزعة التاريخية ( )Historicismالقيمة الشعرية لنص بارمنيدس إهماالً
تاما( ،)50مع أنها تحتوي على عدد من التفاصيل والنقاط الهامة( ،)51إن بارمنيدس قد آثر أن
يكاد أن يكون ً
يعرض فلسفته من خالل إحساسه الديني ويعبر عنها في أسلوب رمزي هو أنسب اوأساليب التجاهه الميتافيزيقي
المتأثر باوأسرار الدينية( .)52ونحن نرغب في التشديد ،أوالا ،على حقيقة أن الشعر الملحمي كان ينطوي في
العادة على تفسير أسطوري ،وطباقا لهذا التفسير ُتَرُّد ،اهرة الفكر عند اإلنسان إلى قوة مقدسة( .)53لذلك نحن
نعد المقدمة مفتاح شيفرة فلسفة بارمنيدس برمتها.
()50
هانز جورج غادايمر :بداية الفلسفة ،ص .143
)(51
.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 268.
أميرة حلمي مطر :الفلسفة عند اليونان ،الجزء األول ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاهرة1986 ،ع ،ص .83 ()52
()53
هانز جورج غادايمر :بداية الفلسفة ،ص .158
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،1الترجمة العربية ،أحمد فؤاء األهواني ،ص .129 ()54
9
في هذا المفتتح تظهر أهمية وخوور .الوحي الديني( .)55ومع ذلك يرى بيرنت أنه مجرد وصف استعاري مجازي،
وما يراه بيرنت (ريل ()56
يشبه رؤيا تنبؤية ،أو سفر من أسفار الرؤيا األورفية ()Orphic apocalypse
العصر الحديث) مجرد وصف استعاري مجازي ،يقرأه الباحث( كأنه مواطن يعيش في القرن السادس قبل
الميالد) ،باعتباره حقيق ًة دينية يتعلمها مستمعو بارمنيدس ،ويتلوها عليهم -كجمهور من المستمعين للشعر
المقدس -شاعر فيلسوف:
-3جمهور المتلقين
يقول بارمنيدس" :وأوقفتني (اآللهة) عند ذلك الطريق المشهور (طريق اآللهة) الذي يهدي الحكيم العارف
شيئا الفتًا للنظر أنه
بسائر المدن" .إن بارمنيدس لم يقل كلمة واحد .عن الويود( )Beingفي أي مكان ،وكان ً
يتجنب مصولح اإلله ( )godالذي كان المفكرون من قبله ومن بعده يستخدمونه بحرية .إن بارمنيدس يتحدث
عن الكون باعتباره مالء ،وأن الفراغ غير مويود ،وأنه ال سبيل إلى تصور الحركة فيه ،فالحركة مجرد وهم(.)57
هذا ما يقوله جون بيرنت ،ولكننا نجد -في المقدمة -إله َة الحق تحادث بارمنيدس وتؤكد له أن هناك طريقين
للمعرفة :طريق تفضي إلى معرفة الحق ،وأخرى إلى معرفة آراء البشر .ومنهج بارمنيدس هنا هو المنهج الذي
ٍ
مؤلف لنص .وهذا ما يميز عصر بارمنيدس؛ العصر يستخدع للعامة الذين ال يقرءون ،إنما يتبعون تالو.
الحضاري الذي يسبق انتشار الكتابة(.)58
أي أن بارمنيدس اصونع اوأدا .اوأكثر شعبية لتعليم الجمهور في ذلك الوقت أال وهو الشعر .وهنا نورح
الملحوظة اآلتية :هل يبدأ شاعر -في القرن السادس قبل الميالد -بصياغة أبيات فلسفية انطولوجية عميقة
التجريد المنطقي( ،غطس صاحبها في حماع بارد من التجريدات المخيفة ،كما يقول نيتشة!)( ،)59لجمهور
أغلبه من عامة الشعب ،غير المتعلم؟ أم أن بارمنيدس الشاعر يحدث يمهوره عن ما يألف ويعتاد (الطريق
المشهور) ،أال وهو الحديث المحبب إلى كل نفس :الحديث عن اآللهة (طريق اآللهة) ،وعالمها السامي الذي
يتولع إليه بنو البشر (الذي يهدي الحكيم العارف بسائر المدن) أمالً في اللحاق بالمنعمين والسعداء والخالدين؟
خاصة إذا عرفنا أن بارمنيدس -كما يصفه بنيامين فارنتن -هو ثاني فالسفة اإلغريق المتدينين( .)60إن
أشعار مقدسة من كتاب من كتب الوحي التي كانت منتشرٍ .
آنئذ: ًا بارمنيدس ينولق كشاعر يتلو على مستمعين
)(55
.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 268.
) (56
J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.171.
(57 )
J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.178-179.
هانز جورج غادايمر :بداية الفلسفة ،ص.175 ، ()58
فردريططك نيتشططه :الفلسططفة فططي العصططر المأسططاوي اإلغريقططي ،تعريططب سططهيل القط ،المؤسسططة الجامعيططة للدراسططات والنشططر، ()59
10
"وأسرعت بي األفراس الحكيمة تجر عربتي في ذلك الطريق والعذار ( والعرائس) ترشد إليه ،وتطاير الشرر من
صرير كأنه الزمر (ألن عجلتين دائرتين على كال الجانبين كانتا تدفعانها)
اا الرحى في تجويم العجلة ،وصرت
ثم ضاعفت العذار بنات الشمس ( )Heliosمن سرعتي ،وكشفن بأيديهن النقاب عن رءوسهن (وجوههن)،
ليحملنني إلى النور ،وقد لرجن من مسكن (قصر) الليل ،إلى حيث كانت بوابات طريقي الليل والنهار".
يمتاز استهالل القصيد .كذلك بجميع الزخارف التي ينووي عليها كتاب استلهاع "أورفي" .ينقل الشاعر الفيلسوف
إلى "بوابات الشمس" ،تحرسه العدالة ،ومن داخلها يتلقى وحي الحقيقة من إحدى اإللهات .لقد تم تأويل الوريق
بالتعقل ،والخيول بقو .التعقل ،وبنات الشمس بالتنوير ،أو الحدس الذي بدونه ال يمكن لقو .التعقل أن تؤدي
دورها ،وكشف بنات الشمس عن ويوههن ،استعار .نزع الحجاب ،داللة على الحقيقة ،والتي كان من المفهوم في
)( .)61غير أن تأثير التراث اإليوالي اوأورفي بالد اليونان التعبير عنها بالسفور واكتشاف الحقيقة(
الفيثاغوري على بارمنيدس -هكذا يرى أرمسترونج -ال يمضي أبعد من ذلك بكثير؛ فال أثر لديه من الديانة
الفيثاغورية ،والعناية بالنفس ،بل إن تصوره الكلي عن طبيعة الواقع يختلف اختالًفا عميًقا(.)62
نتفق مع آرمسترونج في يزئية أن بارمنيدس يختلف تصوره الكلي عن طبيعة الواقع اختالًفا عميًقا عن تصورات
المدرسة اوأورفية الفيثاغورية ،ولكننا نراه مجرد اختالف في الوريقة فقط ،فعبقرية بارمنيدس تعيد تشكيل العقائد
الدينية المألوفة عند األورفيين والفيثاغوريين على نحو جديد كل الجدة :على نحو انطولجي منطقي( .كما
سوف نرى ُ
بعد) .واآلن نتساءل عن أي إلهة يتلقى بارمنيدس الوحي المقدس؟
-5إلهة واحدة
"وفي هذا الطريق المستقيم اتجهت العذار يقدن العرب َة واألفراس ،حيث استقبلتني اإلله ُة بترحاب ،وألذت
يدي اليمنى بين راحتيها" .لقد شرع بارمنيدس في سرد آراء تذكر بقصص هسيودوس ،فهذا االستهالل كتب
على منوال قصيد .هسيودوس "الثيوجونيا"()63؛ ففي مولع هذه القصيد .تظهر ربات الفنون لهسيودوس حيث
يكون على سفح يبل الهيليكون يرعى خرافه ،وهناك تبلغه ربات الفنون مهمته كشاعر لألشياء التي كانت
وستكون ،ولعائلة اآللهة واوأبوال العظيمة( .)64وفي قصيد .بارمنيدس نجد نفس الشيء حيث تخبر اإللهة
بارمنيدس بالرسالة المولوب منه تأديتها ،بل وتبلغه كذلك (كما سوف نرى في الجزء الثالث من القصيد ).أقوال
أناكسمندروس وأناكسيمينيس ،الكسمولويية .ويرى يوسف كرع أن بارمنيدس لعله كان يجمع بين خيال هسيودوس
يديدا كل الجد .بين الالهوت والمنطق ،بين الثيولوييا
ً مركبا
ً وعلم اوأيونيين( .)65ونقول :لعله كان يجمع
) (61
Julian Marias, history of philosophy, , p 21.
()62
أ.ه .آرمسترونج :مدلل إلى الفلسفة القديمة ،ترجمة سعيد الغانمي ،دار كلمة ،أبو ،بي ،المركطز الثقطافي العربطي ،الطدار
البيماء2009 ،ع ص .32
) (63
Hesiod: Theogony, in The Poems and Fragments done into English Prose with Introduction
and Appendices by A.W. Mair M.A., Oxford, Clarendon Press, 1908, 22-28.
( )64هانز جورج غادايمر :بداية الفلسفة ،ص .144
()65
يوسف كرع :تاريا الفلسفة اليونانية ،ص .30
11
مؤسسا النوولوييا يديد .تميز بدقة بين عالمين :عالم الحقيقة وعالم الظن .وإذا كان هسيودوس
ً واللويوس،
يستوحي ربات كثيرات ،فإن بارمنيدس يستوحي رب َة واحدة ،لم يفصح عن اسمها ،ويصرح بأن كل ما تعلمه إنما
ياء على لسانها ،ونجد في ذلك اتجاه ا للوحدة عند بارمنيدس حتى في عدد اآللهة :اإلله واحد والحقيقة
واحدة .وذلك يذكرنا باكسينوفانيس وإلهه الواحد ،والحقيقة التي يتولع إليها .إن بارمنيدس أعاد صياغة
هسيودوس واكسينوفانيس في مصطلحات انطولوجية منطقية كما سنبين ذلك .لكن نتساءل اآلن :من هي هذه
اإللهة الواحد.؟
التي تتحدث إلى الفيلسوف ،وهى النيموزين ( ،)Mnemosyneإلهة الذاكر .التي تبرز فقط كصور .شعرية
(.)67
أما هاملين فيقرر أن اإللهة هي ديكي ( :)Dikeالعدالة أو الحق ( Justice لإللهة التي توحي بالحقيقة
.)68()or Right
فيما يتعلق بنصوص بارمنيدس والسياق الهوميري الهسيودي الذي يسير عليه ،وبدون إعمال تأويالت مفتعلة يرى
الباحث :إن إلهة بارمنيدس -بالنسبة إلي بارمنيدس العائش في القرن السادس قبل الميالد -هي إلهة حقيقية.
(وهل كان اليونانيون في القرن السادس قبل الميالد يؤمنون بآلهة عبار .عن صور شعرية أو مجازية ،كما نؤمن
تماما؟!) ،هي إ ًذا إلهة يؤمن بها بارمنيدس -كما يؤمن بها يمهور
نحن اآلن بأن ألهة اليونايين آلهة زائفة ً
إيمانا عميًقا ويبجلها تبجيالً نلمحه في كل سور من قصيدته من مفتتحها إلى ختامها ،أي
ً مستمعي أشعاره-
حتى القسم الثالث الذي يقال عنه عاد :.طريق الظن ،فما الذي أبقى اإللهة البارمينيدية داخل القصيد .بأيزائها
الثالثة ،ولماذا بقيت لتخبر بارمنيدس بوريق الظن إن كانت هي إلهة الحقيقة؟ سؤال سنحاول اإليابة عنه في
موضعه ،ولكن اآلن علينا أن نحاول معرفة طبيعة الوحي اإللهي الذي يتلقاه بارمنيدس:
)(66
Martin Heidegger, Parmenides, p 5.
()67
هانز جورج غادايمر :بداية الفلسفة ،ص .147
) (68
D.W.Hamlyn: The Penguin History of Western Philosophy, p 22.
12
يالحظ الباحث -مع كاثلين فريمان -أن اإللهة تخاطب بارمنيدس بقولها مرحي أيها الشاب! وهذا يعني أن
()69
"سر الوجود"-
الوحي ياء بارمنيدس في فتر .مبكر .من حياته .وقد كشف بارمنيدس الشاب عبر هذا الوحي َ
حسب تعبير فيرنر ييجر الذي عنون به الفصل السادس الذي كتبه عن بارمنيدس ،ياعالً بارمنيدس بذلك
()70
. مؤسس ميتافيزيقا الوجود
َ
لنتحدث اآلن عما ادعت اإللهة أنها ترغب في تعليمه .تستقبل اإللهة الشاعر بعوف ،فتمد له يدها معبر .عن
تحياتها ورقتها ،ويشعرنا هذا باوألفة مع الثقافة اإلغريقية في القرن السادس" :إن التعليم اإللهي سوف يشمل كل
شيء" ،ليس فقط الحقيقة الكاملة وقلبها الراسخ ،بل سوف تشمل بوريقة مماثلة "آراء الفانين"( .)71وينبغي أن
أيضا من الزيف .إن ثنائية
نالحظ أن اإللهة تقول إن لديها الكثير من الحقائق لتعلمها ،ولكن لديها الكثير ً
الحقيقة والزيف هذه ذات أهمية قصوى ،وتصبح -كما سيتضح لنا الحًقا -حاسمة في تأويلنا قصيد.
بارمنيدس( .)72فما الحقيقة وما الزيف حسب التعليم اإللهي الذي يتلقاه بارمنيدس؟
إن العدالة هى الحارسة لباب الحقيقة وفق القصيد ،.والضرور .هى اوأساس في كل الويود .والقصيد .كلها تقوم
على أفكار ألالقية صرفة .وهذه اوأفكار هى التي تكون مذهب بارمنيدس الوبيعي كله( .)73فما طبيعة هذا
األفكار األلالقية الصرفة؟
تشكل حوارية بارمنيدس مع ذاته ومع اآللهة محاولة متجدد .لوضع عالقة الفكر البشري بالويود في سياق
التوجيه اإللهي للمعرفة؛ بما هو نقوة انوالق العقل وهو يسبر أغوار الويود .ويذكر في هذه الرواية الشعرية
أنه قابل اآللهة وصارحها ببحثه عن الحق ،فأرشدته هذه اآللهة إلى العقل( .)74نعم لكن الشاب الذي تنقله العربة
على طريق اإللوهية يمثل بوضوح النفس في سبيلها إلى المعرفة( .)75وقد تعلم منها الحقيقة الخاصة بالويود في
مقابل المظاهر التي يزعم البشر معرفتها ،فاألصل في معرفة الحقيقة إلهي ،أكثر مما يستطيع البشر
تحصيله(.)76
إن ظاهر نصوص بارمنيدس يتجه إلى أن المعرفة الحسية والمعرفة العقلية كالهما مسبوقان بمعرفة أعلى وأسمى
هي المعرفة اإللهية تلك المعرفة المستمد .مباشر .من اإللهة ،التي قابلها بارمنيدس في مولع قصيدته .فليس
عقليا؛ وأن فوق العقل
الويود مادياً؛ وأن الحواس ليست طريق الوصول إلى الحق عند بارمنيدس .وليس الويود ً
) (69
K. Freeman: The Pre-Socratic philosophers, p,146.
) (70
W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers p.90.
()71
هانز جورج غادايمر :بداية الفلسفة ،ص .148
()72
هانز جورج غادايمر :بداية الفلسفة ،ص .144
عبد الرحمن بدوي :ربيع الفكر اليوناني ،ص .93 ()73
()74
محمد الخطيب :الفكر اإلغريقي ،دار عالء الدين ،دمشق1999 ،ع ،ص .111
()75
ميشلين سوفاج :برمنيذس ،ص .62
()76
أحمد فؤاد األهواني :فجر الفلسفة اليونانية ،ص .135
13
معرفة أسمى :هى المعرفة اإللهية .ولكن ذلك ال يمنعنا من وصف فلسفة بارمنيدس بأنها عقلية وأن اإللهة
أرشدته إلى طريق الوصول إلى الحقيقة وهو طريق العقل.
ونحن ال نعد مقابلة بارمنيدس بعالم اإللوهية مقابلة رمزية فحسب؛ فرغم أسووريتها نراها مقابلة باإللهاع (إن ياز
التعبير!) مع من يعتقد بارمنيدس عبادته أعنى إلهته التي تخبره بأن الحقيقة هي الويود ،ولذلك يمكننا اعتبار أن
الوجود ليس إال مظهر تجل لأللومية في الكون؛ إذا نظرنا إلى اإللهة باعتبارها مبتدأ الويود ومنتهاه ،وما على
العقل البشري إال إدراك الحقيقة :العود .إلى الويود اإللهي في ختام هذه الرحلة العقلية الالهوتية ً
معا(داللة
الوريق) .فما معنى الحقيقة التي يكون بارمنيدس هو نبيها المبشر بها؟
()77
هططططانس غيططططورر غططططادامير :فلسططططفة التأويططططل ،األصططططول ،المبططططادأل ،األهططططداف ،ترجمططططة محمططططد شططططوقي الططططزين ،منشططططورات
االلتالف،الجزائر 2006ع ،ص .22
()78
ميشلين سوفاج :برمنيذس ،ص .15 ،7
فردريك نيتشه :الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي ،ص .66 ()79
)(80
Martin Heidegger, Parmenides, p 5.
14
ناطقا ،بل احكم بالجدل ( )Logosعلى ما أنطق من براهين،
الطريق عيانا مبصرة ،أو أذانا واعية ،أو لساانا ا
فال يوجد أمامك سو طريق واحد مذكور"(.)81
على لسان اإللهة التي عرضت طريق الحقيقة (وهذا له داللة كبير ،).تحدث بارمنيدس في القصيد .أكثر من مر.
)Hodos-؛ فهناك الوريق المألوف عند غيره من الحكماء الذين يووفون المدن ويتلقون عن الطريق (
إلهيا هو ذلك
طريقا آلر ا
ا العلم من اوأفواه ومن التجارب ( مثل علماء وفالسفة المدرسة اوأيونية) ،ولكنه يسلك
الذي سارت فيه العربة ترشدها العذارى بنات الشمس حتى بلغ الحد الفاصل بين الليل والنهار .أما طريق الليل
والظالم فهو طريق البشر ،وأما طريق النور الذي فتحت له أبوابه -وهنا نالحظ أنه لم يهتد إلى الوريق بعقله هو
بل بعناية اإللهة -فهو طريق مستقيم يؤدي إلى الحق الثابت المستدير (ولنتذكر إله اكسينوفانيس الكروي وبيضة
الكون اوأورفية!) ،على العكس من طريق البشر الذي يقف عند الظن .وليس أمام طالب الحقيقة إال طريق واحد،
هو طريق العقل الذي يبحث في الويود الثابت ،أما طريق الظن فيضل فيه البشر(.)82
ومن الواضح أن بارمنيدس يشبه طريق العربة بالوريق المادي الذي يمشي فيه الناس على أقدامهم .وقد توورت
المناهج العقلي ُة من الورق؛ وآية ذلك الصلة بين اللفظتين في اليونانية (،Hodos
ُ الفكر .واشتُقت
معا ،بل والصوفي
.)Methhodosأما في اللغة العربية فاستعمال الوريق يدل على المعنيين الحسي والعقلي ً
أيضا( .)83واآلن نتساءل ما بوابات النهار والليل في ذلك الوريق الصوفي الذي يقوعه بارمنيدس ويريد من
ِ
التصوف والديانات السرية أصحاب مستمعي أشعاره أن يعرفوه ،ليس مباشرة بل في صورة رمزية ،ال يلتقطها إال
ُ
المألوفة كاوأليوسية والديونسيوسية واوأورفية؟
- 10بوابات النهار والليل :الحد الفاصل بين العالم اإللهي والعالم الطبيعي
توحي اإللهة لبارمنيدس" :من الضروري أن تعرف كل شيء عن :أوالا :الحق الثابت المستدير :طريق الوجود
ثانيا، :نون البشر الفانين :طريق الالوجود،
(وعلى بارمنيدس أن يقيم عليه اوأدلة العقلية فهو الحقيقة ذاتها) .ا
(وعلى بارمنيدس أن يبرهن على زيفه ،وتناقضه مع الويود).
وصفا كامالً لفلسفة بارمنيدس بأسره ،لقد رفض طريق الظن وآثر طريق الحقيقة،
ً في هذه السوور السابقة نجد
معا.
وطريق الحقيقة هو طريق واحد فقط تدعوه إليه اآللهة ذاتها؛ فهو طريق إلهي وعقلي ً
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،1الترجمة العربية أحمد فؤاء األهواني ،ص .130 -129 ()81
()82
أحمد فؤاد األهواني :فجر الفلسفة اليونانية ،ص .137
()83
أحمد فؤاد األهواني :فجر الفلسفة اليونانية ،ص .137
15
على ما أنطق من براهين" :هذا يوهر قصيد .بارمنيدس في الوبيعة ،ومفتاح القصيد .كلها .المتمثل في تلك
الرسالة اإللهية :معرفة الحق الثابت ومعرفة ،نون البشر الفانين.
وسيكون دور البرهان المنوقي بيان كل ذلك؛ فرغم أنه أراد أن يحيط حديثة بهالة من القداسة والغموض
واوأسرار(شأنه في ذلك شأن يميع أصحاب الديانات السرية) ،تلك القداسة التي يرمز إليها هذا "الوحي اإللهي"،
لكنها قداسة تتأسس على العقل والمنطق .فمنذئذ سيكون البرهان المنوقي هو منهج الوصول إلى الحق ،وهو
)Logosعلى منهج الفلسفة العقلية التي ستجد كمالها على يد المنوق اوأرسوي" .بل احكم بالجدل (
ما أنطق من براهين ،فال يوجد أمامك سو طريق واحد مذكور"( .)84فالتجديد الكبير الذي ياء به بارمنيدس
هو منهجه في المحاية العقلية ،وقد استخدمه بارمنيدس بصرامة بالغة(.)85
لقد بدأنا بمقدمة القصيد .لنأخذ منها هذه الفكر .اوأولية( ،ولنصحبها معنا في تفسيرنا لدراسة بارمنيدس) من خالل
السياق الديني والتراث الشعري الهوميري الهسيودي ،وعبر نصوص بارمنيدس نفسه؛ ال من خالل شروحات
الشراح فحسب .وعلينا تقديم المزيد من التأكيد على هذه التأويالت المستند .إلى نص بارمنيدس نفسه والمستند.
في الوقت ذاته إلى السياق الديني والفلسفي اليوناني في القرن السادس قبل الميالد.
()84
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،1الترجمة العربية ،أحمد فؤاء األهواني ،ص .130 -129
) (85
J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.180.
(86 )
Edward Hussey, The Presocratics, p 80-81.
()87
أميرة حلمي مطر :الفلسفة عند اليونان ،ص .84
حسين حرب :الفكر اليوناني قبل أفالطون ،دار الفكر اللبناني ،بيروت ،1990 ،ص .65 ()88
16
لقد وصف بارمنيدس الويود بأوصاف كثير .اختلف حولها المؤرخون -أشد االختالف -فذهب بيرنت إلى القول
بمادية بارمنيدس حتى أنه يعده "أب المادية"؛ فكل المذاهب المادية تستند إلى أفكاره عن الواقع(.)89()Reality
وهذا الوصف المادي للويود البارمنيدي يعتبر-عند جثري -قوالً مضلالً للغاية( .)90وعلى ذلك فإن باحثين آخرين
ُعد بارمنيدس عندهم اأبا للمثالية ،و ماكان أفالطون -كما يقول ثيودور جومبرتز بحق -وهو عدو الماديين
) (89
J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.182.
و.ك.س.جثري :الفالسفة اإلغريق من طاليس إلطى أرسططو،ترجمطة وتقطديم ،رأفطت حلطيم سطيم ،مراجعطة ،إمطاع عبطد الفتطاح ()90
.44
()93
أحمد فؤاد األهواني :فجر الفلسفة اليونانية ،ص .138
()94
برتراند رسل :تاريا الفلسفة الغربية ،الفلسفة القديمة ،ص .92
()95
أ.ه .آرمسترونج :مدلل إلى الفلسفة القديمة ،ص .33
()96
أحمد فؤاد األهواني :فجر الفلسفة اليونانية ،ص .143
أولف جيجن :المشكالت الكبر في الفلسفة اليونانية ،ترجمة ،عزت قرني ،مكتبطة سطعيد رأفطت ،القطاهرة ،بطدون تطاريا ،ص ()97
.287-286
()98
هانز جورج غادايمر :بداية الفلسفة ،ص .182
17
وقد رأينا – كما استخلصنا من مقدمة القصيد .عبر سياقها التراثي الشفهي الديني واوأسووري -أن الوجود هو
العالم اإللهي ،طريق الحق الذي بدأه اكسينوفانيس ،وأن الالوجود هو عالمنا المادي ،وهو طريق الظن الذي
سار عليه الفكر اوأيوني .وعلينا اآلن أن نواصل تأويل الجزء الثاني من القصيد ،.ولكن عبر سياقها الفلسفي،
السابق والالحق لبارمنيدس ،لنرى إن كنا نستويع تأكيد هذا التأويل:
كما يخبرنا ديوجينيس الالئرسي أن بارمنيدس كان تلميذاً وأكسينوفانيس ،بينما يجعله ثيوفراستوس
( )Theophrastusتلميذاً وأناكسيماندروس .وعلى أية حال ،على الرغم من تأثر بارمنيدس باكسينوفانيس إال
تابعا له( .)99ويقول أرسطو إن بارمنيدس ربما كان تلمي ًذا وأكسينوفانيس أول مدرسة الواحديين
أنه لم يكن ً
.)100(Monistsوقد ذهب باحثون محدثون إلى فصل اكسينوفانيس عن المدرسة اإليلية فلم يعتبروه مؤسسها ،بل
أروا أن بارمنيدس لم يتبع أكسينوفانيس الذي ساوى بين المعرفة المولقة بالعالم واإلله؛ فبارمنيدس -حسب ما
يقول بوجلوموف -ال يدا مجاالا ألي إله في تصورا عن الوجود وأن اإللهة التي ذكرها في مطلع القصيدة ال
تعدو أن تكون شخصية أدبية( .)101ولكننا نريح أن يكون بارمنيدس قد تأثر بإكسنوفانيس ،بحيث أن فلسفته
ربما تعذر فهما على النحو الصحيح بدون استحضار أثر اكسينوفانيس عليه؛ وأن بين الواحد االكسينوفاني
والواحد البارمنيدي صفات تكاد أن تكون متوابقة .كذلك بين أبيرون أناكسيماندروس والويود البارمنيدي صفات
مشتركة .ويعتقد نيتشه أن بارمنيدس عرف وعاشر أناكسيماندروس .ويقول بيرنت أننا لن ندهش إذا ويدنا آثار
أناكسيماندروس علي بارمنيدس( .)102ولن نكتفي -في بحثنا هذا -بمجرد المقارنة بين بارمنيدس وبين
أناكسيماندروس واكسينوفانيس بل نعتمد -كما فعل فيرنر ييجر -على كلمات بارمنيدس ذاتها(:)103
) (99
Diogenes Laertius, Lives of Eminent Philosophers, Vol. 11, V111,63-65, p 379.
()100
أرسطو :مابعد الطبيعة ،الكتاب األول ،مقالة األلفا الكبر ،ف 986 ،5ب ،22ص .270
(101 )
A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, p 86.
(102 )
J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.185.
(103 )
W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers, p.92.
()104
مجدي كيالني :الفلسفة اليونانية من منظور معاصر ،المكتب الجامعي الحديث ،اإلسكندرية2009 ،ع ص.19
18
المويود اإللهي؛ مادام أنه خالد وغير قابل للفساد ،كما كان يقوله أناكسيماندروس"(.)105الذي قال بفكر" .المعاد
أيضا ،ورأى أن العالم مآله العودة إلي األبيرون (الذي هو المويود اإللهي على حد تعبير أرسوو)،
الكوني" ً
الذي نشأ عنه ،فالمعاد هو انضمام العالم إلي اوأبيرون بعد انفصاله عنه .وهذا االنفصال هو الذنب ،أو الخطيئة
ِ
صفات األبيرون للوجود .وكما األولى ،التي يجب من أيلها أن يكفر العالم عنها( .)106لقد أعطى بارمنيدس
كان أبيرون أناكسيماندروس يعبر عن المويود اإللهي ،كذلك نرى أن للويود البارمنيدي صفات العالم اإللهي.
وسوف يدين بارمنيدس العالم المادي كما أدانه أناكسيماندروس( ،والذي فسر اإلقامة في هذا العالم -على حد
ظلم الصيرور .عن ذنبه)( .)107ولقد وصف
تعبير نيتشه -كاإلقامة وسط الجريمة ،وكالمكان الذي يكفر فيه ُ
بارمنيدس العالم المادي بعالم الظالم ،الذي يقابل عالم النور اإللهي ،كما سوف نرى.
الواحدية".إنه إله واحد ،اوأعظم بين اآللهة والبشر ،ال مثيل له بين البشر ،ال في صورته وال في تفكيره"(.)108
القدع والكمال" :إن جوهر اإلله كروي ،و أنه ال يشبه اإلنسان .وهو بصر كله وسمع كله ،ولكنه ال يتنفس؛ فهو
كلى العقل والفكر وأبدى( .)109أما وصف اكسينوفانيس إللهه بأنه كروي -كما وصف بارمنيدس الوجود ب نه
كروي -فال يتضمن أي تشبيه ،إذ ال يقصد من ذلك أكثر من كون إلهه كامالً ،إذ كانت الدائر .عند فالسفة
اليونان هي أكمل اوأشكال وأتمها .وال يجب أن نفهم من تشبيه اكسينوفانيس اإلله بالدائر .أنه يعني الشكل بل
يعني صفة الكمال .فإله اكسينوفانيس إذن :أبدي وكامل.
الثبات :يرى ا كسينوفانيس أن اإلله من صفاته الثبات وعدم الحركة وأنه يبقى في الموضع ذاته على الدوام ،ال
مغير من مكانه .ولكن بدون عناء ،يحرك
يتحرك على اإلطالق":فليس من الالئق باإلله أن يتحرك هنا وهناك ًا
كل اوأشياء بقو .عقله"(" .)110وهو يبقى في الموضع ذاته على الدوام ،ال يتحرك على اإلطالق ،فليس من الالئق
()105
أرسطو :علم الطبيعة ،ك ،3ب ،4،ترجمه إلى الفرنسية :بارتلمي سانتهلير ،نقلطه إلطي العربيطة :أحمطد لطفطي السطيد ،مطبعطة دار
أيما:
الكتب المصرية ،القاهرة1935 ،ع ،،ص .163وانظر ا
Aristotle: Physics, The works of Aristotle, vol.1, B, 3, ch 4, 203b, 5-14, p.281.
()106
أحمد فؤاد األهواني :فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ،ص.64
( )107فردريك نيتشه :الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي ،ص .67
) (108
& Parmenides: On Nature, Fr, 23, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, 4 th ed, Adam
Charles-Black, London, 1975, p119.
(109 )
Diogenes Laretius: Lives of Eminent Philosophers, IX, 21, p.422.
(110 ) Parmenides: On Nature, Fr, 25, in J. Burnet, Early Greek Philosophy , P,119.
19
باإلله أن ينتقل إلى مواضع مختلفة في أوقات مختلفة"( .)111إن هذا االرتباط بين القدر .الكلية لإلله وبين ثباته
عند اكسينوفانيس أمر من اوأهمية بمكان فهو ما نقابله في السنوات التالية عليه ،عند بارمنيدس الذي يصف
الويود بالثبات ،وسرعان ما نفكر -كما الحظ فيرنر ييجر -في أن فكر .المحرك الذي ال يتحرك عند
أرسطوطاليس تستمد أصلها من هنا؛ من اكسينوفانيس( .)112فالثبات هي ذاتها الصفة التي أعواها بارمنيدس
للويود.
استحالة تصور ُكنه اإلله :أثار اكسينوفانيس مسألة كانت لها أهميتها الكبير .في تاريخ الفلسفة اليونانية ،نعني
سبيل المعرفة .ما الوريق إلي معرفة هذا اإلله؟ ما حقيقة اإلله؟ مع العلم أن الصفات التي يصف بها هذا الواحد
مولقة ال حد لها .يجيب اكسينوفانيس في الشذر .رقم (":)34لم يوجد ولن يوجد ذلك اإلنسان الذي لديه معرفة
يقينية عن اآللهة أو عن أي شيء من اوأشياء التي أذكرها هنا .وحتى لو أسعفه الحظ وويد الفرصة لقول
الظن الجميع سو ليس لد الحقيقة الكاملة ،يظل مع ذلك ال يعرف أنه توصل إليها فعال ،ولكن
()114
فجر ا كسينوفانيس إذن مشكلة التقابل بين المعرفة وبين الظن ،ومنذ عصره أصبح البحث عن هذه
والوهم" َّ .
الحقيقة الكامنة الشغل الشاغل للفلسفة والعلم( .)115وهى نفسها المشكلة التي أثارها بارمنيدس بين طريقين
متناقمين :طريق الظن وطريق الحقيقة .هل يبدو أنه من قبيل المصادفة -كما يقول نيتشه -أن يكون في
مذهبا في الوحد.؟ إنهما لم
ً وينبا إلى ينب ،ريالن تصور كل منهما
ً نفس المكان ،في إيليا ،قد عاش لفتر،.
يشكال مدرسة ولم يكن بينهما شيء مشترك سوى أن أحدهما استواع أن يتعلم مذهب اآلخر ،وكان عليه أن يبدأ
بنقل هذا المذهب إلى لغته الخاصة( .)116وهذا ما فعله بارمنيدس فقد حول ثيولويية اكسانوفانيس إلى انوولوييا:
(111 ) Parmenides: On Nature, Fr, 26, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, p. 120.
(112 ) W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers, p. 45.
(113 ) Parmenides: On Nature, Fr, 24, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, p.119.
(114 ) Parmenides: On Nature, Fr, 34, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, p121.
()115
محمود السيد مراد :فلسطفة التنطوير عنطد كسطينوفان ،مجلطة كليطة اآلداب بسطوهاج ،الجطزء األول ،العطدد الثالطث والعشطرين،
سوهاج ،مارس 2000ع ،ص.94
فردريك نيتشه :الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي ،ص .70 ()116
20
-5صفات الوجود عند بارمنيدس
يتميز الويود عند بارمنيدس بصفات عد .يمثل مجموعها خالصة فلسفته في الويو؛ فالويود مويود ،واحد ،قديم
أزلي ،أبدي ،ثابت ،كامل ،ال يكون وال يفسد ،وال ينقسم .فليس الويود – في المحصلة اوأخير -.إال الفكر نفسه؛
فصفات الويود هي عينها صفات الفكر .وإذا كانت صفات الويود هي صفات الفكر فإنها هي صفات اإلله أو
العالم اإللهي الذي ال يمكن الوصول إليه إال بالفكر والعقل.
إن الصفات التي يعويها بارمنيدس للويود -كما يقول جومبرتز -تصدم القارئ في خبرته العادية وسيذهل وكأنه
كلمات بارمنيدس إلى عنان السماء ،ولكن حدود الواقع ستضيق الخناق علينا مر. ُ في ُحُلم؛ حيث ترفعنا
أخرى( .)117ولعل السياق الديني والفلسفي -الذي نتناول من خالله فهم صفات الويود البارمنيدي -قد يسهل علينا
مهمة التأويل والفهم .وأول هذه الصفات هي أن "الويود مويود والالويود غير مويود" ،وهو أصل العالم وعلته
اوأولى:
) (117
Theodor Gomperz, The Greek Thinkers, vol 1, p 170.
()118
وولتر ستيس ،تاريا الفلسفة اليونانية ،ص .40
()119
إماع عبد الفتاح إماع :مدلل إلى الميتافيزيقا ،نهمة مصر ،القاهرة 2005ع ،ص .112
21
الالويود وال أن تنوق به ،وأن الفكر والويود واحد ونفس الشيء"( ".)120ما يلفظ به ويفكر فيه يجب أن يكون
مويودا ،ومن المستحيل أن يويد الالويود؛ إني آمرك أن تتأمل هذه
ً مويودا ،وأنه من الممكن أن يكون الويود
ً
اوأمور ،وأن تريع عن ذلك الوريق (اوأول للبحث) وعن هذا الوريق اآلخر أيضا الذي يضل فيه البشر ،وال
شيئا ناظرين إليه بويهين ،وأن االرتباك المويود في صدورهم يضلل عقولهم حتى لقد يعيشون كالصم
يعرفون ً
(البلهاء) الذين ال يميزون فيذهبون إلى أن الويود مويود ،والالويود مويود ،وأن الويود
والعمى والوغام ُ
()121
أبدا إثبات أن الالويود
والالويود شيء واحد ،وإلى أن كل شيء يتجه فى اتجاهات متضاد" . ".وأنه ال يمكن ً
مويود ،وعليك أن تصرف نظرك عن هذا الوريق من البحث"( " .)122فلم يبق لنا إال طريق واحد نتحدث عنه،
(.)123
وهو أن الويود مويود"
) في اليونانية غامضة للغاية وأن تريمة هذه ) ،وكذلك عبار( . إن عبار( .
) إلى االنجليزية التريمة المعتاد)It is(. العبار .البسيوة عرضة للتضليل بسبب غموضها ،قد تريمت (
) التريمة المعتاد .كذلك ()It is or it is notما معنى ()it كذلك تريمة عبار( .
،)esti-فليس لها تعريف على اإلطالق ،وإذا كان لقد فسرها بيرنت بالمالء ( .)a plenumأما كلمة (
غموضا -يقترحه كيرك ورافين -هو إما
ً ) .وربما في معنى أقل البد من تريمة (
شيء يكون أو ال يكون .)124()Either a thing is or it is not( :لكن بقيت التريمة الشائعة" :الويود
مويود والالويود غير مويود .وقد أول فلهلم فنلباند الويود -كما فعل بيرنت -بـ ـ"المالء)،)Filling space
)125()Empty space-ورأى زيلر ذلك يزًءا من مذهب فيثاغورس .ومن والالويود بـ ـ"الخالء" (
هذه الفكر .اوأساس استمد بارمنيدس كل معتقداته عن طبيعة الويود( .)126ولكن الجواب اوأكثر قبوالً -الذي
يقترحه هاملين -لمسألة مريع ( )Itهو أي شيء تريد! أما معنى ( )Isفالمذهب اوأكثر مالئمة يرى أنها تعني
"موجود" ( .)127()existsأما برتراند رسل فيرى أن ضمير الغائب الذي ينسب إليه الويود في عبار" .إنه مويود"
هو ما أصبح يولق عليه فيما بعد اسم "الجوهر" أي الماد .التي ال تتغير وال تفنى ،والتي يقول الماديون عنها
(.)128
يميعا
ً إنها هى التي تتألف منها اوأشياء
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،5،4الترجمة العربية ،أحمد فؤاد األهواني ،ص.131 ، ()120
()121
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،6الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص.131 ،
()122
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،7الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص.131 ،
( )123بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،8الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص.131 ،
)(124
.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 269.
(125 )
Wilhelm Windelband: History of Ancient Philosophy, p 37.
(126 )
Zeller, Outlines of The History of Greek Philosophy, Trans by:- LR. Plamer, 13th Ed, Dover
Publications Inc, New York, 1980, p.65.
(127 )
D.W.Hamlyn: The Penguin History of Western Philosophy, p 23.
( )128برترانططد راسططل :حكمططة الغططرب ،الجططزء األول ،ترجمططة :فططؤاد زكريططا ،المجلططس الططوطني للثقافططة والفنططون واآلداب ،الكويططت،
1983ع ،ص .46
22
ولكن إذا استصحبنا تأويلنا لمقدمة القصيد -.عبر سياقها الديني اوأسووري عند هوميروس وهسيودوس -لنفهم
القسم الثاني منها ،وهو الذي يتحدث فيه بارمنيدس عن طريق الحق ( -،)The way of Truthعبر سياقه
الفلسفي عند اناكسماندروس واكسينوفانيس -نميل إلى القول بأننا لسنا في حاية إلى كل تلك التعقيدات لو أن
بارمنيدس كان يتحدل عن اإلله باعتبارا "الهو" ،أو أن بارمنيدس كان يرمز إلى عالم األلومية ،ويشير إليه
مقدسا ال يجوز التلفظ باسمه صراحة! أما إذا ارتضينا التفسير الشائع للعبار .اليونانية (= It is
ا سر
باعتبارا اا
) الويود مويود والالويود )To eon ،بمعني الويود مويود أو عبار( .
غير مويود ،فالويود هو العالم اإللهي ،والالويود هو عالمنا الذي نعيش فيه .فال يجب أن ننتظر من بارمنيدس
أن يحدثنا في ذلك القسم الثاني من القصيد .عن هذا العالم الوبيعي ومويوداته على نحو ما كان بفعل سابقوه
من الفالسفة اوأيونيين ،وا لوريق الذي سلكه خالل المدن وإن ذكر على أنه طريق المدن إال أنه ليس رحلة علمية
لمشاهد .وقائع هذا الكون وإنما هو-كما تقول أمبرة حلمي مطر -طريق الخالص من هذا العالم الموصل إلى
- ) والويود عنده يختلف عن هذا العالم المحسوس ( معرفة حقيقة ألر هي حقيقة الوجود (- on
ووهما ومعرفته من باب الظن والزيف()129؛ فالمويود
مظهر ً
ًا (onta؛ ذلك وأن عالم المويودات الوبيعية قد عده
الذي عبر عنه بارمنيدس في اليونانية بقوله ( ) نقترح أن نعده -كما يقول ييجر -المويود "الواحد" في مقابل
()130
؛ وهذا المويود )؛ فال يويد كثر .مويودات ولكن يويد فقط ويود واحد مفرد كثر .المويودات (
هو المويود اإللهي الواحد؛ ونصوص بارمنيدس والصفات التي أعواها للويود تؤكد ذلك فالويود كما هو مويود
فهو واحد كما سنرى تواً.
وكما ق أر الباحث نصوص بارمنيدس عبر السياق الفلسفي السابق عليه ،كذلك فهو يقرأها عبر السياق الفلسفي
الالحق له عند أفالطون وأرسوو :فبالنسبة وأفالطون نجد أن أفكار بارمنيدس في الويود والالويود قد مهدت
الوريق للثنائية الميتافيزيقية التي ويدت تعبيرها اوأكثر اكتماال في نظرية المثل اوأفالطونية)131؛ حيث يفرق
أفالطون بين حقائق عالمين :حقائق العالم العلوي :عالم المثل ،وحقائق عالمنا ،وفي ذلك يقول أفالطون" :أريد
أن أقول إن حقائق العالم ال شأن لها بحقائق العالم العلوي ،كما أن هذه ال شأن لها بنا ،أريد أن أقول إن حقائق
(.)132
وفيما يخص العالم العلوي تتعلق بنفسها ،وإن حقائق عالمنا بالمثل ال تكون لها عالقة إال فيما بينها"
أرسطو وإلهه المحرك الذي ال يتحرك نجده يجعل له من الصفات المتعدد ،.التي تفترض أوالً صفة الويود ،فال
مويودا فكل هذه الصفات تفترض
ً حيا ،أو عاقالً أو معشوًقا ،دون أن يكون
يمكن للمحرك اوأول مثالً أن يكون ً
صفة الويود أوالً ،وهو ما سيولق عليه أرسوو في منوقه اسم الجوهر.
()129
أميرة حلمي مطر :الفلسفة عند اليونان ،ص .84
) (130
W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophersp.102.
(131 )
Zeller, Outlines of The History of Greek Philosophy, p.67.
أفالطططون :بارمنيططدس 133،هطططط 134 -أ ،ترجمططة ،حبيططب الشططاروني ،المجلططس األعلططى للثقافططة ،القططاهرة2002 ،ع ص ()132
.27
23
لقد أمسك بارمنيدس بمبدأ التناقض وهو مبدأ منوقي .إنه ال يستويع الموافقة على أن الشيء يمكن أن يكون
تفسير للتغير .لكن بارمنيدس
ًا مويودا وغير مويود في نفس الوقت ،إال أن هذه الموافقة شيء البد منه إذا أردنا
ً
نبذ موضوع التغير عن تفكيره ،ولم يبال به ،وهو الريل الذي كان يويه اهتمامه الرئيس إلى اوأفكار الدينية
مصلحا لالهوت الفيثاغوري)؛ بل إنه كان
ً (ويجب أن نعتبره من الناحية التاريخية -كما يقول بينيامين فارتن-
مسرور بنبذه( .)133والذي يعل لبارمنيدس قيمة من الويهة التاريخية هو ابتكاره لصور .من المحاية الميتافيزيقية
ًا
تراها – على ضروب شتى -ماثل ًة في معظم الميتافيزيقيين الذين ياءوا بعد ذلك حتى هيجل ،بما في ذلك هيجل
وكثير ما يقال إنه منشئ المنوق ،لكن الذي أنشأه حقيقة هو الميتافيزيقا القائمة على أساس منوقي(.)134
ًا نفسه،
إن أول تعبير عن قانون الهوية المنوقي؛ نجده في ذلك التفسير االنوولويي :الويود مويود؛ وسوف يستخرج
بارمنيدس من ذلك القانون كل نتائجه االنوولويية()135؛ فكما أن الويود مويود فهو واحد:
-8الوجود واحد
وانتهى إلى ()136
ركز بارمنيدس -مثل اكسينوفانيس -على العالقة بين الويود الواحد وويود اوأشياء المتعدد.
()137
معترضا على كل محاولة لتفسير اشتقاق الكثر .عن الوحد" :.كل شيء واحد من
ً القول بأن الويود واحد
حيث أبدأ ألني سوف أعود إلى المكان نفسه"(" .)138وما نفكر فيه وما من أجله يوجد التفكير شيء واحد،
موجودا ما
ا موجودا ،وال سوف يكون
ا تفكير في غير الوجود الذي تعبر عنه بالكالع .إذ ليس شيء
اا ألنك ال تجد
لال الوجود"(.)139
لقد قدم بارمنيديس لألييال الالحقة من الفالسفة معضلة الواحد والكثير في أيلى صورها وأحدها ،وبفعله هذا
ياهدا أن يحل المشكلة
ً دمر اوأسس التي تقوم عليها الفلسفة الوبيعية القديمة ،وسوف يحاول أفالطون
) الذي يشكل العالم المادي ويحكمه(.)140 البارمينيدية هذه باقتراحه فكر .الصانع أو الديمورجوس(
وقد يولق بارمنيديس على الواحد لديه اسم "اإللهي" (التي ربما لم يكن معناها ليزيد على اوأبدي وما ال يتغير)،
ولكن يبدو أنه ال يسند له أية أهمية دينية كما يرى أرمسترونج( .)141لكن السياق الديني والفلسفي الذي نتناول
من خاللهما تأويل فلسفة بارمنيدس يريحان اوأهمية الدينية التي يحاول أرمسترونج نفيها عن الواحد البارمنيدي
احدا وغير متكثر فإنه ال يكون وال يفسد:
باعتباره ممثالً لعالم اإللوهية .وإذا كان الويود و ً
()133
بنيامين فارنتن :العلم اإلغريقي ،الجزء األول ،ص .67
()134
برتراند راسل :تاريا الفلسفة الغربية ،الفلسفة القديمة ،ص.90
) (135
A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, p 84.
) (136
A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, p 83.
أفالطون :بارمنيدس 128 ،أ ،ب ،ص ،11ترجمة حبيب الشاروني. ()137
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،3الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص .131 ()138
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،8الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص .132 ()139
()140
أ.ه .آرمسترونج :مدلل إلى الفلسفة القديمة ،ص .35
()141
أ.ه .آرمسترونج :مدلل إلى الفلسفة القديمة ،ص .34
24
-9الوجود ال يكون وال يفسد.
" وما مصير الوجود في المستقبل؟ أو كيم يمكن أن يوجد؟ إذا جاء إلى الوجود فليس بموجود .وكذلك إذا وجد
في المستقبل .وبذلك تزول الصيرورة وال يتحدل أحد عن الفساد".وما مصير الوجود في المستقبل؟ أو كيم
يمكن أن يوجد؟ إذا جاء إلى الوجود فليس بموجود .وكذلك إذا وجد في المستقبل .وبذلك تزول الصيرورة وال
يتحدل أحد عن الفساد( ".)142فإذا كان الويود ال يكون وال يفسد فهو إذن قديم:
إن الويود عند بارمنيدس غير متحرك وال يتغير وأن الحركة والتغير شكالن من الصيرور .وكل صيرور .مستبعد.
من الويود .إنه متماثل مع نفسه وهو ال ينشأ من أي شيء آخر غير نفسه ،وهو ال ينتقل إلى شيء آخر غير
نفسه ،إنه يملك ويوده كله في ذاته وهو ال يعتمد على أي شيء آخر من أيل ويوده وحقيقته ،إنه ال ينتقل-
قابعا في ذاته(.)146
على حد تعبير ستيس -إلى "اآللرية" ،بل يظل ثابتًا ً
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،8الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص 133 ()142
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،8الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص .132 ()144
) (145
Wilhelm Windelband: History of Ancient Philosophy, p 38.
وولتر ستيس :تاريا الفلسفة اليونانية ،ص .41 ()146
25
وقد أبدى أرسطو دهشته من رأي بارمنيدس ومدرسته في كتابه "الكون والفساد" بقوله " :بالصدور عن هذه
بعض الفالسفة إلى
النظريات وبمعاند .شهاد .الحواس واالستهانة بها بحجة أنه ينبغي إتباع العقل فقط ،انتهى ُ
التصديق بأن العالم واحد غير متحرك وغير ٍ
متناه وأنه إن لم يكن كذلك فإن الحد بحسبهم ال يمكن إال أن يحاد
الخلو"( .)147الفزياء هى علم الوبيعة والوبيعة هى مبدأ حركة المويودات الوبيعة ،فإذا كانت الحركة ممتنعة فإن
الفيزياء باعتبارها علم فلسفة الوبيعة تكون مستحيلة(.)148ويرى أرسطو في كتابه "الطبيعة" أن أدلة بارمنيدس
"خداعا"و "ها هو العيب الذي يظهر في آراء بارمنيدس التي ال تتكئ إال على مقدمات كاذبة
ً وتالميذه ليست إال
بل ال تنتج نتائج مترتبة" .وينتهي أرسوو إلى القول" :أما نحن فإنما نضع مبدأ ال يحتمل الجدال :أن في الوبيعة
اء
حركة إما في يميع اوأشياء وإما باوأقل في بعضها .وهذا واقع أساسي تعلمنا إياه المشاهد ُ.الحسية واالستقر ُ
المتدبر"(.)149
ولكن بارمنيدس يتكلم هنا عن ثبات العالم اإللهي ،ال عالمنا الفزيائي وأكبر دليل على ذلك أن أرسطو أعطى
إلهه الصفة األهم على اإلطالق؛ حيث وصفه بالمحرك الذي ال يتحرك .وعلى ذلك تكون قراءتنا للسياق
لصوصا أرسطو تقربنا من محاولة فهمه (ولو ظن أرسوو للحظة أن بارمنيدس يتكلم
ا الالحق على بارمنيدس
عن إله يشبه إلهه ،كل الشبه؛ أو حتى عن عالم إلهي يختلف عن عالمنا كل االختالف ،ربما ما ويه إليه ذلك
االنتقاد!) .ولقد ظلت دهشة أرسوو مستمر .حتى عصر رسل الذي يقول" :والحق إن ذلك يمثل ضربة قاصمة
لتصورنا العادي ،غير أنها هى النتيجة المنوقية لمذهب مادي واحدي متسق مع نفسه"( .)150وقد حاول الباحث
أن يثبت عكس ما ذهب إليه رسل.
هكذا أعوى بارمنيدس صفة البساطة للويود ،ولقد أعوي أرسوو صفة البساطة وعدم االنقسام إللهه كذلك،
وكذلك صفة الكمال:
أرسطططوطاليس :الكططون والفسططاد ،ك ،1ب ،8ف،3يتلططوا كتططاب "ميلسططوس وفططي أكسططينوفان وفططي غر يططاس ،ترجمهططا مططن ()147
اإلغريقية إلى الفرنسية وصدرها بمقدمة في تاريا الفلسفة اإلغريقيطة وعلطق عليهطا تعليقطات متتابعطة بطارتلمي سطانتهلير
ونقله إلى العربية أحمد لطفي السيد ،الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة2008 ،ع ،ص .177
) (148
Julian Marias, history of philosophy, p 24.
أرسططوطاليس :علطم الطبيعطة ،الجطزء األول ،ك ،1ب ،2ترجمطه مطن اإلغريقيطة إلطى الفرنسطية وصطدرا بمقدمطة فطي تططور ()149
علططم الطبيعططة وبتفسططير علططق علططي الططنص تعليقططات متتابعططة بططارتلمي سططانتهلير ونقلططه إلططى العربيططة أحمططد لطفططي السططيد،
الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة2008 ،ع ،ص .97
برتراند راسل :حكمة الغرب ،الجزء األول ،ص .45 ()150
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،8الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص .132 ()151
26
الوجود كامل -13
" وحيث كان للوجود حد بعيد ،فهو كامل من جميع الجهات ،مثل كتلة الكرة المستديرة المتساوية األبعاد من
المركز ،ألنها ليست أكبر أو أصغر في هذا االتجاا أو ذاك ،وال يعوقها شيء عن بلور النقط المتساوية عن
وجودا في مكان دون آلر ،بل هو كل ال انفصال فيه .ولما كان الوجود
ا المركز ،وليس الوجود أكثر أو أقل
متساويا من جميع الجهات ف نه يبلغ الحدود بشكل متجانس"(.)152
ا
هذه الصفة المهمة هي التي ميزت إله اكسينوفانيس من قبل وإله أرسوو من بعد.
هذا الصفة المهمة هي التي ميزت إله اكسينوفانيس -كذلك -من قبل وإله أرسطو من بعد .الويود :هو ما
تفكير في غير الويود الذي نعبر
ًا نفكر فيه ،وما من أيله يويد التفكير ،فالويود والفكر شيء واحد وأنك ال تجد
) ،وبمعنى آخر فإن ما هو عاقل ويعرف عن طريق العقل (عنه بالكالم .فالوجود ( ) ،عاقلُ ،
ويعرف بالعقل هو الويود( .)154وال يمكن بدون التفكير أن نصل إلى المفكر فيه أي اإلله ،وال يمكن إال أن
ُ
يكون عقالا وعاقالا ومعقوالا؛ تماما ك له أرسطو وإله اكسينوفانيس.
) ،الفكر .ومن الوريقة )؛ التفكير؛ أو ( ) ،الشيء المويود وال( ومن هذا التأكيد لذاتية ال(
التي أشار بها المفكرون القدماء إلى هذا يجب أن نستدل أن واحد بارمنيدس الساكن الخالد لم يقصد به أن يكون
صور .عقلية وهمية ناقصة مشوهة للعالم الحقيقي المحيط بنا ،كما لو كانت طبيعته الحقيقة كوبيعة سائل
كونا آينشتياً فوق كروي
ً متجانس ال يقبل االهتزاز ،يمأل على الدوام كل مكان بال حدود ،أي
وا كما يميل عالم الوبيعة الحديثة أن يسميه .وبارمنيدس ال يعتبر العالم المادي
( )Hypersphericalمبس ً
المحيط بنا من قبيل اوأمر الواقع ،إنما الحقيقة الصحيحة هى الفكر ،أو ما يمكن أن نقول إنه موضوع اإلدراك
العقلي .أما العالم المحيط بنا فهو من نتاج اإلنسان المحس ،هو صور .خلقها اإلدراك الحسي عند الذات المفكر.
(على سبيل االعتقاد) (.)155
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،8الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص .133 ()152
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،8الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص 133 ()153
مجدي كيالني :الفلسفة اليونانية من طاليس إلى أفالطون ،ص .84 ()154
ايرفين شرودنجر :الطبيعة واإلغريق ،ترجمة ،عزت قرني ،راجعه ،صقر لفاجة ،دار النهمطة العربيطة ،القطاهرة،1962 ، ()155
ص .44
27
نتيجة تأويل الجزء الثاني :وحدة وجود عقلية -15
يقول أرسوو":يبدو أن بارمنيدس تشبث بالقول بأن الكون واحد في شكله أو صيغته ( بمعنى وحدة الوجود
الصورية) ( .)156وعلى ذلك ُعد بارمنديس أول الفالسفة الحقيقيين في المدرسة اإليلية أب الميتافيزيقا بال منازع؛
خصوصا إذا الحظنا أنه قد قصر بحثه على فكر .الويود ،ومن ثم فهو مؤسس االنوولوييا؛ فنظر إلى الويود
ً
مجردا (وحدة وجود صورية على حد تعبير أرسوو) وليس هو الوبيعة نفسها .كما أضاف إلى ً شيئا
بحسبانه ً
الويود الصفات اوأصلية التي تجعل من هذا الوجود كاإللومية سواء بسواء .ولهذا لم يكن يفرق -كما يقول
عبد الرحمن بدوي -بين الوجود واآللهة(.)157
مجردا فقط ،وال هو أيضاً صور .حسية ،وإنما هو – إذا ياز التعبير-
ً تصور
ًا ليس الويود عند بارمنيدس إذن
"صورة هندسية" ولدت من االحتكاك بالعلم الفيثاغوري ،ومن يهة أخرى ،تتلبس كرة بارمنيدس الطابع اإللهي
عينه الذي كان يتشح به نظام الكون لدى هيراكليتوس :فتلك اآللهة شبه المجرد .كالعدالة والضرور .والقدر ،التي
تويه في صور .اوأيونيين مجرى المويودات النظامي ،هى عينها التي يحتج بها بارمنيدس ليضمن لكرته السكون
التام( .)158وهذه هى نقوة التقاء -وقد التقوها أولف جيجن ببراعة -بين هيراكليتوس وبين بارمنيدس الذين
يمثالن تيارين متعارضين أشد تعارض(.)159
إنه الهدف ذاته الذي ابتغاه فيثاغورس من فلسفته في التوهير ،ليتحقق له خالص النفس من عجلة الميالد ودور.
تماما إنه يعتمد على العقل وبراهين االستنباط
التناسخ ولكن الوريق الذي يقدمه بارمنيدس هنا طريق مختلف ً
المنوقية في التدليل على هدفه ،ويبدأ بفكر .عقلية لغوية "الويود مويود" ولو أننا قلنا" :الويود واإللوهية ويهان
لعملة واحد .ربما لم نكن مخوئين كل الخوأ.
إننا يجب علينا أن نعيد قراء .مولع القصيد .مر .أخرى كي نستويع إدراك المقصد اوأعلى والهدف اوأسمى من
فلسفة بارمنيدس ،ثم بعد ذلك نعيد قراء .القسم الثاني من القصيد ،.طريق الحق الذي يقرر فيه بارمنيدس من أن
أيضا اوأوصاف التي أعواها بارمنيدس
"الويود مويود" ،وهل الويود شيء آخر مختلف عن اإللوهية؟ (لنرايع ً
للويود والتي أعواها كل من اكسينوفانيس وأرسوو لإلله عند كل منهما) ،هذه -في ظني -هي أول "وحدة وجود
عقلية" توحد بين الويود واإللوهية والعقل ،قدمها لنا بارمنيدس ،في صور .استدالل عقلي بل ولغوي منوقي .وقد
أصابنا بالدوار كما نظن أنه أصاب الباحثين من قبلنا وأثار بينهم كل هذا الخالف في تفسير كلماته الواضحة
الملغز.!.
أرسطو :مابعد الطبيعة ،الكتطاب األول ،مقالطة األلفطا الكبطر ،ف 986 ،5ب ، 22ترجمطة ،إمطاع عبطد الفتطاح إمطاع ،ص ()156
.270
عبد الرحمن بدوي :ربيع الفكر اليوناني ،ص .117 ()157
اميل برهييه :تاريا الفلسفة ،الجزء األول ،الفلسفة اليونانية ،ص .84 ()158
28
ج -طريق الالوجود :العالم المادي
كان الفيثاغوريون مولعين بدراسة نظام العالم ،فدرسوا الفلك ،والسماوات ،واعتنقوا ًا
كثير من النظريات الكسمولويية
والكسمويونية ،مع أن أرواحهم كانت متعلقة بعالم آخر ،عالم إلهي تسعى إليه ،لتصل إلى ذلك العالم السعيد:
عالم اآللهة الخالدين؛ وهذه الدراسة لم يكن الفيثاغوريون ليغترون بها ،ولم تكن متناقضة مع سعيهم الحثيث نحو
عالم الحقيقة الكاملة هذا .كذلك كان بارمنيدس؛ فقد تناولنا فلسفته في الويود .ولقد ريحنا أن الويود هو العالم
اإللهي ،وحاولنا أن نقيم اوأدلة على ذلك الترييح .واآلن في القسم الثالث ذلك القسم الذي حير الباحثين حول
ويود رابط بينه وبين الجزء الثاني ،ووأننا نق أر بارمنيدس من خالل سياق الدين والفلسفة اليونانية فأننا نؤول القسم
الثالث ،باعتباره عالمنا المادي ،وله من الصفات ما يناقض صفات الويود ،فهو -في المحصلة النهائية-
) .وذلك حسب التريمة الشائعة للعبارات اليونانية الغامضة التي عرضنا لها من قبل .فعالمنا "الوجود"(
عالم مظهر ولكن بالنسبة للعالم اإللهي ،وبالمقارنة به ،لكنه مع ذلك -كما فعل الفيثاغوريون -عالم يستحق
الدراسة والتأمل بشرط أال ينسينا عالمنا اإللهي فهو العالم الحقيقي بإزاء عالم الزيف والظن اوأرضي .إن أروحنا
ينبغي لها أن تعرف هذا العالم اوأرضي وتقارن بينه وبين العالم اإللهي بالعقل ال بالتصوف كما هو عند
فيثاغورس ،فالخالص الذي يعدنا به بارمنيدس هو لالص انطولوجي ثيولوجي إن ياز التعبير .في حين كان
خالص فيثاغورس خالص رياضي صوفي .وفيما يأتي نستعرض ذلك العالم :عالم الظن ،لنتعرف على آراء
البشر الفانين حول ذلك العالم:
مبينا صفاته ،التي أوحت بها اآللهة إليه ،كان من المروع -على حد
بعد أن حلق بنا بارمنيدس في عالم اإللوهية ً
تعبير آرمسترونج -أن نجد كامل القسم الثالث من قصيدته "في الوبيعة" ينشغل بنشأ .أكوان تقليدية طويلة
ومستفيضة .ويوضح بارمنيديس غاية التوضيح عند مولع القسم الثالث أنه ال يقدم رواية للحقيقة كما يكشف
عنها العقل ،بل فقط "نبذ .عما يبدو للبشر الفانين"( ،)161أولئك الذين يقنعون بالمظاهر.
بدأت اإللهة تصف عالمنا المادي ،ذلك العالم الذي يركن إليه سائر البشر ،ويظن أنه الحقيقة ،مع أنه عالم
الزيف ونبهت على بارمنيدس ب أن الكالم عن عالم الحقيقة قد أغلق بابه ،ليبدأ التعرف علي آراء البشر الفانين
) .)doxai brotonويريح بيرنت صراحة أن المقصود بالبشر الفانين هو مذهب هيراكليتوس( .)162بيد أن
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،8الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص .133 ()160
) (162
J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.183.
29
كلمة "الفانين" ليست كلمة مناسبة -وأتفق في ذلك مع جادامير -وأية مجابهة نقدية ضد تعاليم حكيم إفسوس
(هيراكليتوس)؛ فهي تستخدم في الشعر الملحمي كمرادف لتعبير"الكائنات اإلنسانية" بشكل عام؛ من أيل أن
يميعا بمقابل "غير الفانين"( .)163فغير الفانين هم اآللهة والفانون هم نحن البشر.
ً نحدد ما هو مشترك بيننا
وعالم غير الفانين هو العالم اإللهي (.وذلك حسب التراث الشفاهي اوأسووري في بالد اليونان) ،بينما عالم
تحضير لوريق الحقيقة .إن طريق الظاهر محطة أولى
ًا الفانين هو ،العالم المادي .ويمكن اعتبار طريق الظاهر
على طريق الحقيقة التي يسلكها السالك ،حي يتأكد من وهمية العالم الحسي ويصبح مؤهالا الستقبال أنوار
تماما بالواقع العيني(.)164
الحقيقة .بعد أن يضحي ً
)doxai؛ ،)doxaإنما يتحدث عن اآلراء ( وفي الواقع ال يتحدث بارمنيدس إطالًقا عن الرأي (
اضحا إذن أن
مفردا ،بينما آراء الناس متعدد ..يصبح و ً
احداً ،شيئا و ً
طبيعيا فالحقيقة ليست إال ً
ً اوأمر الذي يبدو
أيضا أن يدور تعليمها حول اآلراء التي يدافع عنها الفانون؛ تلك اآلراء
اإللهة تريد تعليم الحقيقة ،ولكنها تريد ً
التي ال تحتوي على الحقيقة( .)165إن المقابلة بين العالمين مقصود .من قبل اإللهة؛ إذ بمدها تتميز األشياء،
ليكون العقالء من البشر على علم تاع بطريق الحق وبطريق الظن ،فأي الوريقين ينبغي لهم أن يسلكوا؟ إن
رسالة بارمنيدس تكون قد اكتملت بتوضيح كل من الوريقين .وهذه إيابة مسبقة عن السؤال اآلتي:
أيما؟
-2لماذا تصف اإللهة طريق الظن ا
والسؤال الذي نورحه اآلن :هل كان بارمنيدس يعني إضفاء أي نوع من التصديق يمكن أن يعويه طريق
()166
والسؤال بوريقة أخرى :لماذا تممن طريق الظن وجود وحي اإللهة؟ تلك التي ال تقول إال الحقيقة الظن؟
موحية بها إلى بارمنيدس؟ لماذا أدرجت اإللهة -حاملة مفتاح عالم الحقيقة -في وحيها ما هو غير صحيح،
وحتى زائف ،وتمع بنفسها ذلك النمط المخادا من طريق الظن؟
يقترح كارل بوبر ثالثة ردود مرتبوة بذلك السؤال :أوالً :بارمنيدس ال يمكن أن يفتح هو .بين الواقع وطريق الظن
أو بين طريق الحق وطريق الظن دون أن يعوي وزناً للجانبين من هذا التمييز الجديد ،ومن ثم كان عليه أن ال
أيضا لعالم الظاهر المخادع .الثاني :اإللهة وحدها يمكنها أن تجيب
صفا للعالم الواقعي الحقيقي ولكن ً
يعوي و ً
ممنوعا في عالم الحقيقة فكيف نشأ عالم الظاهر الوهمي؟
ً عن ذلك التمييز بين العالمين وعن إذا ما كان التغير
هذا بالضبط السؤال الذي تجيب عنه اإللهة في طريق الظن وكيف ظهر مع نشأ .الكون .الرد الثالث ،وهو أكثر
) (166
K. Freeman: The Pre-Socratic philosophers, , p,141.
30
أهمية من الردين السابقين ،وهو أن اإللهة ذكرت طريق الظن لتقريب الحقيقة إلى أقصى درية؛ فاإللهة تشير إلى
قصدها لمناقشة علم الكونيات ( )Cosmologyوعلم نشأ .الكون ( )Cosmogonyمن عالم الظاهر(:)167
يردد بارميندس هنا المبدأ الفيثاغوري عن اوأضداد :كل المويودات من النور أو الدفء ،والظلمة أو البرد .وهذه
اوأضداد تعادل مبدأي الذكور .واوأنوثة في الكون (الكوزموس) (:)169
-4النور والليل
"ولما كانت جميع األشياء تسمى النور والليل ،وأطلقت األسماء على كل صنف من األشياء طبقا لقوة
( )Dunamisكل منهما (يريد النور والليل) ،ففي كل شيء (فالكل مملوء) مقدار متساو من النور والليل
الالمرئي ،إذ لكل منهما نصيب"(.)170
-5كسمولوجيا بارمنيدس
) (167
Karl Popper: The World of Parmenides, Essays on the Presocratic Enlightenment, Edited by
Arene F. Petersens, Routledge, Lpdon and New Yourk,1998, p.120-121.
( )168بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،8الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص 133
جورج جطي.اع .جطيمس :التطرال المسطروق ،الفلسطفة اليونانيطة فلسطفة مصطرية مسطروقة ،ترجمطة ،شطوقي جطالل ،المجلطس ()169
31
" وستعرف طبيعة السماء ،وجميع العالمات الموجودة فيها ،واألثر المفسد الشتغال الشمس الساطعة الموء،
وكيم نشأت (أي األجراع السماوية) إلى الوجود .وستتعلم كذلك طبيعة القمر ووجوهه وأعماله في سيرا.
وستعرف أيما السماء التي تحيطنا ،من أين نشأت ،وكيم جعلتها المرورة تمسك حدود النجوع .وكيم
نشأت األرض ،والشمس ،والقمر ،والسماء المشتركة للجميع ،والمجرة ،وأوليمبوس البعيد ،وقوة النجوع
الساطعة"(.)172
هكذا أضاف بارمنيدس إلى فلسفته كسمولوييا ،بيد أن هذه الكسمولوييا ما زادت على أن نهلت على سعة من
معين المعتقدات التقليدية بصدد تولد اوأشياء وفنائها .ومن ثم فهى من روح مغاير لروح الكسمولوييا اوأيونية،
فهى تضم تحت يناحيها أساطير نشكونية من قبيل أساطير هسيودوس واوأورفيين ،ومن ذلك مثالً أنها تعد
"الحب" ( )Erosاإلله اوأول(.)173
-6الحب أو األيروس
()174
. "وأول ما أبدعت من اآللهة هو الحب (")Eros
()175
في الجزء الثالث من والسؤال اآلن الذي نورحه -مع ييجر -ما الذي يعل بارمنيدس يقتبس آلهة هسيودوس
()176
يدا
؟ ومن المريح ً القصيد .المتعلق بعالم المظهر الذي هو على نقيض مذهبه في الحقيقة :الويود اوأبدي
أيضا(.)177
أن طريق الظن الذي عرضه بارمنيدس في القسم الثالث من قصيدته يمثل كسمولوييا الفيثاغوريين ً
ويقول كورنفورد نحن هنا في طريق الظن على أرضية أورفية؛ والمخطط األساسي هو :سقوط وانحدار من
منطقة الموء السماوي :الواقع والحقيقة ،إلى الظالع :غير الواقعي وزيم الوجود الجسدي( .)178ووعي اإلنسان
بهذا السقوط هو يوهر انوولوييا بارمنيدس كما نظن.
بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،10،11الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص .134 ()172
اميل برهييه :تاريا الفلسفة ،الجزء األول ،الفلسفة اليونانية ،ص .84 ()173
( )174بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،13الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص .134
(175 )
Hesiod: Theogony, in The Poems and Fragments done into English Prose with Introduction
and Appendices by A.W. Mair M.A., Oxford, Clarendon Press, 1908, 120, p. 35.
(176 )
W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers, At Clarendon Press, Oxford,
London. 1948, p.93.
( )177فردريك كوبلستون :تاريا الفلسفة ،المجلد األول ،اليونان وروما ،ص .88
(178 )
F.M.Cornford: From Religion To Philosophy, Princenton University press, Princenton,
1991, p 219.
( )179بارمنيدس :في الطبيعة ،شذرة ،12الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ،ص .134
32
) بالعالم ،فلم يترك العالم لمبادئ المصادفة أو االتفاق أو العلل تويد عند بارمنيدس عناية إلهية(
المادية الميكانيكية العمياء،كما فعل اوأيونيون ،بل تويد في الوسط اإللهة التي تدبر يميع اوأشياء .وفي ذلك يرد
بارمنيدس على إلحاد اوأيونيين الذين ال يقرون بعلة عاقلة ويقولون بالعلل المادية وحدها ،كما رد أفالطون من
بعده .على مادية اوأيونيين ووصفها بأنها" :نظرية مشئومة" ،وأنها "تؤلذ على نطاق واسع كالكلمة األليرة في
الحكمة" ،وأن أصحاب هذه النظرية يقولون" :إن كل األشياء العظيمة والجميلة هي من إنتاج الطبيعة
يميعا في ويودها للوبيعة والمصادفة"" .وكان
ً والمصادفة"" .إنهم يقولون إن الماء والنار والتراب والهواء تدين
ذلك كما يقولون ال بفعل العقل ،أو أي إله أو فن ،وإنما بالوبيعة والمصادفة"(.)180
) أي شيء "ال يويد بالفعل؟" وهل إذا نحن نزعنا من عالم الحواس كل حقيقة ،فهل عالم الحواس إذن (
هو ال يعدو أن يكون مجرد قصة يميلة كلها عن أشياء ال تويد .إنه يتناول -على اوأقل" -االعتقادات البشرية"،
فهي إذن في العقل الذي هو الويود .أفال يكون لها بالتالي أي ويود خاص باعتبارها من ظواهر العقل؟ هذه
فعا .إنما علينا أن نتذكر أن اإلنسان الذي يلتمس وأول مر.أسئلة ال إيابة عنها ،ومتناقضات ال نستويع لها ر ً
يميعا ،فإنه يبالغ في تأكيها عاد .بشكل قد يوقع به
ً حقيقة عميقة مخفية ،تكون على خالف ما اتفق عليه الناس
(.)182
فنحن إزاء نظر .شعرية ال تقتصر شعريتها على الصياغة فحسب ،ففيها يتحد العقل في متناقضات منوقية
عرضا -في شعر يوناني رائع ،بأكثر من كوننا إزاء نظر .علمية
ً والعالم واوألوهية( .)183إننا بإزاء دين كان ُينشد-
ظاهر حينئذ ،فقد يعل بارمنيدس الدين أو تقوى اآللهة ينتمي إلى عالم
ًا إلى العالم ،وإن لم يكن هذا التمييز
االعتقاد( .)184إن المظهر :العالم المادي ،ال يجب أن يخدعنا عن الجوهر :العالم اإللهي :تلك هي حكمة
بارمنيدس الكبير -كما أطلق عليه أفالطون -السامية .وفي الختام ال يسع الباحث إال أن يردد -مع كارل بوبر-
إن بارمنيدس يظهر لي األكثر غراب اة ،ولكنه في الوقت ذاته األعظم بين كل الفالسفة(.)185
أفالطون :القوانين ،ك ،890 ،10ترجمة من اليونانية إلى اإلنجليزية ،تيلطور ،نقلطه إلطى العربيطة ،محمطد حسطن ،ا،طا ،الهيئطة ()180
) (185
Karl Popper: The World of Parmenides p.125.
33
الخاتمة :نتائج البحث
أوالا :قام الباحث بتأويل مقدمة قصيد" .في الطبيعة" لبارمنيدس ،مستعيناً بالسياق الثيولويي الميثولجي واعتبرها
مفتاح الشيفرة للدخول إلى تفسير فلسفة بارمنيدس برمتها.
34
وأراد من مستمعي أشعاره -في القرن السادس قبل الميالد -أن يعرفوه ،ليس مباشر ،.بل في صور .رمزية ،ال
أصحاب اوأسرار من معتنقي الديانات السرية كاوأليوسية والديونسيوسية واوأورفية والفيثاغورية .ولذلك
ُ يلتقوها إال
مظهر تجل لإللومية في الكون؛ إذا نظرنا إلى اإللهة باعتبارها مبتدأ الويودَ يمكننا اعتبار أن الوجود ليس إال
ومنتهاه ،وما على العقل البشري إال إدراك الحقيقة :العود .إلى الويود اإللهي ،في ختام هذه الرحلة العقلية
الالهوتية .وهذا الوريق يمثل الحقيقة والجوهر.
ثالثا :الالوجود :طريق الظن -كما ريح الباحث -هو طريق البشر الفانين .طريق البحث الكسمولويي ،والفلسفة
الوبيعية ،الوريق المألوف عند علماء وفالسفة المدرسة اوأيونية .وذلك الوريق يمثل الظن والمظهر.
ابعا :لقد أعادت عبقرية بارمنيدس تشكيل العقائد الثيولويية ،والميثولويية ،والكسمولويية ،عند اوأورفيين
را
والفيثاغوريين ،على نحو يديد كل الجد :.على نحو انوولجي عقلي يكشف عن "سر الوجود"؛ حيث يتحد العقل
والعالم واإللوهية ،في مركب فريد واحد .ذلك المركب هو ما وصفه الباحث بططططططط"الهوت الوجود عند بارمنيدس".
المصادر والمراجع
أوالً -المصادر:
-1المصادرالمترجمةإلياللغةالعربية :
أرسطو :الكون والفساد ،ترجمه مناإلغريقية إلى الفرنسية بارتلمي سانتهلير ،نقلهإليالعربية أحمد -1
لطفيالسيد ،الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة2008 ،ع.
أرسطو :علم الطبيعة ،ترجمه إلى الفرنسية :بارتلمي سانتهلير ،نقله إلي العربية :أحمد لطفي السيد، -2
مطبعة دار الكتب المصرية ،القاهرة1935 ،ع.
-3أرسطو :مابعد الطبيعة ،د .إمام عبد الفتاح إمام ،ترجمة الكتب الخمسة األولى من ميتافيزيقا
أرسطو ،ضمن كتابه :مدخل إلى الميتافيزيقا ،نهضة مصر ،القاهرة2005 ،م .
35
أفالطون :القوانين ،ترجمة من اليونانية إلى اإلنجليزية ،تيلور ،نقله إلى العربية ،محمد حسن -4
،ا،ا ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة1986،م.
أفالطون :بارمنيدس ،ترجمة ،حبيب الشاروني ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة2002 ،ع. -5
بارمنيدس :في الطبيعة ،ترجمة ،أحمد فؤاد األهواني ،ضمن كتابه ،فجر الفلسفة اليونانية قبل -6
سقراط ،الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة2009 ،ع.
بارمنيدس :مقتطفات بارمنيدس :ضمن كتاب :فردريك نيتشه :الفلسفة في العصر المأساوي -7
األغريقي ،تعريب سهيل الق ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ،بيروت1981 ،ع.
بارمنيدس :مقتطفات بارمنيدس ،ضمن كتاب هانز جورج غادامير :بداية الفلسفة ،ترجمة على -8
حاكم صالح و حسن نا،م ،دار الكتاب الجديد المتحدة ،بيروت2002 ،ع .
-2المصادرالمترجمةإلياللغةاإلنجليزية :
1- Diogenes Laertius: Lives of Eminent Philosophers, Vol. 11, Trans by: R. D.
Hicks, M.A. Cambridge, Massachusetts, Harvard university Press, London,
1972.
2- Hesiod: Theogony, in The Poems and Fragments done into English Prose
with Introduction and Appendices by A.W. Mair M.A., Oxford, Clarendon
Press, 1908.
3- Parmenides: On Nature, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, 4 th ed,
Adam & Charles-Black, London, 1975.
4- Parmenides:Fragments Parmenides, Edited with New Translations by
• Richard McKirahan, PARMENIDES PUBLISHING Las Vegas • Zurich
Athens, 2009.
ثانيًا -المراجع
-1المراجعالعربية :
آرمسترونج (أ.ه :).مدلل إلى الفلسفة القديمة ،ترجمة سعيد الغانمي ،كلمة ،المركز -1
الثافي العربي ،القاهرة2009 ،ع.
آل ياسين (د .يعفر) :فالسفة يونانيون ،العصر اوأول ،موبعة اإلرشاد ،بغداد، -2
1971م.
إماع (د.عبد الفتاح إماع) :مدلل إلى الميتافيزيقا ،نهمة مصر ،القاهرة 2005ع. -3
اوأهواني (د .أحمد فؤاد) :فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ،الهيئة العامة للكتاب، -4
القاهر2009،.م.
36
بدوي(د .عبد الرحمن) :ربيع الفكر اليوناني ،وكالة الموبوعات ،الكويت1979،م. -5
برهييه(إميل) :تاريخ الفلسفة ،الجزء اوأول ،الفلسفة اليونانية ،الوبعة الثانية ،تريمة: -6
يورج طرابيشي ،دار الوليعة للوباعة والنشر ،بيروت1987 ،م.
جادامير(هانز جورج) :بداية الفلسفة ،ترجمة على حاكم صالح و حسن نا،م ،دار -7
الكتاب الجديد المتحدة ،بيروت2002 ،ع.
جادامير(هانز جورج) :فلسفة التأويل ،األصول ،المبادأل ،األهداف ،ترجمة محمد -8
شوقي الزين ،منشورات االلتالف،الجزائر 2006ع
جثري(و.ك.س :).الفالسفة اإلغريق من طاليس إلى أرسطو ،ترجمة وتقديم :رأفت -9
حليم سيم ،مراجعة ،إماع عبد الفتاح إماع ،مطبعة الطليعة ،بيروت1988 ،ع.
مقدمة ترجمته لكتاب جورج جي.اع .جيمس :الترال المسروق، جالل (شوقي): -10
الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة1996 ،ع.
جيجن (أولف) :المشكالت الكبر في الفلسفة اليونانية ،ترجمة ،عزت قرني ،مكتبة -11
سعيد رأفت ،القاهرة ،بدون تاريا.
جيمس (جورج جي.اع :).الترال المسروق ،الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة، -12
ترجمة ،شوقي جالل ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة1996 ،ع.
حرب(د .حسين) :الفكر اليوناني قبل أفالطون ،دار الفكر اللبناني ،بيروت.1990 ، -13
الخطيب (محمد) :الفكر اإلغريقي ،دار عالء الدين ،دمشق1999 ،ع. -14
راسل (برتراند) :حكمة الغرب ،الجزء األول ،ترجمة :فؤاد زكريا ،المجلس الوطني -15
للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت1983 ،ع.
راسل(برتراند) :تاريخ الفلسفة الغربية ،الكتاب اوأول ،الفلسفة القديمة ،تريمة :د .زكي -16
نجيب محمود ،رايعه د.أحمد أمين ،لجنة التأليف والتريمة والنشر ،القاهر1957 ،.م.
سارتون(يورج) :تاريخ العلم ،الجزء الثاني ،تريمة :لفيف من العلماء بإشراف د.إبراهيم -17
بيومي مدكور ،دار المعارف ،القاهر 1991،.م.
ستيس(وولتر) :تاريخ الفلسفة اليونانية ،تريمة :مجاهد عبد المنعم مجاهد ،دار الثقافة، -18
القاهر1984 ،.م.
سوفاج(ميشلين) :برمنيذس ،ترجمة بشارة صارجي ،المؤسسة العربية للدراسات -19
والنشر ،بيروت1999 ،ع.
شرودنجر (ايرفين) :الطبيعة واإلغريق ،ترجمة ،عزت قرني ،راجعه ،صقر لفاجة ،دار -20
النهمة العربية ،القاهرة.1962 ،
37
فارنتن (بنيامين) :العلم اإلغريقي ،الجزء األول ،ترجمة :أحمد شكري سالم ،مراجعة: -21
حسين كامل أبو الليم ،مكتبة التهمة المصرية ،القاهرة.1958 ،
كرع (يوسف) :تاريا الفلسفة اليونانية ،دار القلم ،بيروت ،بدون تاريا -22
كوبلستون(فردريك) :تاريخ الفلسفة ،المجلد اوأول ،اليونان وروما ،المشروع القومي -23
للتريمة ،المجلس اوأعلى للثقافة ،القاهر2002 ،.م.
كيالني (د .مجدي) :الفلسفة اليونانية من منظور معاصر ،المكتب الجامعي الحديث، -24
اإلسكندرية2009،ع.
مراد (د .محمود السيد) :فلسفة التنوير عند كسينوفان ،مجلة كلية اآلداب بسوهاج، -25
الجزء األول ،العدد الثالث والعشرين ،سوهاج ،مارس 2000ع.
مرحبا (د .محمد عبد الرحمن) :تاريخ الفلسفة اليونانية من بدايتها حتى المرحلة -26
نسيِة ،مؤسسة عز الدين للوباعة والنشر ،بيروت1993 ،م. ِ َّ
الهل ْ
-27مور(د .أمير .حلمي) :الفلسفة عند اليونان ،الجزء اوأول ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
القاهر1986 ،.م.
نيتشه (فردريك) :الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي ،تعريب سهيل الق ، -28
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ،بيروت1981 ،ع
-2مراجعباللغةاإلنجليزية :
38
8. Heidegger(Martin): Parmenides, translated by Andre
Schuwer and Richard Rojcewicz, Indian University Press,
1992.
9. Hussey (E.):The Presocratics, (Classical Life And Letters)
Gerald Duckworth, London, 1972.
10. Jeager(W.): The Theology of The Early Greek Philosophers, At
Clarendon Press, Oxford, London. 1948.
11. Kirk (G.S.) & Raven (J.E.), The Presocratic Philosohers, Cambridge At
The University Press, 1957.
12. Marias (J.): history of philosophy, translated from Spanish By Stanley
Appelbaum and Clarence C.Strowbridge, Dover Publications, Inc, New
York, 1967.
13. Popper(Karl): The World of Parmenides, Essays on the Presocratic
Enlightenment, Edited by Arene F. Petersens, Routledge, Lpdon and
New Yourk,1998.
14. Wilkinson(Lisa Atwood): Parmenides and To Eon, Reconsidering
Muthos and Logos, Continuum International Publishing Group, New
York & London, 2009.
15. Windelband (W.): History of Ancient Philosophy, Trans by H. E
Cushman, Dover publication Inc, London, 1990.
16. Zeller (E.): Outlines of The History of Greek Philosophy, Trans by:- LR.
Plamer, 13th Ed, Dover Publications Inc, New York,1980.
الفهرست
المقدمة
المدرسة اإليلية-8
الشعر التعليمي والتراث الشفهي الميثولوجي-9
)Logos- () واللوجوسMuthos- (الجمع بين الميثوس -10
ثالث ثالثة -11
39
تقويض دعائم المادية األيونية -12
الحجاج العقلي -13
تجاوز الصوفية الفيثاغورية -14
ثانيًا :االنطولوجيا الثيولوجية عند بارمنيدس
40
) -1آراء البشر الفانين )
أيما؟
-2لماذا تصف اإللهة طريق الظن ا
-3نظاع العالم كما يظهر
-4النور والليل
-5كسمولوجيا بارمنيدس
-6الحب أو األيروس
-7اإللهة تدبر العالم
-8نتيجة تأويل القسم الثالث :المظهر ال يجب أن يخدعنا عن الجوهر
الخاتمة :نتائج البحث
الفهرست
41