Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 42

‫الهوت الوجود عند بارمنيدس‬

‫شرف الدين عبد الحميد أمين‬

‫مدرس الفلسفة اليونانية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة سوهاج‬

‫‪sharafameen@yahoo.com‬‬

‫المقدمة‬

‫) عام (‪ 485‬ق‪.‬م تقر ًيبا)‪ ،‬أي بعد مائة عام تقر ًيبا من ازدهار أول الفالسفة‬ ‫ازدهر بارمنيدس (‬
‫كبير في مسار الفلسفة‬
‫تغيير ًا‬
‫ًا‬ ‫اليونانيين طاليس(‪ 585‬ق‪.‬م تقر ًيبا‪ .‬ويمكن أن نقول إن بارمنيدس قد أحدث‬
‫اليونانية بتأسيسه االنوولوييا وأول مر‪..‬‬

‫) لبارمنيدس‪ -‬حسب‬ ‫)‪ :‬إن هذا النص من قصيد‪( .‬في الطبيعة‪،‬‬ ‫الويود مويود (‬
‫تعبير هانز جورج جادامير‪ -‬أريقت من أيل تأويله أنهار من الحبر! لقد اختلف الباحثون حول فلسفة بارمنيدس‬
‫ومرور بكبار شراح‬
‫ًا‬ ‫تعددا مازالت أصداؤه تتردد منذ أفالطون وأرسوو‪،‬‬
‫كبيرا‪ ،‬وتعددت تفسيرات مذهبه ً‬
‫اختالًفا ً‬
‫الفلسفة اليونانية أمثال بيرنت وزيلر وجمبرتز‪ ،‬وحتى كبار الفالسفة المعاصرين أمثال هوسرل وهيدجر ورسل‬
‫وجاك دريدا وكارل بوبر وهانز جادمير وغيرهم‪ .‬فقد كانت عبار‪ .‬بارمنيدس (وهى ليست صريحة في اليونانية‪،‬‬
‫)‪ ،‬أي الموجود‪،‬‬ ‫وال تشير إلى شيء محدد) مصدر اختالف بين المتريمين‪ ،‬وبين الشراح‪ ،‬فهو يقول‪(:‬‬
‫فكيف ذهب المتريمون إلى تريمتها "الويود مويود"‪ ،‬وكان اوأولى أن يقولوا "المويود مويود" أو "الشيء مويود"‬
‫أو "هو موجود" (‪ .)It is‬وقد ثارت نقاشات واسعة حول كل من مريع (‪ )It‬والمعنى الذي يمكن أن تعود‬
‫إليه(‪)Is‬؟! ويحاول البحث أن يقترح حالً لهذه اإلشكالية التي ال تنتهي إال لتبدأ من يديد‪.‬‬

‫يقسم معظم الباحثين القصيد‪ – .‬بعد تجاوز المقدمة ‪ -‬قسمين‪ :‬اوأول في الحقيقة‪ ،‬أي الفلسفة (االنوولوييا)‪،‬‬
‫والثاني في الظن‪ ،‬أي العلم الوبيعي(الكسمولوييا) وهذا التقسيم نجده منذ ديويينس الالئرسي‪ .‬وتكمن مشكلة هذه‬
‫شيئا فاقد الحركة‪ ،‬في حين نقل لنا الجزء الثاني‬
‫القصيد‪ .‬في انسجام الجزأين؛ فقد ًعد الويود في الجزء اوأول ً‬
‫أساسيا من‬
‫ً‬ ‫قسما‬
‫معتبر المقدمة ً‬
‫ًا‬ ‫شيئا يتحرك‪ .‬إال أنني أقسم القصيد‪ .‬إلى أقسام ثالثة‪،‬‬
‫نظر‪ .‬عن الوبيعة بوصفها ً‬
‫القصيد‪ .‬وليس مجرد افتتاحية يتم عبورها بسرعة‪ ،‬بل إن إغفال المقدمة‪ -‬الثيولويية الميثولويية‪ -‬ينتج عنه أننا‬
‫مهما‪ -‬إن لم يكن الجزء اوأهم المؤسس النوولجيا بارمنيدس برمتها‪ -‬وهو بالنسبة للتحليل‬ ‫نترك يزًءا ً‬
‫الهرمنيوطيقي الذي يقترحه الباحث مفتاح الشيفرة للدخول إلى النص البارمنيدي في كليته‪ .‬ويتجه التأويل الذي‬
‫يتبناه الباحث هنا إلى عكس اتجاه جادامير الذي يرى أن هذا الشكل اوأسووري‪ -‬رغم أنه يعترف به‪ -‬ال يترتب‬
‫عليه أن يكون ذا عالقة بالدين‪ ،‬بل سيحاول‪ -‬من خالل هذا البحث‪ -‬الكشف عن البنية الدينية العميقة للقصيد‪،.‬‬
‫تلك البنية التي لم يرد يادامير أن يوليها أية عناية هيرمنيوطيقية‪ .‬وهذا ال يمنع من أن الشكل اوأسووري‬

‫‪1‬‬
‫والسردي الذي يسم اإلرث الملحمي العظيم الذي يرقى إلى هوميروس وهسيودوس‪ ،‬أقول‪ -‬متفًقا مع يادمير‪-‬‬

‫هذا ال يمنع أن قصيد‪ .‬بارمنيدس تتضمن قيمة فلسفية كبرى ً‬


‫أيضا‪ .‬وعلى ذلك أولى القصيد‪ .‬عناي ًة تأويلية لبنيتها‬
‫معا‪.‬‬
‫الدينية والفلسفية ً‬

‫تكمن إشكالية البحث في محاولة اإليابة عن التساؤالت اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬ما طبيعة التجديد الفلسفي الذي جاء به بارمنيدس في الفلسفة اليونانية؟‬

‫‪ -‬هل يمكن قراءة قصيدة بارمنيدس‪”،‬في الطبيعة“‪ ،‬قراءة هرمنيوطيقية‪ ،‬بمعزل عن السياق الديني والفلسفي‬
‫اليوناني القديم؟‬

‫‪ -‬هل يمكن فصل مقدمة قصيدة بارمنيدس‪ -‬وهي مفتتح ميثولوجي ثيولوجي‪ -‬عن بقية القصيدة؟‬

‫‪ -‬ما طبيعة االنطولوجيا عند بارمنيدس؟ وما طبيعة ما أطلقنا عليه ”الهوت الوجود عند بارمنيدس“؟‬

‫ِ‬
‫تأويل النصوص) في‬ ‫ومنهج‬
‫ُ‬ ‫فن الفهم‪،‬‬
‫سوف يستخدم الباحث المنهج الهرمنيوطيقي (‪ُّ = Hermeneutics‬‬
‫تفسير قصيد‪ .‬بارمنيدس‪ ،‬وهو المنهج الذي بلغ أويه على يد هانز جورج جادامير في كتابه ”الحقيقة‬
‫ِ‬
‫الفلسفة"‪ .‬ولكن ربما ياءت‬ ‫والمنهج“‪ ،‬والذي طبقه على قصيد‪" .‬في الوبيعة" لبارمنيدس في كتابه "بداية‬
‫النتيجة النهائية لهذا البحث مخالفة له‪ ،‬وقد يتفق البحث معه في بعض النتائج الجزئية‪ .‬ويقوم المنهج‬
‫الهرمنيوطيقي هنا على آلية تأويل النص من خالل سياقه الخاص به‪ ،‬سواء كان السياق الديني أم السياق‬
‫الفلسفي‪ .‬أما قواعد التأويل الهرمنيوطيقي الذي سيعتمد عليها الباحث فتتلخص في المحاور اوأربعة اآلتية‪:‬‬

‫نص قصيد‪ .‬بارمنيدس”في الوبيعة“‪.‬‬


‫ž‪ -1‬رصد الخلفية الالهوتية واوأسوورية‪ ،‬التي نشأ في إطارها السياقي ُ‬

‫أساسا على نص قصيد‪ .‬بارمنيدس نفسه‪.‬‬


‫ž‪ -2‬التأويل يعتمد ً‬

‫خصوصا المقدمة‪ ،‬إذ هي‬


‫ً‬ ‫شيئا‬
‫ž‪ -3‬التأويل يتناول نص قصيد‪ .‬بارمنيدس في كليته الشاملة‪ ،‬فال يحذف منه ً‬
‫مفتاح الشيفرة لذلك التأويل‪.‬‬

‫خصوصا في‬
‫ً‬ ‫الباحث نص القصيد‪ .‬عبر سياقين فلسفيين‪ :‬أحدهما سابق على بارمنيدس ويتمثل‬‫ُ‬ ‫ž‪ -4‬يؤول‬
‫اناكسيماندروس و اكسنيوفانيس‪ ،‬واآلخر الحق عليه‪ ،‬ويتمثل في أفالطون وأرسطو‪.‬‬

‫وينقسم البحث إلى الجزئين اآلتيين‪:‬‬

‫أوالا‪ :‬بارمنيدس وتأسيس االنطولوجيا‬

‫ثانيا‪ :‬االنطولوجيا الثيولوجية عند بارمنيدس‬


‫ا‬

‫‪2‬‬
‫أوالا‪ :‬بارمنيدس وتأسيس االنطولوجيا‬

‫ُيعد بارمنيدس المؤسس الحقيقي للمدرسة اإليلية‪ ،‬ولالنوولوييا في بالد اليونان‪ .‬وقد عمل بارمنيدس على‬
‫تقويض دعائم المدرسة اوأيونية‪ .‬ورغم تأثره بالمدرسة الفيثاغورية‪ ،‬إال أنه استواع أن يتجاوز الصوفية الرياضية‬
‫الفيثاغورية إلى تأسيس انوولوييا تقوم على االستنباط العقلي‪.‬‬

‫‪ -1‬المدرسة اإليلية‬
‫يقيا أسسه األيونيون على الساحل الغربي إليواليا الجنوبية‪ ،‬في حوالي سنة‬
‫أيونيا إغر ً‬
‫ثغر ً‬ ‫كانت إيليا(‪ً )Elea‬ا‬
‫‪ 540‬ق‪.‬م‪ .‬وإذا كانت المدرسة اإليلية ليست محل يدل‪ ،‬فإن عدد المفكرين المقبولين فيها كان دائماً مثار‬
‫نقاش؛ فأرسطو في كتابه "الميتافيزيقا"(‪ ،)1‬ال يضم زينون إليها‪ ،‬وال اتفاق حول اكسينوفانيس‪ ،‬وال اتفاق إال على‬
‫(‪)2‬‬
‫قانونا(‪ .)3‬وهذا الدور السياسي‬
‫ميلسوس إلى يانب بارمنيدس ‪ .‬وقد شارك بارمنيدس في سياسة مدينته‪ ،‬وسن لها ً‬
‫الذي قام به بارمنيدس تجاه مدينته‪ ،‬لم يكن من المستغرب على الفالسفة السابقين على سقراط قيامهم بمثل هذا الدور‬
‫السياسي(‪ .)4‬ثم هجر بارمنيدس السياسة وكرس حياته للتأمل تحت تأثير أمينياس الفيثاغوري(‪ .)5‬وقد اتخذ‬
‫أدا‪ .‬للتعبير عن فلسفته(‪:)6‬‬
‫بارمنيدس‪ -‬مثله في ذلك مثل هوميروس وهسيودوس واكسينوفانيس ‪ -‬الشعر ً‬

‫‪ -2‬الشعر التعليمي والتراث الشفهي الميثولوجي‬


‫في إيليا كان المناخ الفكري يختلف اختالًفا ً‬
‫بينا عنه في الساحل اوأيوني الذي نشأت فيه الفلسفة اليونانية على‬
‫شعر‪ ،‬في‬
‫كتابا في الفلسفة اا‬
‫يديدا‪ ،‬فبارمنيدس كان هو أول من وضع ا‬
‫يد طاليس‪ .‬وحتى الشكل اوأدبي كان فيها ً‬
‫حين وضع السابقون عليه من الفالسفة أمثال اناكسمندروس وانكسمينيس وهيراكليتوس مذاهبهم ًا‬
‫نثر (‪ .)7‬وكان من‬
‫اوأفضل لبارمنيدس أن يستخدم الشعر ومجازاته واستعاراته ليضمن قبوله(‪)8‬؛ فالشعر هو الشكل المناسب لصوغ‬
‫اوأفكار إذا أريد لهذه اوأفكار‪ -‬وأغراض تعليمية‪ -‬أن تكون حاضر‪ .‬بالذاكر‪ .‬على الدوام(‪ .)9‬وإذا أردنا أن نفهم‬
‫ييدا علينا أن ندرس قصيدته في إطار الريوع إلى التراث الهوميري الهسيودي‪ ،‬والتراث‬
‫قصيد‪ .‬بارمنيدس ً‬

‫أرسطططو‪ :‬مابعططد الطبيعططة‪ ،‬الكتططاب األول‪ ،‬مقالططة األلفططا الكبططر ‪ ،‬ف ‪ 986 ،5‬ب ‪ 22‬ترجمططة إمططاع عبططد الفتططاح إمططاع‪ ،‬ترجمططة‬ ‫(‪)1‬‬

‫الكتب الخمسة األولى من ميتافيزيقا أرسطو‪ ،‬ضمن كتاب مطدلل إلطى الميتافيزيقطا‪ ،‬نهمطة مصطر‪ ،‬القطاهرة ‪2005‬ع‪ ،‬ص‬
‫‪.270‬‬
‫(‪ )2‬ميشلين سوفاج‪ :‬برمنيذس‪ ،‬ترجمة بشارة صارجي‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1999 ،‬ع‪ ،‬ص‪.111 ،‬‬
‫) ‪(3‬‬
‫‪Diogenes Laertius, , Lives of Eminent Philosophers, Vol. 11, Trans by: R. D. Hicks: M.A.‬‬
‫‪Cambridge, Massachusetts, Harvard university Press, London, 1972, IX,23, p 433.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, Cambridge At The University Press,‬‬
‫‪1957, p 265.‬‬
‫) ‪(5‬‬
‫‪A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, Greece and Rome, trans by: V. Stankerich,‬‬
‫‪Progress Publishers, Moscow, 1985, p 83.‬‬
‫) ‪(6‬‬
‫‪Diogenes Laertius, Lives of Eminent Philosophers, Vol. 11, IX,22, p 431.‬‬
‫) ‪(7‬‬
‫‪J. Burnet: Early Greek Philosophy, 4 th ed, Adam & Charles-Black, London, 1975, p.250.‬‬
‫) ‪(7‬‬
‫‪A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, Greece and Rome, trans by: V. Stankerich,‬‬
‫‪Progress Publishers, Moscow, 1985 p.171.‬‬
‫) ‪(8‬‬
‫‪K. Freeman: The Pre-Socratic philosophers, 2nd ed. Basil Black Well Oxford, 1959, p,173.‬‬
‫)‪(8‬‬
‫‪.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, Cambridge At The University Press, 1957‬‬
‫‪p,140-141.‬‬
‫) ‪(9‬‬
‫‪Edward Hussey, The Presocratics, (Classical Life And Letters) Gerald Duckworth, London,‬‬
‫‪1972, p 78.‬‬

‫‪3‬‬
‫الشفاهي اليوناني قبل معرفة الكتابة‪ .‬وهذا ما فعلته لي از ويلكينسون في كتابها ( ‪Parmenides and To‬‬
‫‪ .)10()Eon‬ومازالت القصيد‪ .‬تحظى حتى وقتنا الحالي بتريمات وتعليقات معاصر‪.)11(.‬‬

‫ووأن أبيات القصيد‪ .‬تتحدث عن مذهب فلسفي سنولق عليها‪ -‬مع هيدجر‪"-‬القصيدة المذهبية" أو "القصيدة‬
‫التعليمية"(‪ .)12‬وفي ذلك يتبع بارمنيدس تقاليد المدرسة اإليوالية التي تجمع بين الميثوس واللوجوس‪ ،‬بين‬
‫الفلسفة واوأساطير‪ ،‬المستمد‪ .‬من التراث الشفهي القديم‪ ،‬في بنية واحد‪:.‬‬

‫‪)Logos-‬‬ ‫‪ )Muthos-‬واللوجوس(‬ ‫‪ -3‬الجمع بين الميثوس(‬


‫مولع هذه القصيد‪ .‬التعليمية كأنه قصة دينية؛ ومن المريح – كما يقول إميل برهييه‪ -‬أن هذه القصة تحاكي‬
‫كتابا من كتب الموتى األورفية‪ ،‬وتبتعد‪ ،‬بما فيها من تعقيدات غرائبية‪ ،‬عن بساطة النثر األيوني‪ ،‬وكذلك عن‬
‫ا‬
‫معالم تيارين متعاكسين في‬
‫ُ‬ ‫صور هيراكليتوس المفرطة في واقعيتها‪ )13(.‬لقد ارتسمت‪ ،‬مع بارمنيدس‪ ،‬بجالء‬
‫سافر لألساطير والتقاليد الدينية‬
‫الفكر اإلغريقي‪ :‬من جهة أولى‪ :‬الوضعية األيونية‪ ،‬التجريبية‪ ،‬المعادية عداء ًا‬
‫والعبادات السرية‪ ،‬وبالتالي البعيد‪ .‬عن أن تكون شعبية‪ .‬ومن الجهة الثانية‪ :‬عقالنية بارمنيدس وفيثاغورس‬
‫الساعية إلى بناء الويود بالعقل‪ ،‬النازعة نحو الجدل‪ ،‬غير المتعاطفة مع التجربة المباشر‪ ،.‬والمحبة لهذا السبب‬
‫كبيرا‪ ،‬والشعبية بوبيعة‬
‫اهتماما ً‬
‫ً‬ ‫لألساطير في كل ما يتصل باوأشياء الحسية‪ ،‬والميالة إلى إعواء مشكلة القدر‬
‫الحال‪ .‬ويبدو أن التضامن المتالحم بين العقالنية والخيال اوأسووري هو السمة البارز‪ .‬لتلك المرحلة(‪ .)14‬ومن‬
‫الغريب حًقا أن نرى الواحدية اوأيونية قد تفتقت في يو ينوب إيواليا الفيثاغوري عن هذا الشكل الفكري‪ -‬كما‬

‫يصفه سارتون‪ -‬المتورف المتضارب ‪ .‬وقد ويد اوأمران كالهما‪ -‬العقالنية واوأساطير‪ -‬منفذاً ً‬
‫(‪)15‬‬
‫بالغا داخل‬
‫عقل بارمنيدس‪ ،‬وفي مركب فكري متسق غير متضارب كما سوف نرى‪ .‬ومن خاللهما‪-‬الميثوس واللويوس‪-‬‬
‫استواع بارمنيدس أن يبدأ مرحلة يديد‪ .‬في تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬حتى إنه عد ثالث ثالثة‪:‬‬

‫‪(10‬‬
‫‪Lisa Atwood Wilkinson: Parmenides and To Eon, Reconsidering Muthos and Logos,‬‬
‫‪Continuum International Publishing Group, New York & London, 2009.See Introduction‬‬
‫‪PP,1-9.‬‬
‫) ‪(11‬‬
‫‪See: Fragments Parmenides, Edited with New Translations by Richard McKirahan,‬‬
‫‪PARMENIDES PUBLISHING Las Vegas • Zurich • Athens, 2009.‬‬
‫)‪(12‬‬
‫‪Martin Heidegger, Parmenides, translated by Andre Schuwer and Richard Rojcewicz,‬‬
‫‪Indian University Press, 1992, p 2.‬‬
‫(‪ )13‬اميططل برهييططه‪ :‬تططاريا الفلسططفة‪ ،‬الجططزء األول‪ ،‬الفلسططفة اليونانيططة‪ ،‬الطبعططة الثانيططة‪ ،‬ترجمططة‪ :‬جططورج طرابيشططي‪ ،‬دار الطليعططة‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫اميل برهييه‪ :‬تاريا الفلسفة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫(‪)14‬‬

‫جططورج سططارتون‪ :‬تططاريا العلططم‪ ،‬الجططزء الثططاني‪ ،‬ترجمطة لفيططم مططن العلمططاء ب شطراف‪ ،‬إبطراميم بيططومي مططدكور‪ ،‬دار المعططارف‪،‬‬ ‫(‪)15‬‬

‫القاهرة‪1991 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -4‬ثالث ثالثة‬
‫إن بارميدس رأس المدرسة اإليلية‪ ،‬والمفكر األكثر أهمية في تلك الفترة(‪)16‬؛ هو ثالث ثالثة ياءوا بتغييرات‬
‫عميقة في الفلسفة اليونانية؛ فطاليس أدخل المنهج الطبيعي إلى بالد اليونان إلحالله محل المنهج اوأسووري‪،‬‬
‫وأكمله فيثاغورس بالمنهج الرياضي‪ ،‬وياء بارمنيدس في أعقابهما لتأسيس الميتافيزيقا (االنوولوييا) والمنوق‬
‫(‪)17‬‬
‫تماما عن المدرسة اوأيونية‬
‫العقلي ‪ .‬لقد عاود بارمنيدس البحث في مشكلة أصل العالم ولكن على نحو مختلف ً‬
‫والمدرسة الفيثاغورية حيث اتجه إلى البحث في الويود ذاته‪ ،‬فمع بارمنيدس تحولت الفلسفة من الفيزياء‪ ،‬علم‬
‫وقد قامت انوولوييا بارمنيدس بتقويض دعائم الفلسفة اوأيونية وأبرز‬ ‫(‪)18‬‬
‫الوبيعة‪ ،‬إلى االنطولوجيا‪ ،‬علم الويود‬
‫ممثليها هيراكليتوس‪ ،‬وكذلك تجاوزت الصوفية الرياضية التي تبنتها المدرسة الفيثاغورية‪:‬‬

‫‪ -5‬تقويض دعائم المادية األيونية‬


‫تكمن يد‪ .‬فكر‪ .‬بارمنيدس في هذا المنهج العقلي والنقدي الذي كان بمثابة نقوة االنوالق لكل الجدلية‬
‫الفلسفية‪ -‬التي ياءت من بعده‪ -‬في بالد اإلغريق(‪ ،)19‬فظهرت معالمها في عقالنية أنكسايوراس‪ ،‬وميثولويية‬
‫أمبادوكليس‪ ،‬ويدلية أفالطون‪ ،‬ومنهجية أرسوو(‪ .)20‬أما من ويهة نظر المدرسة اوأيونية القديمة وهى المدرسة‬
‫طا وثيًقا بعمليات التغير في الوبيعة‪ ،‬فقد كان يتعذر على‬
‫التي نشأت أساليب تفسيرها الفلسفية مرتبوة ارتبا ً‬
‫فالسفتها التخلي عن هذا التغير‪ .‬ويحدد ظهور المذهب اإليلي (‪ )Eleaticism‬مرحلة أخرى من مراحل انفصال‬
‫الفلسفة عن يذورها في الحيا‪ .‬العملية(‪.)21‬‬

‫‪ -6‬الحجاج العقلي‬
‫لكن اوأكثر أهمية فيما أحدثه بارمنيدس من تقويض للمدرسة اوأيونية يتمثل في ما يجب علينا أن نفهمه من‬
‫موقف بارمنيدس‪ -‬حسب تعبير بنيامين فارتن‪ -‬بشكله المزدوج‪ :‬من حيث هو اعتراض ومن حيث هو تأكيد؛‬
‫فهو من ناحية يعارض النتائج اإللحادية للفلسفة اوأيونية التي أبعدت المقدسات عن الوبيعة‪ ،‬وهو من الناحية‬
‫اوأخرى يؤكد اوأهمية القصوى لألسلوب الجديد الذي بدأنا نالحظه وأول مره‪ ،‬أسلوب المحاجة المنطقية(‪.)22‬‬
‫فبارمنيدس كان أول فيلسوف اعمل مبدأ "الذاتية" أو "الهوية" (‪ )Identity‬بقوله " كل مويود فهو مويود"‪ ،‬ومبدأ‬
‫ِ‬
‫العقل الذي ال يتزعزع‪ ،‬في‬ ‫"عدع التناقض" (‪ )Non- contradiction‬وأعلنهما صراح ًة‪ ،‬ويعل منهما أساس‬

‫) ‪(16‬‬
‫‪Wilhelm Windelband: History of Ancient Philosophy, Trans by H. E Cushman, Dover‬‬
‫‪publication Inc, London, 1990, p 37.‬‬
‫(‪ )17‬ميشلين سوفاج‪ :‬برمنيذس‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫) ‪(18‬‬
‫‪Julian Marias, history of philosophy, translated from Spanish By Stanley Appelbaum‬‬
‫‪and Clarence C.Strowbridge, Dover Publications, Inc, New York, 1967, p 24.‬‬
‫(‪ )19‬محمططد عبططد الططرحمن مرحبططا‪ :‬تططاريا الفلسططفة اليونانيططة مططن بططدايتها حتططى المرحلططة الهلنسططية‪ ،‬مؤسسططة عططز الططدين للطباعططة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ 1993،‬ص ‪.85‬‬
‫جعفر آل ياسين‪ :‬فالسفة يونانيون‪ ،‬العصر األول‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪ ،‬بغداد‪1971،‬ع ‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫(‪)20‬‬

‫بنيططامين فططارنتن‪ :‬العلططم اإلغريقططي‪ ،‬الجططزء األول‪ ،‬ترجمططة‪ :‬أحمططد شططكري سططالم‪ ،‬مراجعططة‪ :‬حسططين كامططل أبططو الليططم‪ ،‬مكتبططة‬ ‫(‪)21‬‬

‫التهمة المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1958 ،‬ص ‪.64‬‬


‫(‪)22‬‬
‫بنيامين فارنتن‪ :‬العلم اإلغريقي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪5‬‬
‫نفس الوقت الذي كان هيراكليتوس يهوي فيه على هذا اوأساس بكل قوته(‪ .)23‬والذي تهكم عليه بارمنيدس بقوله‪:‬‬
‫إنه ينظر بويهين! ( يقترح فيرنر ييجر أن بارمنيدس كان يقصد الجنس البشري كله وليس هيراكليتوس وحده(‪))24‬‬
‫فيذهب إلى "أن الويود مويود‪ ،‬والالويود مويود‪ ،‬وأن‬ ‫(‪)25‬‬
‫وقد فسر سمبليكيوس ذلك ب "الجمع بين النقيمين"‬
‫الويود والالويود شيء واحد‪ ،‬وإلى أن كل شيء يتجه في اتجاهات متضاد‪ .)26(".‬وعلى ذلك يوصف بارمنيدس‬
‫بأنه أول فيلسوف يعتمد منهجه على "االستدالل المنطقي" (‪ .)Logical Deduction‬وبناء على ذلك يمكننا أن‬
‫نستنتج أن بارمنيدس قد أكد على أن المادية األيونية هى طريق الظن‪ .‬وإذا كان بارمنيدس قد عمل على‬
‫تقويض دعائم المادية اوأيونية‪ ،‬فإنه قد عمل‪ -‬رغم تأثره بفيثاغورس‪ -‬على تجاوز الصوفية الفيثاغورية‪:‬‬

‫‪ -7‬تجاوز الصوفية الفيثاغورية‬


‫لقد وحد الفالسفة اليونانيون السابقون على سقراط بين الوبيعة الخاريية والوبيعة اإلنسانية واإلله‪ .‬وتُسمي هذه‬
‫في‪،‬‬ ‫أي كل و‬ ‫‪ ،)Panentheisus-‬بمعنى أن الكل في اإلله ( من‬ ‫النزعة باسم (‬
‫ينبا إلى‬
‫إله)‪ .‬وهذه النزعة كانت مرتبوة أشد االرتباط بالنزعة اوأورفية‪ .‬فهما نزعتان قد سارتا ً‬ ‫و‬
‫ينب(‪ .)27‬وقد بلغ كمال هاتين النزعتين عند بارمنيدس؛ ففالسفة ينوبي إيواليا وصقلية كانوا أكثر ميالً إلى‬
‫التصوف والتدين من فالسفة أيونيا‪ ،‬الذين كانوا يميلون على ويه اإليمال إلى النزعة العلمية والتشككية(‪ .)28‬ولم‬
‫تكن المسافة بعيد‪ .‬بين كروتون وميتابونتيوم‪ ،‬موطن الفيثاغوريين وبين إيليا‪ ،‬موطن بارمنيدس(‪ .)29‬ومن ثم فإن‬
‫احتمال تأثير الفيثاغورية على بارمنيدس قائم(‪.)30‬‬

‫والحق أننا نجد لدي بارمنيدس نزعة فيثاغورية قوية تجعل من اوأفكار الدينية منولقا لها نحو تعقل الكون والعالم‬
‫يصلون بين بارمنيدس وبين‬ ‫(‪)31‬‬
‫ونحن نجد قدماء الروا‪ .‬مثل ديوجينس الالئرتي وسوتيون(‪)Sotion‬‬
‫الفيثاغوريين‪ ،‬ويذكرون اسم أحدهم بالذات وهو أمينياس (‪ ،(Ameinias‬وكان ًا‬
‫فقير ولكنه من اوأشراف الذين‬
‫تخليدا له(‪ .)32‬وهنا يبرز التساؤل اآلتي‪ :‬ما الذي تعلمه بارمنيدس الشاب من‬
‫ً‬ ‫فبر‬
‫ابتنى له بارمنيدس بعد وفاته ًا‬

‫(‪ )23‬يوسف كرع‪ :‬تاريا الفلسفة اليونانية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫) ‪(24‬‬
‫‪W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers, At Clarendon Press, Oxford,‬‬
‫‪London. 1948, p.101.‬‬
‫)‪(25‬‬
‫‪.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 271.‬‬
‫(‪ )26‬بارمنيططدس‪ :‬فططي الطبيعططة‪ ،‬شططذرة ‪ ،6‬تططرجم هططذا الشططذرات إلططى العربيططة‪ ،‬أحمططد فطؤاء األهطواني‪ ،‬ضططمن كتابططه‪ ،‬فجططر الفلسططفة‬
‫اليونانية قبل سقراط‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪2009 ،‬ع‪ ،‬ص ‪131‬‬
‫عبد الرحمن بدوي‪ :‬ربيع الفكر اليوناني‪ ،‬وكالة المطبوعات‪ ،‬الكويت‪1979،‬ع‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫(‪)27‬‬

‫برتراند رسل‪ :‬تطاريا الفلسطفة الغربيطة‪ ،‬الكتطاب األ ول‪ ،‬الفلسطفة القديمطة‪ ،‬ترجمطة‪ ،‬زكطي نجيطب محمطود‪ ،‬راجعطه‪ ،‬أحمطد أمطين‪،‬‬ ‫(‪)28‬‬

‫لجنة التأليم والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪1957 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.90‬‬


‫)‪(29‬‬
‫‪.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 265.‬‬
‫‪(30‬‬ ‫)‬
‫‪D.W.Hamlyn: The Penguin History of Western Philosophy, Vol 1, Penguin Group , London,‬‬
‫‪1956, , p 22.‬‬
‫‪(31‬‬ ‫)‬
‫‪Diogenes Laertius, Lives of Eminent Philosophers, Vol. 11, IX,21, p 429.‬‬
‫(‪ )32‬أحمد فؤاد األهواني‪ :‬فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪2009 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.127‬‬

‫‪6‬‬
‫أستاذا أمينياس ويعله يعجب به كل هذا اإلعجاب أكثر من إعجابه باكسينوفانيس المشهور(‪)33‬؟ يقول ريتشارد‬
‫جيلدارد‪ -‬إياب ًة عن هذا السؤال‪ -‬إنه الواحد الفيثاغوري الذي مارس ًا‬
‫تأثير عميًقا على واحدية بارمنيدس(‪.)34‬‬
‫ويرى بيرنت أن أمينياس‪ -‬وليس اكسينوفانيس‪ -‬هو الذي حول بارمنيدس إلى الحيا‪ .‬التأملية(‪)35‬؛ وهذا يدل على‬
‫عمق التأثير الديني الفيثاغوري على بارمنيدس‪ .‬أما جومبرتز فيرى أن المذهب الفلسفي لبارمنديس مدين‬
‫لفيثاغورس أكثر مما هو مدين وأكسينوفانيس(‪ .)36‬ولكني أرى أن تأثير اكسينوفانيس ال يقل عمًقا من تأثير‬
‫أمينياس على بارمنيدس‪ ،‬كما سوف نرى‪.‬‬

‫بدأ بارمنيدس حياته فيثاغورًيا‪ ،‬لكنه بعد ذلك تخلى عن الفلسفة الفيثاغورية لصالح آرائه الخاصة (‪ .)37‬لكن آراءه‬
‫ومنوقيا؛ إن بارمنيدس‪ -‬كما‬
‫ً‬ ‫مظهر انوولويياً‬
‫ًا‬ ‫الخاصة هذه بقيت في بنيتها العميقة ديني ًة‪ ،‬وإن اكتسى سوحها‬
‫يقول بيير دوكاسيه‪ -‬وا ٍع تمام الوعي بهذا التصدع وهذا االنسالخ الذين يولبهما من اإلنسان‪ ،‬ولكنه إذا أيبر‬
‫الفرد على اإلقالع عن المعقول العام فليس ليلقي به في أحضان صوفية غامضة‪ ،‬ولكن ليبني الخووات اوأولى‬
‫للتحرر العقلي(‪)38‬؛ وهو ذلك المذهب الجديد الذي نسميه ب"االنطولوجيا الثيولوجية" وبه قد تجاوز بارمنيدس‬
‫معا‪.‬‬
‫المادية اوأيونية والصوفية الفيثاغورية ً‬

‫ثانيا‪ :‬االنطولوجيا الثيولوجية عند بارمنيدس‬


‫ا‬

‫سور أو سورين(‪ ،)39‬ولكن الكتاب‬


‫ًا‬ ‫لم تصلنا قصيد‪ .‬بارمنيدس كاملة وقد اقتبس منها أرسوو وأفالطون‬
‫المتأخرين‪ -‬ولنأخذ في االعتبار البعد الزمني الكبير‪ -‬مثل سمبليكيوس ‪( Simplicius‬القرن السادس الميالدي‬
‫وهو أحد شراح أرسوو) وسكستوس إمبريكوس ‪( Sextus Empiricus‬من الشكاك‪ ،‬القرن الثالث الميالدي)‬
‫وبعض روا‪ .‬اآلراء اآلخرين احتفظوا ببقية القصيد‪ :.‬وهو نص من تسع عشر‪ .‬مقووعة‪ ،‬وحوالي مائة وخمسين‬
‫بيت شعر(‪ .)40‬وقد تريم أحمد فؤاد األهواني الجزء الباقي لدينا من القصيد‪ ،.‬وعلى هذه التريمة نعتمد في تأويل‬
‫فلسفة بارمنيدس(‪.)42()41‬‬

‫‪(33‬‬
‫‪Richard Geldard, Parmenides and The way of Truth, translated and commentary, 2007, p‬‬
‫‪12.‬‬
‫‪(34‬‬
‫‪Richard Geldard, Parmenides and The way of Truth, p 15.‬‬
‫) ‪(35‬‬
‫‪J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.170.‬‬
‫) ‪(36‬‬
‫‪Theodor Gomperz, The Greek Thinkers, trans By Laurie Magnus, John Murray,Albemarle‬‬
‫‪Street,W, London, 1964, vol 1, p 167.‬‬
‫(‪ )37‬فردريططك كوبلسططتون‪ :‬تططاريا الفلسططفة‪ ،‬المجلططد األول (اليونططان ورومططا)‪ ،‬ترجمططة إمططاع عبططد الفتططاح إمططاع‪ ،‬المشططروا القططومي‬
‫للترجمة‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪2002 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫(‪ )38‬بيير دوكاسيه‪ :‬الفلسفات الكبر ‪،‬ط ‪ ، 2‬ترجمة‪ ،‬جورج يونس‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪1977 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫) ‪(39‬‬
‫‪David j. Furley: Parmenides, in the Encyclopedia of Philosophy, editor in chief Paul‬‬
‫‪Edwards,Vol six, Macmillan Publishing Co, New York & London, 1967, p.47.‬‬
‫(‪ )40‬ميشلين سوفاج‪ :‬برمنيذس‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫أحمد فؤاد األهواني‪ :‬فجر الفلسفة اليونانية‪ ،‬من ص ‪129‬إلى ص ‪.135‬‬ ‫(‪)41‬‬

‫‪7‬‬
‫بداية نقر بأنه ليس من السهل إعاد‪ .‬صياغة فلسفة بارمنيدس من تلك الشذرات المتبقية من قصيدته التعليمية في‬
‫الوبيعة‪ ،‬والتي هى انوولوييا تجريدية ذات صور خصبة(‪ .)43‬وقد ياءت بعض أبياتها غامضة المعني‬
‫وتُعد النص الفلسفي المتسق الوحيد الذي وصلنا من‬ ‫(‪)45‬‬
‫للغاية(‪ .)44‬والقصيد‪ .‬عبار‪ .‬عن مقدمة ويزءان تابعان‬
‫بداية الفكر الغربي‪ :‬هذا النص الذي‪ -‬حسب تعبير هانز جورج جادامير‪ -‬أريقت من أيل تأويله أنهار من‬
‫الحبر(‪ !)46‬ولم تك رحلة بارمنيدس في أي مكان على اوأرض بل في السماوات(‪ ،)47‬ولعل هذه أول قصيد‪.‬‬
‫تتحدث عن رحلة إلى عالم الميتافيزيقا‪ ،‬أو السماوات‪ ،‬على نحو ما فعل بعد ذلك شعراء آخرون فالسفة من أمثال‬
‫أبي العالء المعري‪ ،‬ودانتي الليجيري‪ ،‬وربما كان هناك من هو أسبق من بارمنيدس(‪.)48‬‬

‫أما القسم الثاني من القصيدة‪ -‬الذي ُيولق عليه "طريق الحقيقة"‪ -‬فسوف يتناوله التحليل الهرمنيوطيقي على‬
‫أساس أنه طريق الحق الذي يدعو إليه بارمنيدس‪ ،‬ويبرهن على ويوده بالمنوق العقلي‪ :‬العالم اإللهي‪ ،‬طريق‬
‫اآللهة المقدسين (كما سوف يحاول أن يثبته بحثنا الحالي)‪ .‬هكذا يجتمع الوجود والالهوت بالمنطق في القسم‬
‫الثاني من القصيد‪ .‬في صيغة تنم عن عبقرية مؤكد‪ .‬عند بارمنيدس‪ .‬وهذه الصيغة هي ما أسميتها‬
‫ب"االنوولوييا الثيولويية عند بارمنيدس"؛ حيث يمع بارمنيدس بين بهاء الوحي اإللهي مع تسلسل الحجة‬
‫المنوقي‪ ،‬وكان الفيلسوف اوأول فيما نعلم الذي أدلى بنظريته في الوبيعة في صوره من صور االستنباط(‪.)49‬‬

‫وفيما يخص القسم الثالث الذي اُصولح على تسميته "طريق الظن"‪ ،‬فينظر إليه الباحث على أنه ليس فقط‬
‫طريق الحواس‪ ،‬بل هو طريق عالمنا المادي‪ ،‬المتغير‪ ،‬الذي هو طريق البشر الفانين‪.‬‬

‫ولعلنا نولى كل قسم من هذه اوأقسام الثالثة اوأهمية التي يستحقها من التأويل الديني والفلسفي‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫العناصر اآلتية‪:‬‬

‫أ‪ -‬المقدمة‪ :‬مفتتح أسطوري ديني لفلسفة عقلية‬

‫(‪)42‬‬
‫وهناك ترجمات ألر للقصيدة بالعربية‪:‬‬
‫‪ -1‬مقتطفات بارمنيدس‪ :‬ضمن كتاب‪ :‬فردريك نيتشطه‪ :‬الفلسطفة فطي العصطر المأسطاوي األغريقطي‪ ،‬تعريطب سطهيل القط ‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1981 ،‬ع‪ ،‬ص ص‪.118-113‬‬
‫‪ -2‬مقتطفات بارمنيدس‪ ،‬ضمن كتاب هانز جطورج غطادامير‪ :‬بدايطة الفلسطفة ‪ ،‬ترجمطة علطى حطاكم صطالح و حسطن نطا‪،‬م‪،‬‬
‫دار الكتاب الجديد المتحدة‪ ،‬بيروت‪2002 ،‬ع‪ ،‬ص ص ‪.198-191‬‬
‫‪ -3‬ميشلين سوفاج‪ :‬برمنيذس‪ ،‬ص ص ‪.61-53‬‬
‫) ‪(43‬‬
‫‪Wilhelm Windelband: History of Ancient Philosophy, p 37.‬‬
‫)‪(44‬‬
‫‪.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 265.‬‬
‫) ‪(45‬‬
‫‪Julian Marias, history of philosophy, p 20.‬‬
‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫(‪)46‬‬

‫) ‪(47‬‬
‫‪David j. Furley: Parmenides, in the Encyclopedia of Philosophy, p.47.‬‬
‫شطططوقي جطططالل‪ :‬مقدمطططة ترجمتطططه لكتطططاب جطططورج جطططي‪.‬اع‪ .‬جطططيمس‪ :‬التطططرال المسطططروق‪ ،‬الفلسطططفة اليونانيطططة فلسطططفة مصطططرية‬ ‫(‪)48‬‬

‫مسروقة‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬ع‪ ،‬هام ص ‪.68‬‬


‫) ‪(49‬‬
‫‪F.M.Cornford: From Religion To Philosophy, Princenton University press, Princenton,‬‬
‫‪1991, p 214.‬‬

‫‪8‬‬
‫ب‪ -‬طريق الوجود‪ :‬العالم اإللهي‬

‫ج‪ -‬طريق الالوجود‪ :‬العالم المادي‬

‫أ‪ -‬مقدمة القصيدة‪ :‬مفتتح أسطوري ديني لفلسفة عقلية‬


‫‪ -1‬أهمية المقدمة‪ :‬مفتاح الشيفرة‬
‫ربما كان من المناسب أن نبدأ تحليل قصيد‪ .‬بارمنيدس بعرض مقدمتها التي تعتمد الدين اوأسووري(وهو أمر‬

‫يتجاهله كثير من الباحثين)‪ .‬ولقد أهملت النزعة التاريخية (‪ )Historicism‬القيمة الشعرية لنص بارمنيدس إهماالً‬
‫تاما(‪ ،)50‬مع أنها تحتوي على عدد من التفاصيل والنقاط الهامة(‪ ،)51‬إن بارمنيدس قد آثر أن‬
‫يكاد أن يكون ً‬
‫يعرض فلسفته من خالل إحساسه الديني ويعبر عنها في أسلوب رمزي هو أنسب اوأساليب التجاهه الميتافيزيقي‬
‫المتأثر باوأسرار الدينية(‪ .)52‬ونحن نرغب في التشديد‪ ،‬أوالا‪ ،‬على حقيقة أن الشعر الملحمي كان ينطوي في‬
‫العادة على تفسير أسطوري‪ ،‬وطباقا لهذا التفسير ُتَرُّد ‪،‬اهرة الفكر عند اإلنسان إلى قوة مقدسة(‪ .)53‬لذلك نحن‬
‫نعد المقدمة مفتاح شيفرة فلسفة بارمنيدس برمتها‪.‬‬

‫‪ -2‬مفتتح أسطوري ديني‬


‫بعيدا إلى حيث هفا قلبي‪،‬‬
‫يقول بارمنيدس في مفتتح القصيد‪":.‬قادتني األفراس (العربة) التي كانت تحملني ا‬
‫) المشهور (طريق اآللهة) الذي يهدي الحكيم العارف بسائر‬ ‫وأوقفتني (اآللهة) عند ذلك الطريق (‬
‫المدن‪ . .‬وأسرعت بي األفراس الحكيمة تجر عربتي في ذلك الطريق والعذار ( والعرائس) ترشد إليه‪ ،‬وتطاير‬
‫صرير كأنه الزمر (ألن عجلتين دائرتين على كال الجانبين كانتا‬
‫اا‬ ‫الشرر من الرحى في تجويم العجلة‪ ،‬وصرت‬
‫تدفعانها) ثم ضاعفت العذار بنات الشمس (‪ )Helios‬من سرعتي‪ ،‬وكشفن بأيديهن النقاب عن رءوسهن‬
‫(وجوههن)‪ ،‬ليحملنني إلى النور‪ ،‬وقد لرجن من مسكن (قصر) الليل‪ ،‬إلى حيث كانت بوابات طريقي الليل‬
‫والنهار‪ ،‬وقد سدت بعوارض من فوق‪ ،‬وعتبة من حجر من تحت‪ ،‬وأغلقت البوابات الذامبة في الهواء بأبواب‬
‫عظيمة‪ ،‬واحتفظت العدالة )‪ )Dike‬ذات العقاب (االنتقاع) الشديد في يديها بمفاتيحها‪ .‬ولاطبتها العذار‬
‫بألفاظ عذاب يغرينها ب نزال العوارض عن البوابات بغير إبطاء فلما انفتحت األبواب كشفت عن فماء واسع‪،‬‬
‫ثم عادت مساميرها البرونزية إلى مواضعها‪ .‬وفي هذا الطريق المستقيم اتجهت العذار يقدن العربة واألفراس‪،‬‬
‫حيث استقبلتني اإللهة بترحاب"(‪.)54‬‬

‫(‪)50‬‬
‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫)‪(51‬‬
‫‪.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 268.‬‬
‫أميرة حلمي مطر‪ :‬الفلسفة عند اليونان‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪1986 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫(‪)52‬‬

‫(‪)53‬‬
‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،1‬الترجمة العربية‪ ،‬أحمد فؤاء األهواني‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫(‪)54‬‬

‫‪9‬‬
‫في هذا المفتتح تظهر أهمية وخوور‪ .‬الوحي الديني(‪ .)55‬ومع ذلك يرى بيرنت أنه مجرد وصف استعاري مجازي‪،‬‬
‫وما يراه بيرنت (ريل‬ ‫(‪)56‬‬
‫يشبه رؤيا تنبؤية‪ ،‬أو سفر من أسفار الرؤيا األورفية (‪)Orphic apocalypse‬‬
‫العصر الحديث) مجرد وصف استعاري مجازي‪ ،‬يقرأه الباحث( كأنه مواطن يعيش في القرن السادس قبل‬
‫الميالد)‪ ،‬باعتباره حقيق ًة دينية يتعلمها مستمعو بارمنيدس‪ ،‬ويتلوها عليهم‪ -‬كجمهور من المستمعين للشعر‬
‫المقدس‪ -‬شاعر فيلسوف‪:‬‬

‫‪ -3‬جمهور المتلقين‬
‫يقول بارمنيدس‪" :‬وأوقفتني (اآللهة) عند ذلك الطريق المشهور (طريق اآللهة) الذي يهدي الحكيم العارف‬
‫شيئا الفتًا للنظر أنه‬
‫بسائر المدن"‪ .‬إن بارمنيدس لم يقل كلمة واحد‪ .‬عن الويود(‪ )Being‬في أي مكان‪ ،‬وكان ً‬
‫يتجنب مصولح اإلله (‪ )god‬الذي كان المفكرون من قبله ومن بعده يستخدمونه بحرية‪ .‬إن بارمنيدس يتحدث‬
‫عن الكون باعتباره مالء‪ ،‬وأن الفراغ غير مويود‪ ،‬وأنه ال سبيل إلى تصور الحركة فيه‪ ،‬فالحركة مجرد وهم(‪.)57‬‬
‫هذا ما يقوله جون بيرنت‪ ،‬ولكننا نجد‪ -‬في المقدمة‪ -‬إله َة الحق تحادث بارمنيدس وتؤكد له أن هناك طريقين‬
‫للمعرفة‪ :‬طريق تفضي إلى معرفة الحق‪ ،‬وأخرى إلى معرفة آراء البشر‪ .‬ومنهج بارمنيدس هنا هو المنهج الذي‬
‫ٍ‬
‫مؤلف لنص‪ .‬وهذا ما يميز عصر بارمنيدس؛ العصر‬ ‫يستخدع للعامة الذين ال يقرءون‪ ،‬إنما يتبعون تالو‪.‬‬
‫الحضاري الذي يسبق انتشار الكتابة(‪.)58‬‬

‫أي أن بارمنيدس اصونع اوأدا‪ .‬اوأكثر شعبية لتعليم الجمهور في ذلك الوقت أال وهو الشعر‪ .‬وهنا نورح‬
‫الملحوظة اآلتية‪ :‬هل يبدأ شاعر‪ -‬في القرن السادس قبل الميالد‪ -‬بصياغة أبيات فلسفية انطولوجية عميقة‬
‫التجريد المنطقي‪( ،‬غطس صاحبها في حماع بارد من التجريدات المخيفة‪ ،‬كما يقول نيتشة!)(‪ ،)59‬لجمهور‬
‫أغلبه من عامة الشعب‪ ،‬غير المتعلم؟ أم أن بارمنيدس الشاعر يحدث يمهوره عن ما يألف ويعتاد (الطريق‬
‫المشهور)‪ ،‬أال وهو الحديث المحبب إلى كل نفس‪ :‬الحديث عن اآللهة (طريق اآللهة)‪ ،‬وعالمها السامي الذي‬
‫يتولع إليه بنو البشر (الذي يهدي الحكيم العارف بسائر المدن) أمالً في اللحاق بالمنعمين والسعداء والخالدين؟‬
‫خاصة إذا عرفنا أن بارمنيدس‪ -‬كما يصفه بنيامين فارنتن‪ -‬هو ثاني فالسفة اإلغريق المتدينين(‪ .)60‬إن‬
‫أشعار مقدسة من كتاب من كتب الوحي التي كانت منتشر‪ٍ .‬‬
‫آنئذ‪:‬‬ ‫ًا‬ ‫بارمنيدس ينولق كشاعر يتلو على مستمعين‬

‫‪ -4‬مستهل كتاب أورفي‬

‫)‪(55‬‬
‫‪.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 268.‬‬
‫) ‪(56‬‬
‫‪J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.171.‬‬
‫‪(57‬‬ ‫)‬
‫‪J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.178-179.‬‬
‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص‪.175 ،‬‬ ‫(‪)58‬‬

‫فردريططك نيتشططه‪ :‬الفلسططفة فططي العصططر المأسططاوي اإلغريقططي‪ ،‬تعريططب سططهيل القط ‪ ،‬المؤسسططة الجامعيططة للدراسططات والنشططر‪،‬‬ ‫(‪)59‬‬

‫بيروت‪1981 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.72‬‬


‫بنيامين فارنتن‪ :‬العلم اإلغريقي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫(‪)60‬‬

‫‪10‬‬
‫"وأسرعت بي األفراس الحكيمة تجر عربتي في ذلك الطريق والعذار ( والعرائس) ترشد إليه‪ ،‬وتطاير الشرر من‬
‫صرير كأنه الزمر (ألن عجلتين دائرتين على كال الجانبين كانتا تدفعانها)‬
‫اا‬ ‫الرحى في تجويم العجلة‪ ،‬وصرت‬
‫ثم ضاعفت العذار بنات الشمس (‪ )Helios‬من سرعتي‪ ،‬وكشفن بأيديهن النقاب عن رءوسهن (وجوههن)‪،‬‬
‫ليحملنني إلى النور‪ ،‬وقد لرجن من مسكن (قصر) الليل‪ ،‬إلى حيث كانت بوابات طريقي الليل والنهار"‪.‬‬

‫يمتاز استهالل القصيد‪ .‬كذلك بجميع الزخارف التي ينووي عليها كتاب استلهاع "أورفي"‪ .‬ينقل الشاعر الفيلسوف‬
‫إلى "بوابات الشمس"‪ ،‬تحرسه العدالة‪ ،‬ومن داخلها يتلقى وحي الحقيقة من إحدى اإللهات‪ .‬لقد تم تأويل الوريق‬
‫بالتعقل‪ ،‬والخيول بقو‪ .‬التعقل‪ ،‬وبنات الشمس بالتنوير‪ ،‬أو الحدس الذي بدونه ال يمكن لقو‪ .‬التعقل أن تؤدي‬
‫دورها‪ ،‬وكشف بنات الشمس عن ويوههن‪ ،‬استعار‪ .‬نزع الحجاب‪ ،‬داللة على الحقيقة‪ ،‬والتي كان من المفهوم في‬
‫)(‪ .)61‬غير أن تأثير التراث اإليوالي اوأورفي‬ ‫بالد اليونان التعبير عنها بالسفور واكتشاف الحقيقة(‬
‫الفيثاغوري على بارمنيدس‪ -‬هكذا يرى أرمسترونج‪ -‬ال يمضي أبعد من ذلك بكثير؛ فال أثر لديه من الديانة‬
‫الفيثاغورية‪ ،‬والعناية بالنفس‪ ،‬بل إن تصوره الكلي عن طبيعة الواقع يختلف اختالًفا عميًقا(‪.)62‬‬

‫نتفق مع آرمسترونج في يزئية أن بارمنيدس يختلف تصوره الكلي عن طبيعة الواقع اختالًفا عميًقا عن تصورات‬
‫المدرسة اوأورفية الفيثاغورية‪ ،‬ولكننا نراه مجرد اختالف في الوريقة فقط‪ ،‬فعبقرية بارمنيدس تعيد تشكيل العقائد‬
‫الدينية المألوفة عند األورفيين والفيثاغوريين على نحو جديد كل الجدة‪ :‬على نحو انطولجي منطقي‪( .‬كما‬

‫سوف نرى ُ‬
‫بعد)‪ .‬واآلن نتساءل عن أي إلهة يتلقى بارمنيدس الوحي المقدس؟‬

‫‪ -5‬إلهة واحدة‬
‫"وفي هذا الطريق المستقيم اتجهت العذار يقدن العرب َة واألفراس‪ ،‬حيث استقبلتني اإلله ُة بترحاب‪ ،‬وألذت‬
‫يدي اليمنى بين راحتيها"‪ .‬لقد شرع بارمنيدس في سرد آراء تذكر بقصص هسيودوس‪ ،‬فهذا االستهالل كتب‬
‫على منوال قصيد‪ .‬هسيودوس "الثيوجونيا"(‪)63‬؛ ففي مولع هذه القصيد‪ .‬تظهر ربات الفنون لهسيودوس حيث‬
‫يكون على سفح يبل الهيليكون يرعى خرافه‪ ،‬وهناك تبلغه ربات الفنون مهمته كشاعر لألشياء التي كانت‬
‫وستكون‪ ،‬ولعائلة اآللهة واوأبوال العظيمة(‪ .)64‬وفي قصيد‪ .‬بارمنيدس نجد نفس الشيء حيث تخبر اإللهة‬
‫بارمنيدس بالرسالة المولوب منه تأديتها‪ ،‬بل وتبلغه كذلك (كما سوف نرى في الجزء الثالث من القصيد‪ ).‬أقوال‬
‫أناكسمندروس وأناكسيمينيس‪ ،‬الكسمولويية‪ .‬ويرى يوسف كرع أن بارمنيدس لعله كان يجمع بين خيال هسيودوس‬
‫يديدا كل الجد‪ .‬بين الالهوت والمنطق‪ ،‬بين الثيولوييا‬
‫ً‬ ‫مركبا‬
‫ً‬ ‫وعلم اوأيونيين(‪ .)65‬ونقول‪ :‬لعله كان يجمع‬

‫) ‪(61‬‬
‫‪Julian Marias, history of philosophy, , p 21.‬‬
‫(‪)62‬‬
‫أ‪.‬ه‪ .‬آرمسترونج‪ :‬مدلل إلى الفلسفة القديمة‪ ،‬ترجمة سعيد الغانمي‪ ،‬دار كلمة‪ ،‬أبو ‪،‬بي‪ ،‬المركطز الثقطافي العربطي‪ ،‬الطدار‬
‫البيماء‪2009 ،‬ع ص ‪.32‬‬
‫) ‪(63‬‬
‫‪Hesiod: Theogony, in The Poems and Fragments done into English Prose with Introduction‬‬
‫‪and Appendices by A.W. Mair M.A., Oxford, Clarendon Press, 1908, 22-28.‬‬
‫(‪ )64‬هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫(‪)65‬‬
‫يوسف كرع‪ :‬تاريا الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪11‬‬
‫مؤسسا النوولوييا يديد‪ .‬تميز بدقة بين عالمين‪ :‬عالم الحقيقة وعالم الظن‪ .‬وإذا كان هسيودوس‬
‫ً‬ ‫واللويوس‪،‬‬
‫يستوحي ربات كثيرات‪ ،‬فإن بارمنيدس يستوحي رب َة واحدة‪ ،‬لم يفصح عن اسمها‪ ،‬ويصرح بأن كل ما تعلمه إنما‬
‫ياء على لسانها‪ ،‬ونجد في ذلك اتجاه ا للوحدة عند بارمنيدس حتى في عدد اآللهة‪ :‬اإلله واحد والحقيقة‬
‫واحدة‪ .‬وذلك يذكرنا باكسينوفانيس وإلهه الواحد‪ ،‬والحقيقة التي يتولع إليها‪ .‬إن بارمنيدس أعاد صياغة‬
‫هسيودوس واكسينوفانيس في مصطلحات انطولوجية منطقية كما سنبين ذلك‪ .‬لكن نتساءل اآلن‪ :‬من هي هذه‬
‫اإللهة الواحد‪.‬؟‬

‫‪ -6‬إلهة الحقيقة أع إلهة حقيقية؟‬


‫بهوية اإللهة‪ ،‬وهى المشكلة نفسها التي تثار بخصوص اسم اإللهة التي‬
‫ثمة مشكلة موضع يدال حاد تُعنى ُ‬
‫ُيستشهد بها في استهالل قصيد‪ .‬اإللياذ‪ .‬لهوميروس‪ .‬يرى هيدجر أن اإللهة هي الحقيقة (‪ ،)Truth‬وأن الحقيقة‬
‫ويعتقد جادامير بأنه يعرف حق المعرفة اإللهة‬ ‫ذاتها هى اإللهة؛ وعلينا تجنب اعتبار اإللهة هي إلهة حقيقية‬
‫(‪)66‬‬

‫التي تتحدث إلى الفيلسوف‪ ،‬وهى النيموزين (‪ ،)Mnemosyne‬إلهة الذاكر‪ .‬التي تبرز فقط كصور‪ .‬شعرية‬
‫(‪.)67‬‬
‫أما هاملين فيقرر أن اإللهة هي ديكي (‪ :)Dike‬العدالة أو الحق ( ‪Justice‬‬ ‫لإللهة التي توحي بالحقيقة‬
‫‪.)68()or Right‬‬

‫فيما يتعلق بنصوص بارمنيدس والسياق الهوميري الهسيودي الذي يسير عليه‪ ،‬وبدون إعمال تأويالت مفتعلة يرى‬
‫الباحث‪ :‬إن إلهة بارمنيدس‪ -‬بالنسبة إلي بارمنيدس العائش في القرن السادس قبل الميالد‪ -‬هي إلهة حقيقية‪.‬‬
‫(وهل كان اليونانيون في القرن السادس قبل الميالد يؤمنون بآلهة عبار‪ .‬عن صور شعرية أو مجازية‪ ،‬كما نؤمن‬
‫تماما؟!)‪ ،‬هي إ ًذا إلهة يؤمن بها بارمنيدس‪ -‬كما يؤمن بها يمهور‬
‫نحن اآلن بأن ألهة اليونايين آلهة زائفة ً‬
‫إيمانا عميًقا ويبجلها تبجيالً نلمحه في كل سور من قصيدته من مفتتحها إلى ختامها‪ ،‬أي‬
‫ً‬ ‫مستمعي أشعاره‪-‬‬
‫حتى القسم الثالث الذي يقال عنه عاد‪ :.‬طريق الظن‪ ،‬فما الذي أبقى اإللهة البارمينيدية داخل القصيد‪ .‬بأيزائها‬
‫الثالثة‪ ،‬ولماذا بقيت لتخبر بارمنيدس بوريق الظن إن كانت هي إلهة الحقيقة؟ سؤال سنحاول اإليابة عنه في‬
‫موضعه‪ ،‬ولكن اآلن علينا أن نحاول معرفة طبيعة الوحي اإللهي الذي يتلقاه بارمنيدس‪:‬‬

‫‪ -7‬المعرفة اإللهية العقلية‬


‫" استقبلتني اإللهة بترحاب‪ ،‬وألذت يدي اليمنى بين راحتيها‪ ،‬ولاطبتني بهذا األلفاظ‪ :‬مرحى أيها الشاب‪،‬‬
‫يارفيق الهاديات (أي العذار سائقات العربة) الخالدات‪ ،‬الالتي أرشدن عربتك إلى بيتي‪ ،‬مرحى‪ ...‬لقد أُرسلت‬
‫حقا لطريق بعيد عن‬
‫في هذا الطريق باألمر اإللهي (‪ ،)Themis‬والعدالة (‪ ،)Dike‬ال القدر السيئ (وإنه ا‬
‫أقداع البشر)"‪.‬‬

‫)‪(66‬‬
‫‪Martin Heidegger, Parmenides, p 5.‬‬
‫(‪)67‬‬
‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫) ‪(68‬‬
‫‪D.W.Hamlyn: The Penguin History of Western Philosophy, p 22.‬‬

‫‪12‬‬
‫يالحظ الباحث‪ -‬مع كاثلين فريمان‪ -‬أن اإللهة تخاطب بارمنيدس بقولها مرحي أيها الشاب! وهذا يعني أن‬
‫(‪)69‬‬
‫"سر الوجود"‪-‬‬
‫الوحي ياء بارمنيدس في فتر‪ .‬مبكر‪ .‬من حياته ‪ .‬وقد كشف بارمنيدس الشاب عبر هذا الوحي َ‬
‫حسب تعبير فيرنر ييجر الذي عنون به الفصل السادس الذي كتبه عن بارمنيدس‪ ،‬ياعالً بارمنيدس بذلك‬
‫(‪)70‬‬
‫‪.‬‬ ‫مؤسس ميتافيزيقا الوجود‬
‫َ‬

‫لنتحدث اآلن عما ادعت اإللهة أنها ترغب في تعليمه‪ .‬تستقبل اإللهة الشاعر بعوف‪ ،‬فتمد له يدها معبر‪ .‬عن‬
‫تحياتها ورقتها‪ ،‬ويشعرنا هذا باوألفة مع الثقافة اإلغريقية في القرن السادس‪" :‬إن التعليم اإللهي سوف يشمل كل‬
‫شيء"‪ ،‬ليس فقط الحقيقة الكاملة وقلبها الراسخ‪ ،‬بل سوف تشمل بوريقة مماثلة "آراء الفانين"(‪ .)71‬وينبغي أن‬
‫أيضا من الزيف‪ .‬إن ثنائية‬
‫نالحظ أن اإللهة تقول إن لديها الكثير من الحقائق لتعلمها‪ ،‬ولكن لديها الكثير ً‬
‫الحقيقة والزيف هذه ذات أهمية قصوى‪ ،‬وتصبح‪ -‬كما سيتضح لنا الحًقا‪ -‬حاسمة في تأويلنا قصيد‪.‬‬
‫بارمنيدس(‪ .)72‬فما الحقيقة وما الزيف حسب التعليم اإللهي الذي يتلقاه بارمنيدس؟‬

‫إن العدالة هى الحارسة لباب الحقيقة وفق القصيد‪ ،.‬والضرور‪ .‬هى اوأساس في كل الويود‪ .‬والقصيد‪ .‬كلها تقوم‬
‫على أفكار ألالقية صرفة‪ .‬وهذه اوأفكار هى التي تكون مذهب بارمنيدس الوبيعي كله(‪ .)73‬فما طبيعة هذا‬
‫األفكار األلالقية الصرفة؟‬

‫تشكل حوارية بارمنيدس مع ذاته ومع اآللهة محاولة متجدد‪ .‬لوضع عالقة الفكر البشري بالويود في سياق‬
‫التوجيه اإللهي للمعرفة؛ بما هو نقوة انوالق العقل وهو يسبر أغوار الويود‪ .‬ويذكر في هذه الرواية الشعرية‬
‫أنه قابل اآللهة وصارحها ببحثه عن الحق‪ ،‬فأرشدته هذه اآللهة إلى العقل(‪ .)74‬نعم لكن الشاب الذي تنقله العربة‬
‫على طريق اإللوهية يمثل بوضوح النفس في سبيلها إلى المعرفة(‪ .)75‬وقد تعلم منها الحقيقة الخاصة بالويود في‬
‫مقابل المظاهر التي يزعم البشر معرفتها‪ ،‬فاألصل في معرفة الحقيقة إلهي‪ ،‬أكثر مما يستطيع البشر‬
‫تحصيله(‪.)76‬‬

‫إن ظاهر نصوص بارمنيدس يتجه إلى أن المعرفة الحسية والمعرفة العقلية كالهما مسبوقان بمعرفة أعلى وأسمى‬
‫هي المعرفة اإللهية تلك المعرفة المستمد‪ .‬مباشر‪ .‬من اإللهة‪ ،‬التي قابلها بارمنيدس في مولع قصيدته‪ .‬فليس‬
‫عقليا؛ وأن فوق العقل‬
‫الويود مادياً؛ وأن الحواس ليست طريق الوصول إلى الحق عند بارمنيدس‪ .‬وليس الويود ً‬

‫) ‪(69‬‬
‫‪K. Freeman: The Pre-Socratic philosophers, p,146.‬‬
‫) ‪(70‬‬
‫‪W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers p.90.‬‬
‫(‪)71‬‬
‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫(‪)72‬‬
‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫عبد الرحمن بدوي‪ :‬ربيع الفكر اليوناني‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫(‪)73‬‬

‫(‪)74‬‬
‫محمد الخطيب‪ :‬الفكر اإلغريقي‪ ،‬دار عالء الدين‪ ،‬دمشق‪1999 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪)75‬‬
‫ميشلين سوفاج‪ :‬برمنيذس‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫(‪)76‬‬
‫أحمد فؤاد األهواني‪ :‬فجر الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.135‬‬

‫‪13‬‬
‫معرفة أسمى‪ :‬هى المعرفة اإللهية‪ .‬ولكن ذلك ال يمنعنا من وصف فلسفة بارمنيدس بأنها عقلية وأن اإللهة‬
‫أرشدته إلى طريق الوصول إلى الحقيقة وهو طريق العقل‪.‬‬

‫ونحن ال نعد مقابلة بارمنيدس بعالم اإللوهية مقابلة رمزية فحسب؛ فرغم أسووريتها نراها مقابلة باإللهاع (إن ياز‬
‫التعبير!) مع من يعتقد بارمنيدس عبادته أعنى إلهته التي تخبره بأن الحقيقة هي الويود‪ ،‬ولذلك يمكننا اعتبار أن‬
‫الوجود ليس إال مظهر تجل لأللومية في الكون؛ إذا نظرنا إلى اإللهة باعتبارها مبتدأ الويود ومنتهاه‪ ،‬وما على‬

‫العقل البشري إال إدراك الحقيقة‪ :‬العود‪ .‬إلى الويود اإللهي في ختام هذه الرحلة العقلية الالهوتية ً‬
‫معا(داللة‬
‫الوريق)‪ .‬فما معنى الحقيقة التي يكون بارمنيدس هو نبيها المبشر بها؟‬

‫‪ -8‬بارمنيدس‪ :‬نبي الحقيقة اإللهية‬


‫) عند اإلغريق عبار‪ .‬عن كشف وإيضاح(‪ )77‬وقد وصف ميشلين سوفاج نشيد‬ ‫إن معنى الحقيقة (‬
‫فكرا "يتأسس على‬
‫بارمنيدس‪ ،‬الذي يقرعُ فيه صوت هو‪":‬صوت "نبي واعظ" في "لغة روحية" تصنع ً‬
‫"األسطورة"!(‪ .)78‬ويصف نيتشه بارمنيدس بأنه يشكل نموذيا لنبي الحقيقة‪ ،‬ولكنه مسكوب في قوعة يليدية من‬
‫التجريد(‪ ،)79‬أما هيدجر فيقول‪ :‬ليس ثمة آلهة على الحقيقة وإنما بارمنيدس كمفكر أراد أن يضفي الحيوية‬
‫مجردا(‪ .)80‬وعلينا أن نصدق بارمنيدس في‬
‫ا‬ ‫تفكيرا‬
‫ا‬ ‫ليمنح أفكاره مز ًيدا من اوألوان المختلفة لكن تفكيره يبقى‬
‫تشبيهاته التي نعتبرها نحن اآلن أسوورية في حين كان يؤمن هو بها ‪ -‬كغيره من اليونانيين‪ -‬باعتبارها حقائق ال‬
‫مجردا في القرن السادس‬
‫ً‬ ‫فكر‬
‫تقبل الشك؛ إذ كيف يشك مؤمن في آلهته وما توحي به إليه؟ وهل توحي اآللهة ًا‬
‫قبل الميالد‪ ،‬تجر ًيدا ربما لم يكتمل‪ -‬عبر العصور‪ -‬إال على يد هيدجر نفسه في القرن العشرين؟! فما حقيقة‬
‫الرسالة اإللهية التي على نبي الحقيقة هذا مهم ُة التبشير بها؟‬

‫‪ -9‬الرسالة اإللهية‪ :‬طريقا الوجود والالوجود‬


‫"ليحملنني إلى النور‪ ،‬وقد لرجن من مسكن (قصر) الليل‪ .‬إلى حيث كانت بوابات طريقي الليل والنهار‪ ،‬وقد‬
‫سدت بعوارض من فوق‪ ،‬وعتبة من حجر من تحت‪ ،‬وأغلقت البوابات الذامبة في الهواء بأبواب عظيمة‪،‬‬
‫واحتفظت العدالة( ‪ ،)Dike‬ذات العقاب (االنتقاع) الشديد في يديها بمفاتيحها"‪" .‬حيث تبحث في كل شيء‪:‬‬
‫عن الحق الثابت المستدير‪ ،‬كما تبحث عن ‪،‬نون البشر الفانين التي ال يوثق بها‪ ،‬ولكنك البد أن تعلم هذا‬
‫أيما (أي الظنون)‪ ،‬وكيم تنظر في جميع األشياء التي تظهر (أي المظاهر) وتبحث فيها‪ .‬ولكن عليك‬
‫األمور ا‬
‫أن تبتعد بفكرك عن هذا الطريق من البحث‪ ،‬وال تجعل اإللف مع التجارب الكثيرة تدفعك إلى أن تلقى على هذا‬

‫(‪)77‬‬
‫هططططانس غيططططورر غططططادامير‪ :‬فلسططططفة التأويططططل‪ ،‬األصططططول‪ ،‬المبططططادأل‪ ،‬األهططططداف‪ ،‬ترجمططططة محمططططد شططططوقي الططططزين‪ ،‬منشططططورات‬
‫االلتالف‪،‬الجزائر ‪2006‬ع‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫(‪)78‬‬
‫ميشلين سوفاج‪ :‬برمنيذس‪ ،‬ص ‪.15 ،7‬‬
‫فردريك نيتشه‪ :‬الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫(‪)79‬‬

‫)‪(80‬‬
‫‪Martin Heidegger, Parmenides, p 5.‬‬

‫‪14‬‬
‫ناطقا‪ ،‬بل احكم بالجدل (‪ )Logos‬على ما أنطق من براهين‪،‬‬
‫الطريق عيانا مبصرة‪ ،‬أو أذانا واعية‪ ،‬أو لساانا ا‬
‫فال يوجد أمامك سو طريق واحد مذكور"(‪.)81‬‬

‫على لسان اإللهة التي عرضت طريق الحقيقة (وهذا له داللة كبير‪ ،).‬تحدث بارمنيدس في القصيد‪ .‬أكثر من مر‪.‬‬
‫‪)Hodos-‬؛ فهناك الوريق المألوف عند غيره من الحكماء الذين يووفون المدن ويتلقون‬ ‫عن الطريق (‬
‫إلهيا هو ذلك‬
‫طريقا آلر ا‬
‫ا‬ ‫العلم من اوأفواه ومن التجارب ( مثل علماء وفالسفة المدرسة اوأيونية)‪ ،‬ولكنه يسلك‬
‫الذي سارت فيه العربة ترشدها العذارى بنات الشمس حتى بلغ الحد الفاصل بين الليل والنهار‪ .‬أما طريق الليل‬
‫والظالم فهو طريق البشر‪ ،‬وأما طريق النور الذي فتحت له أبوابه‪ -‬وهنا نالحظ أنه لم يهتد إلى الوريق بعقله هو‬
‫بل بعناية اإللهة‪ -‬فهو طريق مستقيم يؤدي إلى الحق الثابت المستدير (ولنتذكر إله اكسينوفانيس الكروي وبيضة‬
‫الكون اوأورفية!)‪ ،‬على العكس من طريق البشر الذي يقف عند الظن‪ .‬وليس أمام طالب الحقيقة إال طريق واحد‪،‬‬
‫هو طريق العقل الذي يبحث في الويود الثابت‪ ،‬أما طريق الظن فيضل فيه البشر(‪.)82‬‬

‫ومن الواضح أن بارمنيدس يشبه طريق العربة بالوريق المادي الذي يمشي فيه الناس على أقدامهم‪ .‬وقد توورت‬
‫المناهج العقلي ُة من الورق؛ وآية ذلك الصلة بين اللفظتين في اليونانية (‪،Hodos‬‬
‫ُ‬ ‫الفكر‪ .‬واشتُقت‬
‫معا‪ ،‬بل والصوفي‬
‫‪ .)Methhodos‬أما في اللغة العربية فاستعمال الوريق يدل على المعنيين الحسي والعقلي ً‬
‫أيضا(‪ .)83‬واآلن نتساءل ما بوابات النهار والليل في ذلك الوريق الصوفي الذي يقوعه بارمنيدس ويريد من‬
‫ِ‬
‫التصوف والديانات السرية‬ ‫أصحاب‬ ‫مستمعي أشعاره أن يعرفوه‪ ،‬ليس مباشرة بل في صورة رمزية‪ ،‬ال يلتقطها إال‬
‫ُ‬
‫المألوفة كاوأليوسية والديونسيوسية واوأورفية؟‬

‫‪- 10‬بوابات النهار والليل‪ :‬الحد الفاصل بين العالم اإللهي والعالم الطبيعي‬
‫توحي اإللهة لبارمنيدس‪" :‬من الضروري أن تعرف كل شيء عن‪ :‬أوالا‪ :‬الحق الثابت المستدير‪ :‬طريق الوجود‬
‫ثانيا‪، :‬نون البشر الفانين‪ :‬طريق الالوجود‪،‬‬
‫(وعلى بارمنيدس أن يقيم عليه اوأدلة العقلية فهو الحقيقة ذاتها)‪ .‬ا‬
‫(وعلى بارمنيدس أن يبرهن على زيفه‪ ،‬وتناقضه مع الويود)‪.‬‬

‫وصفا كامالً لفلسفة بارمنيدس بأسره‪ ،‬لقد رفض طريق الظن وآثر طريق الحقيقة‪،‬‬
‫ً‬ ‫في هذه السوور السابقة نجد‬
‫معا‪.‬‬
‫وطريق الحقيقة هو طريق واحد فقط تدعوه إليه اآللهة ذاتها؛ فهو طريق إلهي وعقلي ً‬

‫نبي الطريق‪ :‬المنطق العقلي‬ ‫‪-11‬‬


‫خصت اآللهة بارمنيدس‪ ،‬وأوحت إليه وحده‪ -‬دون غيره‪ -‬وآثرته بالحق‪ ،‬وعليه أن يتأكد ويؤكد لنا‪ ،‬صدق الوحي‬
‫اإللهي ال بالمجاهدات الصوفية الفيثاغورية‪ ،‬ولكن بالبراهين العقلية المنوقية الناصعة‪":‬احكم بالعقل‪ -‬اللوجوس‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،1‬الترجمة العربية أحمد فؤاء األهواني‪ ،‬ص ‪.130 -129‬‬ ‫(‪)81‬‬

‫(‪)82‬‬
‫أحمد فؤاد األهواني‪ :‬فجر الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫(‪)83‬‬
‫أحمد فؤاد األهواني‪ :‬فجر الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.137‬‬

‫‪15‬‬
‫على ما أنطق من براهين"‪ :‬هذا يوهر قصيد‪ .‬بارمنيدس في الوبيعة‪ ،‬ومفتاح القصيد‪ .‬كلها‪ .‬المتمثل في تلك‬
‫الرسالة اإللهية‪ :‬معرفة الحق الثابت ومعرفة ‪،‬نون البشر الفانين‪.‬‬

‫وسيكون دور البرهان المنوقي بيان كل ذلك؛ فرغم أنه أراد أن يحيط حديثة بهالة من القداسة والغموض‬
‫واوأسرار(شأنه في ذلك شأن يميع أصحاب الديانات السرية)‪ ،‬تلك القداسة التي يرمز إليها هذا "الوحي اإللهي"‪،‬‬
‫لكنها قداسة تتأسس على العقل والمنطق‪ .‬فمنذئذ سيكون البرهان المنوقي هو منهج الوصول إلى الحق‪ ،‬وهو‬
‫‪ )Logos‬على‬ ‫منهج الفلسفة العقلية التي ستجد كمالها على يد المنوق اوأرسوي‪" .‬بل احكم بالجدل (‬
‫ما أنطق من براهين‪ ،‬فال يوجد أمامك سو طريق واحد مذكور"(‪ .)84‬فالتجديد الكبير الذي ياء به بارمنيدس‬
‫هو منهجه في المحاية العقلية‪ ،‬وقد استخدمه بارمنيدس بصرامة بالغة(‪.)85‬‬

‫نتيجة تأويل المقدمة‪ :‬تجربة دينية روحية‬ ‫‪-12‬‬


‫ٍ‬
‫تأويالت شتي تستبعد محتواها الديني ويوهرها اوأسووري‪.‬‬ ‫لقد تجاهل كثير من الباحثين المقدمة‪ ،‬وأولها بعضهم‬
‫وحتى لو كانت هذه التفسيرات صحيحة يظل التساؤل‪ :‬لماذا اختار بارمنيدس مقدم ًة وأفكاره‪ -‬على هذا النحو‬
‫قائما(‪ .)86‬ويتضح من هذه المقدمة كيف ياءت فلسفته مستند‪ .‬على تجربة‬
‫الميثلويي الثيولويي‪ -‬يظل التساؤل ً‬
‫شخصية أقرب ما تكون إلى تجارب المتصوفة وأصحاب اوأسرار؛ فالحقيقة التي يتحدث عنها والتي سوف‬
‫يشرحها في فلسفته ليست سوى كلمة موحاة إليه من اآللهة‪ ،‬ورحلته إلى طريق النور بالعربة التي تقودها الجياد‬
‫هي رموز ال تختلف على اإلطالق عن رموز وإشارات المتصوفة عند وصفهم لرحلة النفس إلى عالم النور‬
‫والضياء الذي ال يتصل به إال المختارون من البشر(‪ .)87‬إن قصيد‪ .‬بارمنيدس هى رواية أمينة لتجربة دينية‬
‫أخذت الشكل التقليدي للتربية الصوفية(‪ .)88‬وسنرى كيف تتأسس العقالنية على هذه التجربة الدينية الروحية‬
‫البارمنيدية‪.‬‬

‫لقد بدأنا بمقدمة القصيد‪ .‬لنأخذ منها هذه الفكر‪ .‬اوأولية‪( ،‬ولنصحبها معنا في تفسيرنا لدراسة بارمنيدس) من خالل‬
‫السياق الديني والتراث الشعري الهوميري الهسيودي‪ ،‬وعبر نصوص بارمنيدس نفسه؛ ال من خالل شروحات‬
‫الشراح فحسب‪ .‬وعلينا تقديم المزيد من التأكيد على هذه التأويالت المستند‪ .‬إلى نص بارمنيدس نفسه والمستند‪.‬‬
‫في الوقت ذاته إلى السياق الديني والفلسفي اليوناني في القرن السادس قبل الميالد‪.‬‬

‫ب‪ -‬طريق الوجود‪ :‬العالم اإللهي‬

‫(‪)84‬‬
‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،1‬الترجمة العربية‪ ،‬أحمد فؤاء األهواني‪ ،‬ص ‪.130 -129‬‬
‫) ‪(85‬‬
‫‪J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.180.‬‬
‫‪(86‬‬ ‫)‬
‫‪Edward Hussey, The Presocratics, p 80-81.‬‬
‫(‪)87‬‬
‫أميرة حلمي مطر‪ :‬الفلسفة عند اليونان‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫حسين حرب‪ :‬الفكر اليوناني قبل أفالطون‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،1990 ،‬ص ‪.65‬‬ ‫(‪)88‬‬

‫‪16‬‬
‫لقد وصف بارمنيدس الويود بأوصاف كثير‪ .‬اختلف حولها المؤرخون‪ -‬أشد االختالف‪ -‬فذهب بيرنت إلى القول‬
‫بمادية بارمنيدس حتى أنه يعده "أب المادية"؛ فكل المذاهب المادية تستند إلى أفكاره عن الواقع(‪.)89()Reality‬‬
‫وهذا الوصف المادي للويود البارمنيدي يعتبر‪-‬عند جثري‪ -‬قوالً مضلالً للغاية(‪ .)90‬وعلى ذلك فإن باحثين آخرين‬
‫ُعد بارمنيدس عندهم اأبا للمثالية‪ ،‬و ماكان أفالطون‪ -‬كما يقول ثيودور جومبرتز بحق‪ -‬وهو عدو الماديين‬

‫ماديا(‪ .)91‬ويرى وولتر ستيس أنه ال يمكن التوفيق‬


‫والملحدين‪ -‬ليصف بارمنيدس بالكبير لو كان بارمنيدس ا‬
‫ينبا إلى ينب‪ ،‬دون تصال ٍح(‪ .)92‬وذهب كورنفورد‬
‫بين هذين التناقضين في مذهب بارمنيدس ويعتقد أنهما قائمان ً‬
‫إلى أن بارمنيدس هو "نبي المنطق"‪ ،‬حيث يتيسر التفكير المنوقي الدقيق حين يتصور المرُء المعاني‪ ،‬وبخاصة‬
‫المعاني الكلية‪ ،‬في الذهن منفصل ًة عن الويود الخاريي‪ .‬وهذا ما فعله بارمنيدس‪ ،‬إذ قابل بين "الفكر" و"الوجود"‪،‬‬
‫لكن الذي أنشأه بارمنيدس حقيقة‪ -‬كما‬ ‫(‪)93‬‬
‫بين "المعقول" و"المحسوس" بين "العالم الحسي" وبين "العالم العقلي"‬
‫يقرر رسل‪ -‬هو الميتافيزيقا القائمة على أساس منوقي(‪ .)94‬ويرى أرمسترونج أن أهم ما يميز طريقة تفكير‬
‫بارمنيدس هو أنه أول فيلسوف يوناني يلجأ إلى التعليل العقلي(‪ .)95‬ويذهب أحمد فؤاد األهواني إلى القول بأن‬
‫بارمنيدس ال مادي وال مثالي‪ ،‬أو هو هذا وذاك في آن واحد‪ .‬والحق أن بارمنيدس لم يكن يعرف المذهب المادي‬
‫أو المذهب المثالي‪ ،‬ولكننا نحن الذين نحمل فلسفته فوق ما تويق‪ ،‬ونصوغها في ضوء هذه المذاهب(‪ .)96‬ويذهب‬
‫أولف جيجن إلى أن بارمنيدس يتحدث عن عالمين ال صلة بينهما على اإلطالق‪ ،‬أو يكاد‪ ،‬من الناحية الويودية‪:‬‬
‫شيئا غير الويود‪ .‬وأمام الويود من الناحية‬
‫فمن ناحية هناك الوجود الخالص الذي هو ويود وحسب وليس ً‬
‫اوأخرى هناك العالم الظاهر لنا بالحس‪ ،‬وهو خليط من ويود وال ويود‪ ،‬وهو في حركة دائمة(‪.)97‬إن هذا كله‬
‫ِ‬
‫الحديث الذي ذهب إلى حد قراء‪ .‬مجموعة كبير‪ .‬من اوأشياء لدى‬ ‫ِ‬
‫التشويه‬ ‫كان‪ -‬كما يقول جادمير‪ -‬محصل َة‬
‫بارمنيدس لم تكن مويود‪ .‬لديه على اإلطالق‪ ،‬مثل‪ :‬الذاتية والموضوعية‪ ،‬والوعي الذاتي‪ ،‬هيجل والمثالية‬
‫التأملية‪ ،‬اإلبيستمولوييا وتمييزها بين الذات والموضوع(‪.)98‬‬

‫) ‪(89‬‬
‫‪J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.182.‬‬
‫و‪.‬ك‪.‬س‪.‬جثري‪ :‬الفالسفة اإلغريق من طاليس إلطى أرسططو‪،‬ترجمطة وتقطديم‪ ،‬رأفطت حلطيم سطيم‪ ،‬مراجعطة‪ ،‬إمطاع عبطد الفتطاح‬ ‫(‪)90‬‬

‫إماع‪ ،‬مطبعة الطليعة‪،‬بيروت‪1988 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.58‬‬


‫) ‪(91‬‬
‫‪Theodor Gomperz, The Greek Thinkers, p 179.‬‬
‫وولتر ستيس‪ :‬تطاريا الفلسطفة اليونانيطة‪ ،‬ترجمطة‪ :‬مجاهطد عبطد المطنعم مجاهطد‪ ،‬دار الثقافطة‪ ،‬القطاهرة‪1984 ،‬ع‪ ،‬ص ‪-43‬‬ ‫(‪)92‬‬

‫‪.44‬‬
‫(‪)93‬‬
‫أحمد فؤاد األهواني‪ :‬فجر الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫(‪)94‬‬
‫برتراند رسل‪ :‬تاريا الفلسفة الغربية‪ ،‬الفلسفة القديمة‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫(‪)95‬‬
‫أ‪.‬ه‪ .‬آرمسترونج‪ :‬مدلل إلى الفلسفة القديمة‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫(‪)96‬‬
‫أحمد فؤاد األهواني‪ :‬فجر الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫أولف جيجن‪ :‬المشكالت الكبر في الفلسفة اليونانية‪ ،‬ترجمة‪ ،‬عزت قرني‪ ،‬مكتبطة سطعيد رأفطت‪ ،‬القطاهرة‪ ،‬بطدون تطاريا‪ ،‬ص‬ ‫(‪)97‬‬

‫‪.287-286‬‬
‫(‪)98‬‬
‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.182‬‬

‫‪17‬‬
‫وقد رأينا – كما استخلصنا من مقدمة القصيد‪ .‬عبر سياقها التراثي الشفهي الديني واوأسووري‪ -‬أن الوجود هو‬
‫العالم اإللهي‪ ،‬طريق الحق الذي بدأه اكسينوفانيس‪ ،‬وأن الالوجود هو عالمنا المادي‪ ،‬وهو طريق الظن الذي‬
‫سار عليه الفكر اوأيوني‪ .‬وعلينا اآلن أن نواصل تأويل الجزء الثاني من القصيد‪ ،.‬ولكن عبر سياقها الفلسفي‪،‬‬
‫السابق والالحق لبارمنيدس‪ ،‬لنرى إن كنا نستويع تأكيد هذا التأويل‪:‬‬

‫‪ -1‬السياق الفلسفي للقصيدة‪:‬البداية من اناكسيماندروس واكسينوفانيس‬


‫كما ناقشنا مقدمة القصيد‪ .‬عبر سياقها الديني اوأسووري‪ ،‬نناقش الجزء الثاني منها من خالل السياق الفلسفي‬
‫لها‪ .‬إن بداية أي تأويل أو فهم لفلسفة بارمنيدس توجب أن يكون كل من اناكسيماندروس واكسينوفانيس‬
‫حاضرين‪ ،‬أو يجب استحمارهما‪ ،‬حين الحديث عن بارمنيديس‪.‬‬

‫كما يخبرنا ديوجينيس الالئرسي أن بارمنيدس كان تلميذاً وأكسينوفانيس‪ ،‬بينما يجعله ثيوفراستوس‬
‫(‪ )Theophrastus‬تلميذاً وأناكسيماندروس‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬على الرغم من تأثر بارمنيدس باكسينوفانيس إال‬
‫تابعا له(‪ .)99‬ويقول أرسطو إن بارمنيدس ربما كان تلمي ًذا وأكسينوفانيس أول مدرسة الواحديين‬
‫أنه لم يكن ً‬
‫‪ .)100(Monists‬وقد ذهب باحثون محدثون إلى فصل اكسينوفانيس عن المدرسة اإليلية فلم يعتبروه مؤسسها‪ ،‬بل‬
‫أروا أن بارمنيدس لم يتبع أكسينوفانيس الذي ساوى بين المعرفة المولقة بالعالم واإلله؛ فبارمنيدس‪ -‬حسب ما‬
‫يقول بوجلوموف‪ -‬ال يدا مجاالا ألي إله في تصورا عن الوجود وأن اإللهة التي ذكرها في مطلع القصيدة ال‬
‫تعدو أن تكون شخصية أدبية(‪ .)101‬ولكننا نريح أن يكون بارمنيدس قد تأثر بإكسنوفانيس‪ ،‬بحيث أن فلسفته‬
‫ربما تعذر فهما على النحو الصحيح بدون استحضار أثر اكسينوفانيس عليه؛ وأن بين الواحد االكسينوفاني‬
‫والواحد البارمنيدي صفات تكاد أن تكون متوابقة‪ .‬كذلك بين أبيرون أناكسيماندروس والويود البارمنيدي صفات‬
‫مشتركة‪ .‬ويعتقد نيتشه أن بارمنيدس عرف وعاشر أناكسيماندروس‪ .‬ويقول بيرنت أننا لن ندهش إذا ويدنا آثار‬
‫أناكسيماندروس علي بارمنيدس(‪ .)102‬ولن نكتفي‪ -‬في بحثنا هذا‪ -‬بمجرد المقارنة بين بارمنيدس وبين‬
‫أناكسيماندروس واكسينوفانيس بل نعتمد‪ -‬كما فعل فيرنر ييجر‪ -‬على كلمات بارمنيدس ذاتها(‪:)103‬‬

‫) كمبدأ أول‬ ‫‪ -2‬أناكسماندروس‪ :‬األبيرون (‬


‫لم يشأ أناكسيماندروس أن يختار ماد‪ .‬بعينها ليجعلها المبدأ اوأول للمويودات‪ ،‬بل إن المبدأ اوأول عنده يتجاوز‬
‫) كمبدأ أول(‪ ".)104‬اوأبيرون هو‬ ‫المـاد‪ .‬بحـيث ال يمكن تحـديده فقـال بالالمتناهي؛ أو اوأبيرون (‬
‫المويودات ويودها‪ ،‬وهو الذي تعود إليه عند‬
‫ُ‬ ‫مد منه‬
‫أيضا فأنه اوأصل الذي تست ُ‬
‫الماد‪ .‬اوأولى لألشياء الكائنة‪ ،‬و ً‬
‫طبقا للضرور‪" ..‬وهذا الالنهائي دائم أزلي" و"خالد ال يفنى"‪" .‬إن الالمتناهي هو‪ -‬كما يقول أرسطو‪-‬‬
‫فنائها‪ً ،‬‬

‫) ‪(99‬‬
‫‪Diogenes Laertius, Lives of Eminent Philosophers, Vol. 11, V111,63-65, p 379.‬‬
‫(‪)100‬‬
‫أرسطو‪ :‬مابعد الطبيعة‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬مقالة األلفا الكبر ‪ ،‬ف ‪ 986 ،5‬ب ‪ ،22‬ص ‪.270‬‬
‫‪(101‬‬ ‫)‬
‫‪A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, p 86.‬‬
‫‪(102‬‬ ‫)‬
‫‪J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.185.‬‬
‫‪(103‬‬ ‫)‬
‫‪W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers, p.92.‬‬
‫(‪)104‬‬
‫مجدي كيالني‪ :‬الفلسفة اليونانية من منظور معاصر‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪2009 ،‬ع ص‪.19‬‬

‫‪18‬‬
‫المويود اإللهي؛ مادام أنه خالد وغير قابل للفساد‪ ،‬كما كان يقوله أناكسيماندروس"(‪.)105‬الذي قال بفكر‪" .‬المعاد‬
‫أيضا‪ ،‬ورأى أن العالم مآله العودة إلي األبيرون (الذي هو المويود اإللهي على حد تعبير أرسوو)‪،‬‬
‫الكوني" ً‬
‫الذي نشأ عنه‪ ،‬فالمعاد هو انضمام العالم إلي اوأبيرون بعد انفصاله عنه‪ .‬وهذا االنفصال هو الذنب‪ ،‬أو الخطيئة‬
‫ِ‬
‫صفات األبيرون للوجود‪ .‬وكما‬ ‫األولى‪ ،‬التي يجب من أيلها أن يكفر العالم عنها(‪ .)106‬لقد أعطى بارمنيدس‬
‫كان أبيرون أناكسيماندروس يعبر عن المويود اإللهي‪ ،‬كذلك نرى أن للويود البارمنيدي صفات العالم اإللهي‪.‬‬
‫وسوف يدين بارمنيدس العالم المادي كما أدانه أناكسيماندروس‪( ،‬والذي فسر اإلقامة في هذا العالم‪ -‬على حد‬
‫ظلم الصيرور‪ .‬عن ذنبه)(‪ .)107‬ولقد وصف‬
‫تعبير نيتشه‪ -‬كاإلقامة وسط الجريمة‪ ،‬وكالمكان الذي يكفر فيه ُ‬
‫بارمنيدس العالم المادي بعالم الظالم‪ ،‬الذي يقابل عالم النور اإللهي‪ ،‬كما سوف نرى‪.‬‬

‫‪ -3‬الثيولوجيا (الواحد اإلكيسينوفاني)‬


‫عديدا من الصفات ومنها‪ :‬الواحدية‪ .‬القدع والكمال‪ .‬الثبات‪ .‬العلم‬ ‫إله قد أضفى عليه‬‫اعتقد اكسينوفانيس في ٍ‬
‫ً‬
‫الكلي‪ .‬والتنزيه‪ ،‬ونسبية معرفة اإلله‪ .‬كل هذه الصفات‪ -‬كما سوف نرى‪ -‬قد خلعها بارمنيدس على الويود‬
‫أيضا‪:‬‬
‫ً‬

‫الواحدية‪".‬إنه إله واحد‪ ،‬اوأعظم بين اآللهة والبشر‪ ،‬ال مثيل له بين البشر‪ ،‬ال في صورته وال في تفكيره"(‪.)108‬‬

‫القدع والكمال‪" :‬إن جوهر اإلله كروي‪ ،‬و أنه ال يشبه اإلنسان‪ .‬وهو بصر كله وسمع كله‪ ،‬ولكنه ال يتنفس؛ فهو‬
‫كلى العقل والفكر وأبدى(‪ .)109‬أما وصف اكسينوفانيس إللهه بأنه كروي‪ -‬كما وصف بارمنيدس الوجود ب نه‬
‫كروي‪ -‬فال يتضمن أي تشبيه‪ ،‬إذ ال يقصد من ذلك أكثر من كون إلهه كامالً‪ ،‬إذ كانت الدائر‪ .‬عند فالسفة‬
‫اليونان هي أكمل اوأشكال وأتمها‪ .‬وال يجب أن نفهم من تشبيه اكسينوفانيس اإلله بالدائر‪ .‬أنه يعني الشكل بل‬
‫يعني صفة الكمال‪ .‬فإله اكسينوفانيس إذن‪ :‬أبدي وكامل‪.‬‬

‫الثبات‪ :‬يرى ا كسينوفانيس أن اإلله من صفاته الثبات وعدم الحركة وأنه يبقى في الموضع ذاته على الدوام‪ ،‬ال‬
‫مغير من مكانه‪ .‬ولكن بدون عناء‪ ،‬يحرك‬
‫يتحرك على اإلطالق‪":‬فليس من الالئق باإلله أن يتحرك هنا وهناك ًا‬
‫كل اوأشياء بقو‪ .‬عقله"(‪" .)110‬وهو يبقى في الموضع ذاته على الدوام‪ ،‬ال يتحرك على اإلطالق‪ ،‬فليس من الالئق‬

‫(‪)105‬‬
‫أرسطو‪ :‬علم الطبيعة‪ ،‬ك‪ ،3‬ب‪ ،4،‬ترجمه إلى الفرنسية‪ :‬بارتلمي سانتهلير‪ ،‬نقلطه إلطي العربيطة‪ :‬أحمطد لطفطي السطيد‪ ،‬مطبعطة دار‬
‫أيما‪:‬‬
‫الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪1935 ،‬ع‪ ،،‬ص‪ .163‬وانظر ا‬
‫‪Aristotle: Physics, The works of Aristotle, vol.1, B, 3, ch 4, 203b, 5-14, p.281.‬‬

‫(‪)106‬‬
‫أحمد فؤاد األهواني‪ :‬فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫(‪ )107‬فردريك نيتشه‪ :‬الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫) ‪(108‬‬
‫& ‪Parmenides: On Nature, Fr, 23, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, 4 th ed, Adam‬‬
‫‪Charles-Black, London, 1975, p119.‬‬
‫‪(109‬‬ ‫)‬
‫‪Diogenes Laretius: Lives of Eminent Philosophers, IX, 21, p.422.‬‬

‫‪(110 ) Parmenides: On Nature, Fr, 25, in J. Burnet, Early Greek Philosophy , P,119.‬‬

‫‪19‬‬
‫باإلله أن ينتقل إلى مواضع مختلفة في أوقات مختلفة"(‪ .)111‬إن هذا االرتباط بين القدر‪ .‬الكلية لإلله وبين ثباته‬
‫عند اكسينوفانيس أمر من اوأهمية بمكان فهو ما نقابله في السنوات التالية عليه‪ ،‬عند بارمنيدس الذي يصف‬
‫الويود بالثبات‪ ،‬وسرعان ما نفكر‪ -‬كما الحظ فيرنر ييجر ‪ -‬في أن فكر‪ .‬المحرك الذي ال يتحرك عند‬
‫أرسطوطاليس تستمد أصلها من هنا؛ من اكسينوفانيس(‪ .)112‬فالثبات هي ذاتها الصفة التي أعواها بارمنيدس‬
‫للويود‪.‬‬

‫اصفا اإلله أنه‪ ":‬يبصر كل شيء‪،‬‬


‫أيضا بصفات العلم الكلي فيقول و ً‬
‫العلم الكلي‪ :‬يصف اكسينوفانيس اإلله ً‬
‫ويفكر في كل شيء‪ ،‬ويسمع كل شيء"(‪.)113‬‬

‫استحالة تصور ُكنه اإلله‪ :‬أثار اكسينوفانيس مسألة كانت لها أهميتها الكبير‪ .‬في تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬نعني‬
‫سبيل المعرفة‪ .‬ما الوريق إلي معرفة هذا اإلله؟ ما حقيقة اإلله؟ مع العلم أن الصفات التي يصف بها هذا الواحد‬
‫مولقة ال حد لها‪ .‬يجيب اكسينوفانيس في الشذر‪ .‬رقم (‪":)34‬لم يوجد ولن يوجد ذلك اإلنسان الذي لديه معرفة‬
‫يقينية عن اآللهة أو عن أي شيء من اوأشياء التي أذكرها هنا‪ .‬وحتى لو أسعفه الحظ وويد الفرصة لقول‬
‫الظن‬ ‫الجميع سو‬ ‫ليس لد‬ ‫الحقيقة الكاملة‪ ،‬يظل مع ذلك ال يعرف أنه توصل إليها فعال‪ ،‬ولكن‬
‫(‪)114‬‬
‫فجر ا كسينوفانيس إذن مشكلة التقابل بين المعرفة وبين الظن‪ ،‬ومنذ عصره أصبح البحث عن هذه‬
‫والوهم" ‪َّ .‬‬
‫الحقيقة الكامنة الشغل الشاغل للفلسفة والعلم(‪ .)115‬وهى نفسها المشكلة التي أثارها بارمنيدس بين طريقين‬
‫متناقمين‪ :‬طريق الظن وطريق الحقيقة‪ .‬هل يبدو أنه من قبيل المصادفة‪ -‬كما يقول نيتشه‪ -‬أن يكون في‬
‫مذهبا في الوحد‪.‬؟ إنهما لم‬
‫ً‬ ‫وينبا إلى ينب‪ ،‬ريالن تصور كل منهما‬
‫ً‬ ‫نفس المكان‪ ،‬في إيليا‪ ،‬قد عاش لفتر‪،.‬‬
‫يشكال مدرسة ولم يكن بينهما شيء مشترك سوى أن أحدهما استواع أن يتعلم مذهب اآلخر‪ ،‬وكان عليه أن يبدأ‬
‫بنقل هذا المذهب إلى لغته الخاصة(‪ .)116‬وهذا ما فعله بارمنيدس فقد حول ثيولويية اكسانوفانيس إلى انوولوييا‪:‬‬

‫‪ -4‬االنطولوجيا الثيولوجية‪ :‬الواحد البارمنيدي‬


‫لعل صفات اوأبيرون عند أنكسماندروس وصفات اإلله عند اكسينوفانيس كانت أساس انوولوييا بارمنيدس‪.‬‬
‫وعلينا اآلن أن نبحث‪ -‬في هذه المرحلة الجديد‪ -.‬محاولين تأويل نص قصيد‪ .‬بارمنيدس في الوبيعة‪،‬‬
‫مقدما انوولوييا تمثل‬
‫ً‬ ‫مستصحبين اإلشكاليات التي أثارتها فلسفة اكسينوفانيس وكيف أياب عنها بارمنيدس‬
‫مرحلة يديد‪ .‬في تاريخ الفلسفة اليونانية‪ :‬مرحلة نولق عليها" االنطولوجيا الثيولوجية عند بارمنيدس"؛ حيث‬
‫يمع بارمنيدس بين صفات اوأبيرون عند أناكسماندروس وصفات اإلله اإلكسينوفاني وبين صفات الويود عنده‪:‬‬

‫‪(111‬‬ ‫‪) Parmenides: On Nature, Fr, 26, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, p. 120.‬‬
‫‪(112‬‬ ‫‪) W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers, p. 45.‬‬
‫‪(113‬‬ ‫‪) Parmenides: On Nature, Fr, 24, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, p.119.‬‬
‫‪(114‬‬ ‫‪) Parmenides: On Nature, Fr, 34, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, p121.‬‬
‫(‪)115‬‬
‫محمود السيد مراد‪ :‬فلسطفة التنطوير عنطد كسطينوفان‪ ،‬مجلطة كليطة اآلداب بسطوهاج‪ ،‬الجطزء األول‪ ،‬العطدد الثالطث والعشطرين‪،‬‬
‫سوهاج‪ ،‬مارس ‪2000‬ع‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫فردريك نيتشه‪ :‬الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫(‪)116‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -5‬صفات الوجود عند بارمنيدس‬
‫يتميز الويود عند بارمنيدس بصفات عد‪ .‬يمثل مجموعها خالصة فلسفته في الويو؛ فالويود مويود‪ ،‬واحد‪ ،‬قديم‬
‫أزلي‪ ،‬أبدي‪ ،‬ثابت‪ ،‬كامل‪ ،‬ال يكون وال يفسد‪ ،‬وال ينقسم‪ .‬فليس الويود – في المحصلة اوأخير‪ -.‬إال الفكر نفسه؛‬
‫فصفات الويود هي عينها صفات الفكر‪ .‬وإذا كانت صفات الويود هي صفات الفكر فإنها هي صفات اإلله أو‬
‫العالم اإللهي الذي ال يمكن الوصول إليه إال بالفكر والعقل‪.‬‬

‫إن الصفات التي يعويها بارمنيدس للويود‪ -‬كما يقول جومبرتز‪ -‬تصدم القارئ في خبرته العادية وسيذهل وكأنه‬
‫كلمات بارمنيدس إلى عنان السماء‪ ،‬ولكن حدود الواقع ستضيق الخناق علينا مر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫في ُحُلم؛ حيث ترفعنا‬
‫أخرى(‪ .)117‬ولعل السياق الديني والفلسفي‪ -‬الذي نتناول من خالله فهم صفات الويود البارمنيدي‪ -‬قد يسهل علينا‬
‫مهمة التأويل والفهم‪ .‬وأول هذه الصفات هي أن "الويود مويود والالويود غير مويود"‪ ،‬وهو أصل العالم وعلته‬
‫اوأولى‪:‬‬

‫‪ -6‬الوجود أصل العالم‬


‫إن عالم الحس غير حقيقي‪ ،‬وهمي‪ ،‬مجرد مظهر‪ ،‬إنه ال ويود‪ .‬والويود وحده هو الحقيقي‪ .‬وكما اعتبر طاليس‬
‫العدد هو الحقيقة الواحد‪ .‬فإن الحقيقة الواحد‪ .‬عند‬ ‫الماء هو الحقيقة الواحد‪ ،.‬وكما اعتبر الفيثاغوريون‬
‫خال من كل صيرور‪.)118(.‬‬ ‫بارمنيدس‪ ،‬أي المبدأ اوأول لألشياء هو الويود غير المختلط تماما بالالويود وهو ٍ‬
‫ً‬
‫وعلى ذلك ففلسفة بارمنيدس تتضمن التفرقة بين "الحقيقة" و "الظاهر"‪ .‬وقد استمرت التفرقة بين الظاهر والحقيقة‬
‫درسا "للوجود الحق"‪ ،‬على نحو ما كانت عليه عند بارمنيدس‬
‫بارز‪ .‬بعد بارمنيدس‪ ،‬واستمرت الميتافيزيقا ً‬
‫وأفالطون وأرسوو وأفلوطين‪ .‬ومن ثم تلتقي مع الالهوت (‪ )Theology‬أو اإللهيات على صعيد واحد‪ ،‬وإن‬
‫أيضا‪ .‬وهي في ذلك كله تختلف عن العلوم الجزئية من ناحية أخرى‪ ،‬إنها‬
‫كانت مع أفلوطين تلتقي مع التصوف ً‬
‫غوص وراء اوأساس اوأول لهذا العالم وبحث "عن العلة اوأولى" للويود(‪ .)119‬وكما كان اوأبيرون أصل العالم‬
‫عند أناكسماندروس وكما وحد اكسينوفانيس بين اإلله والعالم يري بارمنيدس أن الويود هو العلة اوأولى‪ ،‬وأنه –‬
‫أيضا‪ -‬مويود‪:‬‬
‫ً‬

‫‪ -7‬الوجود موجود والالوجود غير موجود‬


‫نأتي اآلن إلى ذكر الصفة (اإلشكالية الكبرى في فلسفة بارمنيدس) التي أعواها بارمنيدس للويود‪":‬أقبل اآلن‬
‫أخبرك‪ ،‬واسمع كلمتي وتقبلها‪ :‬هناك طريقان ال غير للمعرفة بمكن التفكير فيهما‪ ،‬اوأول‪ :‬الوجود موجود (‪It is‬‬
‫‪ ،)To eon ،‬وال يمكن أن يكون غير مويود‪ ،‬وهذا هو طريق اليقين‪ ،‬وأنه يتبع الحق‪ .‬والثاني‪ :‬أن‬ ‫=‬
‫مويودا‪ ،‬وهذا الوريق ال يستويع أحد أن يبحثه‪ ،‬وأنك ال تستويع معرفة‬
‫ً‬ ‫الويود غير مويود‪ ،‬ويجب أال يكون‬

‫) ‪(117‬‬
‫‪Theodor Gomperz, The Greek Thinkers, vol 1, p 170.‬‬
‫(‪)118‬‬
‫وولتر ستيس‪ ،‬تاريا الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫(‪)119‬‬
‫إماع عبد الفتاح إماع‪ :‬مدلل إلى الميتافيزيقا‪ ،‬نهمة مصر‪ ،‬القاهرة ‪2005‬ع‪ ،‬ص ‪.112‬‬

‫‪21‬‬
‫الالويود وال أن تنوق به‪ ،‬وأن الفكر والويود واحد ونفس الشيء"(‪ ".)120‬ما يلفظ به ويفكر فيه يجب أن يكون‬
‫مويودا‪ ،‬ومن المستحيل أن يويد الالويود؛ إني آمرك أن تتأمل هذه‬
‫ً‬ ‫مويودا‪ ،‬وأنه من الممكن أن يكون الويود‬
‫ً‬
‫اوأمور‪ ،‬وأن تريع عن ذلك الوريق (اوأول للبحث) وعن هذا الوريق اآلخر أيضا الذي يضل فيه البشر‪ ،‬وال‬
‫شيئا ناظرين إليه بويهين‪ ،‬وأن االرتباك المويود في صدورهم يضلل عقولهم حتى لقد يعيشون كالصم‬
‫يعرفون ً‬
‫(البلهاء) الذين ال يميزون فيذهبون إلى أن الويود مويود‪ ،‬والالويود مويود‪ ،‬وأن الويود‬
‫والعمى والوغام ُ‬
‫(‪)121‬‬
‫أبدا إثبات أن الالويود‬
‫والالويود شيء واحد‪ ،‬وإلى أن كل شيء يتجه فى اتجاهات متضاد‪" . ".‬وأنه ال يمكن ً‬
‫مويود‪ ،‬وعليك أن تصرف نظرك عن هذا الوريق من البحث"(‪ " .)122‬فلم يبق لنا إال طريق واحد نتحدث عنه‪،‬‬
‫(‪.)123‬‬
‫وهو أن الويود مويود"‬

‫) في اليونانية غامضة للغاية وأن تريمة هذه‬ ‫)‪ ،‬وكذلك عبار‪( .‬‬ ‫إن عبار‪( .‬‬
‫) إلى االنجليزية التريمة المعتاد‪)It is(.‬‬ ‫العبار‪ .‬البسيوة عرضة للتضليل بسبب غموضها‪ ،‬قد تريمت (‬
‫) التريمة المعتاد‪ .‬كذلك (‪ž)It is or it is not‬ما معنى (‪)it‬‬ ‫كذلك تريمة عبار‪( .‬‬
‫‪ ،)esti-‬فليس لها تعريف على اإلطالق‪ ،‬وإذا كان‬ ‫لقد فسرها بيرنت بالمالء (‪ .)a plenum‬أما كلمة (‬
‫غموضا‪ -‬يقترحه كيرك ورافين‪ -‬هو إما‬
‫ً‬ ‫)‪ .‬وربما في معنى أقل‬ ‫البد من تريمة (‬
‫شيء يكون أو ال يكون‪ .)124()Either a thing is or it is not( :‬لكن بقيت التريمة الشائعة‪" :‬الويود‬
‫مويود والالويود غير مويود‪ .‬وقد أول فلهلم فنلباند الويود‪ -‬كما فعل بيرنت‪ -‬بـ ـ"المالء)‪،)Filling space‬‬
‫‪ )125()Empty space-‬ورأى زيلر ذلك يزًءا من مذهب فيثاغورس‪ .‬ومن‬ ‫والالويود بـ ـ"الخالء" (‬
‫هذه الفكر‪ .‬اوأساس استمد بارمنيدس كل معتقداته عن طبيعة الويود(‪ .)126‬ولكن الجواب اوأكثر قبوالً‪ -‬الذي‬
‫يقترحه هاملين‪ -‬لمسألة مريع (‪ )It‬هو أي شيء تريد! أما معنى (‪ )Is‬فالمذهب اوأكثر مالئمة يرى أنها تعني‬
‫"موجود" (‪ .)127()exists‬أما برتراند رسل فيرى أن ضمير الغائب الذي ينسب إليه الويود في عبار‪" .‬إنه مويود"‬
‫هو ما أصبح يولق عليه فيما بعد اسم "الجوهر" أي الماد‪ .‬التي ال تتغير وال تفنى‪ ،‬والتي يقول الماديون عنها‬
‫(‪.)128‬‬
‫يميعا‬
‫ً‬ ‫إنها هى التي تتألف منها اوأشياء‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،5،4‬الترجمة العربية‪ ،‬أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص‪.131 ،‬‬ ‫(‪)120‬‬

‫(‪)121‬‬
‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،6‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص‪.131 ،‬‬
‫(‪)122‬‬
‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،7‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص‪.131 ،‬‬
‫(‪ )123‬بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص‪.131 ،‬‬
‫)‪(124‬‬
‫‪.S.Kirk & J.E.Raven, The Presocratic Philosohers, p 269.‬‬
‫‪(125‬‬ ‫)‬
‫‪Wilhelm Windelband: History of Ancient Philosophy, p 37.‬‬
‫‪(126‬‬ ‫)‬
‫‪Zeller, Outlines of The History of Greek Philosophy, Trans by:- LR. Plamer, 13th Ed, Dover‬‬
‫‪Publications Inc, New York, 1980, p.65.‬‬
‫‪(127‬‬ ‫)‬
‫‪D.W.Hamlyn: The Penguin History of Western Philosophy, p 23.‬‬
‫(‪ )128‬برترانططد راسططل‪ :‬حكمططة الغططرب‪ ،‬الجططزء األول‪ ،‬ترجمططة‪ :‬فططؤاد زكريططا‪ ،‬المجلططس الططوطني للثقافططة والفنططون واآلداب‪ ،‬الكويططت‪،‬‬
‫‪1983‬ع‪ ،‬ص ‪.46‬‬

‫‪22‬‬
‫ولكن إذا استصحبنا تأويلنا لمقدمة القصيد‪ -.‬عبر سياقها الديني اوأسووري عند هوميروس وهسيودوس‪ -‬لنفهم‬
‫القسم الثاني منها‪ ،‬وهو الذي يتحدث فيه بارمنيدس عن طريق الحق (‪ -،)The way of Truth‬عبر سياقه‬
‫الفلسفي عند اناكسماندروس واكسينوفانيس‪ -‬نميل إلى القول بأننا لسنا في حاية إلى كل تلك التعقيدات لو أن‬
‫بارمنيدس كان يتحدل عن اإلله باعتبارا "الهو"‪ ،‬أو أن بارمنيدس كان يرمز إلى عالم األلومية‪ ،‬ويشير إليه‬
‫مقدسا ال يجوز التلفظ باسمه صراحة! أما إذا ارتضينا التفسير الشائع للعبار‪ .‬اليونانية (‪= It is‬‬
‫ا‬ ‫سر‬
‫باعتبارا اا‬
‫) الويود مويود والالويود‬ ‫‪ )To eon ،‬بمعني الويود مويود أو عبار‪( .‬‬
‫غير مويود‪ ،‬فالويود هو العالم اإللهي‪ ،‬والالويود هو عالمنا الذي نعيش فيه‪ .‬فال يجب أن ننتظر من بارمنيدس‬
‫أن يحدثنا في ذلك القسم الثاني من القصيد‪ .‬عن هذا العالم الوبيعي ومويوداته على نحو ما كان بفعل سابقوه‬
‫من الفالسفة اوأيونيين‪ ،‬وا لوريق الذي سلكه خالل المدن وإن ذكر على أنه طريق المدن إال أنه ليس رحلة علمية‬
‫لمشاهد‪ .‬وقائع هذا الكون وإنما هو‪-‬كما تقول أمبرة حلمي مطر‪ -‬طريق الخالص من هذا العالم الموصل إلى‬
‫‪-‬‬ ‫) والويود عنده يختلف عن هذا العالم المحسوس (‬ ‫معرفة حقيقة ألر هي حقيقة الوجود (‪- on‬‬
‫ووهما ومعرفته من باب الظن والزيف(‪)129‬؛ فالمويود‬
‫مظهر ً‬
‫ًا‬ ‫‪(onta‬؛ ذلك وأن عالم المويودات الوبيعية قد عده‬
‫الذي عبر عنه بارمنيدس في اليونانية بقوله ( ) نقترح أن نعده‪ -‬كما يقول ييجر‪ -‬المويود "الواحد" في مقابل‬
‫(‪)130‬‬
‫؛ وهذا المويود‬ ‫)؛ فال يويد كثر‪ .‬مويودات ولكن يويد فقط ويود واحد مفرد‬ ‫كثر‪ .‬المويودات (‬
‫هو المويود اإللهي الواحد؛ ونصوص بارمنيدس والصفات التي أعواها للويود تؤكد ذلك فالويود كما هو مويود‬
‫فهو واحد كما سنرى تواً‪.‬‬

‫وكما ق أر الباحث نصوص بارمنيدس عبر السياق الفلسفي السابق عليه‪ ،‬كذلك فهو يقرأها عبر السياق الفلسفي‬
‫الالحق له عند أفالطون وأرسوو‪ :‬فبالنسبة وأفالطون نجد أن أفكار بارمنيدس في الويود والالويود قد مهدت‬
‫الوريق للثنائية الميتافيزيقية التي ويدت تعبيرها اوأكثر اكتماال في نظرية المثل اوأفالطونية‪)131‬؛ حيث يفرق‬
‫أفالطون بين حقائق عالمين‪ :‬حقائق العالم العلوي‪ :‬عالم المثل‪ ،‬وحقائق عالمنا‪ ،‬وفي ذلك يقول أفالطون‪" :‬أريد‬
‫أن أقول إن حقائق العالم ال شأن لها بحقائق العالم العلوي‪ ،‬كما أن هذه ال شأن لها بنا‪ ،‬أريد أن أقول إن حقائق‬
‫(‪.)132‬‬
‫وفيما يخص‬ ‫العالم العلوي تتعلق بنفسها‪ ،‬وإن حقائق عالمنا بالمثل ال تكون لها عالقة إال فيما بينها"‬
‫أرسطو وإلهه المحرك الذي ال يتحرك نجده يجعل له من الصفات المتعدد‪ ،.‬التي تفترض أوالً صفة الويود‪ ،‬فال‬
‫مويودا فكل هذه الصفات تفترض‬
‫ً‬ ‫حيا‪ ،‬أو عاقالً أو معشوًقا‪ ،‬دون أن يكون‬
‫يمكن للمحرك اوأول مثالً أن يكون ً‬
‫صفة الويود أوالً‪ ،‬وهو ما سيولق عليه أرسوو في منوقه اسم الجوهر‪.‬‬

‫(‪)129‬‬
‫أميرة حلمي مطر‪ :‬الفلسفة عند اليونان‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫) ‪(130‬‬
‫‪W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophersp.102.‬‬
‫‪(131‬‬ ‫)‬
‫‪Zeller, Outlines of The History of Greek Philosophy, p.67.‬‬
‫أفالطططون‪ :‬بارمنيططدس‪ 133،‬هطططط‪ 134 -‬أ ‪ ،‬ترجمططة‪ ،‬حبيططب الشططاروني‪ ،‬المجلططس األعلططى للثقافططة‪ ،‬القططاهرة‪2002 ،‬ع ص‬ ‫(‪)132‬‬

‫‪.27‬‬

‫‪23‬‬
‫لقد أمسك بارمنيدس بمبدأ التناقض وهو مبدأ منوقي‪ .‬إنه ال يستويع الموافقة على أن الشيء يمكن أن يكون‬
‫تفسير للتغير‪ .‬لكن بارمنيدس‬
‫ًا‬ ‫مويودا وغير مويود في نفس الوقت‪ ،‬إال أن هذه الموافقة شيء البد منه إذا أردنا‬
‫ً‬
‫نبذ موضوع التغير عن تفكيره‪ ،‬ولم يبال به‪ ،‬وهو الريل الذي كان يويه اهتمامه الرئيس إلى اوأفكار الدينية‬
‫مصلحا لالهوت الفيثاغوري)؛ بل إنه كان‬
‫ً‬ ‫(ويجب أن نعتبره من الناحية التاريخية‪ -‬كما يقول بينيامين فارتن‪-‬‬
‫مسرور بنبذه(‪ .)133‬والذي يعل لبارمنيدس قيمة من الويهة التاريخية هو ابتكاره لصور‪ .‬من المحاية الميتافيزيقية‬
‫ًا‬
‫تراها – على ضروب شتى‪ -‬ماثل ًة في معظم الميتافيزيقيين الذين ياءوا بعد ذلك حتى هيجل‪ ،‬بما في ذلك هيجل‬
‫وكثير ما يقال إنه منشئ المنوق‪ ،‬لكن الذي أنشأه حقيقة هو الميتافيزيقا القائمة على أساس منوقي(‪.)134‬‬
‫ًا‬ ‫نفسه‪،‬‬
‫إن أول تعبير عن قانون الهوية المنوقي؛ نجده في ذلك التفسير االنوولويي‪ :‬الويود مويود؛ وسوف يستخرج‬
‫بارمنيدس من ذلك القانون كل نتائجه االنوولويية(‪)135‬؛ فكما أن الويود مويود فهو واحد‪:‬‬

‫‪ -8‬الوجود واحد‬
‫وانتهى إلى‬ ‫(‪)136‬‬
‫ركز بارمنيدس‪ -‬مثل اكسينوفانيس‪ -‬على العالقة بين الويود الواحد وويود اوأشياء المتعدد‪.‬‬
‫(‪)137‬‬
‫معترضا على كل محاولة لتفسير اشتقاق الكثر‪ .‬عن الوحد‪" :.‬كل شيء واحد من‬
‫ً‬ ‫القول بأن الويود واحد‬
‫حيث أبدأ ألني سوف أعود إلى المكان نفسه"(‪" .)138‬وما نفكر فيه وما من أجله يوجد التفكير شيء واحد‪،‬‬
‫موجودا ما‬
‫ا‬ ‫موجودا‪ ،‬وال سوف يكون‬
‫ا‬ ‫تفكير في غير الوجود الذي تعبر عنه بالكالع‪ .‬إذ ليس شيء‬
‫اا‬ ‫ألنك ال تجد‬
‫لال الوجود"(‪.)139‬‬

‫لقد قدم بارمنيديس لألييال الالحقة من الفالسفة معضلة الواحد والكثير في أيلى صورها وأحدها‪ ،‬وبفعله هذا‬
‫ياهدا أن يحل المشكلة‬
‫ً‬ ‫دمر اوأسس التي تقوم عليها الفلسفة الوبيعية القديمة‪ ،‬وسوف يحاول أفالطون‬
‫) الذي يشكل العالم المادي ويحكمه(‪.)140‬‬ ‫البارمينيدية هذه باقتراحه فكر‪ .‬الصانع أو الديمورجوس(‬

‫وقد يولق بارمنيديس على الواحد لديه اسم "اإللهي" (التي ربما لم يكن معناها ليزيد على اوأبدي وما ال يتغير)‪،‬‬
‫ولكن يبدو أنه ال يسند له أية أهمية دينية كما يرى أرمسترونج(‪ .)141‬لكن السياق الديني والفلسفي الذي نتناول‬
‫من خاللهما تأويل فلسفة بارمنيدس يريحان اوأهمية الدينية التي يحاول أرمسترونج نفيها عن الواحد البارمنيدي‬
‫احدا وغير متكثر فإنه ال يكون وال يفسد‪:‬‬
‫باعتباره ممثالً لعالم اإللوهية‪ .‬وإذا كان الويود و ً‬

‫(‪)133‬‬
‫بنيامين فارنتن‪ :‬العلم اإلغريقي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫(‪)134‬‬
‫برتراند راسل‪ :‬تاريا الفلسفة الغربية‪ ،‬الفلسفة القديمة‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫) ‪(135‬‬
‫‪A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, p 84.‬‬
‫) ‪(136‬‬
‫‪A.S.Bogomolov, History of Ancient Philosophy, p 83.‬‬
‫أفالطون‪ :‬بارمنيدس‪ 128 ،‬أ‪ ،‬ب ‪ ،‬ص ‪ ،11‬ترجمة حبيب الشاروني‪.‬‬ ‫(‪)137‬‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،3‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ‪ ،‬ص ‪.131‬‬ ‫(‪)138‬‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫(‪)139‬‬

‫(‪)140‬‬
‫أ‪.‬ه‪ .‬آرمسترونج‪ :‬مدلل إلى الفلسفة القديمة‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫(‪)141‬‬
‫أ‪.‬ه‪ .‬آرمسترونج‪ :‬مدلل إلى الفلسفة القديمة‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -9‬الوجود ال يكون وال يفسد‪.‬‬
‫" وما مصير الوجود في المستقبل؟ أو كيم يمكن أن يوجد؟ إذا جاء إلى الوجود فليس بموجود‪ .‬وكذلك إذا وجد‬
‫في المستقبل‪ .‬وبذلك تزول الصيرورة وال يتحدل أحد عن الفساد‪".‬وما مصير الوجود في المستقبل؟ أو كيم‬
‫يمكن أن يوجد؟ إذا جاء إلى الوجود فليس بموجود‪ .‬وكذلك إذا وجد في المستقبل‪ .‬وبذلك تزول الصيرورة وال‬
‫يتحدل أحد عن الفساد(‪ ".)142‬فإذا كان الويود ال يكون وال يفسد فهو إذن قديم‪:‬‬

‫الوجود قديم‬ ‫‪-10‬‬


‫ومن يهة أخرى أكد بارمنيدس على أن الويود قديم‪ -‬كما قال اكسينوفنيس من قبل وكما سيصف أرسوو إلهه‬
‫من بعد‪ -‬من حيث أنه لو فرضنا حدوثه‪ :‬إما أن يكون محدثًا لذاته‪ ،‬أو بواسوة غيره‪ ،‬وكال الفرضين باطالن‪:‬‬
‫وأن اوأول منهما ال يرتبط بالزمان فال يكون هناك دفع لالختيار في الويود في لحظة دون أخرى بسبب خروج‬
‫عن الويود ذاته‪ .‬وأما الثاني فمتى ما فرضنا الويود فيستحيل معه عند ذاك ويود علٍي سابق عليه‪ ،‬بل هو قائم‬
‫من حيث أزليته وقدمه‪ ،‬وبهذا ال يخضع لكون وال فساد‪ .‬وقد استعان بارمنيدس بحجته المعروفة (المعضلة‬
‫معا كي يرتفع الخالف مع الخصم(‪.)143‬‬
‫معتمدا فيه على رفض النقيضين ً‬
‫ً‬ ‫‪ )Dilemma‬في تبرير موقفه هذا‪،‬‬

‫الوجود ثابت محدود‬ ‫‪-11‬‬


‫"وأيما ف نه ال يتحرك من جهة حدودا القوية األسر‪ ،‬بال بداية وال نهاية‪ ،‬ألن الكون والفساد (أي ما يظهر وما‬
‫ثايتا على‬
‫باقيا بنفسه‪ ،‬ا‬
‫يختفي) قد أبعدا‪ ،‬إذ أبعدهما اليقين الصادق‪ .‬إن الوجود ذاته يظل في المكان نفسهن ا‬
‫الدواع‪ ،‬ألن المرورة تمسكه دالل قيود النهاية التي تحيط به‪ ،‬فقد حكم القانون اإللهي أال يكون يكون الوجود‬
‫بغير نهاية‪ ،‬فهو ال يحتاج إلى شيء‪ ،‬أما إذا كان ال نهائيا (من جهة المكان) ف نه يحتاج إلى كل شيء"(‪.)144‬‬

‫نهائيا غير متحدد‪ ،‬فهو يظل‬


‫ً‬ ‫وليس ال‬ ‫أيضا‬
‫(‪)145‬‬
‫الويود ثابت محدود‪ ،‬وفي ذلك يتبع بارمنيدس اكسينوفانيس ً‬
‫وباقيا بنفسه (أي بدون الحاية إلى شيء)‪.‬‬
‫دائما "في قيوده" أي في حدوده‪ ،‬في نفس الحال ً‬
‫ً‬

‫إن الويود عند بارمنيدس غير متحرك وال يتغير وأن الحركة والتغير شكالن من الصيرور‪ .‬وكل صيرور‪ .‬مستبعد‪.‬‬
‫من الويود‪ .‬إنه متماثل مع نفسه وهو ال ينشأ من أي شيء آخر غير نفسه‪ ،‬وهو ال ينتقل إلى شيء آخر غير‬
‫نفسه‪ ،‬إنه يملك ويوده كله في ذاته وهو ال يعتمد على أي شيء آخر من أيل ويوده وحقيقته‪ ،‬إنه ال ينتقل‪-‬‬
‫قابعا في ذاته(‪.)146‬‬
‫على حد تعبير ستيس‪ -‬إلى "اآللرية"‪ ،‬بل يظل ثابتًا ً‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ‪ ،‬ص ‪133‬‬ ‫(‪)142‬‬

‫جعفر آل ياسين‪ :‬فالسفة يونانيون‪،‬ص‪.60،‬‬ ‫(‪)143‬‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫(‪)144‬‬

‫) ‪(145‬‬
‫‪Wilhelm Windelband: History of Ancient Philosophy, p 38.‬‬
‫وولتر ستيس‪ :‬تاريا الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫(‪)146‬‬

‫‪25‬‬
‫وقد أبدى أرسطو دهشته من رأي بارمنيدس ومدرسته في كتابه "الكون والفساد" بقوله‪ " :‬بالصدور عن هذه‬
‫بعض الفالسفة إلى‬
‫النظريات وبمعاند‪ .‬شهاد‪ .‬الحواس واالستهانة بها بحجة أنه ينبغي إتباع العقل فقط‪ ،‬انتهى ُ‬
‫التصديق بأن العالم واحد غير متحرك وغير ٍ‬
‫متناه وأنه إن لم يكن كذلك فإن الحد بحسبهم ال يمكن إال أن يحاد‬
‫الخلو"(‪ .)147‬الفزياء هى علم الوبيعة والوبيعة هى مبدأ حركة المويودات الوبيعة‪ ،‬فإذا كانت الحركة ممتنعة فإن‬
‫الفيزياء باعتبارها علم فلسفة الوبيعة تكون مستحيلة(‪.)148‬ويرى أرسطو في كتابه "الطبيعة" أن أدلة بارمنيدس‬
‫"خداعا"و "ها هو العيب الذي يظهر في آراء بارمنيدس التي ال تتكئ إال على مقدمات كاذبة‬
‫ً‬ ‫وتالميذه ليست إال‬
‫بل ال تنتج نتائج مترتبة"‪ .‬وينتهي أرسوو إلى القول‪" :‬أما نحن فإنما نضع مبدأ ال يحتمل الجدال‪ :‬أن في الوبيعة‬
‫اء‬
‫حركة إما في يميع اوأشياء وإما باوأقل في بعضها‪ .‬وهذا واقع أساسي تعلمنا إياه المشاهد‪ ُ.‬الحسية واالستقر ُ‬
‫المتدبر"(‪.)149‬‬

‫ولكن بارمنيدس يتكلم هنا عن ثبات العالم اإللهي‪ ،‬ال عالمنا الفزيائي وأكبر دليل على ذلك أن أرسطو أعطى‬
‫إلهه الصفة األهم على اإلطالق؛ حيث وصفه بالمحرك الذي ال يتحرك‪ .‬وعلى ذلك تكون قراءتنا للسياق‬
‫لصوصا أرسطو تقربنا من محاولة فهمه (ولو ظن أرسوو للحظة أن بارمنيدس يتكلم‬
‫ا‬ ‫الالحق على بارمنيدس‬
‫عن إله يشبه إلهه‪ ،‬كل الشبه؛ أو حتى عن عالم إلهي يختلف عن عالمنا كل االختالف‪ ،‬ربما ما ويه إليه ذلك‬
‫االنتقاد!)‪ .‬ولقد ظلت دهشة أرسوو مستمر‪ .‬حتى عصر رسل الذي يقول‪" :‬والحق إن ذلك يمثل ضربة قاصمة‬
‫لتصورنا العادي‪ ،‬غير أنها هى النتيجة المنوقية لمذهب مادي واحدي متسق مع نفسه"(‪ .)150‬وقد حاول الباحث‬
‫أن يثبت عكس ما ذهب إليه رسل‪.‬‬

‫الوجود ال ينقسم‬ ‫‪-12‬‬


‫منقسما‪ ،‬ألنه كل متجانس‪ ،‬وال يوجد هنا أو هناك أي شيء يمكن أن يمنعه من التماسك‪،‬‬
‫ا‬ ‫"وليس الوجود‬
‫وليس الوجود في مكان أكثر أو أقل منه في مكان آلر‪ ،‬بل كل شيء مملوء بالوجود‪ ،‬فهو كل متصل ألن‬
‫الموجود متماسك بما هو موجود"(‪.)151‬‬

‫هكذا أعوى بارمنيدس صفة البساطة للويود‪ ،‬ولقد أعوي أرسوو صفة البساطة وعدم االنقسام إللهه كذلك‪،‬‬
‫وكذلك صفة الكمال‪:‬‬

‫أرسطططوطاليس‪ :‬الكططون والفسططاد‪ ،‬ك ‪ ،1‬ب‪ ،8‬ف‪،3‬يتلططوا كتططاب "ميلسططوس وفططي أكسططينوفان وفططي غر يططاس‪ ،‬ترجمهططا مططن‬ ‫(‪)147‬‬

‫اإلغريقية إلى الفرنسية وصدرها بمقدمة في تاريا الفلسفة اإلغريقيطة وعلطق عليهطا تعليقطات متتابعطة بطارتلمي سطانتهلير‬
‫ونقله إلى العربية أحمد لطفي السيد‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪2008 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫) ‪(148‬‬
‫‪Julian Marias, history of philosophy, p 24.‬‬
‫أرسططوطاليس‪ :‬علطم الطبيعطة‪ ،‬الجطزء األول‪ ،‬ك ‪ ،1‬ب‪ ،2‬ترجمطه مطن اإلغريقيطة إلطى الفرنسطية وصطدرا بمقدمطة فطي تططور‬ ‫(‪)149‬‬

‫علططم الطبيعططة وبتفسططير علططق علططي الططنص تعليقططات متتابعططة بططارتلمي سططانتهلير ونقلططه إلططى العربيططة أحمططد لطفططي السططيد‪،‬‬
‫الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪2008 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫برتراند راسل‪ :‬حكمة الغرب‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫(‪)150‬‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫(‪)151‬‬

‫‪26‬‬
‫الوجود كامل‬ ‫‪-13‬‬
‫" وحيث كان للوجود حد بعيد‪ ،‬فهو كامل من جميع الجهات‪ ،‬مثل كتلة الكرة المستديرة المتساوية األبعاد من‬
‫المركز‪ ،‬ألنها ليست أكبر أو أصغر في هذا االتجاا أو ذاك‪ ،‬وال يعوقها شيء عن بلور النقط المتساوية عن‬
‫وجودا في مكان دون آلر‪ ،‬بل هو كل ال انفصال فيه‪ .‬ولما كان الوجود‬
‫ا‬ ‫المركز‪ ،‬وليس الوجود أكثر أو أقل‬
‫متساويا من جميع الجهات ف نه يبلغ الحدود بشكل متجانس"(‪.)152‬‬
‫ا‬

‫هذه الصفة المهمة هي التي ميزت إله اكسينوفانيس من قبل وإله أرسوو من بعد‪.‬‬

‫الوجود هو الفكر‬ ‫‪-14‬‬


‫تفكير في غير الوجود الذي تعبر عنه‬‫اا‬ ‫"وما نفكر فيه وما من أجله يوجد التفكير شيء واحد‪ ،‬ألنك ال تجد‬
‫موجودا ما لال الوجود‪ ،‬ماداع القدر قد قيدا ليكون كالا ال‬
‫ا‬ ‫موجودا‪ ،‬وال سوف يكون‬
‫ا‬ ‫بالكالع‪ .‬إذ ليس شيء‬
‫يتحرك‪ .‬وبناء على ذلك ليست جميع األشياء إال أسماء أطلقها البشر عليها‪ ،‬واعتقدوا في صدقها‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الكون والفساد‪ ،‬الوجود والالوجود‪ ،‬النقلة في المكان وتغير اللون الساطع(‪.)153‬‬

‫هذا الصفة المهمة هي التي ميزت إله اكسينوفانيس‪ -‬كذلك‪ -‬من قبل وإله أرسطو من بعد‪ .‬الويود‪ :‬هو ما‬
‫تفكير في غير الويود الذي نعبر‬
‫ًا‬ ‫نفكر فيه‪ ،‬وما من أيله يويد التفكير‪ ،‬فالويود والفكر شيء واحد وأنك ال تجد‬
‫)‪ ،‬وبمعنى آخر فإن ما هو عاقل‬ ‫ويعرف عن طريق العقل (‬‫عنه بالكالم‪ .‬فالوجود ( )‪ ،‬عاقل‪ُ ،‬‬
‫ويعرف بالعقل هو الويود(‪ .)154‬وال يمكن بدون التفكير أن نصل إلى المفكر فيه أي اإلله‪ ،‬وال يمكن إال أن‬
‫ُ‬
‫يكون عقالا وعاقالا ومعقوالا؛ تماما ك له أرسطو وإله اكسينوفانيس‪.‬‬

‫) ‪،‬الفكر‪ .‬ومن الوريقة‬ ‫)؛ التفكير؛ أو (‬ ‫)‪ ،‬الشيء المويود وال(‬ ‫ومن هذا التأكيد لذاتية ال(‬
‫التي أشار بها المفكرون القدماء إلى هذا يجب أن نستدل أن واحد بارمنيدس الساكن الخالد لم يقصد به أن يكون‬
‫صور‪ .‬عقلية وهمية ناقصة مشوهة للعالم الحقيقي المحيط بنا‪ ،‬كما لو كانت طبيعته الحقيقة كوبيعة سائل‬
‫كونا آينشتياً فوق كروي‬
‫ً‬ ‫متجانس ال يقبل االهتزاز‪ ،‬يمأل على الدوام كل مكان بال حدود‪ ،‬أي‬
‫وا كما يميل عالم الوبيعة الحديثة أن يسميه‪ .‬وبارمنيدس ال يعتبر العالم المادي‬
‫(‪ )Hyperspherical‬مبس ً‬
‫المحيط بنا من قبيل اوأمر الواقع‪ ،‬إنما الحقيقة الصحيحة هى الفكر‪ ،‬أو ما يمكن أن نقول إنه موضوع اإلدراك‬
‫العقلي‪ .‬أما العالم المحيط بنا فهو من نتاج اإلنسان المحس‪ ،‬هو صور‪ .‬خلقها اإلدراك الحسي عند الذات المفكر‪.‬‬
‫(على سبيل االعتقاد) (‪.)155‬‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني ‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫(‪)152‬‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص ‪133‬‬ ‫(‪)153‬‬

‫مجدي كيالني‪ :‬الفلسفة اليونانية من طاليس إلى أفالطون‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫(‪)154‬‬

‫ايرفين شرودنجر‪ :‬الطبيعة واإلغريق‪ ،‬ترجمة‪ ،‬عزت قرني‪ ،‬راجعه‪ ،‬صقر لفاجة‪ ،‬دار النهمطة العربيطة‪ ،‬القطاهرة‪،1962 ،‬‬ ‫(‪)155‬‬

‫ص ‪.44‬‬

‫‪27‬‬
‫نتيجة تأويل الجزء الثاني‪ :‬وحدة وجود عقلية‬ ‫‪-15‬‬
‫يقول أرسوو‪":‬يبدو أن بارمنيدس تشبث بالقول بأن الكون واحد في شكله أو صيغته ( بمعنى وحدة الوجود‬
‫الصورية) (‪ .)156‬وعلى ذلك ُعد بارمنديس أول الفالسفة الحقيقيين في المدرسة اإليلية أب الميتافيزيقا بال منازع؛‬
‫خصوصا إذا الحظنا أنه قد قصر بحثه على فكر‪ .‬الويود‪ ،‬ومن ثم فهو مؤسس االنوولوييا؛ فنظر إلى الويود‬
‫ً‬
‫مجردا (وحدة وجود صورية على حد تعبير أرسوو) وليس هو الوبيعة نفسها‪ .‬كما أضاف إلى‬ ‫ً‬ ‫شيئا‬
‫بحسبانه ً‬
‫الويود الصفات اوأصلية التي تجعل من هذا الوجود كاإللومية سواء بسواء‪ .‬ولهذا لم يكن يفرق‪ -‬كما يقول‬
‫عبد الرحمن بدوي‪ -‬بين الوجود واآللهة(‪.)157‬‬

‫مجردا فقط‪ ،‬وال هو أيضاً صور‪ .‬حسية‪ ،‬وإنما هو – إذا ياز التعبير‪-‬‬
‫ً‬ ‫تصور‬
‫ًا‬ ‫ليس الويود عند بارمنيدس إذن‬
‫"صورة هندسية" ولدت من االحتكاك بالعلم الفيثاغوري‪ ،‬ومن يهة أخرى‪ ،‬تتلبس كرة بارمنيدس الطابع اإللهي‬
‫عينه الذي كان يتشح به نظام الكون لدى هيراكليتوس‪ :‬فتلك اآللهة شبه المجرد‪ .‬كالعدالة والضرور‪ .‬والقدر‪ ،‬التي‬
‫تويه في صور‪ .‬اوأيونيين مجرى المويودات النظامي‪ ،‬هى عينها التي يحتج بها بارمنيدس ليضمن لكرته السكون‬
‫التام(‪ .)158‬وهذه هى نقوة التقاء‪ -‬وقد التقوها أولف جيجن ببراعة‪ -‬بين هيراكليتوس وبين بارمنيدس الذين‬
‫يمثالن تيارين متعارضين أشد تعارض(‪.)159‬‬

‫إنه الهدف ذاته الذي ابتغاه فيثاغورس من فلسفته في التوهير‪ ،‬ليتحقق له خالص النفس من عجلة الميالد ودور‪.‬‬
‫تماما إنه يعتمد على العقل وبراهين االستنباط‬
‫التناسخ ولكن الوريق الذي يقدمه بارمنيدس هنا طريق مختلف ً‬
‫المنوقية في التدليل على هدفه‪ ،‬ويبدأ بفكر‪ .‬عقلية لغوية "الويود مويود" ولو أننا قلنا‪" :‬الويود واإللوهية ويهان‬
‫لعملة واحد‪ .‬ربما لم نكن مخوئين كل الخوأ‪.‬‬

‫إننا يجب علينا أن نعيد قراء‪ .‬مولع القصيد‪ .‬مر‪ .‬أخرى كي نستويع إدراك المقصد اوأعلى والهدف اوأسمى من‬
‫فلسفة بارمنيدس‪ ،‬ثم بعد ذلك نعيد قراء‪ .‬القسم الثاني من القصيد‪ ،.‬طريق الحق الذي يقرر فيه بارمنيدس من أن‬
‫أيضا اوأوصاف التي أعواها بارمنيدس‬
‫"الويود مويود"‪ ،‬وهل الويود شيء آخر مختلف عن اإللوهية؟ (لنرايع ً‬
‫للويود والتي أعواها كل من اكسينوفانيس وأرسوو لإلله عند كل منهما)‪ ،‬هذه‪ -‬في ظني‪ -‬هي أول "وحدة وجود‬
‫عقلية" توحد بين الويود واإللوهية والعقل‪ ،‬قدمها لنا بارمنيدس‪ ،‬في صور‪ .‬استدالل عقلي بل ولغوي منوقي‪ .‬وقد‬
‫أصابنا بالدوار كما نظن أنه أصاب الباحثين من قبلنا وأثار بينهم كل هذا الخالف في تفسير كلماته الواضحة‬
‫الملغز‪.!.‬‬

‫أرسطو‪ :‬مابعد الطبيعة‪ ،‬الكتطاب األول‪ ،‬مقالطة األلفطا الكبطر ‪ ،‬ف ‪ 986 ،5‬ب ‪ ، 22‬ترجمطة‪ ،‬إمطاع عبطد الفتطاح إمطاع‪ ،‬ص‬ ‫(‪)156‬‬

‫‪.270‬‬
‫عبد الرحمن بدوي‪ :‬ربيع الفكر اليوناني‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫(‪)157‬‬

‫اميل برهييه‪ :‬تاريا الفلسفة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫(‪)158‬‬

‫أولف جيجن‪ :‬المشكالت الكبر في الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.286‬‬ ‫(‪)159‬‬

‫‪28‬‬
‫ج‪ -‬طريق الالوجود‪ :‬العالم المادي‬

‫كان الفيثاغوريون مولعين بدراسة نظام العالم‪ ،‬فدرسوا الفلك‪ ،‬والسماوات‪ ،‬واعتنقوا ًا‬
‫كثير من النظريات الكسمولويية‬
‫والكسمويونية‪ ،‬مع أن أرواحهم كانت متعلقة بعالم آخر‪ ،‬عالم إلهي تسعى إليه‪ ،‬لتصل إلى ذلك العالم السعيد‪:‬‬
‫عالم اآللهة الخالدين؛ وهذه الدراسة لم يكن الفيثاغوريون ليغترون بها‪ ،‬ولم تكن متناقضة مع سعيهم الحثيث نحو‬
‫عالم الحقيقة الكاملة هذا‪ .‬كذلك كان بارمنيدس؛ فقد تناولنا فلسفته في الويود‪ .‬ولقد ريحنا أن الويود هو العالم‬
‫اإللهي‪ ،‬وحاولنا أن نقيم اوأدلة على ذلك الترييح‪ .‬واآلن في القسم الثالث ذلك القسم الذي حير الباحثين حول‬
‫ويود رابط بينه وبين الجزء الثاني‪ ،‬ووأننا نق أر بارمنيدس من خالل سياق الدين والفلسفة اليونانية فأننا نؤول القسم‬
‫الثالث‪ ،‬باعتباره عالمنا المادي‪ ،‬وله من الصفات ما يناقض صفات الويود‪ ،‬فهو‪ -‬في المحصلة النهائية‪-‬‬
‫)‪ .‬وذلك حسب التريمة الشائعة للعبارات اليونانية الغامضة التي عرضنا لها من قبل‪ .‬فعالمنا‬ ‫"الوجود"(‬
‫عالم مظهر ولكن بالنسبة للعالم اإللهي‪ ،‬وبالمقارنة به‪ ،‬لكنه مع ذلك‪ -‬كما فعل الفيثاغوريون‪ -‬عالم يستحق‬
‫الدراسة والتأمل بشرط أال ينسينا عالمنا اإللهي فهو العالم الحقيقي بإزاء عالم الزيف والظن اوأرضي‪ .‬إن أروحنا‬
‫ينبغي لها أن تعرف هذا العالم اوأرضي وتقارن بينه وبين العالم اإللهي بالعقل ال بالتصوف كما هو عند‬
‫فيثاغورس‪ ،‬فالخالص الذي يعدنا به بارمنيدس هو لالص انطولوجي ثيولوجي إن ياز التعبير‪ .‬في حين كان‬
‫خالص فيثاغورس خالص رياضي صوفي‪ .‬وفيما يأتي نستعرض ذلك العالم‪ :‬عالم الظن‪ ،‬لنتعرف على آراء‬
‫البشر الفانين حول ذلك العالم‪:‬‬

‫)‬ ‫‪ -1‬آراء البشر الفانين )‬


‫يبدأ القسم الثالث من القصيد‪ .‬على النحو اآلتي‪":‬وإذ قد بلغت هذا الموضع ف ني أقفل باب الكالع‬
‫مصغيا إلى التسلسل‬
‫ا‬ ‫الصادق(‪ )Logos‬والفكر المتعلق بالحق‪ .‬وعليك من اآلن فصاعدا أن تتعلم آراء البشر‪،‬‬
‫الخادا أللفا‪،‬ي"(‪.)160‬‬

‫مبينا صفاته‪ ،‬التي أوحت بها اآللهة إليه‪ ،‬كان من المروع‪ -‬على حد‬
‫بعد أن حلق بنا بارمنيدس في عالم اإللوهية ً‬
‫تعبير آرمسترونج‪ -‬أن نجد كامل القسم الثالث من قصيدته "في الوبيعة" ينشغل بنشأ‪ .‬أكوان تقليدية طويلة‬
‫ومستفيضة‪ .‬ويوضح بارمنيديس غاية التوضيح عند مولع القسم الثالث أنه ال يقدم رواية للحقيقة كما يكشف‬
‫عنها العقل‪ ،‬بل فقط "نبذ‪ .‬عما يبدو للبشر الفانين"(‪ ،)161‬أولئك الذين يقنعون بالمظاهر‪.‬‬

‫بدأت اإللهة تصف عالمنا المادي‪ ،‬ذلك العالم الذي يركن إليه سائر البشر‪ ،‬ويظن أنه الحقيقة‪ ،‬مع أنه عالم‬
‫الزيف ونبهت على بارمنيدس ب أن الكالم عن عالم الحقيقة قد أغلق بابه‪ ،‬ليبدأ التعرف علي آراء البشر الفانين‬
‫)‪ .)doxai broton‬ويريح بيرنت صراحة أن المقصود بالبشر الفانين هو مذهب هيراكليتوس(‪ .)162‬بيد أن‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫(‪)160‬‬

‫أ‪.‬ه‪ .‬آرمسترونج‪ :‬مدلل إلى الفلسفة القديمة‪ ،‬ص ‪.35-34‬‬ ‫(‪)161‬‬

‫) ‪(162‬‬
‫‪J. Burnet: Early Greek Philosophy, p.183.‬‬

‫‪29‬‬
‫كلمة "الفانين" ليست كلمة مناسبة‪ -‬وأتفق في ذلك مع جادامير‪ -‬وأية مجابهة نقدية ضد تعاليم حكيم إفسوس‬
‫(هيراكليتوس)؛ فهي تستخدم في الشعر الملحمي كمرادف لتعبير"الكائنات اإلنسانية" بشكل عام؛ من أيل أن‬
‫يميعا بمقابل "غير الفانين"(‪ .)163‬فغير الفانين هم اآللهة والفانون هم نحن البشر‪.‬‬
‫ً‬ ‫نحدد ما هو مشترك بيننا‬
‫وعالم غير الفانين هو العالم اإللهي‪ (.‬وذلك حسب التراث الشفاهي اوأسووري في بالد اليونان)‪ ،‬بينما عالم‬
‫تحضير لوريق الحقيقة‪ .‬إن طريق الظاهر محطة أولى‬
‫ًا‬ ‫الفانين هو‪ ،‬العالم المادي‪ .‬ويمكن اعتبار طريق الظاهر‬
‫على طريق الحقيقة التي يسلكها السالك‪ ،‬حي يتأكد من وهمية العالم الحسي ويصبح مؤهالا الستقبال أنوار‬
‫تماما بالواقع العيني(‪.)164‬‬
‫الحقيقة‪ .‬بعد أن يضحي ً‬

‫‪)doxai‬؛‬ ‫‪ ،)doxa‬إنما يتحدث عن اآلراء (‬ ‫وفي الواقع ال يتحدث بارمنيدس إطالًقا عن الرأي (‬
‫اضحا إذن أن‬
‫مفردا‪ ،‬بينما آراء الناس متعدد‪ ..‬يصبح و ً‬
‫احدا‪ً ،‬‬‫شيئا و ً‬
‫طبيعيا فالحقيقة ليست إال ً‬
‫ً‬ ‫اوأمر الذي يبدو‬
‫أيضا أن يدور تعليمها حول اآلراء التي يدافع عنها الفانون؛ تلك اآلراء‬
‫اإللهة تريد تعليم الحقيقة‪ ،‬ولكنها تريد ً‬
‫التي ال تحتوي على الحقيقة(‪ .)165‬إن المقابلة بين العالمين مقصود‪ .‬من قبل اإللهة؛ إذ بمدها تتميز األشياء‪،‬‬
‫ليكون العقالء من البشر على علم تاع بطريق الحق وبطريق الظن‪ ،‬فأي الوريقين ينبغي لهم أن يسلكوا؟ إن‬
‫رسالة بارمنيدس تكون قد اكتملت بتوضيح كل من الوريقين‪ .‬وهذه إيابة مسبقة عن السؤال اآلتي‪:‬‬

‫أيما؟‬
‫‪ -2‬لماذا تصف اإللهة طريق الظن ا‬
‫والسؤال الذي نورحه اآلن‪ :‬هل كان بارمنيدس يعني إضفاء أي نوع من التصديق يمكن أن يعويه طريق‬
‫(‪)166‬‬
‫والسؤال بوريقة أخرى‪ :‬لماذا تممن طريق الظن وجود وحي اإللهة؟ تلك التي ال تقول إال الحقيقة‬ ‫الظن؟‬
‫موحية بها إلى بارمنيدس؟ لماذا أدرجت اإللهة‪ -‬حاملة مفتاح عالم الحقيقة‪ -‬في وحيها ما هو غير صحيح‪،‬‬
‫وحتى زائف‪ ،‬وتمع بنفسها ذلك النمط المخادا من طريق الظن؟‬

‫يقترح كارل بوبر ثالثة ردود مرتبوة بذلك السؤال‪ :‬أوالً‪ :‬بارمنيدس ال يمكن أن يفتح هو‪ .‬بين الواقع وطريق الظن‬
‫أو بين طريق الحق وطريق الظن دون أن يعوي وزناً للجانبين من هذا التمييز الجديد‪ ،‬ومن ثم كان عليه أن ال‬
‫أيضا لعالم الظاهر المخادع‪ .‬الثاني‪ :‬اإللهة وحدها يمكنها أن تجيب‬
‫صفا للعالم الواقعي الحقيقي ولكن ً‬
‫يعوي و ً‬
‫ممنوعا في عالم الحقيقة فكيف نشأ عالم الظاهر الوهمي؟‬
‫ً‬ ‫عن ذلك التمييز بين العالمين وعن إذا ما كان التغير‬
‫هذا بالضبط السؤال الذي تجيب عنه اإللهة في طريق الظن وكيف ظهر مع نشأ‪ .‬الكون‪ .‬الرد الثالث‪ ،‬وهو أكثر‬

‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.143‬‬ ‫(‪)163‬‬

‫حسين حرب‪ :‬الفكر اليوناني قبل أفالطون‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫(‪)164‬‬

‫هانز جورج غادايمر‪ :‬بداية الفلسفة‪ ،‬ص ‪.149-148‬‬ ‫(‪)165‬‬

‫) ‪(166‬‬
‫‪K. Freeman: The Pre-Socratic philosophers, , p,141.‬‬

‫‪30‬‬
‫أهمية من الردين السابقين‪ ،‬وهو أن اإللهة ذكرت طريق الظن لتقريب الحقيقة إلى أقصى درية؛ فاإللهة تشير إلى‬
‫قصدها لمناقشة علم الكونيات (‪ )Cosmology‬وعلم نشأ‪ .‬الكون (‪ )Cosmogony‬من عالم الظاهر(‪:)167‬‬

‫‪ -3‬نظاع العالم كما يظهر‬


‫"لقد تعود البشر تسمية صورتين‪ ،‬ويجب أن يمسكوا عن ذكر إحداهما عند االنحراف عن الحق (إذا ذهبوا‬
‫بعيدا)‪ .‬وقد ميزوا بينهما من حيث تمادهما في الصورة‪ ،‬واستدلوا عليهما بعالمات مختلفة‪ .‬إحداهما النار في‬
‫السماء‪ ،‬وهى نار رقيقة‪ ،‬لطيفة‪ ،‬متجانسة من جميع الجهات‪ ،‬ولكنها تختلف عن األلر ‪ .‬وهذا الصورة‬
‫األلر تمادها تماما‪ :‬إنها الليل المظلم‪ ،‬جسم ثقيل كثيم‪ .‬وإني (أي اإللهة) واصفة لك نظاع هذا العالم كما‬
‫يظهر‪ ،‬حتى ال يسبقك تفكير أي إنسان"(‪.)168‬‬

‫يردد بارميندس هنا المبدأ الفيثاغوري عن اوأضداد‪ :‬كل المويودات من النور أو الدفء‪ ،‬والظلمة أو البرد‪ .‬وهذه‬
‫اوأضداد تعادل مبدأي الذكور‪ .‬واوأنوثة في الكون (الكوزموس) (‪:)169‬‬

‫‪ -4‬النور والليل‬
‫"ولما كانت جميع األشياء تسمى النور والليل‪ ،‬وأطلقت األسماء على كل صنف من األشياء طبقا لقوة‬
‫(‪ )Dunamis‬كل منهما (يريد النور والليل)‪ ،‬ففي كل شيء (فالكل مملوء) مقدار متساو من النور والليل‬
‫الالمرئي‪ ،‬إذ لكل منهما نصيب"(‪.)170‬‬

‫تفصيليا بيان خروج العالم من النور والظالم فإننا‬


‫ً‬ ‫خرج العالم إذاً من النور والظالم‪ .‬أما كيف استواع بارمنيدس‬
‫يدا أال يكون بارمنيدس قد أفرد لهذا اوأمر أية أهمية خاصة(‪ .)171‬ومن‬ ‫ال ندري من ذلك ً‬
‫كثيرا‪ .‬ومن الممكن ً‬
‫المحتمل أن بارمنيدس يعرض على مستمعيه ويمهوره القصص الشائعة التي أولع بها اليونانيون من هوميروس‬
‫وهسيودوس‪ .‬وكذلك من قصص الكسمولوييا والكسمويونيا اوأورفية الفيثاغورية‪ .‬فالرأي الحق هو رأي اإللهة‪،‬‬
‫بينما اآلراء المتعدد‪ .‬هي آراء البشر الفانين من الفالسفة اوأيونيين وغيرهم‪ .‬وطريق الحقيقة هو العالم اإللهي‬
‫الذي يبشر به بارمنيدس‪ ،‬عالم الثبات والوحد‪ .‬والنور‪ .‬وطريق الظن‪ :‬هو عالم اوأيونيين المادي الوبيعي‪ ،‬الزائف‬
‫المتكثر‪ ،‬عالم الظلمة والظلمات‪.‬‬

‫‪ -5‬كسمولوجيا بارمنيدس‬

‫) ‪(167‬‬
‫‪Karl Popper: The World of Parmenides, Essays on the Presocratic Enlightenment, Edited by‬‬
‫‪Arene F. Petersens, Routledge, Lpdon and New Yourk,1998, p.120-121.‬‬
‫(‪ )168‬بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص ‪133‬‬
‫جورج جطي‪.‬اع‪ .‬جطيمس‪ :‬التطرال المسطروق‪ ،‬الفلسطفة اليونانيطة فلسطفة مصطرية مسطروقة‪ ،‬ترجمطة‪ ،‬شطوقي جطالل‪ ،‬المجلطس‬ ‫(‪)169‬‬

‫األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬ع‪ ،‬ص ‪.69‬‬


‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،9‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫(‪)170‬‬

‫أولف جيجن‪ :‬المشكالت الكبر في الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.287‬‬ ‫(‪)171‬‬

‫‪31‬‬
‫" وستعرف طبيعة السماء‪ ،‬وجميع العالمات الموجودة فيها‪ ،‬واألثر المفسد الشتغال الشمس الساطعة الموء‪،‬‬
‫وكيم نشأت (أي األجراع السماوية) إلى الوجود‪ .‬وستتعلم كذلك طبيعة القمر ووجوهه وأعماله في سيرا‪.‬‬
‫وستعرف أيما السماء التي تحيطنا‪ ،‬من أين نشأت‪ ،‬وكيم جعلتها المرورة تمسك حدود النجوع‪ .‬وكيم‬
‫نشأت األرض‪ ،‬والشمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬والسماء المشتركة للجميع‪ ،‬والمجرة‪ ،‬وأوليمبوس البعيد‪ ،‬وقوة النجوع‬
‫الساطعة"(‪.)172‬‬

‫هكذا أضاف بارمنيدس إلى فلسفته كسمولوييا‪ ،‬بيد أن هذه الكسمولوييا ما زادت على أن نهلت على سعة من‬
‫معين المعتقدات التقليدية بصدد تولد اوأشياء وفنائها‪ .‬ومن ثم فهى من روح مغاير لروح الكسمولوييا اوأيونية‪،‬‬
‫فهى تضم تحت يناحيها أساطير نشكونية من قبيل أساطير هسيودوس واوأورفيين‪ ،‬ومن ذلك مثالً أنها تعد‬
‫"الحب" (‪ )Eros‬اإلله اوأول(‪.)173‬‬

‫‪ -6‬الحب أو األيروس‬
‫(‪)174‬‬
‫‪.‬‬ ‫"وأول ما أبدعت من اآللهة هو الحب (‪")Eros‬‬

‫(‪)175‬‬
‫في الجزء الثالث من‬ ‫والسؤال اآلن الذي نورحه‪ -‬مع ييجر‪ -‬ما الذي يعل بارمنيدس يقتبس آلهة هسيودوس‬
‫(‪)176‬‬
‫يدا‬
‫؟ ومن المريح ً‬ ‫القصيد‪ .‬المتعلق بعالم المظهر الذي هو على نقيض مذهبه في الحقيقة‪ :‬الويود اوأبدي‬
‫أيضا(‪.)177‬‬
‫أن طريق الظن الذي عرضه بارمنيدس في القسم الثالث من قصيدته يمثل كسمولوييا الفيثاغوريين ً‬
‫ويقول كورنفورد نحن هنا في طريق الظن على أرضية أورفية؛ والمخطط األساسي هو‪ :‬سقوط وانحدار من‬
‫منطقة الموء السماوي‪ :‬الواقع والحقيقة‪ ،‬إلى الظالع‪ :‬غير الواقعي وزيم الوجود الجسدي(‪ .)178‬ووعي اإلنسان‬
‫بهذا السقوط هو يوهر انوولوييا بارمنيدس كما نظن‪.‬‬

‫‪ -7‬اإللهة تدبر العالم‬


‫" لقد امتألت الحلقات األضيق بالنار غير الممتزجة‪ ،‬وما يليها من حلقات بالليل‪ ،‬ويندفع من بينها أجزاء من‬
‫اللهب (أي النار)‪ .‬وفي وسطها توجد اإللهة التي تدبر جميع األشياء‪ ،‬ذلك ألنها أصل كل نسل وتناسل‪ ،‬فهي‬
‫التي تسوق األنثى لالئتالف مع الذكر‪ ،‬وتدفع الذكر إلى الصلة باألنثى"(‪.)179‬‬

‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،10،11‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص ‪.134‬‬ ‫(‪)172‬‬

‫اميل برهييه‪ :‬تاريا الفلسفة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الفلسفة اليونانية‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫(‪)173‬‬

‫(‪ )174‬بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،13‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪(175‬‬ ‫)‬
‫‪Hesiod: Theogony, in The Poems and Fragments done into English Prose with Introduction‬‬
‫‪and Appendices by A.W. Mair M.A., Oxford, Clarendon Press, 1908, 120, p. 35.‬‬
‫‪(176‬‬ ‫)‬
‫‪W. Jeager: The Theology of The Early Greek Philosophers, At Clarendon Press, Oxford,‬‬
‫‪London. 1948, p.93.‬‬
‫(‪ )177‬فردريك كوبلستون‪ :‬تاريا الفلسفة‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬اليونان وروما‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪(178‬‬ ‫)‬
‫‪F.M.Cornford: From Religion To Philosophy, Princenton University press, Princenton,‬‬
‫‪1991, p 219.‬‬
‫(‪ )179‬بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،12‬الترجمة العربية أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ص ‪.134‬‬

‫‪32‬‬
‫) بالعالم‪ ،‬فلم يترك العالم لمبادئ المصادفة أو االتفاق أو العلل‬ ‫تويد عند بارمنيدس عناية إلهية(‬

‫المادية الميكانيكية العمياء‪،‬كما فعل اوأيونيون‪ ،‬بل تويد في الوسط اإللهة التي تدبر يميع اوأشياء‪ .‬وفي ذلك يرد‬
‫بارمنيدس على إلحاد اوأيونيين الذين ال يقرون بعلة عاقلة ويقولون بالعلل المادية وحدها‪ ،‬كما رد أفالطون من‬
‫بعده‪ .‬على مادية اوأيونيين ووصفها بأنها‪" :‬نظرية مشئومة"‪ ،‬وأنها "تؤلذ على نطاق واسع كالكلمة األليرة في‬
‫الحكمة"‪ ،‬وأن أصحاب هذه النظرية يقولون‪" :‬إن كل األشياء العظيمة والجميلة هي من إنتاج الطبيعة‬
‫يميعا في ويودها للوبيعة والمصادفة"‪" .‬وكان‬
‫ً‬ ‫والمصادفة"‪" .‬إنهم يقولون إن الماء والنار والتراب والهواء تدين‬
‫ذلك كما يقولون ال بفعل العقل‪ ،‬أو أي إله أو فن‪ ،‬وإنما بالوبيعة والمصادفة"(‪.)180‬‬

‫‪ -8‬نتيجة تأويل القسم الثالث‪ :‬المظهر ال يجب أن يخدعنا عن الجوهر‬


‫طبقا آلراء البشر (أي للظن) نشأت هذا األشياء‪ ،‬وال تزال حتى اآلن وسوف تكون وتفسد‪ .‬وأطلق‬
‫"وهكذا ا‬
‫ثابتا يميزا(‪.)181‬‬
‫الناس على كل شيء اسما ا‬

‫) أي شيء "ال يويد بالفعل؟" وهل‬ ‫إذا نحن نزعنا من عالم الحواس كل حقيقة‪ ،‬فهل عالم الحواس إذن (‬
‫هو ال يعدو أن يكون مجرد قصة يميلة كلها عن أشياء ال تويد‪ .‬إنه يتناول‪ -‬على اوأقل‪" -‬االعتقادات البشرية"‪،‬‬
‫فهي إذن في العقل الذي هو الويود‪ .‬أفال يكون لها بالتالي أي ويود خاص باعتبارها من ظواهر العقل؟ هذه‬
‫فعا‪ .‬إنما علينا أن نتذكر أن اإلنسان الذي يلتمس وأول مر‪.‬‬‫أسئلة ال إيابة عنها‪ ،‬ومتناقضات ال نستويع لها ر ً‬
‫يميعا‪ ،‬فإنه يبالغ في تأكيها عاد‪ .‬بشكل قد يوقع به‬
‫ً‬ ‫حقيقة عميقة مخفية‪ ،‬تكون على خالف ما اتفق عليه الناس‬
‫(‪.)182‬‬
‫فنحن إزاء نظر‪ .‬شعرية ال تقتصر شعريتها على الصياغة فحسب‪ ،‬ففيها يتحد العقل‬ ‫في متناقضات منوقية‬
‫عرضا‪ -‬في شعر يوناني رائع‪ ،‬بأكثر من كوننا إزاء نظر‪ .‬علمية‬
‫ً‬ ‫والعالم واوألوهية(‪ .)183‬إننا بإزاء دين كان ُينشد‪-‬‬
‫ظاهر حينئذ‪ ،‬فقد يعل بارمنيدس الدين أو تقوى اآللهة ينتمي إلى عالم‬
‫ًا‬ ‫إلى العالم‪ ،‬وإن لم يكن هذا التمييز‬
‫االعتقاد(‪ .)184‬إن المظهر‪ :‬العالم المادي‪ ،‬ال يجب أن يخدعنا عن الجوهر‪ :‬العالم اإللهي‪ :‬تلك هي حكمة‬
‫بارمنيدس الكبير‪ -‬كما أطلق عليه أفالطون‪ -‬السامية‪ .‬وفي الختام ال يسع الباحث إال أن يردد‪ -‬مع كارل بوبر‪-‬‬
‫إن بارمنيدس يظهر لي األكثر غراب اة‪ ،‬ولكنه في الوقت ذاته األعظم بين كل الفالسفة(‪.)185‬‬

‫أفالطون‪ :‬القوانين‪ ،‬ك ‪ ،890 ،10‬ترجمة من اليونانية إلى اإلنجليزية‪ ،‬تيلطور‪ ،‬نقلطه إلطى العربيطة‪ ،‬محمطد حسطن ‪،‬ا‪،‬طا‪ ،‬الهيئطة‬ ‫(‪)180‬‬

‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1986،‬ع‪ ،‬ص ص ‪.454 ،453‬‬


‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬شذرة ‪ ،8‬الترجمة العربية‪ ،‬أحمد فؤاء األهواني‪ ،‬ص‪.135‬‬ ‫(‪)181‬‬

‫ايرفين شرودنجر‪ :‬الطبيعة واإلغريق‪ ،‬ص ‪.46-45‬‬ ‫(‪)182‬‬

‫ايرفين شرودنجر‪ :‬الطبيعة واإلغريق‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫(‪)183‬‬

‫ايرفين شرودنجر‪ :‬الطبيعة واإلغريق‪ ،‬ص ‪.42‬‬ ‫(‪)184‬‬

‫) ‪(185‬‬
‫‪Karl Popper: The World of Parmenides p.125.‬‬

‫‪33‬‬
‫الخاتمة‪ :‬نتائج البحث‬

‫يمكن إجمال أهم نتائج البحث في النقاط اآلتية‪:‬‬

‫أوالا‪ :‬قام الباحث بتأويل مقدمة قصيد‪" .‬في الطبيعة" لبارمنيدس‪ ،‬مستعيناً بالسياق الثيولويي الميثولجي واعتبرها‬
‫مفتاح الشيفرة للدخول إلى تفسير فلسفة بارمنيدس برمتها‪.‬‬

‫طبقا للسياق الفلسفي السابق على بارمنيدس‪ ،‬والمتمثل في أناكسيماندروس‬


‫ثانيا‪ :‬الوجود‪ -‬كما ريح الباحث‪ ،‬و ً‬
‫ا‬
‫واكسينوفانيس‪ ،‬والسياق الالحق عليه‪ ،‬عند أفالطون وأرسوو‪ -‬هو الويود اإللهي المعقول‪ .‬هو طريق الحق‪ ،‬وهو‬
‫معرفة ذلك العالم اإللهي ومعرفة صفاته والبرهنة عليه عن طريق المنوق العقلي‪ .‬فالوريق الذي قوعه بارمنيدس‬

‫‪34‬‬
‫وأراد من مستمعي أشعاره‪ -‬في القرن السادس قبل الميالد‪ -‬أن يعرفوه‪ ،‬ليس مباشر‪ ،.‬بل في صور‪ .‬رمزية‪ ،‬ال‬
‫أصحاب اوأسرار من معتنقي الديانات السرية كاوأليوسية والديونسيوسية واوأورفية والفيثاغورية‪ .‬ولذلك‬
‫ُ‬ ‫يلتقوها إال‬
‫مظهر تجل لإللومية في الكون؛ إذا نظرنا إلى اإللهة باعتبارها مبتدأ الويود‬‫َ‬ ‫يمكننا اعتبار أن الوجود ليس إال‬
‫ومنتهاه‪ ،‬وما على العقل البشري إال إدراك الحقيقة‪ :‬العود‪ .‬إلى الويود اإللهي‪ ،‬في ختام هذه الرحلة العقلية‬
‫الالهوتية‪ .‬وهذا الوريق يمثل الحقيقة والجوهر‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الالوجود‪ :‬طريق الظن‪ -‬كما ريح الباحث‪ -‬هو طريق البشر الفانين‪ .‬طريق البحث الكسمولويي‪ ،‬والفلسفة‬
‫الوبيعية‪ ،‬الوريق المألوف عند علماء وفالسفة المدرسة اوأيونية‪ .‬وذلك الوريق يمثل الظن والمظهر‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬لقد أعادت عبقرية بارمنيدس تشكيل العقائد الثيولويية‪ ،‬والميثولويية‪ ،‬والكسمولويية‪ ،‬عند اوأورفيين‬
‫را‬
‫والفيثاغوريين‪ ،‬على نحو يديد كل الجد‪ :.‬على نحو انوولجي عقلي يكشف عن "سر الوجود"؛ حيث يتحد العقل‬
‫والعالم واإللوهية‪ ،‬في مركب فريد واحد‪ .‬ذلك المركب هو ما وصفه الباحث بططططططط"الهوت الوجود عند بارمنيدس"‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‬
‫أوالً‪ -‬المصادر‪:‬‬
‫‪ž-1‬المصادرžالمترجمةžإليžاللغةžالعربية‪ž :‬‬
‫أرسطو‪ :‬الكون والفساد‪ ،‬ترجمه žمنžاإلغريقية žإلى žالفرنسية žبارتلمي žسانتهلير‪ž ،‬نقلهžإليžالعربية žأحمدž‬ ‫‪-1‬‬
‫لطفيžالسيد‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪2008 ،‬ع‪.‬‬
‫أرسطو‪ :‬علم الطبيعة‪ ،‬ترجمه إلى الفرنسية‪ :‬بارتلمي سانتهلير‪ ،‬نقله إلي العربية‪ :‬أحمد لطفي السيد‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مطبعة دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪1935 ،‬ع‪.‬‬
‫‪ -3‬أرسطو‪ :‬مابعد الطبيعة‪ ،‬د‪ .‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬ترجمة الكتب الخمسة األولى من ميتافيزيقا‬
‫أرسطو‪ ،‬ضمن كتابه‪ :‬مدخل إلى الميتافيزيقا‪ ،‬نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪2005 ،‬م‪ž .‬‬

‫‪35‬‬
‫أفالطون‪ :‬القوانين‪ ،‬ترجمة من اليونانية إلى اإلنجليزية‪ ،‬تيلور‪ ،‬نقله إلى العربية‪ ،‬محمد حسن‬ ‫‪-4‬‬
‫‪،‬ا‪،‬ا‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1986،‬م‪.‬‬
‫أفالطون‪ :‬بارمنيدس‪ ،‬ترجمة‪ ،‬حبيب الشاروني‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪2002 ،‬ع‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫بارمنيدس‪ :‬في الطبيعة‪ ،‬ترجمة‪ ،‬أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ضمن كتابه‪ ،‬فجر الفلسفة اليونانية قبل‬ ‫‪-6‬‬
‫سقراط‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪2009 ،‬ع‪.‬‬
‫بارمنيدس‪ž :‬مقتطفات بارمنيدس‪ :‬ضمن كتاب‪ :‬فردريك نيتشه‪ :‬الفلسفة في العصر المأساوي‬ ‫‪-7‬‬
‫األغريقي‪ ،‬تعريب سهيل الق ‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1981 ،‬ع‪.‬‬
‫بارمنيدس‪ž :‬مقتطفات بارمنيدس‪ ،‬ضمن كتاب هانز جورج غادامير‪ :‬بداية الفلسفة ‪ ،‬ترجمة على‬ ‫‪-8‬‬
‫حاكم صالح و حسن نا‪،‬م‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة‪ ،‬بيروت‪2002 ،‬ع‪ž .‬‬

‫‪-2‬المصادرžالمترجمةžإليžاللغةžاإلنجليزية‪ž :‬‬

‫‪1- Diogenes Laertius: Lives of Eminent Philosophers, Vol. 11, Trans by: R. D.‬‬
‫‪Hicks, M.A. Cambridge, Massachusetts, Harvard university Press, London,‬‬
‫‪1972.‬‬
‫‪2- Hesiod: Theogony, in The Poems and Fragments done into English Prose‬‬
‫‪with Introduction and Appendices by A.W. Mair M.A., Oxford, Clarendon‬‬
‫‪Press, 1908.‬‬
‫‪3- Parmenides: On Nature, in J. Burnet, Early Greek Philosophy, 4 th ed,‬‬
‫‪Adam & Charles-Black, London, 1975.‬‬
‫‪4- Parmenides:Fragments Parmenides, Edited with New Translations by‬‬
‫• ‪Richard McKirahan, PARMENIDES PUBLISHING Las Vegas • Zurich‬‬
‫‪Athens, 2009.‬‬

‫ثانيًا‪ -‬المراجع‬
‫‪ž-1‬المراجعžالعربية‪ž ž:‬‬
‫آرمسترونج (أ‪.‬ه‪ :).‬مدلل إلى الفلسفة القديمة‪ ،‬ترجمة سعيد الغانمي‪ ،‬كلمة‪ ،‬المركز‬ ‫‪-1‬‬
‫الثافي العربي‪ ،‬القاهرة‪2009 ،‬ع‪.‬‬
‫آل ياسين (د‪ .‬يعفر)‪ :‬فالسفة يونانيون‪ ،‬العصر اوأول‪ ،‬موبعة اإلرشاد‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪1971‬م‪.‬‬
‫إماع (د‪.‬عبد الفتاح إماع)‪ :‬مدلل إلى الميتافيزيقا‪ ،‬نهمة مصر‪ ،‬القاهرة ‪2005‬ع‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫اوأهواني (د‪ .‬أحمد فؤاد)‪ :‬فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫القاهر‪2009،.‬م‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫بدوي(د‪ .‬عبد الرحمن)‪ :‬ربيع الفكر اليوناني‪ ،‬وكالة الموبوعات‪ ،‬الكويت‪1979،‬م‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫برهييه(إميل)‪ :‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬الجزء اوأول‪ ،‬الفلسفة اليونانية‪ ،‬الوبعة الثانية‪ ،‬تريمة‪:‬‬ ‫‪-6‬‬
‫يورج طرابيشي‪ ،‬دار الوليعة للوباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫جادامير(هانز جورج)‪ :‬بداية الفلسفة ‪ ،‬ترجمة على حاكم صالح و حسن نا‪،‬م‪ ،‬دار‬ ‫‪-7‬‬
‫الكتاب الجديد المتحدة‪ ،‬بيروت‪2002 ،‬ع‪.‬‬
‫جادامير(هانز جورج)‪ :‬فلسفة التأويل‪ ،‬األصول‪ ،‬المبادأل‪ ،‬األهداف‪ ،‬ترجمة محمد‬ ‫‪-8‬‬
‫شوقي الزين‪ ،‬منشورات االلتالف‪،‬الجزائر ‪2006‬ع‬
‫جثري(و‪.‬ك‪.‬س‪ :).‬الفالسفة اإلغريق من طاليس إلى أرسطو‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬رأفت‬ ‫‪-9‬‬
‫حليم سيم‪ ،‬مراجعة‪ ،‬إماع عبد الفتاح إماع‪ ،‬مطبعة الطليعة‪ ،‬بيروت‪1988 ،‬ع‪.‬‬
‫مقدمة ترجمته لكتاب جورج جي‪.‬اع‪ .‬جيمس‪ :‬الترال المسروق‪،‬‬ ‫جالل (شوقي)‪:‬‬ ‫‪-10‬‬
‫الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬ع‪.‬‬
‫جيجن (أولف)‪ :‬المشكالت الكبر في الفلسفة اليونانية‪ ،‬ترجمة‪ ،‬عزت قرني‪ ،‬مكتبة‬ ‫‪-11‬‬
‫سعيد رأفت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريا‪.‬‬
‫جيمس (جورج جي‪.‬اع‪ :).‬الترال المسروق ‪ ،‬الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة‪،‬‬ ‫‪-12‬‬
‫ترجمة‪ ،‬شوقي جالل‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬ع‪.‬‬
‫حرب(د‪ .‬حسين)‪ :‬الفكر اليوناني قبل أفالطون‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬بيروت‪.1990 ،‬‬ ‫‪-13‬‬
‫الخطيب (محمد)‪ :‬الفكر اإلغريقي‪ ،‬دار عالء الدين‪ ،‬دمشق‪1999 ،‬ع‪.‬‬ ‫‪-14‬‬
‫راسل (برتراند)‪ :‬حكمة الغرب‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ترجمة‪ :‬فؤاد زكريا‪ ،‬المجلس الوطني‬ ‫‪-15‬‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪1983 ،‬ع‪.‬‬
‫راسل(برتراند)‪ :‬تاريخ الفلسفة الغربية‪ ،‬الكتاب اوأول‪ ،‬الفلسفة القديمة‪ ،‬تريمة‪ :‬د‪ .‬زكي‬ ‫‪-16‬‬
‫نجيب محمود‪ ،‬رايعه د‪.‬أحمد أمين‪ ،‬لجنة التأليف والتريمة والنشر‪ ،‬القاهر‪1957 ،.‬م‪.‬‬
‫سارتون(يورج)‪ :‬تاريخ العلم‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬تريمة‪ :‬لفيف من العلماء بإشراف د‪.‬إبراهيم‬ ‫‪-17‬‬
‫بيومي مدكور‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهر‪ 1991،.‬م‪.‬‬
‫ستيس(وولتر)‪ :‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬تريمة‪ :‬مجاهد عبد المنعم مجاهد‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬ ‫‪-18‬‬
‫القاهر‪1984 ،.‬م‪.‬‬
‫سوفاج(ميشلين)‪ :‬برمنيذس‪ ،‬ترجمة بشارة صارجي‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات‬ ‫‪-19‬‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪1999 ،‬ع‪.‬‬
‫شرودنجر (ايرفين)‪ :‬الطبيعة واإلغريق‪ ،‬ترجمة‪ ،‬عزت قرني‪ ،‬راجعه‪ ،‬صقر لفاجة‪ ،‬دار‬ ‫‪-20‬‬
‫النهمة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1962 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫فارنتن (بنيامين)‪ :‬العلم اإلغريقي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ترجمة‪ :‬أحمد شكري سالم‪ ،‬مراجعة‪:‬‬ ‫‪-21‬‬
‫حسين كامل أبو الليم‪ ،‬مكتبة التهمة المصرية‪ ،‬القاهرة‪.1958 ،‬‬
‫كرع (يوسف)‪ :‬تاريا الفلسفة اليونانية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريا‬ ‫‪-22‬‬
‫كوبلستون(فردريك)‪ :‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬المجلد اوأول‪ ،‬اليونان وروما‪ ،‬المشروع القومي‬ ‫‪-23‬‬
‫للتريمة‪ ،‬المجلس اوأعلى للثقافة‪ ،‬القاهر‪2002 ،.‬م‪.‬‬
‫كيالني (د‪ .‬مجدي)‪ :‬الفلسفة اليونانية من منظور معاصر‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪،‬‬ ‫‪-24‬‬
‫اإلسكندرية‪2009،‬ع‪.‬‬
‫مراد (د‪ .‬محمود السيد)‪ :‬فلسفة التنوير عند كسينوفان‪ ،‬مجلة كلية اآلداب بسوهاج‪،‬‬ ‫‪-25‬‬
‫الجزء األول‪ ،‬العدد الثالث والعشرين‪ ،‬سوهاج‪ ،‬مارس ‪2000‬ع‪.‬‬
‫مرحبا (د‪ .‬محمد عبد الرحمن)‪ :‬تاريخ الفلسفة اليونانية من بدايتها حتى المرحلة‬ ‫‪-26‬‬
‫نسيِة‪ ،‬مؤسسة عز الدين للوباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬م‪.‬‬ ‫ِ َّ‬
‫الهل ْ‬
‫‪ -27‬مور(د‪ .‬أمير‪ .‬حلمي)‪ :‬الفلسفة عند اليونان‪ ،‬الجزء اوأول‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهر‪1986 ،.‬م‪.‬‬
‫نيتشه (فردريك)‪ :‬الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي‪ ،‬تعريب سهيل الق ‪،‬‬ ‫‪-28‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1981 ،‬ع‬

‫‪ž-2‬مراجعžباللغةžاإلنجليزية‪ž :‬‬

‫‪1. Bogomolov (A.S.): History of Ancient Philosophy, Greece and‬‬


‫‪Rome, trans by: V. Stankerich, Progress Publishers, Moscow,‬‬
‫‪1985.‬‬
‫‪2. Burnet (J. ) : Early Greek Philosophy, 4 th ed, Adam & Charles-‬‬
‫‪Black, London, 1975.‬‬
‫‪3. Cornford (F.M.): From Religion To Philosophy, Princenton‬‬
‫‪University press, Princenton, 1991.‬‬
‫‪4. Freeman (K.): The Pre-Socratic philosophers, 2nd ed. Basil Black Well‬‬
‫‪Oxford, 1959.‬‬
‫‪5. Geldard (Richard): Parmenides and The way of Truth, translated and‬‬
‫‪commentary, 2007.‬‬
‫‪6. Gomperz:( Theodor) The Greek Thinkers, vol 1. trans By Laurie‬‬
‫‪Magnus, John Murray,Albemarle Street,W, London, 1964 .‬‬
‫‪7. Hamlyn(D.W.): The Penguin History of Western Philosophy, Penguin‬‬
‫‪Group , London, 1956.‬‬

‫‪38‬‬
8. Heidegger(Martin): Parmenides, translated by Andre
Schuwer and Richard Rojcewicz, Indian University Press,
1992.
9. Hussey (E.):The Presocratics, (Classical Life And Letters)
Gerald Duckworth, London, 1972.
10. Jeager(W.): The Theology of The Early Greek Philosophers, At
Clarendon Press, Oxford, London. 1948.
11. Kirk (G.S.) & Raven (J.E.), The Presocratic Philosohers, Cambridge At
The University Press, 1957.
12. Marias (J.): history of philosophy, translated from Spanish By Stanley
Appelbaum and Clarence C.Strowbridge, Dover Publications, Inc, New
York, 1967.
13. Popper(Karl): The World of Parmenides, Essays on the Presocratic
Enlightenment, Edited by Arene F. Petersens, Routledge, Lpdon and
New Yourk,1998.
14. Wilkinson(Lisa Atwood): Parmenides and To Eon, Reconsidering
Muthos and Logos, Continuum International Publishing Group, New
York & London, 2009.
15. Windelband (W.): History of Ancient Philosophy, Trans by H. E
Cushman, Dover publication Inc, London, 1990.
16. Zeller (E.): Outlines of The History of Greek Philosophy, Trans by:- LR.
Plamer, 13th Ed, Dover Publications Inc, New York,1980.

‫الفهرست‬

‫المقدمة‬

‫ بارمنيدس وتأسيس االنطولوجيا‬:‫أوالا‬

‫ المدرسة اإليلية‬-8
‫ الشعر التعليمي والتراث الشفهي الميثولوجي‬-9
)Logos- (‫) واللوجوس‬Muthos- (‫الجمع بين الميثوس‬ -10
‫ثالث ثالثة‬ -11

39
‫تقويض دعائم المادية األيونية‬ ‫‪-12‬‬
‫الحجاج العقلي‬ ‫‪-13‬‬
‫تجاوز الصوفية الفيثاغورية‬ ‫‪-14‬‬
‫ثانيًا‪ :‬االنطولوجيا الثيولوجية عند بارمنيدس‬

‫ت‪ -‬المقدمة‪ :‬مفتتح أسطوري ديني لفلسفة عقلية‬


‫‪ -1‬أهمية المقدمة‪ :‬مفتاح الشيفرة‬
‫‪ -2‬مفتتح أسطوري ديني‬
‫‪ -3‬جمهور المتلقين‬
‫‪ -4‬مستهل كتاب أورفي‬
‫‪ -5‬إلهة واحدة‬
‫‪ -6‬إلهة الحقيقة أع إلهة حقيقية؟‬
‫‪ -7‬المعرفة اإللهية العقلية‬
‫‪ -8‬بارمنيدس‪ :‬نبي الحقيقة اإللهية‬
‫‪ -9‬الرسالة اإللهية‪ :‬طريقا الوجود والالوجود‬
‫‪-‬بوابات النهار والليل‪ :‬الحد الفاصل بين العالم اإللهي والعالم الطبيعي‬ ‫‪-10‬‬
‫نبي الطريق‪ :‬المنطق العقلي‬ ‫‪-11‬‬
‫نتيجة تأويل المقدمة‪ :‬تجربة دينية روحية‬ ‫‪-12‬‬
‫ل‪ -‬طريق الوجود‪ :‬العالم اإللهي‬
‫السياق الفلسفي للقصيدة‪:‬البداية من اناكسيماندروس واكسينوفانيس‬ ‫‪-16‬‬
‫) كمبدأ أول‬ ‫أناكسماندروس‪ :‬األبيرون (‬ ‫‪-17‬‬
‫الثيولوجيا (الواحد اإلكيسينوفاني)‬ ‫‪-18‬‬
‫االنطولوجيا الثيولوجية‪ :‬الواحد البارمنيدي‬ ‫‪-19‬‬
‫صفات الوجود عند بارمنيدس‬ ‫‪-20‬‬
‫الوجود أصل العالم‬ ‫‪-21‬‬
‫الوجود موجود والالوجود غير موجود‬ ‫‪-22‬‬
‫الوجود واحد‬ ‫‪-23‬‬
‫الوجود ال يكون وال يفسد‪.‬‬ ‫‪-24‬‬
‫الوجود قديم‬ ‫‪-25‬‬
‫الوجود ثابت محدود‬ ‫‪-26‬‬
‫الوجود ال ينقسم‬ ‫‪-27‬‬
‫الوجود كامل‬ ‫‪-28‬‬
‫الوجود هو الفكر‬ ‫‪-29‬‬
‫نتيجة تأويل الجزء الثاني‪ :‬وحدة وجود عقلية‬ ‫‪-30‬‬
‫ج‪ -‬طريق الالوجود‪ :‬العالم المادي‬

‫‪40‬‬
‫)‬ ‫‪ -1‬آراء البشر الفانين )‬
‫أيما؟‬
‫‪ -2‬لماذا تصف اإللهة طريق الظن ا‬
‫‪ -3‬نظاع العالم كما يظهر‬
‫‪ -4‬النور والليل‬
‫‪ -5‬كسمولوجيا بارمنيدس‬
‫‪ -6‬الحب أو األيروس‬
‫‪ -7‬اإللهة تدبر العالم‬
‫‪ -8‬نتيجة تأويل القسم الثالث‪ :‬المظهر ال يجب أن يخدعنا عن الجوهر‬
‫الخاتمة‪ :‬نتائج البحث‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫الفهرست‬

‫‪41‬‬

You might also like