Professional Documents
Culture Documents
العوامل الجغرافية لقوة الدولة وضعفها ـ دراسة بدائية ومختصرة
العوامل الجغرافية لقوة الدولة وضعفها ـ دراسة بدائية ومختصرة
الدولة مؤسسة تستمد هيبتها من ثقة األمة التي شكلتها بهدف تحقيق طموحاتها داخل حدودها وخارجها ،فال بد من
حيازتها قوة تمكنها من تحقيق تلك الطموحات ..وهذه دراسة بدائية ومختصرة ألهم العوامل الجغرافية لقوة الدولة
وضعفها ،لخصتها من أحد كتب الجغرافيا السياسية ،لتنبيه الشباب عليها ،وتكون نواة لدراسات تالية متخصصة ومعمقة.
يجب على موقع الدولة أن يعينها على بناء قوتها العسكرية واالقتصادية ،حائالً دون تعريضها إلى ضغوط
خارجية كبيرة .لذلك يجب أن تكون الدولة ذات شواطئ على بحار دافئة ومفتوحة ،تسرع من عملية تطوير
اقتصادها وتصلها بمن تشاء من الدول والقارات ،على عكس الدول القارية المحرومة من الشواطئ.
فموقع البرتغال المشرف على شاطئ األطلسي الصالح للمالحة والمفتوح على العالم بطول /600/كم ساعدها
على احتالل بلدان بعيدة عنها في كل من إفريقيا وأمريكا الالتينية إبان عصر النهضة والكشوف الجغرافية.
أما موقع هنغاريا القاري فيجعلها تحت رحمة الدول المحيطة بها وهي :رومانيا وأوكرانيا وسلوفاكيا والنمسا
وسلوفينيا وكرواتيا وصربيا .وأمامها للنفاذ إلى البحر المتوسط المرور عبر رومانيا وصوالً إلى البحر األسود،
أو عبر دول يوغوسالفيا للوصول إلى البحر األدرياتيكي ،أو سلوك الطريق البري اليوغوسالفي اإليطالي
للوصول إلى الموانئ اإليطالية ،حيث تعد هذه البوابة األفضل لهنغاريا في عالقاتها التجارية مع بلدان إفريقيا.
وهناك دول مشرفة على بحار شبه مغلقة ،كرومانيا وبلغاريا المشرفتين على البحر األسود الذي تشرف تركيا
على ذراعه المائي الذي يصله بالبحر المتوسط ،حيث يعد هذا الذراع الشريان الحيوي لكل منهما ،فذلك أخف
وطأة من عدم اإلشراف على أي بحر.
وعلى الرغم من التطور الذي طرأ على وسائل النقل البري والجوي فال تزال الدول القارية تعتمد على إحدى
الدول المجاورة أو أكثر لتنشيط تجارتها واقتصادها.
ويدفع الموقع القاري دولته للتوسع على حساب جيرانها إذا ما وجدت القوة العسكرية واالقتصادية المناسبة
للوصول إلى الشواطئ البحرية ،وخير مثال على ذلك األطماع التاريخية للروس في الوصول إلى البحر األسود
ومنه إلى البحار الدافئة عبر مضيقي البوسفور والدردنيل.
ويكون موقع الدولة عامل ضعف إذا كان قريبا ً من دولة قوية ،كموقع منغوليا بين روسيا والصين المتنافستين
أبداً على السيادة اإلقليمية في منطقتيهما .ويزيد من ضعف هذه الدولة المطالب القومية الصينية فيها ،باإلضافة
إلى كون موقعها قاريا ً محروما ً من أي شاطئ ،وقلة عدد سكانها البالغ /3/مليون نسمة فقط بالنسبة إلى مساحتها
الضخمة البالغة /1.5/مليون كم.2
ويمكن االستفادة من قرب موقع الدولة من دولة قوية من قبل دولة ثالثة منافسة لها في القوة ،حيث يمكن جعلها
رأس حربة في الهجوم عليها ،أو جعلها بمثابة شوكة في خاصرتها وعامل ضغط عليها وتهديد ،كاالتحاد
السوفييتي الذي استفاد يوما ً من قرب موقع كوبا من الواليات المتحدة.
ومما ساعد االتحاد السوفييتي في استخدام كوبا لهذا الغرض اختالف النهج السياسي واالقتصادي بين كوبا
االشتراكية والواليات المتحدة الرأسمالية ،إضافة إلى التباين الديني واللغوي والعرقي بينهما ،حيث ينحدر الشعب
الكوبي ـ كعموم شعوب دول أمريكا الوسطى والجنوبية ـ من المجموعة اللغوية الالتينية (اللغات اإلسبانية
والبرتغالية واإليطالية والفرنسية) ،ويدين بالمسيحية الكاثوليكية ،على خالف األصل العرقي واللغوي للشعب
األمريكي الذي ينحدر من العائلة اللغوية الجرمانية (اللغات اإلنجليزية واأللمانية) ،ويدين بالبروتستانتية
والمذهب اإلنجليكاني ،إضافة إلى الظلم النات ج من اعتبار الواليات المتحدة ألراضي القارتين األمريكيتين المجال
الحيوي لها والخاضع لهيمنتها العسكرية واالقتصادية.
1
وكذلك موقع اليابان في المحيط الهادي قبالة شواطئ دولتين كبيرتين هما روسيا والصين ،فيشكل تحديا ً أمام
عودتها دولة عظمى.
وتزداد أهمية موقع الدولة من خالل ما يكتشف فيها من المواد الخام الضرورية للتطور الصناعي الحديث،
كبلدان الخليج العربي التي ستفقد جزءاً كبيراً من أهمية موقعها في حال نضوب مادة النفط ،حيث تشكل هذه
البلدان حاليا ً البقرة الحلوب التي تمد العجل األوربي واألمريكي بالحليب.
وبعض الدول القارية تتصل بالعالم الخارجي عبر شواطئ مائية لبحار غير مفتوحة تماما ً في وجهها ،كروسيا
التي تشرف من الشمال على المحيط المتجمد الشمالي غير الصالح للمالحة طوال العام بسبب تجمده ،ومن
الشرق على المحيط الهادي ولكنه طريق طويل من أجل الوصول إلى البلدان المتأخرة صناعيا ً واقتصاديا ً حيث
ميدان الصراع بين الدول العظمى ،ومن الشمال الغربي تطل على بحر البلطيق الذي يخضع منفذه البحري
لسيطرة الدانمارك الدولة العضو في حلف الناتو ،وتشرف من الجنوب على البحر األسود الذي ال يقود الروس
إلى البحار الدافئة إال عبر مضيقي البوسفور والدردنيل الخاضعين لسيطرة تركيا العضو كذلك في حلف الناتو.
ووقوع الدولة على الطرق التجارية الرئيسية والممرات الهامة كالمضائق والقنوات واحتواؤها على الرؤوس
والخلجان يكسبها أهمية كبرى ،ومثالها البلدان العربية التي تحتل عنق الزجاجة للعالم القديم ،والبوابة المطلة
على كل من العالمين المتطور والمتخلف صناعياً .ولكن أهمية هذا الموقع يفرض على شعوبه إقامة دولة قوية
تحميه دائما ً من أخطار االحتالل ومطامع الطامعين.
هذا وإن الموقع القاري يدفع الدولة إلى امتالك قوة برية ضاربة تدعمها القوة الجوية المناسبة ،كما هو لروسيا
اليوم وكما كان أللمانيا يوما ً ،بينما يدفع الموقع البحري أو الجزري الدولة المتالك القوى البحرية المناسبة ،كما
هو ألمريكا اليوم وكما كان لبريطانيا واليابان سابقا ً.
أما الموقع الجزري فذو أهمية خاصة ،حيث يشكل البحر المحيط عامل وصل بالعالم الخارجي ،وفي نفس الوقت
يشكل عامل فصل وعزلة ،وينمي في شعب الجزيرة روح الشجاعة وارتياد المخاطر ،ويدفع الدولة إلى بناء
أسطول بحري ضخم يمكنها من الغزو والسيطرة.
وقرب موقع الدولة من خط االستواء وبعدها عنه مؤثر في قوتها ،فكلما كان المناخ معتدالً رطبا ً قليل الحرارة
ساعد على قيام دول قوية ومدنيات كبرى ،كالدول والمدنيات التي قامت في حوض المتوسط وسادت العالم.
تعد الرقعة السياسية بمثابة الجسد الحقيقي للدولة ،الذي تستمد منه عناصر قوتها من عوامل جغرافية وموارد
اقتصادية وإمكانيات دفاعية.
وكما تمتد الرقعة السياسية إلى مياه البحر الذي تشرف على شواطئه أراضي الدولة ،حيث يصل عمق المياه
اإلقليمية إلى ما يزيد على /22.2/كم حسب ما تم إقراره في ما يسمى بالقانون الدولي بحسب اتفاقية األمم
المتحدة لقانون البحار ـ جامايكا /1982/م ،فإن الدولة كذلك تبسط سلطانها على أجواء رقعتها السياسية.
وتتفاوت الدول في مساحاتها تفاوتا ً كبيراً ،فهناك دول عمالقة كروسيا االتحادية التي تزيد مساحتها على /17/
مليون كم ،2وكندا التي تكاد تصل إلى /10/مليون كم ،2والواليات المتحدة /9.8/مليون كم ،2والصين /9.6/
مليون كم ،2والبرازيل /8.5/مليون كم ،2وأستراليا /7.7/مليون كم .2وهناك دول قزمة تكاد ال ترى على
الخريطة ،كقطر /11.5/ألف كم ،2ولبنان /10.5/ألف كم ،2والبحرين /765/كم ،2ومالطا /316/كم ،2وجزر
المالديف /298/كم ،2وإمارة ليشتنشتاين /160/كم .2وللمقارنة فمساحة محافظة حلب تبلغ /18.5/ألف كم.2
وتتميزالدولة ذات المساحة الواسعة باحتوائها على مناخات متعددة وترب مختلفة ،وبالتالي تمتلك ثروات
جيولوجية ونباتية وحيوانية متنوعة ،وتكون مهيئة إلنتاج اقتصادي متنوع يحقق التكامل ،وتمتلك بها القدرة على
استيعاب عدد أكبر من السكان ،حيث تعد الرقعة الكبيرة عامل قوة للدولة إذا ما رافقها نمو سكاني وتطور تقني
كاف الستغالل موارد تلك الرقعة.
2
ووجود مساحات واسعة ضمن الدولة الكبيرة غير صالحة لالستثمار االقتصادي بسبب رداءة الظروف المناخية
أو انعدام الثروات المعدنية يشكل عبئا ً على الدولة ،ويسهم في توزيع السكان توزيعا ً غير متعادل .فالجفاف في
صحارى وسط أستراليا ،والحرارة الشديدة والمطر الغزير والغابات الكثيفة وسط البرازيل وغربها ،والمناخ
البارد شمال كندا وغربها ،جعل المناطق األكثر ازدحاما ً في كل من هذه الدول هي األطراف الخارجية ،بينما
تخلو مناطق كبيرة تماما ً من السكان.
لكن اإلنسان ومع التقدم العلمي والتقني يستطيع تذليل كثير من الصعوبات الطبيعية ،كما في حالة شق األقنية
المائية واستصالح الصحاري ،مما يسمح بإيجاد مراكز سكنية جديدة.
وتظهر القوة الكامنة للمساحات الكبيرة للدول أثناء الحروب ،حيث تلعب المساحات الواسعة دوراً هاما ً في
إمكانية الدفاع والمقاومة ضد الغزاة في حاالت االجتياح العسكري ،حيث تمنحها المرونة الكافية والقدرة على
استيعاب واحتواء القوات الغازية ليتم اإلجهاز عليها بعد إنهاكها ،فيما يسمى في االستراتيجيا العسكرية بـ"الدفاع
في العمق" .وذلك على عكس الدول الصغيرة التي تسقط بالضربة الخاطفة األولى ،كما حدث لبلجيكا في
الحربين العالميتين عندما سقطت بسرعة على أيدي القوات األلمانية ،وكما حدث للكويت أمام العراق عام
/1990/م .بينما كانت األراضي الروسية مقبرة للغزاة الفرنسيين أيام نابليون واأللمان أيام هتلر.
فأيام نابليون قرر القائد الروسي كوتوزوف من أجل الحفاظ على الجيش الروسي قراراً مؤلما ً باالنسحاب من
موسكو نحو الجنوب وتسليمها للفرنسيين دون قتال ،بعد أن فضل جميع القادة الموت تحت أسوارها ،وقال كلمته:
"إن خالص روسيا ببقاء جيشها" .ووافقه أحد القادة بالقول" :إذا كان األمر موقوفا ً على سالمة روسيا وأوروبا
فموسكو ليست أكثر من مدينة مثل باقي المدن" ،وقال الثاني" :إنه لفخر أن نموت تحت أسوار موسكو ،ولكن
الموقف اآلن ليس هو موقف اكتساب الفخر" .وهكذا انسحب كوتوزوف بالجيش واستفاد من العامل الجغرافي
الذي يقف لصالح قواته وضد القوات الفرنسية التي تجاوزت /600/ألف مقاتل توغلوا في أراض واسعة
المساحة وباردة تغمرها الثلوج ،وبعيدة عن أماكن إمدادهم بالمؤن والعتاد والرجال .وبعد مدة وجيزة قضي على
جيش نابليون الذي لم يبق منه سوى /40/ألف مقاتل .وقد تكرر هذا الفعل الروسي بقيادة المارشال جوكوف
الذي تراجع وماطل وقام بالمناوشات اليومية والمعارك الجانبية االستنزافية استعداداً للمعركة الفاصلة مع القوات
األلمانية المنطلقة كالسهم والتي احتلت من روسيا أكثر من مليون كم 2ووصلت إلى ضواحي موسكو أيام هتلر،
حيث قصمت ظهرها الظروف المناخية السيئة كذلك وأرغمتها على االنكفاء.
فمما يرهق العدو المندفع التراجع إلى العمق االستراتيجي ،ومقاومته أثناء التراجع حتى تنهك قواه في معارك
غير حاسمة ،وتأجيل الحسم إلى وقت تصبح فيه قوات العدو منهكة وبعيدة عن مراكز إمدادها.
وكذلك األمر مع احتالل اليابانيين لجميع األجزاء الساحلية للصين قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ،حيث
استطاع الصينيون احتواء هذا الغزو ومواصلة الدفاع والمقاومة والمحافظة على الدولة.
وتبقى الدول الصغيرة عاجزة تماما ً عن التغلب على عيبها المتمثل في صغر مساحتها ،حتى ولو استغلت أفضل
استغالل .وإن أي نصر تحققه دولة صغيرة على دولة كبيرة لهو نصر مؤقت ،ويشكل عبئا ً على الدولة الصغيرة
التي ستجد نفسها مضطرة لنشر وتشتيت قواتها في األراضي المحتلة .ومثاله كيان يهود وجواره العربي الكبير.
3ـ الشكل:
يلعب شكل الدولة دوراً هاما ً في الدفاع عنها أيام الحروب ،وفي تنظيم الداخل إدارايا ً واقتصاديا ً ومواصالت.
فكلما كان شكل الدولة ملموما ً وأطراف الدولة متقاربة البعد عن مركزها أعطاها ذلك قدرة على الدفاع ،لعدم
حاجتها إلى بعثرة قواتها على أطرافها البعيدة ألجل حمايتها واستقرار أمنها ،وكانت ضابطة لحدودها بشكل
متساو،
ٍ أفضل ،وساعدها في بناء شبكة مواصالت مركزية تصل ما بين العاصمة وبقية المراكز اإلدارية بشكل
متساو .ومن األمثلة على تلك
ٍ بقدر
ٍ مما يؤدي إلى تسهيل استتباب األمن وتوزيع سلطة الدولة على أرجائها
الدول كل من رومانيا وبولونيا.
3
وتمتاز الدولة ملمومة الهيئة بقصر حدودها بالنسبة لمساحتها ،مما يقلل من نقاط الضعف الدفاعية.
ويزداد أمن الدولة واستقرارها كلما اقتربت عاصمتها من وسطها ،على خالف الدول ذوات العواصم المتطرفة.
أما الدول المتطاولة فتزيد فيها نقاط الضعف على حدودها خالل الدفاع ضد أي هجوم خارجي ،ألن قواتها تكون
مبعثرة بشكل متقطع كي تستطيع تغطية الحدود الطويلة.
ويزيد هذه الدول ضعفها إذا ما جاورت دوالً معادية على طول الحدود .أما إذا جاورت دوالً متجانسة معها في
األصول البشرية والنمو االقتصادي فيخف العبء عنها كثيراً .وتكون الدولة محظوظة إذا ما فصل بينها وبين
جيرانها حواجز طبيعية تسهل عليها الدفاع عن نفسها من جهتها مع نشر أقل عدد ممكن من القوات عليها.
ومثال الدولة المتطاولة تشيلي التي يزيد شريطها الساحلي على /4000/كم في إشرافه على المحيط الهادي،
وتقارب حدودها الشرقية مع األرجنتين هذه المسافة ،لكن ساحلها بعيد جداً عن اليابسة المقابلة حيث دول شرق
وجنوب آسيا ،مما يجعل الدولة شبه معزولة وقليلة التعرض إلى هجوم بحري ،إضافة إلى الطبيعة التضريسية
الجبلية الوعرة على الجانب الغربي من الدولة مما يؤمن الحماية لمراكز السكن شرقها .بينما حدود تشيلي
الشرقية مع األرجنتين فمستقرة وهادئة لعدم وجود خالفات إقليمية على األرض ،أو في النمو االقتصادي ،أو
حتى في األصول البشرية واللغوية والقومية .فالجميع ينتمون إلى المجموعة اللغوية الالتينية ،إلى جانب السكان
األصليين من الهنود الحمر والهجناء من التزاوج ما بين الطرفين ،والجميع يدينون بالمسيحية الكاثوليكية.
لكن مع وجود تلك الصفات المشتركة يمكن للدولتين المتجاورتين أن تشتعل بينهما نار الخالف إذا كانتا تتبعان
نهجين سياسيين وبالتالي اقتصاديين واجتماعيين مختلفين ،كما كان قائما ً من خالفات بين نيكاراغوا االشتراكية
المدعومة من االتحاد السوفييتي وبين هندوراس الرأسمالية المدعومة من أمريكا ،أو ما هو قائم بين الكوريتين.
أما النرويج فال يشكل شكلها الطوالني عبئا ً كبيراً عليها في الدفاع لكون ما يزيد على نصف طول شريطها
الساحلي يشرف على المحيط المتجمد الشمالي ،والباقي على األطلسي .وإن موقع النرويج لذلك يقلل من أهميتها
االستراتيجية إذا ما استثنينا ساحلها الجنوبي المشرف على بحر الشمال ،والذي كان يمكن أن يستخدم كقواعد
عسكرية لحلف شمالي األطلسي ضد السوفييت المندفعين غربا ً عن طريق بحر البلطيق باتجاه األطلسي لشل
حركة البحرية األمريكية في النقل واإلمداد إذا ما حدث صدام بين الدولتين على الساحة األوربية .أما الحدود
الشرقية للنرويج فهي مشتركة مع السويد ،وكالهما عضو في حلف الناتو الذي أوجدته أمريكا كسد حديدي في
وجه زحف االتحاد السوفييتي غربا ً نحو أوروبا ،ولتخفف عن نفسها من عبء مواجهته ،حيث تصبح دول
غرب أوروبا تتحمل عبء الدفاع عن نفسها ضد الهجمة السوفييتية.
وأما الشكل المتطاول إليطاليا في عُرض المتوسط فيعطيها مرونة في الحركة ،حيث يسهل اتصالها بدول إفريقيا
وشرق المتوسط ،وقد ساعدها في سيطرتها على معظم البالد المشرفة على المتوسط زمن الدولة الرومانية.
وحدودها الشمالية مع النمسا وسويسرا تجعلها تستفيد من القوة االقتصادية األوروبية بعالقات التعاون وحسن
الجوار ،حيث تتفرغ للتغلغل العسكري واالقتصادي جنوبا ً وشرقا ً إذا استطاعت .وهذا االعتبار كان قاعدة
التحالف بين إيطاليا موسوليني وألمانيا هتلر ،حيث تستفيد ألمانيا من الموقع الهام لحليفتها.
وهناك الشكل المتناثر للدول عندما تتكون من مجموعة من الجزر المبعثرة والمتقاربة كما هو حال الفليبين
وإندونيسيا واليابان ،حيث يصل طول امتداد جزر األخيرة إلى /2000/كم.
ومن سلبيات هذا الشكل صعوبة بناء سلطة مركزية قوية ،وإضعافه عملية الدفاع الضطرار الدولة إلى بعثرة
كافة ،مما يسهل قيام حركات تمرد وانفصال للجزر البعيدة ،ويسهل غزوها من الخارج. قواتها في جزرها ً
والموقع الجُ ُزري يلعب وظيفتين متناقضتين معاً ،وهما سهولة االتصال بالعالم الخارجي عبر البحر إذا كان
مفتوحاً ،وفي نفس الوقت يشكل حماية من األخطار الخارجية ،إال من خطر دولة تمتلك قوة بحرية تفوق قوة
دولة الجزر البحرية .ومن أمثلتها إنجلترا.
وقد كان اتصال إيطاليا بالبر األوروبي هو الذي يعرضها لألخطار في كل مرة عبر تاريخها ،ومنها الدمار الذي
لحق باإلمبراطورية الرومانية عام /410/م على يد القبائل الجرمانية من الوندال والهون والقوط .وقبل ذلك
4
كان القائد القرطاجي هنيبعل قد عبر جبال األلب قادما ً من فرنسا ووصل إلى سهل البو ،مهدداً أراضي الدولة
الرومانية ومشرفا ً على تدميرها ،لوال استنزاف قواته وخسارته أمام فابيوس سنة /220/ق.م.
هناك العديد من المظاهر التضريسية المختلفة في أغلب الدول كالسهول والجبال والهضاب واألودية واألنهار
والسهول الساحلية .بينما تحوي القليل من الدول وضعا ً تضريسيا ً متشابها ً كهولندا والدانمارك اللتين تتكون
رقعتهما السياسية من األراضي السهلية المنخفضة الصالحة للزراعة ،على عكس النرويج التي تغلب عليها
الجبال والهضاب.
وميزة كل نوع من التضاريس هي إمكانية الدفاع والمقاومة أو العكس في إمكان االجتياح من قبل الغزاة،
كسهول بالد الشام الممتدة من شمالها إلى الجنوب التي سهلت احتاللها من قبل الغزاة على مر التاريخ.
والسهل الواسع شمال أوروبا ـ ومن ضمنه بولونيا ـ كان أكثر عرضة للغزوات من المناطق الجبلية المركزية
في جنوب أوروبا .حيث يسهل غزو الدول فقدان الحواجز الطبيعية كالجبال واألودية واألنهار على تخومها.
وتؤمن المناطق السهلية شبكة مواصالت جيدة مفيدة في أوقات السلم في تنشيط االقتصاد ،وهي أفضل أنواع
التضاريس الستغاللها من قبل الشعوب التي تسكنها ،ولذلك فعادة ما تكون هي المأهولة بالسكان .والسهول
هي التي تزود العال م بالمواد الغذائية من خالل استغاللها في الزراعة إذا ما توافر فيها المناخ المناسب
والمطر الكافي.
أما إن كان السهل واسعا ً واألمطار قليلة فسيكون إنتاجها قليالً وال يكاد يكفي سكانها القالئل أيضاً ،كالسهول
الشمالية لكل من كندا وروسيا ،حيث المناخ البارد والقاسي مما يجعل النشاط الزراعي معدوماً ،وكما في
سهول مصر وليبيا الشاسعة حيث قلة األمطار السنوية.
أما وجود أنهار ومستنقعات وأودية ضمن المناطق السهلية فيشكل عامل حماية طبيعيا ً ضد الغزاة ويربك
الجيوش المهاجمة ،كما مثلت أراضي أوكرانيا السهلية عائقا ً طبيعيا ً أمام تقدم القوات األلمانية خالل الحرب
العالمية الثانية الحتوائها على أنهار وأودية عميقة ومستنقعات.
وتشكل السهول النواة المركزية لبعض الدول ـ وخاصة السهول الساحلية منها ـ بما توفره من المرونة لحركة
قوات الدولة ،والمردود االقتصادي المطلوب لبناء القوة العسكرية الكافية للدفاع والتوسع.
واألراضي السهلية الخصبة الوفيرة األمطار تمتاز بالكثافة السكانية .ونتيجة لسهولة الحركة فينشط التبادل
التجاري والتمازج الفكري ويسهل انتشار اآلراء واألفكار الدخيلة ،إضافة إلى سهولة حدوث التمازج
الساللي ،كما حدث في بالد الشام من التمازج البشري والثقافي الكبير عبر الغزوات المتتالية خالل حقب
التاريخ ،على عكس شبه الجزيرة العربية التي كانت على الدوام بعيدة عن المؤثرات الخارجية.
5ـ الجبال:
لقد كانت الجبال دائما ً عامل قوة في الدفاع عن حدود الدولة .وعلى الرغم من أنها فقدت جزءاً كبيراً من أهميتها
نتيجة لتطور األسلحة من طائرات وصواريخ ،لكنها راحت تستعمل في نفس الوقت لبناء محطات رادارية
بهدف االستطالع والتنصت ورصد تحركات العدو .ومعلومة أهمية قمم جبل الشيخ في الجوالن جنوب سوريا
في السيطرة االستراتيجية على جميع المناطق المجاورة ،حيث عمدت أمريكا إلى منع حافظ أسد من التنازل
عنها لليهود طوال ثالثين عاما ً ألنها تريد أن تسيطر هي عليها مباشرة عبر ما يسمى بالقوات األممية ،ولكن
اليهود كانوا على علم بالخطة األمريكية ولم يعيدوها للنظام في سوريا.
ويصعب في المناطق الجبلية شق شبكة من المواصالت لربط المراكز السكنية المتناثرة فوقها ،لكنها يمكن أن
تكون مصدراً لثروة نباتية هامة إذا كانت مغطاة بالغابات التي يستفاد من خشبها في بعض الصناعات .ولها دور
هام كذلك في زيادة كمية التهطال السنوي.
5
وتشكل المناطق الجبلية دوالً بكاملها كسويسرا ونيبال وبوتان .حيث توجد سويسرا في المنطقة الجبلية المحيطة
ببحيرة لوسرن ،التي أمنت لها تضاريسها الحماية الطبيعية وهيأت لها السيطرة على ممرات استراتيجية مهمة
من الناحية التجارية ،مما دفع الدول األوروبية إلى تحييدها خالل الحربين العالميتين .وتحتل كل من نيبال
وبوتان مجموعة من األودية المحصورة بين سالسل جبال الهيمااليا الشاهقة التي تفصلها عن سهول الهند في
الجنوب.
وتعيق المناطق الجبلية النشاط التجاري وانتقال البشر ،وتفتقر إلى األراضي الزراعية ،وتكون غالبا ً ذات
كثافات سكانية متدنية.
وتشكل الجبال عائقا ً يمنع اتصال أبناء الدولة الواحدة ،كما في الدول األمريكية المشرفة غربا ً على المحيط
الهادي والحاوية على سالسل جبالي روكي واألنديز الطولية بدءاً من كندا شماالً وحتى تشيلي في الجنوب،
حيث يصعب االتصال ما بين سكان الشريط الساحلي وسكان المناطق الشرقية من هذه الدول.
وتلعب الجبال دور الملجأ الطبيعي للثوار ومركزاً للتمرد ضد الحكومات المركزية ،حيث تشكل المناخ المالئم
لحرب العصابات المعتمدة على األسلحة خفيفة الوزن والمبدأ القتالي :اضرب واهرُ ب .حيث استفاد مقاتلو
اليونان ويوغوسالفيا وإيطاليا وفرنسا من جبال بالدهم في حروب العصابات التي شنوها ضد الجيوش األلمانية
المحتلة .وكذلك استفاد مقاتلو فيتنام في األجزاء الشمالية والوسطى من فيتنام الجنوبية من الطبيعة الجبلية
المكسوة بالغابات في قتالهم ضد األمريكان.
والجبال غير الصالحة لحركة المدرعات ال يمكن احتاللها إال بإنزال جوي .ومما يزيد من سلبيتها شدة انحدارها
حيث تعيق الحركة وتقلل من إمكانات رصد العدو إضافة إلى عرقلتها لالتصاالت الالسلكية.
بسبب اختالف التركيب الكيميائي لطبقات الصخور التي تكون تضاريس األرض ،وتباين المناخات حسب
القرب والبعد عن خط االستواء واالرتفاع واالنخفاض عن سطح البحر ،فلقد اختلفت التربة من منطقة إلى
أخرى على سطح األرض ،وبالتالي تباين الغطاء النباتي والحيواني ،وتنوعت الثروة البرية والبحرية ،وتمايزت
الموارد الطبيعية التي تمتلكها الدول عن بعضها البعض.
وكلما كانت مساحة الدولة أكبر تنوعت مواردها الطبيعية أكثر .وتعد الواليات المتحدة واالتحاد السوفييتي سابقا ً
من الدول التي تكاد رقعتها السياسية تحتوي على معظم الموارد الطبيعية التي تحتاجها الدولة .لكن بسبب التقدم
الصناعي فالعديد من المواد الخام الضرورية للصناعات المعاصرة ال تتوافر في أراضي الدول الصناعية،
فتعمد إلى استيرادها من الدول المتخلفة الغنية بها ،وفي مقدمتها النفط ،حيث تصدرها دولها لتستوردها أدوات
مصنعة من آالت وسيارات وعتاد عسكري بأسعار مرتفعة قياسا ً بأسعار المواد الخام المصدرة ،ما يجعل
ميزانها التجاري دوما ً خاسراً.
كذلك فإن اعتماد دول ٍة ما على سلعة خام واحدة يجعلها خاضعة للسوق الخارجية التي تصدر إليها هذه السلعة.
7ـ المناخ:
يلعب المناخ المعتدل دوراً هاما ً في تنشيط فعالية اإلنسان ،وبالتالي فإنه يساعد في زياد قوة الدول .حيث ساعد
المناخ المعتدل لمنطقة حوض المتوسط على نشوء الحضارات الكبرى منذ أقدم العصور ،بينما نرى أن المناطق
الباردة والحارة الرطبة والحارة الجافة تقيد فعالية اإلنسان وتشكل نقاط ضعف للدول.
ويلعب المناخ دوراً كبيراً في توزيع سكان الدولة .ومن األمثلة الظاهرة على تأثيره التوزع غير المتساوي لسكان
البرازيل ،حيث يقطن %90من السكان البالغ عددهم /210/مليون نسمة المناطق الشرقية والجنوبية حيث
تصل الكثافة إلى /20/نسمة في الكم ،2بينما في المناطق الشمالية والغربية فتنخفض الكثافة إلى شخص واحد في
الكم ،2وذلك بسبب انتشار الغابات اإلستوائية الكثيفة ،حيث الرطوبة والحرارة المرتفعتين طوال أيام السنة.
6
أما أستراليا فيقع جزؤها الشمالي في منطقة المناخ االستوائي وشبه االستوائي حيث الرطوبة والحرارة المرتفعين
والكثافة السكانية القليلة .أما جزؤها الجنوبي فحرارته جيدة لكن نقص األمطار يؤثر سلبا ً على الزراعة وبالتالي
على التوزع السكاني .أما وسط أستراليا الذي تشغله صحراء حارة وجافة فيكاد يكون شبه معدوم من السكان،
حيث ال تزيد الكثافة على شخص واحد في كل خمسة كيلومترات مربعة .وال يوجد في هذه المنطقة سوى بقايا
السكان األصليين الذين نجوا من إبادة اإلنسان األوروبي .ويبقى الجزء الجنوبي الشرقي والشرقي المعتدالن،
فيقطنهما تسعة أعشار السكان البالغ عددهم /25/مليون نسمة.
وتمتاز المناطق القطبية الباردة بوفرة ثرواتها من الحيوانات البحرية كالحيتان والفقمة ،وتعد عديمة األهمية
زراعياً ،إال أن اكتشاف الثروات المعدنية فيها يعطيها أهمية استراتيجية ،كالحديد الخام المكتشف شمال السويد،
إضافة إلى موقعها القطبي الذي يقصر المسافات بين القارات والدول إذا تم سلوكه ً والذهب والنفط في آالسكا،
بالطائرات .فالطريق التقليدي بين أوسلو ونيويورك الذي يحتاج إلى زمن /53/ساعة بالطائرة يمكن اختصاره
إلى /24/ساعة إذا سلك الطريق القطبي .وبسبب تقدم القوى الجوية وسالح الصواريخ أصبحت المنطقة القطبية
منطقة ارتكاز استراتيجية ،فالمسافة بين موسكو ونيويورك تبلغ /7516/كم ،وهي تكفي الستخدام صواريخ
متوسطة المدى.
فالمنطقة القطبية بسبب مناخها البارد ال تشكل أرضية جيدة لدولة قوية ،ولم تقم فيها دول وحضارات ذات شأن
في السياسة الدولية ،ولكن المسيطر عليها يملك ميزة استراتيجية هامة بسبب قربها من كل من روسيا ومن
أمريكا .وإذا تغيرت الدول العظمى يوما ً واختلفت موازين القوى فقد تفقد تلك المنطقة أهميتها االستراتيجية.
ونفس الكالم يقال عن المناطق االستوائية حيث الحرارة والرطوبة العاليتين طوال العام دون فصل جفاف ،مما
يجعلها غير صالحة للسكن ،إضافة إلى الجو الخانق للتنفس والتربة الفقيرة بالمواد الغذائية بسبب غسلها المستمر
باألمطار الدائمة مما يمنع قيام الزراعات الالزمة ،إال في المناطق الجبلية المرتفعة حيث الحرارة والرطوبة
المقبوالن ،إال أنها تكون ذات مساحات صغيرة غير كافية لقيام دول قوية.
أما المناطق الحارة الرطبة لفترة معينة من السنة ،والتي يتلوها فصل جاف ،كما في الهند والفليبين وكوبا والهند
الصينية ،فتعد من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية ،لتوافر الظروف المناسبة لقيام زراعات جيدة.
فاألمطار الموسمية في الهند التي تزيد مساحتها على /3.23/مليون كم 2ويبلغ تعدادها السكاني /1.32/مليار
نسمة ،تؤدي إلى قيام فصلين زراعيين ،فصل الصيف ـ الخريف الذي يبدأ ببذر البذور في أيار وينتهي بالحصاد
في تشرين األول والثاني ،وفصل الشتاء ـ الربيع الذي يبدأ بالبذر في تشرين الثاني وينتهي بالحصاد في أيار.
وللمناخ تأثير هام وقت الحروب وأثناء القتال ،ففي المناطق ذات المناخ الفصلي من النادر أن تقدم دولتان على
خوض معركة بينهما في فصل تساقط األمطار ،ألن اآلليات الحربية والمدرعات ستسير على أرض رخوة ،فلن
تستطيع التحرك بالمرونة المطلوبة ،حتى إن القوى الجوية والدفاع الجوي سيعرقل أعمالها الطقس الغائم
والماطر .فأغلب الحروب العربية اإلسرائيلية كانت في فصل الصيف لهذا السبب .وعليه فال يجب أن تتوغل
الدبابات التركية هذه األيام الماطرة في منطقة عفرين .هذا إضافة إلى أن المحاصيل الزراعية تنضج في بداية
الصيف ،ويجب أن يحصد معظمها قبل بدء المعارك لتؤمن اإلمداد الكافي بالغذاء للقوات المتحاربة.
ويجب أن تأخذ الجهات الحكومية الظروف المناخية في عين االعتبار أثناء الحروب لتقدم نوع الطعام واللباس
المناسب للمقاتلين كي يقاتلوا في ظروف مريحة فيقدموا أفضل ما لديهم .فتختلف حاجات المقاتلين في المناطق
الصحراوية عنها في المناطق ذات المناخ الحار والماطر ،وعنها في المناطق ذات المناخ البارد المثلج.
ووجودهم في مناطق المستنقعات واألنهار يرتب عليهم احتياجات غير وجودهم في المناطق الجبلية.
والدول الكبيرة تعد قواتها لخوض المعارك في أي مكان من العالم مهما تباينت الظروف المناخية .فغذاء ولباس
الجنود األمريكيين في القواعد العسكرية في المنطقة القطبية يختلف عن غذاء ولباس أقرانهم في القاعدة
العسكرية دييغو غارسيا في المحيط الهندي ،وغير غذاء ولباس البحارة في األسطول السابع الذي يهدد دول
جنوب شرق آسيا .وغنية عن البيان الظروف المناخية السيئة ـ وغير المحسوبة جيداً ـ التي تعرض لها الجيشان
7
الفرنسي زمن نابليون واأللماني أيام هتلر أثناء توغلهما في األراضي الروسية ،فكانت من أهم أسباب
اندحارهما.
فيجب على قادة الدولة التي تريد القيام بعمل عسكري خارج حدودها أخذ الظروف المناخية التي ستدور فيها
المعارك بعين االعتبار .وتعد إيطاليا في غزوها للحبشة سنة /1935/م خير مثال على ذلك ،حيث تجنبت فصل
الصيف الحار والماطر المترافق مع فيضان النيل ،وعمدت إلى الهجوم أثناء الشتاء الجاف حيث األرض الصلبة
الصالحة لتحرك المدرعات أثناء العمليات الحربية خارج الطرق المعبدة.
فلكي يقاتل الجندي في ظروف صحية ونفسية مريحة وبفعالية عالية يجب على القادة تحديد زمن المعارك
وساحتها ،وذلك ال يتم إال بأخذ المبادرة من العدو ،واالستعداد المسبق وتجهيز الجندي بكل وسائل الراحة ،فهال
أدرك قادة فصائل ثورتنا هذه القوانين؟!
يشكل العامل االقتصادي ركيزة أساسية يجب أن تستند إليها الدولة في تشكيل قوتها الذاتية ،ولبلوغ ذلك ال بد من
احتواء رقعتها على موارد طبيعية وافرة في الكم والنوع ،وهذا ال يتحقق إال للدول ذات المساحات الكبيرة ،التي
تحتوي على أنواع مختلفة من الترب والمناخات والتركيبات الجيولوجية ،كما هو متوافر بنسب معينة لدى كل
من روسيا وأمريكا وأستراليا والصين.
ف إذا لم يكن مترافقا ً مع تقدم علمي وصناعي وتقني وإن توافر الموارد الطبيعية من المواد الخام األولية غير كا ٍ
في الدولة يسمح باستغالل ذاتي لتلك الموارد ،وذلك ضمن سياسة صناعية مدروسة تقوم على مبدأ صناعة القوة،
بصناعة آالت النقل البري والبحري والجوي والمعدات الصناعية وصناعة المصانع اإلنتاجية في القطاعات
الغذائية والكيميائية والمخبرية واإللكترونية والبحث العلمي إضافة إلى الصناعات الحربية.
وفي ظل التقدم الصناعي الحالي فإن أغلب الدول الصناعية الكبرى تفتقد إلى الكميات المطلوبة من المعادن
الالزمة الستمرار سير العجلة الصناعية في هذه الدول ،ولذلك تعمد إلى استيراد هذه المعادن من خارج حدودها.
فاعتماد الواليات المتحدة األمريكية على استيراد المعادن األساسية ـ كالحديد والنحاس والبالتين والقصدير
واليورانيوم ـ يزداد يوما ً بعد يوم ،ولذلك فإن قضية المعادن األساسية تشغل بال السياسة األمريكية إلى درجة
كبيرة قد تقترب من المساحة التي تشغلها قضية النفط .فال قيمة للنفط إن توقف تصنيع اآلالت والمحركات التي
ستستعمله ،كما حذر المعهد الجيولوجي األمريكي يوماً .وهذه األهمية هي التي كانت تفسر مثالً موقف الواليات
المتحدة المنحاز إلى النظام العنصري الذي كان قائما ً في جنوب إفريقيا ،لكونها كانت تستورد منه اليورانيوم
والكروم والبالتين.
أما الحديث عن حاجة أوروبا وأمريكا إلى النفط نفسه وقصتهم مع البقرة الحلوب في الخليج العربي المعطاء جداً
فحديث سياسي ذو شجون ،وال تتسع له هذه الدراسة البدائية والمختصرة.
هذا عن الدول الكبيرة ،أما الدول الصغيرة المساحة وقليلة العدد السكاني فمهما امتلكت من الثروات المعدنية
األساسية والتقنية الصناعية المتطورة فلن يؤهلها ذلك ألن تكون دوالً عظمى أو حتى قوية قوة معتبرة .وإذا
قويت هذه الدول يوما ً فتكون قوتها مستندة إلى عوامل خارجية وقوة دول عظمى غيرها ،وستزول قوتها عند
أول امتحان ،كقوة ما يسمونها اليوم بدولة "إسرائيل" المصطنعة.
وإذا لم تمتلك الدولة الكبيرة تلك المواد األساسية الالزمة لصناعاتها فهي مضطرة الستيرادها من خارج حدودها
عبر بحر العالقات الدولية الذي تنغمس فيه ،وتتكون لها فيه شرايين تستمد منها الحياة .وفي هذه الحالة فستخضع
لضغوط الدول المصدرة إضافة إلى ضغوط الدول المنافسة لها على استيراد هذه المواد.
عال من اإلنتاج الغذائي الذي يجب أن يسد حاجة السكان وبشكل وافر ٍ وال بد لقوة الدولة من تحقيق مستوى
وزائد عن الحاجة في أوقات السلم ،باستغالل جميع األراضي الصالحة للزراعة أفضل استغالل ،كي يكون لديها
8
وفر غذائي احتياطي أوقات األزمات والحروب ،على اعتبار أنه في الحروب سيذهب قسم كبير من هذا اإلنتاج
إلى المقاتلين ،إضافة إلى قلة عدد المزارعين الذين سيتركون أعمالهم لصالح تكليفهم بمهمات قتالية.
وإذا عجزت الدولة عن سد حاجة مواطنيها من الغذاء ذاتيا ً فعليها تأمين ذلك عبر عالقاتها التجارية مع الدول،
على شرط أال يكون ذلك على حساب االنتقاص من سيادتها ومصادرة قرارها السياسي .وفي حالة االرتهان إلى
الخارج من أجل الغذاء فيسهل خنق الدولة بحصارها اقتصاديا ً عبر القوة العسكرية المباشرة أو عبر المقاطعة.
ومثال ذلك إنجلترا التي تستورد نصف ما تحتاجه من غذاء من خارج حدودها ،ففرض حصار بحري وجوي
عليها يؤدي إلى استسالمها ،وهي تدرك ذلك جيداً فتعمل ألن يكون أسطولها الجوي والبحري قادرين على تأمين
الطرق المالحية المؤدية إليها .وهذا بالضبط ما حاولت ألمانيا فعله معها في الحربين العالميتين ،حيث ضربت
حولها حصاراً بحريا ً بسالح الغواصات ،وقد نجحت بذلك في الحرب العالمية األولى ،إذ أدت إلى شل حركة نقل
المواد الغذائية المتجهة إلى بريطانيا ،وأوشكت أن تحدث مجاعة بالشعب اإلنجليزي داخل جزيرته.
هذا ويجب على الدولة تنمية ثروتها الحيوانية لسد حاجات سكانها من اللحوم واأللبان ،ويجب عليها تطوير
استغالل ثروتها السمكية وتجهيز أسطول بحري لصيد األسماك وتصنيعها.
ويجب على الدولة كذلك امتالك أسطول نقل جوي وبحري لتصدير الفائض من سلعها واستيراد الالزم من المواد
وتأمين حركة المسافرين من الدولة وإليها ،وذلك كله عبر أسطولها الجوي والبحري.
وأخيراً فال بد للدولة من شبكة كثيفة من المواصالت داخل حدودها السياسية عبر الطرق المعبدة والسكك
الحديدية ،وذلك لزيادة تماسك أجزاء الدولة ،وربطها ربطا ً محكما ً بالعاصمة ،وتسهيل وتسريع حركة القوات
ً
إضافة إلى أنها تزيد من اتصال سكان الدولة العسكرية عبر أجزائها في حاالت األخطار الخارجية والداخلية.
ببعضهم البعض ،فتنمي الروح المشتركة ،وتحد من الشعور االنفصالي في المقاطعات البعيدة ،وتجعل قيام
حركات انفصالية ضعيفة فرص النجاح ،لتوافر عوامل القضاء عليها والحفاظ على وحدة الدولة.
لشعب الدولة الدور الرئيس في قيامها وبناء قوتها من خالل قيامهم باألعمال واألنشطة الالزمة لذلك .وتعد
الثروة البشرية عامل قوة للدولة إذا توافر فيها عامال الكم والنوع والتجانس القومي واللغوي والساللي والديني،
مما يمنحها القوة واالستقرار والتماسك الداخلي ،وبذلك تكون دولة نموذجية ،وال تكاد هذه الصفات تتحقق في
دولة واحدة.
فالسكان هم الثروة الحقيقية للدولة التي يمكن لها من خاللها تحقيق ما تصبو إليه من طموحات سياسية عالمية،
فمن خاللهم تستغل الموارد الطبيعية ،وتهتم بالعلم والتقنية ،وتحافظ على وجودها ،وتوسع حدودها.
إن وفرة التعداد السكاني للدولة بحد ذاتها تعد عامل قوة لها ،بينما تشكل قلة ثروتها البشرية عامل ضعف لها ال
يمكن تجاوزه ولو توافرت لديها بقية عناصر القوة من مساحة كبيرة كأستراليا مثالً ،أو مستوى عسكري
وصناعي متطور ،كالبرتغال ذات الـ /92000/كم 2و /11/مليون نسمة حالياً ،والتي سيطرت خالل بداية الحقبة
االستعمارية على مساحات أكبر من مساحتها بعشرات المرات في إفريقيا وأمريكا الجنوبية ،لكنها وبسبب نقص
ثروتها البشرية كانت أول الدول التي تخلت عن مستعمراتها لصالح بريطانيا ذات الـ /243000/كم 2و/65/
مليون نسمة ،والتي احتفظت بمستعمراتها إلى منتصف القرن الماضي ،وفقدت معظمها لصالح الواليات المتحدة.
ب ـ التركيب السكاني:
تختلف الدول عن بعضها في مستوى الزيادة الطبيعية للسكان .ففي الدول الصناعية الغربية تقل كثيراً هذه
النسبة ،مما يجعل المتقدمين في العمر يحتلون القاعدة العريضة من الهرم السكاني .حيث يساعد على ذلك التقدم
9
االقتصادي والطبي ،وتسببه أصالً عوامل ثقافية واجتماعية تحد من الزواج واإلنجاب ،مما يجعل الشعب يصل
إلى مرحلة الشيخوخة لصغر القاعدة التي يحتلها الشباب في الهرم السكاني لقلة الوالدات ،مما يدعو هذه الدول
كالسويد والد انمارك إلى إطالق البرامج التثقيفية االجتماعية التي تشجع على الزواج واإلنجاب .وهذا على عكس
الدول المتخلفة صناعياً ،حيث تفوق نسبة الوالدات نسبة الوفيات ويقل متوسط عمر الفرد ،مما يقلل من عدد
المتقدمين في العمر نسبة إلى عدد الشباب والصغار.
ويترتب على هذا االختالف بين الدول اختالف في وجهات نظر شعوبها بين المحافظة على القديم المرتبط عادة
بكبار السن ،وبين الثورة من أجل التغيير واستخدام العنف المرتبط بالشباب.
وعلى اعتبار أن الشباب هم أداة الدولة الفعالة في جميع أنشطتها االقتصادية والعسكرية فوفرة عدد الشباب تشكل
عامل قوة في الدولة.
وبمالحظة أن البلدان التي يكثر فيها الشباب ويقل الشيوخ تتصف بعدم االستقرار السياسي واالقتصادي وأنها
مستباحة سياسيا ً وعسكريا ً واقتصاديا ً من قبل الدول الصناعية ،فأجواء الثورة على األوضاع القائمة مهيأة جداً
في هذه البلدان .وعلى اعتبار أن هذه البلدان المتخلفة صناعيا ً تتميز بارتفاع نسبة الذكور على اإلناث ،فهذا
يمنحها القدرة على تقديم ما يلزم من الضحايا البشرية على مذابح الثورة والتغيير دون أن يتأثر نموها بالخلخلة
الحاصلة في صفوف الرجال .فالشعوب التي تفقد الكثير من شبابها في ثوراتها وحركات التحرر سرعان ما
تعوض النقص الحاصل عبر التزايد السكاني الطبيعي .وخير مثال على ذلك الزيادة السكانية األعلى في العالم
التي حاز عليها الشعب الفلسطيني وبلغت نسبة ‰ 40بينما تبلغ في الدانمارك .‰ 8
وزيادة النساء على الرجال في دول الشمال الصناعية يزيد أيضا ً من قيم االنطواء على الماضي والمحافظة على
القديم ،حيث يالحظ أن النساء خالل عمليات االقتراع دائما ً تقف إلى جانب اليمين واألحزاب المحافظة.
يرتبط التوزع الجغرافي للسكان بالعوامل التضريسية المناخية إضافة إلى العوامل االقتصادية واالجتماعية.
فاإلنسان يجنح دائما ً إلى العيش في ظل ظروف مناخية مريحة ،ومساعدة له في نفس الوقت على تأمين
ضروراته الحياتية وتطوره المادي والفكري واستقراره االجتماعي والنفسي.
لذلك نجد المناطق الخصبة ذات الحرارة والرطوبة الكافيتين لقيام زراعة جيدة هي التي تكون آهلة بالسكان أكثر
من غيرها ،وبشكل خاص مناطق الترب اللحقية في أودية األنهار حيث تكون الكثافة السكانية في أعلى قيمها
لتوافر الماء والتربة الجيدة والحرارة المعتدلة ،كما هو قائم في مجرى وادي النيل األدنى.
وفي سوريا نجد أن الكثرة الساحقة من السكان متواجدة غرب خط األمطار الكافي للزراعة البعلية ،وهو الخط
الممتد من شمال البالد إلى جنوبها متماشيا ً تقريبا ً مع الطريق المعبد الواصل بين حلب ودمشق مروراً بحماة
وحمص ووصوالً إلى درعا ،حيث تكثر غرب هذا الخط المراكز السكنية الكبيرة ،في حين أن شرقه ذو كثافة
سكانية قليلة ،مع وجود النظام الرعوي لقلة المعدل السنوي لألمطار الذي ال يسمح بقيام الزراعات البعلية.
أما العامل االقتصادي االجتماعي فغالبا ً ما يلعب دوره في اإلغراءات التي يتعرض لها سكان األرياف من قبل
اإلمكانات التي تقدمها المدينة القائمة على أعمال الصناعة والتجارة وتوافر فرص العمل المأجور أكثر من
الريف ،مما يؤدي إلى تفاقم الهجرة ،حيث يشكل المهاجرون حول المدينة سوراً من األحياء الشعبية غير المنظمة
وغير المخدمة كذلك ،إضافة إلى إفراغ األراضي الزراعية من اليد العاملة وتراجع اإلنتاج الزراعي مع تزايد
عدد المستهلكين .وهذه ظاهرة عالمية نجدها عند معظم الدول .ففي فرنسا يشكل سكان الريف نسبة %20من
مجموع السكان ،وفي إيطاليا %30وفي الواليات المتحدة .%25
وإذا ما نظرنا إلى التوزع السكاني حسب مساحة البلد نجد أن بعض الدول الكبيرة ككندا وأستراليا والصين
يتركز سكانها في منطقة واحدة أو اثنتين على حساب المساحة العامة شبه الخالية من السكان .فالصين البالغ عدد
سكانها /1.4/مليار نسمة والتي تصل كثافتها السكانية إلى /88/شخصا ً في الكم 2نجد أن ُخمس مساحتها تقريبا ً
10
غير مأهولة بالسكان في شمالها الغربي ،حيث إقليم تركستان الشرقية المسلم ذو المساحة البالغة /1.8/مليون
كم 2بينما ال يزيد عدد سكانه على /25/مليون نسمة فقط.
إن هذا التوزع السكاني غير المتناسب مع المساحة يشكل نقطة ضعف للدول ،ويسبب لها العديد من المشاكل
االقتصادية واالجتماعية ،حيث تضطر الدول إلى وضع خطط التنمية التي عادة ما تكون منصبة على المناطق
ذات الكثافة ا لسكانية الكبيرة على حساب بقية المناطق األخرى ،وهذا ما يجعل من بعض مناطق الدولة متقدمة
اقتصاديا ً وخدميا ً وبالتالي مختلفة اجتماعيا ً عن بقية مناطق الدولة.
ومن المشكالت األخرى التي تخلقها معدالت التمدن (أي سكنى المدن) العالية هو الوضع االقتصادي
واالجتماعي السيئ للمهاجرين إلى المدينة ،مما يجعل من تجمعاتهم الفقيرة والمحرومة بيئة حاضنة ومستقبلة
ألفكار التغيير السياسي والثورات ،في حين تكون المناطق األكثر راحة اقتصادية أكثر محافظة على واقعها.
ومنها كذلك ازدياد تلوث الهواء والماء بنفايات المراكز السكنية الكبيرة ومناطقها الصناعية .فسكان الواليات
المتحدة البالغ عددهم /325/مليون نسمة والذين يشكلون واحداً إلى عشرين تقريبا ً من سكان العالم يشكل
نصيبهم من تلوث البيئة ثلث التلوث العالمي.
يشكل التركيب األنثروبولوجي للسكان عامل قوة كبير للدولة إذا ما كان المواطنون متجانسين في أصولهم
البشرية واللغوية والدينية ،مما يجعل منهم وحدة متماسكة بعيداً عن االضطرابات الداخلية .بينما إن لم يكونوا
متجانسين فالدولة تكون معرضة لحركات التمرد واالنفصال والحروب األهلية.
وغالبا ً ما تظهر أعراض عدم التجانس هذا في الدول الضعيفة غير القادرة بهيبتها على ضبط هذه االختالفات
بين المواطنين وعدم السماح باستغاللها من قبل األعداء.
تقسم البشرية حسب الدراسات الحديثة إلى ثالث مجموعات ساللية كبيرة ،هي المجموعة األوروبية والمجموعة
المغولية والمجموعة اإلفريقية .وتتصف كل مجموعة بصفات شكلية تنتقل بالوراثة تجعل من أفرادها يختلفون
شكليا ً عن غيرهم من أفراد المجموعتين الباقيتين.
فالمجموعة الساللية األوروبية ينتشر أفرادها من الهند إلى شمال غرب أوروبا بما في ذلك الشمال العربي
اإلفريقي ،أما المجموعة الساللية اإلفريقية ال توجد إال في القارة السمراء جنوب منطقة الصحراء الكبرى ،وأما
المجموعة الساللية المغولية فينتشر أفرادها في شرق وجنوب شرق وشمال شرق القارة اآلسيوية.
إن التجانس الساللي إذا ما تحقق عند رعايا الدولة فإن في ذلك قوة لها ،والعكس صحيح .ومن أمثلة ذلك عدم
التجانس الساللي في جنوب إفريقيا بين السكان السود األصليين وبين حكامهم البيض سابقا ً من المحتلين اإلنكليز،
والذي أدى إلى اضطرابات سياسية كبيرة ما أدى إلى تغيير نظام الحكم .ومنه عدم التجانس القائم في الواليات
المتحدة بين الحكام البيض ذوي األصول األوروبية وبين السود والملونين من ذوي األصول اإلفريقية واآلسيوية.
ويتفاقم هذا الخطر بتصدر األوروبيين للمشهد السياسي واالقتصادي والثقافي والعسكري وممارسة سياسة التفرقة
العنصرية والتمييز ضد السود والملونين.
كلما كان سكان الدولة يتكونون من قومية واحدة كانت الدولة أكثر استقراراً وأبعد عن االضطرابات الداخلية
التي ستشغلها عن التمدد والتوسع ،على عكس الدول ذات القوميات المتعددة ،إال إذا كان أفراد هذه القوميات
متساوين في الحقوق والواجبات أمام لقانون.
11
والخمس الباقي يتكون من ُ ومن أمثلة ذلك بريطانيا التي يشكل اإلنجليز فيها أربعة أخماس السكان،
اإلسكوتلنديين واإليرلنديين والويلزيين والغاليين ،الذين حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ويختلفون بدياناتهم عن
اإلنجليز .فأغلب اإليرلنديين هم من الكاثوليك ،واإلسكوتلنديون من البروتستانت ،وأما اإلنجليز فمن أتباع
الكنيسة اإلنجليكانية .إضافة إلى أن اإليرلنديين هم جزء من جزيرة إيرلندة ،حيث تعد إيرلندة الشمالية مستعمرة
بحق إلنكلترا ،وتسعى إلى االستقالل عنها واالنضمام إلى إيرلندة الجنوبية .هذا إضافة إلى القومية الغالية القريبة
من الفرنسيين في اللغة والتقاليد والعادات .إال أن ما يبعد عن الدولة البريطانية االضطرابات الداخلية قوة الدولة
وموقعها الجزري الذي ال يساعد على تقديم المعونة لمن يريد االستقالل من قومياتها ،فلو كانت بالد اإلنجليز
بأراض قارية لكانت روح االنفصال نامية عند اإلسكوتلنديين والغال والويلزيين أكثر مما هو عليه اآلن. ٍ متصلة
أما بالنسبة لإليرلنديين فإن انفصاله م عن الجزيرة اإلنجليزية واتصالهم البري بوطنهم األم ينبه فيهم شعورهم
القومي ويدفعهم إلى المطالبة الدائمة بنيل االستقالل .ومعلوم ما كان يشكله الجيش الجمهوري اإليرلندي من
خطر على استمرار انضمام إيرلندة الشمالية إلى المملكة المتحدة.
أما كندا التي يشكل فيها اإلنجليز %40والفرنسيون ،%30فنجد الفرنسيين دائمي المطالبة باالنفصال عن
الجانب اإلنجليزي مدعومين من قبل فرنسا ،فهم يشكلون منطقة التجمعات السكنية األولى كيبك ،وال زالوا
محافظين على عاداتهم تقاليدهم ولغتهم وكاثوليكيتهم في ظل تصدر اإلنجليز البروتستانت للحياة السياسية
واالقتصادية.
حيث تعد اللغة عامالً جامعا ً بين الناطقين بها ،فتولد فيما بينهم شعوراً بالقربى والتعاطف ،ومثالها البارز ما هو
قائم بين المسلمين ،حيث تشكل الثقافة اإلسالمية بثوبها العربي جزءاً أصيالً من تاريخهم وشخصيتهم الحضارية،
وعامالً موحداً لهم جميعا ً إذا ما أرادوا يوما ً االنضواء تحت دولة واحدة ذات نظام إسالمي هي دولة الخالفة.
.................................................................................................................................
في الختام يجب التذكير بأن هذه كانت دراسة بدائية ومختصرة ،لخصتها للشباب من أحد كتب الجغرافيا السياسية،
وأضفت عليها بعض اللمسات ،ويجب أن تكون نواة لدراسات متخصصة ومعمقة في مواضيعها المختلفة .فهل من
مشمر عن ساعد الجد واالجتهاد؟