Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 12

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫العوامل الجغرافية لقوة الدولة وضعفها ـ دراسة بدائية ومختصرة‬

‫الدولة مؤسسة تستمد هيبتها من ثقة األمة التي شكلتها بهدف تحقيق طموحاتها داخل حدودها وخارجها‪ ،‬فال بد من‬
‫حيازتها قوة تمكنها من تحقيق تلك الطموحات‪ ..‬وهذه دراسة بدائية ومختصرة ألهم العوامل الجغرافية لقوة الدولة‬
‫وضعفها‪ ،‬لخصتها من أحد كتب الجغرافيا السياسية‪ ،‬لتنبيه الشباب عليها‪ ،‬وتكون نواة لدراسات تالية متخصصة ومعمقة‪.‬‬

‫‪1‬ـ الموقع الجغرافي‪:‬‬

‫يجب على موقع الدولة أن يعينها على بناء قوتها العسكرية واالقتصادية‪ ،‬حائالً دون تعريضها إلى ضغوط‬ ‫‪‬‬
‫خارجية كبيرة‪ .‬لذلك يجب أن تكون الدولة ذات شواطئ على بحار دافئة ومفتوحة‪ ،‬تسرع من عملية تطوير‬
‫اقتصادها وتصلها بمن تشاء من الدول والقارات‪ ،‬على عكس الدول القارية المحرومة من الشواطئ‪.‬‬
‫فموقع البرتغال المشرف على شاطئ األطلسي الصالح للمالحة والمفتوح على العالم بطول ‪ /600/‬كم ساعدها‬ ‫‪‬‬
‫على احتالل بلدان بعيدة عنها في كل من إفريقيا وأمريكا الالتينية إبان عصر النهضة والكشوف الجغرافية‪.‬‬
‫أما موقع هنغاريا القاري فيجعلها تحت رحمة الدول المحيطة بها وهي‪ :‬رومانيا وأوكرانيا وسلوفاكيا والنمسا‬ ‫‪‬‬
‫وسلوفينيا وكرواتيا وصربيا‪ .‬وأمامها للنفاذ إلى البحر المتوسط المرور عبر رومانيا وصوالً إلى البحر األسود‪،‬‬
‫أو عبر دول يوغوسالفيا للوصول إلى البحر األدرياتيكي‪ ،‬أو سلوك الطريق البري اليوغوسالفي اإليطالي‬
‫للوصول إلى الموانئ اإليطالية‪ ،‬حيث تعد هذه البوابة األفضل لهنغاريا في عالقاتها التجارية مع بلدان إفريقيا‪.‬‬
‫وهناك دول مشرفة على بحار شبه مغلقة‪ ،‬كرومانيا وبلغاريا المشرفتين على البحر األسود الذي تشرف تركيا‬ ‫‪‬‬
‫على ذراعه المائي الذي يصله بالبحر المتوسط‪ ،‬حيث يعد هذا الذراع الشريان الحيوي لكل منهما‪ ،‬فذلك أخف‬
‫وطأة من عدم اإلشراف على أي بحر‪.‬‬
‫وعلى الرغم من التطور الذي طرأ على وسائل النقل البري والجوي فال تزال الدول القارية تعتمد على إحدى‬ ‫‪‬‬
‫الدول المجاورة أو أكثر لتنشيط تجارتها واقتصادها‪.‬‬
‫ويدفع الموقع القاري دولته للتوسع على حساب جيرانها إذا ما وجدت القوة العسكرية واالقتصادية المناسبة‬ ‫‪‬‬
‫للوصول إلى الشواطئ البحرية‪ ،‬وخير مثال على ذلك األطماع التاريخية للروس في الوصول إلى البحر األسود‬
‫ومنه إلى البحار الدافئة عبر مضيقي البوسفور والدردنيل‪.‬‬
‫ويكون موقع الدولة عامل ضعف إذا كان قريبا ً من دولة قوية‪ ،‬كموقع منغوليا بين روسيا والصين المتنافستين‬ ‫‪‬‬
‫أبداً على السيادة اإلقليمية في منطقتيهما‪ .‬ويزيد من ضعف هذه الدولة المطالب القومية الصينية فيها‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى كون موقعها قاريا ً محروما ً من أي شاطئ‪ ،‬وقلة عدد سكانها البالغ ‪ /3/‬مليون نسمة فقط بالنسبة إلى مساحتها‬
‫الضخمة البالغة ‪ /1.5/‬مليون كم‪.2‬‬
‫ويمكن االستفادة من قرب موقع الدولة من دولة قوية من قبل دولة ثالثة منافسة لها في القوة‪ ،‬حيث يمكن جعلها‬ ‫‪‬‬
‫رأس حربة في الهجوم عليها‪ ،‬أو جعلها بمثابة شوكة في خاصرتها وعامل ضغط عليها وتهديد‪ ،‬كاالتحاد‬
‫السوفييتي الذي استفاد يوما ً من قرب موقع كوبا من الواليات المتحدة‪.‬‬
‫ومما ساعد االتحاد السوفييتي في استخدام كوبا لهذا الغرض اختالف النهج السياسي واالقتصادي بين كوبا‬ ‫‪‬‬
‫االشتراكية والواليات المتحدة الرأسمالية‪ ،‬إضافة إلى التباين الديني واللغوي والعرقي بينهما‪ ،‬حيث ينحدر الشعب‬
‫الكوبي ـ كعموم شعوب دول أمريكا الوسطى والجنوبية ـ من المجموعة اللغوية الالتينية (اللغات اإلسبانية‬
‫والبرتغالية واإليطالية والفرنسية)‪ ،‬ويدين بالمسيحية الكاثوليكية‪ ،‬على خالف األصل العرقي واللغوي للشعب‬
‫األمريكي الذي ينحدر من العائلة اللغوية الجرمانية (اللغات اإلنجليزية واأللمانية)‪ ،‬ويدين بالبروتستانتية‬
‫والمذهب اإلنجليكاني‪ ،‬إضافة إلى الظلم النات ج من اعتبار الواليات المتحدة ألراضي القارتين األمريكيتين المجال‬
‫الحيوي لها والخاضع لهيمنتها العسكرية واالقتصادية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وكذلك موقع اليابان في المحيط الهادي قبالة شواطئ دولتين كبيرتين هما روسيا والصين‪ ،‬فيشكل تحديا ً أمام‬ ‫‪‬‬
‫عودتها دولة عظمى‪.‬‬
‫وتزداد أهمية موقع الدولة من خالل ما يكتشف فيها من المواد الخام الضرورية للتطور الصناعي الحديث‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫كبلدان الخليج العربي التي ستفقد جزءاً كبيراً من أهمية موقعها في حال نضوب مادة النفط‪ ،‬حيث تشكل هذه‬
‫البلدان حاليا ً البقرة الحلوب التي تمد العجل األوربي واألمريكي بالحليب‪.‬‬
‫وبعض الدول القارية تتصل بالعالم الخارجي عبر شواطئ مائية لبحار غير مفتوحة تماما ً في وجهها‪ ،‬كروسيا‬ ‫‪‬‬
‫التي تشرف من الشمال على المحيط المتجمد الشمالي غير الصالح للمالحة طوال العام بسبب تجمده‪ ،‬ومن‬
‫الشرق على المحيط الهادي ولكنه طريق طويل من أجل الوصول إلى البلدان المتأخرة صناعيا ً واقتصاديا ً حيث‬
‫ميدان الصراع بين الدول العظمى‪ ،‬ومن الشمال الغربي تطل على بحر البلطيق الذي يخضع منفذه البحري‬
‫لسيطرة الدانمارك الدولة العضو في حلف الناتو‪ ،‬وتشرف من الجنوب على البحر األسود الذي ال يقود الروس‬
‫إلى البحار الدافئة إال عبر مضيقي البوسفور والدردنيل الخاضعين لسيطرة تركيا العضو كذلك في حلف الناتو‪.‬‬
‫ووقوع الدولة على الطرق التجارية الرئيسية والممرات الهامة كالمضائق والقنوات واحتواؤها على الرؤوس‬ ‫‪‬‬
‫والخلجان يكسبها أهمية كبرى‪ ،‬ومثالها البلدان العربية التي تحتل عنق الزجاجة للعالم القديم‪ ،‬والبوابة المطلة‬
‫على كل من العالمين المتطور والمتخلف صناعياً‪ .‬ولكن أهمية هذا الموقع يفرض على شعوبه إقامة دولة قوية‬
‫تحميه دائما ً من أخطار االحتالل ومطامع الطامعين‪.‬‬
‫هذا وإن الموقع القاري يدفع الدولة إلى امتالك قوة برية ضاربة تدعمها القوة الجوية المناسبة‪ ،‬كما هو لروسيا‬ ‫‪‬‬
‫اليوم وكما كان أللمانيا يوما ً‪ ،‬بينما يدفع الموقع البحري أو الجزري الدولة المتالك القوى البحرية المناسبة‪ ،‬كما‬
‫هو ألمريكا اليوم وكما كان لبريطانيا واليابان سابقا ً‪.‬‬
‫أما الموقع الجزري فذو أهمية خاصة‪ ،‬حيث يشكل البحر المحيط عامل وصل بالعالم الخارجي‪ ،‬وفي نفس الوقت‬ ‫‪‬‬
‫يشكل عامل فصل وعزلة‪ ،‬وينمي في شعب الجزيرة روح الشجاعة وارتياد المخاطر‪ ،‬ويدفع الدولة إلى بناء‬
‫أسطول بحري ضخم يمكنها من الغزو والسيطرة‪.‬‬
‫وقرب موقع الدولة من خط االستواء وبعدها عنه مؤثر في قوتها‪ ،‬فكلما كان المناخ معتدالً رطبا ً قليل الحرارة‬ ‫‪‬‬
‫ساعد على قيام دول قوية ومدنيات كبرى‪ ،‬كالدول والمدنيات التي قامت في حوض المتوسط وسادت العالم‪.‬‬

‫‪2‬ـ الرقعة السياسية ـ المساحة‪:‬‬

‫تعد الرقعة السياسية بمثابة الجسد الحقيقي للدولة‪ ،‬الذي تستمد منه عناصر قوتها من عوامل جغرافية وموارد‬ ‫‪‬‬
‫اقتصادية وإمكانيات دفاعية‪.‬‬
‫وكما تمتد الرقعة السياسية إلى مياه البحر الذي تشرف على شواطئه أراضي الدولة‪ ،‬حيث يصل عمق المياه‬ ‫‪‬‬
‫اإلقليمية إلى ما يزيد على ‪ /22.2/‬كم حسب ما تم إقراره في ما يسمى بالقانون الدولي بحسب اتفاقية األمم‬
‫المتحدة لقانون البحار ـ جامايكا ‪ /1982/‬م‪ ،‬فإن الدولة كذلك تبسط سلطانها على أجواء رقعتها السياسية‪.‬‬
‫وتتفاوت الدول في مساحاتها تفاوتا ً كبيراً‪ ،‬فهناك دول عمالقة كروسيا االتحادية التي تزيد مساحتها على ‪/17/‬‬ ‫‪‬‬
‫مليون كم‪ ،2‬وكندا التي تكاد تصل إلى ‪ /10/‬مليون كم‪ ،2‬والواليات المتحدة ‪ /9.8/‬مليون كم‪ ،2‬والصين ‪/9.6/‬‬
‫مليون كم‪ ،2‬والبرازيل ‪ /8.5/‬مليون كم‪ ،2‬وأستراليا ‪ /7.7/‬مليون كم‪ .2‬وهناك دول قزمة تكاد ال ترى على‬
‫الخريطة‪ ،‬كقطر ‪ /11.5/‬ألف كم‪ ،2‬ولبنان ‪ /10.5/‬ألف كم‪ ،2‬والبحرين ‪ /765/‬كم‪ ،2‬ومالطا ‪ /316/‬كم‪ ،2‬وجزر‬
‫المالديف ‪ /298/‬كم‪ ،2‬وإمارة ليشتنشتاين ‪ /160/‬كم‪ .2‬وللمقارنة فمساحة محافظة حلب تبلغ ‪ /18.5/‬ألف كم‪.2‬‬
‫وتتميزالدولة ذات المساحة الواسعة باحتوائها على مناخات متعددة وترب مختلفة‪ ،‬وبالتالي تمتلك ثروات‬ ‫‪‬‬
‫جيولوجية ونباتية وحيوانية متنوعة‪ ،‬وتكون مهيئة إلنتاج اقتصادي متنوع يحقق التكامل‪ ،‬وتمتلك بها القدرة على‬
‫استيعاب عدد أكبر من السكان‪ ،‬حيث تعد الرقعة الكبيرة عامل قوة للدولة إذا ما رافقها نمو سكاني وتطور تقني‬
‫كاف الستغالل موارد تلك الرقعة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ووجود مساحات واسعة ضمن الدولة الكبيرة غير صالحة لالستثمار االقتصادي بسبب رداءة الظروف المناخية‬ ‫‪‬‬
‫أو انعدام الثروات المعدنية يشكل عبئا ً على الدولة‪ ،‬ويسهم في توزيع السكان توزيعا ً غير متعادل‪ .‬فالجفاف في‬
‫صحارى وسط أستراليا‪ ،‬والحرارة الشديدة والمطر الغزير والغابات الكثيفة وسط البرازيل وغربها‪ ،‬والمناخ‬
‫البارد شمال كندا وغربها‪ ،‬جعل المناطق األكثر ازدحاما ً في كل من هذه الدول هي األطراف الخارجية‪ ،‬بينما‬
‫تخلو مناطق كبيرة تماما ً من السكان‪.‬‬
‫لكن اإلنسان ومع التقدم العلمي والتقني يستطيع تذليل كثير من الصعوبات الطبيعية‪ ،‬كما في حالة شق األقنية‬ ‫‪‬‬
‫المائية واستصالح الصحاري‪ ،‬مما يسمح بإيجاد مراكز سكنية جديدة‪.‬‬
‫وتظهر القوة الكامنة للمساحات الكبيرة للدول أثناء الحروب‪ ،‬حيث تلعب المساحات الواسعة دوراً هاما ً في‬ ‫‪‬‬
‫إمكانية الدفاع والمقاومة ضد الغزاة في حاالت االجتياح العسكري‪ ،‬حيث تمنحها المرونة الكافية والقدرة على‬
‫استيعاب واحتواء القوات الغازية ليتم اإلجهاز عليها بعد إنهاكها‪ ،‬فيما يسمى في االستراتيجيا العسكرية بـ"الدفاع‬
‫في العمق"‪ .‬وذلك على عكس الدول الصغيرة التي تسقط بالضربة الخاطفة األولى‪ ،‬كما حدث لبلجيكا في‬
‫الحربين العالميتين عندما سقطت بسرعة على أيدي القوات األلمانية‪ ،‬وكما حدث للكويت أمام العراق عام‬
‫‪ /1990/‬م‪ .‬بينما كانت األراضي الروسية مقبرة للغزاة الفرنسيين أيام نابليون واأللمان أيام هتلر‪.‬‬
‫فأيام نابليون قرر القائد الروسي كوتوزوف من أجل الحفاظ على الجيش الروسي قراراً مؤلما ً باالنسحاب من‬ ‫‪‬‬
‫موسكو نحو الجنوب وتسليمها للفرنسيين دون قتال‪ ،‬بعد أن فضل جميع القادة الموت تحت أسوارها‪ ،‬وقال كلمته‪:‬‬
‫"إن خالص روسيا ببقاء جيشها"‪ .‬ووافقه أحد القادة بالقول‪" :‬إذا كان األمر موقوفا ً على سالمة روسيا وأوروبا‬
‫فموسكو ليست أكثر من مدينة مثل باقي المدن"‪ ،‬وقال الثاني‪" :‬إنه لفخر أن نموت تحت أسوار موسكو‪ ،‬ولكن‬
‫الموقف اآلن ليس هو موقف اكتساب الفخر"‪ .‬وهكذا انسحب كوتوزوف بالجيش واستفاد من العامل الجغرافي‬
‫الذي يقف لصالح قواته وضد القوات الفرنسية التي تجاوزت ‪ /600/‬ألف مقاتل توغلوا في أراض واسعة‬
‫المساحة وباردة تغمرها الثلوج‪ ،‬وبعيدة عن أماكن إمدادهم بالمؤن والعتاد والرجال‪ .‬وبعد مدة وجيزة قضي على‬
‫جيش نابليون الذي لم يبق منه سوى ‪ /40/‬ألف مقاتل‪ .‬وقد تكرر هذا الفعل الروسي بقيادة المارشال جوكوف‬
‫الذي تراجع وماطل وقام بالمناوشات اليومية والمعارك الجانبية االستنزافية استعداداً للمعركة الفاصلة مع القوات‬
‫األلمانية المنطلقة كالسهم والتي احتلت من روسيا أكثر من مليون كم‪ 2‬ووصلت إلى ضواحي موسكو أيام هتلر‪،‬‬
‫حيث قصمت ظهرها الظروف المناخية السيئة كذلك وأرغمتها على االنكفاء‪.‬‬
‫فمما يرهق العدو المندفع التراجع إلى العمق االستراتيجي‪ ،‬ومقاومته أثناء التراجع حتى تنهك قواه في معارك‬ ‫‪‬‬
‫غير حاسمة‪ ،‬وتأجيل الحسم إلى وقت تصبح فيه قوات العدو منهكة وبعيدة عن مراكز إمدادها‪.‬‬
‫وكذلك األمر مع احتالل اليابانيين لجميع األجزاء الساحلية للصين قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬حيث‬ ‫‪‬‬
‫استطاع الصينيون احتواء هذا الغزو ومواصلة الدفاع والمقاومة والمحافظة على الدولة‪.‬‬
‫وتبقى الدول الصغيرة عاجزة تماما ً عن التغلب على عيبها المتمثل في صغر مساحتها‪ ،‬حتى ولو استغلت أفضل‬ ‫‪‬‬
‫استغالل‪ .‬وإن أي نصر تحققه دولة صغيرة على دولة كبيرة لهو نصر مؤقت‪ ،‬ويشكل عبئا ً على الدولة الصغيرة‬
‫التي ستجد نفسها مضطرة لنشر وتشتيت قواتها في األراضي المحتلة‪ .‬ومثاله كيان يهود وجواره العربي الكبير‪.‬‬

‫‪3‬ـ الشكل‪:‬‬

‫‪ ‬يلعب شكل الدولة دوراً هاما ً في الدفاع عنها أيام الحروب‪ ،‬وفي تنظيم الداخل إدارايا ً واقتصاديا ً ومواصالت‪.‬‬
‫‪ ‬فكلما كان شكل الدولة ملموما ً وأطراف الدولة متقاربة البعد عن مركزها أعطاها ذلك قدرة على الدفاع‪ ،‬لعدم‬
‫حاجتها إلى بعثرة قواتها على أطرافها البعيدة ألجل حمايتها واستقرار أمنها‪ ،‬وكانت ضابطة لحدودها بشكل‬
‫متساو‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫أفضل‪ ،‬وساعدها في بناء شبكة مواصالت مركزية تصل ما بين العاصمة وبقية المراكز اإلدارية بشكل‬
‫متساو‪ .‬ومن األمثلة على تلك‬
‫ٍ‬ ‫بقدر‬
‫ٍ‬ ‫مما يؤدي إلى تسهيل استتباب األمن وتوزيع سلطة الدولة على أرجائها‬
‫الدول كل من رومانيا وبولونيا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وتمتاز الدولة ملمومة الهيئة بقصر حدودها بالنسبة لمساحتها‪ ،‬مما يقلل من نقاط الضعف الدفاعية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ويزداد أمن الدولة واستقرارها كلما اقتربت عاصمتها من وسطها‪ ،‬على خالف الدول ذوات العواصم المتطرفة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أما الدول المتطاولة فتزيد فيها نقاط الضعف على حدودها خالل الدفاع ضد أي هجوم خارجي‪ ،‬ألن قواتها تكون‬ ‫‪‬‬
‫مبعثرة بشكل متقطع كي تستطيع تغطية الحدود الطويلة‪.‬‬
‫ويزيد هذه الدول ضعفها إذا ما جاورت دوالً معادية على طول الحدود‪ .‬أما إذا جاورت دوالً متجانسة معها في‬ ‫‪‬‬
‫األصول البشرية والنمو االقتصادي فيخف العبء عنها كثيراً‪ .‬وتكون الدولة محظوظة إذا ما فصل بينها وبين‬
‫جيرانها حواجز طبيعية تسهل عليها الدفاع عن نفسها من جهتها مع نشر أقل عدد ممكن من القوات عليها‪.‬‬
‫ومثال الدولة المتطاولة تشيلي التي يزيد شريطها الساحلي على ‪ /4000/‬كم في إشرافه على المحيط الهادي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وتقارب حدودها الشرقية مع األرجنتين هذه المسافة‪ ،‬لكن ساحلها بعيد جداً عن اليابسة المقابلة حيث دول شرق‬
‫وجنوب آسيا‪ ،‬مما يجعل الدولة شبه معزولة وقليلة التعرض إلى هجوم بحري‪ ،‬إضافة إلى الطبيعة التضريسية‬
‫الجبلية الوعرة على الجانب الغربي من الدولة مما يؤمن الحماية لمراكز السكن شرقها‪ .‬بينما حدود تشيلي‬
‫الشرقية مع األرجنتين فمستقرة وهادئة لعدم وجود خالفات إقليمية على األرض‪ ،‬أو في النمو االقتصادي‪ ،‬أو‬
‫حتى في األصول البشرية واللغوية والقومية‪ .‬فالجميع ينتمون إلى المجموعة اللغوية الالتينية‪ ،‬إلى جانب السكان‬
‫األصليين من الهنود الحمر والهجناء من التزاوج ما بين الطرفين‪ ،‬والجميع يدينون بالمسيحية الكاثوليكية‪.‬‬
‫لكن مع وجود تلك الصفات المشتركة يمكن للدولتين المتجاورتين أن تشتعل بينهما نار الخالف إذا كانتا تتبعان‬ ‫‪‬‬
‫نهجين سياسيين وبالتالي اقتصاديين واجتماعيين مختلفين‪ ،‬كما كان قائما ً من خالفات بين نيكاراغوا االشتراكية‬
‫المدعومة من االتحاد السوفييتي وبين هندوراس الرأسمالية المدعومة من أمريكا‪ ،‬أو ما هو قائم بين الكوريتين‪.‬‬
‫أما النرويج فال يشكل شكلها الطوالني عبئا ً كبيراً عليها في الدفاع لكون ما يزيد على نصف طول شريطها‬ ‫‪‬‬
‫الساحلي يشرف على المحيط المتجمد الشمالي‪ ،‬والباقي على األطلسي‪ .‬وإن موقع النرويج لذلك يقلل من أهميتها‬
‫االستراتيجية إذا ما استثنينا ساحلها الجنوبي المشرف على بحر الشمال‪ ،‬والذي كان يمكن أن يستخدم كقواعد‬
‫عسكرية لحلف شمالي األطلسي ضد السوفييت المندفعين غربا ً عن طريق بحر البلطيق باتجاه األطلسي لشل‬
‫حركة البحرية األمريكية في النقل واإلمداد إذا ما حدث صدام بين الدولتين على الساحة األوربية‪ .‬أما الحدود‬
‫الشرقية للنرويج فهي مشتركة مع السويد‪ ،‬وكالهما عضو في حلف الناتو الذي أوجدته أمريكا كسد حديدي في‬
‫وجه زحف االتحاد السوفييتي غربا ً نحو أوروبا‪ ،‬ولتخفف عن نفسها من عبء مواجهته‪ ،‬حيث تصبح دول‬
‫غرب أوروبا تتحمل عبء الدفاع عن نفسها ضد الهجمة السوفييتية‪.‬‬
‫وأما الشكل المتطاول إليطاليا في عُرض المتوسط فيعطيها مرونة في الحركة‪ ،‬حيث يسهل اتصالها بدول إفريقيا‬ ‫‪‬‬
‫وشرق المتوسط‪ ،‬وقد ساعدها في سيطرتها على معظم البالد المشرفة على المتوسط زمن الدولة الرومانية‪.‬‬
‫وحدودها الشمالية مع النمسا وسويسرا تجعلها تستفيد من القوة االقتصادية األوروبية بعالقات التعاون وحسن‬
‫الجوار‪ ،‬حيث تتفرغ للتغلغل العسكري واالقتصادي جنوبا ً وشرقا ً إذا استطاعت‪ .‬وهذا االعتبار كان قاعدة‬
‫التحالف بين إيطاليا موسوليني وألمانيا هتلر‪ ،‬حيث تستفيد ألمانيا من الموقع الهام لحليفتها‪.‬‬
‫وهناك الشكل المتناثر للدول عندما تتكون من مجموعة من الجزر المبعثرة والمتقاربة كما هو حال الفليبين‬ ‫‪‬‬
‫وإندونيسيا واليابان‪ ،‬حيث يصل طول امتداد جزر األخيرة إلى ‪ /2000/‬كم‪.‬‬
‫ومن سلبيات هذا الشكل صعوبة بناء سلطة مركزية قوية‪ ،‬وإضعافه عملية الدفاع الضطرار الدولة إلى بعثرة‬ ‫‪‬‬
‫كافة‪ ،‬مما يسهل قيام حركات تمرد وانفصال للجزر البعيدة‪ ،‬ويسهل غزوها من الخارج‪.‬‬ ‫قواتها في جزرها ً‬
‫والموقع الجُ ُزري يلعب وظيفتين متناقضتين معاً‪ ،‬وهما سهولة االتصال بالعالم الخارجي عبر البحر إذا كان‬ ‫‪‬‬
‫مفتوحاً‪ ،‬وفي نفس الوقت يشكل حماية من األخطار الخارجية‪ ،‬إال من خطر دولة تمتلك قوة بحرية تفوق قوة‬
‫دولة الجزر البحرية‪ .‬ومن أمثلتها إنجلترا‪.‬‬
‫وقد كان اتصال إيطاليا بالبر األوروبي هو الذي يعرضها لألخطار في كل مرة عبر تاريخها‪ ،‬ومنها الدمار الذي‬ ‫‪‬‬
‫لحق باإلمبراطورية الرومانية عام ‪ /410/‬م على يد القبائل الجرمانية من الوندال والهون والقوط‪ .‬وقبل ذلك‬
‫‪4‬‬
‫كان القائد القرطاجي هنيبعل قد عبر جبال األلب قادما ً من فرنسا ووصل إلى سهل البو‪ ،‬مهدداً أراضي الدولة‬
‫الرومانية ومشرفا ً على تدميرها‪ ،‬لوال استنزاف قواته وخسارته أمام فابيوس سنة ‪ /220/‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫‪4‬ـ التضاريس ـ السهول‪:‬‬

‫هناك العديد من المظاهر التضريسية المختلفة في أغلب الدول كالسهول والجبال والهضاب واألودية واألنهار‬ ‫‪‬‬
‫والسهول الساحلية‪ .‬بينما تحوي القليل من الدول وضعا ً تضريسيا ً متشابها ً كهولندا والدانمارك اللتين تتكون‬
‫رقعتهما السياسية من األراضي السهلية المنخفضة الصالحة للزراعة‪ ،‬على عكس النرويج التي تغلب عليها‬
‫الجبال والهضاب‪.‬‬
‫وميزة كل نوع من التضاريس هي إمكانية الدفاع والمقاومة أو العكس في إمكان االجتياح من قبل الغزاة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫كسهول بالد الشام الممتدة من شمالها إلى الجنوب التي سهلت احتاللها من قبل الغزاة على مر التاريخ‪.‬‬
‫والسهل الواسع شمال أوروبا ـ ومن ضمنه بولونيا ـ كان أكثر عرضة للغزوات من المناطق الجبلية المركزية‬
‫في جنوب أوروبا‪ .‬حيث يسهل غزو الدول فقدان الحواجز الطبيعية كالجبال واألودية واألنهار على تخومها‪.‬‬
‫وتؤمن المناطق السهلية شبكة مواصالت جيدة مفيدة في أوقات السلم في تنشيط االقتصاد‪ ،‬وهي أفضل أنواع‬ ‫‪‬‬
‫التضاريس الستغاللها من قبل الشعوب التي تسكنها‪ ،‬ولذلك فعادة ما تكون هي المأهولة بالسكان‪ .‬والسهول‬
‫هي التي تزود العال م بالمواد الغذائية من خالل استغاللها في الزراعة إذا ما توافر فيها المناخ المناسب‬
‫والمطر الكافي‪.‬‬
‫أما إن كان السهل واسعا ً واألمطار قليلة فسيكون إنتاجها قليالً وال يكاد يكفي سكانها القالئل أيضاً‪ ،‬كالسهول‬ ‫‪‬‬
‫الشمالية لكل من كندا وروسيا‪ ،‬حيث المناخ البارد والقاسي مما يجعل النشاط الزراعي معدوماً‪ ،‬وكما في‬
‫سهول مصر وليبيا الشاسعة حيث قلة األمطار السنوية‪.‬‬
‫أما وجود أنهار ومستنقعات وأودية ضمن المناطق السهلية فيشكل عامل حماية طبيعيا ً ضد الغزاة ويربك‬ ‫‪‬‬
‫الجيوش المهاجمة‪ ،‬كما مثلت أراضي أوكرانيا السهلية عائقا ً طبيعيا ً أمام تقدم القوات األلمانية خالل الحرب‬
‫العالمية الثانية الحتوائها على أنهار وأودية عميقة ومستنقعات‪.‬‬
‫وتشكل السهول النواة المركزية لبعض الدول ـ وخاصة السهول الساحلية منها ـ بما توفره من المرونة لحركة‬ ‫‪‬‬
‫قوات الدولة‪ ،‬والمردود االقتصادي المطلوب لبناء القوة العسكرية الكافية للدفاع والتوسع‪.‬‬
‫واألراضي السهلية الخصبة الوفيرة األمطار تمتاز بالكثافة السكانية‪ .‬ونتيجة لسهولة الحركة فينشط التبادل‬ ‫‪‬‬
‫التجاري والتمازج الفكري ويسهل انتشار اآلراء واألفكار الدخيلة‪ ،‬إضافة إلى سهولة حدوث التمازج‬
‫الساللي‪ ،‬كما حدث في بالد الشام من التمازج البشري والثقافي الكبير عبر الغزوات المتتالية خالل حقب‬
‫التاريخ‪ ،‬على عكس شبه الجزيرة العربية التي كانت على الدوام بعيدة عن المؤثرات الخارجية‪.‬‬

‫‪5‬ـ الجبال‪:‬‬

‫‪ ‬لقد كانت الجبال دائما ً عامل قوة في الدفاع عن حدود الدولة‪ .‬وعلى الرغم من أنها فقدت جزءاً كبيراً من أهميتها‬
‫نتيجة لتطور األسلحة من طائرات وصواريخ‪ ،‬لكنها راحت تستعمل في نفس الوقت لبناء محطات رادارية‬
‫بهدف االستطالع والتنصت ورصد تحركات العدو‪ .‬ومعلومة أهمية قمم جبل الشيخ في الجوالن جنوب سوريا‬
‫في السيطرة االستراتيجية على جميع المناطق المجاورة‪ ،‬حيث عمدت أمريكا إلى منع حافظ أسد من التنازل‬
‫عنها لليهود طوال ثالثين عاما ً ألنها تريد أن تسيطر هي عليها مباشرة عبر ما يسمى بالقوات األممية‪ ،‬ولكن‬
‫اليهود كانوا على علم بالخطة األمريكية ولم يعيدوها للنظام في سوريا‪.‬‬
‫‪ ‬ويصعب في المناطق الجبلية شق شبكة من المواصالت لربط المراكز السكنية المتناثرة فوقها‪ ،‬لكنها يمكن أن‬
‫تكون مصدراً لثروة نباتية هامة إذا كانت مغطاة بالغابات التي يستفاد من خشبها في بعض الصناعات‪ .‬ولها دور‬
‫هام كذلك في زيادة كمية التهطال السنوي‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وتشكل المناطق الجبلية دوالً بكاملها كسويسرا ونيبال وبوتان‪ .‬حيث توجد سويسرا في المنطقة الجبلية المحيطة‬ ‫‪‬‬
‫ببحيرة لوسرن‪ ،‬التي أمنت لها تضاريسها الحماية الطبيعية وهيأت لها السيطرة على ممرات استراتيجية مهمة‬
‫من الناحية التجارية‪ ،‬مما دفع الدول األوروبية إلى تحييدها خالل الحربين العالميتين‪ .‬وتحتل كل من نيبال‬
‫وبوتان مجموعة من األودية المحصورة بين سالسل جبال الهيمااليا الشاهقة التي تفصلها عن سهول الهند في‬
‫الجنوب‪.‬‬
‫وتعيق المناطق الجبلية النشاط التجاري وانتقال البشر‪ ،‬وتفتقر إلى األراضي الزراعية‪ ،‬وتكون غالبا ً ذات‬ ‫‪‬‬
‫كثافات سكانية متدنية‪.‬‬
‫وتشكل الجبال عائقا ً يمنع اتصال أبناء الدولة الواحدة‪ ،‬كما في الدول األمريكية المشرفة غربا ً على المحيط‬ ‫‪‬‬
‫الهادي والحاوية على سالسل جبالي روكي واألنديز الطولية بدءاً من كندا شماالً وحتى تشيلي في الجنوب‪،‬‬
‫حيث يصعب االتصال ما بين سكان الشريط الساحلي وسكان المناطق الشرقية من هذه الدول‪.‬‬
‫وتلعب الجبال دور الملجأ الطبيعي للثوار ومركزاً للتمرد ضد الحكومات المركزية‪ ،‬حيث تشكل المناخ المالئم‬ ‫‪‬‬
‫لحرب العصابات المعتمدة على األسلحة خفيفة الوزن والمبدأ القتالي‪ :‬اضرب واهرُ ب‪ .‬حيث استفاد مقاتلو‬
‫اليونان ويوغوسالفيا وإيطاليا وفرنسا من جبال بالدهم في حروب العصابات التي شنوها ضد الجيوش األلمانية‬
‫المحتلة‪ .‬وكذلك استفاد مقاتلو فيتنام في األجزاء الشمالية والوسطى من فيتنام الجنوبية من الطبيعة الجبلية‬
‫المكسوة بالغابات في قتالهم ضد األمريكان‪.‬‬
‫والجبال غير الصالحة لحركة المدرعات ال يمكن احتاللها إال بإنزال جوي‪ .‬ومما يزيد من سلبيتها شدة انحدارها‬ ‫‪‬‬
‫حيث تعيق الحركة وتقلل من إمكانات رصد العدو إضافة إلى عرقلتها لالتصاالت الالسلكية‪.‬‬

‫‪6‬ـ الموارد الطبيعية‪:‬‬

‫‪ ‬بسبب اختالف التركيب الكيميائي لطبقات الصخور التي تكون تضاريس األرض‪ ،‬وتباين المناخات حسب‬
‫القرب والبعد عن خط االستواء واالرتفاع واالنخفاض عن سطح البحر‪ ،‬فلقد اختلفت التربة من منطقة إلى‬
‫أخرى على سطح األرض‪ ،‬وبالتالي تباين الغطاء النباتي والحيواني‪ ،‬وتنوعت الثروة البرية والبحرية‪ ،‬وتمايزت‬
‫الموارد الطبيعية التي تمتلكها الدول عن بعضها البعض‪.‬‬
‫‪ ‬وكلما كانت مساحة الدولة أكبر تنوعت مواردها الطبيعية أكثر‪ .‬وتعد الواليات المتحدة واالتحاد السوفييتي سابقا ً‬
‫من الدول التي تكاد رقعتها السياسية تحتوي على معظم الموارد الطبيعية التي تحتاجها الدولة‪ .‬لكن بسبب التقدم‬
‫الصناعي فالعديد من المواد الخام الضرورية للصناعات المعاصرة ال تتوافر في أراضي الدول الصناعية‪،‬‬
‫فتعمد إلى استيرادها من الدول المتخلفة الغنية بها‪ ،‬وفي مقدمتها النفط‪ ،‬حيث تصدرها دولها لتستوردها أدوات‬
‫مصنعة من آالت وسيارات وعتاد عسكري بأسعار مرتفعة قياسا ً بأسعار المواد الخام المصدرة‪ ،‬ما يجعل‬
‫ميزانها التجاري دوما ً خاسراً‪.‬‬
‫‪ ‬كذلك فإن اعتماد دول ٍة ما على سلعة خام واحدة يجعلها خاضعة للسوق الخارجية التي تصدر إليها هذه السلعة‪.‬‬

‫‪7‬ـ المناخ‪:‬‬

‫‪ ‬يلعب المناخ المعتدل دوراً هاما ً في تنشيط فعالية اإلنسان‪ ،‬وبالتالي فإنه يساعد في زياد قوة الدول‪ .‬حيث ساعد‬
‫المناخ المعتدل لمنطقة حوض المتوسط على نشوء الحضارات الكبرى منذ أقدم العصور‪ ،‬بينما نرى أن المناطق‬
‫الباردة والحارة الرطبة والحارة الجافة تقيد فعالية اإلنسان وتشكل نقاط ضعف للدول‪.‬‬
‫‪ ‬ويلعب المناخ دوراً كبيراً في توزيع سكان الدولة‪ .‬ومن األمثلة الظاهرة على تأثيره التوزع غير المتساوي لسكان‬
‫البرازيل‪ ،‬حيث يقطن ‪ %90‬من السكان البالغ عددهم ‪ /210/‬مليون نسمة المناطق الشرقية والجنوبية حيث‬
‫تصل الكثافة إلى ‪ /20/‬نسمة في الكم‪ ،2‬بينما في المناطق الشمالية والغربية فتنخفض الكثافة إلى شخص واحد في‬
‫الكم‪ ،2‬وذلك بسبب انتشار الغابات اإلستوائية الكثيفة‪ ،‬حيث الرطوبة والحرارة المرتفعتين طوال أيام السنة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫أما أستراليا فيقع جزؤها الشمالي في منطقة المناخ االستوائي وشبه االستوائي حيث الرطوبة والحرارة المرتفعين‬ ‫‪‬‬
‫والكثافة السكانية القليلة‪ .‬أما جزؤها الجنوبي فحرارته جيدة لكن نقص األمطار يؤثر سلبا ً على الزراعة وبالتالي‬
‫على التوزع السكاني‪ .‬أما وسط أستراليا الذي تشغله صحراء حارة وجافة فيكاد يكون شبه معدوم من السكان‪،‬‬
‫حيث ال تزيد الكثافة على شخص واحد في كل خمسة كيلومترات مربعة‪ .‬وال يوجد في هذه المنطقة سوى بقايا‬
‫السكان األصليين الذين نجوا من إبادة اإلنسان األوروبي‪ .‬ويبقى الجزء الجنوبي الشرقي والشرقي المعتدالن‪،‬‬
‫فيقطنهما تسعة أعشار السكان البالغ عددهم ‪ /25/‬مليون نسمة‪.‬‬
‫وتمتاز المناطق القطبية الباردة بوفرة ثرواتها من الحيوانات البحرية كالحيتان والفقمة‪ ،‬وتعد عديمة األهمية‬ ‫‪‬‬
‫زراعياً‪ ،‬إال أن اكتشاف الثروات المعدنية فيها يعطيها أهمية استراتيجية‪ ،‬كالحديد الخام المكتشف شمال السويد‪،‬‬
‫إضافة إلى موقعها القطبي الذي يقصر المسافات بين القارات والدول إذا تم سلوكه‬ ‫ً‬ ‫والذهب والنفط في آالسكا‪،‬‬
‫بالطائرات‪ .‬فالطريق التقليدي بين أوسلو ونيويورك الذي يحتاج إلى زمن ‪ /53/‬ساعة بالطائرة يمكن اختصاره‬
‫إلى ‪ /24/‬ساعة إذا سلك الطريق القطبي‪ .‬وبسبب تقدم القوى الجوية وسالح الصواريخ أصبحت المنطقة القطبية‬
‫منطقة ارتكاز استراتيجية‪ ،‬فالمسافة بين موسكو ونيويورك تبلغ ‪ /7516/‬كم‪ ،‬وهي تكفي الستخدام صواريخ‬
‫متوسطة المدى‪.‬‬
‫فالمنطقة القطبية بسبب مناخها البارد ال تشكل أرضية جيدة لدولة قوية‪ ،‬ولم تقم فيها دول وحضارات ذات شأن‬ ‫‪‬‬
‫في السياسة الدولية‪ ،‬ولكن المسيطر عليها يملك ميزة استراتيجية هامة بسبب قربها من كل من روسيا ومن‬
‫أمريكا‪ .‬وإذا تغيرت الدول العظمى يوما ً واختلفت موازين القوى فقد تفقد تلك المنطقة أهميتها االستراتيجية‪.‬‬
‫ونفس الكالم يقال عن المناطق االستوائية حيث الحرارة والرطوبة العاليتين طوال العام دون فصل جفاف‪ ،‬مما‬ ‫‪‬‬
‫يجعلها غير صالحة للسكن‪ ،‬إضافة إلى الجو الخانق للتنفس والتربة الفقيرة بالمواد الغذائية بسبب غسلها المستمر‬
‫باألمطار الدائمة مما يمنع قيام الزراعات الالزمة‪ ،‬إال في المناطق الجبلية المرتفعة حيث الحرارة والرطوبة‬
‫المقبوالن‪ ،‬إال أنها تكون ذات مساحات صغيرة غير كافية لقيام دول قوية‪.‬‬
‫أما المناطق الحارة الرطبة لفترة معينة من السنة‪ ،‬والتي يتلوها فصل جاف‪ ،‬كما في الهند والفليبين وكوبا والهند‬ ‫‪‬‬
‫الصينية‪ ،‬فتعد من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية‪ ،‬لتوافر الظروف المناسبة لقيام زراعات جيدة‪.‬‬
‫فاألمطار الموسمية في الهند التي تزيد مساحتها على ‪ /3.23/‬مليون كم‪ 2‬ويبلغ تعدادها السكاني ‪ /1.32/‬مليار‬ ‫‪‬‬
‫نسمة ‪ ،‬تؤدي إلى قيام فصلين زراعيين‪ ،‬فصل الصيف ـ الخريف الذي يبدأ ببذر البذور في أيار وينتهي بالحصاد‬
‫في تشرين األول والثاني‪ ،‬وفصل الشتاء ـ الربيع الذي يبدأ بالبذر في تشرين الثاني وينتهي بالحصاد في أيار‪.‬‬
‫وللمناخ تأثير هام وقت الحروب وأثناء القتال‪ ،‬ففي المناطق ذات المناخ الفصلي من النادر أن تقدم دولتان على‬ ‫‪‬‬
‫خوض معركة بينهما في فصل تساقط األمطار‪ ،‬ألن اآلليات الحربية والمدرعات ستسير على أرض رخوة‪ ،‬فلن‬
‫تستطيع التحرك بالمرونة المطلوبة‪ ،‬حتى إن القوى الجوية والدفاع الجوي سيعرقل أعمالها الطقس الغائم‬
‫والماطر‪ .‬فأغلب الحروب العربية اإلسرائيلية كانت في فصل الصيف لهذا السبب‪ .‬وعليه فال يجب أن تتوغل‬
‫الدبابات التركية هذه األيام الماطرة في منطقة عفرين‪ .‬هذا إضافة إلى أن المحاصيل الزراعية تنضج في بداية‬
‫الصيف‪ ،‬ويجب أن يحصد معظمها قبل بدء المعارك لتؤمن اإلمداد الكافي بالغذاء للقوات المتحاربة‪.‬‬
‫ويجب أن تأخذ الجهات الحكومية الظروف المناخية في عين االعتبار أثناء الحروب لتقدم نوع الطعام واللباس‬ ‫‪‬‬
‫المناسب للمقاتلين كي يقاتلوا في ظروف مريحة فيقدموا أفضل ما لديهم‪ .‬فتختلف حاجات المقاتلين في المناطق‬
‫الصحراوية عنها في المناطق ذات المناخ الحار والماطر‪ ،‬وعنها في المناطق ذات المناخ البارد المثلج‪.‬‬
‫ووجودهم في مناطق المستنقعات واألنهار يرتب عليهم احتياجات غير وجودهم في المناطق الجبلية‪.‬‬
‫والدول الكبيرة تعد قواتها لخوض المعارك في أي مكان من العالم مهما تباينت الظروف المناخية‪ .‬فغذاء ولباس‬ ‫‪‬‬
‫الجنود األمريكيين في القواعد العسكرية في المنطقة القطبية يختلف عن غذاء ولباس أقرانهم في القاعدة‬
‫العسكرية دييغو غارسيا في المحيط الهندي‪ ،‬وغير غذاء ولباس البحارة في األسطول السابع الذي يهدد دول‬
‫جنوب شرق آسيا‪ .‬وغنية عن البيان الظروف المناخية السيئة ـ وغير المحسوبة جيداً ـ التي تعرض لها الجيشان‬

‫‪7‬‬
‫الفرنسي زمن نابليون واأللماني أيام هتلر أثناء توغلهما في األراضي الروسية‪ ،‬فكانت من أهم أسباب‬
‫اندحارهما‪.‬‬
‫‪ ‬فيجب على قادة الدولة التي تريد القيام بعمل عسكري خارج حدودها أخذ الظروف المناخية التي ستدور فيها‬
‫المعارك بعين االعتبار‪ .‬وتعد إيطاليا في غزوها للحبشة سنة ‪ /1935/‬م خير مثال على ذلك‪ ،‬حيث تجنبت فصل‬
‫الصيف الحار والماطر المترافق مع فيضان النيل‪ ،‬وعمدت إلى الهجوم أثناء الشتاء الجاف حيث األرض الصلبة‬
‫الصالحة لتحرك المدرعات أثناء العمليات الحربية خارج الطرق المعبدة‪.‬‬
‫‪ ‬فلكي يقاتل الجندي في ظروف صحية ونفسية مريحة وبفعالية عالية يجب على القادة تحديد زمن المعارك‬
‫وساحتها‪ ،‬وذلك ال يتم إال بأخذ المبادرة من العدو‪ ،‬واالستعداد المسبق وتجهيز الجندي بكل وسائل الراحة‪ ،‬فهال‬
‫أدرك قادة فصائل ثورتنا هذه القوانين؟!‬

‫‪8‬ـ العامل االقتصادي‪:‬‬

‫يشكل العامل االقتصادي ركيزة أساسية يجب أن تستند إليها الدولة في تشكيل قوتها الذاتية‪ ،‬ولبلوغ ذلك ال بد من‬ ‫‪‬‬
‫احتواء رقعتها على موارد طبيعية وافرة في الكم والنوع‪ ،‬وهذا ال يتحقق إال للدول ذات المساحات الكبيرة‪ ،‬التي‬
‫تحتوي على أنواع مختلفة من الترب والمناخات والتركيبات الجيولوجية‪ ،‬كما هو متوافر بنسب معينة لدى كل‬
‫من روسيا وأمريكا وأستراليا والصين‪.‬‬
‫ف إذا لم يكن مترافقا ً مع تقدم علمي وصناعي وتقني‬ ‫وإن توافر الموارد الطبيعية من المواد الخام األولية غير كا ٍ‬ ‫‪‬‬
‫في الدولة يسمح باستغالل ذاتي لتلك الموارد‪ ،‬وذلك ضمن سياسة صناعية مدروسة تقوم على مبدأ صناعة القوة‪،‬‬
‫بصناعة آالت النقل البري والبحري والجوي والمعدات الصناعية وصناعة المصانع اإلنتاجية في القطاعات‬
‫الغذائية والكيميائية والمخبرية واإللكترونية والبحث العلمي إضافة إلى الصناعات الحربية‪.‬‬
‫وفي ظل التقدم الصناعي الحالي فإن أغلب الدول الصناعية الكبرى تفتقد إلى الكميات المطلوبة من المعادن‬ ‫‪‬‬
‫الالزمة الستمرار سير العجلة الصناعية في هذه الدول‪ ،‬ولذلك تعمد إلى استيراد هذه المعادن من خارج حدودها‪.‬‬
‫فاعتماد الواليات المتحدة األمريكية على استيراد المعادن األساسية ـ كالحديد والنحاس والبالتين والقصدير‬ ‫‪‬‬
‫واليورانيوم ـ يزداد يوما ً بعد يوم‪ ،‬ولذلك فإن قضية المعادن األساسية تشغل بال السياسة األمريكية إلى درجة‬
‫كبيرة قد تقترب من المساحة التي تشغلها قضية النفط‪ .‬فال قيمة للنفط إن توقف تصنيع اآلالت والمحركات التي‬
‫ستستعمله‪ ،‬كما حذر المعهد الجيولوجي األمريكي يوماً‪ .‬وهذه األهمية هي التي كانت تفسر مثالً موقف الواليات‬
‫المتحدة المنحاز إلى النظام العنصري الذي كان قائما ً في جنوب إفريقيا‪ ،‬لكونها كانت تستورد منه اليورانيوم‬
‫والكروم والبالتين‪.‬‬
‫أما الحديث عن حاجة أوروبا وأمريكا إلى النفط نفسه وقصتهم مع البقرة الحلوب في الخليج العربي المعطاء جداً‬ ‫‪‬‬
‫فحديث سياسي ذو شجون‪ ،‬وال تتسع له هذه الدراسة البدائية والمختصرة‪.‬‬
‫هذا عن الدول الكبيرة‪ ،‬أما الدول الصغيرة المساحة وقليلة العدد السكاني فمهما امتلكت من الثروات المعدنية‬ ‫‪‬‬
‫األساسية والتقنية الصناعية المتطورة فلن يؤهلها ذلك ألن تكون دوالً عظمى أو حتى قوية قوة معتبرة‪ .‬وإذا‬
‫قويت هذه الدول يوما ً فتكون قوتها مستندة إلى عوامل خارجية وقوة دول عظمى غيرها‪ ،‬وستزول قوتها عند‬
‫أول امتحان‪ ،‬كقوة ما يسمونها اليوم بدولة "إسرائيل" المصطنعة‪.‬‬
‫وإذا لم تمتلك الدولة الكبيرة تلك المواد األساسية الالزمة لصناعاتها فهي مضطرة الستيرادها من خارج حدودها‬ ‫‪‬‬
‫عبر بحر العالقات الدولية الذي تنغمس فيه‪ ،‬وتتكون لها فيه شرايين تستمد منها الحياة‪ .‬وفي هذه الحالة فستخضع‬
‫لضغوط الدول المصدرة إضافة إلى ضغوط الدول المنافسة لها على استيراد هذه المواد‪.‬‬
‫عال من اإلنتاج الغذائي الذي يجب أن يسد حاجة السكان وبشكل وافر‬ ‫ٍ‬ ‫وال بد لقوة الدولة من تحقيق مستوى‬ ‫‪‬‬
‫وزائد عن الحاجة في أوقات السلم‪ ،‬باستغالل جميع األراضي الصالحة للزراعة أفضل استغالل‪ ،‬كي يكون لديها‬

‫‪8‬‬
‫وفر غذائي احتياطي أوقات األزمات والحروب‪ ،‬على اعتبار أنه في الحروب سيذهب قسم كبير من هذا اإلنتاج‬
‫إلى المقاتلين‪ ،‬إضافة إلى قلة عدد المزارعين الذين سيتركون أعمالهم لصالح تكليفهم بمهمات قتالية‪.‬‬
‫وإذا عجزت الدولة عن سد حاجة مواطنيها من الغذاء ذاتيا ً فعليها تأمين ذلك عبر عالقاتها التجارية مع الدول‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫على شرط أال يكون ذلك على حساب االنتقاص من سيادتها ومصادرة قرارها السياسي‪ .‬وفي حالة االرتهان إلى‬
‫الخارج من أجل الغذاء فيسهل خنق الدولة بحصارها اقتصاديا ً عبر القوة العسكرية المباشرة أو عبر المقاطعة‪.‬‬
‫ومثال ذلك إنجلترا التي تستورد نصف ما تحتاجه من غذاء من خارج حدودها‪ ،‬ففرض حصار بحري وجوي‬ ‫‪‬‬
‫عليها يؤدي إلى استسالمها‪ ،‬وهي تدرك ذلك جيداً فتعمل ألن يكون أسطولها الجوي والبحري قادرين على تأمين‬
‫الطرق المالحية المؤدية إليها‪ .‬وهذا بالضبط ما حاولت ألمانيا فعله معها في الحربين العالميتين‪ ،‬حيث ضربت‬
‫حولها حصاراً بحريا ً بسالح الغواصات‪ ،‬وقد نجحت بذلك في الحرب العالمية األولى‪ ،‬إذ أدت إلى شل حركة نقل‬
‫المواد الغذائية المتجهة إلى بريطانيا‪ ،‬وأوشكت أن تحدث مجاعة بالشعب اإلنجليزي داخل جزيرته‪.‬‬
‫هذا ويجب على الدولة تنمية ثروتها الحيوانية لسد حاجات سكانها من اللحوم واأللبان‪ ،‬ويجب عليها تطوير‬ ‫‪‬‬
‫استغالل ثروتها السمكية وتجهيز أسطول بحري لصيد األسماك وتصنيعها‪.‬‬
‫ويجب على الدولة كذلك امتالك أسطول نقل جوي وبحري لتصدير الفائض من سلعها واستيراد الالزم من المواد‬ ‫‪‬‬
‫وتأمين حركة المسافرين من الدولة وإليها‪ ،‬وذلك كله عبر أسطولها الجوي والبحري‪.‬‬
‫وأخيراً فال بد للدولة من شبكة كثيفة من المواصالت داخل حدودها السياسية عبر الطرق المعبدة والسكك‬ ‫‪‬‬
‫الحديدية‪ ،‬وذلك لزيادة تماسك أجزاء الدولة‪ ،‬وربطها ربطا ً محكما ً بالعاصمة‪ ،‬وتسهيل وتسريع حركة القوات‬
‫ً‬
‫إضافة إلى أنها تزيد من اتصال سكان الدولة‬ ‫العسكرية عبر أجزائها في حاالت األخطار الخارجية والداخلية‪.‬‬
‫ببعضهم البعض‪ ،‬فتنمي الروح المشتركة‪ ،‬وتحد من الشعور االنفصالي في المقاطعات البعيدة‪ ،‬وتجعل قيام‬
‫حركات انفصالية ضعيفة فرص النجاح‪ ،‬لتوافر عوامل القضاء عليها والحفاظ على وحدة الدولة‪.‬‬

‫‪9‬ـ العامل السكاني‪:‬‬

‫‪ ‬لشعب الدولة الدور الرئيس في قيامها وبناء قوتها من خالل قيامهم باألعمال واألنشطة الالزمة لذلك‪ .‬وتعد‬
‫الثروة البشرية عامل قوة للدولة إذا توافر فيها عامال الكم والنوع والتجانس القومي واللغوي والساللي والديني‪،‬‬
‫مما يمنحها القوة واالستقرار والتماسك الداخلي‪ ،‬وبذلك تكون دولة نموذجية‪ ،‬وال تكاد هذه الصفات تتحقق في‬
‫دولة واحدة‪.‬‬
‫‪ ‬فالسكان هم الثروة الحقيقية للدولة التي يمكن لها من خاللها تحقيق ما تصبو إليه من طموحات سياسية عالمية‪،‬‬
‫فمن خاللهم تستغل الموارد الطبيعية‪ ،‬وتهتم بالعلم والتقنية‪ ،‬وتحافظ على وجودها‪ ،‬وتوسع حدودها‪.‬‬

‫أ ـ التعداد العام للسكان‪:‬‬

‫‪ ‬إن وفرة التعداد السكاني للدولة بحد ذاتها تعد عامل قوة لها‪ ،‬بينما تشكل قلة ثروتها البشرية عامل ضعف لها ال‬
‫يمكن تجاوزه ولو توافرت لديها بقية عناصر القوة من مساحة كبيرة كأستراليا مثالً‪ ،‬أو مستوى عسكري‬
‫وصناعي متطور‪ ،‬كالبرتغال ذات الـ‪ /92000/‬كم‪ 2‬و‪ /11/‬مليون نسمة حالياً‪ ،‬والتي سيطرت خالل بداية الحقبة‬
‫االستعمارية على مساحات أكبر من مساحتها بعشرات المرات في إفريقيا وأمريكا الجنوبية‪ ،‬لكنها وبسبب نقص‬
‫ثروتها البشرية كانت أول الدول التي تخلت عن مستعمراتها لصالح بريطانيا ذات الـ‪ /243000/‬كم‪ 2‬و‪/65/‬‬
‫مليون نسمة‪ ،‬والتي احتفظت بمستعمراتها إلى منتصف القرن الماضي‪ ،‬وفقدت معظمها لصالح الواليات المتحدة‪.‬‬

‫ب ـ التركيب السكاني‪:‬‬

‫‪ ‬تختلف الدول عن بعضها في مستوى الزيادة الطبيعية للسكان‪ .‬ففي الدول الصناعية الغربية تقل كثيراً هذه‬
‫النسبة‪ ،‬مما يجعل المتقدمين في العمر يحتلون القاعدة العريضة من الهرم السكاني‪ .‬حيث يساعد على ذلك التقدم‬
‫‪9‬‬
‫االقتصادي والطبي‪ ،‬وتسببه أصالً عوامل ثقافية واجتماعية تحد من الزواج واإلنجاب‪ ،‬مما يجعل الشعب يصل‬
‫إلى مرحلة الشيخوخة لصغر القاعدة التي يحتلها الشباب في الهرم السكاني لقلة الوالدات‪ ،‬مما يدعو هذه الدول‬
‫كالسويد والد انمارك إلى إطالق البرامج التثقيفية االجتماعية التي تشجع على الزواج واإلنجاب‪ .‬وهذا على عكس‬
‫الدول المتخلفة صناعياً‪ ،‬حيث تفوق نسبة الوالدات نسبة الوفيات ويقل متوسط عمر الفرد‪ ،‬مما يقلل من عدد‬
‫المتقدمين في العمر نسبة إلى عدد الشباب والصغار‪.‬‬
‫ويترتب على هذا االختالف بين الدول اختالف في وجهات نظر شعوبها بين المحافظة على القديم المرتبط عادة‬ ‫‪‬‬
‫بكبار السن‪ ،‬وبين الثورة من أجل التغيير واستخدام العنف المرتبط بالشباب‪.‬‬
‫وعلى اعتبار أن الشباب هم أداة الدولة الفعالة في جميع أنشطتها االقتصادية والعسكرية فوفرة عدد الشباب تشكل‬ ‫‪‬‬
‫عامل قوة في الدولة‪.‬‬
‫وبمالحظة أن البلدان التي يكثر فيها الشباب ويقل الشيوخ تتصف بعدم االستقرار السياسي واالقتصادي وأنها‬ ‫‪‬‬
‫مستباحة سياسيا ً وعسكريا ً واقتصاديا ً من قبل الدول الصناعية‪ ،‬فأجواء الثورة على األوضاع القائمة مهيأة جداً‬
‫في هذه البلدان‪ .‬وعلى اعتبار أن هذه البلدان المتخلفة صناعيا ً تتميز بارتفاع نسبة الذكور على اإلناث‪ ،‬فهذا‬
‫يمنحها القدرة على تقديم ما يلزم من الضحايا البشرية على مذابح الثورة والتغيير دون أن يتأثر نموها بالخلخلة‬
‫الحاصلة في صفوف الرجال‪ .‬فالشعوب التي تفقد الكثير من شبابها في ثوراتها وحركات التحرر سرعان ما‬
‫تعوض النقص الحاصل عبر التزايد السكاني الطبيعي‪ .‬وخير مثال على ذلك الزيادة السكانية األعلى في العالم‬
‫التي حاز عليها الشعب الفلسطيني وبلغت نسبة ‪ ‰ 40‬بينما تبلغ في الدانمارك ‪.‰ 8‬‬
‫وزيادة النساء على الرجال في دول الشمال الصناعية يزيد أيضا ً من قيم االنطواء على الماضي والمحافظة على‬ ‫‪‬‬
‫القديم‪ ،‬حيث يالحظ أن النساء خالل عمليات االقتراع دائما ً تقف إلى جانب اليمين واألحزاب المحافظة‪.‬‬

‫ج ـ التوزع الجغرافي للسكان‪:‬‬

‫يرتبط التوزع الجغرافي للسكان بالعوامل التضريسية المناخية إضافة إلى العوامل االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫فاإلنسان يجنح دائما ً إلى العيش في ظل ظروف مناخية مريحة‪ ،‬ومساعدة له في نفس الوقت على تأمين‬
‫ضروراته الحياتية وتطوره المادي والفكري واستقراره االجتماعي والنفسي‪.‬‬
‫لذلك نجد المناطق الخصبة ذات الحرارة والرطوبة الكافيتين لقيام زراعة جيدة هي التي تكون آهلة بالسكان أكثر‬ ‫‪‬‬
‫من غيرها‪ ،‬وبشكل خاص مناطق الترب اللحقية في أودية األنهار حيث تكون الكثافة السكانية في أعلى قيمها‬
‫لتوافر الماء والتربة الجيدة والحرارة المعتدلة‪ ،‬كما هو قائم في مجرى وادي النيل األدنى‪.‬‬
‫وفي سوريا نجد أن الكثرة الساحقة من السكان متواجدة غرب خط األمطار الكافي للزراعة البعلية‪ ،‬وهو الخط‬ ‫‪‬‬
‫الممتد من شمال البالد إلى جنوبها متماشيا ً تقريبا ً مع الطريق المعبد الواصل بين حلب ودمشق مروراً بحماة‬
‫وحمص ووصوالً إلى درعا‪ ،‬حيث تكثر غرب هذا الخط المراكز السكنية الكبيرة‪ ،‬في حين أن شرقه ذو كثافة‬
‫سكانية قليلة‪ ،‬مع وجود النظام الرعوي لقلة المعدل السنوي لألمطار الذي ال يسمح بقيام الزراعات البعلية‪.‬‬
‫أما العامل االقتصادي االجتماعي فغالبا ً ما يلعب دوره في اإلغراءات التي يتعرض لها سكان األرياف من قبل‬ ‫‪‬‬
‫اإلمكانات التي تقدمها المدينة القائمة على أعمال الصناعة والتجارة وتوافر فرص العمل المأجور أكثر من‬
‫الريف‪ ،‬مما يؤدي إلى تفاقم الهجرة‪ ،‬حيث يشكل المهاجرون حول المدينة سوراً من األحياء الشعبية غير المنظمة‬
‫وغير المخدمة كذلك‪ ،‬إضافة إلى إفراغ األراضي الزراعية من اليد العاملة وتراجع اإلنتاج الزراعي مع تزايد‬
‫عدد المستهلكين‪ .‬وهذه ظاهرة عالمية نجدها عند معظم الدول‪ .‬ففي فرنسا يشكل سكان الريف نسبة ‪ %20‬من‬
‫مجموع السكان‪ ،‬وفي إيطاليا ‪ %30‬وفي الواليات المتحدة ‪.%25‬‬
‫وإذا ما نظرنا إلى التوزع السكاني حسب مساحة البلد نجد أن بعض الدول الكبيرة ككندا وأستراليا والصين‬ ‫‪‬‬
‫يتركز سكانها في منطقة واحدة أو اثنتين على حساب المساحة العامة شبه الخالية من السكان‪ .‬فالصين البالغ عدد‬
‫سكانها ‪ /1.4/‬مليار نسمة والتي تصل كثافتها السكانية إلى ‪ /88/‬شخصا ً في الكم‪ 2‬نجد أن ُخمس مساحتها تقريبا ً‬

‫‪10‬‬
‫غير مأهولة بالسكان في شمالها الغربي‪ ،‬حيث إقليم تركستان الشرقية المسلم ذو المساحة البالغة ‪ /1.8/‬مليون‬
‫كم‪ 2‬بينما ال يزيد عدد سكانه على ‪ /25/‬مليون نسمة فقط‪.‬‬
‫‪ ‬إن هذا التوزع السكاني غير المتناسب مع المساحة يشكل نقطة ضعف للدول‪ ،‬ويسبب لها العديد من المشاكل‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬حيث تضطر الدول إلى وضع خطط التنمية التي عادة ما تكون منصبة على المناطق‬
‫ذات الكثافة ا لسكانية الكبيرة على حساب بقية المناطق األخرى‪ ،‬وهذا ما يجعل من بعض مناطق الدولة متقدمة‬
‫اقتصاديا ً وخدميا ً وبالتالي مختلفة اجتماعيا ً عن بقية مناطق الدولة‪.‬‬
‫‪ ‬ومن المشكالت األخرى التي تخلقها معدالت التمدن (أي سكنى المدن) العالية هو الوضع االقتصادي‬
‫واالجتماعي السيئ للمهاجرين إلى المدينة‪ ،‬مما يجعل من تجمعاتهم الفقيرة والمحرومة بيئة حاضنة ومستقبلة‬
‫ألفكار التغيير السياسي والثورات‪ ،‬في حين تكون المناطق األكثر راحة اقتصادية أكثر محافظة على واقعها‪.‬‬
‫‪ ‬ومنها كذلك ازدياد تلوث الهواء والماء بنفايات المراكز السكنية الكبيرة ومناطقها الصناعية‪ .‬فسكان الواليات‬
‫المتحدة البالغ عددهم ‪ /325/‬مليون نسمة والذين يشكلون واحداً إلى عشرين تقريبا ً من سكان العالم يشكل‬
‫نصيبهم من تلوث البيئة ثلث التلوث العالمي‪.‬‬

‫د ـ التركيب األنثروبولوجي للسكان‪:‬‬

‫‪ ‬يشكل التركيب األنثروبولوجي للسكان عامل قوة كبير للدولة إذا ما كان المواطنون متجانسين في أصولهم‬
‫البشرية واللغوية والدينية‪ ،‬مما يجعل منهم وحدة متماسكة بعيداً عن االضطرابات الداخلية‪ .‬بينما إن لم يكونوا‬
‫متجانسين فالدولة تكون معرضة لحركات التمرد واالنفصال والحروب األهلية‪.‬‬
‫‪ ‬وغالبا ً ما تظهر أعراض عدم التجانس هذا في الدول الضعيفة غير القادرة بهيبتها على ضبط هذه االختالفات‬
‫بين المواطنين وعدم السماح باستغاللها من قبل األعداء‪.‬‬

‫‪1‬ـ العامل الساللي‪:‬‬

‫‪ ‬تقسم البشرية حسب الدراسات الحديثة إلى ثالث مجموعات ساللية كبيرة‪ ،‬هي المجموعة األوروبية والمجموعة‬
‫المغولية والمجموعة اإلفريقية‪ .‬وتتصف كل مجموعة بصفات شكلية تنتقل بالوراثة تجعل من أفرادها يختلفون‬
‫شكليا ً عن غيرهم من أفراد المجموعتين الباقيتين‪.‬‬
‫‪ ‬فالمجموعة الساللية األوروبية ينتشر أفرادها من الهند إلى شمال غرب أوروبا بما في ذلك الشمال العربي‬
‫اإلفريقي‪ ،‬أما المجموعة الساللية اإلفريقية ال توجد إال في القارة السمراء جنوب منطقة الصحراء الكبرى‪ ،‬وأما‬
‫المجموعة الساللية المغولية فينتشر أفرادها في شرق وجنوب شرق وشمال شرق القارة اآلسيوية‪.‬‬
‫‪ ‬إن التجانس الساللي إذا ما تحقق عند رعايا الدولة فإن في ذلك قوة لها‪ ،‬والعكس صحيح‪ .‬ومن أمثلة ذلك عدم‬
‫التجانس الساللي في جنوب إفريقيا بين السكان السود األصليين وبين حكامهم البيض سابقا ً من المحتلين اإلنكليز‪،‬‬
‫والذي أدى إلى اضطرابات سياسية كبيرة ما أدى إلى تغيير نظام الحكم‪ .‬ومنه عدم التجانس القائم في الواليات‬
‫المتحدة بين الحكام البيض ذوي األصول األوروبية وبين السود والملونين من ذوي األصول اإلفريقية واآلسيوية‪.‬‬
‫ويتفاقم هذا الخطر بتصدر األوروبيين للمشهد السياسي واالقتصادي والثقافي والعسكري وممارسة سياسة التفرقة‬
‫العنصرية والتمييز ضد السود والملونين‪.‬‬

‫‪2‬ـ العامل القومي‪:‬‬

‫‪ ‬كلما كان سكان الدولة يتكونون من قومية واحدة كانت الدولة أكثر استقراراً وأبعد عن االضطرابات الداخلية‬
‫التي ستشغلها عن التمدد والتوسع‪ ،‬على عكس الدول ذات القوميات المتعددة‪ ،‬إال إذا كان أفراد هذه القوميات‬
‫متساوين في الحقوق والواجبات أمام لقانون‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫والخمس الباقي يتكون من‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬ومن أمثلة ذلك بريطانيا التي يشكل اإلنجليز فيها أربعة أخماس السكان‪،‬‬
‫اإلسكوتلنديين واإليرلنديين والويلزيين والغاليين‪ ،‬الذين حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ويختلفون بدياناتهم عن‬
‫اإلنجليز‪ .‬فأغلب اإليرلنديين هم من الكاثوليك‪ ،‬واإلسكوتلنديون من البروتستانت‪ ،‬وأما اإلنجليز فمن أتباع‬
‫الكنيسة اإلنجليكانية‪ .‬إضافة إلى أن اإليرلنديين هم جزء من جزيرة إيرلندة‪ ،‬حيث تعد إيرلندة الشمالية مستعمرة‬
‫بحق إلنكلترا‪ ،‬وتسعى إلى االستقالل عنها واالنضمام إلى إيرلندة الجنوبية‪ .‬هذا إضافة إلى القومية الغالية القريبة‬
‫من الفرنسيين في اللغة والتقاليد والعادات‪ .‬إال أن ما يبعد عن الدولة البريطانية االضطرابات الداخلية قوة الدولة‬
‫وموقعها الجزري الذي ال يساعد على تقديم المعونة لمن يريد االستقالل من قومياتها‪ ،‬فلو كانت بالد اإلنجليز‬
‫بأراض قارية لكانت روح االنفصال نامية عند اإلسكوتلنديين والغال والويلزيين أكثر مما هو عليه اآلن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫متصلة‬
‫أما بالنسبة لإليرلنديين فإن انفصاله م عن الجزيرة اإلنجليزية واتصالهم البري بوطنهم األم ينبه فيهم شعورهم‬
‫القومي ويدفعهم إلى المطالبة الدائمة بنيل االستقالل‪ .‬ومعلوم ما كان يشكله الجيش الجمهوري اإليرلندي من‬
‫خطر على استمرار انضمام إيرلندة الشمالية إلى المملكة المتحدة‪.‬‬
‫‪ ‬أما كندا التي يشكل فيها اإلنجليز ‪ %40‬والفرنسيون ‪ ،%30‬فنجد الفرنسيين دائمي المطالبة باالنفصال عن‬
‫الجانب اإلنجليزي مدعومين من قبل فرنسا‪ ،‬فهم يشكلون منطقة التجمعات السكنية األولى كيبك‪ ،‬وال زالوا‬
‫محافظين على عاداتهم تقاليدهم ولغتهم وكاثوليكيتهم في ظل تصدر اإلنجليز البروتستانت للحياة السياسية‬
‫واالقتصادية‪.‬‬

‫‪3‬ـ العامل الديني‪:‬‬


‫‪ ‬حيث يمنح الدين الواحد الدولة مزيداً من القوة والتماسك الداخلي‪ ،‬على عكس الدول متعددة األديان‪ ،‬وخصوصا ً‬
‫إذا ما رافق ذلك اختالف في اللغة والقومية وكانت الدولة ضعيفة بما يسمح بالتدخل الخارجي‪ .‬ومن أمثلتها ما‬
‫استطاعت الدول الغربية خلقه من فتن بين الطوائف في لبنان أواخر الدولة العثمانية‪ ،‬وكذلك الجزيرة القبرصية‬
‫الممزقة بين الطائفة اليونانية بلغتها القومية ودينها المسيحي والطائفة التركية بلغتها القومية ودينها اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ ‬وهناك الهند التي تتميز بتنوع ديني حيث يشكل الهندوس نسبة ‪ %80‬من مجموع السكان‪ ،‬ويشكل المسلمون‬
‫ً‬
‫إضافة إلى ما تعانيه من التفرقة القومية‬ ‫‪ ،%13‬إضافة إلى وجود المسيحيين والسيخ والبوذيين بنسب قليلة‪،‬‬
‫واللغوية الحادة لدرجة يصعب معها التخاطب بين السكان إذا ما انتقلوا من جهة إلى أخرى في ذلك البلد الكبير‪.‬‬
‫فعلى الرغم من أن نسبة ‪ %42‬من السكان يتكلمون اللغة الهندية‪ ،‬إال أن الدستور يعترف بـ‪ /15/‬لغة رئيسة‬
‫أخرى و‪ /720/‬لهجة و‪ /72/‬لغة ثانوية و‪ /24/‬لغة قبلية‪ .‬ولذلك فالهند تعد مهيأة للتشظي والتفتت إذا ما ضعفت‬
‫الحكومة المركزية ووجد من العوامل الخارجية ما يدفع إلى ذلك‪.‬‬

‫‪4‬ـ العامل اللغوي‪:‬‬

‫‪ ‬حيث تعد اللغة عامالً جامعا ً بين الناطقين بها‪ ،‬فتولد فيما بينهم شعوراً بالقربى والتعاطف‪ ،‬ومثالها البارز ما هو‬
‫قائم بين المسلمين‪ ،‬حيث تشكل الثقافة اإلسالمية بثوبها العربي جزءاً أصيالً من تاريخهم وشخصيتهم الحضارية‪،‬‬
‫وعامالً موحداً لهم جميعا ً إذا ما أرادوا يوما ً االنضواء تحت دولة واحدة ذات نظام إسالمي هي دولة الخالفة‪.‬‬

‫‪.................................................................................................................................‬‬

‫في الختام يجب التذكير بأن هذه كانت دراسة بدائية ومختصرة‪ ،‬لخصتها للشباب من أحد كتب الجغرافيا السياسية‪،‬‬
‫وأضفت عليها بعض اللمسات‪ ،‬ويجب أن تكون نواة لدراسات متخصصة ومعمقة في مواضيعها المختلفة‪ .‬فهل من‬
‫مشمر عن ساعد الجد واالجتهاد؟‬

‫عبد الحميد عبد الحميد‬


‫السحارة في ‪2018/1/28‬م‬
‫‪12‬‬

You might also like