مكتبة كتوباتي - الرحمة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 171

1

‫األلقاب‬
‫كتاب الرحمة ٌحمل ألقاب عدٌدة…‪ .‬استبدلنا العنوان أو الفصل بكلمة‬
‫لقب… وأٌن هو العٌب أو الذنب؟ القلب ال ٌعرؾ الصرؾ والنحو وال‬
‫الحرؾ واللؽو بل الحب والمحو…‬

‫معا ً سنمحً التعب العقلً وندخل إلى عفوٌة القلب حٌث ال منطق وال حق‬
‫بل براءة األطفال ورحمة الشٌوخ وأنت استفتً قلبك ولو أفتوك‪...‬‬

‫‪2‬‬
‫المرحمة‬
‫كلمة رحمة من أربعة حروؾ ولكنها هً عطر اللؽة والببلؼة وال ٌمكن‬
‫عٌشها إالّ بالفهم والوعً ال الحترام اآلخر‪ ،‬بل للتعرؾ على نفسً وكٌانً‬
‫وروحً وعندما ا ّتصل بلبّ القلب أستطٌع اال ّتصال بالعالم وبؤهله‪....‬‬

‫من هو هذا اإلنسان اآلخر الذي ال أعرفه؟‬


‫إ ّنه لٌس جسداً وال فكراً وال عقبلً بل روحا ً وجمٌع األرواح متصلة بالروح‬
‫اإللهٌة وهذه هً صلة األرحام مع رحمة الرحمن‪.‬‬

‫كلّنا إخوة بالرحمة‪ ...‬كلّنا عٌال هللا‪ ...‬الخلق عٌال الخالق‪...‬‬


‫لنفكر معا ً بهذه النعمة‪ ...‬كلمة رحمة‪ ...‬رجمة‪ ...‬رخمة‪ ،‬أي صوت رخٌم‪.‬‬
‫من باب الرحمة ٌمكنك أن تحذؾ حرؾ من أي كلمة لترخٌمها أي‬
‫لرحمتها كالصوت الرخٌم أو كالسوّ ط الرجٌم!!!!!!‬

‫الكلمة تعبّر عن االختبار الذي سبق التعبٌر‪ .‬والرحمة تسبق الؽضب وتسع‬
‫كل شًء‪ ....‬رحمتك ٌا هللا وسعت كل شًء فإذاً الرحمة هً قمة الحب‬
‫والمحبة ومن هذا الحق ٌقول لنا الخالق وما أرسلناك إالّ رحمة للعالمٌن‪...‬‬
‫و ارحموا َمن فً األرض ٌرحمكم من فً السماء أي الرحمة لجمٌع‬
‫مخلوقات الرحمن‪ ....‬واإلنسان ٌملك نعمة رحمة هللا أل ّننا كلّنا من روح هللا‬
‫وكلّنا إخوة فً هللا‪....‬‬

‫لنتذ ّكر معا ً بعض النعم اإللهٌة الرحٌمة‪....‬‬


‫ال تظلم أحداً تحشر ٌوم القٌامة فً النور‪ ....‬اآلن هو ٌوم القٌامة عندما‬
‫نرحم ونقوم بعمل رحٌم‪....‬‬

‫ارحم نفسك ٌا إنسان وارحم عباد هللا وكل من ٌسبّح هلل وجمٌع مخلوقات‬
‫هللا أي الرحمة للحجر وللطٌر وللبشر وكل ما نرى وما ال نرى وال‬
‫نعلم‪ ....‬وأٌن هً هذه الرحمة؟ هل أعرفها؟ هل أنا أرحم نفسً وذاتً‬
‫وروحً؟‬
‫هل أرحم جهلً وكفري؟‪ ....‬هل أرحم أمً األرض وعمّتً النخلة؟ هل‬
‫أرحم الهواء والببلد؟‬

‫‪3‬‬
‫وسعت كل شًء ألنّ كل شًء نعمة من هللا وهل أرحم الشًء؟ هل‬ ‫َ‬ ‫رحمته‬
‫أحترم أي شًء؟‬
‫هل الرحمة سهلة ولٌّنة ورقٌقة وشفافة؟‬

‫لنتذكر معا ً رحمة المسٌح مع اللصوص‪....‬‬


‫ب طاوالت أهل المال‬ ‫دخل إلى الهٌكل ومعه سوط ساطع بالؽضب وقلَ َ‬
‫وقال لهم‪" :‬هذا بٌت هللا وأنتم جعلتموه مؽارة للسرقة ولبلستؽبلل"‪....‬‬
‫وكان وحده ٌه ّدد وٌضرب وٌقتحم التجّ ار كالعاصفة الهوجاء وهربوا جمٌعا ً‬
‫وبقً وحده فً المعبد ٌن ّدد وٌنذر أهل المال واألنذال‪ ....‬لم ٌواجهه أي من‬
‫رجال الدٌن أو التجار بل هربوا جمٌعا ً صارخٌن ومعلنٌن بؤنّ هذا المسٌح‬
‫هو المجنون الذي ٌ ّدعً المحبة والرحمة‪ٌ ....‬تكلم عن السبلم وٌحمل‬
‫السبلح وٌه ّدد وٌقتل وحك َم علٌه القضاة وهٌبة المحكمة والمحلّفٌن بالصلب‬
‫وبالعذاب ولكن ما هو سبب ومعنى هذا التصرّ ؾ؟؟؟؟؟؟‬

‫المسٌح بريء من الؽضب ومن أي عنؾ‪ ...‬إ ّنه ٌعمّر وال ٌدمّر‪ ...‬السٌؾ‬
‫فً ٌد المسٌح أو ٌد اإلمام علًّ ال ٌجرح ألنّ ٌده ؼٌر مجروحة وال تجرح‬
‫بل ٌجترح العجابب من لبّ القلب حٌث الرحمة اإللهٌة لخبلص اإلنسان‬
‫من الرجمة إلى الرحمة‪ ....‬ال ٌقتل من باب الؽضب بل من باب الحبّ‬
‫وهذا هو سٌؾ الفاروق الذي ٌفصلنً من الباطل وٌصلنً بالحق‪ ....‬إنّ‬
‫الٌد الؽٌر مجروحة تستطٌع أن تحمل الس ّم وتتح ّكم بالسبلح وبالؽضب أل ّنه‬
‫نابع من فٌض الرحمة الرحمانٌة حٌث الحذر والوعً والٌقٌن فً ح ّد سٌفه‬
‫وذاته‪....‬‬
‫ما فعله المسٌح فً الهٌكل فعله اإلمام علً مع ؼٌره‪ ...‬ألنّ سٌؾ الفاروق‬
‫هو سٌؾ الرحمة‪ ،‬أي سٌؾ الفصل من الجهل إلى العقل ومن العقل إلى‬
‫القلب ومن القلب إلى لبّ األلباب ومنها إلى صلة الرحمن‪ ....‬فإذاً سٌؾ هللا‬
‫هو سٌؾ العدل والرحمة ولٌس سٌؾ أو سوط القتل أو الرجمة‪ ....‬عندما‬
‫ك السٌؾ على رقبة َعمر بن و ّد العامري ماذا فعل هذا‬‫ه ّم اإلمام علً بش ّ‬
‫األخٌر؟ بصق فً وجه اإلمام‪ ....‬عندبذ سحب السٌؾ من ٌده وقال‪ :‬سوؾ‬
‫لن أفصلك خوفا ً أن أقتلك لؽضبً ال لربً‪ ...‬وتعجب َعمر من هذه‬
‫الرحمة‪...‬‬

‫‪4‬‬
‫هذه هً رحمة أهل الرحمة‪ ...‬وأهل الرحمة هم األنبٌاء واألولٌاء والخلفاء‬
‫والحكماء والعلماء وكل َمن أسلم نفسه وذاته وروحه للرحمة الرحٌمة‪...‬‬
‫لتكن مشٌبتك ٌا هللا‪...‬‬
‫الطفل ال ٌؽضب من ؼضب أمه ولكن هل األم تعلم علم الرحمة؟‬
‫معا ً سنقرأ هذا الكتاب وسنتعرّ ؾ على سرّ األلباب حٌث الرحمة مع‬
‫الرحمن‪....‬‬
‫الرحمة ال تحمل قلبا ً ٌنزؾ التجانس واالنسجام والتعاطؾ مع اآلخرٌن‪...‬‬
‫الرحمة هً عمق المحبة التً بوسعها أن تضحّ ً بكل ما عندها لتنمًّ‬
‫الوعً فً كل وضع أو حالة أو مكان ٌختبرها اإلنسان‪ ....‬هذا هو‬
‫االمتحان فً كل محنة نمرّ بها على مر الحٌاة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫االستهالل‬
‫اعذرونً! حبٌّت أتفلسؾ وأختار كلمة جدٌدة تحتل المقدمة ونستهلها‬
‫بالموجز‪...‬‬
‫ما هو موجز الرحمة؟‬
‫انظر إلى قطرة الماء ترى البحر قد تحجّ ب فٌها وانظر إلى الشمس التً‬
‫اختفت فً ذرّ ة وانظر إلى قلبك ترى عرش الرحمة وأنت أٌّها اإلنسان سٌّد‬
‫على نفسك‪ ،‬ارحمها ترحمك وتسمو من النفس اللوّ امة إلى النفس المرْ ضٌّة‬
‫وتدخل إلى رحمة الرحمن‪.‬‬
‫ولننتبه إلى الفرق الشاسع الواسع بٌن الشؽؾ واالنفعال والعاطفة والشفقة‬
‫والحب‪ ،‬والرحمة‪ ....‬الحب ؼٌر المحبة والعدل ؼٌر الرحمة‪ ...‬معا ً‬
‫سنتعرّ ؾ على هذه الطبقات من الشعور واإلحساس حتى نصل إلى الوعً‬
‫واإلدراك عندب ٍذ نرى الحق بنور هللا ونشهد بعٌن الٌقٌن للرحمة الساكنة فً‬
‫لبّ اإلنسان‪....‬‬
‫إنّ الحب هو شؽؾ وانفعال جسدي‪ ...‬هو مجرّ د حرارة جسدٌة تنبع من‬
‫لبّ العقل الباطنً وتستعبد اإلنسان وتحوّ له إلى مجرّ د عبد ممسوس من‬
‫حواسه البشرٌة‪ ...‬والرحمة هً المحبة التً تجاوزت األحاسٌس الحٌّة فً‬
‫الجسد واتصلت بالساجد الذي تحرر من العبودٌة وأصبح سٌّداً على نفسه‬
‫وٌعمل بوعً عقبلنً دون التوكل على الجهل والمنطق‪ ,‬بل الحرّ الذي‬
‫حوّ ل الشؽؾ واالنفعال والحب إلى المحبة والرحمة وحرٌة الشهادة‪....‬‬
‫هذه هً مرتبة السمو الروحً حٌث ال شهوة وال نزوة وال شبق وال شوق‬
‫بل عٌش اللحظة فً رحمة ورأفة‪....‬‬
‫العاطفة شهوة أما الرحمة فهً محبة‪ ،‬الشؽؾ رؼبة أما المحبة مشاركة‪،‬‬
‫الشهوة طمع والرحمة عطاء‪ ،‬الحب ٌستخدم اآلخر وسٌلة بٌنما الرحمة‬
‫تحترم اآلخر أل ّنه مرآة المإمن‪ ...‬العاطفة تقٌ ّدك مع التراب والطٌن‬
‫وتحجب عنك النموّ والسمو بٌنما الرحمة تساهم فً نمو البذرة إلى وردة‬
‫وإلى نشر العطر فً الفضاء والفناء‪ ...‬الرحمة هً التً تحوّ ل الوحل إلى‬
‫عطر‪ ...‬والعتمة إلى نور‪...‬‬
‫مجزأ ومبعثر‪ ...‬جزء من الطاقة منهمك بالؽضب وجزء آخر‬ ‫ّ‬ ‫عاد ًة اإلنسان‬
‫مستؽرق بالطمع وجزء مقٌّد بالشهوات وإلى ما هنالك من رؼبات ونزوات‬
‫إلى أن نصل إلى أسفل طبقة من التعب والفراغ ونحٌا كالجٌفة المجوّ فة من‬
‫الحٌاة‪...‬‬

‫‪6‬‬
‫لنتذكر حكمة الحكماء عن الطاقة فً قولهم بؤنّ الطاقة بهجة ومتعة ولكن‬
‫ماذا فعلنا بها؟ هذا هو التبذٌر واإلسراؾ حتى أصبحنا أموات‪ ,‬ال حٌاة لمن‬
‫تنادي ألنّ الطاقة تجري فً المجاري ولكن إذا استخدمنا هذه الطاقة كما‬
‫ٌجب ستحٌا فٌنا السعادة الباطنٌة األبدٌة‪ ...‬هذه هً طاقة الرحمة الساكنة‬
‫فً القلب‪ ،‬والسٌّد على قلبه لو شرب الس ّم ألصبح هذا الس ّم ترٌاقاً‪ ،‬ولو‬
‫أمسك بالتراب ألصبح ذهبا ً‪ ...‬وعندما نحٌا هذا الفٌض من المحبة والرحمة‬
‫نعٌش فً الجنة حٌث الحٌاة التً ال تموت وفً هذا الجوّ من السموّ ٌسمو‬
‫اإلنسان إلى مرتبة األلوهٌة وٌختبر الرحمة السرمدٌّة أال وهً المحبة‬
‫الهادٌة والعادلة واآلمنة‪ ...‬هذه هً ج ّنة الخلود الصامدة فً لبّ قلب‬
‫المإمن حٌث الرحمة التً ال تنضب وما هذه البركة إالّ مشاركة األلوهٌة‬
‫مع األلوهٌة‪....‬‬
‫االنفعال لعنة نابعة من الجهل والرحمة نعمة نابعة من التع ّقل والتوكل‪....‬‬
‫إنّ العاقل لو أمسك بالتراب ألصبح ذهباً‪ ،‬والجاهل لو أمسك بالذهب‬
‫ألصبح ترابا ّ‪........‬‬
‫ولك الخٌار أٌها اإلنسان وال تحتار فالخٌار األفضل هو الفضٌلة فً حٌاتك‬
‫ألنّ الرحمة عٌون ال ترى إالّ الرحمن فً أي مكان حتى فً األضداد‪،‬‬
‫راقب الطبٌعة كؤنها كتاب هللا المنظور‪ ،‬انظر إلى عٌون النحلة وعٌون‬
‫الذبابة‪ ،‬األولى ترى العسل والثانٌة ترى الزبل‪ ....‬والذي ٌرى هللا فً كل‬
‫شًء تتحوّ ل حواسّه البشرٌة إلى أسرار إلهٌة وٌحٌا الرحمة األزلٌة‪........‬‬

‫‪7‬‬
‫الرحمة الرقٌة الرغبة‬
‫إنّ وجودنا فً األرض سرّ الهً وحكمة ال ٌعرفها إالّ الحكماء‪....‬‬
‫الحكٌم ٌدرك سرّ وجوده لذلك نرى بؤنّ بودا وهو أحد أكبر حكماء الشرق‬
‫الذي بقً فً الدنٌا مدة أربعٌن سنة بعد أن أدرك االستنارة والٌقٌن وحقق‬
‫رؼباته وتجاوز شهواته وبقً صامداً فً األرض لخدمة المرٌدٌن‬
‫والسالكٌن‪ ,‬وقد ُس ِب َل مراراً‪" :‬لماذا ال تزال فً جسدك؟ لماذا ال تعود إلى‬
‫السماء؟ لقد أ ّدٌت الواجب اإللهً كما ٌجب وحققت جمٌع رؼباتك‬
‫وشهواتك ولماذا ال زلت تتمسّك بالجسد؟ هل ال زلت تبحث عن رؼبة أو‬
‫شهوة جسدٌة ال نعرفها؟"‬
‫علٌنا أن نفهم الرؼبة فً بُعدها وعمقها‪ ...‬عندما تختفً الشهوة تبقى الطاقة‬
‫حٌّة فً الجسد‪ .‬الطاقة هً التً كانت تحرك الرؼبات من حالة إلى حالة‬
‫وال تموت وال تترك الجسد‪ ...‬بل ترافق صاحبها وسٌّدها إلى حٌث ما‬
‫ٌشاء‪ ...‬فً بداٌة الرحلة تحوّ ل الؽضب إلى جنس والجنس إلى طمع‬
‫وعندما ترى أو تعاشر أي إنسان ٌرؼب الطمع والجشع تراه ضعٌؾ‬
‫جنسٌا ً وٌعٌش العزوبٌة ألنّ طاقته تتبلءم مع تطوره فً الرؼبة‪ .‬واإلنسان‬
‫الذي ٌشتهً وٌرؼب الجنس ال ٌهتم بالطمع أل ّنه استؽل طاقته للنشاط‬
‫الجنسً وإذا كبت نشاطه الجنسً ٌتمسك بالؽضب واالستٌاء وٌتطاٌر الشرّ‬
‫من عٌونه ووجهه وحركاته الجسدٌة‪....‬‬
‫هذا ما نراه فً رهبان الشرق حٌث الكبت الجنسً فرٌضة مقدسة‪....‬‬
‫تصرّ فهم ٌعبّر عن ؼضبهم‪ ،‬وصمتهم مجرد سكٌنة سطحٌة‪ ...‬مجرد لمسة‬
‫بسٌطة وٌنفجر بركان الؽضب والتوتر‪...‬‬

‫ماذا ٌحصل عندما تختفً الرغبات؟‬

‫الطاقة ال تختفً ألنها ؼٌر قابلة للهدم أو للتلؾ بل تتآلؾ مع سٌ ّدها وعلماء‬
‫ك بؤنّ الحكٌم المستنٌر ال تتركه هذه النعمة بل‬
‫الطاقة ٌإكدون وبدون أي ش ّ‬
‫تبقى معه طالما ال ٌزال ح ٌّا ً فً جسده وٌستخدمها للرحمة بٌن البشر‬
‫وسابر المخلوقات‪.......‬‬

‫‪8‬‬
‫لقد تجاوز جمٌع رؼباته الجسدٌة والفكرٌة ولكنّ روحه توّ اقة إلى نشر‬
‫الرحمة فً األرض وطاقة الرحمة ال تحمل أي شكل أو أي لون ألنها ؼٌر‬
‫محدودة بل مطلقة الحرٌة‪...‬‬
‫إنّ طاقة الرحمة ؼٌر طاقة الرؼبة‪ ...‬الرحمة نشاطها وسع كل شًء ولكن‬
‫الرؼبة نشاطها محصور بالجسد ال ؼٌر‪ ...‬ال تستطٌع أن تصنع أو تنمً‬
‫الرحمة أل ّنها نتٌجة وجودك دون أي شهوة أو رؼبة جسدٌة أو دنٌوٌة…‬
‫أي كما قال اإلمام علً ٌا دنٌا ؼرّ ي ؼٌري طلّقتك بالثبلثة‪ ...‬أي من‬
‫جسدي وفكري ونفسً‪ ،‬لذلك كان سٌفه سٌؾ الرحمة والفاروق‪ ،‬أي كان‬
‫ٌفرّ ق بٌن الؽضب والحب وبٌن الحب والمحبة‪ ...‬الرؼبة لها سبب أساسً‬
‫وهدؾ فكري بٌنما الرحمة ال دافع وال سبب وال أي هدؾ‪ ,‬إ ّنها فٌض إلهً‬
‫من محبة الرحمن إلى كل إنسان وما نراه وما ال نراه‪.‬‬
‫إنّ الرحمة ظاهرة جدٌدة فً حٌاة اإلنسان‪ .‬قدٌما ً كانت فً قلوب الحكماء‬
‫والنسّ ّّ اك والعارفٌن باهلل… كان التؤمل مباح ومتاح ولكنّ الرحمة‬
‫محصورة ومحظورة إلى أن أعلنها الحكٌم بودا‪ ,‬ومن بعده انتشرت إلى أن‬
‫أتى الرسول وأ ّكد الرسالة بؤ ّنها الرحمة الرحٌمة لجمٌع أهل هللا وش ّدد على‬
‫التؤمل والرحمة معا ً وفرض علم األبدان وعلم األدٌان‪ ..‬وهذا هو مٌزان‬
‫الرحمة األبعد من العدل ومن العقل‪ ,‬ومن هذه الشعلة النورانٌة تؽٌّر‬
‫مجرى التارٌخ إلى منهج جدٌد أال وهو التوحٌد بٌن الجسد والفكر والروح‬
‫وهذه هً نعمة الرحمة التً تجمعنا بالرحمن ومن هذه النعمة ٌعٌش‬
‫اإلنسان رحمة الزمان والمكان‪....‬‬

‫هل هناك منهج جدٌد للتأمل؟‬

‫التؤمل حالة طبٌعٌة فً الطبٌعة وفً جمٌع المخلوقات ولكن الرحمة ولدت‬
‫ووُ جدت قبل التؤمل‪ ...‬تصوّ ر أ ّنك إنسان ؼنً مادٌا ً وفكرٌا ً واجتماعٌا ً‬
‫وتوصلت لبلستنارة بفضل التؤمل ولكن بدون رحمة ستبقى أقل محبة‬
‫ورأفة وإدراكا ً‪ ...‬فإذاً التؤمل ٌتصل بالوعً وباالستنارة ولكن إن لم تكن‬
‫الرحمة هً األساس فً المشاركة والعطاء ونشر الوعً واإلدراك فما نفع‬
‫النور الذي تحمله إن لم تستطع أن تذهب به إلى أهل الكهؾ؟‬
‫الرحمة هً علم األبدان واألدٌان وهً المعرفة التً وسعت كل شًء‪....‬‬

‫‪9‬‬
‫هً السعً إلى المساحة البلمحدودة واألزلٌة األبدٌة المطلقة لجمٌع‬
‫مخلوقات هللا‪ ....‬الرحمة هً الصلة باألصول أي باأللوهٌة الساكنة فً كل‬
‫ساكن أي كلنا عابلة واحدة متحدة بالرحمة الرحٌمة‪...‬‬
‫إنّ العلم الخفً الساكن فً التؤمل هو الذي ٌرشدنا إلى النور وعندما ٌستنٌر‬
‫القلب نذهب برحمة اللبّ إلى كل قلب ٌبحث عن الرحمة التً هً األساس‬
‫فً بناء الفناء والببلء‪....‬‬
‫على كل مستنٌر أن ٌساعد فً نشر الرحمة لٌع ّم الجمال والجبلل فً‬
‫العالم‪ ,‬وهذه النعمة تنتشر بسرعة األمراض المعدٌة ألنّ عدوى الرحمة‬
‫هً الرحمة‪ ....‬ولكن اإلنسان المستنٌر الذي لم ٌعرؾ الرحمة سٌبقى‬
‫حامبلً مصباحه ٌبحث عن مصالحه المادٌة والشخصٌة دون مشاركة‬
‫اآلخرٌن بما وهبه هللا وهذه هً األنانٌة والؽرور‪ ،‬ولكن أصحاب الرحمة‬
‫ؼٌّروا النظرة من البصر إلى البصٌرة وشاركوا بنعمة هللا لٌع ّم السبلم فً‬
‫العالم األكبر‪ ,‬وهذا هو الضوء األكبر والتكبٌر والتهلٌل الذي هو أبعد من‬
‫حدود الجسد والساجد‪ ،‬وهذه المشاركة ال تتم إالّ بالرحمة التً وُ جدت‬
‫ووُ لدت بلبّ القلب قبل أن نتعرؾ إلى التؤمل‪ ...‬إ ّنها مسإولٌة كل سابل‬
‫وكل متؤمل‪....‬‬
‫علٌنا أن نتعلم الرحمة قبل التؤمل وإالّ سنقع فً شرك األنانٌة واالستكبار‬
‫عندبذ سنحٌا الموت األبدي ألننا بعد نشوة التؤمل ٌقؾ لنا الؽرور‬
‫بالمرصاد وٌضع الح ّد والس ّد ونعتقد بؤننا وصلنا إلى جنة النعٌم ونحٌا‬
‫الهلوسة الفكرٌة ونستكبر ونستعبد‪ ،‬وهذا ما نراه الٌوم حول العالم من أهل‬
‫السلطة والتحكم حٌث ال رحمة بل رجمة الجهبلء على البسطاء‬
‫والمسإولٌة تقع على كل إنسان‪ ...‬أنا المسإولة عن األمانة فً جسدي وفً‬
‫نفسً واستفتً قلبك ولو أفتوك‪...‬‬
‫كن سٌّداً على نفسك وال تصدق كل ما ٌقال وال نصؾ ما تبصر‪ ،‬وإذا‬
‫جاءك أحد بنبؤ فتبٌّن قبل أن تتهور ألنّ النور بدون رحمة هو انهٌار فً‬
‫هاوٌة النار‪ ,‬وما نفع العالِم المستنٌر إنْ لم ٌكن سٌّداً على األمانة؟‬
‫هإالء العلماء هم شرّ العلم والعلماء منهم تخرج الفتنة وإلٌهم تعود‪...‬‬
‫الرحمة سبقت العلو واالستنارة والبصر والبصٌرة وما على السٌّد إالّ‬
‫الببلغ وهذه هً الرسالة فً قلب الرسول‪...‬‬

‫من هو الس ٌّد؟‬

‫‪10‬‬
‫لٌست االستنارة هً التً ُتحدد صفة السٌّد‪ ،‬بل الرحمة هً التً تمنح صفة‬
‫السٌادة اإللهٌة إلى المستنٌر الذي ٌخجل من نفسه ومن هللا إنْ لم ٌذهب إلى‬
‫أهل الظلمة والرجمة لٌشاركهم ولٌشكرهم على وجودهم معه فً هذه‬
‫الرحلة الرحٌمة‪ ...‬وكل َمن ابتبله هللا بعدوّ ٌقاومه باإلحسان إلٌه وٌدفع‬
‫بالتً هً أحسن وتنقلب العداوة إلى حب‪ ,‬ولوال الرحمة لما قال اإلمام علً‬
‫فزت ورب الكعبة)‪ ...‬لقد رحم من قتله كما رحم المسٌح من صلبه وكما‬ ‫( ُ‬
‫رحم النبً من رجمه‪ ...‬فإذاً الرحمة هً أساس العدل اإللهً فً لبّ‬
‫اإلنسان‪ ,‬وصاحب الرحمة هو المصباح الذي ٌنٌر وٌستنٌر فً رحلة السفر‬
‫حٌث ٌذوب المظهر وٌنكشؾ المخبر وٌتمسك بالمصدر حٌث الرحمة‬
‫وأخبلقها واإلنسان بدون أخبلق لٌس إنسانا ً على اإلطبلق‪...‬‬
‫إنّ الرحمة الهابلة هً الهالة النورانٌة التً ُتعرّ ؾ عن سٌّدها‪ ...‬عندما‬
‫ذهب سٌّدنا عمر إلى القدس وكان ٌجرّ الناقة والخادم على الناقة‪ ،‬سبقت‬
‫هالته جسده وعمله وق ّدموا له المفتاح‪ ،‬أي فتح قلوبهم حٌث الرحمة هً‬
‫العطر الذي ٌنشر السبلم وهً الرضى والتسلٌم أي نهاٌة العلم والتعلٌم…‬
‫وما الرحمة إال النور اإللهً الساكن فً لبّ القلوب حٌث التخاطب‬
‫والتجاوب لمعرفة الحق ونشره وهذا هو دور اإلنسان… وكما األشجار‬
‫المثمرة تنشر عطرها‪ ،‬كذلك اإلنسان الرحٌم ٌنشر الرحمة دون أي هدؾ‬
‫أو ؼاٌة بل مشاركة الشكر بالشكر ألنّ النعمة ال تدوم إال بالشكر للحًّ‬
‫القٌوم الساكن فً رحمته األبدٌة‪...‬‬
‫ٌا لها من ؼبطة ونشوة عندما ترى انتشار الرحمة حول العالم‪ ...‬عندبذ‬
‫تقول الشجرة للؽابة شكراً ٌا أهل األلفة لم أعد وحدي منعزلة وؼرٌبة وها‬
‫نحن معا ً فً الشجر والحجر والبشر كلنا نسبّح هللا ونشكره على كرمه‪,‬‬
‫أل ّنه هو السرّ الذي ال ٌح ّده ح ّد وال س ّد وال صفة بل أبعد من أي كلمة أو‬
‫صوت أو صدى‪ ...‬إنّ األلوهٌة الساكنة فٌنا وما علٌنا إالّ أن نشارك بهذه‬
‫النعمة لتنمو وتزهر ونتذكر بؤننا كلنا أخوة فً هللا واأللوهٌة هً السرّ‬
‫األعظم واألرحم الساكن فً قلوبنا حٌث ال وسٌط وال شرٌعة وال أي‬
‫كتاب… بل التؤمل هو المفتاح لباب القلب حٌث الرحمة هً السرّ الذي ال‬
‫ٌشرحه العقل بل ٌحٌاه القلب المحبّ وٌنطق به اللسان كما ٌشاء وتحرّ ك‬
‫الجسم كٌفما أردت واسؤل قلبك واستمع إلى روحك وكن صادقا ً مع‬
‫نفسك‪...‬‬
‫الصدق مع النفس هو التخلص من عقدة الماضً والمستقبل‪ ...‬كن ناٌا ّ‬
‫ُتعزؾ علٌه أعذب األنؽام…‪ .‬إنّ اإلنسان الذي لم ٌتخلص من الماضً‬
‫والمستقبل ال ٌكون قادراً على تلقً األسرار اإللهٌة أل ّنها اآلن وهنا وهذا‬

‫‪11‬‬
‫زمان هللا ومكانه‪ ..‬الماضً تارٌخ والمستقبل ؼرٌب وهذه اللحظة هً كل‬
‫ما نملك من موت أو حٌاة ولنا الخٌار فٌما نختار‪ ....‬لنختار الثورة‬
‫المطلوبة لزرع الثروة الموهوبة من هللا إلى شعبه المختار‪ ....‬الشعب الذي‬
‫اختار النور ال النار‪ ....‬اختار الرحمة بدل الرجمة‪ ،‬هذا هو المستنٌر الثابر‬
‫والمتمرد الذي ٌنشر العلم بالمشاركة الواسعة ؼٌر المحدودة‪....‬‬
‫وما هذا الكرم إالّ من األكرم الساكن فً قلوبنا حٌث الفٌض اإللهً الذي ال‬
‫ٌنضب بل ٌحٌا مع الرحمة الحٌّة مع الحًّ األبدي‪ ...‬إنّ اإلنسان بدون‬
‫رحمة حتى لو كان مستنٌراً لن ٌعرؾ من اإلنسانٌة إالّ قشورها‬
‫وقبورها‪ ....‬لقد زار الحكٌم بودا أحد طبلّبه وكان علمانٌا ً ال ٌإمن بؤي دٌن‬
‫ولكنه ٌحب العلم وقال الحكٌم‪" :‬أحب أن أكون رحٌما ً إلى جمٌع مخلوقات‬
‫هللا وأق ّدم جمٌع ما أملك من محبة ومال ووقت‪ ,‬ولكن عندي اعتراض‬
‫بسٌط على جاري الذي ال أحبه ألنه شرٌر وقذر وسؤحرمه من كرمً‬
‫ورحمتً"‪....‬‬
‫الجار ولو جار هو من أهل الدار وأكثر العداوة تؤتً من حسن الجوار‬
‫انس العالم وساعد جارك الذي جاورك"‪ ...‬وارتعش‬ ‫لذلك قال له بودا‪َ " :‬‬
‫التلمٌذ وارتبك قاببلً‪" :‬ماذا تقصد أٌّها المعلم؟ إ ّنه عدوّ ي!!"‪...‬‬
‫استطعت أن تعطً عدوّ ك عندب ٍذ تتحرر‬ ‫َ‬ ‫فؤجابه الحكٌم الرحٌم قاببلً‪" :‬إذا‬
‫من التصرؾ العدابً تجاه نفسك والعالم‪"....‬‬
‫هذا هو المفهوم األساسً للرحمة أي أن نقبل ضعؾ اإلنسان كما هو دون‬
‫أي توقع أو ترقب أو أي أمل أو رجاء‪ ....‬اإلنسان خلٌفة هللا ولٌس هللا‪...‬‬
‫أي كلنا نتعلم من ألم الخطٌبة ومن اعترؾ بخطبه فاز برحمته‪...‬‬
‫"كونوا كاهلل وتخلّقوا بؤخبلق هللا وخلقُه القرآن"‪ ...‬نعم هذه هً حقٌقة‬
‫األنبٌاء واألولٌاء والحكماء والعارفٌن باهلل‪ ,‬وهذا هو الجهاد األكبر وهو‬
‫أكبر الجهاد وهذا ال ٌعنً أننً معصومة عن الؽلط بل معصومة عن‬
‫الصح وقابلة أو معرّ ضة للخطؤ وللضبلل فً كل خطوة وج َّل من ال‬
‫ٌخطا‪ ،‬ومِن االستكبار أتعلم االستؽفار وأتقرّ ب من نعمة الؽفران والؽفور‬
‫وأؼفر لنفسً ولعدوّ ي ولجهلً وهذه هً رحلة الرحمة من طبٌعة‬
‫اإلنسان‪...‬‬
‫علًَّ إذاً أن أقبل اآلخر كما هو وأحترمه احترامً لنفسً دون أي شرط أو‬
‫فرض وإالّ سؤكون السبب فً دمار الوقار فً البشر‪...‬‬
‫من أهم األسس الجوهرٌة فً الرحمة هً تكرٌم كل إنسان ولٌس هناك أي‬
‫حالة مستحٌلة أو أي إنسان ؼٌر أهل لبلستنارة ألنّ هذه النعمة هً من‬
‫طبٌعة كل البشر‪...‬‬

‫‪12‬‬
‫كلنا نور من نور وهذه الحقٌقة ال تنبع إالّ من اإلنسان المستنٌر وإالّ لن‬
‫نحٌا صدق هذا الحق‪ ....‬لنتذكر معا ً عندما ضرب ابن ملجم اإلمام علً‪،‬‬
‫دخل علٌه الحسن وهو ٌبكً فقال له‪ :‬ما ٌبكٌك ٌا بنًّ ؟‬
‫قال‪ :‬ومالً ال أبكً وأنت فً أول ٌوم من اآلخرة وآخر ٌوم من الدنٌا؟‬
‫َ‬
‫عملت معهنّ ‪...‬‬ ‫فقال‪ٌ :‬ا بنً! إحفظ أربعا ً وأربعا ً ال ٌضرك مهما‬
‫قال‪:‬و ما هنّ ٌا أبتِ؟‬
‫قال‪:‬إنّ أؼنى الؽنى العقل‪ ،‬وأكبر الفقر الحمق‪ ،‬وأوحش الوحشة العجب‪،‬‬
‫وأكر ُم الحسب الكرم وحسن الخلق‪...‬‬
‫قال الحسن‪ٌ :‬ا أبتِ‪ ،‬هذه أربع فؤعطنً األربع األُخر‪...‬‬
‫قال‪:‬إٌاك ومصادقة األحمق فإ ّنه ٌرٌد أن ٌنفعك فٌضرك‪ ،‬وإٌاك ومصادقة‬
‫الكذاب فإنه ٌقرّ ب إلٌك البعٌد وٌبعد علٌك القرٌب‪ ،‬وإٌاك ومصادقة البخٌل‬
‫فإ ّنه ٌَب ُع ُد عنك أحوج ما تكون إلٌه‪ ،‬وإٌاك ومصادقة الفاجر فإ ّنه ٌبٌعك‬
‫بالتافه‪ ...‬هذه هً رحمة المٌّت الحًّ ‪ ...‬إ ّنه على فراش الموت ورح َم من‬
‫قتله ورح َم من أساء له ورحمته باقٌة مع رحمة أرحم الراحمٌن‪...‬‬
‫إنّ كلمات المستنٌر تخلق الثقة فً نفوسنا ولكن الكلمات التً تنبع من‬
‫الجاهل الؽافل ال تتعدى اللسان واآلذان‪ ،‬هذا ما نسمعه فً المدارس‬
‫والجامعات وأهل السلطة والدٌن وكل من ٌ ّدعً المعرفة واإلرشاد للتحكم‬
‫واالستبداد‪ ...‬إنّ الكلمة التً مصدرها القلب تقع فً القلب وتحٌا فً‬
‫عروقنا وتنبض فً أنفسنا أل ّنها لٌست مجرّ د كلمات عقبلنٌة صادرة من‬
‫ك مما ٌقول‪...‬‬ ‫إنسان هو نفسه ال ٌعلم معنى كلماته وهو فً حالة رٌب وش ّ‬
‫إ ّنه كالببؽاء ٌكرر العبارات وما أكثر العبر وأقل االعتبار‪ ...‬علٌنا أن نعتبر‬
‫ونحترم أنفسنا كما نحن اآلن‪.‬‬
‫إنّ الحكٌم بودا هو أحد عبلمات االرتقاء والتطور فً الضمٌر‪ ..‬مساهمته‬
‫فً رفع مستوى الوعً ال ح ّد لها وخاصة فً ترقٌة الرحمة التً هً‬
‫الجوهرة األساسٌة فً حٌوٌة اإلنسان‪ ,‬وعلٌنا أن ننتبه ونتذكر بؤال نستكبر‬
‫وإالّ دمرنا الرحمة التً شاركنا بها‪ ,‬أل ّنها لم تعد رحمة بل رجمة وؼرور‬
‫وق ّدمنا الذ ّل واإلهانة بكلمات معسولة بالمرارة والحبلوة‪...‬‬
‫علٌنا أن نفهم الرحمة أل ّنها هً المحبة التً تنبع من اإلدراك والرشد‪.‬‬
‫المحبة العادٌة هً مجرّ د شعور صبٌانً تافه وسخٌؾ ولعبة حسنة‬
‫للمراهقٌن‪ ...‬علٌنا أن ننمو ونسمو من هذا المستوى األعمى إلى حقٌقة‬
‫المحبة الروحٌة‪...‬‬
‫المحبة المعروفة اجتماعٌا ً وعابلٌا ً هً عملٌة جذب وإؼراء وتح ّدي‬
‫ومنافسة حتى الموت‪ ،‬أي الموت للتخلّص من هذه الورطة العمٌاء‪...‬‬

‫‪13‬‬
‫المحبة بدون رحمة قوّ ة جاهلة فاشلة وأنجح الع ّشاق هم أولبك الذٌن لم‬
‫ٌلتقوا حتى باألحبلم‪ ،‬بل عاشوا األوهام أمثال مجنون لٌلى ورومٌو‬
‫وجولٌٌت‪ ،‬والشكر ٌعود إلى األهل والمجتمع الذٌن عرقلوا مسٌرة الزواج‬
‫ألنّ الحب ٌموت فً السرٌر‪ ...‬هذا هو األسر والعُسر حتى القبر‪...‬‬
‫ت تحبٌّنه؟" فؤجابت‪ :‬كبل!‬ ‫سؤلتها صدٌقتها قابلة‪" :‬هل ال زل ِ‬
‫ولماذا؟‪" ....‬ألننً تزوّ جته!!!"‬
‫ٌلتق بها وبقً ٌعشق جنونه األعمى‪،‬‬ ‫مجنون لٌلى كان محظوظا ً ألنه لم ِ‬
‫ولكن إذا التقى األعمى باألعمى ستكون النتٌجة نشاز بدل التناؼم ومعركة‬
‫من السٌطرة والذ ّل والنزاع والصراع‪...‬‬
‫عندما ٌتحوّ ل الحب إلى وعً وٌقظة تتطوّ ر الطاقة إلى تنقٌة ور ّقة وتصبح‬
‫الرحمة الرحٌمة‪....‬‬
‫إنّ الحب موّ جه دابما ً إلى إنسان واحد والرؼبة األساسٌة هً تملُك هذا‬
‫اإلنسان‪ ،‬وهذه الرؼبة هً من الطرفٌن‪.‬‬
‫ومن هنا تبدأ الرحلة الجهنمٌة عوضا ً عن الحٌاة الزوجٌة‪.‬‬
‫إنّ الرحمة لٌست موجّ هة إلى أي إنسان أو أي عنوان‪ ...‬إ ّنها لٌست عبلقة‬
‫أو صلة قرابة أو حب نسب وحسب‪...‬‬
‫إ ّنها كٌانك أنت أٌّها القارئ والحًّ بالحق‪ ...‬رحمتك وسعت كل الشجر‬
‫والحجر والطٌر والبشر دون شرط أو قٌد أو أي توقع أو أي مبادلة‪...‬‬
‫إنّ علم الكابنات الحٌّة ال ٌعترؾ بالرحمة وهذا هو العلم األعمى‪ ...‬العلم‬
‫ٌعمً والجهالة تعمً وكبلهما ببلء‪ ،‬لذلك علٌنا أن نعٌد النظر فً وجودنا‬
‫وأن نتعرّ ؾ على هذه الطاقة الحٌّة فً كٌاننا وال نكبتها‪ ،‬وأن نرفض كل‬
‫التعالٌم الدٌنٌة المشروطة بالذنب وبالعقاب خوفا ً من الحب‪...‬‬
‫الحب نعمة من هللا وُ لدت فً قلوبنا لتنمو وتسمو إلى طبقات من المحبة‬
‫ومن الرحمة البلمتناهٌة‪ ,‬ولكن باالستنكار والعقوبة واإلدانة ال تتحوّ ل‬
‫البذرة إلى شجرة‪ ،‬وهذا ما فعلته العقابد المع ّقدة وال تزال تتحكم باإلنسان‬
‫أٌنما كان فً السماء أو فً األرض أو تحت األرض‪...‬‬
‫هذا الحكم الظالم نراه فً صدر أهل السلطة حٌث ال رحمة على وجوههم‪،‬‬
‫فت على أحد‬ ‫بل هٌاكل عظمٌة ناشفة حٌث ال حٌاة وال حٌاء‪ ...‬لقد تعرّ ُ‬
‫وتؤكدت بؤن جهنم موجودة‪ٌ ...‬عٌش فً الؽابة كما خلقه‬ ‫ُ‬ ‫الق ّدٌسٌن فً الهند‬
‫هللا عاري الجسد‪ ,‬ولكنه تعرّ ى من الرحمة ومن العاطفة ومن الحكمة‬
‫وٌُقبل الناس من كل حدب وصوب لٌقبّلوا أرجله‪ ،‬والهرٌبة أفضل المراجل‬
‫مع هكذا رجل‪...‬‬
‫أحد كبار فبلسفة هذا العصر ‪ Russell‬روسِ ل‪ ،‬أك ّد وش ّدد وأعلن قاببلً‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫"إذا كان هنالك جنة ونار‪ ،‬فسؤذهب إلى النار ألنً ال أستطٌع العٌش برفقة‬
‫الق ّدٌسٌن وال أتصوّ ر بؤنّ أي مخلوق ٌتحمّل الحٌاة مع األموات حٌث ال‬
‫حب وال رحمة وال صداقة وال أعٌاد وال فرح وال أي فرصة للحٌاة"‪...‬‬
‫تج ّنب وتحاشى مثل هذه الج ّنة‪...‬‬
‫الق ّدٌس ٌعٌش قداسته سبعة أٌام فً األسبوع وال ٌُسمح له أن ٌتصرؾ‬
‫كإنسان ولو لٌوم واحد أو لنهار واحد‪ ،‬بل علٌه أن ٌبقى جامداً وٌابسا ً‬
‫ومتصلّبا ً على صلٌبه وعذابه طمعا ً بالجنة وخوفا ً من جهنم وال ٌدري أٌن‬
‫هو اآلن‪ ،‬بل ٌتبع األؼبٌاء وٌتنافس معهم بالؽباء والببلء‪....‬‬
‫حق قدره وأشعر باالمتنان لهكذا إنسان وأرافقه‬ ‫إننً أق ّدر هذا الفٌلسوؾ ّ‬
‫إلى جهنم حٌث األصدقاء األوفٌاء للحٌاة ومنهم الشعراء والرسامٌن‬
‫والمتمردٌن والعلماء والمبدعٌن والراقصٌن والممثلٌن والموسٌقٌٌن من‬
‫جمٌع األطراؾ واألجناس واأللوان‪ ،‬وهذه هً جهنم للشعب الرٌّان حٌث‬
‫ال شرٌعة وال عقابد وال مذاهب وال ذنب وال عٌب وال خطٌبة وال نار أو‬
‫برد‪ ,‬ألنّ وجود العلماء وبنوع خاص األلمان والٌابان وأهل الصٌن‪،‬‬ ‫َ‬
‫زرعوا أفضل االكتشافات واالختراعات ومنعوا دخول األموات إلى جهنم‬
‫لتبقى مسرحا ً ألهل الفن والحٌاة‪...‬‬
‫إنّ السبب فً هذا االنقبلب هو كبت الحب‪ ،‬والحكمة تقول‪ :‬علٌنا بتنقٌة‬
‫وترقٌة هذه النعمة بواسطة التؤمل وبذلك تتحوّ ل من الشؽؾ إلى الشرؾ‪,‬‬
‫واإلنسان الشرٌؾ والعفٌؾ هو الذي ٌستخدم هذه الطاقة بلطؾ ولٌن إلى‬
‫أن تعود إلى أصولها وتتصل مع جذورها وتنشر عطورها‪.‬‬
‫وهذه هً الرحمة النابعة من قلب المإمن بؤرحم الراحمٌن‪....‬‬
‫وعندما نتعرّ ؾ ونعترؾ بؤنّ الرحمة هً جوهرة اإلنسان نلتزم بمفتاح‬
‫الذروة النورانٌة ونحٌا االستنارة‬ ‫الف ّتاح أي بالتؤمل إلى أن نصل إلى أوج ُ‬
‫ونتقرّ ب إلى باب القرب حٌث الرحمة اإللهٌة بانتظار أهلها‪ ،‬وأهل البٌت‬
‫هم أهل السٌادة على أنفسهم وعلى العالم أجمع‪ ,‬و َمن كان سٌّداً على نفسه‬
‫كان خادما ً لكل نفس‪ ...‬هذا هو الخلٌفة الذي ال ٌخلؾ المٌعاد وٌبقى وف ٌّا ً‬
‫للعهد األبدي حٌث ال بداٌة وال نهاٌة بل المدد اإللهً األزلً‪....‬‬
‫من الٌسر أن تستنٌر ولكن العسر السٌادة على االستنارة وعلى نفسك‪....‬‬
‫أن تكون سٌّداً هذه ظاهرة مر ّكبة أل ّنها تحتاج إلى التؤمل مع الرحمة‪...‬‬
‫التؤمل وحده سهل ج ّداً وكذلك الرحمة ولكن االثنٌن معا ً بتزامن موحّ د‪ ،‬هذا‬
‫حدث مع ّقد وحالة صعبة أي كالقابض على الجمر‪...‬‬

‫‪15‬‬
‫إنّ اإلنسان الذي ٌستنٌر وٌكتفً بذاته وال ٌشارك ؼٌره فً هذا االختبار‬
‫هذا إنسان ال ٌشعر بالرحمة وال ٌساهم فً نمو الوعً الكونً على‬
‫األرض‬
‫و ال ٌرفع من مستوى اإلنسانٌة‪...‬‬
‫ُرقّّ ي الضمٌر الكونً‪...‬‬ ‫وحده السٌّد الذي ٌستطٌع أن ٌنهض وٌقوّ ي وٌ ّ‬
‫مهما ٌكن وعٌنا قلٌل فإنّ التكرٌم والتقدٌر ٌعود إلى السٌدات والسادة الذٌن‬
‫نجحوا فً تحقٌق وتثبٌت الرحمة حتى بعد االستنارة‪ ....‬لذلك ُسمٌّت بسٌّدة‬
‫نساء العالمٌن‪ ,‬أي سٌّدة على نفسها وعلى كل نفس‪ ،‬وسٌّدنا إبراهٌم وسٌّدنا‬
‫عٌسى وإلى كل َمن ساهم فً رفع مستوى الرحمة فً العالم‪....‬‬
‫من الصعب ج ّداً أن نفهم هذا المستوى من الرقًّ فً الرحمة‪ ,‬ألنّ‬
‫وأخاذة لدرجة أ ّنها تمٌل بصاحبها ألن ٌنسى‬ ‫االستنارة ممتعة ج ّداً ومشوّ قة ّ‬
‫العالم كله وال ٌُف ّكر إالّ بنفسه ورؼباته‪ ،‬وال ٌهتم بالمبلٌٌن التً تتلمّس‬
‫الطرٌق لتبحث عن االستنارة وعن نفس االختبار الذي توصّل إلٌه هذا‬
‫المتؤمل‪...‬‬
‫ولكن عندما تكون الرحمة أساس الرحلة فمن المستحٌل أن ال ٌشارك‬
‫المستنٌر اختباره مع جمٌع خلق هللا‪ ،‬وهذه هً الفرصة الوحٌدة للمشاركة‬
‫وللعطاء بنعمة هللا وهذا هو الفرح السماوي‪ .‬ومن خبلل الرحمة تختبر‬
‫نعمة كرم الكرٌم‪ ،‬وكلّما شاركت واشتركت مع هللا‪ ،‬حٌث العطاء األزلً‬
‫من المدد إلى األبد‪ ...‬إذا استطعت أن تشارك بنورك سٌزٌدك هللا نوراً‬
‫وحٌا ًة ملإها الحٌوٌة والبهجة واالحتفال الدابم بؤبعاده وأسراره‬
‫البلمتناهٌة‪ ...‬وهذا هو خٌارك أٌّها اإلنسان‪ :‬إمّا المشاركة بنعمة هللا‪ ،‬أو‬
‫حصرها لخدمة نفسك وتحقٌق رؼباتك الشخصٌة التً ال تتع ّدى البعد‬
‫الفكري والمادي والجسدي‪ .‬وهذا ما نراه فً أكثر الحاالت البشرٌة وبنوع‬
‫خاص أصحاب األوقاؾ الدٌنٌة والسٌاسٌة و االجتماعٌة واإلنسانٌة‪...‬‬
‫لنتذكر معا ً حٌاة الخلفاء وأهل البٌت وبٌت المال وأٌن نحن الٌوم من هذا‬
‫ّ‬
‫نستحق أي خلٌفة فً هذه المحنة؟‬ ‫المقام؟ لماذا ال‬
‫نعم‪ ...‬كما تكونوا ٌولّى علٌكم‪ ...‬علٌنا بتؽٌٌر أنفسنا وأنا المسإولة عن‬
‫جسدي وحٌاتً‪ ...‬إنّ التؤمل هو مفتاح النور‪ ،‬وعندما أرى أشهد‪ ،‬وعندما‬
‫أشهد أعٌش رحمة الشهادة‪ ...‬وما الرحمة إالّ عطر هللا لجمٌع مخلوقاته‪...‬‬
‫و ما اإلنسان إالّ بذرة من ج ّنة هللا‪ ،‬علٌه أن ٌزرعها لتنمو و ُتنبت و ُتزهر‬
‫عطر‪ ...‬على كل بذرة أن تموت لتنمو وتحٌا ألوهٌتها األبدٌة لتق ّدم الكثٌر‬ ‫و ُت ّ‬
‫من الورود إلى العالم‪ ،‬وما هذه الهداٌا إالّ صدقات وزكاة ألننا كلنا أوالد‬
‫األرض وعلٌنا جزٌة وجزاء‪...‬‬

‫‪16‬‬
‫تذكرت قوالً للحكٌم زرادشت حٌث ٌقول‪" :‬ال تؽدر وال تخدع وال تخون‬ ‫ُ‬
‫ذرّ ة من تراب األرض حتى لو كانت فً أعلى قمّة المجد المادي"‪ ...‬أمكم‬
‫األرض والشعب عابلتها وحتى األعداء هم ببلء من هللا لٌمتحن أهل هللا‪...‬‬
‫أ ِحبّوا أعداءكم وباركوا العِ نٌكم حتى لو صلبوكم ورجموكم وسمّموكم‪ ،‬ال‬
‫تنسوا بؤ ّنكم أخوة فً الرحمة‪ ...‬واؼفر لهم أل ّنهم ال ٌعلمون‪ ،‬وإذا لم ٌؽفر‬
‫اإلنسان ولم ٌسامح فمن الذي سٌؽفر؟ وؼفرانكم ألهل الجهل سٌعود إلٌكم‬
‫بالبركة اإللهٌة وٌُضفً على حٌاتكم رونقا ً أبد ٌّا ً‪........‬‬
‫هذه هً رحمة األنبٌاء والحكماء واألولٌاء أل ّنها هبة من الخالق إلى‬
‫صاحب الحق‪ .‬علٌنا أن نراقب أنفسنا ونحاسب ضمٌرنا فً مشهد نتنافس‬
‫به مع الباطل‪ ...‬هذا االمتحان ٌرافقنا فً كل زمان ومكان ومن سٌربح‬
‫المعركة؟ الخٌر أم الشرّ ؟‬
‫أي مجهود ٌكون ض ّد الرحمة نشعر به فوراً وترتعش الرحمة وتتردد ألننا‬
‫سممنا النواٌا بؤفكار تافهة سخٌفة ضعٌفة‪ ،‬وهذه األفكار ال تعطٌنا إالّ األلم‬
‫والتعاسة والصراع واإلسراؾ المطلق من الحق الذي أكرمنا به هللا‪ ,‬وبذلك‬
‫نخسر الكثٌر من الحٌاة ال ّنفٌسة والكرٌمة والؽالٌة‪ .....‬إنّ اإلنسان الرحٌم‬
‫هو جلٌس هللا‪ ...‬وما هذا الجلٌس إالّ سراج منٌر ٌقتبس النور من هللا‬
‫وتسجد له المبلبكة ألنّ هللا اج َتباه ومنحه الرحمة اإللهٌة‪ ،‬ولٌس الرحٌم َمن‬
‫عرؾ الخٌر مِن الشرّ ‪ ،‬بل َمن عرؾ ورحم خٌر الشرّ ٌن‪ ,‬وذرّ ة من‬
‫الرحمة كقطرة الماء التً ال تعرؾ لها بداٌة أو نهاٌة‪....‬‬
‫تذكرت قصة جمٌلة عشتها مع أبطالها فً الؽرب‪ ...‬لقد صارحت الزوجة‬
‫زوجها بؤ ّنها تحبّ صدٌقه وإذا به ٌؽمرها وٌقول لها‪ ...‬أحبك وأحب لك أن‬
‫ت صدٌقتً‪ ،‬وترك لها البٌت وسكن فً‬ ‫تحبً ما تحبً وسٌبقى صدٌقً وأن ِ‬
‫الحًّ المجاور وبقً األب والصدٌق‪ ,‬وهً أٌضا ً كانت صادقة مع نفسها‬
‫وت ّم الطبلق وكان شاهداً فً عرسها وشكرهما على هذه الهدٌة له أال وهً‬
‫الرحمة لنفسه وللعالم‪....‬‬
‫هذه هً الرحمة لزوجته ولصدٌقه وألوالده ولنفسه وإلى كل من ٌرٌد أن‬
‫ٌتعلّم علم الرحمة دون أي استعبلم أو تحقٌق عن هذه العبلقة بل الرضى‬
‫والتسلٌم‪ ...‬إنّ الرحمة هً أسمى درجات الفهم واإلدراك والتمٌٌز‪...‬‬
‫إنّ اإلنسان الرحوم ال ٌتؤثر ال باألمور البسٌطة وال بؤي قرار مصٌري‪...‬‬
‫ا ّنه ٌعٌش اللحظة فً رأفة ولٌن وبذلك ٌقوّ ي طاقة الرحمة وتتبلور لتسمو‬
‫وترتفع مع نعمة التؤمل إلى النور اإللهً حٌث التوحٌد مع هللا والعٌش‬
‫بؤسلوب جدٌد ووالدة جدٌدة‪ ,‬أي من الروح القدس أو الروح اإللهٌة‪ ،‬وفً‬
‫لحظة فرح ونشوة عندما ٌمؤل النور المق ّدس جسدك المق ّدس ستؽمرك‬

‫‪17‬‬
‫الرحمة وستكون هً الصدٌقة الصادقة لؤلبد‪ ...‬وستحٌا حٌاتك بؤسلوب‬
‫جدٌد أل ّنك ستعطر العالم بعطر الرحمة وما هذا الفٌض إالّ من أرحم‬
‫الراحمٌن الساكن فً قلب المإمنٌن…‬

‫نتوصل إلى هذه المرتبة من الرحمة؟‬


‫ّ‬ ‫كٌف‬
‫إ ّنك موصول بها وما علٌك إالّ أن تعرؾ وتعترؾ بؤ ّنك من الرحمة‬
‫وبالرحمة وللرحمة‪ ....‬اسؤل الموجة عن المحٌط‪ ،‬عن نفسها وعن جذورها‬
‫وعن دورها‪ ...‬إنّ قطرة الماء تعرؾ بؤ ّنها ال تعرؾ بداٌتها وال نهاٌتها‬
‫ولكنها هً جزء من هذا السرّ األكبر وكذلك أنت أٌهّا اإلنسان نفخة من‬
‫روح هللا‪ ...‬ولكن األنبٌاء ٌإكدون دابما ً وأبداً بؤنّ االستنارة نعمة مهمة‪,‬‬
‫سخر قوته وجهاده واستخدم‬ ‫ولكن بدون رحمة هً نقمة على صاحبها أل ّنه ّ‬
‫التؤمل حتى وصل إلى النور ولكن ماذا فعل بهذا المصباح؟ كلنا نور من‬
‫نور وهذه هً طبٌعة جمٌع المخلوقات‪ ....‬هللا نور السماوات واألرض‬
‫وتوصلت إلى االستنارة واستخدمتها لؽاٌة فً نفسك لنفسك دون أي‬
‫مشاركة‪ ....‬وهذا هو الشرك باهلل‪.‬‬
‫على المتؤمل أن ٌكون من أصحاب الرحمة أوالً وعندما ٌتؤمل من قلبه‬
‫المفعم بالرحمة ٌستنٌر بؤمر من هللا وٌصبح سراجا ً إلهٌا ً فً األرض‬
‫ٌستخدمه هللا لخدمة العالم وهذه هً الرحمة اإللهٌة‪ ...‬أكرم هللا األنبٌاء‬
‫حٌث قال للحبٌب‪ٌ" :‬ا أٌّها النبً إ ّنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذٌراً وداعٌا ً‬
‫إلى هللا بإذنه وسراجا ً منٌراً"‪ .‬وما هذا النور إالّ الرحمة اإللهٌة التً ٌحملها‬
‫فً قلبه وكٌانه وٌذهب بها إلى أهلها دون أيّ تر ّدد‪ ،‬بل ٌجاهد بكل ضعفه‬
‫وقوته لٌبقى خادما ً أمٌنا ً ٌلبًّ رؼبات الناس لٌهدٌهم إلى الحق‪ ....‬وهذا ما‬
‫زرعه األنبٌاء حتى آخر ن َفس فً حٌاتهم‪ٌ ،‬شاركون العالم بالرحمة وملك‬
‫الموت ٌنتظرهم وقبطان السفٌنة ٌنادٌهم وهللا فً الجنة لٌستقبلهم وهم معنا‬
‫علّنا نهتدي إلى أنفسنا وإلى السرّ الحًّ فً قلوبنا‪ ،‬لنتعرؾ على النعمة‬
‫السماوٌة التً هً أساس وجودنا وثروة حٌاتنا‪...‬‬
‫هذه هً الرحمة التً انتشرت فً األرض بعدما استنار حاملها وشارك بها‬
‫كل سراج مستع ّد لبلستنارة ولنشر النور من مِشكاته المق ّدسة التً تشعّ‬
‫بالرحمة النورانٌة الكونٌة حٌث ال شرقٌة وال ؼربٌة لجمٌع مخلوقات هللا‬
‫‪ ...‬هذه هً رحمة المسٌح وكل مسٌح وكل نبً وكل رحٌم وكل سٌّد‬
‫وسٌّدة كرّ سوا أنفسهم لنشر الفرح والوعً والحكمة والنور والمحبة إلى‬
‫أهلها‪...‬‬

‫‪18‬‬
‫إنّ أهل هللا أحٌاء عند هللا ومعه لؤلبد حٌث ال موت وال عذاب بل عٌش‬
‫اللحظة فً فرح ونشوة‪ ،‬واآلن هً هذه الفرحة إلى كل من ٌرؼب بالدخول‬
‫فً سرّ األصول وفً صلة األرحام واالعتصام بحبل هللا‪ ....‬وما علٌنا إالّ‬
‫أن نتؤمل ونتذ ّكر هوٌتنا األصلٌة واألصٌلة وندخل المحراب حٌث السكٌنة‬
‫الساكنة فً لبّ القلب‪ ,‬وهنا ٌتزامن التؤمل مع الرحمة وٌُشعل هللا نور‬
‫سراجنا ونسٌر فً العتمة وتتحوّ ل إلى نور وما هذا النور إالّ طبٌعتنا‬
‫األصٌلة الموصولة باهلل‪....‬‬
‫نور من نور خالدٌن فً هذا السرّ وفً هذه المسٌرة‪.‬‬
‫نعم ٌا إخوتً‪ ...‬إنّ سفٌنة نوح فً انتظارنا فهل نحن من أهلها؟ نوح هو‬
‫ُ‬
‫فعلت‬ ‫القبطان الذي ٌلوّ ح لنا فهل نحن عمبلً صالحا ً ومع المصلحٌن؟ ماذا‬
‫ألستحق الشاطا األمٌن أٌّها األمٌن؟ أعترؾ لنفسً أمام نفسً بؤننً ال‬
‫أستحق إالّ رحمتك ٌا هللا‪ ...‬رحمتك وسعت كل شًء وما أنا إالّ هذا الشًء‬
‫الذي ال ٌستحق أي شًء وأقبل منك أي قبلة وأي قصاص وأي قسوة ألننً‬
‫عصٌتك وال زلت حتى اللحظة وأعلم علم الٌقٌن بؤ ّنك أمّنتنً على األمانة‬
‫ولم أكن أمٌنة فلك الحق بما تختار لً وأستحق هذا الحق‪...‬‬
‫فاحرمنً من ج ّنتك الخالدة فحرمانك هو الرحمة التً أستحقها‪ ...‬إننً على‬
‫ثقة بؤنّ اإلنسان الذي استوى وانطوى فً الدنٌا والدٌن سٌكون خالداً مع‬
‫العارفٌن ومع السالكٌن‪ ,‬وهذا هو السكن حٌث السكٌنة مع أهل هللا ال أهل‬
‫ُرر متقابلة مع القبلة‬ ‫الؽرور واالستكبار بل أهل الفرح والسرور وعلى س ٍ‬
‫وأٌن نفسً من هذه القبلة؟‬
‫نعم إنّ الرحمة هً الرؼبة اإللهٌة وهً أسمى الشهوات وأرفع الرؼبات‪،‬‬
‫والنفس التً تحمل هذه النعمة هً تلك النفس الشفافة التً ال ٌعرفها إالّ‬
‫األنبٌاء كسٌّدنا إبراهٌم وسٌّدنا عٌسى والسٌّدة العذراء والسٌّدة الزهراء‪,‬‬
‫وال ٌزال عطر رحمتهم فً العوالم وفً القلوب‪ ...‬ولكن من م ّنا ٌدرك هذه‬
‫النعمة وهذه الرحمة؟ إنّ صلة األرحام هً خٌط من نور ال تراه إالّ‬
‫البصٌرة المستنٌرة وجمٌع وسابل االتصاالت مفصولة إالّ من هذا الحبل‬
‫السري أال وهو حبل الرحمة والمحبة‪ ،‬وسوؾ لن ٌنقطع طالما هناك‬
‫صوت صارخ فً البرٌة ٌنادي‪ٌ ...‬ا أرحم الراحمٌن إلٌك أشكو ضعؾ‬
‫قوتً وقلّة حٌلتً وأنت ربً وعلٌك ٌتوكل المستضعفٌن وال حول وال قوة‬
‫إالّ بك‪...‬‬

‫ما هو الشرك باهلل؟‬

‫‪19‬‬
‫هو عدم المشاركة بنعمة هللا‪ ...‬ما هو الدافع األنانً الذي ٌمنعنً من‬
‫المشاركة أو المساهمة بالقلٌل من العطاء اإللهً؟ من إماطة األذى عن‬
‫الطرٌق أو االبتسامة إلى رفٌق أو وردة أو كتاب أو زٌارة مرٌض أو أي‬
‫نٌة أشارك بها صدٌق أو عدوّ ‪ ،‬ؼرٌب أو نسٌب‪ ،‬المسامحة ألي إساءة أو‬
‫أي ألم أو أي أذٌّة‪....‬‬
‫ما هو هذا السّور الذي بنٌته بٌنً وبٌن هللا؟ نعم إ ّنه الجهل‪ ...‬إ ّنه الخوؾ‬
‫واإلنسان عدو ما ٌجهل‪ ,‬والح ّل هو فً التؤمل وفً الكتاب الذي تراه العٌن‬
‫وتحٌاه البصٌرة قبل البصر‪...‬‬
‫كتابك فً ٌمٌنك وفً أمامك وما علٌنا إالّ أن نختار ما هو األفضل إلزالة‬
‫هذا الجدار الذي ٌحجب ع ّنا النور وٌدفعنا إلى النار‪...‬‬
‫اآلن نستطٌع أن ندفع بالتً هً أحسن‪...‬‬
‫والدفع لٌس ماد ٌّا ً فحسب بل من قلب المحب حٌث ال رؼبة وال ؼاٌة بل‬
‫فٌض من كرم هللا إلى هللا‪....‬‬
‫ولكن بداٌة الطرٌق هً الطرٌق إلى الحق‪....‬علًَّ أن أعرؾ نفسً أوالً‬
‫عندب ٍذ أتعرّ ؾ على حقٌقة وجودي فً هذا الوجود وعلى سرّ المشاركة‬
‫والكرم فً هذه النعمة والجهاد النفسً والجسدي والروحً والمادي فً‬
‫سبٌل الخلود فً جنة الخلود‪...‬‬
‫إنّ اللذٌن جاهدوا بؤموالهم وأنفسهم كاألنبٌاء والخلفاء والحكماء وؼٌرهم‬
‫من أولٌاء هللا هم الكتاب الحًّ المبٌن الذي ٌرشدنً إلى كتابً الحًّ فً‬
‫وٌسخر لنا هللا جمٌع الوسابل التً تساعدنا فً رحلتنا هذه‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫كٌانً‪,‬‬
‫إنّ الحج لٌس ضجٌج وعجٌج بل هو قفزة تجاوزٌّة من الفكر إلى التف ّكر‬
‫ومن التفكر إلى التذ ّكر ومن التذ ّكر إلى هللا‪ ...‬وهذه هً تذكرة المرور إلى‬
‫عالم النور‪ ...‬على منابر من نور فً لحظة القٌامة‪ ...‬واآلن وهنا نستطٌع‬
‫أن نختار ما نرٌد وأن نشارك القرٌب والبعٌد‪...‬‬
‫فلنختار المو ّدة التً ُتقرّ بنا من أنفسنا ولنترك العداوة التً تبعدنا عن أنفسنا‬
‫وعندب ٍذ نشارك ونجاهد بما مل َكت قلوبنا من رحمة هللا‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الرقٌة الطاقة القدرة‬
‫ما هً القدرة ومن أٌن تأتً؟‬

‫إ ّنها لمسة شفاء من الرسول والمسٌح واألمومة والمحبة والرحمة‪...‬‬


‫إ ّنها قدرة إلهٌة إلى أهله‪ ،‬أهل الثقة باهلل وبؤنفسهم‪....‬إ ّنها رؼبة رحٌمة‬
‫وحمٌمة لشفاء األلم والجهل والخوؾ‪...‬إ ّنها نسمة حٌاة من أمنا‬
‫األرض‪...‬إ ّنها عطر الوردة‪ ،‬وما الوردة إالّ التؤمل ومن هذا المفتاح ٌفتح‬
‫الف ّتاح القدرة الساكنة فً القادر الساكن فً لبّ الكابن وتنساب هذه النعمة‬
‫عبر اإلنسان الذي هو خلٌفته وحبٌبه وخلقنا لٌُعرؾ‪...‬أي أن اإلنسان هو‬
‫محبة هللا على األرض‪...‬‬
‫تؤمل بهذه المعجزة‪ ...‬ازرع حبة قمح أو بذرة زٌتون أو شجرة لٌمون‬
‫واهتم بها وٌؤتً الربٌع و ُتزهر وتنمو بالعطر وبالحٌاة إلى جمٌع الجهات‬
‫حتى أقاصً األرض والسماء‪...‬الرٌح ٌحملها والماء ٌطوؾ بها واإلنسان‬
‫ٌُكرّ مها‪ ،‬وما هذه البذرة إالّ من عند هللا وما هذه الخلٌفة إالّ المُزارع‬
‫والراعً والمسإول عن هذه القدرة اإللهٌة‪....‬‬
‫عطر السماء‪ ،‬وهذا هو سرّ النعمة اإللهٌة‬ ‫ولكن إذا لم تزهر األشجار لن ُت ّ‬
‫فً اإلنسان‪ ...‬كل مخلوق عنده اإلمكانٌة لنشر العطر الكامن فً لبّه‪...‬‬
‫وعطر الرحمة ال ٌنتشر إالّ بموت األنا عند المخلوق‪....‬‬
‫القدرة هً ذبذبات من نور للشفاء من األمراض الجسدٌة والفكرٌة‬
‫والنفسٌة‪ ،‬وما هذه الطاقة إالّ الرقٌة اإللهٌة التً ترقً و ُتن ّقً اإلنسان كما‬
‫تفعل بجمٌع مخلوقات هللا‪...‬‬
‫كل َمن ٌسبّح هللا ٌتلقى هذه القدرة من القادر الذي ٌُق ّدر قدرنا حسب قدرته‬
‫لنا‪...‬‬

‫كٌف نتعلم هذه القدرة؟‬


‫إ ّنها ال ُتعلّم وال ُتعلّب‪...‬هً لٌست مادة تعلٌمٌة وال تستطٌع أن تدٌرها أل ّنها‬
‫أبعد من حدودنا وقدراتنا‪ ،‬ولكن بالتؤمل نحصل على نعمة التع ّقل والتو ّكل‪،‬‬
‫وفجؤة دون أي إشارة أو إنذار تفٌض م ّنا هذه القدرة الفرٌدة عن فكرنا‬
‫وجسدنا وتطوؾ حول العالم والوجود‪...‬‬
‫بدون تؤمل تبقى هذه الطاقة مجرد انفعاالت فكرٌة‪ ،‬ولكن بالتؤمل تسمو‬
‫وتنتقل إلى مرتبة النمو اإللهً حٌث اللقاء مع الرحمة الشافٌة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الرقٌة والرحمة عملة واحدة ُتؽٌّر اإلنسان من كمٌّة إلى نوعٌة ومن عدد‬
‫إلى ع ّدة فرٌدة‪...‬‬
‫االنفعال طاقة دنٌوٌة والرقٌة طاقة سماوٌة‪...‬االنفعال ٌتحرك باتجاه‬
‫الرؼبات والشهوات والرحمة طاقتها إلى عٌش اللحظة بدون أي رؼبة‬
‫بالرضى والتسلٌم إلى هٌكل هللا‪...‬‬
‫العاطفة هً مهنة أو صنعة لتنسى التعاسة واأللم فً حٌاتك بٌنما الرحمة‬
‫هً طاقة حٌاة ل ُتحًٌ فٌنا احتفال البلوغ إلى سدرة المنتهى حٌث المشاركة‬
‫بجمٌع خٌرات األرض والسماء‪...‬‬
‫هذه الطاقة الرحٌمة ُتتمم مكارم األخبلق السماوٌة ونحٌا قدرنا الذي ُكتب‬
‫فً رحمنا وحملناه معنا منذ ألوؾ األجٌال واألجٌال‪ ,‬وحان الوقت لنتعرّ ؾ‬
‫على أنفسنا وعلى هذه القدرة اإللهٌة الساكنة فٌنا وأن نحٌا الدور الذي من‬
‫أجله أتٌنا إلى الدنٌا ومنها إلى بٌت السجود والخلود‪...‬‬
‫إنّ البرعم الذي وُ لد فً الرحم أصبح عطراً فً اآلفاق ٌرقص مع جمٌع‬
‫العطور واألشجار من الزٌتون حتى السندٌان ومن األرز حتى سنابل‬
‫األرُز‪ ...‬وهذه هً مشاركة العطور المختلفة والمتآلفة من البشر والشجر‬
‫والطٌر والحجر‪ ....‬هذه الطاقة التً كانت مختببة فً رحم الكهؾ تفجّ رت‬
‫ملطخة بؤي رؼبة أو‬ ‫مع الفجر وانتشرت مع نور الشمس ؼٌر ملوّ ثة وؼٌر ّ‬
‫أي شهوة أو أي شرط‪...‬إ ّنها طاهرة ونزٌهة من أي حافز أو دافع بل ل ُتدافع‬
‫ع ّنا بالتً هً أحسن وأرحم وأقدر‪...‬‬
‫إنّ الزهرة محدودة ولكن عطرها مطلق مع الحق‪ ،‬جذورها مقٌّدة على‬
‫عكس عطرها الذي ٌرحل مع الرٌح دون أن ترسً فً أي مرفؤ‪ ،‬بل‬
‫ترافق النسمات أٌنما تولّت‪ ...‬وكذلك التؤمل‪ ،‬إ ّنه كالزهرة له جذوره وقٌوده‬
‫الساكنة والكابنة فً قلب الكابن ولكن عندما نتذكر الرحمة ون ّتصل بصلتها‬
‫تفٌض قدرات هللا فٌنا ونرتقً بالرقٌة السماوٌة ونشارك بها أهل الفكر‬
‫والذكر والكفر دون أي معرفة أو تفرقة بل بداعً الفطرة الطبٌعٌة التً ال‬
‫تح ّدها أي حدود أو أي بُعد‪ ،‬بل هً نعمة من المدد إلى المدد‪...‬‬
‫أٌن أنتم ٌا أنبٌاء هللا؟ أٌن هو الحبٌب والمسٌح وسٌّدة نساء العالمٌن؟‬
‫وجودهم حًّ ‪...‬عطرهم حًّ ‪...‬رحمتهم خالدة مع الخالد الحً ولكن‬
‫أجسادهم هً الزهرة التً ؼادرت مع الفجر ولكن العطر ال ٌزال حتى‬
‫األزل‪ ...‬التراب ٌعود إلى التراب ولكن النور ٌبقى فً عالم النور األبعد‬
‫من أي بعد واألقرب من أي قرب‪ ...‬إ ّنه سرّ هللا فً خلقه وله فً خلقه‬
‫شإون‪ ...‬هذا هو العطر الذي أحبَّه النبً وال ٌزال عطر سٌّدنا الخضر‬

‫‪22‬‬
‫حاضراً ألهل العطر وهذه هً الرحلة المرؼوبة ألهل الحج و أهل‬
‫الذكر‪...‬‬
‫القدرة اإللهٌة لٌست محدودة بالجسد وال بالساجد بل بالمدد الذي ٌمده هللا‬
‫إلى كل عابد حًّ مع الحًّ ‪ ...‬إنّ كلمة طاقة أو رقٌة أو رحمة أو قدرة هً‬
‫نعمة واحدة فً إناء مختلؾ واالختبلؾ ؼٌر الخبلؾ‪ ...‬إ ّنه الؽنى فً‬
‫المعانً واألوانً وبنوع خاص فً اللؽة العربٌة‪ ...‬لؽة أهل البادٌة وأهل‬
‫الصحراء وأهل الطواؾ والمحور اإللهً‪ ...‬ولكن الجسد ال عبلقة له‬
‫بالرحمة بل هو لخدمة الساجد‪ ،‬والساجد لخدمة هللا وما هذه القدرة إالّ من‬
‫القادر لئلنسان المختار لهذه األمانة وما هذا الجسد إالّ قدر من طٌن لتطهو‬
‫هذه الطاقة بحرارة اإلٌمان وعندما تنضج‪ ,‬تنضح بعطرها إلى جمٌع من‬
‫حولها وٌتحوّ ل من نطفة إلى خلٌفة‪...‬‬
‫هذه هً رحلة الحج الدابمة مع الحًّ القٌوم لذلك عندما قال سٌّدنا عمر‪:‬‬
‫"وهللا ما ح َّج إالّ ناقتً وأنا وإعرابًّ من البصرة" أي الناقة ُتسبّح هلل وتتق ّدم‬
‫بالطاقة والتسبٌح‪ ،‬كذلك الخادم األمٌن واألعرابً الذي ح ّج بروحه وهذا‬
‫هو الحج السماوي‪ ...‬االستطاعة الروحٌة والنفسٌة قبل االستطاعة الجسدٌة‬
‫الفكرٌة‪....‬‬
‫فكرة هامة علٌنا أن نتؤكد منها بإلحاح وإصرار وإالّ سنقع فً هاوٌة الجهل‬
‫والشرك‪ ،‬أال وهً عدم تطبٌق أي عادة تؤمل أو أي طرٌق من طرق‬
‫الرحمة‪ ...‬إنّ العادات الفكرٌة والعقبلنٌة هً لتنمٌة االنفعاالت العاطفٌة‬
‫باسم الرحمة‪ ،‬وهذا ما نراه الٌوم‪ ،‬وباسم الدٌن حول العالم حٌث نذكر‬
‫الحقٌقة ونحٌا الجهل وهذا هو النفاق لهدم الوفاق‪...‬‬
‫لنتذكر بؤنّ الرحمة ال ُتعلّم وال ُتدرّ ب‪...‬المسٌح توصّل إلى االستنارة‬
‫والرحمة بواسطة التؤمل‪ ،‬ولكن المسٌحٌة والمسٌحٌٌن ٌب ّشرون بالطقوس‬
‫وبالنصوص وباإلرهاب وبالترؼٌب وهذه هً وسابل جمٌع أهل الدٌانات‬
‫أل ّنهم سلطة مُسلطنة بالقوة ال بالتقوى‪ ،‬والتارٌخ ٌشهد على هذا الفشل‬
‫الهابل حٌث قمنا بؤلوؾ الحروب الصلٌبٌة والجهادٌة‪ ،‬كلها باسم السبلم ولم‬
‫نر إالّ السبلح وباسم الحب لم نحٌا إالّ مع الحرب وعالم الٌوم هو السجن‬ ‫َ‬
‫األكبر‪ٌ ،‬تح ّكم به أهل السٌاسة والدٌن والمال وأٌن رحمة األنبٌاء؟‬
‫الرحمة هً التً ُتحّ ررنا ولكن أي رحمة؟ إ ّنها الطاقة النورانٌة التً تفٌض‬
‫بالحب السماوي النابع من التؤمل ال من التجاهل‪ٌ ....‬قول الحكٌم بؤنّ‬
‫الرحمة هً نتٌجة وعاقبة‪ ,‬وال تستطٌع أن تقبض علٌها مباشرة بل علٌك‬
‫أن تصنع وتنتج السبب وبعدها ٌؤتً األثر وتكون الخطوات من تلقاء نفسها‬
‫بعد أن نفهم معنى التؤمل ونحٌا هذه النعمة فً كل لحظة من حٌاتنا‪...‬‬

‫‪23‬‬
‫عندب ٍذ تفور وتؽور رابحة الرحمة التً هً فً صُلب القلب وما التؤمل إالّ‬
‫عطر كل محتاج إلى هذا التاج‪...‬‬ ‫المطر الذي ٌروي عطش البذرة ل ُتزهر و ُت ّ‬
‫تاج الهالة السماوٌة أي تاج الحكمة على رإوس الحكماء‪...‬‬
‫إنّ الرحمة هً المعٌار للتؤمل‪ ...‬إذا كان التؤمل سلٌما ً وصحٌحا ً تكون‬
‫الرحمة أمر محتوم ومجبر‪ ،‬وإذا كان التؤمل طالحا ً وؼٌر صالح فالرحمة‬
‫الخطى الخاطبة‪ ...‬ال ٌض ّل اإلنسان إالّ بالطرق الباطلة‪.‬‬
‫ال تتبع ُ‬
‫إنّ الصراط المستقٌم لئلنسان القوّ ام والرحمة هً مقدار لطرق التؤمل‪،‬‬
‫وطرق التؤمل ممكن أن تكون مُضلّة وخاطبة واإلنسان ٌجهل هذه الحقٌقة‪.‬‬
‫مثبلً أي تؤمل ٌرشدنا إلى التركٌز هو خطؤ ولن تكون الرحمة هً النتٌجة‬
‫ألنّ التركٌز ٌؽلق باب الشرح‪ ...‬ألم نشرح لك صدرك‪ ...‬التركٌز ٌُضٌّق‬
‫الممر وٌح ّدد القٌود وٌُقلّص الرإٌة وٌستبعد السماء فتتجه بضمٌرك‬
‫وبصرك إلى نقطة معٌّنة لتدرس العٌنٌّة المعٌّنة وهذا هو التوتر بعٌنه‪...‬‬
‫و كلمة ر ّكز وانتبه بح ّد ذاتها ُتو ّتر األعصاب وتضؽط على الوتر الحسّاس‬
‫وتقطع الن َفس وأٌن نحن من االنفتاح واالنشراح والرإٌة الواسعة‬
‫الشاسعة؟؟‬
‫التركٌز حاجة ضرورٌة فً المختبرات العلمٌة ال فً االختبارات‬
‫الروحٌة‪ ...‬فً األبحاث العلمٌة ُنر ّكز على الخلٌة أو الذرّ ة ونستثنً كل ما‬
‫هو موجود خارج هذه النقطة المح ّددة والمطلوبة‪ ،‬وأكثر األوقات ٌكون‬
‫العالِم ؼافبلً وؼٌر منتبه إلى أي شًء حوله أو فٌه إالّ لهذه الذرّ ة التً ال‬
‫ٌرى فٌها شٌبا ً سوى بعض المشاكل أو األمراض أو النظرٌات‪....‬‬
‫وعندما ٌنظر إلى العالم ال ٌرى إالّ المشكلة وٌبحث عن الح ّل من خبلل‬
‫المنظار‪ ،‬ورح َم هللا بصره وبصٌرته أل ّنه فً الدنٌا أعمى وفً اآلخرة‬
‫أعمى وأض ّل سبٌل‪ ...‬هذا هو عالم التركٌز‪...‬‬
‫وأكثر علماء الذرّ ة ال حٌاة عندهم إالّ التشرّ د من فكرة إلى فكرة وهذا‬
‫الشرود الفكري ٌُسبب لهم نظرات شرسة فً الحٌاة أل ّنهم ال ٌنظرون إلى‬
‫العالم إالّ من ثقب الباب‪ ,‬حٌث ال قلب ٌنبض بالحب وال روح تحٌا الرحمة‬
‫وال فكر ٌتذكر النور أل ّنهم أحٌاء أموات ٌنتظرون ساعة الدفن‪....‬‬
‫دخل األستاذ إلى الصؾ مبتسما ً مشرقا ً وقال للطبلب‪:‬‬
‫رأٌت هذه الضفدعة فً بركة الجامعة وسنشرّ حها معا ً لنتعلّم علم‬ ‫ُ‬ ‫"لقد‬
‫خاص بفصٌلة الضفادع والحٌوانات المابٌة"‪ ...‬وفتح الصرّ ة بكل عناٌة‬
‫وإذا بها فطٌرة ملفوفة مع الخضار فاندهش وارتبك وقال بعفوٌة‪ ...‬أنا‬
‫متؤكد بؤننً أفطرت الٌوم لكن لمن هذه الوجبة؟ وأٌن الضفدعة؟‬

‫‪24‬‬
‫هذه الحادثة لٌست ؼرٌبة فً حٌاة علماء الطبٌعة‪ ....‬حٌاتهم أصبحت‬
‫محدودة وضٌّقة ومتجهة إلى نقاط معٌّنة كالس ّكٌن الحا ّد أو اإلبرة التً ُتح ّدد‬
‫الموقع المطلوب‪ ،‬وتجهل النظرة الشاملة والعالم المحٌط به‪ ...‬وٌتمسّك‬
‫حفظت شٌبا ً وؼابت عنك أشٌا ُء‪.‬‬‫َ‬ ‫بحبّة الرمل وتؽٌب عنه الصحراء‪ ،‬أي‬
‫الحكٌم هو رمز الوعً والعالِم هو رمز التركٌز‪ ...‬ولكن العارفٌن باهلل‬
‫رفعوا الجدار واألسوار وتزامنوا وتآلفوا مع الجوار‪...‬هذا هو التقارب مع‬
‫الوجود كما هو دون أي رفض أو فصل أو إزعاج أو استنكار‪ ،‬بل هً‬
‫الرقصة الكونٌة المتناقضة‪ ،‬وما على الحكٌم إالّ أن ٌتناؼم مع الطبٌعة دون‬
‫أي تركٌز بل بالرإٌة الشاملة الكاملة الؽنٌّة باألضداد والتناقض وهذا هو‬
‫الفٌض اإللهً حٌث ال حدود وال سدود‪...‬‬
‫التركٌز مزعج ومُكلؾ‪ ،‬أكثر العلماء بعٌدون عن العالم وأي حركة من‬
‫الطبٌعة تزعجهم‪ ...‬العصفور ٌؽرّ د والكلب ٌنبح واألوالد ٌلعبون وهم فً‬
‫التو ّتر والتشرٌح والبحث عن أدق المعلومات لنشر النظرٌات التً تتؽٌر‬
‫بٌن لحظة ولحظة‪ .‬ومن التركٌز نرى بؤنّ علماء النفس والتؤمل انسحبوا‬
‫من المجتمع وسكنوا فً الكهوؾ وأعالً الجبال وانعزلوا عن العالم للبحث‬
‫عن هللا باألسلوب العلمً الدقٌق‪ ،‬ولكن هللا لٌس شٌبا ً ملموسا ً أو ؼرض‬
‫ٌُدرك بالحواس‪ ...‬إنّ هللا هو الوجود الشامل الكامل األبعد من أي علم أو‬
‫أي إدراك لذلك قٌل بؤنّ العلماء خافوا هللا‪...‬‬
‫هللا هو الوجود بؤسره‪ ...‬هو الكمال الكامل الشامل المتكامل مع جمٌع‬
‫مخلوقاته‪ ،‬وال ٌستطٌع العلم أن ٌعرؾ هذه األلوهٌة ألنّ العلم محدود‬
‫بالطرؾ األٌسر من الدماغ ومن هنا منبع الرٌاضٌات والعلوم والحسابات‬
‫أي واحد زابد واحد ٌساوي اثنٌن‪ ،‬ولكن فً الدٌن واحد زابد واحد ٌساوي‬
‫واحد‪...‬‬
‫كلنا موحدٌن مع الواحد األحد والعلم محدود فً سرّ هذا التوحٌد واألسلوب‬
‫العلمً هو أسلوب مُر ّكز ومُر ّكب ومُشعّب لذلك ال ٌستطٌع العلم أن ٌعرؾ‬
‫الجمال اإللهً‪...‬‬
‫ٌمكننً أن أعرؾ أكثر وأكثر عن تفاصٌل دقٌقة وتافهة كعلم الذرّ ة‬
‫مثبلً‪...‬فقد أكد العلماء بؤ ّنها أصؽر ذرّ ة وانقسمت وتقاسمت وتؽٌّرت‬
‫النظرٌات واستسلم العلماء واندهشوا أمام هذا السرّ وإلى أٌن المصٌر؟‬
‫ُجزئ‪ ،‬والدٌن ٌجمع وٌُوحّ د‪...‬الدٌن ٌكبّر والعلم ٌُص ّؽر وٌنسى‬ ‫العلم ٌقسّم وٌ ّ‬
‫العالم والعالِم‪ ،‬ولن ٌستطٌع أن ٌفهم األلوهٌة بسبب التركٌز‪...‬‬
‫التركٌز ال ٌفهم "هللا أكبر" بل مُوجّ ه إلى علم "الذرّ ة أكبر" وإلى البحث‬
‫المدرك بالحواس‪ ...‬بٌنما التدٌّن ٌتزامن مع العلم والعقل واألسرار فهو‬

‫‪25‬‬
‫ؼٌر محجوز أو محبوس فً فكرة ٌراها من خبلل النافذة واإلطار‬
‫المحدود‪ ،‬بل ٌقؾ تحت السماء والشمس وٌتؤمل باألسرار األبعد من أي‬
‫نوافذ أو حواجز أو انتباه أو تحلٌل‪ ،‬بل االحتفال والتهلٌل بالجمال اإللهً‬
‫األبعد من أي علم أو منطق‪...‬‬

‫وكٌف نستطٌع أن نتأمل؟هل بالذكر تدو ُم النِعم؟‬


‫وما معنى الذِكر؟ إذا كان مجرّ د تردٌد كلمات فهذه هلوسة فكرٌة تخدم‬
‫الشعب الؽربً أل ّنه علمانً الفكر وهذا هو التركٌز المطلوب فً أمرٌكا‪،‬‬
‫ونجحت فكرة التركٌز أل ّنها قابلة لئلدراك وللفهم العقبلنً وأعطت نتٌجة‬
‫ناجحة من حٌث األمراض النفسٌة والجسدٌة ولكن هذا األسلوب لٌس تؤمبلً‬
‫بل من صنؾ وفبة التركٌز العلمً‪ ،‬أي ٌخدم الجسد والفكر والعقل ولكن ال‬
‫عبلقة له بالنفس وبالذات وبالروح‪...‬‬
‫وحده التؤمل ٌشمل المساحة الواسعة التً وسعت ك ّل شًء وال تعتمد على‬
‫تردٌد الكلمات‪ ،‬بل على المراقبة والمحاسبة والمشاهدة‪....‬أي ال عادة وال‬
‫وسٌلة بل أن ترى هللا فً كل شًء وأن تتؤمل بسرّ المحٌط ال بذكر‬
‫هللا تطمبنُّ القلوب!!!‪...‬‬
‫بذكر ِ‬
‫ِ‬ ‫الموجة‪ ،‬أال‬
‫إنّ ذكر هللا لٌس بعدد الكلمات وتكرارها‪ ،‬بل باألعمال الصادقة النابعة من‬
‫لبّ القلب‪ ،‬وهذه هً العبادة‪ ...‬والتؤمل هو البُعد البصري الواسع الشاسع‬
‫المطلق الذي ال ٌح ّده العلم أو الذكر بل االستسبلم إلى مشٌبة هللا‪...‬‬
‫هكذا تستسلم الموجة إلى المحٌط وحبّة الرمل إلى الرٌح وقطرة الماء إلى‬
‫النهر والمخلوق إلى الخالق‪ ...‬هذه الصلة أبعد من الفكر والعقل‪ ،‬إ ّنها‬
‫التؤمل الذي ال ٌح ُّده العلم بل الرضى والتسلٌم‪...‬‬
‫هذا هو مبدأ الراحة واالستسبلم واالسترخاء‪ ،‬وعندب ٍذ نشعر بشفافٌة النفس‬
‫القابلة للجروح والمعرّ ضة للهجوم أل ّنها أصبحت أكثر مرونة ولٌنا ً وأق ّل‬
‫قساوة‪ ،‬وأكثر انفتاحا ً وصراحة‪ .‬وفجؤة ٌبدأ الوجود باختراق المتؤمل الذي‬
‫لم ٌعد جامدا ّ وقاسٌا ً كالصّخر‪ ،‬بل مستسلما ً لقدرة القادر األقدر من أيّ ذِكر‬
‫أو فكر‪....‬‬
‫هذا هو التوكل على هللا لٌس من باب الجهل بل من باب العقل‪ ...‬أؼمض‬
‫واسترخ وتنفس بعمق واستمع إلى هذا الصمت الهابل‬ ‫ِ‬ ‫عٌنٌك واشكر ربك‬
‫فً الهٌكل حٌث ال وجود ألي لهوة أو اضطراب‪ ،‬بل استقبال وتقبّل كل ما‬
‫نشعر به أو نراه‪ ...‬صوت العصافٌر أو صٌاح الدٌك أو إزعاج الجٌران أو‬
‫أي صراع داخلً أو خارجً‪...‬‬

‫‪26‬‬
‫هذا امتحان من الوجود‪ ،‬ال تتذمّر وإالّ سٌعود بدور أكبر‪ ...‬ال ترفض هذه‬
‫الفرٌضة وال ُتنكر هذا الذكر‪ ،‬بل اق َبل القبلة من أي جه ٍة أتت وإالّ ستتو ّتر‬
‫أكثر‪ ...‬تذكر امتحان األنبٌاء والحكماء واألولٌاء ونحن أٌضا ً على ُخطى‬
‫النار والنور أو العار والؽار ولنا الخٌار دون أن نحتار ألننا نعرؾ‬
‫األفضل وعلٌنا أن نرى الخٌر فً الشرّ ٌن‪...‬‬
‫كلنا نعلم بؤنّ الرقصة الكونٌة هً عبلقة األضداد مع بعضها البعض‬
‫متصلٌن وموحّ دٌن‪...‬‬
‫انظر إلى الطبٌعة سترى بؤننا كلنا أنسباء ونتكامل مع الفناء‪ ،‬وإذا اختفت‬
‫الشمس اختفى الشجر‪ ،‬وإذا اختفى الشجر اختفى البشر والطٌر والحجر‪.‬‬
‫هذه الحبكة هً الحبل الحٌوي الذي ٌربط الكابنات الحٌّة بالبٌبة المجاورة‪،‬‬
‫لذلك ال نستطٌع أن نرفض أو ننكر أي موجود فً هذا الوجود‪ ،‬ألننً بذلك‬
‫أّنكر وجودي وسرّ الوجود‪...‬‬

‫لماذا أرفض أو أنكر هذا التوتر؟‬


‫كنت تتطوّ ر بها إلى دور أهم‬ ‫خرجت من لحظة َ‬ ‫َ‬ ‫أل ّنك بذلك تشعر أ ّنك‬
‫وأسمى‪ ،‬اإلنسان فً تطور دابم ومستمر‪ ،‬ولكن دون أن ٌرفض أي حالة‬
‫أو مرحلة وهذا هو معنى العذاب أو الصلٌب ألنّ ال عل َم بدون ألم وال‬
‫جبلء بدون ببلء‪ ...‬هذا هو االمتحان‪ ...‬إذا شعرت بؽضب‪ ...‬إ ّنه لٌس‬
‫بسبب اإلزعاج الخارجً مهما كان‪ ،‬بل أل ّنك ترفض شٌبا ً فً داخلك‪...‬‬
‫انظر إلى األطفال‪ ...‬لماذا ال تزعجهم الطبٌعة؟ وبنوع خاص أثناء‬
‫العواصؾ والبرق والرعد؟ أل ّنه ٌشعر بؤنّ هللا ٌلعب معه وٌلتقط الصور‬
‫من السماء‪ ،‬فالبرق هو آلة التصوٌر فً ٌد هللا لٌصوّ رنا كما تفعل األم‬
‫واألب عند تصوٌر المناسبات الجمٌلة‪...‬‬
‫إنّ هللا هو المصوّ ر األكبر وصوّ رنا فً رحمته‪ ...‬إ ّنها فكرة سلٌمة وبرٌبة‬
‫لذلك ال ٌخاؾ الطفل من أي إزعاج إالّ إذا استمع إلى آراء األهل‬
‫والمجتمع‪...‬‬
‫علٌنا أن نعٌد النظر فً أي اضطراب ونتؤمل به كنعمة من الطبٌعة فٌختفً‬
‫التوتر‪...‬ألنّ الدٌك الداخلً سٌتجاوب مع الدٌك الخارجً وٌصبحان أنسباء‬
‫ولٌس ؼرباء ومتط ّفلٌن‪ ...‬الوجود بؤسره أسرتنا‪ ...‬وكل َمن ٌحٌا هذه‬
‫الحقٌقة لٌس من الواجب أن ٌذهب إلى أي معبد أو أن ٌشارك بؤي طقوس‬
‫ألنّ الفرابض لٌست مهمة بالنسبة له‪ ،‬وإذا دخ َل إلى أي معبد ٌشعر بؤ ّنه من‬
‫ممر إلى ممر على مدى العمر وهذه هً رحلة الحجّ‪ ،‬أل ّنه ساكن فً معبد‬
‫هللا أال وهو هذا الوجود الؽٌر محدود‪ ،‬فؤٌنما تولٌّتم فث َّم وجه هللا‪...‬‬

‫‪27‬‬
‫ولكن أكثرنا للحق كارهون وجاهلون ونذكر هللا بتكرار الكلمات أو‬
‫بالتسبٌح الذي ال ٌتع ّدى اللسان واآلذان ونعتقد بؤنّ الطبٌعة ال تعرؾ‬
‫جهلنا‪...‬‬
‫إنّ الطٌور لٌست ؼبٌّة أل ّنها ال تشعر معنا وفٌنا وتعرؾ سخافتنا التافهة فً‬
‫عبادتنا هلل‪ ...‬نكذب على أنفسنا ولكن هذا الؽشّ واضح ألي عصفور ألنّ‬
‫صوته صادق ونابع من قلبه‪ ...‬إ ّنه تؽرٌد من فٌض الفرح الطبٌعً المتناؼم‬
‫مع جمٌع المخلوقات‪ ...‬إ ّنه ٌشارك الوجود والشجر والبشر والحجر‬
‫بحضوره وفرحه وشكره‪ ،‬وهذه هً فطرة الطبٌعة التً ال تزال على‬
‫طبٌعتها بالرؼم من تح ّكم اإلنسان بها‪...‬‬
‫صلًّ على النبً‪ ...‬هذا تذكٌر الختبار الراحة واالستراحة واللطؾ‬
‫واالسترخاء‪ ...‬اإلنسان ال ٌستطٌع أن ٌقبل أو ٌوافق على أي شًء إنْ لم‬
‫ٌسترخً وٌستسلم‪ ...‬إنّ الموافقة مع الوجود هو الترحٌب والرضى وهذا‬
‫هو التسلٌم أي نهاٌة العلم والتعلٌم‪...‬‬
‫انزعجت من أمور صؽٌرة أو كبٌرة‪ ،‬هذا هو وضعً وموقفً من هذا‬ ‫ُ‬ ‫إذا‬
‫الشعور‪...‬ماذا أفعل؟ ال شًء‪ ...‬أجلس بهدوء وأستمع إلى ما ٌدور حولً‬
‫وأقبل النعمة التً أنا فٌها وأتمرّ ن على هذا الوضع حتى أتجاوب معه دون‬
‫بت طرقا ً عدٌدة وفشلت ودخلت إلى‬ ‫أي تفاعل أو ر ّدة فعل‪ ،‬ألننً جرّ ُ‬
‫نفسً والجواب فً الكتاب وفً القلب‪.‬‬
‫إ ّنها مهمة لٌست سهلة ولكنها أهم من أي ِهمّة إلزالة اله ّم والؽ ّم والس ّم من‬
‫انتصرت على خطوة أستقبل األصعب منها وبذلك أتمرّ ن‬ ‫ُ‬ ‫حٌاتً‪ ،‬وكلما‬
‫على مواجهة االمتحانات وبنوع خاص فً العالم العربً‪ ...‬لماذا؟‬
‫ألننا تعلمنا وتعوّ دنا وتعلّبنا بؤن نرمً اللّوم على اآلخرٌن وأنا دابما ً‬
‫صدق السابل هلك‬ ‫َ‬ ‫الضحٌّة‪ ...‬واآلن أعل ُم بؤنّ السابل هو المسإول وإذا‬
‫المسإول‪...‬‬
‫تعا َل معً اآلن لنتنفس بعمق وهذه الطاقة هً التً س ُتوقد فٌنا نار النور‬
‫استرخٌت كلما تعم َّق الن َفس من تلقاء نفسه من‬
‫َ‬ ‫ونرى الحق بداخلنا‪ ،‬وكلما‬
‫دون أي جهد وبتناؼم مع الجسد والساجد وتشعر بالفرح وبالهدوء‪ ،‬عندب ٍذ‬
‫تعرؾ بؤنّ الن َفس هو الجسر بٌنك وبٌن الوجود‪...‬‬
‫انتبه وراقب ن َف َسك دون أي مجهود أو محاولة‪ ،‬بل تحرّ ر واسترخ‬
‫وانظر‪ ...‬أنت هنا لتقبل كل ما ترى وتشعر دون أي رفض أو صراع أو‬
‫نزاع‪ ،‬بل أنت حارسٌ على ما تشاهد فً التن ُّفس‪ ،‬وتذ ّكر وأنت على حذر‬
‫بؤنّ الن َفس هو الحٌاة التً تدخل وتخرج أي شهٌق وزفٌر‪...‬‬

‫‪28‬‬
‫استرخ والهواء سٌعرؾ طرٌقه ودوره الطبٌعً كؤ ّنك فً نوم خفٌؾ‪ ،‬دع‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫الن َفس ٌقوم بدوره على مزاجه وطبٌعته دون أي تدخل منك وستحصل‬
‫على إمكانٌات كثٌرة فً متناول ٌدك‪ ...‬الن َفس هو الجسر الذي ٌجمعك‬
‫بالوجود‪ ...‬من جهة موصول بك أي أ ّنك مرتبط بالجزء األول‪ ،‬والجزء‬
‫الثانً مرتبط بالطبٌعة الكونٌة‪ ...‬تستطٌع أن تتنفس بعمق وأن تلعب على‬
‫مزاجك وهذا دور اختٌاري وإرادي‪ ،‬ألنّ قسما ً من حبل الن َفس موصول بك‬
‫مت أمرك للطبٌعة أو هلل‪،‬‬ ‫وأنت حرّ بهذا الجزء‪ ،‬ولكن إذا لم تفعل شٌبا ً وسلّ َ‬
‫سٌبقى الن َفس على طبٌعته ودوره وٌستمر‪ ،‬وهذه االستمرارٌة فً التنفس‬
‫ؼٌر إرادٌة‪....‬‬
‫إنّ الوجود هو الذي ٌهمس وٌبعث فٌك الن َفس‪...‬هذه الحٌوٌة ٌم ّدنا هللا بها‬
‫من المدد األبدي‪...‬‬
‫عندما ٌُقال لك ص ِّل على النبً أو اذكر المسٌح أو أي إشارة مق ّدسة‪،‬‬
‫تستسلم وتتقبّل اللحظة بنعمة مهما كانت مإلمة أل ّنك فتحت لها باب‬
‫االستقبال والترحٌب وتحوّ ل الس ّم إلى دسم واله ّم إلى نِعم‪ ...‬عندما نتذكر‬
‫أي لحظة مق ّدسة ندخل إلى محرابها دون أن نحارب أي فكرة بل نتقبّل‬
‫ونستقبل أي إشارة أو أي شعور أو أي ن َفس ألنّ ن َفسً من هللا‪ ،‬أي أنّ هللا‬
‫هو الذي أو هً التً تكرمنً وترحمنً فً صلة الحٌاة‪.....‬‬
‫الوجود ٌتن ّفس فً داخلً وٌنوّ رنً وٌُذ ّكرنً بؤننً خلٌفة ولست حلٌفة‪...‬‬
‫بؤننً آٌة ولست آلة‪ .‬من هذه النقطة انطلق العلم الكونً وسجد العالم إلى‬
‫أسراره واعترؾ بضعفه وبحدوده وقال إنّ العلم محدود‪...‬‬
‫ومسترخ‪ ,‬وٌتناؼم مع الجسم والوجود‬ ‫ٍ‬ ‫راقب تن ّفس الطفل‪ ،‬إ ّنه مستسلم‬
‫بؤسره‪ ...‬ما هو سرّ هذه النعمة؟ من الذي ٌُج ّدد فٌنا هذه الرزانة وهذا‬
‫المقام الوقور الشرٌؾ؟ ومع الوقت نرى ونشعر بؤنّ التنفس حدوث أو‬
‫حادثة من هللا ولٌست من المخلوقات وهذا هو سرّ التؤمل‪...‬‬
‫عندما ذهب الحبٌب إلى ؼار حراء ترك الحٌرة واالرتباك وأدرك أنّ‬
‫التؤمل هو حبل السرّ الذي ال ٌندثر وال ٌنكسر بل هو متصل بجمٌع‬
‫صرخ قاببلً‪ :‬إٌّاك نعبد وإٌّاك‬
‫َ‬ ‫مخلوقات هللا‪ ،‬وعندما أدرك هذه النعمة‬
‫نستعٌن‪...‬‬
‫لم ٌنطق بالمفرد بل بالجماعة وؼمره هللا برحمته ونوره وسلّمه األمانة‬
‫التً ال ُتعرؾ إالّ ألهل العرفان أل ّنها أبعد من حدود الصوت والصمت‬
‫والصدى‪ ،‬بل بالمدى األبدي األمدي الساكن فً سكٌنة لبّ األلباب حٌث هللا‬
‫فً عرش هذا العابد المإمن الموحّ د‪...‬‬

‫‪29‬‬
‫من هذه الحقٌقة صرخ الحبٌب قاببلً‪" :‬تؤمل ساعة خٌر من عبادة سبعٌن‬
‫عام"‪ ،‬أل ّنه أدرك الرحمة الطبٌعٌة الفطرٌة بعد أن تؤمل وعرؾ وؼرؾ‬
‫هذا السرّ وشارك به أهل قرٌش أهل الصخر والقسوة والكفر‪ ،‬وكان هو‬
‫القرآن الحًّ والرحمة الحٌّة ولم ٌٌؤس ولم ٌطلب إالّ رضى هللا ال ؼٌر‪...‬‬
‫هذه هً القدرة اإللهٌة فً قلوب األنبٌاء والعارفٌن والسالكٌن وأهل السّادة‬
‫والعبادة‪..‬‬

‫أٌن هو المكان المناسب للتأمل؟‬


‫اآلن وهنا‪ ...‬أكتبُ وأقرأ و َمن الذي ٌكتب وٌقرأ؟ هل هو هذا الجسد‬
‫الترابً؟ ومن الذي ٌقرأ ما أكتب؟‪...‬‬
‫لنتؤمل فً كل لحظة ألنّ التؤمل هو طبٌعة الطبٌعة ونحن عٌالها‪...‬‬
‫العصفور ٌُؽرّ د أو أي صوت مزعج ولكنّ المتؤمل ال ٌشعر باإلزعاج بل‬
‫بحرارة النور الساطعة من هذا اإلزعاج‪...‬‬
‫هذا هو التناؼم مع الس ّم والدس ّم‪ ...‬الضجٌج والحجٌج‪ ...‬موجات من القدرة‬
‫اإللهٌة تحٌط بنا فً كل لحظة ولكن نحن عنها ؼافلون وجاهلون‪ ،‬هذه‬
‫المعجزة هً اآلن ولكن هل أدركتها؟ انظر إلى زنابق الحقل وإلى األطفال‬
‫وإلى الطٌور‪ ،‬وانظر إلى رجال األعمال والسلطة وعلماء الدٌن!!!‬
‫عندما تستقرّ فٌنا قدرة التؤمل‪ ،‬ن ّتحد باإلٌقاع والتناؼم مع الوجود وتكون‬
‫الرحمة هً النتٌجة وتحٌا المحبة الكاملة الشاملة حٌث ال فرق بٌن البشر‪،‬‬
‫بل كلنا إخوة فً هللا‪ ،‬وما هذه الشجرة إالّ نسٌبتً وما هذا الطٌر إالّ من‬
‫أهل البٌت وهذا الحجر هو جزء من البشر وكلنا نسبّح هلل وك ٌّل منا له‬
‫طرٌقته الخاصة به‪ ...‬خلق الخالق طرق بعدد ما خلق من خلق‪ ...‬والطرق‬
‫إلى هللا بعدد أنفاس الخبلبق‪ ...‬كل ن َفس خطوة إلى الجلوة‪ ،‬كلنا متشابكون‬
‫َ‬
‫لمست القمر‬ ‫َ‬
‫لمست وردة‬ ‫ومتواصلون مع الطبٌعة ومع الخالق‪ ...‬إذا‬
‫والكواكب ألننا كلنا أنسباء وأقرباء ومن الخالق الواحد األحد‪...‬‬
‫نفسه أذى كل نفس‪ ...‬ولكن الجهل قد أعمى بصرنا وبصٌرتنا وال‬ ‫َمن أذى َ‬
‫نعلم بؤننا ال نعلم‪ ،‬بل نستكبر وندمّر العالم لنحفظ العالم‪ ...‬لذلك اخترعنا‬
‫القنابل الذرٌّة لندمّر جمٌع االختراعات‪ ...‬عالم الٌوم فً ضبلل مبٌن وال‬
‫ح ّل إالّ بالتؤمل ألصحاب الرحمة‪....‬‬
‫قرأت عن حاسّة الش ّم‪ ،‬هذه القدرة على االستٌعاب فُقِدت عند‬ ‫ُ‬ ‫باألمس‬
‫اإلنسان ولكنها ال تزال حا ّدة عند الحٌوان‪َ ...‬‬
‫الفرس تش ّم عن بُع ٍد بعٌد‬
‫وكذلك الكلب عنده القدرة ال ّناشطة أكثر من اإلنسان‪ ...‬قبل أن ٌؤتً سٌّده‬

‫‪30‬‬
‫إلى البٌت بساعات‪ٌ ،‬شعر بوجوده وٌبدأ ذٌله باالستقبال إلى أن تصله‬
‫الرابحة فٌذهب إلى الباب وٌبدأ بالعواء وال ّنباح وفتح الباب إلى أن ٌصل‬
‫سٌّده الذي ؼاب عنه ساعات أو أٌام أو سنٌن‪ ،‬فبل ٌزال ٌش ّم رابحة الحنٌن‬
‫وأٌن نحن من هذا الحنٌن؟ ماذا حصل لحاسّة الش ّم عند اإلنسان؟ من أٌن‬
‫أتت هذه الكارثة؟‬
‫ال ٌوجد أي سبب الختفاء هذه الحاسّة أو كبتها‪ ...‬الثقافة لم تكبتها أو تقمعها‬
‫عن معرفة ولكن هناك أسباب ؼٌر مربٌة تسبّب فً منعها وطمسها‬
‫والسبب الوحٌد هو الجنس‪...‬‬
‫اإلنسانٌة تعٌش كتم هذا العٌب وهذا الذنب وحاسّة الش ّم متصلة بالجنس‪...‬‬
‫انظر وشاهد الحٌوانات فً حالة الجاذبٌة الجنسٌة‪ ...‬قبل أن ٌجتمع الكلب‬
‫بالكلبة أو بالرفٌقة ٌشمّها‪ ،‬وإذا لم تتناؼم الرابحة بٌن الجسدٌن ال ٌت ّم اللقاء‪،‬‬
‫ولكن إذا تناسبت الرابحة وتبلءمت مع الؽرٌزة الجنسٌة ت ّم اإلؼراء ودخبل‬
‫فً لحن الفناء وهذه هً أنشودة التوحٌد ولو للحظة‪ ،‬وإذا لم ٌشت ّم هذه‬
‫الرابحة أو العطر المناسب للطرفٌن‪ ،‬انفصبل دون أي شتٌمة‪...‬‬
‫الح َكم ولكن عند اإلنسان انطمست الحاسة الجنسٌة‬ ‫إنّ حاسّة الش ّم هً َ‬
‫وبذلك انقمعت حاسّة الش ّم واستبدلناها بؤؼلى العطور لخدمة أسفل العهر‬
‫فً هذا الدهر‪...‬‬
‫إنّ كلمة ش ّم أصبحت إهانة ألنّ حاسة الش ّم ماتت وإذا سؤلتك هل تسمع أو‬
‫هل ترى؟ ال تشعر بؤي إزعاج ولكن إذا سؤلتك هل تش ّم؟ لماذا تشعر‬
‫باإلساءة؟؟؟‪...‬‬
‫الش ّم حاسّة لها قدرة ممٌزة وصِ فة خاصة كالنظر والسمع واللمس والذوق‬
‫وعندما أسؤلك هل تش ّم؟ ستشعر باالرتباك أل ّنها أصبحت إدانة‪...‬‬
‫نادرة طرٌفة عن أحد المفكرٌن عندما كان جالسا ً فً مركبة تجرّ ها الجٌاد‪،‬‬
‫دخلت علٌه سٌّدة وسؤلته‪ :‬أٌّها السٌّد! هل تش ّم؟‬
‫وكان مفكراً فً اللؽة واألحرؾ والصرؾ‪ ،‬فقال لها‪ :‬كبل ٌا سٌدتً‪ ..‬أن ِ‬
‫ت‬
‫تشمٌّن‪ ،‬وأنا هً الرابحة الكرٌهة‪ ...‬هو النتن وهً األنؾ الذي ٌش ّم!‬
‫لؽوٌاً‪ ،‬معه حق‪ ...‬إ ّنه ٌتكلّم بلؽة الصرؾ والنحو‪ ...‬حاستها قوٌّة وهو‬
‫العطر النوّ اح الفوّ اح برابحته الكرٌهة‪ ...‬ولكن كلمة الش ّم بح ّد ذاتها‬
‫أصبحت مُدانة ومُهانة‪ ...‬عندما تكبت الجنس فؤنت تكبت حاسة الش ّم أٌضا ً‬
‫أصبحت معقداً وكسٌحا ً وأعرجاً‪ ،‬أي عاجزاً عن إحدى الحواس وهذه‬ ‫َ‬ ‫أي‬
‫أزمة حسٌة ألنّ ُخمس دماؼك أُصٌب بالشلل أي ُخمس حٌاتك‪ ...‬وهذا‬
‫االشتراك أو التورٌط ضخم وهابل فً لؽة الجسد الذي افتقد إحدى حواسه‬
‫وارت ّدت إلٌه بالتً هً أسوأ‪ ...‬أي بالتنفس السطحً القصٌر‪...‬‬

‫‪31‬‬
‫بسبب كبت الجنس انكبتت حاسة الش ّم وكذلك قدرة التنفس‪ ...‬لماذا؟‬
‫ألنّ التنفس العمٌق ٌُحرّ ك مركز الجنس وٌُشعِر بالذنب‪ ....‬التنفس وسٌلة‬
‫لتنشٌط الطاقة الجنسٌة وأثناء اللقاء بٌن الطرفٌن ٌتعمّق ال َنفس لٌحرّ ك‬
‫النشوة‪ ،‬ولكن َمن كان َن َف ُس ُه سطحٌا ً وضعٌفا ً ٌكون اللقاء عنده ضعٌفا ً‬
‫وسرٌعا ً حٌث ال تجاوب أبداً بٌن األحباب‪....‬‬
‫إنّ التنفس العمٌق ٌُدلِّك المناطق الحساسة جنسٌا ً ولكن بسبب الكبت‬
‫انكبت الن َفس وانقطع عن مركزه العمٌق فً الجسد وهذا هو سبب‬ ‫َ‬ ‫الجنسً‬
‫الضعؾ فً طاقة التؤمل أٌضا ً‪ ...‬ل ُنعٌد النظر فً هذه العملٌة التافهة‪ ...‬من‬
‫الكبت الجنسً إلى الكبت التنفسً‪ ,‬والتنفس هو الجسر الوحٌد الذي ٌربطنا‬
‫بالوجود‪...‬‬
‫تقرٌباً‪ ،‬كل الدٌانات ساهمت فً هذه الكارثة أل ّنها حرّ َمت ما حلّله هللا‪...‬‬
‫ٌتكلمون عن هللا ولكن فً الحقٌقة هم أعداء هللا وض ّده‪ ...‬أي ضد األلوهٌة‬
‫الحٌّة فً الجسد والساجد معا ً‪...‬‬
‫لقد دمروا الجسر بٌن هللا والبشر‪ ...‬تستطٌع أن تتنفس تنفسا ً سطح ٌّا ً ولكن‬
‫إذا لم ٌكن التنفس عمٌقا ً فلن نتصل بالحق أي بالوجود اإللهً الساكن فٌنا‬
‫جمٌعا ً‪...‬‬
‫الن َفس هو ؼذاء ال َنفس ومن النفس إلى الذات ومن الذات إلى الروح‪...‬‬
‫أكثر الحكماء ش ّددوا على أساس التنفس أل ّنه سبب الوعً والصمت‬
‫واالسترخاء ومع الوقت تندمج الروح الفردٌة مع الروح الكونٌة وتذوب‬
‫وتختفً فً هللا‪...‬‬
‫لم ٌعُد اإلنسان فرداً منفرداً بل أصبحت قطرة الماء هً المحٌط‪ ...‬تتآلؾ‬
‫مع ألحان الماء والسماء‪ ...‬ولم ٌعد اإلنسان منفصبلً عن هللا بل أدرك سبب‬
‫وجوده وأٌقن بؤ ّنه هو الخلٌفة وهو الضمٌر الكونً وهو نسمة الرحمة‬
‫اإللهٌة حٌث المشاركة مع هللا وجمٌع مخلوقاته بما وهبه هللا من النعم‬
‫المق ّدسة‪ ...‬إنّ الرحمة ال تحٌا فً اإلنسان إالّ إذا أدرك بؤن كل ما ٌراه هو‬
‫فٌه ومرآة له وكلنا أنسباء وأقرباء ومتصلٌن بحبل هللا منفصلٌن عن‬
‫األوهام واألشباح ومتصلٌن لؤلبد بالروح األزلٌة السرمدٌة‪...‬‬

‫متى تنبع الرحمة؟‬


‫وخلق هللا وأنّ االنفصال عن الخالق هو‬ ‫ُ‬ ‫عندما نتذكر بؤننا كلنا عٌال هللا‬
‫مجرد وهم‪ ...‬علٌنا أن نتجاهل هذا الجهل‪ ،‬عندب ٍذ تسمو الرحمة أل ّنها لٌست‬
‫مادة أو نظام أو شرٌعة تعلٌمٌة بل هً من طبٌعة اإلنسان الحًّ ‪...‬‬
‫َمن كان هلل دام واتصل و َمن كان لؽٌر هللا انقطع وانفصل‪....‬‬

‫‪32‬‬
‫وهللا هو الرحمة الساكنة فٌنا وهً الصلة بالرحمة اإللهٌة وما اإلنسان إالّ‬
‫رسول لهذه الرسالة‪ ...‬فً االختبار اإلنسانً البشري نشعر بؤنّ العبلقة بٌن‬
‫األم وطفلها هً األقرب إلى الرحمة‪...‬‬
‫الناس ٌسمّونها محبة ولكنها أقرب إلى الرحمة منها إلى الحب أو‬
‫العاطفة‪...‬‬
‫عبلقة األم بطفلها برٌبة من الشؽؾ واالنفعال والحب‪ ...‬لقد عرفته فً‬
‫نفسها وهو عضو وطرؾ من كٌانها وجزء من حٌاتها‪ ...‬حتى لو ابتع َد‬
‫عنها ستبقى فً انسجام وتناؼم معه‪ ،‬تشعر بفرحه وبؤلمه مهما كانت‬
‫المسافة بعٌدة بٌنهما ولكنها أقرب من حبل الورٌد‪ ...‬أحٌانا ّ تشعر األم‬
‫باإلحباط وال تدري ما السبب وٌكون هذا هو شعور ولدها أٌضا ً‪ ...‬أي‬
‫التناؼم باألجساد واألحاسٌس وأحٌانا ً بالقدَر‪ ،‬ومن هذه المشاعر تبرّ ر‬
‫حالتها العقلٌة أل ّنها ال تعرؾ صلة األرحام وحقٌقة هذه النعمة بل تتفاعل‬
‫مع جسدها ومع اآلالم ومع األدوٌة النفسٌة والجسدٌة‪ ،‬ولكن علم الٌوم ٌُإكد‬
‫لنا بعبلقة علم النفس والذات والروح أي أرواح تؤتلؾ وأرواح تختلؾ‪...‬‬
‫حتى الولد ٌتفاعل مع أمه ولو عن بُعد بالموجات الرحٌمة من رحم الوجود‬
‫الموجود بؤمه وبنفسه وٌتماوج على نفس الموجة والذبذبات التً حملها من‬
‫الرحم إلى األرض وإلى رحم الرحمن‪....‬‬
‫هذه الخواطر تتبادل مع العابلة وبنوع خاص وممٌز بٌن األم وأوالدها وفً‬
‫حاالت فرٌدة نراها مع التوأم المماثل والمتطابق حٌث التخاطر ٌكون‬
‫سرٌعا ً وسهبلً‪ ...‬وفً روسٌا استخدموا هذه الطاقة لؽاٌات سٌاسٌة وحربٌة‬
‫ونجحت مع التوأم حٌث التبادل بالموجات الفكرٌة كان أسرع من أي آلة‬
‫اصطناعٌة‪ ،‬ألنّ األخوة اختبروا موجات الرحم فً وقت متزامن مع األم‬
‫ومع أنفسهم‪ ...‬ولنسؤل أنفسنا عن التخاطر مع الروح الواحدة المتصلة‬
‫بجمٌع مخلوقات هللا لنشر الرحمة والسبلم‪...‬‬
‫لنتذ ّكر معا ً‪ ...‬كلنا من رحم هللا ورحمته وسعت كل شًء‪ ...‬وكلنا خلٌفته‬
‫وكلنا بصره وسمعه وٌده ورجله وكلمته‪ ,‬ولماذا هذه الحروب منذ آدم حتى‬
‫الٌوم؟ أٌن هً الرحمة؟‬
‫تذكرت هذه الحالة فً إحدى مدارس األطفال حٌث كان أحدهم ٌؤتً ومعه‬ ‫ُ‬
‫مظلّة‪ ،‬ولمّا سؤلته عن السبب قال لً بصوت حنون ولطٌؾ‪" :‬إ ّنها ٌ ّد أمً"‬
‫وسمح لً بؤن أمسكها وأن أش ّم عطرها‪ ،‬ولمّا سؤلته عنها قال لً بؤ ّنها‬
‫ذهبت إلى السماء ولكنها ال تزال معه فً السرٌر وفً البٌت وفً‬
‫المدرسة‪...‬‬

‫‪33‬‬
‫كلمة أم من أصؽر الكلمات وأقواها بالرحمة واألسرار وعندما نتعمّق فً‬
‫التؤمل ونصل إلى االستنارة نعٌش األمومة فً قلوبنا أي الرحمة فً لبّ‬
‫القلب‪ ...‬إنّ هللا عند أهل الذكر هو األمومة والرحمة وال أحد ٌنادي الخالق‬
‫بصفة األبوّ ة إالّّّ القلٌل من الدٌانات ألنّ كلمة األب تعنً مإسسة أما‬
‫الدٌن محبة ورحمة ولٌس سُلطة وقوانٌن وشرابع وأنظمة‪...‬‬
‫قدٌما ً كانت كلمة ع ّم هً البدٌلة لؤلب ألنّ الع ّم للعموم واألب للخاصة أي‬
‫للعابلة حٌث احتلّت مكان الجماعة والقبٌلة‪ ....‬األم هً ربّة البٌت وتعرؾ‬
‫أوالدها‪ ،‬ولكن األب ال منزلة له من حٌث اإلنجاب أل ّنه ال ٌتؤكد من‬
‫سبللته‪ ...‬ولكن عندما بدأنا بالممتلكات الخاصة وبالزواج وبالمإسسات‪،‬‬
‫دخل الرجل على الخط وأعلن السٌطرة على الملكٌة الخاصة باألرض‬
‫وبؤهلها وأصبح هو السٌّد والمالك وهو صاحب هذه المإسسة العابلٌة‪،‬‬
‫ولكن الطاقة الرحٌمة موجودة فً رحم األم ومنها إلى أوالدها وإلى‬
‫األرض حٌث طاقة األمومة‪ ،‬أي ذبذبات األنثى التً تصعد من الفرش إلى‬
‫العرش أي من األرض إلى السماء‪ ،‬لذلك عندما قال الحبٌب أمك ثم أمك ثم‬
‫أمك ثم أباك‪ ،‬أي أمك األرض وعمتك النخلة وأمك التً ولدتك وربّتك ألنّ‬
‫الطاقة هً األساس ولٌس الشكل أو الجسد أو التراب بل السرّ األمومً‬
‫الساكن فً جسدها وفً أمنا األرض‪...‬‬
‫عندما نرى وجه حكماء الشرق نرى األمومة على وجوههم أمثال بودا‬
‫وكرٌشنا وماهافٌرا‪...‬‬
‫وهذه هً صفة األلوهٌة حٌث الرحمة هً القدرة السماوٌة التً بها ومنها‬
‫ومعها وإلٌها ٌعٌش اإلنسان من هللا وإلى هللا ومعه إلى األبد‪...‬‬
‫فً الشرق ال نهتم بالوقابع ولكن فً معنى ومؽزى المواضٌع‪ ...‬إنّ تمثال‬
‫بودا لٌس حقٌقة ولكن المعنى لٌس بالشكل وال بالحجر‪ ،‬بل بالشكل األنثوي‬
‫الذي ٌرمز إلى األمومة‪ ،‬أي طاقته التصاعدٌة الخاصة فً ٌمٌن الدماغ‬
‫هً التً حوّ لته من رجل عدابً وجامد إلى طاقة إٌجابٌة رحٌمة‪ ،‬حٌث ال‬
‫جهد وال مسعى بل االستسبلم إلى مشٌبة هللا كما الجنٌن ٌستسلم إلى أمه‬
‫التً لم ٌراها بعد ولم ٌعرفها وهذه هً الرحمة واألمومة‪....‬‬
‫وإذا تطوّ رنا فً التؤمل‪ ،‬نتحوّ ل من حال المنطق إلى حال الحدس ومن‬
‫العقبلنٌة إلى العفوٌة ومن الرجولة إلى الطفولة وتنمو فٌنا الرحمة أل ّنها من‬
‫صلب الكٌان اإلنسانً وٌنتشر العطر الرحٌم فً كل مقام وكل حال‪...‬‬
‫لكن ما نراه الٌوم وفً حٌاتنا العادٌة هو االنفعال والعاطفة ونعتقد ونتؤكد‬
‫بؤنها هً الرحمة‪ ...‬فً أؼلب األحٌان نشعر بالو ّد والمحبة تجاه الناس‪،‬‬
‫حت شعوري وفحصته بدقة سؤجد‬ ‫كنت صادقة مع نفسً وشرّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ولكننً إذا‬

‫‪34‬‬
‫الدافع األساسً لهذه المعاملة التً تشبه المحبة أو الرحمة‪ ،‬لكنها بالفعل‬
‫وبالنواٌا ما هً إالّ مجاملة لؽاٌ ٍة فً قلبً وفكري‪...‬‬
‫ُ‬
‫تذكرت هذه النادرة التً لٌست نادرة فً عالمنا الٌوم‪...‬‬
‫دخل الزوج إلى بٌته وتفاجؤ عندما رأى زوجته مع رجل آخر وطبعا ً ذهب‬
‫بسرعة إلى ؼرفته لٌسحب البندقٌة وٌقتل هذا المنافس والمنافق‪....‬‬
‫واستوقفته الزوجة العارٌة وصرخت قابلة‪" :‬أٌّها المجنون هل نسٌت من‬
‫دفع ثمن السٌاّرة والبٌت واألثاث؟ كلها من هذا الرجل"‪ ...‬ولكن بالرؼم من‬
‫كبلمها انسحب منها إلى السلّم لٌصعد إلى ؼرفته وصرخت ثانٌة وبصوت‬
‫أعلى‪" ...‬انتبه من البندقٌة‪ ...‬إ ّنها خطرة"‪...‬‬
‫"ماذا تقولٌن؟ بندقٌة؟" صرخ بها‪" ...‬إننً سؤجلب معً بطانٌّة ألن حرارة‬
‫البٌت باردة وممكن أن تزعجه وٌُصاب بالرّ شح والزكام وهذا حرام وال‬
‫ٌجوز وخاصة أ ّنه ٍ‬
‫عار من الثٌاب"!!!‬
‫هذا مجرّ د شعور وانفعال‪ٌ ...‬تظاهر بالرحمة ولكنها بالعمق مجرد ؼاٌة‬
‫ألنّ الرحمة صافٌة ونقٌّة وطاهرة من أي ؼاٌة أو نٌّة‪ ...‬إنّ الطهارة أو‬
‫الصفاء هً المكوّ ن األساسً للرحمة وإالّ ستكون معاملة رسمٌة‪...‬‬
‫لقد تعلّمنا كٌؾ نتصرّ ؾ رسمٌا ً وشكلٌا ً مع العابلة والمجتمع وأنفسنا‪...‬‬
‫إنّ الرحمة ال ُتعلّم بل عندما نتجاهل العلم والثقافة ونعود إلى الفطرة ونخلع‬
‫ع ّنا األقنعة االجتماعٌة من جمٌع آداب السلوك واللٌاقة والتصرّ ؾ الحسن‪،‬‬
‫تنبع المحبة الطبٌعٌة البدوٌة البرٌّة التً ال تعرؾ وال تعترؾ ال‬
‫بالسلوكٌات وال بالمجامبلت وال بالشكلٌات‪.‬‬
‫جثة هامدة مٌّتة بٌنما الرحمة هً حٌاة كلّها شعلة‬ ‫هذه كلّها وسابل جامدة أو ّ‬
‫ُتلهب القلوب بالحب وبالفرح‪ ...‬لنشاهد معا ً هذه الدقة فً اللٌاقة واألدب‪:‬‬
‫فرٌد وسمٌر ٌسٌران معا ً على الرصٌؾ وإذا بموكب ٌمرّ على الشارع‪،‬‬
‫فتو ّقؾ أحدهم وخلع قبّعته ووضعها على صدره وانحنى حتى اختفى‬
‫الموكب وسؤله فرٌد قاببلً وبدهشة ؼرٌبة‪ٌ" ...‬ا له من شعور لطٌؾ‬
‫ُ‬
‫كنت‬ ‫ومرهؾ ومحترم"‪ ...‬فر ّد علٌه باحترام "هذا أق ّل شًء ممكن‪ ،‬لقد‬
‫زوجا ً لهذه المرأة مدة عشرٌن سنة ولقد رحلت على حساب ؼٌري والحمد‬
‫هلل"‪!...‬‬
‫لقد أصبحت الحٌاة فرٌضة اصطناعٌة قلبا ً وقالبا ً ألننا نجامل الجهل على‬
‫مضض وكره ألننا نتجاوب مع الواجب ال مع الحب‪ ،‬وهنا الخسارة‬
‫الكبرى حٌث ال حٌاة بل شكلٌّات كالمصباح الذي ال ٌعرؾ النور بل‬
‫الحدٌث عن النور‪ ،‬وهذا ما نراه فً مجتمع الٌوم حٌث ال حٌاة لمن‬
‫تنادي‪...‬‬

‫‪35‬‬
‫حفاة عراة نتطاول فً البنٌان وأٌن أنت أٌّها اإلنسان من الرحمة ومن‬
‫اإلٌمان؟ أٌن نحن من حٌاة األنبٌاء والخلفاء والحكماء؟ أٌن أنت أٌّها‬
‫ت أٌتها الرحمة فً عالم الرجمة؟ أٌن‬ ‫الرسول فً عالم البترول! أٌن أن ِ‬
‫ت أٌتها الحٌاة الحٌّة بالقوة وبالحٌوٌة اإللهٌة؟‬ ‫الطهر فً عالم العهر؟ أٌن أن ِ‬ ‫ُ‬
‫إنّ وهج النور انحجب عن وجهً بسبب الواجبات والسلوكٌات والقوانٌن‬
‫واألنظمة التً أكرهها‪ ،‬ولكن علًَّ أن ألبًّ رؼبات الفكر الدنٌوي ألحٌا‬
‫الرفاهٌة المُص ّنعة التً تبلبم طلبات المجتمع‪ ,‬مع العلم أننً أجرّ نفسً‬
‫وأسحبها بالرؼم عنها للمجاملة مع أهل الفوضى ُح ّبا ً بالمصالح المشتركة‬
‫مع أهل ال ّشرك واإللحاد وأٌن أنا من المشاركة بالبركة وبالتوحٌد؟‬
‫أٌن أنا من القانون الداخلً الطبٌعً المتصل بالقانون الكونً السماوي‬
‫حٌث الرحمة واإلٌمان هً مٌزان اإلنسان؟‬
‫لنحٌا معا ً هذه القصة‪...‬‬
‫فً أحد أٌام الشتاء دخل أحد الفقراء إلى المعبد ٌطلب المساعدة‪ .‬وقال‬
‫للعابد‪" :‬إننً مرٌض ومحتاج وأهلً ٌموتون جوعاً‪ ،‬أرجوك أٌّها‬
‫الشٌخ"‪ ...‬وهذا الناسك ٌ ّتكل على هللا وعلى فلس الفقراء وحٌاته بسٌطة‬
‫ومتق ّشفة ولٌس عنده أي شًء للمشاركة‪ ,‬ولكنه تذ ّك َر تمثاالً للمسٌح فً‬
‫صالة المعبد‪ .‬ذهب ونزع عن رأس المسٌح اإلكلٌل الذهبً وق ّدمه للشحّ اذ‬
‫ؼال علّه ٌس ّد حاجتك"‪...‬‬
‫قاببلً‪" :‬هذا التاج للمحتاج وٌُباع بسعر ٍ‬
‫احتار الٌابس المسكٌن وأخذ اإلكلٌل وذهب‪ ...‬وإذا بؤحد التبلمذة ٌصرخ‬
‫ست المسٌح‪ ...‬كٌؾ‬ ‫انتهكت حرمات المعبد ود َّن َ‬‫َ‬ ‫قاببلً‪ٌ" ...‬ا معلم!! لقد‬
‫تستطٌع أن تفعل ما فعلت؟"‬
‫سؤلت فكري أو باألحرى قلب‬ ‫ُ‬ ‫"د ّن ُ‬
‫ست المسٌح" ر ّد علٌه السٌّد‪" ....‬لقد‬
‫المسٌح المفعم بالحب وبالرحمة وتؤكدت بؤنّ الذي منح حٌاته للعالم سمح‬
‫لً بؤن أق ّدم هذا التاج إلى أخٌه المحتاج‪"...‬‬
‫إ ّنها قصة بسٌطة ولك ّنها ذات معنى روحً كبٌر‪ ...‬حتى لو كنت ال تملك‬
‫شٌبا ً ال ترفض أي طلب للمساعدة‪ ..‬أعِ د النظر وستجد شٌبا ً ما لتعطٌه‬
‫لصاحبه الذي أتى إلٌك طالبا ً الرحمة‪...‬‬
‫إ ّنه مجرّ د تصرّ ؾ واتجاه معٌّن‪ ...‬إذا لم أستطع أن أق ّدم أي شًء على‬
‫األقل ابتسامة أو أن أستمع إلٌه وأمسك بٌده وأمسح عنه الدمعة أو‬
‫الخوؾ‪...‬‬
‫إ ّنها مناسبة للعطاء‪ ...‬والعطاء لٌس مرهونا ً بؤي شًء بل بالعطاء نفسه‪...‬‬
‫فرح العطاء هو العطاء‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫إنّ هذا الراهب ناسك فقٌر ومتق ّشؾ وال ٌملك شٌبا ً للمشاركة أو العطاء‪،‬‬
‫وعاد ًة ممنوع انتهاك حُرمات المعابد وما فعله كان عمبلً مد ّنسا ً وؼٌر‬
‫مقبول وؼٌر مسموح إالّ فً حاالت خاصة عند المتدٌّن الحقٌقً أي‬
‫صاحب الرحمة الذي ال ٌعرؾ القوانٌن وال ٌتقٌّد باألصول أو بالرسمٌات‪,‬‬
‫بل ٌتصرّ ؾ من قلبه البريء وهذا ما قام به الناسك العابد أل ّنه رأى المسٌح‬
‫الحًّ فً جسد هذا الضٌؾ الضعٌؾ وتصرّ ؾ بما عرؾ‪...‬‬
‫حتى الفقٌر احتار وارتبك أل ّنه لم ٌتوقع هذا العطاء الكرٌم والرحٌم وهو‬
‫أٌضا ً ف ّكر أ ّنها سرقة أو د َنس بالنسبة للقوانٌن أو الكنٌسة‪ ...‬و َمن هو هذا‬
‫الكاهن لٌستؽ ّل المسٌح من أجل الفقراء؟‬
‫لقد دم َّر شكل التمثال وؼٌّر شكله ونزع عنه التاج‪ ...‬وأصبح تمثاالً فقٌراً‬
‫ال ٌرمز إلى حقٌقة اإلله الؽنً‪...‬‬
‫هذا هو الفرق بٌن اإلنسان المتدٌن الحقٌقً الذي ٌعرؾ الرحمة اإللهٌة‬
‫ورجل الدٌن الذي ٌتبع القانون الفكري المقٌّد والمشروط حسب أنظمة‬
‫المإسسة الدٌنٌة‪ ...‬األول ٌستفتً قلبه وال ٌتبع إال ضمٌره والثانً أمثال ما‬
‫نراه الٌوم من علماء دٌن وأصحاب السلطة التً تتح ّكم حسب مصالحها‬
‫المادٌة الدنٌوٌة‪ ...‬األول ٌتبع قلبه والثانً ٌتبع جٌبه‪ ...‬وبٌن القلب والجٌب‬
‫فرق واسع شاسع كالفرق بٌن الخلفاء والحُلفاء‪ ...‬الحلفاء كتابهم القانون‬
‫للبحث عن األفكار المناسبة والصحٌحة وٌختار التً تناسبه‪ ...‬والخلفاء ال‬
‫خٌار عندهم وال تفرقة بٌن ما هو مناسب أو ؼٌر مناسب فكل مناسبة‬
‫نسٌبة وقرٌبة‪ ،‬فالرحمة هً التً تناسب وال ُتحاسِ ب وكل ما نفعله من‬
‫خبلل الرحمة ٌكون مناسبا ً من تلقاء نفسه‪...‬‬
‫الرحمة ترحم والرجمة ترجم‪...‬‬
‫علٌنا أن نفهم ال أن نتبع‪...‬األعمى ٌتبع ولكن الذي ٌُدرك القدرة اإللهٌة ال‬
‫ٌكون تابعا ً ألحد‪ ،‬بل رفٌقا ً وصدٌقا ً وحبٌبا ً للواحد األحد‪...‬‬
‫وهذا هو التجاوب مع كل لحظة حٌث القلب هو الذي ٌُقرر ولٌس الفكر أو‬
‫القانون بل الذكر واإلٌمان هو الدافع والنابع من مٌزان االٌمان الذي ال‬
‫ٌشرك بل ٌشارك دون أن ٌسؤل أي أحد إال قلبه الذي ٌنبض بالمحبة فً‬
‫كل لحظة ٌحٌا فٌها االمتحان‪....‬‬
‫من أجمل القصص التً رُ وٌت‪ ...‬دخل أحد الحكماء إلى المعبد طالبا ً من‬
‫الكاهن أن ٌمضً لٌلته عنده وكان ٌرتجؾ من البرد ومن الجوع ومن‬
‫قسوة الناس أل ّنه ال ٌنتمً إلى دٌن هذه القرٌة ورفضوه ورجموه‪ ،‬ولكن‬
‫هذا الكاهن كان أفضل منهم فاستقبله وتعاطؾ معه وقال له‪" :‬أهبلً بك‬
‫ولكن للٌلة واحدة ألنّ هذا المعبد لٌس فندقا ً أو نزالً للسوّ اح وأنت ال تنتمً‬

‫‪37‬‬
‫إلى دٌننا وأهل الرعٌّة ٌستاإون من ضٌافة الؽرباء‪ ...‬على كل حال أهبلً‬
‫بك هذه اللٌلة وتصبح على خٌر"‪...‬‬
‫بقً الضٌؾ فً ؼرفة الجلوس حٌث المدخنة بحاجة إلى حطب وإالّ‬
‫سٌموت من البرد‪ ،‬ورأى تمثاالً للسٌّد المسٌح فوضعه فً الموقدة وبدأت‬
‫الشعلة واللهب تدفا جسمه و ُتفرح قلبه وإذا برابحة خشب الصندل توقظ‬
‫حرقت السٌّد المسٌح! أٌن‬ ‫َ‬ ‫الكاهن فٌصرخ قاببلً‪" :‬وٌحك أٌّها القاتل!!! لقد‬
‫هو التمثال؟" فر ّد علٌه الضٌؾ بكل هدوء وامتنان‪" :‬إ ّنها لٌلة باردة وكنت‬
‫أرتجؾ من البرد والجوع فحرقت أحد التماثٌل"‪ ...‬قاطعه الكاهن قاببلً‬
‫أحرقت هللا‪ ...‬إ ّنه المسٌح‬
‫َ‬ ‫تر ماذا فعلت؟ لقد‬ ‫وصارخا ً‪" :‬أٌّها المجنون‪ ...‬ألم َ‬
‫ٌشتعل اآلن فً النار!!!"‬
‫نظر الفقٌر إلى النار التً ابتدأت تختفً وتزول وأخذ ٌُحرّ كها بالعصا‪...‬‬
‫سؤله الكاهن من جدٌد‪" :‬ماذا تفعل أٌّها األبله؟"‬
‫أجاب الفقٌر‪" :‬إننً أحاول أن أجد عظما ً من عظام المسٌح"‪...‬‬
‫"حقا ً أ ّنك سخٌؾ‪...‬هذا تمثال من خشب لٌس فٌه أي عظام!"‪...‬‬
‫وقاس‪ ،‬لماذا ال‬‫ِ‬ ‫عندها قال له الضٌؾ‪" :‬اللٌلة ال تزال طوٌلة والبرد قارس‬
‫نستخدم هذا التمثال الثانً؟"‬
‫طرد الفقٌر فوراً من الهٌكل أل ّنه خطٌر جداً وأثناء طرده‬ ‫طبعا ً وبكل تؤكٌد ُ‬
‫قال للكاهن‪" :‬ماذا تفعل؟ هل تطرد المسٌح الحب من أجل المسٌح الخشب؟‬
‫المسٌح الحًّ كان ٌرتجؾ من البرد والجوع ورحمت ُه بالقلٌل من الدؾء‬
‫والحنان ولو كان المسٌح هنا لما تركنً مصلوبا ً من البرد والجوع ومن‬
‫قسوة أهل الجهل"‪...‬‬
‫طرد الضٌؾ إلى حٌث الثلج والمطر وفً‬ ‫ولكن أٌن هو السامع والمجٌب؟ ُ‬
‫الصباح ذهب الكاهن إلى الكنٌسة لٌُصلًّ مع رعٌته وٌتح ّدث معهم عن‬
‫المحبة والرحمة وأثناء عودته رأى الفقٌر ٌُصلًّ أمام تمثال صنعه من‬
‫الثلج فتعجّ ب وسؤله‪" :‬ماذا تفعل أمام هذا التمثال؟" فر َّد علٌه الفقٌر‪:‬‬
‫"صنع ُته برحمة وأشكره برحمة وكل عمل من قلب محبٍّ هو صلة مع‬
‫الرحمن"‪...‬‬
‫الحٌاة مسإولٌة‪ ،‬موقؾ واتجاه‪ ...‬عندما ترى بعٌن العبادة عندب ٍذ ترى هللا‬
‫فً كل شًء وتنبع الرحمة من نبع الرحمة إلى كل شًء وإلى نفسك‬
‫أوالً‪ ...‬نفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم أخً‪ ...‬ومن عرؾ نفسه عرؾ‬
‫رحمته‪...‬‬
‫اإلنسان الذي ٌدرك الرحمة ال ٌكون قاسٌا ً ال مع نفسه وال مع أي مخلوق‬
‫آخر‪ ...‬الرحٌم ال ٌُعذب أحداً وال ٌفرح بتعذٌب أي من الكابنات أل ّنه ٌعلم‬

‫‪38‬‬
‫علم الٌقٌن بؤ ّنه متصل بسابر أسرار هللا وال فصل بٌن البشر والشجر‬
‫والطٌر والحجر‪ ،‬كلنا نسبّح هللا وكلنا من هللا‪ ...‬هذه هً الرحمة الناتجة‬
‫عن الفهم واإلدراك‪...‬‬
‫ما علٌنا إالّ أن نستسلم لمشٌبة هللا ونسترخً فً بحر التؤمل والتوكل‪...‬‬
‫عندب ٍذ نحٌا بالعطر اإللهً الذي ٌنبع من لبّ القلب المحب وهكذا تنتشر‬
‫الرحمة بعطرها‪...‬‬
‫التؤمل هو الزهرة والرحمة هً العطر‪...‬‬
‫وهذه النعمة هً من هللا إلى جمٌع خلق هللا‪...‬‬
‫وال سبلم بدون رحمة‪...‬‬
‫ارحموا َمن فً األرض أي جمٌع أهل األرض‪....‬‬
‫عندب ٍذ ٌرحمنا َمن فً السماء‪....‬‬

‫‪39‬‬
‫الرغبة الشهوة الشوق‬
‫التوق الطلب االلتماس‬
‫هذه المشاعر مصدرها الحواس‪ ...‬كلها شهوة‪ ...‬ال فرق فً المعانً‪.‬‬
‫أحٌانا ً تحب أن تساعد أو تشتهً أن تخدم اآلخر أو أن ترجمه‪ ...‬إ ّنها‬
‫الرؼبة فً النٌة‪ ...‬الحكٌم و السٌّد و النبً ال ٌشتهً و ال ٌرؼب فً أي‬
‫خدمة أو أي مساعدة‪ ...‬إ ّنه ٌساعد و لكن بدون أي شهوة أو رؼبة أو‬
‫توق‪ ...‬مساعدة عفوٌة تؤتً و تنبع من قلبه الرحٌم‪ ...‬إ ّنها العطر الذي‬
‫عطرت األجواء دون أي اتجاه معٌّن‪...‬‬ ‫ٌفٌض من زهرته التً أزهرت و ّ‬
‫هذه هً شمس الرحمة و نور البدر‪ ...‬الوردة ال تطلب الرٌح بل تجري مع‬
‫الرٌاح دون أي خرٌطة‪ ،‬تطلق عطرها إلى من ٌشاء دون أن تشاء‪ ...‬هذه‬
‫هً العفوٌة التلقابٌة الصادقة‪ ...‬الشمس تشرق دون أي شوق ألي أحد‪ ...‬ال‬
‫ح ّبا ً بالعصفور لٌؽرّ د و ال للوردة لتفتح أوراقها و ال لئلنسان لٌقوم بالصبلة‬
‫أو العمل‪ ...‬إ ّنها تشرق تلقابٌا ً من نفسها دون أي توقع أو أي أمل أو‬
‫رجاء‪...‬‬

‫إنّ اإلنسان الرحٌم ٌساعد لٌس بدافع الرؼبة بل ألنّ الرحمة أصبحت‬
‫طبٌعته الفطرٌة‪ ...‬أي أنه قد تعرّ ؾ إلى أصوله األصٌلة‪ ...‬ك ّل متؤمل‬
‫ٌتطوّ ر و ٌتصوّ ر فً األرحام و ٌتبلءم و ٌتبلحم برحمة الرحمن‪...‬‬
‫الرحٌم لٌس خادما ً‪ُ ...‬خ ّدام العالم و البشر هم المفسدون فً األرض‪...‬‬
‫الخادم مإ ٍذ عابث و لعوب ألنّ مساعدته أو خدمته هً رؼبة مؽلّفة‬
‫بالرحمة أي حفلة تنكرٌة‪ ،‬و الشهوة ال تتحوّ ل إلى رحمة أبداً ألنّ الرحمة‬
‫من األبدٌة اإللهٌة و الرؼبة من الؽٌرة و الؽرور و العادات الفكرٌة‪ ...‬و‬
‫الفرق واسع و شاسع بٌن أهل الفكر و أهل الذكر‪...‬‬
‫الرؼبة دابمة االستؽبلل‪ ،‬تستؽ ّل الجاهل و البسٌط باسم الرحمة‪ ...‬تستطٌع‬
‫أن تستثمر كفرك و شهوتك بؤسلوب لطٌؾ و لكنه مخٌؾ و كم من‬
‫المإتمرات هً مإامرات ضد اإلنسان و اإلنسانٌة‪...‬‬
‫كم من الوعظات فً المعابد و الهٌاكل و االجتماعات الدٌنٌة تتكلم باسم‬
‫المحبة و الرحمة و السبلم‪ ،‬و النتٌجة هً األلوؾ من الحروب فً سبٌل‬
‫سفك الدماء و دماء األبرٌاء ألنّ المجرم عنده الحصانة المحصّنة بالمال و‬
‫بالسلطة و الشرٌعة‪ ...‬تارٌخنا ٌشهد على أعمالنا و عالم الٌوم على ح ّد‬

‫‪40‬‬
‫السٌؾ و على كؾّ عفرٌت‪ ...‬بٌن لحظة و أخرى تتفجّ ر الذرّ ة و األرض‬
‫ب َمن فٌها‪ ...‬أٌن أنت ٌا نوح و أٌن هً السفٌنة؟‬
‫الحل هو بالعقل الذي ٌفهم و ٌنعم بنِعم هللا و بكرمه و رحمته‪...‬‬
‫علٌنا أن نتذكر بؤنّ الرؼبة هً أول خطوة إلى التخلًّ عن األلوهٌة‪...‬‬
‫إنّ الشهوة شهوة‪ ...‬سواء كانت للمساعدة أم لؤلذى‪ ...‬المسؤلة لٌست فً‬
‫رؼبة الشًء أو الهدؾ بل فً طبٌعة الرؼبة نفسها‪ ...‬طبٌعة الشهوة هً‬
‫بادرة أو قٌادة اآلن إلى الؽد‪ ...‬إلى المستقبل‪ ..‬و مع هذه الرؼبة تؤتً جمٌع‬
‫حاالت التوتر و القلق و االضطراب و األمل بالنجاح و الخوؾ من الفشل‬
‫و أٌن هو التوكل؟‬
‫الخوؾ من الفشل الذرٌع هو الطمع و الطموح إلى النجاح السرٌع‪ ...‬مهما‬
‫كانت رؼبتً فً المال أو النصر فً العالم‪ ،‬أو أرؼب بؤن أكون رحٌمة‬
‫مع البشر ألخلّصهم من عذاب جه ّنم ألننً أإمن بؤنّ الجنة هً لفبة دون‬
‫ؼٌرها‪ ...‬جمٌع هذه الرؼبات هً لعبة نظرٌات المنطق الخالً من‬
‫الحق‪ ...‬تتؽٌّر األسماء و لكن الهدؾ واحد‪ ...‬علٌنا أن نفهم الجوهرة‬
‫األساسٌة فً لعبة الرؼبة و الرهبة‪ ...‬الحق ال ٌعترؾ ال بالترؼٌب و ال‬
‫بالترهٌب بل بالرحمة التً وسعت كل شًء دون أي قٌد أو أي شرط بل‬
‫لتكن مشٌبتك أٌُّها الخالق‪ ,‬و ما على المخلوق إالّ الشهادة بعٌن العبادة ال‬
‫بعٌن العبودٌة‪...‬‬

‫سؤل الحكٌ َم أح ُد مرٌدٌه قاببلً‪" :‬أٌُّها المرشد الحكٌم أرٌد أن أساعد‬


‫الناس‪..‬علّمنً و أرشدنً!"‬
‫نظر إلٌه المعلم بحزن شدٌد‪ ...‬و احتار و ارتبك المرٌد و عاد ٌسؤله‪:‬‬
‫"لماذا حزنت؟ هل قلت شٌبا ّ سٌّبا ً أو باطبلً؟"‬
‫فر ّد علٌه المرشد قاببلً‪" :‬كٌؾ تستطٌع أن تساعد الناس؟ بالرؼم من‬
‫زلت جاهبلً و ؼرٌبا ً عن نفسك‪ ...‬ساعِ د نفسك أوالً ألنّ‬ ‫َ‬ ‫وجودك معً ال‬
‫فاقد الشًء ال ٌعطٌه‪ ...‬مساعدتك ستكون مُجرّ د أذى للناس‪ ...‬باسم الخٌر‬
‫ستزرع الشر"‪ ...‬هذا ما نقوم به عبر التارٌخ‪ ...‬باسم الحب نزرع الحرب‬
‫و باسم الشفاء نزرع األمراض و ما إلى هنالك من نفاق باسم الوفاق‪...‬‬

‫علٌنا أن نشعل الفانوس الذي فً النفوس‪ ،‬عندب ٍذ تحمل نورك و تبحث عن‬
‫وعٌك و كٌانك‪ ...‬لهب سراجك سٌوقد و ٌشعل كل سراج محتاج إلى‬
‫الوهج و عندب ٍذ أٌنما توجّ هت سترى نور هللا‪ ,‬و حضورك النورانً سٌكون‬
‫حضرة كافٌة ألهل العفو و العافٌة‪ ...‬إنّ لؽة النور هً لؽة اللؽات و لكن‬

‫‪41‬‬
‫لٌست لؤلؼبٌاء و ال للجهبلء و ال لعمٌان البصر و البصٌرة بل إلى كل من‬
‫ٌح ّج فً سبٌل الحق‪ ,‬و هللا هو الحق الساكن فً قلب المإمن ال فً قلب‬
‫الراؼب الذي شملت رؼبته كل شًء أكانت مادٌة أم روحٌة‪ ،‬إ ّنها رحلة‬
‫ح ّج إلى األنا و إلى الؽرور و االستكبار‪...‬‬
‫إنّ الشهوة شهوة سواء كانت أرضٌة أم سماوٌة‪ ...‬أرٌد مساعدة اآلخر‬
‫ألكون أفضل منه و أعلم و أحكم و أرحم‪ ...‬أرٌد المساعدة ألننً وصلت‬
‫إلى الحقٌقة أما هو ال ٌزال جاهبلً ٌتعثر فً السٌر و ٌتلعثم فً الكبلم و‬
‫أعمى فً النور و فً الظبلم‪ ...‬أرٌد أن أكون أنا السٌّدة علٌه و السٌّد على‬
‫المجتمع و أحوّ لهم إلى خراؾ و أنا الراعً‪ ...‬إذا كانت هذه هً رؼبتً‬
‫حفر حفرة ألخٌه وقع فٌها‪ ...‬المساعدة سٌؾ‬ ‫فإ ّنها ستكون حفرتً‪َ ...‬من َ‬
‫ذو ح ّدٌن لٌقطع الطرفٌن‪ ...‬إنّ الصحابة و الحوارٌٌن الذٌن رافقوا األنبٌاء‬
‫هم من أهل البٌت‪ ,‬و كل فرد منهم رفٌق فرٌد و ممٌز و لٌس تلمٌذاً لٌُر ّدد‬
‫صدى كلمات األنبٌاء دون أي فهم بل كالببؽاء التً ال تبتؽً إالّ الؽباء‪...‬‬

‫هناك نوع آخر من المساعدة الناتجة ال من الرؼبة و ال من استعراض األنا‬


‫و لكن المساعدة الناتجة من قمة الرحمة‪ ...‬عندما ٌؤتً الربٌع إلى ضمٌرنا‬
‫و تزهر األزهار و تخضرّ الحقول تنبع جمٌع أنواع العطور و تبقى فً‬
‫الوجود على م ّد العصور و الدهور و هذه المشاركة هً العطاء اإللهً‬
‫عبر البشر و الشجر و الطٌر و الحجر دون أي رؼبة أو شوق‪ ،‬بل هً‬
‫خارجة عن إرادة المخلوق و نابعة من الخالق عبر مخلوقاته أل ّنها فٌض‬
‫من رحمته التً وسعت كل شًء‪ ...‬و هذه النعمة ال ٌح ّدها أي أحد و ال‬
‫ٌمنعها أي س ّد و ال ٌمكن تجنبها بل تسٌر معنا جنبا ً إلى جنب و تفٌض من‬
‫كل قلب ٌحب‪...‬‬
‫هذا هو النور الذي ٌُسٌّرنا فً عتمة الطرٌق و تكون اإلشارة و البشارة و‬
‫اإلنذار على مفارق األخطار‪ ،‬و هذه هً البداٌة الجدٌدة فً حٌاة جدٌدة ال‬
‫ألننا استخدمنا الرؼبة و لكن ألننا تحولنا من الشوق إلى الحق و من الحب‬
‫إلى المحبة و من المحاكمة إلى الرحمة‪...‬‬
‫هذا هو معنى الموت و القٌامة و اآلن هً اللحظة التً تحمل هذه النعمة‬
‫ألصحابها‪ ...‬نعمة الٌقظة فً كل لحظة‪...‬‬

‫عندي رغبة شدٌدة فً تمرٌن خاص بالتأمل حٌث أردد‪" :‬هل ٌُسمح لً‬
‫بأن أكون سلٌمة من األمراض؟ هل ٌسمح لً بأن أحب نفسً؟ هل ٌجوز‬
‫أتحرر من الغضب؟ هل ٌمكن‬
‫ّ‬ ‫أن أحب خوفً و أعدائً؟ هل أستطٌع أن‬

‫‪42‬‬
‫أن أشارك العالم بنعمتك بعد أن تمنحنً إٌاها؟"‪ ...‬و لكن أخاف أن أتبع‬
‫هذه الرغبة علّها كانت ّ‬
‫منوما ًا مغناطٌسٌا ًا‪ ...‬ما هو الجواب؟‬

‫هذا التمرٌن من أفضل األفكار التً تخترق الفكر‪ ...‬إ ّنه من أفضل الطرق‬
‫إلى التؤمل‪ ...‬و ال تخافً من التنوٌم الذاتً أل ّنها عملٌة عكسٌة مضادة‪...‬‬
‫ت وجها ً لوجه مع‬ ‫كؤ ّنكِ أتٌ ِ‬
‫ت إلى الؽابة أو لزٌارتً فً منزلً و التقٌ ِ‬
‫الطبٌعة و معً و مع البشر‪ ,‬و عندما تعودي إلى البٌت فالطبٌعة ال تزال‬
‫تراكِ و أنا أٌضا ً سؤودعك و أرافقك من وراء ظهرك و هذه أن ِ‬
‫ت‪...‬‬
‫الطرٌق لم تتؽٌر و أنت أٌضا ً و لكن الوجه كان م ّتجها ً نحوي أو نحو البٌت‬
‫و اآلن ظهرك متجه نحو بٌتً‪ ...‬و أٌنما نتوجه نرى النور و الوجه‬
‫اإللهً‪...‬‬
‫عٌن هللا ترانا و ترعانا أٌنما ك ّنا و لكن َمن م ّنا حًّ أو صاحً؟ نشخر فً‬
‫النهار و التنوٌم المؽناطٌسً مزروع فٌنا أصبلً و سابقا ً مع األرحام‬
‫السابقة‪...‬‬
‫المجتمع بؤسره تحت تؤثٌر هذا التنوٌم‪ ...‬قال لك أحدهم بؤ ّنك مسٌحً و ال‬
‫زلت ُتردد هذه الفكرة المتوارثة عبر األجٌال‪ ,‬و آخر ٌهودي و الجار مسلم‬ ‫َ‬
‫و إلى كل ما نراه حول الكرة األرضٌة من تنوٌم لتقوٌم الجهل و الكره‪...‬‬
‫إذا كنت تعتقد أو تفكر بؤ ّنك تعٌس فهذه فكرة أهل اللوم و النوم‪ ,‬و ننام فً‬
‫أفكارنا و ضمابرنا إلى ما شاء جهلنا‪ ...‬إنّ جمٌع مشاكلنا نابعة من التنوٌم‬
‫و كل ما فًّ و فٌكم هو تنوٌم‪ ...‬إنّ المجتمع النابم هو سبب هذا العطاء‬
‫الوافر إلى كل مإمن و كافر‪ ...‬و اآلن ٌفٌض اإلنسان من بحر األفكار‬
‫المشروطة و المكٌّفة حسب قوانٌن أهل المإسسات أي المومسات‬
‫الممسوسة بالهلوسة و باإلباحٌات نتٌجة لهذه األفكار التً تربّعت فً قلوبنا‬
‫و أفكارنا و نتمسّك بها من خوفنا ألنّ اإلنسان عدو ما ٌجهل و الجهل سٌّد‬
‫الخوؾ‪ ...‬طوؾ و شوؾ و كن سٌّداً على ما ترى و ما تعرؾ‪...‬‬
‫علٌنا أن نعود إلى جهاد النفس أي إلى الفكر الطبٌعً لنواجه وجهنا‬
‫األصلً و نعود إلى نقطة االنطبلق عندما تحررنا من رحم األم و لم‬
‫نواجه َبعد فساد المجتمع الذي لوّ ث و شوّ ه جوهر و جودنا‪ ...‬عندما ٌولد‬
‫الطفل ٌحمل معه البراءة و الصداقة و الحب و الحكمة حٌث ال ٌعرؾ‬
‫الحقد و البُؽض و الؽضب بل المحبة و السماح و الؽفران‪ ...‬إنّ النسخة‬
‫األصلٌة لوجودنا ال تحٌا إال الرحمة اإللهٌة أل ّنها حقٌقة و جودنا مع‬
‫الوجود الرحٌم و الحلٌم‪...‬‬

‫‪43‬‬
‫البُؽض نتعلّمه الحقا ً من المجتمع و كذلك الؽضب و الؽٌرة و الحسد و‬
‫التملّك و ش ّتى أنواع اإلرهاب و االؼتصاب‪...‬‬
‫سكن مع السكٌنة‬‫َ‬ ‫عندما كان طفبلً فً رحم أمه لم ٌتعرّ ؾ على أي عدوٍّ بل‬
‫محاطا ً بالحب و مطوّ قا ً بالرحمة و لم ٌواجه أي شعور ؼٌر و ّدي أو مإ ٍذ و‬
‫لم ٌشعر إالّ باألمومة‪ ،‬و عندما خرج من العتمة إلى النور كان سراجه‬
‫ٌُلهب المشاعر بالحب حامبلً معه كٌانه األصٌل الذي لم ٌتلوّ ث بعد بؤي من‬
‫األسباب السلبٌة‪ ...‬و سرعان ما تؽٌ َّرت األحوال ألنّ أهل الدنٌا ٌخافون‬
‫من الخٌر و ٌناشدون الشرّ ألنّ الثقة التً وُ لدت معنا هً التً تقؾ ألهل‬
‫االستعباد بالمرصاد الطبٌعً‪ ،‬و لكن رصٌد أهل الدنٌا ؼٌر رصٌد أهل‬
‫اآلخرة و هذا هو الصراع األبدي بٌن جهاد النفس أو جهاد الفكر‪ٌ ...‬ولد‬
‫الطفل بالثقة اإللهٌة و ٌثق بالدنٌا و بؤهلها و مع الوقت ٌبدأ بتؽٌٌر‬
‫المصٌر‪...‬‬

‫سمعت هذه القصة من صدٌقتً حٌث قالت‪...‬‬


‫دخل الرجل و معه ولد صؽٌر إلى حانوت الحبلق و عندما انتهى دور‬
‫الرجل من المعاملة الكاملة مع المزٌّن من الحبلقة و ؼسٌل شعره و العناٌة‬
‫باألظافر و باألرجل و إلى كل متطلبات الزٌنة‪ ،‬وضع الولد مكانه على‬
‫الكرسً و قال للمزٌّن‪" :‬إننً ذاهب ألشتري ربطة عنق و سؤعود حاالً"‪...‬‬
‫و أنهى الحبلق عمله مع الولد و لم ٌؤت األب‪ ،‬فسؤله قاببلً‪" :‬لماذا لم ٌؤ ِ‬
‫ت‬
‫والدك بعد‪ ...‬هل ٌا ترى نسِ ًَ أ ّنك هنا؟"‪...‬‬
‫"إ ّنه لٌس والدي و ال أعرفه‪ ،‬رأٌته على الطرٌق و أمسك بٌدي قاببلً‪ :‬تعا َل‬
‫ٌا بنًّ لنحصل على حبلقة و قصة شعر مجانا ً"‪ ...‬الثقة تولد مع األطفال و‬
‫سرعان ما تتحوّ ل إلى تضلٌل و إضبلل‪...‬‬

‫إنّ المثل القابل‪ :‬العلم فً الصؽر كالنقش فً الحجر‪ ،‬هو حق و لكن أي‬
‫نوع من العلم؟ أٌن هو العلم الذي ٌنفع؟ أٌن هو علم األخبلق؟ أٌن هو‬
‫المعلم؟ أٌن هو األب و األم؟ أٌن نحن من هذه المسإولٌة؟ عندما ٌُخدع‬
‫الطفل ٌواجه المشاكل و ٌبدأ بالمعارضة و بالمقاومة و ٌقع فً شرك‬
‫الخوؾ و من هنا ٌبدأ بالحٌلة و بالخدعة و هذه هً مسٌرة كل إنسان حتى‬
‫وصلنا إلى ما نحن علٌه اآلن‪...‬‬

‫التؤمل أو التذكر ٌعٌدنا إلى الفطرة و إلى ؼسل الدماغ و إعادة تؤهٌله و‬
‫صٌاؼته على البراءة أي الصفحة الذهبٌة البٌضاء حٌث ال خوؾ و ال‬

‫‪44‬‬
‫بؽض و ال ؼضب و ال ؼٌرة و ال حسد بل كما ولدتنا أمهاتنا أحراراً دون‬
‫أي عبادة أو عبودٌة بل نحٌا محبة النفس أل ّنها األقرب إلًّ من أي نفس‪ ,‬و‬
‫نشر المحبة و الصداقة و الرحمة و‬ ‫َمن أحب نفسه أحب العالم و َ‬
‫البركات‪...‬‬
‫فً البداٌة نشارك األحباب و األصدقاء و مع الوقت نتصل بالؽرٌب و معه‬
‫النسٌب و مع الذي ال نتوافق معه و الذي ال نحبه و التً نكرهها و هذا‬
‫الذي أختلؾ معه و هذا الذي ال ٌهمنً أبداً و هذا المعاق شكلٌا ً و هذا‬
‫الحاكم و هذا الؽنً‪ ...‬إلى أن أطهّر فكري و عقلً من جمٌع أنواع التلوّ ث‬
‫و أعود إلى الرحم األكبر من رحم األم إلى هذا المدى الذي ٌمت ّد إلى مدى‬
‫أبعد من رحم الدنٌا و اآلخرة‪ ...‬إلى رحم أرحم الراحمٌن‪...‬‬

‫عندما ٌجلس المرشد‪ٌ ،‬جلس فً الوجود و كؤ ّنه فً رحم أمه الكامل الشامل‬
‫باألمومة و باألبوة‪ ...‬حٌث ال عداوة و ال كراهٌة و ال خصومة‪ ،‬بل‬
‫اإلدراك بنفسه و بطبٌعته الفطرٌة األصٌلة‪ ...‬لقد توصّل إلى معرفة‬
‫جوهرة و سرّ كٌانه فً هذا الوجود‪ ...‬اآلن تستطٌع أن تقتل المستنٌر و‬
‫لكن ال تستطٌع أنّ تدمِّر رحمته أل ّنها متصلة برحمة الرحمن و كذلك ثقته‬
‫باهلل و نفسه و الثقة هً أساس وجوده و بدونها ال وجود له بل جٌفة تنتظر‬
‫الدفن‪ ،‬و إذا احتفظنا بالثقة و خسرنا كل شًء لم نخسر شٌبا ً على‬
‫اإلطبلق‪ ...‬تستطٌع أن تؤخذ منه كل شًء و لكن الثقة ال ُتعطى و ال ُتإخذ‬
‫أل ّنها هبة إلهٌة إلى َمن ٌستحقها و ٌق ّدرها‪ ...‬هً الجسر لبناء البنٌة التحتٌة‬
‫للتفوّ ق من الشوق إلى الحق و الرحمة حق‪...‬‬

‫كٌف ُوجدت األنا؟‬


‫الخوؾ هو سبب وجود األنا و هذا اإلحساس موجود مع الوجود أي مع‬
‫المٌزان فً اإلنسان‪ ...‬اللٌل و النهار‪ ،‬الخٌر و الشرّ ‪ ،‬الخوؾ و الشجاعة و‬
‫إلى البلنهاٌة من سرّ األضداد‪ ...‬و هذه األنا هً التً تخاؾ و تستكبر‬
‫َ‬
‫أردت أن‬ ‫لتخفً الخوؾ و بذلك ٌنبع الكره و العداوة و الصراع‪ ...‬إذا‬
‫ترمً أو تتخلّى عن األنا علٌك أن تتقرّ ب من الحب و مع هذا اإلحساس‬
‫ٌختفً الخوؾ و معه األنا ألنّ االستكبار هو ظل الخوؾ‪.‬‬
‫و إذا كان حبنا صادقا ً و شاسعا ً و واسعا ً بدون أي قٌد أو شرط‪ ،‬عندب ٍذ ال‬
‫مكان للؽرور و لؤلنا و لؤلنانٌة‪.‬‬
‫الشعور باألنا هو أتفه و أسفل شًء أو حالة ممكن أن تحل بنا‪ ،‬و عندما‬
‫تحدث فمن الصعب أن نراها أل ّنها تمرّ كالؽشاوة على أعٌننا و تحجب ع ّنا‬

‫‪45‬‬
‫سرّ وجودنا‪ ...‬عندما أسؤل نفسً من أنا؟ ال أقصد بذلك جسدي أو‬
‫شخصٌتً أو فكري أو عملً أو هوٌتً التً تموت و المحددة بؤمور الدنٌا‪،‬‬
‫و لكن هذه األنا الكونٌة الساكنة فٌك و فًّ ‪ ...‬هذه النفس من اللوامة إلى‬
‫الشفافة‪...‬‬
‫و من النفس إلى الذات أي هذه الذاتٌة المُلهمة الساكنة فً القلب الذي‬
‫ٌحجب و ٌؽضب و منها إلى الروح التً هً أبعد من أي صفة أو طاقة و‬
‫لكن هً الصلة الرحٌمة التً تصلنا باهلل‪...‬‬
‫لكن اإلنسان الذي ٌرى الشمس من ثقب الباب ال ٌستطٌع أن ٌتعرّ ؾ على‬
‫حقٌقة النور أل ّنه ٌخاؾ من مواجهة هذا الوهج الساطع‪ ،‬لذلك نتمسّك باألنا‬
‫حفاظا ً على جهلنا ألننا تعودنا أن نعٌش فً العتمة و العادة إبادة حتى لو‬
‫كانت عبادة‪ ...‬فالؽرور إذاً له دوره فً الدنٌا و فً حٌاتنا‪...‬‬

‫نادرة طرٌفة تقول أنّ جحا التقى بؤصدقابه و هم ٌتفاخرون بالتشابه‪...‬‬


‫األول قال بؤ ّنه ٌشبه إلى ح ّد بعٌد ربٌس جمهورٌة أمرٌكا حتى أكثر‬
‫األوقات تحصل الؽلطة فً التشبٌه و الخطؤ ٌجوز فً مثل هذه الحالة‪...‬‬
‫و قال الثانً‪ ...‬إننً أشبه ملك برٌطانٌا حتى أكثر الناس ٌطلبون منً‬
‫توقٌعً‪...‬‬
‫و إذا بجحا ٌرفع صوته شامخا ً‪ ...‬هذا ال شًء بالنسبة لوضعً‪ ...‬إ ّنهم‬
‫ٌشبهوننً باهلل ‪ ...‬و صرخ كل من األول و الثانً‪ :‬كٌؾ هذا؟‬
‫اسمعونً جٌّداً‪ ...‬عندما حكموا علًّ بالسجن للمرة الرابعة و فً اللحظة‬
‫التً رآنً فٌها حارس السجن‪ ،‬تعجّ ب و خاؾ و صرخ عالٌا ً‪ٌ" :‬ا هللا! لقد‬
‫قلت لهم بؤننً سؤعود دابما ً‪...‬‬
‫عُدت إلٌنا"‪ ...‬و ُ‬

‫عندما نفهم بؤنّ األنا هً حدث فً حٌاة اإلنسان و المسإول عن هذا‬


‫الحادث هو صاحب األنا‪ ...‬أي أنا المسإولة عن الؽرور و االستكبار الذي‬
‫ٌنمو فًّ و من أول خطوة فً هذه المرحلة أبدأ باالفتخار عن فهم أو عن‬
‫جهل‪ ,‬المهم هو الؽرور بنفسً و كم أنا مهمة‪ ،‬و عندما أو ّد أن أشاركك‬
‫بؤي حبّ أو عاطفة أو مجاملة أقول لك‪" :‬أنت أٌضا ً مهم‪ ،‬لست وحدي‬
‫المهمة"‪...‬‬
‫لننتبه ماذا نقول أو كٌؾ نتصرّ ؾ عندما ُنحب أو نكره أو فً أي انفعال‪...‬‬
‫ماذا ٌنبع من داخلنا؟ اإلناء ٌنضح بما فٌه و ٌنصح أٌضا ً‪...‬‬
‫من أنا ألق ّدم لك أي نصٌحة؟ أشاركك باختباري مهما كان نوعه ح ّبا ً‬
‫بالمشاركة ال ؼٌر‪...‬‬

‫‪46‬‬
‫و فً حاالت الحبّ و الشؽؾ أقول لك أحبك أكثر من نفسً و أموت فداك‬
‫أل ّنك أنت أهم منً لك الحق فً الحٌاة أكثر منً‪...‬‬
‫هل هذه مجامبلت أم حقا ً حبّ دون أي ؼرض؟‬
‫إنّ السٌّد المسٌح شارك فً هذا الفداء و كذلك جمٌع األنبٌاء و كل من‬
‫عرؾ الحٌاة األبدٌة و الرحمة اإللهٌة و لكن أٌن أنا من هذا المستوى؟‬
‫عندما نتعمّق فً الحب نخترق الموت و الحٌاة و ال نرى بل نشهد بؤنّ‬
‫الوجود هو األبدٌة و هو الرحمة الحٌّة فً لبّ القلب حٌث ال كبلم و ال‬
‫شعور و ال إحساس بل حالة أبعد من الكبلم‪ ...‬إ ّنها كذوبان حبة الملح فً‬
‫الماء حٌث ال ٌستطٌع أحد أن ٌعبّر عن هذا االختبار الذي هو أبعد من‬
‫التعبٌر‪...‬‬
‫و فس َّر الما َء بعد الجهد بالماء‪ ...‬األم تضحً من أجل ولدها و لكن المسٌح‬
‫ضحّ ى من أجله و من أجل العالم أل ّنه هو العالم و هو الحق و هو الطرٌق‪,‬‬
‫و هذه هً الرحمة اإللهٌة التً تشارك العالم دون أي شرك أو أي رؼبة‪...‬‬
‫ً‬
‫رحمة بالرحمة‪...‬‬ ‫بل‬

‫متى تختفً األنا؟‬


‫عندما ٌختفً الفكر‪ ...‬و الفكر هو المنطق‪ ...‬الذكر ؼٌر الفكر كما المنطق‬
‫ؼٌر الحق‪...‬‬
‫المتؤمل ٌرى األنا و ٌرى البلشًء أي وسع المدى‪ ...‬و عندما ٌحقق هذه‬
‫الحالة الدابمة و المستمرة ٌتصل بالتوحٌد و هذا هو االعتصام بحبل هللا و‬
‫أٌن نحن من هذا الموقؾ؟ استفتً قلبك و راقب أفكارك و ُكن شاهداً على‬
‫نفسك‪ ...‬إ ّنها تمارٌن بسٌطة ُترشدنا إلى وضعنا‪ ...‬كلنا معا ً فً هذه‬
‫الرحلة‪ ...‬إ ّنها الح ّج السماوي القرٌب إلى القلب و هو من الفكر إلى القلب‬
‫حٌث النور فً لبّ األلباب‪ ،‬و عندما ٌضٌع الؽرور ٌظهر النور و هذه هً‬
‫نعمة الفرح و السرور أي أنك لم تعُد ترى بل تشهد بؤنك لست موجوداً‪ ,‬بل‬
‫الوجود بؤسره هو الموجود و هذه هً ال إله إالّ هللا‪ ...‬األلوهٌة هً التً‬
‫تكتب و تقرأ و تحٌا اآلن وفً كل أوان‪...‬‬

‫فً لبنان عندما ٌقول اإلنسان كلمة "أنا" ٌذكر هللا بقوله‪ :‬نجّ نا ٌا هللا من‬
‫كلمة أنا‪ ،‬و لكنها عبارة أو وسٌلة للمشاركة كاألسماء‪ ،‬مثبلً كٌؾ أستطٌع‬
‫أن أتحدث معك إنْ لم ننادي بعضنا بؤسمابنا؟‬

‫‪47‬‬
‫و لكن اسمً هو لجسدي و أحمل منه بعض الصفات‪ ...‬و علّ َم آدم األسماء‬
‫كلها عندما نسً لؽة الصمت و السكٌنة و المشاهدة‪ ...‬عالِم األرض ٌتقن‬
‫األلوؾ من اللؽات و المبلٌٌن من الحروؾ و النٌّات‪...‬‬
‫فإذاً األنا وسٌلة و لٌست هدؾ و ال خوؾ‪ ،‬على المُدرك أن ٌستخدمها ألنّ‬
‫السٌؾ فً ٌد الرحٌم ال ٌإذي‪ ...‬هذا هو حكم الخلٌفة و السٌّد و الحكٌم و‬
‫جمٌع أولٌاء هللا‪ ...‬من األفضل أالّ نتقٌّد بالخوؾ بل نستخدم جمٌع الوسابل‬
‫لخدمة اإلنسان كذلك الفكر و العقل و جمٌع العلوم و المعلومات و أن‬
‫نتخطى السٌولة الدنٌوٌة و نتصل بالسكٌنة السماوٌة الساكنة فٌنا‪ ,‬و ما‬
‫الدنٌا إالّ ممراً علٌنا أن نحترمها و نرحمها و نشكرها‪ ,‬و لكن كلنا حجّ اج‬
‫على هذا الجسر‪...‬‬
‫اإلنسان هو السٌّد على فكره و نفسه و لسانه و أعماله‪ ,‬و إذا وصل إلى‬
‫أٌقن بؤ ّنه فً رحمة هللا ألنّ الٌقٌن هو الحماٌة من أي‬
‫مستوى الشهادة َ‬
‫هاوٌة‪ٌَ ...‬قٌنً ٌُقٌنً‪...‬‬

‫عندما ٌولد الطفل تولد الطفولة و األمومة و األبوّ ة معه و هذه هً البراءة‬
‫حٌث ال أنا و ال أي نٌّة إالّ األلوهٌة فٌك و فًّ التً منها و بها نحٌا و‬
‫نموت مع كل َنفس و َن َفس‪ ,‬و هذه هً الوالدة العذرٌة أو البتولٌة‪ ...‬و لكن‬
‫ما تفعله األفكار االجتماعٌّة هً ما نراه منذ آدم حتى اآلن‪ ..‬تكتب فٌنا كل‬
‫أنواع الجهل و تضٌّق علٌنا اآلفاق و تخ ُنق فٌنا الحق و تفرض علٌنا الدور‬
‫الذي ٌخدم نواٌا أهل السلطة و نصبح و نمسً عبٌد الدنٌا و جهلها‪...‬‬
‫هذا ما نفعله منذ أجٌال و أجٌال مخلصٌن لمبادئ أهل الجهل و أٌن هو‬
‫العقل و أٌن نحن من التوكل على خالق العقل؟‬
‫لن نتحرر إالّ إذا اخترقنا حدود الجهل و حلّقنا فً السماء حٌث ال سدود و‬
‫ال بنود و ال قٌود‪...‬‬
‫لنخرج من هذا الممر الضٌّق و لندخل فً بحر التحقٌق و هذا هو القرار ٌا‬
‫أهل الخٌار األحرار‪ ...‬إنّ الحرٌة هً السعادة المطلقة لكن السعادة لٌست‬
‫وظٌفة أو عمل أو حفلة رسمٌة بل حٌاة أبدٌة مع األبد و منه المدد و‬
‫الصمد‪ ،‬لكن هل نحن معه و به و فٌه و إلٌه؟ أٌن هو األساس؟‬

‫عندما ُتحب بالقلب الواسع الرحب تتعرؾ على الحب‪ ,‬و منه إلى الرحمة‬
‫التً وسعت كل شًء و هذه هً السعادة األبدٌة ألهل الج ّنة‪ ,‬حٌث ال زمان‬
‫و ال مكان و ال أي وعد أو أي مدى بل اآلن و هنا نحن فً الج ّنة ل ُنذ ّكر‬
‫أنفسنا و بالذكرى نحٌا الذكر‪ ،‬أال بذكر هللا تطمبن القلوب‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الدجال‬
‫األعـور ّ‬
‫َ‬
‫األعمى ال ٌستطٌع أن ٌساعد األعمى‪.‬‬
‫إنّ الذٌن ٌتلمَّسون الطرٌق فً الظلمة لٌست لدٌهم القدرة على مساعدة‬
‫اآلخرٌن بالبحث عن النور‪ ..‬أولبك الذٌن ال ٌعرفون الخلود ال ٌستطٌعون‬
‫أن ٌساعدوا أهل الخوؾ من الموت‪ ..‬أولبك الّذٌن لم ٌعٌشوا اللحظة الكاملة‬
‫والشاملة بقوة وبكثافة‪ ،‬وأنشودتهم لم تصِ ل بعد إلى لبّ القلب‪ ،‬وابتسامتهم‬
‫ومصطنعة على شفاه كاذبة ومرٌضة‪ ،‬لٌس بإمكانهم‬ ‫َ‬ ‫ال تزال مرسومة‬
‫َّ‬
‫الموثقة‪ ...‬إنّ المنافقٌن و الذٌن ٌتظاهرون‬ ‫المساعدة الشرعٌة واألصلٌة و‬
‫بالوطنٌة وبالسٌادة وبالكرامة لٌسوا من أهل هذه الرسالة‪ ..‬إنّ الذي لم‬
‫ٌح ِّقق نفسه ولم ٌعرؾ سبب وجوده وجوهرة كٌنونته الفرٌدة بل ال ٌزال‬
‫ضاالً فً شخصٌته المزٌفة بالمجتمع الذي بناه وابتؽاه‪ ,‬ال ٌستطٌع إالّ أن‬
‫ٌستعبد الناس كما فرض على نفسه العبودٌة من أسبلفه وأتباعه حتى ولو‬
‫كانت النواٌا كلّها حسنة واإلرادة أحسن فمن المستحٌل أن تؽٌِّر فً أيّ قوم‬
‫ك أوالً‪ ...‬هإالء هُم الح ّكام فً العالم‪ ...‬أٌن نحن من الخلفاء‬
‫نفس َ‬
‫ما لم تؽغٌِّر َ‬
‫ومن أهل العلم والصفاء؟ نعم! كما تكونوا ٌولّى علٌكم‪..‬‬

‫هل أستطٌع أن أروي عطشك إن لم ٌ ُكن معً القلٌل من الماء؟ إنّ نور‬
‫شمعة صؽٌرة تضًء عتمة كبٌرة‪ ,‬ولكن الحدٌث عن الماء أو عن النور ال‬
‫موثقا ً بحقٌقة ملموسة و محسوسة‪ ...‬األذن تعشق‬ ‫ٌخدم و ال ٌنفع إن لم ٌكن ّ‬
‫قبل العٌن أحٌانا ً و لكن الٌوم جمٌع خطابات و وعود أهل السلطة ال‬
‫تتع ّدى اللسان واآلذان‪..‬‬

‫والمتأجج بنور وج َهك ٌا هللا‪ٌ ..‬ا‬


‫ِّ‬ ‫أٌن شعلتً وشمعتً ومصباحً الملهب‬
‫نور السماوات واألرض ماذا حل ّ بً؟؟‬

‫على اإلنسان أن ٌعود إلى التمرُّ د والعصٌان‪ ..‬نحن بحاجة إلى الثابر‪ ,‬إلى‬
‫هذا المهدي الذي ٌستطٌع أن ٌهدي العطشان إلى النبع وأن ٌُشعل النار فً‬
‫ك ّل دار ولكن من هو هذا المهدي؟‬
‫هل هو هذا األعمى الذي ٌقود العمٌان؟ هل هو هذا الثابر الذي ٌه ِّدد‬
‫بالكبلم وبالشعارات؟‬

‫‪49‬‬
‫إنه أعمى ودجّ ال وهذا ك ّل ما نستحق ٌا أهل الجهل‪ ...‬وأٌن هو الحق ؟‬
‫الحق فً صحوة البصر والبصٌرة وأن نؤخذ األعمى إلى الطبٌب‪ ..‬العاقل‬
‫ٌساعد الجاهل‪ .‬ال تستطٌع أن تشارك إال بما تملُك‪ .‬التعٌس ٌشاطِ ر تعاسته‬
‫وبذلك تتضاعؾ وتتع َّدد التعاسة وتمت ّد إلى أبعد الحدود‪ ..‬والشًء نفسه فً‬
‫صفات وكرامات أخرى كالبركة والتمرُّ د واإلختبار‪ .‬المشاركة بالشرّ أو‬
‫بالخٌر ٌكون من خٌارنا وما زرع نحصد‪ ..‬من عمل مثقال ذرة خٌر أو‬
‫شرّ ٌعود إلٌه عمله بالفابدة الفابضة‪...‬‬
‫اإلنسان هو المثال والمثل األعلى‪ ،‬فً زمن الخلفاء كان الخلٌفة هو الشعب‬
‫وهو العدل وهو الجماعة وهو الحلم الذي تح َّقق لذلك قالوا فً سٌدنا عمر‪:‬‬
‫ِنت فن َ‬
‫ِمت ٌا عمر‪...‬‬ ‫فعدلت فؤم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حكمت‬
‫أحبّ نفسه وأحب العالم كنفسِ ه‪ ...‬لقد تجاوز المحنة ونجح فً اإلمتحان‬
‫الصّعب وعاش حٌاته كؤيّ مواطن‪ ,‬ولكً ٌنجح الحاكِم فً فلسفته علٌه أن‬
‫ٌسلك درب الصلٌب المإلمة أو كالقابض على الجمر لٌبرهن وٌُثبت بؤنه‬
‫صادق فً قوله وفعله‪ ,‬ألنّ الحقٌقة قول وعمل وهو المثال لهذه الفلسفة‬
‫الكونٌة‪...‬‬

‫إنّ خٌر الكبلم ما ق َّل ود ّل ولٌس بالمناقشة دون الفعل‪ ..‬إنّ حوار وشجار‬
‫أهل ال ِّنفاق هو لشعب الفكر والكفر‪ ,‬ولكن أهل اإلختبار لٌسوا بحاجة إلى‬
‫الحوار بل إلى الصمت والتؤمُّل والتذ ُّكر ألنهم اختبروا الماء بالماء‪ ،‬والحٌاة‬
‫لٌست معادلة فكرٌة علمٌة نتٌجة المختبر بل هً اختبار من صُلب الواقع‬
‫الحٌاتً الٌومً نحٌاه فً حٌاتنا العادٌة والبسٌطة‪ ,‬ومن اإلختبار نشارك‬
‫العطاشى إلى هذا الحق‪ ...‬ال أستطٌع أن أهدٌك إالّ بما اهتدٌت ‪،‬إنّ اإلناء‬
‫ال ٌنضح إالّ بما فٌه وفاقد الشًء ال ٌعطٌه‪.....‬‬
‫إٌّاك ومساعدة اآلخرٌن قبل أن تختبر المساعدة بنفسك وإالّ سٌقع فً‬
‫ورطة أكبر وهو أصبلً فً مؤزق وفوضى وفساد‪ ..‬منذ أجٌال ونحن من‬
‫جهل إلى جهل حتى وصلنا إلى هذا الحال المعت ّل بشتى أنواع العلَل‬
‫والفشل‪ ,‬ومن األفضل واألرحم أن ال نتل ّقى أيّ مساعدة إالّ من أنفسنا‪ .‬علًّ‬
‫وأخترق الخطر ألنّ طرٌق الحق محفوفة‬ ‫ِ‬ ‫بنفسً أوالً‪ ،‬أن أسلك طرٌقً‬
‫بالمخاطر وبعد أن أختبر الممرّ أشارك ؼٌري وأساهِم معهم بقوّ ة وبصدق‬
‫ألنّ اإلختبار أقوى من األخبار‪ ..‬عندما ٌقول السٌد المسٌح "تعالوا معً ٌا‬
‫حاملً األثقال وأنا أرٌحكم" ‪ ،‬ألنه واثق من نفسه وقد اختبر طرٌق النور‪,‬‬
‫وقال أنا الحق والحٌاة والنور وكلّنا إخوة فً هذه الحقٌقة اإللهٌة‪...‬‬

‫‪50‬‬
‫من الصعب جداً فً عالم الٌوم أن نتبادل المعرفة‪ ،‬علًّ أوالً أن أتقن نقل‬
‫إختباري بٌنً وبٌن نفسً وأن أتعمَّق وأتؤ َّكد بؤنّ ما أحٌاه وما أختبره هو‬
‫الحقٌقة التً أحِب أن أشارك بها العالم‪ ...‬عندب ٍذ ٌفوح العطر من كٌانً إلى‬
‫جمٌع الكابنات ونتعاون باإلختبار الكونً المشترك بٌن سابر المخلوقات‪,‬‬
‫وإالّ إذا كان التجاوب من الفكر دون أيّ إختبار ستكون النٌة مشاركة‬
‫الرحٌق أو شراب اآللهة وبالفعل هً الس ّم الذي فً القلب‪ ..‬هذا ما نعٌشه‬
‫الٌوم حول العالم ‪..‬نتكلم عن السبلم ونزرع الحرب والسبلح‪ ...‬السبلم‬
‫علٌكم شفهٌا ً والسبلح علٌكم فعلٌا ً‪ ..‬فإذاً علٌنا أن نؽٌِّر ما فً نفوسنا لٌنضح‬
‫اإلناء بما فٌه على وجوهنا‪ ,‬وكما الكتاب ٌُقرأ من عنوانه وكذلك اإلنسان‬
‫وجهه‪ ...‬من األفضل أن نرى بعٌن هللا لنقول الحق إلى عٌال‬ ‫ِ‬ ‫ٌُعرؾ من‬
‫هللا‪ .‬إنّ الرؼبة هً النٌّة الحسنة ولكن الحسنة ال تؤتً من النٌة فحسب بل‬
‫من الفعل قبل القول‪ ..‬كلّنا نعلَم بؤنّ الطرٌق إلى جهنم معبّدة بالنواٌا‬
‫الحسنة‪ ..‬مبلٌٌن من الناس ٌساعدون الناس بالنصٌحة النصوحغة وبالنٌة‬
‫الحسنغة التً تنبع من اللسغان إلى األذن وأٌن نحن من هذا اإلمتحان؟؟؟‬
‫كانت النصٌحة إشعاراً للنور وإنذاراً من الخطر ألنها كانت من قلب‬
‫وزع‬‫المرشد المإمن‪ ,‬والمثل ٌقول‪ " :‬كانت النصٌحة بجمل "‪ ،‬والٌوم ُت َّ‬
‫النصابح من الجاهل إلى األجهل ألنه مؽرور وماهر وماكر باستخدام‬
‫المعلومات الفكرٌة‪ ،‬ولكن النصٌحة هً الشًء الوحٌد فً‬
‫العالم الذي ٌُعطٌه كل إنسان وال أحد ٌؤخذه‪ ،‬والحمد هلل على عدم التجاوب‬
‫ألنه بالرؼم من النٌة الحسنة فإنها ال تصل إلى القلب ألنها ناتجة عن إنسان‬
‫جاهل‪ ...‬لنتذ ّكر معا ً‪...‬‬
‫علٌنا أن نبدأ بؤنفسنا‪ ..‬ال أستطٌع أن أؼٌِّر العالم بل أن أؼٌِّر نفسً أوالً‬
‫وأخٌراً‪ ،‬عندب ٍذ ٌشعّ النور من قلبً إلى القلب اآلخر‪ ...‬وهذه هً معجزة‬
‫التؽٌٌر‪..‬‬

‫إنّ المحبة التً تنبع من الشهوة الجسدٌة هً لخدمة الجسد وجمٌع‬


‫ً‬
‫مادٌة لخدم ِة‬ ‫ً‬
‫مصلحة‬ ‫األحاسٌس الجسدٌة وهذه لٌست محب ًّة وال ح ّبا ً بل‬
‫الجٌب والبطن وما دون البطن‪ ,‬وهذا هو نشٌدنا الوطنً األصٌل والثابت‬
‫حٌث نصرخ بصوت ناشز كلّنا للبطن‪ ..‬كلّنا للكفن‪...‬‬
‫أي لموت اآلخرٌن‪ ..‬البطن لنا وما دون البطن لنا ألننا نحن أمة الوسط‬
‫أصبحنا فً خدمة مادون الوسط والواسطة‪...‬‬

‫‪51‬‬
‫لنعُد معا ً إلى القلب حٌث الرحمة والمحبة واإلمتنان والتمرُّ د والتدٌُّن‪ ،‬وهذه‬
‫البذور تنمو بالنور وتنتشر بالعدوى ألنها ؼذاء مع ٍد للجسد وللساجد معا ً‪...‬‬
‫ولكن علًّ أن أُصاب‬
‫بال ّشعلة النورانٌة ومنها أشارك الؽٌر ومعا ً نمضً فً مسٌرة النور‪...‬‬

‫هذه هً قمة المشاركة والعطاء والتحوُّ ل من اإلنفعاالت الحسٌّة إلى المحبة‬


‫الروحٌة حٌث ال شهوة وال رؼبة وال أيّ شرط أو أمل أو أمنٌة أو م ّنة‪ ،‬بل‬
‫مجرّ د مشاركة للعطر الذي ٌفوح من هذا السرّ اإللهً فً جوهر اإلنسان‬
‫اإللهً‪...‬‬

‫‪52‬‬
‫الرجمة‬
‫الرحمـة و ّ‬
‫ّ‬
‫إنّ الفرق بٌن الرحمة و الرجمة نقطة ولكن من أٌن أتت هذه القطرة؟ من‬
‫أيّ محٌط؟ وما هً الؽاٌة من استخدامها؟ قطرة من الس ّم تلوث كمٌة هابلة‬
‫من ال َّدسم وكذلك شمعة صؽٌرة ُتنٌر عتمة كبٌرة‪ ..‬فإذاً ما هً النٌّة فً‬
‫أعمالنا؟ إنّ الس ّكٌن فً ٌد األم هدفها قطع الخضار ولكن فً ٌد المجرم‬
‫هدفها قطع األخٌار‪ ,‬وهذا هو دور الرحمة و الرجمة فً وسٌلة واحدة ولك‬
‫الخٌار أٌها المختار‪...‬‬
‫ل ُندرك تماما ً بؤنّ الرحمة هً قمة السموّ اإللهً‪ ...‬إنها المحبة الصافٌة من‬
‫ك ّل الذنوب والمتحرِّ رة من جمٌع العبودٌات والسموم‪ ...‬العشق تحوَّ ل إلى‬
‫وجْ د والوجد إلى رحمة‪ ...‬إنّ العاطفة هً بذرة الرحمة‪.‬‬
‫العاطفة الصافٌة من العبودٌة والنقٌة من جمٌع المجامبلت والشهوات‬
‫والؽاٌات‪...‬‬
‫عاطفة األمومة هً التً ت ُع ّم جمٌع المخلوقات‪ ،‬لذلك ٌقول لنا الحبٌب أمُّكم‬
‫األرض وعمّتكم النخلة أي األمومة من ناحٌة األم واألب على السواء‪...‬‬
‫أي الطاقة األنثوٌة التً تسمو بنا إلى السموّ اإللهً حٌث العرش الرحٌم‬
‫بالرحمة األمومٌة‪...‬‬

‫حنان أو ِم ّنة‪ ..‬هذه المشاعر تدعم‬


‫ٍ‬ ‫ب أو عطؾٍ أو‬ ‫فإذاً الرحمة لٌست رقة قل ٍ‬
‫لك ال بتقوى المشاركة لنا‪،‬‬ ‫األنا واإلستكبار‪ ,‬ألننً أشعر بقوة المساعدة َ‬
‫وهذا هو الؽرور بم ّد الٌد األعلى إلى الٌد األدنى وهذا هو الذ ّل واإلهانة‬
‫بإسم العطاء والرحمة‪ ..‬إنّ العطاء السماوي هو من الكرٌم إلى عٌاله عبر‬
‫عباده الصالحٌن‪...‬‬
‫ب أثناء العطاء هذه اهانة مؽلَّفة بنشوة‬‫عندما تشعر بؤيّ عطؾ أو ر َّقة قل ٍ‬
‫فرح‪ ,‬وهذا عمل مُعٌب ومهٌن وم ِذ ّل لنفسك ولآلخر‪...‬‬

‫هذا النوع من التحقٌر ال ٌُؽتفر‪ ...‬لماذا ؟‬

‫‪53‬‬
‫ألننً أشعر باإلنتقام لنفسً من هذا "الكرٌم" الذي استخدمنً بإسم الكرم‬
‫والرحمة لؽاٌة خفٌّة فً نفسه‪ ...‬الكرٌم ال ٌُعلِن حتى لنفسه عن هذه النعمة‬
‫ألنها هبة من هللا إلى هللا عبر العابد المؤمور بؤمر هللا‪...‬‬
‫إنّ الرحمة رحمة‪ ..‬أي عمل إلهً بدون أيّ سبب أو أيّ ؼاٌة‪...‬‬
‫إنها عطاء دون وجود أليّ حاجة من أيّ محتاج‪ ,‬كالهواء والشمس وجمٌع‬
‫نِعم الطبٌعة‬
‫الموجودة فً هذا الوجود دون أيّ اعتبار أليّ وجود آخر‪ ...‬الرحمة فٌض‬
‫من كرم الرحمن دون أيّ حُ سبان ‪...‬إنها عفوٌة وطبٌعٌة كالتن ُّفس بٌنما‬
‫الر ّقة أو الحنان صفة لتنمٌة العبلقة بٌن البشر‪ ،‬إنها نوع من اإلحتٌال‬
‫الماكِر والحساب والتقدٌر لئلحصاء فً قدرة العطاء‪..‬‬
‫هذا هو حساب مخزن القلب‪...‬‬
‫سمعت بهذه المقولة العالمٌة الموجودة فً أكثر الطقوس والنصوص‬ ‫َ‬ ‫هل‬
‫المق ّدسة حٌث تقول‪:‬‬
‫"عامل الناس كما تحِب أن ٌعاملوك"‪ ،‬هل المسٌح صلَب الناس؟ وهل‬
‫رجم الناس؟‬ ‫الحبٌب َ‬
‫وهل اإلمام علً قتل الق َتلة؟ هذه صفة محسوبة ومعت َمد علٌها لؽاٌة فً‬
‫نفس حامِلها‪..‬‬
‫إنها لٌست رحمة ولٌس لها أيّ عبلقة بالتدٌُّن اإللهً‪ ..‬إنها درس أخبلقً‬
‫حقٌر و رخٌص و واطً‪.‬‬
‫إنها تجارة ولٌست دٌن‪ ..‬إنها مقاٌضة لؤلنانٌة وحبّ الذات‪ ..‬إنها لٌست‬
‫خدمة مجرّ دة من الؽاٌة ‪,‬بل هً الؽاٌة التً تعود إلى فاعلها بطرٌقة ملتوٌة‬
‫أي ؼٌر مباشرة‪...‬‬

‫إستخدمو َك لؽاٌة شرٌفة ولكنها األنانٌة بح ّد ذاتها‪ ...‬خدمة ذكٌة فً تجارة‬


‫النٌّة‪..‬‬

‫الرحمة هً عطر األزهار التً تؽمر وتفٌض بانسٌاب ؼزٌر دون أيّ‬
‫حساب‪...‬‬
‫ٌعرؾ إالّ الكرم الرحٌم‪َ ...‬‬
‫الكرم الذي ال تح ّده أيّ حدود‬ ‫الكرٌم هو الذي ال ِ‬
‫مادٌة أو فكرٌة أو نفسٌّة أو إلهٌة ‪...‬‬
‫لنتذ ّكر معا ً بؤنّ الرحمة لٌست شفقة أو عاطفة أو واجب للحب‪ ..‬الرحمة‬
‫َ‬
‫لست‬ ‫هً العاطفة بح ّد ذاتها ولٌس لك أيّ فضل أو ُّ‬
‫تدخل بها‪ ،‬أي أنك‬
‫أفضل أو أق ّل من المتل ّقً‪ ،‬أنت محرِّ ر أو ساعً برٌد أو صاحب رسالة من‬

‫‪54‬‬
‫ولست حاجزاً أو مانعا ً أو‬
‫َ‬ ‫الوجود إلى الوجود‪ ..‬أنت مجرَّ د وسٌط أو إناء‬
‫عابقا ً لهذا السٌل من الكرم والرحمة‪ ...‬اآلن أنا أكتب وأقرأ‬
‫والبصر والقلم وك ّل‬
‫َ‬ ‫وأنت كذلك‪ ,‬ومعا ً نشهد ونشكر خالق الكلمة والعقل‬
‫مانرى وما ال نرى وهذه هً الرحمة التً نحن لها شهداء ال ؼٌر‪...‬‬

‫أشهد بؤنه هو الرحمة ورحمته وسِ عت ك ّل شًء وأنا شًء ‪...‬‬

‫لنتذ ّكر قصة الملك إسكندر مع الفقٌر دٌوجٌن‪ ...‬عندما كان الملك مارّ اً فً‬
‫الٌونان سمع عن هذا الحكٌم المتق ِّشؾ وذهب لٌتؤ َّكد من صحّ ة كبلم الناس‬
‫وإذا به ٌرى إنسانا ً مستنٌراً مضٌبا ً وذكٌا ً متم ِّدداً على ضفة النهر مستمتعا ً‬
‫بالشمس‪ ،‬وكان الملِك ٌتمنى لقاء هذا الؽامض‪ ..‬إنه ال ٌملُك شٌبا ً ولكنه‬
‫ٌملُك ك ّل شًء‪ ..‬إنه متسوِّ ل ولكنه أؼنى من أيّ متموِّ ل وإمبراطور وملِك‪،‬‬
‫أكثر من أيّ حاكِم‪ ،‬وتق َّدم إلٌه اإلسكندر وسؤله بك ّل لطؾ وخشوع قاببلً‪:‬‬
‫ك سراً ال أحد‬ ‫عار من الثٌاب ولكنك تملِ ُ‬
‫"أٌها الفقٌر الؽنً‪ ..‬إنّ جسدك ٍ‬
‫ٌملكه‪ ,‬وأنا سعٌد بهذا اللقاء الصادق وأرى السعادة تشِ عّ من وجهك‬
‫وجسدك ولكن هل أستطٌع أن أق ِّدم لك أيّ خدمة؟"‪ ،‬فر َّد علٌه الحكٌم الفقٌر‬
‫حجبت عنً الشمس وتذ ّكر أن ال‬ ‫َ‬ ‫قاببلً‪" :‬فقط أرجوك أن تقِؾ جانبا ً ألنك‬
‫تمنع الشمس عن الناس واألرض‪ .‬إنك إنسان خطٌر جداً وتستطٌع أن‬
‫تحجب نور الشمس عن الكثٌر من البشر‪ ،‬أفسِ ح الطرٌق للشمس‪.."..‬‬

‫إنّ الرحمة لٌست شٌبا ً ما تستطٌع أن تمنحه لآلخرٌن‪ ،‬إنها مجرّ د عدم‬
‫عرقلة لنور الشمس‪ ،‬أي ال تح ِجب األلوهٌة النورانٌة عن أهلها‪ ..‬الرحمة‬
‫هً الصِّلة بٌن الخالق والمخلوق واإلنسان هو الوسٌط‪ ..‬أُنظر إلى قصبة‬
‫الخٌزران‪ ،‬إنها فارؼة كال ّناي وكذلك أنت أٌها القارئ‪ ...‬إنّ القدسٌّة تنساب‬
‫من خبلل قلبك المحِب للحبٌب وهذا هو لحن الخلود من الخالد إلى ك ّل‬
‫مولود‪..‬‬
‫إنّ الرحمة ال تنبع منً أو من نفسً‪ ،‬إنها من الوجود المق ّدس ‪ ..‬اللطؾ أو‬
‫خلق الخالق‬ ‫الرقة و الحنان هً من اإلنسان المحِب‪ ,‬و لكن الرحمة من ْ‬
‫ولٌست من المخلوق‪ ..‬علٌنا أن ال نحجبها وال نمنعها وال نعرقِل مسٌرها‪..‬‬
‫هل أستطٌع أن أطفا نور الشمس؟ إنها تخترق وتتؽل َؽل حٌثما تشاء ألنها‬
‫من مشٌبة هللا الذي ٌشاء ك ّل ما ٌشاء ‪...‬‬
‫إنّ اللطؾ ٌقوِّ ي األنا والؽرور‪ ،‬والرحمة ممكنة عندما ٌختفً اإلستكبار‬
‫تماما ً من اإلنسان المستكبر والمؽرور‪ ...‬لذلك علٌنا أن ال نص ِّدق كلمات‬

‫‪55‬‬
‫القاموس عن المعانً ألنّ كلمة الحنان مرادِفة لكلمة الرحمة وهذا هو‬
‫ضبلل الفكر اللؽوي‪ ..‬إنّ قاموس النفوس ؼٌر قاموس النصوص‪ ..‬إنّ‬
‫الوجود هو كتاب هللا المنظور ألهل التؤمل بالنور‪ ..‬هذه هً حقٌقة أهل‬
‫الذكر حٌث المعنى فً ك ّل حجر وفً صوت الطٌر والبشر وفً ك ّل‬ ‫ِّ‬
‫رقصة ٌطوؾ بها الوجود بؤسره مع خلقه‪...‬‬

‫إنّ عِ لم المعانً ؼٌر علم األوانً وهذا ما نسمعه الٌوم من علماء الفكر‬
‫الذٌن ٌد ِّققون فً الكلمة حتى وصل بنا الحال إلى هذا الضّبلل‪ ,‬وبٌن مسح‬
‫القدم وؼسل القدم لم ٌبقى لنا قدَ م بٌن األمم‪ ...‬هذا هو الجدل البٌزنطً الذي‬
‫ال ٌزال ٌسؤل وٌدقق إذا المبلبكة تنتمً إلى فبة َّ‬
‫الذكر أم األنثى‪ ,‬وما هو‬
‫الجنس الحقٌقً للمبلبكة‪ ...‬هذا هو جدل الضبلل عند أهل الجهل و أٌن‬
‫الرحمة ٌا أهل الرحمة؟؟‬

‫لنسمح للرحمة بؤن تنبض بقلوبنا وأن نتعاون مع قدسٌّة وجودنا وأن نختفً‬
‫تماما ً من أيّ ظهور ٌعرقِل مسٌرة النور وال نتمسَّك بؤيّ من العواطؾ‬
‫الفكرٌة وإالّ سٌتح َّكم الؽرور واإلستبداد‪ ,‬وهذا هو الشرّ الذي ٌقؾ لنا‬
‫بالمرصاد‪...‬‬

‫إنّ اإلنسان الظالم ٌشعر نوعا ً ما بالذ ّل ولكن اللطٌؾ والحنون ٌشعر‬
‫بالقداسة وبالعظمة وهذه هً األنانٌة ورحلة حبّ الذات والتبجُّ ح والشعور‬
‫بالنجاح‪...‬‬
‫ولنتؤكد بؤنّ اللطؾ ؼٌر الرحمة‪ ..‬اللطؾ جزء من أساس كٌان‬‫َّ‬ ‫لنتذ ّكر‬
‫الرحمة وكذلك اللٌن والرقة والوداد وجمٌع أسماء هللا الحسنى‪...‬‬
‫ولكن الرحمة لٌست من صُلب اإلنسان بل تنساب من خبللً‪ ..‬إنها نعمة‬
‫من الخالق عبر المخلوق وال ُّشكر و اإلمتنان إلى الخالق الرحٌم الرحمن‪...‬‬
‫إنّ الن ْفس الشفافة تمرّ من خبللها أسماء هللا الحسنى وهذه الشفافٌة ال تعرؾ‬
‫األنانٌة بل تسمح للوجود بؤن ٌنوِّ رها بنور رحمته وله ك ّل الشكر واإلمتنان‬
‫‪...‬‬
‫واألهم فً الخطوة الثانٌة من هذه الرحلة هو أن نتعلَّم بؤنّ المحبة التً‬
‫نتحدث عنها ؼٌر المحبة اإللهٌة التً ال نعرفها‪ ..‬محبتً هً مجرد ش َبق‬
‫وشهوة واستعراض بإسم الحب‪ ..‬محبتً ؼٌر المحبة اإللهٌة‪ ..‬إننً أستؽ ّل‬
‫من أحِب بإسم الحب وشعارات الحب‪...‬‬

‫‪56‬‬
‫أقول لك "إننً أحبّك"‪ ،‬هل هذا قول وفعل؟ هل َ‬
‫أنت وسٌلة بالنسبة لً‪,‬‬
‫أستخدمك بإسم الحب؟ هذا الحب هو مجرد إستؽبلل وهذه جرٌمة العُمر‬
‫على مرّ الدهر لتدمِّر جوهر الوجود فً وجودنا‪ ...‬هذا هو الدمار بٌن أهل‬
‫األرض حٌث الحب أصبح شهوة وتجارة وهذا ما نراه الٌوم عبر العالم‬
‫ور ِح َم هللا المحبة والرحمة‪...‬‬
‫َ‬

‫أحد الحكماء وصؾ بؤنّ األخبلق الفاسدة هً استخدام اإلنسان أخٌه‬


‫اإلنسان لؽاٌات دنٌوٌة‪ ...‬إنّ كل مخلوق حرّ ‪ ,‬وهو هدؾ وإنجاز بح ّد ذاته‪،‬‬
‫علٌنا باحترام أنفسِ نا واآلخرٌن وهذا هو الحب والتقدٌر‪ ،‬ولكن عندما‬
‫ٌستؽ ّل الزوج الزوجة وكذلك ك ّل فرد م ّنا‪ ,‬نستعمل بعضنا البعض كوسٌلة‬
‫لؽاٌات شخصٌة هذا هو دمار اإلنسانٌة واإلنسان معا ً‪ .‬المخلوق ال ٌُ َدمَّر من‬
‫الحقد أو من الخوؾ أو الجهل‪ ،‬بل ٌدمَّر بإسم الحب وألننا نسمٌّه حب ال‬
‫ُنعٌد النظر بهذه الظاهرة ألنّ الفكر ٌحترمها ألنها طاقة إنسانٌة لخدمة‬
‫اإلنسان‪ ...‬نستخدم كلمات خٌر لؽاٌات شرّ ‪ ...‬عالم الٌوم ال ٌزال ٌتؤلم منذ‬
‫آدم وحوّ اء حتى اآلن بإسم الحب والحرٌة واأللوهٌة الرحٌمة‪ ...‬هذه مجرد‬
‫شهوة عارٌة من الحبّ والرحمة‪ ،‬هدفها الوحٌد األخذ دون العطاء وتإكد‬
‫و ُتش َّدد بؤن الؽاٌة أو الشعار هو "األخذ األكبر‪ ,‬هو الجهاد األكبر" ‪ .‬إستؽ ّل‬
‫تسته ّل‪ ...‬هذه هً الشطارة بالتجارة‪..‬‬
‫ِ‬ ‫قبل أن‬
‫أعطٌت أعطً من طرؾ اللسان حبلوة ألجل الصفقة الرابحة‪ ...‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وإذا‬
‫استطعت أن تؤخذ دون أيّ عطاء هذا هو األفضل‬ ‫َ‬ ‫هو الفكر التجاري‪ ..‬إذا‬
‫أٌها العاقل وإالّ علٌك بالعطاء القلٌل على أمل أن تحصل على الكثٌر‪...‬‬
‫إنتهز الفرصة وانتزع الحصَّة األكبر من الطرؾ الثانً‪ ...‬هذا‬ ‫وعند األخذ ِ‬
‫هو اإلستؽبلل بإسم الشهوة‪ .‬والحب ؼٌر الشهوة‪ ،‬والحب ال ٌست ِؽ ّل وال‬
‫ٌضِ ّل بل ٌُشارك من قلبٍّ ٌُحِب المشاركة دون أيّ َتر ُّقب أو أيّ حساب أو‬
‫أيّ أمل‪ ...‬فإذاً المحبة الصادقة تنسجم مع الرحمة ولكن ما نسمٌه ح ّبا ً أو‬
‫محبة هو تجارة فكرٌة ومساومة بإسم اإلنسانٌة ٌدفع ثمنها اإلنسان و هو‬
‫ضحٌة الجهل منذ الزمان حتى اآلن‪ ...‬الرحمة ُتعطى دون أيّ أمل باألخذ‬
‫ولكن الحسنة تعود إلٌنا بؤضعاؾ وأضعاؾ ألننا ال نتر َّقب أيّ جواب أو‬
‫تجاوب بل القلب هو الذي ٌنبُض بالحٌاة أثناء المشاركة دون أيّ انتظار بل‬
‫باللحظة التً َتروي َتر َتوي‪ ...‬وهذا الكرم هو من رحمة الرحمن إلى هذا‬
‫اإلنسان الصادق بن َِعم الخالق وبحبَّه لنفسه ولخلقِه ألننا كلّنا عٌال هللا وكلنا‬
‫أخوة فً هللا‪ ,‬وهذه هً المحبة اإللهٌة الثابتة برحمته األبدٌة واألزلٌة‪...‬‬

‫‪57‬‬
‫الحظت بؤنّ كل عبلقة حبّ تنتهً بخٌبة أمل؟ والسبب؟ ألننا نتؤمل‬ ‫َ‬ ‫هل‬
‫الربح الفكري والمادي‪ ..‬إنها عبلقة ولٌست مشاركة‪ .‬لذلك تنتهً بحفرة‬
‫من التعاسة والحزن واإلحباط‪ ..‬وبفكرة الؽِشّ والخداع‪ ...‬الرحمة ال تعرؾ‬
‫الوهم ألنها ال تبدأ بالوهم وال تنتظر أيّ مردود أو أيّ حاجة ألنّ اإلنسان‬
‫الرحٌم ٌعلَم تماما ً بؤنه ال ٌملُك هذه النعمة بل إنها هبة من هللا و َمن أنا‬
‫ألتاجر بها أو حتى ألنتظر أيّ شكر‪ ...‬الشكر هلل وحده وهو صاحب هذه‬
‫لمس المرٌض وشفاه فشكره‬ ‫َ‬ ‫النعمة‪ ...‬هذا ما فعله السٌِّد المسٌح عندما‬
‫المرٌض بك ّل فرح وامتنان ألنّ مرضه كان مزمنا ً ومإلما ً وماذا قال له‬
‫المسٌح؟‬

‫"ال تشكرنً بل ُكن شكور ًا للذي خلقنا والذي استخدمنا لهذه المشاركة‬
‫بٌننا‪ ...‬إنها عبلقة بٌنك وبٌنه وما أنا إ ّال الوسٌط‪ ،‬إنه إٌمانك أنت الذي‬
‫وص َلك بالشافً األكبر وهذه القدرة الشافٌة هً من القادر األقدر واألكبر‪...‬‬
‫أنا ممكن أن تسمٌّنً الجسر الذي جمع محبة هللا مع إٌمانك به‪ ...‬لٌ ُكن‬
‫شكرك واهتمامك باهلل تعالى ال ؼٌر وأنت م َّتصل به من خبلل محبتك‬
‫لنفسك وله‪ُ ...‬أشكر هللا واشكر إٌمانك وهذا هو الشفاء الذي تسرَّ ب من‬
‫القلب إلى القلب‪ ...‬من محبة هللا إلى محبة خلق هللا‪."...‬‬
‫هذه هً الرحمة‪ ..‬الرحمة سٌْل من العطاء دون أن تشعر بالعطاء أو أن‬
‫تقول " إننً العطاء"‪ .‬من هذه النعمة نرى بؤنّ الوجود بؤسره ٌتجاوب مع‬
‫مإمن ومحِب‪ ...‬أنت تق ِّدم‬
‫ٍ‬ ‫هذا السرّ الشافً والرحٌم والمجٌب إلى كل‬
‫بؤسره مقابل قطرة ماء من قلبك‬
‫ِ‬ ‫القلٌل من الحب وهللا ٌعطٌك المحٌط‬
‫الولهان باإلٌمان‪ ..‬إنّ اإلنسان الرحوم ال ٌحاول أن ٌخطؾ أو ٌنتزع أو‬
‫ٌستؽ ّل‪ ...‬وال أن ٌتؤمَّل أو ٌتر َّقب أيّ تجاوب أليّ حبّ ٌق ِّدمه‪ ،‬بل ٌستمر‬
‫ضب‬ ‫محبة بالعطاء وهذه هً رحمة القلب الذي ال ٌتعب وال ٌن َ‬ ‫ً‬ ‫فً العطاء‬
‫من الحب اإللهً ألنه م ّتصل بالفٌض المق َّدس‪ ,‬الذي ال ٌزال فً هذا السٌْل‬
‫من الكرم منذ األبد وإلى األبد‪...‬‬

‫فإذاً الرحمة هً لٌست المحبة التً ن َّدعٌها ولكن هً المحبة التً ٌعٌشها‬
‫المسٌح واألنبٌاء والعارفٌن باهلل‪ ...‬هذه هً المحبة الحقٌقٌة التً تحٌا‬
‫بالمحبة الرحٌمة‪ ...‬إنّ الرحمة هً اإلدراك ولٌست الذكاء الفكري المقٌَّد‬
‫بؤشكال وشروط وقٌود منطقٌة‪ ،‬بل الذكاء الحرّ من أيّ حوار أو أيّ نقاش‬
‫عقلً أو منهجً ألنّ هذه األفكار هً حجز للحرٌة‪ ،‬وعندما ٌتحرَّ ر‬
‫اإلدراك من الفكر المقٌَّد ٌتحول إلى رحمة‪ ...‬إنّ اإلنسان الذي ٌرحم هو‬

‫‪58‬‬
‫صاحب ذكاء هابل وخارق‪ ,‬ولكن لٌس مقٌَّد بالفكر بل ٌخترق الفكر إلى‬
‫الرإٌة بعٌن البصر والبصٌرة دون أيّ تكهُّن أو ظنّ أو تخمٌن ودون أيّ‬
‫منطِ ق أو أيّ إستنتاج أو إستدالل بل القلب هو الدلٌل عن البصٌرة التً‬
‫ترى بنور هللا‪ ...‬إنّ اإلنسان الرحٌم هو ؼٌر عقبلنً وؼٌر محدود ال عقلٌا ً‬
‫وال فكرٌا ً وٌملُك الذكاء الهابل والشامل الذي ٌشِ عّ منه بالمعرفة دون أيّ‬
‫وعرؾ لمن‬
‫َ‬ ‫ٌعرؾ ال ٌف ِّكر‬
‫تفكٌر وهإالء هم العارفٌن باهلل‪ ...‬الذي ِ‬
‫وأدرك وهذا‬ ‫ِ‬ ‫عرؾ‪ ..‬أنا ال أعتقد أو أظنّ بوجود الشمس بل أعرؾ وأعلَم‬ ‫َ‬
‫من حق كل مخلوق‪ ...‬لماذا نف ّكر؟ التفكٌر هو بدٌل للمعرفة‪ ...‬أف ِّكر ألننً‬
‫ال أعرؾ وألننً ال أستطٌع أن أعرؾ‪ ،‬علًّ أن أفكر‪ ..‬التفكٌر بدٌل فقٌر‬
‫للمعرفة‪ ..‬عندما تستطٌع أن تعرؾ وأن ترى لماذا تهتم بالتفكٌر؟؟ إنسان‬
‫الرحمة ٌعرؾ‪ ,‬والعقبلنً ٌف ِّكر‪ ،‬األول من العارفٌن والثانً من المفكرٌن‪،‬‬
‫المفعم بالحِسّ والحدس العفوي البريء والحكٌم‪ ،‬والثانً‬ ‫َ‬ ‫األول ٌملُك الذكاء‬
‫ٌفكر بالذكاء النموذجً حسب المعلومات العلمٌة المقٌَّدة بالشروط‬
‫الفكرٌة‪...‬‬
‫فإذاً الرحمة لٌست ر ّقة شعور أو وجدان عاطفً‪ ...‬صاحب الرحمة ٌشعر‬
‫شعر به الحبٌب بعد معركة أ ُ ُحد عندما‬ ‫ولكن دون أيّ إنفعال حسًّ وهذا ما َ‬
‫نظر إلى الجبل وقال‪:‬‬
‫جبل ٌحبّنا ونحبّه ‪ ...‬قام بواجبه القلبً المفعم بالمحبة وبالرحمة وتجاوب‬
‫مع البشر والحجر دون أيّ عتب أو ذنب بل رحِم المعركة وأهلها‪ ,‬وفهم‬
‫بقلبه ضعؾ أهله ورحمة خالقه ونظر إلى الجبل ورأى الرحمة فً ك ّل‬
‫شًء ونحن أٌضا ً من أهل الفهم والرحمة‪...‬‬

‫لنشاهد معا ً شخصا ً ما ٌتؤلم ونحن أصحاب إحساس وأخبلق ور ّقة وحنان‬
‫وإلى ما هنالك من شعور‪ ..‬ماذا نفعل؟ البكاء ال ٌنفع‪ ...‬جاري ٌحترق‬
‫منزله والصراخ والعوٌل والضرب على الصدر ال ٌنفع‪ ...‬إنّ صاحب‬
‫الرحمة ٌتحرك‪ ..‬ال ٌبكً ألنّ هذا الفعل تافه وفارغ وال معنى له‪ ..‬الدمعة‬
‫ال ُتطفا الحرٌق وال ُتشفً المرٌض وال تساعد الذي ٌؽرق وؼ َمرته‬
‫المٌاه‪ ..‬إنسان ٌؽرق وأنا أصرخ وأبكً!! هذا مجرد شعور ال ؼٌر‪ ،‬وهذه‬
‫المشاعر ما هً إالّ مجامبلت كاذبة‪ .‬اإلحساس وحده ال ٌنفع‪ ،‬ولكن‬
‫صاحب الرحمة هو حامل النخوة والقوة والمساعدة الفورٌَّة دون أيّ تر ُّدد‬
‫أو إضطراب‪ ،‬فعله فً اللحظة التً ٌرى فٌها الحاجة وترجمة الرحمة فً‬
‫عمل سرٌع‪ ..‬ال ٌترجم بدقة أو بر َّقة بل ٌترجم‪ ...‬أي ُكن فٌكون!! ألنّ‬
‫صاحب الرحمة م َّتصل برحمة الرحمن‪ ,‬ورحمة هللا سرٌعة وناشطة‪ ..‬أي‬

‫‪59‬‬
‫عندما تنادٌه الحاجة ٌلبًّ الطلب من القلب ألنه سرٌع الفهم والفعل‪ ...‬إنّ‬
‫اإلنسان المتدٌِّن طبٌعته تشه ُد وتفع ُل ألنه ملتز ٌم للحٌاة‪ ...‬ال ٌبكً وال‬
‫ٌصرخ بل ٌفعل وٌحوِّ ل شعوره إلى عمل‪ ،‬بٌنما رجل الشعور ٌتظاهر‬
‫بالرحمة وهذا مجرد تضلٌل ألهل الضبلل‪ ,‬وهذه هً الفوضى بإسم‬
‫أخر وأجَّ ل الفعل واألجر‪ .‬بٌنما‬ ‫التضحٌة والوفاء‪ ..‬وبالرؼم من هذا الؽباء َّ‬
‫رجل الرحمة حاد وسرٌع دون أيّ دمعة أو أيّ ابتسامة وال أيّ انفعال بل‬
‫حركة وبركة‪ ..‬إنه لٌس بارداً وال حاراً بل دافا وحمٌم وهادئ وهذا هو‬
‫الذهن والبصر‬ ‫التناقض فً إنسان الرحمة‪ ...‬إنه دافا ومحِب وهادئ وحاد ِّ‬
‫والبصٌرة‪...‬‬
‫إنّ للرحمة أربعة زواٌا وهذه هً الرإٌا ذات األبعاد األربعة وهذه‬
‫زرع وال ُتنمَّى وال ُتت َقن وال ُتم َنح‪ ،‬بل هً نعمة إلهٌة‬‫األسرار اإللهٌة ال ُت َ‬
‫فً لبّ القلب المإمن‪ ...‬كٌؾ؟ لننتبه معا ً ولنقرأ ما بٌن النصوص ولنصؽً‬
‫إلى ال َّن َفس الذي بٌن الشهٌق والزفٌر‪...‬‬
‫هذه الفجوة هً مابٌن الحٌاة والموت أي الوالدة والوالدة‪ ،‬وهذا الصمت أو‬
‫السكون هو الرحمة الساكنة فً سكٌنة الساكن‪ ...‬هذه هً الرحمة اإللهٌة‬
‫الحٌّة مع الحًّ مدى الحٌاة‪ ..‬حٌث ال موت وال والدة وال صفة وال شعور‬
‫وال أيّ كلمة بل الفناء بالبلّشًء‪ ...‬بالبُعد األبعد من أيّ بُعد واألقرب من‬
‫أيّ قُرب من مددَك أٌها المدد‪...‬‬

‫ل ُنعٌد معا ً البصر والبصٌرة فً سرّ الرحمة الرحٌمة‪ ..‬إنها لٌست فً‬
‫النصوص السماوٌة وال فً كلمات الحكماء واألنبٌاء وأهل الرحمة‬
‫والخلفاء‪ ..‬ألننا إذا استمعنا إلى وعظة المسٌح مثبلً ماذا سنفعل؟ سندعو‬
‫الفكر ال اإلدراك‪ ,‬وبدون اإلدراك لن نصل إلى الرحمة أو إلى المحبة التً‬
‫هً أبعد من الشؽؾ والحب والرؼبة وإلى هذا النوع من الحب بٌن‬
‫البشر‪ ...‬حبّنا لٌس موجّ ها ً إلى هللا أو إلى القِبلة بل إلى كمٌة أكثر من‬
‫الحب‪ ،‬ولكن النوعٌة التزال كما هً أي باتجاه الحب المادي الفكري‬
‫الجسدي العددي‪ ...‬إتجاهً إلى الحب ؼلط ومفهومً للحب ؼلط‪...‬‬
‫أعترؾ بؤننً لم أعرؾ الحب اإللهً بعد وهذه حقٌقة مُرَّ ة وصعبة ولكن‬ ‫ِ‬
‫ٌعرؾ‪ .‬لم ٌحبّنً أيّ أحد ألننً لم أحِب نفسً بعد‪ ...‬أحِب‬ ‫ٌعترؾ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذي‬
‫قرٌبك كنفسك‪ ..‬علًَّ بتحطٌم هذا الؽرور الساكن فً جهلً وأنانٌتً‪ ...‬لم‬
‫أحِب ولم أ ُ َحب‪ ...‬ومن هذا المنطلق أنطلق من هذه الحفرة وأتحرَّ ر من‬
‫خٌبة األمل واألوهام وأبدأ بمسٌرة الحٌاة التً تحٌا فً القلب الحًّ فً‬
‫الحب السماوي‪ ...‬كٌؾ؟ كٌؾ أدعو الرحمة إلى قلبً؟ أٌن َ‬
‫أنت من‬

‫‪60‬‬
‫البوصلة الموصولة برحمة هللا‪ ...‬بمحبة هللا؟ أٌن هو اإلتجاه؟ السرعة ال‬
‫تساعدنً إلى الوصول بل علًّ بتؽٌٌر وجهة اإلتجاه‪ ,‬وهذه هً الخطوة‬
‫األولى فً رحلة الحج‪ ..‬إنها لٌست بالشعور وال بالرؼبة وال بال ّت ْوق‬
‫والتحرُّ ق إلى الحق وال بالبكاء والنحٌب وال بالوقوؾ على األطبلل والمجد‬
‫والنسب‪ ,‬وال بالحزن على العراق وعلى المسجد‬ ‫َ‬ ‫والحسب‬
‫َ‬ ‫والجمال‬
‫األقصى وعلى فقراء الهند والصومال‪...‬‬
‫تذ َّكرت ماقرأت من مذ ِّكرات الكاتب الروسً ‪ Leo Tolstoy‬عن والدته‬
‫الحنونة والمحِبة التً كانت تبكً فً المسرح عندما تشاهد مشاهد الفقراء‬
‫وهً من الطبقة الؽنٌّة والحاكمة‪ ,‬ودابما ً ترافقها شلّة من الخدم ومعهم‬
‫المنادٌل الحرٌرٌة لمسح دموعها من حزنها على الفقراء‪...‬‬
‫ٌقول ول َدها فً مذكراته‪" :‬أتعجَّ ب عندما أرى هذه المحبة عند والدتً التً‬
‫تبكً فً المسرح والحرارة تحت الصفر خارج المسرح حٌث السابق‬
‫وتذرؾ الدموع‬ ‫ِ‬ ‫ٌنتظرها بالبرد القارص فً عربة الخٌل وهً تبكً‬
‫السخٌّة على حبّها الكرٌم والسخٌؾ على اإلنسان الضعٌؾ‪ ...‬السابق ال‬
‫ٌحق له أن ٌبقى داخل العربة إالّ عند القٌادة‪ٌ ،‬بقى فً البرد تحت الثلج ولم‬
‫تذرؾ الدموع فً سبٌل هذا‬ ‫ُّبة"‪ ،‬ولكنها ِ‬ ‫تف ِّكر به هذه "الحنونة"و "المح ِ‬
‫المظلوم الموجوع الذي تراه على المسرح الخشبً‪ ,‬وأٌن هً من مسرحٌة‬
‫الحٌاة التً تجري فً قلوب أهل الحٌاة؟؟‬
‫هذا هو اإلنفعال والعاطفة والوجدان فً فكر اإلنسان الذي لم ٌعرؾ المحبّة‬
‫والرحمة بل ما نراه على مسرح حٌاتنا وفً أفكارنا‪ ...‬البكاء ال ٌكلِّفنا شٌبا ً‬
‫وكذلك الشعور ولكن الرحمة ثمنها ٌفوق المادة‪ ...‬حٌاتنا هً الثمن وهً‬
‫القٌمة النفٌسة لل ّن ْفس الراضٌة المرضٌة والشفافة بالرحمة اإللهٌة‪...‬‬
‫صاحب الرحمة إنسان واقعً وصاحب الشعور ٌحٌا األحبلم واألوهام‬
‫الؽامضة والمب َهمة وٌتمسَّك بالهلوسة ال ّن ِجسة وٌ َّدعً الحب والعطاء‪ ,‬وأٌن‬
‫نحن منكم ٌا أنبٌاء وٌا حكماء وٌا خلفاء وٌا سٌِّدات نساء العالمٌن؟؟‪...‬‬

‫كٌؾ أستطٌع أن أدعو الرحمة إلى قلبً؟ التؤمل هو المفتاح الوحٌد للف ّتاح‬
‫الوحٌد الساكن فً لبّ القلب‪ ...‬تؤمُّل ساعة خٌر من عبادة سبعٌن عام‪ ..‬هذا‬
‫هو الشعار الرحٌم األبعد من أيّ شعور أو سرور أو ؼرور‪...‬‬
‫لذلك علٌنا أن نفهم معنى التؤمل‪ ...‬تؤمُّل األنبٌاء ال تؤمل األؼبٌاء ‪..‬‬
‫تؤمُّل أهل الرحمة‪ ،‬ال تؤمل أهل الرؼبة والرجمة‪ ....‬ولمّا سُبل اإلمام علً‬
‫عن أفضل طرٌقة للتؤمل قال‪ :‬خلَق الخالق طرق للتؤمل بعدد ما خلَق من‬
‫ْ‬
‫خلق‪ ..‬أي بعدَ د األنفاس‪ ...‬لك ّل لحظة َن َفس ولك ّل ن َفس طرٌق‪ ...‬وك ّل َن َفس‬

‫‪61‬‬
‫هو مرتبط بال َّن ْفس من اللوّ امة واألمّارة بالسوء حتى الراضٌة والمرضٌة‬
‫والشفافة‪ ...‬ولكن من أٌن نبدأ بالتؤمل وكٌؾ نبدأ‪...‬‬

‫ال بداٌة وال نهاٌة‪ ،‬اآلن أنت فٌها ومعها‪...‬‬

‫أحد الحكماء قال كلمة واحدة عن التؤمل أال وهً "وقفة"‪ ..‬أي أوقِؾ الفكر‬
‫واعرؾ التف ُّكر والتذ ُّكر كما فعل سٌّدنا إبراهٌم‪..‬‬
‫ِ‬
‫إذا توقؾ الفكر حضر التؤمل وانكشؾ السرّ اإللهً فً قلب عبده‬ ‫ّ‬
‫المإمن‪ ...‬لذلك بعد الح ّج وقفة عرفة‪ ...‬ولكن أٌن نحن من هذا اإلدراك‬
‫بالوعً؟ إننا نسٌر كالخِراؾ خلؾ الراعً دون أيّ َوعً‪ ...‬إنّ الفكر‬ ‫َ‬
‫المجنون والمشوَّ ش والمهووس ال ٌتو ّقؾ‪ ,‬بل فً حركة دابمة بٌن األمس‬
‫والؽد‪ ...‬بٌن الماضً والؽٌْب وبٌن التارٌخ والمستقبل وأٌن اللحظة الساكنة‬
‫فً سكٌنة الساكن؟ اآلن وهنا هً سرّ هللا فً خلقه ولكن الفكر ٌبحث عن‬
‫الدنٌا وشهواتها وٌإجِّ ل الجبلء إلى الؽد البعٌد و "أنا أقرب إلٌك من حبل‬
‫الورٌد"‪ ..‬هللا ٌذ ِّكرنا بؤنه هو األقرب وهو الجواب والتجاوب ولكن من م ّنا‬
‫ٌتؤمَّل بهذه األمانة؟ أٌن أنا من اإلٌمان؟و ما هو اإلٌمان؟‬

‫الوعً البلّفكري البلّشعوري‬ ‫هو هذه الحالة التؤملٌّة الخالٌة من الفكر أي َ‬


‫البلّعاطفً ‪ ...‬مجرد وعً دون أيّ صفة بل ٌقظة حذرة‪ ..‬صافٌة من أيّ‬
‫الوعً دون أيّ‬ ‫فكر وهً حالة الشهادة‪ ..‬اشهد‪ ...‬أنك نصب أو دعم من َ‬
‫كلمة بل هً الفجوة بٌن الشهٌق والزفٌر‪ ..‬هً لحظة الموت والقٌامة‪..‬‬
‫راقب الفكرة التً تمرّ على شاشة الفكر‪ ،‬إنها كالؽٌمة وأنت السماء‬
‫وتتبخر وتختفً‪,‬‬‫َّ‬ ‫الصافٌة خلؾ الؽٌوم الملبَّدة‪ ،‬راقِب األفكار ودعها تمرّ‬
‫وفً لحظة ترى السماء صافٌة وخالٌة من الؽٌوم‪ ،‬هذا هو ِّ‬
‫الذكر الحًّ‬
‫الومضة النورانٌة ح َدث إلهً فً ك ّل لحظة ولكن ال نشعر‬ ‫القٌوم‪ ...‬هذه َ‬
‫بها ألننا عنها ؼافلون‪ ..‬نشكرك ٌا هللا على هذه الثروة ولكن من م ّنا ٌدرك‬
‫هذا الكنز الدفٌن قبل أن ندخل المدفن القرٌب؟‪ ...‬الك َفن ٌنتظرنا ونحن‬
‫ننتظر المناسبات ال ّنتِنة ونتجاهل سماحة التؤمل المتؤصِّلة فً طبٌعتنا‪...‬‬
‫علٌنا أن نتعرَّ ؾ علٌها‪ ،‬مجرد لفتة نظر إلى هذه البذرة مع القلٌل من‬
‫اإلهتمام والرعاٌة وستنمو إلى شجرة كبٌرة لتوحِّ دنا مع الوجود وهذا‬
‫التوحٌد هو الرحمة الناتجة عن التؤمل دون أيّ رؼبة أو أمل‪...‬‬

‫‪62‬‬
‫علٌنا أن نراقب ثورة أفكارنا دون أيّ خوؾ‪ ...‬بركان من األفكار فً ك ّل‬
‫فكر ولكن ال تؤجِّ ل التعرُّ ؾ والمواجهة لهذه الؽٌوم الفكرٌة‪ ...‬هذا تشوُّ ش‬
‫وله أسبابه‪.‬‬
‫تعرَّ ؾ إلى السبب وسٌزول العجب والحُجب‪ ...‬أول من تؽلَّب على أفكاره‬
‫هو الحكٌم بودا ألنه جمع بٌن الرحمة والتؤمل‪ ,‬ومن بعده أصبح الجهاد هو‬
‫جهاد الفكر ِّ‬
‫والذكر وال َّن ْفس أي الجهاد األكبر‪ ,‬وهو أكبر الجهاد‪ ..‬هذا هو‬
‫التؤدٌب اإللهً للعارفٌن وللمحبٌّن وللسالكٌن إلى درب الرب‪ ..‬علٌنا أن‬
‫نخاؾ من الجهل ال ؼٌر ألنّ الجهل هو الحاجز والحافز الذي ٌس ّد علٌنا‬
‫تخؾ من مواجهة األفكار‪,‬‬ ‫الطرٌق إلى البٌت‪ ,‬واإلنسان عدوّ ما ٌجهل‪ ..‬ال َ‬
‫وإن خف ُتم من شًء واجهوا هذا الشًء بالمشٌبة اإللهٌة وبالقدرات الخفٌّة‬
‫المخفٌّة فً لبّ القلوب‪ٌ ...‬قول اإلمام علً‪ :‬لو رقبتً طولها طول رقبة‬
‫الزرافة لواجهت فكرتً وكلمتً قبل أن أنطقها أو أطلِقها للؽٌر حفاظ ًا على‬
‫نفسً وعلى إخوتً فً هللا ‪ ...‬هذه المراقبة على نفسً ستكون هً قلعتً‬
‫وحصنً وبرج المراقبة‪ ..‬هذا الوعً هو أساس ال ِّنعم التً ستزهِر فً‬
‫حٌاتً‪ ...‬علًّ أن أرى الفكرة التً تنبع من فكري‪ ...‬أرى وأشاهد‬
‫وأحاسب وأراقب بؤننً لست مجرد فكرة‪...‬‬

‫أنا من روح هللا ولست فكرة من المجتمع‪ ..‬إننً أنتمً إلى األلوهٌة الكونٌة‬
‫أي إلى الضمٌر الكونً‪ ،‬إلى الماء ال إلى اإلناء‪ ...‬إلى المعانً ال إلى‬
‫األوانً‪ ..‬إلى أهل الدار ال إلى الزوّ ار‪ ..‬هذا أول إختبار فً درب التؤمل‪..‬‬
‫ُ‬
‫وادخل إلى لبّ القلب‪..‬‬ ‫انفض عنك ؼبار ال َّدرب‬
‫مثبلً‪ ..‬أحد المسافرٌن دخل إلى الفندق لٌُمضً لٌلته وٌرتاح‪ ,‬وٌعود فً‬
‫الٌوم الثانً إلى رحلته ألنّ وقته ال ٌسمح له بؤكثر من لٌلة إستراحة‪ ,‬بٌنما‬
‫صاحب الدار ال ٌملُك أيّ مكان آخر‪ ..‬هذا هو الفرق بٌن الضٌّؾ‬
‫والمُضٌؾ‪ ...‬الؽرٌب هو الذي ٌرحل‪ ،‬وإذا أشر َقت الشمس ودخلت إلى‬
‫الدار وكان النهار مشرقا ً وصافٌا ً سترى الؽبار فً سماء الؽرفة وفً أشعة‬
‫النور‪ ,‬ولكن المساحة الفارؼة الصافٌة ال تزول وال تتحرَّ ك بل ساكنة فً‬
‫سكٌنة الهدوء وهً التً تحرِّ ك وتنقل الؽبار من الدار‪ ...‬الؽبار الؽرٌب هو‬
‫األفكار المزٌفة‪ ,‬والفراغ الصافً هو الطبٌعة الذاتٌة أي فطرتنا اإللهٌة ‪...‬‬
‫صاحب الدار ٌستقبل الزوّ ار وٌستودعهم هللا حٌث ال تضٌع ودابعه‪..‬‬
‫أفكارنا هً التجارب التً بها نقوى فً قوّ ة التقوى‪ ..‬هذا هو التبصُّر‪,‬‬
‫وأنت األمٌر على بصٌرتك التً ال تزول‪ ,‬واألفكار هً الزوّ ار وأنت‬
‫الصامد لؤلبد وأنت األزل لؤلزل‪ ...‬راقِب نفسك‪ ..‬تمرّ فً اختبار األلم‬

‫‪63‬‬
‫َ‬
‫أصبحت‬ ‫والصحّ ة‪ ,‬فً اإلحباط واإلنتعاش‪ ,‬فً الحزن والفرح‪ ..‬من نطفة‬
‫خلٌفة "األكثرٌة جٌفة"‪ ،‬أحٌانا ً تشعر بالقوة وأحٌانا ً بالضعؾ‪ ...‬هذه‬
‫ضٌوؾ على مرّ حٌاتنا األبدٌة‪ ,‬لذلك إذا نظرت إلى سرّ حٌاتك ال تستطٌع‬
‫أن تق ِّدر عمرك ألنك أبعد من أيّ عدد أو عُمر أو عصر أو دهر‪ ...‬إنّ‬
‫العمر الحقٌقً هو عمر النور واإلشراق أي الجمال السماوي حٌث ال‬
‫شٌخوخة وال موت وال زمن وتارٌخ والدة أو رزنامة أو مف ِّكرة ٌومٌة‪...‬‬
‫إنّ الؽٌوم التً تمرّ فً السماء كالتعاسة أو السعادة ال تإثر فً وجودنا‬
‫الكونً‪...‬‬

‫تنظر إلى اآلفاق وترى السحاب األبٌض أو األسود ال تتمسَّك به السماء‪،‬‬


‫بل تدَ عه ٌمرّ بسبلم والسماء باقٌة ودابمة‪...‬‬
‫أنت السماء أٌها القارئ واألفكار هً الؽٌوم‪ُ ..‬كن شاهداً على هذه النعمة‬
‫الوعً واإلدراك وهذا هو الٌقٌن‪ ...‬هذه بداٌة القدسٌّة أو‬ ‫وهذه هً بداٌة َ‬
‫رحلة الح ّج األبدٌة‪...‬‬
‫هذه هً الٌقظة حٌث لم نعُد نتشبَّث بؤفكارنا التً تزول بل نحن أحٌاء مع‬
‫الحًّ ‪ ..‬وعندما تؤتً الؽٌوم أستقبلها وأستودعها هللا‪ ,‬وأعود إلى ال ُّشكر‬
‫والتذ ُّكر بؤننً من روح هللا الخالدة مع الخلود األزلً‪ ...‬لماذا األلم‬
‫والتعاسة؟ لماذا القلق والتوتر واله ّم والؽ ّم؟ هذه مجرد موجات على سطح‬
‫الماء‪ ..‬فً عمق الحقٌقة ال والدة وال موت بل حٌاة أبدٌة مع األبد الصامد‬
‫لؤلبد‪ .‬عاد ًة نتقارب مع الضٌوؾ وهذه هً التعاسة‪ ...‬نتمسَّك بالضٌؾ‬
‫وعندما ٌرحل نتؤثر ونبكً ونرافقه حتى آخر خطوة ونو ِّدعه بالبكاء‬
‫والحسرة‪ ,‬ونعود إلى اإلستقبال والتودٌع وهذه هً حٌاتنا مع الضٌوؾ‪...‬‬
‫الفكرة هً مجرد ؼٌمة فً سماء اللحظة‪ ،‬ال ترافِقها‪ ...‬إنها سحابة الٌوم‪،‬‬
‫دعها تسٌر وانسحِب من هذا الجبّ إلى مقام القلب حٌث الشاهد مع‬
‫المشهود ببل حدود‪...‬‬
‫هل راقبت أيّ فكرة؟ معا ً سنشاهد اآلن‪ ...‬هذه اللحظة هً فكرة‪ ...‬إنها‬
‫تسٌر وال تبقى وال تسكن فٌنا ألنّ السكٌنة ترفض أيّ تشوٌش‪ ..‬األفكار‬
‫"ٌا‬ ‫ؼبار من خوؾ وتو ُّتر‪ ...‬حاول أن تحتفظ بكلمة واحدة فً فكرك‬
‫هللا"‪ ...‬بعد ثوانً ستزول إلى فكرة أخرى‪ ،‬إلى حٌاتنا العملٌة‪ ,‬وإلى‬
‫الزوجة واألوالد واألخبار و إلى الرتابة المؤلوفة‪ ,‬وفجؤة نعود إلى الكلمة‬
‫ونر ِّددها ونمضؽها مع أفكار أخرى‪ ,‬وهذه هً مسٌرة حٌاتنا‪...‬‬
‫هل تستطٌع أن ُتمسِ ك بالزببق؟ أو بالهواء؟ إنها ضٌوؾ ولماذا الخوؾ‬
‫والتوتر والقلق؟ ُكن شاهداً للحق ودَ عه ٌرحل وأنت الحًّ الباقً مع الحًّ ‪..‬‬

‫‪64‬‬
‫راقِب السبلم الداخلً عندما تعلَم بؤنك أنت المقٌم الباقً فً البقاء‪ ..‬هذه هً‬
‫السكٌنة‪ ...‬إنها حالة هدوء حٌث ال قلق وال ه ّم وال ؼ ّم بل عبادة وفرح‪...‬‬
‫العذاب ٌزول بإزالة الهوٌة أو اإلنتماء إلى الدنٌا‪...‬‬
‫شاهدت أحداً من أهل هللا؟ إنه فً سكٌنة أبدٌة مجلَّبلً َبالتجلًّ اإللهً‬
‫َ‬ ‫هل‬
‫وٌعٌش معنا ولكنه وحٌداً دون ِوحدة أو َوحشة بل بطمؤنٌنة وهدوء وسبلم‬
‫من ؼٌر عالم‪...‬‬
‫لنتذ ّكر معا ً القلٌل الذي نعرفه عن حٌاة األنبٌاء مع األصدقاء‪َ ...‬من الذي‬
‫عرؾ حقٌقة المسٌح؟ أو محمد؟ أو السٌدة العذراء؟‪..‬‬
‫لماذا ٌُصلب وٌُرجم حامل األمانة؟ لماذا ال نرى الحقٌقة التً أمامنا؟ لماذا‬
‫ال نرى السرّ الذي فً قلوبنا؟ ما الفرق بٌن عمل النبً وعملً؟ إنه ٌؤكل‬
‫وأنا أٌضا ً آ ُكل؟ ولكن هناك فرق شاسع‪ ...‬ما هو هذا الفرق؟ نحن قوم ال‬
‫نؤكل حتى نجوع‪ ...‬هل أنا صادقة فً جوعً وعطشً؟ كبلّ‪ ...‬هل أنا من‬
‫هذا القوم القوّ ام فً مقامً؟ كبلّ‪ ...‬عندما ٌؤكل الحبٌب‪ ,‬هل فكره الذي ٌؤكل‬
‫أم نفسه؟ كبلّ‪ ...‬إنّ كل عمل ٌقوم به هو عبادة وشكر هلل ومع هللا وباهلل‬
‫وهلل‪...‬‬
‫إنه فً صِ لة دابمة مع الحًّ القٌوم وهللا الذي ٌقوم بالعمل من خبلل العبد‬
‫المستسلِم إلى مشٌبة هللا‪ ...‬كان مطٌعا ً وعابداً مخلصا ً ومجٌبا ً لدعواته حٌث‬
‫ال رؼبة وال شهوة إالّ رضا هللا‪ ،‬تحمَّل جهل الدنٌا وأهلها وحمل الرحمة‬
‫ٌر إال هللا فً ك ّل خطوة وفً ك ّل ألم‪ ...‬وأٌن نحن من‬ ‫وتقبَّل الرجمة ولم َ‬
‫حٌاة األنبٌاء والخلفاء والعلماء واألولٌاء؟؟‬
‫إننً أكتب هلل‪ ...‬هل هللا بحاجة إلى هذا الكتاب؟ من الذي ٌكتب؟ من الذي‬
‫ٌقرأ؟‬
‫من الذي خلق القلم واإلنسان؟ من الذي أمرنً بما أقوم به اآلن؟ فإذاً ال إله‬
‫ال هللا‪ ...‬هو الذي ٌقوم بما نقوم لتقوٌم أنفسنا بالقوّ ة اإللهٌة‪ ,‬حٌث القوّ ة‬‫إ ّ‬
‫بالتقوى والتقوى بالعبادة وك ّل عمل عبادة من أجل نفسً للعودة بها إلى‬
‫رضى هللا‪ ..‬راضٌة مرضٌّة اآلن ولٌس ؼداً وهنا ولٌس هناك‪ ..‬هنا الجنة‬
‫وهنا النار وعلٌنا أن نختار دون أن نف ِّكر أو أن نحتار‪ ...‬علٌنا أن نعمل ما‬
‫نحِب وأن نحِب ما نعمل‪ ,‬فالعمل هو الصِّلة بٌن الخالق والمخلوق‪ .‬إع َمل‬
‫وتو َّكل واعقل وتو ّكل‪ ،‬وحده الوكٌل وحسبً هللا ونعم الوكٌل‪...‬‬
‫بالبصر والبصٌرة ولكن البصر ٌزول والبصٌرة‬ ‫َ‬ ‫إنّ الصحابة شاهدوا النبً‬
‫وبنوع خاص فً هذه المحنة‬ ‫ٍ‬ ‫ال تزول‪ ...‬لنتبصَّر معا ً سبب وجودنا‬
‫الصعبة التً تمرّ بها األرض وعٌالها‪...‬‬

‫‪65‬‬
‫من أنا؟ هل أنا جسدي؟ هل أنا ما أملُك؟ هل أنا ما أعمل؟ هل أنا ضٌْؾ؟‬
‫هل أنا الجوع؟ الكلمة؟ الشعور؟ القارئ؟ الكاتب؟‪...‬‬
‫لنتذ َّكر معا ً ولنعرؾ تماما ً بؤنّ كل ما نراه لٌس نحن‪ ..‬إنك شاه ٌد وحسٌبٌ‬
‫ورقٌبٌ على نفسك فقط ال ؼٌر‪ ،‬هذه هً النعمة اإللهٌة األبدٌة‪ ..‬ك ّل ما أراه‬
‫ٌزول مع زوال الشمس‪ ,‬ومن هو الحًّ مع األزل؟ ك ّل ما نراه ٌتؽٌَّر‪,‬‬
‫والتؽٌٌر نظام ثابت‪ ,‬من فصل إلى فصل‪ ,‬وأٌن هو الذي ال ٌتؽٌَّر بل صام ٌد‬
‫مع الصمد؟‬
‫إنها األلوهٌة الساكنة فً سكٌنة القلب واألقرب إلٌنا من حبل الورٌد‪،‬‬
‫ولنعرفها ولن ّتصل بها ولنتوصَّل إلٌها‪ ،‬هً الوصول إلى الصمد بواسطة‬
‫صلة األرحام‪ ,‬والتؤمل هو المفتاح إلى هذا الهدؾ‪ ،‬إلى هذا الصمد‪...‬‬
‫اآلن أنت فً حال التؤمل‪ ...‬اآلن هو الزمان والمكان لتحٌا أٌها اإلنسان‪.‬‬
‫لست بحاجة ال إلى كتاب وال إلى صدٌق وال إلى مُرشد أو حبٌب‪ ...‬بل‬
‫الساكن فً قلب الكابن هو الوجود بؤسره والتف ُّكر والتذ ُّكر هو لحظة ممرّ‬
‫على جسر الموت‪ ,‬ومن موت إلى موت نرى الحٌاة‪...‬‬
‫ول َك الخٌار أن تبقى مع األموات أو تختار القٌامة من بٌن األموات‪...‬‬
‫فً ك ّل مساء أعانق هللا قبل النوم وفً الصباح أج ِّدد هذا المقام وأعتنِق‬
‫الرحمة لنفسً‪ ,‬وأبحث عنك فً النهار وأعود إلى اللٌل وأراك أنت الساكن‬
‫فً قلبً الذي ٌخاؾ من الوحدة والوحشة‪ ,‬وال شًء إالّ وأنت فٌه وله وأنا‬
‫إحدى هذه األشٌاء التً فً ظ ّل رحمتك تحٌا‪...‬‬
‫والمفترق‬
‫َ‬ ‫هنا اللقاء ٌا إخوتً‪ ...‬فً قلوبنا النار والنور والموت والحٌاة‬
‫والملتقى‪ ...‬نحن الجسر بٌن الطرفٌن وفٌنا انطوى السرّ اإللهً وما علٌنا‬
‫إالّ الٌقٌن بهذا الٌقٌن‪ ...‬وهذا هو الرِّ ضى والتسلٌم‪ ...‬إذا كان ك ّل همّنا‬
‫التركٌز على العالم سنبقى فً العالم‪ ،‬وإذا تحوَّ لنا من العالم الخارجً إلى‬
‫العالم الداخلً دخلنا من باب القلب إلى لبّ القلب‪ ,‬ومن هذا الباب نتعرَّ ؾ‬
‫عرفت نفسً بنفسً‪...‬‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عرفت ربًّ بربًّ ألننً‬ ‫على الربّ ‪،‬‬
‫فً قلب اإلنسان ٌجتمع الشرّ والخٌر وهذا هو المٌزان حٌث الروح والجسد‬
‫والحٌاة والموت‪..‬‬
‫أنت الملتقى وأنت المفترق وأنت همزة الوصل بٌن العالم المنظور والعالم‬ ‫َ‬
‫المجهول ولك الخٌار والتؤكٌد‪ ...‬إذا كان كل همًّ فً عالم الدنٌا سؤبقى فً‬
‫َّرت اإلتجاه إلى الضمٌر الكونً الساكن فً‬ ‫عالم الشهوة والؽرور‪ ،‬وإذا ؼٌ ُ‬
‫كٌانً سؤلتقً بالسرّ اإللهً وأصرخ بالصمت والدهشة "إٌّاك نعبد وإٌاك‬
‫نستعٌن"‪ ،‬هذه هً الخطوة التً تؽٌِّر المصٌر من الجهل إلى العقل ومن‬

‫‪66‬‬
‫العتمة إلى النور‪ ...‬لنؽٌِّر مجرى الدوالب من الخارج إلى الداخل‪ ...‬أول‬
‫خطوة هً ك ّل الرحلة‪..‬‬
‫مهروالً إلًّ ‪ ...‬إنّ الضمٌر هو‬
‫ِ‬ ‫علًّ باإلتجاه وبالخطوة األولى وسٌؤتً هللا‬
‫دلٌل المصٌر‪ ,‬وساكن فٌنا لٌهدٌنا ولنا الخٌار‪ ...‬صاحب الدار ملتزم بؤهل‬
‫الدار ونحن الزوّ ار ندور وندور ونعود بعد الطواؾ إلى الدار‪ ,‬ونرى الٌُمن‬
‫والبركات فً انتظارنا‪ ..‬فً قلوبنا حٌث الحقٌقة التً ال تموت بل منها‬
‫وبها ومعها نحٌا األبدٌة‪ ،‬ولكن اإلنسان مخلوق من طٌن وتراب وماء‬
‫وهواء ومرتبط بالطبٌعة ألنها من صلبه وفكره وعقله‪ ,‬وهذا هو جسد‬
‫الساجد وٌحنّ إلى الطٌن وإلى الكفن‪ ،‬ولكن عندما ٌتذ َّكر المسجود ٌعود إلى‬
‫هذا السرّ اإللهً صاحب الدار األزلً بالحٌاة األزلٌة‪...‬‬

‫كٌف أستطٌع أن أرى هللا ؟‬


‫إنّ قطرة الماء ال تستطٌع أن ترى المحٌط‪ ...‬ولكنها فً المحٌط وٌحٌطها‬
‫ُ‬
‫زلت فً نفس‬ ‫هللا من جمٌع الجهات‪ ،‬عندما أتكلَّم أو أصمُت إننً ال‬
‫توجد عدم‬ ‫المكان‪ ...‬أثناء الكبلم ٌسكن الصمت مع الصوت وعندما أشتهً َ‬
‫ال ّشهوة مع الشهوة‪ ...‬علٌنا أن نراقب أنفسنا لنتعرَّ ؾ على هذه الطاقة‬
‫أقرباء وأنسِ باء وأٌضا ً‬
‫السلبٌة واإلٌجابٌة التً ترقص وتتناؼم فٌنا‪ ...‬إننا ِ‬
‫إختبلؾ وإبتبلؾ‪ ..‬مثل لقاء الماء مع الزٌت ومعا ً فً اإلنفصال‪ ,‬وكذلك‬
‫الضٌّؾ والمضٌؾ‪ ،‬معا ً فً السرّ اء والضرّ اء ولكن الوحدة أساس اإلتحاد‪..‬‬
‫الضٌؾ سابح وحجّ اج‪ ،‬ولكن صاحب الدار هو صاحب الدار والثابت فً‬
‫نفترق ولكن كالجسد والظ ّل‪ ,‬إنه‬‫القرار‪ ..‬هو الحًّ القٌوم وكلّنا ضٌوفه وال ِ‬
‫فً الصوت والصمت والصدى‪ ...‬إنه أقرب إلًّ من حبل الورٌد‪ ...‬إنه‬
‫الساكن فً لبّ الكابن‪ ..‬وكٌؾ أستطٌع أن أتقرَّ ب إلى صاحب الدار؟‬

‫هل هناك تقن ٌّات سهلة للوصول إلى مكان القُرب من الحبٌب؟‬
‫الطرق إلى الحق كثٌرة وما علٌنا إالّ أن نختار األنسب إلى القلب‪...‬‬ ‫ُّ‬
‫إحرم نفسك من جمٌع‬ ‫هنالك أسلوب قدٌم عند حكماء الشرق حٌث ٌقول‪ِ ..‬‬
‫واعرؾ نفسك‪ ..‬من‬ ‫العبلقات‪...‬أي ْ‬
‫قطع الصِّلة مع أ ٌّا ً من األهل أو ال ّن َسب‬
‫ِ‬
‫أنت اذا لم ٌ ُكن لك أهل؟ أو زوجة أو أوالد أو مركز أو مال‪ ..‬من أنا؟ ال‬
‫عمل ال جنسٌة وال دٌن وال أيّ هوٌة‪ ..‬من أنا ؟‬
‫أنت نفسك وذاتك‪ ...‬إعرؾ نفسك‪ ...‬إنفصِ ل عن الدنٌا ولو ساعة فً‬
‫األسبوع أو لحظة فً الٌوم تماما ً كما تفعل مع الهاتؾ ومع أيّ إتصال‬
‫آلًّ ‪ ...‬أنت أٌضا ً آلة إلهٌة‪ ...‬إنفصل عن الدنٌا وعن جمٌع المسإولٌات‬

‫‪67‬‬
‫والصفات‪ ..‬أنا لست أ ُ ّما ً وال زوجة وال أخت وال عشٌقة وال رجل أعمال‬
‫وال ملِك وال ربٌس ومرإوس وال مجرم وال قاتل وال مسجون وال فكر وال‬
‫عقل وال جسد وال أسود وال أبٌض وال عربً وال ؼربً وال مسلم وال‬
‫مسٌحً وال شاب وال عجوز‪ ...‬إنفصل عن جمٌع الفصول واألصول‬
‫واإلتصاالت والمواصبلت‪...‬‬
‫إنفصل عن جمٌع العبلقات واسؤل نفسك‪ ..‬من أنا؟ ولٌس هنالك أيّ جواب‬
‫ألنك انفصلت عن العالم وأهله وأمبلكه‪ ...‬من أنا؟ طبٌب؟ كبل‪ ,‬ألننً‬
‫انفصلت عن مهنتً‪..‬‬
‫وعن المرضى‪ ...‬أنا أستاذة فً الجامعة! ولكن إنفصلت عن الطلبة‪ ...‬أنا‬
‫لبنانٌة! وأٌضا ً انفصلت عن اإلنتماء إلى أيّ جنسٌة وإلى أيّ أرض‪ ..‬أنا‬
‫إمرأة أم أنا رجُ ل‪ ..‬وأٌضا ً انفصلت عن الجنس‪ ..‬أنا عجوز‪ ..‬وأٌضا ً‬
‫انفصلت عن العُمر‪...‬‬
‫ُ‬
‫وادخل إلى‬ ‫إنفصِ ل عن جمٌع الممرّ ات‪ ...‬إقطع كل الجسور والعبور‬
‫نفسك‪ ,‬وألول مرّ ة ترى صاحب الدار وحده دون أيّ ضٌؾ‪...‬‬
‫هذه هً الوحدة دون وحشة‪ ..‬وحٌدة منفردة وفرٌدة متوحِّ دة مع نفسً دون‬
‫انعزال أو أيّ عزلة‪ ،‬عندب ٍذ أتعرَّ ؾ على هذه المضٌفة عن قرب وبد ّقة‬
‫وباهتمام‪ ,‬ألنّ الضٌوؾ سبب إزعاج واضطراب وهمّهم الوحٌد الرعاٌة‬
‫والمجاملة لكسب اإلنتباه ولفت النظر واألوامر من الفجر حتى الفجر‪" ،‬أٌن‬
‫الطعام وأٌن الثٌاب وأٌن السٌّارة وأٌن المال؟"‪ ،‬وألؾ طلب وطلب‪,‬‬
‫والضٌؾ ثقٌل والمضٌؾ ٌسعى وٌهتم وٌدخل فً اله ّم والؽ ّم وأٌن أنت أٌها‬
‫الن َؽم مع ال ِّن َعم؟‬
‫عندما تنفصل عن الدنٌا ال أحد ٌزعجك وال أحد ٌستطٌع أن ٌُإلمك‪...‬‬
‫وفجؤة ترى الوحدة مع الواحد األحد وصفاء التوحٌد وطهارته‪ ,‬وهذه هً‬
‫البكر التً لم ٌَ ُدسها أحد‪ ...‬هذا ما فعلَته السٌِّدة العذراء‬
‫البتولٌة كاألرض ِ‬
‫وفاطمة الزهراء‪ ...‬الفصل عن الدنٌا والوصل بخالق الدنٌا‪ ،‬أي الموت‬
‫والوالدة بٌن ك ّل ن َفس ون َفس‪ ،‬وعندما ٌدخل الرحم أيّ طفل سٌكون من أهل‬
‫البٌت‪ ...‬بٌت هللا‪...‬‬
‫للحمل المق ّدس‪ ...‬الرجل والمرأة ٌدخبلن المحراب‬ ‫فً الهند طرق مق ّدسة َ‬
‫للتؤمل وللصبلة قبل اإلتصال الجسدي‪ ..‬هذا هو معنى الجنس المق ّدس‬
‫للروح المقدسة‪ ..‬إنها دعوة إلى أفضل جنٌن من ج ّنة هللا إلى عباد هللا‪...‬‬
‫الطاهر من الفكر ومن شهوات الدنٌا وهو السٌِّد‬ ‫المحراب هو جسد اإلنسان ّ‬
‫على جسده‪ ,‬ولجسدك علٌك حق‪ ،‬أي فصله عن المتاعب الدنٌوٌة لٌبقى ح ٌّا ً‬

‫‪68‬‬
‫مع الحًّ وٌرزقه هللا من رحمته أجمل البركات والتجلٌَّات‪ ...‬الفصل عن‬
‫الدنٌا هو الوصْ ل بال ّن ْفس وباآلخرة‪...‬‬
‫الحمل؟ كٌؾ كان اللقاء بٌن الرجل‬ ‫ل ُنعِد النظر فً جٌل الٌوم‪ ...‬كٌؾ ٌت ّم َ‬
‫والمرأة؟ أٌن كان الفكر أثناء اإلتصال؟ كم من الضٌوؾ شاركوا فً هذا‬
‫اللقاء؟ من كان مع من؟ هل كانت النطفة حبلل؟ هل كان الرحم رحٌما ً‬
‫وصافٌاً؟ هل كانت النواٌا طاهرة؟ أٌن نحن من هذه المسإولٌة؟‬
‫إخوتً فً الحق‪ ..‬ال حٌاء فً العلم‪ ...‬كلّنا شاركنا فً دمار األرض ألننا‬
‫زرعنا الشرّ وهذا ما نراه الٌوم‬ ‫دمّرنا أنفسنا وأجسادنا وأرحامنا وأجٌالنا‪َ ...‬‬
‫حول العالم‪ ...‬إنسان الٌوم هو السبلح وهو اإلستكبار وهو الجهل‬
‫ت بسرعة وهذا هو الح ّل الكامل للعودة بنا إلى‬ ‫الشامل‪ ...‬الدمار الشامل آ ٍ‬
‫أُمّنا األرض وإلى الفطرة الطبٌعٌة لنحٌا كما أمرنا هللا أن نحٌا‪ ...‬لنعتذر‬
‫من أنفسنا ومن عٌالنا ومن أمّنا األرض ومن هللا عز وج ّل‪ ..‬وال ٌدخل‬
‫الجمال اإللهً إلى رحم األم إالّ إذا تجلّى رحمها بالرحمة اإللهٌة‪ ...‬إنّ‬
‫بركات هللا ال تدخل فً النطفة إالّ إذا كانت حبلالً‪ ..‬فعلى ك ّل إنسان أن‬
‫ٌتعرَّ ؾ على نفسه بنفسه إلى أن ٌصل إلى محراب قلبه حٌث ال جواب إالّ‬
‫بالتؤمل‪ ،‬إالّ بالرحمة‪ ,‬وهذه هً نعمة هللا فً خلقه‪ ..‬اإلنسان بدون رحمة‬
‫شٌطان رجٌم وبدون تؤمل شٌطان جاهل‪...‬‬

‫معا ً سنتعرَّ ؾ على أنفسنا من خبلل هذه القصة ‪...‬‬


‫لقد اعتزل الشٌخ فرٌد مع مرٌدٌه ع ّدة أسابٌع للتؤمل فً الطبٌعة‪ ..‬وإذا‬
‫سرق علبة من ؼرفة المرشد‪ ..‬وانتشر‬ ‫بؤحدهم ٌرى بؤنّ أحد المرٌدٌن َ‬
‫الخبر وسمع المسإول ورفض الشٌخ معاقبة المتهم‪ ...‬تجا َهل ضعفه ولم‬
‫ٌطرده مع إصرار الطلبة ّ‬
‫بالطرد وبالمحاكمة علنا ً‪ ..‬إنه م ّتهم ألنه ارتكب‬
‫ذنبا ً ال ٌُؽتفر‪ ...‬لقد سرق المرشد أي المعلم والشٌخ األكبر‪ ...‬وبعد ع ّدة أٌام‬
‫قُبض علٌه بسرقة أخرى وتجاهل المرشد ولم ٌكترث للمسؤلة‪ ..‬واشت ّد‬
‫ؼضب الطبلب وق َّدموا عرٌضة مطالبٌن بفصل وصرؾ الحرامً أو‬
‫باإلنسحاب جمٌعا ً من دورة التؤمل‪ ...‬عندما قرأ الشٌخ العرٌضة طلب منهم‬
‫اإلجتماع وقال لهم‪ ...‬أنتم أخوة فً الحكمة وتعرفون الفرق بٌن الصح‬
‫والؽلط‪ٌ ...‬مكنكم أن تذهبوا إلى مكان آخر للتؤمل ولكن هذا األخ الجدٌد ال‬
‫ٌعرؾ ما تعرفون‪...‬‬

‫‪69‬‬
‫من الذي سٌُعلِّمه إن لم أ ُكن معه؟ سؤحتفِظ به حتى لو تركتمونً جمٌعا ً‪..‬‬
‫وابل من الدموع وزالت عنه رؼبة‬ ‫وإذا باألخ الجدٌد ٌؽسل وجهه بسٌْل ِ‬
‫السرقة‪...‬‬
‫جرت هذه القصة فً مخٌم للتؤمل أثناء دورة خاصة فً مراقبة الّن ْفس‪...‬‬
‫لذلك تحدثنا عن التؤمل بدقة وبتفصٌل علمً عمٌق وإالّ سوؾ لن نفهم‬
‫مؽزى هذه الحكاٌة‪ ...‬هذه القصص لٌست قصصا ً عادٌة‪ ،‬إنهم بحاجة إلى‬
‫خلفٌة قوٌّة وكبٌرة فً اإلختبار وفً التعبٌر‪ ..‬إذا لم نفهم معنى التؤمل‬
‫سوؾ لن نفهم مؽزى هذه القصة‪ ...‬لماذا اعتزل الشٌخ فرٌد مع تبلمٌذه‬
‫لدورة خاصة فً التؤمل؟ من هم هإالء الطلبة والمرٌدٌن؟ لماذا أتى‬
‫اللص؟ ما هو هذا الدرس للجمٌع؟‬
‫اإلنسان فكره مادي‪ ...‬السارق والمسروق بنفسٌّة واحدة‪ ..‬كلّنا فً نفس‬
‫َ‬
‫أتٌت بالمال ٌا‬ ‫السفٌنة‪ ..‬أنت صاحب المال وأنا عٌنً على المال‪ ..‬من أٌن‬
‫رجل األعمال؟ ولماذا طلبوا بطرد وصرؾ الم ّتهم؟ لماذا ال نطرد‬
‫الحرامً األكبر؟ حامٌها حرامٌها!! َمن ٌسرق من؟ كٌؾ عاش الخلفاء أٌام‬
‫بٌت المال؟ كان دخل الخلٌفة وأفقر الناس ثبلثة دراهم فً الٌوم‪ ...‬المساواة‬
‫بالمال وبالعدل‪ ...‬فً عالم الٌوم إذا كان عندي حساب أو خزٌنة أو بٌت‬
‫مونة‪ ،‬إذاً أنا سارقة وأنت كذلك‪ ...‬وتراودنً فكرة العٌش مع الجماعة‬
‫ألننً كنت فً طمؤنٌنة حٌث ال فقر وال ؼنى وال جوع وال خوؾ وعندما‬
‫أترك الحٌاة البدوٌة أشعر بالخوؾ وأتمسَّك بالعدد وأنسى بؤننً ع ّدة فً‬
‫قلب هللا‪ ...‬لذلك نرى بؤنّ مجتمع الٌوم ومنذ آدم حتى الٌوم هو الحرامً‬
‫المعترؾ به من ق َبل أهل السلطة والحكم والدٌن والمجتمع‪ ,‬وحامل‬ ‫َ‬ ‫المحترم‬
‫وٌحق له ما ال ٌحق لؽٌره وعنده حصانة‬ ‫ّ‬ ‫نصّ مص َّدق بمرسوم قانونً‬
‫قانونٌة من حكومة القمة فً نهج السرقة واللصوصٌة حسب النصوص‬
‫الدستورٌة‪ ,‬ومُعفى من جمٌع الرسوم والضرابب والضرٌبة على الحرامً‬
‫المسكٌن الذي ال ٌعمل أيّ مرسوم أو إذن ألنه ؼٌر شرعً‪...‬‬
‫الشرعً محترم ألنه حسب الدستور والؽٌر شرعً ؼٌر محترم ألنه ضد‬
‫القوانٌن الشرعٌة المشرّ عة ألهل الشرٌعة ال ألهل الشوارع‪...‬‬
‫الحرامً النبٌه ال ٌكسر القانون بل ٌرفع الوالء لراٌة اإللتواء وإمضاء‬
‫اللواء ترفع عنه الؽطاء حتى الفضاء‪...‬‬
‫هوس الدوالر والبترول‬ ‫ُكن مع الوالً وال تبالً‪ ...‬أكثر الناس عندهم َ‬
‫ولهذا السبب تجاهل الشٌخ فرٌد مرسوم وعرٌضة الطلبة‪ ..‬كلّنا فً الهوى‬
‫سوى‪ ،‬ال فرق بٌن السارق والمسروق‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ستندهش عندما تعلَم بؤنّ الحرامً الناجح هو المحترم وهو السٌِّد الكرٌم‬
‫والشٌخ وصاحب األلقاب وإذا فشل بالجرٌمة سٌكون هو المجرم‪ ...‬ماذا‬
‫كان الملِك قبل أن ٌل َبس لقب الجبللة؟ من قتل؟‬
‫اللصّ الناجح جلس على الكرسً واللص الفاشل ال ٌزال ٌحاول أن ٌكون‬
‫هو ولًّ‬
‫العهد‪ ...‬را ِجع قصص الملوك‪ ...‬من هو اإلسكندر الكبٌر؟ ماذا فعل فً‬
‫حٌاته؟ من هو هتلر وستالٌن؟ من هم حكام البلد الٌوم؟‬
‫أحد رإساء لبنان قتل وأجرم فً الكنٌسة وأصبح ربٌسا ً للجمهورٌة‪.‬‬
‫جمٌع السٌاسٌٌن مجرمٌن ولصوص وٌحاولون قتل الزمبلء أمثالهم أي‬
‫المنافسٌن لمناصبهم‪ ...‬البعض منهم ض ّد التهرٌب والسرقة ولكن لمصلحة‬
‫من؟ كلّهم من كبار المهربٌن والسارقٌن‪.‬‬
‫حامٌها حرامٌها‪ ...‬ولكن السرقة والقتل حبلل حسب القانون الشرعً‪ ...‬أن‬
‫نقتل أمة بكاملها ُتع ّد بطولة‪ ،‬ولكن أن نقتل فرد هذه مسؤلة فٌها خطر‬
‫ونظر‪ٌ ...‬نجح الوزٌر أو الربٌس أو أيّ صاحب سلطة فً خدمة مصالح ِه‬
‫الشخصٌة‪ ,‬وٌُصدر األوامر وٌمضً مشارٌعه وبعد تحقٌق رؼباته ٌح ِّقق‬
‫آخر رؼبة له فً عدم السماح لؽٌره ما ٌُسمح له‪ ...‬وعندما ٌترك الحكم‬
‫ٌختفً من الساحة القوٌة وٌلجؤ إلى حٌاته اإلجتماعٌة وٌبحث عن حضن‬
‫الؽانٌة التً هً الحصن المنٌع فً ك ّل ما هو ممنوع‪ ...‬إن لصّ القانون‬
‫لٌس لصا ً على اإلطبلق ألنه ٌتصرَّ ؾ حسب القانون الحرّ الطلٌق من كل‬
‫البنود والقٌود والسدود‪ ...‬وعندما ٌنعزل أو ٌنتحر أو ٌنحرونه أو ٌعزلونه‬
‫سٌكون هو الظاهرة القبٌحة مدى الدهر‪ ...‬ظاهرة الذ ّل لتارٌخ أهل الذ ّل‪...‬‬
‫حرج عن األمة‬ ‫هذا هو الربٌس األمرٌكً أو الربٌسة الهندٌة وح ِّدث وال َ‬
‫العربٌة حٌث الجرح األكبر ٌؤتً من شعب عاش أرحم حُكم وأعدل عدل‬
‫فؤٌن نحن من الخلفاء ٌا أظلم الحلفاء؟؟‬
‫ٌا أهل البادٌة؟ أٌن القبٌلة؟ أٌن هو الشٌخ الذي حكم بالعدل وبالرحمة؟ أٌن‬
‫نحن من حٌاة أهل القرٌة حٌث ال فقر وال خوؾ وال تعصُّب وال تفرقة بل‬
‫كلّنا عٌال هللا ومن نسل آدم وحوّ اء؟؟‪ ..‬من أٌن أتت فكرة َّ‬
‫الطمع و‬
‫صاحب ِه لما احترمته‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اإلستكبار؟ لو تعرؾ من أٌن أتى أول ملٌون إلى‬
‫َ‬
‫نسٌت‬ ‫ولماذا تحترمه؟ ألنه اشترى صمتك وصوتك ومع الوقت القصٌر‬
‫هذه البٌعة ألنّ ذاكرتك ضعٌفة وألنّ التركٌز على المال ال على العقل‪ ..‬لقد‬
‫قرأت فً أحد كتب التارٌخ عن عشرٌن رجل من قراصنة أهل البحر الذٌن‬
‫طردوا من ببلد اإلنكلٌز وبعد ثبلثٌن عاما ً ماذا حصل لهم؟ قسْ م منهم ذهب‬ ‫ُ‬
‫إلى استرالٌا والقسم اآلخر ذهب إلى أمرٌكا وأصبحوا ح ّكام ورجال أعمال‬

‫‪71‬‬
‫وأصحاب بنوك‪ ،‬كلُّهم من أصحاب اإلحترام والمقام‪ ...‬لهذا السبب تجاهل‬
‫الشٌخ فرٌد الوضع ولم ٌبلحظ أو ٌدوِّ ن أيّ مذ ِّكرة توقٌؾ‪ ..‬ألنه صاحب‬
‫فكر روحً ولٌس فكر مادي‪ ..‬هدفه تحوٌل وتؽٌٌر وترقٌة اإلنسان إلى‬
‫السموّ السماوي‪ ...‬والتبلمٌذ من أصحاب الفكر المادي ال الفكر التؤمُّلً‪...‬‬
‫على المتؤمِّل أن ٌفهم المتطلِّبات األساسٌة للسموّ الفكري أال وهً التجرُّ د‬
‫والبلمباالة من جمٌع الممتلكات‪ ,‬وأنه ال بؤس إذا أخذ أحدهم بعضا ً من‬
‫الدراهم‪ ..‬هذه سرقة‪ .‬أو أخذ بعض األوراق أو المعادن ولٌست مسؤلة حٌاة‬
‫أو موت ولكن الفكر موجَّ ه باتجاه الما ّدة‪ ...‬من أٌن أتى هذا المال؟ لم نولد‬
‫ومعنا أيّ شًء‪ ...‬ك ّل مولود أتى إلى الدنٌا فارغ الٌدٌن وأصبح مُفعما ً‬
‫بال َّدٌْن وبالسرقات وباألموال وٌ َّدعً بؤنها مل ُكه الخاص‪ ،‬ولكن من م ّنا‬
‫ٌملُك جسده؟ إن المتؤمِّل الحقٌقً ٌتخلَّى عن الدنٌا وؼرورها وٌعتصِ م بحبل‬
‫هللا وٌتو َّكل على الرزق الحبلل‪....‬‬
‫إنّ هإالء المرٌدٌن هم من أصحاب الفكر المادي ومن الطبٌعً أن تدخل‬
‫السٌاسة حفاظا ً على مصالحهم‪ ،‬وهذا السارق تجاهل المرشد مرتٌن‪ ،‬فإذاً‬
‫من هو هذا المرشد؟ ممكن أن ٌكون شرٌكا ً مع اللص!! وإذا كان كما نف ّكر‬
‫علٌنا أن نبحث عن معلِّم آخر‪..‬‬
‫ولكن إهمال المرشد ناتج عن رحمته للطلبة‪ ,‬ألنهم هم أٌضا بحاجة إلى‬
‫مواجهة أفكارهم المادٌة‪ ..‬نعم‪ ،‬إنّ السرقة حرام ولكن فكرهم المادي هو‬
‫أٌضا ً حرام‪ ،‬وشعروا بالؽضب عندما تجاهلهم الشٌخ وق َّدموا عرٌضة‬
‫تدخل الفكر السٌاسً واإلعتراض وطرد الحرامً وإالّ سنترك‬ ‫شكوى أي َّ‬
‫الشٌخ ونبحث عن مركز آخر للتؤمل‪...‬‬
‫من الواضح جداً بؤنّ الطلبةلم ٌؤتوا للتؤمل وإال كانوا أرحم مع السارق‪,‬‬
‫ومع اإلعتراض والتقرُّ ب من هذه المشكلة‪ ...‬نعم عنده شهوة للمال وكان‬
‫بوسعهم أن ٌق ِّدموا له القلٌل من الدراهم بطرٌقة و ِدٌّة ولطٌفة‪ ،‬هذه إشارة‬
‫ِ‬
‫واضحة بؤنهم أصحاب سٌاسة وهدفهم لٌس التؽٌٌر أو التحوٌل بل تقوٌة‬
‫الفكر بالتهدٌد للمرشد وإالّ بانسحاب المجموعة من المركز‪..‬‬
‫ال تستطٌع أن ته ِّدد أو تنذِر معلِّما ً كالشٌخ فرٌد‪ ..‬هذا المرشد الذي ناداهم‬
‫بقوله‬
‫"أنتم أخوة بالحكمة" ‪ ،‬إنها سخرٌة وصدمة للتوعٌة أي ٌا أؼبٌاء!! ولكن‬
‫كلّنا األؼبٌاء نعتقد ونف ِّكر بؤننا أذكٌاء وحُكماء وهذه أول خطوة فً طرٌق‬
‫الجهل والؽباء‪ ,‬مع العلم بؤنّ الحكماء ال ٌعتقدون بؤنهم حكماء‪ ...‬العلماء‬
‫والحكماء واألولٌاء واألنبٌاء خافوا هللا ألنهم شاهدوا جهلهم وضعفهم‪...‬‬

‫‪72‬‬
‫هإالء الطلبة األؼبٌاء لم ٌذهبوا للمال بل ألخذ شًء أهم وأكبر من المال‪..‬‬
‫هذا المرشد ساعدهم لٌشاهدوا ثروة أعلى وأؼلى من الدراهم‪ ,‬وق ّدم لهم‬
‫وملزمة عندما قال لهم أنتم‬
‫ِ‬ ‫المناسبة بطرٌقة مهذبة ولطٌفة وصارمة‬
‫تعلمون الخٌر من الشرّ ولكن هذا األخ ال ٌعلم‪ ..‬أي أنكم أنتم أٌضا ً من‬
‫أصحاب الفكر المادي ألنكم ما رأٌتم فٌه إالّ ما أنتم علٌه‪ ..‬هو مرآة لكم‬
‫وإذا كانوا حقا ً من أصحاب التؤمل كان علٌهم أن ٌشكروا المرشد‬
‫والحرامً وٌراقبوا أنفسهم وأفكارهم‪ ...‬هذه هً نعمة التؤمل وبنوع خاص‬
‫مع مرشد كالشٌخ فرٌد‪ ...‬إنها مناسبة نادرة وفرٌدة ولكن همَّهم لٌس بصِ لة‬
‫ب وصوب والهدؾ لٌس‬ ‫األرحام بل بصِ لة الدراهم‪ ..‬لقد أتوا من ك ّل حد ٍ‬
‫لئلستنارة‪ ,‬بل لخدمة الفكر المادي الدنٌوي ولمحاكمة األخ الجاهل‪ ,‬وأٌضا ً‬
‫للمرشد العاقل‪ .‬وكؤنّ الشٌخ فرٌد ال ٌعلم شٌبا ً عن المراقبة والمشاهدة‬
‫وتهذٌب ال َّن ْفس‪ ،‬بل الطلبة هم األعلم منه وفرضوا علٌه القانون والشرٌعة‬
‫التً ترجم اللصّ والمساعد له‪....‬‬
‫لنرى معا ً هذه السخرٌة فً المعاملة ولنتذ َّكر صبلحٌة الصالح دابما ً على‬
‫خطؤ بالنسبة ألهل الجهل‪ ...‬هذا ما فعلناه باألنبٌاء وبالخلفاء وال نزال‬
‫نطلب ونرجم أهل الرحمة ألننا أفهم وأرحم منهم‪ ...‬إنّ المرشد ال ٌفهم ما‬
‫نفهم وعلٌنا أن نرشده لٌكون مرشداً لنا‪..‬‬
‫هذا هو الفكر المادي الدنٌوي الذي ٌتحدث عن السبلم وٌفرض الحرب‬
‫حول العالم‪...‬‬
‫إنّ الحٌاة مع َّقدة وماكرة ومن الصعب أن نقرِّ ر بسهولة ما هو الصح وما‬
‫هو الؽلط‪ ...‬ال نستطٌع أن نرى الفرق بٌن اللٌل والنهار أو الشرّ أو الخٌر‪،‬‬
‫واإلنسان الفهٌم ال ٌقع فً ف ّخ الصالح القوٌم‪ ...‬من م ّنا صالح؟ من م ّنا على‬
‫الصراط المستقٌم والرجل القوّ ام؟ أٌن نحن من األنبٌاء والخلفاء والحكماء؟‬
‫أٌن نحن من نعمة الشهادة؟ هذا ما فعله هإالء الطلبة باتهام السارق و‬
‫المرشد‪ ,‬وهذه الحكمة من قلب الجهبلء واإلنسان عدوّ ما ٌجهل‪ ...‬أجهل‬
‫أر‬
‫أننً جاهلة وهذا هو الجهل بعٌنه وهذا هو الؽرور واإلستكبار‪ ،‬ولم َ‬
‫رحمة المرشد وتؤمُّله الصادق وحُكمه الحكٌم على الجمٌع دون تفرقة‪ ,‬بل‬
‫أعترضُ وأرفض وأه ِّدد وأعلِن بؤننً على حق‪..‬‬
‫وخاصة مع األنبٌاء‪...‬‬ ‫ً‬ ‫اإلنسان تافه وسخٌؾ ومجنون والتارٌخ ٌشهد علٌنا‬
‫ماذا فعلنا بهم وبؤهلهم؟ ألننا فً الدنٌا عمٌان وكذلك فً اآلخرة‪ ...‬ال‬
‫ٌستطٌع األعمى أن ٌرى نور هللا الساطع من حضرة المرشد‪ .‬نواجه‬
‫المسٌح وجها ً لوجه ونرجمه بالفكر التافه الصبٌانً السخٌؾ‪ ,‬ونتكلَّم‬
‫بسخافة ون ّدعً الثقافة‪ ...‬ماذا قال الشٌخ فرٌد؟ "أنتم تعلمون ما ال ٌعلَم‬

‫‪73‬‬
‫وعندكم من الحكمة التً ترشدكم إلى أيّ طرٌق تختارونها‪ ،‬وهذا األخ‬
‫جاهل وسؤساعده لٌتعرَّ ؾ على نفسه ألننً أنا المسإول عن ضٌافته‬
‫ووجوده معنا‪ ,‬ولكم حرٌّة الخٌار بما تختارون"‪ ...‬أحٌانا ً من الصعب جداً‬
‫أن نعلِّم من ٌعتقد بؤنه على حق‪ .‬من السهل أن نعلِّم المجرم أكثر من تعلٌم‬
‫القدٌس‪ ,‬وكذلك مع اإلنسان الجاهل والعارؾ بجهله والحاضر لٌتقبَّل أيّ‬
‫علم‪...‬‬
‫المتؤلِّم ٌطلب الدواء للشفاء من ألمه‪ ,‬ولكن الجاهل المستكبر ال ٌرؼب فً‬
‫التحرُّ ر من جهله ألنه مسرور بالؽرور‪ ,‬ومن المستحٌل أن ٌؽٌِّر هذا‬
‫المعٌار‪ ...‬لماذا قال المرشد " إذهبوا وسؤبقى معه‪ ،‬إنه أخً"‪ ...‬ألنّ هذا‬
‫األخ الفقٌر عنده إمكانٌة التحوّ ل والتؽٌٌر‪...‬‬
‫هذه هً اإلستطاعة‪ ....‬أٌن هً الطاعة الٌوم؟ ولمن؟ ال توعٌة وال طاعة‬
‫إالّ للمال الذي ٌتح َّكم بالجهل من جٌل إلى جٌل‪ ,‬ومن المسإول؟ ك ّل سابل‬
‫مسإول‪ ..‬وإذا كان السابل حاض ٌر فالمرشد حاضر ومعا ً سٌتحوَّ ل السابل‬
‫إلى المسإول‪...‬‬

‫لقد أتى أحد كبار المجرمٌن لزٌارة أحد العارفٌن باهلل ومنعه الحارس من‬
‫الدخول‪ ،‬ولكنه قفز من فوق الحابط ودخل دون أن ٌعرؾ اإلتجاه إلى‬
‫زاوٌة المرشد‪ ،‬ورآه أحد المرٌدٌن وحاول أن ٌساعده وأخذ بٌده ودخبل معا ً‬
‫إلى ؼرفة أحد علماء علم الفراسة وسؤله عن حالة هذا األخ‪ ...‬فتفرَّ س‬
‫العالِم به ودخل فً أعماق حٌاته السابقة وقال له‪ ..‬أنت مإسسة إجرامٌة‬
‫منذ حٌوات قدٌمة‪ ،‬حتى المرشد ال ٌستطٌع أن ٌساعدك‪ ...‬أنت حالة‬
‫مٌبوس منها ولم تستطِ ع أن تطٌع أيّ أوامر من أيّ أحد‪ ..‬عُد من حٌث‬
‫أتٌت حاالً وفوراً قبل أن ٌراك الشٌخ‪ ..‬فر ّد علٌه السابل قاببلً‪ " :‬إنك على‬
‫حق‪ ..‬إننً أحد كبار المجرمٌن والقتلة واللصوص ومن أهل المكر‬
‫واإللحاد‪ ،‬ولكننً أتٌت ألننً أشعر بالندم والتوبة وأو ّد أن أؼٌِّر مجرى‬
‫حٌاتً وأن أحٌا معكم ألننً شبعت من الدنٌا ومن آالمها‪ ,‬واآلن مستع ّد‬
‫أليّ خدمة من أجل الحصول على هذا التؽٌٌر والتحوٌل"‪ ...‬ورفض العالِم‬
‫طلبه وأمره بالخروج من بٌت الجماعة‪ ...‬وقال للمرٌدٌن‪" :‬هذا المجرم‬
‫مإسسة لصناعة الكفر والكفار كما أنّ المرشد هو مإسسة لصناعة الخٌر‬ ‫ٌ‬
‫واألخٌار‪ ...‬هللا ٌكفٌنا شرَّ ه فلٌذهب إلى أهله وإلى عمله!‪ ..‬تؤلم المجرم من‬
‫هذا الرفض وقرَّ ر اإلنتحار فً حدٌقة المكان وذهب إلى صخر ٍة قرب‬
‫إحدى الشجٌرات لٌضرب رأسه‪ ,‬وإذا بالمرشد ٌراه وٌدعوه إلى ؼرفته‬
‫وٌستقبله وٌق َبله مرٌداً من المرٌدٌن‪ ,‬وفً ؼضون بضعة أٌام إستنار الكافر‬

‫‪74‬‬
‫وس َطع نوره بٌن األخوة‪ ،‬واحتاروا واندهشوا وتسابلوا‪ ،‬وإذا بالمرشد ٌقول‬
‫لهم‪" :‬إنّ علم الفراسة حق والحٌاة الماضٌة حق ولكن هل ش َققت قلبه؟ هل‬
‫رأٌت مستقبله؟ الماضً مضى والقلب حًّ اآلن وٌطلب من هللا الحٌاة‬
‫الحٌة مع الحًّ ‪ ..‬وأمر هللا ُكن فٌكون‪ ...‬إنه مجرم وكافر صادق وعنده‬
‫الش ّدة الحادة والملحَّ ة فً طلب الرحمة‪ ,‬وهللا أرحغم الراحمٌن وسرٌع‬
‫الجواب وحرَّ ر هذا األسٌر من أسره والحٌاة ٌُسر مع أهل الفرح‬
‫والسرور‪..‬‬
‫علٌنا أن نفهم المادة األساسٌة فً التحوٌل‪ ,‬أال وهً الشعور الصادق‬
‫بالذنب‪ ..‬المستكبر ال ٌتؽٌَّر وكذلك المتدٌِّن بالشرٌعة وبالنصوص دون‬
‫التعرُّ ؾ على النفوس‪ ،‬ال ٌستنٌر بل ٌبقى مقٌَّداً بالكتاب دون الدخول إلى‬
‫القلب‪ ,‬ولكن الزندٌق أقرب للحق من المتح ِّدث عن الحق‪..‬‬

‫لذلك ال أهتم وال أجامل أهل الجهل المتمسِّكٌن بالشرابع وبالنصوص‬


‫وبالطقوس وبشرْ ح كلمات القاموس‪ ،‬ولكننً أجالس أهل الكفر واإللحاد‬
‫وأهل السوء والسوق ألن عندهم الرؼبة واإلستطاعة إلى التؽٌٌر ومعا ً‬
‫سنسمو إلى األسمى‪ ...‬من هذا المنطلق ٌقول المرشد للطبلب‪" :‬إننً أسانده‬
‫وأعلِّمه ألننً هنا معه وله ولكم حرٌّة القرار"‪ ...‬هذا الكرم من رحمة‬
‫المعلِّم طهَّر قلب المجرم بدموعه السخٌّة وفا ًء لنفسِ ه وهلل وللمرشد‪ ..‬هذه‬
‫معجزة الحضرة مع أهل الحضرة بحضور المرشد الراشد ‪ ...‬المجرم هو‬
‫لبّ الرحمة ولٌس المرٌدٌن من أهل السٌاسة والفكر المادي الدنٌوي‪ ،‬بل‬
‫الزندٌق الصادق هو الحق للتحوٌل فً حضرة الحالة والحال‪...‬‬
‫إنّ سرّ الحٌاة فً عدم الشعور بالعدل وباإلنصاؾ‪ ,‬وال ن َّدعً بؤننا على‬
‫حق وال نقع فً هذا ال ِّشرك من الؽرور‪ ...‬ال أنا على حق وال أنت مخطا‪،‬‬
‫هذه إدانة بحق الن ْفس و َمن ظلَم نفسه ظلم ك ّل ن ْفس‪ ...‬ال عٌب وال ذنب وال‬
‫تمجٌد وإالّ أخفقنا فً الصراط المستقٌم‪ ...‬علًّ أن أقبل نفسً كما أنا اآلن‬
‫وما أنت إالّ مرآة لنفسً‪ ...‬من أنا ألفرِّ ق بٌن الحق والباطل؟؟ من أنا‬
‫ألدٌ َنك وأعٌبك وأح ُكم علٌك؟ هل أعرفك؟ هل أعرؾ نفسً؟ علٌنا بالتقبُّل‬
‫وهذا هو سرّ القِبلة‪ ..‬هذا هو الرضى والتسلٌم‪..‬‬
‫إنّ ّّ اإلدانة هً ؼذاء لؤلنا وللؽرور‪ ،‬لذلك نتحدث عن أخطاء اآلخرٌن‪...‬‬
‫هو على خطؤ أي أنا على صواب‪ ...‬هو المجرم وأنا الصالح‪ ..‬الحمد هلل‬
‫لست أنا‪ ...‬ومن المستفٌد من هذه األحكام؟ طبعا ً هو سٌِّد‬
‫ُ‬ ‫هو اللصّ أي‬
‫اإلستكبار‪..‬‬

‫‪75‬‬
‫وما هذه المبالؽة من اللؽو إالّ لدعم األنا والشعور باألهمٌة وللَفت األنظار‬
‫بؤننً أنا صاحبة الحق والعدل واألخبلق‪.‬‬
‫أكبر الفخر أن ال نفخر‪ ،‬وٌذ ِّكرنا اإلمام علً بقوله ‪ ":‬لسان العاقل وراء‬
‫قلبه‪ ,‬وقلب األحمق وراء لسانه"‪ ,‬فلنزرع فً قلوبنا حكمة الحكماء وحٌاة‬
‫الخلفاء ‪...‬‬
‫لنرحم من فً األرض‪ ,‬علٌنا أن نرحم أنفسنا أوالً‪ ،‬والرحمة هً اإلدراك‬ ‫َ‬
‫والمحبّة وفٌها انطوت األسرار اإللهٌة‪ ...‬لننظر إلى المجرم وإلى الحكٌم‬
‫بعٌن هللا‪ ..‬المسٌح ٌقول "األوّ لون آخرون واآلخرون أوّ لون" ‪ ،‬وك ّل مولود‬
‫هو الممسوح باهلل وهو المسٌح الوحٌد والمنفرد والممٌز بنفسه وبنعمة هللا‬
‫فٌه‪ ...‬كل مولود هو محمد بن عبد هللا وكل إمرأة هً سٌِّدة نساء العالمٌن‪,‬‬
‫إذا اعترفنا بؤننا ال نعرؾ وهو العلٌم الرحٌم وهو المعلِّم األعلَم من أيّ‬
‫مت سٌدنا الخضر بالصبر واللدانة‬ ‫علم‪ ...‬علِّمنً ٌا هللا من رحمتك كما علَّ َ‬
‫ال بالجبر واإلهانة‪ ,‬كما تعوَّ دنا منذ أجدادنا حتى الساعة‪ ...‬وما نراه الٌوم‬
‫من إستكبار وؼرور بدأً من األلقاب حتى بعد التراب‪...‬‬
‫سموّ األمٌر وهو فً المهد حتى بعد اللحد‪ ...‬صاحب القداسة والؽبطة‬
‫والسَّماحة والسٌِّادة والجبللة والفخامة وإلى ما هنالك من ف ّخ وفخوخ وسموّ‬
‫وسموم‪ ,‬حتى وصلنا إلى هذا المستوى الممسوس بالمسّ الشٌطانً‬
‫المعروؾ علمٌا ً بالطاقة السلبٌة السفلٌة‪ ...‬األلقاب لٌست ألولً األلباب بل‬
‫ُ‬
‫لخ ّدام الجٌوب‪...‬‬
‫أٌها اإلنسان العادي الطبٌعً والمؤلوؾ‪ ...‬تعرَّ ؾ على الفطرة اإللهٌة‪...‬‬
‫إنك على صورة هللا ومثاله‪ ،‬إنك موحَّ د مع الواحد وإنك ال أحد‪ ...‬إننً‬
‫نكرة وال شًء ومن هذا الوضع المتواضع ا َّتصلنا برحمته بؤمر من‬
‫رحمته‪ ...‬أنا قطرة الماء وهو المحٌط‪...‬‬
‫أنت حبّة الرمل وهو الصحراء‪ ...‬المحٌط ٌؤتً إلى قطرة الماء‪...‬‬
‫الصحراء تبحث عن حبة الرمل وبنوع خاص أثناء العاصفة الهوجاء‪...‬‬
‫هذه هً الرحمة اإللهٌة التً وسعت ك ّل شًء‪..‬‬
‫وما نحن إالّ هذا الشًء الذي ال ٌحٌا إالّ مع الحًّ القٌوم‪ ...‬علٌنا أن‬
‫نتعرَّ ؾ على مقام القلب األقرب إلى الربّ وعلى ك ّل األمانة التً نحن‬
‫علٌها أُمناء‪ ،‬من الجسد إلى الفكر والذات والروح‪ ...‬وما هذا العِلم إالّ‬
‫فرٌضة مق ّدسة فرضها هللا علٌنا لخدمة أنفسنا‪ ...‬فإنّ أول كلمة نزلَت على‬
‫ِّ‬
‫وٌعزز‬ ‫باسم ر ِّبك الذي خلَق‪ ...‬علٌنا بالعلم الذي ٌخدم السبلم‬
‫ِ‬ ‫الحبٌب‪ :‬إقرأ‬
‫الن ْفس وٌسمو بنا من اللوّ امة إلى الشفافة والمرضٌّة‪ ،‬فالعلم علمان علم‬
‫ٌعز حٌن ٌُػذر‪...‬‬ ‫ٌعز حٌن ٌنذر والعلم ّ‬‫أبدان وعلم أدٌان‪ ,‬وك ّل شًء ّ‬

‫‪76‬‬
‫الصحوة ٌا أهل العِلم‪...‬‬

‫‪77‬‬
‫اللب‬
‫من القلب إلى ّ‬
‫ما معنى مساعدة الؽٌر؟ فً أؼلب األحٌان تكون المساعدة لتدمٌر اإلنسان‬
‫أي لتؽٌٌره ال الحترامه كما هو دون أيّ قٌد أو شرط‪...‬‬
‫إنّ الفرق شاسع وذو شؤَن واسع بٌن معنى المساعدة فً رأٌه وكما ٌرٌد‬
‫هو أو أن ُنبدي رأٌنا ونفرضه علٌه ونؽٌِّره حسب معرفتنا وفهمنا‬
‫للمساعدة‪ ...‬ساعده لٌكون نفسه وذاته‪ ..‬علًّ أن أؼٌِّر ما بنفسً ولٌس ما‬
‫بنفسك أنت‪ ...‬أساعدك لتتعرَّ ؾ على نفسك وترى وجهك األصٌل وك ّل‬
‫إنسان نسخة أصلٌّة فً أجمل وأحسن تقوٌم‪ ،‬أي صورة أصلٌة من هللا‬
‫وفرٌدة من نوعها ولكن الٌوم أصبحنا نسخة آلٌة ومن الشبه مٌّة بالمٌة‬
‫ألننً لست ملتزمة أو مهتمة بك كن ْفس أو ذات أو روح‪ ،‬بل أتبع مذهب‬
‫فكري الثابت والمحدود بالمثالٌات اإلجتماعٌة وأؼٌِّر الشخص اآلخر حسب‬
‫المستوى الذي أعرفه‪..‬‬
‫اإلنسان الحقٌقً لٌس هو المه ّم‪ ،‬األهم هو هذا القناع الذي ٌرضً المجتمع‬
‫وهذا التؽٌٌر هو تصرُّ ؾ عنٌؾ وعدوانً لخدمة الفكر المادي‪ ...‬هذه‬
‫المساعدة مجرَّ دة من المحبة ومن الرحمة‪ ...‬الرحمة تقبل اآلخر كما هو‬
‫تعترؾ بؤيّ مذهب مثالً‪ ،‬الرحمة هً مجرد مناخ‬ ‫ِ‬ ‫بك ّل إحترام وتقدٌر وال‬
‫من الطاقة ولك ك ّل المساحة الواسعة لت ّتجه أيّ إتجاه تراه مناسبا ً لك‪...‬‬
‫على البذرة أن تنمو وتزهِر حسب طاقتها وحاجتها الطبٌعٌة دون أيّ‬
‫فرض أو توجُّ ه‪...‬‬
‫نعم! علٌنا أن نساعد اآلخرٌن حسب حاجاتهم ورؼبتهم‪ ..‬عالم الٌوم عالم‬
‫زندقة وكفر وإلحاد ألنّ المب ِّشرٌن همّهم الوحٌد هو تؽٌٌر اإلنسان من‬
‫مُرت ّد إلى مُرٌد‪ ...‬إلى من ٌرٌد أن ٌخدم مصالحهم الشخصٌة‪ ..‬اإلنسان أهم‬
‫من الفكرة مهما كانت مثالٌة‪ ...‬إنّ اإلنسانٌة الكاملة الشاملة لٌست أهم من‬
‫أيّ إنسان‪ ...‬اإلنسانٌة مجرد فكرة واإلنسان هو كابن حقٌقً‪...‬‬
‫إنسى اإلنسانٌة وتذ َّكر اإلنسان‪ ...‬إن َسى الوطن وتذ َّكر المواطن‪...‬‬
‫َ‬
‫هذا هو األصلً والحقٌقً والملموس والمحسوس والذي ٌنبض بالحٌاة‪...‬‬
‫من السهل جداً أن نضحً باإلنسان من أجل اإلنسانٌة‪ ،‬من أجل اإلسبلم‬
‫والمسٌحٌة والهندوسٌة والٌهودٌة وإلى أي دٌّة‪ ...‬إنّ العمل الهٌِّن واإلهانة‬
‫واإلدانة هو على نفس المستوى من السهولة لخدمة السٌولة‪ ..‬نضحّ ً‬
‫باإلنسان لخدمة فكرة من المسٌح أو من النبً‪...‬‬

‫‪78‬‬
‫من أنا ومن أنت لنضحّ ً بالبشر أو بؤيّ شخص؟ من أنت أٌها الحاكم‬
‫لتصدِر قرار بالدمار؟ ك ّل إنسان فرٌد وممٌز وهو الهدؾ لحٌاته‪ ،‬ال‬
‫تستخدم اإلنسان وسٌلة فً سبٌل السٌولة!! عندما سمع إبراهٌم النداء‬
‫بتضحٌة إبنه ذ َّكره هللا بؤنّ هذه الفكرة من فكرك ٌا إبراهٌم‪ُ ...‬خذ هذه‬
‫النعجة واذبحها بدالً من اإلنسان‪...‬‬
‫عندما قال السٌِّد المسٌح بؤنّ السبت فً خدمة اإلنسان ولٌس العكس هذا هو‬
‫معنى التضحٌة والخدمة‪ ...‬ك ّل مخلوقات األرض فً خدمة خلٌفة هللا ونحن‬
‫نفعل العكس تماما ً‪ ..‬اإلنسان عبد اآللة‪ ..‬عبد المال‪ ..‬عبد التراب وعبد‬
‫السلطة والشرٌعة والكتاب‪...‬‬
‫اإلنسان هو أهم شؤن إلهً وله ك ّل التقدٌر واإلحترام ولكن أٌن هو هذا‬
‫اإلنسان؟‬
‫ُعرؾ ألنه‬ ‫إنّ فكرة هللا هً لخدمة اإلنسان‪ ..‬هللا ٌف ِّكر لنا وألجلنا وخلَقنا لٌ َ‬
‫بدون اإلنسان كان كنزا ًمخفٌا ً‪ ,‬فهل ٌجوز لنا بؤن نقتل وأن نضحّ ً بخلٌفة‬
‫هللا؟ علٌنا أن نضحً بك ّل شًء من أجل المخلوق كما تفعل األم مع ولدها‪,‬‬
‫وهذه هً المساعدة الحقٌقٌة النابعة من قلب المحِب إلى لبّ المحبوب‪ ...‬أن‬
‫نضحِّ ً باإلنسان هً جرٌمة ولٌست مساعدة‪ ..‬إننا ندمِّر ونشِ ّل ونفسِ ُد‬
‫خدمة لئلنسانٌة وهذا هو‬ ‫ً‬ ‫األرض والماء والسماء وك ّل من فٌها ومن علٌها‬
‫الجهل بعٌنه‪ ..‬هذا هو الكفر واإلجرام‪ ..‬هذا ما ٌنشره العلماء من نشرة‬
‫األخبار إلى نشرة األحبار‪ ...‬وكما ٌقول األمام علً‪ " :‬علماإهم ش ّر علماء‬
‫منهم تخرج الفتنة وإلٌهم تعود" ‪ ..‬هذا ما نفعله الٌوم منذ آدم حتى الساعة‬
‫وأٌن هً المساعدة‪ ...‬علًَّ أن أساعد نفسً‪ .‬هذا هو السعً إلى المحبّة‬
‫دون أيّ شرط أو قٌد‪..‬‬
‫ال قٌود وال بنود وال أيّ حدود بل المحبة الرحٌمة التً تنبع من الن ْفس ال‬
‫من نصوص األفكار بل من قلوب األخٌار واألحرار‪...‬‬
‫قدره وأنت فً قد َِرك‪ ..‬هذه‬ ‫شارك بنفسك ولكن ساعد اآلخر أن ٌسٌر فً ِ‬
‫هً قُدرة القادر فً ك ّل مختار ال ٌحتار بل ٌدرك نعمة اإلختٌار‪ ...‬القدَر‬
‫مجهول ومسٌَّر بالقدرة اإللهٌة ولكن علٌنا بالتع ُّقل وبالتو ُّكل‪ ..‬إستخدم عقلك‬
‫ك‪ ،‬أنت وهً لك وحدك دون سواك‪ ..‬ال‬ ‫قلب َ‬
‫لتنمٌة البذرة التً تحملها فً ِ‬
‫ستسحق البذرة ولن تنمو‬ ‫َ‬ ‫مخطط أو أيّ نموذج أو مثال وإالّ‬ ‫َّ‬ ‫تق ِّدم أي‬
‫بسموِّ ها اإللهً بل بالفرٌضة الفكرٌة التً فُرضت علٌها من فكر اإلنسان‬
‫المادي‪..‬‬
‫تذ َّكر بؤنّ كل إنسان ممٌَّز وفرٌد من نوعه وله موهبته الفرٌدة ألنّ الوجود‬
‫ال ٌكرِّ ر وال ٌُعٌد‪ ...‬إنّ الخالق هو المبدع فً خلقه‪ ,‬وفً ك ّل لحظة ٌخلِق‬

‫‪79‬‬
‫من ال ّشبه أربعٌن‪ ،‬وهذا هو سرّ خلق أرحم الراحمٌِن فً جمٌع مخلوقاته‪..‬‬
‫إذا كنت تحاول أن تصنع من ولدِك مسٌحا ً آخر هذا تدمٌر فً الخلق ألنّ‬
‫المسٌح ال ٌتكرَّ ر‪ ,‬والعالم لٌس بحاجة إلى مسٌح آخر‪ ،‬إنه ع ّدة ولٌس عدد‪,‬‬
‫والكثرة مملة ومزعجة‪ ...‬على ك ّل إنسان أن ٌكون الكابن الذي خلقه هللا‬
‫ولٌس من صنع المخلوق‪ ,‬وكلّنا ممسوحٌن بروح هللا وأنا ال أعلم إالّ ما فً‬
‫نفس ذابقة الموت والحٌاة الخاصة بها‪ ..‬علًَّ أن أتعرَّ ؾ على‬ ‫نفسً‪ ,‬وك ُّل ٍ‬
‫وتعطر عطرها الكونً‬‫ِّ‬ ‫األمانة التً أحملها وأن أرعاها لتنمو وتزهِر‬
‫المطلَق باإلمكانٌة الكونٌة أي بالقوة اإللهٌة السرمدٌة‪ ...‬هذه حقٌقة ك ّل‬
‫إنسان وعلٌه أن ٌتعرَّ ؾ على حقٌقة وجوده وٌ ّتبع طرٌق قلبه‪ ...‬نعم علٌنا‬
‫أن نشارك بالمحبة وبالطاقة وبجمٌع ال ِّنعم التً أنعم بها هللا على جمٌع‬
‫خلقه‪ ,‬ولكن أن نقبل أنفسنا كما نحن وكذلك اآلخرٌن دون أيّ ذنب أو عتب‬
‫أو أيّ تؽٌٌر‪ ...‬الشعور بالذنب س ّم للقلب‪.‬‬
‫عندما ٌقول أيّ إنسان " ُكن كالمسٌح "‪ ،‬هذا رفض واضح ؼٌر مقبول‪ ,‬أي‬
‫لم ٌقبلك كما أنت إالّ إذا تؽٌَّرت حسب رأٌه هو‪ ..‬أنت متط ِّفل علٌه إالّ إذا‬
‫تب َّدلت‪ ...‬أي البدٌل أفضل من األصٌل‪ ..‬ما هو هذا النوع من الحب؟ علٌك‬
‫أن تكون مزٌَّؾ و ؼٌر شرعً حتى أحبّك‪...‬‬
‫ال تستطٌع أن تكون إالّ نفسك‪ُ ..‬كن أصٌبلً وإالّ ستكون شخصٌة مق َّنعة‬
‫بؤقنِعة مص َّنعة من األفكار المزٌفة‪ ..‬أٌن هو جوهرك أٌها اإلنسان؟ تستطٌع‬
‫أن تزٌِّؾ شخصٌتك بؤدوار كثٌرة وتحمل األوسمة والمٌدالٌات والشهادات‬
‫واأللقاب‪ ,‬ولكن كلّها ال تدخل إلى القلب ولٌس لها أيّ عبلقة أو صلة‬
‫بنفسك بل زٌنة خارجٌة‪ ..‬وجه مستعار ولٌس وجهك األصلً‪ ..‬فإذاً إنّ‬
‫الذي ٌحاول أن ٌجعل منك شخصا ً آخر حٌث ٌقول لك "أحبّك إذا كنت‬
‫مسٌحا ً أو حكٌما ً أو عالِما ً"‪ ،‬هو ال ٌحبّك‪ ,‬حتى لو كان ٌحب المسٌح لكنه‬
‫ٌكرهك‪ .‬حتى حبُّه للمسٌح سطحً ومزٌَّؾ ألنه لو كان صادقا ً بحبه ألحبَّ‬
‫كل فرد وتقبَّل فردٌته الممٌزة كما هً‪ ...‬المحبّة هً الفهم العمٌق‪.‬‬
‫إذا أح َببت أيّ إنسان هذا الشعور ٌحرِّ ك فٌك رإٌة جدٌدة فً نفسك وأصبح‬
‫بصرك حدٌد وجدٌد‪ ..‬هذا الوضوح بالبصر ٌنمًِّ فٌك البصٌرة حٌث ترى‬
‫وجودك فً ك ّل وج ٍه تراه‪ ،‬وحقٌقة وجوده هو أٌضاً‪ ،‬وحقٌقة إمكانٌاته فً‬
‫هذه اللحظة وفً هذا المكان‪ ..‬هنا واآلن وجود شرعٌّة كل إنسان‪ ..‬ومن‬
‫هذا المنطلق نساعد بعضنا البعض‪ ،‬نكون من نحن دون أيّ تو ُّقع أو أمل أو‬
‫رجاء وال أيّ مكافؤة أو نتٌجة بل أحبّك هلل فقط‪..‬‬
‫عندما ٌنساب الحبّ دون أيّ ؼاٌة أو أيّ رؼبة عندب ٍذ تفٌض الطاقة الهابلة‬
‫بالهالة اإللهٌة وتشِ عّ نورها فً العالم أجمع‪ ..‬هذا هو حبّ المسٌح إلخوته‪..‬‬

‫‪80‬‬
‫وبعزة الن ْفس وبؤهمٌة وجودي فً‬ ‫َّ‬ ‫ٌحبُّنً كما أنا لذلك أشعر بالكرامة‬
‫الوجود‪ ،‬وما هذا الوجود إالّ منزلً الدابم القرٌب من قلبً‪ ,‬ألنّ المسافة‬
‫بٌنً وبٌن نفسً هً المسافة بٌنً وبٌن بٌتً‪ ..‬الوجود ونفسً عملة واحدة‬
‫ذات وجهٌن‪ ..‬لذلك عندما تقول لً أحبّك إذا كنت مسٌحا ً أو عربٌا ً أو فنانا ً‬
‫أو ؼنٌا ً كؤنك تبعِدنً عن نفسً وبٌتً‪ ,‬وسؤلبس األقنعة وأتزٌَّن‬
‫بالشخصٌات المص َّنعة وألعب أدوار األفكار اآللٌة وأبتعد عن ذاتً وروحً‬
‫الوعً؟ بل أحٌا الؽش والخداع وأكون تلك‬ ‫وجوهري اإللهً‪ ,‬وأٌن َ‬
‫الظاهرة المستعارة الؽشاشة ال األصلٌّة واألصٌلة‪....‬‬
‫عندما أساعد علًَّ أن أخترع أو أبدع مناخ من الحرٌة و المحبة ألق َبل‬
‫مخطط‪ ...‬إنّ أصعب مساعدة‬ ‫َّ‬ ‫ؼٌري كما أقبل نفسً دون أيّ شرط أو أي‬
‫فً الحٌاة هً مساعدة اآلخر بؤن ٌكون كما هو ألنّ هذه الخطوة هً ض ّد‬
‫األنانٌة‪ ..‬الؽرور ٌحِب التقلٌد والتقٌٌد‪ ...‬أحب أن ٌقلِّدنً الجمٌع ألشعر‬
‫باإلستكبار وألكون النموذج الكامل واألصلً حتى ٌتبعنً الشعب والعالم‪,‬‬
‫وهكذا أنمو باألنانٌة وحب الذات والمدح والتبجُّ ح وأنا النسخة األصلٌة‬
‫والمركز األساسً والجمٌع هم أتباعً وجمهوري‪ ،‬أنا الحق وهُم الباطل‬
‫الضا ّل‪...‬‬
‫قلِّدوا القابد المقٌَّد بالتقالٌد وبالرُّ تب الرتٌبة وبالقبلبد التقلٌدٌة وهذا هو‬
‫البطل الذي ٌزرع الفقر والبطالة وٌحصد العهر والبطولة‪ ..‬هذا ما فعله‬
‫هتلر وأمثاله وال زلنا نحٌا ذ ّل اإلستكبار والؽرور بإسم المساعدة والرحمة‬
‫واإلنسانٌة وإلى ما هنالك من شعارات وشعور مبنٌة على الؽش وعلى‬
‫الجهل‪ ...‬الصحوة أٌها اإلنسان‪ٌ ..‬ا خلٌفة هللا الممٌز‪ ..‬تذ َّكر مٌزة الخلفاء‬
‫واألنبٌاء واألولٌاء‪ ...‬وأٌن نحن من هذه النعمة وهذه األمانة؟؟‬
‫لٌتبعها ولكن من أنت لتؽٌِّر اآلخر؟ ال تتحمل‬ ‫َ‬ ‫األنانٌة تحِب أن تؽٌِّر اآلخر‬
‫هذه المسإولٌة‪ ،‬إنها مخاطرة خطِ رة‪ ،‬هكذا ولِد ستالٌن ونٌرون وبوش‬
‫وشارون وؼٌرهم من حكام العالم‪ ..‬أخذوا على عاتقهم تؽٌٌر اآلخرٌن وفقا ً‬
‫لمصالحهم الشخصٌة‪ ...‬ممكن أن ترى الفرق بٌن ؼرور هتلر وؼاندي‪,‬‬
‫ولكن الفرق سطحً إنما الهدؾ واحد‪ ..‬تؽٌٌر العالم لٌنسجم مع مصالحهم‬
‫وؼاٌاتهم الخاصة‪ ...‬الوسابل اختلفت‪ ...‬األول استخدم العنؾ والثانً‬
‫البلّعنؾ ولكن الهدؾ واحد‪ .‬األول استخدم السبلح والثانً استعان بالصٌام‬
‫وبالتهدٌد السلمً أو باإلنتحار فً سبٌل التحرٌر‪ ...‬الوسٌلة هً القوّ ة‬
‫والسٌاسة‪ ..‬ال هتلر ٌحبّنا وال ؼاندي أٌضاً‪ ،‬كان ٌتكلَّم عن الحب والسبلم‬
‫ولكن كان مجرد كبلم بكبلم‪ ،‬كلّه مثالٌات وأوهام وعندما اندلعت الحرب‬
‫بارك أول طٌارة ق َذفت ودمَّرت المسلمٌن‪...‬‬ ‫بٌن الهند والباكستان َ‬

‫‪81‬‬
‫أٌن هو السالم وأٌن هو التوحٌد ؟؟‬
‫ٌوجد طرٌقة واحدة للحب أال وهً أن نحِب الناس كما هُم ‪ ..‬وهذا هو‬
‫الجمال‪ .‬عندما نحبّهم كما هم ٌتؽٌرون وفقا ً ألفكارهم ونواٌاهم ال لؽاٌاتنا‬
‫نحن‪ ,‬بل حسب حقٌقتهم وواقعهم‪ .‬هذا هو التحوٌل ال الهداٌة إلى األفضل‬
‫أو من اإللحاد إلى اإلٌمان أو المرت ّد‪ ...‬بل ٌتؽٌَّر حسب رؼبته وؼٌرته‬
‫وهذه هً الوالدة الجدٌدة فً كٌنونة جدٌدة فً طبٌعتهم‪ ..‬ساعِ دوا الناس‬
‫لٌكونوا طبٌعٌٌن وأحرار‪ ,‬وأن ٌكونوا أنفسهم وأن ال نفرض علٌهم ال‬
‫ترهٌب وال ترؼٌب بل الحقٌقة دون أيّ تبلعب وتناور‪ ،‬هذه وسابل‬
‫اإلستكبار والؽرور التً ٌستخدمها أهل السٌاسة وأهل الدٌن وعلى رأسهم‬
‫أهل الدوالر‪ ...‬ك ّل إنسان ٌتمٌز بطبٌعة ممٌزة وفرٌدة من حٌث اإلحساس‬
‫لذلك علٌنا أن نحِب أنفسنا أوالً‪ ,‬وعندما أحب نفسً بوسعً أن أحب جاري‬
‫ألنّ من أحبَّ نفسه عرفها ومن عرفها رآها فً ك ّل ن ْفس وفً ك ّل ما رأى‪..‬‬
‫فإذاً أحبّك ألنك أنت أنا ونحن‪ ..‬أحبّك دون أيّ ؼاٌة أو أي تو ُّقع‪ ..‬كما قال‬
‫االمام علً‪:‬‬
‫"الهً ما عبدتك خوفا ً من نارك و ال طمعا ً بج ّنتك‪ ,‬بل وجدتك أهبلً للعبادة‬
‫فعبدتك‪".‬‬
‫ٌا هللا‪ ..‬أحبّك ال خوف ًا من جهنم وال طمع ًا بالجنة‪ ..‬إذا كان حبً لك خوف ًا‬
‫من جهنم فاحرقنً بنارها وإذا كان حبًّ لك طمع ًا بالجنة فاحرمنً منها‪،‬‬
‫بل للحب أٌها الحبٌب المحِب‪..‬‬ ‫بل لذلك‪ ..‬أه ً‬
‫أحبّك ألنك أه ً‬

‫ُّ‬
‫والتدخل فً حٌاته؟‬ ‫أٌن هً الحدود بٌن اإلهتمام بالشخص اآلخر‬
‫عندما تدخل العقابد والمذاهب ٌصبح اإلهتمام ُّ‬
‫تدخل وع َقبة فً حٌاة‬
‫اآلخر‪ ..‬تنقلب المحبة إلى ؼضب والؽضب إلى بُؽض وحقد وتحوَّ لت‬
‫الحماٌة إلى حبس وهذا الفرق سببه العقابد المع ّقدة بالقٌود والبنود‪...‬‬
‫ت بطفلك ألنه بدون عناٌتك ال‬ ‫ت أ ّما ً واهتمّم ِ‬
‫على سبٌل المثال‪ ...‬إذا كن ِ‬
‫ت وجو ٌد مه ّم بالنسبة لحٌاته‪ .‬إنه بحاجة إلى ؼذاء ومحبة ورعاٌة‬ ‫ٌعٌش‪ ,‬فؤن ِ‬
‫ولكنه لٌس بحاجة إلى عقٌدتك ولٌس بحاجة إلى م َثلُكِ األعلى وإلى مذهبك‪،‬‬
‫ال إلى مسٌحٌتك وال إسبلمك وال أيّ معت َقد أو أيّ دٌن تفرضٌنه علٌه‪ ,‬وال‬
‫كتابك المق ّدس أو المفضل وال رأٌك بحٌاته‪...‬‬
‫تجنبً هذه األفكار والمعتقدات واألهداؾ‪ ،‬والرعاٌة مهمّة من ناحٌة‬
‫األمومة ال ؼٌر‪ ...‬هذه هً العناٌة البرٌبة الطاهرة وإال ستكون ْ‬
‫مكر‬
‫ودهاء‪ ...‬العقابد هً التً تع ِّقد حٌاته وٌهرب منك إلى المذاهب وإلى‬

‫‪82‬‬
‫السٌاسة واألحزاب أو إلى المهن الحرّ ة أو األلقاب التً تخدم الجٌوب‬
‫والذنوب كالطبٌب والمهندس أو رجل األعمال أو رجل الدٌن أو العالِم‬
‫وإلى ما هنالك من مناصب للتنصٌب وللتعذٌب‪ ..‬ك ّل ما على األم أن تقول‬
‫لك م ّنً كل اإلحترام والتقدٌر‬ ‫لولدها‪" ...‬أحبّك ولك الخٌار عندما تختار‪َ ...‬‬
‫والبركة أليّ خٌار تختاره فً حٌاتك‪ ...‬هذه حرٌ َتك أنت وأنا‬ ‫َ‬ ‫والموافقة‬
‫ّك إذا‬‫سؤبقى فخورة بك مدى الحٌاة‪ ...‬الحب ال ٌطلب أيّ شرط‪ ،‬أحب َ‬
‫وأحبك إذا كنت نجاراً أو متسوِّ الً أو مجرما ً‪...‬‬
‫َ‬ ‫أصبحت ربٌسا ً للببلد‬
‫أستقبلَك كما أنت ال بالمٌدالٌة الذهبٌة وال للهدٌة وال خوفا ً من الفشل وال‬
‫ح ّبا ً بالنجاح وال أخجل فٌك وال أفتخر بك وبؤخبلقك الفاضلة والمستقٌمة‬
‫وقلبك العفٌؾ الطاهر‪ ..‬حبًّ لك ال ٌنتظر أيّ سبب أو عُذر وسؤبقى‬
‫م ّتصلة بك وأحبك"‪...‬‬
‫أيّ فكرة تدخل فً عبلقة األهل مع األوالد‪ ,‬دخل الس ّم فً حٌاتهم‪.‬‬
‫هذه عناٌة مسمومة ومشروطة وكل حبّنا هو دهاء‪ ,‬لهذا نرى التعاسة‬
‫والشقاء حول العالم‪ ...‬هذه هً جهنم‪ ..‬عندنا اإلهتمام ولكنه مسموم‬
‫باألوهام‪ ..‬األم تهت ّم وكذلك األب واألخت واألخ والزوج والزوجة‬
‫واألقرباء و األنسباء والسٌاسة والدٌن وال زلنا فً أسفل السافلٌن‪ ...‬هنالك‬
‫شًء ؼلط‪ ...‬الؽلط فً األساس‪...‬‬
‫أٌن هو الخطؤ؟ لماذا تقع األخطاء؟‬

‫العناٌة مشروطة‪ ...‬إفعل كذا وال تفعل كذا‪ُ ..‬كن كذا وال ت ُكن كذا‪ ...‬هل‬
‫أح َببت أيّ إنسان دون أيّ شروط؟ هل أح َببت أيّ صدٌق كما هو أو كما‬
‫هً؟‬
‫أحبّك كما أنت دون أيّ تحسٌن أو تؽٌٌر وهذا هو الرِّ ضى والموافقة فً‬
‫القبول الكامل والتام‪ ,‬عندب ٍذ نشعر ونعلَم معنى الرعاٌة واإلهتمام وهذه‬
‫العناٌة ترضً القلوب وتساعد الطرفٌن وتنعِش العبلقة مع الذات ومع‬
‫اآلخر‪...‬‬
‫ولنتذ َّكر‪ ،‬إذا لم ٌهدؾ اإلهتمام إلى أيّ تجارة أو طمع أو حب الجاه‬
‫ك‬‫فاإلنسان الذي اهت َممت به سٌكون حبّه وف ٌّا ً لؤلبد‪ ،‬ولكن إذا كان حبً ل َ‬
‫مقٌَّداً بؽاٌات وأهداؾ فسوؾ لن تنسى هذا الجرح ولن تسامِح أمّك أو أباك‬
‫أو أ ٌّا ً كان استخدمك وسٌلة لؽاٌته‪..‬‬
‫لهذا السبب األوالد عاجزٌن عن مسامحة أهلهم‪ ...‬إسؤل أطباء الن ْفس‬
‫وعلماء الن ْفس والسبب فً معاملة األهل لؤلوالد‪ ..‬جمٌع الحاالت سببها فً‬
‫الجذور ألنّ األوالد كانوا سلعة تجارٌة فً نواٌا األهل وفرضوا علٌهم‬

‫‪83‬‬
‫أحبلمهم وأفكارهم وكانت الرعاٌة باردة وعملٌة حسابٌة لتحقٌق آمال‬
‫األهل وطموحاتهم‪ ...‬من هو الضحٌّة؟‬
‫كلّنا ضح ٌّة الضحٌة‪ ...‬كلنا ضحٌة الجهل‪ ..‬عفى هللا عّما مضى ولنمضً‬
‫معا ً َبومضة من نور سماوي لنسمو معا ً فً رحلة الحب الصافً‪ ..‬الحب‬
‫هدٌة حرّ ة إلى ك ّل إنسان‪..‬‬
‫اللحظة التً تدفع ثمن الحب تسمِّم الحب وأصبح تجارة ماكرة‪...‬‬

‫قدٌما ً كان الشاعر بالحب ٌق ِّدم لها شِ عراً والٌوم ٌقدم لها سِ عراً‪ ...‬ال ِّشعر‬
‫تحوَّ ل إلى سِ عر‪ ...‬كان القلب مشعور بالحب‪ ،‬الٌوم أصبح القلب كلب‬
‫مسعور بالسِّعر‪ ...‬أٌن أنت‬
‫أٌها الحب؟؟‬

‫الحب ح ًّ للقلب الح ًّ‪...‬‬


‫الحب هو مصدر المحبة والمحبة مصدر السعادة‪ ...‬والسعادة الروحٌة‬
‫تكون دابمة ولٌست متو ِّقفة على عوامل خارجٌة‪...‬‬
‫اإلنسان الذي ٌكون سعٌد الروح تدوم سعادته‪ ،‬أمّا اإلنسان الذي ٌكون‬
‫سعٌد ًا بؤسباب مادٌة فإنّ سعادته تزول بزوال هذه األسباب‪...‬‬
‫إنّ كلمة حب من أصؽر الكلمات ولكن فعلها من أكبر وأهمّ األفعال‪...‬‬
‫هً الذرّة التً تحًٌ األموات‪ ,‬والذي ال ٌحِب مٌِّت دون أن ٌعرؾ‬
‫الحٌاة‪...‬‬
‫ٌقول المسٌح دعوا األموات ٌدفنون بعضهم البعض‪...‬‬
‫والدنٌا بدون أحباب مقبرة لؤلموات‪ ...‬والحب ٌولَد معنا وٌبقى معنا وفٌنا‬
‫وهو المحبة والرحمة والسعادة وجمٌع الصفات الصامتة والصامدة فً‬
‫الصمت اإللهً والحبٌب األكبر هو األقرب إلٌنا من حبل الورٌد‪ ...‬وٌقول‬
‫العاشق الصادق‪..‬‬

‫وترصُده عٌنً وهو فً سوادها‬


‫وٌشتاق إلٌه قلبً وهو بٌن أضلعً‬
‫والحب ال ٌنظر إلى اللسان والقال‬
‫بل القلب ٌنظر إلى الباطن والحال‪..‬‬

‫‪84‬‬
‫فعل الرحمة‬
‫من الذي قال بؤنّ الرحمة ال ترحم األنانٌة؟‬
‫نعترؾ بها‬ ‫ِ‬ ‫ك ّل "أنا" أنانٌة وك ّل إنسان صادق فً أنانٌّته‪ ،‬واألنا نٌّة حق‬
‫ونعٌشها‪ ..‬ال أحد ٌستطٌع أن ٌكون ؼٌر أنانً إالّ المنافق‪...‬‬
‫إنّ كلمة "أنانً" مُدانة من جمٌع الدٌانات‪ ..‬الحمد هلل اتفقوا على هذه‬
‫الجمعٌة المشتركة لٌطالبوا بحق "األنا" والشرط ٌقول‪" ...‬على اإلنسان أن‬
‫ٌتخلّى عن أنانٌته لٌخدم اآلخرٌن"‪...‬‬
‫تذ َّكرت قصة من ولد صؽٌر ٌتحدث مع أمِّه حٌث قالت له‪" :‬تذ َّكر دابما ً‬
‫بمساعدة الؽٌر"‪،‬‬
‫وسؤلها الولد "وبعد ذلك ماذا ٌفعل الؽٌر أو اآلخر الذي ساعدته؟"‪ ...‬طبعا ً‬
‫كان جوابها "وهو أٌضا ٌساعد اآلخرٌن"‪ ،‬فر ّد علٌها قاببلً‪" :‬لماذا هذا‬
‫البرنامج الفجّ؟‪ ..‬لماذا ال نقول ساعِ د نفسك بدالً من التبدٌل والنقل وتعقٌد‬
‫األمور؟‪"..‬‬
‫األنانٌة شعور طبٌعً والمشاركة تؤتً من محبة الذات وعندما تكون فً‬
‫فٌض من الفرح تستطٌع أن تشارك‪ ...‬واآلن األعمى ٌساعد العمٌان‬
‫والتعٌس ٌساعد ال ُّتعساء والفقٌر ٌساعد الفقراء و َمن ٌخدم َمن ولماذا؟‪...‬‬
‫هل ٌقدِر األعمى أن ٌقود أعمى؟ إنها فكرة خطرة التً عمَّت وانتصرت‬
‫واستمرَّ ت وال تزال منذ أجٌال وأجٌال‪...‬‬
‫أحِب قرٌبك كنفسك‪ ...‬هل أحِب نفسً؟ كٌؾ أستطٌع أن أحبّك إن لم‬
‫أَحِب؟‪...‬‬
‫ومن‬ ‫فاقد الشًء ال ٌعطٌه‪ ...‬نفسً ثم نفسً ثم نفسً ٌقول الحبٌب‪...‬‬
‫أحب العالم‪...‬‬
‫أحب نفسه َ‬
‫عرؾ ربه ومن َ‬
‫عرؾ نفسه َ‬
‫َ‬
‫لماذا نخاؾ من محبة األنا والن ْفس والذات؟؟ لماذا الخوؾ من الحب؟؟‬
‫قالت المعلِّمة لؤلوالد‪" :‬على األقل مرّ ة فً األسبوع علٌكم بخدمة‬
‫اآلخرٌن‪ ..‬أي بعمل صالح ٌحبّه هللا"‪ ،‬وسؤلها أحدهم قاببلً "أرجوكً أعطِ نا‬
‫بعض األمثال أو أيّ نموذج عن العمل الصالح"‪ .‬ال نعرؾ ما هو الجٌد‪...‬‬
‫قالت‪" :‬مثبلً‪ ،‬إمرأة ضرٌرة بحاجة أن تعبر الطرٌق‪ ،‬ساعِ دها‪ ..‬هذا عمل‬
‫خٌر وشرٌؾ وعفٌؾ"‪ ...‬شكروها وانصرفوا إلى العمل الصالح!!‬
‫وبعد عدة أٌام سؤلتهم المعلِّمة من منكم تذ ّكر واجب الخدمة المق ّدسة وقام‬
‫بها؟ وثبلثة من التبلمٌذ رفعوا أٌدٌهم بالجواب‪ ...‬وقالت‪" :‬هذه عبلمة‬
‫قلت ه لكم؟ ولكن على‬ ‫مهٌنة‪ ..‬لماذا لم تخدموا الناس؟ لماذا لم تسمعوا ما ُ‬

‫‪85‬‬
‫ُ‬
‫فعلت‬ ‫األقل ثبلثة منكم قاموا بالخدمة"‪ ...‬وسؤلت األول‪ :‬ماذا فعلت‪" ...‬لقد‬
‫ما أمرْ تً به أٌّتها المعلِّمة‪ ..‬إمرأة عجوز ضرٌرة ساعدتها لتعبُر‬
‫الطرٌق"‪...‬‬
‫"شكراً‪ ..‬هللا ٌحمٌك‪ ،"..‬وأنت ماذا فعلت؟ ورفع الولد الثانً ٌده قاببلً‪" :‬إنا‬
‫خدمت إمرأة ضرٌرة وساعدتها لتعبر الطرٌق"‪ ...‬واحتارت المعلِّمة من‬ ‫ُ‬
‫أٌن وجد إمرأة أخرى ضرٌرة وساعدها نفس المساعدة‪ ،‬ولكنها ف َّكرت‬
‫بقلبها‪ ...‬المدٌنة كبٌرة وٌوجد فٌها الكثٌر من تلك النساء‪ ...‬وسؤلت التلمٌذ‬
‫ُ‬
‫ساعدت‬ ‫فعلت تماما ً كما هُم فعلوا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الثالث وأنت أٌضا ً ماذا فعلت؟‪" ...‬لقد‬
‫إمرأة ضرٌرة لتعبر الطرٌق"‪ ..‬ولكن أٌن وجد ُتم هذه النساء؟ وكان‬
‫الجواب‪" :‬لم تفهمً القصة أٌتها المعلِّمة‪ ...‬لم نجد ثبلثة نساء بل إمرأة‬
‫واحدة ضرٌرة عاجزة مسِ َّنة‪ ،‬وكانت المساعدة صعبة ألنها رفضت أن‬
‫وصرخت وحاولَت أن تضربنا ولكن نحن صمَّمنا وقرَّ رنا أن‬ ‫َ‬ ‫تعبر الطرٌق‬
‫ت‪ ..‬وتجمَّع الناس من حولنا وحاولوا‬ ‫نقوم بعمل شرٌؾ وفضٌل كما أمر ِ‬
‫طلبك على الرأس والعٌن‪ ،‬و بالرؼم من رفضها ألنها‬ ‫أن ٌمنعونا ولكن ِ‬
‫كانت تصرخ وتنادي بؤنها ال ترٌد أن تعبر إلى الطرؾ الثانً من الطرٌق‪,‬‬
‫ألمرك وللعمل الشرٌؾ حاولنا ونجحنا والحمد هلل انتصرنا‬ ‫ِ‬ ‫ولكن إحترامنا‬
‫فً النهاٌة"‪...‬‬
‫لقد قٌل لً بؤنّ مساعدة الؽٌر فضٌلة ولكن ماذا أملُك من هذه الفضٌلة؟ قٌل‬
‫لً بؤنّ محبّة الجار والعدوّ فضٌلة ولكن لم ٌُقال لً عن محبة الن ْفس‪...‬‬
‫المسٌح ٌقول أحِب قرٌبك كنفسك!! وجمٌع الدٌانات بطرٌقة مباشرة أو ؼٌر‬
‫مباشرة تفرض علٌنا الحقد واإلكراه للذات وللن ْفس‪..‬‬
‫ٌكره نفسه ال ٌستطٌع أن ٌحِب‬ ‫ما هو سبب هذه المراوؼة؟ اإلنسان الذي َ‬
‫ؼٌره‪ٌ ...‬ستطٌع اإل ّدعاء أو التظاهر بالحب‪ ...‬ما هً هذه الدٌانات التً‬
‫تعلِّم وتفرض علٌنا هذه الشرابع؟ هل هً من صنع اإلنسان؟ أيّ إنسان؟‬
‫جمٌع األنبٌاء علّمونا المحبة والرحمة‪ ،‬بدأً من نفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم‬
‫أخً‪ ...‬إنّ هللا محبة وقلبً عرش هللا ولماذا حرَّ موا علًّ محبة هللا الذي فً‬
‫قلبً وفرضوا علٌنا محبة هللا الذي فً السماء؟؟ لماذا هذا اللؾّ والدوران؟‬
‫الصحوة أٌها االنسان‪ ,‬و االن االن الى الصحوة!!‬

‫أساس الدٌن محبة الن ْفس بكل قوّ ة وتقوى حتى تنبع هذه النعمة من القلوب‬
‫وتشارك أولً األلباب‪ ...‬المشاركة هً ض ّد المنفعة أي إٌثار منفعة الؽٌر‬
‫وهذا ما نقوم به منذ مبلٌٌن األجٌال حتى وصلنا إلى أسفل السافلٌن فً‬
‫مستوى الجهل‪...‬‬

‫‪86‬‬
‫إننً وبشكل قاطع وبالتؤكٌد ض ّد أيّ منفعة‪ ،‬بل أننً مع المشاركة ولكن‬
‫علًَّ أن أملُك الثروة التً أشارك بها فعبلً ال قوالً‪ ...‬فٌضا ً ال فرضا ً‪ .‬عندب ٍذ‬
‫أشعر بالحب ال بالواجب أو باإللتزام وأشكر المستلِم ألنه هو سبب فرحً‬
‫ولوال وجوده ولطفه وكرمه لما تقبَّل عطابً‪ ,‬فإذاً هو اللطٌؾ والكرٌم‬
‫والمُفضل‪ ...‬عندما نقول الفضلة للفضٌل أي إلى هذا القلب الحبٌب الذي‬
‫ٌقبل هدٌتً هذه التً لٌست من قٌمته ولكن فضلَه الذي ٌرفع من قٌمة أيّ‬
‫قٌمة‪ ،‬وهذا هو الرجل واإلنسان القوّ ام الذي ٌُقٌم ك ّل مقام باتجاه الصراط‬
‫نفسك وكلّنا من‬‫المستقٌم‪ ...‬ولكن إن لم أحِب نفسً كٌؾ أستطٌع أن أحِب َ‬
‫عرؾ‬ ‫نفس واحدة وذات واحدة وروح واحدة‪ ...‬المحبة تبدأ من الن ْفس ومن َ‬ ‫ٍ‬
‫عرؾ ربّه‪...‬‬‫نفسه َ‬
‫إنّ إصراري وإلحاحً الكامل والشامل لئلنسان هو محبة الن ْفس لٌكون‬
‫المفعمة بالحٌوٌة ٌشارك‬
‫َ‬ ‫سعٌداً وراضٌا ً وقانعا ً وصامتاً‪ ،‬ومن هذه الحالة‬
‫الحٌاة وٌُمطر من عطاء هللا إلى جمٌع مخلوقات هللا دون أيّ تفرقة أو دون‬
‫أيّ حساب‪ ,‬ولكن إذا عطش اآلخرٌن جُ مِّد‪ ,‬وعطش األرض خمِّد فهذا‬
‫سبب ثانوي‪ ،‬وإذا امتؤل ك ّل فرد بالفرح والنور والسكٌنة سٌشارك بهذا‬
‫الفٌض اإللهً وٌزٌد من نِعم هللا‪ ,‬وفرح العطاء أكثر فرحا ً من أخذه‪...‬‬
‫ولكن بتؽٌٌر البنٌة أي بمحبّة الن ْفس ال بمحبة الؽٌر لمنفعة الؽٌر‪ ...‬لماذا‬
‫نطلب السعادة من التعٌس والبصر من األعمى؟‬

‫اإلناء ٌنضح بما فٌه!!‬


‫لذلك نق ِّدم ما نملُك‪ ،‬نشارك بالتعاسة والعذاب والقلق والتوتر والخوؾ‬
‫عطٌك من قلبً ونفسً وهذا ما أملُك‪ ...‬ما‬ ‫َ‬ ‫والفقر والؽضب والحرب‪ ...‬أ ُ‬
‫هو الحلّ؟ الحل أن نتعرَّ ؾ على األسباب‪ ...‬أي أن أحِب نفسً‪ ...‬من محبّة‬
‫تسحب‬ ‫الن ْفس تبدأ مسٌرة السبلم‪ ...‬أُنظر إلى الطبٌعة‪ ..‬ك ّل شجرة أنانٌة‪َ ...‬‬
‫الماء إلى جذورها‪ ،‬تجلِب جوهر األرض إلى أؼصانها وأوراقها وفاكهتها‬
‫وأزهارها‪ ..‬وعندما تنمو وتزهِر تحرِّ ر عطرها إلى ك ّل العالم‪ ,‬وإلى ك ّل‬
‫إنسان دون أيّ تفرقة‪ ...‬الصدٌق والعدوّ ‪ ،‬الؽرٌب والنسٌب والبعٌد‬
‫والقرٌب‪ ,‬وكذلك تشارك بالفاكهة وبجمٌع منتوجات األرض إلى أهل‬
‫األرض‪ ..‬ولكن إذا علَّمنا األزهار محبّة الؽٌر لمنفعة خاصة حتما ً ستموت‬
‫األشجار كما مات اإلنسان واإلنسانٌة‪ ...‬كلّنا أموات نسٌر إلى المقابر وفً‬
‫اآلخرة أعمى وأض ّل سبٌل‪...‬‬

‫‪87‬‬
‫إنّ الحٌاة رقصة فرح وهذه نعمة ك ّل إنسان‪ ...‬حٌاتنا عبادة ولكن بسبب‬
‫نشارك‬
‫ِ‬ ‫أصبحت إبادة ومع الوقت تحوَّ لت اإلبادة إلى عادة وهذا ما‬
‫َ‬ ‫الجهل‬
‫به و ُنشرك به‪...‬‬
‫علٌنا أن نعود إلى الفطرة اإللهٌة ونبدأ بمحبة األنا النفسٌة ونحِب من نحن‪,‬‬
‫أحبّ نفسه شارك بها العالم وبالمشاركة تسمو ْ‬
‫النفس من األنانٌة إلى‬ ‫و َمن َ‬
‫النٌّة‪ ,‬وإنما األعمال بالنٌّات‪...‬‬

‫‪88‬‬
‫الفرق بٌن المحامً وال ُمحِب‬
‫سنتذ َّكر معا ً قصة من حٌاة السٌِّد المسٌح فً إنجٌل متى حٌث قال‪:‬‬
‫أتى رجل وهو مِن علماء الشرٌعة لٌُحرج المسٌح وسؤله‪ٌ" :‬ا معلِّم ما هً‬
‫ب ّل قلبك‬‫أعظم وصٌّة فً الشرٌعة؟"‪ ...‬فؤجابه ٌسوع‪" :‬أحِب الربّ إلهك ك‬
‫وبك ّل نفسك وبك ّل عقلك‪ .‬هذه هً الوصٌّة األولى والعظمى‪ .‬والوصٌة‬
‫الثانٌة مثلها‪ ..‬أحِب قرٌبك مثلما تحِب نفسك‪ .‬على هاتٌن الوصٌَّتٌن تقوم‬
‫الشرٌعة كلّها وتعالٌم األنبٌاء"‪...‬‬
‫وفً البدء كانت الكلمة والكلمة هً هللا وماذا كان قبل الكلمة وقبل البدء؟‬
‫ورحم‬
‫َ‬ ‫ورحم األم‬
‫َ‬ ‫رحم هللا‬
‫الصمت؟ السكٌنة؟‪ ..‬الرحمة الرحٌمة فً َ‬
‫األرض؟؟ الرحمة هً اللؽة‪ ..‬وفً لؽة العالم كلمتان‪ ..‬القانون والحب ‪..‬‬
‫الحق والعشق‪ ...‬الشرٌعة والطرٌقة‪...‬‬
‫هذا هو مٌزان الدنٌا والدٌن فً قلب اإلنسان‪ ..‬هذه هً قوّ ة الجذب بٌن‬
‫األقطاب والتناقض‪ ...‬الفكر القانونً ال ٌحِب والفكر المحِب ال ٌستطٌع أن‬
‫ٌكون قانونً‪ ..‬إنّ الوضع الشرعً هو موقؾ إلحاد و ُكفر كالسٌاسة‬
‫والحٌاة اإلجتماعٌة‪ ،‬وتصرُّ ؾ الحب هو ؼٌر سٌاسً وؼٌر إجتماعً هو‬
‫شخصً وفردي ودٌنً‪...‬‬
‫موسى وماركس وماو من أفضل حكماء الشرٌعة والقانون‪ ،‬وضعوا‬
‫القانون العالمً‪...‬‬
‫المسٌح ومحمّد وبودا من أهل المحبّة والرحمة ال من أهل الوصاٌا‬
‫الشرعٌة للعالم‪ ,‬ألنّ الرإٌة القلبٌة تختلؾ عن الرإٌة الفكرٌة‪ ...‬فإذاً أهل‬
‫العقل ؼٌر أهل التو ُّكل‪ ...‬أٌن هو الجسر الذي ٌربط هذا الممرّ ؟؟ أٌن هو‬
‫حبل العقل والتو ُّكل؟‬
‫هل ٌستطٌع رجل العدل أن ٌكون مح ّبا ً ورحٌماً؟ كٌؾ حكم سٌِّدنا ُع َمر؟‬
‫َ‬
‫فنمت ٌا عمر؟؟‬ ‫َ‬
‫فؤمنت‬ ‫َ‬
‫فعدلت‬ ‫َ‬
‫حكمت‬
‫سمعت قصة عن أحد الملوك وكان حاكما ً بالعقل‪ ..‬أ َتت إمرأة تشتكً من‬ ‫ُ‬
‫زوجها قابلة‪..‬‬
‫"ٌا جبللة الملِك‪ ..‬زوجً ٌعاملنً بقساوة‪ ..‬فر َّد علٌها قاببلً‪" :‬هذا لٌس من‬
‫إختصاصً ومن عملً ومن مسإولٌتً"‪ ،‬لكن المرأة استمرَّ ت وقالت ‪:‬‬
‫"وأٌضا ً ٌا صاحب الجبللة هو سًء جداً بح ِّقك"‪ ..‬فجاوبها الملك‪" :‬هذا‬
‫لٌس من شؤنِك"‪..‬‬

‫‪89‬‬
‫هذا هو الفكر القانونً‪ٌ ...‬ف ِّكر دابما ً بالحقوق والعدل ولكن بدون رحمة‪..‬‬
‫والعدل بدون رحمة لٌس عدالً والرحمة بدون عدل هً رحمة فوق‬
‫العدل‪ ...‬الرحمة بح ّد ذاتها هً العدل الرحٌم ألنها ال تت َبع العدل‪ .‬العدل هو‬
‫ظ ّل الرحمة‪ .‬ظلَّك ٌتبعك ولٌس العكس ألنّ الظ ّل ال ٌقود وال ٌرشِ د وال‬
‫ٌحٌا بل ٌت َبع سٌِّده‪ ،‬وهذه مجادلة ونزاع فً تارٌخ اإلنسانٌة‪ ...‬هل هللا محبة‬
‫أم قانون‪ ...‬هل هللا رحمة أو عدل؟‬
‫الفكر القانونً ٌقول بؤنّ هللا قانون وعدل ولكن الفكر العقلً ال ٌعرؾ هللا‬
‫ألنّ هللا محبّة والفكر ال ٌستطٌع أن ٌصل إلى هذا البُعد اإللهً‪ ..‬الفكر‬
‫الشرعً دابما ً ٌرمً المسإولٌة على الشخص اآلخر أو على المجتمع أو‬
‫التارٌخ أو البٌبة اإلجتماعٌة‪ ..‬اإلتهام دابما ً ٌوجَّ ه إلى الطرؾ الثانً‪،‬‬
‫العابلة‪ ،‬المجتمع‪ ،‬التارٌخ‪ ،‬السٌاسة‪ ،‬بٌنما المحبة تتحمَّل المسإولٌة‪ ...‬أنا‬
‫ت‪ ...‬أو هو‪...‬‬‫المسإولة ولٌس أن ِ‬
‫درك معنى المسإولٌة ُتز ِه ُر نفسً و َتنمو‪ .‬القانون هو عُذر ودهاء‬ ‫ُ‬
‫عندما أ ِ‬
‫للجرح‪.‬‬ ‫فكري لحماٌة نفسً والدفاع عنها‪ ..‬المحبة معرّ ضة للهجوم وقابلة َ‬
‫القانون تدبٌر وتنسٌق دفاعً‪ .‬عندما تحِب شخصا ً ما ال تعتمد على‬
‫القانون‪ ..‬المحبة أقوى من القانون‪ ،‬عندما تحِب ٌختفً الفقه والشرٌعة ألنّ‬
‫المحبة هً أ ّم القانون وهً مكتفٌة ومتكاملة بنفسها‪ ,‬وعندما ٌحفظك الحب‬
‫لست بحاجة إلى أيّ صٌانة أو حماٌة‪ ,‬والقلب ٌعلَم بؤنّ هللا محبة والمحبة‬
‫هً هللا وهً الحماٌة األعلى من أيّ دفاع‪ ،‬والحماٌة لٌست بحاجة إلى‬
‫محامً بل إلى محِبّ من القلب وإالّ سنكون فً خدمة األنا والؽرور‪ ,‬وما‬
‫هذه الصٌانة إالّ إلناء فارغ من الحٌاة ومن أيّ بهجة أو بهاء‪...‬‬
‫قرأت هذه القصة عن أوسكار واٌلد وهو من أهم ك َّتاب المسرح وكانت‬ ‫ُ‬
‫مسرحٌته األولى قمّة الفشل الذرٌع‪ ،‬وعندما انتهت المسرحٌة سؤله‬
‫األصدقاء "كٌؾ كانت؟"‪ ،‬قال‪":‬كانت فً قمة النجاح ولكن المشاهدٌن كانوا‬
‫فً فشل هابل"‪ ...‬هذا هو جواب الفكر العقبلنً الذي ٌحاول دابما ً حماٌة‬
‫األنا وهذا الدفاع هو رؼوة صابون‪ ،‬حجّ ة فارؼة من أيّ ح ّج ولكن القانون‬
‫ٌحمً الجهل وعندما نرى بؤنّ القانون هو الحماٌة الشرعٌة أصبحنا من‬
‫أهل الضّبلل حتى لو كانت الشرعٌة دٌنٌة‪ ...‬أهل الحق معرَّ ضٌن للهجوم‬
‫و للرَّ جم‪ ..‬إن لم َنمُت لن نحٌا‪ ،‬هذه هً القٌامة‬ ‫وللجروح وللصَّلب‬
‫أي ك ّنا أموات واآلن نحٌا الحقٌقة التً ال تموت‪ ..‬ك ّنا من أهل الجهل واآلن‬
‫من أهل العقل والتو ُّكل على خالق العقل‪ ...‬الخابؾ من الموت سوؾ لن‬
‫ٌحٌا الحٌاة والشرٌعة والقانون والقاموس والناموس وجمٌع الوصاٌا هً‬
‫مجرّ د قمْ ع وكبت وفرٌضة للترهٌب وللعذاب‪ ...‬عندما تحِب ٌختفً‬

‫‪90‬‬
‫الحظت هذه الحقٌقة؟ إنك فً حالة الحب وكلّما أح َببت كلّما‬
‫َ‬ ‫الخوؾ‪ ..‬هل‬
‫اقتربت من الحبٌب أي من المحِب الذي فً القلب وهذا هو الباب إلى الجنة‬ ‫َ‬
‫حٌث ال خوؾ وال موت‪ ...‬الخوؾ نتٌجة عدم الحب أو ؼٌاب وفقدان‬
‫الحب والقانون‪ ,‬هو مجرد حماٌة ودفاع عن هذا الرجفان فً قلب‬
‫اإلنسان‪...‬‬
‫المجتمع المبنً على القانون هو مجتمع ٌعٌش الخوؾ الدابم ولكن إذا كان‬
‫الحب هو أساس حٌاتنا فالقانون لٌس له دور فً مجتمعنا وال المحاكم وال‬
‫الجنة وال النار‪ ...‬ال َقصاص هو نتٌجة الفكر القانونً وكذلك المكافبة‪ .‬ومن‬
‫هذا المبدأ أ َتت الدٌانات لتح ُكم بٌن الناس بالشرٌعة أي بالترهٌب‬
‫وبالترؼٌب‪ ...‬من أٌن أ َتت فكرة العذاب؟ هذا هو مذهب السادٌّة‪ ,‬أي الفكر‬
‫الذي ٌحِب العذاب‪ ...‬لقد رسموا ووصفوا جهنم حسب ذوقهم ومزاجهم‪،‬‬
‫هذا تدبٌر وتنسٌق خاص بالتعذٌب والجنة إلى أتباع أهل الشرٌعة والنار‬
‫إلى أهل العصٌان والتمرُّ د واألحرار‪ .‬هذا وضع قانونً تماما ً كالقانون‬
‫الجنابً ولكن العقاب أو القصاص أسلوب فاشل والبرهان واضح‪..‬‬
‫وتستب ّد بالعباد‪...‬‬
‫ِ‬ ‫الجرٌمة لم تتو َّقؾ بالعقاب وال تزال تنمو وتزداد‬

‫لماذا لم تتو َّقف الجرٌمة بالرغم من القصاص القاسً؟‪...‬‬


‫إنّ الفكر القانونً والفكر اإلجرامً عُملة واحدة ذات وجهٌن‪ ..‬جمٌع‬
‫األفكار القانونٌة مبنٌة على اإلجرام وجمٌع األفكار اإلجرامٌة م َّتجهة إلى‬
‫األفكار القانونٌة السلٌمة‪ ،‬هذه إمكانٌة واحتمال الجُ هد فً مساعدة الحق‬
‫ولكن الجرٌمة تزداد والقانون ٌشت ّد وٌمت ّد وٌتع َّقد وٌتشعَّب وإلى أٌن‬
‫المسٌر؟؟‬
‫العقاب ال ٌشفً القلوب من الذنوب بل ٌزداد فسقا ً وفساداً‪ ...‬المحاكِم تزٌد‬
‫اإلجرام‪ .‬وكذلك المكافؤة أو معنى الجنة أو مفهوم اإلحترام لم ٌخ ِّفؾ من‬
‫الطمع والخوؾ‪،‬‬ ‫هذه اآلالم!! جه ّنم تعتمد على الخوؾ والسماء تعتمد على ّ‬
‫والطمع سبب هذا الوباء العالمً‪ ...‬كٌؾ نستطٌع أن ُنقنع الفكر بؤنّ ال ّداء‬
‫هو فً الدواء؟؟ والدواء فً ال ّداء!!‬
‫نحن بحاجة إلى صٌؽة مختلفة تماما ً‪ ...‬إلى صٌؽة المحبة‪ ..‬ال هذا وال‬
‫ذاك‪ ..‬ال العقاب وال الجزاء بل تعالٌم األنبٌاء والحكماء‪ ...‬المسٌح نادى‬
‫بالمحبة والنبً بالرحمة ولكن أٌن نحن من هذا الحق؟؟ الحق ٌُصلب‬
‫وٌُرجم ألنه ٌَرحم المجرم ولكن القانون الفكري ال ٌ َّتفق مع القانون‬
‫الروحً‪...‬‬

‫‪91‬‬
‫الرحمة دمَّرت قاعدة اإلجرام والحجر األساسً لئلجرام العالمً‪،‬‬
‫وللحروب وللفساد وللعدوان‪ ..‬المسٌح ق َّدم للعالم مبادئ جدٌدة للسبلم تنبع‬
‫من قلب اإلنسان المحِب ال من الفكر المحارب‪ ...‬لذلك "أتى رجل وهو من‬
‫علماء الشرٌعة لٌُحرج المسٌح بسإاله"‪ ..‬أي باإلحراج سٌجُرّ المسٌح إلى‬
‫الشرٌعة القانونٌة‪ ،‬إلى حوار فكري‪ ...‬لقد مرّ بع ّدة تجارب فً حٌاته مع‬
‫أهل القانون وكان اإلؼراء إلسقاط المسٌح من قمة المحبة إلى وادي‬
‫العقاب‪ ،‬لذلك نرى بؤنّ األسبلة أتت من الفكر المحتال والمخادع لٌثبتوا‬
‫للناس بؤنّ المسٌح هو الدجّ ال الذي ال ٌعرؾ ال العدل وال الرحمة‪ ,‬وكان‬
‫محرج جداً ومؤزق كبٌر‪ ,‬ألنّ الجواب سٌكون لصالح‬ ‫ِ‬ ‫السإال فً وضع‬
‫الشرٌعة‪ ,‬مهما كان الجواب فالحُ كم سٌكون من الفكر القانونً ال من‬
‫الرحمة التً وسِ عت ك ّل شًء‪ ...‬فماذا قال لهم المسٌح؟‪...‬‬
‫لنتذ َّكر معا ً قصة المسٌح والزانٌة‪ ..‬كان جالس بالقرب من النهر وأتى حشد‬
‫من عامة الشعب ومعهم إمرأة وقالوا له أنها ارتك َبت خطٌبة عظٌمة‪ ..‬ما‬
‫هو رأٌك؟ هذا إحراج بالنسبة للشرٌعة الٌهودٌة ولحُ كم المسٌح حٌث قال‬
‫أتٌت ألتمِّم مكارم األخبلق ال ألنتقد أيّ قانون و لكن إذا ؼفر لها‬ ‫ُ‬ ‫لهم‪ ...‬أنا‬
‫فؤلنّ المحبة والرحمة تسامح‪ ،‬ماذا سٌقول سٌِّد الشرٌعة‪ ..‬أل ّنه حسب‬
‫الحرج فً الحكم‪ ..‬ال ٌستطٌع أن‬ ‫َ‬ ‫الطقوس الٌهودٌة الزانٌة ُترجم وهنا‬
‫ٌنقُض الشرٌعة وال أن ٌوافق معهم ض ّد الرحمة التً ٌنادي بها وٌب ِّشر بها‪،‬‬
‫ووجد‬
‫َ‬ ‫واحتار المسٌح ولكن الرحمة ال تحتار بل تختار الرِّ ضى هلل ولخلقِه‬
‫الخٌار الثالث األب َعد من الحكم الفكري العقبلنً المادي حٌث الخٌار هو‬
‫بٌن أمرٌن إمّا الرَّ جم أو الؽفران‪ ,‬والمسٌح ق َّدم لهم ما هو أه ّم من إرضاء‬
‫الشرٌعة الفكرٌة‪ ...‬قال لهم‪" :‬من م ّنا ببل خطٌبة فلٌرجُمها بحجر"‪..‬‬
‫إستعمل عبارة جدٌدة حٌث ترك لهم الخٌار‪ ...‬واحتاروا فً هذا القرار‬
‫خطؤة بالفعل وبالقول وبالنواٌا‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ألننا كلّنا‬
‫هلوسة الخطٌبة ونشعر بها فً قلوبنا وكؤننا ارتكبنا‬ ‫كم من البشر نعٌش َ‬
‫الجرٌمة بالفكر‪ ...‬ولما طرح هذا السإال خبلل وقت قصٌر اختفوا جمٌعا ً‬
‫من ساحة المحاكمة حتى أهل القانون وأصحاب الوجاهة ورجال الدٌن‬
‫والسلطة‪ ...‬المسٌح لم ٌستخدم لؽتهم‪ ..‬لم ٌقُل لهم نعم أو كبلّ بل أعطاهم‬
‫البدٌل الثالث‪ ...‬وبق ٌَت المجدلٌّة وحدها فً الساحة واقتربت من المسٌح‬
‫ّ‬
‫وأستحق العقاب"‪..‬‬ ‫ُ‬
‫ارتكبت خطٌبة وأنا إمرأة سٌبة‬ ‫حٌث قالت له‪" :‬إننً‬
‫ت المسإولة عنها وهللا هو‬ ‫فقال لها المسٌح‪" :‬من أنا ألح ُكم علٌكِ ؟ حٌاتك أن ِ‬
‫ت بالذنب إبتعدي عن السبب!!‬ ‫الذي ٌحاسِ بك وإذا شعر ِ‬

‫‪92‬‬
‫كان القصد من هذا اإلمتحان هو اإلحراج للسٌِّد المسٌح ولكنه لم ٌناقِش من‬
‫الفكر‪..‬لم ٌدافع أو ٌرافع أو ٌبرهن بل طلب الرحمة للطرفٌن‪ ..‬من م ّنا ببل‬
‫شجار وال‬ ‫وفتح باب القلب‪ ,‬حتى ال َ‬ ‫َ‬ ‫خطٌبة؟ وأقف َل باب النقاش المنهجً‬
‫حوار بل فحْ ص الضمٌر وال ُؽفران لتقرٌر المصٌر لئلنسان ‪...‬‬
‫من أنا ألح ُكم علٌكم؟ من أنا ألح ُكم على نفسً؟ من أنتم لتحكموا على‬
‫الشعب؟ َمن الذي ٌدٌن َمن؟ وحده الرحمن هو الدٌّان على اإلنسان‬
‫والدٌنونة هً بٌنً وبٌن هللا والقرار ٌعود إلى المختار‪ ..‬ومن هو المختار؟‬
‫من هو المسٌح؟ من هو الخلٌفة؟ من هً سٌِّدة نساء العالمٌن؟ لماذا الجنة‬
‫تحت أقدام األمهات؟ إرحموا من فً األرض ٌرحمنا من فً السماء‪...‬‬
‫ألرحم نفسً أوالً ومن نفسً تبدأ الرحمة لآلخرٌن‪ ...‬أتعلَّم األدب من قلّة‬ ‫َ‬
‫األدب‪ ,‬والص ّح من الخطؤ والرحمة من الظلم‪ ...‬هذه هً مدرسة الحٌاة‬
‫ألتدخل فً حٌاة وخصوصٌات اآلخرٌن؟ إنك حسٌب‬ ‫َّ‬ ‫ألهل الحٌاة‪ ...‬من أنا‬
‫ورقٌب على نفسك ال ؼٌر‪ ..‬ال أستطٌع النقاش مع الفكر القانونً ألنه فكر‬
‫قدٌر وكفإ للمناقشة‪ ،‬ومهما حاولت وجاهدت سؤكون فاشلة ومؽلوبة‪ ,‬ولكن‬
‫المسٌح لم ٌنهزم ألنه لم ٌناقش أو ٌحاور بل تح َّدث من قلبه إلى قلوب‬
‫الناس ‪..‬‬
‫لم ٌدافع أو ٌرافع بل ر َفع من شؤن المحكوم علٌها إلى حرٌة عٌشها مع‬
‫نفسها والتح ُّكم بحٌاتها حسب إرادتها‪ ...‬كلّنا أحرار وكلّنا خ َطؤة وكلّنا عٌال‬
‫هللا وهو أرحم الراحمٌن‪ ...‬وهذه هً قمة الرحمة التً منها وبها ٌعٌش‬
‫السٌِّد المسٌح والنبً والعارفٌن والسالكٌن‪ ...‬ولكن السإال أتى من أهل‬
‫الشرٌعة أهل الفكر القانونً حٌث سؤل المسٌح "ما هً الوصٌة األساسٌة‬
‫فً القانون؟"‪ ...‬إنها مهمة صعبة ألنّ كل قانون ٌعتمد على ؼٌره من‬
‫القوانٌن أي التبلحم والتشابك بٌن الشرابع‪ ..‬لٌس هنالك أي قانون أساسً‬
‫بل القوانٌن‪ ،‬كلّها تعتمد على بعضها البعض باإل ِّتكال المتبادل‪...‬‬
‫فً الهند هناك نقاش وجدال مستمرّ حول البلّعنؾ أو الحقٌقة؟ كالجدل‬
‫َ‬
‫اخترت‬ ‫البٌزنطً فً الكنٌسة عن جنس المبلك هل هو ذكر أم أنثى؟ إذا‬
‫َ‬
‫وتحاشٌت‬ ‫الحقٌقة سٌكون العنؾ هو النتٌجة وإذا لم تقُل الحقٌقة تج َّن َ‬
‫بت‬
‫العنؾ‪ ..‬ماذا ستفعل؟ من س ُترضً؟ هل ستقول الحقٌقة وتساهم فً ارتكاب‬
‫العنؾ؟ كٌؾ نتصرَّ ؾ فً هذا الموقؾ؟؟ الرحمة ترضً هللا وترضً‬
‫الطرفٌن‪ ..‬العقل والقلب ولكن أٌن أنت أٌها اإلنسان المحِب للرحمة الكاملة‬
‫والشاملة؟؟؟‬
‫مفترق طرق‪ ،‬ومرّ شرطً ٌسؤلك إذا رأٌت‬ ‫َ‬ ‫على سبٌل المثال‪ ،‬إنك على‬
‫رجبلً مرَّ من هنا ألنه مجرم وفرّ من السجن ومحكوم علٌه باإلعدام‪ .‬ولقد‬

‫‪93‬‬
‫وتعرؾ الطرٌق التً سل َكها وباستطاعتك أن تقول‬
‫ِ‬ ‫رأٌت هذا الرجل‬
‫الحقٌقة ولكن تكون مسإوالً عن موت هذا اإلنسان‪...‬‬
‫وأٌضا ً بإمكانك أن تنكِر وترشدهم إلى اتجاه مجهول وبذلك تخلِّص الم َّتهم‬
‫َ‬
‫إستخدمت‬ ‫ساعدت البلّعنؾ ولكن على حساب الحقٌقة‪...‬‬
‫َ‬ ‫من الموت‪..‬‬
‫الكذِب وأٌن الصدق؟؟‬
‫ماذا نفعل؟ ومن نخدم؟ كٌؾ نختار؟ أيّ قانون هو األساسً والجوهري؟‬

‫ماذا قال الحبٌب فً دعاء الطائف؟‬

‫اللهمّ إلٌك أشكو ضعؾ قوتً‪ ،‬وق ّلة حٌلتً وهوانً على الناس ٌا أرحم‬
‫الراحمٌن‪ ،‬أنت ربّ المستضعفٌن وأنت ربً‪ ،‬إلى من تكلنً ؟‬
‫إلى بعٌد ٌتجهَّمنً؟ أم إلى عدوٍّ م َّلك َته أمري؟‬
‫إن لم ٌكن ب َك علًَّ ؼضب فبل أبالً ولكن عافٌتك هً أوسع لً‪...‬‬
‫أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وص ُلح علٌه أمر الدنٌا واآلخرة‬
‫سخطك‪ ...‬لك العتبى حتى ترضى‬ ‫َ‬ ‫نزل بً ؼضبك أو ٌح ُّل علًَّ‬ ‫من أن ُت ِ‬
‫وال حول وال قوة إ ّال بك‪...‬‬
‫لماذا لم ٌستخدم لؽة العقل والقانون وأهل الشرٌعة؟ وهذا ما قاله المسٌح‬
‫أٌضا ً‪ ..‬لت ُكن مشٌبتك ٌا هللا واؼفر لهم ألنهم ال ٌعلمون ماذا ٌفعلون‪...‬‬
‫وقانون الرحمة موجود فً لبّ القلب المحِب‪ ...‬كلّنا من رحمة هللا التً‬
‫وسعت ك ّل شًء‪...‬‬‫َ‬
‫والرحمة لؽة القلب ال لؽة الفكر‪ ...‬ال تح ُكم وال تظلِم بل تش َهد‪ ..‬وكلمة "إن‬
‫شاء هللا" هً الحُكم الرحٌم الذي ٌجمع الخالق والمخلوق فً الحق‪ ،‬وهكذا‬
‫فعل المسٌح وظ ّل جالسا ً ومتربِّعا ً على قمة الرحمة حٌث قال‪ :‬الوصٌة‬
‫األولى واألكبر هً أن تحِب هللا من ك ّل قلبك وكل فكرك وكل روحك‪..‬‬
‫السإال كان من القانون‪ ..‬من رجل الشرٌعة‪ ،‬والجواب من محبّة الرحمة‪..‬‬
‫أي الجواب لم ٌكن للسإال بل للسابل حٌث ال جواب إالّ من القلب للقلب‪...‬‬
‫ندرك بؤنّ الجواب ٌؤتً من أعلى مستوى فً الرحمة‪...‬‬ ‫علٌنا أن نفهم وأن ِ‬
‫السإال من الجاهل ولكن الجواب من العاقل‪ ..‬السإال من الكافر ولكن‬
‫الجواب من المإمن‪ ...‬لذلك أذهب إلى المرشد وأسؤله‪ ,‬ال أذهب إلى إنسان‬
‫مرٌد ال ٌزال ٌبحث عن الماء‪ ,‬بل أسلُك طرٌق العارفٌن‪ ..‬إنّ جواب‬
‫األستاذ أو العالِم ٌكون مناسبا ً لسإالً ولكن لٌس له أيّ صلة بالموضوع أو‬
‫بالوجع الذي أشعر به ألنه هو أٌضا ً رجل فكر أي فً ن ْفس الوضع‬
‫والموقع الذي أنا أعانً منه‪ ...‬كاألعمى الذي ٌقود أعمى‪ ...‬وتكون النتٌجة‬

‫‪94‬‬
‫ومرتبكة وهذا هو وضع العالم‪ ..‬ك ّل واحد ٌرشِ د واحداً‬
‫ِ‬ ‫مشوَّ شة ومحٌِّرة‬
‫آخر‪ ،‬أي ك ّل إنسان أصبح مرشداً لئلنسانٌة وأصبحت النصٌحة أرخص‬
‫ومتداولة بٌن البشر وبٌن الدول ومن الذي ٌهت ّم بها؟ كانت قدٌم ًا‬
‫َ‬ ‫سلعة‬
‫النصٌحة بجمل والٌوم النصٌحة من كثرة الهبل‪...‬‬
‫ونتٌجتها عقٌمة وعدٌمة الجدوى ومإذٌة‪ ...‬المساعدة السعٌدة ال تؤتً إالّ‬
‫المتبلور بالنور‪..‬‬‫ِ‬ ‫ٌدرك شفافٌة النصٌحة النابعة من قلبه‬‫من مرشِ د صالح ِ‬
‫إنّ الحوار أو المحادثة تعتمد على نوعٌة اإلختبار قبل التعبٌر‪ ...‬إذا‬
‫خاطبك الجاهلون فالسبلم هو أفضل الجواب ألنّ كبلمهم من ؼبابهم وهو‬
‫مجرد أصوات مزٌّفة ومقلِّدة ال معنى لها‪ ,‬بل مهنة تشؽِل فكره اآللً تماما ً‬
‫كحدٌث أهل السٌاسة‪ ..‬من آلة إلى آلة‪ ..‬الحدٌد ٌتكلّم‪ ...‬وهذا ما نراه حول‬
‫العالم من أخبار واجتماعات قمٌّة وقمامٌة ومإتمرات للمإامرات على نهب‬
‫الدوالرات وإلى كل ما نشارك به و ُنشرك به‪ ...‬هذا هو حوار أهل السَّلب‬
‫وال َّنصب‪..‬‬
‫ثان لحوار أهل النور حٌث ال حدٌث بل صمت العارفٌن‬ ‫وهنالك إحتمال ٍ‬
‫الذكر والمشاركة بالسرّ‬ ‫باهلل‪ ،‬القلب ٌعشق قبل الفكر وهإالء هم أهل ِّ‬
‫المقدس‪ ،‬وهذه حالة نادرة ال نراها إالّ مع لقاء األنبٌاء واألولٌاء والحكماء‬
‫ألنّ المعرفة لٌست بالكلمة بل بنعمة النور الذي ٌشِ عّ من لبّ القلوب‪...‬‬
‫هإالء هم أولٌاء هللا على األرض ومن م ّنا ٌعرفهم؟ القلب ٌسٌر إلى أهل‬
‫القلب وأٌن أنا من هذه الدرب؟؟؟‬
‫حاورت عاق ً‬
‫بل‬ ‫ُ‬ ‫واإلمكانٌة الثالثة فً الحوار هً ما قاله االمام علً‪ ...‬ما‬
‫وؼ َل َبنً‪ ...‬ما هو هذا الحوار؟ العاقل‬ ‫وؼ َلب ُت ُه وما حاورت جاه ً‬
‫بل إ ّال َ‬ ‫إ ّال َ‬
‫ٌتحدث مع الجاهل‪ ..‬ما هً اللؽة التً ٌستطٌع أن ٌتجاوب معها الفكر‬
‫والقلب؟ ما معنى هذا القلب وكٌؾ ٌتؽلَّب علٌه بالقلب؟؟ إنّ وسابل ال َّنقل‬
‫عربة خٌل‪ ..‬كٌؾ نستطٌع أن نترافق‬ ‫تختلؾ‪ ...‬أنت معك طٌارة وأنا معً َ‬
‫ونتوافق؟ اإلنسان األرضً سإاله ٌختلؾ عن جواب أهل الفضاء ولكن‬
‫هذه الطرٌقة الوحٌدة لمساعدة أهل الدنٌا‪..‬‬

‫المحامً سؤل المسٌح قاببلً ٌا سٌدي ما هً أكبر وصٌّة فً الشرٌعة؟‬


‫السإال ال عبلقة له بالرحمة‪ ,‬والمسٌح ٌؽوٌه وٌُؽرٌه باتجاه المحبة‪...‬‬
‫لقد ؼٌَّر سٌاق الكبلم إلى بُعد آخر‪ ...‬إلى معرفة فوق معرفة البشر‪..‬‬
‫والحكٌم والعلٌم دابما ً هو المؽلوب ولكنه الؽالب من القلب إلى القلب‪ .‬قال‬
‫له‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫"أحِب هللا من ك ّل قلبك وروحك وفكرك"‪ ،‬أي بك ّل إحساسك وهذه هً‬
‫والورع‪,‬‬
‫َ‬ ‫الصبلة التً توحِّ د وتدمج المشاعر الفكرٌة والحسٌّة حٌث التقوى‬
‫وهذا هو التوحٌد مع الواحد األحد‪ ...‬توحٌد المخلوق مع الخالق‪ ..‬الكابن‬
‫مع المكوِّ ن‪ .‬ومن هنا ٌبدأ اإلٌمان من قلب الكابن المإمن الذي ٌنبض‬
‫باإلخبلص هلل‪ ..‬إلى هذا السرّ الساكن فٌنا جمٌعا ً‪ ...‬المحبة تنمو بالمحبة‬
‫وهذه هً الرؼبة الوحٌدة التً نتم ّناها ونسعى إلٌها من أعماق قلبنا وروحنا‬
‫وفكرنا‪ ،‬وهذا هو التؤمُّل والجهاد األكبر لنحٌا برحمة األكبر‪ ...‬هذا هو‬
‫توحٌد اإلنسان مع نفسه ومن ثم مع خالقه‪ ...‬تتوحَّ د األفكار وتختفً‪...‬‬
‫تتوحَّ د األحاسٌس وتختفً وما هذه المشاعر إالّ إنفعاالت فكرٌة وعاطفٌة‬
‫ووجدانٌة‪ ،‬وعندما تتوحَّ د تتحوَّ ل إلى تنا ُؼم مع صمت الوجود‪ ,‬وهذه هً‬
‫ٌتبخر الماء بعد أن ٌصل إلى‬ ‫صلة األرحام مع رحمة هللا‪ ...‬تماما ً كما َّ‬
‫درجة الؽلٌان‪ ...‬من درجة ‪ 99‬إلى المبة‪...‬‬
‫من بعد أن نحٌا صفات هللا الحسنى ن َّتحِد ونموت فً هللا وهذا هو النموّ فً‬
‫السموّ اإللهً‪...‬‬
‫لقد تحوَّ ل الماء من طاقة الهبوط إلى طاقة الصعود بسبب الحرارة والصبلة‬
‫الموصولة باألصول‪ ,‬هً الحرارة التً تطبخ اإلنسان وتحوِّ له من الفكر‬
‫الذكر وهذا هو القدَر الذي نعٌشه من نعمة القادر فً عٌشنا مع أنفسنا‬ ‫إلى ِّ‬
‫ومع اآلخرٌن‪ ...‬إنّ حرارة اإلٌمان هً التً تحوِّ لنا من نطفة إلى خلٌفة‪,‬‬
‫وهذا هو الصعود من األسفل إلى األعلى‪ ،‬وما هذا اإلٌمان إالّ نتٌجة التؤمل‬
‫أي الحوار مع نفسً واإلستماع إلى الجواب النابع من القلب حٌث السكٌنة‬
‫الساكنة لحماٌة الساكن من الضّبلل ومن جهل الفكر الذي ألهاه التكاثر‬
‫والرؼبات والشهوات الدنٌوٌة‪ ,‬وهذا ما نراه حول العالم منذ آدم حتى الٌوم‬
‫ولكن اإلنسان العاقل له الخٌار بما ٌختار‪...‬‬

‫إذا كنت عبداً للمشاعر فؤنت من أهل الضّبلل وتحٌا اإلرتباك واإلزعاج‪،‬‬
‫اخترت توحٌد األحاسٌس فالتوحٌد هو نقطة الصعود إلى السماء‬‫َ‬ ‫وإذا‬
‫الساكنة فً سكٌنه لبّ القلب‪..‬‬
‫إنتبه إلى توحٌد أفكارك فالفكر ٌزول وتحٌا حالة البلّفكر أي المشا َهدة‬
‫ٌر إالّ هللا‬
‫وجها ً لوجه‪ ,‬حٌث قال الحبٌب "إٌّاك نعبد وإٌاك نستعٌن"‪ ...‬لم َ‬
‫فً ك ّل شًء‪ ،‬وهذا ما ٌقوله ك ّل مسٌح وكل نبً وكل مإمن‪ ...‬هذا ما‬
‫لخصه عٌسى بقوله "أحِب هللا من ك ّل قلبك "‪ ،‬وهذه هً الصبلة‪" ...‬ومن‬ ‫َّ‬
‫ك ّل فكرك"‪ ،‬وهذه هً نعمة التؤمل‪" ...‬ومن ك ّل روحك"‪ ،‬هً نعمة‬
‫الصعود األعلى من الفكر واإلحساس وأعلى من الصبلة والتؤمل‪ ..‬هذه‬

‫‪96‬‬
‫النعمة ال ٌعرفها العقل أو الفكر بل هً من علم هللا األبعد من أيّ علم أو‬
‫أي فهم أو أي كلمة‪ ...‬نور ٌقذفه هللا فً قلب المإمن‪ ...‬الروح هً طبٌعة‬
‫اإلنسان‪ ،‬كلّنا من روح هللا‪...‬‬

‫الروح‬
‫الفكر‬ ‫الحِسّ‬ ‫ُ‬
‫لننظر معا ً إلى هذا المثلّث‪:‬‬

‫القاعدة األساسٌة هً الحسّ والفكر وهذا هو إختبارنا ح ّتى اآلن ولم نتعرَّ ؾ‬
‫على البُعد الثالث‪.‬‬
‫ُعرؾ إالّ إذا تحوَّ ل الحسّ إلى صبلة م َّتصلة مع األزلٌة‪,‬‬ ‫البُعد الثالث ال ٌ َ‬
‫وبدأت بالصعود األبدي مع المدد المددي‪ ،‬وكذلك الفكر تحوَّ ل إلى تؤمُّل‬
‫وتذ ُّكر‪ ،‬ومع الصعود توحَّ د الحِس والفكر إلى نقطة روحٌة التً هً أبعد‬
‫من أيّ عالم‪ ,‬وهذا ما ٌسمٌّه المسٌح بالروح اإللهٌة وهً الوصٌة األولى‬
‫واألكبر واألعظم أي الموت بروح هللا‪...‬‬
‫أخ َذ إناء أهل الفكر ووضع فٌه ماء أهل‬ ‫لقد استخدم لؽة أهل الشرٌعة‪ ...‬أي َ‬
‫ِّ‬
‫الذكر‪...‬‬
‫زمزم حٌث ال شرٌعة وال كبلم بل ال ُّشكر الدابم للحًّ القٌوم األقرب لنا‬ ‫َ‬ ‫ماء‬
‫الذكر ّ‬
‫والذاكر‬ ‫من حبل الورٌد‪ ...‬أي نحن أصحاب هذا الشاهِد والمشهود‪ِّ ،‬‬
‫والمذكور فً القلب الذي ٌحِب‪ ...‬أُحِبُّ نفسً من ك ّل قلبً ومن أحبَّ نفسه‬
‫عرؾ هللا‪ ،‬ولؽة الفكر ؼٌر لؽة العقل ولؽة‬ ‫عرؾ نفسه َ‬ ‫أحب العالم ومن َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫العقل ؼٌر لؽة القلب‪ ..‬إستخدِم اإلناء المعروؾ عند أهل الشرٌعة وعلٌ َ‬
‫بالماء التً هً من عند أهل هللا‪ ...‬وهذا هو دور المسٌح وك ّل مسٌح أي أن‬
‫ٌبنً جسراً بٌن الفكر والن ْفس وهذا الجسر هو سلَّم الحٌاة إلى الحٌوٌة‬
‫األبدٌة‪...‬‬
‫فرض وال ٌُطلَب منك أن تحِب‪ ،‬إنها‬ ‫إنّ المحبة لٌست وصٌّة ألنها ال ُت َ‬
‫لٌست أمراً إجبارٌا ً ال بالترهٌب وال بالترؼٌب‪ ،‬ال تستطٌع أن تدٌر وأن‬
‫تسٌطر على المحبة ألنها أكبر من اإلنسان وأعلى من قدراتنا‪ ...‬المحبة ال‬
‫عطى أوامر من السلطة العلٌا‪ ...‬نرى هذه األوامر من الجٌش‬ ‫ُترا َقب وال ُت َ‬
‫فً التدرٌب العسكري‪ٌ ...‬مٌنا ً وٌساراً ت َّتجه حسب رؼبة الحاكم ولكن هل‬
‫ٌستطٌع أن ٌؤمرك بالحب؟؟ أٌن هو اتجاه الحب‪..‬؟ ال أحد ٌستطٌع أن ٌؤمر‬
‫بالحب‪ ..‬نعم‪ ..‬تتظاهر بالمحبّة وهذه أكبر لعنة فً العالم أل ّننا منذ الوالدة‬
‫ونحن نحٌا فرٌضة الحب لؤلهل ولؤلقرباء وألهل السلطة وللمنفعة‬
‫العامة‪ ...‬هذه هً التجارة بالحب وتحوَّ لَت من الحب إلى الحرب‪...‬‬

‫‪97‬‬
‫لماذا الحب مفقود من الوجود؟‬

‫إنه موجود فً الوجود ولكنه مفقود من القلب‪ .‬والسبب؟ ألننً أحاول بك ّل‬
‫وجدَ ‪ ..‬والجهاد هو البحث عن مستج ّدات‬ ‫وج َّد وقٌل لنا من َج َّد َ‬
‫جهد َ‬
‫بالذكر‪ ...‬كلّنا‬‫العملٌات للتنقٌب عن أحدث العمبلء‪ ...‬هذا هو الفكر الكافر ِّ‬
‫نبحث عن الحب ونسمٌه بشتى األسماء وش ّتان بٌن الحب والشهوة وأٌن‬
‫نحن من هذه المشاهدة؟ إلى من نشتهً؟ إلى من نش َهد؟ كلّنا نبحث عن‬
‫الحب وكلّنا عاجزٌن وؼٌر قادرٌن لٌس ألننا لم نحاول بل ألننا نحاول‬
‫سوة‪ ...‬الحب حدث طبٌعً فطري دون أيّ فرض أو أمر وهذا ما حوَّ ل‬ ‫ِب َق َ‬
‫الحب إلى وسٌلة مزٌفة ومحرَّ فة ومسمَّمة منذ بداٌة الوالدة حتى الموت‪...‬‬
‫من المهد إلى اللحد ونحن فً مستنقع الحب‪ ...‬أٌن هً القناعة فً الحب؟‬
‫أحِب أمّك ألنها هً التً ح َملت بك واهتمَّت بك وأنت المسإول عنها‪...‬‬
‫أحِب أباك ألنه مصدر المال والقوّ ة والسلطة وإلى ما هنالك من أوامر إلى‬
‫أن وصلنا إلى هذا اإلنحدار من دمار األسرار الساكنة فً قلب الصؽار‬
‫والكبار‪...‬‬
‫إنّ المثلّث اإلنسانً أي الفكر والن ْفس والروح هو اآللة الموسٌقٌة التً‬
‫خلقها هللا فً جمٌع خلقه ووضعها فً القلب حٌث الحب هو نبع الحٌاة التً‬
‫ال تولَد وال تموت بل هً الحٌوٌة الدابمة لؤلزل ولؤلبد‪ ...‬لنحٌا الحب‬
‫ٌعزؾ الوتر باأللحان وٌتناؼم السرّ الذي‬ ‫الطبٌعً فً وسط طبٌعً وفجؤة ِ‬
‫فً أعماق اإلنسان مع األسرار التً نراها فً الطبٌعة وفً ك ّل العوالم‬
‫الساكنة فً سكٌنة القلب‪ ,‬دون أيّ جهد أو أيّ محاوالت جدٌة بل استرخً‬
‫وسلِّم أمرك هلل ودَ ع القلب ٌنبض بالحب كما ٌشاء وإلى من ٌشاء‪ ...‬المحبة‬
‫لٌست وصٌّة بل هً نعمة من هللا إلى خلقه وهً الرحمة التً منها وبها‬
‫نحٌا معا ً دون أيّ وسٌط أو رقٌب أو حسٌب‪...‬‬
‫الوصٌة األولى محبة هللا والثانٌة محبة القرٌب‪ ..‬أي أحِب قرٌبك كنفسك‪...‬‬
‫أحب نفسه وجاره وقرٌبه والعالم أجمع‬ ‫ولكن الذي أحبَّ هللا من ك ّل قلبه َ‬
‫عرؾ العالم‪ ...‬إنّ الوجود موجود فً قلب الكابن‪...‬‬ ‫عرؾ نفسه َ‬ ‫ألنّ من َ‬
‫أنت كابن حًّ لؤلبد فً هذا الوجود األبدي‪...‬‬
‫نعم‪ ...‬من الصعب أن نحِب هللا‪ ..‬أن نحِب المجهول‪ ..‬إننً بحاجة إلى‬
‫جسر‪ ،‬إلى إمكانٌة صِ لة أو مو ّدة أو الفة بٌنً وبٌن هللا‪ ...‬وإالّ ستكون‬
‫محبتً إلى هذا المجهول ؼٌر معقولة‪...‬‬
‫علٌنا أن نعقِل ونتو َّكل‪ ...‬لذلك ٌقول المسٌح أحِب نفسك‪ ...‬نفسً أوالً‪...‬‬

‫‪98‬‬
‫تذ َّكرت هذه القصة‪ .‬أتى أحد المرٌدٌن لٌسؤل الشٌخ عن دواء أو أيّ مخ ِّدر‬
‫لٌتعرَّ ؾ به إلى مخافة هللا‪ ...‬ألنّ رأس الحكمة مخافة هللا‪ ...‬قال له الشٌخ‬
‫‪"..‬ال أعرؾ أيّ دواء لمخافة هللا ولكن عندي دواء لمحبة هللا"‪ ،‬وصرخ هذا‬
‫المرٌد العالِم بالعلم قاببلً‪" :‬هذه حبّة دواء أفضل من التً طلب ُتها‪ ...‬أعطنً‬
‫إٌاها لو سمحت"‪" ...‬هً محبة قرٌبك"‪ ...‬قال الشٌخ‪" ...‬ومحبة الجار تبدأ‬
‫من محبة أهل الدار وأنت هو صاحب الدار والقرار"‪ ...‬كلّما أح َببت نفسً‬
‫كلّما ازداد حبًّ لجاري ألنه األقرب إلًّ من الربّ ومع الوقت تنتشر‬
‫موجات الحب حتى سابع جار ومن دار إلى دار ن َّتصل بعُمق البحار‪ ...‬إبدأ‬
‫بحصوة صؽٌرة ومن هذه الموجات على شاطا البحر ست ّتصل بالمحٌط‬ ‫َ‬
‫و ُتحاط بالمحبة الكونٌة التً منك وفٌك وإلٌك تعود ألنك م َّتصل بسرّ‬
‫الوجود‪....‬‬
‫فً البداٌة أحِب نفسً ومن ثم قرٌبً أو نظٌري أو شبٌهً حٌث أشعر‬
‫باأللفة والمودة ومن ثم أحِب الطبٌعة حٌث األشجار والطٌور واألحجار‬
‫والفصول وأسرار األرض والسماء‪...‬‬
‫هذه هً الخطوة األولى فً الحب‪ ...‬نفسً والطبٌعة واألنسباء واألقرباء‬
‫حتى سابع جار‪..‬‬
‫كنت صادقة فً حبً لماذا أقتل أخً اإلنسان وأٌضا ً الطبٌعة‬ ‫ُ‬ ‫ولكن إذا‬
‫وأهلها؟؟‬
‫لماذا ن ّدعً بحب هللا ونقتل "الكفار" ونلوِّ ث الطبٌعة وندمِّرها‪ ،‬والحرب‬
‫احتلّت العالم وأٌن الحب ٌا أهل العالم؟؟‬

‫ما هو سبب الحرب؟‬


‫كلّنا نحِب هللا وبإسم هللا نقتل عٌال هللا‪ ..‬لماذا؟ ألننا نعبد اإلله المزٌؾ ولم‬
‫َ‬
‫صلت‬ ‫أدركت القلٌل من الحب اإللهً ال َّت‬
‫َ‬ ‫نعرؾ األلوهٌة الحقٌقٌة بعد‪ ،‬لو‬ ‫ِ‬
‫بالوجود األبدي ولو بنظرة خاطفة أو لمحة نور إلهٌة‪ ...‬وهذه هً المحبة‬
‫الفطرٌة‪ ...‬عندب ٍذ أحِب نفسً وأخً والطبٌعة ألنّ هذه الحقٌقة تنبع من‬
‫القلب ولٌس من المعابد‪ ...‬بإمكانً أن أقول ال هلل ولكن كٌؾ أستطٌع أن‬
‫أقول ال لنفسً؟ إنّ وجودي حق وحًّ ومن أٌن أتى هذا الوجود؟‬
‫أقول ال لجمٌع الشرابع والمعابد والقوانٌن والوصاٌا ولكن كٌؾ أتجاهل‬
‫الحب والرحمة؟ هذا هو المعبد الحقٌقً‪ ...‬من هو الساكن فً القلب؟أٌن هو‬
‫الحًّ ؟‬

‫‪99‬‬
‫جمٌع المعابد بُنٌت لخدمة أهل المال والسلطة والمعبد الحقٌقً واألصلً‬
‫هو الرحمة‪ ...‬هو المحبة الرحٌمة‪ ...‬هو اإلله الساكن فًّ ‪ ..‬ألوهٌة اإلنسان‬
‫وهذا هو هللا األبعد من أيّ إسم أو فعل أو صفة أو كلمة‪..‬‬
‫إنّ اإلنسانٌة هً اإلنسان فً وجوه عدٌدة دون أيّ شكل بل َ‬
‫أنت مرآة ولك ّل‬
‫امرئ ما نوى‪.‬‬
‫أُنظر فً عٌون جارك ترى وجهك فً بإبإ العٌن‪ ،‬عندما نقول للحبٌب "ٌا‬
‫عٌونً أنت"‪ ...‬أي أنت أنا‪ ..‬وأنا نحن‪ ...‬هذا هو إنعكاس النور على‬
‫طبٌعة أهل النور‪...‬‬
‫إقرأ أسماء األنهر‪ ...‬فً الصٌن ٌوجد النهر األصفر والنهر األحمر فً‬
‫جنوب إفرٌقٌا‪ ،‬والبحر األبٌض فً أمرٌكا وأٌضا ً البحر األخضر‪ ...‬الماء‬
‫تجاورها‬
‫ِ‬ ‫بح ّد ذاتها ال لون لها ولكن تؤخذ لون المنطقة أو الطبٌعة التً‬
‫كالشجٌرات المزروعة على ضفاؾ النٌل وكذلك التربة تتماوج مع‬
‫األلوان‪ ،‬واإلنسان هو إبن البٌبة‪ ،‬لذلك ٌقول لنا الحبٌب أمّكم األرض‬
‫وعمّتكم النخلة‪ ،‬أي األرض و السماء ُتمطر علٌنا الماء واأللوان واألسرار‬
‫التً ال تح َّدها أيّ حدود أو أيّ شرٌعة أو أيّ قوانٌن بل تسٌر األنهار بقدرة‬
‫القادر من ك ّل نهر إلى البحر وإلى قعر المحٌط حٌث التوحٌد مع قدرة‬
‫الواحد األحد‪ ...‬هذا هو سرّ الرحمة فً خلقه‪...‬‬

‫أٌن نحن من هذه المعرفة؟‬


‫المعرفة هً مسٌرة الحٌاة‪ ..‬من الفكر والنظر إلى التف ُّكر والتبصُّر ِّ‬
‫بالذكر‬
‫‪ ...‬تذ َّكر أٌها اإلنسان بؤنّ اللون هو إنعكاس الطبٌعة على وجهك‪ ...‬أنا من‬
‫لبنان وأنت من الٌابان ولكن فً لبّ القلب ال لون وال جنسٌة‪ ،‬ال جسد وال‬
‫ساجد وال إنتماء أليّ أرض أو دٌن أو قانون أو أيّ وراثة بل الوجود هو‬
‫الوجود‪ ،‬أي األلوهٌة اإللهٌة األزلٌة حٌث ال صفة وال لون وال حدود‪...‬‬
‫فإذاً علًّ أن أحِب نفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم أخً‪ ...‬هذا هو الثالوث‬
‫المق ّدس‪ ،‬أي علم الجفِر جسد فكر روح‪ ...‬عندما أحِب جسدي وفكري‬
‫وروحً أرتقً وألتقً بالحبٌب األكبر المتجلًّ بجمٌع مخلوقاته‪ ...‬إنّ‬
‫التدٌُّن ٌبدأ من محبة الجسد إلى الن ْفس وإلى الذات‪ .‬من هنا نقطة اإلنطبلق‬
‫إلى الحق‪ ،‬و َتعلَّمنا أن نحِب الؽٌر وأن نكره أنفسنا "وأننً ال أستحق محبة‬
‫ولدت بالخطٌبة العظٌمة"‪ ،‬هذه هً دٌانات وإدانات الفكر‬‫ُ‬ ‫هللا ألننً‬
‫المهووس بالجنس‪ ...‬كلّنا عٌال هللا وكلّنا من نوره ومحبّته ورحمته ولكن‬
‫المفسِّرون هم المفسدون فً األرض‪ ..‬إقبل نفسك وأحِب نفسك عندب ٍذ تحِب‬
‫جارك وإالّ من المستحٌل أن أحبّك‪ ..‬فاقد الشًء ال ٌُعطٌه‪ ..‬أكره ؼٌري‬

‫‪100‬‬
‫ألننً أكره نفسً وهكذا ٌنتشر ال ُكره وال إكراه فً الدٌن ولكن الكراهٌة‬
‫أصبحت دٌن الكرة األرضٌة‪...‬‬
‫إنّ علماء الن ْفس أثبتوا علمٌا ً بؤنّ الطفل ٌبدأ بمحبة الن ْفس والتعرُّ ؾ على‬
‫جسده‪ ,‬والولد ٌلعب مع الولد والبنت مع البنت وبعد السابعة من العمر تبدأ‬
‫الجاذبٌة الجنسٌة بٌن الطرفٌن حتى سنّ المراهقة‪ ,‬وبعدها تنمو الشهوة‬
‫للمؽاٌر أي أفراد الجنس اآلخر ومن هذه العبلقة‪ ،‬تبدأ العابلة‪ ...‬هذه مسٌرة‬ ‫ِ‬
‫الجنس أو محبة األجساد وكذلك مسٌرة محبة العابد والمعبود أي الرحمة أو‬
‫هللا أو المحبة‪ ...‬هذه هً طرٌق اإلرتقاء إلى السموّ اإللهً‪ ...‬وهذا هو سلَّم‬
‫السبلم‪...‬‬
‫ال سبلم بدون رحمة وال رحمة بدون محبة وال محبة بدون معرفة‬
‫الن ْفس‪ ...‬علًَّ أن أحِب نفسً أوالً ومن ثم محبة الجار حتى سابع جار ولو‬
‫جار‪ ،‬ومن بعده الطبٌعة والوجود بؤسره ولكن األساس هو أنت أٌها‬
‫اإلنسان‪ ..‬ال تظلم نفسك‪ ،‬قلبك عرش هللا وٌحبّك أكثر من أمّك وأبٌك وأنت‬
‫المع َبد للمعبود‪ ،‬إذا رفضت نفسً رفضت هللا وإذا رفضت األقرب إلًّ من‬
‫حبل الورٌد كٌؾ أستطٌع أن أحِب البعٌد؟‪ ...‬أحِب نفسً لكً أحبّك‪ ...‬هذه‬
‫هً الوصٌّة األساسٌة فً جمٌع الدٌانات وفً أقوال األنبٌاء‪ ...‬إنها كلمة‬
‫َ‬
‫أدركت الوجود بؤسره‪ ...‬الفهم ؼٌر العلم‪..‬‬ ‫واحدة‪ ..‬الرحمة‪ ...‬إذا فهمتها‬
‫العلم ٌعمً والجهالة تعمً وكبلهما ببلء‪ ...‬أُطلب العلم اإللهً الموجود فً‬
‫لبّ القلب ٌا أولً األلباب والمفتاح هو التؤمل والخطوة األولى هً‬
‫البراءة‪" ..‬إن لم تعودوا كاألطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات"‪ ،‬أي الطفل‬
‫ٌبدأ بمحبة جسده ونفسه ولكن ال نزال أموات فً بحٌرة لم تعرؾ األمواج‬
‫نرم حصوة الحب‪ ...‬بالحب ٌحٌا الحب‪...‬‬ ‫بعد ألننا لم ِ‬
‫تذ َّكرت قصة العنكبوت الساكنة فً بٌت المإونة على عارضة خشبٌة‬
‫عالٌة فً السقؾ ومنها تنزل على الخٌط إلى لوح خشب حٌث رأت كمٌة‬
‫هابلة من الذباب‪ ,‬وقرَّ رت أن تس ُكن فً هذا المكان لتصطاد الذباب‬
‫ونسجت لنفسها شركا ً‪ ,‬وإذا بها ترى سِ لك أو خٌط ٌمت ّد من مكانها إلى‬ ‫َ‬
‫العتمة األعلى منها وخافت وقرَّ رت أن تتراجع عن هذا اإلزعاج والعرقلة‬
‫وانتزعته وبذلك دمَّرت الموقع أو النسٌج الذي ٌدعمها وٌسندها‪...‬‬
‫هذه هً قصة اإلنسان‪ ،‬الحبل الذي ٌجمعنا بؤعلى مستوى إلهً هو الصِّلة‬
‫مع الرحمن ونسٌنا هذه الحقٌقة التً منها وإلٌها نعود‪ ،‬وإن لم تكتمل الدابرة‬
‫فسنبقى على هامش الطرٌق‪ ،‬علٌنا بالعودة إلى األصول والتمسُّك بؤصالتنا‪،‬‬
‫وما هذا الحبل السريّ إالّ إشارة نور لترشدنا من الضبلل إلى الحق ولكن‬
‫نرى بؤنّ الحق ٌقِؾ لنا بالمرصاد فنقطع هذه اإلشارة ونفقد البشارة‪....‬‬

‫‪101‬‬
‫لماذا نقطع صلة األرحام؟ لماذا ننفصِ ل عن األصول؟‬
‫ٌحاوره‬
‫ِ‬ ‫أٌها الحق لم تترك لً صدٌق‪ ..‬والحق ال ٌ َّتفق مع الباطل بل‬
‫وٌحوِّ له‪ ،‬ولكن عندما أهوى الشرّ وأرى النور ٌقؾ لً للمساعدة وللتذكٌر‪,‬‬
‫أنتزعه ألكون مع الباطل‪ ...‬هذا هو حبل النور أو المبلك الذي ٌظهر لً‬
‫أو ٌوحً إلًّ بالوحً اإللهً وٌذ ِّكرنً وٌطهِّرنً ولكننً أعصً أوامر هللا‬
‫وأمٌل إلى دوالر عبد هللا وأتصرَّ ؾ حسب رؼبتً وشهوتً الدنٌوٌة‬
‫وأعٌش الحقد والؽضب والفساد‪ ،‬وإذا رأٌت حبل النور أتجاهله وأعود إلى‬
‫الن َفق المظلم ومن نفق إلى نفق ٌزداد ال ِّنفاق‪ ،‬وإذا اشت َّدت علًّ المحنة أقطع‬
‫حبل الرحمة وأعود إلى الرجمة‪ ,‬وهذا ما قاله العالِم الكبٌر نٌتشه "هللا‬
‫مٌِّت"‪ ،‬وانتزع حبل النور من حٌاته وأُصٌب بالجنون وبالضبلل ألنه‬
‫انفصل عن األصول أي عن الحٌاة األبدٌة‪ ..‬هذا هو وضع اإلنسان الٌوم‪..‬‬
‫أٌن هو الؽذاء الروحً؟ أٌن هً الجذور؟ أٌن العطور؟ الوردة بدون جذور‬
‫ال تنشر عطرها ألن ال عطر لها‪ ...‬جذورنا فً رحمة هللا ومن انفصل عن‬
‫األصول أصبح من الضالٌن فً الدنٌا وفً اآلخرة‪...‬‬
‫من كان هلل دام وا َّتصل ومن كان لؽٌر هللا انقطع وانفصل‪ ...‬مهما أظل َمت‬
‫الدنٌا تذ َّكر بصٌص النور الذي ٌشِ عّ من قلبك لٌُنٌر دربك واحمِد هللا على‬
‫وسعت ك ّل شًء حتى الكافر والملحِد والضال والفاسد‪...‬‬ ‫َ‬ ‫رحمته التً‬
‫لنبحث معا ً عن هذا الحبر السري الذي ٌسٌّرنا باتجاه النور الذي منه أتٌنا‬
‫وبه نحٌا إلى األبد‪ ...‬إ َّنا هلل وإ ّنا إلٌه راجعون‪ ،‬أي النور ٌعود إلى النور‬
‫وٌحٌا مع النور فبل أحد ٌستطٌع أن ٌقطع حبل هللا ألنه هو الحبل‬
‫المتواصل مع األصول‪ ,‬ولكن اإلنسان المؽ ّفل هو الذي أقفل على نفسه‬
‫عرؾ حقٌقة‬ ‫حقٌقة كٌانه وأن َكر وجود هللا حٌث ال حٌاة إالّ مع النور ومن َ‬
‫وجوده دخل ملكوت الوجود‪...‬‬
‫ت أٌتها الدار؟ ومن الذي ٌصِ لنا بالبٌت؟ نعم‪ ..‬هو هذا ال ُّشعاع الذي‬ ‫أٌن أن ِ‬
‫ٌشِ عّ من القلب إلى درب الربّ ‪ ..‬إلى البٌت العتٌق‪ ..‬مهما طالت األٌام‬
‫وبعُدت المسافات سنعود ونرجع ٌوما ً إلى حٌِّنا ونؽرق فً عشق ربنا‪...‬‬
‫إننً أنسى هللا ولكنه لن ٌنسى خلقه وهذه هً الضمانة المضمونة‪..‬‬
‫لنحاول معا ً أن نرى فٌنا ما ٌجمعنا باهلل‪ ...‬أيّ عمل قمنا به لزرع السبلم‬
‫فً العالم وما هذا العمل إالّ صدقة من القلب ال من الفكر أو الشرٌعة‪ ..‬ال‬
‫الثروة وال الشهرة وال القوّ ة التً تجمعنا باهلل بل المحبة أو الرحمة التً‬
‫تنبع من القلب المحِب لتشارك به العالم دون أيّ شرط أو أيّ قٌد‪ ...‬األنبٌاء‬
‫ُشبهون النحلة العسّالة التً تجمع العسل من جمٌع األزهار وتعود إلى‬ ‫ٌ ِ‬

‫‪102‬‬
‫أهلها وتشاركهم فً هذا اإلختبار وتساعدهم لٌتعرَّ فوا على أنفسهم وعلى‬
‫ثروة هللا فٌهم‪...‬‬
‫"تعالوا معً ٌا أخوتً وأنا ُأرٌحكم وأساعدكم لتتعرَّ فوا على أنفسكم "‪...‬‬
‫هذا ما قاله المسٌح ونحن ال نزال نبحث عن الثروات الخارجٌة "والحقٌقة‬
‫فً أنفسكم أفبل تبصرون"‪...‬‬
‫ومن أبصر المحبة وصل إلى القمة‪ ...‬هذه هً نعمة هللا فً اإلنسان‪...‬‬
‫ِّ‬
‫وتعطر السماء بعطر المحبة‪...‬‬ ‫علٌنا أن ُنحًٌ هذه البذرة لتنمو و ُتزهر‬
‫ومن وصل إلى األصول تعرَّ ؾ إلى الجذور وإلى العطور وتوحَّ د مع نفسه‬
‫ومع ك ّل ن ْفس‪ ,‬ولم ٌعُد ٌرى الفرق بٌن الشرق والؽرب بل ما جمعه هللا ال‬
‫ٌفرِّ قه إنسان‪...‬‬
‫لنجتمع مع ًا ولندخل إلى أنفسنا ولنتعرَّ ؾ على هذه الشجرة السماوٌة‬
‫الساكنة فٌنا وتؤتً عصافٌر الجنة وتؽرِّ د معنا ومع ًا سنشارك فً نِعم هللا‬
‫وبركاته ونحٌا الجنة اآلن وفً ك ّل زمان ومكان‪ ,‬وهذا هو دورك أٌها‬
‫اإلنسان‪ ..‬علٌنا أن نزرع السبلم فً أنفسنا ومن ثم فً الدار و الجوار‬
‫بالرحمة التً ال تنظر إلى اللسان والقال‪ ،‬بل تنظر إلى الباطن والحال‪...‬‬

‫‪103‬‬
‫الجرٌمة والعقاب‬
‫لماذا الحكم باإلعدام؟ َمن الذي ٌقتل من؟ من هو المجرم؟‬

‫وقسوته وانعدام إنسانٌته لنفسه‬


‫َ‬ ‫هذا القانون برهان واضح لوحشٌّة اإلنسان‬
‫أوالً‪ ...‬هذا دلٌل الذ ّل بؤننا ال نزال فً عصر الشرّ ‪ ..‬أٌن هً الحضارة؟‪..‬‬
‫إنها ال تزال فكرة‪ ,‬ومن الذي سٌح ِّققها؟‬
‫معا ً سنتعرَّ ؾ على ع ّدة نواحً لنفهم هذا العمل األحمق الذي ٌتح َّقق حول‬
‫الحضرة؟؟‬ ‫العالم وفً األمم المث َّقفة والمتحضِّرة وأٌن نحن من هذه َ‬
‫حتى فً بعض البلدان التً تخلّت عن اإلعدام‪ ،‬تراجعت وتب ّنت الفكرة‬
‫مجدداً‪ ..‬وفً بلدان أخرى تركوا فكرة اإلعدام واستبدلوها بالسجن المإبّد‪،‬‬
‫وهذا الحكم أظلم من الموت السرٌع و الشنٌع‪ ...‬من الحكم باإلعدام إلى‬
‫السجن المإبد لٌست حضارة ولكنها همجٌة ظالمة بحق اإلنسانٌة‪...‬‬
‫إنّ اإلعدام لٌس عقابا ً أو معاملة قاسٌة‪ ..‬إذا لم تستطِ ع أن تكافبه بالحٌاة ال‬
‫تستطٌع أن تعطٌه الموت جزا ًء له‪ ...‬هذا منطق بسٌط‪ ...‬إذا لم أق ِّدم لك‬
‫الحٌاة فبؤيِّ حق أسلُبها منك؟‬
‫تذ ّكرت قصة حقٌقٌة‪ ...‬إثنان من المجرمٌن وجدا كنزاً مخفٌا ً فً قلعة‪.‬‬
‫بعض الناس حاولوا سرقته ولكن قُبض علٌهم‪ ,‬ولكن هإالء األصدقاء فً‬
‫الجرٌمة فازوا بالسرقة‪ ...‬كٌؾ؟ الثروة كانت كبٌرة وقرَّ ر أحدهم أن تكون‬
‫من نصٌبه دون أن ٌشارك بها زمٌله وف ّكر فً قتله لكنه خاؾ من‬
‫الفضٌحة وكشؾ السرّ وهو الذي حصل على ك ّل الثروة‪ ..‬ودبّر الخطة‬
‫بطرٌقة ماكرة‪ ..‬لقد اختفى بعد أن انتشر الخبر بؤنه توفى وبؤنه قتل‪ ،‬وترك‬
‫أثراً َّ بؤنّ صدٌقه هو الذي قتله‪ ...‬وقُبض على الصدٌق مع الدلٌل الواضح‬
‫بؤنه هو القاتل‪ ,‬حٌث كان ٌحمل مسدسا ً فارؼا ً من رصاصتٌن وبصمة‬
‫أصابعه على المسدس ومعه مندٌل مكتوب علٌه إسم القتٌل بطرٌقة‬
‫مزخرفة‪...‬‬
‫لم ٌستطِ ع أن ٌبرهن العكس وا ُّتهم بالجرٌمة وحكموا علٌه باإلعدام‪ ..‬إنه‬
‫على معرفة تامة بؤنّ صدٌقه حًّ وهذه مإامرة وخدعة لٌحتفظ بالمال‬
‫لنفسه‪ ...‬ماذا فعل هذا المظلوم؟ هرب من السجن قبل أن ٌن َّفذ الحكم‪ ،‬وبعد‬
‫اثنتا عشرة سنة تؤ َّكد من موت السارق ألنه ؼٌَّر هوٌته وأصبح رجبلً‬
‫محترما ً فً حقل السٌاسة‪ .‬أتى المظلوم إلى السلطات المختصة وتعرَّ ؾ‬

‫‪104‬‬
‫على نفس القاضً الذي ح َكم علٌه باإلعدام وشرح له قصته وبرابته وأنه‬
‫ال ٌملُك أيّ برهان ولكن هذه هً قصتً كما هً‪...‬‬
‫فً الواقع البراءة لٌس لها أيّ برهان أو إثبات‪ ..‬الدلٌل هو مع الجرٌمة أو‬
‫ض ّدها ولكن البراءة لٌس لها أيّ دلٌل‪ ...‬والقتٌل هو هذا السٌاسً الذي‬
‫مات مإخراً والبرهان واضح "بؤننً لم أقتله‪ ،‬الجرٌمة الوحٌدة التً‬
‫عاقبت إنسانا ً‬
‫َ‬ ‫اقترف َتها هً هروبً من السجن ولكن هل هذه جرٌمة؟ لقد‬
‫وحكمت علٌه بالموت ومن هو المجرم‪ ..‬أنت وأنا؟"‪...‬‬ ‫َ‬ ‫برٌبا ً‬
‫القصة تحمل الكثٌر من اإلشراك والتورٌط‪ ،‬سؤله الرجل "لو لم أهرب من‬
‫السجن وحكمت علًَّ بالموت وانكشفت حقٌقة هذا السٌاسً الذي بسببه‬
‫فت الحقٌقة هل‬ ‫عر َ‬‫حكمت علًَّ بالموت‪ ..‬بعد أن َ‬ ‫َ‬ ‫قتل َتنً وأنت شخصٌا ً‬
‫تستطٌع أن ُتعٌد لً حٌاتً؟ إذا لم تستطِ ع أن تعٌد الحٌاة فبؤيّ حق تقتلها؟‬
‫ماذا فعل القاضً؟ ق َّدم إستقالته واعتذر من البريء وقال‪ :‬ربما ارتكبت‬
‫جرابم كثٌرة فً حٌاتً"‪...‬‬
‫برهنت العكس‪ ..‬وهذا الحُكم‬ ‫َ‬ ‫ما نراه الٌوم حول العالم‪ ،‬أنت مجر ٌم إالّ إذا‬
‫هو ض ّد اإلنسانٌة والدٌمقراطٌة والحرٌة واحترام اإلنسان‪ ...‬هذا القرار‬
‫ك الجرٌمة فؤنت بريء‪...‬‬ ‫ض ّد كل العدالة‪ ...‬القانون ٌقول إلى أن تثب َ‬
‫ُت علٌ َ‬
‫أنت بريء حتى تؤتً بالبرهان ولكن فً الحقٌقة الحالة هً عكس كبلم‬
‫الدستور‪ ..‬األقوال ؼٌر األفعال‪ ..‬المسٌح ٌقول إسمعوا أقوالهم وال تفعلوا‬
‫أفعالهم‪ ،‬ولكن الٌوم ال أقوالهم وال أفعالهم‪ ،‬إستمِع إلى قلبك وابتعد عن‬
‫الشرّ وأهله وادخل إلى دار الفكر ِّ‬
‫والذكر‪...‬‬
‫خدمة ألهل الحب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إنّ مجتمعنا همجً ض ّد اإلنسانٌة ومن حرب إلى حرب‬
‫هذا هو شعار الكذب وال َّنصب لخدمة أهل الجٌوب وسادة المناصب‪....‬‬
‫إنّ قانون أهل الشرّ هو العٌن بالعٌن والرأس بالرأس‪ ..‬وهذا هو دستور‬
‫أهل الجهل و الكفر‪ ...‬إنّ العٌن هً مرآة المإمن والسِ نّ بالسنّ هو العدل‬
‫بالعدل‪ ,‬ولكن أهل الفهم والشرح سكتوا عن الحق وح َكم الباطل‪ ،‬وهذا ما‬
‫نحصده الٌوم حول العالم‪ ...‬إنّ جهل الجهبلء من تقصٌر العلماء‪ ..‬و‬
‫الؽرٌب فً األمر أنّ اإلساءة ال تنتهً باإلساءة وهذا ما نقوم به بإسم العدل‬
‫والقانون والرحمة‪ ...‬إذا قتلنا القاتل هذا ٌعنً إرتفاع عدد القتلى وأٌضا ً‬
‫مستوى اإلجرام وأٌن الحلّ؟ ومن قال بؤنّ هذا القاتل هو حقا ً المجرم؟ إذاً‬
‫القتل خطؤ سواء ارتكبه إنسان أو جماعة أو من ق َبل المحكمة ما هو الفرق؟‬
‫القتل حقا ً جرٌمة‪ ...‬اإلعدام جرٌمة إجتماعٌة ض ّد إنسان ضعٌؾ‪ ..‬هذا‬
‫مجرد إنتقام من ق َبل المجتمع ألنّ الفرد لم ٌتقٌَّد بالقانون أو بالدستور‪..‬‬
‫المجتمع ٌقتله وال أحد ٌهت ّم بالدفاع عنه أو حتى بالتحقٌق عن سبب هذا‬

‫‪105‬‬
‫التصرُّ ؾ‪ ..‬إنّ القاتل مرٌض نفسٌا ً ومن م ّنا المسإول؟ علٌنا أن نرسله إلى‬
‫مإسسة خاصة لرعاٌة هإالء المرضى‪ ...‬هذا هو الحل األفضل من القتل‪,‬‬
‫وهو بحاجة إلى محبة ورحمة ال إلى قصاص أو عقاب بل إلى إعادة نظر‬
‫فً صحَّ ته الجسدٌة والنفسٌة والفكرٌة‪ ...‬هذا هو دور العالِم والمرشد‬
‫والولً‪...‬‬
‫والحكٌم َ‬
‫نعم! لقد قتلنا إنسانا ً وحكمنا بالقتل على القاتل أي خسرنا األول والثانً‪.‬‬
‫هل القتل ٌُحًٌ المٌِّت؟ عندما أحٌا السٌِّد المسٌح ألٌعازر من الموت‪ ،‬من‬
‫أيِّ موت أحٌاه؟ ما هو موت الضمٌر؟ اإلساءة ال تنتهً باإلساءة والدم ال‬
‫ٌُؽسل بالدم والتراب ال ٌُؽسل بالتراب بل التوبة هً التً ُتحًٌ الحق‬
‫و ُتمٌت الباطل‪ ...‬ومصدر التوبة هو المعرفة‪ ...‬لنعرؾ معنى وجودنا فً‬
‫الوجود وبالمعرفة ٌزول الجهل والقتل‪ ...‬را ِجع التارٌخ الحدٌث‪ ...‬ماذا‬
‫فعلنا بالمجنون؟‬
‫إستخدمنا شتى أنواع ال ُّتهم واإلجرام والتعذٌب‪ ..‬هذا ممسوس باألشباح‬
‫وهذا ملموس بالشٌطان وهذا مسكون بالشرّ وإلى ما هنالك من إتهامات‬
‫فكرٌة ؼٌر صحٌحة‪ ,‬بل لئلنتقام ولزرع الخوؾ بٌن البشر ولنشر الشرّ‬
‫المبرح حتى تسٌل الدماء من‬
‫ِ‬ ‫مدى الدهر‪ ...‬ماذا كان العبلج؟ الضرب‬
‫أجسادهم والٌوم نعالج المرٌض بزرع الدم ال بنزع الدم وأٌن الحل ٌا أهل‬
‫العقل؟؟؟‬
‫الحل بالعقل ولٌس بالقتل‪ ...‬إنّ س ٌَبلن الدم ٌُضعؾ الجسم وٌنهار وٌعتقد‬
‫الظالم بؤنه عالج المظلوم‪ .‬قدٌما ً كان الضرب الخفٌؾ واللطٌؾ وسٌلة‬
‫إلنعاش األحاسٌس الراقدة والعودة إلى الضمٌر وهذه حاالت نادرة جداً‪,‬‬
‫ولكن الشذوذ عن القاعدة أصبح هو القاعدة‪ ...‬ولماذا نضرب المجنون؟‬
‫ٌُقال بؤنّ الشٌطان الساكن فً جسده ال ٌحِب العذاب وسٌهرب من جراء‬
‫الضرب ولكن من الذي ٌدفع الثمن؟ وهل هرب الجنّ ؟ ومن هو المجنون؟‬
‫من الذي وضع هذه القوانٌن؟ من هُم المجانٌن؟ لقد قمت بزٌارة إلحدى‬
‫مصحّ ات المجانٌن فً الهند والعبلج هو بالضرب الشدٌد والقاسً‪ٌ ...‬كبَّل‬
‫المجنون وٌُعطى كمٌة كبٌرة من المسهِّل والملٌِّن لتنظٌؾ جسده من الطعام‬
‫الجزار وهو الكاهن المسإول عن هذا المعبد‪ ،‬معبد للصبلة من أجل‬ ‫ّ‬ ‫وٌؤتً‬
‫هإالء المرضى والعذاب هو الصبلة وهو العبلج‪ ..‬وطبعا ً الموت هو‬
‫النتٌجة أي مات الشٌطان و ُدفن الجسد‪ ...‬وال نزال نستقبل المزٌد من‬
‫هإالء الضحاٌا‪ ,‬واألعداد فً ازدٌاد مستمر ألنّ المسإول هو الجاهل‬
‫األكبر وهو سٌِّد الشٌاطٌن والمجانٌن‪ ...‬لتكون مجنونا ً أنت بحاجة إلى‬
‫القلٌل من الرفاهٌة فً حٌاتك ال إلى الفقر والعذاب‪...‬‬

‫‪106‬‬
‫الترؾ والمال والحضارة وسترى أنواعا ً‬ ‫راقِب المجتمع المخ َملً من حٌث َ‬
‫من الجنون‪...‬‬
‫الجنون فنون ولكن فً المجتمع الفقٌر نادراً ما ترى حاالت مجنونة ألنّ‬
‫خبزه الٌومً وحاجاته‬ ‫الجنون مرض فً فكر األؼنٌاء‪ ...‬الفقٌر ٌف ِّكر فً ِ‬
‫الجسدٌة ال الفكرٌة‪ ،‬أحبلمه محصورة فً واقعه ولٌس فً األوهام التً‬
‫الترؾ ولٌس للفقراء‬ ‫خلؾ الؽٌوم‪ .‬الجنون لعبة فكرٌة لؤلؼنٌاء و ألهل َ‬
‫الذٌن هُم دون مستوى التؽذٌة الجسدٌة لذلك ال ٌف ِّكر بؤيّ بُعد بل بإرضاء‬
‫الجسد الذي هو السٌِّد وله كل اإلهتمام ولٌس للفكر أيّ ذِكر بل العمل من‬
‫أجل العٌش الٌومً‪ ..‬لقد اؼتنى المعبد مالٌا ً وساعد بعض الحاالت بنسبة‬
‫واحد باأللؾ ولكن اإلشاعة شاعت حول األلوؾ من البلدان‪ ,‬و َه َج َم أهل‬
‫المجانٌن لعبلج أهلهم من جهلهم مع هإالء الكهنة الجهلة وهُم سبب الببلء‬
‫وهم القتلة ألنهم ؼافلون عن الحق وظالمون بإسم الحق‪...‬‬
‫هذه المصحَّ ات لٌست محصورة فً بلد معٌن بل حول العالم حتى فً‬
‫البلدان "الراقٌة"‪...‬‬
‫فً أمرٌكا مثبلً قتلنا األلوؾ من النساء فً بلدة سالم قرب بوسطن ألنّ‬
‫الكاهن صرّ ح بؤن الشٌطان دخل فً جسد النساء والقتل حبلل فً مثل هذه‬
‫الحاالت‪ ...‬لقد قتلوا وحرقوا البنات واألم الحامل وك ّل أنثى مهما كان‬
‫عمرها ألنّ بعض األمّهات كان عندهنّ قوّ ة الشفاء بال ُّدعاء وباللَّمس وبعِلم‬
‫وبظلمه‬ ‫األعشاب‪ ,‬وطبعا ً ؼار الكاهن وخاؾ على مصلحته وتمسَّك بجهله ُ‬
‫وا َّتفق مع زمبلبه ونادى بإسم الرحمة وفعل ما فعلوا معا ً‪ ,‬حتى الرجل ق َّدم‬
‫ً‬
‫حماٌة لها وللشعب من شرّ‬ ‫ابنته للقتل َّ‬
‫وللذبح على مذبح الكنٌسة‬
‫الشٌطان‪ ...‬هذه ال ُتعتبر جرٌمة بل حكمة ونعمة فٌها بُعد نظر وشكر هلل‬
‫ولشعبه المختار‪ ...‬هذا هو الجهل الذي ٌتح َّكم باألمم حول العالم‪...‬‬
‫واآلن نحن نعلَم بؤن اإلنسان المجنون ال ٌعا َمل بهذه الطرٌقة ومن الذي‬
‫ٌح ُكم علٌه بالجنون؟‬
‫هإالء األخوة لهم الحق فً الشفاء وفً الحٌاة ومن هو المسإول؟ كل حًّ‬
‫هو المسإول عن األحٌاء وعن األموات ولكن على الحًّ أن ٌبدأ بنفسه‬
‫أوالً‪ ،‬ومن ٌنصِّب نفسه للناس إماما ً فلٌبدأ بتعلٌم نفسه قبل تعلٌم ؼٌره‬
‫ولٌ ُكن تؤدٌبه بسٌرته قبل تؤدٌبه بلسانه‪ ,‬وأٌن نحن اآلن من هإالء العلماء‬
‫والمسإولٌن؟؟ فإذاً كل حًّ مسإول وأنا المسإولة عن نفسً قبل ؼٌري‪...‬‬
‫فً جمٌع البلدان المجنون مفصول ومعزول عن البشر وساكن فً حُجرة‬
‫حرج‪ ,‬ومن كثرة الجهل‬ ‫صؽٌرة فً الزنزانة‪ ,‬والمعاملة ح ِّدث وال َ‬
‫ُ‬
‫قمت‬ ‫نتجاهلهم فً السجون دون أيّ شعور إالّ لنقلِهم إلى القبور‪ ...‬لقد‬

‫‪107‬‬
‫بزٌارة والد صدٌقتً المعزول فً طابق بناء تحت األرض وال أحد ٌقابله‪,‬‬
‫لكنه مكبَّل ومه َمل ألنه حسب إعتقاد األهل هو معتوه ومجنون ومجرم‬
‫خطٌر وإلى ما هنالك من صفات‪ ...‬لكنه من أسرة ؼنٌة مادٌا ً وابنته طبٌبة‬
‫معروفة واختصاصها األمراض العقلٌة‪...‬‬
‫وضعته فً زنزانة تحت البٌت‬ ‫َ‬ ‫ٌا طبٌب طبِّب نفسك أوالً‪ ...‬هً التً‬
‫ونكروا وجوده حفاظا ً على سمعة العابلة وخوفا ً من وجوده معهم حتى لو‬
‫كان مك َّببلً فشكله مرعب ورهٌب ٌإذي وٌشوِّ ه األنظار‪...‬‬
‫ضت أن تؤتً معً ألنه شوَّ ه سمعة العابلة‬ ‫طلبت من إبنته أن أزوره ورف َ‬ ‫ُ‬
‫فذهبت لوحدي ألننً‬‫ُ‬ ‫لٌضع له بعض الطعام‪،‬‬ ‫وال ٌقابله أحد إالّ الخادم َ‬
‫ألحَّ ٌت وأصرَّ ٌت‪ ,‬وأعطانً الخادم المفتاح ولم ٌرافقنً‪ ,‬بل ذهبت وكنت‬
‫أول إنسان ٌقابله منذ عشرات السنٌن‪ ..‬ربما كان مجنونا ً ولكنه الٌوم من‬
‫أح َكم الحكماء واآلن هو المجنون مع هإالء األموات‪ ...‬لقد قال ع ّدة مرات‬
‫للخادم بؤنه لٌس مجنونا ً ولكن من الذي ٌسمع؟ بل ٌهزإون بالحقٌقة‪...‬‬
‫جلست معه وتحدثنا معا ً وكؤننً مع نفسً ومع عالِم وحكٌم وحلٌم‪ ..‬لقد‬ ‫ُ‬
‫واختبرت أسرار الحٌاة فً معبدي هذا‬ ‫ُ‬ ‫قال‪" :‬إننً هنا منذ عشرات السنٌن‬
‫انعزلت عن العالم الخارجً‪ ،‬عالم‬ ‫ُ‬ ‫و َكم أنا سعٌد بهذا اإلمتحان ألننً‬
‫الجنون ودخلت إلى عالم الصمت والتؤمل‪ ...‬دعهُم ٌفكرون بما ٌعلمون‬
‫الوحشة وأعٌش الوحدة مع‬ ‫وعالمً ؼٌر عالمهم ولست وحٌداً بل بعٌداً عن َ‬
‫هللا وهو الوحٌد الذي ٌحِب وٌرحم"‪ ...‬وسؤلنً رأًٌ‪ ..‬فقلت له‪" :‬معك ك ّل‬
‫الحق‪ ..‬وعالم الٌوم أكثر جنونا ً من قبل وأكثر تق ُّدما ً فً حضارة القتل‬
‫واإلرهاب والحروب‪ ..‬ال تقُل لهم بؤنك لست مجنونا ً لكً تبقى هنا بعٌداً‬
‫عن جهنم العالم وعندك مساحة كافٌة للمشً"‪...‬‬
‫ومعا ً تعلَّمنا طرٌقة خاصة فً التن ُّفس‪ ..‬وذ َّكرته بهذه النعمة التً "تحوِّ لك‬
‫ب ٌشِ عّ بالنور وبالرحمة‪ ,‬وهذه الخلوة هً ألهل الجلوة حٌث ال قلق‬ ‫إلى قل ٍ‬
‫أنت فً نعمة سماوٌة وال عبلقة لك بالدنٌا‬ ‫وال إزعاج وال فوضى‪َ ..‬‬
‫سنحت لً الفرصة ألننا أصدقاء الصادق األمٌن"‪...‬‬ ‫وسؤزورك دابما ً كلّما َ‬
‫وفً آخر مرة تقابلنا كان رجبلً آخر حٌث النور ٌشعّ من وجهه وحدثنً‬
‫عن اختبارات عدٌدة مع هللا وكٌؾ تحوَّ ل وتب َّدل من إنسان أرضً إلى‬
‫َّنت له ما ٌرٌد‪ ,‬ولكن‬ ‫وطلب أن ٌكتب مذ ِّكراته واختباره وأم ُ‬ ‫َ‬ ‫روح سماوٌة‪،‬‬
‫األهل حرقوا ما ترك لهم من الثروة الفرٌدة ودفنوه دون أن ٌعلِموا أحداً‬
‫وال ٌزال ٌحٌا فً قلبً وقلوب األوفٌاء للوفاء‪...‬‬
‫لٌتخطى جنونه والمجرم بحاجة إلى مساعدة‬ ‫ّ‬ ‫إنّ المجنون بحاجة إلى تؤمل‬
‫نفسٌة ومساندة روحٌة‪ ...‬إنهم مرضى والمرٌض لٌس بحاجة إلى عقاب بل‬

‫‪108‬‬
‫إلى عبلج ولٌس هو المذنب بل المسإول عنه‪ .‬القاتل قتل ألنه ٌحمل فً‬
‫قلبه وفكره مٌْل ونزعة إلى القتل‪ ..‬هذا الفعل لٌس صدفة أو فجؤة بل هدؾ‬
‫فً حٌاته وعندما اؼتال أحد م ّنا علٌنا أن نواجه هذا الحدث ونساهم فً‬
‫الحل ونبحث عن السبب‪ ...‬لماذا دمَّر وه َّدم ؟ لماذا قتل هذا اإلنسان بالذات‬
‫؟ إن الطبٌعة تمنحنا طاقة اٌجابٌة لماذا تحولت إلى طاقة سلبٌة ؟ من الذي‬
‫منع هذه الطاقة من االنسٌاب فً درب الحب ؟ لماذا تحولت إلى درب‬
‫الحرب ؟‬
‫المجتمع ٌمنع الطاقة االٌجابٌة من السٌل عبر العقل وٌحولها باتجاه الجهل‪,‬‬
‫وهذا هو سبب الشلل الفكري والخلل الروحً وارتباك وبلبلة النفس التابهة‬
‫فً عالم الضٌاع ‪ ...‬أٌن هو السبب األصلً ؟ ال ٌزال ٌدور وٌدور حتى‬
‫وقع فً شرك ولؽز معقد ومقٌد ‪ ...‬وأٌن هو الباب ٌا أهل القلوب ؟ ال أحد‬
‫بحاجة إلى عقاب وال أحد ٌستحق هذا العذاب وال حتى أي قصاص أو أي‬
‫ذنب‪ ,‬ألن األلم ال ٌعلَّم وال ٌشفً بل الرحمة هً النعمة التً ترحم األلم ‪...‬‬
‫فإذا مرضت هللا ٌشفٌنً وهل هللا هو العذاب أم الرحمة ؟؟‬
‫شاهد األخبار وكن شاهداً على ما ترى من كثرة اإلجرام وبناء السجون ‪...‬‬
‫هذا أمر ؼرٌب عجٌب‪ ,‬فإذا القصاص ال ٌشفً والمحاكم والشرابع‬
‫واإلعدام تزٌد من هذه الحاالت ولو كان العذاب هو الجواب لكانت النتٌجة‬
‫على عكس ما نراه حول العالم ‪...‬‬
‫فإذا الكذب ال ٌنتهً بالكذب والحرب ال تنتهً بالحرب ‪ ...‬والسبب ؟ فً‬
‫التفكٌر الؽلط ‪ ..‬ال نستطٌع أن نعلِّم بالعقاب وهذا ما ٌفعله رجال القضاء‬
‫والخبراء الشرعٌٌن وأهل السٌاسة والخبٌر القانونً ورجل الدٌن وعالم‬
‫الدٌن منذ بداٌة الحوار مع آدم وحواء حتى الٌوم‪ ,‬وال نزال فً معركة‬
‫األخوة واألهل لدعم الجهل والقتل ‪ ...‬وحجة هإالء المسإولٌن هً "إذا ال‬
‫لم نستخدم األلم فبماذا نعلِّ ُمهُم العلم واألخبلق والسبلم ؟ إن سٌؾ الخوؾ‬
‫هو الذي ٌطوؾ حول أعناقهم وفً قلوبهم لٌردعهم عن اإلجرام "‬
‫لٌس الخوؾ هو الوسٌلة التً بها نمنع الفساد بٌن العباد بل تعوَّ دوا على‬
‫الضرب وأصبحت الصدمة نعمة فً حٌاتهم وكذلك العٌش مع المجرمٌن‬
‫والمسجونٌن وأهل السوء من جمٌع الطبقات‪ ,‬ومن هذا المنطلق ٌتعلم‬
‫األسالٌب الماكرة وخاصة السارق المحترؾ فً مهنة السرقة واالختبلس‪,‬‬
‫وكلنا نعلم السر بٌن رجال الشرطة ورجال االحتٌال ومن ثم ٌتقاسمون‬
‫المال لمصلحة السلطة‪ ,‬وهذه هً السٌاسة منذ بدء الفكر السٌاسً‪ ,‬والمثل‬
‫الشعبً ٌقول "حامٌها حرامٌها"وإذا قبض على أي متهم ٌكون األضعؾ‬
‫واألسخؾ وبنسبة مبوٌة ضبٌلة وال ٌزال علً بابا واألربعٌن حرامً‬

‫‪109‬‬
‫متربعٌن على العروش وعلى الكراسً خدمة للقروش وللكروش ‪ ...‬ومن‬
‫دش إلى دش وصلنا هذا الؽش واالتً أعظم وأجرم والحق أرحم وأبكم‬
‫وأصم ‪...‬‬
‫ال أحد ٌتعلم من األلم بل أصبح عادة وإعادة وعبادة حتى تمسح جلده من‬
‫الجلد وٌشتاق إلى زمبلبه فً السجن حٌث ٌشعر بعٌش الجماعة التً تنتمً‬
‫والمهن الحرّ ة‬
‫َ‬ ‫إلى نفس األعمال‬
‫كلهم خبراء ومن أهل البٌت حٌث السرقة والقتل واالحتٌال أصبح عمبلً‬
‫شرٌفا ً بالنسبة لهم ألن الحاكم مجرم ؼٌر محكوم علٌه والمحكوم مجرم‬
‫أضعؾ لذلك قُبض علٌه ‪...‬‬
‫ونرى بؤن السجن مدرسة مهنٌة لشتى أنواع اإلجرام‪ ...‬سمعت قصة عن‬
‫أحد المجرمٌن دخل إلى السجن ورأى فً الزنزانة رجبلً كبٌراً فً السن‬
‫استقبله وسؤله ما هً م ّدة أقامتك هنا ؟‬
‫فقال له القادم حدٌثا ً ‪ ...‬سؤبقى عشرة سنوات ‪ ...‬فرد علٌه العجوز قاببلً ‪...‬‬
‫فإذا اجلس بالقرب من الباب إنك ال تزال هاوي وؼٌر محترؾ أما أنا‬
‫فسؤبقى خمسٌن سنة وأنت ستترك بسرعة ‪ "...‬هنا ٌتدرب مع الخبراء‬
‫وٌتعلم أفضل األسالٌب للنصب واالحتٌال ‪...‬وفن التخطٌط وطرق القتل‬
‫للسلب وللنهب وكل هذه الشهادات على حساب الشعب أي من أموال الدولة‬
‫التً خرّ جت عمداء وأساتذة وربٌس ونابب ربٌس فً كلٌة الجرابم دون أي‬
‫محاكم ‪....‬‬
‫لقد قمت بزٌارة عدة سجون ووجدت المناخ نفسه فً كل سجن أي نفس‬
‫االتجاه السٌاسً والفكرة المشتركة بٌنهم‪ ,‬هً الحق لٌس على الجرٌمة بل‬
‫على المجرم الذي قُبض علٌه أو على من قُبض علٌه ‪ .‬فإذاً علٌنا أن نتعلم‬
‫الطرق السلٌمة لؤلعمال السٌبة أي أن نقوم بعمل ؼلط ولكن بطرٌقة‬
‫صحٌحة والمسجون ٌتعلم هذه الفنون فً السجن‪ ..‬وقال لً البعض منهم "‬
‫إننا متشوقٌن ومتلهفٌن للخروج من هنا؟ ألننا تعلمنا طرقا ً أفضل وأسلم‬
‫نطبق ونمارس هذه المهنة ألننا هنا نتعلم النظرٌات‬ ‫وأعقل وعلٌنا أن ّ‬
‫واالمتحان فً المجتمع الحر"‪ ,‬وقال لً أحدهم وهو السجٌن المزمن الذي‬
‫ال ٌرؼب العٌش إال فً السجن ألنه مشاؼب مزمن‪ ,‬وجوّ السجناء فٌه‬
‫رحمة أكثر من العالم الخارجً ‪ ...‬ألن كل واحد مجرم ولٌس هنالك أي‬
‫طبقات بل كلهم فقراء وضعفاء وأخوة فً المهنة ‪..‬‬
‫العالم الخارجً ٌرفض المجرم وٌخاؾ منه وٌدٌنه وٌعٌش وحٌداً ومذلوالً‬
‫ومنحرفا ً ‪ ...‬فً الحًّ ٌوجد أحد السجناء المزمنٌن فً الدخول والخروج‬
‫اسمه بركة هللا حٌث ٌمضً تسعة أشهر فً السجن كل سنة والثبلثة‬

‫‪110‬‬
‫األشهر الباقٌة ٌعٌش مع أهله ولكن علٌه أن ٌقدم تقرٌره الٌومً إلى دابرة‬
‫الشرطة‪ ,‬وكانت تربطنً صداقة روحٌة مع هذا المنحرؾ " وطبعا ً األهل‬
‫واألصدقاء والمعارؾ ضد هذه الفكرة ألنه لص ومحتال ومجرم ‪ ...‬وكلنا‬
‫نتؤثر باألقوال وباألمثال "قل لً من تعاشر أقول لك من أنت " ‪ ...‬ولماذا‬
‫ال نعاشره ونتعلم من بعضنا ونحترم ألمنا واختبارنا ؟ ولكن المجتمع ال‬
‫ٌرى إال بعٌن الشر ‪ ...‬لماذا ال ٌتؤثر هو من أهل الخٌر ؟‬
‫هل الشر أقوى من الخٌر؟ لماذا ال نثق بالصدق وبالنزاهة التً فٌنا بل‬
‫نخاؾ من االنحطاط والتدهور الذي اختبره المنحرؾ ؟ لماذا ال نرى‬
‫التؽٌٌر فً التفكٌر وكلنا ضحٌة أفكارنا ولنا الحرٌة فً تؽٌٌر مصٌرنا ‪...‬‬
‫لنا الخٌار بٌن الشر والخٌر ‪ ...‬وكلنا بشر وكلنا نستؽفر وج ّل من ال ٌخطا‬
‫‪ ...‬الخطٌبة خطوة إلى الجلوة وإلى الصحوة ‪.‬‬
‫لماذا ال نثق بؤنفسنا ؟ من هو هذا الشٌطان الذي سٌضربنً ؟ أٌن هو الشر‬
‫؟ هذا هو الجهل الساكن فٌنا وكلنا ضحٌة الجهل ‪ ...‬اعرؾ نفسك تعرؾ‬
‫الصح من الؽلط وتسٌر حسب حاجتك أنت ال كما ٌفرضها علٌك األهل أو‬
‫المجتمع ‪ ...‬وماذا حدث لبركة هللا ؟‬
‫إنه إنسان لطٌؾ وٌعرؾ حدوده وٌسكن فً المقابر ألن ال أحد ٌثق به حتى‬
‫لو استؤجر ؼرفة فً أفقر األحٌاء ففضل السكن خارج البلدة ومع األموات‬
‫األحٌاء ألنهم ال ٌحكمون علٌه وهذا هو البٌت الحقٌقً ‪...‬وسؤلته كٌؾ‬
‫أصبح لصا ً ؟ وحكى لً قصته وقال‪ " .. :‬عندما دخلت السجن فً المرّ ة‬
‫األولى كنت ال أزال برٌبا ً ولكننً فقٌر ولم أتمكن من االستعانة بؤي‬
‫محامً أو أن استخدم الرشوة والناس كان لهم مصلحة فً سجنً بالقوة ‪...‬‬
‫مات أهلً وأنا فً الرابعة عشر من عمري واألقرباء استملكوا البٌت‬ ‫لقد َ‬
‫واألرض الخاصة بؤهلً وطبعا ً بالرشوة والتزوٌر‪ ,‬ووضعوا فً جٌبً‬
‫بعض المخدرات واشتكوا علًّ ودخلت السجن ولما خرجت منه أتٌت إلى‬
‫البٌت ورأٌت كل ما أملك أصبح قانونٌا ً‪ ,‬وبعثروا وشتتوا ووزعوا كل‬
‫شًء وسلّمت أمري هلل وللشارع‪ .‬وقبل دخولً إلى السجن كنت ال أعرؾ‬
‫شٌبا ً فً مهنة السرقة ولكن فً السجن تعلمت الكثٌر من الطرق وتخرجت‬
‫بتفوق وكان عمري آنذاك سبعة عشر عاما ً وخبلل بضعة أشهر أصبحت‬
‫أستاذاً فً السلب والنصب والشؽب وفً االنتقام ‪ ...‬بدأت باألهل‬
‫وباألقرباء وكانت سهلة جداً‪ ..‬العٌن بالعٌن وبرهنت لهم بؤننً لص ٌل‬
‫محترؾ وتواجهت مع العصابة األهلٌة أي جمٌع األنسباء واألقرباء‬
‫وسرقت كل ما ابتؽٌت وما اشتهٌت ومع الوقت تورطت فً حاالت صعبه‬
‫وقُبض علًّ ودخلت السجن‪ ,‬ومع الوقت أصبحت أعلم وأقدر من قبل ‪..‬أي‬

‫‪111‬‬
‫أتصرؾ بدهاء وبمكر أكثر ولكن فً بعض األحٌان أقع فً قبضة الشرطة‬
‫وأحّ ن إلى السجن والى حٌاة الجماعة وأمضً العطلة معهم وارتاح قلٌبلً‬
‫من العمل ألن السرقة مهنة ذكٌة ومحتالة وفً السجن راحة بال على‬
‫حساب الدولة ‪...‬‬
‫اشتاق إلى حٌاة السجن ألننً أهتم بصحتً حٌث الطعام قلٌل والعمل أكثر‬
‫ولم أمرض أبداً‪ ,‬ولكن بعض األحٌان أ ّدعً األلم ألذهب إلى المستشفى‬
‫هربا ً من العمل‪ ,‬والؽرٌب فً األمر أننً أشعر بالحرٌة وبالمساواة‬
‫وبالعدالة فقط فً السجن حٌث كلنا مجرمٌن ال أعلى وال أدنى على عكس‬
‫العالم الخارجً "‪..‬‬
‫ما هو هذا المجتمع الذي أصبح هو السجن الحقٌقً ؟! وهذه قصة كل‬
‫مجرم ‪...‬‬
‫ٌبدأ بسرقة بسٌطة ‪ ،‬حاجة ؼذابٌة أو جسدٌة أي رؼٌؾ خبز أو ؼطا ٌء‬
‫للبرد أو ثٌاب للسترة وأٌن هً الدولة المسإولة عن شعبها ؟ ولماذا ال‬
‫نحدد النسل؟ اإلنتاج البشري ٌزداد بسرعة هابلة وأٌن هو المسإول ؟‬
‫الجرٌمة هً الجواب وهً اإلشارة للصحوة ٌا أهل النخوة والنخبة‬
‫والضمٌر !!!‬
‫من الذي ٌمنع الجرابم ؟ نعم !! رجال السلطة والعدل والدٌن هم الذٌن‬
‫ٌدعمون الجرٌمة وإال ستختفً المحاكم والقضاة وأهل القانون والشرابع‬
‫وأهل الدٌن والسٌاسة والخبراء والبرلمان والشرطة والسجون وأهلها‬
‫ومشكلة البطالة ستكون فً أعلى القابمة‪ ,‬لذلك ال أحد ٌرؼب أو ٌدعم‬
‫اإلصبلح والتؽٌٌر إلى األفضل ‪ ...‬نطالب بالتؽٌٌر ولكن هذه الشعارات ال‬
‫تتعدى اللسان واألذان ألنه كلما ساءت الحالة كلما ازداد الشؽل وازداد عدد‬
‫الموظفٌن‪ ,‬فإذا األسوء هو األفضل ألهل السوء والسوق ‪ ...‬اسؤل أؼنٌاء‬
‫الحرب من أٌن أتت الثروة إلى حٌاتهم ؟ الحرب فرصة مهمة لرفع‬
‫مستوى الشؽب بٌن الشعب لبٌع األسلحة واألدوٌة وجمٌع أنواع السلع‬
‫الممنوعة كالخمرة والمخدرات والتجارة باألرض وباألعراض‪ ،‬وكل ما‬
‫هو حرام ٌحلل فً األزمات لصالح أهل المصالح على حساب الفقراء ‪...‬‬
‫لو ال وجود المجرم ال تشعر باالحترام وكذلك وجود الخاطا سبب وجود‬
‫القدٌس ‪ ...‬لماذا ال نزال نتذكر السٌد المسٌح ؟ لوال وجود هذا المجتمع‬
‫الفاسد لنسٌنا األولٌاء والخلفاء واألنبٌاء والقدٌسٌن ولكن نحن األقزام‬
‫اتهمناهم بؤنهم هم العمالقة ‪ ...‬ما أنا إال بشرٌ مثلكم ٌقول المسٌح ولكن من‬
‫الذي ٌسمع الحقٌقة ؟ هذه مإامرة كبٌرة ‪ ...‬ال المسٌح مارداً أو جباراً وال‬
‫أنت قزم أو ممسوخ بل كلنا أخوة فً المحبة وفً الرحمة وفً اإللوهٌة ‪...‬‬

‫‪112‬‬
‫هل نستطٌع أن نتخلص من هذه المؤامرة ؟‬

‫من الذي وضع هذه المإامرة ؟ الذي ٌبنً الشر ٌهدمه ‪ ...‬اإلنسان هو‬
‫المسإول عن كل مسؤلة ‪ ...‬هو الفعل والقول والعمل ‪ ...‬هو الخلٌفة وهو‬
‫المسٌح وهً سٌدة نساء العالمٌن ‪..‬‬
‫ما هً مصلحة أو مكسب كل مخلوق منا ؟ من أنا ولماذا أنا هنا ؟ هذا هو‬
‫السإال األول واألخٌر ‪ ...‬اعرؾ نفسك تعرؾ ربك ‪ ...‬ال مقارنة وال‬
‫تشبٌه وال تنظٌر ‪ ...‬ال أنا أفضل وال أنت أقل من هذا الواقع نرى الحق‬
‫بعٌن الٌقٌن ومباشرة دون لؾ ودوران‪ ,‬حٌث ال تؽٌٌر فً خلق هللا وال فً‬
‫االتجاه والتضلٌل بل عٌش الرإٌة كما هً فً حٌاتً وفً هدؾ وجودي‬
‫فً هذا الوجود وكل كابن ٌعرؾ هذا الحق إذا استمع إلى قلبه وكان صادقا ً‬
‫مع نفسه‪ ,‬وما أراه الٌوم فً حق المجرم هو دلٌل واضح وصرٌح بؤننا ال‬
‫نزال فً أسفل السافلٌن من الحضارة اإلنسانٌة ومن الثقافة وعٌش القٌم‬
‫الروحٌة ‪ ...‬كلنا نعلم بؤن هللا هو أرحم الراحمٌن ورحمته وسعت كل شًء‬
‫ولماذا لم نرحم المجرم ؟ من أنا ألحكم علٌه ؟لماذا ارتكب هذه السرقة أو‬
‫هذه الجرٌمة ؟ لماذا ال نتعرَّ ؾ على األسباب ؟‬
‫نعم أكثر الناس بحاجة إلى عناٌة ورعاٌة رحٌمة واإلساءة ال تعالج‬
‫باإلساءة والسجن لٌس هو الجواب لحل هذه المشكلة بل هو السبب لنمو‬
‫الدهاء والمكر والجرابم ‪...‬‬
‫علٌنا إن نؽٌرّ وجهة النظر ونرى الحق بعٌن البصر ونحوّ ل السجون إلى‬
‫دار للصحة الجسدٌة والعقلٌة كما نرى فً الٌابان ‪ ...‬السجن أفضل من أي‬
‫مصح أو فندق لبلهتمام بؤهل الجرابم والعبلج ٌبدأ بالجسد من حٌث التؽذٌة‬
‫السلٌمة وٌنتهً بالعقل حٌث العلوم المهنٌة والفنون على أنواعها حسب‬
‫رؼبة اإلنسان ‪ ..‬ومن هذه الخطوة نتصل باألخبلق وبالروحانٌات وبالت ّدٌن‬
‫وبالتوحٌد مع الوجود وبالعودة إلى الصلة باألصول‪ ,‬وهذا هو اإلنسان ‪...‬‬

‫‪113‬‬
‫سر الحٌاة والموت‬
‫سإال ٌحٌرنً ‪ ...‬أختً حصل لها حادث سٌّارة وال تزال فً حالة‬
‫مستعصٌة أي ال تتحرك وال ترى وال تسمع وال تتكلم وتعٌش فً العناٌة‬
‫الفابقة ‪...‬هل الموت هو الحل ؟‬
‫هذا سإال أساسً فً حٌاتنا الذي ٌثٌر الكثٌر من الناس حول العالم ‪...‬‬
‫أختك تعٌش فً العناٌة‪ ...‬هل هذه هً الحٌاة ؟ هل ال تزال عابشة وحٌة‬
‫ونشٌطة؟‬
‫من أٌن أتت كلمة تعٌش ؟ نعم من المعاش أي من الراتب ‪ ...‬أي المال هو‬
‫مصدر الرزق وأختك مصدر الرزق فً "العناٌة الفابقة"‪ ..‬هل ستفٌق فً‬
‫هذه العناٌة والرعاٌة ؟ وإذا فاقت أي "وعٌت " ستكون مصدر فاقه أي‬
‫مصدر فقر بالنسبة ألصحاب التجارة باسم الطب والشفاء ‪ ....‬أختك‬
‫مصدر رزق للؽٌر ومصدر عذاب لنفسها وألهلها وأٌن الرحمة ؟ وأٌن‬
‫الحل؟ منذ أجٌال وأجٌال ونحن ال نزال فً دهالٌز الجهل والخوؾ وبنوع‬
‫خاص الخوؾ من الموت وعلٌنا أن نتجنب الموت ألنه من الشٌطان وأما‬
‫الحٌاة فانها من هللا حتى فً مهنة الطب كل متخرّ ج من الجامعة ٌحلؾ أي‬
‫ٌقسم باهلل العظٌم بؤنه سٌساعد كل مرٌض على الشفاء ال على الموت وهذا‬
‫ٌمٌن أبوقراط أي أول طبٌب فً مهنة اإلنسانٌة ‪ٌ ...‬حلؾ وٌتحالؾ مع‬
‫حلفابه التجار بنشر األمراض وبٌع األدوٌة وبناء المستشفٌات ودعم جمٌع‬
‫وسابل الدمار للحفاظ على اإلنسان وللرعاٌة الفابقة التً تخدم الموت باسم‬
‫الحٌاة ‪ ...‬هذا ال َق َسم كان صالحا ً أٌام زمان عندما كانت األطفال تموت‬
‫بنسبة قوٌة ‪ ..‬منذ خمسة آالؾ سنة كان عدد سكان العالم مابتا ملٌون نسمة‬
‫الٌوم الهند وحدها تعد بلٌون إنسان ‪ ...‬منذ ألفً سنة إلى الٌوم اإلنتاج‬
‫البشري أصبح خمسة ببلٌٌن نسمة والطب ٌزداد بشكل مروع وهابل وهمّه‬
‫الوحٌد إطالة عمر اإلنسان ‪...‬ال للموت ونعم للحٌاة ال للموت نعم للحروب‬
‫‪..‬‬
‫نصارع الموت بالموت واألمراض باألمراض والدمار بالدمار واإلساءة‬
‫باإلساءة وأٌن هو الحل ٌا صاحب العقل ؟‬

‫ما هو عمر اإلنسان ؟‬

‫‪114‬‬
‫عمر اإلنسان لٌس بعدد السنٌن التً نحٌاها بل بالحٌاة التً تحٌا فٌنا على‬
‫مر السنٌن ‪...‬اسؤل نفسك؟ ماذا فعلت حتى اآلن؟ هل أنت حًّ ؟ ما هً‬
‫الحٌاة بالنسبة لك ؟ هل أنت جسد ال ؼٌر؟ إذا كنت صادقا ً مع نفسك وتعلم‬
‫وتدرك معنى وجودك فؤنت فً الدنٌا أعمى وفً اآلخرة أعمى ومعا ً ننتظر‬
‫ساعة الدفن ألننا أموات هنا وهناك ‪ ...‬وال نعرؾ الحٌاة أو الموت‪...‬‬
‫همنا الوحٌد اطالة عمر الجسد أو عمر اللسان والجنس ‪ ..‬مؤكل مشرب‬
‫منكح ‪...‬‬
‫هذا هو الشعار األصح والصالح لهذا اإلنسان الطالح ‪ ...‬والحمد هلل العمر‬
‫ٌمتد اآلن وهللا ٌزٌدك بالعمر المدٌد لتزداد قو ًة ونشاطا ً بالعضبلت وبنوع‬
‫خاص بالعضل المجٌد لزٌادة اإلنتاج البشري ألنه هو الوحٌد الذي ٌسبب‬
‫هذه الحروب وهذه الدروب لتؽنً الجٌوب ولتمٌت الشعوب‪ ,‬علم الٌوم‬
‫ٌإ ِّكد لنا بؤن اإلنسان ٌمكن أن ٌحٌا على األقل ثبلثمابة سنة إذا اهتم‬
‫بالتؽذٌة السلٌمة للجسد وللفكر وللروح ولكن هذه النعمة لٌست ألصحاب‬
‫الجهل بل للفعل السلٌم الذي ال ٌهتم بزٌادة األعداد البشرٌة بل بالعّدة‬
‫اإلنسانٌة ‪..‬‬
‫اإلنسان نوعٌة إلهٌة ولٌس كمٌة لهو عشوابٌة ‪ ...‬ماذا سنفعل بالعمر المدٌد‬
‫المزٌد من الحروب واللؾ والدوران فً حٌاتك المملّة والمتكررة ؟؟ علٌنا‬
‫أن نفكر فً نعمة الموت ألنها نعمة من نعم هللا ولٌست نعمة شٌطانٌة كما‬
‫نعتقد ‪ ...‬على اإلنسان أن ٌتحرر من عقابد أهل السلطة ‪ ...‬حٌاتك ملك‬
‫ضمٌرك وأنت الحكم على مصٌرك‪.‬‬
‫ان وضع هذه األخت ٌقرره األهل ألنها فً حالة موت سرٌري ولكن علٌنا‬
‫أن نكتب وصٌتنا ونقرر فٌها قدرنا ‪ ...‬إذا وصل بنا الببلء إلى هذا الحد‬
‫نستودع هللا حٌث ال تضٌع ودابعه ونستؽفر من أنفسنا ومن األهل ومن‬
‫المجتمع ومن العالم ونقرر الرحٌل بالموت الرحٌم ‪ ...‬هذا موت شرعً‬
‫حسب شرٌعة القلب الحً والعقل العاقل ‪..‬هناك وسابل سلٌمة دٌنٌة أي‬
‫أدعٌة ٌعرفها أهل البدو و الفطرة وعلى المصحات أن ٌكون عندهم أجنحة‬
‫خاصة لهإالء األخوة والموت حق وحٌاة أبدٌة‪ ...‬أي انتقال من حال إلى‬
‫حال بسكٌنة وشكر وسبلم مع الرعاٌة الطبٌة البلزمة استودعكم هللا حٌث‬
‫ال تضٌع ودابعه ‪ ...‬و كلنا أحٌاء مع الحً ‪...‬‬
‫عندي اقتراح أو رأي خاص وهو على كل مصح أو مشفى أن ٌخصص‬
‫جناح للموت ونسمٌه بٌت الحق الن الموت حق ومنذ الوالدة ونحن نسٌر‬
‫نحو هذا الهدؾ وفً هذا الجناح نتعلم التؤمل أي االستعداد لهذه الرحلة‬
‫وهً رحلة الحج الحقٌقٌة وبالتؤمل نحٌا نعمة االنتقال ونتعرؾ على أنفسنا‬

‫‪115‬‬
‫وعلى القٌم الروحٌة التً لم نعرفها فً حٌاتنا ومن أهم التعالٌم بؤننا نعلم‬
‫سر الموت حٌث ال ذنب وال خطٌبة إذا طلبنا الرحمة فً االنتقال‪ ,‬وهذه‬
‫تجربة ولٌست فرٌضة أو شرط ولكن بدالً من االنتحار نستطٌع أن نختار‬
‫طرٌقة اسلم ونستؽفر ونستسلم ونحٌا أفضل األٌام فً حٌاتنا ونتعرؾ على‬
‫أنفسنا وان ننهً حٌاتنا ألعلى صلٌب بل فً درب الحب وبعد فترة من‬
‫التجربة بإمكانك أن تؽٌّر رأٌك وتترك المصح وتعود إلى حٌاتك ‪...‬‬
‫القصد من بٌت الحق أن نتعرؾ على الموت ألنه مسٌرة حٌاتنا وٌمكننا أن‬
‫نرحل بابتسامة ورضا ولماذا العذاب فً سبٌل الموت؟ أٌن الرحمة ٌا أهل‬
‫الحٌاة؟ واإلنسان الذي عرؾ معنى الحٌاة عرؾ معنى الموت ولكننا كما‬
‫ٌقول السٌد المسٌح‪ ...‬دعوا األموات ٌدفنون بعضهم البعض‪ ...‬الٌوم شركة‬
‫الدفن تهتم بنا من الحضانة إلى الجامعة والى الشؽل والى األخبار حتى‬
‫نهاٌة عدد العمر ‪ ...‬صلواتنا الخمس هً ‪ ..‬أكل ‪ ،‬شؽل ‪ ،‬جنس ‪ ،‬نوم ‪،‬‬
‫دفع ضرابب‪...‬‬
‫هذه هً الطرٌقة إلى الحٌاة الممٌتة من المهد إلى اللحد ‪ ...‬ونوعٌة هذه‬
‫الصبلة ال صلة لها بالحٌاة إنها مصطنعة ومزٌفة حتى أخر َن َفس وكما‬
‫نحٌا نموت‪ ...‬فإذا لماذا ال نجرب الحب فً الحٌاة وفً االنتقال إلى‬
‫الحٌاة؟؟ ما هً الحٌاة بعد الحٌاة؟ إذا كانت حٌاتً اآلن هً موت فستكون‬
‫كذلك بعد الموت‪ ...‬وإذا كانت حٌاتً مؽامرة جمٌلة ولطٌفة وسعٌدة كذلك‬
‫ستكون الرحلة األبدٌة مع المدٌة‪ ...‬لذلك ادعوك قبل أن تفكر بؤي انتحار‬
‫أو أي إحباط َت َعرَّ ؾ إلى نفسك والى هذا االنفعال الذي ال ٌدوم ألنه مرحلة‬
‫خوؾ وجٌزة ج ّداً وستقبل الموت عندما تعرؾ الحق فً الحٌاة ألنه‬
‫مؽامرة ومجازفة جرٌبة وقوٌة حٌث نتخلى عن الجسد بكل شكر وامتنان‬
‫ونتجلّى فً جلوة الرحمان‪ ,‬ولنفكر معا ً وخاصة فً العالم العربً أن نبنً‬
‫بٌت الرحمة لنرحل فٌه بؤمان إلى بٌت الرحمان‪....‬‬
‫لنتجاوب معا ً فً معنى الموت ‪ ...‬انه نعمه من هللا ولٌس نقمة من‬
‫الشٌطان‪...‬‬
‫وهذه النعمة ال ٌح ّدها عمر الموت بٌن كل َن َفس و َن َفس‪ ،‬وفً حالة الؽٌبوبة‬
‫حٌث الحٌاة خاملة و فً الم ؼٌر معقول وؼٌر محمول ال للجسد فحسب بل‬
‫للفكر و للنفس و للروح وما هو القصد من هذا العذاب؟ الموت رحمة لها‬
‫وراحة لؤلهل‪...‬‬
‫لنفكر معا ً ولنتؤمل بحالة هذه األخت على سرٌر الموت‪ ...‬ال ترى ‪ ...‬ال‬
‫تسمع ‪ ...‬ال تتكلم جمٌع الحواس فً ؼٌبوبة أهً موت ؼٌر معلن بعد‪...‬‬

‫‪116‬‬
‫هذه الحالة من مبلٌٌن الحاالت واألطباء أكدوا بؤنها سوؾ لن تعود إلى‬
‫الحٌاة الن الوعً مات وكذلك الجهاز العصبً الذي ٌحًُ اإلدراك فً‬
‫العقل ٌإكد بؤنها من الممكن أن تبقى عشرات السنٌن على هذه الحالة ومن‬
‫هو المستفٌد؟ من هً الضحٌة؟ ال أحد ٌستطٌع أن ٌساعدها ال األهل وال‬
‫األطباء وال رجال الدٌن وال األدوٌة وال أي أمل إال رحمة هللا‪ ,‬إذا أدركنا‬
‫هذه الرحمة‪ ...‬وأٌن هً الحرٌة التً تقرر المصٌر؟ أٌن هو باب الفرج‬
‫ومفتاح ال َقدَر؟ من الذي وضع القانون؟ من الذي قرر وقال بؤن طلب‬
‫الموت جرٌمة؟‬
‫القانون فكرة شرعٌة منطقٌة ال تعرؾ الرحمة!! هذه الحالة بحاجة إلى‬
‫الموت الرحٌم‪...‬‬
‫علٌنا أن نساهم وان نساند هذه الحالة المنتشرة حول العالم وان نطلب من‬
‫أهل السلطة ورجال الدٌن أن ٌرحموا من فً األرض ‪ ...‬ارحموا من فً‬
‫األرض ٌرحمكم من فً السماء ‪...‬‬
‫نحن بحاجة إلى معاصرة مع الزمن ودعم كل فكرة نبٌلة ولنسؤل األهل عن‬
‫رأٌهم فً الموت الرحٌم لهذه الحالة‪ ,‬وهذا هو التحرر من هذا الموت إلى‬
‫الحٌاة حٌث تحٌى بحواسها فً عالم الحً بجسد حً وفً والدة جدٌدة‪...‬‬
‫الحٌاة ال تموت بل نعمة إلهٌة أبدٌة ننتقل من ممر إلى ممر حتى نهاٌة‬
‫الدهر حٌث الحٌاة األزلٌة مع األزل‪...‬‬
‫موت شقٌقتك لٌس مصٌبة أو فاجعة ولكن بركة ونعمة‪...‬‬
‫هذا هو رأي واقتراحً للمشاركة فقط ال للفرض بل علٌنا إن نتحاور مع‬
‫نظام الدولة و نتداول معا ً لسبلمة الشعب ولسبلمة أنفسنا من التجارة‬
‫باألجساد‪ ...‬اإلنسان أصبح سلعة لخدمة من؟ البشر فً خدمة الحجر‪...‬‬
‫حفاة عراة نتطاول فً البنٌان!!؟ الصحوة أٌها اإلنسان!!!‬
‫ما هو الحل القانونً واإلنسانً؟‬
‫الحل فً تحدٌد النسل وفً الموت الرحٌم‪ ...‬إن َق َسم أبو الطب ؼٌر صالح‬
‫لهذا الزمان‪ ،‬علٌنا إن نقدم َق َسم لرحمة المرٌض ولرحمة الطفل أٌضا‪...‬‬
‫الٌمٌن الذي ٌساعد اإلنسان على العٌش اإلنسانً أي فً حٌاة سلٌمة‬
‫وجمٌلة وبحبوحة كرٌمة‪ ,‬وهذا هو العٌش الكرٌم ولكن أن تساعده لكً‬
‫خدمة ألصحاب األدوٌة والمستشفٌات هذه جرٌمة ال‬ ‫ً‬ ‫ٌتنفس اصطناعٌا ً‬
‫تؽتفر‪...‬‬
‫الحٌاة لٌست َن َفس ومن األفضل أن نساعده لقطع هذا النفس وهذه هً‬
‫الرحمة‪ ...‬خدمة الحٌاة أم خدمة الموت ال فرق فً الرحمة‪ ,‬أفضّل إن‬
‫اذهب إلى مساحة حٌث المدى األبدي والمدد اإللهً وهذه هً الحٌاة‪...‬‬

‫‪117‬‬
‫على كل بلد إن ٌساهم فً قانون تحدٌد النسل والموت الرحٌم وهذا الوداع‬
‫هو احتفال ولقاء أخٌر مع األصدقاء حٌث خطبة الوداع والودٌعة وٌعود‬
‫بكل رضً وتسلٌم إلى البٌت األخٌر وهذا القرار هو من حقك أٌها‬
‫المرٌض‪ ,‬حٌث ال شفاء من هذا الببلء إال بعودة الجسد إلى التراب‬
‫وروحك إلى الخالق‪ ...‬عالم الٌوم مزدحم بالسكان وباألمراض وبالف ّقر‪,‬‬
‫والحل؟‬
‫منع الحمل والسماح بالموت الرحٌم للحاالت المستعصٌة رحمة بهإالء‬
‫المرضى وبالشعب‪ ...‬مبلٌٌن من الناس ٌعٌشون فً المستشفٌات وفً‬
‫الشوارع خوفا ً من الموت وطمعا ً فً زٌادة عدد السكان أو عدد العبٌد‪...‬‬
‫اإلنسان عدة وعابد ولٌس عدد مستهلك ومستعبد ومستبعد لخدمة المعبد‬
‫الحجري المستهلك من قبل أهل السلطة المتحكمٌن بالشعوب لخدمة الذنوب‬
‫ت أٌتها الرحمة من هإالء المجرمٌن الجهلة؟ الرحمة‬ ‫والجٌوب‪ ,‬وأٌن أن ِ‬
‫تصرخ وتهمس وتنادي وتقول ٌا أصحاب القلب و العقول حد ّدوا الوالدة و‬
‫و ّدعوا االبادة‪ ,‬ولنعود إلى الحٌاة السلٌمة حٌث ال فقر وال مرض وال‬
‫جرٌمة بل العقل السلٌم فً الجسم السلٌم عندبذ نحٌا ونتنفس ونعمل بتعقل‬
‫وبتو ُّكل ولٌس بالتوسُّل وبالتسول‪ ...‬لنا الخٌار فً الرحٌل أي فً العودة‬
‫إلى بٌت هللا حٌث ال ألم وال ؼٌبوبة بل أحٌاء عند ربهم ٌرزقون‪ ,‬والرزق‬
‫عند هللا أفضل من الخنق فً مصحّ ات الموت الرجٌم ‪ ...‬عندما نرى بان‬
‫الجسد ال ٌستطٌع أن ٌتنفس طبٌعٌا ً علٌنا أن نساعده فً الخبلص من هذا‬
‫القصاص‪ ...‬هذا الخٌار من حقهم الشخصً‪ ...‬لجسدك علٌك حق‪...‬‬
‫هل لنا الحق بان نتصرف بما ال نعرف؟‬

‫و من منعك من المعرفة؟ تعرؾ على جسدك وأنت صاحب القرار فً أي‬


‫خٌار‪...‬‬
‫من حقك أن تكتب وصٌتك وتتصرؾ بجسدك حسب رؼبتك أنت ولٌس‬
‫حسب أوامر األطباء أو رجال الدٌن أو اهلك الجاهلٌن‪ ...‬الموت ألسرٌري‬
‫ٌدعم مٌزانٌة المستشفى دون شفاء أي مرٌض‪ ,‬وما هو الهدؾ من عذاب‬
‫هذه األجساد المٌتة سرٌرٌا؟‬
‫طبعا ً السبب مادي ومعروؾ عالمٌا ً بان مافٌا األدوٌة هً نفسها شركات‬
‫األسلحة والدمار والعمار وتجار الجنة والنار‪ ...‬لماذا هذا التداخل فً أمور‬
‫ال تخدم إال الدوالر؟ لماذا ال نتركهم ٌرحلون بسبلم إلى عالم السبلم؟ انهم‬
‫أموات ونحن نفرض علٌهم الحٌاة بالقوة وحوّ لنا المصحات إلى مقابر‬
‫لخدمة أهل المصالح ولو على حساب العذاب لهإالء األحٌاء األموات‪,‬‬

‫‪118‬‬
‫وهل هذه تعتبر خدمة إنسانٌة؟ أو رحمة إلهٌة؟ إنها مجرد ظلم ورجمة‬
‫مادٌة ال ؼٌر‪...‬‬
‫لنساعد هإالء الناس على الموت الرحٌم والعٌش بدون جسد وألم ونزاع‬
‫وصراع‪ ,‬بل العودة إلى البٌت حٌث الراحة مع ارحم الراحمٌن‪...‬‬
‫ولكن عقل الٌوم هو هذا القانون والجاهل الذي ال ٌزال متمسكا ً بالتقالٌد‬
‫البالٌة حٌث ال حقٌقة وال حٌاة إنها خٌال الماضً لتعذٌب اإلنسان باسم‬
‫اإلنسانٌة‪...‬‬
‫اقتراحً الشخصً هو تحرٌر أختك من جسدها ألنه أصبح سجنا ً لها‪ ,‬وإذا‬
‫فعبلً نحبّها نودعها بدمعة وبشكر وبحزن وبصبلة لنعود إلى دار الحق‬
‫وهناك نتؤمل ولها الخٌار فً قرارها‪ ,‬علٌنا أن نصرخ علنا ً ونزأر كاألسد‬
‫ونطالب بحقوق الجسد حٌث الحٌاة بحق والموت بحق‪...‬‬
‫وأٌن هو الموت؟ إن لبّ القلب ٌعلم علم الٌقٌن بؤن ال موت بل نموت بالنمو‬
‫السماوي الصمدي والسرمدي أي ذوبان قطرة الماء فً فناء البقاء مع‬
‫الحً القٌوم‪ ,‬وهذا هو مقام جمٌع مخلوقات هللا ‪ ...‬ال والدة و ال موت بل‬
‫زٌارة حج من مقام إلى مقام حتى قٌام الساعة‪ ,‬واالن هً ساعة الزمان‬
‫والمكان أٌها اإلنسان‪...‬‬
‫ان أعنؾ فكرة فً تربٌتً المسٌحٌة هً عدم األنانٌة أي محبة الناس أهم‬
‫من محبة النفس‪ ,‬و االن أتذكر هذه الرؼبة واشعر بمحبة الذات وبمواجهة‬
‫الذنب والحٌرة واالرتباك وال اعرؾ كٌفٌة التصرؾ؟‬
‫جمٌع الدٌانات سببت أذى كبٌر فً نمو اإلنسان ولكن المسٌحٌة بنوع‬
‫خاص هً األكثر إساءة لئلنسانٌة ألنها استخدمت عبارات جمٌلة إلخفاء‬
‫األعمال البشعة ضد اإلنسان‪...‬‬
‫فكلمة الؽٌر أنانً هً إهانة فاضحة ضد معرفة النفس‪ ...‬المسٌح ٌقول‬
‫أحب قرٌبك كنفسك والمسٌحٌة تقول "ابتعد عن األنانٌة وعن محبة األنا‬
‫والنفس والذات وأحب العالم‪ ,‬وهذا ما فعله المسٌح من اجلنا ومات وصلب‬
‫وتعذب فً سبٌل محبة الناس"‪.‬‬
‫هذه الكذبة والخدعة ال تزال فً العالم منذ ألفً سنة وسقراط ٌقول "اعرؾ‬
‫نفسك أوالً والباقً شًء ثانوي" والحبٌب ٌقول "نفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم‬
‫أخً ومن عرؾ نفسه عرؾ ربه"‪ .‬معرفة النفس هً الؤلنانٌة هً معرفة‬
‫كل نفس وكل ضمٌر وكل إنسان وهذا هو التوحٌد‪ ...‬اإلنسان لٌس جزٌرة‬
‫بل قارة ولكن بدون أن اعرؾ نفسً ال أستطٌع أن اعرؾ أخً أو قرٌبً‪,‬‬
‫وهذا ما تفعله المسٌحٌة باستخدام كلمات دٌنٌة لؽاٌات مادٌة‪ ...‬إنها لعبة‬
‫خطرة للتحكم باإلنسان ‪...‬إذا قلت لك كن أنانً أوال وأحب نفسك وتعرؾ‬

‫‪119‬‬
‫على ذاتك وكن فخوراً بوجودك ودافع عن هذه النعمة وأحفظها واعتز بها‪,‬‬
‫والثقة بالنفس هً أساس الثقة بخالق النفس والى ما هنالك من تقدٌر‬
‫واحترام واعتزاز فً معرفة الذات‪...‬‬
‫حتما ً هذه التربٌة لٌست دٌنٌة أو روحٌة مقبولة اجتماعٌا ً بل مرفوضة‬
‫وبنوع خاص من رجال الدٌن‪ ...‬لماذا؟ ألنهم زرعوا فً أفكارنا بؤن فكرة‬
‫األنانٌة هً ؼٌر دٌنٌة‪ ,‬ولكن إن لم أكن أنانٌة ألتعرَّ ؾ على نفسً فاألنانٌة‬
‫مستحٌلة وهً نتٌجة معرفة النفس‪ ...‬أي إن لم أكن أنانٌة وأتعرؾ على‬
‫نفسً المعرفة الكافٌة ومنها أنطلق إلى معرفة االخر‪ ,‬وإال سوؾ أبقى‬
‫جاهلة بنفسً وباالخر‪ ...‬اعرؾ نفسك أوالً ٌا إنسان وهذه هً أول خطوة‬
‫فً رحلة العرفان لئلنسان‪...‬‬
‫ومن هنا تبدأ الفضٌلة ال طمعا ً بالجنة وال خوفا ً من جهنم بل لعٌش الفطرة‬
‫الطبٌعٌة وهً البلأنانٌة المطلقة‪...‬‬
‫ولكن المسٌحٌة وضعت العربة أمام الفرس‪ ...‬أي توقفت الحركة وتعرقل‬
‫السٌر‪...‬‬
‫األحصنة جامدة ألن العربة احتلت مكان الفرس وان لم تكن الفرس فً‬
‫المقدمة من الذي سٌجر وٌسحب العربة؟ تقرٌبا ً كل إنسان مسٌحً عندما‬
‫ٌبدأ بالتؤمل ٌشعر بالذنب‪ ...‬العالم بؤسره ٌمر بالصعوبات و الفقر و الجوع‬
‫و الحرب و األمراض المستعصٌة وأنا أتؤمل؟ هذه أنانٌة بشعة وشرسة‪...‬‬
‫علًّ أن أساعد الفقراء والمرضى والمتشردٌن قبل نفسً‪...‬‬
‫ولكن حٌاتً قصٌرة ومحدودة وكم عمل ؼٌر أنانً أستطٌع أن أقوم فً‬
‫حٌاتً؟ وأٌن هو الوقت للتؤمل؟ و مهما خدمت وساهمت‪ ,‬األمراض‬
‫الجدٌدة ستنمو والحروب مستمرة وهل الحل بخدمتً لهإالء الضحاٌا؟‬
‫إحدى األمهات كانت تقول لولدها الصؽٌر " ال تكن أنانً‪ ..‬ألبلأنانٌة هً‬
‫من جوهر دٌننا‪ ...‬علٌك بمساعدة األخرٌن"‪ .‬األوالد عادة أكثر إدراكا من‬
‫الكبار وعندهم مبلحظة فطرٌة حٌث قال لها " هذا أمر ؼرٌب علً إن‬
‫أساعد الناس وهم بدورهم علٌهم إن ٌساعدوننً ولماذا ال نسهِّل العمل‪...‬‬
‫أنا أساعد نفسً وهم ٌساعدون أنفسهم"‪ .‬أساس هذا الدٌن ٌبدو معقدا وهذا‬
‫التعقٌد ؼٌر ضروري وؼٌر نافع"‪...‬‬
‫المسٌحٌة أدانت وال تزال تحكم وتعٌب الدٌانات الشرقٌة لسبب بسٌط أال و‬
‫هو احترامهم لؤلنانٌة‪ ...‬بودا و ماهافٌرا وؼٌرهم من الحكماء كانوا‬
‫ٌتؤملون لساعات طوٌلة فً النهار والمرضى فً المستشفٌات واألٌتام على‬
‫الطرقات والفقراء ٌموتون فً األزقة واألم ترٌزا تساعدهم ونالت جابزة‬
‫نوبل للسبلم و من هو األفضل؟‬

‫‪120‬‬
‫الفكرة واضحة بؤن المتؤمل ال ٌنال جابزة نوبل ألنه لم ٌقم بؤي عمل ؼٌر‬
‫أنانً‪...‬‬
‫المتؤمل أكبر أنانً فً التارٌخ‪ٌ ...‬تؤمل وٌتمتع بصمته وبسبلمة فكره‬
‫وبوعٌه الروحً وأدابه لؤللوهٌة وللحرٌة وهذه كلها محبة لؤلنانٌة‪ ...‬لذلك‬
‫من الصعب على الفكر المسٌحً أن ٌتقبل فكرة التؤمل‪ ...‬الصبلة ضرورٌة‬
‫ولكن التؤمل ضٌاع وقت‪ ...‬النبً محمد ٌقول تؤمل ساعة خٌر من عبادة‬
‫سبعٌن عام والمسٌح تؤمل وحده فً جبل الزٌتون وسٌدنا إبراهٌم تؤمل فً‬
‫الصحراء‪...‬‬
‫الصبلة من أجل األخرٌن فعل مقبول وضروري ولكن التؤمل لخدمة‬
‫المتؤمل فقط وهذا عمل أنانً‪ ...‬واألنانٌة مرفوضة ألن محبة النفس تنبع‬
‫من محبة اآلخرٌن أوال‪...‬‬

‫هل الحكٌم بودا إنسان متدٌن؟‬

‫ما هو رأي السابل عن هذا اإلنسان؟ بودالم ٌساعد الفقراء وال المرضى‬
‫وال العجزة وماذا فعل؟ لقد استنار‪ ,‬ولكن ماذا فعل بهذا النور؟‬
‫إنها قمة األنانٌة و لكن الشرق عندهم وجهة نظر مختلفة تماما ً عن أهل‬
‫الؽرب‪...‬‬
‫بنظر أهل العقل والمنطق هو رجل كافر وملحد و أنانً‪ ,‬ولكن بنظر أهل‬
‫الذكر والصفاء هو رجل إنسانً‪ ...‬إن الفكر الشرقً ٌعتمد على الحكمة‬
‫ولٌس على المحكمة‪ ,‬أي على اإلنسان أن ٌتجلّى بالصمت الصامد فً‬
‫القلب وبالسبلم النابع من الرحم وباللحن الساكن فً الكٌان وبالنور الذي‬
‫ٌشع من االستنارة‪ ,‬و ما لم ٌتحلّى بهذه التجلٌات فسوؾ لن ٌستطٌع أن‬
‫ٌساعد ؼٌره‪ ...‬أٌها الطبٌب طبب نفسك أوالً‪ ,‬و ٌا أٌها الٌتٌم إن لم تعرؾ‬
‫نفسك أوالً فبل تحاول أن تعرؾ ؼٌرك‪ ...‬إن الفقٌر ال ٌعرؾ النور بل‬
‫ٌتسكع فً الظلمة ومن الخطر أن تساعد الؽرٌق وأنت تجهل السباحة‪ ...‬ان‬
‫فاقد الشا ال ٌعطٌه بل ٌتحدث عنه وكبلمه ال ٌتعدى اللسان واألذان وهذا‬
‫هو حكم الجهبلء وعٌش الببلء مع هإالء الحلفاء‪...‬‬
‫لنقدم عرضا ً جدٌداً و واضحا ً‪ ...‬كن أنانٌا ً واكتشؾ كل ما تملك فً‬
‫نفسك‪...‬‬
‫الفرح والسعادة والنعم والبركات‪ ...‬وبعدها تؤنً األنانٌة وتتبعك كالظل أو‬
‫كالخٌال ألن اإلناء ال ٌستطٌع إال أن ٌنضح بما فٌه وٌشارك بهذه اإللوهٌة‬

‫‪121‬‬
‫النابعة من كٌانه‪ ...‬ان القلب الذي ٌحب وٌرفض النشوة المفعمة بقلبه ال‬
‫ٌستطٌع أن ٌكتبها بل ٌشارك بها األرض والسماء‬
‫ألن الكرم احتل البخل وانتشر العطر بٌن السموات واألرض‪...‬‬
‫ان علم االقتصاد الفكري ٌختلؾ عن علم االقتصاد الروحً‪ ...‬فً علم‬
‫الفكر كلما أعطٌت كلما افتقرت ولكن فً علم الروح كلما أعطٌت كلما‬
‫أؼتنٌت‪ ,‬ألن النمو الداخلً ؼٌر النمو الخارجً‪ .‬ان قوانٌن العالم األرضً‬
‫تختلؾ تماما ً عن قوانٌن العالم الداخلً علٌك أن تتعرؾ على نفسك أوال‬
‫وتتحرر من الفقر ولو كان الفقر رجبلً لقتلته قال الحبٌب‪...‬‬
‫والكرم والعطاء‪ ,‬عندما تعرؾ هذه النعمة ستؽرؾ‬ ‫َ‬ ‫انك الملك وفٌك الملك‬
‫منها وتشارك بها العالم بؤسره وتحرره من جهله ومن فقره‪...‬‬
‫األصح أن تؽتنً وتشارك بهذا الؽناء من أن تكون فقٌراً وتتح َّدث عن‬
‫الكرم وعن العطاء‪ ...‬الؽنً ال ٌتم َّنى المكافبة أو ٌتؤمل بها أو ٌتوقع أن‬
‫تؤتً إلٌه‪ ,‬انه كالوردة التً تنشر عطرها دون أن ترى أو تدرك من الذي‬
‫شاركها هذه النعمة‪ ...‬العطاء هو فرح الحٌاة‪...‬‬
‫ال حبا ً بالشكر وال طمعا ً بالجنة وال خوفا ً من جهنم بل االمتنان ٌعود إلى‬
‫هذا اإلنسان الذي تقبل منك المشاركة ولم ٌرفضها بل منفتح لفرح العطاء‬
‫ولمشاركة اللحن النابع من قلبك إلى قلبه‪ ...‬إن الفكرة المسٌحٌة عن األنانٌة‬
‫هً مجرد ببلهة وؼباء عكس الفكرة الشرقٌة التً تبدأ باألنانٌة أي بمحبة‬
‫النفس واالهتمام بجسدك وفكرك‪ ,‬و من هذا المنطلق ٌنتشر الحق حتى‬
‫سابع جار ودار‪ ...‬و من هذا الذنب تسؤل األخت قابلة " أشعر بالقلق و‬
‫بالذنب و ببلبلة و بفوضى‪ .‬إنها ظاهرة بسٌطة ألن المسٌحٌة خدعت‬
‫المبلٌٌن من الناس إلى الضبلل والحركات المتعصبة لؤلصول الجاهلة‬
‫بمحبة المسٌح وبرحمته‪ ،‬وال تزال ت ّدمر هذا النور فً قلوب األبرٌاء‬
‫البسطاء‪ ...‬إن الفكر المستبد والمتحمِّس هو الذي ٌرفض الحقٌقة وٌتمسَّك‬
‫بالوهم و كذلك فً جمٌع الدٌانات حٌث حرّ فنا حكمة الحكماء و رحمة‬
‫األنبٌاء و نحٌا الجهل و الرحمة والضبلل إلى ٌومنا هذا‪ ...‬نرى فً الهند‬
‫مثبلً حتى الدٌانة الهندوسٌة تؤثرت بتعالٌم الشرٌعة المسٌحٌة وتساعد‬
‫الفقراء من ناحٌة التعلٌم و التؽذٌة و األدوٌة‪ ,‬و هذه الرعاٌة هً ض ّد تعالٌم‬
‫الحكماء أمثال بودا و ماهافٌرا‪ ...‬لم ٌرفضوا المساعدة الجسدٌة ولكن‬
‫ش ّددوا على التوعٌة الروحٌة و النفسٌة قبل الجسدٌة‪ ,‬أي على اإلنسان أن‬
‫ٌتعرؾ على نفسه أوال و أن ٌكون هذا الكابن الحً الذي به تحٌى الحٌاة و‬
‫أن ٌبدأ بالتؤمل‪ ،‬و هذا هو الباب إلى لبّ القلب أي إلى مدٌنة األسرار‬
‫اإللهٌة‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫و هنا ثروة اإلنسان القوي الؽنً بقوة هللا وثروته‪ ،‬و لكن تعلٌم التؤمل لٌس‬
‫حسنة بل فتح المستشفٌات والمدارس لتعلٌم التارٌخ والجؽرافٌة‪ ،‬أي وضع‬
‫الحدود بٌن الوجود وأهل الوجود‪ ...‬هذا هو جهل أهل السلطة وأهل‬
‫الضبلل للعٌش فً الظل وفً الذل‪ ,‬و أٌن نحن من هذا الحقل من الحبلل‬
‫؟؟‪...‬‬
‫ماذا فعلت أمثال اإلرسالٌات حول العالم ؟ ما هً اإلفادة من التارٌخ؟ من‬
‫الجؽرافٌة؟ من الرٌاضٌات؟ أٌن الحسنة من هذه العلوم؟‬
‫لماذا ال نعلم التؤمل والصمت؟ السبلم والمحبة والفرح؟ اإلدراك والوعً‬
‫والمراقبة؟ محبة النفس؟ التوحٌد مع الطبٌعة ومع جمٌع المخلوقات؟ لماذا‬
‫جمٌع الدٌانات تؤثرت بتعالٌم المسٌحٌة فً نشر الحسنات؟ ما هٌة المصلحة‬
‫الفكرٌة من هذه اإلرسالٌات؟ ما هً رسالة هإالء المبشرٌن فً األرض؟‬
‫لماذا ؼاندي تؤثر بتعالٌم المسٌحٌة ال بالمسٌح؟‬
‫لماذا الدستور الهندوسً لم ٌذكر كلمة تؤمل؟‬
‫إن التؤمل هو هدٌة الشرق إلى الؽرب وهذه الهبة هً المساهمة الروحٌة‬
‫من الحكماء إلى العلماء‪ ,‬و هً أؼلى جوهرة ق َّدمها القلب إلى العقل‪ ,‬ولكن‬
‫ما نراه فً دستور أهل الشرق هو الفكر الؽربً المستمد من السلطة‬
‫المادٌة لنشر تعالٌم اإلرسالٌات المدنٌة ال الرسالة الدٌنٌة التً تعكس روح‬
‫المسٌح و بودا و كبٌر و ؼٌرهم من الحكماء و األولٌاء و األنبٌاء‪...‬‬
‫ال أستطٌع أن أرى أي إحسان ال ٌنبع من قلب ٌحب التؤمل وٌختبر الرحمة‬
‫وٌشارك بعطرها أهل الدنٌا واآلخرة‪ ...‬هذه هً رسالة هللا لخلقه وأٌن نحن‬
‫من هذه النعمة؟‬
‫اترك الذنب جانبا ً و تقبل نفسك كما أنت و ال تكن ضحٌة الماضً و ال‬
‫أمل المستقبل بل بالتؤمل نفتح باب القلب و ندخل إلى محراب الحب‪...‬‬
‫وأنت أٌتها الفتاة المسٌحٌة كونً مسٌحا ً و هذه هً طبٌعة و فطرة كل‬
‫إنسان‬
‫كونً ال أنانٌة بالتعمق باألنانٌة ‪ ...‬األنانٌة الصادقة مفتاح إلى البلأنانٌة‬
‫الصادقة‪...‬‬
‫كونً ؼنٌة من الداخل لٌفٌض هذا النور ولٌنشر نوره للعالم‪...‬‬
‫طوبى للفقراء إلى هذه الثروة الداخلٌة و منها تنبع و تفٌض و تتمرد على‬
‫الفقر الفكري و العقلً و النفسً و نسمو من النفس اللّوامة إلى النفس‬
‫الراضٌة المرضٌة والشفافة بالنور األبدي والسرمدي‪...‬‬
‫لننظر معا ً إلى هذه الؽٌوم التً تمطر علٌنا هذه األمطار التً حملتها فً‬
‫قلبها لتنشرها على األرض دون تفرقة أو أي رؼبة‪ ...‬من أٌن أتت هذه‬

‫‪123‬‬
‫األمطار؟ لماذا لم ترفضها؟ لماذا أحبت نفسها قبل أن تحب األرض و أهل‬
‫األرض؟ إن أنانٌة الؽٌمة هً الرحمة الساكنة فً كل نٌة‪ ,‬وهذا هو منطق‬
‫الحق فً محبة األنا لخدمة األنا‪ ...‬جمعت األمطار فً نفسها أوال لتنشرها‬
‫من نفسها إلى كل نفس‪ ...‬كم من البشر ٌرحمون األرض بنشر المصحات‬
‫و بناء المعابد و المساجد و المدارس و الكتب و الؽذاء و األدوٌة و جمٌع‬
‫وسابل الحٌاة لخدمة اإلنسانٌة؟؟ هذه نواٌا سلٌمة و أمنٌات جمٌلة لخدمة‬
‫الفقراء و األٌتام و لتوزٌع األلبسة و األدوٌة و الطعام‪ ,‬و لكن نظرتً‬
‫تختلؾ عن نظرتهم فً المساعدة‪ ...‬أساهم فً نشر وتوزٌع حبوب منع‬
‫الحمل و تحدٌد النسل لتخفٌؾ الفقر و دور األٌتام‪ .‬ولكن أكثر الدٌانات‬
‫تشجع فً زٌادة األعداد و اإلنتاج العددي لدعم السلطات الدٌنٌة‪ ,‬انشر الداء‬
‫أوال و من بعده انشر الدواء لخدمة اإلنسانٌة و لدعم المسٌحٌة بنوع‬
‫خاص‪ ...‬هذه هً السٌاسة الدٌنٌة حول العالم للتحكم بالعالم‪ ...‬المذهب‬
‫البلأنانً هو توزٌع األدوٌة ولو كانت سامة و لكنها تساهم فً نشر‬
‫اإلحسان على حساب اإلنسان‪ ,‬و على دعم األندٌة العالمٌة التً هً‬
‫بدورها تدعم الفاتٌكان و تنشر جوابز السبلم على أهل الرحمة و السبلم و‬
‫تمنع تحدٌد النسل و اإلجهاض و تشجع زٌادة عدد السكان لخدمة السبلم أو‬
‫السبلح كما هو متاح ومسموح حول الكرة األرضٌة إلرضاء أهل المال‬
‫والضبلل‪.‬‬
‫شعارنا هو خدمة اإلنسان و هذه هً مسٌرة الدهاء و الببلء‪ ...‬الرإٌة‬
‫الجدٌدة للسبلم و هً التؤمل لصحوة الضمٌر و هذه هً الخطوة األولى‬
‫لنزع الخوؾ و السبلح و لننشر المحبة و السبلم‪ ,‬و من بعد هذه الخطوة‬
‫ندخل فً الجلوة و نحٌا الرحمة التً تنبع من النفس الراضٌة المرضٌة إلى‬
‫الرضى و التسلٌم ألمر القادر على قدر اإلنسان‪ ...‬عندبذ أعقل و توكل و‬
‫هذا هو فعل التؤمل حٌث ال ألم بل األمل بالرحمة و بالسبلمة مع جسم سلٌم‬
‫و عقل سلٌم لننشر السبلم حول العالم‪...‬‬
‫أعود و أكرر قراري‪...‬‬
‫كن أنانً أٌها اإلنسان و من هنا تبدأ مسٌرة المشاركة باالأنانٌة ال طمعا ً‬
‫بالجنة و ال خوفا ً من جهنم بل حبّا للحب النابع من لبّ القلب‪ ,‬و هذا هو‬
‫اإلسبلم اإللهً حٌث قال الحبٌب‪...‬‬

‫ال تستبنّ اإلسبلم نسبة لم ٌنسبها أحد قبلً‬


‫اإلسبلم هو التسلٌم‬

‫‪124‬‬
‫و التسلٌم هو الٌقٌن‬
‫و الٌقٌن هو التصدٌق‬
‫و التصدٌق هو اإلقرار‬
‫و اإلقرار هو األداء‬
‫و األداء هو العمل‬
‫و اإلسبلم قول و عمل‪...‬‬
‫ما هو قولً؟ ما هو عملً؟ ما هً نٌتً ودٌتً وفدٌتً؟‬
‫علًّ أن أرحم نفسً أوال وأن أتعرؾ علٌها وأؼرؾ من هذا النبع االلهً‬
‫وأؼور وأفور وأشارك الجار فً الجنة و فً النار‪...‬‬
‫و هذا هو القرار الذي اختاره‬
‫القلب الذاكر فً الدنٌا و فً اآلخرة‪...‬‬
‫و معا ً سنبقى فً حسن الجوار‬
‫على سرر متقابلة نستقبل الحق بالحق‬
‫و النور بالنور مدى الدهر برحمتك‬
‫ٌا ارحم الراحمٌن‪...‬‬

‫‪125‬‬
‫الشفاء بالرحمة‬
‫و الرحمة هً الشفاء‪....‬‬
‫صوَّ رنا الخالق فً األرحام ولكن المجتمع صورنا فً األرقام وأصبح كل‬
‫م ّنا رقم مثالً وال أيّ أحد م ّنا واقعً‪ ...‬إنّ "المثل األعلى هو المرض‬
‫العام فً اإلنسانٌة‪ ،‬هذه هً جرثومة األمة‪ ...‬من م ّنا اإلنسان الممٌز‬
‫للمستقبل؟ ما هً صفات الكمال التً تبلبم مواصفات العمل الكامل الشامل‬
‫لرجل األعمال؟‬
‫هذه األمنٌة هً سبب التوتر والضؽط ألننً أتمسَّك بحلم ال ٌتناؼم مع‬
‫طبٌعتً ولكن هذا ما فُرض علًّ من األهل ومن المجتمع لخدمة السٌادة‬
‫والحرٌة والوطن‪...‬‬
‫وأٌن هو المواطن؟ أٌن أنا فً هذه المسٌرة اإللهٌة؟ خل َقنً ألكون خلٌفة له‬
‫ال حلٌفة للدنٌا‪...‬‬
‫خلقنً ألكون على صورته ومثاله ال ألكون الرقم األول فً ُ‬
‫المثل الدنٌوٌة‬
‫لخدمة الدرهم والدٌنار والدوالر!!! خلقنً ألتعلَّم من رسالة الرسول ال من‬
‫سٌاسة ودناسة أهل البترول‪.‬‬
‫خدمة للنجاسة وأصبح الكذب هو‬ ‫ً‬ ‫ولؤلسؾ نح ُكم وندٌن ونعٌب القداسة‬
‫الصدق والحرب هً الحب والرجمة هً الرحمة‪ ...‬إنقلب اإلنسان من‬
‫التجلًّ إلى التخلًّ‪ ,‬وإذا بالمنطق هو الحق الذي ٌسحب اإلنسان من‬
‫الحاضر إلى المستقبل‪ .‬وهذا هو كابوس النفوس التً تتهافت على كرسً‬
‫الرباسة للحصول على القوّ ة التً تتح َّكم بالتراب ونجهل سرّ أبو التراب‬
‫وهذا هو سبب هذا العذاب الذي ٌجرّ نا من حرب إلى حرب وأٌن نحن من‬
‫هذه المحنة ٌا أهل الرحمة؟؟‬
‫لقد انقلب السِّحر على الساحر والحسد على الحاسد وأٌن أنا من نعمة‬
‫الساجد؟ لنسجد معا ً إلى سٌِّد الوجود ولنج ِّدد عهدنا المعهود مع المعبود‬
‫األبعد من أيّ حدود ووجود ‪...‬‬
‫ٌا إخوتً فً هللا‪ ...‬كل واحد م ّنا إنسان مح َّدد بزمان ومكان لظرؾ معٌَّن‬
‫وخاص‪ ,‬وعلٌنا أن نقبل هذه المسإولٌة المحدودة‪ ...‬إنّ اإلنسان الذي ٌحلُم‬
‫بالمثالٌة الكاملة هو مهووس فكرٌا ً وعلى شفٌر الهاوٌة‪ .‬كل همّه إرضاء‬
‫رؼباته المثالٌة لٌكون الرجل الصالح والكامل ومن هو الصالح والكامل؟‬
‫الناقص هو الكامل فً نقصه والطالح هو الصالح فً صدقه‪ ...‬إنّ الكمال‬
‫وهم ألن هللا ٌتكامل فٌنا والتؽٌٌر نظام ثابت فً نمو الحٌاة األبدٌة‪ ...‬إنّ‬

‫‪126‬‬
‫النهر ٌنهر مدى الدهر وكذلك ك ّل ذرة وكل سرّ فً هذا الوجود موجود‬
‫ؼٌر مخلوق أي ٌساوي هللا فً الجوهر وٌتؽٌر مدى الدهر‪...‬‬

‫أٌن هو العلم ألكون ما أكون؟‬


‫نحن معا ً ال لنتعلَّم التهذٌب أو القداسة بل الكمال والمحبة‪...‬‬
‫ُكن كامبلً شامبلً وال تهت ّم بالكمالٌات الدنٌوٌة بل ُكن حقٌقٌا ً وهنا‪ ,‬واع َمل‬
‫عمبلً سلٌما ً من ك ّل قلبك وكٌانك أي ك ّل عمل عبادة ٌشِ عّ بالجمال اإللهً‬
‫الساكن فً سكٌنة روحك‪ ...‬هذا هو العمل اإللهً حٌث ال إزعاج وال‬
‫إحراج بل فٌض من محبة القلب إلى القلب‪...‬‬
‫هذه هً البراءة والفطرة وهذه هً الحكمة والحضرة حٌث ال زمان وال‬
‫ماضى وال مستقبل‪ ,‬بل هذه اللحظة التً تمرّ بنا بٌن كل ن َفس‬ ‫ٍ‬ ‫مكان‪ ,‬ال‬
‫و َن َفس حٌث الشهٌق والزفٌر وهذا هو درب الحق إلى المصٌر‪...‬‬
‫ال تملُك إالّ هذه اآلن‪ ...‬ومن هنا إلى هنا درب الهناء والصفاء ومن اآلن‬
‫إلى اآلن مقرّ الزمان أٌها اإلنسان ولماذا القلق والتوتر واإلضطراب؟‬
‫أنت هو الحق وأنت الو َتر ولحن الحب‪ ..‬لنحٌا معا ً هذا السرّ ومعا ً نسٌر‬
‫درب الٌُسر ال درب العُسر‪ ,‬فالشوق إلى الوردة ٌجمعنا بالعطر وبالشوكة‬
‫فالذي شوَّ ك الشجر شوَّ ق البشر وكلنا معا ً نسبِّح هذا الوجود األبعد من أيّ‬
‫حدود‪...‬‬
‫أذ ِّكر نفسً بؤنّ الحٌاة المثالٌة هً درب الصلٌب أي درب العذاب‬
‫واإلزعاج واإلحراج‪ُ ...‬كن بسٌطا ً والبساطة نعمة ألهل الوسط‪...‬‬
‫تذ َّكرت هذه الحادثة‪...‬‬
‫ملطخا ً بالوحل ومعه طف ٌل دون الخامسة من‬ ‫ورأٌت رجبلً َّ‬
‫ُ‬ ‫كنت فً القطار‬
‫ص َر َخت به‬ ‫ٌصفعه على خ ِّده وٌبكً الطفل و َ‬‫َ‬ ‫عمره‪ ,‬وكل بضعة دقابق‬
‫إحدى النساء قابلة له‪:‬‬
‫"لماذا تضربه؟ إذا لم تتوقؾ عن ضربه فسؤعطٌك درسا ً باإلزعاج لن‬
‫تنساه أبداً"‪ ...‬فر ّد علٌها قاببلً‪" :‬إزعاج؟ أنت تعطٌنً إزعاج؟ إسمعٌنً‬
‫جٌداً‪ ..‬شرٌكً فً العمل سرق مالً وزوجتً وهرب بسٌارتً‪ ..‬إبنتً‬
‫حامل ومتشرِّ دة فً الشوارع دون أيّ زوج أو مساعِ د‪ ..‬أمتعتً ضاعت فً‬
‫الطرٌق وأنا فً القطار الخطؤ‪ ,‬وهذا الولد الكرٌه صاحب الرابحة النتنة‬
‫أك َل بطاقة السفر واستفرغ علًّ وأنت ٌا سٌدة تقولٌن لً بؤنك مستعدة‬
‫إلعطابً المزٌد من اإلزعاج؟"‪...‬‬
‫هل هناك المزٌد من اإلزعاج؟ كاؾٍ و واؾٍ ‪ ...‬الحٌاة بح ّد ذاتها مع َّقدة‬
‫وصعبٌ علًَّ أن أكون لطٌفة وحنونة مع نفسً أوالً وال أ ّتبع الطرق‬

‫‪127‬‬
‫المثالٌة ومشاكل الحٌاة كثٌرة ولكنها بسٌطة إذا ك ّنا بسطاء القلوب‪ُ ..‬كن‬
‫جمٌبلً ترى الوجود جمٌل‪ ...‬وإذا كان القطار باتجاه ؼلط ؼٌِّر القطار‪ ،‬وإذا‬
‫ضاعت التذكرة إشتري ؼٌرها‪ ،‬وإذا زوجتك هربت مع رجل آخر أش ُكرها‬
‫وابحث عن إمرأة جدٌدة‪ ...‬المشاكل التً تؤتً من الحٌاة تحلّها الحٌاة ولكن‬‫َ‬
‫تحل ال بالعقل‬
‫المشاكل التً تنبع من األفكار المثالٌة هذه عقوبة أبدٌة ال َ‬
‫وال بالعلم بل بالتؤمل وبالمراقبة‪ ...‬شاهِد أفكارك‪ ..‬هل تحاول أن تكون‬
‫عٌسى أو محمّد؟ أو أمٌرة أو ملكة جمال؟ أو أش َهر جرّ اح أو أؼنى رجل؟‬
‫الطبٌعة ال تسمح باإلستنساخ وال بالتكرار‪ ...‬اإلعادة إبادة‪ ..‬هذا حدث ؼٌر‬
‫طبٌعً ومن المستحٌل أن أكون عٌسى ولكن بإمكانً أن أكون مسٌحا ً‬
‫آخر‪ ...‬عٌسى ابن مرٌم الناصري أصبح عٌسى المسٌح وك ّل إنسان مسٌح‪,‬‬
‫أي ممسوحٌن باهلل ولكن خلَق هللا عٌسى وحٌداً فرٌداً وك ّل مخلوق هو‬
‫وحٌد وممٌز ولٌس كمثله شًء‪...‬‬
‫خلق الخالق فً خلقِه‪....‬‬‫هذا هو سرّ ْ‬

‫ما هو التأمل الكامل؟‬


‫الكامل مٌِّت والشامل حًّ ‪ ...‬الشمولٌة أي أن نحِب من ك ّل قلبنا دون كذب‬
‫وهذه هً محبة األطفال‪ ...‬فإذاً نحن ال نسعى إلى الكمال بل إلى النموّ‬
‫والتؽٌٌر فً طبقات ودرجات السموّ ‪ ...‬ك ّل لحظة هً محبة فطرٌة كما‬
‫نشعر ونشمل ونؽمُر‪ ...‬أُحب هذا القلم وما ٌكتب من خبللنا وما ٌقرأ دون‬
‫أيّ إدانة أو تحكٌم أو ذنب أو ْلوم بل أحبّك كما أنت وكما أحِب نفسً‪...‬‬
‫وهذا هو التؤمل بدون أيّ أمل‪ ...‬الذوبان فً المحٌط أي الموت به و فٌه‪,‬‬
‫وهذه هً الوالدة الجدٌدة والتجدٌد فً ك ّل عمل شامل حٌث ٌُعٌد إلٌنا‬
‫الحٌوٌة وٌحرِّ رنا من العبودٌة أي من أيّ ربط وضؽط فُرض علٌنا من‬
‫الحواجز الشرعٌة حٌث المحبة جزبٌة لمراعاة أهل الرعٌة والراعً‪..‬‬
‫لت ُكن محبتنا شاملة وهذا هو موت الموت‪ ,‬ولكن إذا كانت المحبة فٌها‬
‫محسوبٌة وتحٌُّز فهذا هو الموت البطًء‪...‬‬
‫لننسى كلمة كمال‪ ..‬قداسة‪ ..‬تحسٌن أو تهذٌب‪ ..‬إنها كلمة أو صفات‬
‫إجرامٌة بحق المعنى وفُرضت على أفكارنا لنسعى إلى الكمال وهذه فكرة‬
‫وهمٌة لضبلل اإلنسان عن الصراط المستقٌم‪ ...‬إذا كان هللا هو الكمال‬
‫ُعرؾ ألنه كان كنزاً‬ ‫لماذا لم ٌخلق الكمال؟ لماذا وضع اإلستؽفار؟ خلقنا لٌ َ‬
‫مخفٌا ً‪ ..‬والكنز سرّ ولؽز الشمولٌة التً تتكامل بالنموّ وبالسموّ السرمدي‬
‫أي إلى البلّنهاٌة فً الجبلل والجمال‪ ،‬وهذه هً نعمة الخطٌبة فً ك ّل‬
‫خطوة ومن هنا نحٌا الؽوص حتى نصل إلى الفٌضان واآلن نحن على‬

‫‪128‬‬
‫حافة هذا البركان من فٌض هذه األسرار اإللهٌة أي الحروب والدمار وما‬
‫نراه عبر الزمان واآلن‪ ...‬هذا هو مٌزان الطبٌعة لبناء اإلنسان فً اتجاه‬
‫الشمولٌة أي محبة دون أيّ شروط‪ ...‬هللا لٌس كامبلً بل شامبلً‪...‬‬
‫الشجرة شاملة ولكن الكرسً كامل ال ٌنمو وال ٌحٌا وال ٌموت ولٌس له أيّ‬
‫شؤن‪ ..‬جمٌع دٌانات البشر تقول بؤنّ هللا كامل ولكن دٌن هللا ٌقول العكس‬
‫أي الحًّ القٌوم والتؽٌٌر مستمر بسِ رّ خالقه ومن هنا نرى الهبلل والبدر‪..‬‬
‫اللٌل والنهار واألنثى والذ َكر والخٌر والشر وصفاته ال تصل إلى المابة بل‬
‫تتناؼم دون الوصول إلى الؽلٌان وهذا هو سرّ المٌزان ‪ ...‬سرّ العدل فً‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫العدل هو سرّ البقاء فً آٌة الكرسً‪ ...‬أي الوالدة المستمرة إلحٌاء العدالة‬
‫فً الخٌر وفً الشر و َمن ٌشاهد األخبار البد أن ٌسؤل قلبه‪ ...‬لماذا ٌموت‬
‫األبرٌاء واألشرار ال ٌزالون موجودٌن؟ هذا هو التوازن‪ٌ ،‬عنً ٌقتلون‬
‫الناس فٌُقتل منهم األبرٌاء أٌضا ً‪ ...‬إنّ العٌن بالعٌن والسنّ بالسِ نّ لٌس‬
‫قانون الشرٌعة بل قانون الكون ألنه قابم على التوحٌد‪ ...‬وهنا البد من‬
‫اإلشارة إلى أنّ المسلمٌن ٌجب أن ٌدفعوا الثمن ألنهم لم ٌنشروا اإلسبلم‬
‫بالحب مع ك ّل العلوم الموجودة فٌه بل كان بالفرض‪ ..‬القرآن ملًء‬
‫باألسرار وبالترؼٌب وعندما فتحوا علماء الصوفٌة باب العلم ازدهر‬
‫اإلسبلم وكان فً َأو ّج أوقاته‪ ...‬كانت عندنا العلوم المادٌة والروحانٌة‬
‫وتؤخرنا وال نزال حتى‬‫ّ‬ ‫ولكن أكثر الناس لم ٌقبلوا بها‪ ,‬فقتلوا العلماء‬
‫اآلن‪ ...‬ك ّل إنسان ٌتعلَّم من التجارب‪ ,‬حتى األنبٌاء‪ ...‬العالم بحاجة الى‬
‫علماء األبدان و األدٌان‪ ...‬هإالء العلماء هم ورثة األنبٌاء‪ ...‬علماء‬
‫التوحٌد مع الواحد األحد‪...‬‬
‫َّ‬
‫واهتزت له‬ ‫المسٌح حٌن نظر إلى السماء وقال لت ُكن مشٌبتك‪ ..‬هذه ؼلطته‬
‫األكوان ورقصت معه وتناؼم بها وذاب فً هللا وتحوَّ ل من األنسنة إلى‬
‫قبلها أو لم ٌقبلها واألكوان لٌست‬ ‫األلوهٌة‪ ..‬مشٌبة هللا كانت ستت ّم سواء ِ‬
‫بحاجة لتستؤذن من أحد حتى ٌسمح لها بإجراء مشٌبتها‪ ...‬ك ّل الكبلم مجرد‬
‫خٌال للحقٌقة الساكنة فً سكٌنة لبّ القلب المحِب للمحبوب الواحد األحد ال‬
‫ؼٌر‪...‬‬
‫ولكن أٌن أنا من هذا الحب أو هذه الرحمة؟ لذلك أستخدم الكلمات علّها‬
‫تعبِّر عن القلٌل القلٌل من اإلختبار الذي سبق التعبٌر‪ ...‬إذاً علٌنا أن ال‬
‫نبحث عن أيّ شرٌعة خاصة ألنّ الشرٌعة هً وسٌلة أو سفٌنة لتعبر بنا‬
‫إلى الشاطا األمٌن‪ ،‬وعندما نحٌا األمانة ال نتمسَّك بالوسٌلة أو بؤيّ إناء بل‬
‫بالحقٌقة نفسها أي بالتوحٌد بك ّل شًء ٌعنً فً الحب المطلق‪ ،‬وهذه هً‬

‫‪129‬‬
‫رحمة الرحمن الرحٌم الذي وسعت رحمته ك ّل شًء ولكن تمسَّكنا بشًء‬
‫واحد ٌعرقل وصولنا إلٌها‪...‬‬
‫لنتذ َّكر معا ً مراحل الوصول للفناء أي لرحمة هللا‪...‬‬
‫الطلب ثم العشق ثم المعرفة ثم اإلستؽناء ثم التسلٌم ثم التوحٌد والفناء‪...‬‬
‫إذن علٌنا أن ال نعرقل مسٌرة هذه الرحلة‪ ...‬إنها الحج إلى الحق ولكن‬
‫نتمسك بالمعلومات ونقؾ عندها وتصبح حجر عثرة أمام اإلستؽناء‪...‬‬
‫وماذا فعلنا بؤنفسنا؟‬
‫إنّ المعلومات بموازٌن اإلسبلم لن تصل بنا إلى اإلستؽناء‪ ...‬بل تصل بنا‬
‫إلى التعصُّب ونحن نرٌد أن نصل إلى الرِّ ضى والتسلٌم ومن ثم التوحٌد‬
‫الذي سٌصل بنا إلى الفناء فً هللا وهذه هً الرحمة أي الحقٌقة الوحٌدة فً‬
‫الوجود اإللهً‪ ...‬ولنتذ َّكر بؤنّ هللا كرَّ ر هذا فً القرآن كثٌراً وطلب من‬
‫الرسول أن ٌكون مذ ِّكراً فقط‪" :‬إنما أنت مذ ِّكر لست علٌهم بمسٌطر"‪ ،‬هذا‬
‫ٌعنً أنه حتى األنبٌاء كانت علٌهم مسإولٌة ولٌست الفضٌلة لهداٌة البشر‬
‫وعلٌنا أن ننتبه إلى حدودنا وأن ال نجعل حبّنا مجرد إنفعال ونحمل أكثر‬
‫من طاقتنا‪...‬‬
‫"طه ما أنزلنا علٌك القرآن لتشقى"‪ ،‬هذه اآلٌة تشملنا كلّنا ألنّ القرآن جاء‬
‫للتذ ُّكر ولٌس للشقاء ولكن لنرى ماذا فعلنا بإسم الدٌن واإلسبلم؟ ال نزال‬
‫ُنعٌد التارٌخ منذ بدء الخلٌقة حتى الٌوم ولنا الخٌار بؤن نكون ما نختار‪...‬‬
‫فٌا خلٌفة هللا تذ َّكر نفسك وتعرَّ ؾ إلى وجودك وهذه هً رحلة التطور‬
‫واإلرتقاء وال ٌزال الخالق ٌساعد المخلوق وعلى المخلوق أن ٌسعى لٌحٌا‬
‫جمٌع الحقوق التً تنهار علٌنا كالمطر وما هذا الكرم إالّ من األكرم وإلى‬
‫من ٌدعً هللا فال ُّدعاء مستجاب من األحباب وعندما نطلب رضى هللا فهل‬
‫هناك سعادة أسمى وأهم من هذه النعمة؟ هذه هً البركة والسعادة وهً‬
‫المعٌار والمقدار لقدَر اإلنسان دون التوتر بالكمال وبالتهذٌب وبهاجس‬
‫القداسة‪ ...‬إقبل نفسك كما أنت اآلن دون التؤمل بالكمال فؤنت كما أنت تنمو‬
‫بالسموّ اإللهً مع هللا ولماذا الطمع والجشع؟ الجاشعون ؼٌر الخاشعون‪...‬‬
‫لماذا التوتر واإلضطراب والقلق والنزاع والصراع للوصول إلى الهاوٌة‬
‫الذكر وأهل النور؟ ستكون فً عذاب شدٌد‬ ‫وأنت فً أجمل زاوٌة مع أهل ِّ‬
‫وفً مصارعة الموت إن لم تقبل نفسك كما أنت وتحٌا اآلن كما أنت‪ ,‬وال‬
‫تطلب المستحٌل وال تحاول أن تتؽٌَّر أو تتحوَّ ل بل ُكن على الفطرة وعِ ش‬
‫اإلستطاعة التً تحٌا فٌك وتذ َّكر أن اإلنسان الذي ال ٌحِب نفسه ال ٌحِب‬
‫قاس على ؼٌره ألنّ طلباته دابما ً مستحٌلة وألنه‬ ‫ؼٌره‪ ،‬القاسً على نفسه ٍ‬
‫ٌجاهد فً سبٌل اإلستحالة ومن ظلَم نفسه ظلَم العالم‪ ،‬والحكمة تقول‬

‫‪130‬‬
‫إرحموا من فً األرض ٌرحمكم من فً السماء وكلّنا عٌال األرض‬
‫والسماء‪...‬‬
‫إنّ المهاتما ؼاندي الذي حرَّ ر الهند من حكم اإلنكلٌز كان مثالٌا ً فً التفكٌر‬
‫والصراع أي أنه كان عُصابً ولٌس عصامً‪ ,‬وكان قاسٌا ً مع طبلبه‬
‫وأصحابه وأهل بٌته ونفسه حتى أنه منع القهوة والشاي ألنهما من‬
‫األعشاب المخ ِّدرة واعتبر هذا التصرُّ ؾ خطٌبة بحق اإلنسان واإلنسانٌة‪...‬‬
‫حرَّ م ومنع الحب بٌن الناس ألنه رذٌلة وكان ٌتجسَّس على الرجال والنساء‬
‫من ثقب المفتاح‪ ,‬ومن عاملَك كنفسه لم ٌظل َمك بل الجهل هو الظلم‬
‫واإلنسان عدوّ ما ٌجهل‪ ...‬ولكن هإالء الناس هُم قادة الناس ألنهم ابتدعوا‬
‫سٌاسة الذنب واللّوم على القوم وكلّما ازداد الذنب كلما اشتدت الحرب وهذا‬
‫هو سبلح قادة األمم منذ آدم حتى الٌوم‪...‬‬
‫فرضوا علٌنا الخطٌبة والذنب والعار والنار وللدخول إلى الجنة علٌنا أن‬
‫نكون ببل دنس وببل خطٌبة بل نكون أشباه األشباح وهذا هو الكمال‬
‫المطلوب للعٌش مع المصلوب‪...‬‬
‫إنّ سٌاسة الصلٌب هً لتعذٌب الضمٌر وللتح ُّكم باإلنسان لمصلحة أهل‬
‫السلطة وبنوع خاص تجّ ار الدٌانات‪...‬‬
‫نحن معا ً لنتخلّص من هذه التفاهة والسخافة ولنحٌا الحٌاة الحٌة فً قلوبنا‬
‫و ُكن كما أنت ال كما ٌرٌدك المجتمع أو األهل أو أصحاب المإسسات‪...‬‬
‫إقبل نفسك كما هً واستفتً قلبك ولو أفتوك وأنت السٌِّد على حٌاتك والذي‬
‫كوَّ نك ساكن فً كٌانك أي أقرب إلٌك من حبل الورٌد‪ ،‬إستمع إلٌه واستمتع‬
‫بهذه النعمة التً تهمس فً قلوبنا وفً ك ّل ن َفس ٌن ّقً وٌر ّقً أرواحنا‪...‬‬
‫من اآلن ومن هذه النعمة التً نتمتع بها سنحٌا محبة الذات واألنا دون‬
‫اإلستكبار والؽرور بل ح ّبا ً بالفرح وبالسرور‪ ،‬وهذه هً مسٌرة الحج‬
‫الدابمة مع الدابم القٌوم ومن هذا الحق سٌزول الباطل والضبلل ونرى هللا‬
‫فً ك ّل شًء‪ ,‬وما أنا إالّ هذا الشًء الذي لٌس بحاجة إلى أيّ معبد أو أي‬
‫سلطة أو أي مإسسة‪...‬‬
‫الكون معبد هلل وكتابه المنظور ولٌقرأ ك ٌّل م ّنا كتابه وفرقانه وقرآنه‪ ...‬أنت‬
‫كتاب هللا الحًّ المبٌن وأنت آدم وحوّ اء وكما علَّم األولٌاء والحكماء‬
‫واألنبٌاء ٌعلِّمنا ما نحن بحاجة إلٌه‪ ...‬من لدنِّ علما ً وهذا هو البٌان‬
‫لئلنسان‪...‬‬

‫لماذا قال الحبٌب نفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم أخً؟‬

‫‪131‬‬
‫أي أحِب نفسً أوالً وأكرِّ ر وأش ِّدد على هذه الفضٌلة ومن هذا الحق تبدأ‬
‫اإلنسانٌة بحُ ب اإلنسان كما هو دون أيّ شروط أو قٌود‪ ،‬عندب ٍذ تختفً‬
‫المعابد والهٌاكل والسٌاسٌٌن ورجال الدٌن وجمٌع أهل السلطة وعلماء‬
‫األخبلق والمفسرٌن‪...‬‬
‫إنّ الفساد ساد فً المجتمع من أهل السٌادة وبنوع خاص النببلء والشرفاء‬
‫وح ّكام الطبقة األرستقراطٌة الذٌن فرضوا التهذٌب واألدب على الشعب‬
‫وهُم أصحاب الذنب والعٌب‪ ...‬علٌنا أن نهرب وننسحب من هإالء الحكام‬
‫ونحٌا الفطرة الطبٌعٌة دون تملُّق أو رٌاء‪ ,‬وما هذه المجاملة إالّ وباء ٌلوِّ ث‬
‫أفكارنا ومسٌرة حٌاتنا‪...‬‬
‫را ِجع تارٌخ الحكم الملكً والحكم الجمهوري وجمٌع أنواع الحكم والظلم‪،‬‬
‫إنه رحلة اإلستكبار والؽرور بإسم الحب والسبلم ندمِّر األرض والسماء‬
‫وهذه هً سٌاسة األدب والتهذٌب والكمالٌات والمثالٌات‪ ,‬وما هً إالّ زٌنة‬
‫التبجُّ ج والعظمة‪ .‬وأٌن أنت أٌها الخلٌفة المتواضع الذي ح َكم بالعدل‬
‫وبالمساواة وعاش الرِّ ضى والتسلٌم وتقبَّل مشٌبة هللا كما هً ووافق‬
‫ورحَّ ب برحابة صدر من قدَر هللا إلى قدَر هللا‪ ...‬هذا هو اإلنسان الفطري‬
‫الذي ٌق َبل وٌستقبل الخٌر والشر وٌرى النور فً ك ّل خطوة إلى الجلوة‪،‬‬
‫وهذا هو التدٌُّن اإللهً الذي ٌهدٌنا إلى عجزنا وقصورنا وحدودنا‪ ...‬هذا‬
‫هو اإلنسان المتواضع الذي ٌقبل الببلء ألنه نعمة للجبلء‪ ,‬وال ٌصٌبنا إالّ‬
‫ماكتب هللا لنا ونحن ال نستطٌع أن ننفً أو ننكر أو نرفض أي سرّ من‬
‫الرزاق وهو األعلم وهو األقوى وله الشكر والحمد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أسرار الخالق ألنه هو‬
‫وما علًَّ إالّ أن أقبل ضعفً وجهلً وطمعً وؼروري‪ ,‬ومن هذا القبول‬
‫والرِّ ضى ٌسمو بنا النموّ السماوي ونحٌا التؽٌٌر الجذري وٌتحوَّ ل الشر إلى‬
‫خٌر والنار إلى نور والجهل إلى عقل‪ ,‬وترى الجمال والجبلل ٌفٌض من‬
‫وجوه األتقٌاء نتٌجة الحٌاة البسٌطة المتناؼمة مع رقصة الكون‪ ،‬وما هذا‬
‫التفاعل والتناسق إالّ التوافق مع الحق والعٌش فً سبٌل هللا لخدمة نفسً‬
‫أوالً ومنها تنبع المشاركة مع الجوار بؤسرار النور والؽار‪ ,‬وهذا هو دور‬
‫الذكر على منابر من نور فً لحظة القٌامة‪...‬‬ ‫أهل ِّ‬

‫هل ٌصل اإلنسان إلى درجة القداسة؟‬


‫نعم‪ ...‬تستطٌع أن تتراجع إلى الوراء وأن تهبط من األلوهٌة إلى النجاسة‬
‫التً هً أسفل من القداسة‪ ...‬لك الخٌار بما تختار‪ ...‬ولكننً أنا لست‬
‫لصالح القداسة بل لفابدة التقوى الشاملة‪ ...‬حكماء الشرؾ عندهم التقوى‬
‫والورع الدٌنً‪ ,‬ولكن فً المسٌحٌة عندهم القداسة أي صدر‬‫َ‬ ‫الشاملة‬

‫‪132‬‬
‫مرسوم مص َّدق علٌه من المإسسة القانونٌة تعترؾ بؤنّ جان دارك كانت‬
‫مجرمة وبعد فترة من الزمن أثبتت بؤنها كانت قدٌسة‪ ...‬حُكم علٌها بالموت‬
‫حرقا ً على الصلٌب وبعد مبات السنٌن مُنحت لقب ق ّدٌسة‪...‬‬
‫من الذي ٌقرِّ ر وٌعمِّم وٌصمِّم هذه الرتبة؟ هذا مرسوم صدَر بعد الوفاة‬
‫وم َنحها جابزة ومكافؤة ودرجة فً القداسة‪ ،‬والسلطة الدٌنٌة لها الحق بؤن‬
‫تتصرَّ ؾ كما تشاء بمن تشاء لما تشاء‪ ...‬والمرسوم البابوي ٌع ِّدل وٌؽٌِّر‬
‫حسب رإٌته‪ ...‬قتلناها وبعد مرور الزمن تحوَّ لنا من القتل إلى العبادة‪,‬‬
‫والٌوم من اإلبادة إلى اإلبادة بوسابل أسرع وأشرس‪...‬‬
‫فإذاً القداسة والنجاسة والدناسة هً شهادات فكرٌة من إنسان ضا ّل ولكن‬
‫عرؾ نفسه‬ ‫ٌعرؾ نفسه‪ ,‬ومن َ‬ ‫والورع ألنه ِ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان الشامل هو هذا التقً‬
‫لٌس بحاجة إلى أيّ شهادة أو مرسوم أو لقب أو جابزة بل معرفة الن ْفس‬
‫هً الشهادة بح ّد ذاتها‪.‬‬
‫قصة حدثت فً إحدى معسكرات اإلعتقال للٌهود حٌث كان موسى ٌصلًّ‬
‫فً المعبد وقد قارب التسعٌن من عمره وذاق من العذاب حتى طفح الكٌل‬
‫ونادى ربه قاببلً‪ٌ" :‬ا هللا هل نحن حقا ً الشعب المختار؟"‪...‬‬
‫وإذا بصوت ٌدوي وٌهدر "نعم ٌا موسى‪ ..‬الٌهود شعب مختار واخترتكم‬
‫لتكونوا أفضل شعب على األرض!"‪ ،‬وبعد البكاء والنحٌب ر ّد علٌه موسى‬
‫قاببلً‪ٌ" :‬ا هللا ألم ٌَحِن الوقت بعد ل َتحُ نَّ على شعب آخر وتختاره بدالً‬
‫عنا؟"‪...‬‬
‫العقبلء هُم الشعب المختار لل ِّدرهم وللدٌنار وللدوالر وهذه هً المؤساة التً‬
‫تدمِّر أهل المثالٌة‪ ،‬لذلك ترى بؤنّ الصهٌونً هو المثل األعلى فً المال‬
‫ص َنم وٌعٌش فً خدمة‬ ‫والعِلم والحُكم‪ ...‬هذا إنسان ذهنً الذي ٌخدم ال ّ‬
‫إخترع القنبلة الذرٌة لٌدمِّر جمٌع اإلختراعات ولكن‬
‫َ‬ ‫الفكر والحجر‪..‬‬
‫لتحطم هذه األصنام ونحٌا حقٌقة وجودنا‪..‬‬ ‫ِّ‬ ‫الرحمة أتت‬
‫والموثق من هللا أي من موقع الحق وهذا هو‬‫َّ‬ ‫هذا هو الواقع المو َّقع‬
‫الذكر ومن‬ ‫التحوٌل‪ ,‬أي أن نختار الخٌار األفضل ونسمو من الفكر إلى ِّ‬
‫المادة إلى العبادة‪...‬‬

‫‪133‬‬
‫الرحمة هً العالج‬
‫أي مناعة؟‬
‫إنّ جمٌع األمراض سببها فقدان المناعة ولكن ّ‬
‫نعم مناعة الحب‪ .‬جمٌع اآلالم األخطاء والببلء مرتبطة بالحب‪ ..‬إذا لم‬
‫أحِب أو لم أستلم الحب فالسبب فً العذاب والشقاء ألننً لم أشارك كٌانً‬
‫وهذا هو البإس الناجم عن الع َقد النفسٌة‪..‬‬
‫الحٌاة أخذ وعطاء وهذا هو الشفاء من أيّ ببلء‪...‬‬
‫إنّ الجروح الداخلٌة تظهر بطرق عدٌدة منها األلم الجسدي أو النفسً‬
‫ولكن سببها األساسً عدم وجود المحبة فً حٌاتنا‪ ..‬إنّ الجسد بحاجة إلى‬
‫طعام وكذلك الروح بحاجة إلى حب‪ ،‬الجسد ال ٌحٌا بدون ؼذاء والروح‬
‫أٌضا ً ال تحٌا بدون رحمة‪ ,‬وفً الواقع بدون رحمة ال تحٌا الروح‪ ...‬إنّ‬
‫تعرؾ هذه‬‫الرحمة هً سبب وجودنا وسبب البقاء على قٌد الحٌاة وال َ‬
‫النعمة إالّ بعٌش النعمة‪ ...‬عندما تحِب تعلم بؤنك أبعد من حدود الجسد‬
‫والفكر‪...‬‬
‫إنّ المحبة هً ظل الرحمة ترافقها وال تحٌا بدونها ومن الصعب تحدٌدها‬
‫بالكلمات ولكن سنحاول معا ً ولنسؤل ما هً الرحمة؟‬
‫الرحمة هً أطهر صفات المحبة‪...‬‬
‫الجنس هو أدنى هٌبة للمحبة والرحمة هً أعلى حالة فً المحبة‪ ...‬فً‬
‫الجنس تكون العبلقة جسدٌة ولكن فً الرحمة اإلتصال هو مبلمسة‬
‫روحٌة‪ ...‬فً المحبة الرحمة والجنس مشوَّ شٌن أو مختلطٌن‪ ،‬أي الحب‬
‫الجسدي والروحً معا ً‪ ...‬المحبة هً الوسطٌّة أي فً منتصؾ الطرٌق‬
‫بٌن الجنس والرحمة‪ ...‬وٌمكننا أن نقول بؤنّ الرحمة هً التؤمل أي أرفع‬
‫طبقات الطاقة‪...‬‬
‫إنّ كلمة رحمة هً الجمال والجبلل هً من الشؽؾ والحب والمحبة حتى‬
‫الرحمة‪ ،‬أي مرَّ ت المشاعر عبر درجات من التكرٌر والتنقٌة والتصفٌة‬
‫إلى أن وصلت إلى أعلى طبقات من التؤمل حٌث الشهادة أ َتت من البصٌرة‬
‫واحتلَّت الرحمة عرش الرحمن فً لبّ قلب اإلنسان‪...‬‬

‫‪134‬‬
‫فً العبلقة الجنسٌة نستخدم اآلخر ونحوِّ له إلى وسٌلة أي إلى شًء لذلك‬
‫نشعر بالذنب نوعا ً ما ألننا أصبحنا سلعة لئلستهبلك وللرَّ مً فً سلّة‬
‫الذكرٌات‪ ...‬وهذا الذنب هو أعمق من أيّ علم أو أي عٌب ُتعلِّمنا إٌاه‬
‫الدٌانات ألننا نعلَم علم الٌقٌن بؤننا حوَّ لنا اإلنسان إلى جٌفة‪ ...‬ومن خلٌفة‬
‫إلى حلٌفة وما هو الثمن؟ نعم نحٌا العبودٌة ألنّ الشًء أو السلعة ال تعرؾ‬
‫ك أهل النٌة الحسنة والروح اإلنسانٌة‪ ...‬كلّما‬‫الحرٌة‪ ...‬الحرٌة هً مُل ُ‬
‫تعرَّ فت على نفسً كلما تحرَّ رت من جهلً ألنّ الجهل هو سجن اإلنسان‪...‬‬
‫ولكن الٌوم نرى بؤنّ الجسد هو اإلنسان وكذلك السلعة هً سٌِّدة البٌت مع‬
‫العلم بؤنّ السلعة لٌست حرة‪ ...‬السٌارة ال تتحرَّ ك وكذلك الحجر والشجر‪،‬‬
‫وأصبحت أسٌرة وعبدة‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أسؤت إلى هذه النعمة‬ ‫وحده اإلنسان حرّ ولكن‬
‫لخدمة األموات‪ ...‬علٌنا بالعودة إلى التؤمل ولو للحظة‪ ...‬اآلن هل أنا حرّ ة؟‬
‫هل أتؽٌَّر؟‪ ...‬منذ لحظات وحتى اآلن هل تؽٌَّرت؟‬
‫ُ‬
‫لست‬ ‫نعم وبك ّل تؤكٌد ألننً كالنهر أن َهر مع الن ْفس ومع أسرار الدنٌا ألننً‬
‫إسما ً بل فعبلً ٌحٌا مع الحًّ وٌتحوَّ ل من سرّ إلى سرّ أكبر‪ ,‬وهذه هً‬
‫مسٌرتنا مع الحًّ األكبر حتى البلّنهاٌة‪ ...‬أُنظر إلى النهر كٌؾ ٌن َهر‬
‫باألسرار وكذلك اإلنسان ٌتب َّدل وٌتحوَّ ل بٌن كل ن َفس ون َفس‪ ،‬من ؼربة إلى‬
‫ؼربة أسٌر لوحدي مع الؽرباء وهللا هو الؽرٌب والقرٌب وإلى أٌن المصٌر‬
‫ٌا صاحب الؽرٌب؟؟ أٌن هو المستقبل؟ وإلى أٌن المقرّ ؟ وهل من مفرّ من‬
‫هذا السرّ ؟‬
‫أرى اإلناء أمامً وأعلَم بؤنه ال ٌرى شٌبا ً ولٌس له أيّ حلم أو أي علم عن‬
‫المستقبل وال ٌخاؾ وال ٌتؤلم وكذلك الحجر سٌبقى كما هو مٌِّت ال نموّ وال‬
‫سموّ وال روح ولكن من أنا؟ ومن نحن معاً؟ نعود إلى الماضً ونخاؾ من‬
‫المستقبل ونجهل الحاضر ونفكر فً الجنة وفً جهنم وهذه الحركة الدابمة‬
‫هً الحٌاة التً تؽٌِّر فٌنا من مسار إلى مسار ونرى نعمة الخٌار ولكن ماذا‬
‫نختار؟؟؟‬
‫ماذا فعلت بنفسً؟ هل أسؤت إلٌها أم إلٌك؟ اإلساءة تعود بإساءة أكبر‪...‬‬
‫أحوِّ لك إلى سلعة وتبادلنً بنفس الرإٌة‪ ...‬تحوَّ لنا إلى أشٌاء أو أشباه‬
‫األشٌاء‪ ...‬خل َقنً الخالق على صورته ومثاله وفً أجمل وأحسن تقوٌم‬
‫وأٌن أنا من هذا المقام؟؟‬
‫لنتذ َّكر معا ً حكاٌة حب أو قصة ؼرام أو لحظة عشق‪ ...‬من هو الحًّ فً‬
‫هذه العبلقة أو هذه النشوة؟ ولماذا انتهت قبل انتهاء شهر العسل؟‬

‫‪135‬‬
‫أٌن هو الذي ٌنبض وٌخفق بالحٌوٌة األبدٌة؟ لماذا تحوَّ ل الحب إلى زواج؟‬
‫جٌفة مع جٌفة فً مقبرة الحب‪ ...‬هذا هو النزاع الدابم والخصام القابم الذي‬
‫ٌحاول دابما ً وأبداً أن ٌسحق الحق وٌحوِّ له إلى سلعة‪ ..‬لقد اختزلنا هذا‬
‫الخلٌفة‪ ..‬هذا الخلٌقة وأصبح مذلوالً ومستعبداً من ق َبل عبد آخر وأنجبنا‬
‫األعداد من العبٌد بإسم العابلة وٌا لها من علّة تنشر العِلل مدى الدهر‪ .‬لماذا‬
‫حوَّ لنا هذه الطاقة إلى سلعة؟ الجنس طاقة مقدسة حولناها إلى طاقة‬
‫منجَّ سة‪ ...‬والسبب؟ معلوم وواضح!‬
‫إنه الكبت الذي فُرض علٌنا من أهل السلطة والدٌن وال نزال من جهل إلى‬
‫جهل حتى وصلنا إلى هذه العِلل حٌث ال خبلص إالّ بالوعً وبالتمرُّ د‬
‫وباستعادة السٌادة على الن ْفس واإلرتقاء بنا من الجنس إلى الضمٌر‬
‫الكونً‪...‬‬

‫‪136‬‬
‫حب ؟‬
‫كٌف نستطٌع أن نحول الجنس إلى ّ‬
‫إنّ الجنس أضعؾ طاقة فً اإلنسان وهً أول درجة فً سلَّم الحٌاة‪ ،‬إنها‬
‫من هللا ولكن تختلؾ الطبقات اإللهٌة حسب المقامات السماوٌة وهذه الطاقة‬
‫تتحوَّ ل إلى حبّ ‪ ...‬كٌؾ؟ باإلحترام إلى الجسم وبالتعرُّ ؾ على القلٌل من‬
‫أسراره وعندما أحترم جسدي وجنسً أحترم الطرؾ اآلخر وال أحوِّ له إلى‬
‫سلعة بل أشكره فً كل عمل نتشارك به وال أعتبر أيّ مشاركة هً‬
‫تحصٌل حاصل‪ ...‬ال أسلِّم جدالً بؤنه صدٌقً أو زوجً وهذا واجب‬
‫علٌه‪ ...‬الشكر لٌس واجبا ً بل هو فٌض من القلب إلى القلب‪ ...‬أحٌانا ً قبل‬
‫الزواج أو القرار باإلستقرار نشكر بعضنا البعض بعد كل مشاركة حب‪،‬‬
‫إنها نوع من المؽازلة أو اإلؼراء ولكن بعد خاتم الزواج إنحبسنا فً هذا‬
‫القرار وانتهى شهر العسل ولماذا الذ ّل والشكر؟ ومات الشكر ِّ‬
‫والذكر‬
‫واإلمتنان!!!‬
‫أٌام زمان عندما كان الحب وطن اإلنسان كنا نرى الجبلل والجمال فً‬
‫روحه وكان لقاء األحبة هو لقاء المودة مع الودود وأٌن نحن الٌوم من هذا‬
‫الوداد؟ كانت الحٌاة مشاركة‪ ...‬أخذ وعطاء وحرٌة دون حدود أو شروط‬
‫بل ثقة واحترام المساحة والٌوم فً العبلقة الجسدٌة أصبحت الطاقة أخذ‬
‫وأخذ‪ ,‬وكلّها عجز ووخز دون أيّ احترام أو حب بل محبة للجٌب ولخدمة‬
‫الشكل دون أيّ حب أو أيّ عقل‪ ...‬هذه هً محبة األجساد بٌن العبٌد ال‬
‫العباد‪...‬‬
‫إنّ الرحمة هً العطاء دون أيّ مقابل‪ ،‬إنها مجرد مشاركة دون أيّ إشراك‬
‫أي ال نتؤمَّل بؤي تجاوب أو شكر من الطرؾ الثانً بل نشكره ألنه تقبَّل‬
‫منا الهدٌة‪ ...‬والكون ٌضاعؾ هذا العطاء نتٌجة لهذه الرحمة دون أيّ‬
‫تشوق أو أي انتظار ولكن الحب ؼٌر الرحمة‪...‬‬
‫فً الحب ننتظر ر ّدة الفعل أو التجاوب وإالّ سنشعر باإلحباط وبالتذمُّر‪...‬‬
‫وأكثر األحٌان نلمح بؤننا ُخدعنا ولماذا لم تشعر معً؟ الحب هو صفقة أو‬
‫مساومة ماكرة ورقٌقة‪ ...‬لذلك ٌقول الحبٌب "الزواج نصؾ الدٌن"‪ ،‬ولكن‬
‫الرحمة هً الدٌن‪ ...‬الرحمة هً المعاملة والتجاوب من لبّ القلب‪...‬‬
‫الرحمة هً العطاء دون أيّ مقابل أو شكراً لفرح العطاء‪ ...‬شكراً ألنه أخذ‬
‫منً ومنحنً فرح المشاركة‪ ،‬ألنه منفتِح وٌتقبَّل المشاركة الروحٌة وهذه‬
‫هً أرفع صفات ودرجات الحب‪ ...‬هً المحبة الشفافة التً ترافق الرحمة‬
‫أخذت منً هذه الكلمات وإالّ ماذا‬
‫َ‬ ‫أشكرك ألنك‬
‫َ‬ ‫كما الجنٌن ٌرافق الحنٌن‪...‬‬

‫‪137‬‬
‫سؤفعل بها لوال وجودك معً ولنفسً ولً؟؟ ال أنتظر منك أيّ تجاوب أو‬
‫تجاوبت شكراً وإذا لم تتجاوب فشكراً ألنّ العطاء وحده هو‬ ‫َ‬ ‫ر ّدة فعل‪ ،‬إذا‬
‫الشامل والفاعل‪ ...‬إنتبه إلى األرض عندما تستقبل المطر من الؽٌوم‬
‫وتعطر السماء واألشجار برابحة التراب وتقول الؽٌمة‬ ‫ِّ‬ ‫وتنكشِ ؾ النجوم‬
‫لؤلرض شكراً لوال األرض ال تزال الؽٌوم ملبَّدة بالعِبء وبالهموم‪ ...‬هذا‬
‫هو دعاء المطر‪ ...‬دعاء الشكر إلى التراب‪ ،‬دعاء الشكر إلى العطر‪...‬‬
‫شاهد األزهار وعطرها‪ ...‬هذه المشاركة لٌست تجارة أو مساومة بل‬
‫رقصة طبٌعٌة بٌن العطاء واألخذ وإالّ ستبقى فً ألم الوالدة إلى أن تلِد‬
‫عطرها لمن ٌشاء من الحٌاة‪...‬‬
‫ي‬
‫ي شكر أو أ ّ‬
‫العطر هو التعبٌر عن المحبة وعن فرح المشاركة دون أ ّ‬
‫شِ رك‪...‬‬
‫إنّ اإلنسان الفقٌر هو الذي ال ٌشارك بؤيّ شًء ألنه ال ٌملِك أيّ مُلك من‬
‫ملكوت هللا‪ ...‬فً الدنٌا أعمى وفً اآلخرة أعمى وأض ّل سبٌبل‪...‬‬
‫إنه ال ٌملُك القدرة على اإلستٌعاب‪ ،‬على الفهم أو التعلُّم‪ ،‬على األخذ أو‬
‫العطاء‪ ،‬وهذا هو الفقر‪ ...‬لو كان الفقر رجبلً لقتلته ٌقول الحبٌب وما هذا‬
‫القتل إالّ للعودة إلى العقل ومن هذا الباب ندخل إلى لبّ األلباب حٌث‬
‫الرحمة التً هً سرّ وجودنا وسرّ الوجود فٌنا‪ ...‬هً فرح الخلود وفرح‬
‫العطاء الدابم مع األكرم ومع األرحم‪...‬‬
‫من هو اإلنسان الغنً ؟‬
‫هو الذي استؽنى عن الدنٌا‪ ...‬أي اختبرها واخترقها دون أن ٌحترق بها بل‬
‫ٌُعطٌها ح َّقها وٌسٌر إلى الحق األكبر‪ ...‬اإلنسان الجنسً هو األفقر‬
‫والمحِب هو ؼنً نسبٌا ً وأما الرحٌم فهو األؼنى كلٌا ً وفً قمة العالم حٌث‬
‫ال حدود له وال حجز وال توقٌؾ بل فً عطاء مستمر دون أن ٌطلب‬
‫الشكر أو الحب وهذا هو العبلج‪...‬‬
‫إنّ معجزة المسٌح هً الرحمة ال ؼٌر وهً التً قامت بالمعجزات‬
‫اإللهٌة‪ ...‬فً زمن المسٌح كانت الناس بحاجة إلى الشفاء من األمراض‬
‫الجسدٌة والنفسٌة‪ ،‬األنصار أو المعجبون كانوا بحاجة إلى أعجوبة ملموسة‬
‫ولكن الحكماء أمثال بودا وكرٌشنا كان الجمهور من األؼنٌاء مادٌا ً وفقراء‬
‫روحٌاً‪ ،‬فإذاً الحكمة كانت المعجزة المطلوبة وكذلك ك ّل قوم لهم حاجة‬
‫تختلؾ عن قوم آخرٌن وفً زمن آخر‪ ...‬لو أتى المسٌح إلى أمرٌكا وقابله‬

‫‪138‬‬
‫الربٌس األمٌركً ماذا سٌطلب منه؟ الخبز؟ إقامة األموات؟ المشً على‬
‫الماء؟ كبل سٌطلب منه السبلح األقوى لدمار العرب‪ ...‬المخدرات وتحوٌل‬
‫التراب إلى دوالرات وإلى ك ّل ما ٌحلم به الربٌس لٌح ُكم العالم‪...‬‬
‫لك ّل شعب حاجته‪ ...‬الفقٌر ٌطلب أدوٌة وتؽذٌة والؽنً بحاجة إلى راحة‬
‫البال والروحانٌات‪.‬‬
‫إنّ الؽِنى أو البحبوحة أساس الروحانٌات لذلك نرى بؤنّ الشعب الذي‬
‫عاصر المسٌح كان فقٌراً وبحاجة إلى الؽذاء الجسدي‪ ...‬إنّ مشاكل الفقٌر‬
‫تختلؾ عن مشاكل الؽنً‪...‬‬
‫المسٌح عاش فً مجتمع فقٌر مادٌا ً لذلك قال دعوا األموات ٌدفنون بعضهم‬
‫البعض ألنّ اهتماماتهم مؤكل‪ ،‬مشرب‪ ،‬من َكح‪ ...‬ورحل إلى الهند حٌث‬
‫الؽِنى والبحبوحة والحاجة إلى الماورابٌات‪ ،‬إلى ك ّل ما نرى وإلى ما ال‬
‫نرى‪ ،‬ولمّا عاد إلى القدس لم ٌستطِ ع أن ٌشاركهم باألسرار اإللهٌة ألنهم‬
‫فقراء الفكر والعقل والن ْفس‪ ،‬همَّهم الوحٌد هو الجسد‪ ...‬المستوى األدنى من‬
‫المعرفة‪ ...‬وما هو الوضع فً العالم العربً؟ عالم المال والبترول؟‬
‫ال نزال فقراء جسدٌا ً ألننا نستخدم المال إلشباع رؼباتنا الجسدٌة لذلك نرى‬
‫العمارات واألبراج والقصور والتبرُّ ج والؽشّ والدشّ وجمٌع وسابل‬
‫اإلحتٌال على جمٌع المستوٌات من الربٌس إلى المرإوس‪ ...‬والنخبة‬
‫الصالحة تسعى إلى الهجرة أو إلى العُزلة وال خبلص إالّ بالدمار الشامل‬
‫عالمٌا ً وعربٌا ً‪...‬‬
‫اإلنسان الفقٌر مادٌا ً حاجته ٌطلبها من الدنٌا والؽنً الذي شبع من الدنٌا‬
‫ٌطلب الثروة المعنوٌة لذلك نرى بؤنّ الروحانٌات تؤتً من الؽرب حٌث‬
‫البحبوحة فً المال والعلم والتواصل مع المجرّ ات والحروب وإلى إشباع‬
‫الرؼبات على جمٌع المستوٌات‪ ...‬ولكن هنالك أفراد فقراء مادٌا ً وعندهم‬
‫الؽنى الروحً‪ ،‬هإالء مختارٌن أو شواذ عن القاعدة‪ ...‬البلد الفقٌر ال ٌف ِّكر‬
‫إالّ بالمادة ولكن سٌؤتً زمان وتعود النهضة الروحٌة إلى ببلدنا بعد أن‬
‫ندمِّرها سنعٌد عمارها وهذا هو القانون المادي العقبلنً‪ ...‬عندما نشبع من‬
‫الحجر تؤتً الجوهرة‪...‬‬
‫المسٌح ساعد الناس باإلٌمان‪ ...‬اإلٌمان هو الشافً وقال لهم إٌمانكم شفاكم‬
‫ولٌس أنا وال هللا بل حبُّكم هلل ولكن كان الشفاء الجسدي ألنّ همَّهم الوحٌد‬
‫هو الجسد‪ ...‬اإلٌمان باب إلى الرحمة وفتح لهم الباب ولكن المطلوب كان‬

‫‪139‬‬
‫الجسد وحاجات الجسد فلم ٌتعرَّ فوا على أنفسهم بل ال نزال حتى الٌوم‬
‫ندعو هللا للخبز وللماء وللمال وللشقاء وإلى ك ّل حاجاتنا الفكرٌة‪ ...‬إنّ‬
‫معجزات الحكماء أمثال بودا وماهافٌرا كانت من عالم الروح ألنّ الشعب‬
‫كان ؼنٌا ً مادٌا ً وحاضراً إلى المعرفة الروحٌة لذلك بحثوا عن الخفاٌا وعن‬
‫الرحمة وعن األسرار اإللهٌة ومن ج َّد َ‬
‫وجد‪...‬‬
‫ولكن الرحمة رحٌمة ترحم الجاهل والعاقل‪ ...‬رحمته وس َعت ك ّل شًء‬
‫على جمٌع المستوٌات‪ ...‬ولنبدأ بؤنفسنا أوالً‪ ...‬إرحم نفسك ٌا إنسان وأنت‬
‫أعلَم بنفسك من ؼٌرك‪ ..‬والتؤمل هو الباب إلى الرحمة ألنّ التؤمل ٌُحًٌ‬
‫الحب فً القلب وتشعر بالفٌض وبالمشاركة كالؽٌمة التً تمتلا بالمطر‬
‫و ُتمطر دون أيّ شكر بل حُ با ً بالعطاء وهذا هو الفرح والنشوة‪ ...‬لذلك بعد‬
‫كل حالة تؤمُّل تشعر بالرحمة الكونٌة وتشارك بها الكون لتحرِّ ر نفسك‬
‫أٌضا ً من هذه الطاقة ألنّ العطاء ٌنمو بالعطاء وهذه هً المشاركة أي‬
‫السبلم بالسبلم ال كما نراه الٌوم السبلح بالسبلح واإلساءة باإلساءة‪...‬‬
‫وبعد كل جلسة تؤمُّل تشعر باإلحتفال وتو ّد المشاركة واذ َهب لمساعدة الؽٌر‬
‫ولو بابتسامة وبالراحة وبالسكٌنة وهذه هً نعمة التؤمل حٌث ٌقول لنا‬
‫الحبٌب تؤمُّل ساعة خٌر من عبادة سبعٌن عام‪ ...‬أي نحٌا الرحمة ونشارك‬
‫ووسعت ك ّل شًء وتعود‬
‫َ‬ ‫بها ألنها ال تستطٌع أن تحٌا فٌنا إالّ إذا انتشرت‬
‫إلٌنا بؤضعاؾ من كرم األرحم واألعلم‪...‬‬
‫إنّ الرحمة ؼٌر مشروطة‪ ،‬هً لٌست لؤلصدقاء فقط بل إرحموا أعدابكم‬
‫وباركوا العٌنٌكم ألن العدوّ هو نفسً واإلنسان عدو ما ٌجهل‪ ...‬أجهل من‬
‫أنا وما هذه األنا إال أنت ونحن وكلنا معا ً والعوالم كلها انطوت فٌنا وأنت‬
‫مرآة لنفسً ‪...‬المإمن مرآة المإمن‪...‬‬
‫أتى رجل إلى الحبٌب وقال له" إننً اتبع نصابحك وأتؤمل وأشعر بالرحمة‬
‫للعالم أجمع حتى للطبٌعة وللحٌوانات وللحجر وللنهر ولكن عندي مشكلة‬
‫صؽٌرة أال وهً عدم رحمتً لجاري ‪ ...‬ال أحبه وال أستطٌع أن أرحمه‬
‫ألننً أكرهه جداً‪ ...‬هل أستطٌع أن أمنعه وأستبعده من رحمتً ؟ إن‬
‫رحمتً تؽمر العالم وكل الوجود إال جاري فهل أستطٌع أن أتجاهله ‪...‬‬
‫علمنً أن أرجم بعض الناس ‪"...‬‬
‫ماذا قال له الحبٌب ؟‬

‫‪140‬‬
‫" انسى التؤمل ‪ ...‬ألن الرحمة ال ترفض وال تمنع وال تحجب رحمتها عن‬
‫أي شًء ‪ ...‬إنك ال زلت فً الفكر المادي المتمسك بالخوؾ وبالكفر ‪...‬‬
‫إنك ال تحب نفسك وال تعرفها ‪...‬الرحمة شاملة متكاملة وفعلها أصلً‬
‫وجوهري وتنتشر دون أي حدود بل إلى أبعد من أي بعد إنها كالنور‬
‫الساطع حٌث ال شروط وال قٌود ‪ ...‬إنها فعل إلهً أبعد من عقل البشر ‪...‬‬
‫الرحمة لٌس لها عنوان وال هدؾ أنها حالة نفسٌة تتجه مع الرٌح إلى كل‬
‫روح وتشفً العالم من هذا العذاب وهذا الشقاء ‪ ...‬اترك التؤمل وتعرؾ‬
‫على نفسك أوالً عندبذ تبدأ بالحج الحقٌقً لمعرفة درب القلب " ‪...‬المسٌح‬
‫ٌقول أحِبَّ قرٌبك كنفسك ‪...‬ابدأ بنفسك أوالً‪...‬وأحبّ عدوك كنفسك‪ ...‬أي‬
‫أنت العدو وأنت القرٌب ولماذا نضع الحواجز للرحمة ؟ ألننً أجهل نفسً‬
‫!!أنت جوهر الوجود ‪ ...‬كل ما نراه هو مرآة لنا ٌعكس أفكارنا وأعمالنا‬
‫‪ ...‬جاري هو أنا بشكل آخر ‪ ...‬كلنا إخوة فً هللا ‪ ...‬ولكن تنقصنً‬
‫المعرفة واإلدراك لقد ماتت عندي البصٌرة ومن ال ٌعرؾ نفسه ال ٌعرؾ‬
‫أحد فهو فً الدنٌا أعمى وفً اآلخرة أعمى وأض ّل سبٌبل‪..‬‬
‫الرحمة هً علم العبلج وسر المداواة ولكن علًّ أن اختبرها بنفسً أوالً‬
‫‪..‬علً أن أبدأ الٌوم باإلصؽاء واالستماع إلى جسدي ومن ثم إلى فكري‬
‫وأن أراقب نفسً وهذه مسٌرة بسٌطة وسلٌمة وطبٌعٌة ‪ ...‬إنها كالتنفس ‪...‬‬
‫لنجرب مع أنفسنا أوالً‪...‬‬
‫من أٌن تبدأ الرحمة ؟‬
‫من محبة النفس ‪ ...‬مٌداننا األول أنفسنا فإن انتصرنا علٌها كنا على ؼٌرها‬
‫أقدر وإن أخفقنا فً جهادنا كنا عما سواها أعجز ‪ ...‬فلنجرب الكفاح معها‬
‫أوالً ‪..‬‬
‫هذا هو جهاد النفس وهو أكبر الجهاد ‪ ...‬إذا لم أكن لطٌفة مع نفسً كٌؾ‬
‫سؤكون مع ؼٌري؟ إن القدٌس أو الناسك أو الذي ّ‬
‫ٌعذب نفسه هذا إدعاء‬
‫وتظاهر ‪ ...‬نفسٌا ً وعلمٌا ً ال نستطٌع أن نعطً مالم نملك‪ ,‬نعم فاقد الشًء‬
‫ال ٌعطٌه ‪ ...‬كما أكون مع نفسً سؤكون معك ومع الجمٌع ‪ ...‬لم ٌقل لً‬
‫أي أحد أن أحب نفسً بل علًّ أن أحب العالم ال نفسً‪ ..‬هذه فكرة سخٌفة‬
‫! أحب نفسً‪ ..‬إنها أنانٌة ولكنها هً المبدأ األساسً والجوهري‪ ,‬ولكن إذا‬
‫لم أتعلم وأتمرن بنفسً أوالً كٌؾ أستطٌع أن أمارسها مع الؽٌر ؟؟ لقد قٌل‬
‫لً منذ أجٌال بؤننً ولدت من الخطٌبة العظٌمة وال أستحق المحبة ولست‬
‫مقبولة عند هللا كما أنا وفرض علًّ الكثٌر من األوامر والمبلزم والشروط‬

‫‪141‬‬
‫وكلها مستحٌلة التنفٌذ ولذلك كنت أشعر دابما ً بالدونٌة وبعدم االستحقاق‬
‫ألي حق‪ ,‬بل أشعر بالحقد وبالكراهٌة لنفسً اللوامة والنجسة والمذنبة‬
‫والملوثة بالخطاٌا ولٌس هناك أي أمل وال أي وسٌلة تنظٌؾ إال العٌش فً‬
‫جهنم إلى األبد ‪...‬‬
‫أٌن هً المحبة ؟ أٌن هً الرحمة ؟ ن ّدعى ونتظاهر بالحب وما هذا إال‬
‫الكذب والمجامبلت حبا ً بالدوالرات وأٌن تذهب الدوالرات ؟ أنت اعلم من‬
‫ؼٌرك ‪ ..‬اسؤل نفسك وسترى الحق بعٌن الحق ‪ ...‬االدعاء والؽرور‬
‫ٌعطٌنا القلٌل من الفرح والسرور وبعد ساعات ٌذوب الثلج وٌبان المرج‬
‫وتنكشؾ الحقٌقة ‪ ...‬من ٌحب من ؟ األم تقول لولدها إننً أحبك وكذلك‬
‫األب البنته وكلنا معا ً فً سفٌنة الكذب والسخافة والسفاهة ‪ ..‬العالم بؤسره‬
‫ٌتحدث عن الحب وندمره باسم الحب ونحٌا الحرب بدأً من النفس وإلى كل‬
‫نفس وال نملك ذرة ال من الحب وال من المحبة وال من الرحمة‪ ,‬وال نعرؾ‬
‫الفرق بٌن الرجمة والرحمة كل همنا المظاهر الجسدٌة وطعام الرجٌم‬
‫والعٌش الرجٌم لتحوٌل الجسم من آٌه إلهٌه إلى آله مادٌه ومن سلعة إلى‬
‫سلعة أصبح خلٌفة هللا أرخص سلعة لخدمة أؼلى األسلحة لدمار السبلم‬
‫واإلنسان وأٌن نحن من الرحمة ٌا أهل الرحمة ؟؟‬
‫إن الحب موجود فً األساطٌر وفً األشعار واألقبلم والقصص وعلى‬
‫شاشات الفضاحٌات وهذه هً التعوٌضات التً نستحقها ‪ ...‬ألننا ال نحب‬
‫أنفسنا نتعلق بالقصٌدة وبالفٌلم الؽرامً وباألؼنٌة من المشاعر وأجمل‬
‫اإلحساس هو ما نسمع عنه من الناس ‪...‬والمثل اللبنانً ٌقول " شم وال‬
‫تتذوق "والٌوم ال شم وال ذوق وال أي حاسة تحس برحمة هللا الحس أصبح‬
‫لتجارة الكساء والكسوة والؽباء ‪ ...‬المحبة مفقودة وكذلك الرحمة ألن‬
‫الخطوة األولى فً رحلة الحج ال تزال مفقودة ‪...‬‬
‫الخطوة األولى هً إن أقبل نفسً كما أنا دون أي فرٌضة أو واجب أو‬
‫إرضاء للؽٌر أو التوقع من الؽٌر ‪ ...‬رضى الناس ؼاٌة ال تدرك ‪..‬علًّ أن‬
‫أتعرؾ على نفسً وأكون نفسً وأحٌا األمانة التً احملها من رحمة‬
‫الرحمن لرضى الرحمن ‪ ...‬علًّ أن احترم وجودي الفرٌد والوحٌد‬
‫والممٌز وبكل جرأة وشجاعة أعلن هذه النعمة وأو ّقع إمضابً بكل فخر‬
‫وامتنان ألننً خلٌقة الرحمن وال أحد مثلً ال قبلً وال بعدي‪ ...‬الخلق‬
‫واإلبداع سر الخالق فً خلقه ‪ ...‬ال تقع فً أي شرك تشرك به نفسك مع‬
‫المسٌح أو مع الحكٌم أو مع الحبٌب ‪ ...‬كن نفسك ومن عرؾ نفسه عرؾ‬

‫‪142‬‬
‫ربه ‪ ....‬عٌسى عٌسى وعلًّ علًّ وفرٌد فرٌد ورابعة رابعة عندما ال‬
‫أحاول أن أكون ؼٌر نفسً أسترٌح وارتاح وتظهر علٌنا ٌنابٌع الحكمة من‬
‫القلب ومن اللسان ‪ ...‬األكرم من كل كرٌم ٌكرمنا إذا كنا أمناء على أنفسنا‬
‫‪ ...‬ومن كان أمٌنا ً على القلٌل أكرمه هللا بالكثٌر‪ ,‬ون َِعم هللا ال تحصى وال‬
‫تعد فلنبدأ بؤنفسنا أوال ً‪ ...‬وهذه هً نعمه الجبلل والجمال والتناؼم مع‬
‫الجسم والنفس والروح عندبذ نتخطى الصراع والنزاع حٌث ال فرض وال‬
‫دعم وال قسوة أو عنؾ‪ ,‬بل طوؾ وتعرؾ وعرؾ لمن عرؾ ‪ ..‬ومن‬
‫عرؾ ؼرؾ والمعرفة ألهل العرفان ومنهم العارفٌن باهلل ؟ أن لم تكن أنت‬
‫وأنا منهم فمن نحن؟‬
‫وإن لم نبدأ اآلن بالبحث عن الجذور والعطور فؤٌن هو الزمان والمكان‬
‫أٌها اإلنسان ؟‬
‫اآلن و هنا و معا ً نسٌر إلى باب المعرفة‪...‬‬
‫إن لم تعودوا كاألطفال "وإن لم تموتوا قبل أن تموتوا" أي الوالدة من‬
‫الفطرة وهذه هً نعمة البراءة هذه هً الرحمة وهذا هو مجد األلوهٌة فً‬
‫خلقه وفً محبة النفس فً جمٌع طبقاتها وأسرارها‪ ...‬هذه هً النشوة‬
‫والؽبطة فً تقبل النفس كما هً وإذا حاول الشٌطان أن ٌؽرٌك وٌبدلك‬
‫فؤنت من عباد هللا الصالحٌن والمصلحٌن وطاقة الشر لن تقوى علٌك لكن‬
‫من أهل التقوى الثقة‪ ...‬إننً متصالح مع نفسً كما أنا وشامل ومتكامل‬
‫مع جمٌع مخلوقات هللا هذا هو القرار المصطفى المختار وك ُّل منا مختار‬
‫فرٌد ومصطفى وحٌد وكل من حمد هللا إٌمانا واحتسابا ً هو محمد‪ ...‬وكل‬
‫امرأة هً مرٌم وفاطمة وزٌنب وكل كلمة هً من هللا وكل ما نراه هو‬
‫كتاب هللا المنظور وأنت كتاب هللا الحً هذا هو الرضى بالنفس وبالخالق‪..‬‬
‫إذا رفضت نفسً رفضت الوجود بؤسره وكؤننً أحاول أن أحسّن ما خلقه‬
‫هللا ‪ٌ ...‬قول هللا " ال تؽٌروا فً خلقً"ولكن ماذا أفعل بنفسً وبجسدي ؟‬
‫ماذا أؼٌر بالوجود ؟ وكؤن هللا أخطؤ فً خلقه وأنا أقوى منه وأستطٌع أن‬
‫أحسّن الوجود ‪ ...‬هذا كفاح ونضال ضال ومحكوم علٌنا بالفشل ‪ ...‬والفشل‬
‫هو سبب الكره والحقد والؽضب ومن أٌن ستؤتً الرحمة وأنا فً حال‬
‫الرجمة ؟ الرحمة تنبع من الجذور المتصلة باألصول ولكل وردة جذورها‬
‫وعطرها وتتناسق مع جارتها حتى سابع جار بكل تناؼم واحترام واعتزاز‪,‬‬
‫وهذا هو الفخر فً نوعٌة كل عطر حٌث ال تنافس وال تسابق بالحق بل‬
‫لكل زهرة عطرها وجمالها ومٌزتها الفرٌدة ‪ ...‬ومن هنا تفٌض الرحمة‬

‫‪143‬‬
‫حٌث الرضا بالنفس والترحٌب بما أعطانً الحبٌب ‪ ...‬ساعدنً ٌا هللا‬
‫ألكون كما خلقتنً ولما خلقتنً فؤنت األعلم واألرحم واألكرم ‪...‬‬
‫لنسٌر معا ً على ُخطا األنبٌاء ‪ ...‬وعلى الصراط المستقٌم ومهما رفضنا‬
‫واقعنا سنبقى على ما نحن علٌه ولو حكمت على نفسً باإلدانة وبالذنب‬
‫سؤبقى على ما أنا علٌه وإذا قبلت نفسً بفرح وشكر وامتنان سؤكون هذا‬
‫الكابن الذي تكوّ ن من المكون‪ ,‬أي ال تؽٌٌر وال تبدٌل وال تحوٌل وما أن‬
‫قبلت وضعً بكل رضى وتسلٌم تنبع الرحمة من لبّ القلب واستقبل جمٌع‬
‫مخلوقات هللا كما خلقهم الخالق دون تدخل الفكر أو العقل أو القلب بل‬
‫الرحمة اإللهٌة دون أي شرط أو أي قٌد ‪ ...‬الطبٌعة تقبلنً كما أنا ولكن‬
‫الزاهد الحاقد الم ّدعً بالقداسة ٌرفضنً ألنه مكبّل بقوانٌن وشرابع من‬
‫فكره المحدود ال من رحمة الوجود‬
‫ما الفرق بٌن القداسة والرحمة ؟‬
‫القدٌس أُعطى شهادة القداسة من المإسسة الدٌنٌة ولكن الرحمة هً نعمة‬
‫إلهٌة لجمٌع مخلوقاته ‪...‬القدٌس ٌدٌنك ولكن المسٌح ٌرحمك ‪ ...‬القدٌس ال‬
‫ٌتحدث معك بل إلٌك دون أن ٌنظر فً عٌنٌك إنه صاحب مثالٌات وأراء‬
‫وأحكام وال ٌراك أبداً بل ٌقارنك بالقداسة التً ٌعٌشها وطبعا ً أنت دابما ً أقل‬
‫منه قداسة وإنسانٌة ‪...‬أنت مذنب وخاطا نسبة له ومن الصعب أن تعٌش‬
‫معه ألنه ال ٌقبلك ألنك ال تنسجم معه ألنه أرقى وأسمى منك‪ ,‬وبالطبع‬
‫ٌرى فٌك الخطاٌا على مستوى أكبر ولكن القدٌس الحقٌقً هو الذي َق ِب َل‬
‫نفسه واآلخرٌن‪ ..‬أحبَّ عدوك كنفسك وكذلك قرٌبك وبذلك قبل العالم بكل‬
‫رضى ومحبة وتسلٌم هذه هً صفة القداسة اإللهٌة وهذه هً طاقة الشفاء‬
‫عند القدٌسٌن المقدسٌن الذي ال ٌرى فًّ إال هللا ‪...‬‬
‫لذلك كن رقٌبا ً وحسٌبا ً وشاهداً على نفسك ال ؼٌر وتتحول من الرؼبة‬
‫والشهوة إلى الحبّ وإلى المحبة وإلى الرحمة ‪ ...‬إنها رحلة من الجهل إلى‬
‫العقل وإلى اإلدراك والٌقٌن ‪...‬‬
‫إن ٌَقٌنً ٌُقٌنً وهذه درجة الرحمة حٌث هً جمٌع صفات هللا الشافٌة‬
‫والمعافٌة‪...‬‬
‫إن لم نصل إلى الرحمة فنحن أموات بل فً ضبلل مستمر حتى ما بعد‬
‫الصبر ‪...‬‬

‫‪144‬‬
‫َ‬
‫تقربت من المسٌح كلما‬ ‫الرحمة هً عطر المحبة وهً الشافٌة ‪ ...‬كلما‬
‫فٌك الزهور والعطور وهذا هو نور هللا الشافً‬ ‫َ‬
‫وتفتحت َ‬ ‫َ‬
‫انمسحت بروح هللا‬
‫ألصحاب القلوب المإمنة ‪...‬‬
‫عندما ٌقول المسٌح إٌمانك هو الشفاء لك أي التقرب من هللا ال بالكبلم وال‬
‫بالفكر بل بالنور الساكن فً سكٌنة القلب ‪ ...‬فإذا علٌنا أن نقبل أنفسنا كما‬
‫نحن ونتعرؾ على هذه النفس وعلى سبب وجودها ودورها فً الحٌاة ‪...‬‬
‫وعندما أعرؾ نفسً أعرؾ من خلقنً ولماذا خلقنً ‪ ...‬وأسعى من كل‬
‫قلبً بؤن أعٌش األمانة التً من اجلها أتٌت إلى هذه الدنٌا ‪...‬‬
‫وما أرسلناك إال رحمة للعالمٌن ‪....‬علمنً وذكرنً بهذه الرسالة‬
‫وما على الرسول إال‬
‫الببلغ‪......‬‬

‫‪145‬‬
‫رحمته وسعت كل شًء‬
‫هذه هً الرحمة‪ ...‬أن ترحم الخٌر و الشر كما ٌرحم سٌدنا الخضر‪ ,‬و لكن‬
‫هل عندي صبر؟ علمنً رحمتك و صبرك على نفسً أوال‪ ...‬لنسمع معا ً‬
‫هذه الحالة مع المرشد كبٌر‪...‬‬
‫كان فً حال الخشوع و العشق اإللهً و دخل علٌه اللص و معه سٌؾ حاد‬
‫و مسنون و صرخ به قاببلً‪"...‬حٌاتك أم مالك؟" فر ّد علٌه الشٌخ " ال‬
‫تزعجنً‪ ...‬لك الحق فً الخٌار و الدٌنار فً الجارور" وعاد إلى تبلوة‬
‫القرآن و إذا به ٌتوقؾ وٌذكره قاببلً " ال تؤخذ كل المال علًّ إن ادفع‬
‫الصدقة ؼداً" جمع اللص المتطفل أكثر المال و هّم بالخروج وذ ّكره المذكر‬
‫صارخا ً "علٌك بالشكر عندما تحصل على النعمة" شكره اللص‬
‫وانصرؾ‪ ...‬و بعد مرور عدة أٌام قُبض على ألحرامً و اعترؾ أمام‬
‫المحكمة باالهانة و اإلساءة إلى شٌخ العارفٌن و طلبوا من هذا المرشد أن‬
‫ٌدلً بشهادته و أتى إلى قاعة العدل و قال "هذا الرجل لٌس لصا ً‪ ...‬هذا‬
‫بالنسبة لما عرفت‪ ...‬لقد أعطٌته المال و شكرنً و لقد اعترفت بما‬
‫عرفت‪ "...‬و بعد أن خرج المتهم من السجن ذهب إلى الشٌخ و أصبح من‬
‫أصلح المرٌدٌن‪...‬‬
‫ٌقول السٌد المسٌح ال ُتدِن كً ال ُتدَان‪ ...‬و هذه رحمة مشروطة ألنه ٌتكلم‬
‫مع الٌهود و مع أهل العقل و القانون‪ ,‬و لكن ألهل الحكمة ٌقول ال ُتدِن‪...‬‬
‫هذه هً الرحمة حٌث ال مساواة و ال صفقة بل رحمة إلهٌة مطلقة مكتفٌة‬
‫بذاتها دون أي تقٌٌم أو تقدٌر أو تخمٌن‪ ,‬أي ال قداسة و ال نجاسة و ال خٌر‬
‫و ال شر‪ ,‬و من هذا المقام أتت نعمة الشهادة‪ ...‬اشهد أي أرى بعٌن‬
‫البصٌرة‪ ...‬عٌن المٌزان و العدل‪ ...‬عٌن الصلٌب حٌث الدنٌا و اآلخرة فً‬
‫لقاء مستمر على ممر النور ال عٌن التهذٌب و الذنب و األخبلق و‬
‫المذاهب االفتراضٌة بل عٌش الفطرة الطبٌعٌة حٌث ال خوؾ و ال طمع‬
‫بل حبا لنفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم أخً فً هللا و اإلنسانٌة‪...‬‬
‫إن الرحمة ال تعرؾ المساومة و لكن علماء الدٌن وضعوا الشروط حبا ً‬
‫بالتقٌد بها‪" ...‬ارحموا من فً األرض ٌرحمكم من فً السماء"‪ " ,‬ال تدٌنوا‬
‫لكً ال تدانوا"‪ ,‬هذه مساومة و تجارة باسم الرحمة‪ ...‬إنها تجارة ألهل‬
‫الفكر‪ ...‬أهل الخوؾ و الطمع و الجشع‪ ,‬و هذه هً األنانٌة التً تحطم‬
‫الجمال الجبلل فً رحمة الرحمة‪ ...‬الرحمة لٌست نصٌحة بل عطر هللا فً‬
‫خلقه و لٌست وصٌة األهل لؤلوالد بل رحمة الرحمان للعباد‪" ...‬ال ُتدِن"‬
‫هً الرحمة اإللهٌة‪...‬‬

‫‪146‬‬
‫"لببل تدانوا أو كً ال تدانوا" هً وصٌة أخبلقٌة دون أي جوهر أساسً أو‬
‫جذري‪ ...‬بل هذه جملة عقد أو وصٌة التً دمرت و رجمت و صلبت‬
‫الرحمة‪...‬‬
‫أهل الحكمة ال ٌعترفون بؤي شرٌعة أو قانون أو وصاٌا بل الرحمة‬
‫الرحٌمة التً تقبل كل شًء كما هو‪ ,‬ال خٌر و ال شر بل أن نرى هللا فً‬
‫كل شًء‪ ...‬هذه شجرة كبٌرة وبقربها شجرة صؽٌرة‪ ...‬واحد عنده أخبلق‬
‫والثانً فاسق‪ ...‬هذا ٌصلً وذاك ٌسرق و لوال ٌوضاس لما تعرفنا على‬
‫المسٌح‪ ...‬هذه نعمة التناقض‪ ...‬إن الحكٌم ال ٌفرض أي وصٌة أو نصٌحة‬
‫ألن الكمال قرض عصبً و لكن النمو المستمر بالتؽٌٌر هو نظام الكون‬
‫الثابت‪ ...‬هذه هً الرحمة التجاوزٌة التً وسعت كل شًء و تسمو بنا من‬
‫األبد إلى المدد دون أي خوؾ أو طمع ال من جهنم وال من الجنة‪ ...‬إن‬
‫علماء الدٌن وضعوا الشرابع لزرع الكابوس فً النفوس و هذه هً الرشوة‬
‫التً تحرر المذنب من العذاب لذلك نرى المعابد و المساجد و الهٌاكل تبنى‬
‫حول األرض لخبلص الشعب من نار جهنم و لراحة رجال الدٌن فً‬
‫الجنة‪ ...‬هذه هً لعبة الهر والفؤر‪ ,‬علفى مدار الدهر‪ ...‬و أٌن هو الحل؟‬
‫الحل فً العقل‪ ....‬أعقل أٌها اإلنسان و انظر بعٌن البصٌرة حٌث ال ذنب‬
‫و ال عٌب‪ ,‬و هذه هً الحرٌة من الرذٌلة و من الطمع و من الخوؾ‪ ,‬و ال‬
‫تتقٌد "بمخافة هللا رأس الكنٌسة"‪ ...‬ال رأس وال حكمة‪ ...‬الحكمة لٌست فً‬
‫الرإوس و ال فً النصوص بل فً النفوس الطاهرة من أي تلوث فكري و‬
‫عقبلنً‪ ...‬إن هللا محبة و المحبة ال تعرؾ الخوؾ و ال العذاب و ال‬
‫اإلدانة‪...‬‬
‫ال جنة و ال نار‪ ...‬بل عٌش اللحظة فً ٌقظة‪ ...‬االن و هنا سر كٌان‬
‫اإلنسان من هنا إلى هنا و من االن إلى االن مسٌرة كل إنسان‪...‬‬

‫كٌف أتخطى الخوف؟‬

‫واجه الخوؾ‪ ...‬إن خفتم من شًء فادخلوا فٌه‪ ...‬اإلنسان الذي ال ٌزال‬
‫على الفطرة ٌكون أقل خوفا ً من اإلنسان المتدٌّن الذي ٌعٌش الخوؾ و‬
‫الذنب و العقاب و الحرمان من الجنة و الى ما هنالك من تفاسٌر عن النار‬
‫والنور‪ ...‬حتى فً زمن المسٌح عندما كان فً أش ّد أٌامه و ساعات محنته‬
‫كان تبلمٌذه ٌسؤلونه من سٌكون معك فً السماء؟ كان كل همهم المقاعد و‬
‫السلطة فً األرض و فً السماء‪ ...‬طبعا ً اعترفوا و أقرّ وا بؤن ٌسوع هو‬

‫‪147‬‬
‫األقرب إلى هللا و لكن من منهم سٌكون األقرب إلى ٌسوع؟؟ هذا القلق‬
‫سبب الطمع و الخوؾ من خسارة كرسً الرآسة أو المنصب الربٌسً‪...‬‬
‫لن ٌهتم أي واحد منهم بصلب المسٌح بل بالمصالح الشخصٌة‪ ...‬هذه هً‬
‫حالة جمٌع الدٌانات‪ ...‬من سٌكون الخلٌفة من بعدك أٌها النبً؟ إن الطمع‬
‫هو سبب الخوؾ‪ ...‬الجشع للمال أو هلل‪ ...‬أصبح هللا هو المال أو المال هو‬
‫هللا‪ ...‬ال نزال من طمع إلى طمع و اآلن نخاؾ من الوضع السٌاسً و‬
‫االجتماعً و السلطة الدٌنٌة أو القانونٌة أو أي سبب ٌزر ع فٌنا الطمع و‬
‫الخوؾ فً الحٌاة و فً الموت‪ ,‬و نطلب النجاة من النار و من ٌوم‬
‫الحساب و ٌوم الدٌنونة‪ ,‬حتى القدٌسٌن فً الدٌانة المسٌحٌة نرى حٌاتهم‬
‫كلها خوؾ و إرهاب و ترهٌب و ترؼٌب و دابما ً على عتبة الباب اما‬
‫الجنة و إما النار والمسٌح على الصلٌب‪ ...‬و لماذا هذا الذنب و هذا‬
‫العذاب؟؟ طبعا ً لنكون عبٌد رجال الدٌن‪...‬‬
‫العابد ال وسٌط بٌنه و بٌن الخالق و لكن العبد أصبح سلعة بٌد تجار‬
‫الدٌن‪ ...‬و لكن الرحمة ال ُتدِن و ال تحكم و ال تفرّ ق و ال تظلم بل تقبل كل‬
‫شًء كما ٌشاء الخالق و المخلوق‪ ...‬علٌنا أن نفهم و ندرك سبب وجودنا و‬
‫أن نحٌا حرٌتنا مع أنفسنا و مع خالقنا دون أي وسٌط عندبذ نحٌا السكٌنة‬
‫حٌث ال خوؾ بل "طوؾ و شوق"‪ ...‬ادخل إلى القلب و سترى سرّ الرب‬
‫و من عرؾ ربه عرؾ سره‪ ...‬ال تتحرك ال مع الطمع و ال مع الخوؾ‪,‬‬
‫هذه الحالة عملة واحدة ذو وجهٌن‪ ...‬الطمع ٌخاؾ و الخوؾ ٌطمع و معا ً‬
‫ٌسٌران فً السراء و فً الضراء‪ ...‬وحده الفهم أو اإلدراك أو الوعً‬
‫ٌقوٌنً ألرى األشٌاء كما هً و أن اقبل الوجود بعقلً و بقلبً كما هو‪ .‬و‬
‫هذه هً رحمة هللا على عباده أجمعٌن‪...‬‬
‫ٌا هللا ساعدنً حتى أرى األشٌاء كما هً ألن الوعً هو المشاهدة‬
‫بالبصٌرة و القدرة على االستٌعاب من القلب إلى لبّ القلب‪ ...‬منذ ألوؾ‬
‫األجٌال و ال أزال من جهل إلى جهل أرفض الحب و أستقبل الحرب من‬
‫دمار إلى دمار أكبر‪ ,‬حتى اخترعت القنبلة الذرٌّة ألدمر جمٌع‬
‫االختراعات‪ .‬اللصوص ال ٌزالون ٌتحكمون فً الرإوس و النصوص و‬
‫النفوس وكذلك المجرمٌن و علماء الدٌن و المفسدٌن و المفسرٌن‪...‬‬
‫اإلمراض تزداد و األدوٌة و التجارة بالصحة و اإلنسان و السجون دخلت‬
‫البٌوت! و القوانٌن؟ حدث و ال حرج‪ .‬باسم العدل ازداد اإلجرام و‬
‫الجهل‪ ...‬و الفسق و الفجور فً األكواخ و القصور‪ ...‬و أٌن األنظمة؟ انها‬
‫تزداد تعقٌداً و تفٌداً و طبعا ً لخدمة المحامً ألحرامً ألنه هو حامٌها و‬
‫حرام من "المباشر" حتى القاضً و من البواب نستقبل الجواب "أهبل‬

‫‪148‬‬
‫بالجٌوب قبل األحباب" ‪ ,‬وأٌن الجواب "ال فً المساجد و ال فً المدارس و‬
‫ال فً المشفى و ال فً السجون‪ ,‬و رحم هللا البٌوت و أهلها ألن األم ماتت‬
‫من األمومة و األب ؼٌر موجود أصبل و ال فعبلً و ال معروؾ أصبلً بل‬
‫همه المال و المٌول‪ ,‬و هذه هً حالتنا منذ التارٌخ و حتى الساعة نتعلم‬
‫االجرام من أهل السٌادة و االحترام‪ .‬لقد تعرفت على بعض السجناء و قال‬
‫لً أحدهم أننً زابر مستمر إلى السجن‪ ,‬انه مدرستً حٌث أتعلم المهارة و‬
‫البراعة فً السرقات المهمة و أعرؾ الطرق الؽامضة للهروب و للتهرٌب‬
‫بالطرق القانونٌة و أكثر القضاة أصدقابً و كذلك رجال األمن‪ ,‬و األنا‬
‫أصبحت من أهم الخبراء فً التعلٌم‪ ...‬أدرب السارق على أفضل الطرق‬
‫كً ال ٌقع فً الفخ‪ ,‬و االنتباه و المراقبة و الحذر من كل خطر‪ .‬لكل مهنة‬
‫شروطها و قانونها و اإلنسان القانونً الذي ٌفرض و ٌدعم و ٌقرر قوانٌن‬
‫االجرام و هو أٌضا ً من العابلة المجرمة ألنه ٌتعامل معهم على أساس‬
‫العمولة و هذا هو االنصاؾ فً العدل‪ ...‬األمن و القانون و الجرٌمة شبكة‬
‫واحدة موحدة فً شركة أهل الشرك‪...‬‬
‫التارٌخ ٌعٌد نفسه بؤلم أكبر و أكبر و الى أٌن المصٌر؟‬
‫األنبٌاء تقول بؤنّ التؽٌٌر ٌبدأ من النفس و المعرفة هً الباب و اإلدراك و‬
‫هو الصواب و الٌقٌن هو الرضى و التسلٌم‪ ,‬و أٌن هو العلم و التعلٌم! هو‬
‫فً النفس التواقة إلى هذه النعمة‪ ,‬طوبى للعطاشى إلى التؤمل‪ ...‬إن ؼار‬
‫حراء فً كل قلب ٌحب السبلم‪ ...‬الكتاب المقروء هو بٌن ٌدٌك و فً قلبك‬
‫الجواب استفتً قلبك‪ ...‬أسؤل نفسك‪ ...‬تؤمل فً التارٌخ و فً هذه اللحظة‬
‫و أٌن الجواب؟ أٌن الٌقظة؟ ما هً فكرة الجنة و النار؟ من الذي اخترعها‬
‫و لماذا؟ هً أٌضا ً مكافؤة و عقاب و لماذا الشعور بالذنب؟ ما هً‬
‫الخطٌبة؟ كلنا فً ظبلل‪ ...‬و أٌن هو الصراط المستقٌم؟ هذا هو الباب إلى‬
‫الحق‪ ...‬أرشدنً و كن أنت الدلٌل و أنت الحبٌب إلى القلب‪...‬‬
‫أنا لست بحاجة إلى أي مقام أو أي وسام أو أي شهادة‪ ,‬بل التوحٌد باهلل هً‬
‫الحٌاة التً بها و معها نحٌا لؤلبد‪ ...‬التوحٌد بقدر الحدود و ٌلؽً الحواجز‬
‫و ٌسلّط األضواء على الوضوء األكبر و نرى األلوهٌة بٌن البصٌرة دون‬
‫أي شرٌعة أو أي فرٌضة‪ ,‬بل كما خلقتنً ٌا هللا‪ ...‬أنا لست بحاجة إلى أي‬
‫قدٌس أو أي مرشد أو معلم أو أي كتاب أو أي عالم بل إلى أخ من أهل‬
‫الطرٌق إلى األخ باإلنسانٌة و باألخبلق و بالتقوى إلى األخت التً ترانً‬
‫كما ٌرانً هللا دون أي تؽٌٌر أو أي تبدٌل أو تحوٌل‪ ...‬هذه هً الرحمة فً‬
‫المعاملة أن أقبل نفسً كما أنا اآلن دون أي شرط أو أي التزام‪ ,‬هذا هو‬
‫العلم بالٌقٌن و بالمعرفة‪ .‬من هذه المعرفة تنمو البذرة و تسمو إلى درجات‬

‫‪149‬‬
‫السمو اإللهً بالفطرة الطبٌعٌة ألنها نتٌجة الرضً و التسلٌم‪ ...‬الرحمة‬
‫تؽٌرنا دون الكبلم عن التؽٌٌر‪ ...‬تحصٌل حاصل دون عمل حٌث الٌمن و‬
‫الفرح ٌنمو و ٌسمو من تلقاء نفسه انها نعمة من هللا لٌست بحاجة إلى تقٌٌم‬
‫أو تقدٌر بل فٌض من روحه الرحٌمة إلى جمٌع مخلوقاته دون قٌد أو شرط‬
‫بل لتكن مشٌبتك ٌا هللا‪ ...‬علٌنا أن نعقل و نتوكل‪ ...‬و أنت خٌر العارفٌن‪...‬‬
‫ان للرحمة أبعاد تتؤلق مع جمٌع العباد لتحولنا من الفكر إلى الذكر‪ ...‬و هذا‬
‫النور ٌسطع من البصر إلى البصٌرة حٌث ترى و تشهد بوضوح مباشر و‬
‫مواجه مع الموجات الطبٌعٌة فً اإلنسان و فً األرض دون أي منع أو‬
‫ُ‬
‫حددت من‬ ‫تؤخٌر أو إعاقة أو أي أذى‪ ...‬ألنه إذا قلت "هذا رج ٌل صالح"‪...‬‬
‫وجود ِه و قٌَّد ُت ُه بصفة من فكري و وضعت علٌه عبلمة و صنفت ُه فً‬
‫خزانة خاصة‪ ...‬لقد قررت و أصدرت قراراً مرتجبلً انه طالح أو‬
‫كشفت سره وؼموضه "انه‬ ‫ُ‬ ‫صالح‪ ...‬علّبت ُه و حجّ مت ُه على ذوقً و فكري و‬
‫صالح"‪" ,‬انه كرٌم"‪" ,‬انه كذاب"‪ ,‬و هكذا أتعامل معه و أتفاعل مع هذه‬
‫الصفات دون أن أرى و أشهد لهذا اللؽز و هذا السر اإللهً و هو مرآة‬
‫لً‪ ...‬ما لم أتعرؾ على نفسً ال أستطٌع أن أتعرّ ؾ على أي نظرة‬
‫أخرى‪...‬‬
‫اإلنسان ٌتؽٌر مع كل نفس و نفس‪ ...‬فً الصباح أكون جٌدة أو صالحة و‬
‫متصالحة وفً المساء ذهب الحب و انفجر الؽضب و فً اللٌل أتت‬
‫السكٌنة‪ ...‬و من أنا؟ من أٌن تؤتً هذه المشاعر و هذه االنفعاالت؟ أٌن هذا‬
‫الرجل أو هذا الزوج أو الصدٌق الذي كان محبا ً و كرٌما ً منذ لحظات؟ مع‬
‫من أتكلم و مع من أحٌا؟‬
‫هذه هً الصفات أو العبلمات التً أضعها على كل إنسان كاألسعار‬
‫تماما ً‪ ...‬لكل آلة أو سلعة سعر خاص ٌتؽٌر حسب المواسم و كذلك نتعامل‬
‫مع الناس‪ .‬أنت االن جٌد جداً‪ ...‬ممتاز‪ ...‬لص‪ ...‬سٌاسً‪ ...‬قاضً‪ ...‬أم‪...‬‬
‫زوجة‪ ...‬و الى ما هنالك من أدوار و أسعار و شعور‪ ...‬حوّ لت نفسً إلى‬
‫آلة و نسٌت بؤننً اٌة خلقنً هللا بعناٌة‪ ,‬و أهملت هذه النعمة و حولتها إلى‬
‫نقمة‪ ,‬و االن أنتظر الدفن فً العناٌة الفابقة تحت اسم البٌت أو الدار أو‬
‫القصر‪ ,‬و ال اعرؾ شٌبا ً عن نفسً و حٌاتً و دوري‪ ,‬بل فً ؼٌبوبة‬
‫أنتظر القبر بدون صبر‪ ...‬هذا هو إنسان الٌوم حول العالم‪ ...‬مشاكلنا ال‬
‫ُتع ّد و ال تحصى كلها معقدة و مقٌدة بالصعوبات و المشاكل التً ال تح ّل و‬
‫ال تم ّل ألننا تعودنا على هذا النمط من الحٌاة و العادة أصبحت عبادة و‬
‫إبادة‪...‬‬

‫‪150‬‬
‫راقب نفسك الٌوم ولو لمرة واحدة‪ ...‬مع من تتحدث االن؟ مع زوجتك أو‬
‫مع فكرك؟؟‬
‫كن صادقاًَّ مع نفسك و سترى الحقٌقة بنفسك‪ ...‬أنت االن مع زوجتك فً‬
‫السرٌر‪...‬‬
‫هل أنت فً السرٌر أو فً المكتب‪ ...‬هل أنت مع الزوجة أو مع أي‬
‫شخص أو مع عدة أشخاص؟ هل أنا أكتب االن و أنت تقرأ أو أنا اقرأ؟‬
‫ماذا نفعل االن؟‪ٌ ...‬قول الحبٌب‬
‫"نحن قوم ال نؤكل حتى نجوع" ماذا قصد فً كلمة قوم؟ التوحٌد مع الجوع‬
‫و مع مشاعر القوم؟ العٌش مع الحق الصادق بكل لحظة؟ التوحٌد مع‬
‫الجسد؟‪ ...‬مع األرض؟ إننً أفكر باألخر و األخر أٌضا ٌفكر باألخر‪ ...‬و‬
‫ما هذا الحشد أو الجمهور إال األفكار التً تتبلعب و تتضارب فً الفكر و‬
‫النفس و ما هو الحل؟ اإلنسان الحقٌقً و الواقعً هو سٌل من األنهار‬
‫تتدفق و تجري من لون إلى لون و من مكان إلى مكان‪ ,‬و هذه هً الحٌاة‬
‫الحٌة فً كل كٌان كابن فً سر الزمان‪ ...‬طالما أنت ال تزال تجري فً‬
‫نهر الحٌاة فؤنت ؼٌر ثابت و ؼٌر مستقر من حٌث الفكر‪ ...‬عندما سبل‬
‫الحكٌم "هل أنهٌت عملك الٌوم" أجاب كٌؾ استطٌع أن أنهً عملً و أنا ال‬
‫زلت على قٌد الحٌاة؟" لكل حدث حدٌث و لكل مقام مقال‪ ,‬و انظر إلى‬
‫الطبٌعة انها فً عمل مستمر من فصل إلى فصل و من لحظة إلى لحظة و‬
‫التؽٌٌر نظام طبٌعً ثابت و مستقر بقراره‪...‬‬
‫إن الوالدة و الموت هً فً كل َن َفس و َن َفس‪ ...‬بٌن الشهٌق و الزفٌر نرى‬
‫و نشهد و نتابع الحج إلى ما شاء هللا‪ ...‬طالما أنت ال تزال حٌا ً فالتؽٌٌر‬
‫حً فٌك حٌث ال صفة ترضٌك‪ ...‬الصفة هً لؤلموات حٌث ال تؽٌٌر و ال‬
‫تبدٌل‪ٌ ...‬مكنك أن تكتب على القبر أي صفة ألنه مٌت و الصفات الثابتة‬
‫هً من حق األموات ألن التؽٌٌر من حق اإلحٌاء‪ ...‬و لكن عندما تقول‬
‫"ابنً ولد مطٌع و عاقل و شاطر و زكً و بحبنً" و الى ما هنالك من‬
‫صفات تذكر بؤنها مجرد صفة تتؽٌر بلحظة و كؤنك تصؾ أي سلعة و‬
‫تسعرها فً ملؾ خاص و من هنا تبدأ المشاكل ألننً سؤدعم هذا الملؾ‬
‫وهذا العمل المصنؾ‪ ...‬أقول "بؤن ولدي مزعج" سٌبدأ باإلزعاج لٌبرهن‬
‫لً بؤننً صادقة و بؤنه ٌحبنً‪ ...‬هذا هو التفكٌر البلواع‪ٌ ...‬خترع و ٌبتكر‬
‫أدوار جدٌدة لئلزعاج ألنه ٌحب أمه و سٌبرهن لها بؤنها على حق‪ ,‬و هذه‬
‫المساومة تبدأ ما قبل الحمل و بعده ‪ ...‬من الرحم حتى ما بعد " هللا ٌرحمه‬
‫هو و أهله"‪...‬‬

‫‪151‬‬
‫لنستمع معا ً و لنتمتع معهن‪ ...‬ثبلثة نساء ٌتفاخرن عن أوالدهن حٌث قالت‬
‫األولى "ولدي عمره خمس سنوات و ٌكتب قصص للكبار و للصؽار و لقد‬
‫تفوق على أهم الك َّتاب و الشعراء "‪.‬‬
‫و قالت الثانٌة "انه ال شًء بالنسبة إلى ولدي‪ ...‬انه فً الرابعة من عمره‬
‫و ٌرسم لوحات أهم من بٌكاسو و ؼٌره و ال ٌستخدم أي رٌشة بل فقط بٌده‬
‫و أكثر األوقات ٌرمً األلوان على اللوحة الزٌتٌة و تظهر الظاهرة‬
‫الؽرٌبة من هذا البارع و المبتكر و المبدع"‪.‬‬
‫و قالت الثالثة‪ ...‬أوالدكم ال شًء بالنسبة إلى و لدي‪ ...‬انه فً الثالثة من‬
‫عمره و ٌذهب بنفسه إلى الطبٌب النفسانً"‪...‬‬
‫إذا صنفنا أوالدنا دفعنا بهم إلى الجنون‪ ...‬إلى التدمٌر‪ ...‬جمٌع الصفات‬
‫تدمر الكبار و الصؽار و من السهل جداً أن نتبع أفكار األكثرٌة ألننا نمٌل‬
‫إلى الفكر الجماعً‪ ,‬ألننا تخلٌنا عن الشخصٌة الفردٌة المستقلة و األصٌلة‬
‫بإحالتها و بجوهرها‪ ,‬و أصبحنا نسٌر مع القطٌع حسب حسابات الراعً‪...‬‬
‫راقب سمعك‪ ...‬سمعت إشاعة ماذا فعلت بها؟ نعم صدقتها و نشرتها حسب‬
‫فكرك و هكذا تصبح الحقٌقة كذبة و الكذبة حقٌقة و نتهم و نلوم و نوجه‬
‫إصبع االتهام إلى صدى اإلشاعة التً كتبت بؤحرؾ من إشارات ضوبٌة‬
‫على فبلن أو فبلنة و ال مفر من االنسجام مع البلفتة و العٌش مع التهمة‬
‫ألن المجتمع فرض علً فرٌضته بؤننً سارقة أو داعرة أو زانٌة أو كافرة‬
‫و الى ما هنالك من أوساخ و اآلم نفرؼها من إناء إلى إناء و هذه هً‬
‫مسٌرتنا مع األوانً دون الدخول فً سر المعانً‪ ...‬و مع الوقت تصبح‬
‫التهمة حقٌقة كالدعاٌة تماما ً و أتصرؾ حسب الطلب و الذنب و هذه هً‬
‫حال المجتمع العالمً و بنوع خاص فً األمة العربٌة حٌث ال نقرأ و ال‬
‫نسمع و ال نصؽً و ال نفهم و ال نحفظ بل ننشر ما ال نعلم‪ ...‬لذلك نستثمر‬
‫فً نشر الدعاٌات و الدعارات و انظر إلى الفضابٌات و الفضاحٌات و الى‬
‫ما هو آت و ال حول و ال قوة إال بك ٌا ارحم الراحمٌن‪...‬‬
‫لنتذكر قصة الزانٌة التً أتت إلى الرسول و قالت له انها حامل و طلبت‬
‫منه الموت‪ ,‬لكنه أعطاها الرحمة و قال لها‪ :‬بعد أن تلدي‪ .‬و عادت و قالت‬
‫لقد ولد الطفل و أرٌد الموت ألتخلص من هذا العذاب‪ ...‬وطلب منها أن‬
‫ترضع طفلها حولٌن‪ ,‬و هذه هً الرحمة ألنها لٌست بزانٌة‪...‬‬
‫كتب على ابن ادم الزنا بحواسنا و أفكارنا و من األلم نتعلم و هذه هً‬
‫مدرسة الحٌاة‪...‬‬
‫االمتحان ٌؤتً قبل الشهادة على عكس مدرسة الكتب‪ ...‬شهادة هللا فً القلب‬
‫و شهادة الدولة على الحابط لخدمة الجٌب‪ ...‬هللا لم ٌصنؾ عباده بل كلنا‬

‫‪152‬‬
‫عٌاله و كلنا إخوة فس هللا و كل فرد فرٌد و ممٌز و خلٌفة هللا الوحٌد حٌث‬
‫ال استنساخ و ال عملٌات تجمٌل و تشبٌه‪...‬‬
‫و مهما فرض علً من تقالٌد و قٌود سٌؤتً زمان اهرب به من االدعاء و‬
‫اخلع عنً هذا القناع و أعود إلى القناعة و أعٌش مع نفسً لنفسً و ابتعد‬
‫عن أي خدعة و عن أهل النفاق و أحرر نفسً من السجن الداخلً إلى أن‬
‫أتعرؾ على هذا السر الساكن فًّ ‪ ,‬عندبذ أعود إلى العالم و أرى باب كل‬
‫وجه هو مرآة لً و أنا المسإولة عن هذه الصفات التً رأٌتها فً الناس و‬
‫أعتزل‪ ,‬و لكن دون أي تبرٌر بل حبا ً بالخلوة و بالجلوة ألن هللا إذا أحب‬
‫عبده عزله عن العالم و هو فً العالم ‪ ...‬أنت سٌد الدنٌا و عابد هللا‪...‬‬
‫تذكرت هذا اللقاء مع احد العارفٌن باهلل‪...‬‬
‫قلت له "هنٌبا ً لك ٌا سٌّدي‪ ...‬ما هذه القوة التً تملكها حتى تركت العالم و‬
‫انصرفت إلى هللا؟‪ ...‬فابتسم و قال لً "أنت األقوى‪ ...‬إننً تركت الدنٌا‬
‫ألنها ضعٌفة و سخٌفة و تافهة و اتجهت إلى هللا‪ ,‬و لكن األقوى منً هو‬
‫الذي ٌترك األقوى و ٌتجه إلى األضعؾ‪" ...‬انها شعلة من نور تذكرنً‬
‫بضعفً و بقوة هللا فً ضعفً و الى أٌن أتجه؟ نعم أٌنما تولٌتم فتم وجه‬
‫هللا‪ ,‬و لكن بعد أن نرى هللا فً كل شًء‪ ...‬و هذا ما أسعً إلٌه و األمل‬
‫فً رحمته التً وسعت كل شًء و أنا شًء‪ ...‬أعٌش التنافر و التقلب‬
‫علنً بذلك أتؽلب على الشٌطان الذي ٌوسوس فً نفسً‪ ,‬و ال نخاؾ طالما‬
‫نتمسك باألصول و بالجذور و نعٌش األضداد و التناقضات‪ ,‬و هذه هً‬
‫حرٌة الخٌار فً الخلٌفة المختار‪ ...‬نحٌا الشر و الخٌر و نرى هللا فً كل‬
‫شًء‪...‬‬
‫من هو اإلنسان الحر؟ من هو المختار؟ من هو المصطفى؟ من أنت؟ ال‬
‫تحتار‪ ...‬أنت الحرٌة و أنت الحٌاة و الموت ولك الخٌار ٌا سر هللا‪ ...‬أنت‬
‫ٌساري و أنت ٌمٌنً دو ن أي منع أو إعاقة بل الرضى و االحترام ألي‬
‫خٌار و ألي مقام‪ ...‬أٌها الكافرون لكم دٌنكم و لً دٌنً‪...‬‬
‫هذه هً الرحمة و الحرٌة‪ ...‬أنت منفتح و أبوك منطوي على نفسه و لنا‬
‫الخٌار مهما كان خٌارنا‪ ...‬حرٌتنا هً التً تختار ما تشاء فً أي لحظة‬
‫تشاء‪ ,‬و لك الحق أن تدعو هللا بما تشاء‪...‬‬
‫اللهم اجعل ما أشاء موافقا ً لما تشاء كً ال ٌصٌر ما أشاء مخالفا ً لما‬
‫تشاء‪ ...‬و هللا ٌستجٌب الدعاء النابع من لبّ القلب حٌث الوصل‬
‫باألصول‪ ...‬و لكن تعودنا أن نفرض نموذج خاص على البشر لٌكونوا‬
‫كالقطٌع األعمى الثابت فً الرأي‪ ,‬و هذا هو اإلنسان الذي نقدره ألنه‬
‫مطٌع لؤلوامر و لبلنسجام مع الحاكم‪ ...‬هذا هو الموت حٌث ال حٌاة لمن‬

‫‪153‬‬
‫تنادي‪ ,‬فً الدنٌا أعمى و فً اآلخرة أعمى و أض ّل سبٌل‪ ...‬عندما تقولٌن‬
‫بؤن زوجك جدٌر بالثقة ماذا تقصدٌن بهذه العبارة؟ أي ال ٌلتفت إلى أي‬
‫امرأة ؼٌرك؟ أي أنه مٌّت شعورٌاً؟!! إذا ال ٌنجذب إلى أي امرأة كٌؾ‬
‫ٌنجذب إلٌك و معك؟ أنت امرأة! هل ٌ ّدعى و ٌتظاهر لك بالحب؟ إذا كان‬
‫ال ٌزال حٌا ً و التقى بامرأة جمٌلة فالحٌاة تدعو الحٌاة‪ ,‬و كذلك عند المرأة‬
‫أٌضا ً‪ ...‬الحب و الجذب ال ٌموت انه النبض و الفٌض الحقٌقً فً طبٌعة‬
‫اإلنسان‪ ,‬هذا ال ٌعنً أن ٌذهب إلٌها و لكن الجذب و االؼراء و التشوٌق و‬
‫الجاذبٌة طاقة طبٌعٌة‪ ,‬لٌس من الطبٌعً أن ننكرها أو نرفضها‪ ...‬الرحمة‬
‫تقول‪ :‬كن صادقا مع حرٌتك عندبذ تنمو فٌك الذات اإللهٌة و تحٌا الكٌنونة‬
‫الممٌزة دون أي صفة من ؼٌر توقع أو تكهن‪ ...‬كن متدٌن و لكن أبعد من‬
‫أي صفة أخبلقٌة أو دٌنٌة‪ ...‬هذه هً الحقٌقة المستقلة المنعزلة عن الفكر و‬
‫العقل و عن أي طبع أو سمعة أو خلق‪ ...‬الرحمة أبعد من األخبلق و من‬
‫جمٌع الصفات المصنعة‪ ...‬الرحمة هً ؼٌث اللحظة بتجاوب من القلب‬
‫دون العودة إلى الماضً أو التنبإ بالمستقبل بل كن فسٌكون‪...‬‬
‫لنصؽً معا‪ :‬صاحب الطبع ٌحٌا الماضً ألنه متمسك بالتارٌخ‪ ...‬الحبٌب‬
‫صاحب أخبلق ال أطباع و األخبلق تنبع من اللحظة أي بالتجارب مع‬
‫القلب حسب الطلب ال حسب الطبع‪ ...‬الطبع ٌؤتً من الماضً‪ ...‬الطبع‬
‫ؼلب التطبع لذلك ٌعٌد الماضً و كؤنه فونؽراؾ أو آلة أو ببؽاء تعٌد‬
‫التسجٌل‪ ...‬ال شًء جدٌد بل إعادة تجدٌد و ترمٌم و هذا إنسان نتكل علٌه‬
‫ألنه حدٌد ٌتكلم ال ٌتؽٌر بوعده و بكبلمه‪ ,‬ثابت على رأٌه له منفعة خاصة‬
‫و فابدة كبٌرة لكنه آلة ال حٌاة لمن تنادي‪ ...‬اآللة لها طبع ثابت و تستطٌع‬
‫أن تعتمد علٌها لذلك ستحل محل اإلنسان‪ ...‬انظر إلى الجمل و الى السٌارة‬
‫الجمل هو ملك الصحراء و له شخصٌته الممٌزة و له طبع ٌتؽٌر مع‬
‫الفصول و مع األحوال و ٌتجاوب مع الطبٌعة و مع أهلها‪ ,‬باألمس كان‬
‫مطٌعا ً و الٌوم أصبح متمرداً و من الممكن أن ال ٌصؽً إلى صاحبه بل‬
‫ٌعصى أوامره‪ ...‬عنده ذات و عزة نفس على عكس السٌارة التً تسٌر كما‬
‫ٌؤمرها السابق‪ ...‬ترمً بنفسها من الجبل إلى السهل أو الى البحر دون أي‬
‫اعتراض و لكن الجمل ال ٌقبل االنتحار بل ٌرفض و ٌدعك أن ترمً‬
‫بنفسك لوحدك و لكن اآللة ال تعرؾ الحٌاة ألنها سلعة جامدة صنعت‬
‫لخدمة اإلنسان‪ ...‬و هذا ما نراه الٌوم فً عصر اآللة التً تعمل على مدار‬
‫الساعة و تستطٌع أن تتكل علٌها و جدٌرة بالثقة‪ ,‬و هذا ما نحاول أن نفعل‬
‫باإلنسان أي أن نحوله إلى آلة‪ ,‬و لكن لم نفلح بعد لذلك نطوّ ر اآللة لتصل‬
‫إلى درجة األنسنة و أفضل‪ ,‬و بذلك تحل محل الناس و ترحل من كوكب‬

‫‪154‬‬
‫إلى كوكب و من مجرة إلى مجرة و لماذا االتكال على البشر طالما الحدٌد‬
‫و الحجر أفضل من البشر؟؟ اإلنسان طبعه مزاجً ألنه ٌتفاعل مع ذاته‬
‫البشرٌة المتصلة باألسرار اإللهٌة و تحٌا اللحظة بؤوامر من قلبه و روحه‬
‫و ال ٌعود إلى الماضً أو المستقبل بل ٌحٌا اآلن و هنا بوالدة جدٌدة بٌن‬
‫كل نفس و نفس‪ٌ ...‬تجاوب مع نفسه و مع جاره و ٌحٌا البراءة و الحكمة‬
‫على الفطرة و العفوٌة و ال ٌردد كلمات مبتذلة كرجال السٌاسة و الدٌن و‬
‫التجار بل ٌتحول مع الحال حٌث ال تارٌخ و ال مستقبل بل اآلن هو الزمان‬
‫و المكان ٌصؽً إلى لؽة اللؽات أي إلى صمت المعرفة و هً أبلػ من أي‬
‫كبلم و ال ٌعرفها إال العارفٌن باهلل‪...‬‬
‫لماذا قدم الحبٌب البُردة إلى أوٌس الذي لم ٌراه احد؟ قبل أن ٌرحل النبً‬
‫أوصى بؤن ُتعطى بُر َد ُت ُه إلى أوٌس القرنً و ذهب االمام علً ٌبحث عنه‬
‫فً الصحراء مع الناقة و تعجب من هذا الدروٌش الفقٌر الذي أحبه‬
‫الرسول دون أن نراه أو نعرفه‪ ...‬و تعرؾ علٌه و قال لئلمام علً‪ " :‬كنت‬
‫معه فً معركة أُحُ د و هذه عبلقة مشتركة حٌث و قع سنً و هو أٌضا ً‬
‫خسر نفس السن و فً الوقت نفسه و عند لحظات كان هنا و تحدثنا معا ً‬
‫"وسؤله االمام علً‪" :‬لماذالم تؤتً إلى مكة و المدٌنة‪ ,‬لماذا لم نراك؟" غ لقد‬
‫سمعته ٌقول "علٌنا أن نقوم بواجبنا تجاه أهلنا و عٌالنا و األرض و‬
‫الحٌوانات و كلنا نلتقً بالعمل الصالح و كل عمل عبادة و كنت أخدم أمً‬
‫و اآلن رحلت إلى اآلخرة‪ ,‬و لكن عندي هذه الناقة ال زلت أهتم بها‪ "...‬و‬
‫لما سؤل كٌؾ ٌرى النبً أجاب "إننً أراه بعٌن البصٌرة و بحال الحق"‪...‬‬
‫و بكى األمام علً و قال‪" :‬لقد رأٌته بالحق مرة واحدة" أي بالجسد اإللهً‬
‫أي محمد الحقٌقً ؼٌر محمد التارٌخ‪ ...‬االٌمان لٌس بمحمد بل باهلل الحً‬
‫و محمد حً مع الحً القٌوم‪ ...‬و لكن لماذا اختار أوٌس بدالً من الصحابة‬
‫أو األهل أو أي من األصدقاء‪...‬؟ ألن لؽة الصمت هً لؽة اإللهة و أهل‬
‫النور‪ ,‬و هً أقوى من لؽة الصوت و الصور و الكبلم‪ ...‬انها اللؽة النابعة‬
‫من لبّ القلب و تنتشر حول العالم و أسراره‪ ,‬و أوٌس كان أحد هإالء‬
‫األحباب الذي ٌتجاوب من لبّ القلب و هذه هً على سرر متقابلة‪ ,‬إنهم‬
‫اآلن و فً كل زمان‪ ...‬هإالء العارفٌن متقابلٌن فً جنة اللحظة حٌث‬
‫الكشؾ عن البصٌرة أبعد من حدود الوصؾ بالكلمات‪ ,‬و هذا ما فعل به‬
‫اإلمام علً قبل أن ٌقتله أبو ملجم حٌث أتى رجبلً إلى المسجد و م ّد ٌده إلى‬
‫األمام فؤعطاه الخاتم دون أن ٌنظر الٌه بل وضع الخاتم فً ٌد السابل و‬
‫نظر إلى القاتل و قدم نفسه قاببلً "فزت و رب الكعبة"‪ ...‬هذه هً لؽة‬
‫الصمت‪ ...‬لؽة ما قبل البدء و بعدها‪ ...‬لؽة أهل البٌت حٌث ال بٌت لهم فً‬

‫‪155‬‬
‫الدنٌا‪ ...‬و من عرؾ الحق أكرمه خالق الحق‪ ...‬و هذه هً لؽة الصمت‬
‫ألهلها‪ ...‬أهل الكبلم ٌعطً لهم الكبلم‪" ,‬و فً البدء كانت الكلمة" و لكن‬
‫السكٌنة كانت و ال تزال قبل البدء و ألهل السكٌنة حٌث ال كبلم و ال لؽو‬
‫بل سبلم دون أي كبلم‪ ...‬و لكن من نحن فً مرتبة الكلمة؟ أٌن نحن من‬
‫رتبة و رؼبة الشرٌعة؟ ال أزال أتلمس الطرٌق و أبحث عنك أٌها‬
‫الصدٌق‪...‬‬
‫لماذا قال األمام علً "فزت ورب الكعبة"؟ ما هو سر هذه المعرفة؟ ما هو‬
‫هذا االمتحان؟ الحٌاة امتحان و محنة‪ ...‬نؤخذ الشهادة و نشهد لها مدى‬
‫الدهر‪ ...‬كان شاهداً لها حتى ما بعد السٌؾ من خادمه‪ ...‬و فرح و رقص‬
‫رقصة الموت و الشهادة و الحٌاة األبدٌة‪ ...‬كان بصمته ٌحٌا فً كل‬
‫لحظة‪ ...‬كان ٌتجاوب من القلب إلى القلب ال من الفكر أو من التارٌخ أو‬
‫من المستقبل‪ ...‬كان هو سٌؾ الفصل و الوصل و الفاروق بٌن الحق و‬
‫الباطل‪ ,‬ال ٌنام أبداً بل شاهداً ساجداً جسده ٌنام و هو مع الحبٌب إلى‬
‫األبد‪ ...‬كان ٌتحدث مع الناس بلؽة الببلؼة و الجفر و العلم و األبعاد و مع‬
‫الخالق كان صامتا ً ٌصؽً و ٌنصت إلى لؽة اللؽات التً هً بٌن كل نفس‬
‫و نفس‪ ,‬هً الفجوة حٌث الجلوة و الخلوة و هذا هو التجلً مع الجبلء و‬
‫َعلًِّ مع أهل الدنٌا و الببلء‪ ,‬هذا هو علم التوافق عند أهل الصمت‪...‬‬
‫صمت الزهور ال صمت القبور و هذا هو سر التجاوب و االنفعال‪ ...‬إن‬
‫التجاوب ٌتؽٌر من حال إلى حال و السإال نفسه ال ٌتؽٌر و لكن التجاوب‬
‫ٌتؽٌر مع تؽٌٌر الكون و القلب فً حال انسجام مع هذا التناؼم‪ ...‬اآلن أنا‬
‫تؽٌرت من حال إلى حال‪...‬‬‫ُ‬ ‫سرقت و لكن اآلن ؼٌر اللحظة التً مرت و‬
‫اللؽة ال تتؽٌر و لكن تؽٌرت الصورة و الصمت فً تؽٌّر مستمر و الحق‬
‫ٌنبع من الصمت الحً الذي ٌتكامل مع هذه الوالدة البتولٌة المستمرة مدى‬
‫األبد‪ ,‬أي فً كل لحظة نموت و نحٌا أي عذراء من حٌث الجبلء و البتول‬
‫ألنها تلد نفسها بنفسها بتجاوب مع قلبها وربها ّ‪ ...‬إن لؽة أهل الصمت لها‬
‫أبعادها األبعد من الفكر و العقل و الجسد المحدود‪...‬‬
‫فً الحٌاة الحٌة ال أحد ٌعرؾ الجواب لذلك نقول و هللا أعلم و نتجاوب من‬
‫القلب من مصدر الدعاء المستجاب‪ ...‬فً جوهر الحٌاة ال نستخدم األجوبة‬
‫المحدودة و المكررة و المعروفة بل نصؽً إلى صمت العارفٌن‪ ,‬و أعرؾ‬
‫بؤننً ال أعرؾ شٌبا ً‪ ...‬حفظت شٌبا ً ؼابت عنك أشٌاء‪ ,‬و الشًء ؼٌر‬
‫المشٌبة و القدرة اإللهٌة‪ ...‬اإلنسان الذي ال طبع له و ال فلسفة و ال فكر أو‬
‫معتقد ٌبقى صافٌا و صاؼٌا كالمرآة ٌعكس ما بداخله و ٌدعو هللا إلى عٌش‬
‫اللحظة بالرحمة‪...‬‬

‫‪156‬‬
‫لماذا نقول بؤن المإمن مرآة المإمن؟‬
‫ما م عنى االنعكاس؟ انظر إلى المرآة انها تعكس وجهً كما هو‪ ...‬قلق أو‬
‫تعاسة أو تجاعٌد أو ابتسامة أو صدق أو نفاق أو حق‪ ...‬ال مراعاة و ال‬
‫مساومة و ال أستطٌع أن أقول لها "باألمس كان وجهً أجمل من الٌوم"‪,‬‬
‫أي أننً أعاتبها و كؤنها صاحبة أخبلق أو رحمة أو محبة أو متقلبة و‬
‫متضاربة فً األطباع و أرمٌها فً سلة النفاٌات أو أشتكً علٌها عند أهل‬
‫السلطة!! المرآة ال تعرؾ الطبع و المساٌرة و كذلك اإلنسان الصادق و‬
‫الحقٌقً الذي ال ٌحكم و ال ٌدٌن و ال ٌرجم بل ٌرحم‪ ...‬هإالء هم أهل‬
‫الذكر‪ٌ ,‬تذكرون اللحظة حٌث ال فرٌضة و ال تطفل و ال استؽبلل بل‬
‫أشهد‪ ,‬أي ال حكم وال وصٌة و ال رهبة و ال رؼبة‪ ...‬موسى وضع شرٌعة‬
‫و قانون و وصاٌا‪ ,‬المسٌح و ضع المحبة اإللهٌة‪ ,‬و الحبٌب توج الرحمة‪,‬‬
‫و لكن أٌن نحن من هذه النعمة؟ الذي ٌفرض الطبع و األدب و التهذٌب‬
‫علٌه أن ٌتكلم عن الخوؾ و الذنب و العقاب و أٌضا الجنة و النار و هذا‬
‫ما فعله أبو البشر حتى الٌوم و األهل و العلم و المدارس و أهل السلطة و‬
‫الدٌن‪ ,‬و لكن الحكماء و األنبٌاء و أهل الذكر وضعوا المحبة و الرحمة‪...‬‬
‫و الشرٌعة ألصحاب الفكر و لك الخٌار أٌها المختار‪...‬‬
‫و لكن أهل الرحمة لم ٌتحدثوا عن اإلرهاب و الذمة و الضمٌر للتبلعب‬
‫بالنواٌا بل وضعوا الوعً و اإلدراك و المعرفة و علٌنا أن نعرؾ‬
‫الفرق‪ ...‬جمٌع الدٌانات تحدثت عن الضمٌر و الذمة و لكن الرحمة هً أم‬
‫اإلدراك و الٌقٌن و الرضى و التسلٌم‪ ,‬أي ال خوؾ بل استفتً قلبك و‬
‫طوؾ فً حقٌقة وجودك و التؤمل هو المفتاح لهذا السر اإللهً و قلبك هو‬
‫العرش و هو المرآة‪ ...‬من هنا التجاوب مع اللحظة و هكذا كان الحبٌب مع‬
‫الصحابة و األحباب‪ ...‬كان باتصال مع البعٌد و القرٌب بصوت الصمت‬
‫أي بالنواٌا اخترق القلوب التً تبحث عن الحق و قال لنا‪ :‬أنا جلٌس من‬
‫أحبنً‪ ,‬من خبلل الكتاب أو القلب أو الصمت‪ ...‬كل نفس باب إلى اللبّ ‪...‬‬
‫المإمن مرآة المإمن أي الذي ٌتجاوب من القلب حٌث الرحمة هً الصح‬
‫و التفاعل و االنفعال هو عمل ضال‪ ...‬أن أكون مسإولة هذا ال ٌعنً أننً‬
‫سؤتبع أي شرٌعة بل أكون على قدر من االستطاعة برحمة التجاوب دون‬
‫أي حكم‪ ...‬أهل الرحمة هم أصحاب النور و االستنارة المضٌبة على‬
‫وجوههم ألن اإلناء ٌنضح بما فٌه و تراه العٌن‪ ,‬و لكن الٌوم أكثر العلماء‬
‫فرضوا ضرٌبة احتٌال من الخارج و هذا هو سبب الضعؾ الذي نراه فً‬
‫العالم و بنوع خاص على المسلمٌن‪...‬‬

‫‪157‬‬
‫"ال ٌؽٌّر هللا ما بقوم حتى ٌؽٌّروا ما بؤنفسهم" علً أن أتسلح من الداخل أي‬
‫بتؽٌٌر النواٌا و بتهذٌب النفس و هذا هو الدفاع أي النور الداخلً الذي ٌشع‬
‫نوره دون تفرقة بٌن البشر كشجرة الزٌتون التً تجمع الشرق و الؽرب‪ ,‬و‬
‫عندما أتوحد مع نفسً و أخً أسٌر بمصباحً على الدرب إلى الرب حٌث‬
‫التجاوب من القلب ال من الفكر و ال من الشرٌعة بل من عٌش اللحظة مع‬
‫الوعً و الٌقٌن‪ ...‬و التؤمل هو المفتاح لهذا السر الذي ٌسٌِّرنً و ٌرشدنً‬
‫إلى قمة الوعً الكونً حٌث أرى هللا فً كل شًء حتى فً تصرفات‬
‫المجرم و الحرامً و القاتل و المقتول‪ ,‬و من هذا التصرؾ أتعرؾ على‬
‫نفسً أكثر و أتحول إلى األفضل و أساعد ؼٌري لنسٌر معا ً فً رحلة‬
‫الحج هذه‪...‬‬
‫هل الحظت كٌؾ ٌتم التؽٌٌر فً حٌاتنا؟ عندما تقبلنً كما أنا دون أي‬
‫أحكام أو شروط أشعر بالطمؤنٌنة و أبدأ بالتؽٌٌر إلى األفضل‪ ...‬أن تحبنً‬
‫و تشعر معً و نتوافق فً رضى و رحابة صدر هذه هً المحبة و‬
‫الرحمة فً المعاملة و من هنا أشعر بروحً و بذاتً و أتعرؾ على نفسً‬
‫و أثق بها و أبدأ بالوالدة الجدٌدة و بالكرامة و العزة التً لم أشعر بها من‬
‫قبل‪ ,‬و هذا كله بفضل القبول من الطرؾ األخر و هكذا نحٌا معا ً إخوة فً‬
‫هللا و فً اإلنسانٌة و نتبلءم و نلتقى دون أي ألم أو أمل و نكون كما خلقنا‬
‫الخالق و نحٌا الدور الذي من أجله أتٌنا‪ ,‬و ما هذا الدور إال األمانة التً‬
‫تحٌا فً القلب و نتجاوب معها باحترام و رحمة و هذه هً النعمة التً من‬
‫أجلها نحٌا مع الحً مدى الحٌاة‪...‬‬

‫كٌف أجد من ٌحترمنً؟‬


‫عندما أحترم نفسً و أرحمها أي أقبلها كما هً تنعكس هذه الحقٌقة على‬
‫وجهً و ٌرانً من ٌبحث عن نفسه و تتآلؾ األرواح و هذه نعمة نادرة‬
‫الوجود‪ ...‬أٌها الحق لم تترك لً صدٌق و الرحمة أقوى من الحق لنبدأ‬
‫باالحترام ألول مقام من النفس دون أي شرط أو أحكام‪ ...‬ألكون كما أنا‬
‫علً أن أبدأ بالصدق مع جسدي من حٌث الطعام و الثٌاب و السلوك دون‬
‫مساومة أو مراعاة التقالٌد بل حبا ً لنفسً و لجسدي‪ ,‬و ٌكفٌنً أن ألتقً بؤي‬
‫صدٌق ٌقبلنً كما أنا‪...‬‬
‫هذا الكابن الساكن فً هذا الكفن‪ ...‬من هو؟ هو األهم من الجسد و من‬
‫كسوة الجسد‪ ...‬االهتمام هو لٌس بالمظاهر بل بالظاهر و كل إنسان ظاهرة‬
‫مختلفة عن ؼٌره‪ ...‬و كل مخلوق جمٌل و جماله من جمال الجبلل و‬
‫األنوار‪ ...‬و هذا الحب هو الؽذاء الذي ٌحً الجسد و الروح و ٌحولنا من‬

‫‪158‬‬
‫سلعة إلى خلٌفة هللا و الى مسٌح ممسوح باهلل‪ ...‬إذا التقٌت بامرأة أو برجل‬
‫من أجل الحب فستزول التعاسة و الحزن و تتحول حٌاتك إلى رقصة و‬
‫أؼنٌه من القلب إلى كل قلب‪ ,‬و هذه هً النعمة التً ال تزول‪ ...‬و لكن ماذا‬
‫فعلنا بهذه النعمة؟ انتهى شهر العسل و عدنا إلى عمر الملل و اختفى الحب‬
‫و تحوّ ل االحترام إلى الهم و االهتمام و األفضلٌة للدرهم و للدوالر و أٌن‬
‫التناؼم و أٌن االلفة و المودة؟؟ لقد تحوّ ل الحب إلى قانون و الى نظام و‬
‫الثقة أصبحت فً خبر كان و ما هو سبب هذا الفشل؟‬
‫السبب واضح جداً‪ ...‬الحب ٌنبع من الداخل و المفتاح هو التؤمل‪ ,‬و لكن ما‬
‫نراه الٌوم هذا مجرد انفعاالت عاطفٌة تنبع من المظاهر الخارجٌة حٌث‬
‫الشكل هو الدافع األساسً‪ ,‬و هذه فترة قصٌرة و سطحٌة و ٌنتهً الحب‬
‫قبل أن ٌدخل من الباب‪ ,‬و لكن التؤمل هو التمسك بالجذور و التواصل مع‬
‫العطور و عٌش االحترام و الرحمة مع النفس أوال و منها تنبع المحبة‬
‫الحرة الؽٌر مشروطة بؤي قانون أو أي تقالٌد‪ ...‬و من هذا الباب ندخل إلى‬
‫المحراب حٌث الحب و الثقة أساس العبلقة بٌن الطرفٌن‪ ,‬و عندما نرى هللا‬
‫فً كل شًء تموت اإلدانة و تحٌا القداسة فً كل عمل و فً كل نٌة‪...‬‬
‫ال اله إال هللا‪...‬‬
‫هذه هً الرحمة‪ ...‬لنرى معا ً هذه اللوحة الرحٌمة‪ ...‬إذا رأٌنا هللا فً كل‬
‫شًء هل نستطٌع أن نرجم أو نحكم؟ ٌوجد مذهب فً الهند ٌقول "الرحمة‬
‫هً كل شًء" و لكن الرجمة و اإلدانة فً كل شًء‪ ,‬و هذا قدٌس و هذا‬
‫نجس و هذا ٌذهب إلى الجنة و أنت إلى النار‪ ...‬هذه أحكام سخٌفة‪ ,‬اذا هللا‬
‫رحمة و هللا كل شًء من أٌن أتت الخطٌبة؟ هل هللا خطٌبة؟ كٌؾ هللا‬
‫ٌذهب إلى جهنم؟‬
‫أهل الذكر و الحكماء و العارفٌن و األنبٌاء و كل من ٌعرؾ القلٌل من‬
‫الرحمة ٌعرؾ بؤنه أٌنما تولٌتم فتم وجه هللا‪ ,‬هذه هً مرآة الرحمة‪ .‬و فً‬
‫الشرق لم ٌلفظوا كلمة هللا أبدا ألن الدٌانات خربت و دمرت و لوثت‬
‫معناها‪ ...‬و عندما تتؤمل ترى النور اإللهً فً كل شًء و تسمو بالثقة و‬
‫باالحترام و نقبل بكل شًء كما نراه‪ ...‬عندبذ نعلم بؤن العالم متصل و‬
‫متواصل مع بعضه البعض تماما ً كشبكة العنكبوت‪ ...‬الوجود بؤسره موحّ د‬
‫مع الواحد األحد الكون و الكابن و المكوِّ ن واحد‪ ...‬الصالح و الطالح و‬
‫الشر و الخٌر و اللٌل و النهار و الحٌاة و الموت‪ ...‬الوجود متماسك مع‬
‫بعضه البعض و ٌسبّح هلل بلؽات عدٌدة و هذا الجمال و الجبلل‪ ...‬شاهد‬
‫الطبٌعة عند الفجر ترى الضباب الفضًّ و الرقٌق و الناعم و كؤنه ومضة‬
‫نور ترقص مع الرعد فوق شجرة األرز و الهواء محمّل باللطؾ و‬

‫‪159‬‬
‫بالمداعبة و الطٌور تؽرّ د على أؼصانها و تشعر بؤنك أنت أٌضا معهم فً‬
‫هذه الوحدة من النعمة و البركة‪ ...‬أنا جزء من كل ما أرى و نحن معا ً فً‬
‫مسٌرة هذا السرّ المتناؼم مع رقصة الوجود و أهله و كؤننا فرقة موسٌقٌة‬
‫كل م ّنا بحاجة إلى ؼٌره‪ ...‬الشر مع الخٌر و الفرح مع الحزن و اللٌل مع‬
‫النهار و المسٌح مع ٌوضاس و الرجل مع المرأة و الفقر مع الؽنى و‬
‫الحرب مع السبلم و كلنا معا ً فً رحلة الحج الى البلنهاٌة‪ ...‬المسٌح ٌشكر‬
‫ٌوضاس كما ٌشكر جمٌع الناس و كذلك الوردة تشكر الشوكة كما تشكر‬
‫العطر‪ ...‬و هذا هو التكامل بٌن سابر المخلوقات هذه هً عبلقة متبادلة و‬
‫متشاركة دون أي شرك باهلل‪...‬‬
‫الشٌطان هو مبلك الهً له دور خاص فً حبكة هللا و إذا تؤملت فً جسدي‬
‫أرى بؤنه هو عالم بحد ذاته ٌمثل العالم األكبر و كل خلٌة هً جسدي و‬
‫كلنا معا ً من هللا و باهلل و مع هللا إلى مشاء هللا‪...‬‬
‫سنتحدث معا ً عن سر ؼامض و هذا السر لٌس لكل البشر بل ألهل العز و‬
‫اللؽز و لنسمع معا ً بصمت أهل الصفوة‪ ,‬انه سر ما وراء األسرار‪...‬‬
‫إشاعة معروفة تشع بالحقٌقة و و تقول بؤن ٌوضاس سلم المسٌح بؤمر من‬
‫المسٌح نفسه و هذا المخطط وضع من هللا بؤمر من المسٌح لنرى الحقٌقة‬
‫وجها ً لوجه‪ٌ ...‬وضاس هو من أعلم و أؼنى و أهم تبلمٌذ ٌسوع و كان‬
‫مطٌعا ً له و لعب دور الخابن حٌث باع صدٌقه لؤلعداء‪ ...‬لنفكر معاًًّ ‪...‬‬
‫مهما كان هذا الصدٌق منافق سوؾ لن ٌبٌعه بمبلػ زهٌد و لماذا ٌسلمه‬
‫للٌهود؟ و لماذا شنق نفسه بعد هذه الخٌانة؟ كان رجل عقل و مال و علم و‬
‫من طبقة معروفة فلماذا ن ّفذ أوامر سٌده و قتل نفسه؟ هل شعر بالذنب؟ كبل‬
‫ألنه أطاع أمر المصلوب و هذا هو المطلوب‪...‬‬
‫و لكن السر هو فً الصلب‪ ...‬و هذا هو سر المسٌحٌة‪ ...‬أي الموت و‬
‫القٌامة‪...‬‬
‫المسٌحٌة هً فً الصلٌبٌة أي فً صلب المسٌح و إال لم تحٌا و لم ٌُعرؾ‬
‫المسٌح‪ ...‬حقٌقة المسٌح لم تعرؾ من خبلل محبته و رحمته و تعالٌمه ألنّ‬
‫الشعب كان كل همه التجارة و القوانٌن الفكرٌة و المنطقٌة حٌث وصاٌا‬
‫موسى هً العصا لمن عصى‪ ...‬و أتى المسٌح و معه المحبة و لكن ال‬
‫مجال للقلب مع أهل الجٌب و الذنب‪ ...‬خطط مع ٌوضاس هذه المسرحٌة و‬
‫آمنوا به جمٌعا ً حتى الٌوم‪ ...‬و قتل نفسه لٌلحق به ألنهما معا ً فً سر‬
‫الموت و القٌامة‪ ...‬سر الشر و الخٌر‪ ...‬كلنا معا ً و مع هللا منذ البدء و ما‬
‫قبل البدء و هذا هو سر الترابط‪ ...‬أي الربط المقدس‪ ...‬السلسلة األبدٌة مع‬
‫األبد نحن من سلسلة هللا من أهل الرحمة و الحرٌة‪ ,‬ال لسلسلة التكٌٌل و‬

‫‪160‬‬
‫نعم لسلسلة التكبٌر‪ ...‬هللا أكبر و معه نكبر و هذه هً قمة رأس الحكمة‪ ,‬و‬
‫رأس العلم هو رأس الرحمة دون أي خوؾ أو ترهٌب أو ترؼٌب بل على‬
‫فطرة الشهادة‪ ...‬هذه هً اللحظة نرى الوجود بؤسره و فً كل خلٌة نرى‬
‫سر الخلٌقة من األزل و الى األزل من السلؾ إلى الخلؾ سر خلٌفة هللا‬
‫باستمرار مع مدى األنوار‪...‬‬

‫كٌؾ ٌُعرؾ اإلنسان الصالح؟ من ثمارهم تعرفونهم ٌقول السٌد المسٌح‪...‬‬


‫نتٌجة أعمالنا هً حقٌقة أفعالنا‪ ...‬قل لً من تعاشر أقول لك من أنت‪ ,‬قل‬
‫لً ماذا تحصد أعرؾ ماذا زرعت‪ ...‬و من ترك عمبلً صالحا ً ال ٌزال حٌا ً‬
‫مع األحٌاء فً جنة النعٌم‪ ,‬أي صدقة جارٌة أو ولد صالح أو عمل ٌخدم‬
‫العالم‪ ...‬اإلنسان ٌختفً و لكن أعمالنا تبقى فً الدنٌا و تعكس صداها فً‬
‫العالم مدى األجٌال‪ ...‬لذلك نحٌا الماضً فً الحاضر و الحاضر فً بذرة‬
‫المستقبل‪ ...‬أي نحن أحٌاء مع الحً القٌوم األبدي‪ ...‬نحن اآلن و فً هذه‬
‫اللحظة نمثل العالم بؤسره و العالم فٌنا و نحن فً العالم كما قال الحبٌب‬
‫"أنا الباء و أنا النقطة"‪ ...‬أنا القطرة و أنا المحٌط "الكمال فًّ و أنا فً‬
‫الكمال" الكل ملتبس فًّ و أنا متورطة و متضامنة فً الكل‪ ...‬و الكل‬
‫متشابه معً فً انطواء العالم األكبر و هذا هو االمتحان و التحدي لهذه‬
‫األمانة‪ ...‬حاملها كالقابض على الجمر ألنه هو المسإول عن المجهول و‬
‫المعلوم ألن الذي ٌلمس الوردة لمس السماوات و األرض‪ ,‬و التً تحرك‬
‫العالم بٌمٌنها تحرك العالم بٌسارها "ٌلً زوجها معها بتحرك القمر‬
‫بؤصابعها"‪ ,‬ألن كل شًء مرتبط بكل سًء و متواصل فً كل شًء و هذا‬
‫الوضع شبٌه بالشبكة العالمٌة‪ ...‬أمنا األرض أي الطاقة األفقٌة حٌث‬
‫اآلٌات فً األفاق‪ ...‬و عمتنا النخلة أي الطاقة العامودٌة أي الوقت و‬
‫الزمن و المواقٌت‪ ,‬و هذا هو معنى الصلٌب فً علوم األبدان و األدٌان أو‬
‫الدٌن و الدنٌا‪ ,‬انظر إلى نقاط التقاطع فً الشبكة حٌث لقاء خرزة البلّور و‬
‫هذا الرمز هو الوجود‪ ...‬انها السبحة التً تعكس وجودنا باالتصال مع‬
‫الخٌط أي حبل هللا‪ ...‬و اعتصموا بحبل هللا‪ ...‬هذه هً شبكة الخالق حٌث‬
‫نتشابك أفراداً و جماعة بنعم هللا التً ال تعد و ال تحصى و ال نهاٌة لها بل‬
‫معا ً إلى المدد و األبد‪ ...‬هذه هً حٌاة أهل البٌت حٌث ال فقر و ال جوع و‬
‫ال خوؾ بل كلنا عٌال هللا‪ ,‬نحٌا التوحٌد مع كل نفس جدٌد‪ ...‬إ ّنا هلل و ا ّنا‬
‫إلٌه راجعون‪...‬‬

‫‪161‬‬
‫لماذا الحبٌب ٌحب العطر؟ ألن العطر ٌنتشر مع الشر و مع الخٌر‪ ,‬و هو‬
‫عطر أعمالنا و عطر أفكارنا النابع من الجذور و من الشوك و الوردة و‬
‫الشوق و التوق إلى هللا‪ ,‬لذلك نرى بؤنّ الزهرة هً رمز المحبة‪ ...‬هً لؽة‬
‫الصمت للعارفٌن‪ ...‬انها عبلقة حبّ أبعد من حدود الصوت و الكلمات‪...‬‬
‫و هذه هً رحمة هللا عبر األنبٌاء و الحكماء و األولٌاء و أهل بٌت‬
‫الرحمة‪ ...‬أهل الشكر و االمتنان و االحترام للعالم أجمع‪ ...‬الرحمة هً‬
‫بث رسالة أبعد من حدود الكلمات و من المعلوم إلى المجهول و الى عالم‬
‫األسرار و األنوار‪ ...‬لنعود إلى هذه اللوحة الرحٌمة مع المرشد كبٌر حٌث‬
‫كان خاشعا ً هلل و دخل علٌه اللص حامبلً سٌفه المسنون و عقله المجنون‬
‫طالبا ً منه المال أو الحٌاة فرد علٌه المرشد "ال تزعجنً‪ ...‬المال فً‬
‫الدرج" و عاد إلى خشوعه و كتابه ال إدانة و ال حكم بل قبول و رضىً‬
‫تام‪ ...‬و كؤن نسمة دخلت علٌه ال سرقة و ال نقمة بل نعمة أو محنة أو‬
‫منحة‪...‬كؤنه أحد األصدقاء و لم ٌتؽٌر وضعه أو موقفه بل قال له "ال‬
‫تزعجنً ‪ ...‬المال فً الدرج و أنا أقرأ كتابً ألم ترانً؟ على األقل كن‬
‫لطٌفا ً و ال تزعج انسانا ً ٌقرأ كتابه لسبب بسٌط و تافه‪ ...‬اذهب و ابحث‬
‫عن المال وحدك و ال تزعجنً؟"‪ ...‬ما هو معنى هذا الحوار مع الحرامً؟‬
‫انه لٌس ضد اللص أو السرقة بح ّد ذاته و ال ضد الفكر المادي و الهوس‬
‫بالمال أبداً‪ ,‬لقد قبل هذا الفعل‪ ...‬لقد قبل هذا الفعل هذا هو عمل هذا‬
‫اإلنسان و من ٌعلم ظروفه؟ و لماذا اإلدانة؟ و من أنا ألحكم علٌه إذا كان‬
‫أن أتوقع منه عدم‬ ‫لطٌفا ً معً هذا فضل كبٌر و علً أن أحترمه و‬
‫اإلزعاج‪ ...‬و عاد إلٌه قاببلً "ال تؤخذ كل المال‪ ...‬علً أن ادفع الضرٌبة‬
‫ؼداً"‪ .‬أنظر إلى هذه الؽاٌة‪ ...‬انه صدٌق ودود و عطوؾ و ال أي عداوة و‬
‫ال خوؾ من الصداقة بل احترام و ثقة ألنه واثق بؤنه سٌترك له بعض‬
‫المال‪ ...‬لقد أعطاه من قلبه و بكل أمل و أمانة و الثقة المتبادلة ستكون هً‬
‫نتٌجة هذه الرحمة‪ ...‬عندما تثق ال تحكم و ال ُتدِن ستعامل بالمثل‪ ...‬قال‬
‫له‪ " :‬إننً بحاجة إلى بعض المال ؼداً لدفع الضرٌبة"‪ ...‬معاملة أخوٌة‪...‬‬
‫ماذا فعل الحرامً؟‬
‫هذا المتطفل جمع ول َّم أكثر المال و ه َّم بالخروج و لكنه سمع صوت ٌقول‬
‫له " اشكر عندما تستلم أي هدٌة"‪ ...‬شكره و خرج‪ ...‬لنرى معا ً رحمة هذا‬
‫الشٌخ‪ ,‬لم ٌرى هذا العمل سرقة بل طلب منه الشكر لقد حوّ ل هذه الرإٌة‬
‫إلى وجه أخر و مختلؾ تماما ً‪ ...‬ال ٌرٌد أن ٌحرجه أو ٌشعره بالذنب ألن‬
‫رحمته واسعة و كبٌرة و هابلة و إال سٌشعر باألجرام و بالحران‪ ...‬و هذا‬
‫شًء طبٌعً ألنه ٌسرق شٌخ عابد و ناسك و معروؾ و هو فقٌر و‬

‫‪162‬‬
‫متسوّ ل و أعطاه بسرعة و بسرور و استقبله فً قلبه دون أي إدانة أو‬
‫شرط‪ ...‬من المتو ّقع أن ٌشعر بالندم و ٌعود إلٌه طالبا ً السماح و الؽفران‪...‬‬
‫و لكن هذا ؼٌر متو ّقع عند أهل الرحمة و المحبة‪ ...‬حٌث ال مجال للذنب‬
‫أو للعتب‪ ...‬ان الرحمة هً دٌن هللا فً لبّ القلب و لٌس فً دٌن الدنٌا فً‬
‫فكر اإلنسان‪ ...‬الرحمة لٌست شرٌعة أو قانون أو وصٌة مشروطة ألن‬
‫الذنب أسوأ من أي مرض جسدي حٌث ال شفاء منه إال بالوعً و‬
‫اإلدراك‪ ...‬الرحمة ال تسبب أي ذنب بل تنمًّ الحب فً لبّ القلب‪ .‬لماذا‬
‫قال له الشٌخ " اشكر عندما تستلم الهدٌة" أي أنت لم تسرق بل أنا أقدمها‬
‫لك‪ ...‬حوَّ ل السارق إلى صدٌق‪ ...‬لم ٌنتزع المال أو ٌخطفه بل أخذه بملء‬
‫إرادته و هذه هً الرإٌة الكاملة للحٌاة‪ ...‬أي قبل الموت ق ّدم حٌاتك هدٌة و‬
‫كل ما تملك اهدٌه إلى هللا أي إلى خلقه حتى ال ٌشعر الموت بالذنب‪...‬‬
‫اهدي حٌاتك إلى الموت‪ ...‬هذا هو نكران الذات‪ ...‬هذا ما فعله المسٌح و‬
‫الحبٌب و سٌدة نساء العالمٌن و فاطمة الزهراء و األمام علً و الحبلج و‬
‫رابعة و الحكٌم بودا و ؼٌرهم من عباد هللا الصالحٌن‪ ...‬بٌنما ما نراه فً‬
‫الشراٌع و الطقوس‪ ...‬العطاء دون أي توقعات أو مقابل و ال أي ذنب أو‬
‫عٌب ألنّ العطاء من هللا‪ ...‬و هو الذي أعطى و هو الذي أخذ‪ ...‬و ال أحد‬
‫إال الواحد األحد‪ ...‬الرحمة هً هللا و منه و الٌه و معه‪ ...‬و هو األسماء و‬
‫الصفات و األفعال و األعمال‪ ,‬و اإلنسان هو الشاهد على نفسه فً كل ما‬
‫ٌراه و الرإٌة من الذات و لٌس من الفكر‪ ...‬من الذات اإللهٌة التً ترى‬
‫هللا فً كل شًء‪...‬‬

‫ما الفرق بٌن الرحمة و االحترام؟‬


‫الرحمة وسعت كل شًء و حملت جمٌع الصفات‪ ...‬انظر إلى هذه النقطة‬
‫الدالة على االحترام و المتسمة بالجبلل و بالجمال‪ ...‬احترام تجاه اللص‪...‬‬
‫لو كان هذا الشٌخ قدٌس هندي مثبلً أو مسٌحً أو ٌهودي لكان التهدٌد‬
‫بالذنب و الوعٌد و عذاب جهنم و الوعظات اإلرهابٌة و النار األبدٌة و‬
‫صور كابوسٌّة و جلسات تبشٌرٌة عن عدم استخدام المال ألنه وسٌلة‬
‫شٌطانٌة‪ ...‬و لكن هذا الشٌخ الرحٌم احترم المال ألنه سٌولة لخدمة حٌاتنا‬
‫الٌومٌة‪ ...‬انه وسٌلة ذات منفعة لهدؾ ضروري‪ ...‬لماذا الهوس للمال أو‬
‫لض ّد المال؟ علٌنا أن نستخدم الوسٌلة لخدمة حٌاتنا‪ ,‬أنت السٌد األمٌن على‬
‫هذه األمانة و لكن و لؤلسؾ أصبح المال هو السٌد الظالم على أهله‪...‬‬
‫فً عالم الدٌن المال محكوم علٌه‪ ,‬و المتدٌّن ٌخاؾ من المال و ما هذا‬
‫الخوؾ إال الطمع الساكن فً الرأس و هو سبب هذا الخوؾ‪ ...‬إذا ذهبت‬

‫‪163‬‬
‫لزٌارة قدٌس هندي و مع بعض النقود فً ٌدك سٌؽمض عٌنٌه كً ال ٌرى‬
‫هذه التجربة المخٌفة‪ ...‬لماذا هذا الخوؾ؟ لماذا تؽمض عٌنٌك؟ لماذا تقول‬
‫بؤنّ المال وسخ الدنٌا‪ ,‬و لكن لم ٌؽمض عٌونه عندما ٌرى وسخ الدنٌا!! هذا‬
‫تصرؾ ؼٌر عقبلنً و ؼٌر منطقً‪ ...‬الوسخ موجود خبلل األربعة و‬
‫عشرٌن ساعة‪ ,‬فإذاً علٌه أن ٌعصب عٌونه كل العمر كً ال ٌرى الوسخ‬
‫على الممر طٌلة الدهر‪ ...‬لماذا الخوؾ من الوسخ؟ ما هذا الخوؾ؟!‬
‫الرحمة ال تخاؾ ألنها ال ترى أي عٌب أو ذنب‪ ...‬نظرتها للحٌاة تختلؾ‬
‫تماما ً عن أي شرٌعة‪ ...‬الحبٌب ٌقول‪" :‬لو كان الفقر رجبل لقتلته"‪ ...‬أي‬
‫كل الفقر مادٌا ً و معنوٌا ً و روحٌا ً‪ ...‬و "لو فاطمة سرقت لقطعت ٌدها"‪...‬‬
‫أي سرقة القطرة أو المحٌط‪ ...‬أي شًء و بؤي وسٌلة ألنها تملك كل شًء‬
‫و المشٌبة‪ .‬المال سٌولة ألهل البٌت و كلنا من آل البٌت‪ ...‬فإذا إذا قلت ألي‬
‫إنسان بؤنك حرامً هذا ٌعنً بؤننً أإمن بالملكٌة الخاصة‪ ...‬أي أنا أملكها‬
‫بالحق و أنت تسرقها بالباطل‪ ...‬لك الحق و الحق لك و لكن ال لؽٌرك‪...‬‬
‫السرقة تدان بسبب الفكر الرأسمالً فً العالم‪ ...‬المال من حق الؽنً و‬
‫ّ‬
‫المعظم‪...‬‬ ‫القوي أي للحرامً المحترم صاحب المجد‬

‫احترامً للحرامً صاحب المجد العصامً‪ ...‬بٌن لٌلة و ضحاها سرق‬


‫البلدة و ضواحٌها و من هم الضحٌة؟ من هو الذي ٌملك المال و السلطة و‬
‫العالم؟ أتٌنا إلى الدنٌا بدون مال أي فارغ الٌدٌن و هكذا نترك الدنٌا كما‬
‫اتٌنا‪...‬‬
‫النفس تبكً على الدنٌا و قد علمت‬
‫أن السعادة فٌها ترك ما فٌها‬
‫ال دار للمرء بعد الموت ٌسكنها‬
‫االّ التً كان قبل الموت بانٌها‬
‫أموالنا لذوي المٌراث نجمعها‬
‫و دورنا لخراب الدهر نبنٌها‬
‫عاش أهل البٌت فً زمن الرسول و‬ ‫َ‬ ‫المال وسٌلة و سٌولة لنا جمٌعا ً هكذا‬
‫الخلفاء‪ ...‬كان بٌت المال لجمٌع أهل هللا بالمساواة و بالعدل‪ ...‬لذلك قال له‬
‫الشٌخ "لك نصٌبك مما ترى فً الدرج و اترك لً حاجتً لٌوم الحاجة"‪...‬‬
‫هذا هو التصرؾ األخوي و االختٌاري الحرّ ‪ ...‬و عندما ذهب إلى المحكمة‬
‫قال لهم "هذا الرجل لٌس لصا ً" لقد حوله إلى صدٌق "هذا بالنسبة لً‪...‬‬
‫هذا رأًٌ الخاص به‪ ...‬ال عبلقة لً بآراء اآلخرٌن‪ ...‬إننً اعرؾ جٌداً‬

‫‪164‬‬
‫بؤننً أعطٌته المال و شكرنً و انتهت القضٌة‪ ...‬لماذا اللّؾ و الدوران ال‬
‫ملؾ بٌننا‪...‬لقد شكرنً و هذا كل ما نملك من اللٌاقة و األدب"‪...‬‬
‫الشكر هو قمة العطاء‪ ...‬نشكر الوجود على هذا الكرم‪ ...‬جود من الموجود‬
‫ٌا صاحب الجواد‪...‬‬
‫من كان فً نعمة و لم ٌشكر خرج منها و لم ٌشعر‪...‬‬
‫و بعد أن خرج من السجن ذهب إلى الشٌخ كبٌر و أصبح من كبار مرٌدٌه‪,‬‬
‫هل عنده خٌار أخر؟؟ ٌا لها من نعمة!! اللقاء مع أهل الفناء و البقاء هو‬
‫اللقاء مع الرحمة و العٌش برحمة هللا و النمو من نطفة إلى خلٌفة و لكن‬
‫أكثرنا ٌحٌا من جٌفة إلى جٌفة ٌا أٌها الخلٌفة!!‬

‫ما هً العالقة مع المرشد؟‬


‫انها لٌست عبلقة بل اتصال باألصول المتصلة بالجزور و بالعطور‪...‬‬
‫المرشد مرآة للمرٌد الذي ٌرٌد الصحوة و الوالدة بالعهد الجدٌد‪ ...‬المرشد‬
‫هو القاتل الذي ٌحً فٌك الحٌاة األبدٌة‪ ...‬اللص دخل إلى الكوخ دون أن‬
‫ٌدري من هو الساكن و لو عرؾ من هو لما دخل‪ ...‬ألن الحضرة مع‬
‫صاحب الحضرة هً التحدي بٌن الموت و الحٌاة‪ ...‬انها مؽامرة ألهل‬
‫تعثر بحجر عثرة و‬‫اآلخرة ال ألهل الدنٌا‪ ,‬هذا اللص "تفركش" أو ّ‬
‫بالصدفة واجه النور و كان من أهله‪ ...‬هنٌؤ ً لمن ٌلتقً بؤهل هللا و هذا هو‬
‫الصراط المستقٌم‪ .‬المرشد دابما ً حاضر لخدمة المرٌد و لكن هل نحن من‬
‫المرٌدٌن؟ إذا كان التلمٌذ حاضراً فالمعلم حاضر‪ ...‬العطش ٌنادي من‬
‫القلب و العطشان ٌذهب إلى النبع‪ ...‬انها عبلقة الجوع مع الشبع‪ ...‬هذه‬
‫هً خطوة الضال إلى العقل و من العقل إلى التع ّقل و منها إلى التو ّكل‪,‬‬
‫المرشد ال ٌب ّشر و ال ٌعظ بل ٌهدٌك إلى النور بالشهادة‪ ...‬أي أنت ترى و‬
‫تختبر و ال تنشر بل تعبّر بالفعل و بالعمل ال بالكبلم الذي ال ٌتع ّدى اللسان‬
‫و اآلذان‪ ...‬إن السٌد الكبٌر حوّ ل اللص من النصوص إلى النفوس و هذه‬
‫هً المهارة فً عٌش الطهارة األصٌلة‪ ...‬هذا هو الطبٌب و الجراح الذي‬
‫ٌشفً القلوب من الذنوب و العٌوب‪ ,‬ال محبة بالجٌوب بل عشقا ً‬
‫للمحبوب‪ ...‬لقد دمر اللصوصٌة فً السارق و حوّ له إلى عاشق خاص و‬
‫فرٌد بالتقرب إلى الحق الساكن فً سكٌنة القلب‪ ,‬هذه هً معجزة السٌد و‬
‫المرشد‪ ...‬انها لٌست بالوعظة أو بالخطٌة و ال عبلقة له بٌوم األحد أو ٌوم‬
‫الجمعة و ال بالمسجد أو بالهٌكل‪ ,‬بل فً كل لحظة هً ٌقظة من الموت‬
‫إلى النموت‪ ...‬إلى الشهادة ال بالكبلم بل ٌعٌش المقام دون فرض أو رفض‬

‫‪165‬‬
‫بل برإٌة الخٌر فً الشر و النور فً العتمة و الرحمة فً الرجمة و هذا‬
‫هو الٌقٌن الساكن فً سكٌنة اإلنسان‪...‬‬

‫من هو صاحب الٌقٌن ؟‬


‫هو الذي ٌدرك نعمة االستٌعاب ‪ ...‬أي أن ٌقبل الشر و الخٌر و هو من‬
‫أصحاب اللبّ ‪ٌ ...‬ا أولً األلباب حٌث الباب إلى المحراب أي أن ترى‬
‫الحقٌقة فً كل شًء دون البحث علٌها ألنها موجودة فً كل ما ترى و ما‬
‫ال ترى فً االن و هنا و كل زمان و مكان‪ ...‬فإذا الذي ٌرفض الشر‬
‫ٌرفض الخٌر‪ ...‬هإالء هم أهل الجمال و الجبلل‪ ...‬أهل الجذور و العطور‬
‫و الثورة و العصٌان‪ ...‬إن الشٌخ كبٌر لم ٌرفض اللص ألته رأى الجوهرة‬
‫فً الحجرة‪ ...‬خلؾ الؽٌوم ترى النجوم‪ ...‬هذه هً النظرة السماوٌة فً كل‬
‫مخلوقات هللا‪ ...‬إذا رفضنا اإلساءة رفضنا اإللوهٌة الخفٌّة فً خفاٌا كل‬
‫الزواٌا‪ ...‬عندما تظهر الحقٌقة تختفً الؽلطة و ننسى اإلساءة‪ ...‬الحرب ال‬
‫تنتهً بالحرب و كذلك العتمة ال تختفً االّ بالنور‪ ...‬أشعل شمعة صؽٌرة‬
‫فً قلب الجاهل أو الضال و سترى ماذا فعل هللا من خبلل خلٌفته‪...‬لقد‬
‫تذكرت هذه الحادثة أٌضا و هً أرحم من األولى‪...‬‬
‫فً إحدى اللٌالً دخل اللص إلى خلوة الشٌخ رافعا ً سٌفه المسنون صارما ً‬
‫و مهدداً‪ ,‬و إذا بالمرشد الذي كان ٌكتب رسالة توقؾ عن الكتابة و نظر‬
‫إلى السارق و الى سٌفه و صوته و قال له "ماذا ترٌد المال أو حٌاتً" ٌا‬
‫لها من رحمة سرٌعة و جبارة‪ ...‬لم ٌمنح اللص أي فرصة للكبلم على‬
‫عكس الشٌخ كبٌر الذي منحه مجال الخٌار بٌن المال أو الحٌاة‪ ...‬الشٌخ‬
‫فرٌد جمّل المحادثة و حسّنها حٌث قال له "المال أو حٌاتً؟" اآلن ال مال‬
‫و ال حٌاة متصلٌن أو مهمٌن فً وجوده ال عبلقة له بؤي شًء ٌزول أو‬
‫ٌموت‪ ...‬تستطٌع أن تحتل البصرة ألنها تزول لكن البصٌرة ال تزول‪ ,‬و‬
‫أنت األمٌن و السٌد على خٌارك‪ ...‬البصرة أم البصٌرة؟ الجسد أو الساجد؟‬
‫اختار المال ألنه لص للمال و ماذا حصد و ماذا حصل؟؟‬

‫"لقد أتٌت للمال" قال اللص بصوت خافت و خابؾ‪...‬‬


‫هذا الحرامً لم ٌر إنسان جبار أو تنٌن بشكل إنسان‪ ...‬هذا هو الٌقٌن الحً‬
‫فً الرحمة‪ ...‬هذا هو الٌقٌن الحً فً الرحمة‪ ...‬حٌث قال له "ماذا ترٌد‬
‫المال أو حٌاتً" أي الشخصٌة التً تموت كالمال‪" ...‬و لك الخٌال"‪ ...‬ال‬
‫إدانة و ال ذنب و ال حكم حتى لو اختار حٌاة المرشد ألنّ الجسد ٌزول‬
‫لذلك قدمه قربانا ً للموت‪" ...‬اللهم تقبل م ّنا هذا القربان" قالت السٌدة زٌنب‬

‫‪166‬‬
‫فً استشهاد الحسن و الحسٌن‪ ...‬و السٌد فرٌد ق ّدم جسده للحرامً كوسٌلة‬
‫فرح أو متعة أو لهو بالنسبة له‪ ...‬هكذا فعل المسٌح‪" ...‬خذوا و كلوا هذا‬
‫هو جسدي"‪ ...‬أي سؤقدم جسدي ألهل الفكر و المنطق و القانون علنً‬
‫بذلك اخدم نفسً و إخوتً بالتعرؾ على الحق و اإلدراك‪...‬‬
‫عندما سمع هدؾ و ؼاٌة الحرامً‪ ,‬أخذ الشٌخ كٌس النقود و أعطاه إٌاه‬
‫قاببلً‪" ...‬هذا هو" و عاد إلى كتابة الرسالة و كؤن شٌبا ً لم ٌكن‪ ,‬و بدأ‬
‫السارق ٌشعر بالقلق و بالخوؾ و ما أن ه ّم بالخروج حتى سمع صوت‬
‫الشٌخ ٌنادٌه قاببلً "انتظر قلٌبلً" و توقؾ مذعوراً لٌسمع "أؼلق الباب"‪ ...‬و‬
‫بعد أٌام قبض علٌه و اعترؾ قاببلً‪" ..‬أعترؾ و ال زلت ارتجؾ منذ أن‬
‫دخلت إلى صومعة الشٌخ و ال ٌزال أمره ٌجري فً عروقً عندما قال‬
‫"انتظر قلٌبلً" و ال زلت انظر إلى هذا السر الحً فً هذا السٌد‪ ...‬لقد‬
‫سرقت كثٌرا فً حٌاتً و لكن لم اشعر ما شعرت به حتى االن و عندما‬
‫أتحرر من السجن سؤذهب إلٌه ألتحرر من الموت‪ ...‬إننً أحمل سٌؾ‬
‫الخوؾ و لكنه ٌحمل سٌؾ الحق"‪ ...‬صرخة واحدة من المعلم أٌقظت فٌه‬
‫الحٌاة‪"...‬انتظر قلٌبلً" و ال ٌزال ٌنتظر إلى أن ٌلتقً بكرامات هللا‪ ...‬نعم‬
‫هذا الشٌخ هو من أهل الكرامات‪ ,‬و ان الكرام قلٌل‪ ...‬و الرحمة تقتل‬
‫الرجمة‪...‬‬

‫من هو القاتل؟‬

‫هو الذي ٌقتل الجهل فً الجاهل هذا ما فعله األمام علً بقاتله‪ ...‬الرحمة‬
‫تقتل و المحبة تقتل و من الحب ما قتل‪ ...‬عندما تجلس فً حضرة نورانٌة‬
‫فالنور هو الذي ٌضٌا فٌك الحضور‪ ,‬النور مرآة للنور‪ ...‬و المإمن مرآة‬
‫للمإمن كما الجوع مرآة للطعام‪...‬‬
‫الظلمة ال تقتل النور بل العكس هو صحٌح فإذا المرٌد ال ٌقتل المرشد حتى‬
‫لو معه السٌؾ المسنون‪ ,‬و لكن األمام علً معه سٌؾ الرحمة و هذا هو‬
‫السٌؾ الفاروق أي الذي ٌفرّ ق بٌن الؽضب و الحب و بٌن الجهل و العقل‪,‬‬
‫الذكر وبٌن الفصل و الوصل‪...‬‬‫بٌن الكفر و ِّ‬
‫السٌد ٌقتل العبد و بطرٌقة رقٌقة و ماهرة و لطٌفة حٌث ال تشعر بؤي ألم‬
‫بل بالوالدة الجدٌدة‪ ,‬و تبدأ بحٌاة مختلفة من حٌث الحٌوٌة و الوعً و‬
‫المشاركة بؤسرار الطبٌعة و كؤنك تؽرّ د مع العصفور و تزهّر مع الزهور‬
‫و تمطر مع الؽٌوم و تحترق العوالم و ترى المعلوم و المجهول‪ ,‬و إذا بك‬
‫تسٌر مع النهر إلى البحر و منه إلى المحٌط و تنهار األسوار و تتحد‬

‫‪167‬‬
‫باألسرار و تحٌا نشوة الؽبطة و البهجة و السرور‪ ,‬و هذا هو سر اللقاء‬
‫على سرر متقابلة فً جنة النعٌم‪ ...‬هنا الجنة‪ ,‬و اآلن هو الزمن و الصحوة‬
‫فً متناول كل عطشان إلى عٌش المٌزان‪...‬‬
‫و تذكرت حكاٌة حبكت قلبً عندما علمت بؤن أحد األولٌاء دخل السجن‬
‫مرّ ات عدٌدة و السبب؟؟ معا ً سنسٌر خطوة أخرى فً طرٌق الحج‪ ...‬إن‬
‫أهل الرحمة ؼرباء عن أهل الدنٌا و هذا الشٌخ ؼرٌب األطوار و مجنون‬
‫فً هللا‪ ...‬ماذا فعل لٌستحق السجن؟‬
‫من حقك أن تسامح ألحرامً و أن ال تف ّكر بؤنه عاطل أو عدٌم األخبلق‪...‬‬
‫و أٌضا أن ترى هذا الشٌخ الجلٌل ٌذهب إلى السجن ألسباب تافهة أي ألنه‬
‫ٌسرق أشٌاء رخٌصة و من أهل الحً‪ ...‬و احتار الجٌران بؤمره‪ ...‬لماذا‬
‫ٌسرق؟ و لماذا ٌسرق أشٌا ًء سخٌفة و كلما خرج من السجن ٌعود إلى‬
‫السرقة لٌعود بسرعة إلى السجن‪ .‬حتى القضاة احتاروا من هذا‬
‫التصرّ ؾ‪ ...‬و من الذي ٌعرؾ السبب؟‪....‬‬
‫وحده الشٌخ أمٌن هو الذي ٌعرؾ و ٌعترؾ و ٌقول ألهل المحكمة "نعم‬
‫لقد سرقت هذا المندٌل من هذا البٌت‪ ...‬أو هذا الحذاء من هذا المسجد" و‬
‫ٌذهب إلى السجن‪ ...‬و أخٌراً قرر أهل الحً و اجتمعوا بالشٌخ و قالوا له‪:‬‬
‫"أٌها المرشد األمٌن ال تسرق بعد اآلن انك مسنّ و مرٌض و فقٌر و نحن‬
‫نإمن لك كل ما ترٌد من أدوٌة و أؼذٌة و ألبسة و أي شًء تطلبه و أنت‬
‫أرفع من مستوى السرقة و العٌش مع السجناء‪ ,‬فارحم نفسك و نحن على‬
‫استعداد ألي خدمة‪."...‬‬
‫و ضحك الشٌخ و قال لهم‪" :‬إننً اسرق ألدخل السجن و ألعٌش مع‬
‫أصدقابً السجناء و معا ً نتذكر السبلم‪ ...‬فً السجن الخارجً هنالك الكثٌر‬
‫من األولٌاء و لكن فً السجن خلؾ األسوار ال ٌوجد أحد من أهل النور‬
‫لٌذ ّكر إخوتنا بالرحمة و بالجنة‪ ,‬و هذا هو دوري معهم حٌث ال أجد نفسً‬
‫إال بالمشاركة مع هإالء الضحاٌا‪ ...‬لذلك عندما تنتهً م ّدتً فً السجن‬
‫أعود إلى السبب ألدخل مجدداً من نفس الباب و أرقص مع األحباب‪...‬‬
‫أكثر األبرٌاء هم من أهل الحبس‪ ...‬المجرم هو الذي قُ ِب َ‬
‫ض علٌه و‬
‫ض علٌه قبض ماالً من الحرامً الحقٌقً لٌقى خارج‬ ‫الشرطً الذي َق َب َ‬
‫المحاكمة‪ ,‬و هذه هً لعبة الحكم بٌن الحاكم و المحكوم‪ ,‬و تقع القرعة على‬
‫المظلوم و ٌبقى الظالم تاجا ً على رأس الحاكم‪ .‬و هذه الحقٌقة تدور و تدور‬
‫من عالم إلى عالم و ال تزال فً خدمة أهل الدراهم‪ ...‬لذلك أدخل السجن و‬
‫أتعلم معهم السماح و السمع و الؽفران و الرحمة ألهل الظلمة و‬
‫الرجمة‪."...‬‬

‫‪168‬‬
‫"دخلت إلى سجون كثٌرة و فً بلدان مختلفة‪ ...‬و كانت المفاجؤة!!! إن‬
‫السجناء أكثر صدقا ً من السٌاسٌٌن و من الحكام و من أهل الدٌن و من‬
‫األؼنٌاء و النسّاك و الزهاد‪ ...‬فً الهند مثبل ً رأٌت المكر و الدهاء فً‬
‫حٌاة القدٌسٌن و رأٌت البراءة فً حٌاة المجرمٌن‪ "...‬و معه حق‪ ,‬الشٌخ‬
‫أمٌن‪ ,‬ألنه عندما ٌعود إلى السجن لٌعٌش مع أصحابه ألنهم أصدق من أهل‬
‫القصور و أهل الحكم و العلم‪ ...‬أهل الرحمة رسالتهم الوعً و المعرفة‪...‬‬
‫و من هنا تبدأ البراءة الحكٌمة دون تمٌٌز أو تفرقة‪ ...‬كلنا على حق و كلنا‬
‫على خطؤ و الرحمة تجمع الٌمٌن مع الٌسار و تحمل أمانة األنوار‪...‬‬

‫و القصة األخٌرة هً ألحد الرهبان و كان عاشقا ً لؤلطفال‪ ...‬كان برٌبا ً‬


‫لدرجة البساطة و البراءة و أحٌانا ٌ ّتهمونه بالببلهة و بالؽباء‪ ...‬ال ٌعرؾ‬
‫الدهاء و ال المكر و ال الخداع و ال الذكاء‪ ...‬هذا هو األخ شارل الذي‬
‫ٌلعب لعبة الؽمٌضة مع األوالد‪ ...‬أي ٌحتجب عنهم و ٌختفً إلى إن‬
‫ٌعثروا علٌه‪ ...‬و فً احدى المرات اختبؤ تحت كومة من القشّ فً‬
‫الحقل‪ ...‬و أظلم اللٌل و ع ّتمت الدنٌا و األطفال لم ٌعثروا على األخ شارل‬
‫و لم ٌحددوا مكانه أو موقعه فتركوا اللعب و ذهبوا إلى بٌوتهم‪ ...‬و فً‬
‫الصباح الباكر أتى المزارع لٌِ ُِزٌ َل كومة القش و ٌبدأ بعمله و إذا به ٌرى‬
‫األخ شارل‪ ,‬و تفاجؤ و تعجّ ب و صرخ مندهشا ً‪" ...‬ماذا تفعل هنا؟"‪,‬‬
‫" هس‪ ...‬هس‪ ...‬ال ترفع صوتك و إال سٌعثر علً األطفال!!!‪"...‬‬
‫لقد أمضى كل اللٌل تحت ركام القش مشاركا ً بالفرحة و باللعبة‪ ,‬هذه هً‬
‫البراءة التً ترحم العالم بؤسره و هذه هً القدسٌّة اإللهٌة حٌث ال تعرؾ‬
‫التمٌٌز و ال التفرقة بٌن الصح و الؽلط أو هذا العالم أو العالم اآلخر‪ ...‬هذه‬
‫البراءة هً الذاتٌة الكونٌة فً كل كابن‪ ...‬و من الذات نتعرؾ على الروح‬
‫التً هً أبعد من أي علم أو أي كبلم‪ ...‬هً عٌش هللا فً خلقه‪ ...‬و هذا‬
‫هو السر األعظم حٌث ال ٌعرفه إال العارفٌن و السالكٌن فً الصمت و‬
‫الصمد‪ ...‬عندما ندعو الرحمان قابلٌن ٌا أرحم الراحمٌن رحمتك وسعت‬
‫كل شًء‪ ...‬أي رحمته سمحت لنا باختصار المساحة بٌننا و بالتقرب من‬
‫القلب حٌث عرش هللا هو عٌش الرحمة مع هللا‪...‬‬
‫سؤرحم نفسً أوالً ألستحق رحمتك ٌا أرحم الراحمٌن‬
‫أمٌن‪...‬‬

‫‪169‬‬
‫ٌا اخوتً فً الرحمة‬
‫لنرحم من فً األرض‪...‬ألن الرحمة هً فطرة هللا فً االنسان‪ ...‬وهذه‬
‫النعمة تبدأ من النفس‪...‬‬
‫علًّ بنفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم أخً‪...‬‬
‫كلنا إخوة فً اإلنسانٌة و الرحمة هً تاج اإلنسانٌة‪...‬‬
‫الرحمة تبدأ بالجسد و لجسدك علٌك حق‪ ,‬و منه إلى الساجد‪ ...‬و الذي‬
‫ٌتعرّ ؾ على القلٌل من سرّ النفس ٌتعرؾ على األكثر سرّ اً بسر الذات‪ ,‬و‬
‫من كان صادقا ً فً سٌرته و مسٌرته ٌدخل إلى سرّ الرحمة بؤمر من هللا‪...‬‬
‫هذا هو سرّ النور األبعد من أي علم أو أي بعد‪...‬‬
‫رحمتك وسعت كل شٌا‪ ...‬عندبذ نسكن فً سكٌنة الملكوت السماوي حٌث‬
‫الذكر على منابر من نور فً‬ ‫ال لؽو و ال كبلم بل صمت العارفٌن مع أهل ّ‬
‫الرزاق من‬‫ّ‬ ‫لحظة الٌقظة‪ ...‬هذه هً نعمة الحً إلى الحً و كلنا أحٌاء مع‬
‫المدد إلى المدد‪...‬‬
‫معا ً فً رحلة الرحمة من األنا إلى ال ّنٌة حتى نصل إلى النفس الراضٌة و‬
‫المرضٌّة و ندخل المحراب و هو األقرب الٌنا من حبل الورٌد‪...‬‬
‫الرحمة علٌكم و علٌكم الرحمة‬
‫فً كل دمعة و بسمة‪...‬‬

‫و هلل الشكر‬
‫مـرٌــم نـــور‬

‫‪170‬‬
‫الفهرس‬
‫‪2‬‬ ‫األلقاب‬
‫‪3‬‬ ‫المرحمة‬
‫‪6‬‬ ‫االستهبلل‬

‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪8‬‬ ‫الرحمة‪ ...‬الرقٌة‪ ...‬الرؼبة‪...‬‬
‫‪23‬‬ ‫الرقٌة‪ ...‬الطاقة‪ ...‬القدرة‪...‬‬
‫‪44‬‬ ‫الرؼبة‪ ...‬الشهوة‪ ...‬الشوق‪...‬‬

‫الفصل الثانً‪:‬‬
‫‪55‬‬ ‫األعور الدجال‬
‫‪59‬‬ ‫الرحمة و الرجمة‬
‫‪85‬‬ ‫من القلب الى اللبّ‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪93‬‬ ‫فعل الرحمة‬
‫‪97‬‬ ‫الفرق بٌن المحامً و المحب‬
‫‪113‬‬ ‫الجرٌمة و العقاب‬
‫‪124‬‬ ‫سر الحٌاة و الموت‬

‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫‪137‬‬ ‫الشفاء بالرحمة و الرحمة هً الشفاء‬
‫‪146‬‬ ‫الرحمة هً العبلج‬
‫‪158‬‬ ‫رحمته وسعت كل شًء‬

‫‪171‬‬

You might also like