Professional Documents
Culture Documents
مكتبة كتوباتي - الرحمة
مكتبة كتوباتي - الرحمة
مكتبة كتوباتي - الرحمة
األلقاب
كتاب الرحمة ٌحمل ألقاب عدٌدة… .استبدلنا العنوان أو الفصل بكلمة
لقب… وأٌن هو العٌب أو الذنب؟ القلب ال ٌعرؾ الصرؾ والنحو وال
الحرؾ واللؽو بل الحب والمحو…
معا ً سنمحً التعب العقلً وندخل إلى عفوٌة القلب حٌث ال منطق وال حق
بل براءة األطفال ورحمة الشٌوخ وأنت استفتً قلبك ولو أفتوك...
2
المرحمة
كلمة رحمة من أربعة حروؾ ولكنها هً عطر اللؽة والببلؼة وال ٌمكن
عٌشها إالّ بالفهم والوعً ال الحترام اآلخر ،بل للتعرؾ على نفسً وكٌانً
وروحً وعندما ا ّتصل بلبّ القلب أستطٌع اال ّتصال بالعالم وبؤهله....
الكلمة تعبّر عن االختبار الذي سبق التعبٌر .والرحمة تسبق الؽضب وتسع
كل شًء ....رحمتك ٌا هللا وسعت كل شًء فإذاً الرحمة هً قمة الحب
والمحبة ومن هذا الحق ٌقول لنا الخالق وما أرسلناك إالّ رحمة للعالمٌن...
و ارحموا َمن فً األرض ٌرحمكم من فً السماء أي الرحمة لجمٌع
مخلوقات الرحمن ....واإلنسان ٌملك نعمة رحمة هللا أل ّننا كلّنا من روح هللا
وكلّنا إخوة فً هللا....
ارحم نفسك ٌا إنسان وارحم عباد هللا وكل من ٌسبّح هلل وجمٌع مخلوقات
هللا أي الرحمة للحجر وللطٌر وللبشر وكل ما نرى وما ال نرى وال
نعلم ....وأٌن هً هذه الرحمة؟ هل أعرفها؟ هل أنا أرحم نفسً وذاتً
وروحً؟
هل أرحم جهلً وكفري؟ ....هل أرحم أمً األرض وعمّتً النخلة؟ هل
أرحم الهواء والببلد؟
3
وسعت كل شًء ألنّ كل شًء نعمة من هللا وهل أرحم الشًء؟ هل َ رحمته
أحترم أي شًء؟
هل الرحمة سهلة ولٌّنة ورقٌقة وشفافة؟
المسٌح بريء من الؽضب ومن أي عنؾ ...إ ّنه ٌعمّر وال ٌدمّر ...السٌؾ
فً ٌد المسٌح أو ٌد اإلمام علًّ ال ٌجرح ألنّ ٌده ؼٌر مجروحة وال تجرح
بل ٌجترح العجابب من لبّ القلب حٌث الرحمة اإللهٌة لخبلص اإلنسان
من الرجمة إلى الرحمة ....ال ٌقتل من باب الؽضب بل من باب الحبّ
وهذا هو سٌؾ الفاروق الذي ٌفصلنً من الباطل وٌصلنً بالحق ....إنّ
الٌد الؽٌر مجروحة تستطٌع أن تحمل الس ّم وتتح ّكم بالسبلح وبالؽضب أل ّنه
نابع من فٌض الرحمة الرحمانٌة حٌث الحذر والوعً والٌقٌن فً ح ّد سٌفه
وذاته....
ما فعله المسٌح فً الهٌكل فعله اإلمام علً مع ؼٌره ...ألنّ سٌؾ الفاروق
هو سٌؾ الرحمة ،أي سٌؾ الفصل من الجهل إلى العقل ومن العقل إلى
القلب ومن القلب إلى لبّ األلباب ومنها إلى صلة الرحمن ....فإذاً سٌؾ هللا
هو سٌؾ العدل والرحمة ولٌس سٌؾ أو سوط القتل أو الرجمة ....عندما
ك السٌؾ على رقبة َعمر بن و ّد العامري ماذا فعل هذاه ّم اإلمام علً بش ّ
األخٌر؟ بصق فً وجه اإلمام ....عندبذ سحب السٌؾ من ٌده وقال :سوؾ
لن أفصلك خوفا ً أن أقتلك لؽضبً ال لربً ...وتعجب َعمر من هذه
الرحمة...
4
هذه هً رحمة أهل الرحمة ...وأهل الرحمة هم األنبٌاء واألولٌاء والخلفاء
والحكماء والعلماء وكل َمن أسلم نفسه وذاته وروحه للرحمة الرحٌمة...
لتكن مشٌبتك ٌا هللا...
الطفل ال ٌؽضب من ؼضب أمه ولكن هل األم تعلم علم الرحمة؟
معا ً سنقرأ هذا الكتاب وسنتعرّ ؾ على سرّ األلباب حٌث الرحمة مع
الرحمن....
الرحمة ال تحمل قلبا ً ٌنزؾ التجانس واالنسجام والتعاطؾ مع اآلخرٌن...
الرحمة هً عمق المحبة التً بوسعها أن تضحّ ً بكل ما عندها لتنمًّ
الوعً فً كل وضع أو حالة أو مكان ٌختبرها اإلنسان ....هذا هو
االمتحان فً كل محنة نمرّ بها على مر الحٌاة.
5
االستهالل
اعذرونً! حبٌّت أتفلسؾ وأختار كلمة جدٌدة تحتل المقدمة ونستهلها
بالموجز...
ما هو موجز الرحمة؟
انظر إلى قطرة الماء ترى البحر قد تحجّ ب فٌها وانظر إلى الشمس التً
اختفت فً ذرّ ة وانظر إلى قلبك ترى عرش الرحمة وأنت أٌّها اإلنسان سٌّد
على نفسك ،ارحمها ترحمك وتسمو من النفس اللوّ امة إلى النفس المرْ ضٌّة
وتدخل إلى رحمة الرحمن.
ولننتبه إلى الفرق الشاسع الواسع بٌن الشؽؾ واالنفعال والعاطفة والشفقة
والحب ،والرحمة ....الحب ؼٌر المحبة والعدل ؼٌر الرحمة ...معا ً
سنتعرّ ؾ على هذه الطبقات من الشعور واإلحساس حتى نصل إلى الوعً
واإلدراك عندب ٍذ نرى الحق بنور هللا ونشهد بعٌن الٌقٌن للرحمة الساكنة فً
لبّ اإلنسان....
إنّ الحب هو شؽؾ وانفعال جسدي ...هو مجرّ د حرارة جسدٌة تنبع من
لبّ العقل الباطنً وتستعبد اإلنسان وتحوّ له إلى مجرّ د عبد ممسوس من
حواسه البشرٌة ...والرحمة هً المحبة التً تجاوزت األحاسٌس الحٌّة فً
الجسد واتصلت بالساجد الذي تحرر من العبودٌة وأصبح سٌّداً على نفسه
وٌعمل بوعً عقبلنً دون التوكل على الجهل والمنطق ,بل الحرّ الذي
حوّ ل الشؽؾ واالنفعال والحب إلى المحبة والرحمة وحرٌة الشهادة....
هذه هً مرتبة السمو الروحً حٌث ال شهوة وال نزوة وال شبق وال شوق
بل عٌش اللحظة فً رحمة ورأفة....
العاطفة شهوة أما الرحمة فهً محبة ،الشؽؾ رؼبة أما المحبة مشاركة،
الشهوة طمع والرحمة عطاء ،الحب ٌستخدم اآلخر وسٌلة بٌنما الرحمة
تحترم اآلخر أل ّنه مرآة المإمن ...العاطفة تقٌ ّدك مع التراب والطٌن
وتحجب عنك النموّ والسمو بٌنما الرحمة تساهم فً نمو البذرة إلى وردة
وإلى نشر العطر فً الفضاء والفناء ...الرحمة هً التً تحوّ ل الوحل إلى
عطر ...والعتمة إلى نور...
مجزأ ومبعثر ...جزء من الطاقة منهمك بالؽضب وجزء آخر ّ عاد ًة اإلنسان
مستؽرق بالطمع وجزء مقٌّد بالشهوات وإلى ما هنالك من رؼبات ونزوات
إلى أن نصل إلى أسفل طبقة من التعب والفراغ ونحٌا كالجٌفة المجوّ فة من
الحٌاة...
6
لنتذكر حكمة الحكماء عن الطاقة فً قولهم بؤنّ الطاقة بهجة ومتعة ولكن
ماذا فعلنا بها؟ هذا هو التبذٌر واإلسراؾ حتى أصبحنا أموات ,ال حٌاة لمن
تنادي ألنّ الطاقة تجري فً المجاري ولكن إذا استخدمنا هذه الطاقة كما
ٌجب ستحٌا فٌنا السعادة الباطنٌة األبدٌة ...هذه هً طاقة الرحمة الساكنة
فً القلب ،والسٌّد على قلبه لو شرب الس ّم ألصبح هذا الس ّم ترٌاقاً ،ولو
أمسك بالتراب ألصبح ذهبا ً ...وعندما نحٌا هذا الفٌض من المحبة والرحمة
نعٌش فً الجنة حٌث الحٌاة التً ال تموت وفً هذا الجوّ من السموّ ٌسمو
اإلنسان إلى مرتبة األلوهٌة وٌختبر الرحمة السرمدٌّة أال وهً المحبة
الهادٌة والعادلة واآلمنة ...هذه هً ج ّنة الخلود الصامدة فً لبّ قلب
المإمن حٌث الرحمة التً ال تنضب وما هذه البركة إالّ مشاركة األلوهٌة
مع األلوهٌة....
االنفعال لعنة نابعة من الجهل والرحمة نعمة نابعة من التع ّقل والتوكل....
إنّ العاقل لو أمسك بالتراب ألصبح ذهباً ،والجاهل لو أمسك بالذهب
ألصبح ترابا ّ........
ولك الخٌار أٌها اإلنسان وال تحتار فالخٌار األفضل هو الفضٌلة فً حٌاتك
ألنّ الرحمة عٌون ال ترى إالّ الرحمن فً أي مكان حتى فً األضداد،
راقب الطبٌعة كؤنها كتاب هللا المنظور ،انظر إلى عٌون النحلة وعٌون
الذبابة ،األولى ترى العسل والثانٌة ترى الزبل ....والذي ٌرى هللا فً كل
شًء تتحوّ ل حواسّه البشرٌة إلى أسرار إلهٌة وٌحٌا الرحمة األزلٌة........
7
الرحمة الرقٌة الرغبة
إنّ وجودنا فً األرض سرّ الهً وحكمة ال ٌعرفها إالّ الحكماء....
الحكٌم ٌدرك سرّ وجوده لذلك نرى بؤنّ بودا وهو أحد أكبر حكماء الشرق
الذي بقً فً الدنٌا مدة أربعٌن سنة بعد أن أدرك االستنارة والٌقٌن وحقق
رؼباته وتجاوز شهواته وبقً صامداً فً األرض لخدمة المرٌدٌن
والسالكٌن ,وقد ُس ِب َل مراراً" :لماذا ال تزال فً جسدك؟ لماذا ال تعود إلى
السماء؟ لقد أ ّدٌت الواجب اإللهً كما ٌجب وحققت جمٌع رؼباتك
وشهواتك ولماذا ال زلت تتمسّك بالجسد؟ هل ال زلت تبحث عن رؼبة أو
شهوة جسدٌة ال نعرفها؟"
علٌنا أن نفهم الرؼبة فً بُعدها وعمقها ...عندما تختفً الشهوة تبقى الطاقة
حٌّة فً الجسد .الطاقة هً التً كانت تحرك الرؼبات من حالة إلى حالة
وال تموت وال تترك الجسد ...بل ترافق صاحبها وسٌّدها إلى حٌث ما
ٌشاء ...فً بداٌة الرحلة تحوّ ل الؽضب إلى جنس والجنس إلى طمع
وعندما ترى أو تعاشر أي إنسان ٌرؼب الطمع والجشع تراه ضعٌؾ
جنسٌا ً وٌعٌش العزوبٌة ألنّ طاقته تتبلءم مع تطوره فً الرؼبة .واإلنسان
الذي ٌشتهً وٌرؼب الجنس ال ٌهتم بالطمع أل ّنه استؽل طاقته للنشاط
الجنسً وإذا كبت نشاطه الجنسً ٌتمسك بالؽضب واالستٌاء وٌتطاٌر الشرّ
من عٌونه ووجهه وحركاته الجسدٌة....
هذا ما نراه فً رهبان الشرق حٌث الكبت الجنسً فرٌضة مقدسة....
تصرّ فهم ٌعبّر عن ؼضبهم ،وصمتهم مجرد سكٌنة سطحٌة ...مجرد لمسة
بسٌطة وٌنفجر بركان الؽضب والتوتر...
الطاقة ال تختفً ألنها ؼٌر قابلة للهدم أو للتلؾ بل تتآلؾ مع سٌ ّدها وعلماء
ك بؤنّ الحكٌم المستنٌر ال تتركه هذه النعمة بل
الطاقة ٌإكدون وبدون أي ش ّ
تبقى معه طالما ال ٌزال ح ٌّا ً فً جسده وٌستخدمها للرحمة بٌن البشر
وسابر المخلوقات.......
8
لقد تجاوز جمٌع رؼباته الجسدٌة والفكرٌة ولكنّ روحه توّ اقة إلى نشر
الرحمة فً األرض وطاقة الرحمة ال تحمل أي شكل أو أي لون ألنها ؼٌر
محدودة بل مطلقة الحرٌة...
إنّ طاقة الرحمة ؼٌر طاقة الرؼبة ...الرحمة نشاطها وسع كل شًء ولكن
الرؼبة نشاطها محصور بالجسد ال ؼٌر ...ال تستطٌع أن تصنع أو تنمً
الرحمة أل ّنها نتٌجة وجودك دون أي شهوة أو رؼبة جسدٌة أو دنٌوٌة…
أي كما قال اإلمام علً ٌا دنٌا ؼرّ ي ؼٌري طلّقتك بالثبلثة ...أي من
جسدي وفكري ونفسً ،لذلك كان سٌفه سٌؾ الرحمة والفاروق ،أي كان
ٌفرّ ق بٌن الؽضب والحب وبٌن الحب والمحبة ...الرؼبة لها سبب أساسً
وهدؾ فكري بٌنما الرحمة ال دافع وال سبب وال أي هدؾ ,إ ّنها فٌض إلهً
من محبة الرحمن إلى كل إنسان وما نراه وما ال نراه.
إنّ الرحمة ظاهرة جدٌدة فً حٌاة اإلنسان .قدٌما ً كانت فً قلوب الحكماء
والنسّ ّّ اك والعارفٌن باهلل… كان التؤمل مباح ومتاح ولكنّ الرحمة
محصورة ومحظورة إلى أن أعلنها الحكٌم بودا ,ومن بعده انتشرت إلى أن
أتى الرسول وأ ّكد الرسالة بؤ ّنها الرحمة الرحٌمة لجمٌع أهل هللا وش ّدد على
التؤمل والرحمة معا ً وفرض علم األبدان وعلم األدٌان ..وهذا هو مٌزان
الرحمة األبعد من العدل ومن العقل ,ومن هذه الشعلة النورانٌة تؽٌّر
مجرى التارٌخ إلى منهج جدٌد أال وهو التوحٌد بٌن الجسد والفكر والروح
وهذه هً نعمة الرحمة التً تجمعنا بالرحمن ومن هذه النعمة ٌعٌش
اإلنسان رحمة الزمان والمكان....
التؤمل حالة طبٌعٌة فً الطبٌعة وفً جمٌع المخلوقات ولكن الرحمة ولدت
ووُ جدت قبل التؤمل ...تصوّ ر أ ّنك إنسان ؼنً مادٌا ً وفكرٌا ً واجتماعٌا ً
وتوصلت لبلستنارة بفضل التؤمل ولكن بدون رحمة ستبقى أقل محبة
ورأفة وإدراكا ً ...فإذاً التؤمل ٌتصل بالوعً وباالستنارة ولكن إن لم تكن
الرحمة هً األساس فً المشاركة والعطاء ونشر الوعً واإلدراك فما نفع
النور الذي تحمله إن لم تستطع أن تذهب به إلى أهل الكهؾ؟
الرحمة هً علم األبدان واألدٌان وهً المعرفة التً وسعت كل شًء....
9
هً السعً إلى المساحة البلمحدودة واألزلٌة األبدٌة المطلقة لجمٌع
مخلوقات هللا ....الرحمة هً الصلة باألصول أي باأللوهٌة الساكنة فً كل
ساكن أي كلنا عابلة واحدة متحدة بالرحمة الرحٌمة...
إنّ العلم الخفً الساكن فً التؤمل هو الذي ٌرشدنا إلى النور وعندما ٌستنٌر
القلب نذهب برحمة اللبّ إلى كل قلب ٌبحث عن الرحمة التً هً األساس
فً بناء الفناء والببلء....
على كل مستنٌر أن ٌساعد فً نشر الرحمة لٌع ّم الجمال والجبلل فً
العالم ,وهذه النعمة تنتشر بسرعة األمراض المعدٌة ألنّ عدوى الرحمة
هً الرحمة ....ولكن اإلنسان المستنٌر الذي لم ٌعرؾ الرحمة سٌبقى
حامبلً مصباحه ٌبحث عن مصالحه المادٌة والشخصٌة دون مشاركة
اآلخرٌن بما وهبه هللا وهذه هً األنانٌة والؽرور ،ولكن أصحاب الرحمة
ؼٌّروا النظرة من البصر إلى البصٌرة وشاركوا بنعمة هللا لٌع ّم السبلم فً
العالم األكبر ,وهذا هو الضوء األكبر والتكبٌر والتهلٌل الذي هو أبعد من
حدود الجسد والساجد ،وهذه المشاركة ال تتم إالّ بالرحمة التً وُ جدت
ووُ لدت بلبّ القلب قبل أن نتعرؾ إلى التؤمل ...إ ّنها مسإولٌة كل سابل
وكل متؤمل....
علٌنا أن نتعلم الرحمة قبل التؤمل وإالّ سنقع فً شرك األنانٌة واالستكبار
عندبذ سنحٌا الموت األبدي ألننا بعد نشوة التؤمل ٌقؾ لنا الؽرور
بالمرصاد وٌضع الح ّد والس ّد ونعتقد بؤننا وصلنا إلى جنة النعٌم ونحٌا
الهلوسة الفكرٌة ونستكبر ونستعبد ،وهذا ما نراه الٌوم حول العالم من أهل
السلطة والتحكم حٌث ال رحمة بل رجمة الجهبلء على البسطاء
والمسإولٌة تقع على كل إنسان ...أنا المسإولة عن األمانة فً جسدي وفً
نفسً واستفتً قلبك ولو أفتوك...
كن سٌّداً على نفسك وال تصدق كل ما ٌقال وال نصؾ ما تبصر ،وإذا
جاءك أحد بنبؤ فتبٌّن قبل أن تتهور ألنّ النور بدون رحمة هو انهٌار فً
هاوٌة النار ,وما نفع العالِم المستنٌر إنْ لم ٌكن سٌّداً على األمانة؟
هإالء العلماء هم شرّ العلم والعلماء منهم تخرج الفتنة وإلٌهم تعود...
الرحمة سبقت العلو واالستنارة والبصر والبصٌرة وما على السٌّد إالّ
الببلغ وهذه هً الرسالة فً قلب الرسول...
10
لٌست االستنارة هً التً ُتحدد صفة السٌّد ،بل الرحمة هً التً تمنح صفة
السٌادة اإللهٌة إلى المستنٌر الذي ٌخجل من نفسه ومن هللا إنْ لم ٌذهب إلى
أهل الظلمة والرجمة لٌشاركهم ولٌشكرهم على وجودهم معه فً هذه
الرحلة الرحٌمة ...وكل َمن ابتبله هللا بعدوّ ٌقاومه باإلحسان إلٌه وٌدفع
بالتً هً أحسن وتنقلب العداوة إلى حب ,ولوال الرحمة لما قال اإلمام علً
فزت ورب الكعبة) ...لقد رحم من قتله كما رحم المسٌح من صلبه وكما ( ُ
رحم النبً من رجمه ...فإذاً الرحمة هً أساس العدل اإللهً فً لبّ
اإلنسان ,وصاحب الرحمة هو المصباح الذي ٌنٌر وٌستنٌر فً رحلة السفر
حٌث ٌذوب المظهر وٌنكشؾ المخبر وٌتمسك بالمصدر حٌث الرحمة
وأخبلقها واإلنسان بدون أخبلق لٌس إنسانا ً على اإلطبلق...
إنّ الرحمة الهابلة هً الهالة النورانٌة التً ُتعرّ ؾ عن سٌّدها ...عندما
ذهب سٌّدنا عمر إلى القدس وكان ٌجرّ الناقة والخادم على الناقة ،سبقت
هالته جسده وعمله وق ّدموا له المفتاح ،أي فتح قلوبهم حٌث الرحمة هً
العطر الذي ٌنشر السبلم وهً الرضى والتسلٌم أي نهاٌة العلم والتعلٌم…
وما الرحمة إال النور اإللهً الساكن فً لبّ القلوب حٌث التخاطب
والتجاوب لمعرفة الحق ونشره وهذا هو دور اإلنسان… وكما األشجار
المثمرة تنشر عطرها ،كذلك اإلنسان الرحٌم ٌنشر الرحمة دون أي هدؾ
أو ؼاٌة بل مشاركة الشكر بالشكر ألنّ النعمة ال تدوم إال بالشكر للحًّ
القٌوم الساكن فً رحمته األبدٌة...
ٌا لها من ؼبطة ونشوة عندما ترى انتشار الرحمة حول العالم ...عندبذ
تقول الشجرة للؽابة شكراً ٌا أهل األلفة لم أعد وحدي منعزلة وؼرٌبة وها
نحن معا ً فً الشجر والحجر والبشر كلنا نسبّح هللا ونشكره على كرمه,
أل ّنه هو السرّ الذي ال ٌح ّده ح ّد وال س ّد وال صفة بل أبعد من أي كلمة أو
صوت أو صدى ...إنّ األلوهٌة الساكنة فٌنا وما علٌنا إالّ أن نشارك بهذه
النعمة لتنمو وتزهر ونتذكر بؤننا كلنا أخوة فً هللا واأللوهٌة هً السرّ
األعظم واألرحم الساكن فً قلوبنا حٌث ال وسٌط وال شرٌعة وال أي
كتاب… بل التؤمل هو المفتاح لباب القلب حٌث الرحمة هً السرّ الذي ال
ٌشرحه العقل بل ٌحٌاه القلب المحبّ وٌنطق به اللسان كما ٌشاء وتحرّ ك
الجسم كٌفما أردت واسؤل قلبك واستمع إلى روحك وكن صادقا ً مع
نفسك...
الصدق مع النفس هو التخلص من عقدة الماضً والمستقبل ...كن ناٌا ّ
ُتعزؾ علٌه أعذب األنؽام… .إنّ اإلنسان الذي لم ٌتخلص من الماضً
والمستقبل ال ٌكون قادراً على تلقً األسرار اإللهٌة أل ّنها اآلن وهنا وهذا
11
زمان هللا ومكانه ..الماضً تارٌخ والمستقبل ؼرٌب وهذه اللحظة هً كل
ما نملك من موت أو حٌاة ولنا الخٌار فٌما نختار ....لنختار الثورة
المطلوبة لزرع الثروة الموهوبة من هللا إلى شعبه المختار ....الشعب الذي
اختار النور ال النار ....اختار الرحمة بدل الرجمة ،هذا هو المستنٌر الثابر
والمتمرد الذي ٌنشر العلم بالمشاركة الواسعة ؼٌر المحدودة....
وما هذا الكرم إالّ من األكرم الساكن فً قلوبنا حٌث الفٌض اإللهً الذي ال
ٌنضب بل ٌحٌا مع الرحمة الحٌّة مع الحًّ األبدي ...إنّ اإلنسان بدون
رحمة حتى لو كان مستنٌراً لن ٌعرؾ من اإلنسانٌة إالّ قشورها
وقبورها ....لقد زار الحكٌم بودا أحد طبلّبه وكان علمانٌا ً ال ٌإمن بؤي دٌن
ولكنه ٌحب العلم وقال الحكٌم" :أحب أن أكون رحٌما ً إلى جمٌع مخلوقات
هللا وأق ّدم جمٌع ما أملك من محبة ومال ووقت ,ولكن عندي اعتراض
بسٌط على جاري الذي ال أحبه ألنه شرٌر وقذر وسؤحرمه من كرمً
ورحمتً"....
الجار ولو جار هو من أهل الدار وأكثر العداوة تؤتً من حسن الجوار
انس العالم وساعد جارك الذي جاورك" ...وارتعش لذلك قال له بوداَ " :
التلمٌذ وارتبك قاببلً" :ماذا تقصد أٌّها المعلم؟ إ ّنه عدوّ ي!!"...
استطعت أن تعطً عدوّ ك عندب ٍذ تتحرر َ فؤجابه الحكٌم الرحٌم قاببلً" :إذا
من التصرؾ العدابً تجاه نفسك والعالم"....
هذا هو المفهوم األساسً للرحمة أي أن نقبل ضعؾ اإلنسان كما هو دون
أي توقع أو ترقب أو أي أمل أو رجاء ....اإلنسان خلٌفة هللا ولٌس هللا...
أي كلنا نتعلم من ألم الخطٌبة ومن اعترؾ بخطبه فاز برحمته...
"كونوا كاهلل وتخلّقوا بؤخبلق هللا وخلقُه القرآن" ...نعم هذه هً حقٌقة
األنبٌاء واألولٌاء والحكماء والعارفٌن باهلل ,وهذا هو الجهاد األكبر وهو
أكبر الجهاد وهذا ال ٌعنً أننً معصومة عن الؽلط بل معصومة عن
الصح وقابلة أو معرّ ضة للخطؤ وللضبلل فً كل خطوة وج َّل من ال
ٌخطا ،ومِن االستكبار أتعلم االستؽفار وأتقرّ ب من نعمة الؽفران والؽفور
وأؼفر لنفسً ولعدوّ ي ولجهلً وهذه هً رحلة الرحمة من طبٌعة
اإلنسان...
علًَّ إذاً أن أقبل اآلخر كما هو وأحترمه احترامً لنفسً دون أي شرط أو
فرض وإالّ سؤكون السبب فً دمار الوقار فً البشر...
من أهم األسس الجوهرٌة فً الرحمة هً تكرٌم كل إنسان ولٌس هناك أي
حالة مستحٌلة أو أي إنسان ؼٌر أهل لبلستنارة ألنّ هذه النعمة هً من
طبٌعة كل البشر...
12
كلنا نور من نور وهذه الحقٌقة ال تنبع إالّ من اإلنسان المستنٌر وإالّ لن
نحٌا صدق هذا الحق ....لنتذكر معا ً عندما ضرب ابن ملجم اإلمام علً،
دخل علٌه الحسن وهو ٌبكً فقال له :ما ٌبكٌك ٌا بنًّ ؟
قال :ومالً ال أبكً وأنت فً أول ٌوم من اآلخرة وآخر ٌوم من الدنٌا؟
َ
عملت معهنّ ... فقالٌ :ا بنً! إحفظ أربعا ً وأربعا ً ال ٌضرك مهما
قال:و ما هنّ ٌا أبتِ؟
قال:إنّ أؼنى الؽنى العقل ،وأكبر الفقر الحمق ،وأوحش الوحشة العجب،
وأكر ُم الحسب الكرم وحسن الخلق...
قال الحسنٌ :ا أبتِ ،هذه أربع فؤعطنً األربع األُخر...
قال:إٌاك ومصادقة األحمق فإ ّنه ٌرٌد أن ٌنفعك فٌضرك ،وإٌاك ومصادقة
الكذاب فإنه ٌقرّ ب إلٌك البعٌد وٌبعد علٌك القرٌب ،وإٌاك ومصادقة البخٌل
فإ ّنه ٌَب ُع ُد عنك أحوج ما تكون إلٌه ،وإٌاك ومصادقة الفاجر فإ ّنه ٌبٌعك
بالتافه ...هذه هً رحمة المٌّت الحًّ ...إ ّنه على فراش الموت ورح َم من
قتله ورح َم من أساء له ورحمته باقٌة مع رحمة أرحم الراحمٌن...
إنّ كلمات المستنٌر تخلق الثقة فً نفوسنا ولكن الكلمات التً تنبع من
الجاهل الؽافل ال تتعدى اللسان واآلذان ،هذا ما نسمعه فً المدارس
والجامعات وأهل السلطة والدٌن وكل من ٌ ّدعً المعرفة واإلرشاد للتحكم
واالستبداد ...إنّ الكلمة التً مصدرها القلب تقع فً القلب وتحٌا فً
عروقنا وتنبض فً أنفسنا أل ّنها لٌست مجرّ د كلمات عقبلنٌة صادرة من
ك مما ٌقول... إنسان هو نفسه ال ٌعلم معنى كلماته وهو فً حالة رٌب وش ّ
إ ّنه كالببؽاء ٌكرر العبارات وما أكثر العبر وأقل االعتبار ...علٌنا أن نعتبر
ونحترم أنفسنا كما نحن اآلن.
إنّ الحكٌم بودا هو أحد عبلمات االرتقاء والتطور فً الضمٌر ..مساهمته
فً رفع مستوى الوعً ال ح ّد لها وخاصة فً ترقٌة الرحمة التً هً
الجوهرة األساسٌة فً حٌوٌة اإلنسان ,وعلٌنا أن ننتبه ونتذكر بؤال نستكبر
وإالّ دمرنا الرحمة التً شاركنا بها ,أل ّنها لم تعد رحمة بل رجمة وؼرور
وق ّدمنا الذ ّل واإلهانة بكلمات معسولة بالمرارة والحبلوة...
علٌنا أن نفهم الرحمة أل ّنها هً المحبة التً تنبع من اإلدراك والرشد.
المحبة العادٌة هً مجرّ د شعور صبٌانً تافه وسخٌؾ ولعبة حسنة
للمراهقٌن ...علٌنا أن ننمو ونسمو من هذا المستوى األعمى إلى حقٌقة
المحبة الروحٌة...
المحبة المعروفة اجتماعٌا ً وعابلٌا ً هً عملٌة جذب وإؼراء وتح ّدي
ومنافسة حتى الموت ،أي الموت للتخلّص من هذه الورطة العمٌاء...
13
المحبة بدون رحمة قوّ ة جاهلة فاشلة وأنجح الع ّشاق هم أولبك الذٌن لم
ٌلتقوا حتى باألحبلم ،بل عاشوا األوهام أمثال مجنون لٌلى ورومٌو
وجولٌٌت ،والشكر ٌعود إلى األهل والمجتمع الذٌن عرقلوا مسٌرة الزواج
ألنّ الحب ٌموت فً السرٌر ...هذا هو األسر والعُسر حتى القبر...
ت تحبٌّنه؟" فؤجابت :كبل! سؤلتها صدٌقتها قابلة" :هل ال زل ِ
ولماذا؟" ....ألننً تزوّ جته!!!"
ٌلتق بها وبقً ٌعشق جنونه األعمى، مجنون لٌلى كان محظوظا ً ألنه لم ِ
ولكن إذا التقى األعمى باألعمى ستكون النتٌجة نشاز بدل التناؼم ومعركة
من السٌطرة والذ ّل والنزاع والصراع...
عندما ٌتحوّ ل الحب إلى وعً وٌقظة تتطوّ ر الطاقة إلى تنقٌة ور ّقة وتصبح
الرحمة الرحٌمة....
إنّ الحب موّ جه دابما ً إلى إنسان واحد والرؼبة األساسٌة هً تملُك هذا
اإلنسان ،وهذه الرؼبة هً من الطرفٌن.
ومن هنا تبدأ الرحلة الجهنمٌة عوضا ً عن الحٌاة الزوجٌة.
إنّ الرحمة لٌست موجّ هة إلى أي إنسان أو أي عنوان ...إ ّنها لٌست عبلقة
أو صلة قرابة أو حب نسب وحسب...
إ ّنها كٌانك أنت أٌّها القارئ والحًّ بالحق ...رحمتك وسعت كل الشجر
والحجر والطٌر والبشر دون شرط أو قٌد أو أي توقع أو أي مبادلة...
إنّ علم الكابنات الحٌّة ال ٌعترؾ بالرحمة وهذا هو العلم األعمى ...العلم
ٌعمً والجهالة تعمً وكبلهما ببلء ،لذلك علٌنا أن نعٌد النظر فً وجودنا
وأن نتعرّ ؾ على هذه الطاقة الحٌّة فً كٌاننا وال نكبتها ،وأن نرفض كل
التعالٌم الدٌنٌة المشروطة بالذنب وبالعقاب خوفا ً من الحب...
الحب نعمة من هللا وُ لدت فً قلوبنا لتنمو وتسمو إلى طبقات من المحبة
ومن الرحمة البلمتناهٌة ,ولكن باالستنكار والعقوبة واإلدانة ال تتحوّ ل
البذرة إلى شجرة ،وهذا ما فعلته العقابد المع ّقدة وال تزال تتحكم باإلنسان
أٌنما كان فً السماء أو فً األرض أو تحت األرض...
هذا الحكم الظالم نراه فً صدر أهل السلطة حٌث ال رحمة على وجوههم،
فت على أحد بل هٌاكل عظمٌة ناشفة حٌث ال حٌاة وال حٌاء ...لقد تعرّ ُ
وتؤكدت بؤن جهنم موجودةٌ ...عٌش فً الؽابة كما خلقه ُ الق ّدٌسٌن فً الهند
هللا عاري الجسد ,ولكنه تعرّ ى من الرحمة ومن العاطفة ومن الحكمة
وٌُقبل الناس من كل حدب وصوب لٌقبّلوا أرجله ،والهرٌبة أفضل المراجل
مع هكذا رجل...
أحد كبار فبلسفة هذا العصر Russellروسِ ل ،أك ّد وش ّدد وأعلن قاببلً:
14
"إذا كان هنالك جنة ونار ،فسؤذهب إلى النار ألنً ال أستطٌع العٌش برفقة
الق ّدٌسٌن وال أتصوّ ر بؤنّ أي مخلوق ٌتحمّل الحٌاة مع األموات حٌث ال
حب وال رحمة وال صداقة وال أعٌاد وال فرح وال أي فرصة للحٌاة"...
تج ّنب وتحاشى مثل هذه الج ّنة...
الق ّدٌس ٌعٌش قداسته سبعة أٌام فً األسبوع وال ٌُسمح له أن ٌتصرؾ
كإنسان ولو لٌوم واحد أو لنهار واحد ،بل علٌه أن ٌبقى جامداً وٌابسا ً
ومتصلّبا ً على صلٌبه وعذابه طمعا ً بالجنة وخوفا ً من جهنم وال ٌدري أٌن
هو اآلن ،بل ٌتبع األؼبٌاء وٌتنافس معهم بالؽباء والببلء....
حق قدره وأشعر باالمتنان لهكذا إنسان وأرافقه إننً أق ّدر هذا الفٌلسوؾ ّ
إلى جهنم حٌث األصدقاء األوفٌاء للحٌاة ومنهم الشعراء والرسامٌن
والمتمردٌن والعلماء والمبدعٌن والراقصٌن والممثلٌن والموسٌقٌٌن من
جمٌع األطراؾ واألجناس واأللوان ،وهذه هً جهنم للشعب الرٌّان حٌث
ال شرٌعة وال عقابد وال مذاهب وال ذنب وال عٌب وال خطٌبة وال نار أو
برد ,ألنّ وجود العلماء وبنوع خاص األلمان والٌابان وأهل الصٌن، َ
زرعوا أفضل االكتشافات واالختراعات ومنعوا دخول األموات إلى جهنم
لتبقى مسرحا ً ألهل الفن والحٌاة...
إنّ السبب فً هذا االنقبلب هو كبت الحب ،والحكمة تقول :علٌنا بتنقٌة
وترقٌة هذه النعمة بواسطة التؤمل وبذلك تتحوّ ل من الشؽؾ إلى الشرؾ,
واإلنسان الشرٌؾ والعفٌؾ هو الذي ٌستخدم هذه الطاقة بلطؾ ولٌن إلى
أن تعود إلى أصولها وتتصل مع جذورها وتنشر عطورها.
وهذه هً الرحمة النابعة من قلب المإمن بؤرحم الراحمٌن....
وعندما نتعرّ ؾ ونعترؾ بؤنّ الرحمة هً جوهرة اإلنسان نلتزم بمفتاح
الذروة النورانٌة ونحٌا االستنارة الف ّتاح أي بالتؤمل إلى أن نصل إلى أوج ُ
ونتقرّ ب إلى باب القرب حٌث الرحمة اإللهٌة بانتظار أهلها ،وأهل البٌت
هم أهل السٌادة على أنفسهم وعلى العالم أجمع ,و َمن كان سٌّداً على نفسه
كان خادما ً لكل نفس ...هذا هو الخلٌفة الذي ال ٌخلؾ المٌعاد وٌبقى وف ٌّا ً
للعهد األبدي حٌث ال بداٌة وال نهاٌة بل المدد اإللهً األزلً....
من الٌسر أن تستنٌر ولكن العسر السٌادة على االستنارة وعلى نفسك....
أن تكون سٌّداً هذه ظاهرة مر ّكبة أل ّنها تحتاج إلى التؤمل مع الرحمة...
التؤمل وحده سهل ج ّداً وكذلك الرحمة ولكن االثنٌن معا ً بتزامن موحّ د ،هذا
حدث مع ّقد وحالة صعبة أي كالقابض على الجمر...
15
إنّ اإلنسان الذي ٌستنٌر وٌكتفً بذاته وال ٌشارك ؼٌره فً هذا االختبار
هذا إنسان ال ٌشعر بالرحمة وال ٌساهم فً نمو الوعً الكونً على
األرض
و ال ٌرفع من مستوى اإلنسانٌة...
ُرقّّ ي الضمٌر الكونً... وحده السٌّد الذي ٌستطٌع أن ٌنهض وٌقوّ ي وٌ ّ
مهما ٌكن وعٌنا قلٌل فإنّ التكرٌم والتقدٌر ٌعود إلى السٌدات والسادة الذٌن
نجحوا فً تحقٌق وتثبٌت الرحمة حتى بعد االستنارة ....لذلك ُسمٌّت بسٌّدة
نساء العالمٌن ,أي سٌّدة على نفسها وعلى كل نفس ،وسٌّدنا إبراهٌم وسٌّدنا
عٌسى وإلى كل َمن ساهم فً رفع مستوى الرحمة فً العالم....
من الصعب ج ّداً أن نفهم هذا المستوى من الرقًّ فً الرحمة ,ألنّ
وأخاذة لدرجة أ ّنها تمٌل بصاحبها ألن ٌنسى االستنارة ممتعة ج ّداً ومشوّ قة ّ
العالم كله وال ٌُف ّكر إالّ بنفسه ورؼباته ،وال ٌهتم بالمبلٌٌن التً تتلمّس
الطرٌق لتبحث عن االستنارة وعن نفس االختبار الذي توصّل إلٌه هذا
المتؤمل...
ولكن عندما تكون الرحمة أساس الرحلة فمن المستحٌل أن ال ٌشارك
المستنٌر اختباره مع جمٌع خلق هللا ،وهذه هً الفرصة الوحٌدة للمشاركة
وللعطاء بنعمة هللا وهذا هو الفرح السماوي .ومن خبلل الرحمة تختبر
نعمة كرم الكرٌم ،وكلّما شاركت واشتركت مع هللا ،حٌث العطاء األزلً
من المدد إلى األبد ...إذا استطعت أن تشارك بنورك سٌزٌدك هللا نوراً
وحٌا ًة ملإها الحٌوٌة والبهجة واالحتفال الدابم بؤبعاده وأسراره
البلمتناهٌة ...وهذا هو خٌارك أٌّها اإلنسان :إمّا المشاركة بنعمة هللا ،أو
حصرها لخدمة نفسك وتحقٌق رؼباتك الشخصٌة التً ال تتع ّدى البعد
الفكري والمادي والجسدي .وهذا ما نراه فً أكثر الحاالت البشرٌة وبنوع
خاص أصحاب األوقاؾ الدٌنٌة والسٌاسٌة و االجتماعٌة واإلنسانٌة...
لنتذكر معا ً حٌاة الخلفاء وأهل البٌت وبٌت المال وأٌن نحن الٌوم من هذا
ّ
نستحق أي خلٌفة فً هذه المحنة؟ المقام؟ لماذا ال
نعم ...كما تكونوا ٌولّى علٌكم ...علٌنا بتؽٌٌر أنفسنا وأنا المسإولة عن
جسدي وحٌاتً ...إنّ التؤمل هو مفتاح النور ،وعندما أرى أشهد ،وعندما
أشهد أعٌش رحمة الشهادة ...وما الرحمة إالّ عطر هللا لجمٌع مخلوقاته...
و ما اإلنسان إالّ بذرة من ج ّنة هللا ،علٌه أن ٌزرعها لتنمو و ُتنبت و ُتزهر
عطر ...على كل بذرة أن تموت لتنمو وتحٌا ألوهٌتها األبدٌة لتق ّدم الكثٌر و ُت ّ
من الورود إلى العالم ،وما هذه الهداٌا إالّ صدقات وزكاة ألننا كلنا أوالد
األرض وعلٌنا جزٌة وجزاء...
16
تذكرت قوالً للحكٌم زرادشت حٌث ٌقول" :ال تؽدر وال تخدع وال تخون ُ
ذرّ ة من تراب األرض حتى لو كانت فً أعلى قمّة المجد المادي" ...أمكم
األرض والشعب عابلتها وحتى األعداء هم ببلء من هللا لٌمتحن أهل هللا...
أ ِحبّوا أعداءكم وباركوا العِ نٌكم حتى لو صلبوكم ورجموكم وسمّموكم ،ال
تنسوا بؤ ّنكم أخوة فً الرحمة ...واؼفر لهم أل ّنهم ال ٌعلمون ،وإذا لم ٌؽفر
اإلنسان ولم ٌسامح فمن الذي سٌؽفر؟ وؼفرانكم ألهل الجهل سٌعود إلٌكم
بالبركة اإللهٌة وٌُضفً على حٌاتكم رونقا ً أبد ٌّا ً........
هذه هً رحمة األنبٌاء والحكماء واألولٌاء أل ّنها هبة من الخالق إلى
صاحب الحق .علٌنا أن نراقب أنفسنا ونحاسب ضمٌرنا فً مشهد نتنافس
به مع الباطل ...هذا االمتحان ٌرافقنا فً كل زمان ومكان ومن سٌربح
المعركة؟ الخٌر أم الشرّ ؟
أي مجهود ٌكون ض ّد الرحمة نشعر به فوراً وترتعش الرحمة وتتردد ألننا
سممنا النواٌا بؤفكار تافهة سخٌفة ضعٌفة ،وهذه األفكار ال تعطٌنا إالّ األلم
والتعاسة والصراع واإلسراؾ المطلق من الحق الذي أكرمنا به هللا ,وبذلك
نخسر الكثٌر من الحٌاة ال ّنفٌسة والكرٌمة والؽالٌة .....إنّ اإلنسان الرحٌم
هو جلٌس هللا ...وما هذا الجلٌس إالّ سراج منٌر ٌقتبس النور من هللا
وتسجد له المبلبكة ألنّ هللا اج َتباه ومنحه الرحمة اإللهٌة ،ولٌس الرحٌم َمن
عرؾ الخٌر مِن الشرّ ،بل َمن عرؾ ورحم خٌر الشرّ ٌن ,وذرّ ة من
الرحمة كقطرة الماء التً ال تعرؾ لها بداٌة أو نهاٌة....
تذكرت قصة جمٌلة عشتها مع أبطالها فً الؽرب ...لقد صارحت الزوجة
زوجها بؤ ّنها تحبّ صدٌقه وإذا به ٌؽمرها وٌقول لها ...أحبك وأحب لك أن
ت صدٌقتً ،وترك لها البٌت وسكن فً تحبً ما تحبً وسٌبقى صدٌقً وأن ِ
الحًّ المجاور وبقً األب والصدٌق ,وهً أٌضا ً كانت صادقة مع نفسها
وت ّم الطبلق وكان شاهداً فً عرسها وشكرهما على هذه الهدٌة له أال وهً
الرحمة لنفسه وللعالم....
هذه هً الرحمة لزوجته ولصدٌقه وألوالده ولنفسه وإلى كل من ٌرٌد أن
ٌتعلّم علم الرحمة دون أي استعبلم أو تحقٌق عن هذه العبلقة بل الرضى
والتسلٌم ...إنّ الرحمة هً أسمى درجات الفهم واإلدراك والتمٌٌز...
إنّ اإلنسان الرحوم ال ٌتؤثر ال باألمور البسٌطة وال بؤي قرار مصٌري...
ا ّنه ٌعٌش اللحظة فً رأفة ولٌن وبذلك ٌقوّ ي طاقة الرحمة وتتبلور لتسمو
وترتفع مع نعمة التؤمل إلى النور اإللهً حٌث التوحٌد مع هللا والعٌش
بؤسلوب جدٌد ووالدة جدٌدة ,أي من الروح القدس أو الروح اإللهٌة ،وفً
لحظة فرح ونشوة عندما ٌمؤل النور المق ّدس جسدك المق ّدس ستؽمرك
17
الرحمة وستكون هً الصدٌقة الصادقة لؤلبد ...وستحٌا حٌاتك بؤسلوب
جدٌد أل ّنك ستعطر العالم بعطر الرحمة وما هذا الفٌض إالّ من أرحم
الراحمٌن الساكن فً قلب المإمنٌن…
18
إنّ أهل هللا أحٌاء عند هللا ومعه لؤلبد حٌث ال موت وال عذاب بل عٌش
اللحظة فً فرح ونشوة ،واآلن هً هذه الفرحة إلى كل من ٌرؼب بالدخول
فً سرّ األصول وفً صلة األرحام واالعتصام بحبل هللا ....وما علٌنا إالّ
أن نتؤمل ونتذ ّكر هوٌتنا األصلٌة واألصٌلة وندخل المحراب حٌث السكٌنة
الساكنة فً لبّ القلب ,وهنا ٌتزامن التؤمل مع الرحمة وٌُشعل هللا نور
سراجنا ونسٌر فً العتمة وتتحوّ ل إلى نور وما هذا النور إالّ طبٌعتنا
األصٌلة الموصولة باهلل....
نور من نور خالدٌن فً هذا السرّ وفً هذه المسٌرة.
نعم ٌا إخوتً ...إنّ سفٌنة نوح فً انتظارنا فهل نحن من أهلها؟ نوح هو
ُ
فعلت القبطان الذي ٌلوّ ح لنا فهل نحن عمبلً صالحا ً ومع المصلحٌن؟ ماذا
ألستحق الشاطا األمٌن أٌّها األمٌن؟ أعترؾ لنفسً أمام نفسً بؤننً ال
أستحق إالّ رحمتك ٌا هللا ...رحمتك وسعت كل شًء وما أنا إالّ هذا الشًء
الذي ال ٌستحق أي شًء وأقبل منك أي قبلة وأي قصاص وأي قسوة ألننً
عصٌتك وال زلت حتى اللحظة وأعلم علم الٌقٌن بؤ ّنك أمّنتنً على األمانة
ولم أكن أمٌنة فلك الحق بما تختار لً وأستحق هذا الحق...
فاحرمنً من ج ّنتك الخالدة فحرمانك هو الرحمة التً أستحقها ...إننً على
ثقة بؤنّ اإلنسان الذي استوى وانطوى فً الدنٌا والدٌن سٌكون خالداً مع
العارفٌن ومع السالكٌن ,وهذا هو السكن حٌث السكٌنة مع أهل هللا ال أهل
ُرر متقابلة مع القبلة الؽرور واالستكبار بل أهل الفرح والسرور وعلى س ٍ
وأٌن نفسً من هذه القبلة؟
نعم إنّ الرحمة هً الرؼبة اإللهٌة وهً أسمى الشهوات وأرفع الرؼبات،
والنفس التً تحمل هذه النعمة هً تلك النفس الشفافة التً ال ٌعرفها إالّ
األنبٌاء كسٌّدنا إبراهٌم وسٌّدنا عٌسى والسٌّدة العذراء والسٌّدة الزهراء,
وال ٌزال عطر رحمتهم فً العوالم وفً القلوب ...ولكن من م ّنا ٌدرك هذه
النعمة وهذه الرحمة؟ إنّ صلة األرحام هً خٌط من نور ال تراه إالّ
البصٌرة المستنٌرة وجمٌع وسابل االتصاالت مفصولة إالّ من هذا الحبل
السري أال وهو حبل الرحمة والمحبة ،وسوؾ لن ٌنقطع طالما هناك
صوت صارخ فً البرٌة ٌناديٌ ...ا أرحم الراحمٌن إلٌك أشكو ضعؾ
قوتً وقلّة حٌلتً وأنت ربً وعلٌك ٌتوكل المستضعفٌن وال حول وال قوة
إالّ بك...
19
هو عدم المشاركة بنعمة هللا ...ما هو الدافع األنانً الذي ٌمنعنً من
المشاركة أو المساهمة بالقلٌل من العطاء اإللهً؟ من إماطة األذى عن
الطرٌق أو االبتسامة إلى رفٌق أو وردة أو كتاب أو زٌارة مرٌض أو أي
نٌة أشارك بها صدٌق أو عدوّ ،ؼرٌب أو نسٌب ،المسامحة ألي إساءة أو
أي ألم أو أي أذٌّة....
ما هو هذا السّور الذي بنٌته بٌنً وبٌن هللا؟ نعم إ ّنه الجهل ...إ ّنه الخوؾ
واإلنسان عدو ما ٌجهل ,والح ّل هو فً التؤمل وفً الكتاب الذي تراه العٌن
وتحٌاه البصٌرة قبل البصر...
كتابك فً ٌمٌنك وفً أمامك وما علٌنا إالّ أن نختار ما هو األفضل إلزالة
هذا الجدار الذي ٌحجب ع ّنا النور وٌدفعنا إلى النار...
اآلن نستطٌع أن ندفع بالتً هً أحسن...
والدفع لٌس ماد ٌّا ً فحسب بل من قلب المحب حٌث ال رؼبة وال ؼاٌة بل
فٌض من كرم هللا إلى هللا....
ولكن بداٌة الطرٌق هً الطرٌق إلى الحق....علًَّ أن أعرؾ نفسً أوالً
عندب ٍذ أتعرّ ؾ على حقٌقة وجودي فً هذا الوجود وعلى سرّ المشاركة
والكرم فً هذه النعمة والجهاد النفسً والجسدي والروحً والمادي فً
سبٌل الخلود فً جنة الخلود...
إنّ اللذٌن جاهدوا بؤموالهم وأنفسهم كاألنبٌاء والخلفاء والحكماء وؼٌرهم
من أولٌاء هللا هم الكتاب الحًّ المبٌن الذي ٌرشدنً إلى كتابً الحًّ فً
وٌسخر لنا هللا جمٌع الوسابل التً تساعدنا فً رحلتنا هذه... ّ كٌانً,
إنّ الحج لٌس ضجٌج وعجٌج بل هو قفزة تجاوزٌّة من الفكر إلى التف ّكر
ومن التفكر إلى التذ ّكر ومن التذ ّكر إلى هللا ...وهذه هً تذكرة المرور إلى
عالم النور ...على منابر من نور فً لحظة القٌامة ...واآلن وهنا نستطٌع
أن نختار ما نرٌد وأن نشارك القرٌب والبعٌد...
فلنختار المو ّدة التً ُتقرّ بنا من أنفسنا ولنترك العداوة التً تبعدنا عن أنفسنا
وعندب ٍذ نشارك ونجاهد بما مل َكت قلوبنا من رحمة هللا.
20
الرقٌة الطاقة القدرة
ما هً القدرة ومن أٌن تأتً؟
21
الرقٌة والرحمة عملة واحدة ُتؽٌّر اإلنسان من كمٌّة إلى نوعٌة ومن عدد
إلى ع ّدة فرٌدة...
االنفعال طاقة دنٌوٌة والرقٌة طاقة سماوٌة...االنفعال ٌتحرك باتجاه
الرؼبات والشهوات والرحمة طاقتها إلى عٌش اللحظة بدون أي رؼبة
بالرضى والتسلٌم إلى هٌكل هللا...
العاطفة هً مهنة أو صنعة لتنسى التعاسة واأللم فً حٌاتك بٌنما الرحمة
هً طاقة حٌاة ل ُتحًٌ فٌنا احتفال البلوغ إلى سدرة المنتهى حٌث المشاركة
بجمٌع خٌرات األرض والسماء...
هذه الطاقة الرحٌمة ُتتمم مكارم األخبلق السماوٌة ونحٌا قدرنا الذي ُكتب
فً رحمنا وحملناه معنا منذ ألوؾ األجٌال واألجٌال ,وحان الوقت لنتعرّ ؾ
على أنفسنا وعلى هذه القدرة اإللهٌة الساكنة فٌنا وأن نحٌا الدور الذي من
أجله أتٌنا إلى الدنٌا ومنها إلى بٌت السجود والخلود...
إنّ البرعم الذي وُ لد فً الرحم أصبح عطراً فً اآلفاق ٌرقص مع جمٌع
العطور واألشجار من الزٌتون حتى السندٌان ومن األرز حتى سنابل
األرُز ...وهذه هً مشاركة العطور المختلفة والمتآلفة من البشر والشجر
والطٌر والحجر ....هذه الطاقة التً كانت مختببة فً رحم الكهؾ تفجّ رت
ملطخة بؤي رؼبة أو مع الفجر وانتشرت مع نور الشمس ؼٌر ملوّ ثة وؼٌر ّ
أي شهوة أو أي شرط...إ ّنها طاهرة ونزٌهة من أي حافز أو دافع بل ل ُتدافع
ع ّنا بالتً هً أحسن وأرحم وأقدر...
إنّ الزهرة محدودة ولكن عطرها مطلق مع الحق ،جذورها مقٌّدة على
عكس عطرها الذي ٌرحل مع الرٌح دون أن ترسً فً أي مرفؤ ،بل
ترافق النسمات أٌنما تولّت ...وكذلك التؤمل ،إ ّنه كالزهرة له جذوره وقٌوده
الساكنة والكابنة فً قلب الكابن ولكن عندما نتذكر الرحمة ون ّتصل بصلتها
تفٌض قدرات هللا فٌنا ونرتقً بالرقٌة السماوٌة ونشارك بها أهل الفكر
والذكر والكفر دون أي معرفة أو تفرقة بل بداعً الفطرة الطبٌعٌة التً ال
تح ّدها أي حدود أو أي بُعد ،بل هً نعمة من المدد إلى المدد...
أٌن أنتم ٌا أنبٌاء هللا؟ أٌن هو الحبٌب والمسٌح وسٌّدة نساء العالمٌن؟
وجودهم حًّ ...عطرهم حًّ ...رحمتهم خالدة مع الخالد الحً ولكن
أجسادهم هً الزهرة التً ؼادرت مع الفجر ولكن العطر ال ٌزال حتى
األزل ...التراب ٌعود إلى التراب ولكن النور ٌبقى فً عالم النور األبعد
من أي بعد واألقرب من أي قرب ...إ ّنه سرّ هللا فً خلقه وله فً خلقه
شإون ...هذا هو العطر الذي أحبَّه النبً وال ٌزال عطر سٌّدنا الخضر
22
حاضراً ألهل العطر وهذه هً الرحلة المرؼوبة ألهل الحج و أهل
الذكر...
القدرة اإللهٌة لٌست محدودة بالجسد وال بالساجد بل بالمدد الذي ٌمده هللا
إلى كل عابد حًّ مع الحًّ ...إنّ كلمة طاقة أو رقٌة أو رحمة أو قدرة هً
نعمة واحدة فً إناء مختلؾ واالختبلؾ ؼٌر الخبلؾ ...إ ّنه الؽنى فً
المعانً واألوانً وبنوع خاص فً اللؽة العربٌة ...لؽة أهل البادٌة وأهل
الصحراء وأهل الطواؾ والمحور اإللهً ...ولكن الجسد ال عبلقة له
بالرحمة بل هو لخدمة الساجد ،والساجد لخدمة هللا وما هذه القدرة إالّ من
القادر لئلنسان المختار لهذه األمانة وما هذا الجسد إالّ قدر من طٌن لتطهو
هذه الطاقة بحرارة اإلٌمان وعندما تنضج ,تنضح بعطرها إلى جمٌع من
حولها وٌتحوّ ل من نطفة إلى خلٌفة...
هذه هً رحلة الحج الدابمة مع الحًّ القٌوم لذلك عندما قال سٌّدنا عمر:
"وهللا ما ح َّج إالّ ناقتً وأنا وإعرابًّ من البصرة" أي الناقة ُتسبّح هلل وتتق ّدم
بالطاقة والتسبٌح ،كذلك الخادم األمٌن واألعرابً الذي ح ّج بروحه وهذا
هو الحج السماوي ...االستطاعة الروحٌة والنفسٌة قبل االستطاعة الجسدٌة
الفكرٌة....
فكرة هامة علٌنا أن نتؤكد منها بإلحاح وإصرار وإالّ سنقع فً هاوٌة الجهل
والشرك ،أال وهً عدم تطبٌق أي عادة تؤمل أو أي طرٌق من طرق
الرحمة ...إنّ العادات الفكرٌة والعقبلنٌة هً لتنمٌة االنفعاالت العاطفٌة
باسم الرحمة ،وهذا ما نراه الٌوم ،وباسم الدٌن حول العالم حٌث نذكر
الحقٌقة ونحٌا الجهل وهذا هو النفاق لهدم الوفاق...
لنتذكر بؤنّ الرحمة ال ُتعلّم وال ُتدرّ ب...المسٌح توصّل إلى االستنارة
والرحمة بواسطة التؤمل ،ولكن المسٌحٌة والمسٌحٌٌن ٌب ّشرون بالطقوس
وبالنصوص وباإلرهاب وبالترؼٌب وهذه هً وسابل جمٌع أهل الدٌانات
أل ّنهم سلطة مُسلطنة بالقوة ال بالتقوى ،والتارٌخ ٌشهد على هذا الفشل
الهابل حٌث قمنا بؤلوؾ الحروب الصلٌبٌة والجهادٌة ،كلها باسم السبلم ولم
نر إالّ السبلح وباسم الحب لم نحٌا إالّ مع الحرب وعالم الٌوم هو السجن َ
األكبرٌ ،تح ّكم به أهل السٌاسة والدٌن والمال وأٌن رحمة األنبٌاء؟
الرحمة هً التً ُتحّ ررنا ولكن أي رحمة؟ إ ّنها الطاقة النورانٌة التً تفٌض
بالحب السماوي النابع من التؤمل ال من التجاهلٌ ....قول الحكٌم بؤنّ
الرحمة هً نتٌجة وعاقبة ,وال تستطٌع أن تقبض علٌها مباشرة بل علٌك
أن تصنع وتنتج السبب وبعدها ٌؤتً األثر وتكون الخطوات من تلقاء نفسها
بعد أن نفهم معنى التؤمل ونحٌا هذه النعمة فً كل لحظة من حٌاتنا...
23
عندب ٍذ تفور وتؽور رابحة الرحمة التً هً فً صُلب القلب وما التؤمل إالّ
عطر كل محتاج إلى هذا التاج... المطر الذي ٌروي عطش البذرة ل ُتزهر و ُت ّ
تاج الهالة السماوٌة أي تاج الحكمة على رإوس الحكماء...
إنّ الرحمة هً المعٌار للتؤمل ...إذا كان التؤمل سلٌما ً وصحٌحا ً تكون
الرحمة أمر محتوم ومجبر ،وإذا كان التؤمل طالحا ً وؼٌر صالح فالرحمة
الخطى الخاطبة ...ال ٌض ّل اإلنسان إالّ بالطرق الباطلة.
ال تتبع ُ
إنّ الصراط المستقٌم لئلنسان القوّ ام والرحمة هً مقدار لطرق التؤمل،
وطرق التؤمل ممكن أن تكون مُضلّة وخاطبة واإلنسان ٌجهل هذه الحقٌقة.
مثبلً أي تؤمل ٌرشدنا إلى التركٌز هو خطؤ ولن تكون الرحمة هً النتٌجة
ألنّ التركٌز ٌؽلق باب الشرح ...ألم نشرح لك صدرك ...التركٌز ٌُضٌّق
الممر وٌح ّدد القٌود وٌُقلّص الرإٌة وٌستبعد السماء فتتجه بضمٌرك
وبصرك إلى نقطة معٌّنة لتدرس العٌنٌّة المعٌّنة وهذا هو التوتر بعٌنه...
و كلمة ر ّكز وانتبه بح ّد ذاتها ُتو ّتر األعصاب وتضؽط على الوتر الحسّاس
وتقطع الن َفس وأٌن نحن من االنفتاح واالنشراح والرإٌة الواسعة
الشاسعة؟؟
التركٌز حاجة ضرورٌة فً المختبرات العلمٌة ال فً االختبارات
الروحٌة ...فً األبحاث العلمٌة ُنر ّكز على الخلٌة أو الذرّ ة ونستثنً كل ما
هو موجود خارج هذه النقطة المح ّددة والمطلوبة ،وأكثر األوقات ٌكون
العالِم ؼافبلً وؼٌر منتبه إلى أي شًء حوله أو فٌه إالّ لهذه الذرّ ة التً ال
ٌرى فٌها شٌبا ً سوى بعض المشاكل أو األمراض أو النظرٌات....
وعندما ٌنظر إلى العالم ال ٌرى إالّ المشكلة وٌبحث عن الح ّل من خبلل
المنظار ،ورح َم هللا بصره وبصٌرته أل ّنه فً الدنٌا أعمى وفً اآلخرة
أعمى وأض ّل سبٌل ...هذا هو عالم التركٌز...
وأكثر علماء الذرّ ة ال حٌاة عندهم إالّ التشرّ د من فكرة إلى فكرة وهذا
الشرود الفكري ٌُسبب لهم نظرات شرسة فً الحٌاة أل ّنهم ال ٌنظرون إلى
العالم إالّ من ثقب الباب ,حٌث ال قلب ٌنبض بالحب وال روح تحٌا الرحمة
وال فكر ٌتذكر النور أل ّنهم أحٌاء أموات ٌنتظرون ساعة الدفن....
دخل األستاذ إلى الصؾ مبتسما ً مشرقا ً وقال للطبلب:
رأٌت هذه الضفدعة فً بركة الجامعة وسنشرّ حها معا ً لنتعلّم علم ُ "لقد
خاص بفصٌلة الضفادع والحٌوانات المابٌة" ...وفتح الصرّ ة بكل عناٌة
وإذا بها فطٌرة ملفوفة مع الخضار فاندهش وارتبك وقال بعفوٌة ...أنا
متؤكد بؤننً أفطرت الٌوم لكن لمن هذه الوجبة؟ وأٌن الضفدعة؟
24
هذه الحادثة لٌست ؼرٌبة فً حٌاة علماء الطبٌعة ....حٌاتهم أصبحت
محدودة وضٌّقة ومتجهة إلى نقاط معٌّنة كالس ّكٌن الحا ّد أو اإلبرة التً ُتح ّدد
الموقع المطلوب ،وتجهل النظرة الشاملة والعالم المحٌط به ...وٌتمسّك
حفظت شٌبا ً وؼابت عنك أشٌا ُء.َ بحبّة الرمل وتؽٌب عنه الصحراء ،أي
الحكٌم هو رمز الوعً والعالِم هو رمز التركٌز ...ولكن العارفٌن باهلل
رفعوا الجدار واألسوار وتزامنوا وتآلفوا مع الجوار...هذا هو التقارب مع
الوجود كما هو دون أي رفض أو فصل أو إزعاج أو استنكار ،بل هً
الرقصة الكونٌة المتناقضة ،وما على الحكٌم إالّ أن ٌتناؼم مع الطبٌعة دون
أي تركٌز بل بالرإٌة الشاملة الكاملة الؽنٌّة باألضداد والتناقض وهذا هو
الفٌض اإللهً حٌث ال حدود وال سدود...
التركٌز مزعج ومُكلؾ ،أكثر العلماء بعٌدون عن العالم وأي حركة من
الطبٌعة تزعجهم ...العصفور ٌؽرّ د والكلب ٌنبح واألوالد ٌلعبون وهم فً
التو ّتر والتشرٌح والبحث عن أدق المعلومات لنشر النظرٌات التً تتؽٌر
بٌن لحظة ولحظة .ومن التركٌز نرى بؤنّ علماء النفس والتؤمل انسحبوا
من المجتمع وسكنوا فً الكهوؾ وأعالً الجبال وانعزلوا عن العالم للبحث
عن هللا باألسلوب العلمً الدقٌق ،ولكن هللا لٌس شٌبا ً ملموسا ً أو ؼرض
ٌُدرك بالحواس ...إنّ هللا هو الوجود الشامل الكامل األبعد من أي علم أو
أي إدراك لذلك قٌل بؤنّ العلماء خافوا هللا...
هللا هو الوجود بؤسره ...هو الكمال الكامل الشامل المتكامل مع جمٌع
مخلوقاته ،وال ٌستطٌع العلم أن ٌعرؾ هذه األلوهٌة ألنّ العلم محدود
بالطرؾ األٌسر من الدماغ ومن هنا منبع الرٌاضٌات والعلوم والحسابات
أي واحد زابد واحد ٌساوي اثنٌن ،ولكن فً الدٌن واحد زابد واحد ٌساوي
واحد...
كلنا موحدٌن مع الواحد األحد والعلم محدود فً سرّ هذا التوحٌد واألسلوب
العلمً هو أسلوب مُر ّكز ومُر ّكب ومُشعّب لذلك ال ٌستطٌع العلم أن ٌعرؾ
الجمال اإللهً...
ٌمكننً أن أعرؾ أكثر وأكثر عن تفاصٌل دقٌقة وتافهة كعلم الذرّ ة
مثبلً...فقد أكد العلماء بؤ ّنها أصؽر ذرّ ة وانقسمت وتقاسمت وتؽٌّرت
النظرٌات واستسلم العلماء واندهشوا أمام هذا السرّ وإلى أٌن المصٌر؟
ُجزئ ،والدٌن ٌجمع وٌُوحّ د...الدٌن ٌكبّر والعلم ٌُص ّؽر وٌنسى العلم ٌقسّم وٌ ّ
العالم والعالِم ،ولن ٌستطٌع أن ٌفهم األلوهٌة بسبب التركٌز...
التركٌز ال ٌفهم "هللا أكبر" بل مُوجّ ه إلى علم "الذرّ ة أكبر" وإلى البحث
المدرك بالحواس ...بٌنما التدٌّن ٌتزامن مع العلم والعقل واألسرار فهو
25
ؼٌر محجوز أو محبوس فً فكرة ٌراها من خبلل النافذة واإلطار
المحدود ،بل ٌقؾ تحت السماء والشمس وٌتؤمل باألسرار األبعد من أي
نوافذ أو حواجز أو انتباه أو تحلٌل ،بل االحتفال والتهلٌل بالجمال اإللهً
األبعد من أي علم أو منطق...
26
هذا امتحان من الوجود ،ال تتذمّر وإالّ سٌعود بدور أكبر ...ال ترفض هذه
الفرٌضة وال ُتنكر هذا الذكر ،بل اق َبل القبلة من أي جه ٍة أتت وإالّ ستتو ّتر
أكثر ...تذكر امتحان األنبٌاء والحكماء واألولٌاء ونحن أٌضا ً على ُخطى
النار والنور أو العار والؽار ولنا الخٌار دون أن نحتار ألننا نعرؾ
األفضل وعلٌنا أن نرى الخٌر فً الشرّ ٌن...
كلنا نعلم بؤنّ الرقصة الكونٌة هً عبلقة األضداد مع بعضها البعض
متصلٌن وموحّ دٌن...
انظر إلى الطبٌعة سترى بؤننا كلنا أنسباء ونتكامل مع الفناء ،وإذا اختفت
الشمس اختفى الشجر ،وإذا اختفى الشجر اختفى البشر والطٌر والحجر.
هذه الحبكة هً الحبل الحٌوي الذي ٌربط الكابنات الحٌّة بالبٌبة المجاورة،
لذلك ال نستطٌع أن نرفض أو ننكر أي موجود فً هذا الوجود ،ألننً بذلك
أّنكر وجودي وسرّ الوجود...
27
ولكن أكثرنا للحق كارهون وجاهلون ونذكر هللا بتكرار الكلمات أو
بالتسبٌح الذي ال ٌتع ّدى اللسان واآلذان ونعتقد بؤنّ الطبٌعة ال تعرؾ
جهلنا...
إنّ الطٌور لٌست ؼبٌّة أل ّنها ال تشعر معنا وفٌنا وتعرؾ سخافتنا التافهة فً
عبادتنا هلل ...نكذب على أنفسنا ولكن هذا الؽشّ واضح ألي عصفور ألنّ
صوته صادق ونابع من قلبه ...إ ّنه تؽرٌد من فٌض الفرح الطبٌعً المتناؼم
مع جمٌع المخلوقات ...إ ّنه ٌشارك الوجود والشجر والبشر والحجر
بحضوره وفرحه وشكره ،وهذه هً فطرة الطبٌعة التً ال تزال على
طبٌعتها بالرؼم من تح ّكم اإلنسان بها...
صلًّ على النبً ...هذا تذكٌر الختبار الراحة واالستراحة واللطؾ
واالسترخاء ...اإلنسان ال ٌستطٌع أن ٌقبل أو ٌوافق على أي شًء إنْ لم
ٌسترخً وٌستسلم ...إنّ الموافقة مع الوجود هو الترحٌب والرضى وهذا
هو التسلٌم أي نهاٌة العلم والتعلٌم...
انزعجت من أمور صؽٌرة أو كبٌرة ،هذا هو وضعً وموقفً من هذا ُ إذا
الشعور...ماذا أفعل؟ ال شًء ...أجلس بهدوء وأستمع إلى ما ٌدور حولً
وأقبل النعمة التً أنا فٌها وأتمرّ ن على هذا الوضع حتى أتجاوب معه دون
بت طرقا ً عدٌدة وفشلت ودخلت إلى أي تفاعل أو ر ّدة فعل ،ألننً جرّ ُ
نفسً والجواب فً الكتاب وفً القلب.
إ ّنها مهمة لٌست سهلة ولكنها أهم من أي ِهمّة إلزالة اله ّم والؽ ّم والس ّم من
انتصرت على خطوة أستقبل األصعب منها وبذلك أتمرّ ن ُ حٌاتً ،وكلما
على مواجهة االمتحانات وبنوع خاص فً العالم العربً ...لماذا؟
ألننا تعلمنا وتعوّ دنا وتعلّبنا بؤن نرمً اللّوم على اآلخرٌن وأنا دابما ً
صدق السابل هلك َ الضحٌّة ...واآلن أعل ُم بؤنّ السابل هو المسإول وإذا
المسإول...
تعا َل معً اآلن لنتنفس بعمق وهذه الطاقة هً التً س ُتوقد فٌنا نار النور
استرخٌت كلما تعم َّق الن َفس من تلقاء نفسه من
َ ونرى الحق بداخلنا ،وكلما
دون أي جهد وبتناؼم مع الجسد والساجد وتشعر بالفرح وبالهدوء ،عندب ٍذ
تعرؾ بؤنّ الن َفس هو الجسر بٌنك وبٌن الوجود...
انتبه وراقب ن َف َسك دون أي مجهود أو محاولة ،بل تحرّ ر واسترخ
وانظر ...أنت هنا لتقبل كل ما ترى وتشعر دون أي رفض أو صراع أو
نزاع ،بل أنت حارسٌ على ما تشاهد فً التن ُّفس ،وتذ ّكر وأنت على حذر
بؤنّ الن َفس هو الحٌاة التً تدخل وتخرج أي شهٌق وزفٌر...
28
استرخ والهواء سٌعرؾ طرٌقه ودوره الطبٌعً كؤ ّنك فً نوم خفٌؾ ،دع ِ
ّ
الن َفس ٌقوم بدوره على مزاجه وطبٌعته دون أي تدخل منك وستحصل
على إمكانٌات كثٌرة فً متناول ٌدك ...الن َفس هو الجسر الذي ٌجمعك
بالوجود ...من جهة موصول بك أي أ ّنك مرتبط بالجزء األول ،والجزء
الثانً مرتبط بالطبٌعة الكونٌة ...تستطٌع أن تتنفس بعمق وأن تلعب على
مزاجك وهذا دور اختٌاري وإرادي ،ألنّ قسما ً من حبل الن َفس موصول بك
مت أمرك للطبٌعة أو هلل، وأنت حرّ بهذا الجزء ،ولكن إذا لم تفعل شٌبا ً وسلّ َ
سٌبقى الن َفس على طبٌعته ودوره وٌستمر ،وهذه االستمرارٌة فً التنفس
ؼٌر إرادٌة....
إنّ الوجود هو الذي ٌهمس وٌبعث فٌك الن َفس...هذه الحٌوٌة ٌم ّدنا هللا بها
من المدد األبدي...
عندما ٌُقال لك ص ِّل على النبً أو اذكر المسٌح أو أي إشارة مق ّدسة،
تستسلم وتتقبّل اللحظة بنعمة مهما كانت مإلمة أل ّنك فتحت لها باب
االستقبال والترحٌب وتحوّ ل الس ّم إلى دسم واله ّم إلى نِعم ...عندما نتذكر
أي لحظة مق ّدسة ندخل إلى محرابها دون أن نحارب أي فكرة بل نتقبّل
ونستقبل أي إشارة أو أي شعور أو أي ن َفس ألنّ ن َفسً من هللا ،أي أنّ هللا
هو الذي أو هً التً تكرمنً وترحمنً فً صلة الحٌاة.....
الوجود ٌتن ّفس فً داخلً وٌنوّ رنً وٌُذ ّكرنً بؤننً خلٌفة ولست حلٌفة...
بؤننً آٌة ولست آلة .من هذه النقطة انطلق العلم الكونً وسجد العالم إلى
أسراره واعترؾ بضعفه وبحدوده وقال إنّ العلم محدود...
ومسترخ ,وٌتناؼم مع الجسم والوجود ٍ راقب تن ّفس الطفل ،إ ّنه مستسلم
بؤسره ...ما هو سرّ هذه النعمة؟ من الذي ٌُج ّدد فٌنا هذه الرزانة وهذا
المقام الوقور الشرٌؾ؟ ومع الوقت نرى ونشعر بؤنّ التنفس حدوث أو
حادثة من هللا ولٌست من المخلوقات وهذا هو سرّ التؤمل...
عندما ذهب الحبٌب إلى ؼار حراء ترك الحٌرة واالرتباك وأدرك أنّ
التؤمل هو حبل السرّ الذي ال ٌندثر وال ٌنكسر بل هو متصل بجمٌع
صرخ قاببلً :إٌّاك نعبد وإٌّاك
َ مخلوقات هللا ،وعندما أدرك هذه النعمة
نستعٌن...
لم ٌنطق بالمفرد بل بالجماعة وؼمره هللا برحمته ونوره وسلّمه األمانة
التً ال ُتعرؾ إالّ ألهل العرفان أل ّنها أبعد من حدود الصوت والصمت
والصدى ،بل بالمدى األبدي األمدي الساكن فً سكٌنة لبّ األلباب حٌث هللا
فً عرش هذا العابد المإمن الموحّ د...
29
من هذه الحقٌقة صرخ الحبٌب قاببلً" :تؤمل ساعة خٌر من عبادة سبعٌن
عام" ،أل ّنه أدرك الرحمة الطبٌعٌة الفطرٌة بعد أن تؤمل وعرؾ وؼرؾ
هذا السرّ وشارك به أهل قرٌش أهل الصخر والقسوة والكفر ،وكان هو
القرآن الحًّ والرحمة الحٌّة ولم ٌٌؤس ولم ٌطلب إالّ رضى هللا ال ؼٌر...
هذه هً القدرة اإللهٌة فً قلوب األنبٌاء والعارفٌن والسالكٌن وأهل السّادة
والعبادة..
30
إلى البٌت بساعاتٌ ،شعر بوجوده وٌبدأ ذٌله باالستقبال إلى أن تصله
الرابحة فٌذهب إلى الباب وٌبدأ بالعواء وال ّنباح وفتح الباب إلى أن ٌصل
سٌّده الذي ؼاب عنه ساعات أو أٌام أو سنٌن ،فبل ٌزال ٌش ّم رابحة الحنٌن
وأٌن نحن من هذا الحنٌن؟ ماذا حصل لحاسّة الش ّم عند اإلنسان؟ من أٌن
أتت هذه الكارثة؟
ال ٌوجد أي سبب الختفاء هذه الحاسّة أو كبتها ...الثقافة لم تكبتها أو تقمعها
عن معرفة ولكن هناك أسباب ؼٌر مربٌة تسبّب فً منعها وطمسها
والسبب الوحٌد هو الجنس...
اإلنسانٌة تعٌش كتم هذا العٌب وهذا الذنب وحاسّة الش ّم متصلة بالجنس...
انظر وشاهد الحٌوانات فً حالة الجاذبٌة الجنسٌة ...قبل أن ٌجتمع الكلب
بالكلبة أو بالرفٌقة ٌشمّها ،وإذا لم تتناؼم الرابحة بٌن الجسدٌن ال ٌت ّم اللقاء،
ولكن إذا تناسبت الرابحة وتبلءمت مع الؽرٌزة الجنسٌة ت ّم اإلؼراء ودخبل
فً لحن الفناء وهذه هً أنشودة التوحٌد ولو للحظة ،وإذا لم ٌشت ّم هذه
الرابحة أو العطر المناسب للطرفٌن ،انفصبل دون أي شتٌمة...
الح َكم ولكن عند اإلنسان انطمست الحاسة الجنسٌة إنّ حاسّة الش ّم هً َ
وبذلك انقمعت حاسّة الش ّم واستبدلناها بؤؼلى العطور لخدمة أسفل العهر
فً هذا الدهر...
إنّ كلمة ش ّم أصبحت إهانة ألنّ حاسة الش ّم ماتت وإذا سؤلتك هل تسمع أو
هل ترى؟ ال تشعر بؤي إزعاج ولكن إذا سؤلتك هل تش ّم؟ لماذا تشعر
باإلساءة؟؟؟...
الش ّم حاسّة لها قدرة ممٌزة وصِ فة خاصة كالنظر والسمع واللمس والذوق
وعندما أسؤلك هل تش ّم؟ ستشعر باالرتباك أل ّنها أصبحت إدانة...
نادرة طرٌفة عن أحد المفكرٌن عندما كان جالسا ً فً مركبة تجرّ ها الجٌاد،
دخلت علٌه سٌّدة وسؤلته :أٌّها السٌّد! هل تش ّم؟
وكان مفكراً فً اللؽة واألحرؾ والصرؾ ،فقال لها :كبل ٌا سٌدتً ..أن ِ
ت
تشمٌّن ،وأنا هً الرابحة الكرٌهة ...هو النتن وهً األنؾ الذي ٌش ّم!
لؽوٌاً ،معه حق ...إ ّنه ٌتكلّم بلؽة الصرؾ والنحو ...حاستها قوٌّة وهو
العطر النوّ اح الفوّ اح برابحته الكرٌهة ...ولكن كلمة الش ّم بح ّد ذاتها
أصبحت مُدانة ومُهانة ...عندما تكبت الجنس فؤنت تكبت حاسة الش ّم أٌضا ً
أصبحت معقداً وكسٌحا ً وأعرجاً ،أي عاجزاً عن إحدى الحواس وهذه َ أي
أزمة حسٌة ألنّ ُخمس دماؼك أُصٌب بالشلل أي ُخمس حٌاتك ...وهذا
االشتراك أو التورٌط ضخم وهابل فً لؽة الجسد الذي افتقد إحدى حواسه
وارت ّدت إلٌه بالتً هً أسوأ ...أي بالتنفس السطحً القصٌر...
31
بسبب كبت الجنس انكبتت حاسة الش ّم وكذلك قدرة التنفس ...لماذا؟
ألنّ التنفس العمٌق ٌُحرّ ك مركز الجنس وٌُشعِر بالذنب ....التنفس وسٌلة
لتنشٌط الطاقة الجنسٌة وأثناء اللقاء بٌن الطرفٌن ٌتعمّق ال َنفس لٌحرّ ك
النشوة ،ولكن َمن كان َن َف ُس ُه سطحٌا ً وضعٌفا ً ٌكون اللقاء عنده ضعٌفا ً
وسرٌعا ً حٌث ال تجاوب أبداً بٌن األحباب....
إنّ التنفس العمٌق ٌُدلِّك المناطق الحساسة جنسٌا ً ولكن بسبب الكبت
انكبت الن َفس وانقطع عن مركزه العمٌق فً الجسد وهذا هو سبب َ الجنسً
الضعؾ فً طاقة التؤمل أٌضا ً ...ل ُنعٌد النظر فً هذه العملٌة التافهة ...من
الكبت الجنسً إلى الكبت التنفسً ,والتنفس هو الجسر الوحٌد الذي ٌربطنا
بالوجود...
تقرٌباً ،كل الدٌانات ساهمت فً هذه الكارثة أل ّنها حرّ َمت ما حلّله هللا...
ٌتكلمون عن هللا ولكن فً الحقٌقة هم أعداء هللا وض ّده ...أي ضد األلوهٌة
الحٌّة فً الجسد والساجد معا ً...
لقد دمروا الجسر بٌن هللا والبشر ...تستطٌع أن تتنفس تنفسا ً سطح ٌّا ً ولكن
إذا لم ٌكن التنفس عمٌقا ً فلن نتصل بالحق أي بالوجود اإللهً الساكن فٌنا
جمٌعا ً...
الن َفس هو ؼذاء ال َنفس ومن النفس إلى الذات ومن الذات إلى الروح...
أكثر الحكماء ش ّددوا على أساس التنفس أل ّنه سبب الوعً والصمت
واالسترخاء ومع الوقت تندمج الروح الفردٌة مع الروح الكونٌة وتذوب
وتختفً فً هللا...
لم ٌعُد اإلنسان فرداً منفرداً بل أصبحت قطرة الماء هً المحٌط ...تتآلؾ
مع ألحان الماء والسماء ...ولم ٌعد اإلنسان منفصبلً عن هللا بل أدرك سبب
وجوده وأٌقن بؤ ّنه هو الخلٌفة وهو الضمٌر الكونً وهو نسمة الرحمة
اإللهٌة حٌث المشاركة مع هللا وجمٌع مخلوقاته بما وهبه هللا من النعم
المق ّدسة ...إنّ الرحمة ال تحٌا فً اإلنسان إالّ إذا أدرك بؤن كل ما ٌراه هو
فٌه ومرآة له وكلنا أنسباء وأقرباء ومتصلٌن بحبل هللا منفصلٌن عن
األوهام واألشباح ومتصلٌن لؤلبد بالروح األزلٌة السرمدٌة...
32
وهللا هو الرحمة الساكنة فٌنا وهً الصلة بالرحمة اإللهٌة وما اإلنسان إالّ
رسول لهذه الرسالة ...فً االختبار اإلنسانً البشري نشعر بؤنّ العبلقة بٌن
األم وطفلها هً األقرب إلى الرحمة...
الناس ٌسمّونها محبة ولكنها أقرب إلى الرحمة منها إلى الحب أو
العاطفة...
عبلقة األم بطفلها برٌبة من الشؽؾ واالنفعال والحب ...لقد عرفته فً
نفسها وهو عضو وطرؾ من كٌانها وجزء من حٌاتها ...حتى لو ابتع َد
عنها ستبقى فً انسجام وتناؼم معه ،تشعر بفرحه وبؤلمه مهما كانت
المسافة بعٌدة بٌنهما ولكنها أقرب من حبل الورٌد ...أحٌانا ّ تشعر األم
باإلحباط وال تدري ما السبب وٌكون هذا هو شعور ولدها أٌضا ً ...أي
التناؼم باألجساد واألحاسٌس وأحٌانا ً بالقدَر ،ومن هذه المشاعر تبرّ ر
حالتها العقلٌة أل ّنها ال تعرؾ صلة األرحام وحقٌقة هذه النعمة بل تتفاعل
مع جسدها ومع اآلالم ومع األدوٌة النفسٌة والجسدٌة ،ولكن علم الٌوم ٌُإكد
لنا بعبلقة علم النفس والذات والروح أي أرواح تؤتلؾ وأرواح تختلؾ...
حتى الولد ٌتفاعل مع أمه ولو عن بُعد بالموجات الرحٌمة من رحم الوجود
الموجود بؤمه وبنفسه وٌتماوج على نفس الموجة والذبذبات التً حملها من
الرحم إلى األرض وإلى رحم الرحمن....
هذه الخواطر تتبادل مع العابلة وبنوع خاص وممٌز بٌن األم وأوالدها وفً
حاالت فرٌدة نراها مع التوأم المماثل والمتطابق حٌث التخاطر ٌكون
سرٌعا ً وسهبلً ...وفً روسٌا استخدموا هذه الطاقة لؽاٌات سٌاسٌة وحربٌة
ونجحت مع التوأم حٌث التبادل بالموجات الفكرٌة كان أسرع من أي آلة
اصطناعٌة ،ألنّ األخوة اختبروا موجات الرحم فً وقت متزامن مع األم
ومع أنفسهم ...ولنسؤل أنفسنا عن التخاطر مع الروح الواحدة المتصلة
بجمٌع مخلوقات هللا لنشر الرحمة والسبلم...
لنتذ ّكر معا ً ...كلنا من رحم هللا ورحمته وسعت كل شًء ...وكلنا خلٌفته
وكلنا بصره وسمعه وٌده ورجله وكلمته ,ولماذا هذه الحروب منذ آدم حتى
الٌوم؟ أٌن هً الرحمة؟
تذكرت هذه الحالة فً إحدى مدارس األطفال حٌث كان أحدهم ٌؤتً ومعه ُ
مظلّة ،ولمّا سؤلته عن السبب قال لً بصوت حنون ولطٌؾ" :إ ّنها ٌ ّد أمً"
وسمح لً بؤن أمسكها وأن أش ّم عطرها ،ولمّا سؤلته عنها قال لً بؤ ّنها
ذهبت إلى السماء ولكنها ال تزال معه فً السرٌر وفً البٌت وفً
المدرسة...
33
كلمة أم من أصؽر الكلمات وأقواها بالرحمة واألسرار وعندما نتعمّق فً
التؤمل ونصل إلى االستنارة نعٌش األمومة فً قلوبنا أي الرحمة فً لبّ
القلب ...إنّ هللا عند أهل الذكر هو األمومة والرحمة وال أحد ٌنادي الخالق
بصفة األبوّ ة إالّّّ القلٌل من الدٌانات ألنّ كلمة األب تعنً مإسسة أما
الدٌن محبة ورحمة ولٌس سُلطة وقوانٌن وشرابع وأنظمة...
قدٌما ً كانت كلمة ع ّم هً البدٌلة لؤلب ألنّ الع ّم للعموم واألب للخاصة أي
للعابلة حٌث احتلّت مكان الجماعة والقبٌلة ....األم هً ربّة البٌت وتعرؾ
أوالدها ،ولكن األب ال منزلة له من حٌث اإلنجاب أل ّنه ال ٌتؤكد من
سبللته ...ولكن عندما بدأنا بالممتلكات الخاصة وبالزواج وبالمإسسات،
دخل الرجل على الخط وأعلن السٌطرة على الملكٌة الخاصة باألرض
وبؤهلها وأصبح هو السٌّد والمالك وهو صاحب هذه المإسسة العابلٌة،
ولكن الطاقة الرحٌمة موجودة فً رحم األم ومنها إلى أوالدها وإلى
األرض حٌث طاقة األمومة ،أي ذبذبات األنثى التً تصعد من الفرش إلى
العرش أي من األرض إلى السماء ،لذلك عندما قال الحبٌب أمك ثم أمك ثم
أمك ثم أباك ،أي أمك األرض وعمتك النخلة وأمك التً ولدتك وربّتك ألنّ
الطاقة هً األساس ولٌس الشكل أو الجسد أو التراب بل السرّ األمومً
الساكن فً جسدها وفً أمنا األرض...
عندما نرى وجه حكماء الشرق نرى األمومة على وجوههم أمثال بودا
وكرٌشنا وماهافٌرا...
وهذه هً صفة األلوهٌة حٌث الرحمة هً القدرة السماوٌة التً بها ومنها
ومعها وإلٌها ٌعٌش اإلنسان من هللا وإلى هللا ومعه إلى األبد...
فً الشرق ال نهتم بالوقابع ولكن فً معنى ومؽزى المواضٌع ...إنّ تمثال
بودا لٌس حقٌقة ولكن المعنى لٌس بالشكل وال بالحجر ،بل بالشكل األنثوي
الذي ٌرمز إلى األمومة ،أي طاقته التصاعدٌة الخاصة فً ٌمٌن الدماغ
هً التً حوّ لته من رجل عدابً وجامد إلى طاقة إٌجابٌة رحٌمة ،حٌث ال
جهد وال مسعى بل االستسبلم إلى مشٌبة هللا كما الجنٌن ٌستسلم إلى أمه
التً لم ٌراها بعد ولم ٌعرفها وهذه هً الرحمة واألمومة....
وإذا تطوّ رنا فً التؤمل ،نتحوّ ل من حال المنطق إلى حال الحدس ومن
العقبلنٌة إلى العفوٌة ومن الرجولة إلى الطفولة وتنمو فٌنا الرحمة أل ّنها من
صلب الكٌان اإلنسانً وٌنتشر العطر الرحٌم فً كل مقام وكل حال...
لكن ما نراه الٌوم وفً حٌاتنا العادٌة هو االنفعال والعاطفة ونعتقد ونتؤكد
بؤنها هً الرحمة ...فً أؼلب األحٌان نشعر بالو ّد والمحبة تجاه الناس،
حت شعوري وفحصته بدقة سؤجد كنت صادقة مع نفسً وشرّ ُ ُ ولكننً إذا
34
الدافع األساسً لهذه المعاملة التً تشبه المحبة أو الرحمة ،لكنها بالفعل
وبالنواٌا ما هً إالّ مجاملة لؽاٌ ٍة فً قلبً وفكري...
ُ
تذكرت هذه النادرة التً لٌست نادرة فً عالمنا الٌوم...
دخل الزوج إلى بٌته وتفاجؤ عندما رأى زوجته مع رجل آخر وطبعا ً ذهب
بسرعة إلى ؼرفته لٌسحب البندقٌة وٌقتل هذا المنافس والمنافق....
واستوقفته الزوجة العارٌة وصرخت قابلة" :أٌّها المجنون هل نسٌت من
دفع ثمن السٌاّرة والبٌت واألثاث؟ كلها من هذا الرجل" ...ولكن بالرؼم من
كبلمها انسحب منها إلى السلّم لٌصعد إلى ؼرفته وصرخت ثانٌة وبصوت
أعلى" ...انتبه من البندقٌة ...إ ّنها خطرة"...
"ماذا تقولٌن؟ بندقٌة؟" صرخ بها" ...إننً سؤجلب معً بطانٌّة ألن حرارة
البٌت باردة وممكن أن تزعجه وٌُصاب بالرّ شح والزكام وهذا حرام وال
ٌجوز وخاصة أ ّنه ٍ
عار من الثٌاب"!!!
هذا مجرّ د شعور وانفعالٌ ...تظاهر بالرحمة ولكنها بالعمق مجرد ؼاٌة
ألنّ الرحمة صافٌة ونقٌّة وطاهرة من أي ؼاٌة أو نٌّة ...إنّ الطهارة أو
الصفاء هً المكوّ ن األساسً للرحمة وإالّ ستكون معاملة رسمٌة...
لقد تعلّمنا كٌؾ نتصرّ ؾ رسمٌا ً وشكلٌا ً مع العابلة والمجتمع وأنفسنا...
إنّ الرحمة ال ُتعلّم بل عندما نتجاهل العلم والثقافة ونعود إلى الفطرة ونخلع
ع ّنا األقنعة االجتماعٌة من جمٌع آداب السلوك واللٌاقة والتصرّ ؾ الحسن،
تنبع المحبة الطبٌعٌة البدوٌة البرٌّة التً ال تعرؾ وال تعترؾ ال
بالسلوكٌات وال بالمجامبلت وال بالشكلٌات.
جثة هامدة مٌّتة بٌنما الرحمة هً حٌاة كلّها شعلة هذه كلّها وسابل جامدة أو ّ
ُتلهب القلوب بالحب وبالفرح ...لنشاهد معا ً هذه الدقة فً اللٌاقة واألدب:
فرٌد وسمٌر ٌسٌران معا ً على الرصٌؾ وإذا بموكب ٌمرّ على الشارع،
فتو ّقؾ أحدهم وخلع قبّعته ووضعها على صدره وانحنى حتى اختفى
الموكب وسؤله فرٌد قاببلً وبدهشة ؼرٌبةٌ" ...ا له من شعور لطٌؾ
ُ
كنت ومرهؾ ومحترم" ...فر ّد علٌه باحترام "هذا أق ّل شًء ممكن ،لقد
زوجا ً لهذه المرأة مدة عشرٌن سنة ولقد رحلت على حساب ؼٌري والحمد
هلل"!...
لقد أصبحت الحٌاة فرٌضة اصطناعٌة قلبا ً وقالبا ً ألننا نجامل الجهل على
مضض وكره ألننا نتجاوب مع الواجب ال مع الحب ،وهنا الخسارة
الكبرى حٌث ال حٌاة بل شكلٌّات كالمصباح الذي ال ٌعرؾ النور بل
الحدٌث عن النور ،وهذا ما نراه فً مجتمع الٌوم حٌث ال حٌاة لمن
تنادي...
35
حفاة عراة نتطاول فً البنٌان وأٌن أنت أٌّها اإلنسان من الرحمة ومن
اإلٌمان؟ أٌن نحن من حٌاة األنبٌاء والخلفاء والحكماء؟ أٌن أنت أٌّها
ت أٌتها الرحمة فً عالم الرجمة؟ أٌن الرسول فً عالم البترول! أٌن أن ِ
ت أٌتها الحٌاة الحٌّة بالقوة وبالحٌوٌة اإللهٌة؟ الطهر فً عالم العهر؟ أٌن أن ِ ُ
إنّ وهج النور انحجب عن وجهً بسبب الواجبات والسلوكٌات والقوانٌن
واألنظمة التً أكرهها ،ولكن علًَّ أن ألبًّ رؼبات الفكر الدنٌوي ألحٌا
الرفاهٌة المُص ّنعة التً تبلبم طلبات المجتمع ,مع العلم أننً أجرّ نفسً
وأسحبها بالرؼم عنها للمجاملة مع أهل الفوضى ُح ّبا ً بالمصالح المشتركة
مع أهل ال ّشرك واإللحاد وأٌن أنا من المشاركة بالبركة وبالتوحٌد؟
أٌن أنا من القانون الداخلً الطبٌعً المتصل بالقانون الكونً السماوي
حٌث الرحمة واإلٌمان هً مٌزان اإلنسان؟
لنحٌا معا ً هذه القصة...
فً أحد أٌام الشتاء دخل أحد الفقراء إلى المعبد ٌطلب المساعدة .وقال
للعابد" :إننً مرٌض ومحتاج وأهلً ٌموتون جوعاً ،أرجوك أٌّها
الشٌخ" ...وهذا الناسك ٌ ّتكل على هللا وعلى فلس الفقراء وحٌاته بسٌطة
ومتق ّشفة ولٌس عنده أي شًء للمشاركة ,ولكنه تذ ّك َر تمثاالً للمسٌح فً
صالة المعبد .ذهب ونزع عن رأس المسٌح اإلكلٌل الذهبً وق ّدمه للشحّ اذ
ؼال علّه ٌس ّد حاجتك"...
قاببلً" :هذا التاج للمحتاج وٌُباع بسعر ٍ
احتار الٌابس المسكٌن وأخذ اإلكلٌل وذهب ...وإذا بؤحد التبلمذة ٌصرخ
ست المسٌح ...كٌؾ انتهكت حرمات المعبد ود َّن ََ قاببلًٌ" ...ا معلم!! لقد
تستطٌع أن تفعل ما فعلت؟"
سؤلت فكري أو باألحرى قلب ُ "د ّن ُ
ست المسٌح" ر ّد علٌه السٌّد" ....لقد
المسٌح المفعم بالحب وبالرحمة وتؤكدت بؤنّ الذي منح حٌاته للعالم سمح
لً بؤن أق ّدم هذا التاج إلى أخٌه المحتاج"...
إ ّنها قصة بسٌطة ولك ّنها ذات معنى روحً كبٌر ...حتى لو كنت ال تملك
شٌبا ً ال ترفض أي طلب للمساعدة ..أعِ د النظر وستجد شٌبا ً ما لتعطٌه
لصاحبه الذي أتى إلٌك طالبا ً الرحمة...
إ ّنه مجرّ د تصرّ ؾ واتجاه معٌّن ...إذا لم أستطع أن أق ّدم أي شًء على
األقل ابتسامة أو أن أستمع إلٌه وأمسك بٌده وأمسح عنه الدمعة أو
الخوؾ...
إ ّنها مناسبة للعطاء ...والعطاء لٌس مرهونا ً بؤي شًء بل بالعطاء نفسه...
فرح العطاء هو العطاء.
36
إنّ هذا الراهب ناسك فقٌر ومتق ّشؾ وال ٌملك شٌبا ً للمشاركة أو العطاء،
وعاد ًة ممنوع انتهاك حُرمات المعابد وما فعله كان عمبلً مد ّنسا ً وؼٌر
مقبول وؼٌر مسموح إالّ فً حاالت خاصة عند المتدٌّن الحقٌقً أي
صاحب الرحمة الذي ال ٌعرؾ القوانٌن وال ٌتقٌّد باألصول أو بالرسمٌات,
بل ٌتصرّ ؾ من قلبه البريء وهذا ما قام به الناسك العابد أل ّنه رأى المسٌح
الحًّ فً جسد هذا الضٌؾ الضعٌؾ وتصرّ ؾ بما عرؾ...
حتى الفقٌر احتار وارتبك أل ّنه لم ٌتوقع هذا العطاء الكرٌم والرحٌم وهو
أٌضا ً ف ّكر أ ّنها سرقة أو د َنس بالنسبة للقوانٌن أو الكنٌسة ...و َمن هو هذا
الكاهن لٌستؽ ّل المسٌح من أجل الفقراء؟
لقد دم َّر شكل التمثال وؼٌّر شكله ونزع عنه التاج ...وأصبح تمثاالً فقٌراً
ال ٌرمز إلى حقٌقة اإلله الؽنً...
هذا هو الفرق بٌن اإلنسان المتدٌن الحقٌقً الذي ٌعرؾ الرحمة اإللهٌة
ورجل الدٌن الذي ٌتبع القانون الفكري المقٌّد والمشروط حسب أنظمة
المإسسة الدٌنٌة ...األول ٌستفتً قلبه وال ٌتبع إال ضمٌره والثانً أمثال ما
نراه الٌوم من علماء دٌن وأصحاب السلطة التً تتح ّكم حسب مصالحها
المادٌة الدنٌوٌة ...األول ٌتبع قلبه والثانً ٌتبع جٌبه ...وبٌن القلب والجٌب
فرق واسع شاسع كالفرق بٌن الخلفاء والحُلفاء ...الحلفاء كتابهم القانون
للبحث عن األفكار المناسبة والصحٌحة وٌختار التً تناسبه ...والخلفاء ال
خٌار عندهم وال تفرقة بٌن ما هو مناسب أو ؼٌر مناسب فكل مناسبة
نسٌبة وقرٌبة ،فالرحمة هً التً تناسب وال ُتحاسِ ب وكل ما نفعله من
خبلل الرحمة ٌكون مناسبا ً من تلقاء نفسه...
الرحمة ترحم والرجمة ترجم...
علٌنا أن نفهم ال أن نتبع...األعمى ٌتبع ولكن الذي ٌُدرك القدرة اإللهٌة ال
ٌكون تابعا ً ألحد ،بل رفٌقا ً وصدٌقا ً وحبٌبا ً للواحد األحد...
وهذا هو التجاوب مع كل لحظة حٌث القلب هو الذي ٌُقرر ولٌس الفكر أو
القانون بل الذكر واإلٌمان هو الدافع والنابع من مٌزان االٌمان الذي ال
ٌشرك بل ٌشارك دون أن ٌسؤل أي أحد إال قلبه الذي ٌنبض بالمحبة فً
كل لحظة ٌحٌا فٌها االمتحان....
من أجمل القصص التً رُ وٌت ...دخل أحد الحكماء إلى المعبد طالبا ً من
الكاهن أن ٌمضً لٌلته عنده وكان ٌرتجؾ من البرد ومن الجوع ومن
قسوة الناس أل ّنه ال ٌنتمً إلى دٌن هذه القرٌة ورفضوه ورجموه ،ولكن
هذا الكاهن كان أفضل منهم فاستقبله وتعاطؾ معه وقال له" :أهبلً بك
ولكن للٌلة واحدة ألنّ هذا المعبد لٌس فندقا ً أو نزالً للسوّ اح وأنت ال تنتمً
37
إلى دٌننا وأهل الرعٌّة ٌستاإون من ضٌافة الؽرباء ...على كل حال أهبلً
بك هذه اللٌلة وتصبح على خٌر"...
بقً الضٌؾ فً ؼرفة الجلوس حٌث المدخنة بحاجة إلى حطب وإالّ
سٌموت من البرد ،ورأى تمثاالً للسٌّد المسٌح فوضعه فً الموقدة وبدأت
الشعلة واللهب تدفا جسمه و ُتفرح قلبه وإذا برابحة خشب الصندل توقظ
حرقت السٌّد المسٌح! أٌن َ الكاهن فٌصرخ قاببلً" :وٌحك أٌّها القاتل!!! لقد
هو التمثال؟" فر ّد علٌه الضٌؾ بكل هدوء وامتنان" :إ ّنها لٌلة باردة وكنت
أرتجؾ من البرد والجوع فحرقت أحد التماثٌل" ...قاطعه الكاهن قاببلً
أحرقت هللا ...إ ّنه المسٌح
َ تر ماذا فعلت؟ لقد وصارخا ً" :أٌّها المجنون ...ألم َ
ٌشتعل اآلن فً النار!!!"
نظر الفقٌر إلى النار التً ابتدأت تختفً وتزول وأخذ ٌُحرّ كها بالعصا...
سؤله الكاهن من جدٌد" :ماذا تفعل أٌّها األبله؟"
أجاب الفقٌر" :إننً أحاول أن أجد عظما ً من عظام المسٌح"...
"حقا ً أ ّنك سخٌؾ...هذا تمثال من خشب لٌس فٌه أي عظام!"...
وقاس ،لماذا الِ عندها قال له الضٌؾ" :اللٌلة ال تزال طوٌلة والبرد قارس
نستخدم هذا التمثال الثانً؟"
طرد الفقٌر فوراً من الهٌكل أل ّنه خطٌر جداً وأثناء طرده طبعا ً وبكل تؤكٌد ُ
قال للكاهن" :ماذا تفعل؟ هل تطرد المسٌح الحب من أجل المسٌح الخشب؟
المسٌح الحًّ كان ٌرتجؾ من البرد والجوع ورحمت ُه بالقلٌل من الدؾء
والحنان ولو كان المسٌح هنا لما تركنً مصلوبا ً من البرد والجوع ومن
قسوة أهل الجهل"...
طرد الضٌؾ إلى حٌث الثلج والمطر وفً ولكن أٌن هو السامع والمجٌب؟ ُ
الصباح ذهب الكاهن إلى الكنٌسة لٌُصلًّ مع رعٌته وٌتح ّدث معهم عن
المحبة والرحمة وأثناء عودته رأى الفقٌر ٌُصلًّ أمام تمثال صنعه من
الثلج فتعجّ ب وسؤله" :ماذا تفعل أمام هذا التمثال؟" فر َّد علٌه الفقٌر:
"صنع ُته برحمة وأشكره برحمة وكل عمل من قلب محبٍّ هو صلة مع
الرحمن"...
الحٌاة مسإولٌة ،موقؾ واتجاه ...عندما ترى بعٌن العبادة عندب ٍذ ترى هللا
فً كل شًء وتنبع الرحمة من نبع الرحمة إلى كل شًء وإلى نفسك
أوالً ...نفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم أخً ...ومن عرؾ نفسه عرؾ
رحمته...
اإلنسان الذي ٌدرك الرحمة ال ٌكون قاسٌا ً ال مع نفسه وال مع أي مخلوق
آخر ...الرحٌم ال ٌُعذب أحداً وال ٌفرح بتعذٌب أي من الكابنات أل ّنه ٌعلم
38
علم الٌقٌن بؤ ّنه متصل بسابر أسرار هللا وال فصل بٌن البشر والشجر
والطٌر والحجر ،كلنا نسبّح هللا وكلنا من هللا ...هذه هً الرحمة الناتجة
عن الفهم واإلدراك...
ما علٌنا إالّ أن نستسلم لمشٌبة هللا ونسترخً فً بحر التؤمل والتوكل...
عندب ٍذ نحٌا بالعطر اإللهً الذي ٌنبع من لبّ القلب المحب وهكذا تنتشر
الرحمة بعطرها...
التؤمل هو الزهرة والرحمة هً العطر...
وهذه النعمة هً من هللا إلى جمٌع خلق هللا...
وال سبلم بدون رحمة...
ارحموا َمن فً األرض أي جمٌع أهل األرض....
عندب ٍذ ٌرحمنا َمن فً السماء....
39
الرغبة الشهوة الشوق
التوق الطلب االلتماس
هذه المشاعر مصدرها الحواس ...كلها شهوة ...ال فرق فً المعانً.
أحٌانا ً تحب أن تساعد أو تشتهً أن تخدم اآلخر أو أن ترجمه ...إ ّنها
الرؼبة فً النٌة ...الحكٌم و السٌّد و النبً ال ٌشتهً و ال ٌرؼب فً أي
خدمة أو أي مساعدة ...إ ّنه ٌساعد و لكن بدون أي شهوة أو رؼبة أو
توق ...مساعدة عفوٌة تؤتً و تنبع من قلبه الرحٌم ...إ ّنها العطر الذي
عطرت األجواء دون أي اتجاه معٌّن... ٌفٌض من زهرته التً أزهرت و ّ
هذه هً شمس الرحمة و نور البدر ...الوردة ال تطلب الرٌح بل تجري مع
الرٌاح دون أي خرٌطة ،تطلق عطرها إلى من ٌشاء دون أن تشاء ...هذه
هً العفوٌة التلقابٌة الصادقة ...الشمس تشرق دون أي شوق ألي أحد ...ال
ح ّبا ً بالعصفور لٌؽرّ د و ال للوردة لتفتح أوراقها و ال لئلنسان لٌقوم بالصبلة
أو العمل ...إ ّنها تشرق تلقابٌا ً من نفسها دون أي توقع أو أي أمل أو
رجاء...
إنّ اإلنسان الرحٌم ٌساعد لٌس بدافع الرؼبة بل ألنّ الرحمة أصبحت
طبٌعته الفطرٌة ...أي أنه قد تعرّ ؾ إلى أصوله األصٌلة ...ك ّل متؤمل
ٌتطوّ ر و ٌتصوّ ر فً األرحام و ٌتبلءم و ٌتبلحم برحمة الرحمن...
الرحٌم لٌس خادما ًُ ...خ ّدام العالم و البشر هم المفسدون فً األرض...
الخادم مإ ٍذ عابث و لعوب ألنّ مساعدته أو خدمته هً رؼبة مؽلّفة
بالرحمة أي حفلة تنكرٌة ،و الشهوة ال تتحوّ ل إلى رحمة أبداً ألنّ الرحمة
من األبدٌة اإللهٌة و الرؼبة من الؽٌرة و الؽرور و العادات الفكرٌة ...و
الفرق واسع و شاسع بٌن أهل الفكر و أهل الذكر...
الرؼبة دابمة االستؽبلل ،تستؽ ّل الجاهل و البسٌط باسم الرحمة ...تستطٌع
أن تستثمر كفرك و شهوتك بؤسلوب لطٌؾ و لكنه مخٌؾ و كم من
المإتمرات هً مإامرات ضد اإلنسان و اإلنسانٌة...
كم من الوعظات فً المعابد و الهٌاكل و االجتماعات الدٌنٌة تتكلم باسم
المحبة و الرحمة و السبلم ،و النتٌجة هً األلوؾ من الحروب فً سبٌل
سفك الدماء و دماء األبرٌاء ألنّ المجرم عنده الحصانة المحصّنة بالمال و
بالسلطة و الشرٌعة ...تارٌخنا ٌشهد على أعمالنا و عالم الٌوم على ح ّد
40
السٌؾ و على كؾّ عفرٌت ...بٌن لحظة و أخرى تتفجّ ر الذرّ ة و األرض
ب َمن فٌها ...أٌن أنت ٌا نوح و أٌن هً السفٌنة؟
الحل هو بالعقل الذي ٌفهم و ٌنعم بنِعم هللا و بكرمه و رحمته...
علٌنا أن نتذكر بؤنّ الرؼبة هً أول خطوة إلى التخلًّ عن األلوهٌة...
إنّ الشهوة شهوة ...سواء كانت للمساعدة أم لؤلذى ...المسؤلة لٌست فً
رؼبة الشًء أو الهدؾ بل فً طبٌعة الرؼبة نفسها ...طبٌعة الشهوة هً
بادرة أو قٌادة اآلن إلى الؽد ...إلى المستقبل ..و مع هذه الرؼبة تؤتً جمٌع
حاالت التوتر و القلق و االضطراب و األمل بالنجاح و الخوؾ من الفشل
و أٌن هو التوكل؟
الخوؾ من الفشل الذرٌع هو الطمع و الطموح إلى النجاح السرٌع ...مهما
كانت رؼبتً فً المال أو النصر فً العالم ،أو أرؼب بؤن أكون رحٌمة
مع البشر ألخلّصهم من عذاب جه ّنم ألننً أإمن بؤنّ الجنة هً لفبة دون
ؼٌرها ...جمٌع هذه الرؼبات هً لعبة نظرٌات المنطق الخالً من
الحق ...تتؽٌّر األسماء و لكن الهدؾ واحد ...علٌنا أن نفهم الجوهرة
األساسٌة فً لعبة الرؼبة و الرهبة ...الحق ال ٌعترؾ ال بالترؼٌب و ال
بالترهٌب بل بالرحمة التً وسعت كل شًء دون أي قٌد أو أي شرط بل
لتكن مشٌبتك أٌُّها الخالق ,و ما على المخلوق إالّ الشهادة بعٌن العبادة ال
بعٌن العبودٌة...
علٌنا أن نشعل الفانوس الذي فً النفوس ،عندب ٍذ تحمل نورك و تبحث عن
وعٌك و كٌانك ...لهب سراجك سٌوقد و ٌشعل كل سراج محتاج إلى
الوهج و عندب ٍذ أٌنما توجّ هت سترى نور هللا ,و حضورك النورانً سٌكون
حضرة كافٌة ألهل العفو و العافٌة ...إنّ لؽة النور هً لؽة اللؽات و لكن
41
لٌست لؤلؼبٌاء و ال للجهبلء و ال لعمٌان البصر و البصٌرة بل إلى كل من
ٌح ّج فً سبٌل الحق ,و هللا هو الحق الساكن فً قلب المإمن ال فً قلب
الراؼب الذي شملت رؼبته كل شًء أكانت مادٌة أم روحٌة ،إ ّنها رحلة
ح ّج إلى األنا و إلى الؽرور و االستكبار...
إنّ الشهوة شهوة سواء كانت أرضٌة أم سماوٌة ...أرٌد مساعدة اآلخر
ألكون أفضل منه و أعلم و أحكم و أرحم ...أرٌد المساعدة ألننً وصلت
إلى الحقٌقة أما هو ال ٌزال جاهبلً ٌتعثر فً السٌر و ٌتلعثم فً الكبلم و
أعمى فً النور و فً الظبلم ...أرٌد أن أكون أنا السٌّدة علٌه و السٌّد على
المجتمع و أحوّ لهم إلى خراؾ و أنا الراعً ...إذا كانت هذه هً رؼبتً
حفر حفرة ألخٌه وقع فٌها ...المساعدة سٌؾ فإ ّنها ستكون حفرتًَ ...من َ
ذو ح ّدٌن لٌقطع الطرفٌن ...إنّ الصحابة و الحوارٌٌن الذٌن رافقوا األنبٌاء
هم من أهل البٌت ,و كل فرد منهم رفٌق فرٌد و ممٌز و لٌس تلمٌذاً لٌُر ّدد
صدى كلمات األنبٌاء دون أي فهم بل كالببؽاء التً ال تبتؽً إالّ الؽباء...
عندي رغبة شدٌدة فً تمرٌن خاص بالتأمل حٌث أردد" :هل ٌُسمح لً
بأن أكون سلٌمة من األمراض؟ هل ٌسمح لً بأن أحب نفسً؟ هل ٌجوز
أتحرر من الغضب؟ هل ٌمكن
ّ أن أحب خوفً و أعدائً؟ هل أستطٌع أن
42
أن أشارك العالم بنعمتك بعد أن تمنحنً إٌاها؟" ...و لكن أخاف أن أتبع
هذه الرغبة علّها كانت ّ
منوما ًا مغناطٌسٌا ًا ...ما هو الجواب؟
هذا التمرٌن من أفضل األفكار التً تخترق الفكر ...إ ّنه من أفضل الطرق
إلى التؤمل ...و ال تخافً من التنوٌم الذاتً أل ّنها عملٌة عكسٌة مضادة...
ت وجها ً لوجه مع كؤ ّنكِ أتٌ ِ
ت إلى الؽابة أو لزٌارتً فً منزلً و التقٌ ِ
الطبٌعة و معً و مع البشر ,و عندما تعودي إلى البٌت فالطبٌعة ال تزال
تراكِ و أنا أٌضا ً سؤودعك و أرافقك من وراء ظهرك و هذه أن ِ
ت...
الطرٌق لم تتؽٌر و أنت أٌضا ً و لكن الوجه كان م ّتجها ً نحوي أو نحو البٌت
و اآلن ظهرك متجه نحو بٌتً ...و أٌنما نتوجه نرى النور و الوجه
اإللهً...
عٌن هللا ترانا و ترعانا أٌنما ك ّنا و لكن َمن م ّنا حًّ أو صاحً؟ نشخر فً
النهار و التنوٌم المؽناطٌسً مزروع فٌنا أصبلً و سابقا ً مع األرحام
السابقة...
المجتمع بؤسره تحت تؤثٌر هذا التنوٌم ...قال لك أحدهم بؤ ّنك مسٌحً و ال
زلت ُتردد هذه الفكرة المتوارثة عبر األجٌال ,و آخر ٌهودي و الجار مسلم َ
و إلى كل ما نراه حول الكرة األرضٌة من تنوٌم لتقوٌم الجهل و الكره...
إذا كنت تعتقد أو تفكر بؤ ّنك تعٌس فهذه فكرة أهل اللوم و النوم ,و ننام فً
أفكارنا و ضمابرنا إلى ما شاء جهلنا ...إنّ جمٌع مشاكلنا نابعة من التنوٌم
و كل ما فًّ و فٌكم هو تنوٌم ...إنّ المجتمع النابم هو سبب هذا العطاء
الوافر إلى كل مإمن و كافر ...و اآلن ٌفٌض اإلنسان من بحر األفكار
المشروطة و المكٌّفة حسب قوانٌن أهل المإسسات أي المومسات
الممسوسة بالهلوسة و باإلباحٌات نتٌجة لهذه األفكار التً تربّعت فً قلوبنا
و أفكارنا و نتمسّك بها من خوفنا ألنّ اإلنسان عدو ما ٌجهل و الجهل سٌّد
الخوؾ ...طوؾ و شوؾ و كن سٌّداً على ما ترى و ما تعرؾ...
علٌنا أن نعود إلى جهاد النفس أي إلى الفكر الطبٌعً لنواجه وجهنا
األصلً و نعود إلى نقطة االنطبلق عندما تحررنا من رحم األم و لم
نواجه َبعد فساد المجتمع الذي لوّ ث و شوّ ه جوهر و جودنا ...عندما ٌولد
الطفل ٌحمل معه البراءة و الصداقة و الحب و الحكمة حٌث ال ٌعرؾ
الحقد و البُؽض و الؽضب بل المحبة و السماح و الؽفران ...إنّ النسخة
األصلٌة لوجودنا ال تحٌا إال الرحمة اإللهٌة أل ّنها حقٌقة و جودنا مع
الوجود الرحٌم و الحلٌم...
43
البُؽض نتعلّمه الحقا ً من المجتمع و كذلك الؽضب و الؽٌرة و الحسد و
التملّك و ش ّتى أنواع اإلرهاب و االؼتصاب...
سكن مع السكٌنةَ عندما كان طفبلً فً رحم أمه لم ٌتعرّ ؾ على أي عدوٍّ بل
محاطا ً بالحب و مطوّ قا ً بالرحمة و لم ٌواجه أي شعور ؼٌر و ّدي أو مإ ٍذ و
لم ٌشعر إالّ باألمومة ،و عندما خرج من العتمة إلى النور كان سراجه
ٌُلهب المشاعر بالحب حامبلً معه كٌانه األصٌل الذي لم ٌتلوّ ث بعد بؤي من
األسباب السلبٌة ...و سرعان ما تؽٌ َّرت األحوال ألنّ أهل الدنٌا ٌخافون
من الخٌر و ٌناشدون الشرّ ألنّ الثقة التً وُ لدت معنا هً التً تقؾ ألهل
االستعباد بالمرصاد الطبٌعً ،و لكن رصٌد أهل الدنٌا ؼٌر رصٌد أهل
اآلخرة و هذا هو الصراع األبدي بٌن جهاد النفس أو جهاد الفكرٌ ...ولد
الطفل بالثقة اإللهٌة و ٌثق بالدنٌا و بؤهلها و مع الوقت ٌبدأ بتؽٌٌر
المصٌر...
إنّ المثل القابل :العلم فً الصؽر كالنقش فً الحجر ،هو حق و لكن أي
نوع من العلم؟ أٌن هو العلم الذي ٌنفع؟ أٌن هو علم األخبلق؟ أٌن هو
المعلم؟ أٌن هو األب و األم؟ أٌن نحن من هذه المسإولٌة؟ عندما ٌُخدع
الطفل ٌواجه المشاكل و ٌبدأ بالمعارضة و بالمقاومة و ٌقع فً شرك
الخوؾ و من هنا ٌبدأ بالحٌلة و بالخدعة و هذه هً مسٌرة كل إنسان حتى
وصلنا إلى ما نحن علٌه اآلن...
التؤمل أو التذكر ٌعٌدنا إلى الفطرة و إلى ؼسل الدماغ و إعادة تؤهٌله و
صٌاؼته على البراءة أي الصفحة الذهبٌة البٌضاء حٌث ال خوؾ و ال
44
بؽض و ال ؼضب و ال ؼٌرة و ال حسد بل كما ولدتنا أمهاتنا أحراراً دون
أي عبادة أو عبودٌة بل نحٌا محبة النفس أل ّنها األقرب إلًّ من أي نفس ,و
نشر المحبة و الصداقة و الرحمة و َمن أحب نفسه أحب العالم و َ
البركات...
فً البداٌة نشارك األحباب و األصدقاء و مع الوقت نتصل بالؽرٌب و معه
النسٌب و مع الذي ال نتوافق معه و الذي ال نحبه و التً نكرهها و هذا
الذي أختلؾ معه و هذا الذي ال ٌهمنً أبداً و هذا المعاق شكلٌا ً و هذا
الحاكم و هذا الؽنً ...إلى أن أطهّر فكري و عقلً من جمٌع أنواع التلوّ ث
و أعود إلى الرحم األكبر من رحم األم إلى هذا المدى الذي ٌمت ّد إلى مدى
أبعد من رحم الدنٌا و اآلخرة ...إلى رحم أرحم الراحمٌن...
عندما ٌجلس المرشدٌ ،جلس فً الوجود و كؤ ّنه فً رحم أمه الكامل الشامل
باألمومة و باألبوة ...حٌث ال عداوة و ال كراهٌة و ال خصومة ،بل
اإلدراك بنفسه و بطبٌعته الفطرٌة األصٌلة ...لقد توصّل إلى معرفة
جوهرة و سرّ كٌانه فً هذا الوجود ...اآلن تستطٌع أن تقتل المستنٌر و
لكن ال تستطٌع أنّ تدمِّر رحمته أل ّنها متصلة برحمة الرحمن و كذلك ثقته
باهلل و نفسه و الثقة هً أساس وجوده و بدونها ال وجود له بل جٌفة تنتظر
الدفن ،و إذا احتفظنا بالثقة و خسرنا كل شًء لم نخسر شٌبا ً على
اإلطبلق ...تستطٌع أن تؤخذ منه كل شًء و لكن الثقة ال ُتعطى و ال ُتإخذ
أل ّنها هبة إلهٌة إلى َمن ٌستحقها و ٌق ّدرها ...هً الجسر لبناء البنٌة التحتٌة
للتفوّ ق من الشوق إلى الحق و الرحمة حق...
45
سرّ وجودنا ...عندما أسؤل نفسً من أنا؟ ال أقصد بذلك جسدي أو
شخصٌتً أو فكري أو عملً أو هوٌتً التً تموت و المحددة بؤمور الدنٌا،
و لكن هذه األنا الكونٌة الساكنة فٌك و فًّ ...هذه النفس من اللوامة إلى
الشفافة...
و من النفس إلى الذات أي هذه الذاتٌة المُلهمة الساكنة فً القلب الذي
ٌحجب و ٌؽضب و منها إلى الروح التً هً أبعد من أي صفة أو طاقة و
لكن هً الصلة الرحٌمة التً تصلنا باهلل...
لكن اإلنسان الذي ٌرى الشمس من ثقب الباب ال ٌستطٌع أن ٌتعرّ ؾ على
حقٌقة النور أل ّنه ٌخاؾ من مواجهة هذا الوهج الساطع ،لذلك نتمسّك باألنا
حفاظا ً على جهلنا ألننا تعودنا أن نعٌش فً العتمة و العادة إبادة حتى لو
كانت عبادة ...فالؽرور إذاً له دوره فً الدنٌا و فً حٌاتنا...
46
و فً حاالت الحبّ و الشؽؾ أقول لك أحبك أكثر من نفسً و أموت فداك
أل ّنك أنت أهم منً لك الحق فً الحٌاة أكثر منً...
هل هذه مجامبلت أم حقا ً حبّ دون أي ؼرض؟
إنّ السٌّد المسٌح شارك فً هذا الفداء و كذلك جمٌع األنبٌاء و كل من
عرؾ الحٌاة األبدٌة و الرحمة اإللهٌة و لكن أٌن أنا من هذا المستوى؟
عندما نتعمّق فً الحب نخترق الموت و الحٌاة و ال نرى بل نشهد بؤنّ
الوجود هو األبدٌة و هو الرحمة الحٌّة فً لبّ القلب حٌث ال كبلم و ال
شعور و ال إحساس بل حالة أبعد من الكبلم ...إ ّنها كذوبان حبة الملح فً
الماء حٌث ال ٌستطٌع أحد أن ٌعبّر عن هذا االختبار الذي هو أبعد من
التعبٌر...
و فس َّر الما َء بعد الجهد بالماء ...األم تضحً من أجل ولدها و لكن المسٌح
ضحّ ى من أجله و من أجل العالم أل ّنه هو العالم و هو الحق و هو الطرٌق,
و هذه هً الرحمة اإللهٌة التً تشارك العالم دون أي شرك أو أي رؼبة...
ً
رحمة بالرحمة... بل
فً لبنان عندما ٌقول اإلنسان كلمة "أنا" ٌذكر هللا بقوله :نجّ نا ٌا هللا من
كلمة أنا ،و لكنها عبارة أو وسٌلة للمشاركة كاألسماء ،مثبلً كٌؾ أستطٌع
أن أتحدث معك إنْ لم ننادي بعضنا بؤسمابنا؟
47
و لكن اسمً هو لجسدي و أحمل منه بعض الصفات ...و علّ َم آدم األسماء
كلها عندما نسً لؽة الصمت و السكٌنة و المشاهدة ...عالِم األرض ٌتقن
األلوؾ من اللؽات و المبلٌٌن من الحروؾ و النٌّات...
فإذاً األنا وسٌلة و لٌست هدؾ و ال خوؾ ،على المُدرك أن ٌستخدمها ألنّ
السٌؾ فً ٌد الرحٌم ال ٌإذي ...هذا هو حكم الخلٌفة و السٌّد و الحكٌم و
جمٌع أولٌاء هللا ...من األفضل أالّ نتقٌّد بالخوؾ بل نستخدم جمٌع الوسابل
لخدمة اإلنسان كذلك الفكر و العقل و جمٌع العلوم و المعلومات و أن
نتخطى السٌولة الدنٌوٌة و نتصل بالسكٌنة السماوٌة الساكنة فٌنا ,و ما
الدنٌا إالّ ممراً علٌنا أن نحترمها و نرحمها و نشكرها ,و لكن كلنا حجّ اج
على هذا الجسر...
اإلنسان هو السٌّد على فكره و نفسه و لسانه و أعماله ,و إذا وصل إلى
أٌقن بؤ ّنه فً رحمة هللا ألنّ الٌقٌن هو الحماٌة من أي
مستوى الشهادة َ
هاوٌةٌَ ...قٌنً ٌُقٌنً...
عندما ٌولد الطفل تولد الطفولة و األمومة و األبوّ ة معه و هذه هً البراءة
حٌث ال أنا و ال أي نٌّة إالّ األلوهٌة فٌك و فًّ التً منها و بها نحٌا و
نموت مع كل َنفس و َن َفس ,و هذه هً الوالدة العذرٌة أو البتولٌة ...و لكن
ما تفعله األفكار االجتماعٌّة هً ما نراه منذ آدم حتى اآلن ..تكتب فٌنا كل
أنواع الجهل و تضٌّق علٌنا اآلفاق و تخ ُنق فٌنا الحق و تفرض علٌنا الدور
الذي ٌخدم نواٌا أهل السلطة و نصبح و نمسً عبٌد الدنٌا و جهلها...
هذا ما نفعله منذ أجٌال و أجٌال مخلصٌن لمبادئ أهل الجهل و أٌن هو
العقل و أٌن نحن من التوكل على خالق العقل؟
لن نتحرر إالّ إذا اخترقنا حدود الجهل و حلّقنا فً السماء حٌث ال سدود و
ال بنود و ال قٌود...
لنخرج من هذا الممر الضٌّق و لندخل فً بحر التحقٌق و هذا هو القرار ٌا
أهل الخٌار األحرار ...إنّ الحرٌة هً السعادة المطلقة لكن السعادة لٌست
وظٌفة أو عمل أو حفلة رسمٌة بل حٌاة أبدٌة مع األبد و منه المدد و
الصمد ،لكن هل نحن معه و به و فٌه و إلٌه؟ أٌن هو األساس؟
عندما ُتحب بالقلب الواسع الرحب تتعرؾ على الحب ,و منه إلى الرحمة
التً وسعت كل شًء و هذه هً السعادة األبدٌة ألهل الج ّنة ,حٌث ال زمان
و ال مكان و ال أي وعد أو أي مدى بل اآلن و هنا نحن فً الج ّنة ل ُنذ ّكر
أنفسنا و بالذكرى نحٌا الذكر ،أال بذكر هللا تطمبن القلوب.
48
الدجال
األعـور ّ
َ
األعمى ال ٌستطٌع أن ٌساعد األعمى.
إنّ الذٌن ٌتلمَّسون الطرٌق فً الظلمة لٌست لدٌهم القدرة على مساعدة
اآلخرٌن بالبحث عن النور ..أولبك الذٌن ال ٌعرفون الخلود ال ٌستطٌعون
أن ٌساعدوا أهل الخوؾ من الموت ..أولبك الّذٌن لم ٌعٌشوا اللحظة الكاملة
والشاملة بقوة وبكثافة ،وأنشودتهم لم تصِ ل بعد إلى لبّ القلب ،وابتسامتهم
ومصطنعة على شفاه كاذبة ومرٌضة ،لٌس بإمكانهم َ ال تزال مرسومة
َّ
الموثقة ...إنّ المنافقٌن و الذٌن ٌتظاهرون المساعدة الشرعٌة واألصلٌة و
بالوطنٌة وبالسٌادة وبالكرامة لٌسوا من أهل هذه الرسالة ..إنّ الذي لم
ٌح ِّقق نفسه ولم ٌعرؾ سبب وجوده وجوهرة كٌنونته الفرٌدة بل ال ٌزال
ضاالً فً شخصٌته المزٌفة بالمجتمع الذي بناه وابتؽاه ,ال ٌستطٌع إالّ أن
ٌستعبد الناس كما فرض على نفسه العبودٌة من أسبلفه وأتباعه حتى ولو
كانت النواٌا كلّها حسنة واإلرادة أحسن فمن المستحٌل أن تؽٌِّر فً أيّ قوم
ك أوالً ...هإالء هُم الح ّكام فً العالم ...أٌن نحن من الخلفاء
نفس َ
ما لم تؽغٌِّر َ
ومن أهل العلم والصفاء؟ نعم! كما تكونوا ٌولّى علٌكم..
هل أستطٌع أن أروي عطشك إن لم ٌ ُكن معً القلٌل من الماء؟ إنّ نور
شمعة صؽٌرة تضًء عتمة كبٌرة ,ولكن الحدٌث عن الماء أو عن النور ال
موثقا ً بحقٌقة ملموسة و محسوسة ...األذن تعشق ٌخدم و ال ٌنفع إن لم ٌكن ّ
قبل العٌن أحٌانا ً و لكن الٌوم جمٌع خطابات و وعود أهل السلطة ال
تتع ّدى اللسان واآلذان..
على اإلنسان أن ٌعود إلى التمرُّ د والعصٌان ..نحن بحاجة إلى الثابر ,إلى
هذا المهدي الذي ٌستطٌع أن ٌهدي العطشان إلى النبع وأن ٌُشعل النار فً
ك ّل دار ولكن من هو هذا المهدي؟
هل هو هذا األعمى الذي ٌقود العمٌان؟ هل هو هذا الثابر الذي ٌه ِّدد
بالكبلم وبالشعارات؟
49
إنه أعمى ودجّ ال وهذا ك ّل ما نستحق ٌا أهل الجهل ...وأٌن هو الحق ؟
الحق فً صحوة البصر والبصٌرة وأن نؤخذ األعمى إلى الطبٌب ..العاقل
ٌساعد الجاهل .ال تستطٌع أن تشارك إال بما تملُك .التعٌس ٌشاطِ ر تعاسته
وبذلك تتضاعؾ وتتع َّدد التعاسة وتمت ّد إلى أبعد الحدود ..والشًء نفسه فً
صفات وكرامات أخرى كالبركة والتمرُّ د واإلختبار .المشاركة بالشرّ أو
بالخٌر ٌكون من خٌارنا وما زرع نحصد ..من عمل مثقال ذرة خٌر أو
شرّ ٌعود إلٌه عمله بالفابدة الفابضة...
اإلنسان هو المثال والمثل األعلى ،فً زمن الخلفاء كان الخلٌفة هو الشعب
وهو العدل وهو الجماعة وهو الحلم الذي تح َّقق لذلك قالوا فً سٌدنا عمر:
ِنت فن َ
ِمت ٌا عمر... فعدلت فؤم َ
َ َ
حكمت
أحبّ نفسه وأحب العالم كنفسِ ه ...لقد تجاوز المحنة ونجح فً اإلمتحان
الصّعب وعاش حٌاته كؤيّ مواطن ,ولكً ٌنجح الحاكِم فً فلسفته علٌه أن
ٌسلك درب الصلٌب المإلمة أو كالقابض على الجمر لٌبرهن وٌُثبت بؤنه
صادق فً قوله وفعله ,ألنّ الحقٌقة قول وعمل وهو المثال لهذه الفلسفة
الكونٌة...
إنّ خٌر الكبلم ما ق َّل ود ّل ولٌس بالمناقشة دون الفعل ..إنّ حوار وشجار
أهل ال ِّنفاق هو لشعب الفكر والكفر ,ولكن أهل اإلختبار لٌسوا بحاجة إلى
الحوار بل إلى الصمت والتؤمُّل والتذ ُّكر ألنهم اختبروا الماء بالماء ،والحٌاة
لٌست معادلة فكرٌة علمٌة نتٌجة المختبر بل هً اختبار من صُلب الواقع
الحٌاتً الٌومً نحٌاه فً حٌاتنا العادٌة والبسٌطة ,ومن اإلختبار نشارك
العطاشى إلى هذا الحق ...ال أستطٌع أن أهدٌك إالّ بما اهتدٌت ،إنّ اإلناء
ال ٌنضح إالّ بما فٌه وفاقد الشًء ال ٌعطٌه.....
إٌّاك ومساعدة اآلخرٌن قبل أن تختبر المساعدة بنفسك وإالّ سٌقع فً
ورطة أكبر وهو أصبلً فً مؤزق وفوضى وفساد ..منذ أجٌال ونحن من
جهل إلى جهل حتى وصلنا إلى هذا الحال المعت ّل بشتى أنواع العلَل
والفشل ,ومن األفضل واألرحم أن ال نتل ّقى أيّ مساعدة إالّ من أنفسنا .علًّ
وأخترق الخطر ألنّ طرٌق الحق محفوفة ِ بنفسً أوالً ،أن أسلك طرٌقً
بالمخاطر وبعد أن أختبر الممرّ أشارك ؼٌري وأساهِم معهم بقوّ ة وبصدق
ألنّ اإلختبار أقوى من األخبار ..عندما ٌقول السٌد المسٌح "تعالوا معً ٌا
حاملً األثقال وأنا أرٌحكم" ،ألنه واثق من نفسه وقد اختبر طرٌق النور,
وقال أنا الحق والحٌاة والنور وكلّنا إخوة فً هذه الحقٌقة اإللهٌة...
50
من الصعب جداً فً عالم الٌوم أن نتبادل المعرفة ،علًّ أوالً أن أتقن نقل
إختباري بٌنً وبٌن نفسً وأن أتعمَّق وأتؤ َّكد بؤنّ ما أحٌاه وما أختبره هو
الحقٌقة التً أحِب أن أشارك بها العالم ...عندب ٍذ ٌفوح العطر من كٌانً إلى
جمٌع الكابنات ونتعاون باإلختبار الكونً المشترك بٌن سابر المخلوقات,
وإالّ إذا كان التجاوب من الفكر دون أيّ إختبار ستكون النٌة مشاركة
الرحٌق أو شراب اآللهة وبالفعل هً الس ّم الذي فً القلب ..هذا ما نعٌشه
الٌوم حول العالم ..نتكلم عن السبلم ونزرع الحرب والسبلح ...السبلم
علٌكم شفهٌا ً والسبلح علٌكم فعلٌا ً ..فإذاً علٌنا أن نؽٌِّر ما فً نفوسنا لٌنضح
اإلناء بما فٌه على وجوهنا ,وكما الكتاب ٌُقرأ من عنوانه وكذلك اإلنسان
وجهه ...من األفضل أن نرى بعٌن هللا لنقول الحق إلى عٌال ِ ٌُعرؾ من
هللا .إنّ الرؼبة هً النٌّة الحسنة ولكن الحسنة ال تؤتً من النٌة فحسب بل
من الفعل قبل القول ..كلّنا نعلَم بؤنّ الطرٌق إلى جهنم معبّدة بالنواٌا
الحسنة ..مبلٌٌن من الناس ٌساعدون الناس بالنصٌحة النصوحغة وبالنٌة
الحسنغة التً تنبع من اللسغان إلى األذن وأٌن نحن من هذا اإلمتحان؟؟؟
كانت النصٌحة إشعاراً للنور وإنذاراً من الخطر ألنها كانت من قلب
وزعالمرشد المإمن ,والمثل ٌقول " :كانت النصٌحة بجمل " ،والٌوم ُت َّ
النصابح من الجاهل إلى األجهل ألنه مؽرور وماهر وماكر باستخدام
المعلومات الفكرٌة ،ولكن النصٌحة هً الشًء الوحٌد فً
العالم الذي ٌُعطٌه كل إنسان وال أحد ٌؤخذه ،والحمد هلل على عدم التجاوب
ألنه بالرؼم من النٌة الحسنة فإنها ال تصل إلى القلب ألنها ناتجة عن إنسان
جاهل ...لنتذ ّكر معا ً...
علٌنا أن نبدأ بؤنفسنا ..ال أستطٌع أن أؼٌِّر العالم بل أن أؼٌِّر نفسً أوالً
وأخٌراً ،عندب ٍذ ٌشعّ النور من قلبً إلى القلب اآلخر ...وهذه هً معجزة
التؽٌٌر..
51
لنعُد معا ً إلى القلب حٌث الرحمة والمحبة واإلمتنان والتمرُّ د والتدٌُّن ،وهذه
البذور تنمو بالنور وتنتشر بالعدوى ألنها ؼذاء مع ٍد للجسد وللساجد معا ً...
ولكن علًّ أن أُصاب
بال ّشعلة النورانٌة ومنها أشارك الؽٌر ومعا ً نمضً فً مسٌرة النور...
52
الرجمة
الرحمـة و ّ
ّ
إنّ الفرق بٌن الرحمة و الرجمة نقطة ولكن من أٌن أتت هذه القطرة؟ من
أيّ محٌط؟ وما هً الؽاٌة من استخدامها؟ قطرة من الس ّم تلوث كمٌة هابلة
من ال َّدسم وكذلك شمعة صؽٌرة ُتنٌر عتمة كبٌرة ..فإذاً ما هً النٌّة فً
أعمالنا؟ إنّ الس ّكٌن فً ٌد األم هدفها قطع الخضار ولكن فً ٌد المجرم
هدفها قطع األخٌار ,وهذا هو دور الرحمة و الرجمة فً وسٌلة واحدة ولك
الخٌار أٌها المختار...
ل ُندرك تماما ً بؤنّ الرحمة هً قمة السموّ اإللهً ...إنها المحبة الصافٌة من
ك ّل الذنوب والمتحرِّ رة من جمٌع العبودٌات والسموم ...العشق تحوَّ ل إلى
وجْ د والوجد إلى رحمة ...إنّ العاطفة هً بذرة الرحمة.
العاطفة الصافٌة من العبودٌة والنقٌة من جمٌع المجامبلت والشهوات
والؽاٌات...
عاطفة األمومة هً التً ت ُع ّم جمٌع المخلوقات ،لذلك ٌقول لنا الحبٌب أمُّكم
األرض وعمّتكم النخلة أي األمومة من ناحٌة األم واألب على السواء...
أي الطاقة األنثوٌة التً تسمو بنا إلى السموّ اإللهً حٌث العرش الرحٌم
بالرحمة األمومٌة...
53
ألننً أشعر باإلنتقام لنفسً من هذا "الكرٌم" الذي استخدمنً بإسم الكرم
والرحمة لؽاٌة خفٌّة فً نفسه ...الكرٌم ال ٌُعلِن حتى لنفسه عن هذه النعمة
ألنها هبة من هللا إلى هللا عبر العابد المؤمور بؤمر هللا...
إنّ الرحمة رحمة ..أي عمل إلهً بدون أيّ سبب أو أيّ ؼاٌة...
إنها عطاء دون وجود أليّ حاجة من أيّ محتاج ,كالهواء والشمس وجمٌع
نِعم الطبٌعة
الموجودة فً هذا الوجود دون أيّ اعتبار أليّ وجود آخر ...الرحمة فٌض
من كرم الرحمن دون أيّ حُ سبان ...إنها عفوٌة وطبٌعٌة كالتن ُّفس بٌنما
الر ّقة أو الحنان صفة لتنمٌة العبلقة بٌن البشر ،إنها نوع من اإلحتٌال
الماكِر والحساب والتقدٌر لئلحصاء فً قدرة العطاء..
هذا هو حساب مخزن القلب...
سمعت بهذه المقولة العالمٌة الموجودة فً أكثر الطقوس والنصوص َ هل
المق ّدسة حٌث تقول:
"عامل الناس كما تحِب أن ٌعاملوك" ،هل المسٌح صلَب الناس؟ وهل
رجم الناس؟ الحبٌب َ
وهل اإلمام علً قتل الق َتلة؟ هذه صفة محسوبة ومعت َمد علٌها لؽاٌة فً
نفس حامِلها..
إنها لٌست رحمة ولٌس لها أيّ عبلقة بالتدٌُّن اإللهً ..إنها درس أخبلقً
حقٌر و رخٌص و واطً.
إنها تجارة ولٌست دٌن ..إنها مقاٌضة لؤلنانٌة وحبّ الذات ..إنها لٌست
خدمة مجرّ دة من الؽاٌة ,بل هً الؽاٌة التً تعود إلى فاعلها بطرٌقة ملتوٌة
أي ؼٌر مباشرة...
الرحمة هً عطر األزهار التً تؽمر وتفٌض بانسٌاب ؼزٌر دون أيّ
حساب...
ٌعرؾ إالّ الكرم الرحٌمَ ...
الكرم الذي ال تح ّده أيّ حدود الكرٌم هو الذي ال ِ
مادٌة أو فكرٌة أو نفسٌّة أو إلهٌة ...
لنتذ ّكر معا ً بؤنّ الرحمة لٌست شفقة أو عاطفة أو واجب للحب ..الرحمة
َ
لست هً العاطفة بح ّد ذاتها ولٌس لك أيّ فضل أو ُّ
تدخل بها ،أي أنك
أفضل أو أق ّل من المتل ّقً ،أنت محرِّ ر أو ساعً برٌد أو صاحب رسالة من
54
ولست حاجزاً أو مانعا ً أو
َ الوجود إلى الوجود ..أنت مجرَّ د وسٌط أو إناء
عابقا ً لهذا السٌل من الكرم والرحمة ...اآلن أنا أكتب وأقرأ
والبصر والقلم وك ّل
َ وأنت كذلك ,ومعا ً نشهد ونشكر خالق الكلمة والعقل
مانرى وما ال نرى وهذه هً الرحمة التً نحن لها شهداء ال ؼٌر...
لنتذ ّكر قصة الملك إسكندر مع الفقٌر دٌوجٌن ...عندما كان الملك مارّ اً فً
الٌونان سمع عن هذا الحكٌم المتق ِّشؾ وذهب لٌتؤ َّكد من صحّ ة كبلم الناس
وإذا به ٌرى إنسانا ً مستنٌراً مضٌبا ً وذكٌا ً متم ِّدداً على ضفة النهر مستمتعا ً
بالشمس ،وكان الملِك ٌتمنى لقاء هذا الؽامض ..إنه ال ٌملُك شٌبا ً ولكنه
ٌملُك ك ّل شًء ..إنه متسوِّ ل ولكنه أؼنى من أيّ متموِّ ل وإمبراطور وملِك،
أكثر من أيّ حاكِم ،وتق َّدم إلٌه اإلسكندر وسؤله بك ّل لطؾ وخشوع قاببلً:
ك سراً ال أحد عار من الثٌاب ولكنك تملِ ُ
"أٌها الفقٌر الؽنً ..إنّ جسدك ٍ
ٌملكه ,وأنا سعٌد بهذا اللقاء الصادق وأرى السعادة تشِ عّ من وجهك
وجسدك ولكن هل أستطٌع أن أق ِّدم لك أيّ خدمة؟" ،فر َّد علٌه الحكٌم الفقٌر
حجبت عنً الشمس وتذ ّكر أن ال َ قاببلً" :فقط أرجوك أن تقِؾ جانبا ً ألنك
تمنع الشمس عن الناس واألرض .إنك إنسان خطٌر جداً وتستطٌع أن
تحجب نور الشمس عن الكثٌر من البشر ،أفسِ ح الطرٌق للشمس.."..
إنّ الرحمة لٌست شٌبا ً ما تستطٌع أن تمنحه لآلخرٌن ،إنها مجرّ د عدم
عرقلة لنور الشمس ،أي ال تح ِجب األلوهٌة النورانٌة عن أهلها ..الرحمة
هً الصِّلة بٌن الخالق والمخلوق واإلنسان هو الوسٌط ..أُنظر إلى قصبة
الخٌزران ،إنها فارؼة كال ّناي وكذلك أنت أٌها القارئ ...إنّ القدسٌّة تنساب
من خبلل قلبك المحِب للحبٌب وهذا هو لحن الخلود من الخالد إلى ك ّل
مولود..
إنّ الرحمة ال تنبع منً أو من نفسً ،إنها من الوجود المق ّدس ..اللطؾ أو
خلق الخالق الرقة و الحنان هً من اإلنسان المحِب ,و لكن الرحمة من ْ
ولٌست من المخلوق ..علٌنا أن ال نحجبها وال نمنعها وال نعرقِل مسٌرها..
هل أستطٌع أن أطفا نور الشمس؟ إنها تخترق وتتؽل َؽل حٌثما تشاء ألنها
من مشٌبة هللا الذي ٌشاء ك ّل ما ٌشاء ...
إنّ اللطؾ ٌقوِّ ي األنا والؽرور ،والرحمة ممكنة عندما ٌختفً اإلستكبار
تماما ً من اإلنسان المستكبر والمؽرور ...لذلك علٌنا أن ال نص ِّدق كلمات
55
القاموس عن المعانً ألنّ كلمة الحنان مرادِفة لكلمة الرحمة وهذا هو
ضبلل الفكر اللؽوي ..إنّ قاموس النفوس ؼٌر قاموس النصوص ..إنّ
الوجود هو كتاب هللا المنظور ألهل التؤمل بالنور ..هذه هً حقٌقة أهل
الذكر حٌث المعنى فً ك ّل حجر وفً صوت الطٌر والبشر وفً ك ّل ِّ
رقصة ٌطوؾ بها الوجود بؤسره مع خلقه...
إنّ عِ لم المعانً ؼٌر علم األوانً وهذا ما نسمعه الٌوم من علماء الفكر
الذٌن ٌد ِّققون فً الكلمة حتى وصل بنا الحال إلى هذا الضّبلل ,وبٌن مسح
القدم وؼسل القدم لم ٌبقى لنا قدَ م بٌن األمم ...هذا هو الجدل البٌزنطً الذي
ال ٌزال ٌسؤل وٌدقق إذا المبلبكة تنتمً إلى فبة َّ
الذكر أم األنثى ,وما هو
الجنس الحقٌقً للمبلبكة ...هذا هو جدل الضبلل عند أهل الجهل و أٌن
الرحمة ٌا أهل الرحمة؟؟
لنسمح للرحمة بؤن تنبض بقلوبنا وأن نتعاون مع قدسٌّة وجودنا وأن نختفً
تماما ً من أيّ ظهور ٌعرقِل مسٌرة النور وال نتمسَّك بؤيّ من العواطؾ
الفكرٌة وإالّ سٌتح َّكم الؽرور واإلستبداد ,وهذا هو الشرّ الذي ٌقؾ لنا
بالمرصاد...
إنّ اإلنسان الظالم ٌشعر نوعا ً ما بالذ ّل ولكن اللطٌؾ والحنون ٌشعر
بالقداسة وبالعظمة وهذه هً األنانٌة ورحلة حبّ الذات والتبجُّ ح والشعور
بالنجاح...
ولنتؤكد بؤنّ اللطؾ ؼٌر الرحمة ..اللطؾ جزء من أساس كٌانَّ لنتذ ّكر
الرحمة وكذلك اللٌن والرقة والوداد وجمٌع أسماء هللا الحسنى...
ولكن الرحمة لٌست من صُلب اإلنسان بل تنساب من خبللً ..إنها نعمة
من الخالق عبر المخلوق وال ُّشكر و اإلمتنان إلى الخالق الرحٌم الرحمن...
إنّ الن ْفس الشفافة تمرّ من خبللها أسماء هللا الحسنى وهذه الشفافٌة ال تعرؾ
األنانٌة بل تسمح للوجود بؤن ٌنوِّ رها بنور رحمته وله ك ّل الشكر واإلمتنان
...
واألهم فً الخطوة الثانٌة من هذه الرحلة هو أن نتعلَّم بؤنّ المحبة التً
نتحدث عنها ؼٌر المحبة اإللهٌة التً ال نعرفها ..محبتً هً مجرد ش َبق
وشهوة واستعراض بإسم الحب ..محبتً ؼٌر المحبة اإللهٌة ..إننً أستؽ ّل
من أحِب بإسم الحب وشعارات الحب...
56
أقول لك "إننً أحبّك" ،هل هذا قول وفعل؟ هل َ
أنت وسٌلة بالنسبة لً,
أستخدمك بإسم الحب؟ هذا الحب هو مجرد إستؽبلل وهذه جرٌمة العُمر
على مرّ الدهر لتدمِّر جوهر الوجود فً وجودنا ...هذا هو الدمار بٌن أهل
األرض حٌث الحب أصبح شهوة وتجارة وهذا ما نراه الٌوم عبر العالم
ور ِح َم هللا المحبة والرحمة...
َ
57
الحظت بؤنّ كل عبلقة حبّ تنتهً بخٌبة أمل؟ والسبب؟ ألننا نتؤمل َ هل
الربح الفكري والمادي ..إنها عبلقة ولٌست مشاركة .لذلك تنتهً بحفرة
من التعاسة والحزن واإلحباط ..وبفكرة الؽِشّ والخداع ...الرحمة ال تعرؾ
الوهم ألنها ال تبدأ بالوهم وال تنتظر أيّ مردود أو أيّ حاجة ألنّ اإلنسان
الرحٌم ٌعلَم تماما ً بؤنه ال ٌملُك هذه النعمة بل إنها هبة من هللا و َمن أنا
ألتاجر بها أو حتى ألنتظر أيّ شكر ...الشكر هلل وحده وهو صاحب هذه
لمس المرٌض وشفاه فشكره َ النعمة ...هذا ما فعله السٌِّد المسٌح عندما
المرٌض بك ّل فرح وامتنان ألنّ مرضه كان مزمنا ً ومإلما ً وماذا قال له
المسٌح؟
"ال تشكرنً بل ُكن شكور ًا للذي خلقنا والذي استخدمنا لهذه المشاركة
بٌننا ...إنها عبلقة بٌنك وبٌنه وما أنا إ ّال الوسٌط ،إنه إٌمانك أنت الذي
وص َلك بالشافً األكبر وهذه القدرة الشافٌة هً من القادر األقدر واألكبر...
أنا ممكن أن تسمٌّنً الجسر الذي جمع محبة هللا مع إٌمانك به ...لٌ ُكن
شكرك واهتمامك باهلل تعالى ال ؼٌر وأنت م َّتصل به من خبلل محبتك
لنفسك ولهُ ...أشكر هللا واشكر إٌمانك وهذا هو الشفاء الذي تسرَّ ب من
القلب إلى القلب ...من محبة هللا إلى محبة خلق هللا."...
هذه هً الرحمة ..الرحمة سٌْل من العطاء دون أن تشعر بالعطاء أو أن
تقول " إننً العطاء" .من هذه النعمة نرى بؤنّ الوجود بؤسره ٌتجاوب مع
مإمن ومحِب ...أنت تق ِّدم
ٍ هذا السرّ الشافً والرحٌم والمجٌب إلى كل
بؤسره مقابل قطرة ماء من قلبك
ِ القلٌل من الحب وهللا ٌعطٌك المحٌط
الولهان باإلٌمان ..إنّ اإلنسان الرحوم ال ٌحاول أن ٌخطؾ أو ٌنتزع أو
ٌستؽ ّل ...وال أن ٌتؤمَّل أو ٌتر َّقب أيّ تجاوب أليّ حبّ ٌق ِّدمه ،بل ٌستمر
ضب محبة بالعطاء وهذه هً رحمة القلب الذي ال ٌتعب وال ٌن َ ً فً العطاء
من الحب اإللهً ألنه م ّتصل بالفٌض المق َّدس ,الذي ال ٌزال فً هذا السٌْل
من الكرم منذ األبد وإلى األبد...
فإذاً الرحمة هً لٌست المحبة التً ن َّدعٌها ولكن هً المحبة التً ٌعٌشها
المسٌح واألنبٌاء والعارفٌن باهلل ...هذه هً المحبة الحقٌقٌة التً تحٌا
بالمحبة الرحٌمة ...إنّ الرحمة هً اإلدراك ولٌست الذكاء الفكري المقٌَّد
بؤشكال وشروط وقٌود منطقٌة ،بل الذكاء الحرّ من أيّ حوار أو أيّ نقاش
عقلً أو منهجً ألنّ هذه األفكار هً حجز للحرٌة ،وعندما ٌتحرَّ ر
اإلدراك من الفكر المقٌَّد ٌتحول إلى رحمة ...إنّ اإلنسان الذي ٌرحم هو
58
صاحب ذكاء هابل وخارق ,ولكن لٌس مقٌَّد بالفكر بل ٌخترق الفكر إلى
الرإٌة بعٌن البصر والبصٌرة دون أيّ تكهُّن أو ظنّ أو تخمٌن ودون أيّ
منطِ ق أو أيّ إستنتاج أو إستدالل بل القلب هو الدلٌل عن البصٌرة التً
ترى بنور هللا ...إنّ اإلنسان الرحٌم هو ؼٌر عقبلنً وؼٌر محدود ال عقلٌا ً
وال فكرٌا ً وٌملُك الذكاء الهابل والشامل الذي ٌشِ عّ منه بالمعرفة دون أيّ
وعرؾ لمن
َ ٌعرؾ ال ٌف ِّكر
تفكٌر وهإالء هم العارفٌن باهلل ...الذي ِ
وأدرك وهذا ِ عرؾ ..أنا ال أعتقد أو أظنّ بوجود الشمس بل أعرؾ وأعلَم َ
من حق كل مخلوق ...لماذا نف ّكر؟ التفكٌر هو بدٌل للمعرفة ...أف ِّكر ألننً
ال أعرؾ وألننً ال أستطٌع أن أعرؾ ،علًّ أن أفكر ..التفكٌر بدٌل فقٌر
للمعرفة ..عندما تستطٌع أن تعرؾ وأن ترى لماذا تهتم بالتفكٌر؟؟ إنسان
الرحمة ٌعرؾ ,والعقبلنً ٌف ِّكر ،األول من العارفٌن والثانً من المفكرٌن،
المفعم بالحِسّ والحدس العفوي البريء والحكٌم ،والثانً َ األول ٌملُك الذكاء
ٌفكر بالذكاء النموذجً حسب المعلومات العلمٌة المقٌَّدة بالشروط
الفكرٌة...
فإذاً الرحمة لٌست ر ّقة شعور أو وجدان عاطفً ...صاحب الرحمة ٌشعر
شعر به الحبٌب بعد معركة أ ُ ُحد عندما ولكن دون أيّ إنفعال حسًّ وهذا ما َ
نظر إلى الجبل وقال:
جبل ٌحبّنا ونحبّه ...قام بواجبه القلبً المفعم بالمحبة وبالرحمة وتجاوب
مع البشر والحجر دون أيّ عتب أو ذنب بل رحِم المعركة وأهلها ,وفهم
بقلبه ضعؾ أهله ورحمة خالقه ونظر إلى الجبل ورأى الرحمة فً ك ّل
شًء ونحن أٌضا ً من أهل الفهم والرحمة...
لنشاهد معا ً شخصا ً ما ٌتؤلم ونحن أصحاب إحساس وأخبلق ور ّقة وحنان
وإلى ما هنالك من شعور ..ماذا نفعل؟ البكاء ال ٌنفع ...جاري ٌحترق
منزله والصراخ والعوٌل والضرب على الصدر ال ٌنفع ...إنّ صاحب
الرحمة ٌتحرك ..ال ٌبكً ألنّ هذا الفعل تافه وفارغ وال معنى له ..الدمعة
ال ُتطفا الحرٌق وال ُتشفً المرٌض وال تساعد الذي ٌؽرق وؼ َمرته
المٌاه ..إنسان ٌؽرق وأنا أصرخ وأبكً!! هذا مجرد شعور ال ؼٌر ،وهذه
المشاعر ما هً إالّ مجامبلت كاذبة .اإلحساس وحده ال ٌنفع ،ولكن
صاحب الرحمة هو حامل النخوة والقوة والمساعدة الفورٌَّة دون أيّ تر ُّدد
أو إضطراب ،فعله فً اللحظة التً ٌرى فٌها الحاجة وترجمة الرحمة فً
عمل سرٌع ..ال ٌترجم بدقة أو بر َّقة بل ٌترجم ...أي ُكن فٌكون!! ألنّ
صاحب الرحمة م َّتصل برحمة الرحمن ,ورحمة هللا سرٌعة وناشطة ..أي
59
عندما تنادٌه الحاجة ٌلبًّ الطلب من القلب ألنه سرٌع الفهم والفعل ...إنّ
اإلنسان المتدٌِّن طبٌعته تشه ُد وتفع ُل ألنه ملتز ٌم للحٌاة ...ال ٌبكً وال
ٌصرخ بل ٌفعل وٌحوِّ ل شعوره إلى عمل ،بٌنما رجل الشعور ٌتظاهر
بالرحمة وهذا مجرد تضلٌل ألهل الضبلل ,وهذه هً الفوضى بإسم
أخر وأجَّ ل الفعل واألجر .بٌنما التضحٌة والوفاء ..وبالرؼم من هذا الؽباء َّ
رجل الرحمة حاد وسرٌع دون أيّ دمعة أو أيّ ابتسامة وال أيّ انفعال بل
حركة وبركة ..إنه لٌس بارداً وال حاراً بل دافا وحمٌم وهادئ وهذا هو
الذهن والبصر التناقض فً إنسان الرحمة ...إنه دافا ومحِب وهادئ وحاد ِّ
والبصٌرة...
إنّ للرحمة أربعة زواٌا وهذه هً الرإٌا ذات األبعاد األربعة وهذه
زرع وال ُتنمَّى وال ُتت َقن وال ُتم َنح ،بل هً نعمة إلهٌةاألسرار اإللهٌة ال ُت َ
فً لبّ القلب المإمن ...كٌؾ؟ لننتبه معا ً ولنقرأ ما بٌن النصوص ولنصؽً
إلى ال َّن َفس الذي بٌن الشهٌق والزفٌر...
هذه الفجوة هً مابٌن الحٌاة والموت أي الوالدة والوالدة ،وهذا الصمت أو
السكون هو الرحمة الساكنة فً سكٌنة الساكن ...هذه هً الرحمة اإللهٌة
الحٌّة مع الحًّ مدى الحٌاة ..حٌث ال موت وال والدة وال صفة وال شعور
وال أيّ كلمة بل الفناء بالبلّشًء ...بالبُعد األبعد من أيّ بُعد واألقرب من
أيّ قُرب من مددَك أٌها المدد...
ل ُنعٌد معا ً البصر والبصٌرة فً سرّ الرحمة الرحٌمة ..إنها لٌست فً
النصوص السماوٌة وال فً كلمات الحكماء واألنبٌاء وأهل الرحمة
والخلفاء ..ألننا إذا استمعنا إلى وعظة المسٌح مثبلً ماذا سنفعل؟ سندعو
الفكر ال اإلدراك ,وبدون اإلدراك لن نصل إلى الرحمة أو إلى المحبة التً
هً أبعد من الشؽؾ والحب والرؼبة وإلى هذا النوع من الحب بٌن
البشر ...حبّنا لٌس موجّ ها ً إلى هللا أو إلى القِبلة بل إلى كمٌة أكثر من
الحب ،ولكن النوعٌة التزال كما هً أي باتجاه الحب المادي الفكري
الجسدي العددي ...إتجاهً إلى الحب ؼلط ومفهومً للحب ؼلط...
أعترؾ بؤننً لم أعرؾ الحب اإللهً بعد وهذه حقٌقة مُرَّ ة وصعبة ولكن ِ
ٌعرؾ .لم ٌحبّنً أيّ أحد ألننً لم أحِب نفسً بعد ...أحِب ٌعترؾ ِ ِ الذي
قرٌبك كنفسك ..علًَّ بتحطٌم هذا الؽرور الساكن فً جهلً وأنانٌتً ...لم
أحِب ولم أ ُ َحب ...ومن هذا المنطلق أنطلق من هذه الحفرة وأتحرَّ ر من
خٌبة األمل واألوهام وأبدأ بمسٌرة الحٌاة التً تحٌا فً القلب الحًّ فً
الحب السماوي ...كٌؾ؟ كٌؾ أدعو الرحمة إلى قلبً؟ أٌن َ
أنت من
60
البوصلة الموصولة برحمة هللا ...بمحبة هللا؟ أٌن هو اإلتجاه؟ السرعة ال
تساعدنً إلى الوصول بل علًّ بتؽٌٌر وجهة اإلتجاه ,وهذه هً الخطوة
األولى فً رحلة الحج ..إنها لٌست بالشعور وال بالرؼبة وال بال ّت ْوق
والتحرُّ ق إلى الحق وال بالبكاء والنحٌب وال بالوقوؾ على األطبلل والمجد
والنسب ,وال بالحزن على العراق وعلى المسجد َ والحسب
َ والجمال
األقصى وعلى فقراء الهند والصومال...
تذ َّكرت ماقرأت من مذ ِّكرات الكاتب الروسً Leo Tolstoyعن والدته
الحنونة والمحِبة التً كانت تبكً فً المسرح عندما تشاهد مشاهد الفقراء
وهً من الطبقة الؽنٌّة والحاكمة ,ودابما ً ترافقها شلّة من الخدم ومعهم
المنادٌل الحرٌرٌة لمسح دموعها من حزنها على الفقراء...
ٌقول ول َدها فً مذكراته" :أتعجَّ ب عندما أرى هذه المحبة عند والدتً التً
تبكً فً المسرح والحرارة تحت الصفر خارج المسرح حٌث السابق
وتذرؾ الدموع ِ ٌنتظرها بالبرد القارص فً عربة الخٌل وهً تبكً
السخٌّة على حبّها الكرٌم والسخٌؾ على اإلنسان الضعٌؾ ...السابق ال
ٌحق له أن ٌبقى داخل العربة إالّ عند القٌادةٌ ،بقى فً البرد تحت الثلج ولم
تذرؾ الدموع فً سبٌل هذا ُّبة" ،ولكنها ِ تف ِّكر به هذه "الحنونة"و "المح ِ
المظلوم الموجوع الذي تراه على المسرح الخشبً ,وأٌن هً من مسرحٌة
الحٌاة التً تجري فً قلوب أهل الحٌاة؟؟
هذا هو اإلنفعال والعاطفة والوجدان فً فكر اإلنسان الذي لم ٌعرؾ المحبّة
والرحمة بل ما نراه على مسرح حٌاتنا وفً أفكارنا ...البكاء ال ٌكلِّفنا شٌبا ً
وكذلك الشعور ولكن الرحمة ثمنها ٌفوق المادة ...حٌاتنا هً الثمن وهً
القٌمة النفٌسة لل ّن ْفس الراضٌة المرضٌة والشفافة بالرحمة اإللهٌة...
صاحب الرحمة إنسان واقعً وصاحب الشعور ٌحٌا األحبلم واألوهام
الؽامضة والمب َهمة وٌتمسَّك بالهلوسة ال ّن ِجسة وٌ َّدعً الحب والعطاء ,وأٌن
نحن منكم ٌا أنبٌاء وٌا حكماء وٌا خلفاء وٌا سٌِّدات نساء العالمٌن؟؟...
كٌؾ أستطٌع أن أدعو الرحمة إلى قلبً؟ التؤمل هو المفتاح الوحٌد للف ّتاح
الوحٌد الساكن فً لبّ القلب ...تؤمُّل ساعة خٌر من عبادة سبعٌن عام ..هذا
هو الشعار الرحٌم األبعد من أيّ شعور أو سرور أو ؼرور...
لذلك علٌنا أن نفهم معنى التؤمل ...تؤمُّل األنبٌاء ال تؤمل األؼبٌاء ..
تؤمُّل أهل الرحمة ،ال تؤمل أهل الرؼبة والرجمة ....ولمّا سُبل اإلمام علً
عن أفضل طرٌقة للتؤمل قال :خلَق الخالق طرق للتؤمل بعدد ما خلَق من
ْ
خلق ..أي بعدَ د األنفاس ...لك ّل لحظة َن َفس ولك ّل ن َفس طرٌق ...وك ّل َن َفس
61
هو مرتبط بال َّن ْفس من اللوّ امة واألمّارة بالسوء حتى الراضٌة والمرضٌة
والشفافة ...ولكن من أٌن نبدأ بالتؤمل وكٌؾ نبدأ...
أحد الحكماء قال كلمة واحدة عن التؤمل أال وهً "وقفة" ..أي أوقِؾ الفكر
واعرؾ التف ُّكر والتذ ُّكر كما فعل سٌّدنا إبراهٌم..
ِ
إذا توقؾ الفكر حضر التؤمل وانكشؾ السرّ اإللهً فً قلب عبده ّ
المإمن ...لذلك بعد الح ّج وقفة عرفة ...ولكن أٌن نحن من هذا اإلدراك
بالوعً؟ إننا نسٌر كالخِراؾ خلؾ الراعً دون أيّ َوعً ...إنّ الفكر َ
المجنون والمشوَّ ش والمهووس ال ٌتو ّقؾ ,بل فً حركة دابمة بٌن األمس
والؽد ...بٌن الماضً والؽٌْب وبٌن التارٌخ والمستقبل وأٌن اللحظة الساكنة
فً سكٌنة الساكن؟ اآلن وهنا هً سرّ هللا فً خلقه ولكن الفكر ٌبحث عن
الدنٌا وشهواتها وٌإجِّ ل الجبلء إلى الؽد البعٌد و "أنا أقرب إلٌك من حبل
الورٌد" ..هللا ٌذ ِّكرنا بؤنه هو األقرب وهو الجواب والتجاوب ولكن من م ّنا
ٌتؤمَّل بهذه األمانة؟ أٌن أنا من اإلٌمان؟و ما هو اإلٌمان؟
62
علٌنا أن نراقب ثورة أفكارنا دون أيّ خوؾ ...بركان من األفكار فً ك ّل
فكر ولكن ال تؤجِّ ل التعرُّ ؾ والمواجهة لهذه الؽٌوم الفكرٌة ...هذا تشوُّ ش
وله أسبابه.
تعرَّ ؾ إلى السبب وسٌزول العجب والحُجب ...أول من تؽلَّب على أفكاره
هو الحكٌم بودا ألنه جمع بٌن الرحمة والتؤمل ,ومن بعده أصبح الجهاد هو
جهاد الفكر ِّ
والذكر وال َّن ْفس أي الجهاد األكبر ,وهو أكبر الجهاد ..هذا هو
التؤدٌب اإللهً للعارفٌن وللمحبٌّن وللسالكٌن إلى درب الرب ..علٌنا أن
نخاؾ من الجهل ال ؼٌر ألنّ الجهل هو الحاجز والحافز الذي ٌس ّد علٌنا
تخؾ من مواجهة األفكار, الطرٌق إلى البٌت ,واإلنسان عدوّ ما ٌجهل ..ال َ
وإن خف ُتم من شًء واجهوا هذا الشًء بالمشٌبة اإللهٌة وبالقدرات الخفٌّة
المخفٌّة فً لبّ القلوبٌ ...قول اإلمام علً :لو رقبتً طولها طول رقبة
الزرافة لواجهت فكرتً وكلمتً قبل أن أنطقها أو أطلِقها للؽٌر حفاظ ًا على
نفسً وعلى إخوتً فً هللا ...هذه المراقبة على نفسً ستكون هً قلعتً
وحصنً وبرج المراقبة ..هذا الوعً هو أساس ال ِّنعم التً ستزهِر فً
حٌاتً ...علًّ أن أرى الفكرة التً تنبع من فكري ...أرى وأشاهد
وأحاسب وأراقب بؤننً لست مجرد فكرة...
أنا من روح هللا ولست فكرة من المجتمع ..إننً أنتمً إلى األلوهٌة الكونٌة
أي إلى الضمٌر الكونً ،إلى الماء ال إلى اإلناء ...إلى المعانً ال إلى
األوانً ..إلى أهل الدار ال إلى الزوّ ار ..هذا أول إختبار فً درب التؤمل..
ُ
وادخل إلى لبّ القلب.. انفض عنك ؼبار ال َّدرب
مثبلً ..أحد المسافرٌن دخل إلى الفندق لٌُمضً لٌلته وٌرتاح ,وٌعود فً
الٌوم الثانً إلى رحلته ألنّ وقته ال ٌسمح له بؤكثر من لٌلة إستراحة ,بٌنما
صاحب الدار ال ٌملُك أيّ مكان آخر ..هذا هو الفرق بٌن الضٌّؾ
والمُضٌؾ ...الؽرٌب هو الذي ٌرحل ،وإذا أشر َقت الشمس ودخلت إلى
الدار وكان النهار مشرقا ً وصافٌا ً سترى الؽبار فً سماء الؽرفة وفً أشعة
النور ,ولكن المساحة الفارؼة الصافٌة ال تزول وال تتحرَّ ك بل ساكنة فً
سكٌنة الهدوء وهً التً تحرِّ ك وتنقل الؽبار من الدار ...الؽبار الؽرٌب هو
األفكار المزٌفة ,والفراغ الصافً هو الطبٌعة الذاتٌة أي فطرتنا اإللهٌة ...
صاحب الدار ٌستقبل الزوّ ار وٌستودعهم هللا حٌث ال تضٌع ودابعه..
أفكارنا هً التجارب التً بها نقوى فً قوّ ة التقوى ..هذا هو التبصُّر,
وأنت األمٌر على بصٌرتك التً ال تزول ,واألفكار هً الزوّ ار وأنت
الصامد لؤلبد وأنت األزل لؤلزل ...راقِب نفسك ..تمرّ فً اختبار األلم
63
َ
أصبحت والصحّ ة ,فً اإلحباط واإلنتعاش ,فً الحزن والفرح ..من نطفة
خلٌفة "األكثرٌة جٌفة" ،أحٌانا ً تشعر بالقوة وأحٌانا ً بالضعؾ ...هذه
ضٌوؾ على مرّ حٌاتنا األبدٌة ,لذلك إذا نظرت إلى سرّ حٌاتك ال تستطٌع
أن تق ِّدر عمرك ألنك أبعد من أيّ عدد أو عُمر أو عصر أو دهر ...إنّ
العمر الحقٌقً هو عمر النور واإلشراق أي الجمال السماوي حٌث ال
شٌخوخة وال موت وال زمن وتارٌخ والدة أو رزنامة أو مف ِّكرة ٌومٌة...
إنّ الؽٌوم التً تمرّ فً السماء كالتعاسة أو السعادة ال تإثر فً وجودنا
الكونً...
64
راقِب السبلم الداخلً عندما تعلَم بؤنك أنت المقٌم الباقً فً البقاء ..هذه هً
السكٌنة ...إنها حالة هدوء حٌث ال قلق وال ه ّم وال ؼ ّم بل عبادة وفرح...
العذاب ٌزول بإزالة الهوٌة أو اإلنتماء إلى الدنٌا...
شاهدت أحداً من أهل هللا؟ إنه فً سكٌنة أبدٌة مجلَّبلً َبالتجلًّ اإللهً
َ هل
وٌعٌش معنا ولكنه وحٌداً دون ِوحدة أو َوحشة بل بطمؤنٌنة وهدوء وسبلم
من ؼٌر عالم...
لنتذ ّكر معا ً القلٌل الذي نعرفه عن حٌاة األنبٌاء مع األصدقاءَ ...من الذي
عرؾ حقٌقة المسٌح؟ أو محمد؟ أو السٌدة العذراء؟..
لماذا ٌُصلب وٌُرجم حامل األمانة؟ لماذا ال نرى الحقٌقة التً أمامنا؟ لماذا
ال نرى السرّ الذي فً قلوبنا؟ ما الفرق بٌن عمل النبً وعملً؟ إنه ٌؤكل
وأنا أٌضا ً آ ُكل؟ ولكن هناك فرق شاسع ...ما هو هذا الفرق؟ نحن قوم ال
نؤكل حتى نجوع ...هل أنا صادقة فً جوعً وعطشً؟ كبلّ ...هل أنا من
هذا القوم القوّ ام فً مقامً؟ كبلّ ...عندما ٌؤكل الحبٌب ,هل فكره الذي ٌؤكل
أم نفسه؟ كبلّ ...إنّ كل عمل ٌقوم به هو عبادة وشكر هلل ومع هللا وباهلل
وهلل...
إنه فً صِ لة دابمة مع الحًّ القٌوم وهللا الذي ٌقوم بالعمل من خبلل العبد
المستسلِم إلى مشٌبة هللا ...كان مطٌعا ً وعابداً مخلصا ً ومجٌبا ً لدعواته حٌث
ال رؼبة وال شهوة إالّ رضا هللا ،تحمَّل جهل الدنٌا وأهلها وحمل الرحمة
ٌر إال هللا فً ك ّل خطوة وفً ك ّل ألم ...وأٌن نحن من وتقبَّل الرجمة ولم َ
حٌاة األنبٌاء والخلفاء والعلماء واألولٌاء؟؟
إننً أكتب هلل ...هل هللا بحاجة إلى هذا الكتاب؟ من الذي ٌكتب؟ من الذي
ٌقرأ؟
من الذي خلق القلم واإلنسان؟ من الذي أمرنً بما أقوم به اآلن؟ فإذاً ال إله
ال هللا ...هو الذي ٌقوم بما نقوم لتقوٌم أنفسنا بالقوّ ة اإللهٌة ,حٌث القوّ ةإ ّ
بالتقوى والتقوى بالعبادة وك ّل عمل عبادة من أجل نفسً للعودة بها إلى
رضى هللا ..راضٌة مرضٌّة اآلن ولٌس ؼداً وهنا ولٌس هناك ..هنا الجنة
وهنا النار وعلٌنا أن نختار دون أن نف ِّكر أو أن نحتار ...علٌنا أن نعمل ما
نحِب وأن نحِب ما نعمل ,فالعمل هو الصِّلة بٌن الخالق والمخلوق .إع َمل
وتو َّكل واعقل وتو ّكل ،وحده الوكٌل وحسبً هللا ونعم الوكٌل...
بالبصر والبصٌرة ولكن البصر ٌزول والبصٌرة َ إنّ الصحابة شاهدوا النبً
وبنوع خاص فً هذه المحنة ٍ ال تزول ...لنتبصَّر معا ً سبب وجودنا
الصعبة التً تمرّ بها األرض وعٌالها...
65
من أنا؟ هل أنا جسدي؟ هل أنا ما أملُك؟ هل أنا ما أعمل؟ هل أنا ضٌْؾ؟
هل أنا الجوع؟ الكلمة؟ الشعور؟ القارئ؟ الكاتب؟...
لنتذ َّكر معا ً ولنعرؾ تماما ً بؤنّ كل ما نراه لٌس نحن ..إنك شاه ٌد وحسٌبٌ
ورقٌبٌ على نفسك فقط ال ؼٌر ،هذه هً النعمة اإللهٌة األبدٌة ..ك ّل ما أراه
ٌزول مع زوال الشمس ,ومن هو الحًّ مع األزل؟ ك ّل ما نراه ٌتؽٌَّر,
والتؽٌٌر نظام ثابت ,من فصل إلى فصل ,وأٌن هو الذي ال ٌتؽٌَّر بل صام ٌد
مع الصمد؟
إنها األلوهٌة الساكنة فً سكٌنة القلب واألقرب إلٌنا من حبل الورٌد،
ولنعرفها ولن ّتصل بها ولنتوصَّل إلٌها ،هً الوصول إلى الصمد بواسطة
صلة األرحام ,والتؤمل هو المفتاح إلى هذا الهدؾ ،إلى هذا الصمد...
اآلن أنت فً حال التؤمل ...اآلن هو الزمان والمكان لتحٌا أٌها اإلنسان.
لست بحاجة ال إلى كتاب وال إلى صدٌق وال إلى مُرشد أو حبٌب ...بل
الساكن فً قلب الكابن هو الوجود بؤسره والتف ُّكر والتذ ُّكر هو لحظة ممرّ
على جسر الموت ,ومن موت إلى موت نرى الحٌاة...
ول َك الخٌار أن تبقى مع األموات أو تختار القٌامة من بٌن األموات...
فً ك ّل مساء أعانق هللا قبل النوم وفً الصباح أج ِّدد هذا المقام وأعتنِق
الرحمة لنفسً ,وأبحث عنك فً النهار وأعود إلى اللٌل وأراك أنت الساكن
فً قلبً الذي ٌخاؾ من الوحدة والوحشة ,وال شًء إالّ وأنت فٌه وله وأنا
إحدى هذه األشٌاء التً فً ظ ّل رحمتك تحٌا...
والمفترق
َ هنا اللقاء ٌا إخوتً ...فً قلوبنا النار والنور والموت والحٌاة
والملتقى ...نحن الجسر بٌن الطرفٌن وفٌنا انطوى السرّ اإللهً وما علٌنا
إالّ الٌقٌن بهذا الٌقٌن ...وهذا هو الرِّ ضى والتسلٌم ...إذا كان ك ّل همّنا
التركٌز على العالم سنبقى فً العالم ،وإذا تحوَّ لنا من العالم الخارجً إلى
العالم الداخلً دخلنا من باب القلب إلى لبّ القلب ,ومن هذا الباب نتعرَّ ؾ
عرفت نفسً بنفسً...ُ ُ
عرفت ربًّ بربًّ ألننً على الربّ ،
فً قلب اإلنسان ٌجتمع الشرّ والخٌر وهذا هو المٌزان حٌث الروح والجسد
والحٌاة والموت..
أنت الملتقى وأنت المفترق وأنت همزة الوصل بٌن العالم المنظور والعالم َ
المجهول ولك الخٌار والتؤكٌد ...إذا كان كل همًّ فً عالم الدنٌا سؤبقى فً
َّرت اإلتجاه إلى الضمٌر الكونً الساكن فً عالم الشهوة والؽرور ،وإذا ؼٌ ُ
كٌانً سؤلتقً بالسرّ اإللهً وأصرخ بالصمت والدهشة "إٌّاك نعبد وإٌاك
نستعٌن" ،هذه هً الخطوة التً تؽٌِّر المصٌر من الجهل إلى العقل ومن
66
العتمة إلى النور ...لنؽٌِّر مجرى الدوالب من الخارج إلى الداخل ...أول
خطوة هً ك ّل الرحلة..
مهروالً إلًّ ...إنّ الضمٌر هو
ِ علًّ باإلتجاه وبالخطوة األولى وسٌؤتً هللا
دلٌل المصٌر ,وساكن فٌنا لٌهدٌنا ولنا الخٌار ...صاحب الدار ملتزم بؤهل
الدار ونحن الزوّ ار ندور وندور ونعود بعد الطواؾ إلى الدار ,ونرى الٌُمن
والبركات فً انتظارنا ..فً قلوبنا حٌث الحقٌقة التً ال تموت بل منها
وبها ومعها نحٌا األبدٌة ،ولكن اإلنسان مخلوق من طٌن وتراب وماء
وهواء ومرتبط بالطبٌعة ألنها من صلبه وفكره وعقله ,وهذا هو جسد
الساجد وٌحنّ إلى الطٌن وإلى الكفن ،ولكن عندما ٌتذ َّكر المسجود ٌعود إلى
هذا السرّ اإللهً صاحب الدار األزلً بالحٌاة األزلٌة...
هل هناك تقن ٌّات سهلة للوصول إلى مكان القُرب من الحبٌب؟
الطرق إلى الحق كثٌرة وما علٌنا إالّ أن نختار األنسب إلى القلب... ُّ
إحرم نفسك من جمٌع هنالك أسلوب قدٌم عند حكماء الشرق حٌث ٌقولِ ..
واعرؾ نفسك ..من العبلقات...أي ْ
قطع الصِّلة مع أ ٌّا ً من األهل أو ال ّن َسب
ِ
أنت اذا لم ٌ ُكن لك أهل؟ أو زوجة أو أوالد أو مركز أو مال ..من أنا؟ ال
عمل ال جنسٌة وال دٌن وال أيّ هوٌة ..من أنا ؟
أنت نفسك وذاتك ...إعرؾ نفسك ...إنفصِ ل عن الدنٌا ولو ساعة فً
األسبوع أو لحظة فً الٌوم تماما ً كما تفعل مع الهاتؾ ومع أيّ إتصال
آلًّ ...أنت أٌضا ً آلة إلهٌة ...إنفصل عن الدنٌا وعن جمٌع المسإولٌات
67
والصفات ..أنا لست أ ُ ّما ً وال زوجة وال أخت وال عشٌقة وال رجل أعمال
وال ملِك وال ربٌس ومرإوس وال مجرم وال قاتل وال مسجون وال فكر وال
عقل وال جسد وال أسود وال أبٌض وال عربً وال ؼربً وال مسلم وال
مسٌحً وال شاب وال عجوز ...إنفصل عن جمٌع الفصول واألصول
واإلتصاالت والمواصبلت...
إنفصل عن جمٌع العبلقات واسؤل نفسك ..من أنا؟ ولٌس هنالك أيّ جواب
ألنك انفصلت عن العالم وأهله وأمبلكه ...من أنا؟ طبٌب؟ كبل ,ألننً
انفصلت عن مهنتً..
وعن المرضى ...أنا أستاذة فً الجامعة! ولكن إنفصلت عن الطلبة ...أنا
لبنانٌة! وأٌضا ً انفصلت عن اإلنتماء إلى أيّ جنسٌة وإلى أيّ أرض ..أنا
إمرأة أم أنا رجُ ل ..وأٌضا ً انفصلت عن الجنس ..أنا عجوز ..وأٌضا ً
انفصلت عن العُمر...
ُ
وادخل إلى إنفصِ ل عن جمٌع الممرّ ات ...إقطع كل الجسور والعبور
نفسك ,وألول مرّ ة ترى صاحب الدار وحده دون أيّ ضٌؾ...
هذه هً الوحدة دون وحشة ..وحٌدة منفردة وفرٌدة متوحِّ دة مع نفسً دون
انعزال أو أيّ عزلة ،عندب ٍذ أتعرَّ ؾ على هذه المضٌفة عن قرب وبد ّقة
وباهتمام ,ألنّ الضٌوؾ سبب إزعاج واضطراب وهمّهم الوحٌد الرعاٌة
والمجاملة لكسب اإلنتباه ولفت النظر واألوامر من الفجر حتى الفجر" ،أٌن
الطعام وأٌن الثٌاب وأٌن السٌّارة وأٌن المال؟" ،وألؾ طلب وطلب,
والضٌؾ ثقٌل والمضٌؾ ٌسعى وٌهتم وٌدخل فً اله ّم والؽ ّم وأٌن أنت أٌها
الن َؽم مع ال ِّن َعم؟
عندما تنفصل عن الدنٌا ال أحد ٌزعجك وال أحد ٌستطٌع أن ٌُإلمك...
وفجؤة ترى الوحدة مع الواحد األحد وصفاء التوحٌد وطهارته ,وهذه هً
البكر التً لم ٌَ ُدسها أحد ...هذا ما فعلَته السٌِّدة العذراء
البتولٌة كاألرض ِ
وفاطمة الزهراء ...الفصل عن الدنٌا والوصل بخالق الدنٌا ،أي الموت
والوالدة بٌن ك ّل ن َفس ون َفس ،وعندما ٌدخل الرحم أيّ طفل سٌكون من أهل
البٌت ...بٌت هللا...
للحمل المق ّدس ...الرجل والمرأة ٌدخبلن المحراب فً الهند طرق مق ّدسة َ
للتؤمل وللصبلة قبل اإلتصال الجسدي ..هذا هو معنى الجنس المق ّدس
للروح المقدسة ..إنها دعوة إلى أفضل جنٌن من ج ّنة هللا إلى عباد هللا...
الطاهر من الفكر ومن شهوات الدنٌا وهو السٌِّد المحراب هو جسد اإلنسان ّ
على جسده ,ولجسدك علٌك حق ،أي فصله عن المتاعب الدنٌوٌة لٌبقى ح ٌّا ً
68
مع الحًّ وٌرزقه هللا من رحمته أجمل البركات والتجلٌَّات ...الفصل عن
الدنٌا هو الوصْ ل بال ّن ْفس وباآلخرة...
الحمل؟ كٌؾ كان اللقاء بٌن الرجل ل ُنعِد النظر فً جٌل الٌوم ...كٌؾ ٌت ّم َ
والمرأة؟ أٌن كان الفكر أثناء اإلتصال؟ كم من الضٌوؾ شاركوا فً هذا
اللقاء؟ من كان مع من؟ هل كانت النطفة حبلل؟ هل كان الرحم رحٌما ً
وصافٌاً؟ هل كانت النواٌا طاهرة؟ أٌن نحن من هذه المسإولٌة؟
إخوتً فً الحق ..ال حٌاء فً العلم ...كلّنا شاركنا فً دمار األرض ألننا
زرعنا الشرّ وهذا ما نراه الٌوم دمّرنا أنفسنا وأجسادنا وأرحامنا وأجٌالناَ ...
حول العالم ...إنسان الٌوم هو السبلح وهو اإلستكبار وهو الجهل
ت بسرعة وهذا هو الح ّل الكامل للعودة بنا إلى الشامل ...الدمار الشامل آ ٍ
أُمّنا األرض وإلى الفطرة الطبٌعٌة لنحٌا كما أمرنا هللا أن نحٌا ...لنعتذر
من أنفسنا ومن عٌالنا ومن أمّنا األرض ومن هللا عز وج ّل ..وال ٌدخل
الجمال اإللهً إلى رحم األم إالّ إذا تجلّى رحمها بالرحمة اإللهٌة ...إنّ
بركات هللا ال تدخل فً النطفة إالّ إذا كانت حبلالً ..فعلى ك ّل إنسان أن
ٌتعرَّ ؾ على نفسه بنفسه إلى أن ٌصل إلى محراب قلبه حٌث ال جواب إالّ
بالتؤمل ،إالّ بالرحمة ,وهذه هً نعمة هللا فً خلقه ..اإلنسان بدون رحمة
شٌطان رجٌم وبدون تؤمل شٌطان جاهل...
69
من الذي سٌُعلِّمه إن لم أ ُكن معه؟ سؤحتفِظ به حتى لو تركتمونً جمٌعا ً..
وابل من الدموع وزالت عنه رؼبة وإذا باألخ الجدٌد ٌؽسل وجهه بسٌْل ِ
السرقة...
جرت هذه القصة فً مخٌم للتؤمل أثناء دورة خاصة فً مراقبة الّن ْفس...
لذلك تحدثنا عن التؤمل بدقة وبتفصٌل علمً عمٌق وإالّ سوؾ لن نفهم
مؽزى هذه الحكاٌة ...هذه القصص لٌست قصصا ً عادٌة ،إنهم بحاجة إلى
خلفٌة قوٌّة وكبٌرة فً اإلختبار وفً التعبٌر ..إذا لم نفهم معنى التؤمل
سوؾ لن نفهم مؽزى هذه القصة ...لماذا اعتزل الشٌخ فرٌد مع تبلمٌذه
لدورة خاصة فً التؤمل؟ من هم هإالء الطلبة والمرٌدٌن؟ لماذا أتى
اللص؟ ما هو هذا الدرس للجمٌع؟
اإلنسان فكره مادي ...السارق والمسروق بنفسٌّة واحدة ..كلّنا فً نفس
َ
أتٌت بالمال ٌا السفٌنة ..أنت صاحب المال وأنا عٌنً على المال ..من أٌن
رجل األعمال؟ ولماذا طلبوا بطرد وصرؾ الم ّتهم؟ لماذا ال نطرد
الحرامً األكبر؟ حامٌها حرامٌها!! َمن ٌسرق من؟ كٌؾ عاش الخلفاء أٌام
بٌت المال؟ كان دخل الخلٌفة وأفقر الناس ثبلثة دراهم فً الٌوم ...المساواة
بالمال وبالعدل ...فً عالم الٌوم إذا كان عندي حساب أو خزٌنة أو بٌت
مونة ،إذاً أنا سارقة وأنت كذلك ...وتراودنً فكرة العٌش مع الجماعة
ألننً كنت فً طمؤنٌنة حٌث ال فقر وال ؼنى وال جوع وال خوؾ وعندما
أترك الحٌاة البدوٌة أشعر بالخوؾ وأتمسَّك بالعدد وأنسى بؤننً ع ّدة فً
قلب هللا ...لذلك نرى بؤنّ مجتمع الٌوم ومنذ آدم حتى الٌوم هو الحرامً
المعترؾ به من ق َبل أهل السلطة والحكم والدٌن والمجتمع ,وحامل َ المحترم
وٌحق له ما ال ٌحق لؽٌره وعنده حصانة ّ نصّ مص َّدق بمرسوم قانونً
قانونٌة من حكومة القمة فً نهج السرقة واللصوصٌة حسب النصوص
الدستورٌة ,ومُعفى من جمٌع الرسوم والضرابب والضرٌبة على الحرامً
المسكٌن الذي ال ٌعمل أيّ مرسوم أو إذن ألنه ؼٌر شرعً...
الشرعً محترم ألنه حسب الدستور والؽٌر شرعً ؼٌر محترم ألنه ضد
القوانٌن الشرعٌة المشرّ عة ألهل الشرٌعة ال ألهل الشوارع...
الحرامً النبٌه ال ٌكسر القانون بل ٌرفع الوالء لراٌة اإللتواء وإمضاء
اللواء ترفع عنه الؽطاء حتى الفضاء...
هوس الدوالر والبترول ُكن مع الوالً وال تبالً ...أكثر الناس عندهم َ
ولهذا السبب تجاهل الشٌخ فرٌد مرسوم وعرٌضة الطلبة ..كلّنا فً الهوى
سوى ،ال فرق بٌن السارق والمسروق.
70
ستندهش عندما تعلَم بؤنّ الحرامً الناجح هو المحترم وهو السٌِّد الكرٌم
والشٌخ وصاحب األلقاب وإذا فشل بالجرٌمة سٌكون هو المجرم ...ماذا
كان الملِك قبل أن ٌل َبس لقب الجبللة؟ من قتل؟
اللصّ الناجح جلس على الكرسً واللص الفاشل ال ٌزال ٌحاول أن ٌكون
هو ولًّ
العهد ...را ِجع قصص الملوك ...من هو اإلسكندر الكبٌر؟ ماذا فعل فً
حٌاته؟ من هو هتلر وستالٌن؟ من هم حكام البلد الٌوم؟
أحد رإساء لبنان قتل وأجرم فً الكنٌسة وأصبح ربٌسا ً للجمهورٌة.
جمٌع السٌاسٌٌن مجرمٌن ولصوص وٌحاولون قتل الزمبلء أمثالهم أي
المنافسٌن لمناصبهم ...البعض منهم ض ّد التهرٌب والسرقة ولكن لمصلحة
من؟ كلّهم من كبار المهربٌن والسارقٌن.
حامٌها حرامٌها ...ولكن السرقة والقتل حبلل حسب القانون الشرعً ...أن
نقتل أمة بكاملها ُتع ّد بطولة ،ولكن أن نقتل فرد هذه مسؤلة فٌها خطر
ونظرٌ ...نجح الوزٌر أو الربٌس أو أيّ صاحب سلطة فً خدمة مصالح ِه
الشخصٌة ,وٌُصدر األوامر وٌمضً مشارٌعه وبعد تحقٌق رؼباته ٌح ِّقق
آخر رؼبة له فً عدم السماح لؽٌره ما ٌُسمح له ...وعندما ٌترك الحكم
ٌختفً من الساحة القوٌة وٌلجؤ إلى حٌاته اإلجتماعٌة وٌبحث عن حضن
الؽانٌة التً هً الحصن المنٌع فً ك ّل ما هو ممنوع ...إن لصّ القانون
لٌس لصا ً على اإلطبلق ألنه ٌتصرَّ ؾ حسب القانون الحرّ الطلٌق من كل
البنود والقٌود والسدود ...وعندما ٌنعزل أو ٌنتحر أو ٌنحرونه أو ٌعزلونه
سٌكون هو الظاهرة القبٌحة مدى الدهر ...ظاهرة الذ ّل لتارٌخ أهل الذ ّل...
حرج عن األمة هذا هو الربٌس األمرٌكً أو الربٌسة الهندٌة وح ِّدث وال َ
العربٌة حٌث الجرح األكبر ٌؤتً من شعب عاش أرحم حُكم وأعدل عدل
فؤٌن نحن من الخلفاء ٌا أظلم الحلفاء؟؟
ٌا أهل البادٌة؟ أٌن القبٌلة؟ أٌن هو الشٌخ الذي حكم بالعدل وبالرحمة؟ أٌن
نحن من حٌاة أهل القرٌة حٌث ال فقر وال خوؾ وال تعصُّب وال تفرقة بل
كلّنا عٌال هللا ومن نسل آدم وحوّ اء؟؟ ..من أٌن أتت فكرة َّ
الطمع و
صاحب ِه لما احترمته،
ِ اإلستكبار؟ لو تعرؾ من أٌن أتى أول ملٌون إلى
َ
نسٌت ولماذا تحترمه؟ ألنه اشترى صمتك وصوتك ومع الوقت القصٌر
هذه البٌعة ألنّ ذاكرتك ضعٌفة وألنّ التركٌز على المال ال على العقل ..لقد
قرأت فً أحد كتب التارٌخ عن عشرٌن رجل من قراصنة أهل البحر الذٌن
طردوا من ببلد اإلنكلٌز وبعد ثبلثٌن عاما ً ماذا حصل لهم؟ قسْ م منهم ذهب ُ
إلى استرالٌا والقسم اآلخر ذهب إلى أمرٌكا وأصبحوا ح ّكام ورجال أعمال
71
وأصحاب بنوك ،كلُّهم من أصحاب اإلحترام والمقام ...لهذا السبب تجاهل
الشٌخ فرٌد الوضع ولم ٌبلحظ أو ٌدوِّ ن أيّ مذ ِّكرة توقٌؾ ..ألنه صاحب
فكر روحً ولٌس فكر مادي ..هدفه تحوٌل وتؽٌٌر وترقٌة اإلنسان إلى
السموّ السماوي ...والتبلمٌذ من أصحاب الفكر المادي ال الفكر التؤمُّلً...
على المتؤمِّل أن ٌفهم المتطلِّبات األساسٌة للسموّ الفكري أال وهً التجرُّ د
والبلمباالة من جمٌع الممتلكات ,وأنه ال بؤس إذا أخذ أحدهم بعضا ً من
الدراهم ..هذه سرقة .أو أخذ بعض األوراق أو المعادن ولٌست مسؤلة حٌاة
أو موت ولكن الفكر موجَّ ه باتجاه الما ّدة ...من أٌن أتى هذا المال؟ لم نولد
ومعنا أيّ شًء ...ك ّل مولود أتى إلى الدنٌا فارغ الٌدٌن وأصبح مُفعما ً
بال َّدٌْن وبالسرقات وباألموال وٌ َّدعً بؤنها مل ُكه الخاص ،ولكن من م ّنا
ٌملُك جسده؟ إن المتؤمِّل الحقٌقً ٌتخلَّى عن الدنٌا وؼرورها وٌعتصِ م بحبل
هللا وٌتو َّكل على الرزق الحبلل....
إنّ هإالء المرٌدٌن هم من أصحاب الفكر المادي ومن الطبٌعً أن تدخل
السٌاسة حفاظا ً على مصالحهم ،وهذا السارق تجاهل المرشد مرتٌن ،فإذاً
من هو هذا المرشد؟ ممكن أن ٌكون شرٌكا ً مع اللص!! وإذا كان كما نف ّكر
علٌنا أن نبحث عن معلِّم آخر..
ولكن إهمال المرشد ناتج عن رحمته للطلبة ,ألنهم هم أٌضا بحاجة إلى
مواجهة أفكارهم المادٌة ..نعم ،إنّ السرقة حرام ولكن فكرهم المادي هو
أٌضا ً حرام ،وشعروا بالؽضب عندما تجاهلهم الشٌخ وق َّدموا عرٌضة
تدخل الفكر السٌاسً واإلعتراض وطرد الحرامً وإالّ سنترك شكوى أي َّ
الشٌخ ونبحث عن مركز آخر للتؤمل...
من الواضح جداً بؤنّ الطلبةلم ٌؤتوا للتؤمل وإال كانوا أرحم مع السارق,
ومع اإلعتراض والتقرُّ ب من هذه المشكلة ...نعم عنده شهوة للمال وكان
بوسعهم أن ٌق ِّدموا له القلٌل من الدراهم بطرٌقة و ِدٌّة ولطٌفة ،هذه إشارة
ِ
واضحة بؤنهم أصحاب سٌاسة وهدفهم لٌس التؽٌٌر أو التحوٌل بل تقوٌة
الفكر بالتهدٌد للمرشد وإالّ بانسحاب المجموعة من المركز..
ال تستطٌع أن ته ِّدد أو تنذِر معلِّما ً كالشٌخ فرٌد ..هذا المرشد الذي ناداهم
بقوله
"أنتم أخوة بالحكمة" ،إنها سخرٌة وصدمة للتوعٌة أي ٌا أؼبٌاء!! ولكن
كلّنا األؼبٌاء نعتقد ونف ِّكر بؤننا أذكٌاء وحُكماء وهذه أول خطوة فً طرٌق
الجهل والؽباء ,مع العلم بؤنّ الحكماء ال ٌعتقدون بؤنهم حكماء ...العلماء
والحكماء واألولٌاء واألنبٌاء خافوا هللا ألنهم شاهدوا جهلهم وضعفهم...
72
هإالء الطلبة األؼبٌاء لم ٌذهبوا للمال بل ألخذ شًء أهم وأكبر من المال..
هذا المرشد ساعدهم لٌشاهدوا ثروة أعلى وأؼلى من الدراهم ,وق ّدم لهم
وملزمة عندما قال لهم أنتم
ِ المناسبة بطرٌقة مهذبة ولطٌفة وصارمة
تعلمون الخٌر من الشرّ ولكن هذا األخ ال ٌعلم ..أي أنكم أنتم أٌضا ً من
أصحاب الفكر المادي ألنكم ما رأٌتم فٌه إالّ ما أنتم علٌه ..هو مرآة لكم
وإذا كانوا حقا ً من أصحاب التؤمل كان علٌهم أن ٌشكروا المرشد
والحرامً وٌراقبوا أنفسهم وأفكارهم ...هذه هً نعمة التؤمل وبنوع خاص
مع مرشد كالشٌخ فرٌد ...إنها مناسبة نادرة وفرٌدة ولكن همَّهم لٌس بصِ لة
ب وصوب والهدؾ لٌس األرحام بل بصِ لة الدراهم ..لقد أتوا من ك ّل حد ٍ
لئلستنارة ,بل لخدمة الفكر المادي الدنٌوي ولمحاكمة األخ الجاهل ,وأٌضا ً
للمرشد العاقل .وكؤنّ الشٌخ فرٌد ال ٌعلم شٌبا ً عن المراقبة والمشاهدة
وتهذٌب ال َّن ْفس ،بل الطلبة هم األعلم منه وفرضوا علٌه القانون والشرٌعة
التً ترجم اللصّ والمساعد له....
لنرى معا ً هذه السخرٌة فً المعاملة ولنتذ َّكر صبلحٌة الصالح دابما ً على
خطؤ بالنسبة ألهل الجهل ...هذا ما فعلناه باألنبٌاء وبالخلفاء وال نزال
نطلب ونرجم أهل الرحمة ألننا أفهم وأرحم منهم ...إنّ المرشد ال ٌفهم ما
نفهم وعلٌنا أن نرشده لٌكون مرشداً لنا..
هذا هو الفكر المادي الدنٌوي الذي ٌتحدث عن السبلم وٌفرض الحرب
حول العالم...
إنّ الحٌاة مع َّقدة وماكرة ومن الصعب أن نقرِّ ر بسهولة ما هو الصح وما
هو الؽلط ...ال نستطٌع أن نرى الفرق بٌن اللٌل والنهار أو الشرّ أو الخٌر،
واإلنسان الفهٌم ال ٌقع فً ف ّخ الصالح القوٌم ...من م ّنا صالح؟ من م ّنا على
الصراط المستقٌم والرجل القوّ ام؟ أٌن نحن من األنبٌاء والخلفاء والحكماء؟
أٌن نحن من نعمة الشهادة؟ هذا ما فعله هإالء الطلبة باتهام السارق و
المرشد ,وهذه الحكمة من قلب الجهبلء واإلنسان عدوّ ما ٌجهل ...أجهل
أر
أننً جاهلة وهذا هو الجهل بعٌنه وهذا هو الؽرور واإلستكبار ،ولم َ
رحمة المرشد وتؤمُّله الصادق وحُكمه الحكٌم على الجمٌع دون تفرقة ,بل
أعترضُ وأرفض وأه ِّدد وأعلِن بؤننً على حق..
وخاصة مع األنبٌاء... ً اإلنسان تافه وسخٌؾ ومجنون والتارٌخ ٌشهد علٌنا
ماذا فعلنا بهم وبؤهلهم؟ ألننا فً الدنٌا عمٌان وكذلك فً اآلخرة ...ال
ٌستطٌع األعمى أن ٌرى نور هللا الساطع من حضرة المرشد .نواجه
المسٌح وجها ً لوجه ونرجمه بالفكر التافه الصبٌانً السخٌؾ ,ونتكلَّم
بسخافة ون ّدعً الثقافة ...ماذا قال الشٌخ فرٌد؟ "أنتم تعلمون ما ال ٌعلَم
73
وعندكم من الحكمة التً ترشدكم إلى أيّ طرٌق تختارونها ،وهذا األخ
جاهل وسؤساعده لٌتعرَّ ؾ على نفسه ألننً أنا المسإول عن ضٌافته
ووجوده معنا ,ولكم حرٌّة الخٌار بما تختارون" ...أحٌانا ً من الصعب جداً
أن نعلِّم من ٌعتقد بؤنه على حق .من السهل أن نعلِّم المجرم أكثر من تعلٌم
القدٌس ,وكذلك مع اإلنسان الجاهل والعارؾ بجهله والحاضر لٌتقبَّل أيّ
علم...
المتؤلِّم ٌطلب الدواء للشفاء من ألمه ,ولكن الجاهل المستكبر ال ٌرؼب فً
التحرُّ ر من جهله ألنه مسرور بالؽرور ,ومن المستحٌل أن ٌؽٌِّر هذا
المعٌار ...لماذا قال المرشد " إذهبوا وسؤبقى معه ،إنه أخً" ...ألنّ هذا
األخ الفقٌر عنده إمكانٌة التحوّ ل والتؽٌٌر...
هذه هً اإلستطاعة ....أٌن هً الطاعة الٌوم؟ ولمن؟ ال توعٌة وال طاعة
إالّ للمال الذي ٌتح َّكم بالجهل من جٌل إلى جٌل ,ومن المسإول؟ ك ّل سابل
مسإول ..وإذا كان السابل حاض ٌر فالمرشد حاضر ومعا ً سٌتحوَّ ل السابل
إلى المسإول...
لقد أتى أحد كبار المجرمٌن لزٌارة أحد العارفٌن باهلل ومنعه الحارس من
الدخول ،ولكنه قفز من فوق الحابط ودخل دون أن ٌعرؾ اإلتجاه إلى
زاوٌة المرشد ،ورآه أحد المرٌدٌن وحاول أن ٌساعده وأخذ بٌده ودخبل معا ً
إلى ؼرفة أحد علماء علم الفراسة وسؤله عن حالة هذا األخ ...فتفرَّ س
العالِم به ودخل فً أعماق حٌاته السابقة وقال له ..أنت مإسسة إجرامٌة
منذ حٌوات قدٌمة ،حتى المرشد ال ٌستطٌع أن ٌساعدك ...أنت حالة
مٌبوس منها ولم تستطِ ع أن تطٌع أيّ أوامر من أيّ أحد ..عُد من حٌث
أتٌت حاالً وفوراً قبل أن ٌراك الشٌخ ..فر ّد علٌه السابل قاببلً " :إنك على
حق ..إننً أحد كبار المجرمٌن والقتلة واللصوص ومن أهل المكر
واإللحاد ،ولكننً أتٌت ألننً أشعر بالندم والتوبة وأو ّد أن أؼٌِّر مجرى
حٌاتً وأن أحٌا معكم ألننً شبعت من الدنٌا ومن آالمها ,واآلن مستع ّد
أليّ خدمة من أجل الحصول على هذا التؽٌٌر والتحوٌل" ...ورفض العالِم
طلبه وأمره بالخروج من بٌت الجماعة ...وقال للمرٌدٌن" :هذا المجرم
مإسسة لصناعة الكفر والكفار كما أنّ المرشد هو مإسسة لصناعة الخٌر ٌ
واألخٌار ...هللا ٌكفٌنا شرَّ ه فلٌذهب إلى أهله وإلى عمله! ..تؤلم المجرم من
هذا الرفض وقرَّ ر اإلنتحار فً حدٌقة المكان وذهب إلى صخر ٍة قرب
إحدى الشجٌرات لٌضرب رأسه ,وإذا بالمرشد ٌراه وٌدعوه إلى ؼرفته
وٌستقبله وٌق َبله مرٌداً من المرٌدٌن ,وفً ؼضون بضعة أٌام إستنار الكافر
74
وس َطع نوره بٌن األخوة ،واحتاروا واندهشوا وتسابلوا ،وإذا بالمرشد ٌقول
لهم" :إنّ علم الفراسة حق والحٌاة الماضٌة حق ولكن هل ش َققت قلبه؟ هل
رأٌت مستقبله؟ الماضً مضى والقلب حًّ اآلن وٌطلب من هللا الحٌاة
الحٌة مع الحًّ ..وأمر هللا ُكن فٌكون ...إنه مجرم وكافر صادق وعنده
الش ّدة الحادة والملحَّ ة فً طلب الرحمة ,وهللا أرحغم الراحمٌن وسرٌع
الجواب وحرَّ ر هذا األسٌر من أسره والحٌاة ٌُسر مع أهل الفرح
والسرور..
علٌنا أن نفهم المادة األساسٌة فً التحوٌل ,أال وهً الشعور الصادق
بالذنب ..المستكبر ال ٌتؽٌَّر وكذلك المتدٌِّن بالشرٌعة وبالنصوص دون
التعرُّ ؾ على النفوس ،ال ٌستنٌر بل ٌبقى مقٌَّداً بالكتاب دون الدخول إلى
القلب ,ولكن الزندٌق أقرب للحق من المتح ِّدث عن الحق..
75
وما هذه المبالؽة من اللؽو إالّ لدعم األنا والشعور باألهمٌة وللَفت األنظار
بؤننً أنا صاحبة الحق والعدل واألخبلق.
أكبر الفخر أن ال نفخر ،وٌذ ِّكرنا اإلمام علً بقوله ":لسان العاقل وراء
قلبه ,وقلب األحمق وراء لسانه" ,فلنزرع فً قلوبنا حكمة الحكماء وحٌاة
الخلفاء ...
لنرحم من فً األرض ,علٌنا أن نرحم أنفسنا أوالً ،والرحمة هً اإلدراك َ
والمحبّة وفٌها انطوت األسرار اإللهٌة ...لننظر إلى المجرم وإلى الحكٌم
بعٌن هللا ..المسٌح ٌقول "األوّ لون آخرون واآلخرون أوّ لون" ،وك ّل مولود
هو الممسوح باهلل وهو المسٌح الوحٌد والمنفرد والممٌز بنفسه وبنعمة هللا
فٌه ...كل مولود هو محمد بن عبد هللا وكل إمرأة هً سٌِّدة نساء العالمٌن,
إذا اعترفنا بؤننا ال نعرؾ وهو العلٌم الرحٌم وهو المعلِّم األعلَم من أيّ
مت سٌدنا الخضر بالصبر واللدانة علم ...علِّمنً ٌا هللا من رحمتك كما علَّ َ
ال بالجبر واإلهانة ,كما تعوَّ دنا منذ أجدادنا حتى الساعة ...وما نراه الٌوم
من إستكبار وؼرور بدأً من األلقاب حتى بعد التراب...
سموّ األمٌر وهو فً المهد حتى بعد اللحد ...صاحب القداسة والؽبطة
والسَّماحة والسٌِّادة والجبللة والفخامة وإلى ما هنالك من ف ّخ وفخوخ وسموّ
وسموم ,حتى وصلنا إلى هذا المستوى الممسوس بالمسّ الشٌطانً
المعروؾ علمٌا ً بالطاقة السلبٌة السفلٌة ...األلقاب لٌست ألولً األلباب بل
ُ
لخ ّدام الجٌوب...
أٌها اإلنسان العادي الطبٌعً والمؤلوؾ ...تعرَّ ؾ على الفطرة اإللهٌة...
إنك على صورة هللا ومثاله ،إنك موحَّ د مع الواحد وإنك ال أحد ...إننً
نكرة وال شًء ومن هذا الوضع المتواضع ا َّتصلنا برحمته بؤمر من
رحمته ...أنا قطرة الماء وهو المحٌط...
أنت حبّة الرمل وهو الصحراء ...المحٌط ٌؤتً إلى قطرة الماء...
الصحراء تبحث عن حبة الرمل وبنوع خاص أثناء العاصفة الهوجاء...
هذه هً الرحمة اإللهٌة التً وسعت ك ّل شًء..
وما نحن إالّ هذا الشًء الذي ال ٌحٌا إالّ مع الحًّ القٌوم ...علٌنا أن
نتعرَّ ؾ على مقام القلب األقرب إلى الربّ وعلى ك ّل األمانة التً نحن
علٌها أُمناء ،من الجسد إلى الفكر والذات والروح ...وما هذا العِلم إالّ
فرٌضة مق ّدسة فرضها هللا علٌنا لخدمة أنفسنا ...فإنّ أول كلمة نزلَت على
ِّ
وٌعزز باسم ر ِّبك الذي خلَق ...علٌنا بالعلم الذي ٌخدم السبلم
ِ الحبٌب :إقرأ
الن ْفس وٌسمو بنا من اللوّ امة إلى الشفافة والمرضٌّة ،فالعلم علمان علم
ٌعز حٌن ٌُػذر... ٌعز حٌن ٌنذر والعلم ّأبدان وعلم أدٌان ,وك ّل شًء ّ
76
الصحوة ٌا أهل العِلم...
77
اللب
من القلب إلى ّ
ما معنى مساعدة الؽٌر؟ فً أؼلب األحٌان تكون المساعدة لتدمٌر اإلنسان
أي لتؽٌٌره ال الحترامه كما هو دون أيّ قٌد أو شرط...
إنّ الفرق شاسع وذو شؤَن واسع بٌن معنى المساعدة فً رأٌه وكما ٌرٌد
هو أو أن ُنبدي رأٌنا ونفرضه علٌه ونؽٌِّره حسب معرفتنا وفهمنا
للمساعدة ...ساعده لٌكون نفسه وذاته ..علًّ أن أؼٌِّر ما بنفسً ولٌس ما
بنفسك أنت ...أساعدك لتتعرَّ ؾ على نفسك وترى وجهك األصٌل وك ّل
إنسان نسخة أصلٌّة فً أجمل وأحسن تقوٌم ،أي صورة أصلٌة من هللا
وفرٌدة من نوعها ولكن الٌوم أصبحنا نسخة آلٌة ومن الشبه مٌّة بالمٌة
ألننً لست ملتزمة أو مهتمة بك كن ْفس أو ذات أو روح ،بل أتبع مذهب
فكري الثابت والمحدود بالمثالٌات اإلجتماعٌة وأؼٌِّر الشخص اآلخر حسب
المستوى الذي أعرفه..
اإلنسان الحقٌقً لٌس هو المه ّم ،األهم هو هذا القناع الذي ٌرضً المجتمع
وهذا التؽٌٌر هو تصرُّ ؾ عنٌؾ وعدوانً لخدمة الفكر المادي ...هذه
المساعدة مجرَّ دة من المحبة ومن الرحمة ...الرحمة تقبل اآلخر كما هو
تعترؾ بؤيّ مذهب مثالً ،الرحمة هً مجرد مناخ ِ بك ّل إحترام وتقدٌر وال
من الطاقة ولك ك ّل المساحة الواسعة لت ّتجه أيّ إتجاه تراه مناسبا ً لك...
على البذرة أن تنمو وتزهِر حسب طاقتها وحاجتها الطبٌعٌة دون أيّ
فرض أو توجُّ ه...
نعم! علٌنا أن نساعد اآلخرٌن حسب حاجاتهم ورؼبتهم ..عالم الٌوم عالم
زندقة وكفر وإلحاد ألنّ المب ِّشرٌن همّهم الوحٌد هو تؽٌٌر اإلنسان من
مُرت ّد إلى مُرٌد ...إلى من ٌرٌد أن ٌخدم مصالحهم الشخصٌة ..اإلنسان أهم
من الفكرة مهما كانت مثالٌة ...إنّ اإلنسانٌة الكاملة الشاملة لٌست أهم من
أيّ إنسان ...اإلنسانٌة مجرد فكرة واإلنسان هو كابن حقٌقً...
إنسى اإلنسانٌة وتذ َّكر اإلنسان ...إن َسى الوطن وتذ َّكر المواطن...
َ
هذا هو األصلً والحقٌقً والملموس والمحسوس والذي ٌنبض بالحٌاة...
من السهل جداً أن نضحً باإلنسان من أجل اإلنسانٌة ،من أجل اإلسبلم
والمسٌحٌة والهندوسٌة والٌهودٌة وإلى أي دٌّة ...إنّ العمل الهٌِّن واإلهانة
واإلدانة هو على نفس المستوى من السهولة لخدمة السٌولة ..نضحّ ً
باإلنسان لخدمة فكرة من المسٌح أو من النبً...
78
من أنا ومن أنت لنضحّ ً بالبشر أو بؤيّ شخص؟ من أنت أٌها الحاكم
لتصدِر قرار بالدمار؟ ك ّل إنسان فرٌد وممٌز وهو الهدؾ لحٌاته ،ال
تستخدم اإلنسان وسٌلة فً سبٌل السٌولة!! عندما سمع إبراهٌم النداء
بتضحٌة إبنه ذ َّكره هللا بؤنّ هذه الفكرة من فكرك ٌا إبراهٌمُ ...خذ هذه
النعجة واذبحها بدالً من اإلنسان...
عندما قال السٌِّد المسٌح بؤنّ السبت فً خدمة اإلنسان ولٌس العكس هذا هو
معنى التضحٌة والخدمة ...ك ّل مخلوقات األرض فً خدمة خلٌفة هللا ونحن
نفعل العكس تماما ً ..اإلنسان عبد اآللة ..عبد المال ..عبد التراب وعبد
السلطة والشرٌعة والكتاب...
اإلنسان هو أهم شؤن إلهً وله ك ّل التقدٌر واإلحترام ولكن أٌن هو هذا
اإلنسان؟
ُعرؾ ألنه إنّ فكرة هللا هً لخدمة اإلنسان ..هللا ٌف ِّكر لنا وألجلنا وخلَقنا لٌ َ
بدون اإلنسان كان كنزا ًمخفٌا ً ,فهل ٌجوز لنا بؤن نقتل وأن نضحّ ً بخلٌفة
هللا؟ علٌنا أن نضحً بك ّل شًء من أجل المخلوق كما تفعل األم مع ولدها,
وهذه هً المساعدة الحقٌقٌة النابعة من قلب المحِب إلى لبّ المحبوب ...أن
نضحِّ ً باإلنسان هً جرٌمة ولٌست مساعدة ..إننا ندمِّر ونشِ ّل ونفسِ ُد
خدمة لئلنسانٌة وهذا هو ً األرض والماء والسماء وك ّل من فٌها ومن علٌها
الجهل بعٌنه ..هذا هو الكفر واإلجرام ..هذا ما ٌنشره العلماء من نشرة
األخبار إلى نشرة األحبار ...وكما ٌقول األمام علً " :علماإهم ش ّر علماء
منهم تخرج الفتنة وإلٌهم تعود" ..هذا ما نفعله الٌوم منذ آدم حتى الساعة
وأٌن هً المساعدة ...علًَّ أن أساعد نفسً .هذا هو السعً إلى المحبّة
دون أيّ شرط أو قٌد..
ال قٌود وال بنود وال أيّ حدود بل المحبة الرحٌمة التً تنبع من الن ْفس ال
من نصوص األفكار بل من قلوب األخٌار واألحرار...
قدره وأنت فً قد َِرك ..هذه شارك بنفسك ولكن ساعد اآلخر أن ٌسٌر فً ِ
هً قُدرة القادر فً ك ّل مختار ال ٌحتار بل ٌدرك نعمة اإلختٌار ...القدَر
مجهول ومسٌَّر بالقدرة اإللهٌة ولكن علٌنا بالتع ُّقل وبالتو ُّكل ..إستخدم عقلك
ك ،أنت وهً لك وحدك دون سواك ..ال قلب َ
لتنمٌة البذرة التً تحملها فً ِ
ستسحق البذرة ولن تنمو َ مخطط أو أيّ نموذج أو مثال وإالّ َّ تق ِّدم أي
بسموِّ ها اإللهً بل بالفرٌضة الفكرٌة التً فُرضت علٌها من فكر اإلنسان
المادي..
تذ َّكر بؤنّ كل إنسان ممٌَّز وفرٌد من نوعه وله موهبته الفرٌدة ألنّ الوجود
ال ٌكرِّ ر وال ٌُعٌد ...إنّ الخالق هو المبدع فً خلقه ,وفً ك ّل لحظة ٌخلِق
79
من ال ّشبه أربعٌن ،وهذا هو سرّ خلق أرحم الراحمٌِن فً جمٌع مخلوقاته..
إذا كنت تحاول أن تصنع من ولدِك مسٌحا ً آخر هذا تدمٌر فً الخلق ألنّ
المسٌح ال ٌتكرَّ ر ,والعالم لٌس بحاجة إلى مسٌح آخر ،إنه ع ّدة ولٌس عدد,
والكثرة مملة ومزعجة ...على ك ّل إنسان أن ٌكون الكابن الذي خلقه هللا
ولٌس من صنع المخلوق ,وكلّنا ممسوحٌن بروح هللا وأنا ال أعلم إالّ ما فً
نفس ذابقة الموت والحٌاة الخاصة بها ..علًَّ أن أتعرَّ ؾ على نفسً ,وك ُّل ٍ
وتعطر عطرها الكونًِّ األمانة التً أحملها وأن أرعاها لتنمو وتزهِر
المطلَق باإلمكانٌة الكونٌة أي بالقوة اإللهٌة السرمدٌة ...هذه حقٌقة ك ّل
إنسان وعلٌه أن ٌتعرَّ ؾ على حقٌقة وجوده وٌ ّتبع طرٌق قلبه ...نعم علٌنا
أن نشارك بالمحبة وبالطاقة وبجمٌع ال ِّنعم التً أنعم بها هللا على جمٌع
خلقه ,ولكن أن نقبل أنفسنا كما نحن وكذلك اآلخرٌن دون أيّ ذنب أو عتب
أو أيّ تؽٌٌر ...الشعور بالذنب س ّم للقلب.
عندما ٌقول أيّ إنسان " ُكن كالمسٌح " ،هذا رفض واضح ؼٌر مقبول ,أي
لم ٌقبلك كما أنت إالّ إذا تؽٌَّرت حسب رأٌه هو ..أنت متط ِّفل علٌه إالّ إذا
تب َّدلت ...أي البدٌل أفضل من األصٌل ..ما هو هذا النوع من الحب؟ علٌك
أن تكون مزٌَّؾ و ؼٌر شرعً حتى أحبّك...
ال تستطٌع أن تكون إالّ نفسكُ ..كن أصٌبلً وإالّ ستكون شخصٌة مق َّنعة
بؤقنِعة مص َّنعة من األفكار المزٌفة ..أٌن هو جوهرك أٌها اإلنسان؟ تستطٌع
أن تزٌِّؾ شخصٌتك بؤدوار كثٌرة وتحمل األوسمة والمٌدالٌات والشهادات
واأللقاب ,ولكن كلّها ال تدخل إلى القلب ولٌس لها أيّ عبلقة أو صلة
بنفسك بل زٌنة خارجٌة ..وجه مستعار ولٌس وجهك األصلً ..فإذاً إنّ
الذي ٌحاول أن ٌجعل منك شخصا ً آخر حٌث ٌقول لك "أحبّك إذا كنت
مسٌحا ً أو حكٌما ً أو عالِما ً" ،هو ال ٌحبّك ,حتى لو كان ٌحب المسٌح لكنه
ٌكرهك .حتى حبُّه للمسٌح سطحً ومزٌَّؾ ألنه لو كان صادقا ً بحبه ألحبَّ
كل فرد وتقبَّل فردٌته الممٌزة كما هً ...المحبّة هً الفهم العمٌق.
إذا أح َببت أيّ إنسان هذا الشعور ٌحرِّ ك فٌك رإٌة جدٌدة فً نفسك وأصبح
بصرك حدٌد وجدٌد ..هذا الوضوح بالبصر ٌنمًِّ فٌك البصٌرة حٌث ترى
وجودك فً ك ّل وج ٍه تراه ،وحقٌقة وجوده هو أٌضاً ،وحقٌقة إمكانٌاته فً
هذه اللحظة وفً هذا المكان ..هنا واآلن وجود شرعٌّة كل إنسان ..ومن
هذا المنطلق نساعد بعضنا البعض ،نكون من نحن دون أيّ تو ُّقع أو أمل أو
رجاء وال أيّ مكافؤة أو نتٌجة بل أحبّك هلل فقط..
عندما ٌنساب الحبّ دون أيّ ؼاٌة أو أيّ رؼبة عندب ٍذ تفٌض الطاقة الهابلة
بالهالة اإللهٌة وتشِ عّ نورها فً العالم أجمع ..هذا هو حبّ المسٌح إلخوته..
80
وبعزة الن ْفس وبؤهمٌة وجودي فً َّ ٌحبُّنً كما أنا لذلك أشعر بالكرامة
الوجود ،وما هذا الوجود إالّ منزلً الدابم القرٌب من قلبً ,ألنّ المسافة
بٌنً وبٌن نفسً هً المسافة بٌنً وبٌن بٌتً ..الوجود ونفسً عملة واحدة
ذات وجهٌن ..لذلك عندما تقول لً أحبّك إذا كنت مسٌحا ً أو عربٌا ً أو فنانا ً
أو ؼنٌا ً كؤنك تبعِدنً عن نفسً وبٌتً ,وسؤلبس األقنعة وأتزٌَّن
بالشخصٌات المص َّنعة وألعب أدوار األفكار اآللٌة وأبتعد عن ذاتً وروحً
الوعً؟ بل أحٌا الؽش والخداع وأكون تلك وجوهري اإللهً ,وأٌن َ
الظاهرة المستعارة الؽشاشة ال األصلٌّة واألصٌلة....
عندما أساعد علًَّ أن أخترع أو أبدع مناخ من الحرٌة و المحبة ألق َبل
مخطط ...إنّ أصعب مساعدة َّ ؼٌري كما أقبل نفسً دون أيّ شرط أو أي
فً الحٌاة هً مساعدة اآلخر بؤن ٌكون كما هو ألنّ هذه الخطوة هً ض ّد
األنانٌة ..الؽرور ٌحِب التقلٌد والتقٌٌد ...أحب أن ٌقلِّدنً الجمٌع ألشعر
باإلستكبار وألكون النموذج الكامل واألصلً حتى ٌتبعنً الشعب والعالم,
وهكذا أنمو باألنانٌة وحب الذات والمدح والتبجُّ ح وأنا النسخة األصلٌة
والمركز األساسً والجمٌع هم أتباعً وجمهوري ،أنا الحق وهُم الباطل
الضا ّل...
قلِّدوا القابد المقٌَّد بالتقالٌد وبالرُّ تب الرتٌبة وبالقبلبد التقلٌدٌة وهذا هو
البطل الذي ٌزرع الفقر والبطالة وٌحصد العهر والبطولة ..هذا ما فعله
هتلر وأمثاله وال زلنا نحٌا ذ ّل اإلستكبار والؽرور بإسم المساعدة والرحمة
واإلنسانٌة وإلى ما هنالك من شعارات وشعور مبنٌة على الؽش وعلى
الجهل ...الصحوة أٌها اإلنسانٌ ..ا خلٌفة هللا الممٌز ..تذ َّكر مٌزة الخلفاء
واألنبٌاء واألولٌاء ...وأٌن نحن من هذه النعمة وهذه األمانة؟؟
لٌتبعها ولكن من أنت لتؽٌِّر اآلخر؟ ال تتحمل َ األنانٌة تحِب أن تؽٌِّر اآلخر
هذه المسإولٌة ،إنها مخاطرة خطِ رة ،هكذا ولِد ستالٌن ونٌرون وبوش
وشارون وؼٌرهم من حكام العالم ..أخذوا على عاتقهم تؽٌٌر اآلخرٌن وفقا ً
لمصالحهم الشخصٌة ...ممكن أن ترى الفرق بٌن ؼرور هتلر وؼاندي,
ولكن الفرق سطحً إنما الهدؾ واحد ..تؽٌٌر العالم لٌنسجم مع مصالحهم
وؼاٌاتهم الخاصة ...الوسابل اختلفت ...األول استخدم العنؾ والثانً
البلّعنؾ ولكن الهدؾ واحد .األول استخدم السبلح والثانً استعان بالصٌام
وبالتهدٌد السلمً أو باإلنتحار فً سبٌل التحرٌر ...الوسٌلة هً القوّ ة
والسٌاسة ..ال هتلر ٌحبّنا وال ؼاندي أٌضاً ،كان ٌتكلَّم عن الحب والسبلم
ولكن كان مجرد كبلم بكبلم ،كلّه مثالٌات وأوهام وعندما اندلعت الحرب
بارك أول طٌارة ق َذفت ودمَّرت المسلمٌن... بٌن الهند والباكستان َ
81
أٌن هو السالم وأٌن هو التوحٌد ؟؟
ٌوجد طرٌقة واحدة للحب أال وهً أن نحِب الناس كما هُم ..وهذا هو
الجمال .عندما نحبّهم كما هم ٌتؽٌرون وفقا ً ألفكارهم ونواٌاهم ال لؽاٌاتنا
نحن ,بل حسب حقٌقتهم وواقعهم .هذا هو التحوٌل ال الهداٌة إلى األفضل
أو من اإللحاد إلى اإلٌمان أو المرت ّد ...بل ٌتؽٌَّر حسب رؼبته وؼٌرته
وهذه هً الوالدة الجدٌدة فً كٌنونة جدٌدة فً طبٌعتهم ..ساعِ دوا الناس
لٌكونوا طبٌعٌٌن وأحرار ,وأن ٌكونوا أنفسهم وأن ال نفرض علٌهم ال
ترهٌب وال ترؼٌب بل الحقٌقة دون أيّ تبلعب وتناور ،هذه وسابل
اإلستكبار والؽرور التً ٌستخدمها أهل السٌاسة وأهل الدٌن وعلى رأسهم
أهل الدوالر ...ك ّل إنسان ٌتمٌز بطبٌعة ممٌزة وفرٌدة من حٌث اإلحساس
لذلك علٌنا أن نحِب أنفسنا أوالً ,وعندما أحب نفسً بوسعً أن أحب جاري
ألنّ من أحبَّ نفسه عرفها ومن عرفها رآها فً ك ّل ن ْفس وفً ك ّل ما رأى..
فإذاً أحبّك ألنك أنت أنا ونحن ..أحبّك دون أيّ ؼاٌة أو أي تو ُّقع ..كما قال
االمام علً:
"الهً ما عبدتك خوفا ً من نارك و ال طمعا ً بج ّنتك ,بل وجدتك أهبلً للعبادة
فعبدتك".
ٌا هللا ..أحبّك ال خوف ًا من جهنم وال طمع ًا بالجنة ..إذا كان حبً لك خوف ًا
من جهنم فاحرقنً بنارها وإذا كان حبًّ لك طمع ًا بالجنة فاحرمنً منها،
بل للحب أٌها الحبٌب المحِب.. بل لذلك ..أه ً
أحبّك ألنك أه ً
ُّ
والتدخل فً حٌاته؟ أٌن هً الحدود بٌن اإلهتمام بالشخص اآلخر
عندما تدخل العقابد والمذاهب ٌصبح اإلهتمام ُّ
تدخل وع َقبة فً حٌاة
اآلخر ..تنقلب المحبة إلى ؼضب والؽضب إلى بُؽض وحقد وتحوَّ لت
الحماٌة إلى حبس وهذا الفرق سببه العقابد المع ّقدة بالقٌود والبنود...
ت بطفلك ألنه بدون عناٌتك ال ت أ ّما ً واهتمّم ِ
على سبٌل المثال ...إذا كن ِ
ت وجو ٌد مه ّم بالنسبة لحٌاته .إنه بحاجة إلى ؼذاء ومحبة ورعاٌة ٌعٌش ,فؤن ِ
ولكنه لٌس بحاجة إلى عقٌدتك ولٌس بحاجة إلى م َثلُكِ األعلى وإلى مذهبك،
ال إلى مسٌحٌتك وال إسبلمك وال أيّ معت َقد أو أيّ دٌن تفرضٌنه علٌه ,وال
كتابك المق ّدس أو المفضل وال رأٌك بحٌاته...
تجنبً هذه األفكار والمعتقدات واألهداؾ ،والرعاٌة مهمّة من ناحٌة
األمومة ال ؼٌر ...هذه هً العناٌة البرٌبة الطاهرة وإال ستكون ْ
مكر
ودهاء ...العقابد هً التً تع ِّقد حٌاته وٌهرب منك إلى المذاهب وإلى
82
السٌاسة واألحزاب أو إلى المهن الحرّ ة أو األلقاب التً تخدم الجٌوب
والذنوب كالطبٌب والمهندس أو رجل األعمال أو رجل الدٌن أو العالِم
وإلى ما هنالك من مناصب للتنصٌب وللتعذٌب ..ك ّل ما على األم أن تقول
لك م ّنً كل اإلحترام والتقدٌر لولدها" ...أحبّك ولك الخٌار عندما تختارَ ...
والبركة أليّ خٌار تختاره فً حٌاتك ...هذه حرٌ َتك أنت وأنا َ والموافقة
ّك إذاسؤبقى فخورة بك مدى الحٌاة ...الحب ال ٌطلب أيّ شرط ،أحب َ
وأحبك إذا كنت نجاراً أو متسوِّ الً أو مجرما ً...
َ أصبحت ربٌسا ً للببلد
أستقبلَك كما أنت ال بالمٌدالٌة الذهبٌة وال للهدٌة وال خوفا ً من الفشل وال
ح ّبا ً بالنجاح وال أخجل فٌك وال أفتخر بك وبؤخبلقك الفاضلة والمستقٌمة
وقلبك العفٌؾ الطاهر ..حبًّ لك ال ٌنتظر أيّ سبب أو عُذر وسؤبقى
م ّتصلة بك وأحبك"...
أيّ فكرة تدخل فً عبلقة األهل مع األوالد ,دخل الس ّم فً حٌاتهم.
هذه عناٌة مسمومة ومشروطة وكل حبّنا هو دهاء ,لهذا نرى التعاسة
والشقاء حول العالم ...هذه هً جهنم ..عندنا اإلهتمام ولكنه مسموم
باألوهام ..األم تهت ّم وكذلك األب واألخت واألخ والزوج والزوجة
واألقرباء و األنسباء والسٌاسة والدٌن وال زلنا فً أسفل السافلٌن ...هنالك
شًء ؼلط ...الؽلط فً األساس...
أٌن هو الخطؤ؟ لماذا تقع األخطاء؟
العناٌة مشروطة ...إفعل كذا وال تفعل كذاُ ..كن كذا وال ت ُكن كذا ...هل
أح َببت أيّ إنسان دون أيّ شروط؟ هل أح َببت أيّ صدٌق كما هو أو كما
هً؟
أحبّك كما أنت دون أيّ تحسٌن أو تؽٌٌر وهذا هو الرِّ ضى والموافقة فً
القبول الكامل والتام ,عندب ٍذ نشعر ونعلَم معنى الرعاٌة واإلهتمام وهذه
العناٌة ترضً القلوب وتساعد الطرفٌن وتنعِش العبلقة مع الذات ومع
اآلخر...
ولنتذ َّكر ،إذا لم ٌهدؾ اإلهتمام إلى أيّ تجارة أو طمع أو حب الجاه
كفاإلنسان الذي اهت َممت به سٌكون حبّه وف ٌّا ً لؤلبد ،ولكن إذا كان حبً ل َ
مقٌَّداً بؽاٌات وأهداؾ فسوؾ لن تنسى هذا الجرح ولن تسامِح أمّك أو أباك
أو أ ٌّا ً كان استخدمك وسٌلة لؽاٌته..
لهذا السبب األوالد عاجزٌن عن مسامحة أهلهم ...إسؤل أطباء الن ْفس
وعلماء الن ْفس والسبب فً معاملة األهل لؤلوالد ..جمٌع الحاالت سببها فً
الجذور ألنّ األوالد كانوا سلعة تجارٌة فً نواٌا األهل وفرضوا علٌهم
83
أحبلمهم وأفكارهم وكانت الرعاٌة باردة وعملٌة حسابٌة لتحقٌق آمال
األهل وطموحاتهم ...من هو الضحٌّة؟
كلّنا ضح ٌّة الضحٌة ...كلنا ضحٌة الجهل ..عفى هللا عّما مضى ولنمضً
معا ً َبومضة من نور سماوي لنسمو معا ً فً رحلة الحب الصافً ..الحب
هدٌة حرّ ة إلى ك ّل إنسان..
اللحظة التً تدفع ثمن الحب تسمِّم الحب وأصبح تجارة ماكرة...
قدٌما ً كان الشاعر بالحب ٌق ِّدم لها شِ عراً والٌوم ٌقدم لها سِ عراً ...ال ِّشعر
تحوَّ ل إلى سِ عر ...كان القلب مشعور بالحب ،الٌوم أصبح القلب كلب
مسعور بالسِّعر ...أٌن أنت
أٌها الحب؟؟
84
فعل الرحمة
من الذي قال بؤنّ الرحمة ال ترحم األنانٌة؟
نعترؾ بها ِ ك ّل "أنا" أنانٌة وك ّل إنسان صادق فً أنانٌّته ،واألنا نٌّة حق
ونعٌشها ..ال أحد ٌستطٌع أن ٌكون ؼٌر أنانً إالّ المنافق...
إنّ كلمة "أنانً" مُدانة من جمٌع الدٌانات ..الحمد هلل اتفقوا على هذه
الجمعٌة المشتركة لٌطالبوا بحق "األنا" والشرط ٌقول" ...على اإلنسان أن
ٌتخلّى عن أنانٌته لٌخدم اآلخرٌن"...
تذ َّكرت قصة من ولد صؽٌر ٌتحدث مع أمِّه حٌث قالت له" :تذ َّكر دابما ً
بمساعدة الؽٌر"،
وسؤلها الولد "وبعد ذلك ماذا ٌفعل الؽٌر أو اآلخر الذي ساعدته؟" ...طبعا ً
كان جوابها "وهو أٌضا ٌساعد اآلخرٌن" ،فر ّد علٌها قاببلً" :لماذا هذا
البرنامج الفجّ؟ ..لماذا ال نقول ساعِ د نفسك بدالً من التبدٌل والنقل وتعقٌد
األمور؟"..
األنانٌة شعور طبٌعً والمشاركة تؤتً من محبة الذات وعندما تكون فً
فٌض من الفرح تستطٌع أن تشارك ...واآلن األعمى ٌساعد العمٌان
والتعٌس ٌساعد ال ُّتعساء والفقٌر ٌساعد الفقراء و َمن ٌخدم َمن ولماذا؟...
هل ٌقدِر األعمى أن ٌقود أعمى؟ إنها فكرة خطرة التً عمَّت وانتصرت
واستمرَّ ت وال تزال منذ أجٌال وأجٌال...
أحِب قرٌبك كنفسك ...هل أحِب نفسً؟ كٌؾ أستطٌع أن أحبّك إن لم
أَحِب؟...
ومن فاقد الشًء ال ٌعطٌه ...نفسً ثم نفسً ثم نفسً ٌقول الحبٌب...
أحب العالم...
أحب نفسه َ
عرؾ ربه ومن َ
عرؾ نفسه َ
َ
لماذا نخاؾ من محبة األنا والن ْفس والذات؟؟ لماذا الخوؾ من الحب؟؟
قالت المعلِّمة لؤلوالد" :على األقل مرّ ة فً األسبوع علٌكم بخدمة
اآلخرٌن ..أي بعمل صالح ٌحبّه هللا" ،وسؤلها أحدهم قاببلً "أرجوكً أعطِ نا
بعض األمثال أو أيّ نموذج عن العمل الصالح" .ال نعرؾ ما هو الجٌد...
قالت" :مثبلً ،إمرأة ضرٌرة بحاجة أن تعبر الطرٌق ،ساعِ دها ..هذا عمل
خٌر وشرٌؾ وعفٌؾ" ...شكروها وانصرفوا إلى العمل الصالح!!
وبعد عدة أٌام سؤلتهم المعلِّمة من منكم تذ ّكر واجب الخدمة المق ّدسة وقام
بها؟ وثبلثة من التبلمٌذ رفعوا أٌدٌهم بالجواب ...وقالت" :هذه عبلمة
قلت ه لكم؟ ولكن على مهٌنة ..لماذا لم تخدموا الناس؟ لماذا لم تسمعوا ما ُ
85
ُ
فعلت األقل ثبلثة منكم قاموا بالخدمة" ...وسؤلت األول :ماذا فعلت" ...لقد
ما أمرْ تً به أٌّتها المعلِّمة ..إمرأة عجوز ضرٌرة ساعدتها لتعبُر
الطرٌق"...
"شكراً ..هللا ٌحمٌك ،"..وأنت ماذا فعلت؟ ورفع الولد الثانً ٌده قاببلً" :إنا
خدمت إمرأة ضرٌرة وساعدتها لتعبر الطرٌق" ...واحتارت المعلِّمة من ُ
أٌن وجد إمرأة أخرى ضرٌرة وساعدها نفس المساعدة ،ولكنها ف َّكرت
بقلبها ...المدٌنة كبٌرة وٌوجد فٌها الكثٌر من تلك النساء ...وسؤلت التلمٌذ
ُ
ساعدت فعلت تماما ً كما هُم فعلوا،
ُ الثالث وأنت أٌضا ً ماذا فعلت؟" ...لقد
إمرأة ضرٌرة لتعبر الطرٌق" ..ولكن أٌن وجد ُتم هذه النساء؟ وكان
الجواب" :لم تفهمً القصة أٌتها المعلِّمة ...لم نجد ثبلثة نساء بل إمرأة
واحدة ضرٌرة عاجزة مسِ َّنة ،وكانت المساعدة صعبة ألنها رفضت أن
وصرخت وحاولَت أن تضربنا ولكن نحن صمَّمنا وقرَّ رنا أن َ تعبر الطرٌق
ت ..وتجمَّع الناس من حولنا وحاولوا نقوم بعمل شرٌؾ وفضٌل كما أمر ِ
طلبك على الرأس والعٌن ،و بالرؼم من رفضها ألنها أن ٌمنعونا ولكن ِ
كانت تصرخ وتنادي بؤنها ال ترٌد أن تعبر إلى الطرؾ الثانً من الطرٌق,
ألمرك وللعمل الشرٌؾ حاولنا ونجحنا والحمد هلل انتصرنا ِ ولكن إحترامنا
فً النهاٌة"...
لقد قٌل لً بؤنّ مساعدة الؽٌر فضٌلة ولكن ماذا أملُك من هذه الفضٌلة؟ قٌل
لً بؤنّ محبّة الجار والعدوّ فضٌلة ولكن لم ٌُقال لً عن محبة الن ْفس...
المسٌح ٌقول أحِب قرٌبك كنفسك!! وجمٌع الدٌانات بطرٌقة مباشرة أو ؼٌر
مباشرة تفرض علٌنا الحقد واإلكراه للذات وللن ْفس..
ٌكره نفسه ال ٌستطٌع أن ٌحِب ما هو سبب هذه المراوؼة؟ اإلنسان الذي َ
ؼٌرهٌ ...ستطٌع اإل ّدعاء أو التظاهر بالحب ...ما هً هذه الدٌانات التً
تعلِّم وتفرض علٌنا هذه الشرابع؟ هل هً من صنع اإلنسان؟ أيّ إنسان؟
جمٌع األنبٌاء علّمونا المحبة والرحمة ،بدأً من نفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم
أخً ...إنّ هللا محبة وقلبً عرش هللا ولماذا حرَّ موا علًّ محبة هللا الذي فً
قلبً وفرضوا علٌنا محبة هللا الذي فً السماء؟؟ لماذا هذا اللؾّ والدوران؟
الصحوة أٌها االنسان ,و االن االن الى الصحوة!!
أساس الدٌن محبة الن ْفس بكل قوّ ة وتقوى حتى تنبع هذه النعمة من القلوب
وتشارك أولً األلباب ...المشاركة هً ض ّد المنفعة أي إٌثار منفعة الؽٌر
وهذا ما نقوم به منذ مبلٌٌن األجٌال حتى وصلنا إلى أسفل السافلٌن فً
مستوى الجهل...
86
إننً وبشكل قاطع وبالتؤكٌد ض ّد أيّ منفعة ،بل أننً مع المشاركة ولكن
علًَّ أن أملُك الثروة التً أشارك بها فعبلً ال قوالً ...فٌضا ً ال فرضا ً .عندب ٍذ
أشعر بالحب ال بالواجب أو باإللتزام وأشكر المستلِم ألنه هو سبب فرحً
ولوال وجوده ولطفه وكرمه لما تقبَّل عطابً ,فإذاً هو اللطٌؾ والكرٌم
والمُفضل ...عندما نقول الفضلة للفضٌل أي إلى هذا القلب الحبٌب الذي
ٌقبل هدٌتً هذه التً لٌست من قٌمته ولكن فضلَه الذي ٌرفع من قٌمة أيّ
قٌمة ،وهذا هو الرجل واإلنسان القوّ ام الذي ٌُقٌم ك ّل مقام باتجاه الصراط
نفسك وكلّنا منالمستقٌم ...ولكن إن لم أحِب نفسً كٌؾ أستطٌع أن أحِب َ
عرؾ نفس واحدة وذات واحدة وروح واحدة ...المحبة تبدأ من الن ْفس ومن َ ٍ
عرؾ ربّه...نفسه َ
إنّ إصراري وإلحاحً الكامل والشامل لئلنسان هو محبة الن ْفس لٌكون
المفعمة بالحٌوٌة ٌشارك
َ سعٌداً وراضٌا ً وقانعا ً وصامتاً ،ومن هذه الحالة
الحٌاة وٌُمطر من عطاء هللا إلى جمٌع مخلوقات هللا دون أيّ تفرقة أو دون
أيّ حساب ,ولكن إذا عطش اآلخرٌن جُ مِّد ,وعطش األرض خمِّد فهذا
سبب ثانوي ،وإذا امتؤل ك ّل فرد بالفرح والنور والسكٌنة سٌشارك بهذا
الفٌض اإللهً وٌزٌد من نِعم هللا ,وفرح العطاء أكثر فرحا ً من أخذه...
ولكن بتؽٌٌر البنٌة أي بمحبّة الن ْفس ال بمحبة الؽٌر لمنفعة الؽٌر ...لماذا
نطلب السعادة من التعٌس والبصر من األعمى؟
87
إنّ الحٌاة رقصة فرح وهذه نعمة ك ّل إنسان ...حٌاتنا عبادة ولكن بسبب
نشارك
ِ أصبحت إبادة ومع الوقت تحوَّ لت اإلبادة إلى عادة وهذا ما
َ الجهل
به و ُنشرك به...
علٌنا أن نعود إلى الفطرة اإللهٌة ونبدأ بمحبة األنا النفسٌة ونحِب من نحن,
أحبّ نفسه شارك بها العالم وبالمشاركة تسمو ْ
النفس من األنانٌة إلى و َمن َ
النٌّة ,وإنما األعمال بالنٌّات...
88
الفرق بٌن المحامً وال ُمحِب
سنتذ َّكر معا ً قصة من حٌاة السٌِّد المسٌح فً إنجٌل متى حٌث قال:
أتى رجل وهو مِن علماء الشرٌعة لٌُحرج المسٌح وسؤلهٌ" :ا معلِّم ما هً
ب ّل قلبكأعظم وصٌّة فً الشرٌعة؟" ...فؤجابه ٌسوع" :أحِب الربّ إلهك ك
وبك ّل نفسك وبك ّل عقلك .هذه هً الوصٌّة األولى والعظمى .والوصٌة
الثانٌة مثلها ..أحِب قرٌبك مثلما تحِب نفسك .على هاتٌن الوصٌَّتٌن تقوم
الشرٌعة كلّها وتعالٌم األنبٌاء"...
وفً البدء كانت الكلمة والكلمة هً هللا وماذا كان قبل الكلمة وقبل البدء؟
ورحم
َ ورحم األم
َ رحم هللا
الصمت؟ السكٌنة؟ ..الرحمة الرحٌمة فً َ
األرض؟؟ الرحمة هً اللؽة ..وفً لؽة العالم كلمتان ..القانون والحب ..
الحق والعشق ...الشرٌعة والطرٌقة...
هذا هو مٌزان الدنٌا والدٌن فً قلب اإلنسان ..هذه هً قوّ ة الجذب بٌن
األقطاب والتناقض ...الفكر القانونً ال ٌحِب والفكر المحِب ال ٌستطٌع أن
ٌكون قانونً ..إنّ الوضع الشرعً هو موقؾ إلحاد و ُكفر كالسٌاسة
والحٌاة اإلجتماعٌة ،وتصرُّ ؾ الحب هو ؼٌر سٌاسً وؼٌر إجتماعً هو
شخصً وفردي ودٌنً...
موسى وماركس وماو من أفضل حكماء الشرٌعة والقانون ،وضعوا
القانون العالمً...
المسٌح ومحمّد وبودا من أهل المحبّة والرحمة ال من أهل الوصاٌا
الشرعٌة للعالم ,ألنّ الرإٌة القلبٌة تختلؾ عن الرإٌة الفكرٌة ...فإذاً أهل
العقل ؼٌر أهل التو ُّكل ...أٌن هو الجسر الذي ٌربط هذا الممرّ ؟؟ أٌن هو
حبل العقل والتو ُّكل؟
هل ٌستطٌع رجل العدل أن ٌكون مح ّبا ً ورحٌماً؟ كٌؾ حكم سٌِّدنا ُع َمر؟
َ
فنمت ٌا عمر؟؟ َ
فؤمنت َ
فعدلت َ
حكمت
سمعت قصة عن أحد الملوك وكان حاكما ً بالعقل ..أ َتت إمرأة تشتكً من ُ
زوجها قابلة..
"ٌا جبللة الملِك ..زوجً ٌعاملنً بقساوة ..فر َّد علٌها قاببلً" :هذا لٌس من
إختصاصً ومن عملً ومن مسإولٌتً" ،لكن المرأة استمرَّ ت وقالت :
"وأٌضا ً ٌا صاحب الجبللة هو سًء جداً بح ِّقك" ..فجاوبها الملك" :هذا
لٌس من شؤنِك"..
89
هذا هو الفكر القانونًٌ ...ف ِّكر دابما ً بالحقوق والعدل ولكن بدون رحمة..
والعدل بدون رحمة لٌس عدالً والرحمة بدون عدل هً رحمة فوق
العدل ...الرحمة بح ّد ذاتها هً العدل الرحٌم ألنها ال تت َبع العدل .العدل هو
ظ ّل الرحمة .ظلَّك ٌتبعك ولٌس العكس ألنّ الظ ّل ال ٌقود وال ٌرشِ د وال
ٌحٌا بل ٌت َبع سٌِّده ،وهذه مجادلة ونزاع فً تارٌخ اإلنسانٌة ...هل هللا محبة
أم قانون ...هل هللا رحمة أو عدل؟
الفكر القانونً ٌقول بؤنّ هللا قانون وعدل ولكن الفكر العقلً ال ٌعرؾ هللا
ألنّ هللا محبّة والفكر ال ٌستطٌع أن ٌصل إلى هذا البُعد اإللهً ..الفكر
الشرعً دابما ً ٌرمً المسإولٌة على الشخص اآلخر أو على المجتمع أو
التارٌخ أو البٌبة اإلجتماعٌة ..اإلتهام دابما ً ٌوجَّ ه إلى الطرؾ الثانً،
العابلة ،المجتمع ،التارٌخ ،السٌاسة ،بٌنما المحبة تتحمَّل المسإولٌة ...أنا
ت ...أو هو...المسإولة ولٌس أن ِ
درك معنى المسإولٌة ُتز ِه ُر نفسً و َتنمو .القانون هو عُذر ودهاء ُ
عندما أ ِ
للجرح. فكري لحماٌة نفسً والدفاع عنها ..المحبة معرّ ضة للهجوم وقابلة َ
القانون تدبٌر وتنسٌق دفاعً .عندما تحِب شخصا ً ما ال تعتمد على
القانون ..المحبة أقوى من القانون ،عندما تحِب ٌختفً الفقه والشرٌعة ألنّ
المحبة هً أ ّم القانون وهً مكتفٌة ومتكاملة بنفسها ,وعندما ٌحفظك الحب
لست بحاجة إلى أيّ صٌانة أو حماٌة ,والقلب ٌعلَم بؤنّ هللا محبة والمحبة
هً هللا وهً الحماٌة األعلى من أيّ دفاع ،والحماٌة لٌست بحاجة إلى
محامً بل إلى محِبّ من القلب وإالّ سنكون فً خدمة األنا والؽرور ,وما
هذه الصٌانة إالّ إلناء فارغ من الحٌاة ومن أيّ بهجة أو بهاء...
قرأت هذه القصة عن أوسكار واٌلد وهو من أهم ك َّتاب المسرح وكانت ُ
مسرحٌته األولى قمّة الفشل الذرٌع ،وعندما انتهت المسرحٌة سؤله
األصدقاء "كٌؾ كانت؟" ،قال":كانت فً قمة النجاح ولكن المشاهدٌن كانوا
فً فشل هابل" ...هذا هو جواب الفكر العقبلنً الذي ٌحاول دابما ً حماٌة
األنا وهذا الدفاع هو رؼوة صابون ،حجّ ة فارؼة من أيّ ح ّج ولكن القانون
ٌحمً الجهل وعندما نرى بؤنّ القانون هو الحماٌة الشرعٌة أصبحنا من
أهل الضّبلل حتى لو كانت الشرعٌة دٌنٌة ...أهل الحق معرَّ ضٌن للهجوم
و للرَّ جم ..إن لم َنمُت لن نحٌا ،هذه هً القٌامة وللجروح وللصَّلب
أي ك ّنا أموات واآلن نحٌا الحقٌقة التً ال تموت ..ك ّنا من أهل الجهل واآلن
من أهل العقل والتو ُّكل على خالق العقل ...الخابؾ من الموت سوؾ لن
ٌحٌا الحٌاة والشرٌعة والقانون والقاموس والناموس وجمٌع الوصاٌا هً
مجرّ د قمْ ع وكبت وفرٌضة للترهٌب وللعذاب ...عندما تحِب ٌختفً
90
الحظت هذه الحقٌقة؟ إنك فً حالة الحب وكلّما أح َببت كلّما
َ الخوؾ ..هل
اقتربت من الحبٌب أي من المحِب الذي فً القلب وهذا هو الباب إلى الجنة َ
حٌث ال خوؾ وال موت ...الخوؾ نتٌجة عدم الحب أو ؼٌاب وفقدان
الحب والقانون ,هو مجرد حماٌة ودفاع عن هذا الرجفان فً قلب
اإلنسان...
المجتمع المبنً على القانون هو مجتمع ٌعٌش الخوؾ الدابم ولكن إذا كان
الحب هو أساس حٌاتنا فالقانون لٌس له دور فً مجتمعنا وال المحاكم وال
الجنة وال النار ...ال َقصاص هو نتٌجة الفكر القانونً وكذلك المكافبة .ومن
هذا المبدأ أ َتت الدٌانات لتح ُكم بٌن الناس بالشرٌعة أي بالترهٌب
وبالترؼٌب ...من أٌن أ َتت فكرة العذاب؟ هذا هو مذهب السادٌّة ,أي الفكر
الذي ٌحِب العذاب ...لقد رسموا ووصفوا جهنم حسب ذوقهم ومزاجهم،
هذا تدبٌر وتنسٌق خاص بالتعذٌب والجنة إلى أتباع أهل الشرٌعة والنار
إلى أهل العصٌان والتمرُّ د واألحرار .هذا وضع قانونً تماما ً كالقانون
الجنابً ولكن العقاب أو القصاص أسلوب فاشل والبرهان واضح..
وتستب ّد بالعباد...
ِ الجرٌمة لم تتو َّقؾ بالعقاب وال تزال تنمو وتزداد
91
الرحمة دمَّرت قاعدة اإلجرام والحجر األساسً لئلجرام العالمً،
وللحروب وللفساد وللعدوان ..المسٌح ق َّدم للعالم مبادئ جدٌدة للسبلم تنبع
من قلب اإلنسان المحِب ال من الفكر المحارب ...لذلك "أتى رجل وهو من
علماء الشرٌعة لٌُحرج المسٌح بسإاله" ..أي باإلحراج سٌجُرّ المسٌح إلى
الشرٌعة القانونٌة ،إلى حوار فكري ...لقد مرّ بع ّدة تجارب فً حٌاته مع
أهل القانون وكان اإلؼراء إلسقاط المسٌح من قمة المحبة إلى وادي
العقاب ،لذلك نرى بؤنّ األسبلة أتت من الفكر المحتال والمخادع لٌثبتوا
للناس بؤنّ المسٌح هو الدجّ ال الذي ال ٌعرؾ ال العدل وال الرحمة ,وكان
محرج جداً ومؤزق كبٌر ,ألنّ الجواب سٌكون لصالح ِ السإال فً وضع
الشرٌعة ,مهما كان الجواب فالحُ كم سٌكون من الفكر القانونً ال من
الرحمة التً وسِ عت ك ّل شًء ...فماذا قال لهم المسٌح؟...
لنتذ َّكر معا ً قصة المسٌح والزانٌة ..كان جالس بالقرب من النهر وأتى حشد
من عامة الشعب ومعهم إمرأة وقالوا له أنها ارتك َبت خطٌبة عظٌمة ..ما
هو رأٌك؟ هذا إحراج بالنسبة للشرٌعة الٌهودٌة ولحُ كم المسٌح حٌث قال
أتٌت ألتمِّم مكارم األخبلق ال ألنتقد أيّ قانون و لكن إذا ؼفر لها ُ لهم ...أنا
فؤلنّ المحبة والرحمة تسامح ،ماذا سٌقول سٌِّد الشرٌعة ..أل ّنه حسب
الحرج فً الحكم ..ال ٌستطٌع أن َ الطقوس الٌهودٌة الزانٌة ُترجم وهنا
ٌنقُض الشرٌعة وال أن ٌوافق معهم ض ّد الرحمة التً ٌنادي بها وٌب ِّشر بها،
ووجد
َ واحتار المسٌح ولكن الرحمة ال تحتار بل تختار الرِّ ضى هلل ولخلقِه
الخٌار الثالث األب َعد من الحكم الفكري العقبلنً المادي حٌث الخٌار هو
بٌن أمرٌن إمّا الرَّ جم أو الؽفران ,والمسٌح ق َّدم لهم ما هو أه ّم من إرضاء
الشرٌعة الفكرٌة ...قال لهم" :من م ّنا ببل خطٌبة فلٌرجُمها بحجر"..
إستعمل عبارة جدٌدة حٌث ترك لهم الخٌار ...واحتاروا فً هذا القرار
خطؤة بالفعل وبالقول وبالنواٌا... َ ألننا كلّنا
هلوسة الخطٌبة ونشعر بها فً قلوبنا وكؤننا ارتكبنا كم من البشر نعٌش َ
الجرٌمة بالفكر ...ولما طرح هذا السإال خبلل وقت قصٌر اختفوا جمٌعا ً
من ساحة المحاكمة حتى أهل القانون وأصحاب الوجاهة ورجال الدٌن
والسلطة ...المسٌح لم ٌستخدم لؽتهم ..لم ٌقُل لهم نعم أو كبلّ بل أعطاهم
البدٌل الثالث ...وبق ٌَت المجدلٌّة وحدها فً الساحة واقتربت من المسٌح
ّ
وأستحق العقاب".. ُ
ارتكبت خطٌبة وأنا إمرأة سٌبة حٌث قالت له" :إننً
ت المسإولة عنها وهللا هو فقال لها المسٌح" :من أنا ألح ُكم علٌكِ ؟ حٌاتك أن ِ
ت بالذنب إبتعدي عن السبب!! الذي ٌحاسِ بك وإذا شعر ِ
92
كان القصد من هذا اإلمتحان هو اإلحراج للسٌِّد المسٌح ولكنه لم ٌناقِش من
الفكر..لم ٌدافع أو ٌرافع أو ٌبرهن بل طلب الرحمة للطرفٌن ..من م ّنا ببل
شجار وال وفتح باب القلب ,حتى ال َ َ خطٌبة؟ وأقف َل باب النقاش المنهجً
حوار بل فحْ ص الضمٌر وال ُؽفران لتقرٌر المصٌر لئلنسان ...
من أنا ألح ُكم علٌكم؟ من أنا ألح ُكم على نفسً؟ من أنتم لتحكموا على
الشعب؟ َمن الذي ٌدٌن َمن؟ وحده الرحمن هو الدٌّان على اإلنسان
والدٌنونة هً بٌنً وبٌن هللا والقرار ٌعود إلى المختار ..ومن هو المختار؟
من هو المسٌح؟ من هو الخلٌفة؟ من هً سٌِّدة نساء العالمٌن؟ لماذا الجنة
تحت أقدام األمهات؟ إرحموا من فً األرض ٌرحمنا من فً السماء...
ألرحم نفسً أوالً ومن نفسً تبدأ الرحمة لآلخرٌن ...أتعلَّم األدب من قلّة َ
األدب ,والص ّح من الخطؤ والرحمة من الظلم ...هذه هً مدرسة الحٌاة
ألتدخل فً حٌاة وخصوصٌات اآلخرٌن؟ إنك حسٌب َّ ألهل الحٌاة ...من أنا
ورقٌب على نفسك ال ؼٌر ..ال أستطٌع النقاش مع الفكر القانونً ألنه فكر
قدٌر وكفإ للمناقشة ،ومهما حاولت وجاهدت سؤكون فاشلة ومؽلوبة ,ولكن
المسٌح لم ٌنهزم ألنه لم ٌناقش أو ٌحاور بل تح َّدث من قلبه إلى قلوب
الناس ..
لم ٌدافع أو ٌرافع بل ر َفع من شؤن المحكوم علٌها إلى حرٌة عٌشها مع
نفسها والتح ُّكم بحٌاتها حسب إرادتها ...كلّنا أحرار وكلّنا خ َطؤة وكلّنا عٌال
هللا وهو أرحم الراحمٌن ...وهذه هً قمة الرحمة التً منها وبها ٌعٌش
السٌِّد المسٌح والنبً والعارفٌن والسالكٌن ...ولكن السإال أتى من أهل
الشرٌعة أهل الفكر القانونً حٌث سؤل المسٌح "ما هً الوصٌة األساسٌة
فً القانون؟" ...إنها مهمة صعبة ألنّ كل قانون ٌعتمد على ؼٌره من
القوانٌن أي التبلحم والتشابك بٌن الشرابع ..لٌس هنالك أي قانون أساسً
بل القوانٌن ،كلّها تعتمد على بعضها البعض باإل ِّتكال المتبادل...
فً الهند هناك نقاش وجدال مستمرّ حول البلّعنؾ أو الحقٌقة؟ كالجدل
َ
اخترت البٌزنطً فً الكنٌسة عن جنس المبلك هل هو ذكر أم أنثى؟ إذا
َ
وتحاشٌت الحقٌقة سٌكون العنؾ هو النتٌجة وإذا لم تقُل الحقٌقة تج َّن َ
بت
العنؾ ..ماذا ستفعل؟ من س ُترضً؟ هل ستقول الحقٌقة وتساهم فً ارتكاب
العنؾ؟ كٌؾ نتصرَّ ؾ فً هذا الموقؾ؟؟ الرحمة ترضً هللا وترضً
الطرفٌن ..العقل والقلب ولكن أٌن أنت أٌها اإلنسان المحِب للرحمة الكاملة
والشاملة؟؟؟
مفترق طرق ،ومرّ شرطً ٌسؤلك إذا رأٌت َ على سبٌل المثال ،إنك على
رجبلً مرَّ من هنا ألنه مجرم وفرّ من السجن ومحكوم علٌه باإلعدام .ولقد
93
وتعرؾ الطرٌق التً سل َكها وباستطاعتك أن تقول
ِ رأٌت هذا الرجل
الحقٌقة ولكن تكون مسإوالً عن موت هذا اإلنسان...
وأٌضا ً بإمكانك أن تنكِر وترشدهم إلى اتجاه مجهول وبذلك تخلِّص الم َّتهم
َ
إستخدمت ساعدت البلّعنؾ ولكن على حساب الحقٌقة...
َ من الموت..
الكذِب وأٌن الصدق؟؟
ماذا نفعل؟ ومن نخدم؟ كٌؾ نختار؟ أيّ قانون هو األساسً والجوهري؟
اللهمّ إلٌك أشكو ضعؾ قوتً ،وق ّلة حٌلتً وهوانً على الناس ٌا أرحم
الراحمٌن ،أنت ربّ المستضعفٌن وأنت ربً ،إلى من تكلنً ؟
إلى بعٌد ٌتجهَّمنً؟ أم إلى عدوٍّ م َّلك َته أمري؟
إن لم ٌكن ب َك علًَّ ؼضب فبل أبالً ولكن عافٌتك هً أوسع لً...
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وص ُلح علٌه أمر الدنٌا واآلخرة
سخطك ...لك العتبى حتى ترضى َ نزل بً ؼضبك أو ٌح ُّل علًَّ من أن ُت ِ
وال حول وال قوة إ ّال بك...
لماذا لم ٌستخدم لؽة العقل والقانون وأهل الشرٌعة؟ وهذا ما قاله المسٌح
أٌضا ً ..لت ُكن مشٌبتك ٌا هللا واؼفر لهم ألنهم ال ٌعلمون ماذا ٌفعلون...
وقانون الرحمة موجود فً لبّ القلب المحِب ...كلّنا من رحمة هللا التً
وسعت ك ّل شًء...َ
والرحمة لؽة القلب ال لؽة الفكر ...ال تح ُكم وال تظلِم بل تش َهد ..وكلمة "إن
شاء هللا" هً الحُكم الرحٌم الذي ٌجمع الخالق والمخلوق فً الحق ،وهكذا
فعل المسٌح وظ ّل جالسا ً ومتربِّعا ً على قمة الرحمة حٌث قال :الوصٌة
األولى واألكبر هً أن تحِب هللا من ك ّل قلبك وكل فكرك وكل روحك..
السإال كان من القانون ..من رجل الشرٌعة ،والجواب من محبّة الرحمة..
أي الجواب لم ٌكن للسإال بل للسابل حٌث ال جواب إالّ من القلب للقلب...
ندرك بؤنّ الجواب ٌؤتً من أعلى مستوى فً الرحمة... علٌنا أن نفهم وأن ِ
السإال من الجاهل ولكن الجواب من العاقل ..السإال من الكافر ولكن
الجواب من المإمن ...لذلك أذهب إلى المرشد وأسؤله ,ال أذهب إلى إنسان
مرٌد ال ٌزال ٌبحث عن الماء ,بل أسلُك طرٌق العارفٌن ..إنّ جواب
األستاذ أو العالِم ٌكون مناسبا ً لسإالً ولكن لٌس له أيّ صلة بالموضوع أو
بالوجع الذي أشعر به ألنه هو أٌضا ً رجل فكر أي فً ن ْفس الوضع
والموقع الذي أنا أعانً منه ...كاألعمى الذي ٌقود أعمى ...وتكون النتٌجة
94
ومرتبكة وهذا هو وضع العالم ..ك ّل واحد ٌرشِ د واحداً
ِ مشوَّ شة ومحٌِّرة
آخر ،أي ك ّل إنسان أصبح مرشداً لئلنسانٌة وأصبحت النصٌحة أرخص
ومتداولة بٌن البشر وبٌن الدول ومن الذي ٌهت ّم بها؟ كانت قدٌم ًا
َ سلعة
النصٌحة بجمل والٌوم النصٌحة من كثرة الهبل...
ونتٌجتها عقٌمة وعدٌمة الجدوى ومإذٌة ...المساعدة السعٌدة ال تؤتً إالّ
المتبلور بالنور..ِ ٌدرك شفافٌة النصٌحة النابعة من قلبهمن مرشِ د صالح ِ
إنّ الحوار أو المحادثة تعتمد على نوعٌة اإلختبار قبل التعبٌر ...إذا
خاطبك الجاهلون فالسبلم هو أفضل الجواب ألنّ كبلمهم من ؼبابهم وهو
مجرد أصوات مزٌّفة ومقلِّدة ال معنى لها ,بل مهنة تشؽِل فكره اآللً تماما ً
كحدٌث أهل السٌاسة ..من آلة إلى آلة ..الحدٌد ٌتكلّم ...وهذا ما نراه حول
العالم من أخبار واجتماعات قمٌّة وقمامٌة ومإتمرات للمإامرات على نهب
الدوالرات وإلى كل ما نشارك به و ُنشرك به ...هذا هو حوار أهل السَّلب
وال َّنصب..
ثان لحوار أهل النور حٌث ال حدٌث بل صمت العارفٌن وهنالك إحتمال ٍ
الذكر والمشاركة بالسرّ باهلل ،القلب ٌعشق قبل الفكر وهإالء هم أهل ِّ
المقدس ،وهذه حالة نادرة ال نراها إالّ مع لقاء األنبٌاء واألولٌاء والحكماء
ألنّ المعرفة لٌست بالكلمة بل بنعمة النور الذي ٌشِ عّ من لبّ القلوب...
هإالء هم أولٌاء هللا على األرض ومن م ّنا ٌعرفهم؟ القلب ٌسٌر إلى أهل
القلب وأٌن أنا من هذه الدرب؟؟؟
حاورت عاق ً
بل ُ واإلمكانٌة الثالثة فً الحوار هً ما قاله االمام علً ...ما
وؼ َل َبنً ...ما هو هذا الحوار؟ العاقل وؼ َلب ُت ُه وما حاورت جاه ً
بل إ ّال َ إ ّال َ
ٌتحدث مع الجاهل ..ما هً اللؽة التً ٌستطٌع أن ٌتجاوب معها الفكر
والقلب؟ ما معنى هذا القلب وكٌؾ ٌتؽلَّب علٌه بالقلب؟؟ إنّ وسابل ال َّنقل
عربة خٌل ..كٌؾ نستطٌع أن نترافق تختلؾ ...أنت معك طٌارة وأنا معً َ
ونتوافق؟ اإلنسان األرضً سإاله ٌختلؾ عن جواب أهل الفضاء ولكن
هذه الطرٌقة الوحٌدة لمساعدة أهل الدنٌا..
95
"أحِب هللا من ك ّل قلبك وروحك وفكرك" ،أي بك ّل إحساسك وهذه هً
والورع,
َ الصبلة التً توحِّ د وتدمج المشاعر الفكرٌة والحسٌّة حٌث التقوى
وهذا هو التوحٌد مع الواحد األحد ...توحٌد المخلوق مع الخالق ..الكابن
مع المكوِّ ن .ومن هنا ٌبدأ اإلٌمان من قلب الكابن المإمن الذي ٌنبض
باإلخبلص هلل ..إلى هذا السرّ الساكن فٌنا جمٌعا ً ...المحبة تنمو بالمحبة
وهذه هً الرؼبة الوحٌدة التً نتم ّناها ونسعى إلٌها من أعماق قلبنا وروحنا
وفكرنا ،وهذا هو التؤمُّل والجهاد األكبر لنحٌا برحمة األكبر ...هذا هو
توحٌد اإلنسان مع نفسه ومن ثم مع خالقه ...تتوحَّ د األفكار وتختفً...
تتوحَّ د األحاسٌس وتختفً وما هذه المشاعر إالّ إنفعاالت فكرٌة وعاطفٌة
ووجدانٌة ،وعندما تتوحَّ د تتحوَّ ل إلى تنا ُؼم مع صمت الوجود ,وهذه هً
ٌتبخر الماء بعد أن ٌصل إلى صلة األرحام مع رحمة هللا ...تماما ً كما َّ
درجة الؽلٌان ...من درجة 99إلى المبة...
من بعد أن نحٌا صفات هللا الحسنى ن َّتحِد ونموت فً هللا وهذا هو النموّ فً
السموّ اإللهً...
لقد تحوَّ ل الماء من طاقة الهبوط إلى طاقة الصعود بسبب الحرارة والصبلة
الموصولة باألصول ,هً الحرارة التً تطبخ اإلنسان وتحوِّ له من الفكر
الذكر وهذا هو القدَر الذي نعٌشه من نعمة القادر فً عٌشنا مع أنفسنا إلى ِّ
ومع اآلخرٌن ...إنّ حرارة اإلٌمان هً التً تحوِّ لنا من نطفة إلى خلٌفة,
وهذا هو الصعود من األسفل إلى األعلى ،وما هذا اإلٌمان إالّ نتٌجة التؤمل
أي الحوار مع نفسً واإلستماع إلى الجواب النابع من القلب حٌث السكٌنة
الساكنة لحماٌة الساكن من الضّبلل ومن جهل الفكر الذي ألهاه التكاثر
والرؼبات والشهوات الدنٌوٌة ,وهذا ما نراه حول العالم منذ آدم حتى الٌوم
ولكن اإلنسان العاقل له الخٌار بما ٌختار...
إذا كنت عبداً للمشاعر فؤنت من أهل الضّبلل وتحٌا اإلرتباك واإلزعاج،
اخترت توحٌد األحاسٌس فالتوحٌد هو نقطة الصعود إلى السماءَ وإذا
الساكنة فً سكٌنه لبّ القلب..
إنتبه إلى توحٌد أفكارك فالفكر ٌزول وتحٌا حالة البلّفكر أي المشا َهدة
ٌر إالّ هللا
وجها ً لوجه ,حٌث قال الحبٌب "إٌّاك نعبد وإٌاك نستعٌن" ...لم َ
فً ك ّل شًء ،وهذا ما ٌقوله ك ّل مسٌح وكل نبً وكل مإمن ...هذا ما
لخصه عٌسى بقوله "أحِب هللا من ك ّل قلبك " ،وهذه هً الصبلة" ...ومن َّ
ك ّل فكرك" ،وهذه هً نعمة التؤمل" ...ومن ك ّل روحك" ،هً نعمة
الصعود األعلى من الفكر واإلحساس وأعلى من الصبلة والتؤمل ..هذه
96
النعمة ال ٌعرفها العقل أو الفكر بل هً من علم هللا األبعد من أيّ علم أو
أي فهم أو أي كلمة ...نور ٌقذفه هللا فً قلب المإمن ...الروح هً طبٌعة
اإلنسان ،كلّنا من روح هللا...
الروح
الفكر الحِسّ ُ
لننظر معا ً إلى هذا المثلّث:
القاعدة األساسٌة هً الحسّ والفكر وهذا هو إختبارنا ح ّتى اآلن ولم نتعرَّ ؾ
على البُعد الثالث.
ُعرؾ إالّ إذا تحوَّ ل الحسّ إلى صبلة م َّتصلة مع األزلٌة, البُعد الثالث ال ٌ َ
وبدأت بالصعود األبدي مع المدد المددي ،وكذلك الفكر تحوَّ ل إلى تؤمُّل
وتذ ُّكر ،ومع الصعود توحَّ د الحِس والفكر إلى نقطة روحٌة التً هً أبعد
من أيّ عالم ,وهذا ما ٌسمٌّه المسٌح بالروح اإللهٌة وهً الوصٌة األولى
واألكبر واألعظم أي الموت بروح هللا...
أخ َذ إناء أهل الفكر ووضع فٌه ماء أهل لقد استخدم لؽة أهل الشرٌعة ...أي َ
ِّ
الذكر...
زمزم حٌث ال شرٌعة وال كبلم بل ال ُّشكر الدابم للحًّ القٌوم األقرب لنا َ ماء
الذكر ّ
والذاكر من حبل الورٌد ...أي نحن أصحاب هذا الشاهِد والمشهودِّ ،
والمذكور فً القلب الذي ٌحِب ...أُحِبُّ نفسً من ك ّل قلبً ومن أحبَّ نفسه
عرؾ هللا ،ولؽة الفكر ؼٌر لؽة العقل ولؽة عرؾ نفسه َ أحب العالم ومن َ َ
كالعقل ؼٌر لؽة القلب ..إستخدِم اإلناء المعروؾ عند أهل الشرٌعة وعلٌ َ
بالماء التً هً من عند أهل هللا ...وهذا هو دور المسٌح وك ّل مسٌح أي أن
ٌبنً جسراً بٌن الفكر والن ْفس وهذا الجسر هو سلَّم الحٌاة إلى الحٌوٌة
األبدٌة...
فرض وال ٌُطلَب منك أن تحِب ،إنها إنّ المحبة لٌست وصٌّة ألنها ال ُت َ
لٌست أمراً إجبارٌا ً ال بالترهٌب وال بالترؼٌب ،ال تستطٌع أن تدٌر وأن
تسٌطر على المحبة ألنها أكبر من اإلنسان وأعلى من قدراتنا ...المحبة ال
عطى أوامر من السلطة العلٌا ...نرى هذه األوامر من الجٌش ُترا َقب وال ُت َ
فً التدرٌب العسكريٌ ...مٌنا ً وٌساراً ت َّتجه حسب رؼبة الحاكم ولكن هل
ٌستطٌع أن ٌؤمرك بالحب؟؟ أٌن هو اتجاه الحب..؟ ال أحد ٌستطٌع أن ٌؤمر
بالحب ..نعم ..تتظاهر بالمحبّة وهذه أكبر لعنة فً العالم أل ّننا منذ الوالدة
ونحن نحٌا فرٌضة الحب لؤلهل ولؤلقرباء وألهل السلطة وللمنفعة
العامة ...هذه هً التجارة بالحب وتحوَّ لَت من الحب إلى الحرب...
97
لماذا الحب مفقود من الوجود؟
إنه موجود فً الوجود ولكنه مفقود من القلب .والسبب؟ ألننً أحاول بك ّل
وجدَ ..والجهاد هو البحث عن مستج ّدات وج َّد وقٌل لنا من َج َّد َ
جهد َ
بالذكر ...كلّناالعملٌات للتنقٌب عن أحدث العمبلء ...هذا هو الفكر الكافر ِّ
نبحث عن الحب ونسمٌه بشتى األسماء وش ّتان بٌن الحب والشهوة وأٌن
نحن من هذه المشاهدة؟ إلى من نشتهً؟ إلى من نش َهد؟ كلّنا نبحث عن
الحب وكلّنا عاجزٌن وؼٌر قادرٌن لٌس ألننا لم نحاول بل ألننا نحاول
سوة ...الحب حدث طبٌعً فطري دون أيّ فرض أو أمر وهذا ما حوَّ ل ِب َق َ
الحب إلى وسٌلة مزٌفة ومحرَّ فة ومسمَّمة منذ بداٌة الوالدة حتى الموت...
من المهد إلى اللحد ونحن فً مستنقع الحب ...أٌن هً القناعة فً الحب؟
أحِب أمّك ألنها هً التً ح َملت بك واهتمَّت بك وأنت المسإول عنها...
أحِب أباك ألنه مصدر المال والقوّ ة والسلطة وإلى ما هنالك من أوامر إلى
أن وصلنا إلى هذا اإلنحدار من دمار األسرار الساكنة فً قلب الصؽار
والكبار...
إنّ المثلّث اإلنسانً أي الفكر والن ْفس والروح هو اآللة الموسٌقٌة التً
خلقها هللا فً جمٌع خلقه ووضعها فً القلب حٌث الحب هو نبع الحٌاة التً
ال تولَد وال تموت بل هً الحٌوٌة الدابمة لؤلزل ولؤلبد ...لنحٌا الحب
ٌعزؾ الوتر باأللحان وٌتناؼم السرّ الذي الطبٌعً فً وسط طبٌعً وفجؤة ِ
فً أعماق اإلنسان مع األسرار التً نراها فً الطبٌعة وفً ك ّل العوالم
الساكنة فً سكٌنة القلب ,دون أيّ جهد أو أيّ محاوالت جدٌة بل استرخً
وسلِّم أمرك هلل ودَ ع القلب ٌنبض بالحب كما ٌشاء وإلى من ٌشاء ...المحبة
لٌست وصٌّة بل هً نعمة من هللا إلى خلقه وهً الرحمة التً منها وبها
نحٌا معا ً دون أيّ وسٌط أو رقٌب أو حسٌب...
الوصٌة األولى محبة هللا والثانٌة محبة القرٌب ..أي أحِب قرٌبك كنفسك...
أحب نفسه وجاره وقرٌبه والعالم أجمع ولكن الذي أحبَّ هللا من ك ّل قلبه َ
عرؾ العالم ...إنّ الوجود موجود فً قلب الكابن... عرؾ نفسه َ ألنّ من َ
أنت كابن حًّ لؤلبد فً هذا الوجود األبدي...
نعم ...من الصعب أن نحِب هللا ..أن نحِب المجهول ..إننً بحاجة إلى
جسر ،إلى إمكانٌة صِ لة أو مو ّدة أو الفة بٌنً وبٌن هللا ...وإالّ ستكون
محبتً إلى هذا المجهول ؼٌر معقولة...
علٌنا أن نعقِل ونتو َّكل ...لذلك ٌقول المسٌح أحِب نفسك ...نفسً أوالً...
98
تذ َّكرت هذه القصة .أتى أحد المرٌدٌن لٌسؤل الشٌخ عن دواء أو أيّ مخ ِّدر
لٌتعرَّ ؾ به إلى مخافة هللا ...ألنّ رأس الحكمة مخافة هللا ...قال له الشٌخ
"..ال أعرؾ أيّ دواء لمخافة هللا ولكن عندي دواء لمحبة هللا" ،وصرخ هذا
المرٌد العالِم بالعلم قاببلً" :هذه حبّة دواء أفضل من التً طلب ُتها ...أعطنً
إٌاها لو سمحت"" ...هً محبة قرٌبك" ...قال الشٌخ" ...ومحبة الجار تبدأ
من محبة أهل الدار وأنت هو صاحب الدار والقرار" ...كلّما أح َببت نفسً
كلّما ازداد حبًّ لجاري ألنه األقرب إلًّ من الربّ ومع الوقت تنتشر
موجات الحب حتى سابع جار ومن دار إلى دار ن َّتصل بعُمق البحار ...إبدأ
بحصوة صؽٌرة ومن هذه الموجات على شاطا البحر ست ّتصل بالمحٌط َ
و ُتحاط بالمحبة الكونٌة التً منك وفٌك وإلٌك تعود ألنك م َّتصل بسرّ
الوجود....
فً البداٌة أحِب نفسً ومن ثم قرٌبً أو نظٌري أو شبٌهً حٌث أشعر
باأللفة والمودة ومن ثم أحِب الطبٌعة حٌث األشجار والطٌور واألحجار
والفصول وأسرار األرض والسماء...
هذه هً الخطوة األولى فً الحب ...نفسً والطبٌعة واألنسباء واألقرباء
حتى سابع جار..
كنت صادقة فً حبً لماذا أقتل أخً اإلنسان وأٌضا ً الطبٌعة ُ ولكن إذا
وأهلها؟؟
لماذا ن ّدعً بحب هللا ونقتل "الكفار" ونلوِّ ث الطبٌعة وندمِّرها ،والحرب
احتلّت العالم وأٌن الحب ٌا أهل العالم؟؟
99
جمٌع المعابد بُنٌت لخدمة أهل المال والسلطة والمعبد الحقٌقً واألصلً
هو الرحمة ...هو المحبة الرحٌمة ...هو اإلله الساكن فًّ ..ألوهٌة اإلنسان
وهذا هو هللا األبعد من أيّ إسم أو فعل أو صفة أو كلمة..
إنّ اإلنسانٌة هً اإلنسان فً وجوه عدٌدة دون أيّ شكل بل َ
أنت مرآة ولك ّل
امرئ ما نوى.
أُنظر فً عٌون جارك ترى وجهك فً بإبإ العٌن ،عندما نقول للحبٌب "ٌا
عٌونً أنت" ...أي أنت أنا ..وأنا نحن ...هذا هو إنعكاس النور على
طبٌعة أهل النور...
إقرأ أسماء األنهر ...فً الصٌن ٌوجد النهر األصفر والنهر األحمر فً
جنوب إفرٌقٌا ،والبحر األبٌض فً أمرٌكا وأٌضا ً البحر األخضر ...الماء
تجاورها
ِ بح ّد ذاتها ال لون لها ولكن تؤخذ لون المنطقة أو الطبٌعة التً
كالشجٌرات المزروعة على ضفاؾ النٌل وكذلك التربة تتماوج مع
األلوان ،واإلنسان هو إبن البٌبة ،لذلك ٌقول لنا الحبٌب أمّكم األرض
وعمّتكم النخلة ،أي األرض و السماء ُتمطر علٌنا الماء واأللوان واألسرار
التً ال تح َّدها أيّ حدود أو أيّ شرٌعة أو أيّ قوانٌن بل تسٌر األنهار بقدرة
القادر من ك ّل نهر إلى البحر وإلى قعر المحٌط حٌث التوحٌد مع قدرة
الواحد األحد ...هذا هو سرّ الرحمة فً خلقه...
100
ألننً أكره نفسً وهكذا ٌنتشر ال ُكره وال إكراه فً الدٌن ولكن الكراهٌة
أصبحت دٌن الكرة األرضٌة...
إنّ علماء الن ْفس أثبتوا علمٌا ً بؤنّ الطفل ٌبدأ بمحبة الن ْفس والتعرُّ ؾ على
جسده ,والولد ٌلعب مع الولد والبنت مع البنت وبعد السابعة من العمر تبدأ
الجاذبٌة الجنسٌة بٌن الطرفٌن حتى سنّ المراهقة ,وبعدها تنمو الشهوة
للمؽاٌر أي أفراد الجنس اآلخر ومن هذه العبلقة ،تبدأ العابلة ...هذه مسٌرة ِ
الجنس أو محبة األجساد وكذلك مسٌرة محبة العابد والمعبود أي الرحمة أو
هللا أو المحبة ...هذه هً طرٌق اإلرتقاء إلى السموّ اإللهً ...وهذا هو سلَّم
السبلم...
ال سبلم بدون رحمة وال رحمة بدون محبة وال محبة بدون معرفة
الن ْفس ...علًَّ أن أحِب نفسً أوالً ومن ثم محبة الجار حتى سابع جار ولو
جار ،ومن بعده الطبٌعة والوجود بؤسره ولكن األساس هو أنت أٌها
اإلنسان ..ال تظلم نفسك ،قلبك عرش هللا وٌحبّك أكثر من أمّك وأبٌك وأنت
المع َبد للمعبود ،إذا رفضت نفسً رفضت هللا وإذا رفضت األقرب إلًّ من
حبل الورٌد كٌؾ أستطٌع أن أحِب البعٌد؟ ...أحِب نفسً لكً أحبّك ...هذه
هً الوصٌّة األساسٌة فً جمٌع الدٌانات وفً أقوال األنبٌاء ...إنها كلمة
َ
أدركت الوجود بؤسره ...الفهم ؼٌر العلم.. واحدة ..الرحمة ...إذا فهمتها
العلم ٌعمً والجهالة تعمً وكبلهما ببلء ...أُطلب العلم اإللهً الموجود فً
لبّ القلب ٌا أولً األلباب والمفتاح هو التؤمل والخطوة األولى هً
البراءة" ..إن لم تعودوا كاألطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات" ،أي الطفل
ٌبدأ بمحبة جسده ونفسه ولكن ال نزال أموات فً بحٌرة لم تعرؾ األمواج
نرم حصوة الحب ...بالحب ٌحٌا الحب... بعد ألننا لم ِ
تذ َّكرت قصة العنكبوت الساكنة فً بٌت المإونة على عارضة خشبٌة
عالٌة فً السقؾ ومنها تنزل على الخٌط إلى لوح خشب حٌث رأت كمٌة
هابلة من الذباب ,وقرَّ رت أن تس ُكن فً هذا المكان لتصطاد الذباب
ونسجت لنفسها شركا ً ,وإذا بها ترى سِ لك أو خٌط ٌمت ّد من مكانها إلى َ
العتمة األعلى منها وخافت وقرَّ رت أن تتراجع عن هذا اإلزعاج والعرقلة
وانتزعته وبذلك دمَّرت الموقع أو النسٌج الذي ٌدعمها وٌسندها...
هذه هً قصة اإلنسان ،الحبل الذي ٌجمعنا بؤعلى مستوى إلهً هو الصِّلة
مع الرحمن ونسٌنا هذه الحقٌقة التً منها وإلٌها نعود ،وإن لم تكتمل الدابرة
فسنبقى على هامش الطرٌق ،علٌنا بالعودة إلى األصول والتمسُّك بؤصالتنا،
وما هذا الحبل السريّ إالّ إشارة نور لترشدنا من الضبلل إلى الحق ولكن
نرى بؤنّ الحق ٌقِؾ لنا بالمرصاد فنقطع هذه اإلشارة ونفقد البشارة....
101
لماذا نقطع صلة األرحام؟ لماذا ننفصِ ل عن األصول؟
ٌحاوره
ِ أٌها الحق لم تترك لً صدٌق ..والحق ال ٌ َّتفق مع الباطل بل
وٌحوِّ له ،ولكن عندما أهوى الشرّ وأرى النور ٌقؾ لً للمساعدة وللتذكٌر,
أنتزعه ألكون مع الباطل ...هذا هو حبل النور أو المبلك الذي ٌظهر لً
أو ٌوحً إلًّ بالوحً اإللهً وٌذ ِّكرنً وٌطهِّرنً ولكننً أعصً أوامر هللا
وأمٌل إلى دوالر عبد هللا وأتصرَّ ؾ حسب رؼبتً وشهوتً الدنٌوٌة
وأعٌش الحقد والؽضب والفساد ،وإذا رأٌت حبل النور أتجاهله وأعود إلى
الن َفق المظلم ومن نفق إلى نفق ٌزداد ال ِّنفاق ،وإذا اشت َّدت علًّ المحنة أقطع
حبل الرحمة وأعود إلى الرجمة ,وهذا ما قاله العالِم الكبٌر نٌتشه "هللا
مٌِّت" ،وانتزع حبل النور من حٌاته وأُصٌب بالجنون وبالضبلل ألنه
انفصل عن األصول أي عن الحٌاة األبدٌة ..هذا هو وضع اإلنسان الٌوم..
أٌن هو الؽذاء الروحً؟ أٌن هً الجذور؟ أٌن العطور؟ الوردة بدون جذور
ال تنشر عطرها ألن ال عطر لها ...جذورنا فً رحمة هللا ومن انفصل عن
األصول أصبح من الضالٌن فً الدنٌا وفً اآلخرة...
من كان هلل دام وا َّتصل ومن كان لؽٌر هللا انقطع وانفصل ...مهما أظل َمت
الدنٌا تذ َّكر بصٌص النور الذي ٌشِ عّ من قلبك لٌُنٌر دربك واحمِد هللا على
وسعت ك ّل شًء حتى الكافر والملحِد والضال والفاسد... َ رحمته التً
لنبحث معا ً عن هذا الحبر السري الذي ٌسٌّرنا باتجاه النور الذي منه أتٌنا
وبه نحٌا إلى األبد ...إ َّنا هلل وإ ّنا إلٌه راجعون ،أي النور ٌعود إلى النور
وٌحٌا مع النور فبل أحد ٌستطٌع أن ٌقطع حبل هللا ألنه هو الحبل
المتواصل مع األصول ,ولكن اإلنسان المؽ ّفل هو الذي أقفل على نفسه
عرؾ حقٌقة حقٌقة كٌانه وأن َكر وجود هللا حٌث ال حٌاة إالّ مع النور ومن َ
وجوده دخل ملكوت الوجود...
ت أٌتها الدار؟ ومن الذي ٌصِ لنا بالبٌت؟ نعم ..هو هذا ال ُّشعاع الذي أٌن أن ِ
ٌشِ عّ من القلب إلى درب الربّ ..إلى البٌت العتٌق ..مهما طالت األٌام
وبعُدت المسافات سنعود ونرجع ٌوما ً إلى حٌِّنا ونؽرق فً عشق ربنا...
إننً أنسى هللا ولكنه لن ٌنسى خلقه وهذه هً الضمانة المضمونة..
لنحاول معا ً أن نرى فٌنا ما ٌجمعنا باهلل ...أيّ عمل قمنا به لزرع السبلم
فً العالم وما هذا العمل إالّ صدقة من القلب ال من الفكر أو الشرٌعة ..ال
الثروة وال الشهرة وال القوّ ة التً تجمعنا باهلل بل المحبة أو الرحمة التً
تنبع من القلب المحِب لتشارك به العالم دون أيّ شرط أو أيّ قٌد ...األنبٌاء
ُشبهون النحلة العسّالة التً تجمع العسل من جمٌع األزهار وتعود إلى ٌ ِ
102
أهلها وتشاركهم فً هذا اإلختبار وتساعدهم لٌتعرَّ فوا على أنفسهم وعلى
ثروة هللا فٌهم...
"تعالوا معً ٌا أخوتً وأنا ُأرٌحكم وأساعدكم لتتعرَّ فوا على أنفسكم "...
هذا ما قاله المسٌح ونحن ال نزال نبحث عن الثروات الخارجٌة "والحقٌقة
فً أنفسكم أفبل تبصرون"...
ومن أبصر المحبة وصل إلى القمة ...هذه هً نعمة هللا فً اإلنسان...
ِّ
وتعطر السماء بعطر المحبة... علٌنا أن ُنحًٌ هذه البذرة لتنمو و ُتزهر
ومن وصل إلى األصول تعرَّ ؾ إلى الجذور وإلى العطور وتوحَّ د مع نفسه
ومع ك ّل ن ْفس ,ولم ٌعُد ٌرى الفرق بٌن الشرق والؽرب بل ما جمعه هللا ال
ٌفرِّ قه إنسان...
لنجتمع مع ًا ولندخل إلى أنفسنا ولنتعرَّ ؾ على هذه الشجرة السماوٌة
الساكنة فٌنا وتؤتً عصافٌر الجنة وتؽرِّ د معنا ومع ًا سنشارك فً نِعم هللا
وبركاته ونحٌا الجنة اآلن وفً ك ّل زمان ومكان ,وهذا هو دورك أٌها
اإلنسان ..علٌنا أن نزرع السبلم فً أنفسنا ومن ثم فً الدار و الجوار
بالرحمة التً ال تنظر إلى اللسان والقال ،بل تنظر إلى الباطن والحال...
103
الجرٌمة والعقاب
لماذا الحكم باإلعدام؟ َمن الذي ٌقتل من؟ من هو المجرم؟
104
على نفس القاضً الذي ح َكم علٌه باإلعدام وشرح له قصته وبرابته وأنه
ال ٌملُك أيّ برهان ولكن هذه هً قصتً كما هً...
فً الواقع البراءة لٌس لها أيّ برهان أو إثبات ..الدلٌل هو مع الجرٌمة أو
ض ّدها ولكن البراءة لٌس لها أيّ دلٌل ...والقتٌل هو هذا السٌاسً الذي
مات مإخراً والبرهان واضح "بؤننً لم أقتله ،الجرٌمة الوحٌدة التً
عاقبت إنسانا ً
َ اقترف َتها هً هروبً من السجن ولكن هل هذه جرٌمة؟ لقد
وحكمت علٌه بالموت ومن هو المجرم ..أنت وأنا؟"... َ برٌبا ً
القصة تحمل الكثٌر من اإلشراك والتورٌط ،سؤله الرجل "لو لم أهرب من
السجن وحكمت علًَّ بالموت وانكشفت حقٌقة هذا السٌاسً الذي بسببه
فت الحقٌقة هل عر َحكمت علًَّ بالموت ..بعد أن َ َ قتل َتنً وأنت شخصٌا ً
تستطٌع أن ُتعٌد لً حٌاتً؟ إذا لم تستطِ ع أن تعٌد الحٌاة فبؤيّ حق تقتلها؟
ماذا فعل القاضً؟ ق َّدم إستقالته واعتذر من البريء وقال :ربما ارتكبت
جرابم كثٌرة فً حٌاتً"...
برهنت العكس ..وهذا الحُكم َ ما نراه الٌوم حول العالم ،أنت مجر ٌم إالّ إذا
هو ض ّد اإلنسانٌة والدٌمقراطٌة والحرٌة واحترام اإلنسان ...هذا القرار
ك الجرٌمة فؤنت بريء... ض ّد كل العدالة ...القانون ٌقول إلى أن تثب َ
ُت علٌ َ
أنت بريء حتى تؤتً بالبرهان ولكن فً الحقٌقة الحالة هً عكس كبلم
الدستور ..األقوال ؼٌر األفعال ..المسٌح ٌقول إسمعوا أقوالهم وال تفعلوا
أفعالهم ،ولكن الٌوم ال أقوالهم وال أفعالهم ،إستمِع إلى قلبك وابتعد عن
الشرّ وأهله وادخل إلى دار الفكر ِّ
والذكر...
خدمة ألهل الحب، ً إنّ مجتمعنا همجً ض ّد اإلنسانٌة ومن حرب إلى حرب
هذا هو شعار الكذب وال َّنصب لخدمة أهل الجٌوب وسادة المناصب....
إنّ قانون أهل الشرّ هو العٌن بالعٌن والرأس بالرأس ..وهذا هو دستور
أهل الجهل و الكفر ...إنّ العٌن هً مرآة المإمن والسِ نّ بالسنّ هو العدل
بالعدل ,ولكن أهل الفهم والشرح سكتوا عن الحق وح َكم الباطل ،وهذا ما
نحصده الٌوم حول العالم ...إنّ جهل الجهبلء من تقصٌر العلماء ..و
الؽرٌب فً األمر أنّ اإلساءة ال تنتهً باإلساءة وهذا ما نقوم به بإسم العدل
والقانون والرحمة ...إذا قتلنا القاتل هذا ٌعنً إرتفاع عدد القتلى وأٌضا ً
مستوى اإلجرام وأٌن الحلّ؟ ومن قال بؤنّ هذا القاتل هو حقا ً المجرم؟ إذاً
القتل خطؤ سواء ارتكبه إنسان أو جماعة أو من ق َبل المحكمة ما هو الفرق؟
القتل حقا ً جرٌمة ...اإلعدام جرٌمة إجتماعٌة ض ّد إنسان ضعٌؾ ..هذا
مجرد إنتقام من ق َبل المجتمع ألنّ الفرد لم ٌتقٌَّد بالقانون أو بالدستور..
المجتمع ٌقتله وال أحد ٌهت ّم بالدفاع عنه أو حتى بالتحقٌق عن سبب هذا
105
التصرُّ ؾ ..إنّ القاتل مرٌض نفسٌا ً ومن م ّنا المسإول؟ علٌنا أن نرسله إلى
مإسسة خاصة لرعاٌة هإالء المرضى ...هذا هو الحل األفضل من القتل,
وهو بحاجة إلى محبة ورحمة ال إلى قصاص أو عقاب بل إلى إعادة نظر
فً صحَّ ته الجسدٌة والنفسٌة والفكرٌة ...هذا هو دور العالِم والمرشد
والولً...
والحكٌم َ
نعم! لقد قتلنا إنسانا ً وحكمنا بالقتل على القاتل أي خسرنا األول والثانً.
هل القتل ٌُحًٌ المٌِّت؟ عندما أحٌا السٌِّد المسٌح ألٌعازر من الموت ،من
أيِّ موت أحٌاه؟ ما هو موت الضمٌر؟ اإلساءة ال تنتهً باإلساءة والدم ال
ٌُؽسل بالدم والتراب ال ٌُؽسل بالتراب بل التوبة هً التً ُتحًٌ الحق
و ُتمٌت الباطل ...ومصدر التوبة هو المعرفة ...لنعرؾ معنى وجودنا فً
الوجود وبالمعرفة ٌزول الجهل والقتل ...را ِجع التارٌخ الحدٌث ...ماذا
فعلنا بالمجنون؟
إستخدمنا شتى أنواع ال ُّتهم واإلجرام والتعذٌب ..هذا ممسوس باألشباح
وهذا ملموس بالشٌطان وهذا مسكون بالشرّ وإلى ما هنالك من إتهامات
فكرٌة ؼٌر صحٌحة ,بل لئلنتقام ولزرع الخوؾ بٌن البشر ولنشر الشرّ
المبرح حتى تسٌل الدماء من
ِ مدى الدهر ...ماذا كان العبلج؟ الضرب
أجسادهم والٌوم نعالج المرٌض بزرع الدم ال بنزع الدم وأٌن الحل ٌا أهل
العقل؟؟؟
الحل بالعقل ولٌس بالقتل ...إنّ س ٌَبلن الدم ٌُضعؾ الجسم وٌنهار وٌعتقد
الظالم بؤنه عالج المظلوم .قدٌما ً كان الضرب الخفٌؾ واللطٌؾ وسٌلة
إلنعاش األحاسٌس الراقدة والعودة إلى الضمٌر وهذه حاالت نادرة جداً,
ولكن الشذوذ عن القاعدة أصبح هو القاعدة ...ولماذا نضرب المجنون؟
ٌُقال بؤنّ الشٌطان الساكن فً جسده ال ٌحِب العذاب وسٌهرب من جراء
الضرب ولكن من الذي ٌدفع الثمن؟ وهل هرب الجنّ ؟ ومن هو المجنون؟
من الذي وضع هذه القوانٌن؟ من هُم المجانٌن؟ لقد قمت بزٌارة إلحدى
مصحّ ات المجانٌن فً الهند والعبلج هو بالضرب الشدٌد والقاسًٌ ...كبَّل
المجنون وٌُعطى كمٌة كبٌرة من المسهِّل والملٌِّن لتنظٌؾ جسده من الطعام
الجزار وهو الكاهن المسإول عن هذا المعبد ،معبد للصبلة من أجل ّ وٌؤتً
هإالء المرضى والعذاب هو الصبلة وهو العبلج ..وطبعا ً الموت هو
النتٌجة أي مات الشٌطان و ُدفن الجسد ...وال نزال نستقبل المزٌد من
هإالء الضحاٌا ,واألعداد فً ازدٌاد مستمر ألنّ المسإول هو الجاهل
األكبر وهو سٌِّد الشٌاطٌن والمجانٌن ...لتكون مجنونا ً أنت بحاجة إلى
القلٌل من الرفاهٌة فً حٌاتك ال إلى الفقر والعذاب...
106
الترؾ والمال والحضارة وسترى أنواعا ً راقِب المجتمع المخ َملً من حٌث َ
من الجنون...
الجنون فنون ولكن فً المجتمع الفقٌر نادراً ما ترى حاالت مجنونة ألنّ
خبزه الٌومً وحاجاته الجنون مرض فً فكر األؼنٌاء ...الفقٌر ٌف ِّكر فً ِ
الجسدٌة ال الفكرٌة ،أحبلمه محصورة فً واقعه ولٌس فً األوهام التً
الترؾ ولٌس للفقراء خلؾ الؽٌوم .الجنون لعبة فكرٌة لؤلؼنٌاء و ألهل َ
الذٌن هُم دون مستوى التؽذٌة الجسدٌة لذلك ال ٌف ِّكر بؤيّ بُعد بل بإرضاء
الجسد الذي هو السٌِّد وله كل اإلهتمام ولٌس للفكر أيّ ذِكر بل العمل من
أجل العٌش الٌومً ..لقد اؼتنى المعبد مالٌا ً وساعد بعض الحاالت بنسبة
واحد باأللؾ ولكن اإلشاعة شاعت حول األلوؾ من البلدان ,و َه َج َم أهل
المجانٌن لعبلج أهلهم من جهلهم مع هإالء الكهنة الجهلة وهُم سبب الببلء
وهم القتلة ألنهم ؼافلون عن الحق وظالمون بإسم الحق...
هذه المصحَّ ات لٌست محصورة فً بلد معٌن بل حول العالم حتى فً
البلدان "الراقٌة"...
فً أمرٌكا مثبلً قتلنا األلوؾ من النساء فً بلدة سالم قرب بوسطن ألنّ
الكاهن صرّ ح بؤن الشٌطان دخل فً جسد النساء والقتل حبلل فً مثل هذه
الحاالت ...لقد قتلوا وحرقوا البنات واألم الحامل وك ّل أنثى مهما كان
عمرها ألنّ بعض األمّهات كان عندهنّ قوّ ة الشفاء بال ُّدعاء وباللَّمس وبعِلم
وبظلمه األعشاب ,وطبعا ً ؼار الكاهن وخاؾ على مصلحته وتمسَّك بجهله ُ
وا َّتفق مع زمبلبه ونادى بإسم الرحمة وفعل ما فعلوا معا ً ,حتى الرجل ق َّدم
ً
حماٌة لها وللشعب من شرّ ابنته للقتل َّ
وللذبح على مذبح الكنٌسة
الشٌطان ...هذه ال ُتعتبر جرٌمة بل حكمة ونعمة فٌها بُعد نظر وشكر هلل
ولشعبه المختار ...هذا هو الجهل الذي ٌتح َّكم باألمم حول العالم...
واآلن نحن نعلَم بؤن اإلنسان المجنون ال ٌعا َمل بهذه الطرٌقة ومن الذي
ٌح ُكم علٌه بالجنون؟
هإالء األخوة لهم الحق فً الشفاء وفً الحٌاة ومن هو المسإول؟ كل حًّ
هو المسإول عن األحٌاء وعن األموات ولكن على الحًّ أن ٌبدأ بنفسه
أوالً ،ومن ٌنصِّب نفسه للناس إماما ً فلٌبدأ بتعلٌم نفسه قبل تعلٌم ؼٌره
ولٌ ُكن تؤدٌبه بسٌرته قبل تؤدٌبه بلسانه ,وأٌن نحن اآلن من هإالء العلماء
والمسإولٌن؟؟ فإذاً كل حًّ مسإول وأنا المسإولة عن نفسً قبل ؼٌري...
فً جمٌع البلدان المجنون مفصول ومعزول عن البشر وساكن فً حُجرة
حرج ,ومن كثرة الجهل صؽٌرة فً الزنزانة ,والمعاملة ح ِّدث وال َ
ُ
قمت نتجاهلهم فً السجون دون أيّ شعور إالّ لنقلِهم إلى القبور ...لقد
107
بزٌارة والد صدٌقتً المعزول فً طابق بناء تحت األرض وال أحد ٌقابله,
لكنه مكبَّل ومه َمل ألنه حسب إعتقاد األهل هو معتوه ومجنون ومجرم
خطٌر وإلى ما هنالك من صفات ...لكنه من أسرة ؼنٌة مادٌا ً وابنته طبٌبة
معروفة واختصاصها األمراض العقلٌة...
وضعته فً زنزانة تحت البٌت َ ٌا طبٌب طبِّب نفسك أوالً ...هً التً
ونكروا وجوده حفاظا ً على سمعة العابلة وخوفا ً من وجوده معهم حتى لو
كان مك َّببلً فشكله مرعب ورهٌب ٌإذي وٌشوِّ ه األنظار...
ضت أن تؤتً معً ألنه شوَّ ه سمعة العابلة طلبت من إبنته أن أزوره ورف َ ُ
فذهبت لوحدي ألننًُ لٌضع له بعض الطعام، وال ٌقابله أحد إالّ الخادم َ
ألحَّ ٌت وأصرَّ ٌت ,وأعطانً الخادم المفتاح ولم ٌرافقنً ,بل ذهبت وكنت
أول إنسان ٌقابله منذ عشرات السنٌن ..ربما كان مجنونا ً ولكنه الٌوم من
أح َكم الحكماء واآلن هو المجنون مع هإالء األموات ...لقد قال ع ّدة مرات
للخادم بؤنه لٌس مجنونا ً ولكن من الذي ٌسمع؟ بل ٌهزإون بالحقٌقة...
جلست معه وتحدثنا معا ً وكؤننً مع نفسً ومع عالِم وحكٌم وحلٌم ..لقد ُ
واختبرت أسرار الحٌاة فً معبدي هذا ُ قال" :إننً هنا منذ عشرات السنٌن
انعزلت عن العالم الخارجً ،عالم ُ و َكم أنا سعٌد بهذا اإلمتحان ألننً
الجنون ودخلت إلى عالم الصمت والتؤمل ...دعهُم ٌفكرون بما ٌعلمون
الوحشة وأعٌش الوحدة مع وعالمً ؼٌر عالمهم ولست وحٌداً بل بعٌداً عن َ
هللا وهو الوحٌد الذي ٌحِب وٌرحم" ...وسؤلنً رأًٌ ..فقلت له" :معك ك ّل
الحق ..وعالم الٌوم أكثر جنونا ً من قبل وأكثر تق ُّدما ً فً حضارة القتل
واإلرهاب والحروب ..ال تقُل لهم بؤنك لست مجنونا ً لكً تبقى هنا بعٌداً
عن جهنم العالم وعندك مساحة كافٌة للمشً"...
ومعا ً تعلَّمنا طرٌقة خاصة فً التن ُّفس ..وذ َّكرته بهذه النعمة التً "تحوِّ لك
ب ٌشِ عّ بالنور وبالرحمة ,وهذه الخلوة هً ألهل الجلوة حٌث ال قلق إلى قل ٍ
أنت فً نعمة سماوٌة وال عبلقة لك بالدنٌا وال إزعاج وال فوضىَ ..
سنحت لً الفرصة ألننا أصدقاء الصادق األمٌن"... وسؤزورك دابما ً كلّما َ
وفً آخر مرة تقابلنا كان رجبلً آخر حٌث النور ٌشعّ من وجهه وحدثنً
عن اختبارات عدٌدة مع هللا وكٌؾ تحوَّ ل وتب َّدل من إنسان أرضً إلى
َّنت له ما ٌرٌد ,ولكن وطلب أن ٌكتب مذ ِّكراته واختباره وأم ُ َ روح سماوٌة،
األهل حرقوا ما ترك لهم من الثروة الفرٌدة ودفنوه دون أن ٌعلِموا أحداً
وال ٌزال ٌحٌا فً قلبً وقلوب األوفٌاء للوفاء...
لٌتخطى جنونه والمجرم بحاجة إلى مساعدة ّ إنّ المجنون بحاجة إلى تؤمل
نفسٌة ومساندة روحٌة ...إنهم مرضى والمرٌض لٌس بحاجة إلى عقاب بل
108
إلى عبلج ولٌس هو المذنب بل المسإول عنه .القاتل قتل ألنه ٌحمل فً
قلبه وفكره مٌْل ونزعة إلى القتل ..هذا الفعل لٌس صدفة أو فجؤة بل هدؾ
فً حٌاته وعندما اؼتال أحد م ّنا علٌنا أن نواجه هذا الحدث ونساهم فً
الحل ونبحث عن السبب ...لماذا دمَّر وه َّدم ؟ لماذا قتل هذا اإلنسان بالذات
؟ إن الطبٌعة تمنحنا طاقة اٌجابٌة لماذا تحولت إلى طاقة سلبٌة ؟ من الذي
منع هذه الطاقة من االنسٌاب فً درب الحب ؟ لماذا تحولت إلى درب
الحرب ؟
المجتمع ٌمنع الطاقة االٌجابٌة من السٌل عبر العقل وٌحولها باتجاه الجهل,
وهذا هو سبب الشلل الفكري والخلل الروحً وارتباك وبلبلة النفس التابهة
فً عالم الضٌاع ...أٌن هو السبب األصلً ؟ ال ٌزال ٌدور وٌدور حتى
وقع فً شرك ولؽز معقد ومقٌد ...وأٌن هو الباب ٌا أهل القلوب ؟ ال أحد
بحاجة إلى عقاب وال أحد ٌستحق هذا العذاب وال حتى أي قصاص أو أي
ذنب ,ألن األلم ال ٌعلَّم وال ٌشفً بل الرحمة هً النعمة التً ترحم األلم ...
فإذا مرضت هللا ٌشفٌنً وهل هللا هو العذاب أم الرحمة ؟؟
شاهد األخبار وكن شاهداً على ما ترى من كثرة اإلجرام وبناء السجون ...
هذا أمر ؼرٌب عجٌب ,فإذا القصاص ال ٌشفً والمحاكم والشرابع
واإلعدام تزٌد من هذه الحاالت ولو كان العذاب هو الجواب لكانت النتٌجة
على عكس ما نراه حول العالم ...
فإذا الكذب ال ٌنتهً بالكذب والحرب ال تنتهً بالحرب ...والسبب ؟ فً
التفكٌر الؽلط ..ال نستطٌع أن نعلِّم بالعقاب وهذا ما ٌفعله رجال القضاء
والخبراء الشرعٌٌن وأهل السٌاسة والخبٌر القانونً ورجل الدٌن وعالم
الدٌن منذ بداٌة الحوار مع آدم وحواء حتى الٌوم ,وال نزال فً معركة
األخوة واألهل لدعم الجهل والقتل ...وحجة هإالء المسإولٌن هً "إذا ال
لم نستخدم األلم فبماذا نعلِّ ُمهُم العلم واألخبلق والسبلم ؟ إن سٌؾ الخوؾ
هو الذي ٌطوؾ حول أعناقهم وفً قلوبهم لٌردعهم عن اإلجرام "
لٌس الخوؾ هو الوسٌلة التً بها نمنع الفساد بٌن العباد بل تعوَّ دوا على
الضرب وأصبحت الصدمة نعمة فً حٌاتهم وكذلك العٌش مع المجرمٌن
والمسجونٌن وأهل السوء من جمٌع الطبقات ,ومن هذا المنطلق ٌتعلم
األسالٌب الماكرة وخاصة السارق المحترؾ فً مهنة السرقة واالختبلس,
وكلنا نعلم السر بٌن رجال الشرطة ورجال االحتٌال ومن ثم ٌتقاسمون
المال لمصلحة السلطة ,وهذه هً السٌاسة منذ بدء الفكر السٌاسً ,والمثل
الشعبً ٌقول "حامٌها حرامٌها"وإذا قبض على أي متهم ٌكون األضعؾ
واألسخؾ وبنسبة مبوٌة ضبٌلة وال ٌزال علً بابا واألربعٌن حرامً
109
متربعٌن على العروش وعلى الكراسً خدمة للقروش وللكروش ...ومن
دش إلى دش وصلنا هذا الؽش واالتً أعظم وأجرم والحق أرحم وأبكم
وأصم ...
ال أحد ٌتعلم من األلم بل أصبح عادة وإعادة وعبادة حتى تمسح جلده من
الجلد وٌشتاق إلى زمبلبه فً السجن حٌث ٌشعر بعٌش الجماعة التً تنتمً
والمهن الحرّ ة
َ إلى نفس األعمال
كلهم خبراء ومن أهل البٌت حٌث السرقة والقتل واالحتٌال أصبح عمبلً
شرٌفا ً بالنسبة لهم ألن الحاكم مجرم ؼٌر محكوم علٌه والمحكوم مجرم
أضعؾ لذلك قُبض علٌه ...
ونرى بؤن السجن مدرسة مهنٌة لشتى أنواع اإلجرام ...سمعت قصة عن
أحد المجرمٌن دخل إلى السجن ورأى فً الزنزانة رجبلً كبٌراً فً السن
استقبله وسؤله ما هً م ّدة أقامتك هنا ؟
فقال له القادم حدٌثا ً ...سؤبقى عشرة سنوات ...فرد علٌه العجوز قاببلً ...
فإذا اجلس بالقرب من الباب إنك ال تزال هاوي وؼٌر محترؾ أما أنا
فسؤبقى خمسٌن سنة وأنت ستترك بسرعة "...هنا ٌتدرب مع الخبراء
وٌتعلم أفضل األسالٌب للنصب واالحتٌال ...وفن التخطٌط وطرق القتل
للسلب وللنهب وكل هذه الشهادات على حساب الشعب أي من أموال الدولة
التً خرّ جت عمداء وأساتذة وربٌس ونابب ربٌس فً كلٌة الجرابم دون أي
محاكم ....
لقد قمت بزٌارة عدة سجون ووجدت المناخ نفسه فً كل سجن أي نفس
االتجاه السٌاسً والفكرة المشتركة بٌنهم ,هً الحق لٌس على الجرٌمة بل
على المجرم الذي قُبض علٌه أو على من قُبض علٌه .فإذاً علٌنا أن نتعلم
الطرق السلٌمة لؤلعمال السٌبة أي أن نقوم بعمل ؼلط ولكن بطرٌقة
صحٌحة والمسجون ٌتعلم هذه الفنون فً السجن ..وقال لً البعض منهم "
إننا متشوقٌن ومتلهفٌن للخروج من هنا؟ ألننا تعلمنا طرقا ً أفضل وأسلم
نطبق ونمارس هذه المهنة ألننا هنا نتعلم النظرٌات وأعقل وعلٌنا أن ّ
واالمتحان فً المجتمع الحر" ,وقال لً أحدهم وهو السجٌن المزمن الذي
ال ٌرؼب العٌش إال فً السجن ألنه مشاؼب مزمن ,وجوّ السجناء فٌه
رحمة أكثر من العالم الخارجً ...ألن كل واحد مجرم ولٌس هنالك أي
طبقات بل كلهم فقراء وضعفاء وأخوة فً المهنة ..
العالم الخارجً ٌرفض المجرم وٌخاؾ منه وٌدٌنه وٌعٌش وحٌداً ومذلوالً
ومنحرفا ً ...فً الحًّ ٌوجد أحد السجناء المزمنٌن فً الدخول والخروج
اسمه بركة هللا حٌث ٌمضً تسعة أشهر فً السجن كل سنة والثبلثة
110
األشهر الباقٌة ٌعٌش مع أهله ولكن علٌه أن ٌقدم تقرٌره الٌومً إلى دابرة
الشرطة ,وكانت تربطنً صداقة روحٌة مع هذا المنحرؾ " وطبعا ً األهل
واألصدقاء والمعارؾ ضد هذه الفكرة ألنه لص ومحتال ومجرم ...وكلنا
نتؤثر باألقوال وباألمثال "قل لً من تعاشر أقول لك من أنت " ...ولماذا
ال نعاشره ونتعلم من بعضنا ونحترم ألمنا واختبارنا ؟ ولكن المجتمع ال
ٌرى إال بعٌن الشر ...لماذا ال ٌتؤثر هو من أهل الخٌر ؟
هل الشر أقوى من الخٌر؟ لماذا ال نثق بالصدق وبالنزاهة التً فٌنا بل
نخاؾ من االنحطاط والتدهور الذي اختبره المنحرؾ ؟ لماذا ال نرى
التؽٌٌر فً التفكٌر وكلنا ضحٌة أفكارنا ولنا الحرٌة فً تؽٌٌر مصٌرنا ...
لنا الخٌار بٌن الشر والخٌر ...وكلنا بشر وكلنا نستؽفر وج ّل من ال ٌخطا
...الخطٌبة خطوة إلى الجلوة وإلى الصحوة .
لماذا ال نثق بؤنفسنا ؟ من هو هذا الشٌطان الذي سٌضربنً ؟ أٌن هو الشر
؟ هذا هو الجهل الساكن فٌنا وكلنا ضحٌة الجهل ...اعرؾ نفسك تعرؾ
الصح من الؽلط وتسٌر حسب حاجتك أنت ال كما ٌفرضها علٌك األهل أو
المجتمع ...وماذا حدث لبركة هللا ؟
إنه إنسان لطٌؾ وٌعرؾ حدوده وٌسكن فً المقابر ألن ال أحد ٌثق به حتى
لو استؤجر ؼرفة فً أفقر األحٌاء ففضل السكن خارج البلدة ومع األموات
األحٌاء ألنهم ال ٌحكمون علٌه وهذا هو البٌت الحقٌقً ...وسؤلته كٌؾ
أصبح لصا ً ؟ وحكى لً قصته وقال " .. :عندما دخلت السجن فً المرّ ة
األولى كنت ال أزال برٌبا ً ولكننً فقٌر ولم أتمكن من االستعانة بؤي
محامً أو أن استخدم الرشوة والناس كان لهم مصلحة فً سجنً بالقوة ...
مات أهلً وأنا فً الرابعة عشر من عمري واألقرباء استملكوا البٌت لقد َ
واألرض الخاصة بؤهلً وطبعا ً بالرشوة والتزوٌر ,ووضعوا فً جٌبً
بعض المخدرات واشتكوا علًّ ودخلت السجن ولما خرجت منه أتٌت إلى
البٌت ورأٌت كل ما أملك أصبح قانونٌا ً ,وبعثروا وشتتوا ووزعوا كل
شًء وسلّمت أمري هلل وللشارع .وقبل دخولً إلى السجن كنت ال أعرؾ
شٌبا ً فً مهنة السرقة ولكن فً السجن تعلمت الكثٌر من الطرق وتخرجت
بتفوق وكان عمري آنذاك سبعة عشر عاما ً وخبلل بضعة أشهر أصبحت
أستاذاً فً السلب والنصب والشؽب وفً االنتقام ...بدأت باألهل
وباألقرباء وكانت سهلة جداً ..العٌن بالعٌن وبرهنت لهم بؤننً لص ٌل
محترؾ وتواجهت مع العصابة األهلٌة أي جمٌع األنسباء واألقرباء
وسرقت كل ما ابتؽٌت وما اشتهٌت ومع الوقت تورطت فً حاالت صعبه
وقُبض علًّ ودخلت السجن ,ومع الوقت أصبحت أعلم وأقدر من قبل ..أي
111
أتصرؾ بدهاء وبمكر أكثر ولكن فً بعض األحٌان أقع فً قبضة الشرطة
وأحّ ن إلى السجن والى حٌاة الجماعة وأمضً العطلة معهم وارتاح قلٌبلً
من العمل ألن السرقة مهنة ذكٌة ومحتالة وفً السجن راحة بال على
حساب الدولة ...
اشتاق إلى حٌاة السجن ألننً أهتم بصحتً حٌث الطعام قلٌل والعمل أكثر
ولم أمرض أبداً ,ولكن بعض األحٌان أ ّدعً األلم ألذهب إلى المستشفى
هربا ً من العمل ,والؽرٌب فً األمر أننً أشعر بالحرٌة وبالمساواة
وبالعدالة فقط فً السجن حٌث كلنا مجرمٌن ال أعلى وال أدنى على عكس
العالم الخارجً "..
ما هو هذا المجتمع الذي أصبح هو السجن الحقٌقً ؟! وهذه قصة كل
مجرم ...
ٌبدأ بسرقة بسٌطة ،حاجة ؼذابٌة أو جسدٌة أي رؼٌؾ خبز أو ؼطا ٌء
للبرد أو ثٌاب للسترة وأٌن هً الدولة المسإولة عن شعبها ؟ ولماذا ال
نحدد النسل؟ اإلنتاج البشري ٌزداد بسرعة هابلة وأٌن هو المسإول ؟
الجرٌمة هً الجواب وهً اإلشارة للصحوة ٌا أهل النخوة والنخبة
والضمٌر !!!
من الذي ٌمنع الجرابم ؟ نعم !! رجال السلطة والعدل والدٌن هم الذٌن
ٌدعمون الجرٌمة وإال ستختفً المحاكم والقضاة وأهل القانون والشرابع
وأهل الدٌن والسٌاسة والخبراء والبرلمان والشرطة والسجون وأهلها
ومشكلة البطالة ستكون فً أعلى القابمة ,لذلك ال أحد ٌرؼب أو ٌدعم
اإلصبلح والتؽٌٌر إلى األفضل ...نطالب بالتؽٌٌر ولكن هذه الشعارات ال
تتعدى اللسان واألذان ألنه كلما ساءت الحالة كلما ازداد الشؽل وازداد عدد
الموظفٌن ,فإذا األسوء هو األفضل ألهل السوء والسوق ...اسؤل أؼنٌاء
الحرب من أٌن أتت الثروة إلى حٌاتهم ؟ الحرب فرصة مهمة لرفع
مستوى الشؽب بٌن الشعب لبٌع األسلحة واألدوٌة وجمٌع أنواع السلع
الممنوعة كالخمرة والمخدرات والتجارة باألرض وباألعراض ،وكل ما
هو حرام ٌحلل فً األزمات لصالح أهل المصالح على حساب الفقراء ...
لو ال وجود المجرم ال تشعر باالحترام وكذلك وجود الخاطا سبب وجود
القدٌس ...لماذا ال نزال نتذكر السٌد المسٌح ؟ لوال وجود هذا المجتمع
الفاسد لنسٌنا األولٌاء والخلفاء واألنبٌاء والقدٌسٌن ولكن نحن األقزام
اتهمناهم بؤنهم هم العمالقة ...ما أنا إال بشرٌ مثلكم ٌقول المسٌح ولكن من
الذي ٌسمع الحقٌقة ؟ هذه مإامرة كبٌرة ...ال المسٌح مارداً أو جباراً وال
أنت قزم أو ممسوخ بل كلنا أخوة فً المحبة وفً الرحمة وفً اإللوهٌة ...
112
هل نستطٌع أن نتخلص من هذه المؤامرة ؟
من الذي وضع هذه المإامرة ؟ الذي ٌبنً الشر ٌهدمه ...اإلنسان هو
المسإول عن كل مسؤلة ...هو الفعل والقول والعمل ...هو الخلٌفة وهو
المسٌح وهً سٌدة نساء العالمٌن ..
ما هً مصلحة أو مكسب كل مخلوق منا ؟ من أنا ولماذا أنا هنا ؟ هذا هو
السإال األول واألخٌر ...اعرؾ نفسك تعرؾ ربك ...ال مقارنة وال
تشبٌه وال تنظٌر ...ال أنا أفضل وال أنت أقل من هذا الواقع نرى الحق
بعٌن الٌقٌن ومباشرة دون لؾ ودوران ,حٌث ال تؽٌٌر فً خلق هللا وال فً
االتجاه والتضلٌل بل عٌش الرإٌة كما هً فً حٌاتً وفً هدؾ وجودي
فً هذا الوجود وكل كابن ٌعرؾ هذا الحق إذا استمع إلى قلبه وكان صادقا ً
مع نفسه ,وما أراه الٌوم فً حق المجرم هو دلٌل واضح وصرٌح بؤننا ال
نزال فً أسفل السافلٌن من الحضارة اإلنسانٌة ومن الثقافة وعٌش القٌم
الروحٌة ...كلنا نعلم بؤن هللا هو أرحم الراحمٌن ورحمته وسعت كل شًء
ولماذا لم نرحم المجرم ؟ من أنا ألحكم علٌه ؟لماذا ارتكب هذه السرقة أو
هذه الجرٌمة ؟ لماذا ال نتعرَّ ؾ على األسباب ؟
نعم أكثر الناس بحاجة إلى عناٌة ورعاٌة رحٌمة واإلساءة ال تعالج
باإلساءة والسجن لٌس هو الجواب لحل هذه المشكلة بل هو السبب لنمو
الدهاء والمكر والجرابم ...
علٌنا إن نؽٌرّ وجهة النظر ونرى الحق بعٌن البصر ونحوّ ل السجون إلى
دار للصحة الجسدٌة والعقلٌة كما نرى فً الٌابان ...السجن أفضل من أي
مصح أو فندق لبلهتمام بؤهل الجرابم والعبلج ٌبدأ بالجسد من حٌث التؽذٌة
السلٌمة وٌنتهً بالعقل حٌث العلوم المهنٌة والفنون على أنواعها حسب
رؼبة اإلنسان ..ومن هذه الخطوة نتصل باألخبلق وبالروحانٌات وبالت ّدٌن
وبالتوحٌد مع الوجود وبالعودة إلى الصلة باألصول ,وهذا هو اإلنسان ...
113
سر الحٌاة والموت
سإال ٌحٌرنً ...أختً حصل لها حادث سٌّارة وال تزال فً حالة
مستعصٌة أي ال تتحرك وال ترى وال تسمع وال تتكلم وتعٌش فً العناٌة
الفابقة ...هل الموت هو الحل ؟
هذا سإال أساسً فً حٌاتنا الذي ٌثٌر الكثٌر من الناس حول العالم ...
أختك تعٌش فً العناٌة ...هل هذه هً الحٌاة ؟ هل ال تزال عابشة وحٌة
ونشٌطة؟
من أٌن أتت كلمة تعٌش ؟ نعم من المعاش أي من الراتب ...أي المال هو
مصدر الرزق وأختك مصدر الرزق فً "العناٌة الفابقة" ..هل ستفٌق فً
هذه العناٌة والرعاٌة ؟ وإذا فاقت أي "وعٌت " ستكون مصدر فاقه أي
مصدر فقر بالنسبة ألصحاب التجارة باسم الطب والشفاء ....أختك
مصدر رزق للؽٌر ومصدر عذاب لنفسها وألهلها وأٌن الرحمة ؟ وأٌن
الحل؟ منذ أجٌال وأجٌال ونحن ال نزال فً دهالٌز الجهل والخوؾ وبنوع
خاص الخوؾ من الموت وعلٌنا أن نتجنب الموت ألنه من الشٌطان وأما
الحٌاة فانها من هللا حتى فً مهنة الطب كل متخرّ ج من الجامعة ٌحلؾ أي
ٌقسم باهلل العظٌم بؤنه سٌساعد كل مرٌض على الشفاء ال على الموت وهذا
ٌمٌن أبوقراط أي أول طبٌب فً مهنة اإلنسانٌة ٌ ...حلؾ وٌتحالؾ مع
حلفابه التجار بنشر األمراض وبٌع األدوٌة وبناء المستشفٌات ودعم جمٌع
وسابل الدمار للحفاظ على اإلنسان وللرعاٌة الفابقة التً تخدم الموت باسم
الحٌاة ...هذا ال َق َسم كان صالحا ً أٌام زمان عندما كانت األطفال تموت
بنسبة قوٌة ..منذ خمسة آالؾ سنة كان عدد سكان العالم مابتا ملٌون نسمة
الٌوم الهند وحدها تعد بلٌون إنسان ...منذ ألفً سنة إلى الٌوم اإلنتاج
البشري أصبح خمسة ببلٌٌن نسمة والطب ٌزداد بشكل مروع وهابل وهمّه
الوحٌد إطالة عمر اإلنسان ...ال للموت ونعم للحٌاة ال للموت نعم للحروب
..
نصارع الموت بالموت واألمراض باألمراض والدمار بالدمار واإلساءة
باإلساءة وأٌن هو الحل ٌا صاحب العقل ؟
114
عمر اإلنسان لٌس بعدد السنٌن التً نحٌاها بل بالحٌاة التً تحٌا فٌنا على
مر السنٌن ...اسؤل نفسك؟ ماذا فعلت حتى اآلن؟ هل أنت حًّ ؟ ما هً
الحٌاة بالنسبة لك ؟ هل أنت جسد ال ؼٌر؟ إذا كنت صادقا ً مع نفسك وتعلم
وتدرك معنى وجودك فؤنت فً الدنٌا أعمى وفً اآلخرة أعمى ومعا ً ننتظر
ساعة الدفن ألننا أموات هنا وهناك ...وال نعرؾ الحٌاة أو الموت...
همنا الوحٌد اطالة عمر الجسد أو عمر اللسان والجنس ..مؤكل مشرب
منكح ...
هذا هو الشعار األصح والصالح لهذا اإلنسان الطالح ...والحمد هلل العمر
ٌمتد اآلن وهللا ٌزٌدك بالعمر المدٌد لتزداد قو ًة ونشاطا ً بالعضبلت وبنوع
خاص بالعضل المجٌد لزٌادة اإلنتاج البشري ألنه هو الوحٌد الذي ٌسبب
هذه الحروب وهذه الدروب لتؽنً الجٌوب ولتمٌت الشعوب ,علم الٌوم
ٌإ ِّكد لنا بؤن اإلنسان ٌمكن أن ٌحٌا على األقل ثبلثمابة سنة إذا اهتم
بالتؽذٌة السلٌمة للجسد وللفكر وللروح ولكن هذه النعمة لٌست ألصحاب
الجهل بل للفعل السلٌم الذي ال ٌهتم بزٌادة األعداد البشرٌة بل بالعّدة
اإلنسانٌة ..
اإلنسان نوعٌة إلهٌة ولٌس كمٌة لهو عشوابٌة ...ماذا سنفعل بالعمر المدٌد
المزٌد من الحروب واللؾ والدوران فً حٌاتك المملّة والمتكررة ؟؟ علٌنا
أن نفكر فً نعمة الموت ألنها نعمة من نعم هللا ولٌست نعمة شٌطانٌة كما
نعتقد ...على اإلنسان أن ٌتحرر من عقابد أهل السلطة ...حٌاتك ملك
ضمٌرك وأنت الحكم على مصٌرك.
ان وضع هذه األخت ٌقرره األهل ألنها فً حالة موت سرٌري ولكن علٌنا
أن نكتب وصٌتنا ونقرر فٌها قدرنا ...إذا وصل بنا الببلء إلى هذا الحد
نستودع هللا حٌث ال تضٌع ودابعه ونستؽفر من أنفسنا ومن األهل ومن
المجتمع ومن العالم ونقرر الرحٌل بالموت الرحٌم ...هذا موت شرعً
حسب شرٌعة القلب الحً والعقل العاقل ..هناك وسابل سلٌمة دٌنٌة أي
أدعٌة ٌعرفها أهل البدو و الفطرة وعلى المصحات أن ٌكون عندهم أجنحة
خاصة لهإالء األخوة والموت حق وحٌاة أبدٌة ...أي انتقال من حال إلى
حال بسكٌنة وشكر وسبلم مع الرعاٌة الطبٌة البلزمة استودعكم هللا حٌث
ال تضٌع ودابعه ...و كلنا أحٌاء مع الحً ...
عندي اقتراح أو رأي خاص وهو على كل مصح أو مشفى أن ٌخصص
جناح للموت ونسمٌه بٌت الحق الن الموت حق ومنذ الوالدة ونحن نسٌر
نحو هذا الهدؾ وفً هذا الجناح نتعلم التؤمل أي االستعداد لهذه الرحلة
وهً رحلة الحج الحقٌقٌة وبالتؤمل نحٌا نعمة االنتقال ونتعرؾ على أنفسنا
115
وعلى القٌم الروحٌة التً لم نعرفها فً حٌاتنا ومن أهم التعالٌم بؤننا نعلم
سر الموت حٌث ال ذنب وال خطٌبة إذا طلبنا الرحمة فً االنتقال ,وهذه
تجربة ولٌست فرٌضة أو شرط ولكن بدالً من االنتحار نستطٌع أن نختار
طرٌقة اسلم ونستؽفر ونستسلم ونحٌا أفضل األٌام فً حٌاتنا ونتعرؾ على
أنفسنا وان ننهً حٌاتنا ألعلى صلٌب بل فً درب الحب وبعد فترة من
التجربة بإمكانك أن تؽٌّر رأٌك وتترك المصح وتعود إلى حٌاتك ...
القصد من بٌت الحق أن نتعرؾ على الموت ألنه مسٌرة حٌاتنا وٌمكننا أن
نرحل بابتسامة ورضا ولماذا العذاب فً سبٌل الموت؟ أٌن الرحمة ٌا أهل
الحٌاة؟ واإلنسان الذي عرؾ معنى الحٌاة عرؾ معنى الموت ولكننا كما
ٌقول السٌد المسٌح ...دعوا األموات ٌدفنون بعضهم البعض ...الٌوم شركة
الدفن تهتم بنا من الحضانة إلى الجامعة والى الشؽل والى األخبار حتى
نهاٌة عدد العمر ...صلواتنا الخمس هً ..أكل ،شؽل ،جنس ،نوم ،
دفع ضرابب...
هذه هً الطرٌقة إلى الحٌاة الممٌتة من المهد إلى اللحد ...ونوعٌة هذه
الصبلة ال صلة لها بالحٌاة إنها مصطنعة ومزٌفة حتى أخر َن َفس وكما
نحٌا نموت ...فإذا لماذا ال نجرب الحب فً الحٌاة وفً االنتقال إلى
الحٌاة؟؟ ما هً الحٌاة بعد الحٌاة؟ إذا كانت حٌاتً اآلن هً موت فستكون
كذلك بعد الموت ...وإذا كانت حٌاتً مؽامرة جمٌلة ولطٌفة وسعٌدة كذلك
ستكون الرحلة األبدٌة مع المدٌة ...لذلك ادعوك قبل أن تفكر بؤي انتحار
أو أي إحباط َت َعرَّ ؾ إلى نفسك والى هذا االنفعال الذي ال ٌدوم ألنه مرحلة
خوؾ وجٌزة ج ّداً وستقبل الموت عندما تعرؾ الحق فً الحٌاة ألنه
مؽامرة ومجازفة جرٌبة وقوٌة حٌث نتخلى عن الجسد بكل شكر وامتنان
ونتجلّى فً جلوة الرحمان ,ولنفكر معا ً وخاصة فً العالم العربً أن نبنً
بٌت الرحمة لنرحل فٌه بؤمان إلى بٌت الرحمان....
لنتجاوب معا ً فً معنى الموت ...انه نعمه من هللا ولٌس نقمة من
الشٌطان...
وهذه النعمة ال ٌح ّدها عمر الموت بٌن كل َن َفس و َن َفس ،وفً حالة الؽٌبوبة
حٌث الحٌاة خاملة و فً الم ؼٌر معقول وؼٌر محمول ال للجسد فحسب بل
للفكر و للنفس و للروح وما هو القصد من هذا العذاب؟ الموت رحمة لها
وراحة لؤلهل...
لنفكر معا ً ولنتؤمل بحالة هذه األخت على سرٌر الموت ...ال ترى ...ال
تسمع ...ال تتكلم جمٌع الحواس فً ؼٌبوبة أهً موت ؼٌر معلن بعد...
116
هذه الحالة من مبلٌٌن الحاالت واألطباء أكدوا بؤنها سوؾ لن تعود إلى
الحٌاة الن الوعً مات وكذلك الجهاز العصبً الذي ٌحًُ اإلدراك فً
العقل ٌإكد بؤنها من الممكن أن تبقى عشرات السنٌن على هذه الحالة ومن
هو المستفٌد؟ من هً الضحٌة؟ ال أحد ٌستطٌع أن ٌساعدها ال األهل وال
األطباء وال رجال الدٌن وال األدوٌة وال أي أمل إال رحمة هللا ,إذا أدركنا
هذه الرحمة ...وأٌن هً الحرٌة التً تقرر المصٌر؟ أٌن هو باب الفرج
ومفتاح ال َقدَر؟ من الذي وضع القانون؟ من الذي قرر وقال بؤن طلب
الموت جرٌمة؟
القانون فكرة شرعٌة منطقٌة ال تعرؾ الرحمة!! هذه الحالة بحاجة إلى
الموت الرحٌم...
علٌنا أن نساهم وان نساند هذه الحالة المنتشرة حول العالم وان نطلب من
أهل السلطة ورجال الدٌن أن ٌرحموا من فً األرض ...ارحموا من فً
األرض ٌرحمكم من فً السماء ...
نحن بحاجة إلى معاصرة مع الزمن ودعم كل فكرة نبٌلة ولنسؤل األهل عن
رأٌهم فً الموت الرحٌم لهذه الحالة ,وهذا هو التحرر من هذا الموت إلى
الحٌاة حٌث تحٌى بحواسها فً عالم الحً بجسد حً وفً والدة جدٌدة...
الحٌاة ال تموت بل نعمة إلهٌة أبدٌة ننتقل من ممر إلى ممر حتى نهاٌة
الدهر حٌث الحٌاة األزلٌة مع األزل...
موت شقٌقتك لٌس مصٌبة أو فاجعة ولكن بركة ونعمة...
هذا هو رأي واقتراحً للمشاركة فقط ال للفرض بل علٌنا إن نتحاور مع
نظام الدولة و نتداول معا ً لسبلمة الشعب ولسبلمة أنفسنا من التجارة
باألجساد ...اإلنسان أصبح سلعة لخدمة من؟ البشر فً خدمة الحجر...
حفاة عراة نتطاول فً البنٌان!!؟ الصحوة أٌها اإلنسان!!!
ما هو الحل القانونً واإلنسانً؟
الحل فً تحدٌد النسل وفً الموت الرحٌم ...إن َق َسم أبو الطب ؼٌر صالح
لهذا الزمان ،علٌنا إن نقدم َق َسم لرحمة المرٌض ولرحمة الطفل أٌضا...
الٌمٌن الذي ٌساعد اإلنسان على العٌش اإلنسانً أي فً حٌاة سلٌمة
وجمٌلة وبحبوحة كرٌمة ,وهذا هو العٌش الكرٌم ولكن أن تساعده لكً
خدمة ألصحاب األدوٌة والمستشفٌات هذه جرٌمة ال ً ٌتنفس اصطناعٌا ً
تؽتفر...
الحٌاة لٌست َن َفس ومن األفضل أن نساعده لقطع هذا النفس وهذه هً
الرحمة ...خدمة الحٌاة أم خدمة الموت ال فرق فً الرحمة ,أفضّل إن
اذهب إلى مساحة حٌث المدى األبدي والمدد اإللهً وهذه هً الحٌاة...
117
على كل بلد إن ٌساهم فً قانون تحدٌد النسل والموت الرحٌم وهذا الوداع
هو احتفال ولقاء أخٌر مع األصدقاء حٌث خطبة الوداع والودٌعة وٌعود
بكل رضً وتسلٌم إلى البٌت األخٌر وهذا القرار هو من حقك أٌها
المرٌض ,حٌث ال شفاء من هذا الببلء إال بعودة الجسد إلى التراب
وروحك إلى الخالق ...عالم الٌوم مزدحم بالسكان وباألمراض وبالف ّقر,
والحل؟
منع الحمل والسماح بالموت الرحٌم للحاالت المستعصٌة رحمة بهإالء
المرضى وبالشعب ...مبلٌٌن من الناس ٌعٌشون فً المستشفٌات وفً
الشوارع خوفا ً من الموت وطمعا ً فً زٌادة عدد السكان أو عدد العبٌد...
اإلنسان عدة وعابد ولٌس عدد مستهلك ومستعبد ومستبعد لخدمة المعبد
الحجري المستهلك من قبل أهل السلطة المتحكمٌن بالشعوب لخدمة الذنوب
ت أٌتها الرحمة من هإالء المجرمٌن الجهلة؟ الرحمة والجٌوب ,وأٌن أن ِ
تصرخ وتهمس وتنادي وتقول ٌا أصحاب القلب و العقول حد ّدوا الوالدة و
و ّدعوا االبادة ,ولنعود إلى الحٌاة السلٌمة حٌث ال فقر وال مرض وال
جرٌمة بل العقل السلٌم فً الجسم السلٌم عندبذ نحٌا ونتنفس ونعمل بتعقل
وبتو ُّكل ولٌس بالتوسُّل وبالتسول ...لنا الخٌار فً الرحٌل أي فً العودة
إلى بٌت هللا حٌث ال ألم وال ؼٌبوبة بل أحٌاء عند ربهم ٌرزقون ,والرزق
عند هللا أفضل من الخنق فً مصحّ ات الموت الرجٌم ...عندما نرى بان
الجسد ال ٌستطٌع أن ٌتنفس طبٌعٌا ً علٌنا أن نساعده فً الخبلص من هذا
القصاص ...هذا الخٌار من حقهم الشخصً ...لجسدك علٌك حق...
هل لنا الحق بان نتصرف بما ال نعرف؟
118
وهل هذه تعتبر خدمة إنسانٌة؟ أو رحمة إلهٌة؟ إنها مجرد ظلم ورجمة
مادٌة ال ؼٌر...
لنساعد هإالء الناس على الموت الرحٌم والعٌش بدون جسد وألم ونزاع
وصراع ,بل العودة إلى البٌت حٌث الراحة مع ارحم الراحمٌن...
ولكن عقل الٌوم هو هذا القانون والجاهل الذي ال ٌزال متمسكا ً بالتقالٌد
البالٌة حٌث ال حقٌقة وال حٌاة إنها خٌال الماضً لتعذٌب اإلنسان باسم
اإلنسانٌة...
اقتراحً الشخصً هو تحرٌر أختك من جسدها ألنه أصبح سجنا ً لها ,وإذا
فعبلً نحبّها نودعها بدمعة وبشكر وبحزن وبصبلة لنعود إلى دار الحق
وهناك نتؤمل ولها الخٌار فً قرارها ,علٌنا أن نصرخ علنا ً ونزأر كاألسد
ونطالب بحقوق الجسد حٌث الحٌاة بحق والموت بحق...
وأٌن هو الموت؟ إن لبّ القلب ٌعلم علم الٌقٌن بؤن ال موت بل نموت بالنمو
السماوي الصمدي والسرمدي أي ذوبان قطرة الماء فً فناء البقاء مع
الحً القٌوم ,وهذا هو مقام جمٌع مخلوقات هللا ...ال والدة و ال موت بل
زٌارة حج من مقام إلى مقام حتى قٌام الساعة ,واالن هً ساعة الزمان
والمكان أٌها اإلنسان...
ان أعنؾ فكرة فً تربٌتً المسٌحٌة هً عدم األنانٌة أي محبة الناس أهم
من محبة النفس ,و االن أتذكر هذه الرؼبة واشعر بمحبة الذات وبمواجهة
الذنب والحٌرة واالرتباك وال اعرؾ كٌفٌة التصرؾ؟
جمٌع الدٌانات سببت أذى كبٌر فً نمو اإلنسان ولكن المسٌحٌة بنوع
خاص هً األكثر إساءة لئلنسانٌة ألنها استخدمت عبارات جمٌلة إلخفاء
األعمال البشعة ضد اإلنسان...
فكلمة الؽٌر أنانً هً إهانة فاضحة ضد معرفة النفس ...المسٌح ٌقول
أحب قرٌبك كنفسك والمسٌحٌة تقول "ابتعد عن األنانٌة وعن محبة األنا
والنفس والذات وأحب العالم ,وهذا ما فعله المسٌح من اجلنا ومات وصلب
وتعذب فً سبٌل محبة الناس".
هذه الكذبة والخدعة ال تزال فً العالم منذ ألفً سنة وسقراط ٌقول "اعرؾ
نفسك أوالً والباقً شًء ثانوي" والحبٌب ٌقول "نفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم
أخً ومن عرؾ نفسه عرؾ ربه" .معرفة النفس هً الؤلنانٌة هً معرفة
كل نفس وكل ضمٌر وكل إنسان وهذا هو التوحٌد ...اإلنسان لٌس جزٌرة
بل قارة ولكن بدون أن اعرؾ نفسً ال أستطٌع أن اعرؾ أخً أو قرٌبً,
وهذا ما تفعله المسٌحٌة باستخدام كلمات دٌنٌة لؽاٌات مادٌة ...إنها لعبة
خطرة للتحكم باإلنسان ...إذا قلت لك كن أنانً أوال وأحب نفسك وتعرؾ
119
على ذاتك وكن فخوراً بوجودك ودافع عن هذه النعمة وأحفظها واعتز بها,
والثقة بالنفس هً أساس الثقة بخالق النفس والى ما هنالك من تقدٌر
واحترام واعتزاز فً معرفة الذات...
حتما ً هذه التربٌة لٌست دٌنٌة أو روحٌة مقبولة اجتماعٌا ً بل مرفوضة
وبنوع خاص من رجال الدٌن ...لماذا؟ ألنهم زرعوا فً أفكارنا بؤن فكرة
األنانٌة هً ؼٌر دٌنٌة ,ولكن إن لم أكن أنانٌة ألتعرَّ ؾ على نفسً فاألنانٌة
مستحٌلة وهً نتٌجة معرفة النفس ...أي إن لم أكن أنانٌة وأتعرؾ على
نفسً المعرفة الكافٌة ومنها أنطلق إلى معرفة االخر ,وإال سوؾ أبقى
جاهلة بنفسً وباالخر ...اعرؾ نفسك أوالً ٌا إنسان وهذه هً أول خطوة
فً رحلة العرفان لئلنسان...
ومن هنا تبدأ الفضٌلة ال طمعا ً بالجنة وال خوفا ً من جهنم بل لعٌش الفطرة
الطبٌعٌة وهً البلأنانٌة المطلقة...
ولكن المسٌحٌة وضعت العربة أمام الفرس ...أي توقفت الحركة وتعرقل
السٌر...
األحصنة جامدة ألن العربة احتلت مكان الفرس وان لم تكن الفرس فً
المقدمة من الذي سٌجر وٌسحب العربة؟ تقرٌبا ً كل إنسان مسٌحً عندما
ٌبدأ بالتؤمل ٌشعر بالذنب ...العالم بؤسره ٌمر بالصعوبات و الفقر و الجوع
و الحرب و األمراض المستعصٌة وأنا أتؤمل؟ هذه أنانٌة بشعة وشرسة...
علًّ أن أساعد الفقراء والمرضى والمتشردٌن قبل نفسً...
ولكن حٌاتً قصٌرة ومحدودة وكم عمل ؼٌر أنانً أستطٌع أن أقوم فً
حٌاتً؟ وأٌن هو الوقت للتؤمل؟ و مهما خدمت وساهمت ,األمراض
الجدٌدة ستنمو والحروب مستمرة وهل الحل بخدمتً لهإالء الضحاٌا؟
إحدى األمهات كانت تقول لولدها الصؽٌر " ال تكن أنانً ..ألبلأنانٌة هً
من جوهر دٌننا ...علٌك بمساعدة األخرٌن" .األوالد عادة أكثر إدراكا من
الكبار وعندهم مبلحظة فطرٌة حٌث قال لها " هذا أمر ؼرٌب علً إن
أساعد الناس وهم بدورهم علٌهم إن ٌساعدوننً ولماذا ال نسهِّل العمل...
أنا أساعد نفسً وهم ٌساعدون أنفسهم" .أساس هذا الدٌن ٌبدو معقدا وهذا
التعقٌد ؼٌر ضروري وؼٌر نافع"...
المسٌحٌة أدانت وال تزال تحكم وتعٌب الدٌانات الشرقٌة لسبب بسٌط أال و
هو احترامهم لؤلنانٌة ...بودا و ماهافٌرا وؼٌرهم من الحكماء كانوا
ٌتؤملون لساعات طوٌلة فً النهار والمرضى فً المستشفٌات واألٌتام على
الطرقات والفقراء ٌموتون فً األزقة واألم ترٌزا تساعدهم ونالت جابزة
نوبل للسبلم و من هو األفضل؟
120
الفكرة واضحة بؤن المتؤمل ال ٌنال جابزة نوبل ألنه لم ٌقم بؤي عمل ؼٌر
أنانً...
المتؤمل أكبر أنانً فً التارٌخٌ ...تؤمل وٌتمتع بصمته وبسبلمة فكره
وبوعٌه الروحً وأدابه لؤللوهٌة وللحرٌة وهذه كلها محبة لؤلنانٌة ...لذلك
من الصعب على الفكر المسٌحً أن ٌتقبل فكرة التؤمل ...الصبلة ضرورٌة
ولكن التؤمل ضٌاع وقت ...النبً محمد ٌقول تؤمل ساعة خٌر من عبادة
سبعٌن عام والمسٌح تؤمل وحده فً جبل الزٌتون وسٌدنا إبراهٌم تؤمل فً
الصحراء...
الصبلة من أجل األخرٌن فعل مقبول وضروري ولكن التؤمل لخدمة
المتؤمل فقط وهذا عمل أنانً ...واألنانٌة مرفوضة ألن محبة النفس تنبع
من محبة اآلخرٌن أوال...
ما هو رأي السابل عن هذا اإلنسان؟ بودالم ٌساعد الفقراء وال المرضى
وال العجزة وماذا فعل؟ لقد استنار ,ولكن ماذا فعل بهذا النور؟
إنها قمة األنانٌة و لكن الشرق عندهم وجهة نظر مختلفة تماما ً عن أهل
الؽرب...
بنظر أهل العقل والمنطق هو رجل كافر وملحد و أنانً ,ولكن بنظر أهل
الذكر والصفاء هو رجل إنسانً ...إن الفكر الشرقً ٌعتمد على الحكمة
ولٌس على المحكمة ,أي على اإلنسان أن ٌتجلّى بالصمت الصامد فً
القلب وبالسبلم النابع من الرحم وباللحن الساكن فً الكٌان وبالنور الذي
ٌشع من االستنارة ,و ما لم ٌتحلّى بهذه التجلٌات فسوؾ لن ٌستطٌع أن
ٌساعد ؼٌره ...أٌها الطبٌب طبب نفسك أوالً ,و ٌا أٌها الٌتٌم إن لم تعرؾ
نفسك أوالً فبل تحاول أن تعرؾ ؼٌرك ...إن الفقٌر ال ٌعرؾ النور بل
ٌتسكع فً الظلمة ومن الخطر أن تساعد الؽرٌق وأنت تجهل السباحة ...ان
فاقد الشا ال ٌعطٌه بل ٌتحدث عنه وكبلمه ال ٌتعدى اللسان واألذان وهذا
هو حكم الجهبلء وعٌش الببلء مع هإالء الحلفاء...
لنقدم عرضا ً جدٌداً و واضحا ً ...كن أنانٌا ً واكتشؾ كل ما تملك فً
نفسك...
الفرح والسعادة والنعم والبركات ...وبعدها تؤنً األنانٌة وتتبعك كالظل أو
كالخٌال ألن اإلناء ال ٌستطٌع إال أن ٌنضح بما فٌه وٌشارك بهذه اإللوهٌة
121
النابعة من كٌانه ...ان القلب الذي ٌحب وٌرفض النشوة المفعمة بقلبه ال
ٌستطٌع أن ٌكتبها بل ٌشارك بها األرض والسماء
ألن الكرم احتل البخل وانتشر العطر بٌن السموات واألرض...
ان علم االقتصاد الفكري ٌختلؾ عن علم االقتصاد الروحً ...فً علم
الفكر كلما أعطٌت كلما افتقرت ولكن فً علم الروح كلما أعطٌت كلما
أؼتنٌت ,ألن النمو الداخلً ؼٌر النمو الخارجً .ان قوانٌن العالم األرضً
تختلؾ تماما ً عن قوانٌن العالم الداخلً علٌك أن تتعرؾ على نفسك أوال
وتتحرر من الفقر ولو كان الفقر رجبلً لقتلته قال الحبٌب...
والكرم والعطاء ,عندما تعرؾ هذه النعمة ستؽرؾ َ انك الملك وفٌك الملك
منها وتشارك بها العالم بؤسره وتحرره من جهله ومن فقره...
األصح أن تؽتنً وتشارك بهذا الؽناء من أن تكون فقٌراً وتتح َّدث عن
الكرم وعن العطاء ...الؽنً ال ٌتم َّنى المكافبة أو ٌتؤمل بها أو ٌتوقع أن
تؤتً إلٌه ,انه كالوردة التً تنشر عطرها دون أن ترى أو تدرك من الذي
شاركها هذه النعمة ...العطاء هو فرح الحٌاة...
ال حبا ً بالشكر وال طمعا ً بالجنة وال خوفا ً من جهنم بل االمتنان ٌعود إلى
هذا اإلنسان الذي تقبل منك المشاركة ولم ٌرفضها بل منفتح لفرح العطاء
ولمشاركة اللحن النابع من قلبك إلى قلبه ...إن الفكرة المسٌحٌة عن األنانٌة
هً مجرد ببلهة وؼباء عكس الفكرة الشرقٌة التً تبدأ باألنانٌة أي بمحبة
النفس واالهتمام بجسدك وفكرك ,و من هذا المنطلق ٌنتشر الحق حتى
سابع جار ودار ...و من هذا الذنب تسؤل األخت قابلة " أشعر بالقلق و
بالذنب و ببلبلة و بفوضى .إنها ظاهرة بسٌطة ألن المسٌحٌة خدعت
المبلٌٌن من الناس إلى الضبلل والحركات المتعصبة لؤلصول الجاهلة
بمحبة المسٌح وبرحمته ،وال تزال ت ّدمر هذا النور فً قلوب األبرٌاء
البسطاء ...إن الفكر المستبد والمتحمِّس هو الذي ٌرفض الحقٌقة وٌتمسَّك
بالوهم و كذلك فً جمٌع الدٌانات حٌث حرّ فنا حكمة الحكماء و رحمة
األنبٌاء و نحٌا الجهل و الرحمة والضبلل إلى ٌومنا هذا ...نرى فً الهند
مثبلً حتى الدٌانة الهندوسٌة تؤثرت بتعالٌم الشرٌعة المسٌحٌة وتساعد
الفقراء من ناحٌة التعلٌم و التؽذٌة و األدوٌة ,و هذه الرعاٌة هً ض ّد تعالٌم
الحكماء أمثال بودا و ماهافٌرا ...لم ٌرفضوا المساعدة الجسدٌة ولكن
ش ّددوا على التوعٌة الروحٌة و النفسٌة قبل الجسدٌة ,أي على اإلنسان أن
ٌتعرؾ على نفسه أوال و أن ٌكون هذا الكابن الحً الذي به تحٌى الحٌاة و
أن ٌبدأ بالتؤمل ،و هذا هو الباب إلى لبّ القلب أي إلى مدٌنة األسرار
اإللهٌة.
122
و هنا ثروة اإلنسان القوي الؽنً بقوة هللا وثروته ،و لكن تعلٌم التؤمل لٌس
حسنة بل فتح المستشفٌات والمدارس لتعلٌم التارٌخ والجؽرافٌة ،أي وضع
الحدود بٌن الوجود وأهل الوجود ...هذا هو جهل أهل السلطة وأهل
الضبلل للعٌش فً الظل وفً الذل ,و أٌن نحن من هذا الحقل من الحبلل
؟؟...
ماذا فعلت أمثال اإلرسالٌات حول العالم ؟ ما هً اإلفادة من التارٌخ؟ من
الجؽرافٌة؟ من الرٌاضٌات؟ أٌن الحسنة من هذه العلوم؟
لماذا ال نعلم التؤمل والصمت؟ السبلم والمحبة والفرح؟ اإلدراك والوعً
والمراقبة؟ محبة النفس؟ التوحٌد مع الطبٌعة ومع جمٌع المخلوقات؟ لماذا
جمٌع الدٌانات تؤثرت بتعالٌم المسٌحٌة فً نشر الحسنات؟ ما هٌة المصلحة
الفكرٌة من هذه اإلرسالٌات؟ ما هً رسالة هإالء المبشرٌن فً األرض؟
لماذا ؼاندي تؤثر بتعالٌم المسٌحٌة ال بالمسٌح؟
لماذا الدستور الهندوسً لم ٌذكر كلمة تؤمل؟
إن التؤمل هو هدٌة الشرق إلى الؽرب وهذه الهبة هً المساهمة الروحٌة
من الحكماء إلى العلماء ,و هً أؼلى جوهرة ق َّدمها القلب إلى العقل ,ولكن
ما نراه فً دستور أهل الشرق هو الفكر الؽربً المستمد من السلطة
المادٌة لنشر تعالٌم اإلرسالٌات المدنٌة ال الرسالة الدٌنٌة التً تعكس روح
المسٌح و بودا و كبٌر و ؼٌرهم من الحكماء و األولٌاء و األنبٌاء...
ال أستطٌع أن أرى أي إحسان ال ٌنبع من قلب ٌحب التؤمل وٌختبر الرحمة
وٌشارك بعطرها أهل الدنٌا واآلخرة ...هذه هً رسالة هللا لخلقه وأٌن نحن
من هذه النعمة؟
اترك الذنب جانبا ً و تقبل نفسك كما أنت و ال تكن ضحٌة الماضً و ال
أمل المستقبل بل بالتؤمل نفتح باب القلب و ندخل إلى محراب الحب...
وأنت أٌتها الفتاة المسٌحٌة كونً مسٌحا ً و هذه هً طبٌعة و فطرة كل
إنسان
كونً ال أنانٌة بالتعمق باألنانٌة ...األنانٌة الصادقة مفتاح إلى البلأنانٌة
الصادقة...
كونً ؼنٌة من الداخل لٌفٌض هذا النور ولٌنشر نوره للعالم...
طوبى للفقراء إلى هذه الثروة الداخلٌة و منها تنبع و تفٌض و تتمرد على
الفقر الفكري و العقلً و النفسً و نسمو من النفس اللّوامة إلى النفس
الراضٌة المرضٌة والشفافة بالنور األبدي والسرمدي...
لننظر معا ً إلى هذه الؽٌوم التً تمطر علٌنا هذه األمطار التً حملتها فً
قلبها لتنشرها على األرض دون تفرقة أو أي رؼبة ...من أٌن أتت هذه
123
األمطار؟ لماذا لم ترفضها؟ لماذا أحبت نفسها قبل أن تحب األرض و أهل
األرض؟ إن أنانٌة الؽٌمة هً الرحمة الساكنة فً كل نٌة ,وهذا هو منطق
الحق فً محبة األنا لخدمة األنا ...جمعت األمطار فً نفسها أوال لتنشرها
من نفسها إلى كل نفس ...كم من البشر ٌرحمون األرض بنشر المصحات
و بناء المعابد و المساجد و المدارس و الكتب و الؽذاء و األدوٌة و جمٌع
وسابل الحٌاة لخدمة اإلنسانٌة؟؟ هذه نواٌا سلٌمة و أمنٌات جمٌلة لخدمة
الفقراء و األٌتام و لتوزٌع األلبسة و األدوٌة و الطعام ,و لكن نظرتً
تختلؾ عن نظرتهم فً المساعدة ...أساهم فً نشر وتوزٌع حبوب منع
الحمل و تحدٌد النسل لتخفٌؾ الفقر و دور األٌتام .ولكن أكثر الدٌانات
تشجع فً زٌادة األعداد و اإلنتاج العددي لدعم السلطات الدٌنٌة ,انشر الداء
أوال و من بعده انشر الدواء لخدمة اإلنسانٌة و لدعم المسٌحٌة بنوع
خاص ...هذه هً السٌاسة الدٌنٌة حول العالم للتحكم بالعالم ...المذهب
البلأنانً هو توزٌع األدوٌة ولو كانت سامة و لكنها تساهم فً نشر
اإلحسان على حساب اإلنسان ,و على دعم األندٌة العالمٌة التً هً
بدورها تدعم الفاتٌكان و تنشر جوابز السبلم على أهل الرحمة و السبلم و
تمنع تحدٌد النسل و اإلجهاض و تشجع زٌادة عدد السكان لخدمة السبلم أو
السبلح كما هو متاح ومسموح حول الكرة األرضٌة إلرضاء أهل المال
والضبلل.
شعارنا هو خدمة اإلنسان و هذه هً مسٌرة الدهاء و الببلء ...الرإٌة
الجدٌدة للسبلم و هً التؤمل لصحوة الضمٌر و هذه هً الخطوة األولى
لنزع الخوؾ و السبلح و لننشر المحبة و السبلم ,و من بعد هذه الخطوة
ندخل فً الجلوة و نحٌا الرحمة التً تنبع من النفس الراضٌة المرضٌة إلى
الرضى و التسلٌم ألمر القادر على قدر اإلنسان ...عندبذ أعقل و توكل و
هذا هو فعل التؤمل حٌث ال ألم بل األمل بالرحمة و بالسبلمة مع جسم سلٌم
و عقل سلٌم لننشر السبلم حول العالم...
أعود و أكرر قراري...
كن أنانً أٌها اإلنسان و من هنا تبدأ مسٌرة المشاركة باالأنانٌة ال طمعا ً
بالجنة و ال خوفا ً من جهنم بل حبّا للحب النابع من لبّ القلب ,و هذا هو
اإلسبلم اإللهً حٌث قال الحبٌب...
124
و التسلٌم هو الٌقٌن
و الٌقٌن هو التصدٌق
و التصدٌق هو اإلقرار
و اإلقرار هو األداء
و األداء هو العمل
و اإلسبلم قول و عمل...
ما هو قولً؟ ما هو عملً؟ ما هً نٌتً ودٌتً وفدٌتً؟
علًّ أن أرحم نفسً أوال وأن أتعرؾ علٌها وأؼرؾ من هذا النبع االلهً
وأؼور وأفور وأشارك الجار فً الجنة و فً النار...
و هذا هو القرار الذي اختاره
القلب الذاكر فً الدنٌا و فً اآلخرة...
و معا ً سنبقى فً حسن الجوار
على سرر متقابلة نستقبل الحق بالحق
و النور بالنور مدى الدهر برحمتك
ٌا ارحم الراحمٌن...
125
الشفاء بالرحمة
و الرحمة هً الشفاء....
صوَّ رنا الخالق فً األرحام ولكن المجتمع صورنا فً األرقام وأصبح كل
م ّنا رقم مثالً وال أيّ أحد م ّنا واقعً ...إنّ "المثل األعلى هو المرض
العام فً اإلنسانٌة ،هذه هً جرثومة األمة ...من م ّنا اإلنسان الممٌز
للمستقبل؟ ما هً صفات الكمال التً تبلبم مواصفات العمل الكامل الشامل
لرجل األعمال؟
هذه األمنٌة هً سبب التوتر والضؽط ألننً أتمسَّك بحلم ال ٌتناؼم مع
طبٌعتً ولكن هذا ما فُرض علًّ من األهل ومن المجتمع لخدمة السٌادة
والحرٌة والوطن...
وأٌن هو المواطن؟ أٌن أنا فً هذه المسٌرة اإللهٌة؟ خل َقنً ألكون خلٌفة له
ال حلٌفة للدنٌا...
خلقنً ألكون على صورته ومثاله ال ألكون الرقم األول فً ُ
المثل الدنٌوٌة
لخدمة الدرهم والدٌنار والدوالر!!! خلقنً ألتعلَّم من رسالة الرسول ال من
سٌاسة ودناسة أهل البترول.
خدمة للنجاسة وأصبح الكذب هو ً ولؤلسؾ نح ُكم وندٌن ونعٌب القداسة
الصدق والحرب هً الحب والرجمة هً الرحمة ...إنقلب اإلنسان من
التجلًّ إلى التخلًّ ,وإذا بالمنطق هو الحق الذي ٌسحب اإلنسان من
الحاضر إلى المستقبل .وهذا هو كابوس النفوس التً تتهافت على كرسً
الرباسة للحصول على القوّ ة التً تتح َّكم بالتراب ونجهل سرّ أبو التراب
وهذا هو سبب هذا العذاب الذي ٌجرّ نا من حرب إلى حرب وأٌن نحن من
هذه المحنة ٌا أهل الرحمة؟؟
لقد انقلب السِّحر على الساحر والحسد على الحاسد وأٌن أنا من نعمة
الساجد؟ لنسجد معا ً إلى سٌِّد الوجود ولنج ِّدد عهدنا المعهود مع المعبود
األبعد من أيّ حدود ووجود ...
ٌا إخوتً فً هللا ...كل واحد م ّنا إنسان مح َّدد بزمان ومكان لظرؾ معٌَّن
وخاص ,وعلٌنا أن نقبل هذه المسإولٌة المحدودة ...إنّ اإلنسان الذي ٌحلُم
بالمثالٌة الكاملة هو مهووس فكرٌا ً وعلى شفٌر الهاوٌة .كل همّه إرضاء
رؼباته المثالٌة لٌكون الرجل الصالح والكامل ومن هو الصالح والكامل؟
الناقص هو الكامل فً نقصه والطالح هو الصالح فً صدقه ...إنّ الكمال
وهم ألن هللا ٌتكامل فٌنا والتؽٌٌر نظام ثابت فً نمو الحٌاة األبدٌة ...إنّ
126
النهر ٌنهر مدى الدهر وكذلك ك ّل ذرة وكل سرّ فً هذا الوجود موجود
ؼٌر مخلوق أي ٌساوي هللا فً الجوهر وٌتؽٌر مدى الدهر...
127
المثالٌة ومشاكل الحٌاة كثٌرة ولكنها بسٌطة إذا ك ّنا بسطاء القلوبُ ..كن
جمٌبلً ترى الوجود جمٌل ...وإذا كان القطار باتجاه ؼلط ؼٌِّر القطار ،وإذا
ضاعت التذكرة إشتري ؼٌرها ،وإذا زوجتك هربت مع رجل آخر أش ُكرها
وابحث عن إمرأة جدٌدة ...المشاكل التً تؤتً من الحٌاة تحلّها الحٌاة ولكنَ
تحل ال بالعقل
المشاكل التً تنبع من األفكار المثالٌة هذه عقوبة أبدٌة ال َ
وال بالعلم بل بالتؤمل وبالمراقبة ...شاهِد أفكارك ..هل تحاول أن تكون
عٌسى أو محمّد؟ أو أمٌرة أو ملكة جمال؟ أو أش َهر جرّ اح أو أؼنى رجل؟
الطبٌعة ال تسمح باإلستنساخ وال بالتكرار ...اإلعادة إبادة ..هذا حدث ؼٌر
طبٌعً ومن المستحٌل أن أكون عٌسى ولكن بإمكانً أن أكون مسٌحا ً
آخر ...عٌسى ابن مرٌم الناصري أصبح عٌسى المسٌح وك ّل إنسان مسٌح,
أي ممسوحٌن باهلل ولكن خلَق هللا عٌسى وحٌداً فرٌداً وك ّل مخلوق هو
وحٌد وممٌز ولٌس كمثله شًء...
خلق الخالق فً خلقِه....هذا هو سرّ ْ
128
حافة هذا البركان من فٌض هذه األسرار اإللهٌة أي الحروب والدمار وما
نراه عبر الزمان واآلن ...هذا هو مٌزان الطبٌعة لبناء اإلنسان فً اتجاه
الشمولٌة أي محبة دون أيّ شروط ...هللا لٌس كامبلً بل شامبلً...
الشجرة شاملة ولكن الكرسً كامل ال ٌنمو وال ٌحٌا وال ٌموت ولٌس له أيّ
شؤن ..جمٌع دٌانات البشر تقول بؤنّ هللا كامل ولكن دٌن هللا ٌقول العكس
أي الحًّ القٌوم والتؽٌٌر مستمر بسِ رّ خالقه ومن هنا نرى الهبلل والبدر..
اللٌل والنهار واألنثى والذ َكر والخٌر والشر وصفاته ال تصل إلى المابة بل
تتناؼم دون الوصول إلى الؽلٌان وهذا هو سرّ المٌزان ...سرّ العدل فً
اإلنسان.
العدل هو سرّ البقاء فً آٌة الكرسً ...أي الوالدة المستمرة إلحٌاء العدالة
فً الخٌر وفً الشر و َمن ٌشاهد األخبار البد أن ٌسؤل قلبه ...لماذا ٌموت
األبرٌاء واألشرار ال ٌزالون موجودٌن؟ هذا هو التوازنٌ ،عنً ٌقتلون
الناس فٌُقتل منهم األبرٌاء أٌضا ً ...إنّ العٌن بالعٌن والسنّ بالسِ نّ لٌس
قانون الشرٌعة بل قانون الكون ألنه قابم على التوحٌد ...وهنا البد من
اإلشارة إلى أنّ المسلمٌن ٌجب أن ٌدفعوا الثمن ألنهم لم ٌنشروا اإلسبلم
بالحب مع ك ّل العلوم الموجودة فٌه بل كان بالفرض ..القرآن ملًء
باألسرار وبالترؼٌب وعندما فتحوا علماء الصوفٌة باب العلم ازدهر
اإلسبلم وكان فً َأو ّج أوقاته ...كانت عندنا العلوم المادٌة والروحانٌة
وتؤخرنا وال نزال حتىّ ولكن أكثر الناس لم ٌقبلوا بها ,فقتلوا العلماء
اآلن ...ك ّل إنسان ٌتعلَّم من التجارب ,حتى األنبٌاء ...العالم بحاجة الى
علماء األبدان و األدٌان ...هإالء العلماء هم ورثة األنبٌاء ...علماء
التوحٌد مع الواحد األحد...
َّ
واهتزت له المسٌح حٌن نظر إلى السماء وقال لت ُكن مشٌبتك ..هذه ؼلطته
األكوان ورقصت معه وتناؼم بها وذاب فً هللا وتحوَّ ل من األنسنة إلى
قبلها أو لم ٌقبلها واألكوان لٌست األلوهٌة ..مشٌبة هللا كانت ستت ّم سواء ِ
بحاجة لتستؤذن من أحد حتى ٌسمح لها بإجراء مشٌبتها ...ك ّل الكبلم مجرد
خٌال للحقٌقة الساكنة فً سكٌنة لبّ القلب المحِب للمحبوب الواحد األحد ال
ؼٌر...
ولكن أٌن أنا من هذا الحب أو هذه الرحمة؟ لذلك أستخدم الكلمات علّها
تعبِّر عن القلٌل القلٌل من اإلختبار الذي سبق التعبٌر ...إذاً علٌنا أن ال
نبحث عن أيّ شرٌعة خاصة ألنّ الشرٌعة هً وسٌلة أو سفٌنة لتعبر بنا
إلى الشاطا األمٌن ،وعندما نحٌا األمانة ال نتمسَّك بالوسٌلة أو بؤيّ إناء بل
بالحقٌقة نفسها أي بالتوحٌد بك ّل شًء ٌعنً فً الحب المطلق ،وهذه هً
129
رحمة الرحمن الرحٌم الذي وسعت رحمته ك ّل شًء ولكن تمسَّكنا بشًء
واحد ٌعرقل وصولنا إلٌها...
لنتذ َّكر معا ً مراحل الوصول للفناء أي لرحمة هللا...
الطلب ثم العشق ثم المعرفة ثم اإلستؽناء ثم التسلٌم ثم التوحٌد والفناء...
إذن علٌنا أن ال نعرقل مسٌرة هذه الرحلة ...إنها الحج إلى الحق ولكن
نتمسك بالمعلومات ونقؾ عندها وتصبح حجر عثرة أمام اإلستؽناء...
وماذا فعلنا بؤنفسنا؟
إنّ المعلومات بموازٌن اإلسبلم لن تصل بنا إلى اإلستؽناء ...بل تصل بنا
إلى التعصُّب ونحن نرٌد أن نصل إلى الرِّ ضى والتسلٌم ومن ثم التوحٌد
الذي سٌصل بنا إلى الفناء فً هللا وهذه هً الرحمة أي الحقٌقة الوحٌدة فً
الوجود اإللهً ...ولنتذ َّكر بؤنّ هللا كرَّ ر هذا فً القرآن كثٌراً وطلب من
الرسول أن ٌكون مذ ِّكراً فقط" :إنما أنت مذ ِّكر لست علٌهم بمسٌطر" ،هذا
ٌعنً أنه حتى األنبٌاء كانت علٌهم مسإولٌة ولٌست الفضٌلة لهداٌة البشر
وعلٌنا أن ننتبه إلى حدودنا وأن ال نجعل حبّنا مجرد إنفعال ونحمل أكثر
من طاقتنا...
"طه ما أنزلنا علٌك القرآن لتشقى" ،هذه اآلٌة تشملنا كلّنا ألنّ القرآن جاء
للتذ ُّكر ولٌس للشقاء ولكن لنرى ماذا فعلنا بإسم الدٌن واإلسبلم؟ ال نزال
ُنعٌد التارٌخ منذ بدء الخلٌقة حتى الٌوم ولنا الخٌار بؤن نكون ما نختار...
فٌا خلٌفة هللا تذ َّكر نفسك وتعرَّ ؾ إلى وجودك وهذه هً رحلة التطور
واإلرتقاء وال ٌزال الخالق ٌساعد المخلوق وعلى المخلوق أن ٌسعى لٌحٌا
جمٌع الحقوق التً تنهار علٌنا كالمطر وما هذا الكرم إالّ من األكرم وإلى
من ٌدعً هللا فال ُّدعاء مستجاب من األحباب وعندما نطلب رضى هللا فهل
هناك سعادة أسمى وأهم من هذه النعمة؟ هذه هً البركة والسعادة وهً
المعٌار والمقدار لقدَر اإلنسان دون التوتر بالكمال وبالتهذٌب وبهاجس
القداسة ...إقبل نفسك كما أنت اآلن دون التؤمل بالكمال فؤنت كما أنت تنمو
بالسموّ اإللهً مع هللا ولماذا الطمع والجشع؟ الجاشعون ؼٌر الخاشعون...
لماذا التوتر واإلضطراب والقلق والنزاع والصراع للوصول إلى الهاوٌة
الذكر وأهل النور؟ ستكون فً عذاب شدٌد وأنت فً أجمل زاوٌة مع أهل ِّ
وفً مصارعة الموت إن لم تقبل نفسك كما أنت وتحٌا اآلن كما أنت ,وال
تطلب المستحٌل وال تحاول أن تتؽٌَّر أو تتحوَّ ل بل ُكن على الفطرة وعِ ش
اإلستطاعة التً تحٌا فٌك وتذ َّكر أن اإلنسان الذي ال ٌحِب نفسه ال ٌحِب
قاس على ؼٌره ألنّ طلباته دابما ً مستحٌلة وألنه ؼٌره ،القاسً على نفسه ٍ
ٌجاهد فً سبٌل اإلستحالة ومن ظلَم نفسه ظلَم العالم ،والحكمة تقول
130
إرحموا من فً األرض ٌرحمكم من فً السماء وكلّنا عٌال األرض
والسماء...
إنّ المهاتما ؼاندي الذي حرَّ ر الهند من حكم اإلنكلٌز كان مثالٌا ً فً التفكٌر
والصراع أي أنه كان عُصابً ولٌس عصامً ,وكان قاسٌا ً مع طبلبه
وأصحابه وأهل بٌته ونفسه حتى أنه منع القهوة والشاي ألنهما من
األعشاب المخ ِّدرة واعتبر هذا التصرُّ ؾ خطٌبة بحق اإلنسان واإلنسانٌة...
حرَّ م ومنع الحب بٌن الناس ألنه رذٌلة وكان ٌتجسَّس على الرجال والنساء
من ثقب المفتاح ,ومن عاملَك كنفسه لم ٌظل َمك بل الجهل هو الظلم
واإلنسان عدوّ ما ٌجهل ...ولكن هإالء الناس هُم قادة الناس ألنهم ابتدعوا
سٌاسة الذنب واللّوم على القوم وكلّما ازداد الذنب كلما اشتدت الحرب وهذا
هو سبلح قادة األمم منذ آدم حتى الٌوم...
فرضوا علٌنا الخطٌبة والذنب والعار والنار وللدخول إلى الجنة علٌنا أن
نكون ببل دنس وببل خطٌبة بل نكون أشباه األشباح وهذا هو الكمال
المطلوب للعٌش مع المصلوب...
إنّ سٌاسة الصلٌب هً لتعذٌب الضمٌر وللتح ُّكم باإلنسان لمصلحة أهل
السلطة وبنوع خاص تجّ ار الدٌانات...
نحن معا ً لنتخلّص من هذه التفاهة والسخافة ولنحٌا الحٌاة الحٌة فً قلوبنا
و ُكن كما أنت ال كما ٌرٌدك المجتمع أو األهل أو أصحاب المإسسات...
إقبل نفسك كما هً واستفتً قلبك ولو أفتوك وأنت السٌِّد على حٌاتك والذي
كوَّ نك ساكن فً كٌانك أي أقرب إلٌك من حبل الورٌد ،إستمع إلٌه واستمتع
بهذه النعمة التً تهمس فً قلوبنا وفً ك ّل ن َفس ٌن ّقً وٌر ّقً أرواحنا...
من اآلن ومن هذه النعمة التً نتمتع بها سنحٌا محبة الذات واألنا دون
اإلستكبار والؽرور بل ح ّبا ً بالفرح وبالسرور ،وهذه هً مسٌرة الحج
الدابمة مع الدابم القٌوم ومن هذا الحق سٌزول الباطل والضبلل ونرى هللا
فً ك ّل شًء ,وما أنا إالّ هذا الشًء الذي لٌس بحاجة إلى أيّ معبد أو أي
سلطة أو أي مإسسة...
الكون معبد هلل وكتابه المنظور ولٌقرأ ك ٌّل م ّنا كتابه وفرقانه وقرآنه ...أنت
كتاب هللا الحًّ المبٌن وأنت آدم وحوّ اء وكما علَّم األولٌاء والحكماء
واألنبٌاء ٌعلِّمنا ما نحن بحاجة إلٌه ...من لدنِّ علما ً وهذا هو البٌان
لئلنسان...
131
أي أحِب نفسً أوالً وأكرِّ ر وأش ِّدد على هذه الفضٌلة ومن هذا الحق تبدأ
اإلنسانٌة بحُ ب اإلنسان كما هو دون أيّ شروط أو قٌود ،عندب ٍذ تختفً
المعابد والهٌاكل والسٌاسٌٌن ورجال الدٌن وجمٌع أهل السلطة وعلماء
األخبلق والمفسرٌن...
إنّ الفساد ساد فً المجتمع من أهل السٌادة وبنوع خاص النببلء والشرفاء
وح ّكام الطبقة األرستقراطٌة الذٌن فرضوا التهذٌب واألدب على الشعب
وهُم أصحاب الذنب والعٌب ...علٌنا أن نهرب وننسحب من هإالء الحكام
ونحٌا الفطرة الطبٌعٌة دون تملُّق أو رٌاء ,وما هذه المجاملة إالّ وباء ٌلوِّ ث
أفكارنا ومسٌرة حٌاتنا...
را ِجع تارٌخ الحكم الملكً والحكم الجمهوري وجمٌع أنواع الحكم والظلم،
إنه رحلة اإلستكبار والؽرور بإسم الحب والسبلم ندمِّر األرض والسماء
وهذه هً سٌاسة األدب والتهذٌب والكمالٌات والمثالٌات ,وما هً إالّ زٌنة
التبجُّ ج والعظمة .وأٌن أنت أٌها الخلٌفة المتواضع الذي ح َكم بالعدل
وبالمساواة وعاش الرِّ ضى والتسلٌم وتقبَّل مشٌبة هللا كما هً ووافق
ورحَّ ب برحابة صدر من قدَر هللا إلى قدَر هللا ...هذا هو اإلنسان الفطري
الذي ٌق َبل وٌستقبل الخٌر والشر وٌرى النور فً ك ّل خطوة إلى الجلوة،
وهذا هو التدٌُّن اإللهً الذي ٌهدٌنا إلى عجزنا وقصورنا وحدودنا ...هذا
هو اإلنسان المتواضع الذي ٌقبل الببلء ألنه نعمة للجبلء ,وال ٌصٌبنا إالّ
ماكتب هللا لنا ونحن ال نستطٌع أن ننفً أو ننكر أو نرفض أي سرّ من
الرزاق وهو األعلم وهو األقوى وله الشكر والحمد، ّ أسرار الخالق ألنه هو
وما علًَّ إالّ أن أقبل ضعفً وجهلً وطمعً وؼروري ,ومن هذا القبول
والرِّ ضى ٌسمو بنا النموّ السماوي ونحٌا التؽٌٌر الجذري وٌتحوَّ ل الشر إلى
خٌر والنار إلى نور والجهل إلى عقل ,وترى الجمال والجبلل ٌفٌض من
وجوه األتقٌاء نتٌجة الحٌاة البسٌطة المتناؼمة مع رقصة الكون ،وما هذا
التفاعل والتناسق إالّ التوافق مع الحق والعٌش فً سبٌل هللا لخدمة نفسً
أوالً ومنها تنبع المشاركة مع الجوار بؤسرار النور والؽار ,وهذا هو دور
الذكر على منابر من نور فً لحظة القٌامة... أهل ِّ
132
مرسوم مص َّدق علٌه من المإسسة القانونٌة تعترؾ بؤنّ جان دارك كانت
مجرمة وبعد فترة من الزمن أثبتت بؤنها كانت قدٌسة ...حُكم علٌها بالموت
حرقا ً على الصلٌب وبعد مبات السنٌن مُنحت لقب ق ّدٌسة...
من الذي ٌقرِّ ر وٌعمِّم وٌصمِّم هذه الرتبة؟ هذا مرسوم صدَر بعد الوفاة
وم َنحها جابزة ومكافؤة ودرجة فً القداسة ،والسلطة الدٌنٌة لها الحق بؤن
تتصرَّ ؾ كما تشاء بمن تشاء لما تشاء ...والمرسوم البابوي ٌع ِّدل وٌؽٌِّر
حسب رإٌته ...قتلناها وبعد مرور الزمن تحوَّ لنا من القتل إلى العبادة,
والٌوم من اإلبادة إلى اإلبادة بوسابل أسرع وأشرس...
فإذاً القداسة والنجاسة والدناسة هً شهادات فكرٌة من إنسان ضا ّل ولكن
عرؾ نفسه ٌعرؾ نفسه ,ومن َ والورع ألنه ِ
ِ اإلنسان الشامل هو هذا التقً
لٌس بحاجة إلى أيّ شهادة أو مرسوم أو لقب أو جابزة بل معرفة الن ْفس
هً الشهادة بح ّد ذاتها.
قصة حدثت فً إحدى معسكرات اإلعتقال للٌهود حٌث كان موسى ٌصلًّ
فً المعبد وقد قارب التسعٌن من عمره وذاق من العذاب حتى طفح الكٌل
ونادى ربه قاببلًٌ" :ا هللا هل نحن حقا ً الشعب المختار؟"...
وإذا بصوت ٌدوي وٌهدر "نعم ٌا موسى ..الٌهود شعب مختار واخترتكم
لتكونوا أفضل شعب على األرض!" ،وبعد البكاء والنحٌب ر ّد علٌه موسى
قاببلًٌ" :ا هللا ألم ٌَحِن الوقت بعد ل َتحُ نَّ على شعب آخر وتختاره بدالً
عنا؟"...
العقبلء هُم الشعب المختار لل ِّدرهم وللدٌنار وللدوالر وهذه هً المؤساة التً
تدمِّر أهل المثالٌة ،لذلك ترى بؤنّ الصهٌونً هو المثل األعلى فً المال
ص َنم وٌعٌش فً خدمة والعِلم والحُكم ...هذا إنسان ذهنً الذي ٌخدم ال ّ
إخترع القنبلة الذرٌة لٌدمِّر جمٌع اإلختراعات ولكن
َ الفكر والحجر..
لتحطم هذه األصنام ونحٌا حقٌقة وجودنا.. ِّ الرحمة أتت
والموثق من هللا أي من موقع الحق وهذا هوَّ هذا هو الواقع المو َّقع
الذكر ومن التحوٌل ,أي أن نختار الخٌار األفضل ونسمو من الفكر إلى ِّ
المادة إلى العبادة...
133
الرحمة هً العالج
أي مناعة؟
إنّ جمٌع األمراض سببها فقدان المناعة ولكن ّ
نعم مناعة الحب .جمٌع اآلالم األخطاء والببلء مرتبطة بالحب ..إذا لم
أحِب أو لم أستلم الحب فالسبب فً العذاب والشقاء ألننً لم أشارك كٌانً
وهذا هو البإس الناجم عن الع َقد النفسٌة..
الحٌاة أخذ وعطاء وهذا هو الشفاء من أيّ ببلء...
إنّ الجروح الداخلٌة تظهر بطرق عدٌدة منها األلم الجسدي أو النفسً
ولكن سببها األساسً عدم وجود المحبة فً حٌاتنا ..إنّ الجسد بحاجة إلى
طعام وكذلك الروح بحاجة إلى حب ،الجسد ال ٌحٌا بدون ؼذاء والروح
أٌضا ً ال تحٌا بدون رحمة ,وفً الواقع بدون رحمة ال تحٌا الروح ...إنّ
تعرؾ هذهالرحمة هً سبب وجودنا وسبب البقاء على قٌد الحٌاة وال َ
النعمة إالّ بعٌش النعمة ...عندما تحِب تعلم بؤنك أبعد من حدود الجسد
والفكر...
إنّ المحبة هً ظل الرحمة ترافقها وال تحٌا بدونها ومن الصعب تحدٌدها
بالكلمات ولكن سنحاول معا ً ولنسؤل ما هً الرحمة؟
الرحمة هً أطهر صفات المحبة...
الجنس هو أدنى هٌبة للمحبة والرحمة هً أعلى حالة فً المحبة ...فً
الجنس تكون العبلقة جسدٌة ولكن فً الرحمة اإلتصال هو مبلمسة
روحٌة ...فً المحبة الرحمة والجنس مشوَّ شٌن أو مختلطٌن ،أي الحب
الجسدي والروحً معا ً ...المحبة هً الوسطٌّة أي فً منتصؾ الطرٌق
بٌن الجنس والرحمة ...وٌمكننا أن نقول بؤنّ الرحمة هً التؤمل أي أرفع
طبقات الطاقة...
إنّ كلمة رحمة هً الجمال والجبلل هً من الشؽؾ والحب والمحبة حتى
الرحمة ،أي مرَّ ت المشاعر عبر درجات من التكرٌر والتنقٌة والتصفٌة
إلى أن وصلت إلى أعلى طبقات من التؤمل حٌث الشهادة أ َتت من البصٌرة
واحتلَّت الرحمة عرش الرحمن فً لبّ قلب اإلنسان...
134
فً العبلقة الجنسٌة نستخدم اآلخر ونحوِّ له إلى وسٌلة أي إلى شًء لذلك
نشعر بالذنب نوعا ً ما ألننا أصبحنا سلعة لئلستهبلك وللرَّ مً فً سلّة
الذكرٌات ...وهذا الذنب هو أعمق من أيّ علم أو أي عٌب ُتعلِّمنا إٌاه
الدٌانات ألننا نعلَم علم الٌقٌن بؤننا حوَّ لنا اإلنسان إلى جٌفة ...ومن خلٌفة
إلى حلٌفة وما هو الثمن؟ نعم نحٌا العبودٌة ألنّ الشًء أو السلعة ال تعرؾ
ك أهل النٌة الحسنة والروح اإلنسانٌة ...كلّماالحرٌة ...الحرٌة هً مُل ُ
تعرَّ فت على نفسً كلما تحرَّ رت من جهلً ألنّ الجهل هو سجن اإلنسان...
ولكن الٌوم نرى بؤنّ الجسد هو اإلنسان وكذلك السلعة هً سٌِّدة البٌت مع
العلم بؤنّ السلعة لٌست حرة ...السٌارة ال تتحرَّ ك وكذلك الحجر والشجر،
وأصبحت أسٌرة وعبدةُ ُ
أسؤت إلى هذه النعمة وحده اإلنسان حرّ ولكن
لخدمة األموات ...علٌنا بالعودة إلى التؤمل ولو للحظة ...اآلن هل أنا حرّ ة؟
هل أتؽٌَّر؟ ...منذ لحظات وحتى اآلن هل تؽٌَّرت؟
ُ
لست نعم وبك ّل تؤكٌد ألننً كالنهر أن َهر مع الن ْفس ومع أسرار الدنٌا ألننً
إسما ً بل فعبلً ٌحٌا مع الحًّ وٌتحوَّ ل من سرّ إلى سرّ أكبر ,وهذه هً
مسٌرتنا مع الحًّ األكبر حتى البلّنهاٌة ...أُنظر إلى النهر كٌؾ ٌن َهر
باألسرار وكذلك اإلنسان ٌتب َّدل وٌتحوَّ ل بٌن كل ن َفس ون َفس ،من ؼربة إلى
ؼربة أسٌر لوحدي مع الؽرباء وهللا هو الؽرٌب والقرٌب وإلى أٌن المصٌر
ٌا صاحب الؽرٌب؟؟ أٌن هو المستقبل؟ وإلى أٌن المقرّ ؟ وهل من مفرّ من
هذا السرّ ؟
أرى اإلناء أمامً وأعلَم بؤنه ال ٌرى شٌبا ً ولٌس له أيّ حلم أو أي علم عن
المستقبل وال ٌخاؾ وال ٌتؤلم وكذلك الحجر سٌبقى كما هو مٌِّت ال نموّ وال
سموّ وال روح ولكن من أنا؟ ومن نحن معاً؟ نعود إلى الماضً ونخاؾ من
المستقبل ونجهل الحاضر ونفكر فً الجنة وفً جهنم وهذه الحركة الدابمة
هً الحٌاة التً تؽٌِّر فٌنا من مسار إلى مسار ونرى نعمة الخٌار ولكن ماذا
نختار؟؟؟
ماذا فعلت بنفسً؟ هل أسؤت إلٌها أم إلٌك؟ اإلساءة تعود بإساءة أكبر...
أحوِّ لك إلى سلعة وتبادلنً بنفس الرإٌة ...تحوَّ لنا إلى أشٌاء أو أشباه
األشٌاء ...خل َقنً الخالق على صورته ومثاله وفً أجمل وأحسن تقوٌم
وأٌن أنا من هذا المقام؟؟
لنتذ َّكر معا ً حكاٌة حب أو قصة ؼرام أو لحظة عشق ...من هو الحًّ فً
هذه العبلقة أو هذه النشوة؟ ولماذا انتهت قبل انتهاء شهر العسل؟
135
أٌن هو الذي ٌنبض وٌخفق بالحٌوٌة األبدٌة؟ لماذا تحوَّ ل الحب إلى زواج؟
جٌفة مع جٌفة فً مقبرة الحب ...هذا هو النزاع الدابم والخصام القابم الذي
ٌحاول دابما ً وأبداً أن ٌسحق الحق وٌحوِّ له إلى سلعة ..لقد اختزلنا هذا
الخلٌفة ..هذا الخلٌقة وأصبح مذلوالً ومستعبداً من ق َبل عبد آخر وأنجبنا
األعداد من العبٌد بإسم العابلة وٌا لها من علّة تنشر العِلل مدى الدهر .لماذا
حوَّ لنا هذه الطاقة إلى سلعة؟ الجنس طاقة مقدسة حولناها إلى طاقة
منجَّ سة ...والسبب؟ معلوم وواضح!
إنه الكبت الذي فُرض علٌنا من أهل السلطة والدٌن وال نزال من جهل إلى
جهل حتى وصلنا إلى هذه العِلل حٌث ال خبلص إالّ بالوعً وبالتمرُّ د
وباستعادة السٌادة على الن ْفس واإلرتقاء بنا من الجنس إلى الضمٌر
الكونً...
136
حب ؟
كٌف نستطٌع أن نحول الجنس إلى ّ
إنّ الجنس أضعؾ طاقة فً اإلنسان وهً أول درجة فً سلَّم الحٌاة ،إنها
من هللا ولكن تختلؾ الطبقات اإللهٌة حسب المقامات السماوٌة وهذه الطاقة
تتحوَّ ل إلى حبّ ...كٌؾ؟ باإلحترام إلى الجسم وبالتعرُّ ؾ على القلٌل من
أسراره وعندما أحترم جسدي وجنسً أحترم الطرؾ اآلخر وال أحوِّ له إلى
سلعة بل أشكره فً كل عمل نتشارك به وال أعتبر أيّ مشاركة هً
تحصٌل حاصل ...ال أسلِّم جدالً بؤنه صدٌقً أو زوجً وهذا واجب
علٌه ...الشكر لٌس واجبا ً بل هو فٌض من القلب إلى القلب ...أحٌانا ً قبل
الزواج أو القرار باإلستقرار نشكر بعضنا البعض بعد كل مشاركة حب،
إنها نوع من المؽازلة أو اإلؼراء ولكن بعد خاتم الزواج إنحبسنا فً هذا
القرار وانتهى شهر العسل ولماذا الذ ّل والشكر؟ ومات الشكر ِّ
والذكر
واإلمتنان!!!
أٌام زمان عندما كان الحب وطن اإلنسان كنا نرى الجبلل والجمال فً
روحه وكان لقاء األحبة هو لقاء المودة مع الودود وأٌن نحن الٌوم من هذا
الوداد؟ كانت الحٌاة مشاركة ...أخذ وعطاء وحرٌة دون حدود أو شروط
بل ثقة واحترام المساحة والٌوم فً العبلقة الجسدٌة أصبحت الطاقة أخذ
وأخذ ,وكلّها عجز ووخز دون أيّ احترام أو حب بل محبة للجٌب ولخدمة
الشكل دون أيّ حب أو أيّ عقل ...هذه هً محبة األجساد بٌن العبٌد ال
العباد...
إنّ الرحمة هً العطاء دون أيّ مقابل ،إنها مجرد مشاركة دون أيّ إشراك
أي ال نتؤمَّل بؤي تجاوب أو شكر من الطرؾ الثانً بل نشكره ألنه تقبَّل
منا الهدٌة ...والكون ٌضاعؾ هذا العطاء نتٌجة لهذه الرحمة دون أيّ
تشوق أو أي انتظار ولكن الحب ؼٌر الرحمة...
فً الحب ننتظر ر ّدة الفعل أو التجاوب وإالّ سنشعر باإلحباط وبالتذمُّر...
وأكثر األحٌان نلمح بؤننا ُخدعنا ولماذا لم تشعر معً؟ الحب هو صفقة أو
مساومة ماكرة ورقٌقة ...لذلك ٌقول الحبٌب "الزواج نصؾ الدٌن" ،ولكن
الرحمة هً الدٌن ...الرحمة هً المعاملة والتجاوب من لبّ القلب...
الرحمة هً العطاء دون أيّ مقابل أو شكراً لفرح العطاء ...شكراً ألنه أخذ
منً ومنحنً فرح المشاركة ،ألنه منفتِح وٌتقبَّل المشاركة الروحٌة وهذه
هً أرفع صفات ودرجات الحب ...هً المحبة الشفافة التً ترافق الرحمة
أخذت منً هذه الكلمات وإالّ ماذا
َ أشكرك ألنك
َ كما الجنٌن ٌرافق الحنٌن...
137
سؤفعل بها لوال وجودك معً ولنفسً ولً؟؟ ال أنتظر منك أيّ تجاوب أو
تجاوبت شكراً وإذا لم تتجاوب فشكراً ألنّ العطاء وحده هو َ ر ّدة فعل ،إذا
الشامل والفاعل ...إنتبه إلى األرض عندما تستقبل المطر من الؽٌوم
وتعطر السماء واألشجار برابحة التراب وتقول الؽٌمة ِّ وتنكشِ ؾ النجوم
لؤلرض شكراً لوال األرض ال تزال الؽٌوم ملبَّدة بالعِبء وبالهموم ...هذا
هو دعاء المطر ...دعاء الشكر إلى التراب ،دعاء الشكر إلى العطر...
شاهد األزهار وعطرها ...هذه المشاركة لٌست تجارة أو مساومة بل
رقصة طبٌعٌة بٌن العطاء واألخذ وإالّ ستبقى فً ألم الوالدة إلى أن تلِد
عطرها لمن ٌشاء من الحٌاة...
ي
ي شكر أو أ ّ
العطر هو التعبٌر عن المحبة وعن فرح المشاركة دون أ ّ
شِ رك...
إنّ اإلنسان الفقٌر هو الذي ال ٌشارك بؤيّ شًء ألنه ال ٌملِك أيّ مُلك من
ملكوت هللا ...فً الدنٌا أعمى وفً اآلخرة أعمى وأض ّل سبٌبل...
إنه ال ٌملُك القدرة على اإلستٌعاب ،على الفهم أو التعلُّم ،على األخذ أو
العطاء ،وهذا هو الفقر ...لو كان الفقر رجبلً لقتلته ٌقول الحبٌب وما هذا
القتل إالّ للعودة إلى العقل ومن هذا الباب ندخل إلى لبّ األلباب حٌث
الرحمة التً هً سرّ وجودنا وسرّ الوجود فٌنا ...هً فرح الخلود وفرح
العطاء الدابم مع األكرم ومع األرحم...
من هو اإلنسان الغنً ؟
هو الذي استؽنى عن الدنٌا ...أي اختبرها واخترقها دون أن ٌحترق بها بل
ٌُعطٌها ح َّقها وٌسٌر إلى الحق األكبر ...اإلنسان الجنسً هو األفقر
والمحِب هو ؼنً نسبٌا ً وأما الرحٌم فهو األؼنى كلٌا ً وفً قمة العالم حٌث
ال حدود له وال حجز وال توقٌؾ بل فً عطاء مستمر دون أن ٌطلب
الشكر أو الحب وهذا هو العبلج...
إنّ معجزة المسٌح هً الرحمة ال ؼٌر وهً التً قامت بالمعجزات
اإللهٌة ...فً زمن المسٌح كانت الناس بحاجة إلى الشفاء من األمراض
الجسدٌة والنفسٌة ،األنصار أو المعجبون كانوا بحاجة إلى أعجوبة ملموسة
ولكن الحكماء أمثال بودا وكرٌشنا كان الجمهور من األؼنٌاء مادٌا ً وفقراء
روحٌاً ،فإذاً الحكمة كانت المعجزة المطلوبة وكذلك ك ّل قوم لهم حاجة
تختلؾ عن قوم آخرٌن وفً زمن آخر ...لو أتى المسٌح إلى أمرٌكا وقابله
138
الربٌس األمٌركً ماذا سٌطلب منه؟ الخبز؟ إقامة األموات؟ المشً على
الماء؟ كبل سٌطلب منه السبلح األقوى لدمار العرب ...المخدرات وتحوٌل
التراب إلى دوالرات وإلى ك ّل ما ٌحلم به الربٌس لٌح ُكم العالم...
لك ّل شعب حاجته ...الفقٌر ٌطلب أدوٌة وتؽذٌة والؽنً بحاجة إلى راحة
البال والروحانٌات.
إنّ الؽِنى أو البحبوحة أساس الروحانٌات لذلك نرى بؤنّ الشعب الذي
عاصر المسٌح كان فقٌراً وبحاجة إلى الؽذاء الجسدي ...إنّ مشاكل الفقٌر
تختلؾ عن مشاكل الؽنً...
المسٌح عاش فً مجتمع فقٌر مادٌا ً لذلك قال دعوا األموات ٌدفنون بعضهم
البعض ألنّ اهتماماتهم مؤكل ،مشرب ،من َكح ...ورحل إلى الهند حٌث
الؽِنى والبحبوحة والحاجة إلى الماورابٌات ،إلى ك ّل ما نرى وإلى ما ال
نرى ،ولمّا عاد إلى القدس لم ٌستطِ ع أن ٌشاركهم باألسرار اإللهٌة ألنهم
فقراء الفكر والعقل والن ْفس ،همَّهم الوحٌد هو الجسد ...المستوى األدنى من
المعرفة ...وما هو الوضع فً العالم العربً؟ عالم المال والبترول؟
ال نزال فقراء جسدٌا ً ألننا نستخدم المال إلشباع رؼباتنا الجسدٌة لذلك نرى
العمارات واألبراج والقصور والتبرُّ ج والؽشّ والدشّ وجمٌع وسابل
اإلحتٌال على جمٌع المستوٌات من الربٌس إلى المرإوس ...والنخبة
الصالحة تسعى إلى الهجرة أو إلى العُزلة وال خبلص إالّ بالدمار الشامل
عالمٌا ً وعربٌا ً...
اإلنسان الفقٌر مادٌا ً حاجته ٌطلبها من الدنٌا والؽنً الذي شبع من الدنٌا
ٌطلب الثروة المعنوٌة لذلك نرى بؤنّ الروحانٌات تؤتً من الؽرب حٌث
البحبوحة فً المال والعلم والتواصل مع المجرّ ات والحروب وإلى إشباع
الرؼبات على جمٌع المستوٌات ...ولكن هنالك أفراد فقراء مادٌا ً وعندهم
الؽنى الروحً ،هإالء مختارٌن أو شواذ عن القاعدة ...البلد الفقٌر ال ٌف ِّكر
إالّ بالمادة ولكن سٌؤتً زمان وتعود النهضة الروحٌة إلى ببلدنا بعد أن
ندمِّرها سنعٌد عمارها وهذا هو القانون المادي العقبلنً ...عندما نشبع من
الحجر تؤتً الجوهرة...
المسٌح ساعد الناس باإلٌمان ...اإلٌمان هو الشافً وقال لهم إٌمانكم شفاكم
ولٌس أنا وال هللا بل حبُّكم هلل ولكن كان الشفاء الجسدي ألنّ همَّهم الوحٌد
هو الجسد ...اإلٌمان باب إلى الرحمة وفتح لهم الباب ولكن المطلوب كان
139
الجسد وحاجات الجسد فلم ٌتعرَّ فوا على أنفسهم بل ال نزال حتى الٌوم
ندعو هللا للخبز وللماء وللمال وللشقاء وإلى ك ّل حاجاتنا الفكرٌة ...إنّ
معجزات الحكماء أمثال بودا وماهافٌرا كانت من عالم الروح ألنّ الشعب
كان ؼنٌا ً مادٌا ً وحاضراً إلى المعرفة الروحٌة لذلك بحثوا عن الخفاٌا وعن
الرحمة وعن األسرار اإللهٌة ومن ج َّد َ
وجد...
ولكن الرحمة رحٌمة ترحم الجاهل والعاقل ...رحمته وس َعت ك ّل شًء
على جمٌع المستوٌات ...ولنبدأ بؤنفسنا أوالً ...إرحم نفسك ٌا إنسان وأنت
أعلَم بنفسك من ؼٌرك ..والتؤمل هو الباب إلى الرحمة ألنّ التؤمل ٌُحًٌ
الحب فً القلب وتشعر بالفٌض وبالمشاركة كالؽٌمة التً تمتلا بالمطر
و ُتمطر دون أيّ شكر بل حُ با ً بالعطاء وهذا هو الفرح والنشوة ...لذلك بعد
كل حالة تؤمُّل تشعر بالرحمة الكونٌة وتشارك بها الكون لتحرِّ ر نفسك
أٌضا ً من هذه الطاقة ألنّ العطاء ٌنمو بالعطاء وهذه هً المشاركة أي
السبلم بالسبلم ال كما نراه الٌوم السبلح بالسبلح واإلساءة باإلساءة...
وبعد كل جلسة تؤمُّل تشعر باإلحتفال وتو ّد المشاركة واذ َهب لمساعدة الؽٌر
ولو بابتسامة وبالراحة وبالسكٌنة وهذه هً نعمة التؤمل حٌث ٌقول لنا
الحبٌب تؤمُّل ساعة خٌر من عبادة سبعٌن عام ...أي نحٌا الرحمة ونشارك
ووسعت ك ّل شًء وتعود
َ بها ألنها ال تستطٌع أن تحٌا فٌنا إالّ إذا انتشرت
إلٌنا بؤضعاؾ من كرم األرحم واألعلم...
إنّ الرحمة ؼٌر مشروطة ،هً لٌست لؤلصدقاء فقط بل إرحموا أعدابكم
وباركوا العٌنٌكم ألن العدوّ هو نفسً واإلنسان عدو ما ٌجهل ...أجهل من
أنا وما هذه األنا إال أنت ونحن وكلنا معا ً والعوالم كلها انطوت فٌنا وأنت
مرآة لنفسً ...المإمن مرآة المإمن...
أتى رجل إلى الحبٌب وقال له" إننً اتبع نصابحك وأتؤمل وأشعر بالرحمة
للعالم أجمع حتى للطبٌعة وللحٌوانات وللحجر وللنهر ولكن عندي مشكلة
صؽٌرة أال وهً عدم رحمتً لجاري ...ال أحبه وال أستطٌع أن أرحمه
ألننً أكرهه جداً ...هل أستطٌع أن أمنعه وأستبعده من رحمتً ؟ إن
رحمتً تؽمر العالم وكل الوجود إال جاري فهل أستطٌع أن أتجاهله ...
علمنً أن أرجم بعض الناس "...
ماذا قال له الحبٌب ؟
140
" انسى التؤمل ...ألن الرحمة ال ترفض وال تمنع وال تحجب رحمتها عن
أي شًء ...إنك ال زلت فً الفكر المادي المتمسك بالخوؾ وبالكفر ...
إنك ال تحب نفسك وال تعرفها ...الرحمة شاملة متكاملة وفعلها أصلً
وجوهري وتنتشر دون أي حدود بل إلى أبعد من أي بعد إنها كالنور
الساطع حٌث ال شروط وال قٌود ...إنها فعل إلهً أبعد من عقل البشر ...
الرحمة لٌس لها عنوان وال هدؾ أنها حالة نفسٌة تتجه مع الرٌح إلى كل
روح وتشفً العالم من هذا العذاب وهذا الشقاء ...اترك التؤمل وتعرؾ
على نفسك أوالً عندبذ تبدأ بالحج الحقٌقً لمعرفة درب القلب " ...المسٌح
ٌقول أحِبَّ قرٌبك كنفسك ...ابدأ بنفسك أوالً...وأحبّ عدوك كنفسك ...أي
أنت العدو وأنت القرٌب ولماذا نضع الحواجز للرحمة ؟ ألننً أجهل نفسً
!!أنت جوهر الوجود ...كل ما نراه هو مرآة لنا ٌعكس أفكارنا وأعمالنا
...جاري هو أنا بشكل آخر ...كلنا إخوة فً هللا ...ولكن تنقصنً
المعرفة واإلدراك لقد ماتت عندي البصٌرة ومن ال ٌعرؾ نفسه ال ٌعرؾ
أحد فهو فً الدنٌا أعمى وفً اآلخرة أعمى وأض ّل سبٌبل..
الرحمة هً علم العبلج وسر المداواة ولكن علًّ أن اختبرها بنفسً أوالً
..علً أن أبدأ الٌوم باإلصؽاء واالستماع إلى جسدي ومن ثم إلى فكري
وأن أراقب نفسً وهذه مسٌرة بسٌطة وسلٌمة وطبٌعٌة ...إنها كالتنفس ...
لنجرب مع أنفسنا أوالً...
من أٌن تبدأ الرحمة ؟
من محبة النفس ...مٌداننا األول أنفسنا فإن انتصرنا علٌها كنا على ؼٌرها
أقدر وإن أخفقنا فً جهادنا كنا عما سواها أعجز ...فلنجرب الكفاح معها
أوالً ..
هذا هو جهاد النفس وهو أكبر الجهاد ...إذا لم أكن لطٌفة مع نفسً كٌؾ
سؤكون مع ؼٌري؟ إن القدٌس أو الناسك أو الذي ّ
ٌعذب نفسه هذا إدعاء
وتظاهر ...نفسٌا ً وعلمٌا ً ال نستطٌع أن نعطً مالم نملك ,نعم فاقد الشًء
ال ٌعطٌه ...كما أكون مع نفسً سؤكون معك ومع الجمٌع ...لم ٌقل لً
أي أحد أن أحب نفسً بل علًّ أن أحب العالم ال نفسً ..هذه فكرة سخٌفة
! أحب نفسً ..إنها أنانٌة ولكنها هً المبدأ األساسً والجوهري ,ولكن إذا
لم أتعلم وأتمرن بنفسً أوالً كٌؾ أستطٌع أن أمارسها مع الؽٌر ؟؟ لقد قٌل
لً منذ أجٌال بؤننً ولدت من الخطٌبة العظٌمة وال أستحق المحبة ولست
مقبولة عند هللا كما أنا وفرض علًّ الكثٌر من األوامر والمبلزم والشروط
141
وكلها مستحٌلة التنفٌذ ولذلك كنت أشعر دابما ً بالدونٌة وبعدم االستحقاق
ألي حق ,بل أشعر بالحقد وبالكراهٌة لنفسً اللوامة والنجسة والمذنبة
والملوثة بالخطاٌا ولٌس هناك أي أمل وال أي وسٌلة تنظٌؾ إال العٌش فً
جهنم إلى األبد ...
أٌن هً المحبة ؟ أٌن هً الرحمة ؟ ن ّدعى ونتظاهر بالحب وما هذا إال
الكذب والمجامبلت حبا ً بالدوالرات وأٌن تذهب الدوالرات ؟ أنت اعلم من
ؼٌرك ..اسؤل نفسك وسترى الحق بعٌن الحق ...االدعاء والؽرور
ٌعطٌنا القلٌل من الفرح والسرور وبعد ساعات ٌذوب الثلج وٌبان المرج
وتنكشؾ الحقٌقة ...من ٌحب من ؟ األم تقول لولدها إننً أحبك وكذلك
األب البنته وكلنا معا ً فً سفٌنة الكذب والسخافة والسفاهة ..العالم بؤسره
ٌتحدث عن الحب وندمره باسم الحب ونحٌا الحرب بدأً من النفس وإلى كل
نفس وال نملك ذرة ال من الحب وال من المحبة وال من الرحمة ,وال نعرؾ
الفرق بٌن الرجمة والرحمة كل همنا المظاهر الجسدٌة وطعام الرجٌم
والعٌش الرجٌم لتحوٌل الجسم من آٌه إلهٌه إلى آله مادٌه ومن سلعة إلى
سلعة أصبح خلٌفة هللا أرخص سلعة لخدمة أؼلى األسلحة لدمار السبلم
واإلنسان وأٌن نحن من الرحمة ٌا أهل الرحمة ؟؟
إن الحب موجود فً األساطٌر وفً األشعار واألقبلم والقصص وعلى
شاشات الفضاحٌات وهذه هً التعوٌضات التً نستحقها ...ألننا ال نحب
أنفسنا نتعلق بالقصٌدة وبالفٌلم الؽرامً وباألؼنٌة من المشاعر وأجمل
اإلحساس هو ما نسمع عنه من الناس ...والمثل اللبنانً ٌقول " شم وال
تتذوق "والٌوم ال شم وال ذوق وال أي حاسة تحس برحمة هللا الحس أصبح
لتجارة الكساء والكسوة والؽباء ...المحبة مفقودة وكذلك الرحمة ألن
الخطوة األولى فً رحلة الحج ال تزال مفقودة ...
الخطوة األولى هً إن أقبل نفسً كما أنا دون أي فرٌضة أو واجب أو
إرضاء للؽٌر أو التوقع من الؽٌر ...رضى الناس ؼاٌة ال تدرك ..علًّ أن
أتعرؾ على نفسً وأكون نفسً وأحٌا األمانة التً احملها من رحمة
الرحمن لرضى الرحمن ...علًّ أن احترم وجودي الفرٌد والوحٌد
والممٌز وبكل جرأة وشجاعة أعلن هذه النعمة وأو ّقع إمضابً بكل فخر
وامتنان ألننً خلٌقة الرحمن وال أحد مثلً ال قبلً وال بعدي ...الخلق
واإلبداع سر الخالق فً خلقه ...ال تقع فً أي شرك تشرك به نفسك مع
المسٌح أو مع الحكٌم أو مع الحبٌب ...كن نفسك ومن عرؾ نفسه عرؾ
142
ربه ....عٌسى عٌسى وعلًّ علًّ وفرٌد فرٌد ورابعة رابعة عندما ال
أحاول أن أكون ؼٌر نفسً أسترٌح وارتاح وتظهر علٌنا ٌنابٌع الحكمة من
القلب ومن اللسان ...األكرم من كل كرٌم ٌكرمنا إذا كنا أمناء على أنفسنا
...ومن كان أمٌنا ً على القلٌل أكرمه هللا بالكثٌر ,ون َِعم هللا ال تحصى وال
تعد فلنبدأ بؤنفسنا أوال ً ...وهذه هً نعمه الجبلل والجمال والتناؼم مع
الجسم والنفس والروح عندبذ نتخطى الصراع والنزاع حٌث ال فرض وال
دعم وال قسوة أو عنؾ ,بل طوؾ وتعرؾ وعرؾ لمن عرؾ ..ومن
عرؾ ؼرؾ والمعرفة ألهل العرفان ومنهم العارفٌن باهلل ؟ أن لم تكن أنت
وأنا منهم فمن نحن؟
وإن لم نبدأ اآلن بالبحث عن الجذور والعطور فؤٌن هو الزمان والمكان
أٌها اإلنسان ؟
اآلن و هنا و معا ً نسٌر إلى باب المعرفة...
إن لم تعودوا كاألطفال "وإن لم تموتوا قبل أن تموتوا" أي الوالدة من
الفطرة وهذه هً نعمة البراءة هذه هً الرحمة وهذا هو مجد األلوهٌة فً
خلقه وفً محبة النفس فً جمٌع طبقاتها وأسرارها ...هذه هً النشوة
والؽبطة فً تقبل النفس كما هً وإذا حاول الشٌطان أن ٌؽرٌك وٌبدلك
فؤنت من عباد هللا الصالحٌن والمصلحٌن وطاقة الشر لن تقوى علٌك لكن
من أهل التقوى الثقة ...إننً متصالح مع نفسً كما أنا وشامل ومتكامل
مع جمٌع مخلوقات هللا هذا هو القرار المصطفى المختار وك ُّل منا مختار
فرٌد ومصطفى وحٌد وكل من حمد هللا إٌمانا واحتسابا ً هو محمد ...وكل
امرأة هً مرٌم وفاطمة وزٌنب وكل كلمة هً من هللا وكل ما نراه هو
كتاب هللا المنظور وأنت كتاب هللا الحً هذا هو الرضى بالنفس وبالخالق..
إذا رفضت نفسً رفضت الوجود بؤسره وكؤننً أحاول أن أحسّن ما خلقه
هللا ٌ ...قول هللا " ال تؽٌروا فً خلقً"ولكن ماذا أفعل بنفسً وبجسدي ؟
ماذا أؼٌر بالوجود ؟ وكؤن هللا أخطؤ فً خلقه وأنا أقوى منه وأستطٌع أن
أحسّن الوجود ...هذا كفاح ونضال ضال ومحكوم علٌنا بالفشل ...والفشل
هو سبب الكره والحقد والؽضب ومن أٌن ستؤتً الرحمة وأنا فً حال
الرجمة ؟ الرحمة تنبع من الجذور المتصلة باألصول ولكل وردة جذورها
وعطرها وتتناسق مع جارتها حتى سابع جار بكل تناؼم واحترام واعتزاز,
وهذا هو الفخر فً نوعٌة كل عطر حٌث ال تنافس وال تسابق بالحق بل
لكل زهرة عطرها وجمالها ومٌزتها الفرٌدة ...ومن هنا تفٌض الرحمة
143
حٌث الرضا بالنفس والترحٌب بما أعطانً الحبٌب ...ساعدنً ٌا هللا
ألكون كما خلقتنً ولما خلقتنً فؤنت األعلم واألرحم واألكرم ...
لنسٌر معا ً على ُخطا األنبٌاء ...وعلى الصراط المستقٌم ومهما رفضنا
واقعنا سنبقى على ما نحن علٌه ولو حكمت على نفسً باإلدانة وبالذنب
سؤبقى على ما أنا علٌه وإذا قبلت نفسً بفرح وشكر وامتنان سؤكون هذا
الكابن الذي تكوّ ن من المكون ,أي ال تؽٌٌر وال تبدٌل وال تحوٌل وما أن
قبلت وضعً بكل رضى وتسلٌم تنبع الرحمة من لبّ القلب واستقبل جمٌع
مخلوقات هللا كما خلقهم الخالق دون تدخل الفكر أو العقل أو القلب بل
الرحمة اإللهٌة دون أي شرط أو أي قٌد ...الطبٌعة تقبلنً كما أنا ولكن
الزاهد الحاقد الم ّدعً بالقداسة ٌرفضنً ألنه مكبّل بقوانٌن وشرابع من
فكره المحدود ال من رحمة الوجود
ما الفرق بٌن القداسة والرحمة ؟
القدٌس أُعطى شهادة القداسة من المإسسة الدٌنٌة ولكن الرحمة هً نعمة
إلهٌة لجمٌع مخلوقاته ...القدٌس ٌدٌنك ولكن المسٌح ٌرحمك ...القدٌس ال
ٌتحدث معك بل إلٌك دون أن ٌنظر فً عٌنٌك إنه صاحب مثالٌات وأراء
وأحكام وال ٌراك أبداً بل ٌقارنك بالقداسة التً ٌعٌشها وطبعا ً أنت دابما ً أقل
منه قداسة وإنسانٌة ...أنت مذنب وخاطا نسبة له ومن الصعب أن تعٌش
معه ألنه ال ٌقبلك ألنك ال تنسجم معه ألنه أرقى وأسمى منك ,وبالطبع
ٌرى فٌك الخطاٌا على مستوى أكبر ولكن القدٌس الحقٌقً هو الذي َق ِب َل
نفسه واآلخرٌن ..أحبَّ عدوك كنفسك وكذلك قرٌبك وبذلك قبل العالم بكل
رضى ومحبة وتسلٌم هذه هً صفة القداسة اإللهٌة وهذه هً طاقة الشفاء
عند القدٌسٌن المقدسٌن الذي ال ٌرى فًّ إال هللا ...
لذلك كن رقٌبا ً وحسٌبا ً وشاهداً على نفسك ال ؼٌر وتتحول من الرؼبة
والشهوة إلى الحبّ وإلى المحبة وإلى الرحمة ...إنها رحلة من الجهل إلى
العقل وإلى اإلدراك والٌقٌن ...
إن ٌَقٌنً ٌُقٌنً وهذه درجة الرحمة حٌث هً جمٌع صفات هللا الشافٌة
والمعافٌة...
إن لم نصل إلى الرحمة فنحن أموات بل فً ضبلل مستمر حتى ما بعد
الصبر ...
144
َ
تقربت من المسٌح كلما الرحمة هً عطر المحبة وهً الشافٌة ...كلما
فٌك الزهور والعطور وهذا هو نور هللا الشافً َ
وتفتحت َ َ
انمسحت بروح هللا
ألصحاب القلوب المإمنة ...
عندما ٌقول المسٌح إٌمانك هو الشفاء لك أي التقرب من هللا ال بالكبلم وال
بالفكر بل بالنور الساكن فً سكٌنة القلب ...فإذا علٌنا أن نقبل أنفسنا كما
نحن ونتعرؾ على هذه النفس وعلى سبب وجودها ودورها فً الحٌاة ...
وعندما أعرؾ نفسً أعرؾ من خلقنً ولماذا خلقنً ...وأسعى من كل
قلبً بؤن أعٌش األمانة التً من اجلها أتٌت إلى هذه الدنٌا ...
وما أرسلناك إال رحمة للعالمٌن ....علمنً وذكرنً بهذه الرسالة
وما على الرسول إال
الببلغ......
145
رحمته وسعت كل شًء
هذه هً الرحمة ...أن ترحم الخٌر و الشر كما ٌرحم سٌدنا الخضر ,و لكن
هل عندي صبر؟ علمنً رحمتك و صبرك على نفسً أوال ...لنسمع معا ً
هذه الحالة مع المرشد كبٌر...
كان فً حال الخشوع و العشق اإللهً و دخل علٌه اللص و معه سٌؾ حاد
و مسنون و صرخ به قاببلً"...حٌاتك أم مالك؟" فر ّد علٌه الشٌخ " ال
تزعجنً ...لك الحق فً الخٌار و الدٌنار فً الجارور" وعاد إلى تبلوة
القرآن و إذا به ٌتوقؾ وٌذكره قاببلً " ال تؤخذ كل المال علًّ إن ادفع
الصدقة ؼداً" جمع اللص المتطفل أكثر المال و هّم بالخروج وذ ّكره المذكر
صارخا ً "علٌك بالشكر عندما تحصل على النعمة" شكره اللص
وانصرؾ ...و بعد مرور عدة أٌام قُبض على ألحرامً و اعترؾ أمام
المحكمة باالهانة و اإلساءة إلى شٌخ العارفٌن و طلبوا من هذا المرشد أن
ٌدلً بشهادته و أتى إلى قاعة العدل و قال "هذا الرجل لٌس لصا ً ...هذا
بالنسبة لما عرفت ...لقد أعطٌته المال و شكرنً و لقد اعترفت بما
عرفت "...و بعد أن خرج المتهم من السجن ذهب إلى الشٌخ و أصبح من
أصلح المرٌدٌن...
ٌقول السٌد المسٌح ال ُتدِن كً ال ُتدَان ...و هذه رحمة مشروطة ألنه ٌتكلم
مع الٌهود و مع أهل العقل و القانون ,و لكن ألهل الحكمة ٌقول ال ُتدِن...
هذه هً الرحمة حٌث ال مساواة و ال صفقة بل رحمة إلهٌة مطلقة مكتفٌة
بذاتها دون أي تقٌٌم أو تقدٌر أو تخمٌن ,أي ال قداسة و ال نجاسة و ال خٌر
و ال شر ,و من هذا المقام أتت نعمة الشهادة ...اشهد أي أرى بعٌن
البصٌرة ...عٌن المٌزان و العدل ...عٌن الصلٌب حٌث الدنٌا و اآلخرة فً
لقاء مستمر على ممر النور ال عٌن التهذٌب و الذنب و األخبلق و
المذاهب االفتراضٌة بل عٌش الفطرة الطبٌعٌة حٌث ال خوؾ و ال طمع
بل حبا لنفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم أخً فً هللا و اإلنسانٌة...
إن الرحمة ال تعرؾ المساومة و لكن علماء الدٌن وضعوا الشروط حبا ً
بالتقٌد بها" ...ارحموا من فً األرض ٌرحمكم من فً السماء" " ,ال تدٌنوا
لكً ال تدانوا" ,هذه مساومة و تجارة باسم الرحمة ...إنها تجارة ألهل
الفكر ...أهل الخوؾ و الطمع و الجشع ,و هذه هً األنانٌة التً تحطم
الجمال الجبلل فً رحمة الرحمة ...الرحمة لٌست نصٌحة بل عطر هللا فً
خلقه و لٌست وصٌة األهل لؤلوالد بل رحمة الرحمان للعباد" ...ال ُتدِن"
هً الرحمة اإللهٌة...
146
"لببل تدانوا أو كً ال تدانوا" هً وصٌة أخبلقٌة دون أي جوهر أساسً أو
جذري ...بل هذه جملة عقد أو وصٌة التً دمرت و رجمت و صلبت
الرحمة...
أهل الحكمة ال ٌعترفون بؤي شرٌعة أو قانون أو وصاٌا بل الرحمة
الرحٌمة التً تقبل كل شًء كما هو ,ال خٌر و ال شر بل أن نرى هللا فً
كل شًء ...هذه شجرة كبٌرة وبقربها شجرة صؽٌرة ...واحد عنده أخبلق
والثانً فاسق ...هذا ٌصلً وذاك ٌسرق و لوال ٌوضاس لما تعرفنا على
المسٌح ...هذه نعمة التناقض ...إن الحكٌم ال ٌفرض أي وصٌة أو نصٌحة
ألن الكمال قرض عصبً و لكن النمو المستمر بالتؽٌٌر هو نظام الكون
الثابت ...هذه هً الرحمة التجاوزٌة التً وسعت كل شًء و تسمو بنا من
األبد إلى المدد دون أي خوؾ أو طمع ال من جهنم وال من الجنة ...إن
علماء الدٌن وضعوا الشرابع لزرع الكابوس فً النفوس و هذه هً الرشوة
التً تحرر المذنب من العذاب لذلك نرى المعابد و المساجد و الهٌاكل تبنى
حول األرض لخبلص الشعب من نار جهنم و لراحة رجال الدٌن فً
الجنة ...هذه هً لعبة الهر والفؤر ,علفى مدار الدهر ...و أٌن هو الحل؟
الحل فً العقل ....أعقل أٌها اإلنسان و انظر بعٌن البصٌرة حٌث ال ذنب
و ال عٌب ,و هذه هً الحرٌة من الرذٌلة و من الطمع و من الخوؾ ,و ال
تتقٌد "بمخافة هللا رأس الكنٌسة" ...ال رأس وال حكمة ...الحكمة لٌست فً
الرإوس و ال فً النصوص بل فً النفوس الطاهرة من أي تلوث فكري و
عقبلنً ...إن هللا محبة و المحبة ال تعرؾ الخوؾ و ال العذاب و ال
اإلدانة...
ال جنة و ال نار ...بل عٌش اللحظة فً ٌقظة ...االن و هنا سر كٌان
اإلنسان من هنا إلى هنا و من االن إلى االن مسٌرة كل إنسان...
واجه الخوؾ ...إن خفتم من شًء فادخلوا فٌه ...اإلنسان الذي ال ٌزال
على الفطرة ٌكون أقل خوفا ً من اإلنسان المتدٌّن الذي ٌعٌش الخوؾ و
الذنب و العقاب و الحرمان من الجنة و الى ما هنالك من تفاسٌر عن النار
والنور ...حتى فً زمن المسٌح عندما كان فً أش ّد أٌامه و ساعات محنته
كان تبلمٌذه ٌسؤلونه من سٌكون معك فً السماء؟ كان كل همهم المقاعد و
السلطة فً األرض و فً السماء ...طبعا ً اعترفوا و أقرّ وا بؤن ٌسوع هو
147
األقرب إلى هللا و لكن من منهم سٌكون األقرب إلى ٌسوع؟؟ هذا القلق
سبب الطمع و الخوؾ من خسارة كرسً الرآسة أو المنصب الربٌسً...
لن ٌهتم أي واحد منهم بصلب المسٌح بل بالمصالح الشخصٌة ...هذه هً
حالة جمٌع الدٌانات ...من سٌكون الخلٌفة من بعدك أٌها النبً؟ إن الطمع
هو سبب الخوؾ ...الجشع للمال أو هلل ...أصبح هللا هو المال أو المال هو
هللا ...ال نزال من طمع إلى طمع و اآلن نخاؾ من الوضع السٌاسً و
االجتماعً و السلطة الدٌنٌة أو القانونٌة أو أي سبب ٌزر ع فٌنا الطمع و
الخوؾ فً الحٌاة و فً الموت ,و نطلب النجاة من النار و من ٌوم
الحساب و ٌوم الدٌنونة ,حتى القدٌسٌن فً الدٌانة المسٌحٌة نرى حٌاتهم
كلها خوؾ و إرهاب و ترهٌب و ترؼٌب و دابما ً على عتبة الباب اما
الجنة و إما النار والمسٌح على الصلٌب ...و لماذا هذا الذنب و هذا
العذاب؟؟ طبعا ً لنكون عبٌد رجال الدٌن...
العابد ال وسٌط بٌنه و بٌن الخالق و لكن العبد أصبح سلعة بٌد تجار
الدٌن ...و لكن الرحمة ال ُتدِن و ال تحكم و ال تفرّ ق و ال تظلم بل تقبل كل
شًء كما ٌشاء الخالق و المخلوق ...علٌنا أن نفهم و ندرك سبب وجودنا و
أن نحٌا حرٌتنا مع أنفسنا و مع خالقنا دون أي وسٌط عندبذ نحٌا السكٌنة
حٌث ال خوؾ بل "طوؾ و شوق" ...ادخل إلى القلب و سترى سرّ الرب
و من عرؾ ربه عرؾ سره ...ال تتحرك ال مع الطمع و ال مع الخوؾ,
هذه الحالة عملة واحدة ذو وجهٌن ...الطمع ٌخاؾ و الخوؾ ٌطمع و معا ً
ٌسٌران فً السراء و فً الضراء ...وحده الفهم أو اإلدراك أو الوعً
ٌقوٌنً ألرى األشٌاء كما هً و أن اقبل الوجود بعقلً و بقلبً كما هو .و
هذه هً رحمة هللا على عباده أجمعٌن...
ٌا هللا ساعدنً حتى أرى األشٌاء كما هً ألن الوعً هو المشاهدة
بالبصٌرة و القدرة على االستٌعاب من القلب إلى لبّ القلب ...منذ ألوؾ
األجٌال و ال أزال من جهل إلى جهل أرفض الحب و أستقبل الحرب من
دمار إلى دمار أكبر ,حتى اخترعت القنبلة الذرٌّة ألدمر جمٌع
االختراعات .اللصوص ال ٌزالون ٌتحكمون فً الرإوس و النصوص و
النفوس وكذلك المجرمٌن و علماء الدٌن و المفسدٌن و المفسرٌن...
اإلمراض تزداد و األدوٌة و التجارة بالصحة و اإلنسان و السجون دخلت
البٌوت! و القوانٌن؟ حدث و ال حرج .باسم العدل ازداد اإلجرام و
الجهل ...و الفسق و الفجور فً األكواخ و القصور ...و أٌن األنظمة؟ انها
تزداد تعقٌداً و تفٌداً و طبعا ً لخدمة المحامً ألحرامً ألنه هو حامٌها و
حرام من "المباشر" حتى القاضً و من البواب نستقبل الجواب "أهبل
148
بالجٌوب قبل األحباب" ,وأٌن الجواب "ال فً المساجد و ال فً المدارس و
ال فً المشفى و ال فً السجون ,و رحم هللا البٌوت و أهلها ألن األم ماتت
من األمومة و األب ؼٌر موجود أصبل و ال فعبلً و ال معروؾ أصبلً بل
همه المال و المٌول ,و هذه هً حالتنا منذ التارٌخ و حتى الساعة نتعلم
االجرام من أهل السٌادة و االحترام .لقد تعرفت على بعض السجناء و قال
لً أحدهم أننً زابر مستمر إلى السجن ,انه مدرستً حٌث أتعلم المهارة و
البراعة فً السرقات المهمة و أعرؾ الطرق الؽامضة للهروب و للتهرٌب
بالطرق القانونٌة و أكثر القضاة أصدقابً و كذلك رجال األمن ,و األنا
أصبحت من أهم الخبراء فً التعلٌم ...أدرب السارق على أفضل الطرق
كً ال ٌقع فً الفخ ,و االنتباه و المراقبة و الحذر من كل خطر .لكل مهنة
شروطها و قانونها و اإلنسان القانونً الذي ٌفرض و ٌدعم و ٌقرر قوانٌن
االجرام و هو أٌضا ً من العابلة المجرمة ألنه ٌتعامل معهم على أساس
العمولة و هذا هو االنصاؾ فً العدل ...األمن و القانون و الجرٌمة شبكة
واحدة موحدة فً شركة أهل الشرك...
التارٌخ ٌعٌد نفسه بؤلم أكبر و أكبر و الى أٌن المصٌر؟
األنبٌاء تقول بؤنّ التؽٌٌر ٌبدأ من النفس و المعرفة هً الباب و اإلدراك و
هو الصواب و الٌقٌن هو الرضى و التسلٌم ,و أٌن هو العلم و التعلٌم! هو
فً النفس التواقة إلى هذه النعمة ,طوبى للعطاشى إلى التؤمل ...إن ؼار
حراء فً كل قلب ٌحب السبلم ...الكتاب المقروء هو بٌن ٌدٌك و فً قلبك
الجواب استفتً قلبك ...أسؤل نفسك ...تؤمل فً التارٌخ و فً هذه اللحظة
و أٌن الجواب؟ أٌن الٌقظة؟ ما هً فكرة الجنة و النار؟ من الذي اخترعها
و لماذا؟ هً أٌضا ً مكافؤة و عقاب و لماذا الشعور بالذنب؟ ما هً
الخطٌبة؟ كلنا فً ظبلل ...و أٌن هو الصراط المستقٌم؟ هذا هو الباب إلى
الحق ...أرشدنً و كن أنت الدلٌل و أنت الحبٌب إلى القلب...
أنا لست بحاجة إلى أي مقام أو أي وسام أو أي شهادة ,بل التوحٌد باهلل هً
الحٌاة التً بها و معها نحٌا لؤلبد ...التوحٌد بقدر الحدود و ٌلؽً الحواجز
و ٌسلّط األضواء على الوضوء األكبر و نرى األلوهٌة بٌن البصٌرة دون
أي شرٌعة أو أي فرٌضة ,بل كما خلقتنً ٌا هللا ...أنا لست بحاجة إلى أي
قدٌس أو أي مرشد أو معلم أو أي كتاب أو أي عالم بل إلى أخ من أهل
الطرٌق إلى األخ باإلنسانٌة و باألخبلق و بالتقوى إلى األخت التً ترانً
كما ٌرانً هللا دون أي تؽٌٌر أو أي تبدٌل أو تحوٌل ...هذه هً الرحمة فً
المعاملة أن أقبل نفسً كما أنا اآلن دون أي شرط أو أي التزام ,هذا هو
العلم بالٌقٌن و بالمعرفة .من هذه المعرفة تنمو البذرة و تسمو إلى درجات
149
السمو اإللهً بالفطرة الطبٌعٌة ألنها نتٌجة الرضً و التسلٌم ...الرحمة
تؽٌرنا دون الكبلم عن التؽٌٌر ...تحصٌل حاصل دون عمل حٌث الٌمن و
الفرح ٌنمو و ٌسمو من تلقاء نفسه انها نعمة من هللا لٌست بحاجة إلى تقٌٌم
أو تقدٌر بل فٌض من روحه الرحٌمة إلى جمٌع مخلوقاته دون قٌد أو شرط
بل لتكن مشٌبتك ٌا هللا ...علٌنا أن نعقل و نتوكل ...و أنت خٌر العارفٌن...
ان للرحمة أبعاد تتؤلق مع جمٌع العباد لتحولنا من الفكر إلى الذكر ...و هذا
النور ٌسطع من البصر إلى البصٌرة حٌث ترى و تشهد بوضوح مباشر و
مواجه مع الموجات الطبٌعٌة فً اإلنسان و فً األرض دون أي منع أو
ُ
حددت من تؤخٌر أو إعاقة أو أي أذى ...ألنه إذا قلت "هذا رج ٌل صالح"...
وجود ِه و قٌَّد ُت ُه بصفة من فكري و وضعت علٌه عبلمة و صنفت ُه فً
خزانة خاصة ...لقد قررت و أصدرت قراراً مرتجبلً انه طالح أو
كشفت سره وؼموضه "انه ُ صالح ...علّبت ُه و حجّ مت ُه على ذوقً و فكري و
صالح"" ,انه كرٌم"" ,انه كذاب" ,و هكذا أتعامل معه و أتفاعل مع هذه
الصفات دون أن أرى و أشهد لهذا اللؽز و هذا السر اإللهً و هو مرآة
لً ...ما لم أتعرؾ على نفسً ال أستطٌع أن أتعرّ ؾ على أي نظرة
أخرى...
اإلنسان ٌتؽٌر مع كل نفس و نفس ...فً الصباح أكون جٌدة أو صالحة و
متصالحة وفً المساء ذهب الحب و انفجر الؽضب و فً اللٌل أتت
السكٌنة ...و من أنا؟ من أٌن تؤتً هذه المشاعر و هذه االنفعاالت؟ أٌن هذا
الرجل أو هذا الزوج أو الصدٌق الذي كان محبا ً و كرٌما ً منذ لحظات؟ مع
من أتكلم و مع من أحٌا؟
هذه هً الصفات أو العبلمات التً أضعها على كل إنسان كاألسعار
تماما ً ...لكل آلة أو سلعة سعر خاص ٌتؽٌر حسب المواسم و كذلك نتعامل
مع الناس .أنت االن جٌد جداً ...ممتاز ...لص ...سٌاسً ...قاضً ...أم...
زوجة ...و الى ما هنالك من أدوار و أسعار و شعور ...حوّ لت نفسً إلى
آلة و نسٌت بؤننً اٌة خلقنً هللا بعناٌة ,و أهملت هذه النعمة و حولتها إلى
نقمة ,و االن أنتظر الدفن فً العناٌة الفابقة تحت اسم البٌت أو الدار أو
القصر ,و ال اعرؾ شٌبا ً عن نفسً و حٌاتً و دوري ,بل فً ؼٌبوبة
أنتظر القبر بدون صبر ...هذا هو إنسان الٌوم حول العالم ...مشاكلنا ال
ُتع ّد و ال تحصى كلها معقدة و مقٌدة بالصعوبات و المشاكل التً ال تح ّل و
ال تم ّل ألننا تعودنا على هذا النمط من الحٌاة و العادة أصبحت عبادة و
إبادة...
150
راقب نفسك الٌوم ولو لمرة واحدة ...مع من تتحدث االن؟ مع زوجتك أو
مع فكرك؟؟
كن صادقاًَّ مع نفسك و سترى الحقٌقة بنفسك ...أنت االن مع زوجتك فً
السرٌر...
هل أنت فً السرٌر أو فً المكتب ...هل أنت مع الزوجة أو مع أي
شخص أو مع عدة أشخاص؟ هل أنا أكتب االن و أنت تقرأ أو أنا اقرأ؟
ماذا نفعل االن؟ٌ ...قول الحبٌب
"نحن قوم ال نؤكل حتى نجوع" ماذا قصد فً كلمة قوم؟ التوحٌد مع الجوع
و مع مشاعر القوم؟ العٌش مع الحق الصادق بكل لحظة؟ التوحٌد مع
الجسد؟ ...مع األرض؟ إننً أفكر باألخر و األخر أٌضا ٌفكر باألخر ...و
ما هذا الحشد أو الجمهور إال األفكار التً تتبلعب و تتضارب فً الفكر و
النفس و ما هو الحل؟ اإلنسان الحقٌقً و الواقعً هو سٌل من األنهار
تتدفق و تجري من لون إلى لون و من مكان إلى مكان ,و هذه هً الحٌاة
الحٌة فً كل كٌان كابن فً سر الزمان ...طالما أنت ال تزال تجري فً
نهر الحٌاة فؤنت ؼٌر ثابت و ؼٌر مستقر من حٌث الفكر ...عندما سبل
الحكٌم "هل أنهٌت عملك الٌوم" أجاب كٌؾ استطٌع أن أنهً عملً و أنا ال
زلت على قٌد الحٌاة؟" لكل حدث حدٌث و لكل مقام مقال ,و انظر إلى
الطبٌعة انها فً عمل مستمر من فصل إلى فصل و من لحظة إلى لحظة و
التؽٌٌر نظام طبٌعً ثابت و مستقر بقراره...
إن الوالدة و الموت هً فً كل َن َفس و َن َفس ...بٌن الشهٌق و الزفٌر نرى
و نشهد و نتابع الحج إلى ما شاء هللا ...طالما أنت ال تزال حٌا ً فالتؽٌٌر
حً فٌك حٌث ال صفة ترضٌك ...الصفة هً لؤلموات حٌث ال تؽٌٌر و ال
تبدٌلٌ ...مكنك أن تكتب على القبر أي صفة ألنه مٌت و الصفات الثابتة
هً من حق األموات ألن التؽٌٌر من حق اإلحٌاء ...و لكن عندما تقول
"ابنً ولد مطٌع و عاقل و شاطر و زكً و بحبنً" و الى ما هنالك من
صفات تذكر بؤنها مجرد صفة تتؽٌر بلحظة و كؤنك تصؾ أي سلعة و
تسعرها فً ملؾ خاص و من هنا تبدأ المشاكل ألننً سؤدعم هذا الملؾ
وهذا العمل المصنؾ ...أقول "بؤن ولدي مزعج" سٌبدأ باإلزعاج لٌبرهن
لً بؤننً صادقة و بؤنه ٌحبنً ...هذا هو التفكٌر البلواعٌ ...خترع و ٌبتكر
أدوار جدٌدة لئلزعاج ألنه ٌحب أمه و سٌبرهن لها بؤنها على حق ,و هذه
المساومة تبدأ ما قبل الحمل و بعده ...من الرحم حتى ما بعد " هللا ٌرحمه
هو و أهله"...
151
لنستمع معا ً و لنتمتع معهن ...ثبلثة نساء ٌتفاخرن عن أوالدهن حٌث قالت
األولى "ولدي عمره خمس سنوات و ٌكتب قصص للكبار و للصؽار و لقد
تفوق على أهم الك َّتاب و الشعراء ".
و قالت الثانٌة "انه ال شًء بالنسبة إلى ولدي ...انه فً الرابعة من عمره
و ٌرسم لوحات أهم من بٌكاسو و ؼٌره و ال ٌستخدم أي رٌشة بل فقط بٌده
و أكثر األوقات ٌرمً األلوان على اللوحة الزٌتٌة و تظهر الظاهرة
الؽرٌبة من هذا البارع و المبتكر و المبدع".
و قالت الثالثة ...أوالدكم ال شًء بالنسبة إلى و لدي ...انه فً الثالثة من
عمره و ٌذهب بنفسه إلى الطبٌب النفسانً"...
إذا صنفنا أوالدنا دفعنا بهم إلى الجنون ...إلى التدمٌر ...جمٌع الصفات
تدمر الكبار و الصؽار و من السهل جداً أن نتبع أفكار األكثرٌة ألننا نمٌل
إلى الفكر الجماعً ,ألننا تخلٌنا عن الشخصٌة الفردٌة المستقلة و األصٌلة
بإحالتها و بجوهرها ,و أصبحنا نسٌر مع القطٌع حسب حسابات الراعً...
راقب سمعك ...سمعت إشاعة ماذا فعلت بها؟ نعم صدقتها و نشرتها حسب
فكرك و هكذا تصبح الحقٌقة كذبة و الكذبة حقٌقة و نتهم و نلوم و نوجه
إصبع االتهام إلى صدى اإلشاعة التً كتبت بؤحرؾ من إشارات ضوبٌة
على فبلن أو فبلنة و ال مفر من االنسجام مع البلفتة و العٌش مع التهمة
ألن المجتمع فرض علً فرٌضته بؤننً سارقة أو داعرة أو زانٌة أو كافرة
و الى ما هنالك من أوساخ و اآلم نفرؼها من إناء إلى إناء و هذه هً
مسٌرتنا مع األوانً دون الدخول فً سر المعانً ...و مع الوقت تصبح
التهمة حقٌقة كالدعاٌة تماما ً و أتصرؾ حسب الطلب و الذنب و هذه هً
حال المجتمع العالمً و بنوع خاص فً األمة العربٌة حٌث ال نقرأ و ال
نسمع و ال نصؽً و ال نفهم و ال نحفظ بل ننشر ما ال نعلم ...لذلك نستثمر
فً نشر الدعاٌات و الدعارات و انظر إلى الفضابٌات و الفضاحٌات و الى
ما هو آت و ال حول و ال قوة إال بك ٌا ارحم الراحمٌن...
لنتذكر قصة الزانٌة التً أتت إلى الرسول و قالت له انها حامل و طلبت
منه الموت ,لكنه أعطاها الرحمة و قال لها :بعد أن تلدي .و عادت و قالت
لقد ولد الطفل و أرٌد الموت ألتخلص من هذا العذاب ...وطلب منها أن
ترضع طفلها حولٌن ,و هذه هً الرحمة ألنها لٌست بزانٌة...
كتب على ابن ادم الزنا بحواسنا و أفكارنا و من األلم نتعلم و هذه هً
مدرسة الحٌاة...
االمتحان ٌؤتً قبل الشهادة على عكس مدرسة الكتب ...شهادة هللا فً القلب
و شهادة الدولة على الحابط لخدمة الجٌب ...هللا لم ٌصنؾ عباده بل كلنا
152
عٌاله و كلنا إخوة فس هللا و كل فرد فرٌد و ممٌز و خلٌفة هللا الوحٌد حٌث
ال استنساخ و ال عملٌات تجمٌل و تشبٌه...
و مهما فرض علً من تقالٌد و قٌود سٌؤتً زمان اهرب به من االدعاء و
اخلع عنً هذا القناع و أعود إلى القناعة و أعٌش مع نفسً لنفسً و ابتعد
عن أي خدعة و عن أهل النفاق و أحرر نفسً من السجن الداخلً إلى أن
أتعرؾ على هذا السر الساكن فًّ ,عندبذ أعود إلى العالم و أرى باب كل
وجه هو مرآة لً و أنا المسإولة عن هذه الصفات التً رأٌتها فً الناس و
أعتزل ,و لكن دون أي تبرٌر بل حبا ً بالخلوة و بالجلوة ألن هللا إذا أحب
عبده عزله عن العالم و هو فً العالم ...أنت سٌد الدنٌا و عابد هللا...
تذكرت هذا اللقاء مع احد العارفٌن باهلل...
قلت له "هنٌبا ً لك ٌا سٌّدي ...ما هذه القوة التً تملكها حتى تركت العالم و
انصرفت إلى هللا؟ ...فابتسم و قال لً "أنت األقوى ...إننً تركت الدنٌا
ألنها ضعٌفة و سخٌفة و تافهة و اتجهت إلى هللا ,و لكن األقوى منً هو
الذي ٌترك األقوى و ٌتجه إلى األضعؾ" ...انها شعلة من نور تذكرنً
بضعفً و بقوة هللا فً ضعفً و الى أٌن أتجه؟ نعم أٌنما تولٌتم فتم وجه
هللا ,و لكن بعد أن نرى هللا فً كل شًء ...و هذا ما أسعً إلٌه و األمل
فً رحمته التً وسعت كل شًء و أنا شًء ...أعٌش التنافر و التقلب
علنً بذلك أتؽلب على الشٌطان الذي ٌوسوس فً نفسً ,و ال نخاؾ طالما
نتمسك باألصول و بالجذور و نعٌش األضداد و التناقضات ,و هذه هً
حرٌة الخٌار فً الخلٌفة المختار ...نحٌا الشر و الخٌر و نرى هللا فً كل
شًء...
من هو اإلنسان الحر؟ من هو المختار؟ من هو المصطفى؟ من أنت؟ ال
تحتار ...أنت الحرٌة و أنت الحٌاة و الموت ولك الخٌار ٌا سر هللا ...أنت
ٌساري و أنت ٌمٌنً دو ن أي منع أو إعاقة بل الرضى و االحترام ألي
خٌار و ألي مقام ...أٌها الكافرون لكم دٌنكم و لً دٌنً...
هذه هً الرحمة و الحرٌة ...أنت منفتح و أبوك منطوي على نفسه و لنا
الخٌار مهما كان خٌارنا ...حرٌتنا هً التً تختار ما تشاء فً أي لحظة
تشاء ,و لك الحق أن تدعو هللا بما تشاء...
اللهم اجعل ما أشاء موافقا ً لما تشاء كً ال ٌصٌر ما أشاء مخالفا ً لما
تشاء ...و هللا ٌستجٌب الدعاء النابع من لبّ القلب حٌث الوصل
باألصول ...و لكن تعودنا أن نفرض نموذج خاص على البشر لٌكونوا
كالقطٌع األعمى الثابت فً الرأي ,و هذا هو اإلنسان الذي نقدره ألنه
مطٌع لؤلوامر و لبلنسجام مع الحاكم ...هذا هو الموت حٌث ال حٌاة لمن
153
تنادي ,فً الدنٌا أعمى و فً اآلخرة أعمى و أض ّل سبٌل ...عندما تقولٌن
بؤن زوجك جدٌر بالثقة ماذا تقصدٌن بهذه العبارة؟ أي ال ٌلتفت إلى أي
امرأة ؼٌرك؟ أي أنه مٌّت شعورٌاً؟!! إذا ال ٌنجذب إلى أي امرأة كٌؾ
ٌنجذب إلٌك و معك؟ أنت امرأة! هل ٌ ّدعى و ٌتظاهر لك بالحب؟ إذا كان
ال ٌزال حٌا ً و التقى بامرأة جمٌلة فالحٌاة تدعو الحٌاة ,و كذلك عند المرأة
أٌضا ً ...الحب و الجذب ال ٌموت انه النبض و الفٌض الحقٌقً فً طبٌعة
اإلنسان ,هذا ال ٌعنً أن ٌذهب إلٌها و لكن الجذب و االؼراء و التشوٌق و
الجاذبٌة طاقة طبٌعٌة ,لٌس من الطبٌعً أن ننكرها أو نرفضها ...الرحمة
تقول :كن صادقا مع حرٌتك عندبذ تنمو فٌك الذات اإللهٌة و تحٌا الكٌنونة
الممٌزة دون أي صفة من ؼٌر توقع أو تكهن ...كن متدٌن و لكن أبعد من
أي صفة أخبلقٌة أو دٌنٌة ...هذه هً الحقٌقة المستقلة المنعزلة عن الفكر و
العقل و عن أي طبع أو سمعة أو خلق ...الرحمة أبعد من األخبلق و من
جمٌع الصفات المصنعة ...الرحمة هً ؼٌث اللحظة بتجاوب من القلب
دون العودة إلى الماضً أو التنبإ بالمستقبل بل كن فسٌكون...
لنصؽً معا :صاحب الطبع ٌحٌا الماضً ألنه متمسك بالتارٌخ ...الحبٌب
صاحب أخبلق ال أطباع و األخبلق تنبع من اللحظة أي بالتجارب مع
القلب حسب الطلب ال حسب الطبع ...الطبع ٌؤتً من الماضً ...الطبع
ؼلب التطبع لذلك ٌعٌد الماضً و كؤنه فونؽراؾ أو آلة أو ببؽاء تعٌد
التسجٌل ...ال شًء جدٌد بل إعادة تجدٌد و ترمٌم و هذا إنسان نتكل علٌه
ألنه حدٌد ٌتكلم ال ٌتؽٌر بوعده و بكبلمه ,ثابت على رأٌه له منفعة خاصة
و فابدة كبٌرة لكنه آلة ال حٌاة لمن تنادي ...اآللة لها طبع ثابت و تستطٌع
أن تعتمد علٌها لذلك ستحل محل اإلنسان ...انظر إلى الجمل و الى السٌارة
الجمل هو ملك الصحراء و له شخصٌته الممٌزة و له طبع ٌتؽٌر مع
الفصول و مع األحوال و ٌتجاوب مع الطبٌعة و مع أهلها ,باألمس كان
مطٌعا ً و الٌوم أصبح متمرداً و من الممكن أن ال ٌصؽً إلى صاحبه بل
ٌعصى أوامره ...عنده ذات و عزة نفس على عكس السٌارة التً تسٌر كما
ٌؤمرها السابق ...ترمً بنفسها من الجبل إلى السهل أو الى البحر دون أي
اعتراض و لكن الجمل ال ٌقبل االنتحار بل ٌرفض و ٌدعك أن ترمً
بنفسك لوحدك و لكن اآللة ال تعرؾ الحٌاة ألنها سلعة جامدة صنعت
لخدمة اإلنسان ...و هذا ما نراه الٌوم فً عصر اآللة التً تعمل على مدار
الساعة و تستطٌع أن تتكل علٌها و جدٌرة بالثقة ,و هذا ما نحاول أن نفعل
باإلنسان أي أن نحوله إلى آلة ,و لكن لم نفلح بعد لذلك نطوّ ر اآللة لتصل
إلى درجة األنسنة و أفضل ,و بذلك تحل محل الناس و ترحل من كوكب
154
إلى كوكب و من مجرة إلى مجرة و لماذا االتكال على البشر طالما الحدٌد
و الحجر أفضل من البشر؟؟ اإلنسان طبعه مزاجً ألنه ٌتفاعل مع ذاته
البشرٌة المتصلة باألسرار اإللهٌة و تحٌا اللحظة بؤوامر من قلبه و روحه
و ال ٌعود إلى الماضً أو المستقبل بل ٌحٌا اآلن و هنا بوالدة جدٌدة بٌن
كل نفس و نفسٌ ...تجاوب مع نفسه و مع جاره و ٌحٌا البراءة و الحكمة
على الفطرة و العفوٌة و ال ٌردد كلمات مبتذلة كرجال السٌاسة و الدٌن و
التجار بل ٌتحول مع الحال حٌث ال تارٌخ و ال مستقبل بل اآلن هو الزمان
و المكان ٌصؽً إلى لؽة اللؽات أي إلى صمت المعرفة و هً أبلػ من أي
كبلم و ال ٌعرفها إال العارفٌن باهلل...
لماذا قدم الحبٌب البُردة إلى أوٌس الذي لم ٌراه احد؟ قبل أن ٌرحل النبً
أوصى بؤن ُتعطى بُر َد ُت ُه إلى أوٌس القرنً و ذهب االمام علً ٌبحث عنه
فً الصحراء مع الناقة و تعجب من هذا الدروٌش الفقٌر الذي أحبه
الرسول دون أن نراه أو نعرفه ...و تعرؾ علٌه و قال لئلمام علً " :كنت
معه فً معركة أُحُ د و هذه عبلقة مشتركة حٌث و قع سنً و هو أٌضا ً
خسر نفس السن و فً الوقت نفسه و عند لحظات كان هنا و تحدثنا معا ً
"وسؤله االمام علً" :لماذالم تؤتً إلى مكة و المدٌنة ,لماذا لم نراك؟" غ لقد
سمعته ٌقول "علٌنا أن نقوم بواجبنا تجاه أهلنا و عٌالنا و األرض و
الحٌوانات و كلنا نلتقً بالعمل الصالح و كل عمل عبادة و كنت أخدم أمً
و اآلن رحلت إلى اآلخرة ,و لكن عندي هذه الناقة ال زلت أهتم بها "...و
لما سؤل كٌؾ ٌرى النبً أجاب "إننً أراه بعٌن البصٌرة و بحال الحق"...
و بكى األمام علً و قال" :لقد رأٌته بالحق مرة واحدة" أي بالجسد اإللهً
أي محمد الحقٌقً ؼٌر محمد التارٌخ ...االٌمان لٌس بمحمد بل باهلل الحً
و محمد حً مع الحً القٌوم ...و لكن لماذا اختار أوٌس بدالً من الصحابة
أو األهل أو أي من األصدقاء...؟ ألن لؽة الصمت هً لؽة اإللهة و أهل
النور ,و هً أقوى من لؽة الصوت و الصور و الكبلم ...انها اللؽة النابعة
من لبّ القلب و تنتشر حول العالم و أسراره ,و أوٌس كان أحد هإالء
األحباب الذي ٌتجاوب من لبّ القلب و هذه هً على سرر متقابلة ,إنهم
اآلن و فً كل زمان ...هإالء العارفٌن متقابلٌن فً جنة اللحظة حٌث
الكشؾ عن البصٌرة أبعد من حدود الوصؾ بالكلمات ,و هذا ما فعل به
اإلمام علً قبل أن ٌقتله أبو ملجم حٌث أتى رجبلً إلى المسجد و م ّد ٌده إلى
األمام فؤعطاه الخاتم دون أن ٌنظر الٌه بل وضع الخاتم فً ٌد السابل و
نظر إلى القاتل و قدم نفسه قاببلً "فزت و رب الكعبة" ...هذه هً لؽة
الصمت ...لؽة ما قبل البدء و بعدها ...لؽة أهل البٌت حٌث ال بٌت لهم فً
155
الدنٌا ...و من عرؾ الحق أكرمه خالق الحق ...و هذه هً لؽة الصمت
ألهلها ...أهل الكبلم ٌعطً لهم الكبلم" ,و فً البدء كانت الكلمة" و لكن
السكٌنة كانت و ال تزال قبل البدء و ألهل السكٌنة حٌث ال كبلم و ال لؽو
بل سبلم دون أي كبلم ...و لكن من نحن فً مرتبة الكلمة؟ أٌن نحن من
رتبة و رؼبة الشرٌعة؟ ال أزال أتلمس الطرٌق و أبحث عنك أٌها
الصدٌق...
لماذا قال األمام علً "فزت ورب الكعبة"؟ ما هو سر هذه المعرفة؟ ما هو
هذا االمتحان؟ الحٌاة امتحان و محنة ...نؤخذ الشهادة و نشهد لها مدى
الدهر ...كان شاهداً لها حتى ما بعد السٌؾ من خادمه ...و فرح و رقص
رقصة الموت و الشهادة و الحٌاة األبدٌة ...كان بصمته ٌحٌا فً كل
لحظة ...كان ٌتجاوب من القلب إلى القلب ال من الفكر أو من التارٌخ أو
من المستقبل ...كان هو سٌؾ الفصل و الوصل و الفاروق بٌن الحق و
الباطل ,ال ٌنام أبداً بل شاهداً ساجداً جسده ٌنام و هو مع الحبٌب إلى
األبد ...كان ٌتحدث مع الناس بلؽة الببلؼة و الجفر و العلم و األبعاد و مع
الخالق كان صامتا ً ٌصؽً و ٌنصت إلى لؽة اللؽات التً هً بٌن كل نفس
و نفس ,هً الفجوة حٌث الجلوة و الخلوة و هذا هو التجلً مع الجبلء و
َعلًِّ مع أهل الدنٌا و الببلء ,هذا هو علم التوافق عند أهل الصمت...
صمت الزهور ال صمت القبور و هذا هو سر التجاوب و االنفعال ...إن
التجاوب ٌتؽٌر من حال إلى حال و السإال نفسه ال ٌتؽٌر و لكن التجاوب
ٌتؽٌر مع تؽٌٌر الكون و القلب فً حال انسجام مع هذا التناؼم ...اآلن أنا
تؽٌرت من حال إلى حال...ُ سرقت و لكن اآلن ؼٌر اللحظة التً مرت و
اللؽة ال تتؽٌر و لكن تؽٌرت الصورة و الصمت فً تؽٌّر مستمر و الحق
ٌنبع من الصمت الحً الذي ٌتكامل مع هذه الوالدة البتولٌة المستمرة مدى
األبد ,أي فً كل لحظة نموت و نحٌا أي عذراء من حٌث الجبلء و البتول
ألنها تلد نفسها بنفسها بتجاوب مع قلبها وربها ّ ...إن لؽة أهل الصمت لها
أبعادها األبعد من الفكر و العقل و الجسد المحدود...
فً الحٌاة الحٌة ال أحد ٌعرؾ الجواب لذلك نقول و هللا أعلم و نتجاوب من
القلب من مصدر الدعاء المستجاب ...فً جوهر الحٌاة ال نستخدم األجوبة
المحدودة و المكررة و المعروفة بل نصؽً إلى صمت العارفٌن ,و أعرؾ
بؤننً ال أعرؾ شٌبا ً ...حفظت شٌبا ً ؼابت عنك أشٌاء ,و الشًء ؼٌر
المشٌبة و القدرة اإللهٌة ...اإلنسان الذي ال طبع له و ال فلسفة و ال فكر أو
معتقد ٌبقى صافٌا و صاؼٌا كالمرآة ٌعكس ما بداخله و ٌدعو هللا إلى عٌش
اللحظة بالرحمة...
156
لماذا نقول بؤن المإمن مرآة المإمن؟
ما م عنى االنعكاس؟ انظر إلى المرآة انها تعكس وجهً كما هو ...قلق أو
تعاسة أو تجاعٌد أو ابتسامة أو صدق أو نفاق أو حق ...ال مراعاة و ال
مساومة و ال أستطٌع أن أقول لها "باألمس كان وجهً أجمل من الٌوم",
أي أننً أعاتبها و كؤنها صاحبة أخبلق أو رحمة أو محبة أو متقلبة و
متضاربة فً األطباع و أرمٌها فً سلة النفاٌات أو أشتكً علٌها عند أهل
السلطة!! المرآة ال تعرؾ الطبع و المساٌرة و كذلك اإلنسان الصادق و
الحقٌقً الذي ال ٌحكم و ال ٌدٌن و ال ٌرجم بل ٌرحم ...هإالء هم أهل
الذكرٌ ,تذكرون اللحظة حٌث ال فرٌضة و ال تطفل و ال استؽبلل بل
أشهد ,أي ال حكم وال وصٌة و ال رهبة و ال رؼبة ...موسى وضع شرٌعة
و قانون و وصاٌا ,المسٌح و ضع المحبة اإللهٌة ,و الحبٌب توج الرحمة,
و لكن أٌن نحن من هذه النعمة؟ الذي ٌفرض الطبع و األدب و التهذٌب
علٌه أن ٌتكلم عن الخوؾ و الذنب و العقاب و أٌضا الجنة و النار و هذا
ما فعله أبو البشر حتى الٌوم و األهل و العلم و المدارس و أهل السلطة و
الدٌن ,و لكن الحكماء و األنبٌاء و أهل الذكر وضعوا المحبة و الرحمة...
و الشرٌعة ألصحاب الفكر و لك الخٌار أٌها المختار...
و لكن أهل الرحمة لم ٌتحدثوا عن اإلرهاب و الذمة و الضمٌر للتبلعب
بالنواٌا بل وضعوا الوعً و اإلدراك و المعرفة و علٌنا أن نعرؾ
الفرق ...جمٌع الدٌانات تحدثت عن الضمٌر و الذمة و لكن الرحمة هً أم
اإلدراك و الٌقٌن و الرضى و التسلٌم ,أي ال خوؾ بل استفتً قلبك و
طوؾ فً حقٌقة وجودك و التؤمل هو المفتاح لهذا السر اإللهً و قلبك هو
العرش و هو المرآة ...من هنا التجاوب مع اللحظة و هكذا كان الحبٌب مع
الصحابة و األحباب ...كان باتصال مع البعٌد و القرٌب بصوت الصمت
أي بالنواٌا اخترق القلوب التً تبحث عن الحق و قال لنا :أنا جلٌس من
أحبنً ,من خبلل الكتاب أو القلب أو الصمت ...كل نفس باب إلى اللبّ ...
المإمن مرآة المإمن أي الذي ٌتجاوب من القلب حٌث الرحمة هً الصح
و التفاعل و االنفعال هو عمل ضال ...أن أكون مسإولة هذا ال ٌعنً أننً
سؤتبع أي شرٌعة بل أكون على قدر من االستطاعة برحمة التجاوب دون
أي حكم ...أهل الرحمة هم أصحاب النور و االستنارة المضٌبة على
وجوههم ألن اإلناء ٌنضح بما فٌه و تراه العٌن ,و لكن الٌوم أكثر العلماء
فرضوا ضرٌبة احتٌال من الخارج و هذا هو سبب الضعؾ الذي نراه فً
العالم و بنوع خاص على المسلمٌن...
157
"ال ٌؽٌّر هللا ما بقوم حتى ٌؽٌّروا ما بؤنفسهم" علً أن أتسلح من الداخل أي
بتؽٌٌر النواٌا و بتهذٌب النفس و هذا هو الدفاع أي النور الداخلً الذي ٌشع
نوره دون تفرقة بٌن البشر كشجرة الزٌتون التً تجمع الشرق و الؽرب ,و
عندما أتوحد مع نفسً و أخً أسٌر بمصباحً على الدرب إلى الرب حٌث
التجاوب من القلب ال من الفكر و ال من الشرٌعة بل من عٌش اللحظة مع
الوعً و الٌقٌن ...و التؤمل هو المفتاح لهذا السر الذي ٌسٌِّرنً و ٌرشدنً
إلى قمة الوعً الكونً حٌث أرى هللا فً كل شًء حتى فً تصرفات
المجرم و الحرامً و القاتل و المقتول ,و من هذا التصرؾ أتعرؾ على
نفسً أكثر و أتحول إلى األفضل و أساعد ؼٌري لنسٌر معا ً فً رحلة
الحج هذه...
هل الحظت كٌؾ ٌتم التؽٌٌر فً حٌاتنا؟ عندما تقبلنً كما أنا دون أي
أحكام أو شروط أشعر بالطمؤنٌنة و أبدأ بالتؽٌٌر إلى األفضل ...أن تحبنً
و تشعر معً و نتوافق فً رضى و رحابة صدر هذه هً المحبة و
الرحمة فً المعاملة و من هنا أشعر بروحً و بذاتً و أتعرؾ على نفسً
و أثق بها و أبدأ بالوالدة الجدٌدة و بالكرامة و العزة التً لم أشعر بها من
قبل ,و هذا كله بفضل القبول من الطرؾ األخر و هكذا نحٌا معا ً إخوة فً
هللا و فً اإلنسانٌة و نتبلءم و نلتقى دون أي ألم أو أمل و نكون كما خلقنا
الخالق و نحٌا الدور الذي من أجله أتٌنا ,و ما هذا الدور إال األمانة التً
تحٌا فً القلب و نتجاوب معها باحترام و رحمة و هذه هً النعمة التً من
أجلها نحٌا مع الحً مدى الحٌاة...
158
سلعة إلى خلٌفة هللا و الى مسٌح ممسوح باهلل ...إذا التقٌت بامرأة أو برجل
من أجل الحب فستزول التعاسة و الحزن و تتحول حٌاتك إلى رقصة و
أؼنٌه من القلب إلى كل قلب ,و هذه هً النعمة التً ال تزول ...و لكن ماذا
فعلنا بهذه النعمة؟ انتهى شهر العسل و عدنا إلى عمر الملل و اختفى الحب
و تحوّ ل االحترام إلى الهم و االهتمام و األفضلٌة للدرهم و للدوالر و أٌن
التناؼم و أٌن االلفة و المودة؟؟ لقد تحوّ ل الحب إلى قانون و الى نظام و
الثقة أصبحت فً خبر كان و ما هو سبب هذا الفشل؟
السبب واضح جداً ...الحب ٌنبع من الداخل و المفتاح هو التؤمل ,و لكن ما
نراه الٌوم هذا مجرد انفعاالت عاطفٌة تنبع من المظاهر الخارجٌة حٌث
الشكل هو الدافع األساسً ,و هذه فترة قصٌرة و سطحٌة و ٌنتهً الحب
قبل أن ٌدخل من الباب ,و لكن التؤمل هو التمسك بالجذور و التواصل مع
العطور و عٌش االحترام و الرحمة مع النفس أوال و منها تنبع المحبة
الحرة الؽٌر مشروطة بؤي قانون أو أي تقالٌد ...و من هذا الباب ندخل إلى
المحراب حٌث الحب و الثقة أساس العبلقة بٌن الطرفٌن ,و عندما نرى هللا
فً كل شًء تموت اإلدانة و تحٌا القداسة فً كل عمل و فً كل نٌة...
ال اله إال هللا...
هذه هً الرحمة ...لنرى معا ً هذه اللوحة الرحٌمة ...إذا رأٌنا هللا فً كل
شًء هل نستطٌع أن نرجم أو نحكم؟ ٌوجد مذهب فً الهند ٌقول "الرحمة
هً كل شًء" و لكن الرجمة و اإلدانة فً كل شًء ,و هذا قدٌس و هذا
نجس و هذا ٌذهب إلى الجنة و أنت إلى النار ...هذه أحكام سخٌفة ,اذا هللا
رحمة و هللا كل شًء من أٌن أتت الخطٌبة؟ هل هللا خطٌبة؟ كٌؾ هللا
ٌذهب إلى جهنم؟
أهل الذكر و الحكماء و العارفٌن و األنبٌاء و كل من ٌعرؾ القلٌل من
الرحمة ٌعرؾ بؤنه أٌنما تولٌتم فتم وجه هللا ,هذه هً مرآة الرحمة .و فً
الشرق لم ٌلفظوا كلمة هللا أبدا ألن الدٌانات خربت و دمرت و لوثت
معناها ...و عندما تتؤمل ترى النور اإللهً فً كل شًء و تسمو بالثقة و
باالحترام و نقبل بكل شًء كما نراه ...عندبذ نعلم بؤن العالم متصل و
متواصل مع بعضه البعض تماما ً كشبكة العنكبوت ...الوجود بؤسره موحّ د
مع الواحد األحد الكون و الكابن و المكوِّ ن واحد ...الصالح و الطالح و
الشر و الخٌر و اللٌل و النهار و الحٌاة و الموت ...الوجود متماسك مع
بعضه البعض و ٌسبّح هلل بلؽات عدٌدة و هذا الجمال و الجبلل ...شاهد
الطبٌعة عند الفجر ترى الضباب الفضًّ و الرقٌق و الناعم و كؤنه ومضة
نور ترقص مع الرعد فوق شجرة األرز و الهواء محمّل باللطؾ و
159
بالمداعبة و الطٌور تؽرّ د على أؼصانها و تشعر بؤنك أنت أٌضا معهم فً
هذه الوحدة من النعمة و البركة ...أنا جزء من كل ما أرى و نحن معا ً فً
مسٌرة هذا السرّ المتناؼم مع رقصة الوجود و أهله و كؤننا فرقة موسٌقٌة
كل م ّنا بحاجة إلى ؼٌره ...الشر مع الخٌر و الفرح مع الحزن و اللٌل مع
النهار و المسٌح مع ٌوضاس و الرجل مع المرأة و الفقر مع الؽنى و
الحرب مع السبلم و كلنا معا ً فً رحلة الحج الى البلنهاٌة ...المسٌح ٌشكر
ٌوضاس كما ٌشكر جمٌع الناس و كذلك الوردة تشكر الشوكة كما تشكر
العطر ...و هذا هو التكامل بٌن سابر المخلوقات هذه هً عبلقة متبادلة و
متشاركة دون أي شرك باهلل...
الشٌطان هو مبلك الهً له دور خاص فً حبكة هللا و إذا تؤملت فً جسدي
أرى بؤنه هو عالم بحد ذاته ٌمثل العالم األكبر و كل خلٌة هً جسدي و
كلنا معا ً من هللا و باهلل و مع هللا إلى مشاء هللا...
سنتحدث معا ً عن سر ؼامض و هذا السر لٌس لكل البشر بل ألهل العز و
اللؽز و لنسمع معا ً بصمت أهل الصفوة ,انه سر ما وراء األسرار...
إشاعة معروفة تشع بالحقٌقة و و تقول بؤن ٌوضاس سلم المسٌح بؤمر من
المسٌح نفسه و هذا المخطط وضع من هللا بؤمر من المسٌح لنرى الحقٌقة
وجها ً لوجهٌ ...وضاس هو من أعلم و أؼنى و أهم تبلمٌذ ٌسوع و كان
مطٌعا ً له و لعب دور الخابن حٌث باع صدٌقه لؤلعداء ...لنفكر معاًًّ ...
مهما كان هذا الصدٌق منافق سوؾ لن ٌبٌعه بمبلػ زهٌد و لماذا ٌسلمه
للٌهود؟ و لماذا شنق نفسه بعد هذه الخٌانة؟ كان رجل عقل و مال و علم و
من طبقة معروفة فلماذا ن ّفذ أوامر سٌده و قتل نفسه؟ هل شعر بالذنب؟ كبل
ألنه أطاع أمر المصلوب و هذا هو المطلوب...
و لكن السر هو فً الصلب ...و هذا هو سر المسٌحٌة ...أي الموت و
القٌامة...
المسٌحٌة هً فً الصلٌبٌة أي فً صلب المسٌح و إال لم تحٌا و لم ٌُعرؾ
المسٌح ...حقٌقة المسٌح لم تعرؾ من خبلل محبته و رحمته و تعالٌمه ألنّ
الشعب كان كل همه التجارة و القوانٌن الفكرٌة و المنطقٌة حٌث وصاٌا
موسى هً العصا لمن عصى ...و أتى المسٌح و معه المحبة و لكن ال
مجال للقلب مع أهل الجٌب و الذنب ...خطط مع ٌوضاس هذه المسرحٌة و
آمنوا به جمٌعا ً حتى الٌوم ...و قتل نفسه لٌلحق به ألنهما معا ً فً سر
الموت و القٌامة ...سر الشر و الخٌر ...كلنا معا ً و مع هللا منذ البدء و ما
قبل البدء و هذا هو سر الترابط ...أي الربط المقدس ...السلسلة األبدٌة مع
األبد نحن من سلسلة هللا من أهل الرحمة و الحرٌة ,ال لسلسلة التكٌٌل و
160
نعم لسلسلة التكبٌر ...هللا أكبر و معه نكبر و هذه هً قمة رأس الحكمة ,و
رأس العلم هو رأس الرحمة دون أي خوؾ أو ترهٌب أو ترؼٌب بل على
فطرة الشهادة ...هذه هً اللحظة نرى الوجود بؤسره و فً كل خلٌة نرى
سر الخلٌقة من األزل و الى األزل من السلؾ إلى الخلؾ سر خلٌفة هللا
باستمرار مع مدى األنوار...
161
لماذا الحبٌب ٌحب العطر؟ ألن العطر ٌنتشر مع الشر و مع الخٌر ,و هو
عطر أعمالنا و عطر أفكارنا النابع من الجذور و من الشوك و الوردة و
الشوق و التوق إلى هللا ,لذلك نرى بؤنّ الزهرة هً رمز المحبة ...هً لؽة
الصمت للعارفٌن ...انها عبلقة حبّ أبعد من حدود الصوت و الكلمات...
و هذه هً رحمة هللا عبر األنبٌاء و الحكماء و األولٌاء و أهل بٌت
الرحمة ...أهل الشكر و االمتنان و االحترام للعالم أجمع ...الرحمة هً
بث رسالة أبعد من حدود الكلمات و من المعلوم إلى المجهول و الى عالم
األسرار و األنوار ...لنعود إلى هذه اللوحة الرحٌمة مع المرشد كبٌر حٌث
كان خاشعا ً هلل و دخل علٌه اللص حامبلً سٌفه المسنون و عقله المجنون
طالبا ً منه المال أو الحٌاة فرد علٌه المرشد "ال تزعجنً ...المال فً
الدرج" و عاد إلى خشوعه و كتابه ال إدانة و ال حكم بل قبول و رضىً
تام ...و كؤن نسمة دخلت علٌه ال سرقة و ال نقمة بل نعمة أو محنة أو
منحة...كؤنه أحد األصدقاء و لم ٌتؽٌر وضعه أو موقفه بل قال له "ال
تزعجنً ...المال فً الدرج و أنا أقرأ كتابً ألم ترانً؟ على األقل كن
لطٌفا ً و ال تزعج انسانا ً ٌقرأ كتابه لسبب بسٌط و تافه ...اذهب و ابحث
عن المال وحدك و ال تزعجنً؟" ...ما هو معنى هذا الحوار مع الحرامً؟
انه لٌس ضد اللص أو السرقة بح ّد ذاته و ال ضد الفكر المادي و الهوس
بالمال أبداً ,لقد قبل هذا الفعل ...لقد قبل هذا الفعل هذا هو عمل هذا
اإلنسان و من ٌعلم ظروفه؟ و لماذا اإلدانة؟ و من أنا ألحكم علٌه إذا كان
أن أتوقع منه عدم لطٌفا ً معً هذا فضل كبٌر و علً أن أحترمه و
اإلزعاج ...و عاد إلٌه قاببلً "ال تؤخذ كل المال ...علً أن ادفع الضرٌبة
ؼداً" .أنظر إلى هذه الؽاٌة ...انه صدٌق ودود و عطوؾ و ال أي عداوة و
ال خوؾ من الصداقة بل احترام و ثقة ألنه واثق بؤنه سٌترك له بعض
المال ...لقد أعطاه من قلبه و بكل أمل و أمانة و الثقة المتبادلة ستكون هً
نتٌجة هذه الرحمة ...عندما تثق ال تحكم و ال ُتدِن ستعامل بالمثل ...قال
له " :إننً بحاجة إلى بعض المال ؼداً لدفع الضرٌبة" ...معاملة أخوٌة...
ماذا فعل الحرامً؟
هذا المتطفل جمع ول َّم أكثر المال و ه َّم بالخروج و لكنه سمع صوت ٌقول
له " اشكر عندما تستلم أي هدٌة" ...شكره و خرج ...لنرى معا ً رحمة هذا
الشٌخ ,لم ٌرى هذا العمل سرقة بل طلب منه الشكر لقد حوّ ل هذه الرإٌة
إلى وجه أخر و مختلؾ تماما ً ...ال ٌرٌد أن ٌحرجه أو ٌشعره بالذنب ألن
رحمته واسعة و كبٌرة و هابلة و إال سٌشعر باألجرام و بالحران ...و هذا
شًء طبٌعً ألنه ٌسرق شٌخ عابد و ناسك و معروؾ و هو فقٌر و
162
متسوّ ل و أعطاه بسرعة و بسرور و استقبله فً قلبه دون أي إدانة أو
شرط ...من المتو ّقع أن ٌشعر بالندم و ٌعود إلٌه طالبا ً السماح و الؽفران...
و لكن هذا ؼٌر متو ّقع عند أهل الرحمة و المحبة ...حٌث ال مجال للذنب
أو للعتب ...ان الرحمة هً دٌن هللا فً لبّ القلب و لٌس فً دٌن الدنٌا فً
فكر اإلنسان ...الرحمة لٌست شرٌعة أو قانون أو وصٌة مشروطة ألن
الذنب أسوأ من أي مرض جسدي حٌث ال شفاء منه إال بالوعً و
اإلدراك ...الرحمة ال تسبب أي ذنب بل تنمًّ الحب فً لبّ القلب .لماذا
قال له الشٌخ " اشكر عندما تستلم الهدٌة" أي أنت لم تسرق بل أنا أقدمها
لك ...حوَّ ل السارق إلى صدٌق ...لم ٌنتزع المال أو ٌخطفه بل أخذه بملء
إرادته و هذه هً الرإٌة الكاملة للحٌاة ...أي قبل الموت ق ّدم حٌاتك هدٌة و
كل ما تملك اهدٌه إلى هللا أي إلى خلقه حتى ال ٌشعر الموت بالذنب...
اهدي حٌاتك إلى الموت ...هذا هو نكران الذات ...هذا ما فعله المسٌح و
الحبٌب و سٌدة نساء العالمٌن و فاطمة الزهراء و األمام علً و الحبلج و
رابعة و الحكٌم بودا و ؼٌرهم من عباد هللا الصالحٌن ...بٌنما ما نراه فً
الشراٌع و الطقوس ...العطاء دون أي توقعات أو مقابل و ال أي ذنب أو
عٌب ألنّ العطاء من هللا ...و هو الذي أعطى و هو الذي أخذ ...و ال أحد
إال الواحد األحد ...الرحمة هً هللا و منه و الٌه و معه ...و هو األسماء و
الصفات و األفعال و األعمال ,و اإلنسان هو الشاهد على نفسه فً كل ما
ٌراه و الرإٌة من الذات و لٌس من الفكر ...من الذات اإللهٌة التً ترى
هللا فً كل شًء...
163
لزٌارة قدٌس هندي و مع بعض النقود فً ٌدك سٌؽمض عٌنٌه كً ال ٌرى
هذه التجربة المخٌفة ...لماذا هذا الخوؾ؟ لماذا تؽمض عٌنٌك؟ لماذا تقول
بؤنّ المال وسخ الدنٌا ,و لكن لم ٌؽمض عٌونه عندما ٌرى وسخ الدنٌا!! هذا
تصرؾ ؼٌر عقبلنً و ؼٌر منطقً ...الوسخ موجود خبلل األربعة و
عشرٌن ساعة ,فإذاً علٌه أن ٌعصب عٌونه كل العمر كً ال ٌرى الوسخ
على الممر طٌلة الدهر ...لماذا الخوؾ من الوسخ؟ ما هذا الخوؾ؟!
الرحمة ال تخاؾ ألنها ال ترى أي عٌب أو ذنب ...نظرتها للحٌاة تختلؾ
تماما ً عن أي شرٌعة ...الحبٌب ٌقول" :لو كان الفقر رجبل لقتلته" ...أي
كل الفقر مادٌا ً و معنوٌا ً و روحٌا ً ...و "لو فاطمة سرقت لقطعت ٌدها"...
أي سرقة القطرة أو المحٌط ...أي شًء و بؤي وسٌلة ألنها تملك كل شًء
و المشٌبة .المال سٌولة ألهل البٌت و كلنا من آل البٌت ...فإذا إذا قلت ألي
إنسان بؤنك حرامً هذا ٌعنً بؤننً أإمن بالملكٌة الخاصة ...أي أنا أملكها
بالحق و أنت تسرقها بالباطل ...لك الحق و الحق لك و لكن ال لؽٌرك...
السرقة تدان بسبب الفكر الرأسمالً فً العالم ...المال من حق الؽنً و
ّ
المعظم... القوي أي للحرامً المحترم صاحب المجد
164
بؤننً أعطٌته المال و شكرنً و انتهت القضٌة ...لماذا اللّؾ و الدوران ال
ملؾ بٌننا...لقد شكرنً و هذا كل ما نملك من اللٌاقة و األدب"...
الشكر هو قمة العطاء ...نشكر الوجود على هذا الكرم ...جود من الموجود
ٌا صاحب الجواد...
من كان فً نعمة و لم ٌشكر خرج منها و لم ٌشعر...
و بعد أن خرج من السجن ذهب إلى الشٌخ كبٌر و أصبح من كبار مرٌدٌه,
هل عنده خٌار أخر؟؟ ٌا لها من نعمة!! اللقاء مع أهل الفناء و البقاء هو
اللقاء مع الرحمة و العٌش برحمة هللا و النمو من نطفة إلى خلٌفة و لكن
أكثرنا ٌحٌا من جٌفة إلى جٌفة ٌا أٌها الخلٌفة!!
165
بل برإٌة الخٌر فً الشر و النور فً العتمة و الرحمة فً الرجمة و هذا
هو الٌقٌن الساكن فً سكٌنة اإلنسان...
166
فً استشهاد الحسن و الحسٌن ...و السٌد فرٌد ق ّدم جسده للحرامً كوسٌلة
فرح أو متعة أو لهو بالنسبة له ...هكذا فعل المسٌح" ...خذوا و كلوا هذا
هو جسدي" ...أي سؤقدم جسدي ألهل الفكر و المنطق و القانون علنً
بذلك اخدم نفسً و إخوتً بالتعرؾ على الحق و اإلدراك...
عندما سمع هدؾ و ؼاٌة الحرامً ,أخذ الشٌخ كٌس النقود و أعطاه إٌاه
قاببلً" ...هذا هو" و عاد إلى كتابة الرسالة و كؤن شٌبا ً لم ٌكن ,و بدأ
السارق ٌشعر بالقلق و بالخوؾ و ما أن ه ّم بالخروج حتى سمع صوت
الشٌخ ٌنادٌه قاببلً "انتظر قلٌبلً" و توقؾ مذعوراً لٌسمع "أؼلق الباب" ...و
بعد أٌام قبض علٌه و اعترؾ قاببلً" ..أعترؾ و ال زلت ارتجؾ منذ أن
دخلت إلى صومعة الشٌخ و ال ٌزال أمره ٌجري فً عروقً عندما قال
"انتظر قلٌبلً" و ال زلت انظر إلى هذا السر الحً فً هذا السٌد ...لقد
سرقت كثٌرا فً حٌاتً و لكن لم اشعر ما شعرت به حتى االن و عندما
أتحرر من السجن سؤذهب إلٌه ألتحرر من الموت ...إننً أحمل سٌؾ
الخوؾ و لكنه ٌحمل سٌؾ الحق" ...صرخة واحدة من المعلم أٌقظت فٌه
الحٌاة"...انتظر قلٌبلً" و ال ٌزال ٌنتظر إلى أن ٌلتقً بكرامات هللا ...نعم
هذا الشٌخ هو من أهل الكرامات ,و ان الكرام قلٌل ...و الرحمة تقتل
الرجمة...
من هو القاتل؟
هو الذي ٌقتل الجهل فً الجاهل هذا ما فعله األمام علً بقاتله ...الرحمة
تقتل و المحبة تقتل و من الحب ما قتل ...عندما تجلس فً حضرة نورانٌة
فالنور هو الذي ٌضٌا فٌك الحضور ,النور مرآة للنور ...و المإمن مرآة
للمإمن كما الجوع مرآة للطعام...
الظلمة ال تقتل النور بل العكس هو صحٌح فإذا المرٌد ال ٌقتل المرشد حتى
لو معه السٌؾ المسنون ,و لكن األمام علً معه سٌؾ الرحمة و هذا هو
السٌؾ الفاروق أي الذي ٌفرّ ق بٌن الؽضب و الحب و بٌن الجهل و العقل,
الذكر وبٌن الفصل و الوصل...بٌن الكفر و ِّ
السٌد ٌقتل العبد و بطرٌقة رقٌقة و ماهرة و لطٌفة حٌث ال تشعر بؤي ألم
بل بالوالدة الجدٌدة ,و تبدأ بحٌاة مختلفة من حٌث الحٌوٌة و الوعً و
المشاركة بؤسرار الطبٌعة و كؤنك تؽرّ د مع العصفور و تزهّر مع الزهور
و تمطر مع الؽٌوم و تحترق العوالم و ترى المعلوم و المجهول ,و إذا بك
تسٌر مع النهر إلى البحر و منه إلى المحٌط و تنهار األسوار و تتحد
167
باألسرار و تحٌا نشوة الؽبطة و البهجة و السرور ,و هذا هو سر اللقاء
على سرر متقابلة فً جنة النعٌم ...هنا الجنة ,و اآلن هو الزمن و الصحوة
فً متناول كل عطشان إلى عٌش المٌزان...
و تذكرت حكاٌة حبكت قلبً عندما علمت بؤن أحد األولٌاء دخل السجن
مرّ ات عدٌدة و السبب؟؟ معا ً سنسٌر خطوة أخرى فً طرٌق الحج ...إن
أهل الرحمة ؼرباء عن أهل الدنٌا و هذا الشٌخ ؼرٌب األطوار و مجنون
فً هللا ...ماذا فعل لٌستحق السجن؟
من حقك أن تسامح ألحرامً و أن ال تف ّكر بؤنه عاطل أو عدٌم األخبلق...
و أٌضا أن ترى هذا الشٌخ الجلٌل ٌذهب إلى السجن ألسباب تافهة أي ألنه
ٌسرق أشٌاء رخٌصة و من أهل الحً ...و احتار الجٌران بؤمره ...لماذا
ٌسرق؟ و لماذا ٌسرق أشٌا ًء سخٌفة و كلما خرج من السجن ٌعود إلى
السرقة لٌعود بسرعة إلى السجن .حتى القضاة احتاروا من هذا
التصرّ ؾ ...و من الذي ٌعرؾ السبب؟....
وحده الشٌخ أمٌن هو الذي ٌعرؾ و ٌعترؾ و ٌقول ألهل المحكمة "نعم
لقد سرقت هذا المندٌل من هذا البٌت ...أو هذا الحذاء من هذا المسجد" و
ٌذهب إلى السجن ...و أخٌراً قرر أهل الحً و اجتمعوا بالشٌخ و قالوا له:
"أٌها المرشد األمٌن ال تسرق بعد اآلن انك مسنّ و مرٌض و فقٌر و نحن
نإمن لك كل ما ترٌد من أدوٌة و أؼذٌة و ألبسة و أي شًء تطلبه و أنت
أرفع من مستوى السرقة و العٌش مع السجناء ,فارحم نفسك و نحن على
استعداد ألي خدمة."...
و ضحك الشٌخ و قال لهم" :إننً اسرق ألدخل السجن و ألعٌش مع
أصدقابً السجناء و معا ً نتذكر السبلم ...فً السجن الخارجً هنالك الكثٌر
من األولٌاء و لكن فً السجن خلؾ األسوار ال ٌوجد أحد من أهل النور
لٌذ ّكر إخوتنا بالرحمة و بالجنة ,و هذا هو دوري معهم حٌث ال أجد نفسً
إال بالمشاركة مع هإالء الضحاٌا ...لذلك عندما تنتهً م ّدتً فً السجن
أعود إلى السبب ألدخل مجدداً من نفس الباب و أرقص مع األحباب...
أكثر األبرٌاء هم من أهل الحبس ...المجرم هو الذي قُ ِب َ
ض علٌه و
ض علٌه قبض ماالً من الحرامً الحقٌقً لٌقى خارج الشرطً الذي َق َب َ
المحاكمة ,و هذه هً لعبة الحكم بٌن الحاكم و المحكوم ,و تقع القرعة على
المظلوم و ٌبقى الظالم تاجا ً على رأس الحاكم .و هذه الحقٌقة تدور و تدور
من عالم إلى عالم و ال تزال فً خدمة أهل الدراهم ...لذلك أدخل السجن و
أتعلم معهم السماح و السمع و الؽفران و الرحمة ألهل الظلمة و
الرجمة."...
168
"دخلت إلى سجون كثٌرة و فً بلدان مختلفة ...و كانت المفاجؤة!!! إن
السجناء أكثر صدقا ً من السٌاسٌٌن و من الحكام و من أهل الدٌن و من
األؼنٌاء و النسّاك و الزهاد ...فً الهند مثبل ً رأٌت المكر و الدهاء فً
حٌاة القدٌسٌن و رأٌت البراءة فً حٌاة المجرمٌن "...و معه حق ,الشٌخ
أمٌن ,ألنه عندما ٌعود إلى السجن لٌعٌش مع أصحابه ألنهم أصدق من أهل
القصور و أهل الحكم و العلم ...أهل الرحمة رسالتهم الوعً و المعرفة...
و من هنا تبدأ البراءة الحكٌمة دون تمٌٌز أو تفرقة ...كلنا على حق و كلنا
على خطؤ و الرحمة تجمع الٌمٌن مع الٌسار و تحمل أمانة األنوار...
169
ٌا اخوتً فً الرحمة
لنرحم من فً األرض...ألن الرحمة هً فطرة هللا فً االنسان ...وهذه
النعمة تبدأ من النفس...
علًّ بنفسً ثم نفسً ثم نفسً ثم أخً...
كلنا إخوة فً اإلنسانٌة و الرحمة هً تاج اإلنسانٌة...
الرحمة تبدأ بالجسد و لجسدك علٌك حق ,و منه إلى الساجد ...و الذي
ٌتعرّ ؾ على القلٌل من سرّ النفس ٌتعرؾ على األكثر سرّ اً بسر الذات ,و
من كان صادقا ً فً سٌرته و مسٌرته ٌدخل إلى سرّ الرحمة بؤمر من هللا...
هذا هو سرّ النور األبعد من أي علم أو أي بعد...
رحمتك وسعت كل شٌا ...عندبذ نسكن فً سكٌنة الملكوت السماوي حٌث
الذكر على منابر من نور فً ال لؽو و ال كبلم بل صمت العارفٌن مع أهل ّ
الرزاق منّ لحظة الٌقظة ...هذه هً نعمة الحً إلى الحً و كلنا أحٌاء مع
المدد إلى المدد...
معا ً فً رحلة الرحمة من األنا إلى ال ّنٌة حتى نصل إلى النفس الراضٌة و
المرضٌّة و ندخل المحراب و هو األقرب الٌنا من حبل الورٌد...
الرحمة علٌكم و علٌكم الرحمة
فً كل دمعة و بسمة...
و هلل الشكر
مـرٌــم نـــور
170
الفهرس
2 األلقاب
3 المرحمة
6 االستهبلل
الفصل األول:
8 الرحمة ...الرقٌة ...الرؼبة...
23 الرقٌة ...الطاقة ...القدرة...
44 الرؼبة ...الشهوة ...الشوق...
الفصل الثانً:
55 األعور الدجال
59 الرحمة و الرجمة
85 من القلب الى اللبّ
الفصل الثالث:
93 فعل الرحمة
97 الفرق بٌن المحامً و المحب
113 الجرٌمة و العقاب
124 سر الحٌاة و الموت
الفصل الرابع:
137 الشفاء بالرحمة و الرحمة هً الشفاء
146 الرحمة هً العبلج
158 رحمته وسعت كل شًء
171