Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 128

‫اةكلممل لاسوداء‬

‫الطبعة األولى ‪ 1442‬هـ ‪ 2021 -‬م‬


‫‪)ISBN) : 978-9947-79-000- 0‬‬
‫اإليداع القانوني‪2021/03 :‬‬

‫‪N‬‬
‫اسم العمـــــــل‪ :‬المملكة السوداء‬

‫‪LO‬‬
‫اسم المؤلــــف(ة)‪ :‬أسامة بن لحمر‬
‫تصميم الغالف‪ :‬زكريـــــــاء رقاب‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫إخــــــــــــراج‪ :‬أحمد منصــــوري‬

‫‪U‬‬
‫تدقيق لغـــوي‪ :‬إكرام مباركـــــــي‬

‫‪O‬‬
‫المدير العـــام ‪ /‬سميرة منصـوري‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫الناشر‪ /‬دار المثقف للنشر الجزائر‬


‫صفحة الدار على موقع فيسبـــوك‪:‬‬
‫‪/https://www.facebook.com/elmothakaf‬‬
‫الموقع اإللكترونـــي‪www.elmmothakef.com :‬‬
‫هاتـف ‪ /‬فاكس ‪0770 68 04 19 / 033 80 47 79‬‬
‫واتساب‪0675 49 73 86/‬‬
‫مقر الدار‪Rue Ben flis- impasse kalenge- batna :‬‬

‫المثقف للنشر والتوزيع‬

‫جميع حقوق النشر الورقي و اإللكتروني والمرئي والمسموع‬


‫محفوظة للناشر وغير مسموح بتداول هذا الكتاب بالقص أو النسخ‬
‫أو التعديل إال بإذن من الناشر‪.‬‬
‫أسامة بن لحمر‬

‫رواية‬

‫اةكلممل لاسوداء‬
‫«نوميديا المفقودة»‬
‫إهـــــــــــــداء‬
‫‪N‬‬
‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬
‫وكل أعضــاء مجموعة‬
‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫إهداء إىل ادلكتــورة حنان محمود الشــن‬
‫ّ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫ـكل القر اء اذلين‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫مملكــة البالغة‪ ،‬وشــكرا مــن القلب لـ‬

‫شــجعوين عىل الكتابة‪.‬‬


‫ّ‬

‫***‬

‫‪7‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫َ‬
‫مولــع بالحضــارات القديمــة‬ ‫أســكن فــي مدينــة قســنطينة وأنــا شــخص‬

‫واالكتشــافات واآلثــار وغيرهــا مــن األشــياء‪ ،‬كذلــك أعشــق الطبيعــة والتخييــم‬

‫ـدي صديــق يدعــى رمــزي‪ ،‬يحمــل شــغفي فــي الحيــاة‪،‬‬


‫بيــن أحضــان الغابــة‪ ،‬لـ ّ‬

‫لك ّنــه قليــل الــذكاء‪ ،‬تعمّ ــدت أن أقولهــا لكــي أتج ّنــب كلمــة غبـ ّ‬
‫ـي‪ ،‬هــل تعلمــون‬

‫لمــاذا هــو غبــي؟ ّ‬


‫ألنــه دائمــا مــا يقــع فــي ورطــة ُ‬
‫ويوقعنــي معــه فــي وســطها‪ ،‬لــم‬ ‫ّ‬
‫ـم ّ‬
‫أننــا أنهينــا الدراســة في الســنة الثانيــة ثانوي‬
‫‪F‬‬
‫يكــن لنــا نصيــب فــي الدراســة ثـ ّ‬

‫‪A‬‬
‫‪K‬‬
‫العمليــة‪ ،‬بالنســبة لــي كنــت‬
‫ّ‬ ‫لكــن ّ‬
‫كل واحــد فينــا اضطــر للخــروج إلــى الحيــاة‬

‫ـي‪ ،‬رمــزي‬ ‫ّ‬


‫‪A‬‬
‫أي مــكان‪ ،‬المهــم أننــي أكســب قوتــي ومصروفــي اليومـ ّ‬

‫‪H‬‬
‫أعمــل فــي ّ‬

‫‪U‬‬ ‫‪T‬‬
‫كذلــك أشــتغل فــي العديــد مــن األماكــن‪ ،‬ك ّنــا نقضــي عطلــة نهايــة األســبوع‬

‫مخيِّ مِ يــن فــي الغابــة‪ ،‬وننهــي يومنــا طريحــي الفــراش‪ ،‬لنبــدأ أســبوعا جديــدا‬

‫‪O‬‬ ‫مــن العمــل الشــاق‪ ،‬كان أبــي ّ‬


‫يلقبنــي بالفنيــان‪ ،‬أمّ ــي الحبيبــة توقظنــي ّ‬
‫كل يــوم‬

‫أننــي‬
‫‪-L M‬‬
‫ألننــي ال أحــب أن أفــارق الفــراش صباحــا‪ ،‬لــم أذكــر يومــا ّ‬
‫عشــرين مــرة ّ‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫وصلــت إلــى عملــي مبكــرا‪ ،‬كنــت دائمــا مــا أســتقبل المكالمــات مــن األشــخاص‬

‫الذيــن أعمــل معهــم "أنــت مطــرود" ألبــدأ الرحلــة فــي البحــث عــن عمــل آخــر‪....‬‬
‫الشــيء الوحيــد الــذي كنــت أجيــده هــو الكتابــة والبرمجــة التــي ّ‬
‫تعلمتهــا عــن‬

‫طريــق اليوتيــوب‪ ،‬لكــن لألســف لــم أنجــح فيهــا ّ‬


‫ألننــي ســئمت مــن العمــل فــي‬

‫اإللكترونيــة‪ ،‬كان المدخــول محــدودا وهــذا األمــر ال يســاعدني‪.‬‬


‫ّ‬ ‫المواقــع‬

‫أن هنــاك ناديـ ًـا ســيبرمج رحلــة‬


‫فــي يــوم مــن األيــام اتصــل بــي رمــزي وقــال لــي ّ‬

‫إلــى إحــدى كهــوف قســنطينة‪ ،‬راقنــي ذلــك كثيــرا وعلــى الفــور طلبــت منــه أن‬

‫يسـ ّ‬
‫ـجل اســمي فــي قائمــة المشــاركين فــي الرحلــة‪...‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪8‬‬


‫هيأنــا أنفســنا‪ ،‬وانطلقنــا نحــو‬ ‫فــي يــوم الرحلــة ّ‬
‫اتصــل بــي رمــزي صباحــا‪ّ ،‬‬

‫المــكان الــذي ســنلتقي فيــه لكــي تبــدأ رحلتنــا‪ ،‬صعدنــا إلــى الحافلــة‪ ،‬كان عــدد‬

‫المشــاركين حوالــي ثالثيــن شــخصا‪ ،‬شــبابا وشــابّات‪ ،‬ومــن بينهــم قــادة الرحلــة‬

‫الذيــن ســيقودوننا نحــو هــذه الكهــوف‪ّ ،‬‬


‫ألنهــم معتــادون عليهــا ويعرفــون ّ‬
‫كل‬

‫الكهــوف تقريبــا فــي قســنطينة‪ ....‬انطلقــت الحافلــة متوجهــة نحــو وســط‬

‫المدينــة‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫وصلنــا فــي فتــرة قصيــرة‪ ،‬نزلنــا ّ‬
‫كلنــا وحملنــا حقائبنــا‪ ،‬وانطلقنــا نتمشــى‪ ،‬نقطة‬

‫وضيقــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـم إلــى طريــق مســتويّ ة‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫ـري ثـ ّ‬

‫‪LO‬‬
‫البدايــة كانــت النــزول فــي منحــدر حجـ ّ‬

‫أخذنــا نتمشــى واحــدا تلــوى اآلخــر‪ ،‬كنــت أنــا ورمــزي نتمشــى ونتبــادل‬

‫‪U‬‬
‫األحاديــث فــي مواضيــع مختلفــة‪ ،‬ونمــازح بعضنــا‪ ،‬كانــت رقبــة رمــزي تعجبني‪،‬‬

‫‪O‬‬
‫‪R‬‬
‫كنــت فــي ّ‬
‫كل مــرة أصفعــه‪ ،‬وهــو يستشــيط غضبــا‪ ،‬قطعنــا طريقنــا علــى نفــق‬

‫‪B‬‬ ‫ضيــق كان يقطــع جبــا فيــه سـ ّ‬


‫ـكة حديديــة يمــرّ عليهــا القطــار‪ ،‬مازحــت رمــزي‬ ‫ّ‬

‫قائــا‪:‬‬

‫إيماجينــي ويخــرج معانــا قطــار يرجعــك عصيــدة‪ ،‬ماعنــدك ويــن تهــرب حتــى‬

‫مــن أنــت عنــدك الكــرش يــا خويــا أنــا رقيــق نتخبــى تحتــو عــادي‪.‬‬

‫قال‪ :‬أيا بركا ما توسوس فيا‪.‬‬

‫ّ‬
‫ثم زاد سرعته في المشي‪ ،‬مازحته قائال‪:‬‬

‫‪ -‬أبدا تجري‪ ،‬عالبالي خفت‪.‬‬

‫ـم أمرنــا قائــد الرحلــة بتسـ ّـلق جبــل‪ ،‬كانــت نهايتــه تبــدو‬
‫قطعنــا ذلــك النفــق‪ ،‬ثـ ّ‬

‫ـن تعــب التسـ ّـلق جعلهــا تبــدو بعيــدة‪.‬‬


‫قريبــة لكـ ّ‬

‫‪9‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫مــا إن وصلنــا إلــى نهايــة الجبــل حتــى وقفنــا عنــد مدخــل غــار كبيــر ومظلــم‬

‫للغايــة‪ ،‬طلــب م ّنــا قائــد الرحلــة إشــعال المصابيــح أو اســتخدام الهواتــف‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم‬

‫دلفنــا إلــى الداخــل وبدأنــا نتمشــى وقائــد الرحلــة يشــرح لنــا ُ‬


‫ويرينــا صخــورا‬

‫متشـ ّ‬
‫ـكلة بأشــكال الحيوانــات‪ ،‬وبعــض الكتابــات القديمــة التــي كانــت منقوشــة‬

‫فــي جــدران الغــار‪ ،‬كنــت أنــا ورمــزي فــي عالــم آخــر‪ ،‬لــم نكــن نســتمع لشــروحاته‪،‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫ك ّنــا مهتميــن بتفاصيــل الكهــف‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم مــن دون أن نشــعر‪ ،‬بدأنــا نتمشــى ونشــاهد‬

‫أننــا فــي فصــل الربيــع حيث‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫كل صغيــرة وكبيــرة‪ ،‬كان الكهــف بــاردا بالرغــم مــن ّ‬
‫ّ‬

‫‪H‬‬
‫يكــون الجــوّ دافئــا‪ ،‬بدأنــا نبتعــد عــن الفريــق الــذي جئنــا معــه‪ ،‬كانــت أصواتهــم‬

‫‪T‬‬
‫غصنــا فــي أعمــاق ذلــك الكهــف ثـ ّ‬
‫ـم قلــت لرمــزي‪:‬‬ ‫تنخفــض ّ‬
‫كلمــا ابتعدنــا‪ُ ،‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫‪ -‬وين رانا؟ يا جدك كيفاش وصلنا هنا‪.‬‬

‫‪-L M‬‬
‫قال‪ :‬ما عالباليش‪ُ ،‬تهت‪.‬‬

‫هيا نرجعو‪.‬‬

‫‪E‬‬
‫قلت‪ّ :‬‬

‫@‬
‫مــا إن أدرت رأســي حتــى نســيت طريــق العــودة‪ ،‬فالكهــف كان ّ‬
‫كلــه ممــرات‪،‬‬

‫أصابتنــي الدهشــة والخــوف فــي تلــك اللحظــة وقلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬ماراك شافي على أي إشارة هنا؟‬

‫قال‪ :‬ماعالباليش‪.‬‬

‫ّ‬
‫تذكــر طريــق العــودة لكــن دون جــدوى‪ ،‬جــذب انتباهــي‬ ‫بدأنــا نتمشــى ونحــاول‬

‫غــار صغيــر كان يظهــر أســفل جــدار الكهــف‪ ،‬فــي لحظــة نزلــت إليــه وجلــت‬

‫ـأن هنــاك غرفــة‬


‫ـن نهايتــه توحــي بـ ّ‬
‫وضيقــا لكـ ّ‬
‫ّ‬ ‫بنظــري داخلــه‪ ،‬كان يبــدو بعيــدا‬

‫واســعة‪ ،‬نظــرت إلــى رمــزي وقلــت‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪10‬‬


‫‪ -‬ندخلو؟‬

‫قال‪ :‬وين تدخل خلينا يرحم باباك‪.‬‬

‫تبعني برك ماتخافش‪.‬‬


‫قلت‪ّ :‬‬

‫دخلنــا نزحــف داخــل ذلــك الغــار الصغيــر إلــى أن وصلنــا إلــى نهايتــه‪ ،‬خرجنــا‬

‫إلــى ســاحة كبيــرة ومتفرعــة فيهــا العديــد مــن الممــرات‪ ،‬اســتدرت ناحيــة‬

‫رمــزي وقلــت‪:‬‬

‫‪N‬‬ ‫‪ -‬زعما يكونوا دخلو هنا؟‬

‫‪LO‬‬
‫اشــتعل الفضــول فــي عقلــي وقــررت ّ‬
‫أننــي ســوف أكتشــف هــذا المــكان ولــو‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫ّ‬


‫كلفنــي ذلــك حياتــي‪ ،‬مــا أن وضعنــا خطــوة لألمــام حتــى ســمعت قــادة الرحلــة‬

‫‪U‬‬
‫ينــادون علينــا‪ ،‬فقــد كانــوا يبحثــون عنــا‪ ،‬خرجنــا نزحــف مــن جديــد إلــى خــارج‬

‫‪O‬‬
‫‪R‬‬
‫أي أحــد‪...‬‬ ‫الضيــق‪ّ ،‬‬
‫ألننــي ال أريــد أن يكتشــف ذلــك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذلــك الغــار‬

‫تعثــرت قدمــي‬
‫‪B‬‬
‫وجدنــا كل أعضــاء الفريــق ينــادون علينــا‪ ،‬خرجــت أنــا ورمــزي مــن ذلــك الغــار‬

‫أننــا دخلنــا إلــى ذلــك المــكان‪ّ ،‬‬


‫أي أحــد ّ‬
‫بســرعة لكــي ال يكتشــف ّ‬

‫أرضيــة الكهــف‪ ،‬وقعــت أرضــا‬


‫ّ‬ ‫ْ‬
‫وال َتــوَ ت فــي أحــد الصخــور الموجــودة فــي‬

‫واشــتد األلــم فــي قدمــي ولــم أســتطع المشــي مجــددا‪ّ ،‬‬


‫اتــكأت علــى كتــف‬

‫ّ‬
‫وكل‬ ‫رمــزي ورحنــا نتبــع أثــر الصــوت حتــى وجدنــا رفقــاء الرحلــة واقفيــن‬

‫واحــد فيهــم يبحــث فــي زاويــة مــن زوايــا الكهــف‪ ،‬التقينــا بهــم‪ ،‬الحظــوا ّ‬
‫أننــي‬

‫طبيــة‪ ،‬نزعــت حذائــي‪ ،‬ربــط‬


‫ّ‬ ‫أعــرج بقدمــي‪ ،‬كان قائــد الرحلــة يحمــل معــه عــدة‬

‫ـم ّ‬
‫كل واحــد فينــا اتجــه‬ ‫ـم انتهــت الرحلــة وعدنــا إلــى وســط المدينــة ثـ ّ‬
‫قدمــي‪ ،‬ثـ ّ‬

‫إلــى بيتــه‪ ،‬ونحــن فــي طريــق العــودة قلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬الزم نرجعو‬

‫‪11‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قال‪ :‬وين؟ راك تقصد على هداك الغار الصغير؟‬

‫قلت‪ :‬إيه‪ ،‬راني حاس بلي ما كانش لي شافو قبلنا‪.‬‬

‫وصلنــا إلــى المدينــة التــي نســكن فيهــا‪ ،‬كانــت قدمــي تؤلمنــي بشـ ّدة وانتفخــت‬

‫وتغيــر لونهــا إلــى األزرق‪ ،‬وصلــت إلــى البيــت‪ ،‬حملنــي والــدي إلــى المستشــفى‪،‬‬
‫ّ‬
‫عملــت فحوصــات‪ ،‬لــم تنكســر قدمــي لكــن الطبيــب أخبرنــي ّ‬
‫أننــي أحتــاج إلــى‬

‫اتصــل بــي رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫بضعــة أيّ ــام لكــي أرتــاح‪ ،‬بعــد أربعــة أيّ ــام ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫‪ -‬قالولي ناضتلك حبة باطاطا في رجلك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ال‪ ،‬راهي بدات ترتاح‪.‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫قــال‪ :‬فكــرت فــي هدرتــك كيمــا قلــت‪ ،‬نرجعــو للغــار هــذاك‪ ،‬بمــا ّ‬
‫أنــك مريــض‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫نــروح أنــا وكــي نرجــع نقلــك واش لقيــت‪.‬‬

‫‪-L M‬‬
‫قلــت‪ :‬راك متأكــد؟ رانــي خايــف تكــون آخــر مــرة نشــوفك فيهــا‪ ،‬خاطــر الذاكــرة‬

‫تاعــك تــاع حوتــة بالخف تنســى‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫قال‪ :‬يا ودي نروح وخالص ماش حاب نخلي الفضول في عقلي‪.‬‬

‫ـب المهــم مــا تقــول لحتــى واحــد‪ ،‬خاطــر رانــي حــاس بلــي الغــار‬
‫قلــت‪ :‬كيمــا تحـ ّ‬

‫هــذاك فيــه ألغــاز‪.‬‬

‫رن الهاتف‪ ،‬رمزي يتصل ‪:‬‬


‫ّ‬

‫‪ -‬صباح البونجوغ رمزي‪.‬‬

‫‪ -‬صباح الهم يا وجه المقلة‪.‬‬

‫‪ -‬رحت كيما قلتلي وال ال؟‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪12‬‬


‫‪ -‬نعــم‪ ،‬لقــد اكتشــفت ممــرّ ا يقــود إلــى بوابــة حديديّ ــة كبيــرة‪ ،‬لقــد انبهــرت مــن‬

‫قوّ تهــا وصالبتهــا‪ ،‬هــل لــك أن تأتــي معــي غــدا لنحــاول فتحهــا؟‬

‫أي أحد ذلك المكان‪.‬‬


‫‪ -‬مع من ذهبت البارحة؟ ال أريد أن يكتشف ّ‬

‫‪ -‬ال تقلــق‪ ،‬ال أحــد يعــرف ســرّ نا‪ ،‬لقــد ذهبــت أنــا وأخــي وصديــق أخــي وابــن عمــي‬

‫وابــن خالــي‪.‬‬

‫‪ -‬ال ال لبــاس‪ ،‬شــغل رانــي نهــدر مــع روحــي كيمــا قتلــك مــا تحلــب حتــى واحــد‪ ،‬كان‬

‫‪N‬‬
‫زدت شــوية تعيــط لبلماضــي يجيبلــك ليكيــب ناســيونال‪ ،‬علــى ّ‬
‫كل حــال مــا هــي‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫ّ‬


‫مفك براغي ومطرقة ومنڨار‪.‬‬ ‫‪LO‬‬
‫العـ ّدة التــي ســنحتاجها غــدا؟‬

‫‪ -‬أحضر معك شينيول‪ ،‬وأنا سأحضر‬


‫ُ‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫‪ -‬ماذا؟ شينيول؟ وين نبرونيشها؟ في مخك؟‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫‪ -‬ال تقلق معي باور بانك‪.‬‬

‫‪ -‬يا راجل أنت بنادم وال فريجيدار باور بانك لومبة مايشعلهاش‪.‬‬

‫‪-‬آه ومــاذا نفعــل؟ المهــم ّ‬


‫أننــا نحضــر معــ ّدات خاصــة تســاعدنا فــي فتــح تلــك‬

‫البوابــة‪.‬‬

‫سأيبسك وأضعك ماكلة للجاج‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬ال تخبر أي شخص آخر بسرّ نا ّ‬
‫وإل‬ ‫ّ‬

‫التقيــت رمــزي فــي المســاء‪ ،‬أرانــي بعــض الصــور لتلــك البوابــة‪ ،‬كانــت بوابــة‬

‫ـوي مكتوبة بلغة ال‬


‫ذهبيــة في الجزء العلـ ّ‬
‫ّ‬ ‫متوســطة الحجــم دائريّ ــة‪ ،‬فيهــا نقــوش‬

‫أي لغة هي‪ ،‬وضعتها في الحاســوب وقمت بتعديلها ببرنامج فوطوشــوب‬


‫أدري ّ‬

‫بونيقيــة أو شــيء‬
‫ّ‬ ‫جيــد‪ ،‬ربمــا هــي لغــة‬
‫لكــي تظهــر الصــورة وتلــك الكتابــة بشــكل ّ‬

‫‪13‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫تأكــدت بالفعــل مــن ّ‬
‫أنهــا‬ ‫مــن هــذا القبيــل‪ ،‬لكــن أثنــاء بحثــي فــي اإلنترنــت‪ّ ،‬‬

‫البونيقيــة‪ ،‬أخــذت أجــول مــن موقــع آلخــر حتــى توصلــت إلــى حــروف‬
‫ّ‬ ‫اللغــة‬

‫البونيقيــة‪ ،‬أخــذت تلــك الحــروف التــي فــي الصــورة التــي أحضرهــا‬


‫ّ‬ ‫اللغــة‬

‫رمــزي وضعــت ورقــة وقلمــا أمامــي وكتبــت تلــك الجملــة حرفــا بحــرف حتــى‬

‫"أي أحــد جــرّ ب الدخــول‬


‫توصلــت إلــى ترجمتهــا‪ ،‬وكانــت ترجمــة العبــارة تقــول ُّ‬

‫أن بطنــي آلمتنــي‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم‬ ‫‪F‬‬
‫إلــى هنــا كانــت نهايتــه مأســاويّ ة "‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫عندمــا رأيــت تلــك الجملــة أصابنــي خــوف شــديد لدرجــة ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫اكتشــفت ّ‬


‫أنهــا ليســطومة‪ ،‬نعــم لقــد أكلــت صحنــا كبيــرا مــن الشخشــوخة فــي‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫عــرس جــاري‪.‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫أغلقــت الحاســوب ثـ ّ‬


‫ـم فتحــت حقيبتــي‪ ،‬وضعــت بعــض األغــراض اســتعدادا‬

‫ليــوم غــد‪ ،‬هــذه المــرّ ة كان علـ ّ‬


‫ـي أن أكــون أكثــر حــذرا فذلــك الكهــف كبيــر جــدا‬

‫‪-L M‬‬
‫و ذلــك البــاب الــذي وجــده رمــزي أكيــد يخفــي أمــرا مــا‪ ،‬أحسســت ّ‬
‫أننــي مقبــل‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫ـي توديــع أهلــي أونســيجامي‬
‫علــى مغامــرة كبيــرة وخطيــرة ولهــذا وجــب علـ ّ‬
‫كاشــما يصــرى‪.‬‬

‫كان أبــي جالســا فــي الغرفــة يحتســي القهــوة ويشــاهد األخبــار فــي قنــاة‬
‫ّ‬
‫وكلــه أمــل يزيدولــوا فــي‬ ‫ّ‬
‫كل تركيــزه صــوب التلفــاز‪،‬‬ ‫الجزائريّ ــة ويضــع‬

‫الشــهريّ ة‪.‬‬

‫جلست أمامه ّ‬
‫ثم رمقني بنظرة وقال‪ :‬خير أطفل كاشما تحتاج ول؟‬

‫قلت‪ :‬ال‪ ،‬أبي أريد أن أتح ّدث معك في أمر مهم‪.‬‬

‫قــال‪ :‬يــاو ماعنديــش‪ ،‬واش أبــن عمــي نـ ّ‬


‫ـوكل فيــك‪ ،‬نقــري فيــك‪ ،‬نلبــس فيــك‪،‬‬

‫عايــش ڨبــة واش نزيدلــك‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪14‬‬


‫تبسمت ابتسامة النصر ألوّ ل مرة‪ ،‬أبي لم يستطع قراءة أفكاري‪ ،‬قلت‪:‬‬

‫‪ -‬ال يا أبي‪ ،‬أنا ال أريد منك شيئا‪ ،‬فقط أريد منك أن تسمعني‪.‬‬

‫قــال‪ :‬أهــدر يــا وجــه الســفيريّ ة‪ ،‬واش كايــن؟ لــكان علــى بنــت مســعود وهللا مــا‬

‫دخلــت لــداري‪ .‬قلــت‪ :‬يــا بابــا تخلينــي نهــدر وال تبقــى تغلــي كــي الكوكوطــة‪.‬‬

‫بــدأت أتح ـ ّدث حــول المغامــرة التــي ســأخوضها‪ّ ،‬‬


‫وأننــي سأكتشــف شــيئا لــم‬

‫ً‬
‫أغنيــاء وأشــتري ســيارة‬ ‫يســبق لبشــر أن اكتشــفه مــن قبــل‪ ،‬وربّمــا ســنصبح‬

‫‪N‬‬
‫فخمــة لطالمــا حلمــت بهــا‪ ...،‬وبينمــا أنــا أتحـ ّدث ســمعت صــوت الصرصــور؛ نعــم‬

‫‪LO‬‬
‫ّ‬
‫تتكلــم مــع نفســك وال أحــد ُيعيــرك اهتمامــا‪،‬‬ ‫ينبهــك ّ‬
‫أنــك‬ ‫ّ‬
‫إنــه الصــوت الــذي ّ‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫اســتدرت ناحيــة والــدي فوجدتــه نائمــا‪ ،‬آلمنــي ذلــك كثيــرا‪ ،‬ألهــذا الحــد ال أحــد‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫ـي؟ وضعــت يــدي علــى كتــف أبــي وقلــت‪:‬‬


‫يســتمع إلـ ّ‬

‫‪R‬‬
‫‪ -‬يا بابا هاني نهدر معاك‪.‬‬

‫‪B‬‬ ‫ّ‬
‫وتبخر من أمامي‪.‬‬
‫قال بالحرف الواحد‪:‬‬

‫‪ -‬طفي التلفزيون وطفي الضو‬

‫دخلت أمّ ي للغرفة ووجهها مخطوف‪:‬‬

‫‪ -‬هــا وليــدي رايــح تحــرڨ وتخلينــي‪ ،‬هــا وليــدي شــكون لــي بيــا‪ ،‬هــا وليــدي خــاف‬

‫مــوالك يفرجهــا ر ّبــي كمــل قرايتــك ويشــوفلك بابــاك خدمة فــي البلديّ ة‪.‬‬

‫أمســكت أمّ ــي مــن يديهــا وقلــت‪ :‬يــا أمّ ــي أنــا ال أنــوي الهجــرة مــن البيــت‪ ،‬أنــا‬

‫ادع‬
‫ِ‬ ‫ـتغير مجــرى حياتــي وحياتكــم‪ ،‬فقــط‬
‫ذاهــب فــي مغامــرة كبيــرة ربمــا سـ ّ‬
‫لــي‪ ،‬أعــدك ّ‬
‫أننــي ســوف آخــذك أنــت وأبــي إلــى الحــج‪.‬‬

‫ثم قالت أمّ ي‪ :‬أوكي‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫كانــت ليلــة طويلــة لمــا فيهــا مــن أفــكار ووســاوس وخــوف مــن المجهــول‪ ،‬ممّ ــا‬

‫يمكــن أن يحــدث لنــا‪ّ ،‬‬


‫ألننــي ألوّ ل مــرة ســأخوض معركــة ال أعلــم فيهــا عــدوّ ي‪،‬‬

‫كنــت فــي تلــك الليلــة أســتيقظ بيــن فتــرة وأخــرى مخطوفــا‪ ،‬كانــت تراودنــي‬

‫وتخيــات فــي ذلــك الكهــف‪.‬‬


‫ّ‬ ‫كوابيــس‬

‫رن الهاتف‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪ -‬واش رمزي؟‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫‪ -‬نوض يا جدك راح الحال‪.‬‬

‫‪H‬‬
‫‪ -‬شحال راهي الساعة؟‬

‫‪U‬‬ ‫‪T‬‬ ‫‪ -‬راهي ‪ 3‬تاع الصباح‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪ -‬وهللا يــا خويــا القلــب لــي عنــدك راه بــارد علــى موســكو‪ ،‬يــاودي رايحيــن‬

‫‪-L M‬‬
‫لمدغشــقر حنــا؟ خلينــا نرقــدو علــى األقــل إال متنــا نموتــو شــبعانين رقــاد‪ ،‬إيــه‬

‫وماتنســاش تقــول ليمــاك ديرنــا شــوية تــاع ســفنج نــدوه معانــا‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫اتصــل بــي رمــزي مــرة أخــرى علــى الســاعة ‪ 8‬صباحــا‪ ،‬نهضــت مــن فراشــي‬
‫ّ‬
‫وكلــي أمــل ّ‬
‫بأننــي ســأنجح فــي هــذه المغامــرة‪ ،‬وجــدت أمّ ــي تنتظرنــي أمــام‬

‫البــاب‪ ،‬فــي يدهــا ملعقــة مــن الســكر‪ ،‬قالــت‪:‬‬

‫‪ -‬كول وليدي باش تولي سبع‪.‬‬

‫آه لــم أقــل لكــم الملعقــة كان فيهــا الملــح‪ ،‬شــربت "ســطل مــاء " لك ّنــي كنــت‬

‫عازمــا علــى المضــي قدمــا‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪16‬‬


‫وجــدت رمــزي ينتظرنــي أمــام بــاب المنــزل‪ ،‬كان يرتــدي مالبــس جديــدة‬

‫وماشــط شــعره بالكورونــدار‪.‬‬

‫قلت له‪ :‬هل نحن ذاهبون للعرس؟‬

‫قال لي‪ :‬باش تشوفني بنت عمي لخضر‪.‬‬

‫تركــت لــه ‪ Vu‬ومضيــت فــي طريقــي أســابق األفــكار وفــي ّ‬


‫كل مــرة أنــزع مــن‬

‫ّ‬
‫ألتفقــد المعــدات التــي أحضرتهــا معــي‪ ،‬وأســتغفر هللا وأدعــو‬ ‫ظهــري الحقيبــة‬

‫‪N‬‬
‫أن يســترنا ويحمينــا‪ ،‬قطــع أفــكاري رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪LO‬‬
‫‪ -‬اسمع نسيت الشارجور‪.‬‬

‫‪L‬‬
‫رمقته بنظرة وقلت‪:‬‬

‫‪U‬‬ ‫‪I‬‬
‫‪ -‬شارجور تاع جدك هاي ليك بنت عمك لخضر تشبه لباباها‪.‬‬

‫‪R‬‬‫‪O‬‬
‫غضــب رمــزي علــى مــا قلتــه فــي فتــاة أحالمــه لك ّننــي لم أعــره اهتمامــا‪ ،‬وضعت‬

‫‪B‬‬ ‫الكيتمــان وأكملــت طريقــي‪ ،‬قالــي لي رمزي‪:‬‬

‫‪ -‬ما رأيك أن ن ّتصل بحسان ليأخذنا بسيارته‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬ال‪ ،‬غيــر داك البنــادم مانروحــش معــاه‪ ،‬هــداك طاكســيور تقــول عليــه‬

‫خيــاط يحســب الطريــق بالميطــرا‪.‬‬

‫وقفنــا قليــا حتــى جــاءت الحافلــة‪ ،‬انطلقنــا‪ ،‬كانــت وجهتنــا نحــو وســط‬

‫المدينــة‪ ،‬اشــترينا بعــض الطعــام لكــي نأخــذه معنــا‪ ،‬نزلنــا فــي ذلــك المنحــدر‪،‬‬

‫بدأنــا بالمســير نحــو الجبــل المقصــود‪ ،‬كان رمــزي يتحــ ّدث عــن بنــت لخضــر‬

‫طــوال الطريــق‪ ،‬مازحتــه قائــا‪:‬‬

‫‪17‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬اســكت الدنيــا معمــرة حشــيش‪ ،‬يعــودوا يوصلــوا الهــدرة لباباهــا االخضــر‬

‫الحشيشــي‪.‬‬

‫كان الجبــل عاليــا ويحتــوي علــى الصخــور والمطبــات الكثيــرة لك ّننــا معتــادون‬

‫ـري التنقــل فــي الطبيعــة‪ ،‬وأخيــرا وصلنــا إلــى‬


‫علــى تســلقه‪ ،‬فأنــا ورمــزي كثيـ ْ‬

‫‪F‬‬
‫الكهــف‪ ،‬دلفنــا إلــى الداخــل وتوجهنــا إلــى ذلــك الغــار الصغيــر‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫قلت لرمزي‪:‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫‪ -‬هل أنت مستعد يا صديقي؟‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫قال لي‪ :‬هاي هاي كابتن‪.‬‬

‫قلــت لــه مازحــا‪ :‬وهللا ماخفتــش مــن ر ّبــي والملــح لــي بيناتنــا ويقولــوا يحقــر لــي‬

‫‪-L M‬‬ ‫قــل منــو نرمــي جــدك تهبــط مرحــي كــي النجــارة‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫أخرجنــا المعــدات التــي نحتاجهــا فــي الداخــل‪ ،‬ارتديــت بدلــة الشــونطي التــي‬

‫كنــت أعمــل بهــا فــي مجــال التلبــاس‪ ،‬بينمــا رمــزي لــم ُي ـ ِرد أن ُي ّ‬
‫غيــر مالبســه‪،‬‬

‫شـ ّـغلنا أضــواء الهواتــف ودخلنــا نزحــف ببــطء داخــل الكهــف‪ ،‬لــم أخــف هــذا‬

‫الغــار مــن قبــل مثــل هــذه المــرة‪ ،‬لكــن هــذه المــرة أحسســت ّ‬
‫أنــي ســأخوض‬

‫مغامــرة صعبــة‪.‬‬

‫بدأنــا طريقنــا بالزحــف فــي الغــار‪ ،‬كنــت أنــا فــي المقدمــة ورمــزي خلفــي‪،‬‬
‫أن جــدران الغــار لــم تعــد ســميكة كمــا كانــت‪ ،‬كنــت ّ‬
‫كلمــا أضــع يــدي‬ ‫الحظــت ّ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪18‬‬


‫تتفتــت الصخــور‪ّ ،‬‬
‫دق ناقــوس الشــك والخــوف فــي عقلــي‪ ،‬ســألت رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪-‬نهــار لــي جيــت أنــت والعيبــاد لــي رايحيــن ينشــروا الســر تاعنــا خبــر عاجــل فــي‬

‫الحومــة تيفــي دخلتــوا نورمــال مــا مســيتوا حتــى حاجــة؟‬

‫أجابنــي رمــزي والوحــل يكســو وجهــه‪ :‬كثــر خيــر وليــد عمــي جــاب بالــة وفــاس‬

‫وحفــر الجوانــب بــاش ندخلــو فــي رحبــة‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫أجبتــه قائــا‪ :‬مــاذا؟ شــكون قالــو أحفــر رايحيــن نغرســو البطاطــا؟ شــوف‬

‫ّ‬
‫أفكــر فــي أمــر إذا حــدث‬

‫‪I‬‬ ‫‪LO‬‬
‫رمــزي أدعــي ر ّبــي يريــب علينــا الغــار خاطــر إيــا ســلكنا راح نريبلــك ظهــرك‪.‬‬

‫‪L‬‬
‫أكملنــا المســير وأنــا أراقــب ســقف الغــار بحــذر‪ ،‬كنــت‬

‫‪U‬‬
‫ســينهار فــي لحظــات ولســوء الحــظ لقــد عطــس رمــزي‪ ،‬نعــم هــذا مــا كنــت‬

‫‪O‬‬
‫تتخيلــوا مــدى‬
‫ّ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫أخشــاه‪ ،‬أدرت رأســي ناحيــة رمــزي‪ ،‬بــدأ الغــار باالنهيــار‪ ،‬لكــم أن‬

‫بشــاعة األمــر‪ ،‬وصرخــت فــي رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬ازرب أمخلوق خليتها على جدنا‪ ،‬هللا يعطيك الساحق والالحق والرصاص‬

‫المتالحــق‪ .‬واصلنــا الزحــف واالنهيــار يلحــق بنــا‪ ،‬كميــة األدريناليــن فــي تلــك‬

‫اللحظــة كانــت تعــادل صحــن الشخشــوخة الــذي تناولتــه فــي عــرس جــاري‪ ،‬مــا‬
‫هــي ّ‬
‫إل لحظــات حتــى خرجنــا للغــار الكبيــر لكــن لألســف الطريــق الوحيــد الــذي‬
‫ُ‬
‫نســلكه للخــارج قــد أغلــق بســبب الصخــور المتراكمــة‪.‬‬

‫رمقت رمزي بغضب وقلت‪:‬‬

‫‪ -‬تعــرف واشــنو الفــرق بينــك وبيــن النحــس‪ ،‬أنــت عنــدك بطاقــة هويــة وهــو‬

‫ماعنــدوش‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫أصابنــي اإلحبــاط فــي تلــك اللحظــة‪ ،‬لــم أد ِر مــاذا أفعــل‪ ،‬أحسســت ّ‬
‫أنهــا نهايتنــا‬

‫أي طريقــة لطلــب النجــدة‪ ،‬كان رمــزي يحـ ّدق بــي‬


‫وال طريــق للعــودة وال نملــك ّ‬

‫ـم قــال‪:‬‬ ‫ّ‬


‫أتكلــم مــع نفســي ثـ ّ‬ ‫وأنــا‬

‫‪ -‬واش نديرو دوك؟‬

‫أجبتــه بغضــب‪ :‬واش نديــرو؟ أنــت بنــادم وال مغــرف؟ يــا مخلــوق ماعرفتــش‬

‫‪F‬‬
‫تشــد نيفــك حتــى نخرجــوا علــى خيــر واعطــس لغــدوة الصبــاح‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫‪K‬‬
‫ـم أيقنــت ّ‬
‫أننــي قســوت عليــه بعــض‬ ‫افترشــت األرض أنظــر إلــى ســقف الغــار ثـ ّ‬

‫‪A‬‬ ‫الشــيء مــع ّ‬


‫أنــه يســتاهل ســبعة كيلــو تــاع صقلــة‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم قلــت‪:‬‬

‫‪H‬‬
‫‪U‬‬ ‫‪T‬‬
‫‪ -‬ماعليــش صاحبــي كاتبــة‪ ،‬المهــم نتكلــو علــى ر ّبــي نكملــو المغامــرة تاعنــا‪ ،‬كــي‬

‫نعــودو راجعيــن نشــوفو كيفــاش نديــرو‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫ابتهــج رمــزي وأمســك يــدي لكــي أقــف ثـ ّ‬
‫ـم انطلقنــا‪ ،‬أخــرج رمــزي مــن جيبــه‬

‫خريطــة الطريــق التــي توصلنــا إلــى البوابــة‪ ،‬باشــرنا فــي الرحلــة واحــدة‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫بواحــدة حتــى وقفنــا عنــد البوابــة‪.‬‬

‫خرافــي؛ صلبــة جــدا وثقيلــة بالــكاد تحتــاج ‪ 3‬أشــخاص‬


‫ّ‬ ‫كانــت ذات تصميــم‬

‫ّ‬
‫تتحطــم ولــو بصــاروخ‪.‬‬ ‫لفتحهــا فحســب ال لتحطيمهــا ّ‬
‫ألنهــا لــن‬

‫وضعنــا حقائبنــا علــى األرض‪ ،‬أخــرج ّ‬


‫كل م ّنــا مــا يحمــل فــي حقيبتــه‪ ،‬بالنســبة‬

‫لــي أخرجــت مطرقــة وعمــودا حديديًّ ــا‪ ،‬بينمــا رمــزي لــم يحضــر شــيئا‪ ،‬أحضــر‬

‫معــه فقــط فرشــاة أســنان ومعجــون أســنان وبولــون‪ ،‬نظــرت لــه نظــرة طويلــة‬

‫وقلــت‪:‬‬
‫‪ -‬ال حــول وال قــوة ّ‬
‫إل باللــه‪ ،‬لــي فيــك يكفيــك‪ ،‬روح اطلــق روحــك بعيــد وخلينــي‬

‫ندبر راسي‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪20‬‬


‫نظــرت إلــى فتحــة المفتــاح؛ كانــت فتحــة متوســطة نوعــا مــا‪ ،‬حاولــت أن أنظــر‬

‫الحجــرة لكــن لــم أ َر شــيئا ســوى الظــام‪ ،‬نظــرت إلــى ّ‬


‫كل‬ ‫مــاذا يوجــد داخــل ُ‬

‫ـدي‪ ،‬غريــب أمرهــا‬


‫أي منفــذ لكــي أغــرس العمــود الحديـ ّ‬
‫حــواف البــاب لــم أجــد ّ‬

‫هــذه البوابــة‪ ،‬هــل مــن الممكــن أن تكــون طريقــة فتحهــا لألعلــى؟ لكــن هنــاك‬

‫فتحــة للمفتــاح وهنــاك أيضــا مقبــض‪ ،‬ناديــت علــى رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬أرواح نجربــو نطبعوهــا تبانلــي فيهــا قالــب‪ ،‬ديــر فــي بالــك شــغل رايحيــن‬

‫‪N‬‬
‫نطبعــو بابــور‪ ،‬ثقيلــة يــا جــدك‪.‬‬

‫‪LO‬‬
‫ـكل قوّ تنــا‪ ،‬لكــن ّ‬
‫كل محاوالتنــا بــاءت بالفشــل‪ ،‬ســقطنا أرضــا‬ ‫حاولنــا أن ندفــع بـ ّ‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫مــن شــ ّدة التعــب‪ ،‬رفعــت رأســي إلــى الســقف‪ ،‬لمحــت رســما وأمامــه عبــارة‬

‫‪U‬‬ ‫"اســتخدم قــوة عقلــك أيّ هــا الغبـ ّ‬


‫ـي‪ ،‬البــاب يفتــح بســحبه لألمــام"‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫وقفــت مخطوفــا وســحبته نحــوي‪ ،‬نعــم فتــح البــاب‪ ،‬أطلــق رمــزي العنــان‬

‫لغبائــه قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬وكانت باينة تكمل كيما هاك سيفيني عمري أنا وياك‪.‬‬

‫أجبته قائال‪ :‬ألحقني وتمس حاجة نطرطڤلك الرڤبة تاعك‪.‬‬

‫دخلنــا للغرفــة‪ ،‬انصدمــت؛ الغرفــة فارغــة‪ ،‬أيــن الكنــز؟ ال يوجــد شــيء ســوى‬

‫صــي موضوعــة فــي الحائــط مشــتعلة بال ّنــار تضــيء المــكان‪ ،‬وقفنــا فــي‬
‫ّ‬ ‫عِ‬

‫ّ‬
‫وكل م ّنــا شــارد الذهــن حتــى نطــق لســاني قائــا‪:‬‬ ‫وســطها‬

‫‪-‬أنــا وجهــي وجــه ‪ audi‬يــاو فيلــو مانكســبهاش‪ ،‬إي وي واش يخســر لــي عمــرو مــا‬

‫ربــح‪ .‬بينمــا رمــزي ّ‬


‫كل همــه بنــت عمــه لخضــر يعبــر عــن حزنــه قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬مريم إكســكيوزي موا ســونتيمو جوســوي تخيســت‪ ،‬أنا ســوف أنتحر‪ ،‬ســوف‬

‫أبلــع فرشــاة األســنان حتــى تخــرج روحي‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قاطعتــه قائــا‪ :‬يــاو غيــر وجــد كرعيــك وذرعيــك بــاش تنحــي الحطــام لــي فــي‬

‫فــم الخرجــة تــاع الكهــف بــا جــدك غيــر تنقيهــا حبــة بحبــة‪.‬‬

‫ـي المشــتعلة‪ ،‬مــا إن أمســكها حتــى ُفتحــت األرض مــن‬


‫اقتــرب رمــزي مــن العِ صـ ّ‬
‫تحتنــا وســقطنا لألســفل‪.... .‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫األرضيــة علــى مصراعيهــا‪ ،‬ســقطنا داخــل ُفوّ هــة كبيــرة‪ ،‬انقطعــت‬
‫ّ‬ ‫ُفتحــت‬

‫‪K‬‬ ‫أنفاســي للحظــات ّ‬


‫ثــم أطلقــت العنــان لحنجرتــي‪:‬‬

‫‪A‬‬
‫‪ -‬اســكوغوني‪ ...‬اســكوغوني‪( ...‬أنقذونــي) أيمــا أجــري ليــا‪ ،‬يــا رمــزي هللا ال‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫يتر بحــك‪.‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫أن ال إلــه ّ‬
‫ّ‬
‫أفكــر فيمــا ســيحدث لــي عندمــا أصــل إلــى األرض‪ ،‬ال احتمــال آخر ســوى‬ ‫بــدأت‬

‫ّ‬

‫‪-L M‬‬
‫أن محمــدا‬
‫إل هللا وأشــهد ّ‬ ‫أننــي ســوف أنفجــر كالبطيخــة‪ ،‬قلــت أشــهد ّ‬

‫ـوي‪ ،‬مــا إن دخلنــا داخلــه‬ ‫ّ‬


‫رســول هللا‪ ،‬مــا هــي إل لحظــات حتــى ظهــر لنــا نــور قـ ّ‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫ـي أو بالــكاد أصبحــت فــي عــداد الموتــى‪.‬‬


‫حتــى أغمــي علـ ّ‬

‫اســتيقظت علــى صــوت العصافيــر وخريــر الميــاه وأصــوات الريــاح تداعــب‬


‫األشــجار‪ ،‬فتحــت عينــي بصعوبــة‪ ،‬قابلتنــي طبيعــة ّ‬
‫خلبــة لــم أ َر مثلهــا مــن‬ ‫ّ‬
‫قبــل‪ ،‬بســاط أخضــر يمتــ ّد مــ َّد البصــر‪ ،‬أزهــار وأشــجار ونهــر صغيــر يداعــب‬

‫أحجــاره‪ ،‬مــا يجعلــك فــي لحظــة كمولــود جديــد ســمع صــوت األذان فــي بدايــة‬

‫حياتــه‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪22‬‬


‫قلــت فــي قــرارة نفســي‪ :‬هــل أنــا فــي الج ّنــة؟ هــل أنــا ميــت؟ هــل ذلــك النــور كان‬

‫بوابــة لدخولــي للج ّنــة بعدمــا قطــع آخــر نفــس؟ هــل يعقــل ّ‬
‫أن نهايــة حياتــي‬

‫كانــت ســهلة لهــذه الدرجــة ؟ أدرت رأســي أبحــث عــن رمــزي‪ ،‬وجدتــه ممــددا‬

‫علــى بعــد عشــرة أمتــار ّ‬


‫ثــم قلــت‪ :‬رمــزي هنــا مافيهــاش‪ ،‬نهضــت بصعوبــة‪،‬‬

‫صــداع خفيــف فــي مق ّدمــة رأســي‪ ،‬رُ ْحــت ناحيــة رمــزي‪ ،‬حرّ كتــه قليــا حتــى‬

‫اســتعاد وعيــه‪ ،‬فقــال‪:‬‬

‫‪N‬‬
‫‪ -‬رانا في الج ّنة‪ ،‬رانا في الج ّنة‪ ،‬الحمد لله لي جمعنا ربّي مع بعض‪.‬‬

‫‪IL‬‬ ‫‪LO‬‬
‫قلت‪ :‬يا ودي نوض أنا مين شفتك هنا عرفتها بلي مافيهاش‪.‬‬

‫قال‪ :‬وين رانا ماال؟‬

‫‪U‬‬
‫قلــت‪ :‬شــوف رمــزي‪ ،‬ميــن داك ماتعميهــاش مــي هــاد المــرة بينتلــي بلــي الغبــاء‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫تاعــك عنــدو فائــدة فــي بعــض المواقــف‪.‬‬

‫بدأت أراقب المكان وقلت محدثا رمزي‪:‬‬

‫‪ -‬أسمع ياك حنا خرجنا من الغار؟‬


‫قال‪ :‬هيه بصح وين راهو‪ ،‬راني نشوف في الدنيا ّ‬
‫كلها حشيش وشجر‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬إيــه هــادي لــي مدوختنــي‪ ،‬كيفــاش وصلنــا هنــا؟ آخــر مــرة شــفيت علــى‬

‫كيمــا دخلنــا فــي الضــوء حتــى فطنــت لقيــت روحــي مســتف مكتــف مغلــف فــي‬

‫الكوانــة قــدام ديــك الشــجرة‪.‬‬

‫قال‪ :‬أنا ما حسيت بوالو‪ ،‬كي شغل كنت نحلم‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬يــاودي كــي خرجنــا مــن الغــار رانــا مــاح وهللا وندريهــا بدلنــا الكوكــب‬

‫هيــا نتمشــاو مــن بعــد تبــان ويــن رانــا‪.‬‬


‫كامــل‪ّ ،‬‬

‫‪23‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫طبيعيــا أو باألحــرى طبيعــة لــم َتمُ َّ‬
‫ســها يــد بشــر مــن قبــل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هــذا المــكان ليــس‬

‫باشــرنا فــي الدخــول للغابــة؛ كانــت غابــة جميلــة جــدا ذات أشــجار كبيــرة‬

‫وضخمــة‪ ،‬أصــوات العصافيــر تأتــي مــن ّ‬


‫كل صــوب‪ ،‬قطــع اندهاشــي رمــزي‬

‫قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬أسمع‪ ،‬ليسطوما راهي تزغرت‪ ،‬جعت يا خويا جعت‪.‬‬

‫‪F‬‬
‫قلــت‪ :‬كــول راســي‪ ،‬منيــن راح نجيلــك؟ حنــا حايريــن فــي جــد المصيــر تاعنــا‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫ونتــا تخمــم علــى كرشــك‪.‬‬

‫ر ّد رمزي قائال‪:‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫‪ -‬ما كان والو سافرنا عبر الزمن برك‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫قلــت‪ :‬شــوف يــا مخلــوق‪ ،‬ماتزيدنيــش همــك‪ ،‬ديجــا أنــت هــو لــي وصلــت جدنــا‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫هنــا ونتــا لــي بســبتك تغلــق الكهــف‪.‬‬

‫بعصبية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ر ّد رمزي‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫طبع في ذاك الباب‪.‬‬


‫‪ -‬كان ماش أنا كان راك ما زلت ّ‬

‫قاطعتــه قائــا‪ :‬أوه أوه أوه ميســتر إينشــتاين كالــم تــوا ســينفوبلي‪ ،‬البــاب أنــا‬

‫لــي فتحتــو ونتــا يديــك فيهــم الملــح الزم تخربــش‪ ،‬قولــي بــرك واش وصلــك‬

‫لحطبــة شــاعلة فيهــا ال ّنــار؟ عــاش يــا المرهــوج؟‬

‫رفع رمزي إصبع يده ليهددني ّ‬


‫ثم قطع تهديده صوت قادم من بعيد‪:‬‬

‫‪ -‬هاي أنتما‪ ،‬ماذا تفعالن هنا؟‬

‫ّ‬
‫توقفنا عن الجدال عند سماع الصوت الذي جاء من بعيد‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪24‬‬


‫ملثــم‪ ،‬ال يظهــر لنــا ّ‬
‫ـوي البنيــة‪ ،‬وجهــه ّ‬
‫إل لــون‬ ‫تق ـ ّدم إلينــا ببــطء‪ ،‬كان شــابا قـ ّ‬

‫عينيــه الخضراوتيــن وحاجبــان كثيفــان‪ ،‬كان يرتــدي بذلــة مــن الفــراء ويحمــل‬

‫ـي رمــزي فــي اســتغراب‬


‫فــي خصــره خنجــرا حــادا وفــي كتفــه قوســا‪ ،‬نظــر إلـ ّ‬
‫وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬هذا ماش ماوكلي‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ال ال ماوكلي صغير‪ ،‬هذا إذا ماكذبتنيش عيني طرزان‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫وقــف أمامنــا وهــو ينظــر إلينــا بحــزم ثـ ّ‬
‫ـم قــال‪ :‬ألــم تســمعا كالمــي؟ أجيبــا عــن‬

‫‪IL‬‬ ‫‪LO‬‬
‫ســؤالي‪ ،‬مــن أنتمــا‪ ،‬ومــاذا تفعــان هنــا؟‬

‫نطق لساني قائال‪:‬‬

‫‪U‬‬
‫‪ -‬واشــبيك طايــح بطاطــا خشــينة(ما بــك تزمجــر علينــا)؟ تســالنا غــراف ملــح‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫ول؟‬

‫ر ّد رمزي قائال‪:‬‬

‫‪ -‬أســمع حبيبنــا يهــدر بالفصحــى‪ ،‬مانكونــوش زلقنــا فــي كاش فيلــم مكســيكي‬

‫مترجــم؟‪.‬‬

‫ّ‬
‫استل الشاب من خصره الخنجر وقال‪:‬‬

‫‪ -‬إن لم تجيبا سوف أقطع أعناقكما هنا‪.‬‬

‫نطق لسان رمزي مع نفسه قائال‪:‬‬

‫‪ -‬يا يما فشليا رجلو (رجليا فشلو)‪.‬‬


‫ّ‬
‫وكلمته بصوت خافت‪:‬‬ ‫أشرت إلى رمزي ليتق ّدم نحوي‬

‫‪ -‬أســمع كاينــة حطبــة بحــذاك وبلوكــة تحــت رجلــي‪ ،‬أنــت أرفــد الحطبــة وأنــا‬

‫نرفــد البلوكــة غيــر يقــرب نطفيــو عليــه الضــوء‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫واصل الشاب النظر إلينا وأخذ يتق ّدم ببطء ويسأل مجددا‪:‬‬

‫‪ -‬ال أريد أن أعرّ ضكما لألذى‪ ،‬أجيبا فحسب‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يا خويا أنا بروحي ماش فاهم كيفاش جيت هنا‪.‬‬

‫نطق رمزي‪ :‬إيه ك ّنا في كهف من بعد لقينا رواحنا هنا‪.‬‬

‫الحظ الشاب طريقة كالمنا ولباسنا‪ّ ،‬‬


‫ثم قال‪:‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪ -‬ما اسمكما؟‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫استشاط رمزي غضبا وقال‪:‬‬

‫‪ -‬شــكون أنــت حتــى نعطيــك اســمي؟ جادارمــي‪ ،‬بوليســي‪ ،‬وال حاكــم الدواســا‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫تــاع السوســيال؟‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫أشرت لرمزي لكي يخرس وقلت‪:‬‬

‫‪-L M‬‬
‫‪ -‬شــوف صاحبــي‪ ،‬إذا كان جيــت بــاش زعمــا تاڨريســينا غيــر أنســاها هــادي‪،‬‬

‫نعرضــك علــى دبــزة الخاســر يمــد واش عنــدو‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬‫وتغيرت مالمح وجهه وقال‪:‬‬


‫ّ‬ ‫أعاد الشاب خنجره إلى خصره‬

‫‪ -‬لــم أ َر مثلكمــا مــن قبــل‪ ،‬سـ ً‬


‫ـواء مــن لباســكما أو مــن طريقــة كالمكمــا‪ ،‬أعتــذر‬

‫علــى قســاوة اســتقبالكما‪ ،‬مــن الواضــح جــدا ّ‬


‫أنكمــا غريبــان وال تعرفــان شــيئا‬

‫عــن هــذا المــكان‪.‬‬

‫أجبته قائال‪ :‬المزية لي عرفت قدرك‪ ،‬أني مسكون مركوب‪.‬‬

‫ـن داخلــي يرتعــش خوفــا فنحــن لــم نعتــد علــى هــذه المواقــف‪ ،‬آخــر معركــة‬
‫لكـ ّ‬

‫كانــت مــع زميــل لــي فــي الدراســة‪ ،‬ســرق م ّنــي ممحــاة‪ ،‬تشــاجرنا‪ ،‬ضربتــه‬

‫وضربنــي انتهــت المعركــة بكــف كــف مــن عنــد األســتاذ‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪26‬‬


‫صافحني الشاب وقال‪:‬‬

‫‪ -‬مرحبا‪ ،‬أنا يوبا صائد مكافآت وتاجر بالمدينة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬صحا خويا يوبا معاك أسامة وهذا رمزي الرهج‪.‬‬

‫ثــم قلــت‪ :‬كيفــاش صائــد مكافــآت؟ مــا فهمتــش‪ ،‬حتــى نتومــا عندكــم مســابقة‬

‫حــك تربــح تشــري تيكــي ونتــا وزهــرك؟‬

‫أجابني ومالمح التعجب على وجهه‪:‬‬

‫‪N‬‬ ‫‪ -‬ماذا؟ لم أفهم كالمك‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫قلت‪ :‬أنت صائد مكافآت‪ ،‬كيف ذلك؟‬

‫قــال‪ :‬أنــا أعمــل مــع منظمــة ســريّ ة‪ ،‬أقــوم بمهمــات خاصــة لصالــح الدولــة‪،‬‬

‫‪U‬‬ ‫وعملــي هــو ّ‬


‫أننــي أقتــل ّ‬
‫كل مــن يريــد القيــام بشــيء لضــرب اســتقرار وطننــا‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫درت ناحية رمزي قائال‪:‬‬

‫‪ -‬خير كبير جايني معاك حبيبي‪.‬‬

‫ثم أردفت قائال ‪ :‬يعني أنت كيما مراد علم دار مي نسخة قديمة‪.‬‬

‫قــال‪ :‬ال أدري مــا تقولــه لكــن بمــا ّ‬


‫أنكــم غربــاء عــن هــذه المنطقــة ولــم تدخلوهــا‬

‫عــن قصــد فقــد عَ َفــوْ ت عنكــم‪.‬‬

‫نطق لساني قائال‪ :‬عالش رزق باباك وال غارس الدالع هنا؟‬

‫صمت برهة وقال‪:‬‬

‫‪ -‬أسرعا بالخروج من هنا قبل أن تأتي دوريّ ة التفتيش ّ‬


‫ألنهم ال يرحمون‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يالسي يوبا ما اسم هذا المكان؟‬

‫قال‪ :‬الغابة السوداء‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫جلت ببصري وقلت‪ :‬عقلك لي مسوّ د وين راك تشوف في السواد‪.‬‬

‫هيا أسرعا‪ ،‬أخرجا من هنا‪ ،‬اتجها يمينا‪.‬‬


‫قال لنا‪ّ :‬‬

‫قلت‪ :‬اصبر يا خويا ضربك التريسيتي وال‪ ،‬يا ودي وين رانا؟‬

‫قــال وهــو يجــري مبتعــدا‪ :‬انطقــا جهــة اليميــن فحســب‪ ،‬ستكتشــفان ذلــك بعــد‬

‫خروجكمــا مــن الغابــة‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫اتجهنــا يمينــا كمــا قــال يوبــا‪ ،‬لكــن بــدأت الشــكوك والوســاوس تســيطر علــى‬

‫عقلينــا‪ ،‬خاصــة بعــد معرفتنــا ّ‬


‫بأننــا فــي مــكان غريــب‪ ،‬كانــت الغابــة متشــابهة‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫جــدا بحيــث إذا التفـ ّ‬


‫ـت إلــى الخلــف وعــدت إلــى األمــام ستســلك طريقــا آخــر‪،‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫قلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪-L M‬‬
‫‪ -‬أسمع الحالة هنا تتشابه ماتغفلش‪ ،‬قالك روح يمين روح يمين‪.‬‬
‫أكملنــا مســيرنا‪ ،‬ال أدري كــم مــن المســافة قطعنــا‪ ،‬لــم نســتطع قياســها ّ‬
‫إل عــن‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫طريــق األلــم والتعــب الــذي نــزل علــى قدمينــا‪ ،‬ناهيــك عــن الجــوع والعطــش‪،‬‬

‫ح ّدثنــي رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬كان غيــر قلنــا ليوبــا يعطينــا مورصــو كســرة وال كاش مورصــو خبــز‪ ،‬يــا خويــا‬

‫أنــي بديــت نطيــح أونبــان‪.‬‬

‫مازحتــه قائــا‪ :‬كان جــات عنــدي الجثــة تاعــك كان راني نشــارك في األولمبيات‬

‫تــاع المصارعة الحرة‪.‬‬

‫تبسم بصعوبة وقال‪ :‬نريحو شوية وهللا ماني قادر نزيد خطوة‪.‬‬
‫ّ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪28‬‬


‫ســقطنا أرضــا مــن ش ـ ّدة التعــب‪ّ ،‬‬
‫كل واحــد منــا كان يلهــث مــن ش ـ ّدة التعــب‪،‬‬

‫بــدأ رمــزي بالهذيــان قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬إيه دير شوية هريسة ومايوناز‪ ،‬الال في نص خبزة‪.‬‬

‫التفت إليه‪ّ ،‬‬


‫رق قلبي لحاله وقلت‪:‬‬ ‫ُّ‬

‫‪ -‬أســتحمل صاحبــي‪ ،‬مابقــاش ونوصلــو للمدينــة لــي قــال عليهــا المخلــوق هــذاك‬

‫ونشــوفو كيفــاش ندبــرو لقمة‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫‪IL‬‬ ‫‪LO‬‬
‫وقفت واستجمعت قواي‪ ،‬رفعت رمزي من األرض وقلت‪:‬‬

‫هيا خويا كوراج مابقاش بزاف‪.‬‬


‫‪ّ -‬‬

‫‪U‬‬
‫أكملنــا طريقنــا‪ ،‬لكــن لــم تظهــر أيّ ــة إشــارة علــى نهايــة الغابــة‪ ،‬مازحــت رمــزي‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫‪ -‬يوبا راح يبعثنا للسعودية مشيا على األقدام يا خويا‪.‬‬

‫أكملنــا المســير بخطــى متثاقلــة حتــى ســمعت صراخــا قويًّ ــا لــم أد ِر مصــدره‪،‬‬
‫قائــا‪:‬‬

‫وصــوت رجــال يقولــون‪ :‬أمســكوه أمســكوه‪ ،‬ال تتركــوه يهــرب‪ ،‬اقضــوا عليــه‪،‬‬

‫ّ‬
‫يــدق بقــوة مــن شــدة الخــوف‪،‬‬ ‫تشوّ شــت عقولنــا فــي تلــك اللحظــة‪ ،‬قلبــي‬

‫اختبئنــا فــي ظهــر شــجرة لكــن لــم نعلــم أيــن مصــدر الصــوت‪ ،‬قلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬أرواح أرواح مور ديك الكومة تاع الحشيش‪ ،‬هنا يشوفونا‪.‬‬

‫اختبئنــا وبقينــا نتحســس مصــدر الصــوت‪ ،‬كان يقتــرب شــيئا فشــيئا وأنــا‬

‫أقــول‪ :‬يــا ر ّبــي ســلكها علــى خيــر‪ ،‬و قــوة أنفــاس رمــزي كانــت قــادرة أن تثيــر‬

‫رمليــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫زوبعــة‬

‫قلت‪ :‬أشششش أتنفس بعقلك‪،‬دوك يفيقولنا‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫حتــى ظهــر رجــل مُ ّ‬
‫كبــل اليديــن‪ ،‬يجــري ويلتفــت وراءه‪ ،‬انعقــدت قدمــاه ووقــع‬
‫علــى األرض‪ ،‬أراد أن يقــف مــن جديــد لكــن جــاءه ســهم ُ‬
‫غــرس فــي قدمــه‪،‬‬

‫حــاول أن يزحــف بيديــه لك ّنــه لــم يقــوَ ‪ ،‬وقــف عنــد رأســه رجــان ضخمــا الجثــة‬

‫ّ‬
‫ملثمــان مثــل يوبــا‪ ،‬وضــع أحدهــم قدمــه علــى ظهــره وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬هــل كنــت تظــن ّ‬


‫أننــا حمقــى لندعــك تهــرب؟ نحــن نعشــق االســتمتاع بخــوف‬

‫ّ‬
‫الملثــم اآلخــر وســحب‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫ضحايانــا‪ ،‬هــا قــد وقعــت بيــن يدينــا مجــددا‪ ،‬تقــ ّدم‬

‫خنجــرا مــن خصــره وذبــح بــه ذلــك الشــخص ببــرودة‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫‪H‬‬
‫بالنســبة لــي ولــي لرمــزي كان العــرق يتصبــب مــن شـ ّدة الخــوف‪ ،‬قلوبنــا تنبــض‬

‫‪T‬‬
‫‪U‬‬ ‫نبضــا قويًّ ــا لدرجــة ّ‬
‫أننــا ظن ّنــا أنهــم سيكتشــفون أمرنــا مــن صــوت النبــض‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬ ‫ّ‬
‫الملثمَ ين لصديقه‪:‬‬ ‫قال أحد‬

‫هيــا‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫ـن ّ‬


‫أنــه نجــا بعدمــا وصــل إلــى نقطــة الخــروج مــن الغابــة‪ّ ،‬‬ ‫ـي ظـ ّ‬
‫‪ -‬هــذا الغبـ ّ‬
‫لنبحــث عــن غيــره ثـ ّ‬
‫ـم عــادا أدراجهمــا يجريــان‪.‬‬

‫إلي وقال‪:‬‬
‫نظرت إلى رمزي وهو بدوره نظر ّ‬
‫‪ -‬ذبحوه كي شغل خروف‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬ســمعت كــي قــال لصاحبــو نقطــة الخــروج مــن الغابــة؟ ســما مابقالنــاش‬

‫بــزاف ونخرجــو‪ ،‬أســمع درك نديماريــو نجريــو مانحبســوش تبانلــي كايــن منهــم‬

‫بــزاف كيمــا قــال يوبــا‪ ،‬علــى حســاب مــا فهمــت راهــم موزعيــن فــي كامــل الغابــة‬

‫وهيــا نقلعــو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وزيــد مســلحين ســما يلحقــك يلحقــك مافيهــاش‪ ،‬زيّ ــر ســباطك‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪30‬‬


‫ّ‬
‫وكلنــا حــذر مــن أن ُيكتشــف أمرنــا‪ ،‬وصلنــا إلــى هضبــة‬ ‫انطلقنــا بأقصــى ســرعة‬

‫عاليــة نوعــا مــا تســلقناها بخفــة‪ ،‬ال ليــس بخفــة‪ ،‬بــل ّ‬


‫إنــه الخــوف يجعــل منــك‬

‫مخلوفــي فــي الركــض‪.‬‬

‫معبــد لكــن ليــس كمــا‬


‫ّ‬ ‫وأخيــرا آخــر شــجرة تركناهــا خلفنــا‪ ،‬خرجنــا إلــى طريــق‬

‫فــي عالمنــا؛ كان عبــارة عــن حصــى مصفوفــة بطريقــة عجيبــة‪ ،‬أكملنــا المســير‬

‫‪N‬‬
‫حتــى صادفنــا عربــة تجرّ هــا الخيــول وكان ســائقها كهــا يرتــدي ثيابــا باليــة‪،‬‬

‫‪LO‬‬
‫ـم‬ ‫ّ‬
‫يتوقــف ثـ ّ‬ ‫يحمــل خلــف العربــة كميــة معتبــرة مــن الحطــب‪ ،‬أشــرت لــه لكــي‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫قلــت‪:‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫‪ -‬يا عمو هللا يعطيك طولة العمر ارفدنا معاك‪.‬‬

‫‪R‬‬
‫ســألنا قائــا‪ :‬مــن أنتمــا؟ مــاذا تفعــان هنــا؟ مــا بكمــا؟ مــاذا حــدث لكمــا؟ يبــدو‬

‫‪B‬‬ ‫علــى مُ َح َّياكــم الخــوف‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ال ال‪ ،‬ك ّنا في العرس وشطحنا بزاف عرقنا توصلنا وال ال؟‬

‫قال رمزي‪:‬‬

‫أمس الحاجة للذهاب إلى المدينة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪-‬أرجوك يا عمي نحن في‬

‫هيا اصعدا‪.‬‬ ‫ّ‬


‫ثم قال‪ّ :‬‬

‫صعدنــا علــى متــن العربــة وبصرنــا ال زال يجــول نحــو الغابــة ونحــن نبتعــد‬

‫عليهــا رويــدا رويــدا‪.‬‬

‫تنفســنا الصعــداء‪ ،‬وجوهنــا كانــت شــاحبة مــن الخــوف والتعــب والعطــش‪،‬‬

‫نظــر إلينــا ســائق العربــة وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬هل كنتما في الغابة؟‬

‫‪31‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قال رمزي‪ :‬إيه وخرجنا الحمد لله ك ّنا راح‪...‬‬

‫ضربت رمزي على كتفه وقلت‪:‬‬


‫‪ّ -‬‬
‫بلع‪ ،‬أنت مجنون صح‪ ،‬تهدر برك وباالك يكون واحد منهم‪.‬‬

‫أجابنــي رمــزي قائــا‪ :‬تشــوف فيــه عايــش بشــطبة وكاس دم‪ ،‬الســيد خالــص‬

‫قريــب يمــوت كيفــاش راح يخ ّدمــوه معاهــم؟‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫قلت‪ :‬أسكت وخالص ما تهدرش‪ ،‬أجبت الشيخ قائال‪:‬‬

‫‪ -‬إيه طاحتلنا السيارة أونبان‪ ،‬جينا نشرو ليصونص‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫نظر إلينا باستغراب وقال‪:‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫بني ماذا تقول؟ من أنتما؟ ولماذا هيئتكما تبدو غريبة؟‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬يا‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫قلــت‪ :‬الحــاج مــن فضلــك تخــف شــوية‪ ،‬خاصنــا نوصلــو للمدينــة فــي أقــرب‬

‫وقــت‪.‬‬

‫‪-L M‬‬ ‫نطق رمزي قائال‪ :‬نريد ُ‬


‫شرب الماء يا عمي من فضلك‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫نظر إلى العربة وقال‪ :‬تجده تحت الحطب‪.‬‬

‫وقف رمزي بلهفة وأحضر قنينة الماء وأخذ يتجرع بشراهة‪ ،‬قلت‪:‬‬

‫‪ -‬بالعقل أطفل باالك تخلصو وتخليني ناشف‪.‬‬

‫شربنا الماء الحمد لله‪ ،‬استعدنا القليل من الطاقة‪ ،‬قلت لرمزي‪:‬‬

‫غبي وكي تكون تتغابى‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬اسمع ياك نعرفك كي تكون‬

‫قال‪ :‬إيه؟‬

‫قلــت‪ :‬كيمــا ك ّنــا فــي الغابــة وقتلــي بلــي ســافرنا عبــر الزمــن‪ ،‬قلتهــا منــك صــح‬

‫وال ترمــي بــرك؟‬

‫قال‪ :‬ال وهللا غير نتمسخر برك‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪32‬‬


‫قلــت‪ :‬تبانلــي كالمــك صحيــح‪ ،‬قبيــل يوبــا يهــدر الفصحــى مــن بعــد هــادوك‬

‫العربيــة‪ ،‬قلــت بــاالك مرتزقــة بــرك يقتلــوا النــاس‬


‫ّ‬ ‫لــي قتلــوا الســيد يهــدرو‬

‫ودرك هــدا الحــاج رانــي خايــف نوصلــو للمدينــة لــي راهــم يهــدروا عليهــا نلقــاو‬

‫رواحنــا داخليــن فــي كاش ســيري تــاع الرســالة وال فايكينــج‪.‬‬

‫العربية؟‬
‫ّ‬ ‫قال رمزي‪ :‬ههه الفايكينج يهدروا‬

‫قلت‪ :‬وين عمبالي أنا‪ ،‬توقع كلشي‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫أكملنا طريقنا والشيخ يسترق م ّنا السمع فأزعجني ذلك وقلت‪:‬‬

‫‪LO‬‬
‫‪ -‬الحاج أرفد وذنك راهي طاحت عندنا‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫قال‪ :‬ماذا؟‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫قلت‪ :‬والو عالش مابدلتش العربة؟ عندك السيسبونسيو ميتة‪.‬‬

‫صرخ رمزي قائال‪ :‬شوف شوف‪.‬‬

‫ّ‬
‫وكأنهــا مبنيــة‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫أدرت رأســي فــي جــزء مــن الثانيــة؛ مدينــة كبيــرة كانــت تبــدو‬

‫ذهبيــة‪ ،‬كان لونهــا يمتزج‬


‫ّ‬ ‫فــوق صخــرة‪ ،‬كان يطـ ّ‬
‫ـل مــن بعيــد قصــر كبيــر ذو قبــة‬

‫مــع ضــوء الشــمس‪ ،‬مبانــي ومنــازل بعضهــا مــن الحطــب وبعضهــا مــن الطيــن‬

‫لك ّنهــا كانــت ذات ألــوان زاهيــة تســرّ ّ‬


‫كل مــن نظــر إليهــا‪ ،‬أصــوات ال ّنــاس عاليــة‬

‫رغــم ّ‬
‫أننــا لــم نصــل إليهــا بعــد‪ ،‬نطــق لســاني لرمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬ليك الصوت تاع ال ّناس شغل سوڨ الجمعة‪.‬‬

‫أجابني رمزي قائال‪:‬‬

‫‪ -‬ياك راك تخمم واش راني نخمم؟‬

‫قلــت‪ :‬أنــا جامــي خممــت واش تخمــم نتــا‪ ،‬أصــا أنــت ميــن تخمــم تعميهــا‪ ،‬قــول‬

‫واش كاين؟‬

‫‪33‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫أشار رمزي إلى بطنه وقال‪ :‬نعمرو الكريشة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إيه‪ ،‬المهم نمشو وحدة وحدة ومين نشمّ و اللوش نهربو‪.‬‬

‫قال‪ :‬أوكي‪.‬‬

‫ـدي كبيــر مفتــوح علــى مصراعيــه‪ ،‬يبــدو ّ‬


‫أنــه‬ ‫نزلنــا مــن العربــة أمــام بــاب حديـ ّ‬
‫مدخــل المدينــة ‪.‬التفــت إلــى رمــزي قائــا‪ :‬ليــك النظــام كيفــاش‪ّ ،‬‬
‫كل مدينــة‬

‫‪F‬‬
‫وعندهــا المدخــل تاعهــا‪ ،‬تحســب كيمــا حنــا تدخــل لواليــة خــاف بالفتــة‬

‫‪A‬‬
‫مكتــوب فيهــا قســنطينة ترحــب بكــم‪.‬‬

‫‪K‬‬
‫‪H‬‬‫‪A‬‬
‫لــم أصـ ّدق مــا تــراه أذنــاي‪ ،‬عفــوا مــا تــراه عينــاي؛ بيــوت جميلــة جــدا‪ ،‬كان ّ‬
‫كل‬

‫أن ّ‬
‫كل البيــوت كانــت‬

‫‪U‬‬ ‫‪T‬‬
‫بيــت يكتســي لونــا مختلفــا عــن اآلخــر والشــيء األجمــل ّ‬

‫‪O‬‬ ‫ّ‬
‫منظمــة‪ ،‬عبــارة عــن مرصوفــة وفــي ّ‬
‫كل مــكان‬ ‫فــي خــط واحــد؛ و الشــوارع‬

‫‪-L M‬‬
‫تجــد تاجــرا يعــرض ســلعه علــى المــارة‪ ،‬منهــم مــن يبيــع الفواكــه ومنهــم مــن‬

‫‪E‬‬
‫الحلــي‪ّ ،‬‬
‫كل شــيء‬ ‫يبيــع الخضــر ومنهــم مــن يبيــع األقمشــة ومنهــم مــن يبيــع ُ‬

‫ّ‬
‫مخصــص‬
‫@‬
‫مقســمة‪ّ ،‬‬
‫كل شــارع‬ ‫ّ‬ ‫يخطــر فــي بالــك تجــده هنــاك‪ ،‬كانــت الشــوارع‬
‫فــي مجــال مــا‪ ،‬أخذنــا نتجــول ونحــن مذهــوالن‪ ،‬لــم ينطــق لســاني ّ‬
‫إل كلمــة‬

‫ســبحان هللا‪ ،‬بقيــت أعيدهــا فــي لســاني مــرات ومــرات‪ ،‬فــي الحقيقــة لــم أ َر‬

‫عصــري‪ ،‬لكــن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكل شــي فيــه‬ ‫أن عصرنــا متطــور‬
‫مثــل مــا أرى اآلن‪ ،‬أعلــم ّ‬

‫صدقونــي هــذا المــكان ليــس عاديًّ ــا‪ ،‬مررنــا كذلــك بشــارع يبيعــون فيــه مختلــف‬

‫الحيوانــات‪ ،‬وشــارع مخصــص للطعــام‪ ،‬ال ّنــاس هنــا مفعمــون بالحيــاة‪ ،‬لبــاس‬

‫كال الجنســين محتشــم‪ ،‬واألجمــل فــي األمــر أنهــم ال يلبســون اللــون األســود‪،‬‬
‫مالبســهم ّ‬
‫كلهــا مختلفــة األلــوان‪ ،‬نطقــت لرمــزي قائــا‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪34‬‬


‫‪-‬غير حنا في وسطهم نوار إي بلون‪.‬‬

‫ق َدمانــا لــم تتوقــف عــن المشــي حتــى وجدنــا أنفســنا وســط دائــرة كبيــرة‬

‫تتوســطها نافــورة كبيــرة‪ ،‬مياههــا تتراقــص كعروســة اكتســت حلتهــا البيضاء‪،‬‬

‫قلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬يا خويا سبحان هللا تشبه لبرشلونة لكن اختالف في المباني برك‪.‬‬

‫علي رمزي قائال‪ :‬وهيه مخ الهدرة ماش راح ناكلو؟‬


‫ّ‬ ‫ر ّد‬

‫‪N‬‬
‫ر ّد لســاني قائــا‪ :‬يــا خويــا يــا خويــا‪ ،‬علــى كرشــو يخلــي عرشــو‪ ،‬أنــا مخــي طــار‬

‫‪LO‬‬
‫هيــا‬
‫مــن واش رانــي نشــوف ونتــا تقــول عليــك تشــوف بكرشــك مــاش بعينيــك ّ‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫نديــك ترهــج يــا الرهــج‪.‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫عدنــا إلــى شــارع المطاعــم‪َ ،‬‬

‫‪R‬‬
‫شــمَ مْ نا أحلــى الروائــح‪ ،‬بطنــي لــم تعــد تقــوى علــى‬

‫‪B‬‬ ‫التحمــل‪ ،‬يجــب أن ألتهــم شــيئا مــا‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم قلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬كيفاش نديرو؟‬

‫قال‪ :‬أنا رافد معايا سبعطاش نلف وخمس مية‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬آه منــك صــح؟ يــا ودي هــادو عندهــم عملــة خــاف ماعالبالنــاش حتــى‬

‫إيــا يتعاملــوا بالنقــود وال ال‪.‬‬

‫ثم أردفت قائال ‪ :‬أصبر نسقسي‪.‬‬

‫دخلــت علــى محــل صغيــر يبيــع الخبــز‪ ،‬كان صاحبــه شــابا فــي مثــل ســني؛ قامــة‬

‫طويلــة ضعيــف الجســم‪ ،‬أبيــض البشــرة‪ ،‬عينــاه عســليتان‪ ،‬حاجبــان رقيقــان‪،‬‬

‫ـي مائــل قليــا إلــى الحمــرة‪ ،‬يرتــدي مئــزرا أبيضــا وواقــف وراء طاولــة‬
‫شــعر بنـ ّ‬
‫عاليــة وكبيــرة تمت ـ ّد مــن جــدار إلــى جــدار‪ ،‬يضــع فيهــا مختلــف أنــواع الخبــز‬

‫‪35‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫مقســمة وفــي ّ‬
‫كل واحــدة منهــا كميــة‬ ‫ّ‬ ‫وفــي الجــدار الخلفــي ّ‬
‫يعلــق فيــه رفــوف‬ ‫ّ‬
‫مــن الخبــز‪ ،‬ســألته قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬بشحال الخبز يا خويا؟‬

‫علي في تعجب‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ر ّد‬

‫‪ -‬بنصف دينار‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫درت ناحية رمزي قائال‪:‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫‪ -‬هات الصرف لي عندك‪ ،‬وقلت للبائع‪ :‬هاك أعطيني بهاذو‪.‬‬
‫ّ‬
‫توقف البائع برهة وأجابني بتعجب قائال‪ :‬ما هذا؟‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫قلت‪ :‬واشبيك بياضو عينيك ول؟ دراهم هادو‪ ،‬نقود يا خويا‪.‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫أي عملة هذه؟‬


‫قال‪ :‬هذه ليست نقود مملكتنا‪ّ ،‬‬

‫‪-L M‬‬
‫قلــت‪ :‬يــا خويــا ياخــي المهــم دراهــم‪ ،‬هادو عندنا نشــرو بيهم قهوة وكرواســون‬

‫وميلفايــة وقرعة عصير ويبقالي الصرف‪.‬‬

‫أي‬
‫‪E‬‬ ‫قــال‪ :‬يــا أخــي أنــا ال أفهــم كالمــك‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم مــا هــذا اللبــاس الــذي ترتديانــه؟ مــن ّ‬

‫@‬ ‫مــكان أتيتمــا؟‬

‫هيــا أعطينــا الخبــز ســينو ياكلنــي‬


‫قلــت‪ :‬جينــا مــن المريــخ‪ ،‬عنــدك مشــكل؟ ّ‬

‫الديناصــور هــذا‪.‬‬

‫ـي باشــمئزاز وقــال‪ :‬ديناصــور تــاع جــدك كــي شــغل أنــت‬


‫كان رمــزي ينظــر إلـ ّ‬
‫ماجعتــش‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إيه صحا درك نجيبلك تاكل ما تموتش برك‬

‫‪ .‬البائع ينظر إلينا باستغراب ودهشة‪ ،‬قاطعت دهشته قائال‪:‬‬

‫هيا خويا‪ ،‬هات الخبز‪ ،‬واش راك تشوف سيرك عمّ ار هنا؟‬
‫‪ّ -‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪36‬‬


‫ّ‬
‫تفضــل يــا أخــي هــذا مــن عنــدي‪ ،‬وخــذ بعــض النقــود‬ ‫انفجــر ضاحــكا وقــال‪:‬‬

‫اشــتريا شــيئا تأكالنــه‪.‬‬

‫أمسك بأربع قطع من الخبز وق ّدمها لي‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أوه كثر خيرك خويا‪ ،‬أنت ليزوم أرواح نسلم على صاحبي‪.‬‬

‫بابتســامة جميلــة قــال‪ :‬ال شــكر علــى واجــب‪ ،‬أتم ّنــى لكمــا زيــارة ممتعــة فــي‬

‫مملكتنــا‪.‬‬

‫ِ‬
‫نأت في زيارة المهم ربّي يجيبلك قسم‪.‬‬
‫‪N‬‬
‫قلت‪ :‬في الحقيقة لم‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬ ‫خرجنــا ثـ ّ‬


‫ـم جلســنا فــي الرصيــف المقابــل لمحــل ذلــك الشــخص الــذي أعطانــا‬

‫‪U‬‬ ‫ّ‬
‫وكأننــا نــأكل اللحــم مــن شــدة الجــوع‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫الخبــز‪ ،‬أخذنــا نلتهــم الخبــز‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫قال لي رمزي‪ :‬شحال عطاك داك السيد؟‬

‫ّ‬
‫ثم عدت للبائع سائال‪ :‬صديقي كم أعطيتني من نقود يعيشك؟‬
‫قلت‪ :‬ماعالباليش‪.‬‬

‫قال‪ :‬أعطيتك عشرين دينارا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهل تكفي لس ّد رمق بطون لم تأكل منذ يومين‪.‬‬

‫َ‬
‫تعال‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ال تكفي‪،‬‬

‫ثم قال‪ :‬هذه تكفي لثالثة أيّ ام‪.‬‬


‫إضافية ّ‬
‫ّ‬ ‫أعطاني عشرون‬

‫خرجنا من المحل‪ ،‬قلت لرمزي‪ :‬يا خويا ناس كي الذهب هللا يرضى عليه‪.‬‬

‫اســتدرت ناحيــة رمــزي وقلــت‪ :‬رانــي ميــت بالعيــا خاصنــا نلقــاو بالصــة ويــن‬

‫نرتاحــو‪ ،‬زعمــا نلقــاو فنــدق ناقــص ســومة نريحــو فيــه يوميــن؟‬

‫قال‪ :‬المدينة كبيرة وعريضة نروحو نحوسو وخالص‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫بعدمــا أكلنــا وامتــأت بطوننــا يجــب اآلن أن نعــرف ّ‬
‫كل كبيــرة وصغيــرة عــن‬

‫هــذه المملكــة‪ ،‬نحــن غربــاء كمــا قــال رمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬رانا حراڨة يا خويا الزم نعرفو كيفاش األمور تسير هنا‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬قبــل مــا نحوســو علــى بالصــة ويــن نرتاحــو نشــوفو مــول الحانــوت‬

‫‪F‬‬
‫يفهمنــا‪ ،‬بايــن فيــه وليــد فاميليــا ومايضرنــاش‪.‬‬

‫أننــي‬

‫‪K‬‬‫‪A‬‬
‫عــدت إلــى المحــل‪ ،‬وجدتــه يبيــع الخبــز للزبائــن‪ ،‬أشــرت لــه بأصبعــي ّ‬

‫‪A‬‬
‫أحتاجــه فــي أمــر مــا‪ ،‬بعدمــا خــرج الزبائــن قلــت‪:‬‬

‫أي أحد‪.‬‬
‫‪H‬‬
‫‪ -‬صديقي من فضلك سأصارحك بأمر لكن من فضلك ال تخبر ّ‬

‫‪T‬‬ ‫قال‪ :‬ال تقلق ّ‬

‫‪U‬‬
‫تكلم‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫قلت‪ :‬نحن لسنا من عالمكم أو باألحرى سافرنا عبر الزمن‪.‬‬

‫‪-L M‬‬ ‫قال‪ :‬ماذا تقصد؟ كيف سافرتم عبر الزمن؟‬

‫‪E‬‬
‫قلــت‪ :‬هاوليــك الرهجشــتاين هــو لــي جابنــا هنــا‪ ،‬ك ّنــا فــي مــكان ثـ ّ‬
‫ـم ال أدري ربّمــا‬

‫@‬
‫زمنيــة هــي مــن أحضرتنــا إلــى هنــا‪ ،‬المهــم مــا أريــد معرفتــه هــو اســم‬
‫ّ‬ ‫فجــوة‬

‫هــذه المملكــة‪ ،‬وأيــن تقــع ومــن حاكمهــا وكيــف تســير أمــور األمــن هنــا‪ ،‬يعنــي‬

‫كايــن مشــاكل وال عافيــة‪.‬‬

‫قال لنا‪ :‬اجلسا‪.‬‬

‫جلسنا أمامه وقال‪ :‬هذه المملكة السوداء‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يا خويا ماش فاهم وين راكم تشوفوا فالسواد‪.‬‬

‫قال‪ :‬ماذا قلت؟‬

‫قلت‪ :‬أقصد لماذا تسمونها هكذا‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪38‬‬


‫همجيــة‪ ،‬ال حاكــم وال محكــوم‪ ،‬ال نملــك ملــكا يرعــى‬
‫ّ‬ ‫ألن الحيــاة هنــا‬
‫قــال‪ّ :‬‬

‫أن هنــاك منظمــات تعمــل‬ ‫كل فــرد هنــا يعتبــر جــزءا مــن الدولــة‪ّ ،‬‬
‫إل ّ‬ ‫الشــعب‪ّ ،‬‬

‫أي‬
‫فــي الخفــاء عبــارة عــن كمشــة مــن القتلــة ســفاكي الدمــاء ال يرحمــون ّ‬

‫شــخص أراد أن يكتشــف مــا وراء المملكــة أو حتــى يســأل شــيئا غيــر مــا يــدور‬

‫فــي المملكــة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬لكن لماذا ماراهمش يحلبوكم؟‬

‫‪N‬‬
‫قــال‪ :‬األمــور هنــا أعقــد ممّ ــا تتصــور‪ ،‬ال تغــرّ ك المظاهــر واأللــوان وســعادة‬

‫‪LO‬‬
‫األشــخاص والمبانــي وجمــال المدينــة‪ ،‬الـ ّ‬
‫ـكل هنــا مهــدد بالقتــل أو باالختفــاء‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫فــي ظــروف غامضــة‪ ،‬لكــن لحــد اآلن ال أحــد التقــى بهــؤالء القتلــة‪ ،‬هنــاك مــن‬

‫‪U‬‬ ‫يقــول ّ‬
‫أنهــم يعيشــون بيننــا ولكــن ال يظهــرون‪ ،‬زعيمهــم أيضــا يعيــش بيننــا‬

‫‪O‬‬
‫ألن بعضهــم‬
‫ّ‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫أي شــيء‪ ،‬ضحاياهــم ُتطبــع فــي ظهورهــم بعــد قتلهــم كلمــة‬

‫ّ‬
‫الــكل يخشــى الذهــاب إلــى الغابــة الســوداء‪،‬‬
‫لكــن ال نعلــم عنــه ّ‬

‫'مذنــب'‪ ،‬كذلــك‬

‫يقــول ّ‬
‫أنهــا بوابــة الخــروج مــن هــذا الجحيــم لك ّنهــا خطيــرة جــدا‪ ،‬الكثيــر مــن‬

‫األشــخاص فقــدو حياتهــم هنــاك‪ ،‬أرادوا الهــروب لكــن ال نعلــم إن نجحــوا أو‬

‫أن األرواح الشــريرة تســكنها‪.‬‬


‫ماتــوا‪ ،‬هنــاك أقاويــل أيضــا ّ‬

‫درت ناحية رمزي وقلت‪ :‬قال الغابة السوداء وال أنا لي نسمع دوبل؟‬

‫قال له رمزي‪ :‬نحن جئنا من الغابة السوداء‪.‬‬

‫قال‪ :‬ماذا؟ أتهزأ بي؟‬

‫قلــت‪ :‬وهللا كيمــا نحكــي جينــا مــع شــيخ كبيــر يقــود عربــة يحمــل فــي مؤخرتهــا‬

‫الحطــب‪ ،‬نهــض مــن مكانــه وهــو يتلهــف ويقــول‪:‬‬

‫‪39‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬كيــف هــي؟ كيــف هــي؟ هــل حقــا وجدتــم الجثــث هنــاك؟ هــل حقــا هــي غابــة‬

‫فائقــة الجمــال؟ قاطعتــه قائــا‪ :‬ريــح درك نحكــي لصاحبــي‪.‬‬

‫ســردت لــه مــا حــدث لنــا وكيــف ّ‬


‫أننــا وصلنــا إلــى هنــا ومــاذا رأينــا فــي الغابــة‬

‫ّ‬
‫الملثميــن‪ ،‬وذلــك الشــخص الــذي قتلــوه ببــرودة أثنــاء هروبــه‬ ‫و ُبحــت لــه بأمــر‬

‫منهــم‪.‬‬

‫إن ذلك الشــخص‬


‫ـم ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫قــال‪ :‬نعــم ‪،‬نعــم ‪،‬هــم الســفلة الذيــن ينشــرون الرعــب هنــا‪ ،‬ثـ ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫الــذي قتــاه أكيــد يســكن فــي المدينــة وأراد الهــرب مــن هنا‪.‬‬

‫ثــم دخــل زبونــان‪ ،‬نظــرا إلينــا نظــرة ليســت عاديــة‪ ،‬وقــف البائــع وراح ناحيتهــم‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫وقال‪:‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫‪ -‬سأعود‪ ،‬انتظراني‪.‬‬

‫‪-L M‬‬
‫بعدما خرج الزبونان‪ ،‬عاد إلينا ّ‬
‫ثم قال‪:‬‬

‫‪ -‬هل لي أن أتعرف عليكما؟‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫قلت‪ :‬أنا أسامة وهذا صاحبي رمزي الرهج‪.‬‬

‫تذمّ ر رمزي قائال‪ :‬ياك قتلك ماتزيدش تهدرها مع ال ّناس كامل‪.‬‬

‫ضحكت وقلت‪ :‬ماعليش أسيدي هذا صديقي رمزي ليزوم‪.‬‬

‫ضحك البائع وقال‪ :‬أنا مانو‪ ،‬تشرفت بمعرفتكم‪ ،‬هل تحتاجون لشيء ما؟‬

‫قلــت‪ :‬هللا يحفظــك شــكرا‪،‬نريد فقــط أن نجــد مكانــا ل َنبيــت الليلــة‪ ،‬رانــا ميتيــن‬

‫بالعيا‪.‬‬

‫قال‪ :‬يا للهول‪ ،‬هل أنتم أموات؟‬

‫أجبته ضاحكا‪ :‬ال‪ ،‬قصدي هو ّ‬


‫أننا متعبون ونحتاج للراحة‪.‬‬

‫لدي غرفة صغيرة في مؤخر المحل‪ ،‬ادخال واستريحا حتى الغد‪.‬‬


‫ّ‬ ‫قال‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪40‬‬


‫قال رمزي‪ :‬كاش خدمة؟ كاش بريكول؟ نجيبو مصروف‪.‬‬
‫قال‪ :‬لم أفهم ّ‬
‫إل كلمة خدمة‪ ،‬أنتما تريدان أن تشتغال؟‬

‫قلت‪ :‬إيه راك عارف الغربة مُ رة وماكاش لي يرفدك‪.‬‬

‫عينــي وقــال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وثــم أشــار إلــى‬ ‫تغيــرا مالبســكما‪،‬‬
‫قــال‪ :‬أوّ ال يجــب عليكمــا أن ّ‬

‫انــزع هــذه الزجاجــات مــن عينيــك كــي ال يالحظــوا اختالفكمــا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬راك تقصد النظارات؟ ال ال ‪ ،‬يخطوني نولي نشوف فيك سبعطاش‪.‬‬

‫أي لغة تتح ّدث‪.‬‬


‫‪N‬‬
‫قال‪ :‬ههه‪ ،‬يا أخي مجرد فضول ّ‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫قلت‪ :‬هذه اللهجة الجزائريّ ة‪.‬‬

‫أخبراني عن المملكة التي جئتما منها‪.‬‬


‫ِ‬ ‫قال‪ :‬استريحا ّ‬
‫ثم‬

‫‪U‬‬
‫قلت‪ :‬ال يا خويا‪ ،‬حنا عايشين في دولة اسمها الجزائر‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫قال‪ :‬حسنا ادخال إلى الغرفة واستريحا‪.‬‬

‫أعطانا مانو اللباس‪ّ ،‬‬


‫ثم قال رمزي‪:‬‬

‫‪ -‬أنا مانلبسش ڨندورة أعطيني سروال‪.‬‬

‫السيد دار فينا مزية ونزيدو نتشرطو؟‬


‫ّ‬ ‫قلت‪ّ :‬‬
‫بلع‪،‬‬

‫غيرنــا لباســنا ووضعنــا رأســينا علــى الوســادة حتــى جــاء النــوم دون‬
‫مــا إن ّ‬

‫اســتئذان‪.‬‬

‫استيقظنا صباحا على صوت مانو‪:‬‬

‫‪ -‬انهضا يا أصدقائي‪ ،‬لدينا عمل لنقوم به اليوم‪.‬‬

‫ـي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فتــح النافــذة المطلــة علــى الشــارع المقابــل‪ ،‬اســتقر ضــوء النهــار فــي عينـ ّ‬
‫ـي‪:‬‬
‫أجبتــه بصعوبــة والنعــاس مكبــل عينـ ّ‬

‫‪41‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬يــا مانــو خويــا ّ‬
‫بلــع الطاقــة يرحــم والديــك‪ ،‬راه مــزال الحــال‪ ،‬وديجــا أنــت راك‬

‫خــدام وحنــا عــاش نوضــو‪.‬‬

‫هيا انهضا ودعا الكسل يكمل النوم بدال عنكما‪.‬‬


‫هيا ّ‬
‫قال‪ّ :‬‬

‫قلت‪ :‬واش نوض ندير؟ نحلب البقرة وال نغسل الماعن‪.‬‬

‫ثم جاء ونزع ع ّني الغطاء‪.‬‬


‫ّ‬

‫‪F‬‬
‫صرخــت قائــا وأنــا أعانــق نفســي مــن شــ ّدة البــرد‪ :‬يــا ودي هــات هنــا البــرد‬

‫‪A‬‬
‫ّ‬
‫يغــط فــي نــوم عميــق‪ ،‬قلــت‬ ‫‪K‬‬
‫عندكــم شــغل راكــم عايشــين فــي مورصــو تــاع جليــد‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫انفجــر ضاحــكا وراح ناحيــة رمــزي‪ ،‬كان رمــزي‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫لمانــو‪:‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫‪ -‬إيه رمزي لوكان يطيح نيزك قدامو مايفطنش‪.‬‬

‫‪-L M‬‬
‫أخيــرا اســتيقظت وقلــت‪ :‬أشــكرك جــدا علــى مســاعدتنا‪ ،‬لــن أنســى لــك هــذا‬

‫المعــروف‪ ،‬وراس صاحبــي تجــي معايــا لقســنطينة تــاكل فيهــا شخشــوخة‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫تنســى الخبــز تاعــك هــذا‪.‬‬

‫هيــا هــداك هــو الوقــت‪ ،‬السـ ّـيد‬ ‫ثـ ّ‬


‫ـم ذهبــت ناحيــة رمــزي وقلــت‪ :‬رمــزي نــوض‪ّ ،‬‬
‫دار فينــا مزيــة ّ‬
‫كثــر خيــرو نروحــو نشــوفو بالصــة خــاف‪ ،‬قالــك ال تكثــر علــى‬
‫الملــوك ال ّ‬
‫يملــوك‪.‬‬

‫نغير مالبسنا استعدادا للرحيل فقال‪:‬‬


‫استيقط رمزي‪ ،‬رآنا مانو ّ‬

‫‪ -‬إلى أين أنتما ذاهبان؟‬

‫قلت‪ :‬ذاهبين لنبحث عن مكان آخر‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪42‬‬


‫ألي مكان‪ ،‬سوف تعمالن معي حتى تعودا إلى مملكتكما‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬لن تذهبا ّ‬
‫ّ‬
‫تتكلم بجديّ ة؟‬ ‫قلت‪ :‬منك صح صاحبي؟ أقصد هل‬
‫قــال‪ :‬نعــم ولــمَ ال؟ لقــد ّ‬
‫تكلمــت مــع والدتــي بخصــوص هــذا األمــر‪ ،‬وأنــا بالفعــل‬

‫أحتــاج لعمّ ــال معــي‪ ،‬فمهنــة المخبــزة صعبــة وفيهــا الكثيــر مــن األعمــال‪ ،‬ومنــذ‬

‫وفــاة والــدي وأنــا أعمــل وحيــدا‪ ،‬وحتــى ّ‬


‫أننــي ال أملــك أصدقـ ً‬
‫ـاء‪ ،‬لهــذا رأيــت‬

‫ـس الدعابــة وهــذا الشــيء يســاعدني‬ ‫أنكمــا مناســبين خاصــة ّ‬


‫وأنكمــا تملــكان حـ ّ‬ ‫ّ‬

‫‪N‬‬
‫فــي تجارتــي ويكســبني المزيــد مــن الزبائــن‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫نظــرت ناحيــة رمــزي قائــا‪ :‬شــفت كيفــاش الخدمــة جــات وحنــا راقديــن؟ ويما‬

‫نهــار كامــل وهــي تقــول نــوض الــرزق يجــي عنــد لــي ينــوض بكــري وأنــا كنــت‬

‫‪U‬‬
‫واثــق مــن النظريّ ــة تاعــي‪ .‬قــال رمــزي‪ :‬أنــا نخــدم يــا خويــا‪ ،‬شــحال الجورنــي؟‬

‫‪O‬‬
‫ثــم ّ‬
‫إننــي أعــرف‬ ‫‪R‬‬
‫قلــت‪ :‬يــا ودي واشــمن الجورنــي‪ ،‬أنــا غيــر يخلينــي نبــات هنــا ونضمــن فطــور‬

‫‪B‬‬
‫وعشــا ســالك‪ .‬قلــت لمانــو‪ :‬رانــا قابليــن‪ ،‬ســوف نعمــل معــك‪ّ ،‬‬

‫كيــف أصنــع الكســرة‪.‬‬

‫قال‪ :‬كسرة؟ ما هذا الشيء؟‬

‫درت ناحية رمزي وقلت‪ :‬نشوكيوه؟‬

‫قال‪ :‬أنا خاصني قهوة قبل من بعد نحكو في الكسرة‪.‬‬

‫أخرجــت مــن جيبــي دينــارا وقلــت‪ :‬هــاك جيبلنــا زوج قهــاوي بيــان ســيري‬

‫وزوج ميلفايــات‪ّ ،‬‬


‫ثــم عــدت لوعيــي‪ :‬يــا خــاه نســيت اصبــر‪ ،‬قلــت لمانــو‪:‬‬

‫‪ -‬خاصنا قهوة‪ ،‬نريد أن نتناول الفطور‪ ،‬أين يمكننا أن نجد كافيتيريا؟‬

‫قال‪ :‬فطوركما جاهز‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫أحضــر لنــا مانــو مائــدة صغيــرة تحتــوي علــى صحــن مــن الزيتــون ورغيــف خبــز‬

‫لـ ّ‬
‫ـكل واحــد م ّنــا وصحــن آخــر يحتــوي علــى زيــت الزيتــون وطماطــم مقصوصــة‬

‫وبطاطــا مشــويّ ة وحبــات تفــاح لـ ّ‬


‫ـكل واحــد م ّنــا‪ ،‬وضعهــا أمامنــا وقــال‪:‬‬

‫طيبة‪.‬‬
‫‪ -‬شهية ّ‬

‫قال رمزي‪ :‬هذا فطور؟ يا ودي هذا فرخ ما يشبعوش‪.‬‬


‫ّ‬
‫وبلــع‪ ،‬كــي شــغل موالــف فــي الــدار تفطــر‬
‫‪F‬‬
‫قلــت بنظــرة حــادة‪ :‬أيــا كــول‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫بليكخــاب‪ ،‬تمــوت علــى التبهديــل الزم تنطــق‪.‬‬

‫قال مانو‪ :‬ما به رمزي؟ ألم يعجبه الفطور؟‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫قلت‪ :‬ال ّ‬


‫إنه سعيد جدا بما ق ّدمته لنا‪ ،‬راك خويا مانو ليزوم‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫ّ‬
‫ووزع علينــا المهــام؛ بالنســبة‬

‫‪O‬‬
‫تناولنــا الفطــور ثـ ّ‬
‫ـم أعطانــا مانــو مالبــس العمــل‬

‫‪-L M‬‬
‫لــي وضــع العجينــة أمامــي وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬اقصصها قطعا قطعا واعجن ّ‬


‫كل واحدة منها وضعها جانبا‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫بينمــا رمــزي كانــت وظيفتــه هــي أن يحمــل الصناديــق التــي يضــع فيهــا مانــو‬

‫جيــدا ُ‬
‫ويعيدهــا مكانهــا‪ ،‬وبعــد نضــج الخبــز يضعــه‬ ‫بتنقيتهــا ّ‬
‫ّ‬ ‫البضاعــة ثـ ّ‬
‫ـم يقــوم‬

‫فيهــا‪ ،‬مانــو مــول الصنعــة كمــا نقــول فــي لهجتنــا‪ ،‬كنــت أراقــب تصرفاتــه‪ّ ،‬‬
‫إنــه‬

‫ـب مهنتــه حتــى النخــاع‪ ،‬يعمــل مبتســما ويلتفــت إلينــا مبتســما‪ ،‬بالرغــم مــن‬
‫يحـ ّ‬

‫أنــه صغيــر الســن إال ّ‬


‫أنــه يتقــن ويتفنــن فــي عملــه‪ ،‬أكملــت العجيــن ووضعتــه‬ ‫ّ‬

‫كمــا قــال مانــو‪ ،‬جــاء رمــزي ناحيتــي وجلــس علــى الكرســي فقلــت‪:‬‬

‫‪ -‬واش أخويا‪ ،‬أك طالق الطاي‪ ،‬سيبون كملت؟‬

‫قال‪ :‬قالي مانو ريّ ح حتى يطيب وتجي تبيع معايا‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪44‬‬


‫قلــت مازحــا‪ :‬آه ســيبون مانــو ليــوم يعلــن اإلفــاس‪ ،‬أنــت شــديت طابلــة تــاع‬

‫دخــان الشــي لــي ســرقوهولك كثــر مــن لــي بعتــو‪.‬‬

‫بدأنــا العمــل مــع مانــو‪ ،‬ك ّنــا أنــا ورمــزي نقضــي يومنــا فــي المخبــزة وينتهــي‬

‫الســياحي‪ ،‬مازحــت رمــزي‬


‫ّ‬ ‫يومنــا بجولــة حــول المدينــة ومعنــا مانــو الدليــل‬

‫قائــا‪:‬‬

‫‪N‬‬
‫‪ -‬ليك ال ّناس كيفاش يشوفو فينا‪ ،‬راني نحس روحي ألماني جا للجزائر‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫كانــت المدينــة تبــدو أجمــل فــي فتــرة المســاء‪ ،‬فــي الليــل تصبــح عبــارة عــن‬

‫‪U‬‬
‫لؤلــؤة مضيئــة‪ ،‬خاصــة فــي تلــك الدائــرة الكبيــرة حيــث يجتمــع الكثيــر مــن‬

‫‪O‬‬
‫‪R‬‬
‫ّ‬
‫كل صــوب صغــارا وكبــارا‪ ،‬تســمع ضحكاتهــم ولعــب أطفالهــم‬ ‫ال ّنــاس مــن‬

‫‪B‬‬
‫إلــي رمــزي قائــا‪:‬‬
‫ّ‬
‫تحــس ّ‬
‫كأنــك فــي كوكــب آخــر‪ ،‬التفــت‬ ‫ّ‬ ‫بالفعــل‪،‬‬

‫‪ -‬أنا وهللا بديت نوالف وعالبالي نهار لي نجي نولي للبالد نبكي‪.‬‬

‫أجبتــه قائــا‪ :‬كــون تشــوف ســامعك‪ ،‬أنــا صــاي ربّيــت الكبــدة علــى مانــو‪ ،‬لــوكان‬

‫يطلــب عينيا نســلفهملو‪.‬‬

‫بقــي مانــو ينظــر إلينــا فــي اســتغراب ونحــن نتحــ ّدث ّ‬


‫ثــم أجابنــي بابتســامة‬

‫مشــرقة قائــا‪:‬‬
‫ّ‬
‫أتعلــم لغتكمــا فأنتمــا اآلن صديقــاي المقرّ بــان‪ ،‬بــل أنتمــا أخــواي‪،‬‬ ‫‪ -‬أنــا أريــد أن‬

‫عندمــا أتح ـ ّدث عنكمــا أمــام والدتــي وأحكــي لهــا عــن المواقــف التــي تحــدث‬

‫‪45‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫بينكمــا أنــت ورمــزي تضحــك حتــى تســقط دموعهــا‪ ،‬أجبتــه قائــا‪ :‬يجيبهــا‬

‫التلبــاس خويــا‪ ،‬أجابنــي‪ :‬مــاذا قلــت؟‪ّ ،‬‬


‫ثــم وضعــت يــدي علــى كتفــه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ستتعلم بالتدريج‪ ،‬أوّ ل درس لهذا اليوم قل "واش راك"‪.‬‬ ‫قلت‪:‬‬

‫قالها ّ‬
‫ثم أجبته أن هذه تعني كيف حالك‪ ،‬ابتسم وقال‪:‬‬

‫هيــا بنــا لنعــد أدراجنــا‪ ،‬يجــب أن نرتــاح‪ ،‬هــذا اليــوم أتــى الكثيــر مــن الزبائــن‪،‬‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪F‬‬
‫أصبــح العمــل شــاقا أكثــر مــن األيّ ــام األخــرى‪ ،‬أشــرت ناحيــة رمــزي وقلــت‪:‬‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫‪ -‬هيــه رانــي حايــر فــي رمــزي منيــن طاحــت عليــه هــاذ الشــطارة‪ ،‬عندمــا كان‬

‫فــي عالمنــا بولــون مايعرفــش يســيريه‪.‬‬


‫ّ‬
‫تخلــص‬
‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫أجابنــي رمــزي قائــا‪ :‬وهللا يــا أنــت‪ ،‬تشــفى نهــار بعثــك عمــي محمــد‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫ـأن ونتحـ ّدث ونمــازح بعضنــا البعــض ومانــو‬
‫التريســيتي ورحــت للســياكو؟‬

‫‪-L M‬‬
‫ضحكنــا وعدنــا أدراجنــا نمشــي بتـ ٍ‬
‫يســتمع إلينــا‪ ،‬مــرّ أمامنــا الزبونــان اللــذان رأيناهمــا يومهــا‪ ،‬ســألنا مانــو عــن‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫المملكــة وأربكتنــي نظرتهمــا إلينــا‪ ،‬هــذه المــرة أطــاال النظــر إلينــا خصوصــا أنــا‬

‫لك ّننــي ســرعان مــا نســيت أمرهمــا‪.‬‬

‫ثم قلت لرمزي‪ :‬اسمع شفت هادو لي فاتو درك؟‬

‫قال‪ :‬إيه واش بيهم؟‬

‫قلــت‪ :‬يــا خويــا توسوســت منهــم‪ ،‬هــادي ثانــي مــرة وهومــا يشــوفوا فينــا‬

‫بطريقــة مــاش نورمــال‪.‬‬

‫قال‪ :‬ال‪ ،‬ياودي حنا باينين ماش من هنا‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬يــا خويــا يــا خويــا‪ ،‬تقــول مــا راك جزائــري ‪،‬ماتعرفــش تفــرق بيــن نظــرة‬

‫نورمــال ونظــرة مــاش نورمــال‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪46‬‬


‫مانــو يراقــب بصمــت وقــال‪ :‬مــا بكمــا يــا مشاكســين؟ هــل تعانيــان مــن مشــكلة‬

‫ما ؟‬

‫قلــت‪ :‬ال شــيء‪ ،‬صاحبــي رانــي نسقســي فيــه إيــا غــدوة هو يعجــن في بالصتي‬

‫وأنــا نبيــع معــاك‪ ،‬حاب نداســر الزبائن‪.‬‬

‫قال‪ :‬حسنا !!‬

‫‪N‬‬
‫يــوم جديــد ونشــاط جديــد‪ ،‬أصبحــت بضاعــة مانــو مطلوبــة مــن أصحــاب‬

‫‪I‬‬ ‫ّ‬
‫وكلــف رمــزي بتوزيعهــا علــى المحــات‪ ،‬كنــت‬ ‫‪LO‬‬
‫المطاعــم‪ ،‬كان يجــب علينــا أن نصنــع كميــات كبيــرة مــن الخبــز‪ ،‬اشــترى مانــو‬

‫‪L‬‬ ‫عربــة صغيــرة لنقــل البضائــع‬

‫‪U‬‬ ‫جالســا فــي المحــل ّ‬


‫أرتــب رفــوف الخبــز ريثمــا ينضــج‪ ،‬كان فــي ّ‬
‫كل مــرة يأتــي‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫زبــون يســأل متــى يكــون الخبــز جاهــزا ومانــو فــي الخلــف منهمــك مــع الفــرن‬

‫وصنــع الخبــز‪.‬‬

‫ـي وعينيــن زرقاوتيــن‪ ،‬أنــف رقيــق ووجــه‬


‫دخلــت فتــاة حســناء ذات شــعر ذهبـ ّ‬
‫ـماوي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مرصعــا لونــه أزرق سـ‬ ‫ـري‪ ،‬بيضــاء البشــرة تلبــس فســتانا‬
‫دائـ ّ‬

‫كنــت أنــا منهمــكا فــي وضــع الخبــز فــي مكانــه‪ ،‬دخلــت وقالــت مرحبــا‪ ،‬اســتدرت‬

‫ناحيتهــا‪ ،‬أصابتنــي الدهشــة وقلــت‪:‬‬

‫‪ -‬مساء الخير‪ ،‬آه عذرا صباح الخير ختي‪.‬‬

‫قالت‪ :‬صباح النور‪.‬‬

‫قلت‪ :‬كاشما تحتاجي؟ الخبز راه جديد‪ ،‬شحال نعطيك؟‬

‫‪47‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قالت‪ :‬هل مانو هنا؟‬

‫قلت‪ :‬نعم تحتاجيه؟‬

‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬نادِ ه من فضلك‪.‬‬

‫ذهبــت إليــه وقلــت‪ :‬اســمع‪ ،‬يــا ودي واحــد الفتــاة راهــا تحــوس عليــك‪ ،‬مخــي‬

‫ديكلونشــا كيمــا شــفتها‪ ،‬ماحلبتنيــش بلــي تعــرف الحســناوات‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ضحك وقال‪ :‬أنا قادم‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫عدت للمحل وقلت‪ :‬راه جاي أمادموزال‪.‬‬

‫صمتت برهة وقالت‪ :‬أنت أسامة؟‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫‪ -‬يــا عينــي علــى أســامة وتعرفــي اســمي‪ ،‬نعــم أنــا أســامة واش راكــي صافــا؟‬

‫‪U‬‬
‫وهللا لبــاس شــوية البــرد‪ ،‬آه الســخانة عطشــت جيبولــي نــاكل‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫إلي باستغراب وضحكت لطريقة ارتباكي‪ّ ،‬‬
‫ثم قلت‪:‬‬ ‫نظرت ّ‬
‫‪ -‬تريحي؟ هاو ليك كرسي‪ ،‬أقصد اجلسي ريثما يأتي مانو‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫خرج مانو مبتسما وقال‪:‬‬

‫‪ -‬إيناس؟ كيف حالك؟ ما الذي أتى بك إلى هنا؟‬

‫قلت في نفسي‪ :‬مانو ليوم تتخلط تهدرلي مع فتاة أحالمي‪.‬‬

‫تح ّدثا قليال ّ‬


‫ثم انصرفت‪ ،‬وقفت قائال‪:‬‬

‫‪ -‬اسمع شكون هادي؟ وين تعرفها؟ وشكون قالك أحكي معاها؟‬

‫قال مبتسما‪ :‬هذه خطيبتي‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬آه ر ّبــي يكمــل صاحبــي‪ ،‬يــا خويــا راك تعــرف تصيــد‪ ،‬زيــن وتربيــة وبايــن‬

‫فيهــا لبــاس بيهــا‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪48‬‬


‫قال‪ :‬ماذا تقصد؟‬

‫أجبتــه قائــا‪ :‬أقصــد جميلــة جــدا‪ ،‬وذات أخــاق‪ ،‬كيــف وجدتهــا؟ أكاد أجــزم‬

‫ّ‬
‫أنــك تصادفــت بهــا فــي المحــل وأعجبــت بهــا‪ ،‬وذهبــت إلــى والدهــا‪.‬‬

‫ضحــك مانــو وقــال‪ :‬ال‪ ،‬إينــاس هــي صديقــة الطفولــة‪ ،‬ترعرعنــا مــع بعــض‬

‫وأحبتنــي لكــن‪...‬‬
‫ّ‬ ‫فأحببتهــا‬

‫قلت‪ :‬لكن واش؟ كمّ ل‪.‬‬

‫‪N‬‬ ‫ثـ ّ‬
‫ـم قــال‪ :‬والدهــا صاحــب نفــوذ ومــال ولحــد الســاعة ال يريدهــا أن تكــون مــن‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫قلت‪ :‬اصبر‪ ،‬ياك قلت لي ّ‬
‫بأنها خطيبتك‪.‬‬
‫نصيبــي‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫أطــرق بنظــره إلــى األرض وقــال‪ :‬يــا ريــت لــو كانــت خطيبتــي‪ ،‬والدهــا ال يريــد‬

‫‪O‬‬
‫الســماء؟ ســوف نذهــب‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫أن يزوّ جهــا مــن تاجــر فقيــر‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬ال فقيــر ال والــو‪ ،‬واش حاســب روحــو شــاد علينــا ّ‬

‫ـاء ونتح ـ ّدث فــي هــذا األمــر‪ ،‬وســوف يقبــل بــا جــدو‪ ،‬حتــى‬
‫إلــى والدهــا مسـ ً‬

‫أنــت وليــد فاميليــا وبوڨــوص‪.‬‬

‫ضحــك مانــو وقــال‪ :‬لقــد حاولــت معــه مــرارا وتكــرارا لك ّنــه لــم يقبــل‪ ،‬لكــن‬

‫ً‬
‫مســاء‪.‬‬ ‫ســأذهب معــك‬

‫دخل رمزي بوجه مشرق وقال‪ :‬أسامة صاحبك هارب في راسو‪.‬‬

‫قلت‪ :‬عالش غير الخير؟‬

‫علي كيسا من النقود وقال "هاي ليك ‪ 250‬دينار في زوج دقايق"‪.‬‬


‫ّ‬ ‫رمى‬

‫قلــت‪ :‬منيــن جبتهــا؟ اســمع لــكان كاشــما درت غيــر قلــي مــن درك نوجــد روحــي‬

‫للحبــس خاطــر مانيــش حــاب نباصــي وأنــا ماعالباليــش بالتهمــة‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قال‪ :‬ماكان والو‪ ،‬ماتحوسش تفهم المهم ليوم نتقلشو‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هاني قتلك كاشما دير نطرطڨلك الرڨبة تاعك‪.‬‬

‫سأل مانو رمزي‪ :‬هل ّ‬


‫وزعت ّ‬
‫كل البضاعة؟‬
‫ّ‬
‫ليتكلــم معــك بخصــوص الطحيــن‪ ،‬قــال‬ ‫قــال‪ :‬إيــه‪ ،‬زبــون آخــر ســيأتي فيمــا بعــد‬

‫ّ‬
‫أنــه يملــك كميــة كبيــرة ويريــد بيعها بســعر مناســب‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫قال مانو‪ :‬حسنا‪.‬‬

‫‪K‬‬ ‫كان العمــل يتق ـ ّدم بشــكل ّ‬


‫جيــد‪ ،‬أصبــح الزبائــن يعرفــون أســامة ورمــزي أكثــر‬

‫‪A‬‬
‫مــن مانــو‪ ،‬كانــوا يســألوننا كثيــرا مــن أيــن أنتــم؟ أيــن موطنكــم؟ واإلجابــة‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫واضحــة‪" :‬جئنــا مــن المريــخ"‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫فــي المســاء ك ّنــا بصــدد غلــق المحــل‪ ،‬جــاء شــخص يجــري نحونــا‪ ،‬مــا إن وصــل‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫حتــى أشــار بإصبعــه لرمــزي وقــال لــي‪:‬‬

‫‪ -‬هــذا الشــخص بــاع لــي هــذا البــرص (زرزوميــة ) وقــال لــي ّ‬


‫أنهــا ديناصــور‪،‬‬

‫‪E‬‬ ‫حيــوان منقــرض ّ‬


‫وأنهــا ســوف تنمــو حتــى يصبــح طولهــا أقــرب إلــى ســقف‬

‫@‬ ‫بيتــي‪ ،‬لقــد دفعــت لــه ‪ 250‬دينــار‪.‬‬

‫درت ناحية رمزي وقلت‪:‬‬

‫‪ -‬يعنــي وهللا مليحــة العبــد يدخــل فيــك بدمــاغ نفاصيلــك الذاكــرة‪ ،‬ر ّد رمــزي‬

‫للشــخص قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬لست أنا من باعك هذا البرص‪ ،‬كاين أربعين شخص يشبهولي‪.‬‬

‫درت ناحية رمزي وقلت‪:‬‬

‫هيــا ّ‬
‫رجــع حــق الســيد وبــركا بــا ســكروكاج‪ ،‬حنــا عايشــين فــي الريســك ونتــا‬ ‫‪ّ -‬‬

‫ديرلنــا فــي المشــاكل‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪50‬‬


‫أعدت المال لصاحبه‪ ،‬وقلت لرمزي‪:‬‬

‫‪ -‬اســمع غيــر ريّ ــح غبـ ّ‬


‫ـي ‪ ،‬خاطــر الــذكاء مــا يصلحلكــش‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم جلــت ببصــري فــي‬

‫ـم تحــرّ ك‪.‬‬


‫ـي ثـ ّ‬
‫الجهــة المقابلــة للطريــق‪ ،‬رأيــت شــخصا نظــر إلـ ّ‬
‫رمقنــي ذلــك الشــخص بنظــرة زادتنــي ارتبــاكا‪ ،‬أحسســت ّ‬
‫أننــا مراقبــون‪ ،‬بــدأ‬

‫ـك يـ ّ‬
‫ـدق فــي عقلــي‪ ،‬الحــظ رمــزي ارتباكــي وقــال‪:‬‬ ‫ناقــوس الشـ ّ‬

‫‪ -‬واشبيك أوس؟‬

‫‪N‬‬ ‫قلت‪ :‬والو والو‪.‬‬

‫‪LO‬‬
‫لم أقل لرمزي ّ‬
‫ألنه لن يعطي لألمر أهمية‪ّ ،‬‬
‫ثم قلت‪:‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫هيا نبلعو المحل ليوما ما نسهروش‪.‬‬


‫‪ -‬ماعليش ّ‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫قال‪ :‬عاله؟‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫قلت‪ :‬هكا مانسهروش‪.‬‬

‫ذهبنــا إلــى ســوق الخضــروات واشــترينا مــا ســنطبخه لتلــك الليلــة ثـ ّ‬


‫ـم عدنــا‬

‫إلــى المحــل‪ ،‬أغلقــت البــاب بإحــكام‪ ،‬وظللــت أراقــب الشــارع بتركيــز شــديد‪،‬‬

‫وقــف أمامــي رمــزي وقــال‪:‬‬

‫الســيد ســيبون يــاك‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬واشــبيك أخويــا؟ واش كايــن فهمنــي؟ لــكان علــى داك‬

‫رجعنالــو دراهمــو‪ ،‬ونوعــدك مــا راح نزيــد نديــر حتــى مشــكلة‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬ال مانيــش علــى داك السـ ّـيد‪ ،‬يــاو فيــق أبريــق رانــا معسوســين‪ ،‬الحالــة‬

‫ّ‬
‫ماتبشــرش بالخيــر ديــر بالــك مليــح‪.‬‬

‫َ‬
‫ط َهوْ نــا وجبــة العشــاء ّ‬
‫ثــم جلســنا ســويًّ ا نتنــاول الطعــام‪ ،‬لــم أنطــق حتــى‬

‫بكلمــة‪ ،‬ظللــت فقــط أنظــر فــي زاويــة مــن الغرفــة ورأســي يشــتعل تفكيــرا‪،‬‬

‫قاطــع شــرودي رمــزي وقــال‪:‬‬

‫‪51‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬مانو ماجاش ليوم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إيه قالي بلي الوالدة تاعو مريضة راح يريح معاها‪.‬‬

‫أجابني رمزي قائال‪ :‬وكيفاش ما نطلوش عليها؟‬

‫أجبتــه غاضبــا‪ :‬مــا كانــش‪ ،‬أنــي نقلــك رانــا معسوســين ورانــي حــاس بلــي راح‬

‫ندخلــو فــي مشــكلة كبيــرة‪.‬‬

‫‪F‬‬
‫صمــت رمــزي وقــال‪ :‬ماعليــش المهــم نديــرو حســابنا ولــي جــي مــن عنــد ر ّبــي‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫مرحبــا بيهــا‪.‬‬

‫ســقطت فــي فراشــي متعبــا‪ ،‬وضعــت النقــود التــي كانــت فــي جيبــي فــوق‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫الكرســي ّ‬


‫ثــم الحظــت النقــوش الموجــودة فــي العملــة‪ ،‬نهضــت مــن مكانــي‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫مخطوفــا‪ ،‬قــال لــي رمــزي‪:‬‬

‫‪-L M‬‬
‫‪ -‬واشبيك اأطفل من الصباح ونتا تنكز تاع روحك؟‬

‫قلت‪ :‬أرواح أرواح شوف‪ ،‬راني شايفها العملة هادي من قبل‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫قال رمزي‪ّ :‬‬


‫وضح أكثر‪ ،‬وين شفتها؟‬

‫قلت‪ :‬أمم واقيل شبهتها‪،‬ال ال هادي العملة تاع نوميديا‪.‬‬

‫قال رمزي‪ :‬آه منك صح؟ واش جاب نوميديا للملكة السوداء‪.‬‬

‫قلت لرمزي‪ :‬ارقد ارقد‪ ،‬راني بديت نخلط أنا‪.‬‬

‫مــا إن نــام رمــزي حتــى أحضــرت ورقــة وقلمــا ووضعــت العملــة تحــت الورقــة‬

‫وأخــذت ألــوّ ن تلــك العملــة حتــى ظهــرت النقــوش‪ ،‬تفاجــأت ّ‬


‫أنهــا عملــة‬
‫ّ‬
‫أحلــل‬ ‫نوميديــا‪ ،‬لكــن كيــف؟ وهــذه المملكــة تســمّ ى بالســوداء‪ّ .‬‬
‫ثــم بــدأت‬

‫الوقائــع واألحــداث واألشــياء التــي أخبرنــي عنهــا مانــو بخصــوص المملكــة‪،‬‬

‫وقلــت فــي قــرارة نفســي‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪52‬‬


‫‪ -‬مملكــة دون حاكــم وال محكــوم‪ّ ،‬‬
‫كل واحــد هنــا يعتبــر جـ ً‬
‫ـزءا مــن الدولــة‪ ،‬إيــه‬

‫وهــادو الســفاحين لــي راهــم يخطفــوا فــي ال ّنــاس ومــا يخلــوا حتــى واحــد‬

‫س ّ‬
‫ــكت برهــة ثــم صــاح‬ ‫سياســية‪ ،‬الحكايــة فيهــا اللــوش َ‬
‫ّ‬ ‫يبحــث فــي أمــور‬

‫لســاني قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬هــذه المملكــة هــي نوميديــا وهــذه المدينــة هــي عاصمتهــا ســيرتا‪ ،‬إذا هــل‬

‫المملكــة تق َبــع تحــت احتــال مــن طــرف جيــش مــا؟ ال ماشــكيتش‪ ،‬لــوكان جــات‬

‫‪N‬‬ ‫ّ‬
‫محتلــة لــوكان راه كايــن جيــش يقمــع الشــعب‪ ،‬الزملــي نبحــث فــي األمــر بشــكل‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬ ‫ـدي‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم استســلمت للنــوم‪.‬‬ ‫جـ ّ‬

‫‪U‬‬
‫فــي صبــاح اليــوم التالــي اســتيقظت مشــوّ ش األفــكار‪ ،‬أريــد أن أعــرف مــن‬

‫‪O‬‬
‫ـك ّ‬
‫أننــي علــى حــق‬ ‫‪R‬‬
‫يراقبنــا‪ ،‬ومــاذا يريــدون م ّنــا‪ ،‬وهــل هــذه المدينــة بالفعــل هــي ســيرتا عاصمــة‬

‫‪B‬‬
‫أي أحــد بمــا اكتشــفته‪ ،‬وال شـ ّ‬ ‫ّ‬
‫ـي أل أخبــر ّ‬
‫نوميديــا‪ ،‬كان علـ ّ‬
‫ألن عملتهــم هــي بالفعــل عملــة نوميديــا القديمــة فأنــا مــن ّ‬
‫عشــاق اكتشــاف‬ ‫ّ‬

‫الحضــارات القديمــة‪ ،‬تعرّ فــت علــى عملــة نوميديــا مــن دروس التاريــخ التــي‬

‫بقيــت فــي ذاكرتــي ليومنا هــذا‪ ،‬ال بل رأيتها‬


‫اإلكماليــة‪َّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ك ّنــا ندرســها فــي مرحلــة‬

‫مــرات ومــرات ّ‬
‫ألننــي كنــت أذهــب أحيانــا إلــى متحــف ســيرتا بقســنطينة‪ ،‬فأنــا‬

‫شــخص إذا اشــتعل الفضــول فــي عقلــي لــن ينطفــئ حتــى أعــرف الحقيقــة‪،‬‬

‫ـأي عصــر يعيشــون فيــه؟ قلــت‬


‫فــإذا كانــت بالفعــل هــذه المملكــة هــي نوميديــا فـ ّ‬

‫لرمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬اسمع ليوم أنا في بالصتك نسربي الخبز للمطاعم‪.‬‬

‫قال‪ :‬عالش؟ بصح راني والفت والزبائن عادوا يعرفوني‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قلت‪ :‬يا ودي ريح برك‪ ،‬ماطيحليش بيزنس مان‪.‬‬

‫قال رمزي‪ :‬روح يا الفيلسوف نشوفو شطارتك‪.‬‬

‫ّ‬
‫أتمشــى‬ ‫طلبيــات الزبائــن فــي العربــة ورحــت رويــدا رويــدا‪ ،‬لــم أعــد‬
‫ّ‬ ‫وضعــت‬

‫كل شــيء‪،‬‬ ‫ّ‬


‫وأدقــق فــي ّ‬ ‫كمــا كنــت مــن قبــل‪ ،‬اآلن أصبحــت أراقــب ّ‬
‫كل شــيء‬

‫فالزبونــان اللــذان رمقانــا بنظرتهمــا أصبحــا يثيــران الشـ ّ‬


‫ـك والريبــة فــي عقلــي‪،‬‬
‫ُ‬
‫‪F‬‬ ‫بــل ّ‬
‫إننــي أصبحــت أنتظــر تلــك اللحظــة التــي ربّمــا ســوف أختطــف فيهــا‪،‬‬

‫‪A‬‬
‫‪K‬‬
‫لــم أكــن أريــد أن أقــوم بعمــل رمــزي اليــوم لكــي أتجــول بــل ّ‬
‫ألننــي أريــد أن‬

‫ركــز‬ ‫ـم ّ‬
‫إنــه ّ‬ ‫ـي البارحــة‪ ،‬أكيــد هــو يعرفنــي‪ ،‬ثـ ّ‬
‫‪A‬‬
‫أتصــادف بالشــخص الــذي نظــر إلـ ّ‬

‫‪H‬‬
‫‪T‬‬
‫أنــه يريــد م ّنــي شــيئا مــا‪ ،‬أو ّ‬
‫أنــه رآنــي فــي‬ ‫يبيــن ّ‬
‫ـي أنــا بالتحديــد‪ ،‬هــذا ّ‬
‫نظــره علـ ّ‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫التأكــد مــن ّ‬


‫أننــي الشــخص المطلــوب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مــكان مــا وأراد‬

‫ّ‬
‫أوزع طلبيــات الزبائــن ‪ ،‬بعدمــا َ‬

‫‪-L M‬‬
‫انهيــت العمــل تركــت العربــة عنــد أحــد‬ ‫بــدأت‬
‫الزبائــن وذهبــت أتمشــى بيــن أزقــة المدينــة ّ‬
‫علنــي أتصــادف بهــذا الشــخص‪،‬‬

‫‪E‬‬ ‫كل شــبر وفــي ّ‬


‫كل شــارع لكــن لــم ألمــح هــذا الشــخص‪ ،‬انتهــى بــي‬

‫@‬
‫بحثــت فــي ّ‬

‫المطــاف جالســا علــى أحــد الكراســي فــي منتصــف المدينــة‪ ،‬كانــت المدينــة‬

‫ممتلئــة عــن آخرهــا‪ ،‬الكثيــر مــن ال ّنــاس يتجولــون‪ ،‬بعضهــم يعمــل وبعضهــم‬

‫خــرج ليتنــزه‪.‬‬

‫مخبــأ تحــت قميصــه ويبــدو‬


‫ّ‬ ‫لمحــت شــخصا جالــس أمــام النافــورة‪ ،‬وخنجــر‬

‫بنيــة قويّ ــة وذو‬


‫عليــه التوتــر ويجــول بنظــره مــن شــخص آلخــر‪ ،‬كان ذو ّ‬
‫حاجبيــن كثيفيــن وعينيــن خضراوتيــن ولحيــة خفيفــة‪ّ ،‬‬
‫دققــت فــي مالمحــه‬

‫وقلــت‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪54‬‬


‫‪ -‬هــذا هــو لــي شــاف معايــا البــارح‪ ،‬بصــح كــي شــغل شــايفو بصــح ويــن‬

‫ما عال با ليــش ‪.‬‬


‫ّ‬
‫توقفــت برهــة‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم عــادت بــي الذاكــرة للوراء‪،‬إنــه يوبــا ‪ ،‬يــا خويــا واش راه‬

‫يديــر هنــا‪ ،‬ذهبــت ناحيتــه‪ ،‬وقلــت‪:‬‬

‫‪ -‬واش يوبا صافا؟‬

‫دار ناحيتي وقال‪:‬‬

‫‪N‬‬
‫‪ -‬ماذا؟ يوبا؟ ال أنت مخطئ يا صديقي‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫قلــت‪ :‬يــا ودي أنــت يوبــا‪ ،‬تعرّ فــت عليــك مــن عينيــك وحاجبيــك‪ ،‬واآلن عندمــا‬

‫تيقنــت بالفعــل مــن ّ‬


‫أنــك أنــت‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تكلمــت ّ‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫وقف من حافة النافورة ومشى ّ‬


‫ثم أردفت‪:‬‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫‪ -‬هذه المملكة هي نوميديا وليست المملكة السوداء‪.‬‬

‫تسمّ ر في مكانه برهة وعاد ّ‬


‫إلي وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا قلت؟‬

‫قلت‪ :‬راني نقلك هادي المملكة هي نوميديا‪.‬‬

‫ّ‬
‫ثم أمسكني من ذراعي وجذبني إليه وقال‪:‬‬

‫‪ -‬أخفــض صوتــك‪ ،‬مــن أيــن لــك بهــذه المعلومــة؟ مــن قــال لــك؟ ال أحــد يعلــم‬

‫هــذا االســم‪.‬‬

‫نزعت ذراعي من يده وقلت‪:‬‬

‫ـم ّ‬
‫إننــي أتيــت مــن زمــان غيــر زمانكــم‬ ‫‪ -‬عملتكــم هــي مــن أوضحــت لــي األمــور‪ ،‬ثـ ّ‬

‫ودرســت علــى هــذه العملــة كثيــرا وال زالــت لحــد اآلن موضوعــة فــي متاحفنــا‪.‬‬

‫صمت برهة وقال‪:‬‬

‫‪55‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬عد أيّ ها الغريب من حيث أتيت وال تحشر أنفك في أشياء أكبر منك‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬يــا ودي حبيــت نفهــم بــرك لمــاذا تكذبــون علــى النــاس بشــأن المملكــة‬

‫ّ‬
‫كل مــن يســعى للوصــول إلــى الحقيقــة‪ ،‬أليــس األجــدر بكــم أن‬ ‫وتقتلــون‬

‫تبنــوا دولــة قويّ ــة قــادرة علــى مجابهــة الــدول العظمــى؟ فــي زماننــا الدولــة‬

‫وغنيــة‬
‫ّ‬ ‫النوميديّ ــة كمــا درســنا عليهــا فــي مــادة التاريــخ كانــت دولــة قويّ ــة جــدا‬

‫‪F‬‬
‫بثرواتهــا وأراضيهــا كبيــرة جــدا‪ ،‬لكــن كمــا أالحــظ اآلن فهــي مجــرد مدينــة ثــم‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫أردفــت‪ :‬وتســموها الســوداء تانــي يــا حليــل‪ ،‬كمــا قــال بومديــن هللا يرحمــو‬

‫عندكــم أزمــة رجــال‪.‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫صمت يوبا لحظة ّ‬


‫ثم اغرورقت عيناه دموعا وقال‪:‬‬

‫ـأن وطننــا‬
‫‪U‬‬
‫‪ -‬أنــا ال أعمــل معهــم‪ ،‬أنــا عــدوّ لهــم لكــن فــي الخفــاء‪ ،‬حتــى أنــا أعلــم بـ ّ‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫اســمه نوميديــا وهــذه المدينــة هــي ســيرتا عاصمتهــا لكــن ال أجــد من يســاعدني‬

‫فــي هــذه الحــرب‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫المتحكــم؟ ألــم َت ُقــل ّ‬


‫أنــه ال يوجــد ال حاكــم‬ ‫ّ‬ ‫قلــت‪ :‬لكــن ال أفهــم مــا يــدور هنــا‪ ،‬مــن‬

‫وأن شــعب ســيرتا هــو جــزء مــن الدولــة‪ ،‬أي ال أحــد يســتطيع أن‬
‫ّ‬ ‫وال محكــوم؟‬

‫يفــرض عليــه شــيئا‪ ،‬لكــن فــي المقابــل ّ‬


‫كل يــوم يختطــف شــخص ُ‬
‫ويقتــل آخــر؟‬

‫هــل لــك أن تشــرح لــي أكثــر؟ ّ‬


‫ألننــي فــي اليــوم الــذي التقيتــك فيــه أنــا وصديقــي‬

‫وقلــت لــي ّ‬
‫أنــك تعمــل فــي منظمــة ســريّ ة وكــذا وكــذا‪ ...‬لــم أصـ ّدق كالمــك‪.‬‬

‫يوبــا قائــا‪ :‬انضممــت لهــذه العصابــة ليــس لكــي أعمــل معهــم بــل لكــي أعمــل‬

‫علــي قتــل هــؤالء الحشــرات عندمــا تســنح لــي الفرصــة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ضدهــم‪ ،‬ويســهل‬

‫اختــرت العمــل فــي الغابــة الســوداء ّ‬


‫ألنهــا كبيــرة ومــن الســهل جــدا أن أقتــل‬

‫ـكوا بــي ّ‬
‫ألنــه دائمــا مــا يكــون هنــاك أشــخاص يحاولــون الهــرب‬ ‫بعضهــم ولــن يشـ ّ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪56‬‬


‫مــن هنــا ويســتطعون اإلطاحــة ببعضهــم‪ ،‬صديقــي هــذه المدينــة مختطفــة‪،‬‬

‫ّ‬
‫يتحكــم فيهــا ولديــه‬ ‫هــل تعلــم مــا معنــى مختطفــة؟ هنــاك شــخص واحــد‬

‫أي شــخص مــن الهــروب إلــى واليــة أخــرى‬


‫حاشــيته وعصابتــه الذيــن يمنعــون ّ‬

‫مطبــق عليهــا نفــس القانــون‬


‫ّ‬ ‫ألن الواليــات األخــرى‬
‫ليبــوح بمــا كان يعيشــه هنــا‪ّ ،‬‬
‫ومتحكــم فيهــا مــن طــرف أشــخاص آخريــن‪ ،‬لكــن ّ‬
‫كلهــم لديهــم هــدف واحــده‪،‬‬ ‫ّ‬

‫وهــم عصابــة مغتصبــة لألراضــي ولثــروات هــذا الوطــن الغالــي‪ّ ،‬‬


‫كلهــم مرتزقــة‬ ‫ُ‬

‫‪N‬‬
‫وقتلــة‪ ،‬قامــوا أوّ ال بقتــل الملــك الــذي كان يقــود المملكــة منــذ زمــن طويــل‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم‬

‫‪LO‬‬
‫وأن المملكــة‬
‫ّ‬ ‫قامــوا بقتــل ّ‬
‫كل األشــخاص الذيــن حاولــوا نشــر خبــر مقتــل الملــك‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫أصبحــت تحــت رايــة عصابــة‪ ،‬قامــوا بإغــاق ّ‬
‫كل الحــدود التــي تفصــل بيــن‬

‫أن‬
‫‪U‬‬
‫ـأن ســكان الواليــة األخــرى ال يعلمــون ّ‬

‫‪O‬‬
‫واليتنــا والواليــات أخــرى‪ ،‬هــل تعلــم بـ ّ‬

‫‪R‬‬
‫هنــاك مدينــة تســمى بالمملكــة الســوداء؟ حتــى هــم يظنــون ّ‬
‫أنهــم وحدهــم مــن‬

‫‪B‬‬ ‫يســكنون فــي هــذه األرض‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬عالبيهــا منتشــرين فــي الغابــة الســوداء ويقتلــوا فالنــاس‪ ،‬يعنــي دوك‬

‫النــاس كانــوا يحاولــون الهــرب وخافــوا أن يصلــوا إلــى الواليــة األخــرى‬

‫ويخبــروا الســكان بمــا يحــدث فــي وطنهــم‪ ،‬أو يخافــون انقالب الشــعب عليهم‪،‬‬

‫لهــذا لجــأووا إلــى القتــل فــي ســريّ ة‪ ،‬لقــد قامــوا بتخديــر الشــعب النوميـ ّ‬
‫ـدي‪.‬‬

‫قــال يوبــا‪ :‬بالضبــط‪ ،‬هــذا مــا يفعلــوه‪ ،‬أنــا مــن نظــرت إليــك البارحــة‪ ،‬بــل فــي‬

‫مــرات عديــدة‪.‬‬

‫ـي‪ ،‬هنــاك شــخصان‪ ،‬كانــا يراقباننــا طــوال‬


‫قلــت‪ :‬ال‪ ،‬ليــس أنــت فقــط مــن نظــر إلـ ّ‬
‫الوقت‪.‬‬

‫تبسم وقال‪ :‬ال تقلق‪ّ ،‬‬


‫إنهما صديقاي‪ ،‬يسعيان لنفس هدفي‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قلــت‪ :‬لكــن لمــاذا يراقباننــي؟ قــال‪ :‬همــا ال يراقبانــك‪ ،‬همــا يحرســانك مــن رجــال‬

‫العصابة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬لكن لماذا؟‬

‫ألن شــخصا مــن العصابــة رآكمــا تخرجــان مــن الغابــة الســوداء وأخبــر‬
‫قــال‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫المكلفــة بحراســة الغابــة‪ ،‬وهــو بــدوره أرســل خبــرا إلــى حــراس‬ ‫زعيــم الفرقــة‬

‫أنــه لــم يـ َر وجهيكمــا‪ ،‬ولكــن هــذا‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫المملكــة لكــي يبحثــوا عنكمــا ولحســن حظكمــا ّ‬

‫‪K‬‬
‫كل حــال احترســا‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم مازحنــي قائــا‪ :‬خبــز مانــو‬ ‫ال يعنــي ّ‬
‫أنكمــا فــي أمــان‪ ،‬علــى ّ‬

‫أي‬
‫‪A‬‬
‫تحســن بفضلكمــا‪ ،‬ســألتقي بــك مجــددا وســآتي إليــك متنكــرا كــي ال يعــرف ّ‬

‫‪H‬‬
‫ّ‬

‫‪U‬‬ ‫‪T‬‬
‫علي العودة للمحل اآلن‪ ،‬أراك قريبا‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أحــد حقيقتــي‪.‬‬

‫ثم قلت‪ :‬حسنا‪ ،‬يجب‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫عــدت أدراجــي إلــى المحــل فــي المســاء‪ ،‬كان يومــا حافــا‪ ،‬رجعــت متعبــا جــدا‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫وبطنــي دخلــت فــي ظهــري مــن شــدة الجــوع‪ ،‬رأيــت رمــزي واقفــا خــارج المحــل‬

‫ويجــول ببصــره مــن مــكان إلــى آخــر‪ ،‬أظ ّنــه يبحــث ع ّنــي‪ ،‬مــا إن وصلــت حتــى‬

‫ـم فــي لحظــة تحوّ لــت إلــى غضــب وقــال‪:‬‬


‫اشــتعلت عينــاه فرحــا ثـ ّ‬

‫‪ -‬ويــن كنــت يــا الهــم؟ مــن الصبــاح وحنــا نحوســو علــى جــدك‪ ،‬كي شــفت روحك‬

‫رايــح طــوّ ل كــون خبرتنــا علــى األقل نقعــدو مرتاحين‪.‬‬

‫أجبتــه قائــا‪ :‬كملــت الخدمــة ورحــت درت شــوية‪ ،‬عجبنــي الجــوّ اليــوم وزدت‬

‫مســرحية فــي الجنــان لــي قــدام النافــورة ريحــت‬


‫ّ‬ ‫لقيــت جــروب مدايريــن‬

‫نتفــرج‪ّ ،‬‬
‫ثــم أردفــت‪ :‬ويــن راهــو مانــو؟‬

‫أجابني رمزي‪ :‬راح يحوّ س عليك يا مكلوب‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪58‬‬


‫أجبتــه‪ :‬يــا خويــا يــا خويــا تقــول عايشــين فــي الماريــكان‪ ،‬مدينــة فيهــا فيــراج‬

‫وربــع رايــح نهمــل‪ ،‬خلينــا مــن الدرامــا يعيشــك‪ ،‬اســمع كاشــما كايــن فطــور؟‬

‫رايــح نطيــح بالجــوع‪.‬‬

‫قال‪ :‬راني خليتلك سوندويتش فوق الطابلة‪.‬‬

‫دخل مانو وقال لرمزي‪ :‬هل رجع أسامة؟‬

‫قال‪ :‬إيه‪ّ ،‬‬


‫إنه في الغرفة‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫جــاء مانــو وقــال‪ :‬أيــن كنــت يــا صديقــي؟ لقــد قلقنــا عليــك خاصــة ّ‬
‫وأنــك قلــت‬

‫‪LO‬‬
‫ّ‬
‫أنــه هنــاك مــن يتعقبــك‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫قلت‪ :‬ماكان والو صاحبي ماتتقلقش‪ ،‬كاين حاجة الزم تعرفها‪.‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫قال‪ :‬خير إن شاء هللا؟‬

‫‪R‬‬
‫قلت‪ :‬يا مانو اكتشفت حاجة تخص وطنكم‪.‬‬

‫‪B‬‬
‫قلت‪ :‬بالدكم اسمها نوميديا وهذه المدينة هي سيرتا عاصمتها‪.‬‬
‫قال‪ :‬ما هي؟‬

‫قال‪ :‬ماذا؟ كيف عرفت ذلك؟‬

‫أمازيغيــة قديمــة وعاصمتهــا هــي‬


‫ّ‬ ‫قلــت‪ :‬ريّ ــح نحكيلــك‪ ،‬نوميديــا هــي مملكــة‬

‫ســيرتا لــي هــي المملكــة الســوداء كمــا تلقبونهــا‪ ،‬مــن قبــل مــا يســمونها المملكــة‬

‫الســوداء كانــوا عايشــين فيهــا قبيلتيــن كبيرتيــن‪ ،‬وحــدة اســمها المازيليــون‬

‫واألخــرى اســمها الماسايســليون‪ ،‬ولقــد مــرّ العديــد مــن الملــوك فــي نوميديــا‬

‫أي‬ ‫لكــن ال أدري إن عاصرتموهــم أم ماتــوا قبلكــم أم بعدكــم ّ‬


‫ألنــي ال أدري ّ‬
‫عصــر أنتــم تعيشــون فيــه‪ ،‬علــى ّ‬
‫كل حــال تاريخكــم مدفــون وقامــوا بطمــس‬

‫هويتكــم‪ ،‬أنتــم أمازيــغ يــا خويــا‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫صمت برهة وقال‪ :‬كيف عرفت ذلك؟ من أخبرك؟‬

‫ثم التقيت بشخص هو من ّ‬


‫أكد لي ذلك‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬عملتكم هي التي أخبرتني‪ّ ،‬‬

‫أجابني بسؤال‪ :‬من هذا الشخص؟‬

‫قلت‪ :‬يوبا الذي ح ّدثتك عنه من قبل‪ ،‬الذي التقيناه أنا ورمزي في الغابة‪.‬‬

‫قــال‪ :‬لكــن إن كان فــردا مــن العصابــة‪ ،‬كيــف لــه أن يعطيــك ســرا كهــذا؟ مــن‬

‫‪F‬‬ ‫يؤكــد لــك ّ‬


‫بأنــه قــال لــك الحقيقــة‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫ّ‬

‫‪K‬‬
‫قلــت‪ :‬الحقيقــة أنــا مــن بحثــت عنهــا‪ ،‬لقــد اســتعملته فقــط كطعــم لمعرفــة‬

‫‪A‬‬ ‫حقيقتهــا‪ّ ،‬‬


‫إنــه عــدوّ لهــذه العصابــة‪ ،‬لقــد انظـ ّ‬
‫ـم إليهــا لمحاربتهــم‪ ،‬ولــو أراد بنــا‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫سـ ً‬


‫ـوءا لقــام بقتلنــا فــي الغابــة‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫دخل رمزي وقال‪ :‬واش شكسبير؟ واش راك تخلط على السيد؟‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫قلت‪ :‬تشفى كيما قتلك بلي هادي المدينة هي سيرتا؟‬

‫قال‪ :‬إيه‪ ،‬شكون قالك؟‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫قال‪ :‬يا خاه وين تالقيت الجزار هداك؟‬


‫قلت‪ :‬يوبا‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬يــا ودي حكايــة طويلــة‪ ،‬مــن قبيــل وأنــا نحكــي لمانــو عــاش مارميتــش‬

‫وذنــك؟ المهــم لــي كانــوا يراقبونــا راهــم صحــاب يوبــا‪.‬‬

‫قال رمزي‪ :‬بصح عالش يراقبونا؟‬

‫قلت‪ :‬راهم يعسو علينا يا خويا‪ ،‬خاطر راهم يحوسو علينا العصابة‪.‬‬

‫تجمّ ــد رمــزي فــي مكانــه وقــال بنبــرة مرتبكــة‪ :‬يــا خويــا مانيــش حــاب نعيــش‬

‫الموقــف لــي عاشــو داك السـ ّـيد فــي الغابــة‪ ،‬قتلــوه بــدم بــارد‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪60‬‬


‫أجبتــه مبتســما‪ :‬ال ماتتقلقــش مــا شــافوش وجوهنــا‪ ،‬لــي شــافنا ظهــر عــور‪،‬‬

‫شــافنا غيــر مــن ظهورنــا وحنــا خارجيــن مــن الغابــة‪ ،‬مــي ديــر حســابك بلــي حنــا‬

‫باينيــن غربــاء ســما ّ‬


‫كل الشــكوك تجــي فينــا حنــا‪.‬‬

‫ّ‬
‫يفكــر ونطــق قائــا‪ :‬لكــن كيــف لشــعب نوميديــا أن يحــارب عــدوّ ا‬ ‫جلــس مانــو‬

‫مخفيــا ّ‬
‫كأنهــم أشــباح؟ فــي المقابــل إلــى متــى ســنعيش هكــذا؟‬

‫أي‬
‫قلــت‪ :‬يــا خويــا هللا يســهل‪ ،‬ياكلــوا بعضهــم‪ ،‬المهــم أنــا خبرتــك‪ ،‬لكــن ال تخبــر ّ‬

‫‪N‬‬ ‫أحــد ّ‬
‫وإل ســوف يصنعــون مــن جثتــي مغــارف وفراشــط‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬ ‫ً‬


‫مساء‪ ،‬كنت متعبا للغاية‪.‬‬ ‫أغلقنا المحل‬

‫قال لي رمزي‪ :‬ما تسهرش ليوم تاني؟‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫قلت‪ :‬ال راني عيان يا خويا حاب نرقد‪.‬‬

‫‪R‬‬
‫ألح علي مانو لكي أخرج معهما لكن ّ‬
‫فضلت أن أنام‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬

‫‪B‬‬
‫بعــد مــا خرجــا مــن المحــل وضعــت رأســي علــى الوســادة‪ ،‬مــا إن زارنــي النــوم‬
‫حتــى ســمعت ّ‬
‫دقــات خفيفــة علــى نافــذة الغرفــة‪ ،‬وقفــت بهلــع‪ ،‬أمســكت بيــدي‬

‫ً‬
‫ـوداء‬‫ســكينا ورحــت أتق ـ ّدم ببــطء ناحيتهــا‪ ،‬رأيــت شــخصا يرتــدي عبــاءة سـ‬

‫ـي‪ ،‬مــن شـ ّدة الخــوف‬ ‫ّ‬


‫وملثــم الموجــه‪ ،‬وضــع يديــه علــى الزجــاج وأخــذ ينظــر إلـ ّ‬
‫ّ‬
‫تكلــم لســاني قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬اســمع‪ ،‬شــكون أنــت؟ واش تحتــاج؟ غيــر مــا تخلطــش فيــا رانــي نديــر‬

‫الكاراطــي‪.‬‬

‫قال‪ :‬أسامة أنا يوبا‪.‬‬

‫فتحــت النافــذة وقلــت‪ :‬هللا ال يتربحــك‪ ،‬الــدم حبــس فــي جســمي‪ ،‬يــا خويــا‬

‫ماظنيتــش لــكان تجينــي كيمــا هــكا‪ ،‬فــي بالــي كاش جــن جــا يشــري الخبــز‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫تبسم وقال‪ :‬هل أفزعتك؟‬

‫قلت‪ :‬يا ودي ماش تخلعت‪ ،‬هبطلي السكر‪.‬‬

‫قال‪ :‬هل لي أن أدخل؟ هناك ما أريد أن أتح ّدث معك بخصوصه‪.‬‬

‫قلت إيه أتفضل‪.‬‬

‫دخل يوبا إلى الغرفة وأخذ يح ّدق في أرجائها وقال‪ :‬غرفة جميلة‪.‬‬

‫‪F‬‬
‫جلس في الكرسي وقال‪ :‬أحتاج مساعدتك يا صديقي‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫قلت‪ :‬أساعدك في ماذا؟ عندك عرس تحتاج كمية كبيرة من الخبز؟‬

‫ضحــك وقــال‪ :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬أريــد منــك أن تســاعدني أنــا ومجموعتــي فــي قضيــة‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫وطننــا‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫قلت‪ :‬أواه أخويا كولوا بعضكم ما عندي ما دخلني‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫قال‪ :‬لم أفهمك‪.‬‬

‫قــوي‬
‫ّ‬ ‫قلــت‪ :‬ال يــا أخــي‪ ،‬ال تدخلنــي فــي أمــور ال أســتطيع مواجهتهــا‪ ،‬أنــت‬

‫ـم‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫البنيــة وتعــرف تضــارب‪ ،‬تســلك راســك‪ ،‬أنــا ال أســتطيع الدفــاع عــن نفســي‪ ،‬ثـ ّ‬

‫علــي أن أبحــث عــن الجبــل أو البوابــة‬


‫ّ‬
‫ّ‬
‫أننــي أريــد العــودة إلــى وطنــي يجــب‬

‫التــي أحضرتنــي إلــى هنــا‪.‬‬

‫صمــت برهــة وقــال‪ :‬حســنا أيّ هــا الذكـ ّ‬


‫ـي‪ ،‬قــل لــي كيــف تريــد أن تعــود إلى وطنك‬

‫والغابــة الســوداء أصبحــت تحتــوي علــى عــدد مضاعــف مــن حــراس الحــدود‪،‬‬
‫لــن تســتطيع أبــدا الولــوج إليهــا مجــددا ّ‬
‫إل إذا تمّ ــت الســيطرة علــى المدينــة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬كم عدد أفراد العصابة؟‬

‫قال‪ :‬حوالي ثالثة آالف‪.‬‬

‫قلت‪ :‬كم عدد أفراد مجموعتك‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪62‬‬


‫قال‪ :‬ليس كثيرا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ياو شحال قلي؟‬

‫قال‪ 150 :‬فردا‪.‬‬

‫ضحكــت وقلــت‪ :‬وهللا يــا يوبــا خويــا غيــر أنــت نيــة‪ ،‬مائــة وخمســون شــخصا‬

‫ضــد ثالثــة آالف؟ األفــام تــاع الهنــودة لــي معروفيــن بالخرطــي وماخممــوش‬

‫يديروهــا‪ ،‬الزمــك فيكتيــف يــا خويــا‪.‬‬

‫‪N‬‬ ‫قال‪ :‬ماذا؟‬

‫‪I‬‬ ‫‪LO‬‬
‫قلت‪ :‬أقصد تحتاج إلى الكثير من األتباع سينو لن تستطيع أبدا محاربتهم‪.‬‬

‫‪L‬‬ ‫قــال‪ :‬أعلــم ّ‬


‫أننــا نحتــاج إلــى الكثيــر مــن ال ّنــاس والكثيــر مــن المحاربيــن‪ ،‬أرجــو‬

‫‪U‬‬
‫ثــم ّ‬
‫أنــك أعلــم م ّنــا بتاريــخ‬

‫‪O‬‬
‫منــك مســاعدتي‪ ،‬أنــا أضــع ّ‬
‫كل آمالــي فــي يــدك‪ّ ،‬‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫ذكيــة وســريعة فــي جمــع ال ّنــاس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مملكتنــا وحتمــا تملــك حلــوال‬

‫ســكت لســاني برهــة ثــم قلــت‪ :‬ماعليــش خلينــي نخبــرك ومــن بعــد نفكــر‪ ،‬بــوه‬

‫خلينــي نخمــم وســوف أخبــرك‪.‬‬

‫تبســم وقــال‪ :‬حســنا ليلتــك ســعيدة ســألتقي بــك مجــددا وقــل لــي هــل ســتوافق‬

‫أم ال‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬إن شــاء هللا‪ ،‬لكــن يــا خويــا المــرة الجايــة ال تدقــدق علــى النافذة مانيش‬

‫ناقــص خلعــة‪ ،‬ديجــا رانــي بالمصران قتلنــي وزدتني نتا‪.‬‬

‫تبســم وانطلــق يجــري بخفــة‪ ،‬أمــا أنــا فجلســت فــي ســريري ونطــق لســاني‬

‫قائــا بأغنيــة جليــل باليرمــو‪ :‬واش دانــي نرمــي روحــي هكــذا واش دانــي‪ ...‬ثـ ّ‬
‫ـم‬

‫استســلمت للنــوم‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫فــي صبــاح اليــوم التالــي اســتيقضت كالعــادة‪ ،‬تناولــت فطــوري أنــا ورمــزي‪،‬‬

‫كان مانــو ال يــزال فــي البيــت‪ ،‬بدأنــا بإعــداد العجيــن الخــاص بالخبــز‪ ،‬ذهــب‬
‫كل الطلبيــات ولــم يبقــى ّ‬
‫إل الطهــي‪،‬‬ ‫ليشــعل الفــرن بينمــا أنــا أكملــت ّ‬
‫رمــزي ُ‬
‫ـم ّ‬
‫تكلــم لســاني قائــا‪:‬‬ ‫أشــار لــي رمــزي لكــي نبــدأ بطهــي الخبــز ثـ ّ‬

‫‪ -‬عالبالك لبارح شكون جاني في الليل؟‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫قال‪ :‬شكون؟‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫قال‪ :‬عاله جا الهم هذا واش يحتاج؟‬
‫قلت‪ :‬يوبا‪.‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫قلت‪ :‬قالي عاوني باش نوعي ال ّناس ويعرفوا حقيقة نوميديا‪.‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫قال‪ :‬إيه وأنت واش قلت؟‬

‫‪-L M‬‬
‫قلت‪ :‬نخمم ونرد عليه‪.‬‬

‫صمــت رمــزي وتمتــم بيــن شــفتيه وقــال‪ :‬واش لــي تخمــم ماعنــدو مــا دانــا‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫للمشــاكل‪ ،‬هــدا أمــر يخصهــم هومــا‪ ،‬حنــا شــي يامــات ونبــداو نحوســو كيفــاش‬

‫نرجعــو للبــاد‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬البروبــام مــا كاش كيفــاش نقــدرو ندخلــو للغابــة الســوداء‪ ،‬ســيبون‬

‫بلعوهــا‪ ،‬قالــي يوبــا ّ‬


‫كثــر فيهــا الحراســة كثــر مــن لــي كانــت ‪،‬صافــي الحــل‬

‫الوحيــد بــاش نقــدرو نرجعــو ليهــا هــي الزم العصابــة لــي حاكميــن المدينــة‬

‫الزم يطيحــوا‪ ،‬ويوبــا عنــدو جماعــة ضعيفــة مــا يقــدروش يقاتلوهــم خاطــر‬

‫اآلخريــن فــي بــزاف‪.‬‬

‫قال رمزي بنبرة تسودها الحيرة‪ :‬صافي راح تخالص علينا هنا وال كيفاش‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬فــي ّ‬
‫كل الحــاالت راح تخــاص علينــا مــال‪ ،‬لــوكان نريحــو هنــا يلقاونــا‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪64‬‬


‫ولــوكان نروحــو للغابــة وحدنــا راك عالبالــك كيفــاش تصرالنــا‪ ،‬فــي رايــي‬

‫نعاونوهــم وخــاص ماعندنــاش حــل‪ ،‬أنــا تقريبــا رانــي حــاط روحــي فــي عــداد‬

‫الموتــى‪.‬‬
‫ّ‬
‫يتكلم حتى دخل مانو‪ ،‬أشرت لرمزي لكي يصمت‪.‬‬ ‫ما إن أراد رمزي أن‬

‫دخل مانو ووجهه يوحي ّ‬


‫بأنه حزين قال‪:‬‬

‫‪ -‬صباح الخير‪.‬‬

‫‪N‬‬ ‫ّ‬
‫ثــم ذهــب ناحيــة الغرفــة التــي نصنــع فيهــا الخبــز‪ ،‬أدرت رأســي إلــى رمــزي‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫‪ -‬هللا يجعل الخير واش بيه مانو؟ كاشما صار لبارح كيما سهرتو؟‬
‫وقلــت‪:‬‬

‫‪U‬‬
‫قــال‪ :‬تالقــا بإينــاس حــكاو مــن بعــد جانــي زعفــان ماحبــش يحلبنــي واش صــرا‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫دخلت إلى مانو وقلت‪ :‬واش يا خويا جايز علينا رولو ما ناش نبانو وال؟‬

‫قال‪ :‬ال شيء صديقي‪ .‬وتبسم ابتسامة مصطنعة‬


‫بيناتهم‪.‬‬

‫عرفــت ّ‬
‫أنــه يخفــي شــيئا مــا وقلــت‪ :‬مانــو واشــبيك صاحبــي؟ نوميديــا ندنيهــا‬

‫عالجالــك‪.‬‬

‫قال‪ :‬إيناس سيزوّ جها والداها قريبا‪ ،‬تح ّدثت معها البارحة‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬إيــه ومبعــد‪ ،‬تالفهــا يجيــب خالفهــا‪ ،‬لــوكان حباتــك صــح كانــت تصبــر‬

‫معــاك‪.‬‬

‫قال‪ :‬المشكلة ليست فيها‪ ،‬بل في والدها يريد تزوجيها رغما عنها‪.‬‬

‫قلت‪ :‬عادي صاحبي المملكة معمرة نساء‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫تحبنــي‪ ،‬ولــو رأيــت ّ‬
‫أنهــا ال تريدنــي لمــا‬ ‫ّ‬ ‫أحبهــا وهــي‬
‫ّ‬ ‫قــال‪ :‬لكــن يــا صديقــي أنــا‬

‫أحزننــي األمــر‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬يــا خويــا خذنــي إلــى والدهــا ســوف أتحـ ّدث معه أنــا ورمزي ربّما ســيقتنع‬

‫باألمــر‪ .‬رفــض مانــو فــي بــادئ األمــر لكــن بعــد إلحاحــي أنا ورمــزي‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪ -‬حسنا‪ ،‬سنذهب في المساء بعد العمل‪.‬‬

‫‪F‬‬
‫أكملنا يومنا كباقي األيّ ام‪ ،‬عمل وتعب وملل‪ ،‬أغلقنا المحل وقلت لمانو‪:‬‬

‫‪K‬‬‫‪A‬‬
‫هيا لنذهب لوالد إيناس لي حاسب روحو حاجة علينا‪.‬‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪A‬‬
‫انطلقنــا ثالثتنــا إلــى بيــت إينــاس؛ كان بيتــا كبيــرا ذو خمــس طوابــق يتوســط‬

‫‪H‬‬
‫حديقــة خضــراء مزيّ نــة بأزهــار ذات ألــوان زاهيــة‪ ،‬وجدنــا شــخصين يقفــان‬

‫‪T‬‬
‫‪U‬‬
‫أمــام البــاب‪ ،‬ضخمــي الجثــة ويتح ّدثــان بنبــرة حــادة ويحمــان فــي خصرهمــا‬

‫‪O‬‬ ‫ســيوفا‪.‬‬

‫‪-L M‬‬ ‫التفت إلى مانو وقلت‪ :‬من فيهم والد إيناس؟‬

‫‪E‬‬ ‫ضحك وقال‪ :‬هاذان َحر ُ‬


‫َسه ويوجد الكثير منهم في الداخل‪.‬‬

‫@‬ ‫ارتبكت وقلت‪ :‬الحالة صعيبة يا جدك‪.‬‬

‫وقف مانو أمامهما وقال‪ :‬من فضلكما أريد التحدث مع عمي إيدير‪.‬‬

‫قال أحدهما‪ّ :‬‬


‫إنه مشغول عد الحقا‪.‬‬

‫استشــاط رمــزي غضبــا وقــال‪ :‬واش أبــن عمــي رئيــس الجمهوريــة هــدا‪ ،‬قــل‬

‫لجــدو يخــرج يحكــي معانــا دقيقــة‪.‬‬


‫هيا انصرفو ّ‬
‫وإل‪...‬‬ ‫قال الحارس‪ّ :‬‬
‫قلت ّ‬
‫وإل ماذا؟‬

‫ّ‬
‫ثم نطق مانو‪ :‬ال بأس‪ ،‬ال بأس سنعود الحقا‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪66‬‬


‫ـم ُف ِتــح البــاب‪ ،‬كانــت إينــاس مــن فتحــت البــاب‬
‫وأخــذ يســحبنا إلــى الخــارج ثـ ّ‬

‫وقالــت‪:‬‬

‫‪ -‬مانو‪ ،‬أسامة‪ ،‬رمزي ماذا تفعلون هنا؟‬

‫قلت‪ :‬جينا نهدرو مع الرهج تاع باباك بخصوصك أنت ومانو‪.‬‬

‫ـري فــي المدينــة‪ ،‬لقــد‬


‫قالــت بنبــرة حزينــة‪ :‬والــدي ســيزوّ جني مــن ابــن تاجــر ثـ ّ‬

‫تح ّدثنــا البارحــة أنــا ومانــو فــي هــذا األمــر‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫مانو لم يقوَ حتى على النظر في وجهها وقال‪:‬‬

‫‪LO‬‬
‫هيــا لنعــد أدراجنــا‪ ،‬ال أريــد أن أتحـ ّدث مجــددا فــي هــذا األمــر‪ ،‬إينــاس أتم ّنــى‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪L‬‬
‫لــك حيــاة ســعيدة‪ ،‬أنــا تاجــر فقيــر وال يمكننــي إســعادك‪ ،‬ال أنكــر أبــدا ّ‬
‫أننــي‬

‫‪U‬‬ ‫‪I‬‬
‫عشــت معــك أفضــل لحظــات عمــري‪ ،‬فقــد كنــت ســندي األوّ ل بعــد وفــاة والــدي‬

‫بأننــي‬

‫‪R‬‬‫‪O‬‬
‫وكنــت أنــت مــن أعــاد لــي الحيــاة فــي كثيــر مــن المواقــف‪ ،‬فلتعلمــي ّ‬

‫‪B‬‬
‫أحببتــك بجنــون ومــا كان قلبــي يحمــل غيــرك‪ ،‬حاولــت أن أفعــل المســتحيل‬

‫ـري ومــن حقــه أن يــزوج‬ ‫لكــي يرضــى والــدك بــي‪ ،‬لكــن مــا باليــد حيلــة‪ّ ،‬‬
‫إنــه ثـ ّ‬

‫بــأن هــذا األمــر خــارج عــن‬


‫ّ‬ ‫ثــري فــي مقامــه‪ ،‬أعلــم‬
‫ّ‬ ‫ابنتــه الجميلــة إلــى رجــل‬

‫نطاقــك لكــن حاولــي أن تنســي مانــو‪.‬‬

‫قالــت والدمــوع تنهمــر بغــزارة‪ :‬مــاذا؟ هــل تريــد م ّنــي أن أنســاك؟ ال أريــد أن‬
‫أتقبــل أي شــخص ّ‬
‫إل‬ ‫ّ‬ ‫أعيــش مــع غيــرك يــا مانــو‪ ،‬أال تفهــم؟ ال أســتطيع أن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وكل شــيء فــي نفســي‪.‬‬ ‫أنــت‪ ،‬لقــد ســكنت روحــي وســكنت قلبــي‬

‫كنــت أنــا ورمــزي نشــاهد ونستشــعر كميــة األلــم التــي يعانــي منهــا كالهمــا‪،‬‬

‫الحــب أعمــى‪ ،‬بالفعــل صعــب أن تقبــل خــروج‬


‫ّ‬ ‫بــأن‬
‫ّ‬ ‫بالفعــل صــدق مــن قــال‬

‫شــخص مــن حياتــك إلــى األبــد‪ ،‬ال يختلــف إحساســه عــن إحســاس مــن توفــي‬

‫‪67‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫لــه شــخص عزيــز‪ ،‬قلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬كاشما عندك طرف قماش مدو للمخلوقة رايحة تغرقنا بدموعها‪.‬‬

‫ثبــت‬ ‫ُف ِتــح البــاب مــرة أخــرى كان إيديــر والــد إينــاس‪ ،‬نظــر إلينــا بحقــارة ثـ ّ‬
‫ـم ّ‬

‫نظــره فــي مانــو وقــال‪:‬‬


‫‪ -‬ألم أقل لك ّ‬
‫أل تعود إلى هنا مجددا أيّ ها الحقير؟‬

‫‪F‬‬
‫يحبهــا لمــاذا تســعى فــي خــراب‬
‫ّ‬ ‫تحبــه وهــو‬
‫ّ‬ ‫اشــتعلت غضبــا وقلــت‪ :‬ابنتــك‬

‫للحــب‬
‫ّ‬

‫‪K‬‬‫‪A‬‬ ‫عالقتهمــا؟ هــل ّ‬


‫كل مــا يهمّ ــك هــو المــال؟ وهــل المــال يعتبــر مقياســا‬

‫‪A‬‬
‫يحبــان بعضهمــا‪ ،‬ال تحرمهمــا مــن‬
‫ّ‬ ‫والســعادة؟ خــاف مــوالك يــا رجــل ّ‬
‫إنهمــا‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫الســعادة التــي ال طالمــا انتظراهــا‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫الغبي‪ ،‬ما دخلك في ابنتي؟‬
‫ّ‬ ‫أجابني مخاطبا‪ :‬اذهب من هنا أيّ ها‬

‫‪O‬‬ ‫غبي؟‬
‫ّ‬ ‫غبي‪ ..‬أنا‬
‫ّ‬ ‫قلت‪:‬‬

‫‪-L M‬‬
‫وضــع رمــزي يــده فــي فمــي وســحبني قائــا‪ :‬اســمع‪ ،‬خــاص الســيد راك تشــوف‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫فيــه مــال وقــوة وســلطة وهللا ايــا يديــر بينــا شــربة فريــك‪.‬‬

‫هيــا مانــو‪ ،‬ال عليــك‪ ،‬هللا ســيعاقب ّ‬


‫كل ظالــم‪ ،‬وقلــت‬ ‫درت ناحيــة مانــو وقلــت‪ّ :‬‬

‫غافِ ـ ًـا عَ مَّ ــا‬ ‫اآليــة الكريمــة ونظــري فــي وجــه والــد إينــاس‪" :‬وَ َل َت ْح َ‬
‫س ـ َب َّن َّ‬
‫اللـ َـه َ‬

‫ـل َّ‬
‫الظالِمُ ـ َ‬
‫ـون"‪.‬‬ ‫يَعْ مَ ـ ُ‬

‫الخارجيــة حتــى اصطدمــت بيوبــا‪ ،‬نظــر‬


‫ّ‬ ‫عدنــا أدراجنــا ومــا إن فتحنــا البوابــة‬

‫ـي بفــزع ونظــرت إليــه باندهــاش وقلــت‪:‬‬


‫إلـ ّ‬
‫‪ -‬يوبا واش راك دير هنا؟‬

‫قال‪ :‬أسرع اذهب من هنا‪ ،‬سنلتقي فيما بعد‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪68‬‬


‫عدنــا نتمشــى ثالثتنــا بصمــت رهيــب‪ ،‬مانــو شــارد الذهــن وعينــاه تبكــي ألمــا‬

‫ـزق القلــب ويمـ ّ‬


‫ـزق الكبريــاء‪ ،‬ألوّ ل‬ ‫ـب ألمــه يمـ ّ‬
‫عمّ ــا ســمعه مــن والــد إينــاس‪ ،‬الحـ ّ‬

‫مــرة أرى مانــو بهــذه الحالــة‪ّ ،‬‬


‫رق قلبــي لحالــه جــدا وح ّدثــت نفســي قائــا‪:‬‬

‫حب حتى وحدة في حياتو‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬لمزية لي العبد ما‬

‫رمزي يتح ّدث مع نفسه قائال‪ :‬يجيبهالو ربّي‪ ،‬حڨار الرجال يموت ذليل‪.‬‬

‫ّ‬
‫أفكــر فــي يوبــا وأحـ ّدث نفســي قائــا‪ :‬واش راه يديــر تمــا‪ ،‬يعنــي‬ ‫بينمــا أنــا كنــت‬

‫‪N‬‬
‫يخــدم مــع والــد إينــاس وال يتعامــل معــاه فــي كاش حاجــة‪ ،‬تبانلــي الحكايــة‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫فيهــا اللــوش‪ ،‬هللا يجعــل الخيــر‪ ،‬مــن بعــد كــي يجــي نعــرف واش كايــن‪.‬‬

‫عدنــا أدراجنــا متجهيــن نحــو المحــل‪ ،‬بينمــا مانــو كان عليــه أن يعــود إلــى البيــت‬

‫بأنــه‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫فوالدتــه تحتــاج للرعايــة‪ ،‬طلــب م ّنــا أن نهتــم بأعمــال المخبــزة غــدا وقــال ّ‬

‫‪R‬‬
‫ّ‬
‫فضلنــا أن نذهــب مــن‬ ‫يحتــاج إلــى الراحــة‪ ،‬عــدت أنــا ورمــزي إلــى المحــل‪،‬‬

‫‪B‬‬
‫طريــق مختصــر مــن خــال أحــد الشــوارع‪ ،‬كانــت ليلــة بــاردة يســودها الهــدوء‬

‫والظــام‪ ،‬أشــرت قائــا لرمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬أســمع‪ ،‬شــفت الســامط تــاع أب إينــاس كيفــاش دايــر؟ كــي عشــية العيــد‪،‬‬

‫تبانلــي راهــو واحــد مــن ال ّنــاس لــي متحكميــن فــي المدينــة‪ ،‬بصــح مانظنــش‬

‫إذا كان هــو الــرأس الكبيــر‪.‬‬

‫قــال رمــزي‪ :‬يــا ودي راس كبيــر وال صغيــر‪ ،‬فوتنــا يــا خويــا هللا يســهل يزوجهــا‬

‫وال يســرقها‪ ،‬مــا تزيــدش دخــل روحــك فــي أمــور كبيــرة علينــا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬بصح يا خويا مانو وقف معانا الزم نوقفو معاه‪.‬‬

‫أجابنــي قائــا‪ :‬يــا خويــا هــو لــي باقــي الصــق فيهــا كــي الســكوتش‪ ،‬قلتلــو‬

‫خيــر وحنــا نخطبولــك‪.‬‬


‫المدينــة معمــرة نســاء ّ‬

‫‪69‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫مــا إن وصلنــا إلــى الشــارع الــذي تقــع فيــه مخبــزة مانــو حتــى اســتقبلت ضربــة‬

‫ســكِب علــى وجهــي‪،‬‬


‫علــى رأســي أفقدتنــي وعيي‪،‬اســتيقظت علــى دلــو مــاء ُ‬
‫ّ‬
‫وكأنــه نبتــت‬ ‫عينــي وصــداع رهيــب فــي مؤخــرة رأســي‪ ،‬أحسســت‬ ‫فتحــت‬
‫ّ‬

‫حبــة بطاطــا فــي رأســي‪ ،‬وجــدت نفســي مُ ّ‬


‫كبــا فــي كرســي وتتوســطنا طاولــة‬

‫ـبية عريضــة وأمامــي رمــزي مكبــل مثلــي‪.‬‬


‫خشـ ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫غرفة صغيرة مضاءة بشموع وعصى ملتهبة‪ ،‬قلت‪:‬‬

‫‪ -‬رمزي رمزي نوض‪ ،‬راك مليح؟ وين رانا؟‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫قــال رمــزي وهــو يحــرّ ك رقبتــه‪ :‬ماعالباليــش‪ ،‬غيــر كيمــا حســيت شــغل واحــد‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫هبــط عليــا بضربــة للــراس‪.‬‬

‫ً‬
‫رداء أســودا‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫ً‬
‫ـوداء‪ ،‬يضــع علــى رأســه‬
‫جــاء لمقابلتنــا شــخص يرتــدي مالبســا سـ‬

‫ّ‬
‫ملثــم ويحمــل فــي يــده عصــا غليظــة مغــروس فيهــا مجموعــة مــن‬ ‫وفمــه‬

‫‪-L M‬‬
‫المســامير‪ ،‬تق ـ ّدم نحونــا واضعــا يــده علــى الطاولــة‪ ،‬راح يجــول بنظــره الحــاد‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫إلــى ّ‬


‫كل واحــد م ّنــا وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬هل يمكن لغبيين مثلكما أن يتجسسا على زعيمنا؟‬

‫أدرت رأســي بغرابــة لرمــزي وقلــت‪ :‬واشــبيه هــذا؟ ثـ ّ‬


‫ـم قلــت للرجــل‪ :‬يــا أخــي‬

‫راك غالــط ربمــا شــبهتنا وال كاشــما شــربت دواء خاطيــك‪.‬‬

‫ـأي‬
‫ضربنــي بلكمــة فــي وجهــي وقــال‪ :‬ال تحــاول أن تتذاكــى علينا‪.‬ثــم أردف‪ :‬بـ ّ‬

‫لغــة تتح ّدثــان؟ قلــت وأنــا أبصــق الــدم مــن فمــي‪:‬‬

‫‪ -‬رانــا نهــدرو بالهنديّ ــة‪ ،‬اطلــق جدنــا يرحــم والديــك‪ ،‬مادرنــا والــو حتــى تمرمدنــا‬

‫كيمــا هــكا وزيــد طايــح بويــكا قــدام واحــد مربــوط‪ ،‬اطلقنــي نعرضــك علــى‬

‫دبــزة عروبــي نمرمــدك‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪70‬‬


‫تكلــم‪ ،‬مــن أرســلك؟ ّ‬
‫وإل ســأغرس هــذه المســامير‬ ‫ذهــب ناحيــة رمــزي وقــال‪ّ :‬‬

‫فــي رأســك‪.‬‬

‫قــال رمــزي برعــب‪ :‬وهللا يــا عمــي غيــر راك غالــط فينــا‪ ،‬رانــا حراڨــة جينــا‬

‫نخدمــو نديــرو التاويــل‪.‬‬

‫ـم فــي لحظــة دخــل شــخص آخــر ّ‬


‫ملثــم مثلــه‪ ،‬وقــال لــه‪ :‬لقــد أرســلني الزعيــم‬ ‫ثـ ّ‬

‫الســتجوابهم يمكنــك الذهــاب لعملــك‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫ما إن خرج الرجل من الغرفة حتى نزع الغطاء عن وجهه‪ّ ،‬‬
‫إنه يوبا‪.‬‬

‫‪LO‬‬
‫قلــت‪ :‬يوبــا يحڨــرو فينــا قدامــك وأنــت معريفــة‪ ،‬وهللا مــا تزيــد تــدي فتفوتــة‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫خبــز وديجــا رانــا راح نكبــرو المشــروع نعــودو نخدمــو المحاجــب‪ ،‬آه ألــم تقــل‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫لــي ّ‬
‫أنــك عــدوّ لــه ورأيتــك داخــا إلــى بيتــه؟‬

‫‪R‬‬
‫أجابنــي قائــا‪ :‬لمــاذا جئتمــا إلــى هنــا؟ هــل أصابكمــا الجنــون؟ ألــم أقــل لــك‬

‫‪B‬‬ ‫علــي العمــل معهــم؟‬ ‫ّ‬


‫أننــي عــدوّ لهــم ويجــب‬
‫ّ‬
‫قلت‪ً :‬‬
‫إذا هو من يسيطر على المدينة‪.‬‬

‫قــال‪ :‬ال‪ ،‬هــو يمســك جـ ً‬


‫ـزءا‪ ،‬لكــن مــع ذلــك فهــو يعتبــر نقطــة البدايــة بالنســبة‬

‫لــي‪ ،‬إذا قضيــت عليــه فســوف أســيطر علــى حــدوده ونشــرع فــي فتــح باقــي‬

‫األجــزاء حتــى يســود حكمنــا وننطلــق فــي فتوحــات مــا بعــد الحــدود‪ّ ،‬‬
‫إنــه ال‬

‫يملــك الكثيــر مــن الرجــال حوالــي ‪ 600‬رجــل فقــط‪.‬‬

‫‪ -‬فقــط؟ يــا راجــل خــاف مــوالك‪ 600 ،‬رجــل لــوكان يدخلــوا فــي البحــر يغرقــوه‪،‬‬

‫علــى ّ‬
‫كل حــال فـ ّ‬
‫ـك الحبــل‪ ،‬دعنــا نعــود أدراجنــا لقــد مرمدونــا هللا يذلهــم‪.‬‬

‫قــال‪ :‬أنــا ســأقول للزعيــم ّ‬


‫بأنكمــا تعمــان فــي مخبــزة مانــو‪ ،‬وســيترككما‬

‫تذهبــان‪ ،‬لكــن مــع ذلــك لقــد ارتكبتمــا خطــأ كبيــرا‪ ،‬لقــد أصبحــوا يعرفونكــم‬

‫‪71‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫اآلن‪ ،‬إذا اكتشــفوا ّ‬
‫أنكمــا أنتمــا مــن خرجتمــا مــن الغابــة ســيقضون عليكمــا‪،‬‬

‫يجــب أخــذ الحيطــة والحــذر‪.‬‬

‫ـن ّ‬
‫أنهــم‬ ‫قلــت‪ :‬أنــا لــم أعــد أطيــق هــذا المــكان‪ ،‬أريــد العــودة إلــى وطنــي‪ ،‬هــل تظـ ّ‬
‫ال يعلمــون ّ‬
‫بأنــك أنــت ومجموعتــك تقتلــون رجالهــم فــي الغابــة؟‬

‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬لكن لم يكتشف أمرنا‪.‬‬

‫لكــن رجالهــم يتزايــدون يومــا بعــد يــوم‬


‫ّ‬
‫‪F‬‬ ‫قلــت‪ :‬أعلــم ّ‬
‫أنــه لــم يكتشــف أمركــم‬

‫‪A‬‬
‫‪K‬‬
‫بينمــا أنتــم عددكــم ال يتزايــد‪ ،‬لــذا يجــب أن تحاربوهــم علنــا‪ ،‬يجــب عليكــم أن‬

‫ســبات‪ ،‬يظنــون ّ‬
‫أنهــم يعيشــون فــي ســام‬
‫‪A‬‬
‫تنهضــوا بالثــورة‪ ،‬النــاس هنــا فــي ُ‬

‫‪H‬‬
‫‪T‬‬
‫وال يعلمــون أبــدا ّ‬
‫بأنهــم محتلــون مــن طــرف عصابــة اســتولت علــى أراضيهــم‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫وخيراتهــم‪ ،‬أوّ ال يجــب عليكــم أن تطلقــوا علــى مجموعتكــم اســما‪ ،‬بعدهــا‬

‫يجــب عليكــم أن تقومــوا بمداهمــات نحــو رجــال إيديــر‪ ،‬ســيثير ذلــك الخــوف‬

‫‪-L M‬‬
‫ـن هــذا ال يمنــع مــن أن يشــعل فتيــل الثــورة‪،‬‬
‫فــي نفســه رغــم قلــة عددكــم‪ ،‬لكـ ّ‬

‫ـأن‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫ـيظن ال ّنــاس ّ‬


‫أنكــم تريــدون خــراب بلدهــم‪ ،‬هــم يعلمــون بـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫فــي بــادئ األمــر سـ‬

‫هنــاك مــن يختطــف األشــخاص مــن المملكــة قبــل ظهوركــم‪ ،‬فــي ّ‬


‫كل الحــاالت‬

‫سيكتشــفون أمركــم لــذا اخرجــوا للعلــن وأعلنــوا ثــورة ضــد رجــال إيديــر‪.‬‬

‫أن األمر سينجح؟‬


‫قال‪ :‬هل تظن ّ‬

‫قلــت‪ :‬فقــط ضعــوا خططــا مُ حكمــة وقــم باختيــار مقاتليــن تثــق فــي قدرتهــم‬

‫وقوّ تهــم‪.‬‬

‫خــرج يوبــا مــن الغرفــة‪ ،‬أصابنــا ألــم شــديد فــي أيدينــا بســبب الحبــل المشــدود‬

‫يكبلنــا‪ ،‬التهــب الجــرح الــذي فــي رأســي‪ ،‬بــات ّ‬


‫كل واحــد فينــا يشــكو ألمــا‪،‬‬ ‫الــذي ّ‬

‫بــردت أطرافنــا مــن شـ ّدة البــرد‪ ،‬كانــت ليلــة قاســية‪ ،‬عــاد يوبــا إلينــا بعــد بــزوغ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪72‬‬


‫الفجــر‪ ،‬اشــتعلت عينانــا فرحــا‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم قلــت‪ -- :‬ويــن كنــت يــا الهــم؟ الــروح تاعــي‬

‫راح تخــرج‪ ،‬خاصنــي دوليبــران راســي راح ينفجــر مــن شـ ّدة األلــم‪.‬‬

‫ّ‬
‫يقطــع الحبــال‪ ،‬وقفنــا بصعوبــة من الكراســي‬ ‫اسـ ّ‬
‫ـتل الخنجــر مــن خصــره وراح‬

‫بعدمــا كانــت أطرافنــا مخـ ّدرة تمامــا‪ ،‬قلــت لرمزي‪:‬‬

‫‪ -‬يــاو وهللا يــا إيديــر مــا راحتلــو‪ ،‬ياخــي حڨرنــا ماعليــش ندمــو فــي حياتــو‪ ،‬يــاك‬

‫عالبالــك جزائــري كــي يحڨــروه واش يديــر‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫قال رمزي‪ :‬ماعليش المهم سلكنا‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫اســتدرت ناحيــة يوبــا وقلــت‪ :‬أنــا مــن سيشــعل فتيــل الثــورة‪ ،‬ســوف أريــه‬

‫الزنبــاع ويــن يتبــاع خاصــة لــي لكمنــي فــي وجهــي‪ ،‬نهــار لــي نشــدو فــي فيــراج‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫ضيــق نشــبعو صقلــة‪.‬‬


‫ّ‬

‫‪R‬‬
‫قــال يوبــا‪ :‬أنــا خجــل منكمــا يــا رفاقــي‪ ،‬أعذرانــي فعلــت ّ‬
‫كل مــا بوســعي‬

‫‪B‬‬ ‫إلخراجكــم مــن هنــا‪ّ ،‬‬


‫ثــم كيــف ستشــعل فتيــل الثــورة هــل لديــك خطــة مــا؟‬

‫ـدي خطــة مدروســة‪ ،‬أطلــب منــك أن تحمــي ظهــري ّ‬


‫ألننــي ســأبدأ‬ ‫قلــت‪ :‬ليــس لـ ّ‬

‫بافتعــال المشــاكل مــع رجــال إيديــر وســأخرج للشــارع للتظاهــر علنــا‪ ،‬الكثيــر‬

‫ـأبين لهــم حقيقــة هــذه المســرحية التــي‬


‫مــن النــاس يعرفــون أســامة ورمــزي‪ ،‬سـ ّ‬
‫يعيشــونها‪ّ ،‬‬
‫كل ماعليــك فعلــه هــو وضــع مقاتليــن يحرســون أماكــن تواجدنــا‪،‬‬

‫ألن رجــال إيديــر يتواجــدون فــي ّ‬


‫كل مــكان‪ ،‬وأكيــد لــن يدعونــا نتواصــل مــع‬ ‫ّ‬

‫ال ّنــاس‪.‬‬

‫خرجنــا مــن تلــك الغرفــة عائديــن أدراجنــا نحــو المحــل‪ ،‬وصلنــا إلــى شــارع‬

‫إقامتنــا‪ ،‬وجدنــا جمعــا غفيــرا مــن ال ّنــاس ينتظــرون أمــام المخبــزة‪ ،‬اســتدرت‬

‫ناحيــة رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪73‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫وسخ قشك واعرج برجلك كي شغل ك ّنا في معركة باه نغيضوهم‪.‬‬
‫‪ -‬أسمع ّ‬
‫ونتألم‪ ،‬ما إن وصلنا حتى ّ‬
‫تكلم أحد الزبائن قائال‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫نزلنا ناحيتهم نعرج‬

‫‪ -‬ما بكما تعرجان؟ ما به رأسك ينزف؟‬

‫وقفت في منضدة المخبزة وكانوا يقابلونني وقلت‪:‬‬

‫‪ -‬هــذه المدينــة ليســت آمنــة كمــا تعتقــدون‪ ،‬أنتــم تعيشــون تحــت اســتبداد‪،‬‬

‫جيــدة هنــا ومدينتنــا آمنــة مــن‬


‫‪F‬‬
‫نطــق شــخص آخــر وقــال‪ :‬مــاذا تقصــد؟ األمــور ّ‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫أيــن لــك بهــذه الخزعبــات؟‬

‫أجبتــه قائــا‪ :‬بلعقــل‪ ،‬مــا بــك تــاكل فــي روحــك؟ أال تــرى الحالــة التــي نحــن‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫فيهــا؟ لقــد اختطفنــا‪ّ ،‬‬


‫تعلــم تســمع ومبعــد اهــدر‪ ،‬ثــم أردفــت قائــا‪ :‬يجــب أن‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫بــأن هــذه المدينــة ليــس اســمها المملكــة الســوداء‪.‬‬
‫ّ‬

‫بدأ ال ّناس ينظرون لبعضهم بغرابة‪ ،‬فأكملت قائال‪:‬‬


‫تعرفــوا‬

‫‪-L M‬‬
‫ّ‬
‫ككل اســمه نوميديــا‪ ،‬لقــد‬ ‫‪ -‬أنتــم تعيشــون فــي مدينــة اســمها ســيرتا‪ ،‬ووطنكــم‬

‫‪E‬‬
‫ســلبوكم هويتكــم ووطنكــم‪ ،‬أصلكــم أمازيــغ‪ ،‬انظــروا إلــى ُبنيانكــم ومالبســكم‬

‫@‬ ‫أمازيغيــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وأســاميكم‪ ،‬ثقافتكــم‬

‫بــدأ النــاس بالحضــور مــن ّ‬


‫كل مــكان وأنــا أتح ـ ّدث‪ ،‬كانــوا ينصتــون بجــد وأنــا‬

‫أشــرح لهــم مايحــدث فــي وطنهــم‪.‬‬

‫أن الغابــة الســوداء هــي الحــدود بينكــم وبيــن‬


‫قــال رمــزي‪ :‬فلتعلمــوا أيضــا ّ‬

‫واليــة أخــرى‪ ،‬ســكانها يعيشــون نفــس مــا تعيشــون أنتــم‪ ،‬يجــب عليكــم أن‬

‫ويختطفــون‬ ‫ّ‬
‫ـيظل األشــخاص يختفــون ُ‬
‫تكســروا حاجــز الخــوف‪ ،‬إلــى متــى سـ‬

‫مــن مدينتكــم؟‬

‫نطق لساني قائال‪ّ :‬‬


‫كل شخص اختفى كان يعرف الحقيقة ولهذا ُيقتل‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪74‬‬


‫نطــق أحدهــم مــن الخلــف قائــا‪ :‬لقــد فقــدت والــدي أنــا أيضــا‪ ،‬كان أبــي دائمــا‬

‫ـم فــي يــوم مــن األيّ ــام ذهــب‬


‫أن مدينتنــا تخفــي أمــرا عــن الشــعب‪ ،‬ثـ ّ‬
‫مــا يقــول ّ‬

‫إلــى عملــه كالعــادة‪ ،‬كانــت تلــك هــي اللحظــة األخيــرة التــي نــراه فيهــا‪.‬‬

‫معيــن‪ ،‬يجــب عليكــم أن‬


‫ّ‬ ‫مقســمة ّ‬
‫كل مجــرم يســيطر علــى جــزء‬ ‫ّ‬ ‫قلــت‪ :‬المدينــة‬

‫إن هــؤالء المجرميــن يعيشــون بينكــم‪،‬‬ ‫ُتعْ لِمــوا ّ‬


‫كل الســكان بمــا أخبرتكــم بــه‪ّ ،‬‬
‫ســيظهرون للعلــن إذا أنتــم قررتــم أن تحاربــوا َ‬
‫الزيْ ــف‪.‬‬
‫ّ‬
‫ســيتكلم‬ ‫بــأن يومــا مــا‬
‫ّ‬
‫‪N‬‬
‫قــال أحــد األشــخاص مخاطبــا البقيــة‪ :‬كنــت أعلــم‬

‫‪LO‬‬
‫ّ‬
‫لــكل شــخص أن يعلمهــا‪.‬‬ ‫وســيفجر هــذه الحقيقــة التــي ال بــ ّد‬
‫ّ‬ ‫شــخص‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫تعالــت األصــوات والهتافــات فــي أنحــاء تلــك المنطقــة‪ ،‬حتــى لمحــت ســهما‬

‫‪U‬‬ ‫ّ‬
‫تدخــل شــخص ودفعنــي أرضــا‪ ،‬أتــت جماعــة‬

‫‪O‬‬
‫عابــرا كان ســيصيبني لــوال أن‬

‫‪R‬‬
‫ّ‬
‫ملثميــن ســحبوا ســيوفهم وجــاؤوا يجــرون نحونــا‪ ،‬تفــرّ ق النــاس فيمــا بينهــم‬

‫‪B‬‬ ‫وأخــذوا يهرولــون للنجــاة بأنفســهم‪.‬‬

‫قلت لرمزي مخاطبا‪ :‬نحي البليغة واطلق رجليك‪.‬‬

‫انطلقنــا نركــض إلــى وجهــة مجهولــة‪ ،‬ندخــل بيــن الشــوارع وبيــن األزقــة‬

‫مذعوريــن‪ ،‬لمحــت عربــة كانــت ممتلئــة عــن آخرهــا برجــال إيديــر‪ ،‬نزلــوا منهــا‬

‫واحــدا تلــو اآلخــر‪ ،‬ســحبوا ســيوفهم وأخــذوا يلحقــون بال ّنــاس‪ ،‬بينمــا أنــا‬

‫ورمــزي نختبــئ مــن مــكان إلــى مــكان‪ ،‬رآنــا أحدهــم وقــال للبقيــة" أمســكوهم‪،‬‬

‫نحــس بأقدامنــا مــن شــدة الخــوف‬


‫ْ‬ ‫أمســكوهم"‪ ،‬انطلقنــا مجــددا نجــري‪ ،‬لــم‬

‫والعــرق يتصبــب م ّنــا‪ ،‬وقفنــا مختبئيــن بظهورنــا وراء حائــط بينــه وبيــن أحــد‬

‫أي‬
‫البيــوت شــبرا واحــدا‪ ،‬أخرجــت رأســي قليــا ألراقــب تحركاتهــم‪ ،‬لــم أجــد ّ‬
‫أحــد‪ ،‬ال ب ـ ّد ّ‬
‫أنهــم أضاعونــا‪ ،‬قلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪75‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬خــات علــى جدنــا طحتلهــم علــي البوانــت‪ ،‬درك توصــل لحكايــة إليديــر‪،‬‬

‫يقلهــم جيبوهملــي بــوراك‪.‬‬

‫أخذنــا نتمشــى بحيطــة وحــذر حتــى ظهــر أمامنــا يوبــا ومعــه ‪ 3‬أشــخاص‬

‫ّ‬
‫ملثميــن‪ ،‬فــي بــادئ األمــر لــم نتعــرف عليهــم لــو ال أن أظهــروا لنــا وجوههــم ثـ ّ‬
‫ـم‬

‫قــال يوبــا‪:‬‬

‫‪F‬‬
‫‪ -‬اتبعاني‪ ،‬يجب عليكما أن تختبئا‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫‪K‬‬
‫انطلقنــا معهــم نتتبــع خطواتهــم‪ ،‬كان الرجــال الذيــن يرافقــون يوبــا أقويــاء‬

‫‪A‬‬ ‫ّ‬
‫تمكنيــن فــي القتال‪،‬رافقونــا حتــى وصلنــا إلــى بيــت صغيــر‪ ،‬فتــح يوبــا بابــا‬ ‫ومُ‬

‫أرضيــة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫كان تحــت ســجادة ودخلنــا فيــه نحــو غرفــة‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫كانــت غرفــة واســعة مضــاءة بعصــي ملتهبــة‪ ،‬فــي ّ‬
‫كل جــدار منهــا ســيوف‬ ‫ّ‬
‫ورمــاح وأدوات قتــال مختلفــة‪ ،‬مجموعــة مــن الرجــال يتدربــون‪ ،‬وبعضهــم‬

‫‪-L M‬‬ ‫ّ‬


‫صفــق يوبــا بيديــه‪ ،‬تقدمــوا إليــه واحــدا تلــوى اآلخــر‪ ،‬يبــدو‬ ‫يصقلــون ســيوفهم‪،‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫ّ‬


‫أنهــم يق ّدمــون لــه الــوالء الكامــل‪.‬‬

‫قــال يوبــا بحــزم‪ :‬يــا أبطــال حــان وقــت القتــال‪ ،‬وطننــا ينتظــر م ّنــا أن ننصــره‪،‬‬

‫وهــذا صديقنــا أســامة هــو مــن أشــعل فتيــل الثــورة التــي عجزنــا عــن إيقاظهــا‬

‫نحــن منــذ زمــن‪.‬‬


‫قالــوا ّ‬
‫كلهــم بصــوت واحــد‪" :‬جاهــزون سـ ّـيدي"‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم عــادوا يكملــون تدريباتهــم‪،‬‬

‫ثـ ّ‬
‫ـم أشــار إلينــا يوبــا لكــي نتبعــه‪ ،‬فتــح بابــا آخــرا يقــود نحــو طريــق طويــل نوعــا‪،‬‬

‫ثـ ّ‬
‫ـم ســألته قائــا‪:‬‬

‫شيد لكم ّ‬
‫كل هذا؟‬ ‫‪ -‬من ّ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪76‬‬


‫قــال‪ :‬مــن يؤمــن بشــيء مــا يمكنــه أن يبنــي مــا يريــد‪ ،‬هــذا منزلــي واتخــذت منــه‬

‫مكانــا للتدريب‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إلى أين يقود هذا الممر؟‬

‫تبسم وقال‪ :‬ستعرف حينما نصل‪.‬‬


‫ّ‬

‫أكملنا مسيرنا ّ‬
‫ثم التفت قائال لرمزي‪:‬‬

‫‪ -‬يشبه لسرداب فوربيك تاع أرض زيكوال‪.‬‬

‫‪N‬‬ ‫أجابنــي بعينيــه ّ‬


‫بأنــه لــم يفهــم شــيئا‪ ،‬وقفنــا عنــد بــاب آخــر فتحــه يوبــا‪ ،‬خرجنــا‬

‫إلــي‬
‫ّ‬
‫‪I‬‬ ‫‪LO‬‬
‫إلــى ســاحة كبيــرة مقســمة إلــى أجــزاء؛ جــزء مخصــص لوضــع األحصنــة‬

‫‪L‬‬
‫وجــزء لوضــع األســلحة والعتــاد والجــزء اآلخــر لوضــع األلبســة‪ ،‬التفــت‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫يوبــا قائــا‪:‬‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫سري؟ صوالحكم كامل على برا‪ ،‬سيكتشف أمركم‪.‬‬
‫ّ‬
‫السري‪.‬‬

‫سري؟ كيفاش‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫قلت‪:‬‬
‫‪ -‬مرحبا بك في حصننا‬

‫تبســم وقــال‪ :‬نحــن اآلن علــى بعــد مئــات األمتــار عــن المدينــة وهــذا المــكان‬

‫ليــس ســهال للوصــول إليــه فهــو يقــع بيــن جبليــن‪ ،‬لــن يســتطيع أي أحــد الوصول‬

‫إليــه‪ ،‬حتــى رجــال إيديــر لــن يســتطيعوا الهجــوم علينــا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬حسنا ولماذا أحضرتنا إلى هنا؟‬

‫قــال‪ :‬أنــت يــا صديقــي مفجــر هــذه الثــورة المباركــة‪ ،‬ننتظــر منــك التعليمــات‬

‫للهجــوم علــى أوّ ل زعيــم فــي هــذه المدينــة‪.‬‬

‫عليــا مانعــول عليــك‪ ،‬أنــا جاجــة مانكتفهــاش تعــوّ ل‬


‫قلــت‪ :‬ال ياخــو‪ ،‬مــا تعــوّ ل ّ‬

‫عليــا فــي خطــة تــاع قتــال‪.‬‬


‫ّ‬

‫قال‪ :‬ال أفهم‪ ،‬ماذا تقصد؟‬

‫‪77‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قلت‪ :‬أنا ال أعرف كيفية وضع الخطط‪.‬‬
‫قال رمزي‪ّ :‬‬
‫علمونا كيفية القتال‪ ،‬أريد أن أصبح بروسلي‪.‬‬

‫التفت إلى رمزي قائال‪ :‬ما يعلمونا ما نعلموهم‪ ،‬عندنا العراك العروبي‪.‬‬

‫الرسمي لمجموعتنا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الزي‬
‫ّ‬ ‫قال يوبا مخاطبا أحد مقاتليه‪ :‬أحضر لصديقينا‬

‫جلســنا نراقــب المقاتليــن وهــم يتدربــون‪ّ ،‬‬


‫إنهــم بارعــون فــي ّ‬
‫كل شــيء‪ ،‬ثــم‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫قلــت ليوبــا‪:‬‬

‫إن كان رجال إيدير بهذه البراعة‪.‬‬ ‫ّ‬


‫أشك ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫‪ -‬لديك مقاتلون ّ‬


‫أكفاء‪،‬‬

‫‪H‬‬
‫قال‪ :‬أعلم‪ ،‬لكن نحن كما ترى قليلون‪.‬‬

‫‪U‬‬ ‫‪T‬‬
‫قلــت‪ :‬مــا رأيــك أن تقومــوا بمداهمــة رجــال إديــر؟ فلنقــم بوضع خطة مناســبة‪،‬‬

‫أكاد أجــزم ّ‬
‫أنكم ســتنتصرون عليه‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫قال‪ :‬حسنا صديقي‪ ،‬كما تأمر‪.‬‬

‫بعــد فتــرة وجيــزة أتــى أحــد المقاتليــن حامــا فــي يديــه لباســا لــي ولرمــزي‪،‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫ارتديناهمــا ثــم قلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬كيفاش نبانلك؟ ساموراي؟‬

‫قال‪ :‬الدرع برك جا شوية عريض‪.‬‬

‫قلت ليوبا‪ :‬يا خويا أعطيني الطاي (م)‪.‬‬

‫ثـ ّ‬
‫ـم أحسســت بشــيء مــن الحمــاس يســري فــي جســمي ورفعــت صوتــي قائــا‪:‬‬

‫''نوميديــا بالدنــا ونديــرو راينــا‪ ،‬أوه أوه ماكانــش هدنــة ويــا إيديــر"‪ ،‬وقــف ّ‬
‫كل‬

‫المقاتليــن يــر ّددون نفــس الشــعار‪.‬‬

‫إلي رمزي بإعجاب وقال‪ :‬يا خويا خرجت عليك القيادة‪.‬‬


‫نظر ّ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪78‬‬


‫قلــت لــه مازحــا‪ :‬كــي نــروح ندفــع دوســي فــي الجيــش يدخلونــي كولونــال‬

‫ديراكــت‪.‬‬

‫ّ‬
‫لكل واحد م ّنا وقال‪:‬‬ ‫أعطى يوبا خنجرين‬

‫‪-‬احمالهمــا معكمــا كــي تدافعــا عــن نفســيكما فلقــد أصبحتمــا مطلوبيــن فــي‬

‫المدينــة‪.‬‬

‫ـي ليــرى مــاذا يحــدث فــي المدينــة‬ ‫ّ‬ ‫ثـ ّ‬


‫ـم أرســل يوبــا مقاتــا متخفيــا فــي زي مدنـ ّ‬

‫‪N‬‬ ‫ثـ ّ‬
‫ـم قلــت له‪:‬‬

‫‪LO‬‬
‫‪ -‬مقاتــل واحــد مــا يكفيــش‪ ،‬أرســل علــى األقــل ‪ّ ،5‬‬
‫كل واحــد فيهــم يراقــب‬

‫ّ‬
‫تذكــرت مانــو‪،‬‬
‫‪U‬‬ ‫‪IL‬‬ ‫تحــركات أفــراد العصابــة‪.‬‬

‫خــرج المقاتلــون متوجهيــن نحــو المدينــة ّ‬


‫ثــم فــي لحظــة‬

‫‪R‬‬‫‪O‬‬ ‫أحسســت بنــوع مــن القلــق اتجاهــه‪ ،‬فهــم يعلمــون ّ‬


‫أنــه صديقنــا ويعلمــون أيــن‬

‫‪B‬‬
‫محلــه وأيــن مــكان إقامتــه‪ ،‬اســتدرت ناحيــة رمــزي وقلــت بفــزع‪:‬‬

‫‪ -‬اسمع‪ ،‬مانو يا جدك‪.‬‬

‫قال رمزي‪ :‬واشبيه راه مايخدمش ليوم‪ ،‬راهو في الدار مع يماه‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬الال يــا ســطل‪ ،‬راهــم عالبالهــم بلــي راهــو صاحبنــا‪ ،‬رانــي خايــف يخطفــوه‬

‫يــدوه رهينــة بــاش يديرولنــا كاش فــخ يطيحونــا‪.‬‬

‫كان يوبا جالسا ويمسك سكينه ويقوم بصقله بالحجر‪.‬‬

‫أن صديقنــا مانــو ســيصاب بمكــروه أو ربمــا يســختطفونه‪،‬‬


‫ـس ّ‬
‫قلــت‪ :‬يوبــا‪ ،‬أحـ ّ‬
‫فهــو ال يعلــم ّ‬
‫بأننــي أنــا مــن افتعلــت المشــاكل مــع العصابــة فــي المدينــة‪ ،‬هــو‬

‫ـأن المدينــة تعرّ ضــت لهجــوم لكــن ال يعــرف ّ‬


‫أنــه بســببنا‪ ،‬اســتدرت‬ ‫أكيــد يعــرف بـ ّ‬

‫ناحيــة رمــزي وقلــت‪:‬‬

‫‪79‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬نقلــك مليــار بالميــة راح للحانــوت‪ ،‬نعرفــو يخــاف علــى رزقــو كثــر مــن حياتــو‪،‬‬

‫فــي حقــو علــى ّ‬


‫كل حــال‪ ،‬هــادي هــي الحاجــة لــي يســترزق بيهــا‪.‬‬

‫قال رمزي‪ :‬كيفاش نديرو؟‬

‫قلــت‪ :‬الزم نرجعــو للمدينــة ‪،‬وال نقلــك‪ ،‬نســتناو الجماعــة لــي راحــوا يقرعجــوا‬

‫كــي يجــوا يفهمونــا واش كايــن‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫زمنية عاد المقاتالن ووجههما مرعوب‪ّ ،‬‬
‫تكلم أحدهما قائال ليوبا‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫بعد مدة‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫‪ -‬سـ ّـيدي المدينــة فــي حالــة يرثــى لهــا‪ ،‬ولألســف هنــاك ضحايــا مدنييــن‪ ،‬سـ ّـيدي‬

‫نحــن نفقــد الســيطرة‪ ،‬يجــب علينــا أن نجــد حــا‪.‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫قاطعتهمــا قائــا‪ :‬يجــب علــى الشــعب أن يشــارك فــي هــذه المعركــة‪ ،‬يجــب‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫علينــا أن نجمــع المزيــد مــن العتــاد‪.‬‬

‫‪-L M‬‬
‫قاطعني يوبا قائال‪ :‬معنا ما يكفي‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬مــن نيتــك صاحبــي؟ دايرلــي ربــع قصــادر وجايبلــي مــوس تــاع تفــاح‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫تقلــي معنــا مــا يكفــي‪ ،‬يجــب علينــا أن نتوصــل إلــى المــكان الــذي يضعــون فيــه‬

‫األســلحة‪.‬‬

‫قال‪ :‬هل تقصد أن ُنداهِ م مقر أسلحتهم؟‬

‫قلــت‪ :‬ال ال‪ ،‬نرســل رمــزي إلــى زعيمهــم يقلهــم قالتلكــم مامــا أعطينــا شــوية‬

‫ملــح‪ ،‬نعــم يجــب علينــا مُ داهمــة مقــر عتادهــم لكــي نســتطيع توزيــع األســلحة‬

‫علــى المواطنيــن‪ّ ،‬‬


‫ألنــه دون مســاعدة المواطنيــن لــن نســتطيع أبــدا هزيمتهــم‪،‬‬

‫صديقنــا مانــو فــي خطــر‪ ،‬يجــب أن نجــده قبــل أن يــروح فــي ســتين داهيــة‪.‬‬

‫قــال يوبــا‪ :‬أنتمــا تعرفــان مــكان إقامتــه‪ ،‬لــذا يجــب أن نذهــب معــا وســوف‬
‫ّ‬
‫أكلــف مجموعــة مــن المقاتليــن بحمايــة ظهورنــا‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪80‬‬


‫ـي‪ ،‬قلــت فــي نفســي‪ :‬تحيــا الســيفيل‪ ،‬الكومبــا‬
‫غيرنــا مالبســنا إلــى اللبــاس المدنـ ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وغطيــت رأســي‬ ‫تحســب بيبــي مڤمــط‪ .‬وضعــت الســكين تحــت كفــة القميــص‬

‫بــرداء أســود‪.‬‬

‫قال يوبا‪ :‬سنخرج من البيت مثنى مثنى‪.‬‬

‫خرجنــا وتوجهنــا نحــو بيــت مانــو‪ ،‬كانــت المدينــة فــي حراســة مشـ ّددة‪ ،‬جنــود‬

‫كل شــخص يمــرّ بجانبهــم بــل و يفتشــون ّ‬


‫كل شــيء‪،‬‬ ‫إيديــر أصبحــوا يراقبــون ّ‬

‫‪N‬‬
‫كنــت أنــا ويوبــا فــي األمــام ورمــزي وشــخص آخــر مــن ورائنــا و‪ 3‬أشــخاص‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫تفرّ قــوا فــي الطريــق التــي ك ّنــا نتمشــى فيهــا تحســبا ّ‬
‫ألي هجــوم‪.‬‬

‫رفعت رأسي أنظر إلى أسقف المنازل‪ّ ،‬‬


‫ثم قلت ليوبا‪:‬‬

‫‪U‬‬ ‫كل األســطح خاليــة تمامــا مــن الجنــود‪ّ ،‬‬


‫إنهــا فرصــة عظيمــة للنيــل منهــم هــل‬

‫‪O‬‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫جيدون في الرماية‪.‬‬


‫جيديــن؟‬
‫تملــك رمــاة ّ‬
‫قال‪ :‬نعم ّ‬
‫كل جنودي ّ‬

‫قلت‪ :‬دعنا من هذا اآلن‪.‬‬

‫وصلت إلى بيت مانو‪ ،‬دققت على الباب‪ ،‬فتحت أمّ مانو الباب فقلت‪:‬‬

‫‪ -‬يا خالة هل مانو موجود؟‬

‫قالت‪ :‬ال‪ ،‬لقد خرج من البيت منذ قليل‪ ،‬ذهب ليتفقد المحل‪ ،‬لقد سيطروا على‬

‫وأي شخص يخرج سيلقى حتفه‪.‬‬


‫ّ‬ ‫المدينة وأرغمونا على الجلوس في منازلنا‬

‫قلت لها‪ :‬ماعليش خالتي‪ ،‬سوف نجده‪.‬‬

‫ُع ْدنــا أدراجنــا ذاهبيــن نحــو المخبــزة‪ ،‬مــا إن وصلنــا حتــى وجــدت مانــو يقــف‬

‫جنــدي مــن جنــود العصابــة أمامــه‬


‫ّ‬ ‫أمــام البــاب‪ ،‬كنــت ســأناديه لــوال أن ظهــر‬

‫وقــال‪:‬‬

‫‪81‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫وأي شــخص يخــرج مــن المنــزل‬
‫ّ‬ ‫طبقنــا حظــر التجــوال‬ ‫‪ -‬ألــم تعلــم ّ‬
‫أننــا ّ‬

‫ســيعا قب ؟‬

‫قال مانو‪ :‬أنا صاحب هذا المحل ومن حقي أن أتفقد أشيائي‪.‬‬

‫ّ‬
‫ثم قال له‪ :‬أنت مانو صديق الشخصين اللذين افتعال المشاكل في المدينة‪.‬‬

‫فر ّد مانو‪ :‬أنت مخطئ فيما تقول‪ ،‬ليس عندي أصدقاء في هذه المنطقة‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫ـدي الســيف مــن غمــده وقــال‪ :‬ســتذهب معــي إلــى الزعيــم‪ .‬ونــادى‬
‫أخــرج الجنـ ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫علــى أصدقائــه قائــا‪ :‬يــا رفــاق لقــد وجــدت صديقهمــا‪ ،‬زعيمنــا ســيبتهج فرحــا‬

‫بمــا ســنق ّدمه لــه اليــوم‪.‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫إلــي يوبــا بالهجــوم وأشــرت بــدوري إلــى رمــزي‪ ،‬ك ّنــا ســتة مقاتليــن‬
‫ّ‬ ‫أشــار‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫ضــد خمســة‪ ،‬ســحب يوبــا ســهما وصوّ بــه ناحيــة الجنــدي الــذي كان ســيهاجم‬
‫مانــو‪ ،‬أســقطه بضربــة واحــدة اخترقــت قفصــه الصــدري وخرجنــا ّ‬

‫‪-L M‬‬
‫كلنــا نجــري‬ ‫ّ‬

‫نحوهــم‪ ،‬ســحبت الخنجــر مــن يــدي ومــا إن وصلــت حتــى غرســته فــي ظهــر‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫جنــدي مــن الجنــود‪.‬‬

‫قال مانو بتوتر‪ :‬أسامة‪ ،‬رمزي كيف أتيتما؟ ماذا يحدث؟‬

‫هيا اتبعنا‪.‬‬
‫قلت ال وقت للكالم اآلن‪ّ ،‬‬

‫الســري الخــاص‬
‫ّ‬ ‫أمســكت مانــو مــن ذراعــه وانطلقنــا نجــري باتجــاه المخبــأ‬

‫بيوبــا ومجموعتــه‪ ،‬مانــو يجــري ويلتفــت وراءه‪ ،‬قاطعــت شــروده قائــا‪:‬‬

‫هيا خويا أسرع من بعد تفهم واش كاين‪.‬‬


‫‪ّ -‬‬
‫اجتمعنــا ّ‬
‫كلنــا نجــري فــي شــارع واحــد حامليــن فــي أيدينــا الســكاكين‪ ،‬ســمعت‬

‫أصــوات الجنــود يصرخــون مــن المــكان الــذي هاجمناهــم فيه‪،‬حيــث قــال‬

‫أحدهــم‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪82‬‬


‫‪ -‬أسرعوا أمسكوا بهم لقد هربوا من هذا االتجاه‪.‬‬

‫ـي حتــى لمــح‬


‫مــا أن وضعنــا أقدامنــا فــي نقطــة الخــروج مــن الشــارع الرئيسـ ّ‬
‫يوبــا مجموعــة كبيــرة مــن الجنــود‪ ،‬راحــوا يفتشــون ّ‬
‫كل شــبر مــن الشــارع بحثــا‬

‫ع ّنــا‪.‬‬

‫أي لحظــة‪ ،‬ســوف يتوغلــون‬


‫قــال يوبــا‪ :‬عــودوا أدراجكــم و تأهبــوا للقتــال فــي ّ‬

‫هنــا‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫طلــب مانــو مــن أحــد المقاتليــن ســيفا مــن الســيوف التــي غنمنهــا مــن الجنــود‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫ثــم تابــع يوبــا قائــا‪ -:‬يجــب أن نتفــرق لكــي ال ُيكشــف‬
‫الذيــن هجمنــا عليهــم‪ّ .‬‬

‫أمرنــا وينالــوا م ّنــا‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫توغلــت أنــا ويوبــا ومانــو فــي شــارع صغيــر‪ ،‬كانــت بيوتــه متقاربــة مــن بعضهــا‬

‫‪O‬‬
‫‪R‬‬
‫البعــض‪ ،‬كان خاليــا تمامــا مــن األشــخاص‪ّ ،‬‬
‫كلهــم كانــوا مختبئيــن فــي بيوتهــم‬

‫‪B‬‬ ‫ـم التفـ ُّ‬


‫ـت لمانــو قائــا‪:‬‬ ‫خوفــا مــن الجنــود‪ ،‬بدأنــا نتمشــى بحــذر شــديد ثـ ّ‬

‫‪ -‬وين راه رمزي؟ أين ذهب؟‬

‫التفت إلي يوبا مطمئنا لي‪ :‬ال تقلق ّ‬


‫إنه في حماية أمهر مقاتلي مجموعتي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫امتــزج الخــوف مــع الشــجاعة فــي تلــك اللحظــة وجعــا م ّنــي شــخصا صلبــا‪،‬‬

‫ّ‬
‫وكل واحــد فينــا‬ ‫إمّ ــا أن أنتصــر أو أمــوت وأنــا أقاتــل‪ ،‬أكملنــا المشــي بحــذر‬

‫يحمــل فــي يــده ســيفا متأهبــا للقتــال‪ .‬بــدأت أصــوات الجنــود تقتــرب م ّنــا شــيئا‬

‫فشــيئا‪ ،‬كانــت أعدادهــم كثيــرة ونحــن ثالثــة أشــخاص فقــط‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم فــي لحظــة‬

‫التقينــا وجهــا لوجــه مــع أعــداد معتبــرة مــن الجنــود‪ ،‬مــا أن رأونــا حتــى ضحــك‬

‫أحدهــم باســتهزاء وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬سوف نصنع من جثثكم طعاما للكالب‪.‬‬

‫‪83‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫أمســكت ســيفي بقــوة وتأهبــت للقتــال‪ ،‬اســتدرت ناحيــة مانــو‪ ،‬رأيتــه حازمــا‬

‫وعينــاه توحــي ّ‬
‫بأنــه ســيقاتل بشراســة‪ ،‬بينمــا يوبــا كان هــو األعقــل بيننــا‪ ،‬كيــف‬

‫ال وهــو أشــرس مقاتلــي مجموعتــه‪ ،‬أجابهــم يوبــا مبتســما‪:‬‬

‫هيــا أيّ هــا‬


‫‪ -‬الــكالب ال تــأكل جثــث األبطــال بــل تــأكل لحــم المجرميــن فقــط‪ّ ،‬‬

‫الغبــي‪ ،‬ســيفي متعطــش لدمائــك العفنــة‪.‬‬


‫ّ‬
‫ّ‬
‫اســتل ســيفه وغرســه مــن بعيــد فــي‬
‫‪F‬‬
‫انطلــق يوبــا ناحيــة أحدهــم بشراســة‪،‬‬

‫‪A‬‬
‫ـم مــن دون أن أشــعر‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫صــدره‪ ،‬تقـ ّدم شــخص آخــر ناحيتــي ورفــع ســيفه نحــوي ثـ ّ‬

‫تص ّديــت لــه بســيفي‪ ،‬وقعــت أرضــا ووقــع م ّنــي الســيف‪ ،‬قــال بصــوت خشــن‪:‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫‪ -‬انتهت حياتك أيّ ها األحمق‪.‬‬

‫‪U‬‬ ‫رأيــت ظــل مانــو‪ ،‬تص ـ ّدى لــه بشراســه ثـ ّ‬


‫ـم دفعــه بقدمــه فســقط فــي األرض‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫وغــرس مانــو الســيف فــي بطنــه‪.‬‬

‫ّ‬
‫متأهبــا أحمــل ســيفي‪ ،‬كان يوبــا قــد أســقط العديــد مــن الجنــود‪ ،‬ســمعنا‬ ‫وقفــت‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫صوتــا قادمــا مــن األمــام‪ ،‬لقــد لحــق الكثيــر مــن الجنــود ّ‬
‫كأنهــم طوفــان‪.‬‬

‫هيا أسرعوا‪ ،‬لنخرج من هنا‪.‬‬


‫قال يوبا‪ّ :‬‬
‫فجــأة ُفتحــت أبــواب ّ‬
‫كل بيــوت الشــارع‪ ،‬خرجــوا شــبابا ورجــاال يحملــون فــي‬

‫أيديهــم فؤوســا وأدوات الفالحــة‪ ،‬هجمــوا علــى الجنــود رغــم ّ‬


‫أنهــم ال يملكــون‬

‫أن عددهــم أرهــب الجنــود فعــادوا أدراجهــم خائفيــن‪.‬‬ ‫ســيوفا أو رماحــا ّ‬


‫إل ّ‬
‫ّ‬
‫ســكان الشــارع وهــم يلحقــون بالجنــود‪ ،‬اســتدرت‬ ‫ّ‬
‫توقفنــا ثالثتنــا ننظــر إلــى‬

‫ناحيــة يوبــا وقلــت‪:‬‬

‫أن قوة الشعب هي الحل في هذه القضية؟‬


‫‪ -‬ألم أقل لك ّ‬

‫أجاب بتحريك رأسه‪ ،‬ثم قلت لمانو‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪84‬‬


‫‪ -‬يا خويا راك ّ‬
‫جزار حتى أنت‪ ،‬حسبتك أنوش أيا طلعت أنوش مافيا‪.‬‬

‫تبســم وقــال‪ :‬عندمــا يصبــح الدفــاع عــن الوطــن واجبــا يصبــح الجســد ال يبالــي‬
‫ّ‬

‫يــا صديقــي‪ ،‬إذا كانــت نهايتــي وموتــي فــي ســبيل الوطــن فهــذا شــرف لــي‪.‬‬

‫جــاء رمــزي ومــن معــه مــن المقاتليــن مُ تكئــا علــى أحدهــم والــدم يســيل بغــزارة‬

‫مــن قدمــه‪ ،‬انطلقــت بذعــر نحــوه‪ ،‬مــا إن وصلــت حتــى وضعــت كتفــي تحــت‬

‫ذراعــه وقلــت‪:‬‬

‫‪N‬‬
‫‪ -‬رهجوجي صاحبي لباس عليك؟ شكون دارلك هكا؟‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫قــال‪ :‬خرجــت مــع واحــد كان رافــد خنجــر فــي رجلــو طيحتــو فــي األرض جيــت‬

‫نخرجلــو نطعنــو غدرنــي فــي رجلــي‪.‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫السري‪ ،‬أتى ‪ 3‬مقاتلين فرحين قائلين ليوبا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫عدنا أدراجنا نحو المخبأ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫سيدي لقد استولينا على عدد كبير من األسلحة‪.‬‬


‫‪ّ -‬‬

‫رفــع يوبــا صوتــه لســكان الحــي‪ :‬نوميديــا هــي وطنكــم وســيرتا هــي مدينتكــم‪،‬‬

‫دافعــوا عنهــا وابنــوا مســتقبال ألحفادكــم‪.‬‬

‫وأمر المقاتلين بأن يوزعوا األسلحة على السكان‪ .‬نطق أحد السكان قائال‪:‬‬

‫‪ -‬أنــا حــ ّداد‪ ،‬ســأصنع مــا أســتطيع مــن الســيوف‪ ،‬يكفــي ّ‬


‫أنكــم تحاربــون مــن‬

‫أجــل وطننــا ونحــن كشــعب ســنقاوم معكــم إلــى أن ننتصــر‪.‬‬

‫قلت ليوبا‪ :‬رمزي في حالة حرجة‪ّ ،‬‬


‫إنه يفقد الكثير من الدماء‪.‬‬

‫ّ‬
‫ثم فقد رمزي وعيه واصفر وجهه‪ .‬صحت قائال‪:‬‬

‫هيا أسرعوا‪ .‬حملته أنا ومانو فوق أكتافنا وانطلقنا به إلى المخبأ‪.‬‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪85‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫دخلنــا بســرعة‪ ،‬كان رمــزي مغمــى عليــه ويتألــم بســبب الجــرح بشــدة‪ ،‬وضعــه‬

‫يوبــا فــوق بســاط‪ ،‬كان الــدم ينــزف بغــزارة‪ ،‬أمــر أحــد مقاتليــه بــأن يقــوم‬

‫بتســخين خنجــر فــوق النــار‪ .‬نظــرت إليــه بغرابــة وقلــت‪:‬‬

‫ماذا ستفعل بخنجر ساخن؟‬


‫قال‪ :‬يجب أن نكوي الجرح‪ّ ،‬‬
‫وإل لن يتوقف النزيف‪.‬‬

‫‪F‬‬
‫نظرت ناحية رمزي الذي بدأ بالهذيان وهو فاقد للوعي وقلت ليوبا‪:‬‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫أن هذه الفكرة فعالة؟‬
‫‪ -‬هل أنت متأكد من ّ‬

‫وقف ورفع قميصه عن بطنه وقال‪:‬‬

‫كيها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يتم ّ‬
‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫‪ -‬انظر إلى هذه الطعنة‪ ،‬كادت أن تقطع أنفاسي لو لم‬

‫‪U‬‬
‫قلــت‪ :‬يــا أخــي أنــت معتــاد علــى الطعنــات‪ ،‬لكــن نحــن فــي عالمنــا يعالجــون‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫الجــروح عــن طريــق الخياطــة‪ ،‬ســتضع الخنجــر علــى جلــده وســيذوب كالزبــدة‪.‬‬

‫قــال‪ :‬ال خيــار آخــر‪ ،‬ثــق بــي حيــاة رمــزي علــى المحــك‪ ،‬يجــب أن نكــوي الجــرح‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫بأقصــى ســرعة‪.‬‬

‫أحضــر المقاتــل خنجــرا محمــرّ ا مــن شـ ّدة الحــرارة‪ ،‬فتحــت فم رمــزي ووضعت‬

‫فيــه قطعــة مــن الحطــب لكــي ال يضغــط علــى أســنانه‪ ،‬أمســك يوبــا بالخنجــر‬

‫ووضعــه مــكان الجــرح‪ ،‬اســتيقظ رمــزي مهلوعــا مــن شـ ّدة األلــم وراح يضغــط‬

‫بفمــه علــى قطعــة الخشــب حتــى فقــد وعيــه فــور أن نــزع يوبــا الخنجــر مــن‬

‫قدمــه‪.‬‬

‫تبسم يوبا وقال‪ :‬ال تقلق سوف يستعيد وعيه‪.‬‬


‫ثم ّ‬

‫ولكن أثر االحتراق سوف يلتهب‪.‬‬


‫ّ‬ ‫قلت‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪86‬‬


‫أخــرج مــن جيبــه مرهمــا وقــال‪ :‬هــذا المرهــم مصنــوع مــن الصبــار‪ ،‬ســوف يمنــع‬

‫الجــرح مــن االلتهــاب‪ ،‬ال تقلــق‪ ،‬صديقــك بخيــر‪.‬‬

‫جلست أمام رمزي أراقب مالمح وجهه‪.‬‬


‫ّ‬
‫وبللهــا‬ ‫قــال يوبــا‪ :‬ســوف تصيبــه الحمــى‪ ،‬اجلــب دلــو مــاء وقطعــة قمــاش‬

‫وضعهــا علــى جبهتــه ريثمــا يســتيقظ‪.‬‬

‫جلســت ليلــة كاملــة مــع رمــزي أراقــب حــرارة جســمه‪ّ ،‬‬


‫ثــم أتــى مانــو ويوبــا‬

‫‪N‬‬
‫وجلســا أمامــي‪ ،‬قــال لــي مانــو‪:‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫‪ -‬اذهب لترتاح قليال يا صديقي‪ ،‬سوف نتكفل بأمر رمزي‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أنا بخير ال تقلقا‪ ،‬أنا جالس معه حتى يستعيد وعيه‪.‬‬

‫ـوي‪ ،‬تناولتــه‬
‫‪U‬‬
‫نهــض يوبــا وأحضــر لــي رغيــف خبــز والقليــل مــن الدجــاج المشـ ّ‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫وجلســنا نتبــادل أطــراف الحديــث ثـ ّ‬
‫ـم قلــت‪:‬‬

‫‪ -‬يوبا‪ ،‬يجب أن تصبح ملكا في هذه البالد‪.‬‬

‫أجابني قائال‪ :‬ماذا؟ لم أفهم قصدك‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬لقــد درســت حضارتكــم وتاريخكــم‪ ،‬ولقــد تح ّدثــت مــع مانــو وقلــت‬

‫أي عصــر أنتــم تعيشــون فيــه‪ ،‬لكــن أيقنــت بعدمــا بــدأت‬ ‫لــه ّ‬
‫بأننــي لــم أعــرف ّ‬

‫بــأن الملــك القــادم اســمه يوبــا‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الثــورة أن تاريخكــم يقــول‬

‫قــال‪ :‬ولكــن المملكــة فيهــا الكثيــر مــن األشــخاص اســمهم يوبــا‪ ،‬لمــاذا أنــا‬

‫بالتحديــد؟‬

‫قلــت‪ّ :‬‬
‫ألنــك أنــت الــذي يســعى منــذ مــدة طويلــة إلــى تحريــر البلــد‪ ،‬يجــب أن‬

‫تقــرروا مصيــر وطنكــم بيدكــم‪.‬‬

‫‪87‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫صمت برهة ثم قال‪ :‬أنا ال أعرف االستسالم‪ ،‬إمّ ا أن أنجح أو إمّ ا أن أنجح‪.‬‬

‫تبســمت وقلــت‪ :‬إذا ســوف نضــع خطــة محكمــة لإلطاحــة بإيديــر وعصابتــه‬
‫ّ‬

‫ومــن ثـ ّ‬
‫ـم ســنتوغل لإلطاحــة بالسـ ّـيد تاشــفين وأعوانــه‪.‬‬

‫أن كفاحي سيأتي بثماره‪.‬‬


‫أحس ّ‬
‫ّ‬ ‫تبسم وقال‪ :‬ألوّ ل مرة‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫ثم استيقظ رمزي وقال‪ :‬أسامة‪ ،‬مانو‪ ،‬يوبا‪ ،‬واش صرا؟‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫قلــت مازحــا‪ :‬مــا كان والــو‪ ،‬جعنــا نحينالــك مورصــو مــن رجلــك درنــا بيــه‬

‫شخشــو خة ‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫تبسم بصعوبة وقال‪ :‬راني ميت بالشر‪ ،‬كاشما كاين حاجة ناكلها؟‬
‫ّ‬

‫‪H‬‬
‫أمر يوبا واحدا من المقاتلين بأن يحضر الطعام لرمزي‪.‬‬

‫‪T‬‬
‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫تركنا رمزي يرتاح‪ ،‬استدرت ناحية يوبا ومانو وقلت‪:‬‬

‫‪ -‬حان وقت وضع الخطة لإلطاحة بإيدير وعصابته‪.‬‬

‫‪-L M‬‬
‫قال مانو‪ :‬ولكن هو والد إيناس‪ ،‬أخشى أن يفطر ذلك قلبها‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫تحبســلي مخــي‪ ،‬والدهــا كريمينــال يــا‬
‫ّ‬ ‫قلــت‪ :‬وهللا يــا مانــو خويــا ميــن ذاك‬

‫خويــا‪ ،‬ومنعهــا مــن الــزواج بــك‪ ،‬هــذه هــي فرصتــك للتخلــص مــن الحاجــز الــذي‬

‫يعرقــل عالقتكمــا‪.‬‬

‫صمت برهة وقال‪ :‬معك حق‪ ،‬يجب أن أنتشلها من ظلمه‪.‬‬

‫أحضــر يوبــا خريطــة المدينــة‪ ،‬بدأنــا نــدرس األماكــن التــي يتمركــز فيهــا رجــال‬

‫إيديــر‪ .‬دخــل مقاتــل مــن مقاتلــي يوبــا وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬لقــد وزعنــا األســلحة علــى الســكان وانظـ ّ‬


‫ـم إلينــا مــا يقــارب ‪ 300‬شــاب ورجــل‬

‫فــي المعركــة‪ ،‬وأغلبهــم يعــرف حمــل الســيف والقتــال‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪88‬‬


‫جيــد جــدا يــا أجــراد‪ ( .‬أجــراد هــو رئيــس المحاربيــن‪ ،‬حمّ لــه يوبــا‬
‫قــال يوبــا‪ّ :‬‬

‫مســؤولية تدريــب المقاتليــن‪ ،‬يملــك مــن القــوة والــذكاء مــا يجعــل منــه محاربــا‬

‫أســطوريًّ ا‪ ،‬يقاتــل بالفــأس بــدل الســيف)‬

‫ّ‬
‫أنظم معكم في التخطيط؟‬ ‫سيدي هل يمكن لي أن‬
‫قال أجراد‪ّ :‬‬

‫قال يوبا‪ :‬نعم‪ ،‬خططك دائما ما تنجح يا أجراد‪.‬‬

‫وضعنــا الخريطــة فــوق الطاولــة‪ ،‬بــدأ يوبــا بتوضيــح أماكــن تواجــد جنــود‬

‫‪N‬‬
‫العصابــة وأيــن يتمركــزون وأوقــات حراســتهم‪.‬‬

‫‪LO‬‬
‫سألت أجراد قائال‪ :‬كيف حال المدينة اآلن؟‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬‫قــال‪ :‬لألســف جنــود العصابــة مســيطرون علــى ّ‬


‫كل شــبر‪ ،‬ليــس ذلــك فقــط‪ ،‬بــل‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫راحــوا يعتــدون علــى الشــعب‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وماذا عن الموقع الذي يتواجد فيه إيدير؟‬

‫ّ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫الســيد تاشــفين أن يمــ ّده‬ ‫قــال‪ :‬الحراســة فيــه مشــ ّددة‪ ،‬وطلــب كذلــك مــن‬

‫بالمزيــد مــن الجنــود واألســلحة‪ ،‬الشــعب غاضــب ومتعطــش للحريــة‪ ،‬ينتظرون‬

‫م ّنــا إشــارة التمــرّ د فقــط‪.‬‬

‫قال يوبا‪ :‬نعم‪ ،‬يقع على عاتقنا رسم طريق المداهمة وسيساعدنا الشعب‪.‬‬

‫قــال مانــو‪ :‬مــن رأيــي أن تقومــوا بتقســيم المقاتليــن إلــى طالئــع؛ الطليعــة‬

‫األكبــر هــي مــن ســتداهم منــزل إيديــر‪ ،‬وباقــي الطالئــع تهاجــم نقــاط الحراســة‪،‬‬

‫سيتشــوش جنــود إيديــر ويغــادرون أماكنهــم‪.‬‬

‫جيــدة‪ ،‬إذا يجــب أن ُنعلــم كافــة الشــعب وكافــة‬


‫قلــت‪ :‬نعــم يــا مانــو‪ ،‬فكــرة ّ‬

‫أن المداهمــة ســتكون غــدا فــي وضــح النهــار‪ ،‬لكــن‬


‫القاطنيــن فــي المدينــة ّ‬

‫يجــب علينــا أن ننشــر هــذا الخبــر فــي ســريّ ة تامــة لكــي ال يحــدث ّ‬
‫أي خلــل‪.‬‬

‫‪89‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫أجابني أجراد‪ :‬كيف سنعلم الشعب في سريّ ة تامة؟‬

‫أن العصابــة تفــرض حظــر التجــوال فــي المدينــة فاألكيــد أن‬


‫قــال مانــو‪ :‬بمــا ّ‬
‫كل الســكان ســيكونون فــي بيوتهــم‪ ،‬يجــب أن نـ ّ‬
‫ـوزع عليهــم قصاصــات صغيــرة‬ ‫ّ‬

‫عــن موعــد االنطــاق‪.‬‬

‫قــال يوبــا‪ :‬معــك حــق‪ ،‬لكــن نحــن ال نعلــم إن كان منهــم مــن يؤيــد إيديــر‪ ،‬فلــه‬

‫أنــه لــن يتفطــن لمثــل هــذه اللعبــة؟‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫خونــة وجواســيس‪ ،‬هــل تظــن ّ‬

‫‪K‬‬
‫قال مانو‪ً :‬‬
‫إذا ماذا نفعل؟‬

‫‪A‬‬
‫جــاء صــوت قــادم مــن الخلــف وقــال‪ :‬الحريــة يــا سـ ّـيدي ليــس لهــا وقــت وليــس‬

‫‪H‬‬
‫‪U‬‬ ‫‪T‬‬ ‫لهــا تخطيــط‪.‬‬
‫أدرنا وجوهنا ّ‬
‫كلنا للخلف‪ّ ،‬‬
‫إنه رمزي‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫قلت‪ :‬رهجوجي راك حي‪ ،‬طير ترقد‪ ،‬كي ترتاح نديروا معركة كيف كيف‬

‫تبسم وقال‪ :‬يا خويا خلينا نشاركو معاكم في التخطيط‪.‬‬


‫ّ‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫قلت‪ :‬إيه ريح أنت بقرة ترجعها طير‪.‬‬


‫ضحكنا ّ‬
‫كلنا‪ ،‬وقال يوبا لرمزي‪ :‬هل في جعبتك فكرة ما؟‬

‫قــال رمــزي‪ :‬أنتــم تفكــرون بأمــر الخونــة الذيــن يتواجــدون بيــن الثــوار‪ ،‬هــذا‬

‫أمــر بســيط‪ ،‬سينكشــف أمرهــم فــور أن تبــدأ المعركــة‪ ،‬الثــوّ ار الحقيقيــون‬

‫ســيدخلون فــي غمــار المعركــة عندمــا نبــادر نحــن فــي القتــال‪.‬‬

‫نظــر إليــه أجــراد وقــال‪ :‬معــك حــق‪ ،‬الخونــة مهمــا كان عددهــم هــم ضعفــاء‬

‫عندمــا يكونــون فــي ميــدان الثــوار‪ ،‬لــذا أنــا مــع خطــة مانــو عندمــا قــال أن‬

‫نقــوم بتقســيم المقاتليــن إلــى طالئــع‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪90‬‬


‫خــرج يوبــا إلــى المقاتليــن‪ ،‬كان ّ‬
‫كل واحــد فيهــم منهمــك بشــغل مــا‪ ،‬خاطبهــم‬

‫يوبــا قائــا‪:‬‬

‫الســيد‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أيّ هــا األبطــال‪ ،‬يــوم غــد ســندخل المدينــة كبحــر هائــج‪ ،‬ســيقوم‬

‫أجــراد بتقســيمكم إلــى طالئــع‪ ،‬أرجــو منكــم أن تتبعــوا التعليمــات‪ ،‬أنــا أرى‬

‫فــي وجوهكــم التعطــش للحريــة‪ ،‬للحريــة ثمــن وثمنهــا هــو الشــجاعة واتبــاع‬

‫قادتكــم‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫رفعــت الســيف بيــدي وقلــت ليوبــا‪ :‬هــل لــك أن ّ‬
‫تعلمنــي القليــل مــن مهاراتــك‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬ ‫القــوي؟‬


‫ّ‬ ‫أيّ هــا المقاتــل‬

‫تبســم وقــال‪ :‬حســنا‪ ،‬أحضــر صديقــك مانــو‪ ،‬فهــذا شــرف لــي أن أقاتــل بجانــب‬
‫ّ‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫أن الحريــة تأتــي بالتمــرد علــى الظالــم‪.‬‬ ‫مــن ّ‬


‫علمنــا ّ‬

‫‪R‬‬
‫أن ّ‬
‫كل المقاتليــن‬ ‫كان مــن بيــن األمــور التــي وضعهــا يوبــا فــي الخطــة هــو ّ‬

‫كلهــم فــي‬

‫ّ‬
‫لــكل زعمــاء‬
‫‪B‬‬
‫يخرجــون بمالبــس عاديــة كــي ال يكشــف أمرهــم ويتمركــزون ّ‬

‫أن زعيــم العصابــة الكبيــر أرســل‬


‫ألن األخبــار تقــول ّ‬
‫أماكنهــم‪ّ ،‬‬

‫معينــة فــي‬
‫ّ‬ ‫المدينــة بــأن يتركــوا المجــال للشــعب بقضــاء حوائجهــم لمــدة‬

‫حبــا فيهــم ّ‬
‫وإنمــا لكــي يســتمروا بضــخ األمــوال فــي جيــوب هــؤالء‬ ‫النهــار‪ ،‬ليــس ًّ‬
‫اللصــوص‪ ،‬كان هــذا الخبــر ّ‬
‫يمثــل ورقــة رابحــة للشــعب الثائــر وليوبــا ومقاتليــه‬

‫خاصــة‪.‬‬

‫وعيــن‬
‫ّ‬ ‫غيرنــا مالبســنا وكان أجــراد واقفــا فــي الســاحة يتحـ ّدث مــع المقاتليــن‬
‫ّ‬
‫لـ ّ‬
‫ـكل طليعــة قائــدا يســتكلف بتوجيههــم أثنــاء المعركــة‪.‬‬

‫ثم ّ‬
‫وجهت ليوبا سؤاال قائال‪:‬‬ ‫وقفت أنا ويوبا ومانو ننظر إليهم ّ‬

‫‪ -‬والدك اسمه يمسال؟‬

‫‪91‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫أدار يوبا رأسه مصدوما وقال‪ :‬كيف عرفت؟‬

‫كل الملــوك الذيــن‬ ‫تبســمت وقلــت‪ :‬قلــت لــك ّ‬


‫أننــي درســت تاريخكــم وأعــرف ّ‬ ‫ّ‬
‫مــروا مــن قبلكــم‪ ،‬لهــذا أخبرتــك مــن قبــل ّ‬
‫أنــك ســتصبح ملــكا فــي نوميديــا‪.‬‬

‫كل عائلتــي ُقتلــوا مــن طــرف هــؤالء المرتزقــة‬


‫اغرورقــت عينــا يوبــا وقــال‪ّ :‬‬

‫ـق بــه‬ ‫ّ‬


‫الخونــة‪ ،‬كل مــا أعرفــه مــن عائلتــي هــو اســم أبــي يمســال الــذي لــم ألتـ ِ‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ولــم أعرفــه أبــدا‪.‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫تبســمت وقلــت‪ :‬لكــن يــا صديقــي ســيخلفك ابنــك الــذي ســيحمل اســمك‬
‫ّ‬

‫وســيكون أيضــا ملــكا‪ ،‬ســيحكم دولــة اســمها موريطانيــا‪.‬‬

‫أن األيّ ــام‬


‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫ضحــك والدمــوع فــي عينيــه وقــال‪ :‬يــا صديقــي هــل أنــا أحلــم أم ّ‬

‫‪U‬‬ ‫الحلــوة التــي يئســت مــن ّ‬


‫أنهــا لــن تتحقــق آتيــة؟ ثـ ّ‬
‫ـم مازحنــي قائــا‪ :‬هــل أنــت‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫عــرّ اف أم ســاحر أم مــاذا؟‬

‫أننــي فــي مملكــة نوميديــا أحسســت ّ‬


‫أننــي خلقــت مــن‬ ‫قلــت‪ :‬يــوم اكتشــفت ّ‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫جديــد‪ ،‬فهــذه المملكــة مــن أروع األماكــن التــي تم ّنيــت أن أعــود للماضــي‬

‫ألعيــش فيهــا‪ ،‬وهــا أنــا فيهــا وهــا أنــا أشــارك فــي معركــة لتحريرهــا‪.‬‬

‫كان مانــو تائهــا ينظــر إلــى المقاتليــن وهــم يتأهبــون ويتنهــد‪ ،‬قاطعــت شــروده‬

‫قائال‪:‬‬

‫‪ -‬ستتزوجها‪ ،‬أعدك‪.‬‬

‫ّ‬
‫أفكر بها‪.‬‬ ‫تبسم وقال‪ :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬أنا ال‬
‫ّ‬

‫قلت‪ :‬يا ودي ريح طرونكيل‪ ،‬نعرفك كيما تشرد‪.‬‬

‫ضحك وقال‪ :‬في الحقيقة أنا خائف أن يصيبها مكروه‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪92‬‬


‫قلــت‪ :‬ال تقلــق‪ ،‬لقــد تح ّدثــت مــع يوبــا بخصــوص هــذا األمــر وقــال ّ‬
‫أننــا ســننقذها‬

‫مــن يــد ذلــك الســافل‪ ،‬فأنــا أعلــم مكانهــا وهــو يحتجزهــا فــي‪ ...‬ثـ ّ‬
‫ـم صمتــت‬

‫قال مانو‪ :‬أين يحتجزها؟‬

‫أي أذى‪،‬‬
‫قلــت‪ :‬ال عليــك‪ ،‬المهــم أمــرك مفــروز‪ ،‬ال تقلــق يــا صاحبــي‪ ،‬لــم يصبهــا ّ‬

‫هــي محتجــزة فــي غرفتهــا فقــط‪ ،‬أريــد منــك أن تتحــوّ ل إلــى ذئــب هائــج فنحــن‬

‫نحتــاج إلــى شراســتك‪.‬‬

‫كل طليعة في ّ‬
‫اتجاه مخالف‬
‫‪N‬‬
‫حملنا ســيوفنا وأخفيناها في مالبســنا وخرجت ّ‬

‫‪I‬‬ ‫‪LO‬‬
‫للطالئــع األخــرى‪ ،‬كنــت أنــا ومانــو مــن بيــن المقاتليــن الذيــن ســيداهمون المقــر‬

‫‪L‬‬ ‫الرئيســي إليديــر وأعوانــه‪ّ ،‬‬


‫علمنــي يوبــا الرمــي بالقــوس وحمــل الســيف‪ ،‬ليــس‬ ‫ّ‬

‫‪U‬‬ ‫كمقاتــل حقيقــي لكــن المهــم ّ‬


‫أننــي أســتطيع الدفــاع عــن نفســي أو حتــى خــدش‬

‫‪O‬‬
‫ّ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫زمنيــة ليســت بالطويلــة‪ ،‬كانت‬
‫ّ‬ ‫عــدوّ ي‪ ،‬انطلقنــا نحــو المدينــة‪ ،‬وصلنــا بعــد مــدة‬

‫ّ‬
‫التجــار يعرضــون ســلعهم علــى المــارة‬ ‫الحيــاة فــي المدينــة كســائر األيّ ــام؛‬

‫وال ّنــاس يشــترون لــوازم منازلهــم‪ ،‬لكــن ال أثــر لألطفــال الصغــار أو ال ّنســاء‪.‬‬

‫واع ومتحضــر‬ ‫قلــت فــي قــرارة نفســي‪ّ :‬‬


‫إنهــم شــعب عظيــم بحــق‪ ،‬شــعب‬
‫ٍ‬
‫أن المعركــة ســتنطلق بعــد بضــع دقائــق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وكأنهــم يعلمــون ّ‬

‫ك ّنــا نتمشــى بيــن األزقــة وبيــن ال ّنــاس‪ ،‬نظــرت ألســطح المنــازل‪ ،‬رأيــت الرمــاة‬

‫قــد تمركــزوا فــي أماكنهــم اســتعدادا للرمــي‪ ،‬كان جنــود العصابــة يتجولــون‬

‫ـأن قــوة مــا علــى وشــك االنفجــار‬


‫ويراقبــون بحــذر فلقــد أصبحــوا يعرفــون بـ ّ‬

‫ـأن الكثيــر مــن الشــباب والرجــال قــد انضمــوا لصفوفنــا‪،‬‬


‫بعدمــا وصلهــم خبــر بـ ّ‬

‫أكملنــا طريقنــا نحــو مقــر إيديــر فهــذا المــكان خــاص بطليعــة مــن الطالئــع‪،‬‬

‫كل شــخص فــي زاويــة مــن الطريــق‪.‬‬ ‫ّ‬


‫يتمشــون خلفنــا‪ ،‬لكــن ّ‬ ‫كان المقاتلــون‬

‫‪93‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫وصلنــا إلــى ســاحة المعركــة‪ ،‬وقفــت أنــا ومانــو ويوبــا ننظــر إلــى منــزل إيديــر‪،‬‬

‫ال بــل قصــره والجنــود يحيطــون بالمــكان‪ ،‬رمــاة يقفــون فــوق ســطح القصــر‪،‬‬

‫ّ‬
‫يركــز نظــره فــي زاويــة مــا‪ ،‬بينمــا الجنــود يحملــون الرمــاح‬ ‫ّ‬
‫كل واحــد فيهــم‬

‫والســيوف والــدروع مشــكلين جــدارا حاميــا يصعــب الولــوج إليــه‪ ،‬أصابنــا‬

‫اإلحبــاط فــي لحظــة‪.‬‬

‫‪F‬‬
‫قــال يوبــا‪ :‬الرمــاة‪ ،‬الرمــاة هــم مــن يجــب علينــا إســقاطهم أوّ ال‪ ،‬أشــار إلــى‬

‫‪A‬‬
‫‪K‬‬
‫خمســة مقاتليــن يحســنون الرمــي بــأن يتمركــزوا فــوق البنايــات القريبــة مــن‬

‫‪H‬‬‫‪A‬‬ ‫المنــزل‪ .‬ثـ ّ‬


‫ـم قلــت أنــا‪:‬‬

‫‪T‬‬
‫ّ‬
‫سنحطمه؟‬ ‫البشري؟ كيف‬ ‫وماذا عن هذا الجدار‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫كل‬
‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫تبسم وقال‪ :‬اآلن‪.‬ثم صرخ‪ :‬القتال القتال‪...‬‬

‫ّ‬
‫ّ‬

‫اســتل يوبــا ســيفه بقــوة‪ ،‬ســحبت أنــا ومانــو ســيوفنا أيضــا‪ ،‬اندفــع‬

‫ـدي يحمــي‬
‫‪-L M‬‬
‫مقاتلــي طليعتنــا نحــو جنــود إيديــر الذيــن يقفــون ّ‬
‫كأنهــم جــدار حديـ ّ‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫زعيمهــم‪ ،‬أشــار يوبــا للرمــاة بــأن ُيســقِ طوا الجنــود الذيــن صوّ بــوا ســهامهم‬

‫نحونــا‪ ،‬بــدأت معركــة شرســة‪ ،‬يوبــا كان أوّ ل مــن اندفــع نحوهــم ّ‬
‫كأنــه نمــر‬

‫جائــع‪ ،‬راح يســقطهم واحــدا تلــوى اآلخــر‪ ،‬كنــت أنــا ومانــو نقاتــل جنبــا إلــى‬

‫جنــب‪ُ ،‬قتــل مــن مجموعتهــم العديــد مــن الجنــود‪ ،‬كانــت المعركــة تســير بشــكل‬

‫جيــد لــو ال أن حضــر المزيــد مــن الجنــود الذيــن أرســلهم تاشــفين زعيــم الجهــة‬
‫ّ‬
‫الغربيــة‪ ،‬خرجــوا إلينــا مــن ّ‬
‫كل الجهــات‪ ،‬حوصرنــا وســطهم واندفعــوا نحونــا‬

‫بقــوة‪ ،‬كان ّ‬
‫كل مقاتــل فينــا مُ َ‬
‫هاجمــا مــن طــرف جندييــن أو أكثــر‪ ،‬اســتقبلت‬

‫ضربــة علــى قدمــي أفقدتنــي توازنــي وســقطت أرضــا‪ ،‬تق ـ ّدم ناحيتــي جنـ ّ‬
‫ـدي‬

‫علــي بســيفه فتصديــت لــه هــذه المــرة‪ ،‬لــم يســقط مــن يــدي فدفعتــه‬
‫ّ‬ ‫ونــزل‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪94‬‬


‫بقــوة‪ ،‬وقــع أرضــا ثـ ّ‬
‫ـم غرســته فــي بطنــه قائــا‪" :‬كــول البنــان"‪.‬‬
‫لــم تكــن طليعتنــا تكفــي لقتالهــم ّ‬
‫كلهــم فنحــن لــم نعلــم ّ‬
‫بأنهــم كانــوا يخططــون‬
‫لكــي نقــع فــي فخهــم‪ ،‬استســلم مقاتلونــا لقوّ تهــم ولعددهــم‪ ،‬وانحصرنــا ّ‬
‫كلنا في‬

‫حلقــة ضيقــة‪ ،‬كان يوبــا فــي الوســط وكنــت أنــا فــي الجانــب األيمــن وأمامــي‬

‫مانــو‪ ،‬تقــ ّدم بعضهــم حامليــن الســهام والرمــاح مصوّ بــة نحونــا واآلخــرون‬

‫يحملــون ســيوفهم ودروعهــم‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫ذهبت ناحية يوبا الذي هو بدوره لم يدرك هذا األمر وقلت‪:‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫‪ -‬ماذا نفعل اآلن؟ نحن محاصرون‪.‬‬

‫قــال‪ :‬أتم ّنــى أن تكــون باقــي الطالئــع أكملــت مهامهــا لكــي يلتحقــوا بنــا‪ ،‬فهــي‬

‫مقســمة فــي‬
‫ّ‬ ‫ـن طالئعنــا‬
‫‪U‬‬
‫أن عددهــم كثيــر لكـ ّ‬

‫‪O‬‬
‫فرصتنــا الوحيــدة لردعهــم‪ ،‬رغــم ّ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫المدينــة‪ ،‬لــو يســتطيعوا اللحــاق بنــا ســنحاصرهم أكثــر ممّ ــا حاصرونــا‪.‬‬

‫خــرج إيديــر مــن شــرفة قصــره واضعــا يديــه خلفــه ويضحــك باســتفزاز‪ ،‬نظــر‬

‫إلــى يوبــا وقــال بصــوت مســموع‪:‬‬

‫أنــك خائــن‪ّ ،‬‬


‫وأنــك تخطــط ألمــر‬ ‫ّ‬
‫أتوقــع دائمــا ّ‬ ‫ّ‬
‫أكل هــذا منــك أنــت؟ لكــن كنــت‬ ‫‪-‬‬

‫ـي‪ ،‬كنــت‬ ‫ّ‬ ‫مــا‪ ،‬كنــت أظـ ّ ّ‬


‫ـن أنــك ضعيــف وال تملــك كل هــذا الوالء‪،‬يــا لــك مــن غبـ ّ‬

‫ســأتح ّدث مــع قائدنــا األعلــى لكــي يجعــل منــك حاكمــا للجهــة الشـ ّ‬
‫ـمالية‪.‬‬

‫الغبــي يقاتــان‪ ،‬يــا‬


‫ّ‬ ‫الخبــاز وصديقــه‬
‫ّ‬ ‫إلــي و إلــى مانــو وقــال‪ :‬حتــى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثــم نظــر‬

‫للعجــب‪.‬‬

‫غبي نضربك بكف الغبار يخرج على عينيك‪.‬‬


‫ّ‬ ‫قلت‪ :‬شوف أسي‪ ،‬تزيد تقول‬

‫وضع مانو يده على فمي وقال له بصوت مسموع‪:‬‬

‫ّ‬
‫تفطن الشعب لسياستكم الخبيثة‪.‬‬ ‫‪ -‬أنت مجرم نهايتك محتومة‪ ،‬لقد‬

‫‪95‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫ثــم أردف يوبــا‪ :‬آه يــا إيديــر‪ ،‬هــل تظــن ّ‬
‫أنــك هزمتنــي؟ ال‪ ،‬أنــا لــم أهــزم‪ ،‬كــن‬
‫علــى يقيــن إذا مــات يوبــا‪ ،‬يولــد المئــات واآلالف مثــل يوبــا‪ّ ،‬‬
‫وفــر كالمــك الحقــا‬

‫أن رأســك سـ ُـيقطع تحــت ســيفي‪.‬‬ ‫ّ‬


‫ألننــي أعــدك ّ‬
‫أشار إيدير بيده إلى جنوده قائال‪ :‬اقتلوهم ّ‬
‫كلهم‪.‬‬

‫" ال تستســلموا قاتلــوا واقطعــوا الــرؤوس فلنمــت بشــرف أو نعيــش بكرامــة"‪،‬‬

‫‪F‬‬
‫كانــت هــذه الجملــة مــن لســان يوبــا حرّ كــت فينــا روح القتــال والكفــاح‪ ،‬مــا أن‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫وضعــوا خطــوة لألمــام حتــى لمحــت ســربا مــن الســهام نــازال عليهــم‪ ،‬أســقط‬

‫بعضهــم جثثــا هامــدة‪ ،‬كان أجــراد ومقاتلــو طليعتــه ومعــه عــدد كبيــر مــن‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫ال ّنــاس يحملــون ســيوفهم‪ ،‬انطلقــوا يهرولــون نحوهــم‪ ،‬اســتعدنا قوّ تنــا مــن‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫جديــد واندلعــت حــرب طاحنــة أســقطنا الكثيــر مــن جنودهــم حتــى كســرنا‬

‫الحاجــز الــذي يحمــي قصــر إيديــر‪ ،‬لحقــت باقــي طالئــع مقاتلينــا وأحاطــوا‬

‫‪-L M‬‬
‫المــكان‪ ،‬دخلــت أنــا ويوبــا ومانــو وأجــراد ومجموعــة مــن المقاتليــن ل ُن َداهــم‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫ص ّفــد حــراس إيديــر األبــواب‪ ،‬أحضــر مقاتلونــا جذعــا كبيــرا مــن‬
‫وَ ْكرَهــم‪َ ،‬‬

‫الخشــب الثقيــل مربــوط بحبــال وأخــذوا يدفعــون بــه البــاب لكــي يكســر‪.‬‬

‫قال يوبا‪ :‬يجب أن نلحق به قبل أن يهرب من المنفذ اآلخر‪.‬‬

‫أحس ّ‬
‫أنها في خطر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قال مانو‪ :‬من فضلك يا يوبا يجب أن أنقذ إيناس‪،‬‬

‫قال‪ :‬يوبا ال تقلق يا صديقي‪ ،‬أنا أعرف مكانها‪.‬‬


‫ســر البــاب ودخلنــا ّ‬
‫كلنــا كالوحــوش ننقـ ّ‬
‫ـض علــى الحــرّ اس الموجوديــن فــي‬ ‫ُك ِ‬

‫الداخــل‪ ،‬ذهبــت أنــا ويوبــا وأجــراد نبحــث عــن إينــاس مــن ّ‬


‫ثــم نبحــث عــن‬

‫إيديــر‪ ،‬أمــر يوبــا باقــي المقاتليــن بإغــاق ّ‬


‫كل أبــواب القصــر‪ ،‬أمّ ــا عــن المنفــذ‬

‫الــذي يســتعمله إيديــر للهــروب فقــد أرســل وراءه أحــد المقاتليــن الذيــن كانــوا‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪96‬‬


‫كل مــكان وفــي ّ‬
‫كل شــبر وفــي‬ ‫يعملــون معــه فــي القصــر‪ .‬بدأنــا نبحــث عنــه فــي ّ‬

‫ّ‬
‫كل غرفــة فــي القصــر‪ ،‬حتــى ســمعنا صــراخ إينــاس وهــي تطلــب النجــدة فــي‬
‫الطابــق األخيــر الــذي يأخــذ لســطح القصــر‪ ،‬انطلقنــا ّ‬
‫كلنــا نصعــد الــدرج بذعــر‪،‬‬

‫مانــو كان أوّ ل مــن انطلــق‪ ،‬وصلنــا إلــى الســطح وجدنــا إيديــر ممســكا بإينــاس‬
‫مــن الخلــف واضعــا خنجــرا فــي رقبتهــا‪ ،‬وقفنــا ّ‬
‫كلنــا فــي الســطح وفــي األســفل‬

‫مقاتلونــا وســكان المدينــة‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم قــال إيديــر‪:‬‬

‫‪N‬‬
‫‪ -‬سوف أقطع عنقها إن اقترب أحدكم‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫قــال مانــو‪ :‬اتركهــا أيّ هــا المجــرم‪ ،‬هــل ســتقتل ابنتــك؟ اتركهــا فــا مجــال لــك‬

‫للهــرب بعــد اآلن‪ ،‬أقســم لــك إن أصابهــا مكــروه فســوف أجعــل مــن جثتــك‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫طعامــا للذئــاب‪.‬‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫قــال يوبــا ناظــرا إلــى مانــو‪ :‬هــي ليســت ابنتــه‪ ،‬أيّ هــا الحقيــر لقــد اختطفهــا مــن‬

‫والديهــا وهــي صغيــرة‪.‬‬

‫إيناس تبكي وتطلب من مانو التدخل إلنقاذها‪ ،‬قال إيدير صارخا‪:‬‬


‫ّ‬
‫سأجفف نسلكم أيّ ها النوميديون‪.‬‬ ‫‪ -‬ستموتون جميعا‪ ،‬أعدكم ّ‬
‫أنني‬

‫رحنــا نتق ـ ّدم لــه ببــطء وهــو يرجــع للــوراء‪ ،‬ســحب يوبــا مــن خصــره خنجــرا‬

‫صغيــرا وضعــه فــي كــف يــده‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم اصطــدم إيديــر بحافــة صغيــرة ففقــد توازنــه‬

‫وســقط أرضــا‪ ،‬تحــررت إينــاس مــن يــده‪ ،‬مــا إن حــاول أن ينهــض ليمســكها مــن‬

‫جديــد حتــى أرســل لــه يوبــا خنجــرا اســتقر فــي رأســه أرداه قتيــا‪.‬‬

‫ســقط إيديــر جثــة هامــدة‪ ،‬نهضــت إينــاس تجــري نحــو مانــو واحتضنتــه‪،‬‬

‫راح ينظــر إليهــا بنظــرات الشــوق‪ ،‬وهــي تبكــي وتشــكو لــه مــاذا حــدث لهــا فــي‬
‫غيابــه‪ ،‬وقفنــا ّ‬
‫كلنــا نراقبهمــا بصمــت ثـ ّ‬
‫ـم قلــت‪:‬‬

‫‪97‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬إيــه يــا زهــري‪ ،‬خــاص يــا خويــا راح ديرلنــا فيلــم تركــي‪ ،‬العبــد عنــدو جفــاف‬

‫عاطفــي هــا شــوية قــدر أســي‪.‬‬

‫إلي كالهما‪ّ ،‬‬


‫ثم قلت‪:‬‬ ‫ضحك مانو ونظرا ّ‬
‫‪ -‬المهم متى نقيم عرسكما؟ عندي مدة ما رقصتش‪.‬‬

‫قــال يوبــا‪ :‬اليــوم عندنــا عرســين‪ ،‬عــرس مانــو وإينــاس وعــرس الشــعب‬

‫‪F‬‬
‫بالســيطرة علــى المدينــة‪ ،‬عرســنا األكبــر هــو اســتعادة كافــة أراضينــا‪.‬‬

‫كل الموجوديــن فــي ســاحة‬

‫‪K‬‬‫‪A‬‬
‫وقــف يوبــا فــي حافــة الســطح وقــال مخاطبــا ّ‬

‫‪A‬‬
‫المعركــة‪:‬‬

‫ـميا ّ‬
‫أننــا قمنــا بالســيطرة علــى المدينــة‪،‬‬
‫‪H‬‬
‫‪ -‬يــا شــعب نوميديــا العريــق أعلــن رسـ ًّ‬

‫‪T‬‬
‫‪U‬‬
‫ومدينتكــم هــي ســيرتا عاصمــة دولتنــا نوميديــا‪ ،‬لــن تصبحــوا مجهولــي الهويــة‬

‫‪O‬‬
‫بعــد اآلن ولــن يختطــف أبناءكــم بعــد اآلن‪ ،‬رحلــة األلــف ميــل تبــدأ بميــل‪ ،‬اآلن‬

‫‪-L M‬‬
‫تــم قطــع أوّ ل رأس للعصابــة‪ ،‬يجــب علينــا أن نتكاثــف ّ‬
‫كلنــا لنســتعيد‬ ‫بعدمــا ّ‬

‫‪E‬‬
‫أراضينــا‪.‬‬

‫@‬
‫انفجــرت المدينــة بالصــراخ والصخــب وامتزجــت أصــوات ضحكاتهــم‬

‫وفرحهــم مهلليــن ويرقصــون ويقفــزون لمــا ســمعوه مــن يوبــا‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم أشــار يوبــا‬

‫بيــده فــي الســماء لكــي ينصتــوا لــه وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬أترك الكلمة لصديقنا ومفجر ثورتنا المباركة أسامة ليشرح لكم‪.‬‬

‫إلي يوبا ألتق ّدم‪ ،‬فقلت‪:‬‬


‫أشار ّ‬
‫‪ -‬يا خويا خلينا‪ ،‬العبد يحشم‪ ،‬نبدا نهدر وواحد يقول قيو وكذا منا‪.‬‬

‫هيا تق ّدم‪.‬‬ ‫قال‪ّ :‬‬


‫إنهم ينتظرونك‪ّ ،‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪98‬‬


‫تق ّدمــت إلــى الحافــة ونظــرت إليهــم‪ ،‬كانــوا جمعــا غفيــرا يملــؤون ّ‬
‫كل شــبر مــن‬

‫ـي وينتظــرون مــا ســأقوله لهم‪.‬‬


‫تلــك المنطقــة‪ ،‬ينظــرون إلـ ّ‬
‫قلــت‪ :‬الســام عليكــم‪ ،‬كــي راكــم صافــا غايــة؟ ح ّدثــت نفســي قائــا‪ :‬أحــم‬

‫أحشــم بــركا بــا جياحــة‪ ،‬شــد روحــك حاســب روحــك ســولكينج وال‪ .‬ثـ ّ‬
‫ـم وضــع‬

‫شــخص يــده علــى كتفــي قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬اطلق لسانك برك نعرفك توباك في الهدرة‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫اســتدرت ناحيتــه فــإذا بــه رمــزي‪ ،‬الرهــج صاحبــي ‪ ،‬فقلــت‪ :‬مــاش كنــت مريــض‬

‫‪LO‬‬
‫وخالصلــك الــدم ولينــا نشــربولك فــي عصيــر الرمــان ولقلنالــك الشــهادة‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫ضحك وقال‪ :‬أهدر مع الناس من بعد ساهل‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫اســتدرت نحوهــم وقلــت‪ :‬هنيئــا لكــم بهــذا النصــر العظيــم‪ ،‬لقــد كنتــم يــدا‬

‫‪O‬‬ ‫واحــدة رجــاال ونسـ ً‬


‫ـاء وشــبابا‪ ،‬وهــذا هــو جوهــر النصــر‪ ،‬كمــا قــال السـ ّـيد يوبــا‬

‫‪R‬‬
‫‪B‬‬
‫أن األعــداء لــن يتركوكــم وشــأنكم‪ ،‬يجــب‬
‫اليــوم هــو عرســكم‪ ،‬لكــن فلتعلمــوا ّ‬

‫عليكــم أن تواصلــوا الكفــاح‪ ،‬هنــاك شــيء يجــب أن تعلمــوه‪ .‬صمــت لســاني‬

‫برهــة والتفــت إلــى يوبــا وأشــرت لــه لكــي يأتــي بقربــي‪ ،‬وضعــت يــدي علــى‬

‫كتفــه وقلــت بصــوت عــال‪:‬‬

‫إن وطنكــم كبيــر جــدا‪،‬‬


‫‪ -‬يوبــا هــو مــن ســيقود مملكتكــم إلــى بــر األمــان‪ّ ،‬‬

‫إخوانكــم فــي المــدن األخــرى ينتظــرون منكــم تحريرهــم‪ ،‬يجــب أن تتوحــدوا‬


‫ّ‬
‫كلكــم فــي ّ‬
‫كل بقــاع هــذا الوطــن فمملكتكــم ذات شــأن عظيــم ويجــب أن تكــون‬

‫كذلــك‪ ،‬أتم ّنــى منكــم أن تق ّدمــوا والءكــم الخالــص لقائدكــم فيومــا ما ســتجنون‬

‫ثمــار كفاحكــم‪.‬‬

‫‪99‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫بــدأ أهــل المدينــة والشــعب عامّ ــة بإلقــاء شــعارات يدعمــون فيهــا يوبــا‬

‫ومقاتليــه‪ .‬عــادت الحيــاة إلــى مجراهــا وانتهــى عصــر إيديــر‪ ،‬أصبــح النــاس‬

‫يعيشــون حياتهــم دون خــوف‪ّ ،‬‬


‫اتخــذ يوبــا مــن قصــر إيديــر الســابق مقــرا لــه‬
‫ـم اآلالف مــن شــباب المدينــة وتج ّنــدوا ّ‬
‫كلهــم دفاعــا عــن‬ ‫ولمقاتليــه‪ ،‬كمــا انضـ ّ‬
‫مملكتهــم ومدينتهــم‪ّ ،‬‬
‫كلــف يوبــا أجــراد بحمايــة حــدود المدينــة‪ ،‬كمــا أرســل‬

‫‪F‬‬
‫مجموعــة مــن المقاتليــن األذكيــاء لكــي يتجسســوا علــى تاشــفين قائــد الجهــة‬

‫‪A‬‬
‫أن يوبــا ومقاتليــه ليســو باألعــداء الذيــن‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫ألن الحــرب القادمــة ســتكون ضــده‪ ،‬وأكيــد أن تاشــفين علــم كيــف‬
‫الغربيــة ّ‬

‫كانــت نهايــة إيديــر فلقــد أصبــح يعلــم ّ‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫ُيســتهان بهــم‪.‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫عدت أنا ورمزي ومانو إلى المخبزة‪ ،‬استعادت المخبزة نشاطها وزبائنها‪.....‬‬

‫بعــد عــدة أيّ ــام حــان وقــت عــرس مانــو وإينــاس‪ ،‬طلــب يوبــا مــن مانــو بــأن‬

‫‪-L M‬‬
‫يقيــم عرســه فــي القصــر إكرامــا لــه وتقديــرا لمــا ق ّدمــه فــي القتــال‪ ،‬لك ّنــه ّ‬
‫فضــل‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫أن يقيمــه فــي بيــت أمّ ــه‪ ،‬نهضنــا صباحــا أنــا ورمــزي‪ ،‬متحمســين‪.‬‬

‫قلت لرمزي‪ :‬أسمع وين راهي القمجة البيضا تاعي؟‬

‫قال رمزي بارتباك‪ :‬ماعالباليش يا خويا‪ ،‬عالبالك مانلبسش القمايج‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وين راحت؟ تبخرت؟‬

‫قال‪ :‬يا خويا درك نهبطو للسوق نشرو وحدة‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬مــا تمســخرش بيــا‪ ،‬شــريتها بخمســين دينــار‪ ،‬دوريجيــن هاديــك‬

‫خدمتهالــي تاليــس هاديــك لــي فــي الدخلــة تــاع المدينــة‪.‬‬


‫ّ‬
‫قلبــت ّ‬
‫كل شــبر فــي الغرفــة حتــى لمحــت شــيئا أبيضــا تحــت ســرير رمــزي‪،‬‬

‫ســحبته وجدتــه قميصــي فيــه بقعــة ســوداء‪ ،‬اســتدرت ناحيتــه وقلــت‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪100‬‬


‫‪ -‬هللا يسود أيامك‪ ،‬يعني تخدم غير الكحلة‪.‬‬

‫ضحــك وقــال‪ :‬وهللا غيــر جيــت نديــر فيــك مزيــة نحددهالــك أيــا تحرقــت‪ ،‬درك‬

‫نــروح نشــريلك وحــدة‪.‬‬

‫خرجنــا مــن المحــل وذهبنــا لشــراء مالبــس جديــدة لنحضــر عــرس مانــو‪ ،‬مــن‬

‫ثـ ّ‬
‫ـم توجهنــا إلــى بيتــه حيــث كان ينتظرنــا بلهفــة‪ ،‬مــا أن وصلنــا حتــى احتضننــا‬

‫فرحــا وقــال‪:‬‬

‫‪N‬‬ ‫‪ -‬لماذا تأخرتما؟‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫قلت‪ :‬هذا حرقلي القميص تاعي‪.‬‬

‫قال رمزي‪ :‬إيه طرف قماش راح ديرلي عليه قفة حس‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫قلت‪ :‬بال جدك غير تخسرها‪ ،‬غير نرجعو للخدمة نحيلك خدمة تاع يومين‪.‬‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫هيا ُك ّفا عن الجدال وتعاال‪.‬‬
‫ضحك مانو وقال‪ّ :‬‬
‫دخلنــا إلــى بيــت مانــو واتجهنــا إلــى البــاب الخلفــي الــذي يطـ ّ‬
‫ـل علــى حديقــة‬ ‫ّ‬
‫متوســطة نوعــا مــا ومحاطــة بشــجيرات صغيــرة وجيــران مانــو يزينــون‬

‫الســاحة التــي ســيقام فيهــا العــرس‪ ،‬والــدة مانــو اســتعادت عافيتهــا وراحــت‬

‫تســتكلف بأمــور مأدبــة الطعــام‪ ،‬انضممنــا أنــا ورمــزي أيضــا إلــى التحضيــرات‪،‬‬

‫أحضرنــا طاولــة كبيــرة وطويلــة لكــي يضعــوا فيهــا الطعــام‪ ،‬فــي المســاء جــاء‬

‫يوبــا وأجــراد ومعــه مجموعــة مــن المقاتليــن أصدقاؤنــا‪ ،‬وراحــوا يق ّدمــون لــه‬

‫التهانــي‪.‬‬

‫جــاءت العــروس صاحبــة الفخامــة بحلــة بيضــاء تمشــي بحيــاء وخلفهــا‬

‫مجموعــة مــن النســاء يتزيّ ــن بحليهــن ومالبســهن البرّ اقــة ويغ ّنيــن ويحملــن في‬

‫أيديهــن الطبــول‪ ،‬كان مانــو يجلــس فــي كرســي طويــل فــوق منصــة وأمامــه‬

‫‪101‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫الكرســي الخــاص برفيقــة دربــه‪ ،‬كنــت أنــا واقفــا أمامــه ثـ ّ‬
‫ـم قــال‪:‬‬
‫هيا يا صديقي‪ ،‬هذه فرصتك لتختار عروسك‪ ،‬انظر ّ‬
‫كلهن جميالت‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬

‫قلت‪ :‬ياخويا تحيا بنت بالدي‪ ،‬يا حصراه تاعنا شابات على هادو بزاف‪.‬‬

‫لكن نساءنا أجمل‪.‬‬


‫ّ‬ ‫قال‪:‬‬

‫قلــت‪ :‬فــي هــادي غيــر ماتناقــش خويــا الروجــي‪ ،‬بنــات بــادي حاجــب وعوينــة‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫يــا داللي‪.‬‬

‫‪K‬‬
‫ضحك وقال‪ً :‬‬
‫إذا نادِ رمزي ليختار عروسته‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫نظــرت إلــى رمــزي وقلــت‪ :‬إيــه رمــزي كــي يشــوف الماكلــة يــروح عقلــو أو يبلــع‬

‫‪H‬‬
‫‪U‬‬ ‫‪T‬‬
‫ويعــاود ماشــكيتش إال يشــوف مــع النســاء‪.‬‬

‫كان حفــا رائعــا حتــى صمــت الصخــب فــي لحظــة عندمــا ســمعنا أحــد‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫األشــخاص يصــرخ مــن بعيد‪،‬جــاء يجــري ويلهــث‪ ،‬وقــف أمامــي قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬لقد جاؤوا‪ ،‬لقد جاؤوا‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫قلت‪ :‬شكون جا؟ قول‪.‬‬

‫قــال‪ :‬جيــش تاشــفين‪ّ ،‬‬


‫إنهــم يقتربــون مــن أســوار المدينــة‪ ،‬معهــم عــدد كبيــر‬

‫مــن الجنــود‪...‬‬

‫إلــي‪،‬‬ ‫وقــف ّ‬
‫كل المدعــوون مذعوريــن‪ ،‬نظــرت إلــى رمــزي وهــو بــدوره نظــر‬
‫ّ‬
‫وقــف مانــو مــن الكرســي وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬لــن يتوقــف ذلــك الحقيــر حتــى يســتعيد المدينــة‪ ،‬فهــو يملــك مــن الجنــود‬

‫والعتــاد مــا ال يملكــه يوبــا وال يحلــم بامتالكــه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ما بك؟ هل أنت خائف؟‬

‫قال‪ :‬ال لست خائفا‪ ،‬لكن‪...‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪102‬‬


‫قلــت مخاطبــا ّ‬
‫كل المتواجديــن فــي الحفــل الذيــن أربكهــم كالم مانــو وراحــوا‬
‫ّ‬
‫يتكلمــون فيمــا بينهــم‪:‬‬

‫هــل كنتــم تظنــون يومــا ّ‬


‫أنكــم تعيشــون فــي دولــة اســمها نوميديــا؟ هــل كنتــم‬
‫ّ‬
‫تتغلبــون علــى مــن كان يخطــف أبناءكــم؟ العــدوّ يبقــى‬ ‫تظنــون ّ‬
‫أنكــم ســوف‬
‫ّ‬
‫التغلــب عليــه بالوقــوف فــي‬ ‫عــدوّ ا مهمــا كانــت قوّ تــه وجبروتــه‪ ،‬لكــن يمكنكــم‬

‫وجهــه ال الهــروب منــه‪ ،‬أعلــم ّ‬


‫أنــه يملــك القــوة بينمــا نحــن ضعفــاء فــي نظــره‪،‬‬

‫‪N‬‬
‫لكــن هــل تريــدون العــودة إلــى حيــاة الظلــم والخــوف التــي كنتــم تعيشــونها؟‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫تاشــفين هــو العــدوّ الــذي إذا تغلبتــم عليــه ستكتشــفون أراضيكــم األخــرى‪ ،‬ال‬

‫مــكان للخــوف بعــد اآلن‪ ،‬اســتع ّدوا للقتــال كمــا قاتلتــم فــي المــرة الســابقة‪.‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫تغيرت مالمحهم بعدما شحنتهم بهذه الكلمات‪ ،‬أشرت لرمزي قائال‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫هيا نروحو عند يوبا نشوفو واش كاين‪.‬‬

‫أغير مالبسي وأذهب معكما‪.‬‬


‫قال مانو‪ :‬انتظراني‪ ،‬سوف ّ‬
‫‪ّ -‬‬

‫قلــت‪ :‬ال صاحبــي‪ ،‬ريّ ــح طرونكيــل‪ ،‬اليــوم هــو اليــوم الــذي كنــت تنتظــره‬

‫وتتمنــاه‪ ،‬ال يمكــن أن تحــرم نفســك وزوجتــك منــه‪ ،‬ســأتكفل أنــا ورمــزي باألمــر‪.‬‬

‫امتطينــا األحصنــة وانطلقنــا بأقصــى ســرعتنا نحــو قصــر يوبــا‪ ،‬وصلنــا ّ‬


‫ثــم‬

‫دخلنــا‪ ،‬قــال لــي أحــد المقاتليــن‪:‬‬

‫سيدي يوبا ينتظرك في الطابق األخير‪.‬‬


‫‪ّ -‬‬

‫دخلنــا إلــى الغرفــة التــي فيهــا يوبــا‪ ،‬وجدتــه واقفــا أمــام النافــذة واضعــا يديــه‬

‫خلفــه ومعــه أجــراد جالــس علــى الكرســي ممســك خنجــرا بيــده يغرســه فــي‬

‫مخيــم وســطهما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الطاولــة والصمــت‬

‫قال رمزي‪ :‬واش راكم شوية مع العشية؟‬

‫‪103‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫لم يجيبا ّ‬
‫ثم استدار يوبا ناحيتنا وقال بتنهد‪:‬‬

‫إن جيش تاشفين قادم‪.‬‬


‫‪ّ -‬‬

‫قلت‪ :‬آه ولمَ القلق؟ ياك راهو بنادم ماش دينصور‪.‬‬

‫قال رمزي‪ :‬ولمَ الخوف؟ سنقاتله كما قاتلنا إيدير‪.‬‬

‫وقــف أجــراد وقــال‪ :‬إيديــر كان بمثابــة حشــرة بالنســبة لتاشــفين‪ّ ،‬‬
‫كل العتــاد‬

‫الغربيــة‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪F‬‬
‫والجنــود التــي كان يرســلها إليديــر كانــوا يأتــون بهــا مــن الناحيــة‬

‫‪A‬‬
‫‪K‬‬
‫القائــد األعلــى يثــق بتاشــفين لهــذا يقــ ّدم لــه ّ‬
‫كل مايحتاجــه‪.‬‬

‫‪H‬‬‫‪A‬‬ ‫قلت‪ :‬متى سيأتي؟‬

‫‪U‬‬ ‫‪T‬‬ ‫قال‪ :‬سيكون هنا بعد عشرة أيّ ام‪.‬‬

‫قلــت لرمــزي‪ :‬ســما الهــم هــداك تمســخر بينــا طلعنــا الســكر فــي الباطــل‪ ،‬أنــا‬

‫‪O‬‬
‫بديــت نشــوفي بــاش نشــطح وهــو جــا رمــا علينــا الخبــر تاعــو‪ ،‬كان غيــر جــا‬

‫‪-L M‬‬ ‫صحيــح ماعليــش‪.‬‬

‫@‬‫ّ‬
‫‪E‬‬
‫كل األبــواب‪ ،‬لــن‬
‫جلس يوبا وقال‪ :‬يجب أن نجد حلوال قبل أن يصل‪.‬‬

‫قــال رمــزي‪ :‬المدينــة محاطــة بأســوار قويّ ــة‪ ،‬فلنغلــق‬

‫يســتطيعوا الولــوج إلينــا‪.‬‬

‫قــال أجــراد‪ :‬تاشــفين يملــك عــددا معتبــرا مــن المجانيــق‪ ،‬لــن تصمــد أســوارنا‬
‫أمــام ضرباتــه‪ .‬قلــت‪ً :‬‬
‫إذا فلنصنــع نحــن أيضــا مجانيقــا مــا دام لــم يأتــوا بعــد‪.‬‬

‫قــال‪ :‬نســتطيع أن نبنــي المجانيــق لكــن ال تنســى ّ‬


‫أنهــم سيســقطون أســوارنا‬

‫ال محالــة‪.‬‬
‫قلت‪ً :‬‬
‫إذا يجب أن نبتكر شيئا ما يمنعهم من الوصول إلى المدينة‪.‬‬

‫قال يوبا‪ :‬ماذا تقصد؟‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪104‬‬


‫قلــت‪ :‬يجــب أن نقاتلهــم خــارج المدينــة‪ّ ،‬‬
‫ألنهــم إذا اســتطاعوا الدخــول إلينــا‬

‫ســيدمروننا‪.‬‬

‫ثم خطرت في رأسي فكرة وقلت‪:‬‬ ‫ّ‬


‫أفكر في حل ما ّ‬ ‫جلست‬

‫نقسمهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أن جيش تاشفين كبير يجب أن‬
‫جيدة‪ ،‬بما ّ‬
‫لدي خطة ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬

‫إلي رمزي وقال‪ :‬كيفاش نقسموهم؟‬


‫نظر ّ‬
‫طلبت من يوبا قلما وورقة وبدأت الرسم وقلت‪:‬‬

‫‪N‬‬
‫‪ -‬لنفتــرض أن هــذه هــي ســاحة المعركــة‪ ،‬جيــش تاشــفين هنــا وجيشــنا هنــا‪،‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪LO‬‬
‫ســوف نضــع كميــة كبيــرة مــن الزيــت الــذي يشــتعل عندمــا تلمســه ال ّنــار‪.‬‬

‫‪L‬‬ ‫أجراد ويوبا ورمزي يستمعون بتمعن‪ّ ،‬‬


‫ثم قلت‪:‬‬

‫‪U‬‬
‫‪ -‬أكيــد ســيضعون المجانيــق فــي المق ّدمــة وجــزء مــن الجيــش واقــف أمامهــا‪،‬‬

‫‪O‬‬
‫‪R‬‬
‫نحــن ســنضع الزيــت فــي وســط الســاحة فــي مــكان وقــوف الجــزء األوّ ل الــذي‬

‫‪B‬‬ ‫سيسـ ّ‬
‫ـتكلف بأمــر المجانيــق‪ ،‬والجــزء اآلخــر ســيبقى فــي الخلــف ريثمــا تنتهــي‬

‫مهمــة المجانيــق‪ ،‬سيرســل رجالنــا مجموعــة مــن الســهام الملتهبــة فــي مــكان‬

‫الزيــت‪ ،‬ستشــتعل تلــك المنطقــة و فــي تلــك اللحظــة سينقســم جيشــهم إلــى‬

‫جزئيــن جــزء يبقــى فــي المق ّدمــة والجــزء اآلخــر ســيبقى فــي الخلــف ّ‬
‫ألنــه لــن‬

‫يســتطيع تجــاوز اللهــب‪ ،‬ســوف نصنــع باربيكيــو تــاع عبــاد‪ ،‬ســتكون لنــا فرصــة‬

‫ّ‬
‫ونخصــص مجموعــة كبيــرة مــن رمــاة‬ ‫جيــدة للهجــوم عليهــم بمجانيقنــا‪،‬‬
‫ّ‬
‫الســهام يتمركــزون ّ‬
‫كلهــم فــي فــي أســوار المدينــة‪ ،‬ســتكون مهمتهــم عرقلــة‬

‫تق ّدمهــم‪.‬‬

‫جيدة لكن ماذا بعد أن تجاوزوا اللهب؟‬


‫قال يوبا‪ :‬فكرة ّ‬

‫‪105‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قلــت‪ :‬ســنقوم بحفــر خنــدق يبعــد عــن أســوار المدينــة بعشــرين متــرا‪ ،‬ســنضع‬

‫فيــه عصــي حــادة وطيــن مبللــة‪ ،‬فتاشــفين ســيلجأ لتسـ ّـلق الحيطــان بعــد أن‬

‫يفشــل فــي تدميــر األبــواب‪.‬‬

‫جيــدة جــدا‪ ،‬لــم يســبق لــي أن ســمعت بجيــش قــام‬


‫تبســم أجــراد وقــال‪ :‬خطــة ّ‬
‫ّ‬

‫بهــا‪.‬‬

‫الحربيــة‪ ،‬لكنــك‬
‫ّ‬ ‫أنــك فاشــل فــي وضــع الخطــط‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫قــال يوبــا‪ :‬قلــت لــي مــن قبــل ّ‬

‫ـن تطبيقهــا علــى أرض الواقــع‬


‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬ ‫ـري يــا صديقــي‪.‬‬
‫عبقـ ّ‬

‫ضحكــت وقلــت‪ :‬هــي تبــدو ســهلة علــى الــورق لكـ ّ‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫ّ‬


‫يتطلــب م ّنــا الحنكــة وعــدم التســرّ ع‪.‬‬

‫‪U‬‬ ‫قــال‪ً :‬‬


‫إذا سنباشــر غــدا العمــل‪ ،‬ســنجمع ّ‬
‫كل ســكان المدينــة‪ ،‬يجــب علينــا أن‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫ننهــي العمــل قبــل أن يأتــي تاشــفين وجيشــه‪.‬‬

‫إلي رمزي وقال‪ :‬واش راك تاكل هاد األيّ ام؟ راك غير تخطط وتعاود‪.‬‬
‫نظر ّ‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫هيا نروحو للمحل‪ ،‬راني عيان ميت حاب نرقد‪.‬‬
‫تبسمت وقلت‪ّ :‬‬

‫ثم قلت ليوبا‪ :‬سنأتي غدا صباحا لنبدأ العمل‪ ،‬ليلتكم سعيدة‪...‬‬

‫عدنــا إلــى المخبــزة أنــا ورمــزي‪ ،‬ســقطت فــي فراشــي متعبــا‪ ،‬بقينــا نتبــادل أنــا‬

‫ّ‬
‫وكل واحــد فينــا ينظــر إلــى الســقف‪.‬‬ ‫ورمــزي األحاديــث‬

‫قــال رمــزي‪ :‬عــاه الخبــز كــي نســهر حتــى لســبعة تــاع الصبــاح نلقــاه نورمــال‬

‫وكــي نرقــد ونــوض نلقــاه صابــح؟ ويــن عالبالــو بلــي رقدنــا؟‬

‫قلــت‪ :‬مــا ترقــدش بــاش يبقــى كيمــا راه ونبيعــو القديــم‪ ،‬ارقــد ارقــد بــركا بــا‬

‫تبهليــل‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪106‬‬


‫اســتيقظنا صباحــا علــى أصــوات المقاتليــن يدعــون ال ّنــاس مــن شــارع آلخــر‬

‫للمســاعدة فــي تطبيــق مــا تح ّدثنــا عنــه البارحــة‪ .‬اســتيقظت أنــا وبقــي رمــزي‬
‫ّ‬
‫يتقلــب فــي فراشــه‪.‬‬

‫جاء مانو وقال‪ :‬صباح النشاط يا رفاقي‪.‬‬

‫قلت‪ :‬صباح البونجوغ‪ ،‬خير عاله جيت؟‬

‫ـن وطنــي بحاجــة‬ ‫قــال‪ :‬أعلــم ّ‬


‫أننــي يجــب أن أكــون فــي البيــت مــع زوجتــي لكـ ّ‬

‫‪N‬‬
‫‪LO‬‬
‫ـي‪.‬‬
‫إلـ ّ‬
‫قلــت‪ :‬إيــه مانــو البوانــت يــا خويــا‪ ،‬كيــف كانــت ليلــة البارحــة ؟ هــل اســتمر‬

‫‪U‬‬ ‫‪IL‬‬ ‫حفــل زفافــك؟‬

‫‪O‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬لكن دونكما لم يستمر طويال‪.‬‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫قلــت‪ :‬ال عليــك‪ ،‬المهــم تزوجــت‪ ،‬روح نــوّ ض الحجــرة هــاداك‪ ،‬ميــن داك نحســو‬

‫مورصــو عجينــة قاعــدة طيــب‪.‬‬

‫خرجنــا ثالثتنــا وتوجهنــا نحــو قصــر يوبــا‪ ،‬كان فــي انتظارنــا‪ ،‬كان ال ّنــاس‬

‫يأتــون مــن ّ‬
‫كل صــوب نحــو ســاحة القصــر متجمعيــن‪ ،‬خــرج إليهــم يوبــا مــن‬

‫شــرفة القصــر وخاطبهــم قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬يــا ســكان المدينــة‪ ،‬كمــا قــال لكــم المقاتلــون‪ ،‬جيــش تاشــفين قــادم بعــد أيّ ــام‪،‬‬

‫يجــب علينــا أن نكــون متأهبيــن للحــرب‪ ،‬بمــا ّ‬


‫أنهــم يفوقوننــا عــددا وقــوة يجــب‬

‫علينــا أن نتحايــل عليهــم‪ ،‬ســنقوم بوضــع خطــة محكمــة‪ ،‬اآلن يجــب أن نقســم‬

‫المهــام‪ّ ،‬‬
‫كل مجموعــة تقــوم بعمــل مــا‪.‬‬

‫‪107‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫يلبــون نــداء الواجب‪ُ ،‬جمِ عت‬ ‫كل المحــات والنشــاطات وراحــوا ّ‬
‫كلهــم ّ‬ ‫ُأ ْ‬
‫غلقــت ّ‬

‫كميــة كبيــرة مــن الزيــت المشــتعل‪ ،‬وقــام الســكان بإخراجهــا فــي العربــات‪،‬‬
‫ّ ُ‬
‫ـم أمِ ــرت مجموعــة أخــرى لكــي يحضــروا‬‫ذهبــت معهــم ألريهــم أيــن يســكبونها‪ ،‬ثـ‬

‫لنغطــي بهــا الزيــت لكي ال ُتكتشــف خطتنــا‪ ،‬في حين‬


‫ّ‬ ‫كميــة معتبــرة مــن العشــب‬

‫كان الفريــق اآلخــر يحفــر خندقــا كمــا قلنــا فــي المــرة الســابقة‪ ،‬الـ ّ‬
‫ـكل نشــيط‬
‫تكفلــن بالطعــام ورُ ْحــن يصنعــن مــا ّ‬
‫لــذ وطــاب‬ ‫ّ‬
‫‪F‬‬
‫ومتعطــش للحريــة‪ ،‬ال ّنســاء‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫ويرســلنه مــع األطفــال للســكان المشــاركين فــي العمــل‪ ،‬مانــو ورمــزي كانــا‬

‫منهمكيــن مــع الفريــق الــذي ُك ّلــف بصنــع العصــي الحــادة‪ ،‬فــي الجهــة األخــرى‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫مجموعــة مــن الشــباب كانــوا ّ‬
‫يبللــون التــراب ويدعســونه بأحصنتهــم ليصنعــوا‬

‫كل األعمــال‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫طينــا لزجــا لنضعــه الحقــا فــي الخنــدق‪ ،‬كانــت أيّ ــام متعبــة‪ ،‬لكــن ّ‬

‫انتهــت فــي الوقــت المناســب‪ ،‬أتــى خبــر مــن المقاتليــن الذيــن يحرســون حــدود‬

‫‪-L M‬‬
‫ـأن تاشــفين وجيشــه ســيصلون صباحــا‪ ،‬انضـ ّ‬
‫ـم الكثيــر مــن الشــباب‬ ‫المدينــة بـ ّ‬

‫‪E‬‬
‫ألي طــارئ‪ ،‬خــرج يوبــا وأجــراد وبعــض‬
‫تحســبا ّ‬
‫ّ‬
‫والرجــال هــذه المــرة وتسـ ّـلحوا ّ‬
‫كلهــم‪ ،‬كانــت المبانــي وأســطح المنــازل تحتــوي‬

‫@‬ ‫علــى أعــداد كبيــرة مــن الرمــاة‬


‫المقاتليــن وصعــدوا ّ‬
‫كلهــم علــى الــدرج ووقفــوا يراقبــون خــارج المدينــة‪،‬‬

‫كنــت أنــا ومانــو ورمــزي معهــم ثـ ّ‬


‫ـم ســمعنا صــوت الخيــول وهــي تقتــرب‪ ،‬غبــار‬

‫يتصاعــد شــيئا فشــيئا‪ّ ،‬‬


‫دق ناقــوس الخــوف فــي قلوبنــا فــي تلــك اللحظــة لكــن‬
‫ســرعان مــا اســتعدنا شــجاعتنا‪ ،‬كان رماتنــا يقفــون ّ‬
‫كلهــم متسلســلين علــى‬

‫حائــط المدينــة ســاحبين ســهامهم التــي ُع ّلقــت فــي ّ‬


‫كل رأس منهــا قطعــة‬

‫ـي ملتهبــة موضوعــة أمامهــم‪.‬‬


‫قمــاش صغيــرة ســريعة االلتهــاب وأمامهــم عصـ ّ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪108‬‬


‫كلهــم بعيديــن ع ّنــا حوالــي مئتــي متــر‪ ،‬أرســل‬ ‫ّ‬
‫وتوقفــوا ّ‬ ‫وصــل جيــش تاشــفين‬

‫تاشــفين أحــد جنــوده وجــاء يتق ـ ّدم إلينــا فــوق حصانــه‪ ،‬وقــف أمامنــا وقــال‪:‬‬

‫سيدي تاشفين يأمركم باالستسالم‪.‬‬


‫‪ّ -‬‬

‫ضحك يوبا وقال‪ :‬نستسلم؟ بل قل له هو أن يستسلم‪.‬‬

‫أجــاب الجنــدي قائــا‪ :‬السـ ّـيد تاشــفين ال يرحــم مــن يتمــرد‪ ،‬إذا لــم تستســلموا‬

‫ســوف ندعــس رؤوســكم بأحصنتنــا‪.‬‬

‫لسيدك أن يتجرع الماء ّ‬


‫ألنني ال أريد أن أقتله وهو ضمآن‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪N‬‬‫قال يوبا‪ :‬قل‬

‫‪I‬‬ ‫‪LO‬‬
‫قال الجندي‪ :‬حسنا أنتم من أردتم ذلك وانطلق عائدا نحو جيشه‪.‬‬

‫‪L‬‬ ‫نظــر إلــي يوبــا وأنــا بــدوري نظــرت إليــه‪ّ ،‬‬


‫ركــزت بنظــري فــي المنطقــة التــي‬ ‫ّ‬

‫‪U‬‬
‫ســكبنا فيهــا الزيــت‪ ،‬تقـ ّدم جيــش تاشــفين وخــرج فريــق منهــم يجــرّ المجانيــق‬

‫‪O‬‬
‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫وأحضــر آخــرون كــرات حجريّ ــة كبيــرة‪ ،‬بينمــا تاشــفين كان واقفــا خلفهــم‬

‫ومعــه الرمــاة وحاملــي الســيوف‪ ،‬طلــب يوبــا مــن الرمــاة بأن يشــعلوا ســهامهم‪،‬‬

‫وأمرهــم برميهــا عنــد إشــارته‪ ،‬كانــت مجانيقنــا أيضــا مســتعدة لإلطــاق‪ ،‬مــا‬

‫إن اجتــازوا حاجــز الزيــت حتــى أشــار يوبــا بيــده إلــى المقاتليــن لكــي يلقــوا‬

‫ّ‬
‫كل الجنــود الذيــن كانــوا‬ ‫ســهامهم الملتهبــة‪ ،‬التهــب المــكان والتهــب معــه‬
‫يقفــون فــي تلــك المنطقــة حتــى المجانيــق التهبــت‪ ،‬صرخنــا ّ‬
‫كلنــا فرحــا ونطــق‬

‫لســاني قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬وااااه وديرو المشوي‪ .‬استدرت ناحية مجانيقنا وقلت‪:‬‬

‫ّ‬
‫كأنهــم حشــرات‪ ،‬اشــتعل‬ ‫‪ -‬أمطروهــم حجــارة‪ .‬ســقطت عليهــم تدعســهم‬

‫تاشــفين غضبــا لك ّنــه لــم يســتطع تجــاوز اللهــب المتصاعــد‪ ،‬بــدأ رماتهــم‬

‫‪109‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫يرســلون الســهام‪ ،‬أصابــت بعضنــا وجرحــت آخريــن‪ ،‬واصلنــا الرمــي بالمجانيــق‬

‫والســهام‪ ،‬بــدأ اللهــب يندثــر شــيئا فشــيئا‪ ،‬انطلــق تاشــفين وجنــوده يجــرون‬

‫نحونــا‪ ،‬رمــزي ومانــو يراقبــان الخنــدق‪ ،‬مــا إن وصلــوا حتــى ســقطوا فــي‬

‫فخنــا مــن جديــد‪ ،‬انغرســت العصــي الحــادة فــي أحصنتهــم ومنهــم حتــى مــن‬

‫ـدري‪ ،‬خــارت قواهــم‪ ،‬منهــم حتــى مــن هــرب عائــدا‪ ،‬بقــي‬


‫ّ‬ ‫اخترقــت قفصــه الصـ‬

‫‪F‬‬
‫تاشــفين ومــن معــه‪ ،‬ســحبنا ســيوفنا وخرجنــا إليهــم‪ ،‬كانــت معركــة شرســة‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫ـس تاشــفين بانهزامــه امتطــى حصانــا وانطلــق عائــدا‪ ،‬الحــظ يوبــا‬
‫وعندمــا أحـ ّ‬

‫هروبــه وقــال صارخــا‪:‬‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫‪ -‬ال يجب أن يهرب‪ ،‬اتبعوه‪.‬‬

‫‪U‬‬
‫امتطينــا األحصنــة وذهبنــا وراءه‪،‬انطلقنــا أنــا ويوبــا ورمــزي ومانــو ومعنــا‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫أجــراد وثالثــة مقاتليــن‪ ،‬كان تاشــفين يســبقنا متجهــا نحــو الغابــة الســوداء‪،‬‬

‫كان يركــض بحصانــه ويلتفــت إلينــا مــن حيــن إلــى آخــر‪ ،‬كان يوبــا يســبقنا‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫ويحمــل فــي يــده ســيفا ونظــره مُ ّ‬


‫ركــز فــي تاشــفين‪ ،‬دخــل تاشــفين إلــى الغابــة‪،‬‬

‫ّ‬
‫ثــم اســتق َبلنا مجموعــة مــن جنــوده كانــوا مختبئيــن فــي أطــراف الغابــة‪،‬‬

‫أصيــب أحــد مقاتلينــا بســهم أرســله أحــد جنــوده ووقــع مــن حصانــه‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم راحــوا‬

‫ّ‬
‫وكل واحــد فينــا يختبــئ خلــف شــجرة‪ ،‬بقينــا للحظــات‬ ‫يرســلون علينــا ســهامهم‬

‫نتبــادل رمــي الســهام‪ّ ،‬‬


‫ثــم خرجنــا نتقاتــل بالســيوف‪ ،‬كانــوا يفوقوننــا عــددا‬

‫لكــن أجــراد ويوبــا كانــا يقطعــان أعناقهــم بشراســة مــا أشــعل فــي نفوســنا‬
‫ّ‬
‫روح القتــال‪ ،‬التفــت يوبــا إلــى تاشــفين فلــم يجــد لــه أثــرا‪ ،‬خاصــة ّ‬
‫وأنــه توغــل‬

‫داخــل الغابــة ممــا يجعــل العثــور عليــه صعبــا نوعــا مــا‪ ،‬بعدمــا انتهينــا مــن أمــر‬
‫كل واحــد م ّنــا أن يســلك طريقــا للبحــث عنــه‪ ،‬وقــال ّ‬
‫بــأل‬ ‫الجنــود‪ ،‬أمــر يوبــا ّ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪110‬‬


‫ّ‬
‫كل واحــد فينــا ســلك طريقــا‪ ،‬بالنســبة‬ ‫نقتلــه فهــو يحتــاج إليــه حيــا لغــرض مــا‪،‬‬
‫لــي اتجهــت شــرقا وأنــا أحمــل فــي يــدي سـ ً‬
‫ـيفا وأراقــب المــكان بحــذر‪ ،‬كنــت‬
‫ّ‬
‫أتقلــب فــي‬ ‫أتمشــى وأراقــب مــا يوجــد أمامــي حتــى انزلقــت قدمــي ووقعــت‬

‫جــرف شــديد االنحــدار‪ ،‬مــا إن وصلــت إلــى األســفل حتــى اصطــدم رأســي‬

‫يتصبــب مــن‬
‫ّ‬ ‫بحجــر أفقدنــي وعيــي‪ ،‬اســتيقظت بعــد عــدة دقائــق‪ ،‬كان الــدم‬

‫جبهتــي مــن أثــر االصطــدام‪ ،‬وقفــت بصعوبــة فــي مكانــي وتمســكت بشــجرة‬

‫حديدي‬ ‫ـري كبيــر يتوســطه بــاب‬


‫‪N‬‬
‫كانــت خلفــي ورفعــت بصــري‪ ،‬وإذا بجــدار حجـ ّ‬

‫‪LO‬‬
‫ّ‬

‫أي لغــة هــي ومقبــض غليــظ‬


‫ذهبيــة ال أدري ّ‬
‫ّ‬ ‫دائــري منقــوش أعــاه كتابــات‬
‫ّ‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫وفتحــة مفتــاح كبيــرة‪ ،‬تق ّدمــت نحــوه أتحسســه‪ ،‬كان يبــدو قديمــا جــدا ولــم‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫أي بشــر منــذ أن شـ ّـيدوه‪ ،‬رفعــت رأســي لألعلــى رأيــت الجــرف الــذي‬
‫يصــل إليــه ّ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫ســقطت منــه‪ ،‬بــدأت أفكــر ثــم قلــت‪:‬‬

‫‪ -‬واش وصــل البــاب هــذا للغابــة؟ مايكونــش الجنــود تــاع إيديــر كانوا يخرجوا‬

‫مــن هنــا؟ مانظنــش البــاب هــذا بعيــد على ســيرتا بزاف‪.‬‬

‫ـم تحركــت مــن ذلــك المــكان ألكمــل البحــث عــن تاشــفين‪ ،‬حفظــت ّ‬
‫كل شــبر‬ ‫ثـ ّ‬

‫مــن تلــك المنطقــة‪ّ ،‬‬


‫ألننــي حتمــا ســأعود إليهــا ألكتشــف هــذا البــاب الغامــض‪،‬‬
‫ّ‬
‫تســلقته‪ ،‬ســمعت‬ ‫ســلكت طريقــا آخــرا كان عاليــا نوعــا مــا لكــن ســرعان مــا‬

‫علــي‪ ،‬اتبعــت أثــر الصــوت ّ‬


‫ثــم التقيــت بهمــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫صــوت رمــزي ومانــو يناديــان‬

‫الحظــا الجــرح الــذي فــي رأســي‪ .‬ســألني رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬واش بيه راسك؟‬

‫قلت‪ :‬والو‪ ،‬زلقت برك تبخط راسي في الشجرة‪.‬‬

‫‪111‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫هيــا‪ ،‬لنعــد أدراجنــا فيوبــا وأجــراد أمســكا‬
‫قــال مانــو‪ :‬رأســك ينــزف يــا صديقــي ّ‬

‫بتاشــفين وأرســلنا للبحــث عنــك‪.‬‬

‫لــم أرد التحـ ّدث فــي أمــر ذلــك البــاب فــي تلــك اللحظــة ّ‬
‫فضلــت أن أكتــم األمــر‬

‫حتــى تمــرّ هــذه األيّ ــام‪...‬‬

‫"ســتدفعون الثمــن غاليــا"‪ :‬قالهــا وهــو جالــس علــى األرض ويــداه مربوطتــان‬

‫‪F‬‬
‫للخلــف فــي شــجرة‪ ،‬كان أجــراد ويوبــا يقفــان قبالتــه‪ ،‬وصلــت أنــا ورمــزي‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫ومانــو‪ ،‬ألقينــا التحيــة ليوبــا‪ ،‬نظــر إلــى جبهتــي وقــال‪:‬‬

‫‪ -‬زال بأسك يا صديقي‪ ،‬هل حدث معك شيء؟‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫قلت‪ :‬ال شيء‪ ،‬خدش بسيط‪.‬‬

‫‪U‬‬ ‫نظــرت ناحيــة تاشــفين‪ ،‬كان رجــا يبــدو ّ‬


‫أنــه فــي الخمســينيات مــن العمــر‪،‬‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫لحيــة ســوداء كثيفــة‪ ،‬ممزوجــة بشــعيرات بيضــاء‪ ،‬أنــف عريــض وحاجبيــن‬

‫غليظيــن وشــعر مجعّ ــد كثيــف ومظفــور‪ ،‬قامــة طويلــة وكتفيــن عريضيــن‪،‬‬

‫‪E‬‬ ‫شــديد الصــوت مالمحــه توحــي ّ‬


‫بأنــه خطيــر وأخــذ الكثيــر مــن األرواح‪ ،‬رمقنــي‬

‫@‬ ‫أنــا ورمــزي بنظــرة وقــال‪:‬‬

‫تسببا في ّ‬
‫كل هذا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ً -‬‬
‫إذا أنتما الدخيالن اللذان‬

‫قلت‪ :‬ماعجبكش الحال واقيل؟ هاو ليك الحشيش ارعى‪.‬‬

‫نطــق رمــزي قائــا‪ :‬يــا جــدك لمزيــة لــي مخرجتــش معــاه فــاص أفــاص‪ ،‬ســينو‬

‫تطلــع روحــي قبــل مــا نضــارب معــاه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬كون تشوف سامعك‪ ،‬أنا يديرني شاطال يعلق فيا القش‪.‬‬

‫لوجهه وقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫وجهه‬ ‫نزل يوبا على ركبتيه وقرّ ب‬

‫‪ -‬انتهى عصرك يا تاشفين‪ ،‬لن تأخذ أرواح األبرياء بعد اآلن‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪112‬‬


‫ثـ ّ‬
‫ـم ذهــب ناحيــة يديــه وســحب مــن إصبعــه خاتمــا منقوشــا عليــه ختــم‪ ،‬وعــاد‬

‫واقفــا أمامــه‪ ،‬بــدأ تاشــفين يزمجــر ويتوعــد يوبــا ّ‬


‫بأنــه ســينتقم منــه‪ .‬ســألت‬

‫يوبــا قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬ما هذا الخاتم؟ هل هو خاتم خطوبته؟‬

‫تبســم وقــال‪ :‬هــذا الخاتــم هــو مفتــاح الجهــة الغربيــة وبــه ســوف نســقط‬
‫ّ‬

‫القائــد األعلــى‪.‬‬

‫‪N‬‬ ‫قلت‪ :‬لم أفهم‪.‬‬

‫ثبت نظره في تاشفين وقال‪:‬‬

‫ـن ّ‬
‫أنــه ســيجعل مــن‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫ثم ّ‬

‫‪LO‬‬
‫قال‪ :‬سنتح ّدث في األمر الحقا‪ّ .‬‬

‫‪ -‬ال يجــوز أن نتحـ ّدث أمــام عدوّ نــا الشــجاع الــذي كان يظـ ّ‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫جثثنــا طعامــا للضبــاع‪.‬‬

‫‪R‬‬
‫بعــد لحظــات لحــق بنــا المقاتلــون الذيــن تركناهــم خلفنــا يقاتلــون جنــود‬

‫‪B‬‬
‫ـم امتطينــا أحصنتنــا وكان يوبــا يجــرّ تاشــفين‬
‫تاشــفين فــي مدخــل الغابــة‪ ،‬ثـ ّ‬

‫بحبــل طويــل‪ ،‬وعدنــا نســير ببــطء نحــو المدينــة‪ ،‬مــا إن دلفنــا حتــى خــرج‬

‫ّ‬
‫يغطــي وجهــه وينعتهــم بعبــارات‬ ‫السـ ّ‬
‫ـكان يرشــقون تاشــفين بالحجــارة وهــو‬

‫قبيحــة ثـ ّ‬
‫ـم وصلنــا إلــى ســاحة القصــر‪ ،‬ســحب يوبــا تاشــفين بقــوة أســقطته‬

‫أرضــا‪ ،‬أجلســاه جنديــان علــى ركبتيــه وأخــذ يجــول ببصــره نحــو السـ ّ‬
‫ـكان وهــم‬

‫ينظــرون لــه باشــمئزاز‪ ،‬رفــع يوبــا يــده للســماء لكــي يســتمع لــه الجميــع ثـ ّ‬
‫ـم قــال‪:‬‬

‫‪ -‬هــذا هــو تاشــفين الــذي كنتــم خائفيــن مــن قوّ تــه‪ ،‬هــا هــو اآلن بيــن يـ ّ‬
‫ـدي‪ ،‬هــل‬

‫أن النصــر ليــس بالقــوة بــل بالشــجاعة والــذكاء؟‬


‫عرفتــم اآلن ّ‬

‫عــال‪ :‬مــن أراد أن يقــ ّدم‬


‫ٍ‬ ‫إلــي بيــده‪ ،‬ذهبــت نحــوه وقــال بصــوت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثــم أشــار‬

‫شــكره‪ ،‬فليق ّدمــه لهــذا البطــل‪.‬‬

‫‪113‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫ثم صاروا يهتفون باسمي‪ّ ،‬‬
‫ثم قلت‪:‬‬ ‫إلي‪ّ ،‬‬
‫التفت الجميع ّ‬
‫‪ -‬أنــا لــم أفعــل شــيئا‪ ،‬أنتــم مــن أثبتتــم ّ‬
‫أنكــم شــجعان وذوي إرادة قويّ ــة‪ ،‬حلــم‬

‫تأســيس الدولــة النوميديّ ــة أصبــح حقيقــة اآلن‪ ،‬لقــد تـ ّ‬


‫ـم اإليقــاع باثنيــن مــن‬

‫المجرميــن‪ ،‬لــم يبـ َ‬


‫ـق الكثيــر فقــط اســتمروا وال تنتظــروا النصــر‪ ،‬النصــر ســيأتي‬

‫عاجــا أم آجــا‪.‬‬

‫ثم قال رمزي‪:‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫تق ّدم مانو ورمزي نحوي وعانقاني ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫‪ -‬هاذ الدماغ ماكنتش حاسب بلي فيه هادو كامل‪.‬‬

‫قلت‪ :‬مام أنت دماغك يخمم‪ ،‬واشنو خاصو صقلة برك‪.‬‬

‫ّ‬
‫ليتــم‬
‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫ضحكنــا ّ‬
‫كلنــا‪ّ ،‬‬
‫ثــم أمــر يوبــا المقاتليــن ليأخــذوا تاشــفين إلــى الســجن‬

‫‪U‬‬ ‫ثــم دلفنــا ّ‬


‫كلنــا إلــى القصــر وجلســت أنــا ويوبــا وأجــراد‬

‫‪O‬‬
‫اســتجوابه الحقــا‪ّ ،‬‬

‫‪-L M‬‬
‫خشــبية نتبــادل األحاديــث بينمــا مانــو ورمــزي كانــا منشــغلين‬
‫ّ‬ ‫علــى أريكــة‬

‫ثــم ســألت يوبــا قائــا‪:‬‬ ‫ّ‬


‫الســكان خــارج القصــر‪ّ ،‬‬ ‫باالحتفــاالت مــع‬

‫‪E‬‬
‫‪ -‬لم تخبرني بسر الخاتم‪ ،‬ولماذا انفعل تاشفين عندما نزعته من إصبعه؟‬

‫@‬ ‫وتبسم قائال‪:‬‬


‫ّ‬ ‫رفع بيده كوب العصير واعتدلت جلسته‬

‫‪ -‬بهذا الخاتم سوف أحضر ما أريد من العتاد واألموال‪.‬‬

‫قلت‪ :‬لكن كيف ذلك؟‬

‫ســحب الخاتــم مــن جيبــه وقــال‪ :‬هــل تــرى هــذه النقــوش؟ هــذا ختــم القائــد‪،‬‬

‫عندمــا يريــد شــيئا مــا مــن القائــد األعلــى يكتــب رســالة فــي ورقــة ويختمهــا‬

‫بهــذا الختــم‪.‬‬

‫أي شخص يستطيع أن يصنع مثله‪.‬‬ ‫ّ‬


‫ثم قلت‪ :‬وما أدراه القائد األعلى ّ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪114‬‬


‫أي شــخص‬
‫أي أحــد ولــن يــراه ّ‬
‫قــال أجــراد‪ :‬هــذا الختــم يــا صديقــي لــم ي ـرَه ّ‬

‫أي أحــد تقليــده‪.‬‬ ‫ّ‬


‫آخــر إل حاملــه‪ ،‬لهــذا لــن يســتطيع ّ‬

‫قلت‪ :‬آه حسنا وماذا ستطلب من القائد األعلى؟‬

‫قــال‪ :‬أنــا لــن أطلــب مــن القائــد األعلــى‪ ،‬بــل سأرســل جنديًّ ــا إلــى الجهــة الغربيــة‬

‫ـأن تاشــفين يريــد العتــاد والكثيــر مــن المــال لتوظيــف‬


‫ومعــه رســالة مفادهــا بـ ّ‬

‫العديــد مــن الجنــود‪.‬‬

‫جيدة‪ ،‬لكن ماذا ستفعل باألموال؟ هل ستوزعه على الفقراء؟‬


‫‪N‬‬
‫قلت‪ :‬خطة ّ‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫قــال‪ :‬نعــم‪ ،‬نصفــه نوزعــه علــى الســكان كمكافــأة علــى مجهوداتهــم والنصــف‬

‫اآلخــر ســنوظف بــه المزيــد مــن الجنــود وســنعيد ترميــم األســوار لتصبــح أكثــر‬

‫‪U‬‬
‫تبســم وأردف‪ :‬هــذه ســيرتا يــا صديقــي‪ ،‬العاصمــة يجــب أن تكــون‬

‫‪O‬‬
‫ـم ّ‬‫صالبــة‪ .‬ثـ ّ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫جيد اآلن‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬معك حق‪ً ،‬‬


‫إذا ّ‬
‫كل شيء يسير بشكل ّ‬

‫قال‪ :‬وهو كذلك‪ ،‬أنت مدعو الليلة لوليمة كبيرة أنت وصديقيك‪.‬‬
‫قويّ ــة كحاكمهــا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬حسنا‪ ،‬سوف نأتي‪ ،‬كثرونا من الشخاشيخ برك وخاطيك الشغل‪.‬‬

‫خرجــت إلــى المدينــة وقــد كانــت ممتلئــة عــن آخرهــا‪ ،‬ال ّنــاس يرقصــون‬

‫ويغ ّنــون فــي ّ‬


‫كل مــكان‪ ،‬وجــدت رمــزي ومانــو قادميــن نحــوي ثـ ّ‬
‫ـم ســحباني مــن‬

‫ـدي وقــال مانــو‪:‬‬


‫يـ ّ‬

‫‪ -‬أنت لم ترقص في حفل زفافي‪ ،‬هذه هي فرصتك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ال ال‪ ،‬يا خويا واش هاد الغنا؟ تحســب جنازة‪ .‬ديرونا عراســي وتشــوف‬

‫الكــور كيفاش يترعد‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫ضحــك رمــزي وقــال‪ :‬كان جــات كاينــة دربوكــة نجيبولهــم هاديــك تــاع" أنــا بحــر‬

‫عليــا ونتيــا ال"‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬ال ماتشــطحش هاديــك‪ ،‬مليحــة تــاع ســعد المجــرد أنــت معلــم وحنــا منــك‬
‫ّ‬
‫نتعلم‪.‬‬
‫ّ‬
‫نتعلم‪.‬‬ ‫ضحك رمزي وأشار بأصبعه قائال‪ :‬أنت معلم واحنا منك‬

‫‪F‬‬
‫فــي المســاء ذهبــت أنــا ورمــزي إلــى الوليمــة التــي دعانــا إليهــا يوبــا‪ ،‬كان مانــو‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫مشــغوال بأمــور البيــت‪ ،‬عدنــا إلــى المحــل فــي آخــر الليــل‪ ،‬كنــت ســأخبر رمــزي‬

‫بأمــر البــاب الــذي تصادفــت بــه أثنــاء تواجــدي فــي الغابــة لك ّننــي ّ‬
‫فضلــت أن‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫أكتشــفه وحــدي قبــل أن أخبــره‪ ،‬مــرّ ت األيّ ــام واســتعدنا نشــاطنا فــي المخبــزة‪،‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫غيــرت مالبســي وذهبــت رفقــة رمــزي‬ ‫ً‬
‫مســاء‪ّ ،‬‬ ‫طلــب يوبــا لقائــي فــي القصــر‬

‫‪-L M‬‬
‫بعــد انتهائنــا مــن العمــل‪ ،‬دلفنــا إلــى القصــر وجــدت يوبــا جالســا وأجــراد‬

‫واقفــا أمامــه تتوســطهم طاولــة كبيــرة موضوعــة عليهــا مجموعــة كبيــرة مــن‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫ـبية‪ ،‬مــا إن رآنــي حتــى قــال‪:‬‬


‫الصناديــق الخشـ ّ‬

‫‪ -‬أجمل ما في الحروب هي الغنيمة‪ .‬وضرب أحد الصناديق بيده‪.‬‬

‫الغربيــة كمــا قلــت‬


‫ّ‬ ‫قلــت‪ :‬ماهــذا؟ ال تقــل لــي ّ‬
‫أنــك أحضــرت المــال مــن الجهــة‬

‫لــي فــي المــرة الســابقة‪.‬‬

‫تبســم وفتــح الصناديــق واحــدا تلــوى اآلخــر‪ ،‬كانــوا يحملــون الكثيــر مــن القطع‬
‫ّ‬

‫الذهبيــة لدرجــة ســقط بعضهــم على األرض‪.‬‬


‫ّ‬

‫ابتهج رمزي قائال‪ :‬شوف شوف الدراهم كي التراب‪.‬‬

‫ضحك يوبا وقال‪ :‬سوف نصنع جيشا عظيما بهذه الغنائم‪.‬‬

‫ّ‬
‫السكان الموجودين هنا‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬لك ّنك ج ّندت ّ‬
‫كل‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪116‬‬


‫كل شــيء‪ّ ،‬‬
‫كل جنــود‬ ‫بــأن المــال يجلــب لــك ّ‬
‫ّ‬ ‫قــال‪ :‬أنــت تعلــم يــا صديقــي‬

‫تاشــفين الموجوديــن ســوف ينضمّ ــون إلــى صفــي عندمــا نذهــب لفتــح الجهــة‬

‫ـأن زعيمهــم تمّ ــت‬


‫الغربيــة‪ ،‬بعدمــا أحضــرت هــذه الغنائــم أرســلت لهــم خبــرا بـ ّ‬
‫ّ‬

‫اإلطاحــة بــه مــن طرفنــا‪.‬‬

‫قال رمزي‪ :‬لكن سيهاجموننا إن علموا باألمر‪.‬‬

‫ّ‬
‫ثم سحب الخاتم من جيبه وقال‪:‬‬

‫‪N‬‬
‫‪ -‬لــن يســتطيعوا االقتــراب م ّنــا مــا دام هــذا معــي‪ ،‬فهــم يق ّدمــون الــوالء للخاتــم‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬ ‫أكثــر مــن حاملــه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬مخ الهدرة‪ ،‬لماذا أرسلت في طلبي؟‬

‫ّ‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬
‫الذهبيــة وقــال‪ :‬مــاذا ســتفعل‬ ‫ـبيا آخــرا كان مملـ ً‬
‫ـوءا بالقطــع‬ ‫فتــح صندوقــا خشـ ًّ‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫أن هذه من نصيبي؟‬


‫بحصتــك يــا صديقي؟‬

‫قلت‪ :‬هل تقصد ّ‬

‫تبسم وقال‪ :‬ولمَ ال؟ فأنت من جعل حلمنا حقيقة‪.‬‬


‫ّ‬

‫أي مكافأة‪.‬‬
‫وضعت يدي على الصندوق وقلت‪ :‬شكرا لك‪ ،‬لكن ال أريد ّ‬

‫إلي رمزي بتعجب وقال‪ :‬منك صح؟‬


‫نظر ّ‬
‫قلت‪ :‬إيه‪ ،‬راح نرجعو للبالد واش نديرو بيهم؟‬

‫ّ‬
‫زل لساني دون أن أشعر‪ ،‬واصل رمزي نظره نحوي وقال‪:‬‬

‫كيفاش كيفاش؟ نرجعو للبالد؟ وين نرجعو للبالد؟‬

‫قلت‪ :‬حكاية طويلة‪ ،‬من بعد نحكو فيها‪.‬‬

‫قال يوبا‪ :‬لكن يا صديقي أنت تستحقها‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هناك من يستحقها أكثر م ّني‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قال‪ :‬من؟‬

‫قلــت‪ :‬صديقنــا مانــو‪ ،‬حلمــه أن يمتلــك مخبــزة كبيــرة‪ ،‬أعلــم ّ‬


‫أنــه لــن يفســد هــذه‬

‫األمــوال وســوف يســتثمرها فــي مســاعدة ال ّنــاس‪.‬‬


‫غيــرت رأيــك‪ ،‬فقــط ّ‬
‫تكلــم مــع أجــراد‬ ‫قــال يوبــا‪ :‬كمــا تريــد‪ ،‬علــى ّ‬
‫كل حــال إذا ّ‬

‫وهــو سيسـ ّـلمها لــك‪.‬‬

‫‪F‬‬
‫قلت‪ :‬حسنا ضعها جانبا‪ ،‬سأستلمها في اليوم المناسب‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫ونحن في الطريق عائدين إلى المخبزة سألني رمزي قائال‪:‬‬

‫واش تقصد قبيل كيما قتلي راح نرجعو للبالد؟‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫قلــت‪ :‬إيــه هــذاك هــو الصــح‪ ،‬خالصــت المهمــة تاعنــا هنــا دوكا خاصنــا نرجعــو‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫منيــن جينــا‪.‬‬

‫‪-L M‬‬
‫قال‪ :‬بصح ماعندنا حتى فكرة على الغار لي خرجنا منو حتى هنا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ما كنتش حاب نخبرك‪.‬‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫ثـ ّ‬


‫ـم قصصــت لــه عــن مــاذا حــدث لــي فــي الغابــة الســوداء وذلــك البــاب الــذي‬

‫وجدتــه صدفــة‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم قــال رمــزي‪:‬‬

‫‪ -‬قــادر يكــون المــكان لــي كانــوا يتخبــاو فيهــا جنــود إيديــر لــي كانــوا يحرســوا‬

‫الغابــة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬مانظنش‪ ،‬باب قديم بزاف لدرجة ناض فيه الحشيش‪.‬‬

‫قال‪ :‬وقتاش نروحو نشوفوه؟‬

‫قلت‪ :‬غدوة الصباح‪.‬‬

‫فــي صبــاح اليــوم الموالــي‪ :‬اســتيقظت أنــا ورمــزي وقمنــا بإنجــاز ّ‬


‫كل مهــام‬

‫المخبــزة مــن عجيــن وطهــي‪ّ ،‬‬


‫ثــم دلــف إلينــا مانــو‪ ،‬قلــت‪:‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪118‬‬


‫كل شيء يا صديقي‪ّ ،‬‬
‫كل ما عليك فعله هو البيع فقط‪.‬‬ ‫‪ -‬لقد أنجزنا ّ‬

‫قال‪ :‬لماذا؟ هل أنتما ذاهبان إلى مكان ما؟‬

‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬لقد أرسل يوبا في طلبي أنا ورمزي‪.‬‬

‫قال‪ :‬لماذا؟‬

‫قلــت‪ :‬فــي الحقيقــة ال أدري‪ ،‬قــال ّ‬


‫أنــه موضــوع مهــم‪ ،‬علــى ّ‬
‫كل حــال ســوف‬

‫نأخــذ طلبيــات الزبائــن معنــا مــن ثـ ّ‬


‫ـم ســوف ننطلــق إلــى قصــر يوبــا‪.‬‬

‫‪N‬‬ ‫قال‪ :‬حسنا ً‬


‫إذا سنلتقي الحقا‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬


‫خرجــت أنــا ورمــزي محمّ ليــن ببضاعــة الزبائــن ورحنــا نوزعهــا الواحــدة تلــوى‬

‫األخــرى‪ .‬بعدمــا انتهينــا مــن العمــل‪ ،‬كان علينــا أن نذهــب إلــى مقــر يوبــا الســابق‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫لنأخــذ األحصنــة‪ ،‬ســألني رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬ ‫ما نقولوش ليوبا؟‬

‫قلت‪ :‬ال خليها بيني وبينك‪.‬‬

‫قــال‪ :‬عــاش؟ بصــح هــو راهــو الحاكــم تــاع ســيرتا والغابــة الســوداء تحــت‬

‫يــدو‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يا ودي عندي إحساس بلي الباب هداك ماش عادي‪.‬‬

‫امتطينــا األحصنــة وانطلقنــا ناحيــة الغابــة الســوداء‪ ،‬دلفنــا داخــل أشــجارها‪،‬‬

‫بــدأت أســترجع الذاكــرة لمعرفــة مــكان تواجــد ذلــك البــاب‪ّ ،‬‬


‫ثــم نزلنــا مــن‬

‫أرضيــة‬
‫ّ‬ ‫أحصنتنــا وتوجهنــا نحــو منحــدر‪ ،‬نزلنــا بحــذر إلــى أن وصلنــا إلــى‬

‫مســتوية ورمــزي يتابــع خطواتــي بتعجــب ويســألني تــارة قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬راك متأكد بلي من هنا؟‬

‫قلت‪ :‬ياودي تبع واسكت‪ ،‬عالبالي واش راني ندير‪.‬‬

‫‪119‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫ـري‬
‫ـال‪ ،‬حتــى بــدأ يظهــر لنــا جــدار حجـ ّ‬
‫ـي عـ ٍ‬
‫أكملنــا المســير بمحــاذاة جــدار ترابـ ّ‬

‫ممتـ ّد مــع الجــدار الترابـ ّ‬


‫ـي‪ ،‬وقفنــا أمــام البــاب أنــا ورمــزي ثـ ّ‬
‫ـم قــال‪:‬‬

‫‪ -‬عندك الحق باب قديم بزاف وما نظنش لكان فتحوه من قبل‪.‬‬

‫وقفــت أنظــر إليــه بتمعــن‪ ،‬أمســكت المقبــض وحاولــت ســحبه لألمــام وللخلــف‬

‫لكــن لــم يتحــرك ولــو ســنتيما واحــدا‪ ،‬قلــت لرمــزي‪:‬‬

‫‪F‬‬
‫‪ -‬الزمو مفتاح هذا‪ ،‬ماش كيما الباب لي فتحناه في الغار‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫أي شــيء غريــب فيــه‪ ،‬حتــى وقعــت عينــي‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫بدأنــا نتحســس الجــدار ونالحــظ ّ‬
‫علــى حجــر كان يبــدو ّ‬
‫أنــه ليــس مثبتــا كالبقيــة‪ ،‬نزعتــه مــن مكانــه وأدخلــت‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫يــدي فــي جوفــه حتــى تحسســت شــيئا حديديًّ ــا‪ ،‬ســحبته مــن مكانــه ورحــت بــه‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫إلــى فتحــة المفتــاح أدرتــه دورتيــن ُ‬


‫ففتــح البــاب‪.‬‬

‫‪-L M‬‬
‫ـي‪ ،‬ســحبناه لألمــام‪ ،‬كان بابــا ثقيــا مــن‬
‫نظــرت إلــى رمــزي وهــو بــدوره نظــر إلـ ّ‬
‫ّ‬
‫يغطــي حوافــه‪ ،‬وقفــت فــي مدخلــه‪ ،‬كان ممــرا طويــا‬ ‫أثــر الصــدأ الــذي كان‬

‫@‬ ‫‪E‬‬
‫ومظلمــا بالــكاد ال تســتطيع أن تــرى جدرانــه‪ ،‬طلبــت مــن رمــزي أن يشــعل‬

‫عصــى أحضرناهــا معنــا‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم قلــت‪:‬‬

‫اربط يديك‪.‬‬

‫يدي؟‬
‫ّ‬ ‫قال‪ :‬عالش نربط‬

‫قلــت‪ :‬يديــك فيهــم الملــح‪ ،‬يــا خويــا هــاد المــرة مــاش نخرجــو فــي نوميديــا‪،‬‬

‫هــاد المــرة نخرجــو فــي العصــر الطباشــيري‪.‬‬

‫قال‪ :‬ماني راح نمس والو يا الفاهم‪ ،‬خلينا نكتشفو برك واش كاين هنا‪.‬‬
‫دخلنــا نســير ببــطء ونتحســس الجــدران‪ ،‬ك ّنــا ّ‬
‫كلمــا نتوغــل فــي ذلــك الممــر‬

‫ـك مــن ش ـ ّدة البــرد‪ ،‬خرجنــا‬


‫تنخفــض درجــة الحــرارة‪ ،‬أســناني أصبحــت تصطـ ّ‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪120‬‬


‫مقســمة إلــى جهتيــن يميــن ويســار‪ .‬قلــت لرمــزي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫إلــى طريــق كانــت‬

‫‪ -‬وين نروحو؟‬

‫قال‪ :‬شادي مادي‪ ،‬قالي راسي ندي هادي وال هادي‪.‬‬

‫ّ‬
‫ثم أشار بيده إلى اليمين وقال‪:‬‬

‫‪ -‬أيا منا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هللا يجعل خير‪.‬‬

‫ألي‬ ‫ضيقــا بعــض الشــيء‪ ،‬لك ّنــه كان آمنــا وال أثــر‬
‫‪N‬‬
‫توجهنــا يمينــا‪ ،‬كان نفقــا ّ‬

‫‪LO‬‬
‫ّ‬

‫ـبي‬
‫مخلــوق ال عقــارب وال ثعابيــن‪ ،‬أكملنــا المســير حتــى وقفنــا عنــد بــاب خشـ ّ‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫صغيــر أمامــه عصــى معلقــة علــى الحائــط أشــعلتها بالعصــى التــي فــي يــدي‪،‬‬

‫‪U‬‬ ‫ثـ ّ‬
‫ـم ســحبتها لكــي أعطيهــا لرمــزي ليحملهــا بيــده‪ ،‬ســمعت صوتــا مــن البــاب‪ ،‬كان‬

‫‪O‬‬
‫‪R‬‬
‫وكأنــه ُفتــح‪ ،‬دلفنــا إلــى الداخــل‪ ،‬كانــت غرفــة صغيــرة‪ ،‬وخزانــة صغيــرة‬
‫ّ‬ ‫يبــدو‬

‫‪B‬‬
‫موضــوع فيهــا مجموعــة كبيــرة مــن األوراق ملفوفــة ومغطــاة بالغبــار‪ ،‬وفــي‬

‫خشــبية متوســطة الحجــم وأمامهــا كرســي وعلــى‬


‫ّ‬ ‫الجهــة األخــرى طاولــة‬

‫ســطحها مجموعــة مــن الشــموع الذائبــة‪ ،‬وتبــدو ّ‬


‫أنهــا لــم تســتعمل منــذ مــدة‬

‫طويلــة‪ ،‬ذهبــت ناحيــة الخزانــة‪ ،‬رفعــت أحــد المجلــدات‪ ،‬كانــت تبــدو ّ‬


‫أنهــا‬

‫البونيقيــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكأنهــا اللغــة‬ ‫أي لغــة هــي‪ ،‬تبــدو‬
‫عبــارة عــن رســائل لكــن ال أعلــم ّ‬

‫ثـ ّ‬
‫ـم وقــع نظــري علــى مجلــد خشــن وقديــم ومصنــوع بطريقــة غريبــة‪ ،‬مــا إن‬

‫ســحبته حتــى أحسســت ّ‬


‫أننــي ســحبت معــه شــيئا آخــر‪ ،‬فتــح الجــدار الــذي‬

‫خلــف الخزانــة‪ ،‬نظــر رمــزي وقــال بتعجــب‪:‬‬

‫سري؟‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬باب‬

‫قلت‪ :‬عاوني نفتحوه‪.‬‬

‫‪121‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫ســحبناه ببــطء‪ ،‬كانــت غرفــة واســعة ومظلمــة‪ ،‬لــم نالحــظ اتســاعها حتــى‬
‫ّ‬
‫تتدلــى مــن جدرانهــا‪،‬‬ ‫المــس صدفــة لهيــب النــار أحــد الخيــوط التــي كانــت‬
‫ّ‬
‫معلقــة فــي الجــدران‬ ‫ّ‬
‫وكأنهــا فتيلــة وامتــدت تشــعل فوانيســا كانــت‬ ‫اشــتعلت‬

‫ّ‬
‫ومشــكلة حلقــة حــول الغرفــة‪ ،‬انصدمنــا مــن هــول مــا رأينــاه أنــا‬ ‫متسلســلة‬

‫ورمــزي عندمــا أنيــرت الغرفــة‪ ،‬كانــت مملــوءة إلــى آخرهــا بالكنــوز وقطــع‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫ذهبيــة وأخــرى كانــت تبــدو مصنوعــة بنــوع مــن أنــواع‬
‫ّ‬ ‫الذهــب‪ ،‬أوانــي‬

‫ذهبيــة‪ ،‬انحنيــت‬
‫ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫األلمــاس النــادر‪ ،‬تق ّدمــت ببــطء‪ ،‬وقعــت قدمــي فــوق قطعــة‬
‫إليهــا وســحبتها وأخــذت أنظــر إلــى الرســومات الموجــودة فيهــا‪ّ ،‬‬
‫دققــت فــي‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫تفاصيلهــا ّ‬


‫ثــم اندهشــت قائــا‪:‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫‪ -‬هادي عملة نوميديا في زمن ماسينيسا‪.‬‬

‫‪-L M‬‬
‫قال رمزي‪ :‬كيفاش عرفت؟‬

‫قلــت‪ :‬هــاو ليــك وجــه ماسينيســا منقــوش فيها‪،‬بعدمــا انتصــر ماسينيســا علــى‬

‫@‬ ‫‪E‬‬ ‫ّ‬


‫واتخــذ مــن ســيرتا عاصمــة‬ ‫وأســس العملــة تاعــو‬
‫ّ‬ ‫ســيفاقس حكــم نوميديــا‬

‫المملكــة النوميديّ ــة‪.‬‬

‫قال رمزي‪ :‬اليوم وين سمعتها منك‪.‬‬

‫ّ‬
‫ثــم أردنــا أن نقتــرب مــن الكنــوز الموجــودة هنــاك لكــي نكتشــف أكثــر حتــى‬

‫تشـ ّـققت األرض مــن تحتنــا‪ ،‬عدنــا بذعــر أنــا ورمــزي إلــى خــارج الغرفــة وظهــرت‬

‫ّ‬
‫تغطــي‬ ‫دوامــة ســوداء كبيــرة وأخــذت تســحب ّ‬
‫كل تلــك الكنــوز التــي كانــت‬

‫ّ‬
‫وكأنهــا تبتلعهــا وتختفــي مباشــرة‪،‬‬ ‫الغرفــة‪ ،‬كانــت تســقط وتختفــي مباشــرة‬

‫أصابتنــا الدهشــة ولــم نصــ ّدق مــا نــراه‪ ،‬بعدمــا اختفــت تلــك الكنــوز اختفــت‬

‫األرضيــة كمــا كانــت‪ ،‬نظــرت إلــى رمــزي وهــو‬


‫ّ‬ ‫معهــا تلــك الدوامــة وعــادت‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪122‬‬


‫ـي وقــال‪:‬‬
‫بــدوره نظــر إلـ ّ‬
‫‪ -‬وين راحت؟‬

‫قلت‪ :‬كي شغل تبخرت‪.‬‬

‫تحسســت‬
‫ّ‬ ‫بحثــت عــن شــيء مــا ألرميــه ألرى إن كانــت ســوف ُتفتــح من جديد‪،‬‬

‫قميصــي ثـ ّ‬
‫ـم ســحبت مــن جيبــي حبــة تفــاح ورميتهــا في وســط الغرفــة‪ ،‬فتحت‬
‫ّ ُ‬
‫ـم أغلقــت‬‫األرضيــة مــن جديــد وأخــذت معهــا التفاحــة لكــن ال أعلــم إلــى أيــن ‪ ،‬ثـ‬
‫ّ‬

‫‪N‬‬
‫ـي رمــزي وقال‪:‬‬
‫علــى الفــور‪ ،‬نظــر إلـ ّ‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬ ‫‪LO‬‬ ‫زمنية؟‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬ما تكونش فجوة‬

‫قلــت‪ :‬مانعــرف‪ ،‬نقلــك كيفــاش نديــرو؟ خاصنــا نجيبــو حبــل ونرمــوه فــي‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫وســطها‪.‬‬

‫‪R‬‬
‫كل زاويــة مــن زواياهــا ّ‬
‫علنــا‬ ‫عدنــا إلــى الغرفــة األخــرى وأخذنــا نفتــش فــي ّ‬

‫إلــي‪ ،‬أمســكت بيــدي‬


‫ّ‬
‫‪B‬‬
‫نجــد حبــا أو شــيئا طويــا‪ ،‬وقــع نظــر رمــزي علــى حبــل ملفــوف وموضــوع فــي‬

‫زاويــة فــي الغرفــة‪ ،‬ســحبه وأمســكه بســرعة وأحضــره‬

‫حجــرا صغيــر وربطتــه فــي طــرف الحبــل‪ ،‬ثـ ّ‬


‫ـم عدنــا إلــى تلــك الغرفــة العجيبــة‬

‫األرضيــة مــن جديــد ووقــع فيهــا الحبــل‬


‫ّ‬ ‫ورميــت الحجــر وســطها‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم فتحــت‬

‫ـي رمــزي وقــال‪:‬‬ ‫ّ‬


‫ـدي وكأنــه طيــف‪ ،‬نظــر إلـ ّ‬
‫واختفــى مــن بيــن يـ ّ‬

‫زمنية يا خويا‪ ،‬بصح وين تدي ما نعرف‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬راني نقلك فجوة‬

‫قلــت‪ :‬دوك حنــا الزمنــا نرجعــو للبــاد‪ ،‬مــا دام جينــا هنــا عــن طريــق فجــوة‬

‫فأكيــد كايــن طريــق للعــودة‪ ،‬الغــار لــي جينــا منــو اختفــى مــاش حاجــة عاديــة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬نجربو يا خويا‪ ،‬نغامرو كيما غامرنا في المرة لي فاتت‪.‬‬

‫قال‪ :‬قصدك ندخلو فيها؟‬

‫‪123‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫قلت‪ :‬ماعندناش حل خالف‪ّ ،‬‬
‫وإل نبقاو هنا مدى الحياة‪.‬‬

‫قال‪ :‬ولوكان نرميو رواحنا فيها وترحينا؟‬

‫تحــب تقعــد هنــا دبــر راســك مــا‬


‫ّ‬ ‫قلــت‪ :‬خلطهــا تصفــى‪ ،‬أنــا راح ندخــل فيهــا‪،‬‬

‫نحتمــش عليــك‪.‬‬

‫قــال‪ :‬كــي تــروح وتخلينــي هنــا واش نقعــد نديــر‪ ،‬بدينــا المغامــرة هــادي كيــف‬

‫‪F‬‬
‫كيــف نكملوهــا كيــف كيــف‪ ،‬مــاال وجــد روحــك غــدوة التقليعــة‪.‬‬

‫‪A‬‬
‫‪A‬‬ ‫‪K‬‬
‫خرجنا من ذلك المكان وسألني رمزي قائال‪:‬‬

‫‪ -‬ومانو كيفاش؟‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬
‫قلــت‪ :‬ال‪ ،‬مــا تقولــوش‪ ،‬خليهــا بينــي وبينــك نروحــو سونســمير‪ ،‬دوكا نروحــو‬

‫‪U‬‬
‫عنــد أجــراد يعطينــا الصنــدوق هــداك‪ ،‬نــدوه للمحــل ونخلولــو رســالة وننطالقــو‬

‫‪O‬‬
‫‪-L M‬‬
‫مــع الفجــر‪.‬‬

‫قال‪ :‬أوكي كيما تحب‪.‬‬

‫‪E‬‬
‫امتطينــا أحصنتنــا وعدنــا متوجهيــن نحــو قصــر يوبــا‪ ،‬عدنــا أنــا ورمــزي نســابق‬

‫@‬
‫كل مــا فــي األمــر هــو‬ ‫ّ‬
‫ونفكــر فــي أمــر تلــك الفجــوة وإلــى أيــن ســتقودنا‪ّ ،‬‬ ‫األفــكار‬

‫ّ‬
‫أننــا قررنــا الرحيــل إلــى عالمنــا‪ ،‬لقــد اشــتقنا إلــى أهالينــا وإلــى وطننــا الجزائــر‪،‬‬

‫لكــن فــي نفــس الوقــت أصابنــا حــزن عميــق ّ‬


‫ألننــا قضينــا فــي ســيرتا الكثيــر مــن‬

‫يحبوننــا‬
‫ّ‬ ‫المواقــف الجميلــة‪ ،‬خاصــة ّ‬
‫وأننــا نملــك العديــد مــن األصدقــاء الذيــن‬

‫ويقدروننــا خاصــة صديقنــا مانــو‪.‬‬

‫ّ‬
‫يفكــر فــي أمــر مــا‪ ،‬قاطــع‬ ‫ونحــن فــي الطريــق عائديــن شــاردين ّ‬
‫كل واحــد فينــا‬

‫شــرودي رمــزي قائــا‪:‬‬

‫‪ -‬تامــن وهللا كنــت صــح قبــل حــاب نرجــع للبــاد‪ ،‬وكنــت نحــس رانــي فــي غربــة‪،‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪124‬‬


‫بصــح دوكا رانــي نحــس رايــح لغربــة مــاش لبــادي‪.‬‬

‫قلــت‪ :‬هللا غالــب مانقــدروش نريحــو هنــا‪ ،‬هادو عاشــوا حياتهــم وماتوا وزادوا‬

‫جــاو بعدهــم بــزاف حضــارات‪ ،‬حنــا الحضــارة تاعنا فــي ‪ 2020‬يا صاحبي‪.‬‬

‫إلــي رمــزي بحــزن وقــال‪ :‬المهــم اكتشــفنا حاجــة مــاكاش لــي كتاشــفها‬
‫ّ‬ ‫نظــر‬

‫قبــل‪ ،‬دوكا والت عندنــا نظــرة حيــة علــى الحضــارة النوميديّ ــة مــا بقاتــش‬

‫مجــرد هيــاكل وآثــار‪.‬‬

‫‪N‬‬
‫قلت‪ :‬نتوكلو على ربّي وخالص المهم كيما وصيتك ما تقولش لمانو‪.‬‬

‫‪IL‬‬ ‫‪LO‬‬
‫وقفنــا عنــد قصــر يوبــا‪ ،‬دلفنــا إلــى الداخــل‪ ،‬رأيــت أجــراد نــازال مــن الســلم‪،‬‬

‫ألقيــت عليــه التحيــة وقلــت‪:‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫‪ -‬أريد ذلك الصنوق يا صديقي‪.‬‬

‫‪B‬‬‫‪R‬‬
‫قال‪ :‬ال تقلق سوف أرسل مقاتال ليوصله لك في مكان إقامتك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬شكرا لك‪ ،‬لكن أريد أن أحمله أنا‪.‬‬

‫ـي فــي تعجــب وقــال‪ :‬كمــا تريــد‪ .‬أمــر أحــد المقاتليــن بحمــل الصنــدوق‬
‫نظــر إلـ ّ‬
‫ـي‪ ،‬حملتــه أنــا ورمــزي ووضعنــاه علــى ســرج حصانــي وانطلقنــا عائديــن نحــو‬
‫إلـ ّ‬
‫المحــل مسـ ً‬
‫ـاء‪ ،‬وجــدت أحــد التجــار العامليــن بالشــارع الــذي فيــه مخبــزة مانــو‬

‫واقفــا أمــام المحــل ويجــول ببصــره باحثــا ع ّنــا‪ ،‬مــا إن وصلنــا حتــى قــال‪:‬‬

‫‪ -‬صديقكم مانو ترك مفتاح محله معي لكي أعطيه لكما‪.‬‬

‫ألن مانــو غيــر موجــود‪ ،‬دلفنــا أنــا ورمــزي إلــى الداخــل‪ ،‬جلســنا‬
‫جيــدا ّ‬
‫كان هــذا ّ‬

‫قليــا ثـ ّ‬
‫ـم بدأنــا بحــزم أمتعتنــا للذهــاب إلــى تلــك الوجهــة المجهولة‪ ،‬شــرد ذهني‬

‫وأصبحــت أحـ ّدث نفســي قائــا‪:‬‬

‫‪125‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬أحيانــا نجبــر أنفســنا بالدخــول فــي وجهــة مجهولــة ال نعــرف إلــى أيــن تأخذنــا‬

‫ّ‬
‫ـنتمكن مــن عبورهــا‪ ،‬لكــن أجمل‬
‫وإلــى أيــن نهايتهــا وكيــف ســنكون فيهــا وهــل سـ‬

‫مــا فــي هــذا األمــر هــو ذلــك الحمــاس الــذي يســير بجســدك‪ ،‬ذلــك الحمــاس‬

‫الــذي يرتعــش قلبــك عندمــا يالمســه‪ ،‬أحيانــا يجــب علينــا أن نخــرج مــن منطقــة‬

‫الراحــة ومنطقــة األمــان لكــي نكتشــف أنفســنا مــن نحــن وهــل نملــك القــوة‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬ ‫لمواجهــة المجهــول‪.‬‬

‫‪K‬‬ ‫ّ‬
‫تذكــرت كلمــات أخــي األكبــر الــذي قــال لــي يومــا‪ ":‬الغربــة عبــارة عــن ســجن‬

‫‪A‬‬
‫بابــه مفتــوح‪ ،‬لــك خيــاران إمّ ــا أن تســجن نفســك أو تخــرج لمواجهتهــا‪.‬‬
‫ثـ ّ‬
‫ـم‬

‫‪T‬‬ ‫‪H‬‬ ‫قاطع شرودي رمزي قائال‪:‬‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫‪ -‬وين نحط الصندوق تاع الذهب؟‬

‫‪-L M‬‬
‫قلت‪ :‬خبيه تحت الطابلة‪.‬‬

‫أعبــر فيهــا‬
‫جلســت علــى الكرســي وأخــذت ورقــة وقلمــا وتركــت رســالة لمانــو ّ‬

‫‪E‬‬ ‫عــن امتنانــي لــه ّ‬


‫ألنــه ســاعدنا فــي الكثيــر مــن المواقــف‪ ،‬ذكــرت لــه بعضهــا‬

‫@‬
‫وتركــت لــه بعــض الذكريــات الطريفــة التــي حدثــت بيننــا‪ ،‬وأيــن يجــد صنــدوق‬
‫ـم حملتهــا وذهبــت بهــا ناحيــة محــل البيــع‪ّ ،‬‬
‫علقتها‬ ‫الذهــب الــذي أهديتــه إيــاه‪ ،‬ثـ ّ‬

‫فــي الجــدار المقابــل‪ ،‬عنــد دخولــه ســيالحظها‪.‬‬

‫أســدل الليــل ســتائره تناولــت أنــا ورمــزي آخــر وجبــة عشــاء فــي ســيرتا ّ‬
‫ثــم‬

‫ّ‬
‫كل واحــد فينــا وضــع رأســه علــى وســادته‪ ،‬اســتيقضنا فجــرا مــع صــوت ديــك‬

‫غيرنــا مالبســنا وحملنــا معنــا مــا نحتاجــه مــن زاد‬


‫الجــار المقابــل لمحــل مانــو‪ّ ،‬‬

‫وانطلقنــا نحــو الغابــة الســوداء‪.‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪126‬‬


‫كل واحــد فينــا ينظــر ويتمعّ ــن فــي ّ‬
‫كل تفاصيلهــا مــع‬ ‫وصلنــا إلــى الغابــة‪ ،‬أخــذ ّ‬

‫ّ‬
‫أننــا ك ّنــا نزورهــا منــذ ســقط تاشــفين وأصبحــت آمنــة لكــن هــذه المــرة ننظــر‬

‫ّ‬
‫وكأننــا نو ّدعهــا‪ ،‬نزلــت علــى ركبتــي‪ ،‬وحملــت فــي يــدي حفنــة مــن ترابهــا‬ ‫إليهــا‬
‫ّ‬
‫يخلــف تلــك الرائحــة‬ ‫ابتــل بســبب الجليــد الــذي يتســاقط ّ‬
‫كل ليلــة مــا‬ ‫ّ‬ ‫الــذي‬

‫ـم أكملنــا مســيرنا إلــى أن وصلنــا‬ ‫الطيبــة‪ ،‬أخــذت أستنشــق ّ‬


‫كل حبــة تــراب‪ ،‬ثـ ّ‬ ‫ّ‬

‫إلــى وجهتنــا‪ ،‬دلفنــا إلــى ذلــك الممــر ثـ ّ‬


‫ـم إلــى تلــك الغرفــة‪ ،‬نظرت إلــى رمزي وهو‬

‫األرضية‪،‬تشـ ّـققت‬
‫‪N‬‬
‫ـي‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ـم رميــت قطعــة مــن الحطــب فــي تلــك‬ ‫بــدوره نظــر إلـ ّ‬

‫‪LO‬‬
‫ّ‬

‫وظهــرت تلــك الفجــوة الســوداء‪ ،‬أمســكت بيــد رمــزي وقلــت‪ ":‬اآلن"‪.‬‬

‫‪I‬‬ ‫‪L‬‬
‫أغمضنــا أعيننــا وقفزنــا وســطها فابتلعتنــا تلــك الفجــوة فــي جــزء مــن الثانيــة‪،‬‬

‫أرضيــة صلبــة‪،‬‬
‫ّ‬

‫‪O‬‬‫‪U‬‬ ‫ّ‬
‫وكأننــي ملقــى علــى‬ ‫لثــوان ّ‬
‫ثــم أحسســت‬ ‫ٍ‬ ‫قطعــت أنفاســي‬

‫‪R‬‬
‫ّ‬
‫أصــوات ال ّنــاس تتهاطــل مــن كل صــوب‪ ،‬فتحــت عينـ ّ‬
‫ـي بذعــر كان رمــزي ملقــى‬

‫معبــدة‬
‫ّ‬
‫‪B‬‬
‫أمامــي‪ ،‬رفعــت رأســي وأخــذت أجــول ببصــري باندهــاش‪ ،‬طريــق‬

‫بأحجــار صغيــرة وبيــوت حجريّ ــة مزخرفــة وضخمــة ‪،‬ال ّنــاس يرتــدون تنانيــرا‬

‫قصيــرة ويضعــون علــى ظهورهــم قطعــا مــن القمــاش‪ ،‬شــعورهم طويلــة‬

‫ذهبيــة ويضعــون علــى رؤوســهم تيجانــا علــى‬


‫ّ‬ ‫حليــا‬
‫ًّ‬ ‫ويرتــدون فــي أيديهــم‬

‫إلــي رمــزي وقــال‪:‬‬ ‫شــكل أوراق الشــجر لك ّنهــا ّ‬


‫كلهــا بالذهــب‪ ،‬نظــر‬
‫ّ‬
‫‪ -‬يا جدك وين رانا؟ وين رانا؟‬

‫أمســكني شــخص مــا مــن قميصــي بقــوة وأوقفنــي‪ ،‬اســتدرت ناحيتــه فــإذا‬

‫ـدي يضــع علــى رأســه خــوذة حديديّ ــة ويحمــل فــي يــده ســيفا‪ ،‬مفتــول‬
‫بــه جنـ ّ‬

‫العضــات وذو نظــرة حــادة ثـ ّ‬


‫ـم قــال‪:‬‬

‫‪127‬‬ ‫المملكة السوداء‬


‫‪ -‬مــن أنتمــا؟ مــا هــذه المالبــس الهشــة؟ هــل أنتمــا مــن العبيــد؟ هــل هربتمــا مــن‬

‫سيدكما؟‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أتكلــم حتــى جاءتنــي لكمــة علــى وجهــي أفقدتنــي جــزءا مــن‬ ‫مــا إن أردت أن‬

‫قيــدا‪...‬‬ ‫وعيــي لك ّننــي أحسســت ّ‬


‫أن قدمــاي ويــداي ّ‬

‫‪A‬‬ ‫‪F‬‬
‫‪ّ AK‬‬
‫تمــــــــت‬

‫‪***T‬‬
‫‪H‬‬
‫‪O‬‬ ‫‪U‬‬
‫‪L‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪M‬‬
‫@‬ ‫‪E‬‬

‫المملكة السوداء‬ ‫‪128‬‬

You might also like