Professional Documents
Culture Documents
3871 11282 1 SM
3871 11282 1 SM
فريد بوجيدة
إال كذاك���رة يمك���ن أن تصلح كم���ادة تاريخية لمعرف���ة ما قام به للتأويل من خالل تصنيفاتها لألفالم ،س���واء الكتابات التاريخية
االس���تعمار وكيف كانت الظ���روف التي جعل���ت المغرب مطمعا أو الكتابات النقدية التي اهتمت بالتحقيب الموضوعاتي.
للمس���تعمر ،غير أن البداي���ة الحقيقية للس���ينما المغربية تطرح ف���ي كت���اب «تاري���خ الس���ينما بالمغ���رب ،الس���ينما
أش���كاال بالنس���بة للباحثين المغاربة ،فمنهم من يعتبرأن البداية الكولونيالية» يحدد إدريس الجعايدي البدايات من خالل ارتباط
تتجس���د «في دخ���ول أول مغربي إلى ميادي���ن التصوير واإلنتاج الكامي���را بتوثيق األحداث التي وقعت ف���ي الدار البيضاء والتي
واإلخراج الس���ينمائي ،ويتعلق األمر –حسب أحمد السجلماسي- ق���ام بها المصور فيلكس ميس���كتيش Félix Mesguishمن
برائ���د الس���ينما المغربية محم���د عصفور الذي أنت���ج ابتداء من خالل فيلم وثائقي «تحقيقات حول أحداث الدار البيضاء»( )1كما
س���نة 1941عددا من األفالم القصيرة الصامتة ،قبل أن يدش���ن صور ميس���كيتش وصول لويس رونو الوزير الفرنسي بطنجة ،كما
الفيلموغرافي���ا الوطنية في ش���قها الروائي بفيل���م «االبن العاق» يوثق إدري���س الجعايدي البدايات من خ�ل�ال الحرب في المغرب
الذي صور س���نة )6(»1956غير أن الباحث مصطفى المس���ناوي خاصة حرب الريف والتي كانت مادة فيلمية للكثير من المصورين
ل���ه رأي آخر ف���ي هذا الموضوع ،فهو يتحف���ظ على هذا المعطى
اإلس���بان ،وف���ي كتابه «أبحاث ف���ي الس���ينما المغربية» يحاول
كبداية حقيقية للس���ينما المغربية ،وهذا التحفظ يهم أساسا فيلم
مصطف���ى المس���ناوي أن يح���دد تاريخا لدخول حقيقي للس���ينما
«االبن العاق» ألنه في نظر الباحث ال يس���تجيب للمعايير التي
بالمغرب ،مع أولى االس���تفزازات التي مهدت الستعمار المغرب
تحدد البداية «منها العمل االحترافي المنظم (على مستوى كتابة
من قبل فرنسا ،ويذكر هو اآلخر الهجوم على مدينة الدار البيضاء
الس���يناريو ،واإلخراج ،والتصوير ،والتق���اط الصوت ،والمونتاج،
والش���روع في احتاللها «ففي هذه الس���نة –يقول الباحث -صور
والميكس���اج) واس���تعمال فيلم خام من فئة 35م���م ،إضافة إلى
الصحاف���ي والمصور الفرنس���ي فيليكس ميس���كتش عدة أمتار
إخراج الفيلم من طرف مغربي ،بموضوع مغربي ،موجه إلى جمهور
تس���جيلية عن مدينة الدار البيضاء تح���ت القصف وتضم الصور
مغربي»( )7ويضيف الباحث بكثير من الحسم «إن أول فيلم تنطبق
الملتقطة ،مش���اهد للجري في الشوارع المقفرة والمغطاة بالجثث
علي���ه هذه المقاييس بالنس���بة للفيلم القصير ه���و الفيلم التربوي
التي تتصاعد منها روائح نتنة وغيوم الذباب ومش���اهد للمعسكر
«صديقتنا المدرس���ة س���نة 1956للعربي بناني ،وبالنسبة للفيلم
بما يحتويه من قناصة ولفيف أجنبي»(.)2
الطويل فيلم «الحياة كفاح» 1968للمخرجين أحمد المسناوي،
ومحمد التازي»( ،)8س���يحاول كل من فؤاد سويبا وفاطمة الزهراء وسيسمي الناقد السينمائي أحمد السجلماسي هذه البداية
العلوي في كتابهما المش���ترك «قرن من الس���ينما في المغرب» بلحظ���ة م���ا قبل الس���ينما المغربي���ة ،ألن ما تميز ه���ذه اللحظة
النب���ش في الموضوع م���ن جديد ،من خالل الجم���ع بين الرأيين «ه���و غياب ش���به مطلق للمغاربة عن مج���االت اإلنتاج واإلخراج
الس���ابقين ،وتحت عنوان «المغاربة ينتجون س���ينماهم الخاصة» والتصوير ،وغير ذلك من جوانب اإلبداع السينمائي» ( )3فالمغرب
يح���دد المؤلفان بداية الس���ينما المغربية س���نة 1941مع محمد ف���ي أفالم ه���ذه المرحلة لم يكن إال ديكورا وس���وقا لالس���تهالك
عصفور الذي س���يدخل مجال الس���ينما ،بمح���اوالت أولية عبارة ()4
السينمائي ،وهذا ما يتفق حوله النقاد السينمائيون في المغرب
عن تج���ارب جنينية لتتضح الرؤية مع فيلم «االبن العاق» س���نة لقد انتبهت اإلدارة االس���تعمارية إلى أهمية الس���ينما آنذاك في
1956وهي البداية الحقيقية للسينما المغربية»( )9لكن –حسب التأثير على المحميين وخلق ش���روط قبول االستعمار ،وتشكيل
الكت���اب -يجب االنتظار حتى س���نة 1970لتتحول البداية إلى ذهنية المغاربة إذ يقول المارشال ليوطي في مذكرة له مؤرخة في
تأس���يس فعلي للسينما المغربية «مع ظهور الفيلم األول للمخرج 31دجنبر « 1920فال يمكن أن نش���ك في النتائج السارة التي
حمي���د بناني الذي يبين في هذا العمل عن مقدرة كبيرة هائلة في يحق لنا أن نس���تظهرها من اس���تخدام جهاز العرض الس���ينمائي
التحكم في أدوات السرد(.)10 كأداة لتربية المحميين ،فاألفالم والمناظر المناس���بة ستترك دون
إن االخت�ل�اف في تحديد البداية ليس أمرا ش���كليا ،فهو ش���ك ،في أذهان المغارب���ة البكر آثارا عميق���ة بخصوص حيوية
قراءة معينة لمس���ار الممارسة السينمائية ،وإذا كان البعض ينظر وقوة وثروة فرنس���ا وإدراك وس���ائل عملها واألدوات التي تصنعها
للبداي���ة وكأنه���ا مرتبطة بالمغربة على صعي���د اإلنتاج واإلخراج، وجم���ال مناظرها ومنتجاتها»( .)5إن الس���ؤال الذي يطرح هو هل
بغ���ض النظر عن اآلليات األخرى الت���ي تتحكم في عملة اإلبداع يمكن اعتبار كل األفالم التي صورت في مرحلة االستعمار سواء
الس���ينمائي ،فإن اآلخرين ينظرون لألمر بش���كل آخ���ر ،أي أنهم الوثائقي���ة أو الروائية أفالم مغربية؟ ال يمكن طبعا أن نعتبر هذه
يصنع���ون ه���ذه البداية وكأنها انطالقة حقيقي���ة للثقافة البصرية، األف�ل�ام مغربية وال يمكن أن تدخل داخل الفيلموغرافية المغربية
171 األزمنة احلديثة > العدد 8 فريد بوجيدة
وبس���ط الس���يطرة وما يرتب���ط بذلك من تهميش وتش���ويه للثقافة والتي تحدد مس���ارا مستقال للمغرب السينمائي ،بامتالك أدوات
المحلية ومحاولة فرض نمط العيش الغربي (الفرنس���ي أس���اس) احترافي���ة عل���ى جميع المس���تويات ،وله���ذا اعتبر فيل���م «االبن
( )11ولحظ���ة التاريخ التي يقس���مها إلى مرحل���ة األربعينات التي العاق» لمحمد عصفور فيلما تجريبيا فقط ،ألنه يدخل في إطار
تميزت بمش���اركة المغاربة في اإلنتاج ،وإنشاء المركز السينمائي الهواية خاصة على المستوى التقني ،وهذا ال ينقص بريادة الفنان
المغربي ،وبناء اس���توديوهات السويسي بالرباط ،وإقامة شركات وعصاميته ومردوديته التي يشهد لها الجميع ،إن عدم الحسم في
اإلنتاج والتوزيع ...وهي فترة يقول عنها الباحث أنها خصبة ،مع هذه النقطة يجعلنا نتحدث عن بدايات وليس بداية واحدة كما قال
أنه���ا لم تعكس الواقع التاريخي للمغرب ألنها صورته من منظور المس���ناوي ،هذا يعني أن هناك بداية أولى ،وبداية ثانية ،وبداية
غربي خارجي( )12ومرحلة الخمسينات وهي فترة احتكاك الشباب ثالث���ة ،وفي هذا الصدد يمكن أن نقس���م الس���ينما المغربية إلى
المغربي بالسينمائيين األجانب ،ومرحلة الستينات التي اعتبرت مجموع���ة من المحطات يمك���ن اعتبارها بدايات ،وقد تكون هذه
مرحلة اإلنتاج الوفير وهي مرحلة ظهور الفاعل السينمائي الوطني، المالحظ���ة نقطة تحول تقودنا إلى قراءة تاريخ الس���ينما المغربية
أما مرحلة السبعينات فهي مرحلة اإلبداع بامتياز والمراهنة على لي���س قراءة كرونولوجية ب���ل قراءة تحاول أن ترب���ط هذا المنتوج
الكي���ف ،قبل أن تأتي مرحل���ة التراجع ف���ي الثمانينات ،لتكون بالمجتمع.
التسعينات مرحلة التحول النسبي(. )13
1-2السينما المغربية ومسألة التصنيف
تع���د ه���ذه القراءة قريبة م���ن التحقي���ب التاريخي ،إال أن
يحلو للبع���ض أن يتحدث عن الس���ينما المغربية انطالقا
االختزال الذي طبعها يش���ي بأن هن���اك اهتمام بالواقع وتجلياته،
م���ن معطى تاريخي ،هذا األمر ال يخل���و من أخطاء ،ألن تحقيبا
فاألف�ل�ام ليس���ت نصوصا مرئية فقط بل تش���كل م���ن وجهة نظر
م���ن هذا النوع ق���د يفرغ أي بحث من معناه ،وهذا ما أكدنا عليه
سوسيولوجية وثيقة اجتماعية تشهد على مرحلة معينة.
عندم���ا اعتبرن���ا أن البداي���ة ال تعني األس���بقية الزمنية بل تحيل
وبعيدا عن هذا االختزال ،يحاول كتاب «قرن من السينما» إلى معايي���ر أخرى ،ولذلك وجب االحتياط من الناحية المعرفية،
والمنهجية كذلك .واستمرارا على نفس النهج الذي يفرض تجاوز أن يق���رأ ه���ذا التاري���خ من خالل تصني���ف األف�ل�ام المغربية إلى
التتبع الكرونولوجي ،سنحاول تتبع السينما المغربية انطالقا من توجهات وتيمات وهو ما يجعل من الفيلم حلقة ضمن تيار تتشابه
التيمات التي شغلت السينمائيين باعتبارهم فاعلين داخل الحقل فيه المضامين وتتقارب الموضوعات ،هكذا س���يتم توزيع األفالم
الثقافي ،ونرى كيف تعامل الفاعل السينمائي المغربي مع الواقع عل���ى توجهين وهما كالتال���ي :أوال التوج���ه التقليدي ،ويتضمن
االجتماعي ،وما هو الهم الذي ش���غله ،وإلى أي حد اس���تطاع أن تيمات عدة منها :الدراما الموسيقية ،التيمة االجتماعية ،التيمة
يتفاعل مع التطور االجتماعي ومع القضايا العامة التي ش���غلت الخيالية ،السياس���ية ،الغرائبية ،ثانيا التوجه المجرد ،ويتضمن
نفس التيمات الس���ابقة ويضاف إليها ما يمكن أن نسميه التيمة المجتمع المغربي؟
إن ق���راءة تاريخ الس���ينما المغربية فرض���ت على الباحثين المثقفاتية أو النخبوبية غير أن كتاب «أبحاث في الس���ينما
()14
والنقاد أن يتعاملوا مع اإلرث الس���ينمائي كتراث ثقافي ،وهو ما المغربي���ة»( )15يقس���م هذه التيمات حس���ب الهم���وم اإلبداعية،
تطل���ب بعض األدوات النظرية والمنهجي���ة ،خاصة أن هذا التراث وس���يكرس جهده لتقييم الس���ينما المغربي���ة انطالقا من تصنيف
يس���تدعي موقفا من بعض األفالم التي ل���م ترق إلى التعبير عن األفالم حس���ب الهم���وم اإلبداعي���ة ،وتبدو هذه الق���راءة قريبة من
هذا الواقع االجتماعي ،ولم توظف لغة سينمائية جديرة باالهتمام ،المنهج السوس���يولوجي لربطها بين اإلنت���اج الثقافي الرمزي بكل
لذل���ك اختلف الباحثون والنقاد حول طريقة التعامل مع الس���ينما تجليات���ه وألوانه ،واإلنتاج المادي الواقعي ب���كل معطياته ،أما
المغربي���ة ،وهنا يجب أن نوضح أن المقص���ود هو كيفية تصنيف المقاربة الثالثة فهي التي تحاول أن تتعامل مع اإلرث السينمائي
األفالم وتوزيعها حس���ب التيمات ،وس���نعرض لبع���ض اآلراء في انطالق���ا من قناعة فكري���ة محددة يحضر فيه���ا الموقف النقدي
ه���ذا المج���ال ،يحاول أحمد السجلماس���ي في كت���اب «المغرب بش���كل واض���ح ومعلن ،ب���ل أن هذا الموقف هو ال���ذي يملي هذه
السينمائي» أن يستعيد مائوية السينما المغربية من خالل تصنيف المقارب���ة ،ودون تحفظ يعل���ن حميد تباتو في كتابه «الس���ينما
مس���ار هذه الس���ينما إلى لحظتين :لحظة ما قبل تاريخ السينما قضاي���ا اإلبداع والهوية» «أن االبتعاد عن المجاملة في الحديث
المغربية ،وفيها يتحدث عن الس���ينما االستعمارية ،معتبرا «أن عن موقع الس���ينما ف���ي الخطاب الثقافي ت���ؤدي إلى إعالن عن
االستعمار الفرنسي كان يوظف السينما كأداة للترويض والتدجين القس���وة ومكاش���فة الذات بصدد األوهام الخاصة ح���ول الفذلكة
دراسات وقراءات األزمنة احلديثة > العدد 8 172
السينما املغربية بني تأكيد الذات واحلضور االجتماعي
نالح���ظ أن بداية اإلنتاج الس���ينمائي أو معرفة الس���ينما الكالمية عن قضايا الس���ينما المغربية وعن موقع هذه الس���ينما
ابت���دأت بفيل���م واح���د هو «االبن الع���اق» لمحمد عصفور س���نة في اهتمامات الناس الثقافية ،وعن إبداعات هذه السينما ،وعن
1956وهو الفيلم الذي يعتبر األول من الناحية الزمنية أي إنتاج مش���روعها الثقافي والجمالي»( )16وتبعا لهذه المكاشفة سيقسم
ش���ريط مصور طويل ،ولكن إمكانيته المتواضعة جعلته يكتسب األفالم المغربية حس���ب دورها في تأس���يس ما يس���ميه مش���روع
فق���ط الريادة في إدخال هذا الفن إل���ى اهتمامات الناس ،بحيث الس���ينما الوطني���ة ،وهكذا ي���رى أن هناك أفالم مؤسس���ة للتوجه
أمك���ن لش���اب مغربي آن���ذاك أن يأخذ الكامي���را ويصور (يخرج اإلبداعي ،وأفالم مؤسسة للتوجه السوقي ،وأفالم مؤسسة للتوجه
ويمثل ويصنع ويقدم كذلك) بش���كل مس���تقل فيلما يحاكي فيه التسويقي ،وأفالم مؤسسة للتوجه النرجسي.
األفالم األمريكية المشهورة آنذاك(.)19 يمكن أن نقول خالصة لهذه التقييمات التي تعرضنا لها،
«فال يتعلق األمر إال بمحاكاة بسيطة ،ومالحظات ساذجة أن السينما المغربية قد عكست بهذا القدر أو ذلك تحول المجتمع
لألف�ل�ام الهندية والمصرية ،ولكن بنظرة مغربي���ة»( )20ويليها في المغربي ،وبالرغم من التفاوت الموجود بين األفالم على مس���توى
الس���تينات أربعة أفالم فقط.وهي بداية محتش���مة لم تترك أثرا، المضامين ،وعلى مستوى األدوات الفنية وطرق السرد ،والكتابة
اللهم توثيق بعض المش���اهد بوجوه مغربية :كبداية لظهور مغاربة التقني���ة ،فإنها قد راكمت تجربة فنية عل���ى صعيد الموضوعات
على الشاش���ة كش���خصيات من عالم الفن (عبد الوهاب الدكالي والرؤي���ة الفني���ة والجمالية ،وأصبح���ت اآلن تراثا ال غنى عنه في
في فيلم «الحياة كفاح» )1968غير أن س���نوات السبعين بدأت رصد تاريخنا الفني ،بل وفي إبراز صورتنا لآلخرين.
آل���ة اإلنتاج تتحرك بدخول مجموعة من الس���ينمائيين من الجيل
الثاني ،ويمكن اعتبارهم المؤسسين الحقيقيين للسينما المغربية
1-3السينما المغربية بانوراما مصغرة
حي���ث «س���تتعرف الس���ينما المغربية عل���ى اللغة الس���ينمائية، يحض���ر المجتم���ع بكل ثقله ف���ي كل األف�ل�ام تقريبا من
وتتمك���ن من تيماته���ا ،وتتحكم في طريق���ة التعبير والكالم من (1956وه���ي الس���نة الت���ي ظهر فيه���ا أول فيل���م مغربي) إلى
خالل الصورة والصوت»( ،)21وفي الثمانينات س���تعدد التجارب، س���نة ( 2000وهي س���نة التح���والت ).وإذا أردنا اس���تعادة كل
وتتوزع الرؤى بإنتاج أفالم كثيرة بالمقارنة مع الفترات الس���ابقة،
()17
التصنيفات الس���ابقة (هن���اك تصنيفات قديمة ل���م نذكرها)
وس���يظهر في هذه الفترة بعض مالمح السينما الجادة والمتميزة، يمك���ن الق���ول أن تقييماتها ل���م تخطئ حينما اعتب���رت أن الهم
إال أن فترة التس���عينات كانت أحس���ن إنتاجا وعطاء ببروز أفالم االجتماعي طغى على مختلف المضامين السينمائية ،وهو يتأكد
جي���دة ،وبجرعات من الج���رأة والتجديد والمغام���رة تفوق بكثير حينما نتأمل الفيلموغرافيا المغربية( )18وإذا استثنينا بعض أفالم
اإلنتاجات السابقة. مومن السميحي الذي حاول تجريب بعض المفاهيم النفسية مثال
التسعينات السبعينات الثمانينات الفترات اخلمسينات الستينات
فيل���م «قفطان الحب» ( ،)1982وبع���ض أفالم نبيل لحلو الذي
حاول هو اآلخر الدخول في عالم غرائيبي ،مثال في فيلم «الحاكم
حسن
بنجلون حكيم نوري عبد الله العام لجزيرة الش���اكر باكربان» ( ،)1980وبعض أفالم مصطفى
املصباحي
التازي عبد الرحمن سعد
محمد الدرق���اوي ال���ذي بدأ مجربا في أفالمه األول���ى خاصة فيلم عنوان
الشرايبي سهيل
بنبركة مؤق���ت ( ،)1984فإن معظم األفالم ارتبط���ت بالواقع المعيش،
اجلياللي فرحات نور الدين
كنجار محمد العبازي مصطفى محمد متراوحة بين الهم االجتماعي الصرف ،أو االجتماعي والسياسي،
التازي عبد الدرقاوي
عبد القادر محمد الركاب الواحد أو االجتماعي والثقافي ،وهي الس���مة التي سيتم التأكيد عليها
لقطع أحمد
ادريس املريني البوعناني محمد فيم���ا بعد ،خاصة أن الهوس بما هو اجتماعي ،له أس���باب ذاتية
املخرجون
غي���ر أن ما تتس���م به ه���ذه المرحلة هو ظهور أف�ل�ام عرفت كيف نالحظ أن البداية كانت ش���به فطرية بمخرج واحد اش���تغل
تج���ذب الجمهور مثل أفالم حس���ن بنجلون (ع���رس اآلخرين ،يا بإمكانيات���ه الذاتية ،وبتأثير واضح من الس���ينما األمريكية التي
ريت ،أصدقاء األمس) وأفالم حكيم نوري (المطرقة والس���ندان، كانت مهيمنة آنذاك وبأبطالها المش���هورين مثل طارزان وشارلي
عبروا ف���ي صمت ،الطفولة المغتصبة) وأفالم محمد عبد الرحمن ش���ابلن ثم انطلقت فترة الس���تينات بأس���ماء قليلة جدا ش���كلت
الت���ازي (البحث ع���ن زوج امرأتي ،ال ال حبي) وبروز أيضا أفالم الدفعة األولى من خريجي المدارس الس���ينمائية األجنبية (فرنسا
قوي���ة مثل أفالم الجياللي فرحاتي (ش���اطئ األطفال الضائعين، وبولوني���ا) ،وكانت هذه الدفع���ة بمثابة نبتة في خالء مقفر ،حيث
خيول الحظ) ،وأفالم سعد الشرايبي (أيام من حياة عادية ،نساء ال توجد س���ينما وال حركة سينمائية ،بمعنى أن السينما لم توجد
ونساء).)26(... آن���ذاك في خريط���ة اهتمام الدولة ،وال ضمن طم���وح البورجوازية
الصاعدة ،دون أن نذكر ش���روط اإلنتاج والتسويق واالستغالل في
ظل هيمنة مطلقة لنمط من االس���تهالك البصري الذي شكلت فيه
المبحث الثاني :الحضور االجتماعي الس���ينما األمريكية العمود الفقري ،أما فترة التسعينات فتميزت
في السينما المغربية أساس���ا بظهور مجموعة من األفالم الطويلة (حوالي 15ش���ريط)
واألفالم القصيرة ( 30فيلما)(.)22
ما يمكن أن نس���جله حول ه���ذه الحقبة هو بروز توجه نحو 1-2الحضور بالقوة:
بناء ما يمكن أن نسميه بالسينما الوطنية ،سينما تنفرد بموضوع
كل القص���ص تج���ري ف���ي المجتم���ع ،وفي زم���ن معلوم، خاص وأس���لوب متمي���ز ،أي س���ينما تبني موضوعه���ا من خالل
بحضور ش���خصيات واقعية وفضاءات طبيعية ،إنه ذلك الحضور الواقع المغربي ،ومن خالل متخيل وطني ،س���ينما طموحة بأدوات
«البديه���ي» ال���ذي ينم عن وج���ود عالقة ضرورية بين اإلنس���ان متواضعة وبرؤى متميزة تتماشى وتلك اإلمكانيات ،مع االحتفاظ
والمجتمع ،إذ لم يعد اإلنس���ان كما قال ماركس «كائنا اجتماعيا دائما بهوية محددة.
()27
فحس���ب بل حي���وان ال تتحقق فردانيته إال داخ���ل المجتمع» وظهرت أسماء مثل حميد بناني بفيلم «وشمة» ()1970
نتح���دث هن���ا عن وعي لم يص���ل إلى تحديد عالق���ة محددة بين وسهيل بنبركة بفيلم «ألف يد ويد» ( )23()1972وأحمد المعنوني
الف���ن عموما والمجتمع ،لق���د كانت البداية مع مح���اكاة األفالم بفيلم «ليام ليام»( ،)24()1978ال يمكن أن نغفل أن هذه الفترة
الغنائي���ة المصرية ،بفيل���م «الحياة كفاح» وال���ذي أخرجه محمد كانت صعبة من الناحية االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،فترة
التازي واحمد المس���ناوي سنة ،1968أريد لهذا الفيلم أن يكون غليان سياس���ي وصدام بين المعارضة والحكم ،فترة عرفت قمعا
نس���خة ألفالم عب���د الحليم حاف���ظ :ميلودرام���ا غنائية تتضمن واعتقاالت ،أما س���نوات الثمانينات فكانت بداية لظهور سينما
«الكفاح» كقيمة في الحياة من خالل شاب ينحت نجاحه بالعمل مغربية واضحة المعالم بأفكار جديدة ،خاصة أن الدعم المؤسسي
راس���ما قدره باختيار الفن كطريق ال يخلو من عوائق .تلته أفالم (ممثال في الدعم الذي يقدمه المركز الس���ينمائي المغربي) جعل
بنفس التيمة لكن بمضامين أخرى تحاول أن ترس���م مالمح جديدة حركة اإلنتاج تتحرك وتتحرك معها األفكار والمش���اريع ،وش���كل
لقص���ص قديم���ة :الصراع من أج���ل العيش والبح���ث عن الذات ه���ذا الدعم خلفية أساس���ية لمجموع الخط���وات التي بادرت إلى
(شمس الربيع ،عندما تنضج الثمار ،ساعي البريد ،ابن السبيل، صياغة مش���اريع ومشاريع المشاريع ،بل اس���تقطبت حتى الذين
عرس اآلخرين ،ش���مس ،بامو ،إبراهيم ياش ،المطرقة والس���ندان، يئس���وا من العمل في مجال الس���ينما ،ومن األف�ل�ام التي برزت
حادة ،نهيق الروح ،الناعورة ،س���يدة القاهرة ،يا ريت ،أوش���تام، خالل هذه الفترة ،عرائس من قصب للجياللي فرحاتي (،)1981
أصدق���اء األمس ،مبروك ،)...ه���ي حكايات من النوع التقليدي الح���ال ألحمد المعنوني (« )1981ح�ل�اق درب الفقراء» لمحمد
يحضر فيها المجتمع كإطار لألحداث ،وفضاء لمجمل الصراعات ()25
الركاب ( )1982باب السماء مفتوح لفريدة بليزيد ()1989
واس���تعادة الذات ،ال يحضر المجتمع إال كخلفية لس���يناريوهات أما فترة التس���عينات فقد أعطت أس���ماء جديدة ارتبطت باألندية
محبوك���ة على الطريق���ة التقليدية بأبطال خيرين وآخرين أش���رار، السينمائية مثل سعد الشرايبي وإدريس شويكة ،وبثقافة محترمة
هناك قوة ما تقف في وجه األبطال ،هي سلطة على وجه التحديد في المجال الس���ينمائي مثل عبد القادر لقطع ،ومحمد إسماعيل
(المال والجاه والتقاليد البالية) أو مجموعة من األش���رار بشعين وداوود أوالد الس���يد وجمال بلمجدوب ونبي���ل عيوش وغيرهم...
في الغالب.
دراسات وقراءات األزمنة احلديثة > العدد 8 174
السينما املغربية بني تأكيد الذات واحلضور االجتماعي
وال ال حب���ي ( )1996وجارات أبي موس���ى ( )2003اهتم أكثر جدول رقم :3نماذج يحضر فيها االجتماعي بالقوة
«باالجتماعي» البس���يط ،والميلودراما المس���تهلكة القريبة من الحضور االجتماعي
قوى اخلير قوى الشر الفضاء موضوع الصراع الجمهور البسيط إن لم نقل الحس العام الذي تحضر فيه القصة، األفالم
والح���وار و»الحدوثة» عل���ى الطريقة المصري���ة ،إذ يغلب الطابع الطموح الحياة كفاح ابن النجار أعداء النجاح املدينة
التقليدي على المضامين واللغة الس���ينمائية ،مع شحن المشاهد احلوالة البروقراطية اإلدارة املطرقة والسندان املوظف
بالحوارات وغياب الحس التجريبي ،وميول واضح نحو س���يناريو
القيم الطريق اآلخرين السائق ابن السبيل
يس���تميل الجمهور ،ويدغدغ عواطفه خاصة أن فيلم «البحث عن
الشغل عرس اآلخرين املستخدم البورجوازية األعراس
زوج امرأت���ي» اعتبر آنذاك عالمة عل���ى التصالح المفترض بين
في هذه األفالم نجد تقريبا مس���ارا خطيا مستقيما تتخذه السينما والجمهور(.)28
الكتاب���ة الدرامي���ة للتعبي���ر ع���ن قصة لها نس���خ متع���ددة مثال
الحي���اة كفاح ( )1968قصة لها م���ا يقابلها في الثمانينات أي 2-2الحضور بالفعل
إذا كان الحض���ور األول ال ينم عن توجه اجتماعي مقصود «دموع الندم» لحس���ن المفتي (« .)1982المطرقة والسندان»
قص���ة موظف تتعبه البروقراطية اإلداري���ة من أجل الحصول على وال يعب���ر عن قضايا ذات قيمة اجتماعي���ة ،بمعنى أن الموضوع
تقاعده ،وهي تش���به قصة «إبراهيم ياش» لنبيل لحلو ( )1982لم يتحدد كإش���كال اجتماعي و فلس���في أو فني ...فهو يحاكي
وه���ي تحكي أيضا عن ضياع مل���ف إبراهيم بومالفي في متاهمة في صيغة أفالطونية مبسطة الواقع كما يحاكي األفالم األمريكية
والمصرية.ستعطينا الس���ينما المغربية أنماطا أخرى في التعامل البروقراطية.
أم���ا فيلم «اب���ن الس���بيل» ( )1981فيعتب���ر من أفالم م���ع المجتمع المغربي ،التي تأخذ ش���كال أكثر عمقا ،وس���نكون
الطريق الذي أراد له المخرج محمد عبد الرحمان التازي أن يكون أم���ام مخرجين (الجيالل���ي فرحاتي ،مومن الس���ميحي ،محمد
رحلة من الجنوب إلى الشمال وهي مسافة تعبر عن قيم تتدرج من الركاب ،محمد إسماعيل ،احمد البوعناني ،احمد المعنوني)...
االمتالء إلى العراء ،ليضيع كل شيء ،الحمولة والشاحنة والسائق .لهم مواقف محددة يودون التعبير عنها ،وسيصبح المجتمع أكثر
وسيعود مخرجون آخرون للتعبير عن نفس الفكرة بمضامين أخرى من خلفية لألحداث ،بل مقدمة لكل األحداث ،ستشتغل الذاكرة،
مثل إس���ماعيل فاروخي في «الرحلة الكبرى» ( ،)2004والذي كم���ا اللغة الس���ينمائية ،وبقليل من الج���رأة وبكثير من الطموح
س���يجعل جيلين يتقابالن(األب واإلبن) من خالل رحلة مش���تركة س���يضع هؤالء المجتمع المغربي كأرضية لبناء المحكي وصياغة
عبر سيارة س���تقطع مسافة حقيقية بين فرنسا ومكة .أما «عرس المرئي وتأس���يس مالمح س���ينما وطنية ،وبعد ما كان االجتماعي
()29
اآلخرين» ( )1990فهو فيلم أق���رب إلى الدراما التلفزيونية في حاضرا بالقوة ،س���يصبح هذا الحضور فعليا ،وبشهادة النقاد
فقد ساهم كل من حميد بناني بفيلمه «وشمة» ( )1970وسهيل مقاربته لمشاكل الشغل واالستقرار العائلي.
إن الحض���ور االجتماع���ي ال���ذي برز في األفالم الس���ابقة بنبركة بفيلم «ألف يد ويد» ( )1972في إعطاء الضوء األخضر
ه���و أقرب إلى تصوير الواقع بش���كل يحاكي الموضوع المحكي ،لب���روز مالمح من هذا النوع ،ال يمكن في الصدد أن نغفل هذين
وغير خ���اف أن المجتمع أعقد بكثير من هذه الرؤى النمطية ،إن الفيلمي���ن ،فهما يؤسس���ان بالفعل لنمط جديد م���ن التعامل مع
اس���تحضار المضمون االجتماعي في األفالم الس���ينمائية يتكرر المجتمع ،وبالرغم من الطباع الس���يكولوجي الواضح للفيلم األول
بش���كل متش���ابه لدى المخرجين ،إذ أن حس���ن بن جلون وحكيم خاص���ة في إبراز النم���و األزمي لبطل الفيلم ف���ي طفولته في ظل
ن���وري ،يتش���ابهان في أس���لوب التعاطي مع المجتم���ع ،ألنهما س���لطة األب ،والطاب���ع االجتماعي للفيلم الثان���ي الذي نجح في
يحكيان بالمعنى التقليدي ،أي ينقالن ما هو موجود ،ويتصوران تس���ليط الضوء على االستغالل وهو ما يشير إليه العنوان «ألف
معا الس���رد الس���ينمائي في ش���كل مس���تقيم تحضر فيه القصة ي���د ويد» فه���ذان الفيلمان «يتجاوزان الرؤي���ة المقبولة التي كان
الواقعية بش���كل تحتفظ عناص���ر الحكاية بوضعه���ا التقليدي ،ينتجها المركز السينمائي المغربي»(.)31(،)30
إذ ال يجرب هؤالء أدوات جديدة في اس���تحضار «االجتماعي»،
ونفس الشيء تقريبا يحضر لدى محمد عبد الرحمان التازي الذي
ب���دأ مجربا في فيلم «باديس» ومنوعا في طريقة التصوير وس���رد
األحداث ،غير أنه في أفالم «البحث عن زوج امرأتي»()1993
175 األزمنة احلديثة > العدد 8 فريد بوجيدة
ج���دول رقم :4الحض���ور االجتماعي من القوة إلى الفعل :ال���ذي برزف���ي أفالم أخرى خاص���ة «عبروا في صمت» «وس���ارق
األح�ل�ام» كما نس���جت مخيلة بعض الس���ينمائيين أفالما نهلت نماذج تمثيلية
مم���ا هو اجتماعي م���ادة الحكي مثل محمد العب���ازي في فيلمه القيمة القصد املعطى الفضاء الفيلم املخرج
«من الواد لهيه» ( )1982وعبد القادر لقطع في «حب في الدار العدالة الرزابي االستغالل ورشة ألف يد ويد سهيل
العمل 1972 بنبركة
البيض���اء» ( )1992وغيرها من األفالم التي حضر فيها الجانب
العدالة الظلم معاناة درب حالق محمد
االجتماعي ،دون أن ترس���م عالمات في تاريخ السينما المغربية، االجتماعية مواطنني الفقراء الفقراء الركاب
مث���ل فيل���م غراميات للطي���ف لحلو ( )1986وفيلم «ش���مس» 1982
للنجي���ب الصفريوي« ،ونهي���ق الروح» لنبيل لحل���و (،)1984 التهميش غياب احلياة اليام اليام نواحي الدار أحمد
االجتماعي تنمية اليومية البيضاء 1978 املعنوني
ونختم هذا الجانب بالتأكيد على ش���يء أساسي سنعاود التأكيد حقيقية والرغبة
في الهجرة
عليه كل مرة هو أن التركيز على ما هو اجتماعي نابع أساسا من
التفاوت اغتصاب تشغيل البيت الطفولة حكيم نوري
املغتصبة حيث نظام األطفال الطفولة االجتماعي ما عدم قدرة المخ���رج المغربي على المغامرة من جهة ،ومن ابتعاده
بني األسياد السخرة 1993
عل���ى الحس التجريبي وقربه من التيم���ات التي يطلبها الجمهور والعبيد والعبودية
يمكن أن نقرأ هذا الجدول كرونولوجيا انطالقا من الحضور والهياكل القائمة(.)36
خالصة
عن أوضاع
تعديل املدونة نساء سعد
الالمساواة املرأة مدونة األسرة
اخلاصة باألسرة ونساء
1
شرايبي
وإبراز مشاكل
النوع
ما يمكن أن نستخلصه أن السينما المغربية لم تبدأ فقط
الكشف عن
في الس���تينات مع فيلم «الحي���اة كفاح» ،بل امتدادها بعيدا مع حسن
إطالق املعتقلني سواد التجربة االعتقال اإلنصاف الغرفة
بن
السياسيني ومعاناة السياسي واملصاحلة 2
السوداء
فيل���م «االبن العاق» ،وككل بداية كان���ت الخطوة األولى ناقصة أبطالها
جلون
من الناحي���ة التقنية والحرفية ،كانت عب���ارة عن محاكاة لألفالم الكشف عن االهتمام
تأسيس عدة
األمريكية والمصرية ،وال يمكن أن نعتبر األفالم التي صورت في جمعيات تهم
حجم الظاهرة
أطفال
بالطفولة
نبيل
وإدانة غير وإعداد علي زاوا
3
بداية القرن العشرين أفالما مغربية ألنها اتخذت فقط من المغرب الطفل واألمهات
مباشرة
الشوارع
برامج خاصة
عيوش
العازبات
فضاء للتصوير ،إن استعادة الذات لم تبدأ فعال إال في الستينات للمجتمع باملستقبل