Professional Documents
Culture Documents
الحصانة القضائية للمحكم بين الإطلاق والتقييد دراسة مقارنة
الحصانة القضائية للمحكم بين الإطلاق والتقييد دراسة مقارنة
العيساوي حسين
( أستاذ محاضر – ب -جامعة املسيلة )
مقدمة
متى كان التحكيم وسيلة عصرية تتسم باملرونة في حل املنازعات ال سيما التجارية
منها على يد أشخاص يسمون باملحكمين .فمن مزاياها توفير الوقت والجهد وحفظ
األسرارالتجارية ال سيما ملا يتعلق األمربالشركات العمالقة.
وقد اهتم املجتمع الدولي بتنظيم التحكيم في العالقات االقتصادية الدولية منذ
نهاية الحرب العاملية األولى في ، 1918حيث أسفرت جهود عصبة األمم عن وثيقتين هما
:برتوكول جنيف لسنة 1923الذي تناول بالتنصيص شروط التحكيم واتفاقية جنيف
لسنة 1927املتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم.
ونظرا التساع مساحة العالقات التجارية بين األفراد واملؤسسات وحتى الدول ،
فال يكاد يخلو عقد من العقود التجارية من النص على كيفية حل املنازعة التي تنشأ
بين املتعاقدين الحقا ،بل وصل بهما اإلصرارعلى تضمين ذلك الشرط التحكيمي ضمن
عقودهما خاصة تلك التي تبرمها مع الدول ال سيما دول العالم الثالث منها بحجة عدم
الثقة في قضائها الذي تصفه في كثير من الحاالت بعدم االستقاللية ،األمر الذي يدفع
بها إلى االحترازخوفا من املغامرة في االستثماربتلك الدول ،وكثيرا ما كانت عقود االمتياز
النفطية مكانا خصبا لهذا الشرط التحكيمي.
117
املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية
ومن نتائج ذلك الشرط التحكيمي إسناد الفصل في النزاع إلى هيئة للتحكيم
يعينها األطراف أو عن طريق إحدى مؤسسات التحكيم التجاري الدولي التابعة لبعض
الهيئات مثل غرفة التجارية الدولية بباريس.
وكما هو معلوم فإن املحكم يفصل في النزاع بحكم يمهر الحقا بصيغة التنفيذ
فيصبح سندا تنفيذيا وهو بهذه املثابة يكون قد قام بعمل يشبه عمل القضاة التابعين
للنظام القضائي للدولة الحالة التي تنتج عنها مشكلة مدى قابلية هذا املحكم للمساءلة
القضائية عندما يرتكب خطأ بمناسبة وظيفته القضائية ( مع التحفظ على التسمية
لوجود اختالف فقهي حول تكييف عمل املحكم ) أم أنه محصن في مواجهة أية مالحقة
قضائية تماما كما هو الشأن بالنسبة للقضاة ؟ خاصة إذا علمنا أن االتجاه املعاصر
بالنسبة ملسؤولية القضاة يميل إلى تحميلها للدولة ،فمن يتحمل مسؤولية املحكم هل
هو نفسه ( في التحكيم الحر ) وعندما يكون التحكيم مؤسساتيا هل يتحملها عنه املركز
التحكيمي الذي ينتمي إليه املحكم ؟ وإذا كان املركز التحكيمي موجودا على أرض دولة
ما وبموافقتها فهل تتحمل عنه املسؤولية ؟ تلكم هي أهم املحاور التي أتناولها بالدراسة
والتحليل .
أهداف الدراسة :
تهدف هذه الدراسة إلى بيان مدى ونطاق وأساس مسؤولية املدنية للمحكم في ظل
قانون التحكيم الجزائري مقارنا بغيره من األنظمة القانونية ؟
هل أن االعتراف بمسؤولية املحكم تدعم التحكيم وتشجع عليه أم على العكس
من ذلك تقوضه وتحد من اللجوء إليه ؟
اإلطارالنظري للدراسة :
تنقسم هذه الدراسة إلى مقدمة تحتوي على إشكالية وتساؤالت وأهداف ،ومبحثين
األول يتناول طبيعة عمل املحكم وبعبارة أوضح املحكم قاض .ويتناول املبحث الثاني
كيفية حماية املحكم أو حصانة املحكم وحدود هذه الحصانة وأساس مسؤوليته
املدنية مقارنة بمسؤولية القا�ضي وتنتهي الدراسة بخاتمة وتوصيات .
118
الحصانة القضائية للمحكم بين اإلطالق و التقييد (دراسة مقارنة )
أما منهج الدراسة فيعتمد على املقارنة والتحليل .وقبل الخوض في املوضوع يجدر
بنا أن نتساءل عن مهمة املحكم هل هو قاض أم مؤدي خدمات
) ? (L’arbitre est un juge ou prestataire de service
املبحث األول :املحكم قاض
مما ال شك فيه أن املحكم وهو يقوم بوظيفته التي وجد من أجلها وهي الفصل في
املنازعات التي يخولها القانون إياه بناء على رغبة أطراف الخصومة بإسناد حلها إلى
محكم بدال من قضائها الطبيعي وهو قضاء الدولة ،لذا وجب تعريف املحكم في (مطلب
أول) بوصفه محور هذه الدراسة ثم بيان مهمته في ( املطلب الثاني .
املطلب األول :تعريف املحكم
تعريف املحكم ال يمكن أن يكون بمعزل عن تعريف املهمة ذاتها وهي التحكيم.إذ
لم تعرف جل القوانين املنظمة ملادة التحكيم ،املقصود به تاركة ذلك للفقه .ومع
هذا فإن بعضا من التشريعات ومنها التشريع املصري رقم 27لسنة 1994عرفه باآلتي :
«ينصرف لفظ التحكيم في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا نزاع
بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم بمقت�ضى اتفاق الطرفين
1
منظمة أو مركزا دائما للتحكيم أو لم يكن كذلك ».
أما الفقه فقد أسهب في التعريف ،ففي فرنسا عرفه األستاذ Motulskyبأنه :
«الحكم في منازعة بواسطة أشخاص يتم اختيارهم ،كأصل عام ،بواسطة أشخاص
آخرين ،وذلك بموجب اتفاق».كما عرفه األستاذ Jean Robertبقوله « :يقصد
بالتحكيم تحقيق العدالة الخاصة وهي إليه وفقا لها يتم سلب املنازعات من الخضوع
لوالية القضاء العام لكي يتم الفصل فيها بواسطة أفراد عهد إليهم بهذه املهمة في واقعة
الحال ».وبدوره عرفه األستاذ René Davidبأنه « :آلية تهدف إلى الفصل في مسألة
-1حفيظة السيد الحداد ،املوجزفي النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي ،منشورات الحلبي
الحقوقية ،الطبعة األولى ،2004 ،ص .40
119
املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية
تتعلق بالعالقات القائمة بين طرفين أو عدة أطراف بواسطة شخص أو عدة أشخاص
– املحكم أو املحكمين – والذين يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص ويفصلون في
1
املنازعة بناء على هذا االتفاق ،دون أن يكونوا مخولين بهذه املهمة من قبل الدولة».
كما عرفه األستاذ Charles Jarrossonبقوله « :التحكيم هو مؤسسة بواسطتها يحل
2
أحد من الغيرخالفا بين شخصين أو أكثر ،ممارسا ملهمة قضائية يعهدون بها إليه ».
وعرفه الدكتور أبو الوفا بأنه من خالل املحكم نفسه بقوله « :بأنه شخص يتمتع
بثقة الخصوم ،أولوه عناية الفصل في خصومة قائمة بينهم ،وقد يتم تعيينه من جانب
املحكمة إذا كان التشريع يجيزذلك للقيام بذات املهمة املتقدمة 3».أما املشرع الجزائري
فلم يعرف التحكيم سواء في املرسوم التشريعي /93أو في قانون اإلجراءات املدنية
واإلدارية 09/ 08تاركا ذلك للفقه والقضاء،كما لم يعرف املحكم ( . )l’arbitreال�شيء
نفسه في تشريعات عربية مقارنة رغم حداثتها ومنها تشريع التحكيم األردني رقم 31
لسنة 2011والكويتي رقم 11لسنة 1995وقبله في قانون املرافعات املدنية والتجارية
رقم 38لسنة .1980وقد عرف بعض الفقه املحكم بأنه من يعهد إليه بالفصل في
النزاع املعروض على التحكيم أو هو قاض بكل معنى الكلمة ويخضع حتما لكل ما ينص
عليه القانون من مبادئ وقواعد ،فاملحكم كالقا�ضي يباشرمهمته بحرية تامة ولحكمه
خصائص األحكام القضائية الصادرة عن القضاء العادي للدولة.كما عرفه جانب آخر
بأنه الشخص الذي ينيط به املتخاصمان مهمة الفصل في نزاع حال أو محتمل بينهما
أو من تعينه املحكمة استنادا إلرادة األطراف ذات املهمة بحدود صالحياتها املنصوص
4
عليها في قانون التحكيم ويتمتع بالصفات الواجبة قانونا.
Philippe Fouchard , Emmanuel Gaillard , Berthold Goldman, traité de l’arbitrage -1
.commercial international , Delta 1996, p11
-2حفيظة الحداد ،نفس املرجع ،ص .43
-3أبو الوفا أحمد ،التحكيم االختياري واإلجباري ،منشأة املعارف ( اإلسكندرية ) دون سنة نشر،
ص .153
-4حمد حمود الصانع ،املسؤولية املدنية للمحكم ،رسالة ماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة
الشرق األوسط ، 2012ص16
120
الحصانة القضائية للمحكم بين اإلطالق و التقييد (دراسة مقارنة )
من خالل التعريفات السابقة يمكنني أن أعرف املحكم بأنه شخص طبيعي تسند
له مهمة قضائية بناء على اتفاقية بين الخصوم للفصل في خصومة قائمة بينهما على
أن يرتضيا بما يصدرعنه من أحكام ويمكن أن يكون ذلك ضمن مؤسسة تحكيم دائمة
أو لحاالت خاصة فقط (.)Arbitrage institutionnel ou Ad hoc
املطلب الثاني :وظي ـ ــفة املحكم
يستمد املحكم مهمته للفصل في الخالف القائم بين طرفيه من خالل اتفاقية
يعقدونها ويسندون بموجبها حل نزاعهم إلى شخص من الخواص يتفقان عليه بحرية
تامة ،على أن تتوفر فيه شروط يضعها املشرع حسب مكان التحكيم ،وكذلك نصت
عليها بعض االتفاقيات الدولية ذات الصلة منها مثال القانون النموذجي للتحكيم
التجاري الدولي لألمم املتحدة ()CNUDCIأو من خالل لوائح التحكيم املؤسساتي.1
ومع أن املحكم يستمد سلطاته من اتفاق األطراف ،األمر الذي يضفي عليه الطابع
التعاقدي ،إال أنه فوق ذلك فهو يتسم بالطابع القضائي كونه يفصل في خصام بين
األطراف بموجب حكم تحكيمي له حجية ال�شيء املق�ضي فيه ويصبح قابال للتنفيذ بعد
إمهاره بالصيغة التنفيذية بعد إتباع إجراءات محددة رسمتها قوانين املرافعات الداخلية
في كل دولة باعتباره سندا تنفيذيا ومنه التشريع الجزائري ( 2املواد 1036- 600-1035-
1051-1054ق ا م إ).
ال أريد الخوض في تكييف التحكيم ألنها مسألة أسالت كثيرا من الحبروال تفيدني في
هذا البحث .وعلى هذا نمر إلى بيان الشروط الواجب توفرها في شخص املحكم في فرع
أول ،وأسباب رده في فرع ثان على النحو اآلتي .
-1انظر على سبيل املثال نص املادة 13من قواعد التحكيم ملركز املصالحة و الوساطة والتحكيم
للغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة 2016املنشورة بموقع املركز caci. dz.www
-2القانون 09/ 08املتضمن قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية الجزائري ،الصادر بتاريخ 02 / 25
2008/املنشور بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية في 23/04/2008عدد 21
121
املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية
هذا وقد نصت املادة 1016ق ا م ا الجزائري عن حاالت رد املحكم ومنها قول النص
« ...عندما يتبين من الظروف شبهة مشروعة في استقالليته »...وهذا تأكيد وحرص من
املشرع على وجوب توفراالستقاللية في شخص املحكم تحت طائلة رده .
من جهتها قضت محكمة النقض الفرنسية في قرارمبدئي لها بهذا الخصوص قائلة
بأن استقاللية الضمير�شيء ال مناص منه ملمارسة الوظيفة القضائية مهما كان مصدرها
،فهي إحدى الصفات الجوهرية في املحكمين 1.وتبعتها في ذلك محكمة استئناف باريس
بقراره الصادر في 1972/ 06/ 08ومحكمة املنازعات الكبرى لنفس املدينة في 03/ 22
.1983/
وبدوره نص القانون النموذجي الصادرعن لجنة األمم املتحدة للقانون الدولي على
ضرورة استقالل املحكم في املادة 2/ 12وكذلك اتجه املشرع الهولندي في املادة ،1033
وقانون التحكيم التون�سي في املادة .57
نفس التوجهات أخذت بها لوائح التحكيم الصادرة عن بعض الهيئات التحكيمية
مثل نظام غرفة التجارة الدولية ( م ) 7/ 2واتفاقية واشنطن املؤرخة في 03/ 18
1965/التي أنشأت مركزا للتحكيم يضم قائمة بأسماء املحكمين شريطة أن يتصفوا
باالستقالل في ممارسة وظائفهم ( م .)1/ 14
ومن جهته وضع االتحاد الدولي للمحامين نظاما عام 1987حول قواعد وسلوك
املحكمين الدوليين وق�ضى بأن املحكم يجب أن يتحلى باالستقالل عن األطراف في أي
2
عالقة تربطه بهم أو بشخص آخرله عالقة باألطراف.
أخيرا يمكننا االستشهاد بنص املادة 6من االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان
التي أوصت بحق الفرد في أن تنظر قضيته من طرف محكمة محايدة ومستقلة.غير أن
املشكل املطروح يتعلق بتقدير تلك االستقاللية وذلك الحياد ،إذ أن املسألة نفسية
1- Affaire Ury c/ Galerie Lafayette , in le traité de l’arbitrage…op.cit., p 580
-2ناصر محمد الشرمان ،املركز القانوني للمحكم في التحكيم التجاري الدولي ،مركز الدراسات
العربية للنشروالتوزيع ،الطبعة األولى ، 2015ص . . 163
123
املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية
بحتة ،فقد يتسرب الشك إلى نفسية أحد الخصوم أو ربما كليهما للقدح في استقاللية
املحكم دون ان يكون شكهما في محله ؛ وهي املسألة التي عالجتها املحكمة الفدرالية
السويسرية في ، 1990/ 05/ 11فالشك يجب أن يكون له ما يبرره .وهذا موقف املشرع
املصري في املادة 1/ 18من قانون التحكيم 1 ،وكذلك منحى املشرع التون�سي في املادة 57
.1/ومن القرائن الدالة على غياب الحياد واالستقاللية أن يكون أحد الخصوم يحمل
جنسية املحكم ،ومع ذلك يمكن اإلبقاء عليه باتفاق الطرفين .أما إذا تمسك أحدهما
برده ،فإن لطلب الرد ما يبرره وهو الخوف من عدم استقاللية املحكم وحيدته.
ثانيا :شروط أخرى يجب توفرها في شخص املحكم وجزاء تخلفها
- 1ملمارسة مهمة املحكم وضعت التشريعات املختلفة شروطا يجب أن تتوفر في
شخص كل من يترشح ملمارسة هذه املهمة القضائية النبيلة؛ ومن بينها املادة 1014
من التشريع الجزائري التي اشترطت في تولي وظيفة املحكم ،أن يكون الشخص متمتعا
بحقوقه املدنية .بينما اشترطت املادة 10من مجلة التحكيم التونسية «أن يكون املحكم
بالغا سن الرشد ،وأن يكون كفؤا ومتمتعا بكامل حقوقه املدنية» فضال عن االستقاللية
والحياد إزاء األطراف؛مع انتفاء املصلحة تجاههم 2.أما املشرع املصري فقد حرص من
جهته على أال يكون املحكم قاصرا وال محجورا عليه أو محروما من حقوقه املدنية
بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهرإفالسه ولم يرد إليه
اعتباره ( م .) 1/ 16ويقصد باألهلية هنا تلك الصفة التي تلحق بالشخص ويتحدد على
أساسها قدرته الكتساب الحقوق والتحمل بااللتزامات وممارسة التصرفات القانونية.
والشروط التي ورد النص عليها باملادة 1/ 16من قانون التحكيم املصري يمكن أن
3
تترجم إلى شرط وحيد وهو ضرورة تمتع املحكم باألهلية املدنية الكاملة.
-1منير عبد املجيد ،األسس العامة للتحكيم التجاري الدولي ،منشأة املعارف ( االسكندرية ) ،
، 2000ص 169
-2مصطفى الجمال وعكاشة عبد العال ،التحكيم في العالقات الخاصة الدولية والداخلية ،
الحلبي الحقوقية ،ط 1998 ،1ص207
-3ناصرمحمد الشرمان ،مرجع سابق ،ص 149وما بعدها .
124
الحصانة القضائية للمحكم بين اإلطالق و التقييد (دراسة مقارنة )
وقد يتبادرإلى الذهن سؤال مهم يتعلق بمدى قابلية قا�ضي الدولة ألن يختارمحكما؟
وجوابا على ذلك نقول أن القانون التون�سي مثال أجاز للقا�ضي والعون العمومي ،أن
يكونا محكمين شريطة عدم اإلخالل بالوظائف األصلية ،والحصول على ترخيص
مسبق من السلطة املختصة قبل القيام بأية مهمة في التحكيم .ولألسف ال نجد نصا
مماثال في التشريع الجزائري ،وكنا نحبذ أن يزيل الغموض عن هذه املسألة ألن القا�ضي
عندما يتصف بالكفاءة العلمية املشهود له بها وبالنزاهة والخلق الرفيع يمكن االستعانة
به كمحكم يقدم إضافة إلى العملية التحكيمية؛ لكنه بهذا الغموض قد يساءل بتهمة
اإلخالل بواجب التحفظ ؟ وهنا يمكن األخذ بموقف املشرع األردني في املادة 17من
قانون استقاللية القضاء 1.ومن الشروط الواجب توفرها في بعض التشريعات ،شرط
الجنسية إذ ال يمكن لألجنبي أن يمارس مهمة املحكم على أراضيها كالتشريع الكولومبي
مثال .ويشترط البعض اآلخر شرط اإلسالم في املحكم ،فال يجوز لغير املسلم أن يمارس
تحكيما على أرض السعودية ،وفي هذا السياق يقول الدكتور عبد الحميد األحدب بأن
االتجاه الغالب في الفقه في اعتبارأن املحكم يقت�ضي أن يتمتع باملزايا نفسها التي يقت�ضي
أن تكون للقا�ضي وأن يداوم على التحلي بها طيلة الدعوى التحكيمية .
ويقت�ضي أن يكون القا�ضي،وفقا ألحكام املجلة ( يقصد هنا مجلة األحكام العدلية
لقدري باشا التي كانت مطبقة إبان الحكم العثماني ) ذكرا بالغا ،حكيما حرا ،مسلما
وعادال .كما يقت�ضي أن تكون له الصفات التي تخوله الشهادة ،وبالتالي ال يمكن أن
يعين حكما كل من املرأة والقاصر والعبد وامل�سيء والفاسق .ووفقا للنظرية السائدة
فإنه ليس باإلمكان تعيين غير املسلمين حكاما وهذا التوجه مستوحى من اآلية القرآنية
الكريمة التي تقول « ولن يجعل هللا للكافرين على املؤمنين سبيال» األمر الذي يدل على
أن غيراملسلم ال يمكنه أن يكون وصيا على مسلم .ويدخل في نطاق ذلك وصاية املحكم
على الفرقاء ،ووصاية الزوج على زوجته ،وهذا التوجه الغالب يعتبرأن هذا هو السبب
الذي سمح اإلسالم به بزواج مسلم من كتابية دون أن يسمح بزواج مسلمة من كتابي.
1
هذا الرأي بخالف بعض التشريعات كالفرن�سي واملعاهدات الدولية كاتفاقية جنيف
للتحكيم.2
- 2ال يكفي في املحكم أن يكون متمتعا بحقوقه املدنية أو من جنسية معينة أو
على دين معين حتى يتمكن من أداء مهمته القضائية ،بل يجب أيضا أن تتوفر فيه
مؤهالت القا�ضي .فاملحكم على الرأي الراجح في الفقه يقوم بمهمة قضائية حتى وإن
كانت له أيضا – أي التحكيم -الصفة التعاقدية بالنظر إلى الدور الذي تلعبه إرادة
الفرقاء في اختيار املحكم والقانون الواجب التطبيق على مسائل املوضوع واإلجراءات
ولغة التحكيم وما إلى ذلك .إال أن الغاية من وراء ذلك العقد التحكيمي هي بال شك
الفصل بإسناد في النزاع إلى محكم بدال من القا�ضي الطبيعي ( قا�ضي الدولة ) وعلى
هذا ،عادة ما يتفق الفرقاء على أن تكون في شخص املحكم مؤهالت معينة ،ومن ذلك
ما نصت عليه اتفاقية واشنطن ( )1965/ 03/ 18في مادتها 14حيث اشترطت فيمن
يترشح للتحكيم أن يتمتع بأخالق عالية ،وأن تكون لديه دراية معترف بها في املسائل
القانونية ،التجارية ،الصناعية أو املالية.
وفي تحكيم الطوائف ( ) Arbitrage corporatifعادة ما تنص لوائح التحكيم
على أن يكون املحكمون من املهنيين في الفرع املراد عرضه على التحكيم وليس لهذا
االختيارتأثيرعلى القاعدة القائلة بعدم جوازقضاء القا�ضي بمعلوماته الشخصية ،ألن
3
األطراف يتوقعون من املحكم تطبيق عادات التجارة الدولية .
وعلى العموم يجوز للفرقاء أن يشترطوا في املحكم صفات معينة ومحددة كالخبرة
املهنية في القطاع االقتصادي أو الدراية الكافية بنظام قانوني معين أو فرع من فروع
القانون بالتحديد( العلم الكافي بالقانون البحري أو الجوي.) ...
-1عبد الحميد األحدب التحكيم بالصلح في الشرع اإلسالمي مقال منشور في مجلة صادرة عن
معهد طرابلس الجامعي للدراسات اإلسالمية طرابلس لبنان 2000ص 195وما يليها .
2- Ph. Fouchard et autres , op. cit ., p473
-3منيرعبد املجيد ،مرجع سابق ،ص 175
126
الحصانة القضائية للمحكم بين اإلطالق و التقييد (دراسة مقارنة )
ومن جهته نص املشرع الفرن�سي على هذا االلتزام في املادة 1452من قانون اإلجراءات
املدنية الجديد ،وهو مذهب املشرع الهولندي ( م )1034وقانون واليتي كاليفورنيا( م
)83وتكساس ( م .)84كما تضمنت لوائح التحكيم الدولي نصوصا مماثلة ومنها على
سبيل املثال املادة 9من نظام غرفة التجارة الدولية واملادة 7/ 2من الئحة تحكيم مركز
1
،CIRDIواملادة 10من الئحة الجمعية اإليطالية للتحكيم .
- 2الصالحيات املخولة لسلطة تعيين املحكم
تملك كل من مراكز التحكيم والقضاء سلطة لتعيين املحكم تسمح لهما كذلك
باستبعاده عندما ال تتوفر فيه صفات االستقاللية والحياد املطلوبة في كل قاض من
قضاة النظام القضائي .وبناء عليه ،عندما نكون أمام تحكيم مؤسساتي أو مؤس�سي
( ) Arbitrage institutionnelيكفي الرجوع إلى اللوائح التي تحكم هذا املركز والتي
غالبا ما تحتوي على نصوص تبين كيفية تعيين املحكم وكيفية استبعاده من العملية
التحكيمية بتخلف إحدى الشروط املطلوبة .أما التحكيم الحر ()Arbitrage Adoc
ففيه يملك املحكم املختار صالحية واسعة لتعيين املحكمين اآلخرين للجلوس بجانبه
في املهمة التحكيمية ويمارس هذه الصالحية قبليا ( ، ) à prioriإذ عادة ما يفتقر
الشرط التحكيمي لبند يتناول هذه املسألة بالنص عليها ،أو حتى ضمن اللوائح املحتمل
تطبيقها ،مثل نظام اليونسترال .ومع ذلك فإن االلتزام بالكشف يعد من املبادئ العامة
املطبقة على كل تحكيم دولي.
أما القا�ضي فعندما يكون مدعوا لتعيين املحكم بناء على إرادة الطرفين أو إعماال
للقانون الواجب التطبيق ،فإنه يملك وبكل تأكيد هذه الصالحية .
ثانيا :العقوبات الالحقة على تعيين املحكم
بعد أن يتم تعيين املحكم يجوز لكل طرف إثارة مسألة عدم استقالليته أو الحياده
أوحتى الطعن في كفاءته الخاصة التي تؤهله للقيام بمهمته .ولحل هذه املشكالت أجازت
التحكيم املصري ولم يحل إلى األسباب التي يرد بها القا�ضي بل أسسه على قيام ظروف
تثير شكوكا جدية حول حيدة املحكم أو استقالله1.أما الجزاء الثاني فيتمثل في رفض
تنفيذ الحكم التحكيمي .
- 2رفض تنفيذ القرارالتحكيمي أو إبطاله
عندما يتبين سبب الرد بعد النطق بالحكم التحكيمي أو عندما يرفض املركز
التحكيمي االستجابة لطلب الرد ،فإن الطرف الذي خسر دعواه يمكنه أن يحتج بهذه
الدفوع أثناء دعوى التنفيذ .
لقد أصدرت محكمة النقض الفرنسية قرارا ـ ـ ـ ـ وإن كان يخص التحكيم الداخلي
لكنه قابل للتطبيق على التحكيم التجاري الدولي ـ ـ ـ ـ في 13/04/1972بين Ury c /
، Galeries Lafayetteمفاده أن الطرف الذي يجهل الروابط املوجودة بين املحكم
وخصمه في النزاع التحكيمي ،يمكنه الطعن ببطالن االتفاقية التحكيمية على أساس
الغلط ( )L’erreurفي الصفات الجوهرية للمحكم وبالنتيجة بطالن حكمه لوجود عيب
في الرضا .ومن جهتها قضت محكمة استئناف باريس في القضية املعروفة بـ Société :
Raoul Duvalبإبطال حكم تحكيمي تأسيسا على مقتضيات املادة 1502من قانون
اإلجراءات املدنية الفرن�سي الجديد بدعوى تعيين محكم ال تتوفر فيه الضمانات
2
األساسية ومنها استقالليته عن األطراف .
أخيرا نشيرإلى أن الحكم التحكيمي الذي يخرق مبدأ الوجاهية بين أطرافه يمثل
مساسا بالنظام العام الدولي بعنوان املادة 1056ق ا م ا والتي تقابلها املادة 1502ق ا
م فرن�سي .وبعبارة أخرى فإن عدم احترام مبدأ الوجاهية يمثل كذلك خرقا للنظام العام
اإلجرائي ويعتبركذلك من مشموالت النظام العام اإلجرائي خرق حقوق الدفاع ملا تثبت
عالقة املحكم بأحد الخصوم .
بعد هذه اإلطاللة على العمل املحكم وشروط توليه مهمة التحكيم القضائية على
الراجح فقها ،نمر إلى املحور الثاني الخاص بضرورة حماية املحكم في مواجهة دعوى
املحتكم أو ما يعرف بالحصانة القضائية للمحكم .
املبحث الثاني :حماية املحكم
ملا كان املحكم يقوم بمهمة قضائية للفصل في خصومات أنيطت به بموجب عقد
التحكيم شأنه في ذلك شأن القا�ضي ،فقد كان من الواجب حمايته كما يحمى القا�ضي
التابع للنظام القضائي للدولة سواء أثناء سير الخصومة التحكيمية أو بعدها .1ولعل
أول حماية للمحكم هي صرامة الشروط املطلوبة لرده ،حتى ال يكون عرضة للتالعبات
واستبعاده ملجرد الشك ،بل أن ممارسة حق الرد يتم في كنف االحترام الصارم للقانون
واألكثر من ذلك أن املركز التحكيمي الذي يقوم بتعيين املحكم ال يملك رده بسهولة
وتلك إحدى مظاهرحماية املحكم.
ومع هذا فإن املحكم بعد أن يصدر حكمه قد يكون عرضة ملالحقات يقوم بها
عادة الطرف الذي خسر دعواه ؛ لذلك كان من الالزم توفير حماية قانونية له ضد
هذه املمارسات حفاظا على سمعة التحكيم ودعمه وانتشاره 2.وبعبارة أخرى يجب توفير
حماية قانونية للمحكم بعد إصداره لحكمه كما توفرالدولة حماية للقا�ضي عند قيامه
بنفس العمل ،لكي يشعراالثنان بالراحة والطمأنينة الالزمين لكل من يقوم بهذه املهمة
الشريفة وهي الفصل في الخصومات بين الناس .وتفريعا على ذلك تم تكريس مبدأ
يق�ضي بحصانة املحكم لكن في إطارحدود واستثناءات .
1- …Mais voila le principe de protection de l’arbitre contre les mises en causes person-
nelles auxquelles ils pourrait être confronté est unanimement reconnu .Cette protec-
tion confère à l’arbitre une véritable immunité qui lui permet de mener à bien sa mission
juridictionnelle. Voir la responsabilité de l’arbitre au regard du droit comparé , article sur
internet , le journal d’une doctorante.
-2في نفس املعنى انظر :ناصرالشرمان ،مرجع سابق ،ص 463
131
املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية
لإلشارة وما دام هذا القرار قد ساوى بين املحكم والقا�ضي في الحقوق والواجبات
فإن الدولة تحل محل القا�ضي في تحمل التعويضات على أساس الخطأ املرفقي ملرفق
العدالة والتي ال تقوم إال إذا تعلق األمر بخطأ جسيم أو عند إنكار العدالة ( م 127
من قانون التنظيم القضائي الفرن�سي ).إال أن هذا الطرح ال يصلح عندما يتعلق األمر
باملحكم ألنه ال ينتمي إلى النظام القضائي للدولة على اعتباره قضاء خاصا وهذا موقف
األستاذ (هنري موتولسكي ) والذي ساندته فيه محكمة النقض الفرنسية بقولها أن
املحكمين ال يمارسون أية وظائف عامة وبالنتيجة فإنه ال يمكن إقحام مسؤولية الدولة
بعنوان املادة 505ق ا م فرن�سي قديم ضمن ما يعرف بمخاصمة القضاة ،وأن مسؤولية
1
املحكمين أساسها الشروط الواردة في القانون العام .
وبدورها أصدرت محكمة املخاصمات الكبرى في ريمس ( فرنسا) حكما في
27/09/1978أين رفعت دعوى قضائية ضد محكين ملطالبتهم بتعويض الضرر نتيجة
حكم أصدروه ،فقضت برفض الدعوى مؤسسة إياه على أن مسؤولية املحكمين
ال يمكن أن تقوم إال على خطأ جسيم ارتكبوه مثل التدليس والغش وامليل نحو أحد
الخصوم .وفي غياب هذه األخطاء التي تؤسس للتعويض تم رفض الدعوى ،وباملقابل
اعتبرت تلك املحكمة أن الدعوى تعسفية وكيدية وحكمت للمحكمين بالتعويض بعد
2
أن فبلت طلباتهم املقابلة.
من جهتها قضت محكمة استئناف باريس في دعوى رفعها محتكمون ضد محكمين
بدعوى جهلهم لقاعدة قانونية إجرائية ،أين تصدت لها بالرفض معتبرة إياها بمثابة
مساس باعتبار املحكمين املطالبين فقط بالفصل في النزاع وفقا للقواعد القانونية
3
اإلجرائية .
حتى وإن كانت هذه األحكام تخص محكمين في التحكيم الداخلي إال أن هذا ال يمنع
من إسقاطها على التحكيم التجاري الدولي بالنظرلوحدة الهدف من توفيرتلك الحصانة
أال وهوحماية املحكم أثناء ممارسة وظيفته القضائية بمنع املحتكمين من إضافة طريق
آخر للطعن ،باإلضافة إلى طرق الطعن املرسومة قانونا وهي الطعن في شخص مصدر
الحكم نفسه مما سيؤدي إلى زعزعة الثقة في التحكيم إذا لم يلعب القضاء دوره في
الحد من الخصومات املوجهة للمحكمين ،أو ما يعرف بالحصانة القضائية للمحكم .
املطلب الثالث :الحصانة في القانون املقارن
أثناء إعداد القانون النموذجي لألمم املتحدة للتحكيم التجاري الدولي ،لم يتم
االتفاق على فكرة حصانة املحكم وحدث بشأنها اختالف كبير .أما القوانين الداخلية
فعلى رأسها القانون األمريكي الذي خص املحكم بحصانة مطلقة ،في حين تراوحت
بعض التشريعات بين إقرارها حصانة مقيدة كالتشريع األملاني والنمساوي والبريطاني
والنرويجي .أما التشريع االسباني الصادر في 1988/ 12/ 5فقد استبعد بموجب مادته
16كل حصانة للمحكم وأجاز مقاضاته على أساس املسؤولية املدنية املبنية على
التدليس أو الخطأ ؛ بينما أجازها التشريع النمساوي في حالتي الرفض أو التأخير غير
املبرر( حصانة نسبية ).1أما القانون الكندي فقد أقر الحصانة للمحكم قياسا على
القا�ضي العمومي.
وعلى أية حال فإنه من غيراملتصور حتى في تلك الدول التي أقرت حصانة مطلقة
للمحكم أن تعفيه من املسؤولية في حالة إخالله الواضح بالتزاماته التي تفرضها عليه
مهمته كقاض يفصل في الخصومات حتى وإن كانت مهمته قضائية خاصة .
في الجزائر لم ينص قانون التحكيم سواء ذلك الصادر في 1993أو في 2009على
حصانة املحكم بل حتى مخاصمة القضاة لم يعد لها وجود في هذا القانون على األقل
من باب القياس عليها ،كما لم ينص التشريع الفرن�سي وعموما التشريعات العربية على
تناول موضوع حصانة املحكم ومدى قابليته للمساءلة املدنية تاركا ذلك للفقه والقضاء.
-1ناصرالشرمان ،مرجع سابق ،ص 465
134
الحصانة القضائية للمحكم بين اإلطالق و التقييد (دراسة مقارنة )
-1في هذا املعنى ،أنظراحمد أبو الوفا ،مرجع سابق ،ص 217
135
املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية
محكمة استئناف باريس التي ألغته فعال مؤسسة قرارها على وجود عيب في الرضا
شاب االتفاقية التحكيمية .وبناء عليه رفعت الشركة دعوى للمطالبة بالتعويض ضد
خصمها واملحكم فصدر حكم ق�ضى لها بالتعويض بني على أحكام املادة 1382من
القانون املدني الفرن�سي وألزم املحكم برده للشركة املدعية مبلغ 600.000فرنك التي
قبضها كأتعاب مع فائدة في حدود النسبة القانونية املعمول بها تسري من يوم قبضه
1
لألتعاب.
وفي قضية أخرى تدعى « 2« Société Raoul Duval/Merkoria Sucdenأين قام
خصمها في اليوم املوالي من صدور الحكم التحكيمي بتوظيف رئيس هيئة التحكيم
الفاصلة في النزاع لديها ولدى عرضها لدعواها أمام محكمة استئناف باريس قضت
هذه األخيرة بإبطال القرار التحكيمي تأسيسا على غياب استقاللية املحكم (défaut
) d’indépendanceومنه التشكيل غير القانوني للمحكمة التحكيمية .وقد رفعت
الشركة املذكورة دعوى للمطالبة بالتعويض ،وفعال تم الحكم لها بالتعويض تأسيسا
على خرق املحكم لواجب الكشف للخصوم عن عدم استقالله وحياده إعماال للمادة
1452من قانون اإلجراءات املدنية الفرن�سي مستبعدة في الوقت ذاته أحكام املادة 505
إجراءات قديم بدعوى أن املحكم ال يمارس وظيفة عامة .واستطردت املحكمة تقول
بان أساس هذه املسؤولية يوجد في القانون املشترك ( )le droit communوتحديدا
في املادة 1142من القانون املدني الفرن�سي.ومع هذا فقد علق الفقه على الحكمين هل
يقومان على مسؤولية املحكم التقصيرية أم على مسؤوليته العقدية ؟
الفرع الثاني :مسؤولية املحكم في حالة الخطأ املتعمد
بصرف النظر عن النظام القانوني املعتمد ،فإن قضاء الدول األنجلوسكسونية
وتشريعاتها التي تأخذ بحصانة كاملة للمحكم ( ،)immunité totale de l’arbitreومع
ذلك تميل إلى ترتيب مسؤولية املحكم في حاالت الغش والخطأ الجسيم وإنكار العدالة
بوصفها أخطاء ال يمكن التسامح فيها وتجاوزها لكي ال يجد بعض املحكمين من الحصانة
Voir Ph. Fouchard et autres , op. cit., p 611 et s -1
Paris 1ére . ch.,12/10/1995 , in la revue de l’arbitrage. 1999p .324 -2
136
الحصانة القضائية للمحكم بين اإلطالق و التقييد (دراسة مقارنة )
املطلقة مطية للتالعب بتلك املهمة النبيلة التي أسند فيها الخصوم حل نزاعهم ملحكم
كبديل لقا�ضي الدولة أمال في البحث عن عدالة أكثرعدال .
ففي الواليات املتحدة األمريكية التي تمنح املحكم حصانة مطلقة وكاملة ،تستثني
حالتي الغش ونية اإلضرار ،وكذلك الحال في تشريع دولة ماريالند( . )Marylandوفي
بريطانيا وبمناسبة إعداد قانون التحكيم من طرف دائرة التجارة والصناعة () D.T. I
نص هذا القانون على عدم إمكانية مساءلة املحكم بفعل أو ترك ما عدا في حالة ثبوت
أنه قام بذلك بسوء نية .وبدوره نص قانون استراليا على عدم مسؤولية املحكم حتى
في حالة اإلهمال باستثناء حالة الغش..أما قضاء فرنسا فقد كان حذرا غير أنه يأخذ
1
بمسؤولية املحكم في حاالت الغش والتدليس والخطأ الجسيم .
إن محكما خان مهمته وثقة األطراف ليس جديرا بأية حماية قانونية ومن حق
املتضرر أن يطالبه بالتعويض تطبيقا لقواعد املسؤولية املدنية بنوعيها فضال عن
حرمانه من تقا�ضي أتعابه ومن تولي املهنة مرة أخرى كجزاء تأديبي ،وقد يصل الخطأ
إلى درجة التجريم كتقا�ضي رشوة من أحد الطرفين 2أو سرقة وثائق أو تزويرها أو إنشاء
مراكزتحكيم وهمية ال وجود لها في الواقع ،أو أن املحكمة التحكيمية مكونة من محكم
واحد فقط ساعده محكمان ال عالقة لهما بالتحكيم وأن املحاضر املنجزة مزوة وهي
وقائع حصلت فعال وتمت معاقبة مرتكبيها ...3وكلها جرائم يعاقب عليها القانون في
كل مجتمع متحضر ويكون االختصاص الجزائي فيها ملحكمة مكان وقوع الفعل املجرم
تطبيقا ملبدأ إقليمية النص الجزائي كأصل عام .
ما يلفت االنتباه أن مراكز التحكيم ومع ارتفاع تكاليفه لديها فإنها تحمي محكميها
من خالل نص لوائحها على إعفائهم مسبقا من املسؤولية وهو ما يطرح أكثر من سؤال
حول إمكانية مالحقة املركزتطبيقا ملسؤولية املتبوع عن فعل تابعه باعتباره هو من قام
باعتمادهم للعمل لديه واملثال الحي على ذلك نص املادة 34من نظام غرفة التجارة
الدولية التي تبنت املذهب االنجلوسكسوني في إقرارالحصانة املطلقة ملحكمة التحكيم
1؟
خاتمة
التحكيم أداة فعالة في حل النزاعات التجارية الدولية على الخصوص وقد لقي
عناية فائقة في املجتمع الدولي من خالل القوانين النموذجية للتحكيم أو من خالل
التشريعات الوطنية لكل دولة على حدة .ويجد أساسه في إرادة الخصوم بمنح تلك
املهمة النبيلة والشريفة لشخص أو أشخاص أو مؤسسات تحكيمية تكون محال لثقتهم
رغم تكاليفه الباهظة .ومع هذا قد يحيد املحكم -وهو بشر يصيب ويخطئ عمدا أو
تقصيرا فقط – عن أداء تلك الوظيفة القضائية بنزاهة وحياد فيكون مصيره املالحقة
القضائية ملطالبته بالتعويض متى كانت الدولة التي يجري على أرضها التحكيم تقر
بمسؤولية املحكم وال تمنحه تلك الحصانة القضائية .أما ملا يكون املحكم على تراب
دولة مثل بريطانيا أو أمريكا أو غيرهما من الدول األنجلوسكسونية فإن املحكم يتحصن
من املالحقة ويفلت من التعويض ،وهنا يجد الطرف املضرورمن سلوك املحكم نفسه
في مواجهة الواقع الحتمي ؟ فإلى أين يتجه حينذاك .
إنه ال إفراط وال تفريط ،وخير األمور أوسطها لذلك في تقديري واعتقادي
يتعين ضبط هذه املسألة الحساسة ،من جهة نحمي فيها املحكم ونشجع فيها اللجوء
للتحكيم؛ومن جهة أخرى نحمي الطرف املضرور نتيجة ممارسة غير أخالقية قد يقوم
بها املحكم ال سيما عندما يتعمد ذلك وينحاز ألحد الخصوم انحيازا بينا ،فنصل بذلك
إلى إقرار حصانة نسبية فقط يتمتع بها املحكم ضمانا لحسن أداء وظيفته وليس منة
له لشخصه بوصفه محكما .
1- Ni les arbitres , ni la cour ou ses membres , ni la chambre de commerce internationale
ou son personnel, ni les comités nationaux de la chambre de commerce internationale,
ne sont responsables envers quiconque de tout fait , acte ou omission en relation avec
un arbitrage.
138