Professional Documents
Culture Documents
JOCU - Volume 11 - Issue العدد (10) أبریل 2021 - Pages 1-29
JOCU - Volume 11 - Issue العدد (10) أبریل 2021 - Pages 1-29
المستلخص:
تناولت هذه الدراسة العمل التطوعي من خالل تناول تعريف العمل التطوع والتعرف على أنواعه
المختلفة ،كما حاولت تقييم واقع العمل التطوعي في مصر من خالل رصد أعداد المتطوعين في مصر وطبيعة
المشكالت التي تواجههم ،ورصد السياسات العامة المنظمة للعمل التطوعي ،وذلك من خالل القوانين المختلفة،
التي أبرزها قانون تنظيم العمل األهلي الصادر عام ،2019وصوالً إلى الوقوف على طبيعة عالقة المؤسسات
الحكومية المصرية ممثلة بالو ازرات بالعمل التطوعي ،وكيفية تعاطيها معه ،وانتهاء بالخلوص إلى مجموعة من
النتائج ،وتقديم مجموعة من التوصيات لتحسين مسار سياسات العمل التطوعي في مصر.
Abstract
This study dealt with volunteer work by addressing the definition of volunteer work and
identifying its various types. It also tried to assess the reality of volunteer work in Egypt by
monitoring the number of volunteers in Egypt and the nature of the problems it face, and
monitoring the general policies that regulate volunteer work, through the various laws, which Most
notably, the Law on Organizing Civil Work issued in 2019, reaching an understanding of the
nature of the relationship of Egyptian governmental institutions represented by ministries to
62
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
volunteer work, and how they deal with it, and concluding with a set of results and presenting a
set of recommendations to improve the course of volunteer work policies in Egypt.
مقدمة
خالل عقد كامل مر على الدولة المصرية عقب أحداث 25يناير ،2011واجهت الدولة العديد من
التحديات االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،كما شهدت العديد من التغيرات والتحوالت وذلك بعد عقود من
السكون .ومع عودة االستقرار للدولة عقب عام ،2014وضعت الدولة مجموعة من الخطط االقتصادية
الطموحة ،أسفرت عن عددا من المشروعات القومية الكبرى ،كما تبنت الدولة سياسات عامة جديدة في غالبية
قطاعاتها الحيوية ،وذلك بالتخلي عن السياسات العامة القديمة التي ظلت سارية لفترات زمنية طويلة على الرغم
من عدم فعاليتها .ومن أجل إنجاح استراتيجية الدولة للتنمية المستدامة "مصر ،"2030حاولت الدولة حشد
كل الموارد والطاقات الممكنة ،لكي تستطيع التغلب على الظروف االقتصادية الصعبة التي تالزمها.
وباالضطالع على بعض التجارب الدولية ،تبين لنا أن هناك بعض الدول استطاعت االستفادة من
أحد الموارد المتجددة بما يدعم اقتصادها بشكل ملحوظ ،وبما يساعدها في التغلب على بعض المشاكل والعقبات
االقتصادية واالجتماعية التي تواجهها .ولقد تجسد هذا المورد المتجدد في "العمل التطوعي" الذي قد ُينظر إليه
على أنه أحد مصادر الرأسمال االجتماعي للدولة ،والذي استطاعت بعض الدولة تعظيم االستفادة منه وتوجيهه
لدعم اقتصادها ،حتى أن الواليات المتحدة األمريكية يتم تقدير قيمة العمل التطوعي فيها بحجم االقتصاد الكامل
لدولة كاليونان( .)1ونتيجة مشابهة ظهرت في إحدى الدراسات التي تمت على 24دولةُ ،قدر مساهمة العمل
التطوعي فيها بما يعادل 11مليون وظيفة بدوام كامل( ،)2وتناولت دراسات وتحليالت أخرى بيانات مماثلة عن
المساهمة االقتصادية للعمل التطوعي.
وتنبع المشكلة البحثية في أنه بالتزامن مع الخطط التنموية الطموحة التي تتبناها الدولة ،وعلى الرغم
من أن هناك توجهات إيجابية تجاه العمل التطوعي في مصر ،سواء داخل الدوائر الشعبية أو الرسمية ،إال أنه
63
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
ال يوجد تصور واضح عن طيفية ربط العمل التطوعي بجهود التنمية في مصر ،وبالتالي ال نعرف إلى أي
مدى يتم توظيف العمل التطوعي في دعم خطط وبرامج التنمية في مصر .كما تقوم هذه الدراسة على فرضية
مفادها أن غياب سياسات عامة منظمة وموجهة للعمل التطوعي في مصر يساهم في ضعف تأثير األعمال
التطوعية المبذولة على دعم الخطط والبرامج التنموية للدولة.
كما تسعى هذه الدراسة إلى اإلجابة على التساؤالت التالية :ما هو حجم العمل التطوعي في مصر؟
ولماذا ال يحظى بالمكانة المناسبة له؟ وإلى أي مدى يمكن أن يساهم العمل التطوعي في دعم األهداف
التنموية؟ وما هو واقع العمل التطوعي الرسمي في المؤسسات الحكومية؟ وما هو اإلطار القانوني المنظم له؟
وما هي أهم الفرص والتحديات التي تربط العمل ()3التطوعي بخطط وبرامج التنمية في مصر؟ وكيف يمكن أن
تسهم السياسات العامة في تعزيز االستفادة من العمل التطوعي في دعم الخطط والبرامج التنموية للدولة؟
وتعتمد الدراسة على المنهج الوظيفي ،والذي تهتم مقوالته بدراسة النشاط أو األنشطة التي يستلزمها
استمرار النظام ،كما يهتم باألنساق الفرعية ودورها في الحفاظ على استقرار النظام السياسي( ،)4بجانب االهتمام
بالدور السياسي لألبنية غير السياسية( .)5وسوف يتم توظيف هذا المنهج من خالل التعامل مع العمل التطوعي
على أنه أحد األنساق الفرعية التي تساهم في تحسين البيئة االجتماعية واالقتصادية للدولة ،ومن ثم يقوم
بوظيفة ما في دعم االستقرار السياسي للنظام.
يحتاج صانعو السياسات العامة إلى أن يدركوا بشكل واضح طبيعة المصطلحات التي يمكن أن يتم
استخدامها في السياسات التي يقدمونها ،بما يمكنهم من تعظيم االستفادة من تلك المصطلحات وإنتاج سياسات
عامة فعالة .وبالتالي ،فإنه من المهم أن نشير في هذه الورقة البحثية إلى مفهوم "العمل التطوعي" من أجل
تحسين عملية توظيفه داخل السياسات العامة المصرية .كما أن هناك حاجة إلى معرفة القيمة التي يمكن أن
تقدمها األعمال التطوعية لخطط الدولة وبرامجها بما يجعلها تتخذ الحيز المناسب من النقاش السياسي ،والمكانة
المناسبة على أجندة صانع القرار المصري .وهو ما سوف نحاول تقديمه في العناصر التالية:
64
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
في بعض الكتابات المبكرة كان هناك تصور للعمل التطوعي على أنه شكل من أشكال النشاط الترفيهي،
ألنه عادة ما يتم القيام به في أوقات الفراغ( .)6إال أنه مع الوقت أصبح ينظر إلى التطوع على أنه "عمل" بدرجة
أكبر من كونه نشاط ترفيهي ،ومن ثم حاول العديد من الباحثين التمييز بين التطوع وبين غيره من األعمال
االجتماعية السائدة مثل العمل بأجر ودوام كامل ،وأعمال الرعاية المنزلية ،والحاالت التلقائية/العفوية
للمساعدة( .)7كما أن النظر إلى مفهوم التطوع قد اختلف حسب الخلفيات األكاديمية للمهتمين بالظاهرة ،فبينما
اهتم علماء النفس بالتركيز على الدافع للتطوع ،فإن علماء االجتماع قد اهتموا بالهياكل االجتماعية والثقافات
التي تؤثر على التطوع( .)8وهو ما يجعل على المتخصصين في السياسات العامة أن يهتموا بظاهرة التطوع
عبر السعي نحو تنظيم وتعظيم االستفادة من العمل التطوعي ،كأحد موارد رأس المال االجتماعي ،وذلك على
المستويات المختلفة ،وخاصة المستوى الرسمي الحكومي.
من بين التعريفات التي تم تقديمها للعمل التطوعي هي أنه "نشاط إرادي؛ ال ينطوي على مكافأة أو
مصلحة شخصية؛ يتم تنفيذه من خالل منظمة رسمية أو من خالل مجموعة من الناس ،وال يتضمن أي عالقة
أو مصالح مشتركة بين المتطوع والمستفيد"( .)9أو أنه "نشاط تطوعي يتم تنفيذه من خالل منظمة ،ويقوم به
متطوعون لديهم التزام مستمر أو مستدام تجاه إحدى المنظمات ويسهمون بوقتهم بصفة منتظمة" .وتجنبا لسرد
المزيد من التعريفات ،فإننا نجد أن هناك تعريفات قد أكدت على معايير صارمة للعمل التطوعي ،حيث فرضت
طوعيا بالكامل وال يستلزم اإلكراه؛ ال ينطوي على أي مكافأة أو حتى
ً أن العمل التطوعي يجب أن :يكون
مصلحة شخصية؛ يتم من خالل منظمة رسمية؛ وال يتضمن أي عالقة أو أوجه تشابه بين المتطوعين
والمستفيدين .بينما تضمنت التعريفات األوسع نطاقا للعمل التطوعي األنشطة التي :تتضمن درجات من اإلكراه
(مثل التطوع كجزء من برنامج المدرسة)؛ التطوع بأجر يقل عن قيمة العمل والخدمات المقدمة؛ العمل الذي
يتم إجراؤه خارج المنظمات الرسمية؛ وإشراك أشخاص من خلفيات مماثلة (مثل المجموعات العرقية والدينية أو
المجموعات السكنية) وحتى المتطوعين كمستفيدين (مثل مجموعات المساعدة الذاتية)(.)10
65
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
وبالتالي ،فإن التصور النمطي لمفهوم العمل التطوعي قد واجه العديد من التعقيدات الناتجة عن شمول
العمل التطوعي لمجموعة واسعة من األنشطة ،وارتباطه بعدد من الدوافع المتباينة ،وتداخله مع بعض األُطر
التنظيمية ،وهو ما أدى إلى ظهور مدارس فكرية مختلفة قدمت تصورات متباينة للتطوع .بعض تلك التصورات
بناء على طبيعة األنشطة التي يتم االضطالع بها وما إذا كانت (مخططة أو
نظرت إلى العمل التطوعي ً
عفوية؛ إرادية أو إجبارية)( ، )11والبعض األخر ركز على الغرض من التطوع سواء كان (خدمة الذات أو خدمة
منظمة أو خدمة المجتمع ككل) ،في حين أن هناك من اهتم بالنظر إلى العنصر الزمني لألنشطة التطوعية
(نشاط طويل األجل أم نشاط قصير األجل)( ، )12كما اهتمت تصورات أخرى بالجانب التنظيمي للنشاط المبذول
وما ينتج عنه من (تطوع رسمي أو تطوع غير رسمي).
ومن خالل تلك التصنيفات السابقة ،خلصت إحدى الدراسات إلى وجود أربعة أنواع مترابطة من العمل
التطوعي :اإليثاري؛ الحاشد ،الوسيلي ،والقسري .ويشير التحليل إلى أن فئات العمل التطوعي الوسيلي والقسري
مرتبطة بمفاهيم فردية مثل التحسين الشخصي ،أو المواطنة المسؤولة .بينما يرتبط التطوع اإليثاري ،بأفكار
نكران الذات والعمل من أجل الصالح العام والمثل الجماعية .في حين يتبنى التطوع الحاشد النزعة الجماعية
بمعنى أنه يشبه "الحركات االجتماعية الجديدة"(.)13
وإذا أردنا في النهاية أن نخلص إلى التعريف المفضل للعمل التطوعي ،الذي يساعد بدرجة أكبر على
خدمة السياسات العامة للدولة ،فإننا قد ندعم تبني المفاهيم األوسع نطاقا للعمل التطوعي ،والتي تُنتج لنا عمل
تطوعي يتصف بالخصائص التالية:
66
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
يمكن من خالل االستعانة بالتصنيف الرباعي ألنواع العمل التطوعي السابق اإلشارة إليها الخروج
بالتوجيه العام للوظيفة المرتبطة بكل نوع من أنواع العمل التطوعي ،بما يساعد في تحديد مدى حاجاتنا إلى أي
من تلك األنواع ،وهو ما ُيظهره الجدول التالي.
بينما توضح الوظائف المرتبطة بكل نوع من أنواع العمل التطوعي توجهات عامة محددة ،تسلط الضوء
على الصورة العامة لهذا النوع أو ذاك ،إال أن تلك التوجهات نسبية إلى حد ما ،ففي حين أن التطوع اإليثاري
في معظم الحاالت يكون موجه لدعم الفئات الضعيفة في المجتمع ،إال أنه ليس هناك ما يمنع أن يكون داعم
في بعض الحاالت لتحركات الدولة وسياساتها.
في غالب األمر ،يظهر كل من التطوع اإليثاري والتطوع الحاشد بشكل عفوي وينتهي في مدة قصيرة،
وبينما يركز التطوع الوسيلي على استفادة المتطوعين ،فإن التطوع القسري ُيعد النوع األكثر إفادة لسياسات
الدولة ،وبالتالي األكثر إمكانية للتوظيف في خطط الدولة وبرامجها .وحول عالقة العمل التطوعي بأداء الحكومة
يذكر تقرير برنامج األمم المتحدة للمتطوعين ما يلي:
"وظفت بعض الحكومات العمل التطوعي لتعزيز سماع األصوات والمشاركة بفتح مجاالت كانت في
السابق محدودة أو مغلقة .ولتحسين استجابتها ومسائلتها ،انخرطت الحكومات مع قوة العمل
67
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
التطوعي ،إلفادة السياسات والقوانين ،من أجل تحسين أداء الدولة ..والوصول إلى الفئات التي ال
تتمكن آليات المشاركة الرسمية وغير الرسمية من الوصول إليها بسهولة".
()14
كما أورد التقرير الوطني للتطوع ،الصادر عن و ازرة التضامن االجتماعي مجموعة من الوظائف التي
يمكن أن يؤديها العمل التطوعي للمؤسسات الحكومية ،شملت تحسين مستوى الخدمات المقدمة إلى المواطنين،
وزيادة القدرة على تلبية احتياجات المجتمعات المحلية ،وإيجاد طرق حل مختلفة للمشكالت التي تواجه الحكومة،
والحد من الجريمة( .)15وتشير العديد من المصادر األخرى إلى وظائف مختلفة تساهم بها األعمال التطوعية
في دعم المؤسسات الحكومية ،أبرزها مشاركة المتطوعين في تطوير السياسات العامة للدولة ،وتعزيز الحوكمة
والمسائلة ،باإلضافة لزيادة قدرة المجتمعات المحلية على التماسك والترابط االجتماعي ،ومساندة الممارسات
السياسية اإليجابية.
إن كان من السهل قياس الفوائد الشخصية المتحققة للمتطوعين نتيجة ألعمال التطوع التي يقومون
بها ،والتي تظهر على كم المهارات والمعارف الجديدة التي يتم اكتسابها ،وإمكانية تعزيز تلك األعمال التطوعية
من فرص المتطوعين في الحصول على عمل مدفوع األجر ،وغير ذلك من الفوائد التي قد تترتب على المشاركة
في األعمال التطوعية .كما أنه من الممكن قياس األثر االجتماعي الناتج عن تنفيذ األعمال التطوعية ،والذي
يمكن تحديده من خالل معرفة التغيير الحاصل في البيئة المحلية أو في المستفيدين من األعمال التطوعية
التي تم تنفيذها .إال أن قياس القيمة االقتصادية الناتجة عن تلك األعمال التطوعية ال يزال في مراحلة األولية.
وعلى الرغم من ذلك ،فإن األبحاث تشير وبقوة إلى قدرة التطوع على تحقيق فوائد مجتمعية أوسع ،بما
يمكنها من تحقيق وفورات ملموسة في اإلنفاق الحكومي ،وأن يكون للبرامج التطوعية تأثير كبير وطويل األمد
على السلوك المالي للحكومة .وتشير إحدى الدراسات إلى شروط أساسية من أجل أن تساهم األعمال التطوعية
التي يتم تنفيذها لصالح المؤسسات الحكومية في تخفيض اإلنفاق الحكومي ،الشرط األول هو أن يتم التخطيط
بشكل جيد من قبل المديرون العموميون لجذب المتطوعين ،ثاني تلك الشروط هو االستثمار في تدريب وتأهيل
68
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
المتطوعين من أجل تولي بعض المهام ذات النفع العام ،ثالث تلك الشروط هو بذل الجهد من أجل ضمان
استبقاء المتطوعين للتمكن من تحقيق فوائد تطوعهم ،وبدون تلك الشروط قد ينتهي األمر بالمنظمات العامة
ومع أهمية قياس األثر االقتصادي للتطوع ،الذي يتجسد في مقولة "أنه لو كان للمتطوعين دولة
تجمعهم ،لكانت ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان في سن العمل" وذلك مع تجاوز عدد المتطوعين
على مستوى العالم مليار شخص .ومع انتشار العديد من أدوات ووسائل قياس األثر االقتصادي التي من بينها
ِ
المعادلة للسلع والخدمات الناتجة عن عمل المتطوعين ،وغير ذلك من حساب قيمة الناتج المحلي اإلجمالي
األدوات الحسابية والرياضية األخرى .إال أن النظر إلى الفوائد االقتصادية وحدها ،يقلل ،إلى حد كبير ،من
المنافع االجتماعية للتطوع( ،)17والتي تم االشارة إلى مجموعة منها فيما سبق.
بشكل عام هناك نقص في البحوث الجيدة والبيانات حول التطوع في مصر ،حيث ال يتوفر تقرير واحد
عن أعداد المتطوعين في مصر والقطاعات التي يتطوعون بها ،وكل ما هو موجود عبارة عن بيانات وتصريحات
متفرقة ومتضاربة .ويشكل عدم وجود بيانات موثوقة تحديا كبي ار الستمرار مشاريع ومبادرات العمل التطوعي
وتوسيعها .وفي هذا المحور سوف نحاول ذكر ما توفر من بيانات عن أعداد المتطوعين في مصر ،وكذلك
عن أبرز المشكالت التي تواجه العمل التطوعي.
وفقاً لتقرير حالة التطوع في العالم الصادر عن برنامج األمم المتحدة للمتطوعين عام 2018تحت
عنوان "الرابط الذي يجمعنا" ،فإن إجمالي عدد المتطوعين في مصر يصل إلى ( )1,729,734متطوع .ووفقا
لتلك األرقام فإن نسبة المشاركين في التطوع ال تتجاوز % 2,85من تعداد السكان فوق 15عام .ووفقا لهذا
التقرير ،فإن مصر تحتل المركز رقم ( )50من بين ( )68دولة تم إحصاء بياناتها ،ولقد شمل التقرير دولتين
69
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
عربيتين بخالف مصر ،هما دولة فلسطين وتونس ،ولقد حصال على ترتيب متقدم بشكل ملحوظ عن مصر،
كما أن تبلغ نسبة العمل التطوعي الرسمي منخفضة بشكل هائل مقارنة بالعمل التطوعي غير الرسمي ،حيث
تبلغ واحد في المئة من العمل التطوعي غير الرسمي(.)18
الهند اير فلسطي ألمانيا تونس البرازي إسرائي مصر ترك غانا كندا الدولة
ان يا ل ل ن
0.6 1.7 2.9 2.8 3.45 3.82 4.5 4.7 5.47 5.1 6.9 نسبة
8 5 5 7 8 المتطوعي 7
ن
* الجدول من إعداد الباحث باالعتماد على بيانات تقرير حالة التطوع .2018
بينما تُظهر مصادر أخرى تقديرات مختلفة للعمل التطوعي في مصر ،حيث تذكر د .أماني قنديل -
اعتمادا على مصادر رسمية -أن عدد المتطوعين في مصر ُيقدر بحوالي ثالثة ماليين متطوع ،كما تشير
أيضاً إلى أن مشاركة الذكور في العمل التطوعي ضعف مشاركة اإلناث( .)19وهو عكس ما أظهره تقرير األمم
المتحدة ،فوفقا للتقرير تبلغ نسبة المتطوعين من النساء ( )956,247في حين تبلغ نسبة الرجال
( .)20()773,487وبين تلك األرقام والنسب المتضاربة ،تغيب الحقائق عن النسبة الحقيقية للعمل التطوعي في
مصر ،إال أن الحقيقة الواضحة هي أن مستويات العمل التطوعي في مصر ،تظل في حدود متواضعة.
وبجانب استعراض طبيعة نسبة المتطوعين في مصر ،فإنه من المهم أيضاً أن يكون هناك اطالع
على طبيعة القطاعات األكثر جذبا للمتطوعين ،وأي من تلك القطاعات يخدم بشكل أكبر األهداف التنموية
للدولة ،وهو ما يمكن أن يقودنا إلى معرفة تكلفة الفرصة البديلة في حال تم توجيه هذا العمل التطوعي إلى
قطاعات أكثر أهمية .إال أنه ،ولنفس سبب نقص البيانات ،ال توجد خريطة رسمية أو غير رسمية لحجم
70
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
قطاعات التطوع في مصر ،لكن يمكن في المقابل أن نعتمد على القطاعات التي يفضل الشباب التطوع بها،
وذلك وفق ما ورد في تقرير أعده المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة".
أخرى 7
مشاريع بناء قدرات المرأة 14
مشاريع التنمية االقتصادية 18
حماية البيئة 19
مشاريع بناء قدرات الشباب 23
حقوق اإلنسان 24
المشاريع الصحية 36
المشاريع التعليمية 40
تقديم المساعدات 43
0 5 10 15 20 25 30 35 40 45 50
وفقاً للشكل السابق ،فإن تقديم المساعدات واألعمال الخيرية على قمة تفضيالت العمل التطوعي
للشباب بنسبة ،%43على الرغم من أن التطوع في هذا القطاع هو تطوع قصير األجل ،على عكس مثال قطاع
التنمية االقتصادية الذي هو من القطاعات طويلة األجل التي تمتد مكاسبها إلى المستقبل ،ويأتي في ذيل
تفضيالت التطوع بنسبة %18فقط .وهو ما يكشف لنا عن أن تفضيالت المتطوعين قد ال تؤدي إلى تحقيق
االستفادة المثلى من الوقت والجهد المبذول في التطوع ،وقد ال تدعم األهداف التنموية للدولة على النحو
المطلوب ،وهو ما يستدعي أن يكون هناك نوع من التحفيز لتوجيه العمل التطوعي للقطاعات ذات األثر
االقتصادي األكبر وذات أجل أطول.
71
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
وفي محاولة البحث عن أسباب ضعف نسب التطوع في مصر بشكل عام ،إضافة إلى التدني الكبير
لنسبة العمل التطوعي الرسمي مقارنة بالعمل التطوعي الرسمي ،أورد استبيان مركز "بصيرة" الذي جاء بعنوان
"تصورات الشباب تجاه المشاركة المجتمعية" ،أن من أبرز األسباب التي تمنع الشباب عن المشاركة المجتمعية،
وفقا آلراء عينة من الشباب تم استطالعهم ،هي (البطالة ،والضغوط الحياتية ،وعدم وجود فرص تناسب
اهتمامات الشباب ،إضافة إلى عدم اهتمام الشباب بالمشاركة) في حين أن النسبة األكبر من الشباب المستطلعين
ال يجدون هناك سبباً محددا لعدم المشاركة( .)21وتُظهر تلك النتيجة أنه بنسبة ملحوظة ال يوجد مانع واضح
أمام الشباب لعدم تطوعهم ،باإلضافة إلى أن التعلل بالبطالة ال ُيعد سببا قويا في منع الشباب عن التطوع،
حيث أن البطالة تعني أن هناك أوقات فراغ أكبر يمكن استثماره في التطوع ،باإلضافة إلى أن المشاركة في
األعمال التطوعية يساهم في دعم المعارف والخبرات الشخصية ،ويعزز من فرص الحصول على فرصة عمل
مدفوع األجر.
في حين ركز تقرير "بصيرة" على تصورات الشباب أنفسهم تجاه المشاركة والتطوع ،فإن إحدى دراسات
"سلبا" على العمل التطوعي ،وذلك
دكتورة أماني قنديل قد ركزت على األسباب السياسية واالقتصادية التي أثرت ً
من خالل دراسة الفترة منذ أحداث يناير 2011حتى عام ،2017والتي ترى أنها شهدت اختالالت قيمية
ومخاطر سياسية واقتصادية واجتماعية شديدة ،أثرت على بيئة التطوع .ولقد شملت تلك العوامل ما يلي(:)22
72
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
-النظرة األمنية للجمعيات الخيرية التي تسيطر عليها التيارات الدينية ،وإغالق ما يقترب من
2000منظمة تابعة لإلخوان وللتيارات السلفية ،قد أدى أيضاً إلى تراجع المبادرات األهلية
وتخوفات المتطوعين.
وفيما يتعلق بتلك العوامل التي أوردتها دكتورة أماني قنديل في دراستها ،فإن وجود معظمها مرتبط
بطبيعة نظرة الدولة للعمل التطوعي باعتباره نشاط خاص بالمنظمات األهلية ،وعدم وجود إدراك كافي بالقيمة
االقتصادية التي يمكن أن تعود على الدولة من خالل تشجيع العمل التطوعي ،وإمكانية المساهمة في تدعم
خطط الدولة وبرامجها.
إن محاولة تعظيم االستفادة من الجهد التطوعي ،وتوظيفه من أجل دعم خطط وبرامج الدولة التنموية
يحتاج إلضفاء الطابع الرسمي على العمل التطوعي ،وتحويله من نشاط عفوي مؤقت غير موجه إلى نشاط
مخطط له وطويل المدى .وفي حين قامت حوالي 70دولة بتطوير سياسات أو تشريعات أو تدابير أخرى
خاصة بتنظيم العمل التطوعي ،خالل الفترة من 2008إلى ،2018وذلك وفقا لتقرير برنامج األمم المتحدة
للمتطوعين لعام ،)23(2018وبينما لم تكن مصر من بين تلك الدول ،إال أن ذلك ال يعني أن العمل التطوعي
كان غائباً بشكل كامل عن المشرع المصري ،وإنما كان هناك بعض اإلشارات لمفاهيم تقترب بشكل أو بأخر
من العمل التطوعي ،وذلك حتى صدور قانون تنظيم العمل األهلي رقم 149لعام .2019وفيما يلي سوف
نتناول تطور فكرة التطوع في القانون المصري.
من بين المفاهيم القريبة من مفهوم العمل التطوعي ،والتي تم تناولها في أحد قوانين الدولة ،مفهوم
الخدمة العامة الذي نص عليه "قانون الخدمة العامة رقم 76لسنة "1973والذي حسب ما هو منصوص عليه
يتشابه مع "التطوع القسري" الذي أشرنا إليه سابقا في أنواع العمل التطوعي .والخدمة العامة تتشابه مع العمل
التطوعي في كونها تساهم في تقديم خدمات ومساعدات مجتمعية وفي دعم عملية التنمية ،وذلك عبر العمل
73
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
لمدة عام في أحد المجاالت ذات الطابع القومي والتي تتماشى مع االحتياجات التنموية للدولة مثل (محو األمية
– تنظيم األسرة – تنمية المجتمعات – األسر المنتجة – خدمات تعليمية – خدمات طفولة) .وفي حين ينص
القانون على منح المكلفين الخدمة العامة مكافأة شهرية قيمتها 4جنيهات( ،)24إال أن هذا ال يحولها إلى شكل
من أشكال العمل مدفوع األجر .أما ما قد يتعارض مع مفهوم التطوع ،فهو أن المكلف بالخدمة العامة يخضع
للعديد من اللوائح الخاصة بالعاملين المنتظمين فيما يتعلق باإلجازات والعقوبات ،كما أن المشاركة في الخدمة
العامة غير مفتوح للجميع ،حيث يتم استثناء من أدوا الخدمة العسكرية -وهو ما يجعل غالبية المشاركين في
الخدمة العامة فتيات -أو الذين تم توظيفهم في وظائف ثابتة ،أو أصحاب اإلعاقة.
وبينما يشارك في تأدية الخدمة العامة سنويا أكثر من 100ألف فتاة( ،)25فإن و ازرة التضامن االجتماعي
لم تصدر أي بيان عن كيفية االستفادة من هذا المورد البشري وما هي القيمة المضافة له في جهود الدولة
التنموية .وبشكل عام ،فإن نظام الخدمة العامة بشكله الحالي بحاجة إلى مراجعة شاملة للهدف الذي تم وضعه
من أجله قبل حوالي نصف قرن ،وللفاعلية في تطبيقه ،وللقواعد المنظمة له ،وغير ذلك ،بما قد يقربه بدرجة
أكبر للعمل التطوعي ويزيد من فعاليته.
بعد إصدار قانون الخدمة العامة بعامين صدر قانون الهيئات األهلية لرعاية الشباب والرياضة رقم 77
لسنة ،1975ونص في الباب الثامن منه الذي يحمل عنوان "حركة الخدمة العامة التطوعية" على انشاء
"االتحاد العام لهيئات الخدمة العامة التطوعية للشباب" ،والذي ُيعتبر وفقا لنص المادة ( )107الهيئة المسئولة
فنيا عن حركة الخدمة العامة التطوعية للشباب .كما حدد القانون مجموعة من االختصاصات لهذا االتحاد،
تشمل(:)26
74
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
▪ تنظيم االشتراك في مؤتمرات ولقاءات الخدمة العامة التطوعية اإلقليمية والدولية والعالمية
للشباب
ويمكن القول أنه كان هناك درجة عالية من التكامل ما بين قانون 76لسنة 1973وقانون 77لسنة
،1975فبينما قنن األول مفهوم الخدمة العامة" فإن األخير قد استكمل الصورة من خالل النص على مفهوم
"الخدمة العامة التطوعية" ،والذي ُيعد إنجاز كبير على المستوى التشريعي ،وإدراك مبكر لقيمة التطوع .كما أن
االختصاصات التي فوضها القانون لالتحاد العام لهيئات الخدمة العامة التطوعية للشباب تُعد هي أيضاً متقدمة
بشكل كبير ،هذا بجانب إتاحة القانون الستخدام االنتخاب كآلية لتشكيل عضوية االتحاد(.)27
وعلى الرغم من أهمية ما ورد في القانون لدعم العمل التطوعي وحسن توظيفه ،إال أنه ومنذ ذلك
التاريخ ،فإن االتحاد العام لهيئات الخدمة العامة التطوعية للشباب لم يدخل حيز التنفيذ من األصل ،وظل
طوال تلك العقود حب ار على ورق ،ومع صدور القانون رقم ( )218لعام 2017الخاص بتنظيم الهيئات الشبابية
ليحل محل القانون رقم 77لسنة ،1975فلقد استمر النص على "اتحاد الخدمة العامة التطوعية" في المادة
( )32من القانون وإن كان بشكل أكثر اختصا ار من القانون السابق ،حيث تم إلغاء الجزء الخاص باختصاصات
االتحاد من القانون وتفويض الوزير المختص بإصدار قرار بتلك االختصاصات ،هذا بجانب إلغاء االنتخاب
كأحد آليات تشكيل االتحاد ،وفي كل األحوال فلقد ظلت النتيجة واحدة وهي عدم دخول االتحاد حيز التنفيذ
حتى تاريخ كتابة الدراسة.
بعد أن أشارت المادة ( )82من دستور مصر الصادر عام ،2014إلى أن الدولة تعمل على تشجيع
الشباب على ال عمل الجماعي والتطوعي وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة ،وبعد العديد من النقاشات
العامة بشأن العمل األهلي في مصر ،صدر عام 2019قانون رقم ( )194بشأن تنظيم ممارسة العمل األهلي.
ونص القانون على إنشاء الوحدة المركزية للجمعيات والعمل األهلي ،وأن يكون لها وحدات فرعية تابعة في كل
محافظة ،ووضع لها من بين اختصاصاتها االختصاصات التالية(:)28
75
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
▪ المساهمة في وضع استراتيجية مصر للعمل التطوعي وسياسات تنظيمه وخططه واإلشراف
على تنفيذها.
▪ تيسير الربط بين جهات التطوع المختلفة والمتطوعين بكافة األساليب الممكنة.
▪ إتاحة المعلومات عن فرص التطوع ألفراد المجتمع.
▪ تشجيع مؤسسات المجتمع األهلي والجهات الحكومية على توفير فرص التطوع.
▪ اإلشراف على إعداد البرامج التدريبية للمتطوعين واعتماد األدلة الالزمة لتنفيذ هذه البرامج.
▪ اعداد اإلحصاءات واألبحاث الالزمة عن األعمال التطوعية وإنشاء قاعدة بيانات بالمتطوعين
وجهات التطوع واألعمال التطوعية المنفذة بجمهورية مصر العربية.
▪ صياغة نموذج اتفاق العمل التطوعي بين المتطوعين وجهات التطوع وإجراء التعديالت الالزمة
عليه وفقا لمقتضيات الصالح العام.
▪ العمل على توفير الحوافز الالزمة لتشجيع أفراد المجتمع على االنضمام للعمل التطوعي.
▪ بحث شكاوى المتطوعين والمستفيدين من خدمات التطوع واتخاذ اإلجراءات المناسبة في شأنها.
ويعتبر هذا القانون أكثر تطو ار في تعامله مع قضية العمل التطوعي عن القوانين السابقة عليه ،حيث
أنه يعطي للعمل التطوعي مساحة أكبر داخل القانون ،ويتم تناول محددات التطوع بشكل أكثر تفصيال ،هذا
بجانب العديد من اإلشارات اإليجابية المرتبطة بوضع استراتيجية وطنية للعمل التطوعي وإنشاء قاعدة بيانات
بالمتطوعين وإعداد اإلحصاءات واألبحاث الالزمة عن األعمال التطوعية ،باإلضافة لتشجيع الجهات الحكومية
على توفير فرص التطوع ،وهي األمور التي يفتقر إليها العمل التطوعي في مصر.
وفيما يتعلق بالالئحة التنفيذية لهذا القانون ،والتي تم إقرارها من مجلس الوزراء في نهاية عام ،2020
فإنها حتى االن لم يتم نشرها حتى يتم االستعانة بها ومعرفة محتواها ،مع تداول نسخة غير معتمدة ال يمكن
االعتماد عليها في البحث العلمي.
إذا ما انتهينا إلى أن قانون تنظيم العمل األهلي هو خارطة الطريق األخيرة لمسار العمل التطوعي في
مصر ،فإننا يمكن أن نعتبرها خطوة كبيرة في االتجاه الصحيح ،لكنها في نفس الوقت لم تصل إلى ما سبقتنا
76
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
إليه دول جارة في تطوير إطارها القانوني لدعم العمل التطوعي ،فخالل العامين الماضيين قامت كل من دولتي
اإلمارات والمملكة العربية السعودية بإصدار قوانين لتنظيم العمل التطوعي لديها ،حيث أصدرت امارة دبي
القانون رقم 5لسنة 2018بشأن تنظيم العمل التطوعي في إمارة دبي ،وفي يناير 2020أصدرت المملكة
العربية السعودية مرسوم "نظام العمل التطوعي" ،بينما كانت تونس قد سبقت الجميع بإصدار قانون التطوع رقم
26لعام .2010وكل من تلك القوانين الخاصة باإلمارات والسعودية وتونس ،هي قوانين مستقلة لتنظيم العمل
التطوعي ،وليست كجزء من سياسة أو قانون آخر ،وهو األمر الذي يعطي للعمل التطوعي قدر أكبر من
االستقاللية والقدرة على خدمة األهداف التنموية للدولة.
ونظ اًر لعدم وجود هيئة أو وحدة خاصة بالعمل التطوعي في و ازرة التضامن االجتماعي إلى اآلن(،)29
ولعدم دخول اتحاد الخدمة العامة التطوعية حيز التنفيذ ،فإنه ال يوجد في مصر حاليا إطار مؤسسي رسمي
لتنظيم العمل التطوعي ،وتظل كل الجهود التي يتم القيام بها في إطار مبادرات ومشروعات غير مترابطة وغير
مستدامة .بينما نجد مثال أن دولة مثل بيرو أنشأت في عام 2013دائرة خاصة بالعمل التطوعي في و ازرة
شؤون المرأة والسكان الضعفاء ،وتعد هذه الدائرة مسئولة عن جميع األطراف المعنية الرئيسية في بيرو لتنفيذ
البنية التحتية التطوعية ،وفي نفس االتجاه قامت دولة توغو في عام 2014بإنشاء هيئة عامة إلدارة المتطوعين
على الصعيد الوطني وهي "برنامج تعزيز التطوع الوطني" وتتبع و ازرة التنمية المجتمعية والحرفية وتوظيف
الشباب في توغو .كما أنشأت المملكة العربية السعودية في عام 2020بموجب نظام العمل التطوعي الذي
أقرته لجنة وطنية تسمى (اللجنة الوطنية للعمل التطوعي) ،برئاسة وزير العمل والتنمية االجتماعية .وهو ما
ُيظهر مدى الحاجة إلى اللحاق بتلك التجارب المتقدمة ،والشروع في إنشاء هيئة خاصة باإلشراف على العمل
التطوعي في مصر.
بعد إظهار الحجم المحدود للنشاط التطوعي في مصر ،وطبيعة المشكالت التي تؤثر سلباً على بيئة
العمل التطوعي ،وبعد تناول اإلطار القانوني المنظم للعمل التطوعي ،والذي اتضح أنه لم يتم االستفادة منه
77
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
على النحو المطلوب حتى اآلن ،وذلك بسبب عدم تفعيل المواد القانونية الداعمة للعمل التطوعي حتى اآلن.
وبالتالي ،فإنه من المهم استكشاف الواقع الفعلي لعالقة المؤسسات الحكومية بالعمل التطوعي ،ومدى استفادة
القطاعات الحكومية المختلفة من هذا المورد المتجدد في دعم أنشطتها وبرامجها.
ومع عدم وجود بيانات رسمية توثق لحجم العمل التطوعي الذي يتم لصالح مختلف و ازرات الدولة،
فإننا سوف نقوم بمحاولة رسم صورة عامة عن طبيعة العمل التطوعي في الو ازرات الحكومية من خالل ما
يتوافر من معلومات أو أخبار .واعتمادا على تلك المعلومات ،سوف نقوم بتقسيم الو ازرات إلى ثالث مجموعات
مختلفة ،على النحو التالي:
ونقصد بالو ازرات التي لها ارتباط مباشر بالعمل التطوعي ،تلك الو ازرات التي تستعين بالعمل التطوعي
بشكل منتظم في بعض األعمال والمهام التابعة لها ،وهناك صيغة ما رسمية تنظم هذا العمل التطوعي .ويمكن
القول أن هناك ثالث و ازرات تعتمد على األعمال التطوعية بشكل مباشر ،وهي و ازرات التضامن االجتماعي
والشباب والرياضة والتعليم العالي ،وسوف نحاول تسليط الضوء على طبية تلك العالقة في كل و ازرة على حدة.
انطالقا من كون العمل التطوعي عادة ما يتم اختزاله في تقديم المساعدات اإلنسانية ،واعتباره في أغلب
األحوال نشاط خاص بالمجتمع المدني والتنظيمات األهلية ،فإن و ازرة التضامن االجتماعي اصبحت هي الو ازرة
األكثر ارتباطاً بالعمل التطوعي ،وذلك نظ ار لمسئوليتها عن توفير الدعم والمساعدة للفئات األضعف واألكثر
احتياجا في المجتمع المصري ،ولتوليها مسئولية اإلشراف على الجمعيات والمؤسسات األهلية .ونتيجة لذلك
أطلقت و ازرة التضامن االجتماعي في منتصف عام 2015مبادرة "بينا" كأول مبادرة تطوعية داخل الو ازرة
تهدف إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة في دور الرعاية االجتماعية ،ووفقا لموقع الو ازرة فلقد قدمت المبادرة
عدد من الورش التدريبية من أجل نشر ثقافة التطوع بين الشباب ،وفي مارس 2019أطلقت مبادرة بينا حملة
"كن متطوعا" من أجل دعم مفهوم العمل التطوعي والمسئولية المجتمعية لكل الفئات العمرية( .)30بجانب تلك
78
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
المبادرات ،فإن هناك مبادرة أخرى تتبع لصندوق مكافحة وعالج اإلدمان تحت مسمى "بيت التطوع" ،وتهدف
تلك المبادرة إلى إنشاء وحدات تطوعية داخل الجامعات من أجل التعريف بمخاطر اإلدمان ،وحسب تصريحات
مدير الصندوق فإن عدد المتطوعين وصل إلى ما يقرب من 30ألف شاب في كافة المحافظات ،ويمثل الطلبة
الجامعيين %75منهم( .)31كما أصدرت و ازرة التضامن في أكتوبر 2019الدليل الوطني للتطوع .وفي يناير
،2021أعلنت و ازرة التضامن االجتماعي عن استحداث وظيفة "مسؤول تطوع" في 21جامعة حكومية ،مع
عدم توافر بيانات كافية عن طبية تلك الوظيفة ،وعن اختصاصاتها والدور المطلوب منها.
ومع وجود هذه المبادرات المتميزة لو ازرة التضامن االجتماعي ،إال أن تأثيرها المجتمعي يظل في حدود
ضيقة ،وتظل أعداد المتطوعين المنخرطين في أنشطة مباشرة تابعة لو ازرة التضامن االجتماعي قليلة ،وال ترقي
إلى ما يجب أن تكون عليه تلك المشاركة بالمقارنة بالدور المتزايد الذي تقوم به و ازرة التضامن االجتماعي
خالل السنوات األخيرة.
بطبيعتها فإن و ازرة الشباب والرياضة هي الو ازرة األقرب إلى المورد الرئيسي للعمل التطوعي ،وهو
الشباب .وبالتالي ،فلقد حرصت و ازرة الشباب والرياضة خالل السنوات األخيرة على تعزيز استفادتها من
المشاركة التطوعية للشباب في العديد من الفعاليات واألحداث الهامة ،فعلى سبيل المثال يشارك فريق من
المتطوعين تابع لو ازرة الشباب والرياضة منذ أكثر من ثالث سنوات في تنظيم فعاليات معرض القاهرة الدولي
للكتاب ،كما شاركت مجموعات كبيرة من الشباب المتطوعين لدى الو ازرة في المساعدة في تنظيم ومتابعة سير
العمليات االنتخابية التي جرت في مصر خالل األشهر الماضية ،وآخرها كان فتح باب التطوع للمشاركة في
تنظيم بطولة العالم لكرة اليد التي تُعقد هذا العام بالقاهرة واإلسكندرية( ،)32هذا بجانب بعض أنشطة التطوع
المحلية التي يقوم بها متطوعون في مراكز الشباب بالقرى والمدن.
ويعد االتحاد العام للكشافة والمرشدات من أكبر الكيانات الشبابية التي تستعين بالعمل التطوعي في
ُ
أنشطتها ،واالتحاد هو هيئة شبابية مستقلة تتبع و ازرة الشباب والرياضة ،ويهدف إلى تكوين عادات االعتماد
79
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
على النفس ،والتعاون والمشاركة في مشروعات الخدمة العامة وتنمية المجتمع وخدمة البيئة .إال أنه أيضاً ال
تتوافر بيانات كافية عن أعداد المتطوعين لدى االتحاد ،وما تُظهره الصفحة الخاصة باالتحاد على موقع
التواصل االجتماعي هو تركيز اهتمام االتحاد على األنشطة التوعوية والتثقيفية في قضايا البيئة والتلوث وترشيد
االستهالك ،بجانب التثقيف الوطني.
على الرغم من الدور الكبير الذي تقوم به الجامعات المصرية في خدمة المجتمع والمساهمة في تنفيذ
العديد من المبادرات والمشروعات القومية ،إال أنها تعتمد بالدرجة األولى على مواردها البشرية المتواجدة لديها،
مع توظيف محدود للمتطوعين من طالب الجامعات وأعضاء هيئات التدريس .وفي حين أن كل جامعة بها
نائباً لرئيس الجامعة لخدمة المجتمع وتنمية البيئة ،ومنصب موازي في كل كلية من كليات الجامعة( ،)33إال أنه
ال توجد إدارات أو وحدات متخصصة في تنظيم ومتابعة العمل التطوعي المفترض أن تقوم به الجامعة من
خالل طالبها أو أعضاء هيئة التدريس لخدمة مجتمعاتها ،حتى أن إدارات رعاية الشباب في الجامعة ال تتبع
لمكاتب نائب رئيس الجامعة أو وكالء الكليات لشئون البيئة وخدمة المجتمع ،وإنما لمكاتب ووكالء الكليات
لشئون الطالب .وبينما يقوم طالب بعض الكليات مثل الخدمة االجتماعية والتربية بااللتحاق ببعض المؤسسات
مثل المدارس وغيرها ألداء "خدمة عامة" كنوع من التكليف الطالبي في بعض المراحل الدراسية ،فإن هذا األمر
ال يتواجد في باقي الكليات.
وفيما يتعلق باألسر الطالبية التابعة لرعاية الشباب بالجامعات ،فإن ما تقوم به ينحصر في بعض
األنشطة التطوعية التي عادة ما تكون في شكل تجميل الجامعة أو مناطق أخرى مجاورة ،وعمل زيارات وأنشطة
ترفيهية لألطفال األيتام أو المرضى بالمستشفيات ،والتركيز أكثر على خدمة ورعاية الطالب أنفسهم وتنظيم
حفالت أو رحالت ترفيهية لهم .وبينما تم رصد بعض العمل التطوعي الذي يتم في شكل "قوافل" طالبية تقوم
بتقديم مساعدات للقرى الفقيرة مثل بناء أسطح للمنازل وتوصيل المياه باإلضافة إلى تقديم مساعدات عينية من
خالل جمع التبرعات .إال أن تلك القوافل على الرغم من كونها أكثر تنظيما وأكثر صلة بالعمل التطوعي ،إال
80
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
أنها ال تتبع إدارات الجامعة بشكل تنظيمي ،كما ال تحصل على دعم حقيقي من إدارات الجامعات ،وإنما يتم
تنظيمها داخل كل دفعة دراسية بشكل غير رسمي.
وبخالف المجموعة السابقة من الو ازرات ،فإن هذه المجموعة تمثل الو ازرات التي تحظى بدعم األعمال
التطوعية لبعض مهامها وأهدافها ،ولكن مع غياب أو ضعف التنسيق بين تلك الو ازرات وبين التنظيمات
التطوعية ،وتعبر عن هذه المجموعة سبع و ازرات هي و ازرات؛ الصحة ،والتنمية المحلية ،والبيئة ،واألوقاف،
والثقافة ،والسياحة ،والتربية والتعليم:
.1وزارة الصحة
على الرغم من طبيعتها كمسئولة عن القطاع الصحي في مصر ،وهو ما يجعلها تحظى بجزء كبير
من الدعم والمساعدات اإلنسانية ،إال أن عدم وجود قنوات رسمية لدعم الجهود التطوعية في القطاع الطبي
جعلت الغالبية العظمى من تلك الجهود ال يتم توجيهها إلى الخدمة الصحية نفسها ،وإنما إلى متلقي الخدمة
"المريض" الذي في معظم الحاالت يكون بحاجة إلى شكل من أشكال الدعم والمساندة .فبخالف الدعم والمساندة
المالية ،فإن عدد كبير من المرضى يكون بحاجة إلى المساعدة والدعم الفني واللوجستي في الوصول إلى أماكن
الخدمة الطبية المناسبة وفي الحصول في بعض الحاالت على إقامة قريبة من مكان تقديم الخدمة الصحية،
وهو ما نجد فيه جهد تطوعي ملحوظ تقوم بتقديمه العديد من الجمعيات والتنظيمات التطوعية التي عادة ما
تحمل اسم "جمعية أصدقاء مرضى/مستشفى ،"...كما تساعد تلك التنظيمات التطوعية وغيرها في مهام توفير
الدم للمرضى المحتاجين من خالل إنشاء بنوك للدم ،وتقديم الدعم النفسي للمرضى وخاصة األطفال من خالل
تنظيم حفالت وزيارات لهم.
وخالل األزمة الصحية التي أنتجها فيروس كورونا ،وفي ظل الضغط الكبير على المنظومة الصحية،
ومع غياب التنسيق بين الو ازرة وبين نقابة األطباء ككيان جامع ُمنظم لتحركات األطباء ونشاطهم ،ظهرت
العديد من المبادرات التطوعية غير الرسمية التي حاولت دعم القطاع الطبي في مصر ،بدايتها كانت مع
81
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
دعوات التطوع لطالب كليات الطب والتمريض من أجل تكوين صف ثاني لدعم جهود أطباء الصف األول في
المستشفيات ومقرات العزل ،وتلى ذلك ظهور العديد من الصفحات اإللكترونية التي يشرف عليها أطباء بهدف
اإلجابة عن أسئلة المواطنين بخصوص حاالت االشتباه في اإلصابة بالفيروس ،والتعريف بالخطوات الالزمة
للتعامل مع األعراض ،ومتابعة حاالت العزل المنزلي ،وهو األمر الذي ساهم بشكل كبير في تخفيف الضغط
على المستشفيات( ،)34وانتهاء بالتطوع لدى الو ازرة من أجل المشاركة في تجربة لقاح كورونا الذي تعاقدت
الدولة على توريده مع شركة أدوية صينية.
بالنظر إلى أهداف و ازرة التنمية المحلية التي على رأسها تنمية المجتمعات المحلية وتحسين الخدمات
المقدمة للمواطنين( ،)35فإننا نجد أن تلك األهداف تحظي باهتمام كبير لدي جهات التطوع المحلية ،والتي تسعى
إلى االرتقاء بقراها وأحيائها ومدنها .وفي حين تنتشر على مستوى مدن الجمهورية جمعيات تنمية المجتمعات
المحلية ،فإنه ال توجد روابط رسمية بين تلك الجمعيات وبين و ازرة التنمية المحلية أو بين المجالس المحلية
المختلفة في المدن والمحافظات ،حيث تتبع تلك الجمعيات و ازرة التضامن االجتماعي ،وتمارس نشاطاتها من
خالها.
وعلى الرغم من ذلك ،فإن ما تقوم به الجمعيات المحلية ،وغيرها من المجموعات التطوعية غير
الرسمية ،يصب في النهاية في صالح تحقيق أهداف و ازرة التنمية المحلية ،من خالل ما يتم تنفيذه من برامج
مختلفة ومتنوعة تهدف إلى تحسين الخدمات ورفع المستوى االقتصادي واالجتماعي للمجتمعات المحلية التي
ينتمون إليها.
.3وزارة البيئة
على عكس قضايا الصحة والتنمية المحلية ،فإن قضايا البيئة ال تحظى باهتمام واضح لدى غالبية
التنظيمات التطوعية ،إال أن ذلك ال يعني غياب الجهود التطوعية في مجال البيئة ،فعلى سبيل المثال نجد
بعض المتطوعين المهتمين بعمل حمالت لتنظيف الشواطئ من المخلفات ،وفي حاالت أخرى المساهمة في
82
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
حمالت التشجير وحمالت النظافة ،ولكن تلك الحمالت التطوعية تبقى في أغلب الحاالت بعيدة عن القضايا
البيئية الكبرى في مصر مثل تلوث الهواء والضوضاء وتلوث المياه والمخلفات بأشكالها المختلفة.
.4وزارة الثقافة
على غرار القضايا البيئية ،فإن القضايا الثقافية هي األخرى ال تحظى بمستوى اهتمام ملحوظ ،خاصة
مع تراجع مكانة قصور الثقافة في غالبية محافظات الجمهورية ،ومحدودية حجم النشاط الثقافي في مصر،
وبالتالي ،فإن التطوع في هذا المجال عادة ما يكون موسمي ومرتبط ببعض الفعاليات الثقافية التي يتم تنظيمها
سواء على مستوى وطني أو محلي ،وما تشهده تلك الفعاليات من جهد تطوعي سواء بالمشاركة كجزء من تلك
الفعاليات ،أو بالمشاركة في اإلجراءات التنظيمية ،وأيضاً تتم تلك المشاركات بشكل عشوائي وغير رسمي.
في حين أن االهتمام بالسياحة الداخلية لدى المصريين محدود ،إال أن هناك إدراك واسع بأهمية السياحة
الخارجية لالقتصاد المصري ،مع رغبة كبيرة في تعظيم االستفادة من هذا القطاع في خلق فرص العمل .ولقد
حركت تلك الرغبة مجموعة من المهتمين بالسياحة والسفر للترويج للنشاط السياحي في مصر ،إما من خالل
التقاط صور احترافية لألماكن السياحية في مصر والترويج لها ،أو عمل فيديوهات تعريفية ونشرها ،أو الحديث
عن السياحة في مصر على منصات إلكترونية دولية ،وغيرها من الجهود المشابهة الداعمة لقطاع السياحة في
مصر ،لكنها تظل "جهود فردية" بشكل كبير وال تستقطب عدد كبير من المتطوعين ،على الرغم من أثرها
اإليجابي.
وفي عام 2018بدأت الو ازرة بتفعيل دور العمل التطوعي في قطاع المتاحف بتطبيق برنامج تدريبي
للعمل التطوعي للشباب بالمتاحف المصرية ،في اطار خطة قطاع المتاحف لمشاركة الجمهور في عملية
التطوير والتنمية الثقافية ،وأيضا لربط الشباب بالعمل في المتاحف إلثراء الشراكة المجتمعية .وقد بدأ القطاع
قبول مجموعات من المتطوعين في عدد من متاحف الجمهورية ( 140متطوع في متحف سوهاج القومي و20
متطوع في متحف كوم أوشيم( ،)36وذلك ضمن خطة لتوسيع المشاركة التطوعية في جميع المتاحف
83
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
المصرية( .)37وعلى أهمية تلك المبادرة ،قياسا على ما تقوم به مبادرات مماثلة للتطوع في القطاع المتحفي حول
العالم ،إال أنه ومنذ اإلعالن عن تلك المبادرة في منتصف عام ،2018فإننا لم نجد أي بيانات تالية تشير إلى
مستوى التقدم في تلك المبادرة ،وما إذا كانت مستمرة من األساس أما أنها انتهت.
مسئولية و ازرة األوقاف عن إدارة وصيانة المساجد تتداخل مع المشاعر الدينية للمسلمين في قيمة
المسجد والسعي لبناء المساجد واعمارها ،ومن المعروف أن العدد األكبر من مساجد الدولة تم بنائها اعتمادا
على تبرعات أهل الخير سواء باألرض أو المال ،بجانب تلك التبرعات المادية ،فإننا نالحظ أن بعض العاملين
في مجال االنشاءات عندما يشاركون في بناء وصيانة المساجد ،فإنهم يفعلون ذلك بشكل تطوعي ودون
الحصول على أجر ،أو في بعض الحاالت بأجر رمزي ،كما أن عدد كبير من المساجد تظل لفترات طويلة
دون وجود موظفين رسميين من قبل األوقاف للحفاظ على نظافة المسجد ،وعادة ما يقوم األهالي بهذا الجهد
كنوع من التقرب إلى هللا.
تباينت عالقة و ازرة التربية والتعليم بالعمل التطوعي ،فمنذ عام 1989ومع انطالق الحملة القومية
لمحو األمية ،والتي اتاحت وفقا للقانون رقم ( )8لسنة 1991للمتطوعين بالمشاركة في جهود محو األمية،
وما تال ذلك من مشاركات ظاهرة لشباب الخريجين في فصول محو األمية ،إال أنه وخالل السنوات األخيرة
تراجعت الجهود الخاصة بمحو األمية بشكل كبير على الرغم من وجود أكثر من 18مليون أمي في مصر
بحاجة لمزيد من العمل التطوعي لتقليل تلك النسبة.
وبسبب الظروف االقتصادية التي تمر بها مصر منذ عام ،2011وما نتج عنها من تراجع الدولة عن
تقديم تعيينات جديدة في المدارس الحكومية ،أعلنت و ازرة التربية والتعليم في مطلع عام 2020السماح لحملة
تطوعا ،إال أنه وحتى كتابة هذه الورقة لم يتم اتخاذ خطوات جدية
ً المؤهالت العليا التربوية بالعمل في التدريس
في هذا المسار.
84
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
قد ال يظن غالبيتنا أن و ازرات مثل الدفاع والداخلية والخارجية يمكن أن يشارك في مهامها متطوعين،
وذلك نظ ار لطبيعة المهام الخاصة بتلك الو ازرات الحساسة ،إال أن التجربة تثبت عكس ذلك ،وتكشف لنا عن
ثالثة مفاهيم تعبر عن طبيعة الدور التطوعي الذي يتم القيام به من خالل تلك الو ازرات ،وهي (المقاومة الشعبية
– اللجان الشعبية – الدبلوماسية الشعبية) ،والتي عادة ما تكون مرتبطة بأوضاع طارئة داخل الدولة ،وبالتالي
يكون القيام بتلك المهام مؤقت وينتهي بانتهاء الوضع الطارئ.
.1وزارة الدفاع
بينما تبدو و ازرة الدفاع ،لطبيعة عملها العسكري هي األبعد عن العمل التطوعي ،إال أننا إذا نظرنا إلى
"المقاومة الشعبية" للقوة العسكرية األجنبية ومساعدة القوات العسكرية النظامية في مواجهة العدو على أنها عمل
تطوعي ،فإننا قد نعود بالتاريخ إلى ما قبل الدولة المصرية الحديثة ،وإلى الجهود الشعبية في مقاومة الحمالت
الفرنسية واإلنجليزية .كما أن المقاومة الشعبية ألهالي بورسعيد للعدوان الثالثي وأهالي السويس للعدو اإلسرائيلي
في حرب 1973تُعد نماذج حقيقية للتطوع دفاعاً عن استقالل الوطن ،كما أن فكرة التطوع في الجيش المصري
كانت مستمرة طوال المسيرة الوطنية للقوات المسلحة في دفاعها عن أرض الوطن في الحروب التي خاضتها.
ولقد عمل القانون رقم 55لسنة 1968على تقنين المقاومة الشعبية من خالل النص على إنشاء
منظمات الدفاع الشعبي ،والتي تتولى حماية الخطوط الخلفية للقوات المسلحة ،والحفاظ على المرافق والوحدات
الحيوية داخل كل مدينة ،ولقد شجع القانون "التطوع الرسمي" ،حيث كان يشترط أن يكون المتطوع من العاملين
في الجهة التي يتطوع للدفاع عنها ،كما أنه أقر مدى زمني معقول للتطوع ال يقل عن ستة أشهر( .)38ومع
بداية ثمانينيات القرن الماضي ،وبعد توقيع اتفاقية السالم المصرية اإلسرائيلية ،دخلت منظمات الدفاع الشعبي
في حالة من السبات العميق ،ولم نسمع عنها إال مع تعديل نص القانون عام 2020باستحداث منصب
مستشار عسكري لكل محافظة.
85
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
وخالل السنوات األخيرة ،وبينما تخوض القوات المسلحة حرباً شرسة مع اإلرهاب في سيناء ،فإن العمل
التطوعي يظل حاض اًر ،ويعلن عن نفسه من خالل ما يسمى "باتحاد قبائل سيناء" وهو تجمع من أبناء القبائل
السيناوية المتعاونة مع القوات المسلحة في العمليات األمنية التي يتم تنفيذها في سيناء .حيث يقوم اتحاد القبائل
بتقديم العديد من المساعدات والدعم للوحدات العسكرية من أجل محاصرة العناصر اإلرهابية ،هذا باإلضافة
للنشاط اإلعالمي الملحوظ لصفحات االتحاد في إظهار النجاحات العسكرية وفي الحرب اإلعالمية والنفسية
ضد العناصر اإلرهابية(.)39
.2وزارة الداخلية
وبسبب ظروف طارئة ،ظهر لنا خالل السنوات األخيرة مفهوم "اللجان الشعبية" ،والتي لعبت دو ار
ملحوظاً في تأمين المدن والقرى والشوارع والممتلكات خالل الفترة التي شهدت نوع من الفراغ األمني عقب
أحداث 25يناير ،2011وقد اكتسبت شرعيتها من خالل النداء الذي أطلقته القوات المسلحة يوم 30يناير
2011عبر الرسائل القصيرة تحث المواطنين على الدفاع عن عائالتهم ومناطقهم( .)40ولقد اعتمدت تلك اللجان
الشعبية على تطوع أهالي المناطق المحلية من أجل القيام بمهام األمنية في نطاقهم المحلي ،في مواجهة زيادة
مستوى الجريمة .وبغض النظر عن الظرف السياسي المرافق لهذا الدور التطوعي ،إال أن ما اإلنجاز الذي تم
تحقيقه يستدعي االنتباه إلى ما يمكن أن تقدمه األعمال التطوعية في أصعب المهام وأكثرها خطورة.
.3وزارة الخارجية
وبسبب نفس الظروف الطارئة ،اختبرنا خالل السنوات األخيرة مفهوم "الدبلوماسية الشعبية" كأحد
المفاهيم التي تعبر عن الدور الشعبي في الدفاع عن حقوق الدولة خارجيا وفي التعريف بأوضاعها وظروفها.
وتجسد هذا الدور التطوعي في قيام مجموعات من الشخصيات العامة بالسفر لعدد كبير من بلدان العالم من
أجل الحديث عن المصالح المصرية ومن أجل فتح قنوات تواصل جديدة .وكما حدث بالنسبة لوظيفة اللجان
الشعبية ،كما تكرر توظيف الدبلوماسية الشعبية مرة أخرى عقب 30يونيو ،2013من أجل شرح الوضع
الداخلي المصري للقوى الدولية الكبرى( .)41وبمجرد استقرار األوضاع في مصر بعد عام ،2014اختفت تلك
86
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
األدوار التطوعية إلى حد كبير ،على الرغم من الحاجة إليها في بعض األوقات ،وإمكانية إعادة تنظيمها بشكل
يخدم أجندة الدولة.
العدد األكبر من الو ازرات المصرية ال يوجد لها اتصال بالعمل التطوعي ال بشكل مباشر أو غير
مباشر وال حتى بشكل طارئ ومؤقت ،حيث أن و ازرات مثل (العدل والمالية والقوى العاملة والطيران المدني
واإلنتاج الحربي )..من بين 19و ازرة أخرى لم نتمكن من رصد أي نشاط تطوعي مرتبط بها .وقد يكون ذلك
في جزء كبير منه مرتبط بطبيعة تلك الو ازرات التي ال يناسبها العمل التطوعي ،أو ألنها في مرتبة متأخرة من
أولويات المتطوعين.
النتائج والتوصيات
باالنتهاء من تقييم الوضع الخاص بالتطوع في مصر ،سواء من خالل أعداد المتطوعين ومشاكلهم،
أو بالسياسات الحاكمة للعمل التطوعي في مصر ،وانتهاء بواقع التطوع في المؤسسات الحكومية المصرية،
فإن الدراسة قد توصلت إلى مجموعة النتائج التالية:
-أعداد المشاركين في العمل التطوعي في مصر محدودة بشكل عام ،وفي المؤسسات الحكومية
بشكل خاص.
-الشكل األكثر انتشا اًر للعمل التطوعي في مصر هو التطوع العفوي قصير المدي.
-المشكالت التي يعاني منها القطاع التطوعي غير مرتبطة بموانع فعلية تعيق تطور العمل
التطوعي ،وإنما هي في الغالب مشكالت تنظيمية ويمكن التغلب على الجزء األكبر منها بما يساهم
في زيادة نسب التطوع.
-لم يكن غياب اإلطار القانوني هو المعوق أمام تطوير العمل التطوعي خالل العقود الماضية،
وإنما غياب اإلرادة السياسية واإلدراك الحقيقي لقيمة العمل التطوعي في دعم السياسات التنموية.
87
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
-قانون تنظيم العمل األهلي الجديد يعد بداية جيدة إلمكانية تطوير سياسات التطوع في مصر،
وفرصة حقيقية لتدعيم المبادرات والبرامج التطوعية داخل القطاع الحكومي.
-بسبب غياب األطر التنظيمية ،فإن المؤسسات الحكومية فشلت في توظيف األعمال التطوعية
على النحو المطلوب بما يساهم في خدمة خططها وبرامجها.
وبنا ًء على تلك النتائج ،فإننا نقترح مجموعة من اإلجراءات التي يمكن أن تساهم في تحسين مستوى
العمل التطوعي في مصر ،وسوف تنقسم تلك اإلجراءات إلى إجراءات قصيرة المدى وإجراءات طويلة المدى،
وذلك على النحو التالي:
إجراءات قصيرة المدى ،وتشمل تلك اإلجراءات؛ أ) سرعة اإلعالن عن الالئحة التنفيذية لقانون تنظيم
العمل األهلي ،واتخاذ الخطوات الالزمة إلنشاء الوحدة المركزية للجمعيات والعمل األهلي ،وتزويدها بالعناصر
البشرية الكافية بما يمكنها من القيام باختصاصاتها في دعم العمل التطوعي ،ب) تفعيل "اتحاد الخدمة العامة
التطوعية" المنصوص عليه في قانون تنظيم الهيئات الشبابية ،والذي لم يتم تفعيله منذ عام ،1975ج)
استحداث منصب "مساعد وزير لشئون التطوع" في كل و ازرة ،يكون مسئول عن متابعة النشاط التطوعي للو ازرة،
وحشد المشاركة التطوعية الالزمة في تنفيذ خطط الو ازرة وبرامجها .د) سرعة االنتهاء من وضع استراتيجية
مصر للعمل التطوعي التي نص عليها قانون تنظيم العمل األهلي ،ر) سرعة تدشين قاعدة بيانات المتطوعين،
واالستفادة من الخبرات العربية في هذا الشأن وخاصة تجربة دولة اإلمارات ،ه) التوسع في افتتاح مقرات جديدة
لــمبادرة "بيت التطوع" التابعة لصندوق مكافحة وعالج اإلدمان ،وذلك في كل الجامعات المصرية ،و) العمل
على ربط منصب "مسؤول التطوع" الذي استحدثته و ازرة التضامن االجتماعي في الجامعات المصرية مع إدارات
رعاية الشباب ومع إدارة خدمة المجتمع بكل جامعة .ي) التفكير في كيفية االستفادة من العمل التطوعي في
تنفيذ مشروع "حياة كريمة" بما يساعد في زيادة أعداد القرى المستفيدة.
إجراءات طويلة المدى ،وتتضمن اإلجراءات طويلة المدى؛ أ) إصدار قانون خاص لتنظيم العمل
التطوعي ،األمر الذي يساهم في إعطاء نظرة شمولية للعمل التطوعي ويساعد في تطوير التطوع الرسمي ،ب)
إنشاء هيئة رسمية إلدارة العمل التطوعي ،ويمكن أن تُوجد هذه الهيئة بطرق مختلفة ،األولى هي أن تكون هيئة
88
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
وطنية مستقلة تتبع لرئيس الوزراء أو لرئيس الجمهورية ،والطريقة الثانية هي أن تكون وحدة إدارية داخل إحدى
الو ازرات ذات الصلة – التضامن االجتماعي أو و ازرة الشباب والرياضة -وأن تقوم بالتنسيق بين مختلف
مؤسسات الدولة األخرى وغيرها من األطراف المرتبطة بالعمل التطوعي ،أو أن يتم ذلك من خالل تشكيل إدارة
مشتركة تجمع ممثلين عن القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني ،وتتولى تنسيق واإلشراف على العمل
التطوعي داخل الدولة .ج) ربط العمل التطوعي بشكل نظامي داخل المنظومة التعليمية ،وذلك انطالًقا من
نتيجة إحدى الدراسات التي ترى أن األشخاص الذين يتطوعون أثناء الدراسة في المدرسة هم أكثر عرضة
للتطوع الحًقا في حياتهم.
في النهاية ،يمكن القول إننا بحاجة إلى جهد كبير من أجل دفع العمل التطوعي لمكانته الصحيحة
داخل المجتمع والدولة المصرية ،من أجل تحقيق اقصى استفادة اجتماعية واقتصادية ممكنة ،بما يدعم جهود
الدولة ،ويساعد في تحقيق أهداف خططها وبرامجها التنموية.
هوامش الدراسة
(1) . Wendling, Bill, The Unexpected Economic Value of Volunteering, bedel financial, Aug
14, 2017:
https://www.bedelfinancial.com/the-unexpected-economic-value-of-volunteering
(2) Salamon, L. M., & Sokolowski, W. (2001). Volunteering in cross-national perspective:
Evidence from 24 countries (Working Papers of the Johns Hopkins Comparative Nonprofit
Sector Project No. 40). Baltimore: The Johns Hopkins Center for Civil Society Studies.p.
3.
( . )3كمال املنويف ،مقدمة يف مناهج وطرق البحث يف علم السياسية (القاهرة :د.ن ،)2006 ،ص .38
( . )4املرجع السابق ،ص .39
(5) . Overgaard C. (2019), Rethinking Volunteering as a Form of Unpaid Work. Nonprofit and
Voluntary Sector Quarterly;48(1), p. 132.
(6) . McAllum K. (2014), Meanings of Organizational Volunteering: Diverse Volunteer
Pathways. Management Communication Quarterly.;28(1), p. 8.
(7) Alcock, Pete. (2010). A Strategic Unity: Defining the Third Sector in the UK. Voluntary
Sector Review. Vol 1, No. 1. P. 7.
89
2021 إبريل- مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر
90
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد العاشر -إبريل 2021
***********
91