Professional Documents
Culture Documents
الهندسة المالية
الهندسة المالية
الهندسة المالية
�إعداد
د.مرضي بن مشوح العنزي
الطبعة الأوىل
1436هـ 2015 /م
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
3
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
احلم ��د هلل رب العامل�ي�ن ،وال�ص�ل�اة وال�سالم عل ��ى نبينا حممد وعل ��ى �آله و�صحبه
�أجمعني .وبعد .
ف�إن العمل على ن�شر الر�سائل العلمية يف الدرا�سات ال�شرعية من الأمور ذات الأهمية،
والدرا�سات ال�شرعية يف خمتلف تخ�ص�صاتها تعالج ق�ضايا مهمة متعلقة مبختلف �شو�ؤن
احلي ��اة ،وحر�ص ًا م ��ن اللجنة املنظمة مللتق ��ى ( كلية ال�شريعة والدرا�س ��ات الإ�سالمية ،
م�س�ي�رة و�إجن ��از ) على �إبراز جه ��ود الكلية يف جمال الدرا�سات العلي ��ا فقد ر�أت طباعة
ع ��دد من الر�سائل العلمية يف مرحلتي املاج�ست�ي�ر والدكتوراه يف برامج الدرا�سات العليا
بالكلية ،وقم مت اختيار الر�سائل التالية للطباعة وهي :
.1التف�س�ي�ر بالالزم عن ��د املف�سرين ( درا�سة نظرية تطبيقي ��ة ) ،ر�سالة ماج�ستري يف
القر�آن ،وعلومه �إعداد�:أحمد بن حممد الربعي .
.2اال�شتب ��اه بني ال ��رواة يف الأ�سانيديف ع�صر الرواية ،درا�س ��ة نظرية تطبيقية ،ر�سالة
ماج�ستري يف ال�سنة وعلومها � ،إعداد اجلوهرة بنت �إبراهيم الدغي�شم
بع�ض و�أث ُره يف نق ��د املرويات ،درا�سة نظرية تطبيقية ،
بع�ضها على ٍالروايات ِ
ِ َ .3ح ْم � ُ�ل
ر�سالة ماج�ستري يف ال�سنة وعلومها � ،إعداد :غادة بنت عثمان احلميد .
� .4أث ��ر الإمي ��ان يف تثبي ��ت رجال الأمن عن ��د مواجه ��ة الأخطار ،ر�سال ��ة ماج�ستري يف
العقيدة املذاهب املعا�صرة � ،إعداد /عقيل بن عبداهلل الراجحي .
.5توجي ��ه داللة العموم يف ن�صو�ص العقيدة بني منهج ال�سلف ومنهج املتكلمني ،درا�سة
ت�أ�صيلية تطبيقية ،ر�سالة ماج�ستري يف العقيدة واملذاهب املعا�صرة �،إعـــداد � /أحمد
بن تركي املطريي .
.6فق ��ه الهند�سة املالية الإ�سالمية ،درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية ،ر�سالة دكتوراه يف الفقه
املقارن �،إعداد /مر�ضي بن م�شوح العنزي .
5
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
.7الف ��روق الفقهي ��ة يف املعامالت املالية املعا�ص ��رة (النـــــقـ ��ود) ،ر�سالة ماج�ستري يف
الفقه املقارن �إعداد /عبد الرحيم بن مطرال�صاعدي .
.8الأح ��كام الأ�صولي ��ة املتعلقة بالتابعي ،ر�سال ��ة ماج�ستري يف �أ�ص ��ول الفقه � ،إعداد/
بيداء بنت عبداهلل القويعي .
.9درا�س ��ة تخريج امل�سائ ��ل الطبيةعلى القواع ��د الفقهية ،ر�سال ��ة ماج�ستري يف �أ�صول
الفقه � ،إعداد /حممد بن مفتاح الفهمي .
وقبل اخلتام �أ�شي ��د بجهود الزمالء يف جلنة املطبوعات وعلى ر�أ�سهم رئي�س اللجنة
د .عبدالرحم ��ن بن �صالح املحيميد وكي ��ل الكلية للجودة والتخطي ��ط والتطوير� ،شاكر ًا
للباحثني تعاونهم .
وختام� �اً �أ�شكر امل ��وىل -عز وجل � -أن ي�سر هذا العم ��ل ،واهلل �أ�س�أل �أن يحفظ ويل
�أمرنا خادم احلرمني ال�شريفني امللك �سلمان بن عبدالعزيز �أيده اهلل ،و�سمو ويل العهد
الأم�ي�ر مقرن ب ��ن عبدالعزيز �آل �سعود و�سمو ويل ويل العه ��د الأمري حممد بن نايف بن
عبد العزيز �آل �سعود .
كما ي�سرين �أن �أتقدم بال�شكر ل�صاحب ال�سمو امللكي الأمري الدكتور /في�صل بن م�شعل
بن �سعود بن عبد العزيز �آل �سعود �أمري منطقة الق�صيم على دعمه للجامعة و�أن�شطتها .
كم ��ا �أ�شكر �صاح ��ب املعايل وزير التعلي ��م الدكتور /عزام بن حمم ��د الدخيل على
رعاي ��ة امللتقى ،وال�شكر مو�صول ملع ��ايل مدير اجلامعة الذي ال يدخر و�سعا يف دعم هذه
الكلية ورعاية فعالياتها ،و�أخري ًا ال�شكر للزمالء العاملني يف جلان امللتقى ،و� أ�س�أل اهلل
تعاىل �أن ي�ستعملنا جميعا يف طاعته ومرا�ضيه ،
و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني .
عميد كلية ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية
أ.د .وليد بن علي الحسين
رئي�س اللجنة املنظمة
6
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
احلم ��د هلل رب العامل�ي�ن ،وال�صالة وال�سالم عل ��ى �أ�شرف الأنبي ��اء واملر�سلني نبينا
حممد ،وعلى �آله و�صحبه �أجمعني ،وبعد:
ففي ظل التطور االقت�صادي الذي ي�شهده العامل املعا�صر اليوم� ،أ�صبح من ال�صعوبة
�أمام امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية �أن تبقى حمبو�سة على �أدوات حمدودة� ،أو �أن حتاكي الأدوات
التقليدي ��ة دون مراع ��اة ل�ضوابط ال�ش ��رع وحدوده؛ ل ��ذا كان التحدي �أمامه ��ا �أن تتطور
وتغ�ي�ر من �أدواتها ،وتط ��ور هذه الأدوات ،جامعة بني الكف ��اءة االقت�صادية ،وامل�صداقية
ال�شرعية ،وهذا ال يكون �إال عن طريق ت�أ�صيل لهند�سة مالية �إ�سالمية؛ ولأهمية الهند�سة
املالي ��ة الإ�سالمية ،و�أهمية الكتابة فيها� ،أحببت �أن تك ��ون ر�سالتي لنيل درجة الدكتوراه
يف«فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية ،درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية».
م�شكلة البحث:
تتمثل م�شكلة البحث يف الأ�سئلة التالية:
ما مفهوم الهند�سة املالية الإ�سالمية؟
ما احلاجة للهند�سة املالية الإ�سالمية ،وما الذي �ستقدمه؟
ما مدى �شرعية الهند�سة املالية الإ�سالمية؟
ما هي �أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية؟
ما هي ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية؟
ما مدى موافقة التطبيقات املوجودة يف امل�صارف الإ�سالمية لل�ضوابط ال�شرعية؟
�أهمية البحث:
تكمن �أهمية البحث يف بيان مقدرة الهند�سة املالية الإ�سالمية يف تطوير �أدوات امل�ؤ�س�سات
الإ�سالمية ،وابتكار حلول ملا يواجهها من خماطر ،من غري جتاوز لل�ضوابط ال�شرعية.
7
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
8
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�أهداف البحث:
يهدف البحث يف الهند�سة املالية الإ�سالمية �إىل:
-1بي ��ان �أهمي ��ة الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة وخ�صائ�صه ��ا والعوائق الت ��ي حتول دون
تطبيقها.
-2املقارنة بني الهند�سة املالية الإ�سالمية ،والهند�سة املالية التقليدية.
-3الت�أ�صيل ال�شرعي للهند�سة املالية الإ�سالمية.
-4بي ��ان �أدوات الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية كاحلي ��ل ،واملخارج ال�شرعي ��ة ،والرخ�ص
ال�شرعية ،واال�ستح�سان ،و�سد الذرائع وفتحها ،والتلفيق ،وتركيب العقود.
-5بيان ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية.
-6درا�سة لبع�ض التطبيقات املعا�صرة للهند�سة املالية الإ�سالمية.
الدرا�سات ال�سابقة:
�سب ��ق كالم الدكت ��ور �سامي ال�سويل ��م �أن املو�ضوع مل يكتب فيه عل ��ى نحو �أكادميي،
وقد بحث ��ت يف مكتبة امللك فهد الوطنية ،ومكتبة امللك في�ص ��ل املركزية ،واملعهد العايل
للق�ض ��اء ،واالنرتن ��ت ،فلم �أجد ر�سالة �أكادميية يف الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية ،ووجدت
ثالثة بحوث فيها ،وكتا ًبا واحدً ا لأحد �أ�صحاب هذه البحوث ،وهي على النحو التايل:
�أو ًال:بحث للدكتور �سامي ال�سويلم بعنوان«�صناعة الهند�سة املالية نظرات يف املنهج
الإ�سالم ��ي» وجدت هذا البح ��ث يف موقع �صيد الفوائد( ،)1ويع ��د الدكتور �سامي �أول من
كت ��ب يف الهند�سة املالية من الناحية ال�شرعية ،ويقع البحث يف �أربع وثالثني �صفحة دون
�صفح ��ات امل�صادر والعنوان ،وقد ق�س ��م البحث ثالثة �أق�سام ،ا�سته ��ل بذكر مقدمة عن
9
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية يف �صفحتني ،ثم تكلم يف الق�س ��م الأول يف مفهوم ال�صناعة
املالي ��ة واحلاجة لل�صناعة املالية الإ�سالمية والفرق بني ال�صناعة الإ�سالمية والتقليدية
يف �سبع �صفحات ،ويف الق�سم الثاين تكلم يف �أ�س�س الهند�سة املالية الإ�سالمية ويف الإبداع
واالبتداع واحللول ال�شرعية واحليل البدعي ��ة والعزمية والرخ�صة وخ�صائ�ص املنتجات
الإ�سالمية وحتدث فيها عن خم�س من التطبيقات يف ع�شر �صفحات ،ويف الق�سم الثالث
تكلم يف الكفاءة االقت�صادية وال�شروط الع ْقدية ،والكالم يف هذا الق�سم يدور حول قاعدة
بيعتني يف بيعة ،وذكر يف خامتة البحث �أن هناك عددًا من اجلوانب التي مل ت�ستوفها هذه
الورق ��ة( .)1وطلب «�أن تكون امللتقي ��ات والندوات الإ�سالمية جم ��ا ًال خ�صب ًا لإن�ضاج هذه
الت�صورات والأفكار».
وكم ��ا ذكر الدكتور فالبحث يحت ��اج �إىل كتابة فيه و�إ�ضافة عليه ،و�ستكون الإ�ضافة-
ب�إذن اهلل -على بحث الدكتور �سامي ال�سويلم من عدة جوانب:
-1مل يبني الدكتور مفهوم الهند�سة املالية الإ�سالمية ،وخ�صائ�صها وعوائقها و�أهدافها.
-2مل يتو�سع الدكتور يف الت�أ�صيل ال�شرعي للهند�سة املالية الإ�سالمية� ،إمنا ذكر �أنها من
ال�س�ن�ن احل�سنة ،و�س�أقوم بالتو�سع يف الت�أ�صي ��ل ال�شرعي للهند�سة املالية الإ�سالمية،
وبيان م�ستندات الهند�سة املالية من ال�سنة النبوية ،وم�ستنداتها من جهود ال�صحابة
،yوم�ستنداتها من املقا�صد ال�شرعية ،وم�ستنداتها من القواعد الفقهية.
-3تكل ��م الدكتور يف احليل البدعية ،واحللول ال�شرعية ،والرخ�ص ،دون تو�سع ،و�س�أتكلم
ع ��ن ه ��ذه الأدوات بتو�س ��ع ،و�أ�ضيف عليها م ��ن الأدوات اال�ستح�س ��ان ،و�سد الذرائع
وفتحها ،والتلفيق ،وتركيب العقود.
-4تكل ��م الدكت ��ور يف قاعدة بيعتني يف بيع ��ة و�أنها ال�ضابط للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية،
و�س�أتكلم يف غريها من ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية.
10
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�-5أ�ش ��ار الدكتور �إىل بع� ��ض التطبيقات للهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة يف الفقه الإ�سالمي
كبي ��ع العينة ،والتورق ،وبيع الوفاء ،دون ذكر �صورها �أو درا�سة لها ،و�س�أقوم ب�إ�ضافة
تطبيقات �أخرى من الفقه الإ�سالمي ،مع درا�سة جلميع التطبيقات.
-6ذك ��ر الدكتور بع�ض �ص ��ور للتطبيقات املعا�صرة للهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية ،كبطاقة
االئتمان ،والت�أجري املنتهي بالتملي ��ك ،و�س�أ�ضيف عليها تطبيقات معا�صرة للهند�سة
املالية الإ�سالمية ،مع درا�سة جلميع التطبيقات.
ثاني� �اً :بحث للأ�ستاذ عبدالك ��رمي قندوز بعنوان« الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية» وهو
من�ش ��ور يف جملة جامع ��ة امللك عبدالعزي ��ز ،االقت�صاد الإ�سالمي ،املجل ��د ،20العدد،2
� ��ص2007( 46-3م1428/هـ) ،ويقع البحث يف �أربع�ي�ن �صفحة �سوى �صفحات امل�صادر
والعنوان ،وبحث الأ�ستاذ عبدالكرمي قندوز قريب من بحث الدكتور �سامي ال�سويلم ،وقد
ق�س ��م البح ��ث ق�سمني ،الق�سم الأول م ��ن ال�صفحة الثالثة �إىل ال�صفح ��ة التا�سعة ع�شرة
تكل ��م يف �أهمية وجود هند�س ��ة �إ�سالمية ،ثم �أفا�ض يف تعريف الهند�سة املالية التقليدية،
ون�ش�أتها و�أ�سباب ظهورها ،ويف الق�سم الثاين تكلم يف الهند�سة املالية الإ�سالمية وتعريفها
وذكر تطبيقني من التطبيقات التي ذكرها الدكتور �سامي ال�سويلم يف بحثه ،ثم تكلم يف
�أ�س�س الهند�سة املالية الإ�سالمية الأ�س�س العامة واخلا�صة ،ثم تكلم يف بيعتني يف بيعة ويف
الفرق بني الهند�سة املالية الإ�سالمية والتقليدية ،و�أهمية وجود هند�سة مالية �إ�سالمية.
والإ�ضافة على بحث الأ�ستاذ عبدالكرمي قندوز كالإ�ضافة على بحث الدكتور �سامي
ال�سويلم.
ثالثا:كتاب «الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق» ،للأ�ستاذ عبدالكرمي
قندوز �صدر الكتاب عن م�ؤ�س�سة الر�سالة يف عام 2008م ،وقد ق�سم الكتاب �أربعة ف�صول،
الف�ص ��ل الأول تكلم فيه يف الهند�سة املالية التقليدي ��ة من ال�صفحة اخلام�سة والع�شرين
11
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�إىل ال�صفحة الثانية والت�سعني ،والف�صل الثاين تكلم فيه يف امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية
م ��ن ال�صفحة الثال ��ة والت�سعني �إىل ال�صفح ��ة املائة وثمان وخم�س�ي�ن ،وتكلم يف الف�صل
الثال ��ث يف �صناع ��ة الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة من ال�صفحة املائ ��ة وت�سع وخم�سني �إىل
ال�صفح ��ة املائتني و�أربع وثالثني ،والف�صل الرابع ذك ��ر جتارب بع�ض الدول؛ كال�سودان،
واجلزائ ��ر ،وماليزيا يف جمال �صناعة الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية من ال�صفحة املائتني
وخم�س وثالثني �إىل ال�صفحة الثالثمائة واثنتي ع�شرة.
وكالم الأ�ست ��اذ عبدالكرمي قن ��دوز عن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية كان يف الف�صل
الثال ��ث يف قرابة ال�سبعني �صفحة ،تكلم يف هذا الف�صل عن ثالثة مباحث :املبحث الأول
يف خ�صائ� ��ص و�أ�س�س الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية ،واملبحث الث ��اين يف منتجات �صناعة
الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة يف ع�شري ��ن �صفحة ،تكل ��م فيه عن مطلب�ي�ن املطلب الأول
يف الأدوات والأوراق املالي ��ة ذك ��ر فيه بع� ��ض التطبيقات؛ كال�سلم امل ��وازي ،واال�ست�صناع
املوازي ،و�سندات الإجارة املو�صوفة يف الذمة والوكالة ب�أجر ،وذكر �صور هذه التطبيقات
دون درا�سة لها ،واملطلب الثاين تكلم يف امل�شتقات املالية والتوريق ،وذكر حكم امل�شتقات
املالي ��ة ،وحك ��م التوري ��ق دون تو�سع ،واملبح ��ث الثالث يف دور الهند�س ��ة املالية يف حتقيق
أ�ه ��داف امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية تكلم فيه ع ��ن �أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية يف
حل امل�شاكل و�إدارة املخاطر وتطوير الأ�سواق النقدية الإ�سالمية.
والإ�ضافة على كتاب الأ�ستاذ عبدالكرمي قندوز �ستكون-ب�إذن اهلل -من عدة جوانب:
-1مل يتكل ��م الأ�ست ��اذ عبدالكرمي عن الت�أ�صي ��ل ال�شرعي للهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية،
و�س�أتكلم عنها.
-2مل يتكلم الأ�ستاذ عبدالكرمي عن �أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية ،و�س�أتكلم عنها.
-3مل يتكل ��م الأ�ست ��اذ عبدالكرمي عن ال�ضواب ��ط ال�شرعية للهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية،
و�س�أتكلم عنها.
12
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-4مل يتكل ��م الأ�ست ��اذ عبدالكرمي ع ��ن تطبيقات الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة يف الفقه
الإ�سالمي ،و�س�أتكلم عنها.
-5ذكر الأ�ستاذ عبدالكرمي بع�ض �صور للتطبيقات املعا�صرة للهند�سة املالية الإ�سالمية،
كال�سل ��م املوازي ،واال�ست�صناع املوازي ،والإجارة املو�صوفة يف الذمة ،و�س�أتكلم عنها
و�أ�ضي ��ف عليها تطبيق ��ات معا�صرة للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية ،م ��ع درا�سة جلميع
التطبيقات.
وقد �أُج ��ري حوار مع الأ�ستاذ عبدالكرمي قندوز يف املجل ��ة االقت�صادية عام2010م
ذكر فيه �أهمية البحث يف و�ضع �أ�س�س و�ضوابط للهند�سة املالية الإ�سالمية تكون وا�ضحة،
و�أن العبء الأكرب يقع على اجلامعات ومراكز التدريب(.)1
راب ًعا:بح ��ث للدكتور عبداهلل ال�سكاكر بعن ��وان «ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية
الإ�سالمي ��ة» والبح ��ث غ�ي�ر من�شور ،وح�صلت عل ��ى ن�سخة منه من امل�ؤل ��ف ،ويقع البحث
يف ع�شري ��ن �صفح ��ة دون �صفح ��ات امل�ص ��ادر والعن ��وان ،والبحث عبارة ع ��ن مقدمة يف
�صفحت�ي�ن تكل ��م فيها عن الكتابة يف �ضواب ��ط الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية ،ثم متهيد يف
تعري ��ف الهند�س ��ة املالية يف �أربع �صفح ��ات ،ثم املبحث الأول يف �أهمي ��ة الهند�سة املالية
يف �صفحت�ي�ن ،واملبح ��ث الثاين يف الف ��رق بني الهند�سة املالية واحلي ��ل املحرمة يف ثالث
�صفح ��ات ،واملبحث الثال ��ث يف �ضوابط الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة يف خم�س �صفحات،
واحد فقط وهو(احلكم ��ة) ور�أى �أنه ال�ضاب ��ط الوحيد الذي ي�ضبط وتكل ��م عن �ضاب ��ط ٍ
الهند�سة املالية الإ�سالمية.
والإ�ضاف ��ة على بحث الدكتور عبداهلل ال�سكاك ��ر �ستكون-ب�إذن اهلل-كالإ�ضافة على
((( االقت�صادية على الرابط التايل:
http://www.aleqt.com/2010/02/01/article_342415.html
13
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
البحوث ال�سابقة ،مع درا�سة ال�ضابط الذي ر�آه الدكتور وبيان هل هذا ال�ضابط ين�ضبط
يف جميع ال�صور ،وعليه يكون �ضابط ًا للهند�سة املالية الإ�سالمية� ،أو ال ين�ضبط ،ودرا�سة
غريه من ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية.
منهج البحث:
يف البح ��ث �س�أعتمد على املنهج الو�صفي للهند�سة املالية الإ�سالمية الذي يقوم على
درا�س ��ة للهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية و�أهميتها ،و�أهدافه ��ا ،وخ�صائ�صها ،و�س�أعتمد على
املنه ��ج املقارن بني الهند�سة املالية الإ�سالمية ،والهند�س ��ة املالية التقليدية ،وبني �أدوات
الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية كاحليل والذرائع ،و�س�أعتمد على املنهج التحليلي النقدي يف
التطبيق ��ات للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية؛ بحي ��ث �أقوم بتحليل املعامل ��ة ،ثم نقدها وبيان
موافقتها لل�شرع� ،أوخمالفتها له.
�إجراءات البحث:
�سرت يف هذا البحث على اخلطوات التالية:
� -1أق ��وم بعزو الآيات يف الهام�ش �إىل موا�ضعها من الق ��ر�آن الكرمي بذكر ا�سم ال�سورة،
ورقم الآية.
� -2أق ��وم بتخريج الأحاديث والآثار التي �أوردها ،ف� ��إن كانت يف ال�صحيحني �أو �أحدهما
ف�أكتف ��ي بذك ��ر امل�صدر ال ��ذي ورد في ��ه احلديث ،وا�س ��م الكتاب ،والب ��اب ،ثم رقم
احلديث.
� -3إذا مل تك ��ن الأحادي ��ث والآث ��ار الت ��ي �أورده ��ا يف ال�صحيح�ي�ن ف� ��إين �أخرجه ��ا من
م�صادره ��ا الأ�صلي ��ة ،مع ذكر ا�س ��م الكتاب ،والباب ،ثم رق ��م احلديث �إن وجد .مع
درا�س ��ة �أ�سانيد ه ��ذه الأحاديث م�ستن ًريا ب� ��آراء �أئمة ال�صنعة ث ��م �أثبت يف احلا�شية
النتيجة التي تو�صلت �إليها دون �إطالة احلوا�شي باخلالف احلديثي.
14
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-4وزي ��ادة يف التوثي ��ق �أقوم بالتن�صي�ص بني قو�سني م�ضاعف�ي�ن « » لكل ن�ص �أنقله من
مرجعه ،و�أجعل رقم ًا على �آخر الن�ص ،و�أهم�ش عليه بذكر ا�سم الكتاب ،ورقم اجلزء،
وال�صفح ��ة ،و�إذا ت�صرفت يف النقل� ،أو ذكرته باملعن ��ى ف�إين ال �أ�ضع قو�سني ،و�أجعل
رقم� � ًا على �آخر ال ��كالم ،و�أهم�ش عليه بقويل :انظر ،ثم اذكر ا�سم الكتاب ،واجلزء،
وال�صفحة.
� -5أرج ��ع يف جمع امل ��ادة العلمية �إىل �أمهات املراجع يف التف�س�ي�ر ،واحلديث ،والأ�صول،
والقواع ��د الفقهية ،والفقه ،واللغ ��ة ،واالقت�صاد الإ�سالم ��ي و�إىل الأبحاث واملقاالت
يف املج�ل�ات املتخ�ص�صة ،وق ��رارات املجامع الفقهية ،وغريها م ��ن املراجع مما هو
موجود يف قائمة م�صادر البحث.
-6يف امل�سائ ��ل الفقهي ��ة القدمي ��ة اقت�صر عل ��ى �آراء املذاهب الفقهية املعتم ��دة ،و�آراء
بع�ض الأئمة داخل املذهب� ،أما يف امل�سائل املعا�صرة ف�أذكر �آراء الفقهاء املعا�صرين
املعروفني ،و�آراء املجامع ،والهيئات ال�شرعية �إن وجدت.
� -7أذك ��ر حك ��م امل�س�ألة ،مع ذكر �أقوال الفقهاء فيها ،ثم �أنتق ��ل �إىل �إيراد الأدلة النقلية
والعقلية لكل قول ،ووجه الداللة من كل دليل ،كما �أذكر ما يرد عليها من مناق�شات،
وم ��ا يجاب على املناق�شة ،و�إن كانت املناق�شة والإجاب ��ة مني �أقول :يناق�ش ،ويجاب،
و�إن كانت من غريي �أقول:نوق�ش ،و�أجيب.
-8بعد عر� ��ض الأدلة واملناق�شة والإجابات عليها� ،أبني الق ��ول الراجح -ح�سب ما ظهر
يل-مع ذكر �سبب الرتجيح ،معتمد ًا على قوة �أدلة القول الراجح.
� -9أحر�ص عل ��ى توثيق املعاين من معاجم اللغة املعتمدة ،وتكون الإحالة عليها باجلزء،
وال�صفحة ،والف�صل ،والباب.
� -10أب�ّي نّ�ن يف احلا�شي ��ة معاين الألف ��اظ الغريبة الواردة يف م�ت�ن الر�سالة ،ومراجع هذه
املعاين التي اعتمدت عليها.
15
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -11أحر�ص قدر الإمكان على العناية بقواعد اللغة العربية ،والإمالء ،وعالمات الرتقيم،
ومنه ��ا عالمات التن�صي�ص للآيات الكرمية ،وللأحاديث ال�شريفة ،وللآثار ،ولأقوال
العلماء ،ومتييز العالمات �أو الأقوا�س ،فيكون لكل منها عالمته اخلا�صة.
� -12أترج ��م للأع�ل�ام بالقدر ال ��ذي ُيع ِّرف به ��م ما ع ��دا ال�صحابة ،والأئم ��ة الأربعة؛
لغناه ��م عن التعري ��ف ،ومل �أترجم للمعا�صرين؛ جر ًيا على الع ��ادة ،وقد رجعت �إىل
كتب الرتاجم املعتمدة.
� -13أختم الر�سالة بخامتة �أخل�ص فيها �أهم النتائج التي تو�صلت �إليها.
ذ ّيلت الر�سالة بالفهار�س الفنية املتعارف عليها ،وهي:
فهر�س الآيات. •
فهر�س الأحاديث والآثار. •
فهر�س الأعالم. •
فهر�س امل�صادر واملراجع. •
فهر�س املو�ضوعات. •
***
16
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
خطة البحث:
تتكون خطة البحث من مقدمة ،ومتهيد ،وبابني ،وخامتة ،وفهار�س،كالتايل:
مقدم ��ة :وفيها م�شكلة البحث ،و�أهمي ��ة البحث ،و�أ�سباب اختيار املو�ضوع ،و�أهداف
البحث ،والدرا�سات ال�سابقة ،ومنهج البحث ،و�إجراءات البحث ،وخطة البحث.
متهيد:يف �أهمية االقت�صاد الإ�سالمي ودوره يف احلياة املعا�صرة.
الباب الأول:ت�أ�صيل الهند�سة املالية الإ�سالمية ،وفيه �أربعة ف�صول:
الف�صل الأول:املفهوم ،واخل�صائ�ص ،والفروق ،وفيه �ستة مباحث:
املبحث الأول :تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية.
املبحث الثاين :ن�ش�أة م�صطلح الهند�سة املالية
املبحث الثالث�:أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية ،و�أهدافها.
املبحث الرابع :خ�صائ�ص الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث اخلام�س :معوقات تطبيق الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث ال�ساد�س:الفروق بني الهند�سة املالية الإ�سالمية والهند�سة املالية التقليدية
الف�صل الثاين:امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية ،وفيه �أربعة مباحث:
املبحث الأول :امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من ال�سنة النبوية.
املبح ��ث الثاين:امل�ستن ��دات ال�شرعي ��ة للهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية م ��ن اجتهادات
ال�صحابة.
املبح ��ث الثالث:امل�ستن ��دات ال�شرعي ��ة للهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة م ��ن املقا�صد
ال�شرعية.
املبحث الرابع :امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من القواعد الفقهية.
الف�صل الثالث� :أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية ،وفيه �ستة مباحث:
17
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
18
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
19
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
كما �أ�شكر كل من قدم يل معرو ًفا المتام هذه الر�سالة� ،سواء كان هذا املعروف ر�أ ًيا،
أون�صحا� ،أوت�شجي ًعا� ،أودعوة يف ظهر الغيب� ،أو غريها ،فجزاهم اهلل خ ًريا.
� ً
ويف اخلتام فالكتابة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية لي�ست بالأمر الي�سري ،وقد بذلت
و�سع ��ي المت ��ام هذه الر�سالة� ،أرج ��و �أن يكون فيها من اجلدة والطراف ��ة ما ينفع القارئ
له ��ا ،و�أن تكون هذه الر�سالة لبنة يف بناء ه ��ذا املو�ضوع املهم ،ع�سى �أن ي�أتي من ي�ضيف
عليه ��ا م�ستدر ًكا �أو مكملاً ليبلغ البنيان ً
يوما متام ��ه� ،أ�س�أل اهلل �أن يكتب فيها الإخال�ص
والقب ��ول ،هو ح�سب ��ي ونعم الوكيل ،و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد ،وعلى �آله و�صحبه
�أجمعني.
كتبه
مر�ضي بن م�شوح العنزي
�إمييلMurdi100@hotmail.com /
جوال0503380332 /
***
20
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
21
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ﭫ ﮊ ( ،)1ومنع ��ت االحت ��كار كم ��ا ورد يف �صحيح م�سلم �أن معم ًرا ق ��ال :قال ر�سول اهلل
×َ «:م � ِ�ن ْاح َت َك� � َر َف ُه َو َخاطِ ٌئ»()2؛ كي ال يكون املال دولة بني الأغنياء ،وليحافظ املجتمع
امل�سلم على توازنه ،وا�ستقراره(.)3
و�أما �أهمية االقت�صاد الإ�سالمي يف عاملنا املعا�صر فتتبني يف التايل:
�-1أن الدول الكربى تقوم على املال ،ولأجل املال تقوم معظم ال�صراعات الدولية ،و ُتدار
ح ��روب فتاكة ،و ُي�ضح ��ى بالأنف�س يف �سبي ��ل احل�صول على املع ��ادن ،واملواد اخلام،
والب�ت�رول ،والغاز ،وكما قي ��ل�:إن االقت�صاد وال�سيا�سة وجهان لعمل ��ة واحدة ،ف�أقوى
ال ��دول اقت�ص ��ادًا ه ��ي التي مت�سك بزم ��ام القوة ،وه ��ي �أكرث الدول ت�أث�ي ً�را يف عامل
ال�سيا�سة(.)4
-2وجود الأزمات االقت�صادية العاملية الكبرية ،والتي كان لها �أ�سباب كثرية ،منها ما يعود
�إىل جوهر النظام الر�أ�سمايل ال�سائد؛ كالتعامل بالربا ،واالحتكار ،وتو�سع امل�ضاربات
يف الأ�سواق املالية وغريه ،ومنها ما يعود �إىل �أ�سباب �سيا�سية وع�سكرية (.)5
-3ع ��دم ق ��درة الأنظمة الأخرى على مواجهة هذه الأزمات �أو حلها ،بل كانت هي �إحدى
�أه ��م الأ�سب ��اب لوجوده ��ا ،وا�ستمرارها؛ فالنظ ��ام ال�شيوعي انه ��ار بانهيار االحتاد
ال�سوفييت ��ي خمل ًفا �أ�سو�أ الآثار لل�شعوب الت ��ي كان يحكمها من حيث الفقر والتخلف،
و«النظ ��ام الر�أ�سمايل الذي ي�سوده الن�شاط اخلا�ص غري املن�سق ،والذي ال توجد فيه
معر�ضا بال�ضرورة �إىل التقلبات الدورية، �أداة للتخطي ��ط االقت�صادي ال�سليم جتعله ً
22
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وه ��ذه حقيقة �أثبتها التاريخ االقت�ص ��ادي ،وال �سبيل �إىل �إنكاره ��ا»( ،)1مما �أدى �إىل
البح ��ث عن نظ ��ام اقت�صادي جديد يك ��ون �سب ًبا يف حل هذه الأزم ��ات ،ويحقق كافة
املزاي ��ا االقت�صادي ��ة ،والنظام الإ�سالمي لالقت�صاد هو البدي ��ل وهو احلل؛ حيث �إن
االقت�صاد الإ�سالمي رباين امل�صدر ،هو الذي يحقق التوازن للحياة ،وفيه �شفاء لكل
ما يحدث من �أزمات ،ورحمة للعاملني.
وقد تنب� ��أ كبار االقت�صاديني الغربيني ب�أن النظ ��ام الإ�سالمي �سي�سود -ب�إذن اهلل-
ق ��ال االقت�ص ��ادي الفرن�سي جاك �أو�س�ت�ري�«:إن هناك اقت�صادًا ثال ًثا غ�ي�ر ر�أ�سمايل� ،أو
ا�شرتاك ��ي ،وه ��و االقت�ص ��اد الإ�سالم ��ي الذي يب ��دو �أنه �سي�س ��ود امل�ستقبل؛ لأن ��ه �أ�سلوب
كام ��ل للحي ��اة يحقق كافة املزاي ��ا االقت�صادي ��ة»( ،)2و�صدر من الفاتي ��كان يف جملة «يل
�أو�سريفات ��وري رومان ��و»( )3ب�ش� ��أن امل�صرفي ��ة الإ�سالمية«:نحن نعتق ��د �أن النظام املايل
الإ�سالم ��ي قادر على امل�ساهمة يف �إعادة ت�شكيل قواعد النظام املايل الغربي ،ونحن نرى
�أنن ��ا نواجه �أزمة مالية ،ال تقت�صر عل ��ى م�س�ألة �شح ال�سيولة لكنها تعاين من �أزمة انهيار
الثق ��ة بالنظام ذاته ،يحتاج النظام امل�صريف العامل ��ي �إىل �أدوات متكن من �إرجاع القيم
الأخالقية �إىل مركز االهتمام مرة �أخرى� ،أدوات متكن من تعزيز ال�سيولة وكذلك �إعادة
بناء �سمعة منوذج نظام ر�أ�سمايل ثبت ف�شله»(.)4
23
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
25
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الف�صل الأول
المفهوم ،والخصائص ،والفروق
املبحث الأول
تعريف الهندسة المالية اإلسالمية
املطلب الأول:تعريف الهند�سة املالية.
م�صطلح الهند�سة املالية مركب من كلمتني ،الهند�سة ،واملال ،وال بد من تعريفهما
قبل تعريف هذا امل�صطلح.
فالهند�سة يف اللغة كلمة فار�سية معربة من� :إندازة �أي املقادير( ،)1واملهند�س :الذي
يق ��در جماري القنى وموا�ضعها حيث حتفر( ،)2والهند�سة م�شتقة من الهندزة ،ف�صريت
الزاي �سين ًا يف الإعراب لأنه لي�س بعد الدال زاي يف كالم العرب(.)3
ف اخلط ��وط ،والأبعاد، والهند�س ��ة يف اال�صطالح«:ا ْلعل ��م الريا�ض ��ي ا َّل � ِ�ذي ي ْب َحث ِ
وال�سط ��وح ،والزواي ��ا والكمي ��ات� ،أَو ا َلْ َقا ِدي ��ر املادية من َح ْي ��ثُ خوا�صه ��ا ،وقيا�سها� ،أَو
تقوميها وعالقة َب ْع�ض َها ِب َب ْع�ض»(.)4
�ال يف اللغة فهو ما ملكته من جميع الأ�شي ��اء ،واجلمع �أموال ،ويف الأ�صل ما و�أم ��ا امل � ُ
والف�ضةّ ،ثم �أط ِلق على كل ما ُيقتنى وميلك من الأَعيان(.)5 ميلك من ال ّذهب ّ
و�أما املال يف اال�صطالح فقد عرفه احلنفية ب�أنه«:ما مييل �إليه الطبع وميكن ادخاره
انظر :ل�سان العرب ،البن منظور ،252/6مفاتيح العلوم ،للخوارزمي� ،ص.225 (((
انظر :ال�صحاح ،للجوهري ،992/3خمتار ال�صحاح ،للرازي �ص.329 (((
انظر :ال�صحاح ،للجوهري ،992/3ل�سان العرب ،البن منظور.252-251/6 (((
املعجم الو�سيط ،لإبراهيم م�صطفى و�آخرين .997/2 (((
انظر :ل�سان العرب ،البن منظور.636-635/11 (((
27
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
لوق ��ت احلاج ��ة»( ،)1فاحلنفية يقيدون املال يف تعريفهم له مبا ميك ��ن ادخاره؛ ل ُيخرجوا
املنافع من التعريف؛ لأنهم ال يعدون املنافع مالً(.)2
و�أما اجلمهور فتعريفاتهم للم ��ال متقاربة( ،)3واملختار منها يف تعريف املال هو«:ما
يباح نفعه مطل ًقا ،واقتنا�ؤه بال حاجة»(.)4
وا�صطالح اجلمهور �أوىل بالقبول؛ لأن املنافع «ي�صح متليكها يف حال احلياة ،وبعد املوت،
وت�ضمن باليد والإتالف ،ويكون عو�ضها عي ًنا ودي ًنا»( ،)5فهي داخلة يف م�صطلح املال(.)6
و�أما م�صطلح الهند�سة املالية فهو م�صطلح اقت�صادي ،وهو حديث ن�سب ًيا من حيث
اال�صط�ل�اح ،وقدمي من حيث التعام ��ل قدم التعامالت املالية( ،)7وله عدة تعريفات ،فقد
عرف ��ه فيرنت ��ي ب�أنه«:ت�صميم وتطوير وتطبيق عملي ��ات و�أدوات مالية م�ستحدثة وتقدمي
حلول خالقة ومبدعة للم�شكالت املالية»(.)8
وعرفت ��ه اجلمعي ��ة الدولي ��ة للمهند�س�ي�ن املالي�ي�ن ب�أنه«:التطوير والتطبي ��ق املبتكر
الفر�ص
ِ للم�شاكل املالي ِة املع ّقد ِة وال�ستغالل
ِ حلول
للنظري ِة املالي ِة والأدوات املالي ِة لإيجاد ِ
املالي ِة»).(9
28
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وعرف ��ه �شوق ��ي جب ��اري ب�أنه« :عملي ��ة القيام �أو ت�صمي ��م �أو تطوي ��ر �أدوات مالية �أو
ا�ستحداث �أدوات جديدة ق�صد التغلب على م�شكلة التمويل»(.)1
وكل ه ��ذه التعريفات مبعنى واحد ،وهي ت�شري �إىل �أن الهند�سة املالية تت�ضمن ثالثة
�أنواع من الأن�شطة:
�أولً :ابت ��كار وتطوي ��ر �أدوات مالي ��ة جديدة ،لتلب ��ي ه ��ذه الأدوات املبتكرة حاجات
متويلي ��ة جديدة� ,أو التطوير يف العقود احلالية لزي ��ادة كفاءتها ،مثل بطاقات االئتمان،
و�أنواع جديدة من ال�سندات والأ�سهم(.)2
ثان ًي ��ا :ابت ��كار �آليات متويلية جدي ��دة من �ش�أنها �أن تكون منخف�ض ��ة التكلفة ،ومرنة
وعملية ،مثل التداول االلكرتوين للأوراق املالية(.)3
ثال ًثا :ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية ،مثل �إدارة ال�سيولة �أو �إدارة الإئتمان(.)4
وعلي ��ه فيمكن �إجمال مفهوم الهند�س ��ة املالية ب�أنها ابتكار حللول مالية ،فهي ترتكز
على عن�صر االبتكار والتجديد(.)5
املطلب الثاين :تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية.
ال يختلف تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية عن تعريف الهند�سة املالية التقليدية �إال
بقيد يجعل هذه الهند�سة املالية موافقة لل�شرع( ،)6وقد ُعرفت الهند�سة املالية الإ�سالمية
ب�أنه ��ا« :جمموعة الأن�شطة الت ��ي تت�ضمن عمليات الت�صميم والتطوي ��ر والتنفيذ لكل من
((( دور الهند�سة املالية يف ت�أجيج �شرارة الأزمة الراهنة ،ل�شوقي جباري �ص ،13بحث مقدم مل�ؤمتر الأزمة االقت�صادية
املعا�صرة� ،أ�سبابها ،وتداعياتها ،وعالجها ،جامعة جر�ش ،الأردن 1432هـ.
((( انظر :الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية ،لزايدي عبدال�سالم� ،ص.14
((( املرجع ال�سابق.
((( انظر :الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية ،لزايدي عبدال�سالم� ،ص.14
((( انظر� :صناعة الهند�سة املالية ،ل�سامي ال�سويلم� ،ص.5
((( انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق ،لعبدالكرمي قندوز� ،ص.161
29
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الأدوات والعمليات املالية املبتكرة ،بالإ�ضافة �إىل �صياغة حلول �إبداعية مل�شاكل التمويل،
()1
وكل ذلك يف �إطار موجهات ال�شرع احلنيف».
وعلى هذا التعري ��ف للهند�سة املالية الإ�سالمية ي�شرتط يف الأن�شطة التي تت�ضمنها
الهند�س ��ة املالي ��ة -والتي �سب ��ق ذكرها -من ابت ��كار وتطوي ��ر الأدوات والآليات واحللول
التمويلية �أن تكون يف �إطار ال�ضوابط ال�شرعية(.)2
***
((( مدخ ��ل للهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة ،لفتح الرحمن علي ،من�ش ��ور يف جملة امل�صريف ،بنك ال�س ��ودان2002 ،م ،على
الرابطhttp://www.bankofsudan.org/arabic/period/masrafi/vol_26/masrafi_26.htm :
((( انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق ،لعبدالكرمي قندوز� ،ص.162
30
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثاين
نشأة مصطلح الهندسة المالية
الهند�س ��ة املالية من حيث املمار�سة والتعامل قدمية قدم املعامالت املالية( ،)1فعلى
مر التاريخ هناك الكثري من التعامالت التي ي�صدق عليها �أنها من قبيل الهند�سة املالية،
فبعد ما كان النا�س يتبادلون ال�سلع بع�ضها ببع�ض يف مبايعاتهم �أ�صبحت النقود املعدنية
م ��ن ذه ��ب وف�ضة ً
و�سيط ��ا يف املب ��ادالت املالية ،ثم حل ��ت الأوراق النقدية حم ��ل النقود
املعدنية( ،)2و�أخذ النا�س بعدها يبتكرون العقود التي تخدم م�صاحلهم ،فربزت منتجات
جدي ��دة كالأ�سه ��م وال�سندات ففي عام 1599م ت�أ�س�ست �شرك ��ة الهند ال�شرقية وطرحت
�أ�سهمه ��ا للت ��داول ،ويف الق ��رن ال�ساد�س ع�شر املي�ل�ادي �أخذت احلكوم ��ات تقرت�ض من
اجلماهري ،وجل� ��أت ال�شركات �إىل االقرتا�ض عن طريق �إ�صدار ال�سندات( ،)3ثم تو�سعت
االبتكارات حتى �صار حتويل عمليات الدفع اليدوية �إىل بطاقات دفع يف عام 1914م ،ثم
ب ��د�أ العمل بالبطاقات االئتمانية يف ع ��ام 1950م ،ويف الربع الأخري من القرن الع�شرين
فاج�أت الهند�سة املالي ��ة �أ�صحاب الأموال بامل�شتقات املالية التي �صنعت عهدً ا جديدً ا يف
مفتوحا �أمام
ً الهند�سة املالية(� ،)4إىل غري ذلك من املنتجات واالبتكارات ،وال زال املجال
الهند�سة املالية لتبتكر وتطور �أدواتها و�آليتها املالية.
�أما من حيث م�صطلح الهند�سة املالية فهو م�صطلح حادث ،ففي بداية ال�سبعينات
من القرن الع�شرين ح�صلت �أ�سباب كثرية �أدت �إىل ن�ش�أة م�صطلح الهند�سة املالية ،ومن
هذه الأ�سباب:
انظر� :صناعة الهند�سة املالية ،ل�سامي ال�سويلم� ،ص.5 (((
انظر :الورق النقدي ،لعبداهلل بن منيع� ،ص.26-23 (((
انظر :الأ�سهم وال�سندات ،لأحمد اخلليل� ،ص.39-38 (((
انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل ،ليحيى النعيمي� ،ص.18-16 (((
31
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-1ح�ص ��ول �أح ��داث عاملي ��ة كانهي ��ار اتفاقي ��ة بريت ��ون وودز( )1الت ��ي �أدت �إىل التقلبات
العنيفة يف �أ�سعار ال�صرف ،وانهيار �أ�سواق الأوراق املالية العاملية املتتابعة ،وحماولة
امل�ؤ�س�سات املالية وامل�صرفية جتاوز قيود ال�سيا�سات النقدية(.)2
-2التقلب ��ات الكبرية وغري املتوقعة يف حميط االقت�صاد العاملي ،مما �شكل خط ًرا كب ًريا
على امل�ؤ�س�سات املالية ،وهدد وجودها ،ترتب على ذلك �ضرورة ابتكار منتجات مالية
جديدة ،وتطوير قدرات عالية لل�سيطرة على هذه املخاطر(.)3
-3تط ��ور تقني ��ة املعلومات مم ��ا �أدى �إىل حتوي ��ل الأ�س ��واق العاملية واملتع ��ددة �إىل �سوق
م ��ايل كبري ،و�أدى ذل ��ك �إىل زيادة ع ��دد امل�شاركني ،وتتطلب زيادة ع ��دد امل�شاركني
م ��ن املهند�سني املاليني العمل ب�صورة اقت�صادية مقبولة ،فكلما ابتكروا �أداة متويلية
جديدة وجدوا من يطلبها وي�أخذها(.)4
-4زي ��ادة عدد الأ�سواق املالي ��ة� ،أدت �إىل املناف�سة يف ابتكار �أدوات مالية جديدة ب�آليات
�أقل تكلفة لك�سب �أكرث عدد من طالبي التمويل(.)5
-5االحتياج ��ات املختلفة للم�ستثمرين ،فلم تع ��د الأدوات التمويلية القدمية تلبي رغبات
امل�ستثمرين ،مما �أدى �إىل احلاجة �إىل االبتكار والتجديد فيها(.)6
((( اتفاقية بريتون وودز هو اال�سم ال�شائع للمكان الذي انعقد فيه م�ؤمتر النقد الدويل يف 1944م ،وقد و�ضعوا اخلطط
من �أجل ا�ستقرار النظام العاملي املايل وت�شجيع �إمناء التجارة بعد احلرب العاملية الثانية ،وظل هذا النظام متما�سك ًا
�إىل �أوائل ال�سبعينات.انظرhttp://www.borsaat.com/vb/t427837.html:
((( انظر :امل�شتقات املالية ،ل�سمري ر�ضوان� ،ص.78-77
((( انظر :البور�صات والهند�سة املالية ،لفريد النجار� ،ص.244
((( انظر :الهند�سة املالية ،ملحمد �أحمد اجللي ،مقال من�شور على الرابط:
htp://www.abofru.net/vb/archive/index.php/t-2019.html
((( انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق ،لعبدالكرمي قندوز�،ص.33
((( انظر� :صناعة الهند�سة املالية ،ل�سامي ال�سويلم� ،ص ،3الهند�سة املالية ،ملحمد �أحمد اجللي ،مقال من�شور يف االنرتنت.
32
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-6مع تط ��ور الأدوات التمويلية ،يحت ��اج طالب التمويل احل�صول عليه ��ا ب�أقل التكاليف؛
مم ��ا �أدى �إىل احلاج ��ة �إىل تطوير الآلي ��ات التمويلية؛ ليتم احل�ص ��ول على الأدوات
ب�سهولة ،وبتكلفة قليلة.
-7وج ��ود بع�ض امل�ش ��اكل يف الإدارة التمويلية ا�ستوجب ابتكار حل ��ول ملعاجلتها ،و�إعداد
�صيغ متويلية تالئم الظروف املحيطة ببع�ض امل�شاريع(.)1
-8ظه ��ور مفهوم ��ي الكفاءة والفاعلي ��ة :ويق�صد بالكفاءة �أن يت ��م مقابلة هذه احلاجات
بتكلف ��ة قليلة ،وب�سرعة ودقة عاليتني ،ويق�صد بالفاعلي ��ة املقدرة على تلبية حاجات
طالبي التمويل (.)2
ه ��ذه ه ��ي �أبرز الأ�سب ��اب التي جعل ��ت ال�سوق امل ��ايل الأمريكي ي�ستع�ي�ن ببع�ض من
ح ��ازوا درجات علمية عالية من الأكادمييني وغريهم ليقوم ��وا بتطوير املنتجات املالية،
ث ��م يف منت�ص ��ف الثمانينات �أطلق على عملية ابتكار املنتج ��ات وتطويرها ا�سم الهند�سة
دارجا
م�صطلحا ً
ً املالي ��ة( ،)3ومنذ ذلك الوقت انت�شر م�صطلح الهند�س ��ة املالية ،و�أ�صبح
تخ�ص�صا يدر�س يف اجلامعات ،وت�ؤخذ ً يف مراكز الأبحاث ،وبني �أهل االقت�صاد ،بل �صار
فيه ال�شهادات(.)4
ولأن الهند�س ��ة املالية التقليدية ولدت من رحم النظام الر�أ�سمايل كانت هي �إحدى
الأ�سباب يف ت�أجيج �شرارة الأزمات املالية التي ي�شاهدها العامل املعا�صر(،)5حتى �إن بع�ض
((( انظر� :صناعة الهند�سة املالية ،ل�سامي ال�سويلم� ،ص.5
((( انظر :الهند�سة املالية ،ملحمد �أحمد اجللي ،مقال من�شور يف االنرتنت.
((( انظر:امل�شتقات املالية ،ل�سمري ر�ضوان� ،ص.93-92
((( انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل ،ليحيى النعيمي� ،ص.19
((( انظر� :صناعة الهند�سة املالية ،ل�سامي ال�سويلم� ،ص ،3دور الهند�سة املالية يف ت�أجيج �شرارة الأزمة الراهنة ،ل�شوقي
جب ��اري �ص ،2بحث مق ��دم مل�ؤمتر الأزم ��ة االقت�صادية املعا�صرة� ،أ�سبابه ��ا ،وتداعياتها ،وعالجه ��ا ،جامعة جر�ش،
الأردن 1432هـ.
33
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الكت ��اب الغربي�ي�ن �سماها :عب ًثا مال ًيا بدلً من هند�سة مالي ��ة( ،)1و�أدى ذلك �إىل �ضرورة
�أن تكون الهند�سة املالية وفق املنهج الإ�سالمي جتمع بني امل�صداقية ال�شرعية ،والكفاءة
االقت�صادي ��ة العملية ،ولعل البح ��ث الذي كتبه الدكتور �سام ��ي ال�سويلم بعنوان«�صناعة
الهند�س ��ة املالية-نظ ��رات يف املنه ��ج الإ�سالمي» ،وال ��ذي ن�شره مركز البح ��وث ب�شركة
الراجح ��ي امل�صرفية لال�ستثمار يف عام 1421ه� �ـ2000-م� ،أوىل املحاوالت اجلادة التي
ا�ستعر�ض ��ت مالمح م�صطل ��ح الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية ،وحاولت �س�ب�ر عنا�صره ،ثم
ظه ��رت بعد ذلك بع�ض البحوث ،و�أقيمت بع� ��ض الندوات وامل�ؤمترات يف الهند�سة املالية
الإ�سالمي ��ة� ،إال �أنه ��ا قليلة مقابل ما ُخدمت ب ��ه الهند�سة املالية التقليدي ��ة ،وامل�أمول �أن
ت أ�خ ��ذ الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية حقها م ��ن الت�أ�صيل ،والتطوي ��ر ،والتطبيق ،كفرع من
ف ��روع التموي ��ل الإ�سالمي ،و�أن تك ��ون إ�ح ��دى التخ�ص�صات التي تدر� ��س يف اجلامعات،
وتكتب فيها الر�سائل البحوث الأكادميية املتخ�ص�صة(.)2
***
((( انظر:احل ��وار ال ��ذي أ�ج ��ري م ��ع الدكتور عبدالك ��رمي قندوز� ،ص ��در يف العدد الأخ�ي�ر ملجلة امل�صرفي ��ة الإ�سالمية،
العدد� ،10شهر فرباير.
((( انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل ،ليحيى النعيمي� ،ص.40
34
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثالث
أهمية الهندسة المالية اإلسالمية،وأهدافها
املطلب الأول� :أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية.
تتبني �أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية يف الأمور التالية:
� -1أن معظ ��م الأدوات التمويلية املوجودة هي تلك الت ��ي مت تطويرها منذ قرون ،وكانت
تفي بحاج ��ة املجتمعات يف ذاك الوقت ،ويف الوقت احلا�ضر تتزايد حاجات املجتمع
ب�شكل م�ستم ��ر ،ويتطلب ذلك �إيجاد �أدوات متويلية من�ضبط ��ة بال�ضوابط ال�شرعية؛
ك ��ي ت�ساهم يف حتقيق مر�ض ��اة اهلل �سبحانه وتعاىل ،وتعبيد العباد خلالقهم بالتزام
�أوامره ،واجتناب نواهيه ،واقتفاء �شرعه فيما يتعلق باملعامالت املالية(.)1
بدل من حماربتها ،واتخاذ -2اال�ستف ��ادة من التطورات التي ت�شهدها الأ�سواق العاملية ،اً
موق ��ف الع ��داء منها ،وت�صحيح م ��ا يحتاج منه ��ا �إىل ت�صحيح لتتواف ��ق مع �ضوابط
ال�شريعة الإ�سالمية(.)2
� -3أن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية ت�ساهم يف ك�سر حلقة التبعي ��ة للعامل الغربي؛ وذلك
بابت ��كار الأن�شطة الأكرث مالءمة لظروف التنمية االجتماعية ،دون الوقوع يف الديون
الربوية و�أعبائها الثقيلة(.)3
� -4أن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية هي البدي ��ل والعالج للأزمات املالي ��ة التي ي�شهدها
العامل ب�سبب املعامالت غري املن�ضبطة ب�ضوابط ال�شرع احلنيف(.)4
((( انظ ��ر :الهند�سة املالية الإ�سالمية ،لعبدالكرمي قندوز� ،ص ،39ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية ،لعبداهلل ال�سكاكر،
�ص.11
((( انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية ،لعبدالكرمي قندوز� ،ص.39
((( انظر :دور الهند�سة املالية يف زيادة فاعلية ال�سيا�سة النقدية يف النظام النقدي الإ�سالمي ،ل�شهناز مدين� ،ص.12
((( انظ ��ر :ال�ضوابط ال�شرعي ��ة للهند�سة املالية ،لعبداهلل ال�سكاكر� ،ص ،11دور الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية يف معاجلة
35
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -5أن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية بجمعها لعن�ص ��ري امل�صداقية ال�شرعي ��ة ،والكفاءة
االقت�صادي ��ة العملية ،ت�ضم ��ن ا�ستمرارية النظام الإ�سالم ��ي ،وحماية اقت�صاده من
الت�أثر بالأزمات االقت�صادية اخلانقة املتتابعة(.)1
� -6أن جمه ��ور امل�سلمني ممن يتعامل ��ون بالعقود املالية يقعون يف ح ��رج وم�شقة؛ لوجود
كثري من املعامالت املنافية لل�شرع ،ويف الهند�سة املالية الإ�سالمية رفع لذلك احلرج،
وامل�شقة؛ حيث �إنها تبتكر لهم �أو تطور عقودًا مالية متوافقة مع ال�شرع(.)2
� -7أن م ��ن مقا�ص ��د املكلف�ي�ن االكت�ساب وطل ��ب الرزق وتنمي ��ة امل ��ال ،والو�سائل تتغري
وتختلف باختالف الع�صور والعادات ،والهند�سة املالية الإ�سالمية ت�ستخدم الو�سائل
التي تتواكب مع كل ع�صر وجمتمع ،مع املحافظة على الأ�صالة الإ�سالمية(.)3
� -8أن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية حتتاج �إىل اجتهاد �سواء يف تكييف العقود املوجودة،
�أو تطويره ��ا� ،أو ا�ستحداث عقود جديدة ،مما يجعل الفق ��ه الإ�سالمي حا�ض ًرا على
ال�ساحة االقت�صادية ،ومما يعني على ا�ستمرار االجتهاد الفقهي(.)4
� -9أن يف الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �إبرا ًزا للنظام االقت�صادي الإ�سالمي ،وهذا ي�شكل
دعوة عظيمة لهذا الدين ب�سموه و�شموله وعالجه مل�شاكل العامل االقت�صادية(.)5
36
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
37
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
***
38
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الرابع
خصائص الهندسة المالية اإلسالمية
متتاز الأدوات التي تبتكرها �أو تطورها الهند�سة املالية الإ�سالمية مبيزتني:
املي ��زة الأوىل :امل�ص ��داقية ال�ش ��رعية :ويق�ص ��د بامل�صداقي ��ة ال�شرعي ��ة �أن تك ��ون
املنتج ��ات الإ�سالمية متوافقة م ��ع ال�شرع ،ويت�ضمن ذلك اخل ��روج من اخلالف الفقهي
ق ��در امل�ستطاع( ،)1فلي�س الهدف الأ�سا�س من ال�صناعة الإ�سالمية ترجيح الآراء الفقهية
عل ��ى بع�ضها� ،إمنا اله ��دف الو�صول �إىل حل ��ول مبتكرة تكون حمل اتف ��اق قدر الإمكان،
فكلم ��ا كان ��ت حمل اتفاق من الفقه ��اء �أو كان اخلالف فيه ناد ًرا كان ��ت �أكرث م�صداقية
�شرعية(.)2
املي ��زة الثاني ��ة :الكف ��اءة االقت�ص ��ادية :واملق�ص ��ود بالكف ��اءة االقت�صادية �أن حتقق
مقا�ص ��د املتعامل�ي�ن ب�أقل ق ��در ممكن م ��ن التكاليف الإجرائي ��ة �أو التعاقدي ��ة ،فيتطلب
م ��ع ت�سارع وت�ي�رة احلي ��اة االقت�صادية املعا�ص ��رة ،والتقدم التقني يف ع ��امل االت�صاالت
واملعلوم ��ات تطوي ��ر �أ�ساليب التعام ��ل االقت�ص ��ادي �إىل �أقل قدر ممكن م ��ن االلتزامات
والقيود(.)3
وهات ��ان امليزت ��ان لي�ستا منعزلتني ع ��ن بع�ضهما البع�ض ،ب ��ل مرتابطتني ،فلي�س كل
((( من الأمثلة على اخلروج من اخلالف الفقهي الر�سوم التي ي�أخذها امل�صرف من التاجر يف بطاقة االئتمان؛ فقد اختلف
الفقهاء املعا�صرون يف حكمها بني مبيح لها؛ لأنها عبارة عن �سم�سرة �أو عمولة ،وبني حمرم لها؛ لأنها �أجرة على ال�ضمان
�أو م ��ن ب ��اب ح�سم الكمبيالة ،وميك ��ن اخلروج من هذا اخلالف ب�أن ُتبنى عالقة م�شاركة ب�ي�ن امل�صرف والتاجر ،فتكون
الن�سب ��ة الت ��ي يخ�صمها امل�صرف عل ��ى التاجر ح�صة يف ال�سلع ��ة املباعة ،وي�صبح التاجر �شري� � ًكا للم�صرف يف الأرباح،
وبذلك نخرج من اخلالف الفقهي فيها .انظر� :صناعة الهند�سة املالية ،ل�سامي ال�سويلم� ،ص.19
((( انظر�:صناعة الهند�سة املالية ،ل�سامي ال�سويلم� ،ص.18-17
((( انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق ،لعبدالكرمي قندوز� ،ص.164-163
39
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
م ��ا هو مباح يف دائرة ال�شرع يكون ذا كف ��اءة اقت�صادية؛ فال�شرع جاء لكل زمان ومكان،
وظ ��روف النا�س تختلف بح�سب اختالف الأزمن ��ة والأمكنة ،والهند�سة املالية الإ�سالمية
تطم ��ح �إىل منتج منوذجي مبقيا�س الع�صر احلا�ضر ،ولي�س كل ما هو منوذجي يف ع�صر
م�ض ��ى يك ��ون منوذج ًيا يف ع�صرنا احلا�ض ��ر ،فينبغي اختيار �أكف�أ النم ��اذج االقت�صادية
لع�صرنا مع احلفاظ على امل�صداقية ال�شرعية(.)1
***
((( انظر�:صناع ��ة الهند�س ��ة املالية ،ل�سامي ال�سويلم�� � ،ص ،18-17الهند�سة املالية الإ�سالمية ب�ي�ن النظرية والتطبيق،
لعبدالكرمي قندوز� ،ص.164-163
40
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث اخلام�س
معوقات تطبيق الهندسة المالية اإلسالمية
وعل ��ى الرغ ��م م ��ن �أهمية الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة والإجن ��ازات الكبرية التي
حتققه ��ا للم�ؤ�س�سات ،والبنوك الإ�سالمية� ،إال �أن ا�ستفادة امل�ؤ�س�سات والبنوك الإ�سالمية
من الهند�سة املالية الإ�سالمية يف جمال �أعمالها مازالت متدنية ،وذلك لوجود املعوقات
�أمامها ،وكل ما يعيق امل�ؤ�س�سات والبنوك الإ�سالمية يكون معي ًقا لتطبيق الهند�سة املالية
الإ�سالمية ،و�أبرز هذه املعوقات:
-1املعوقات املتعلقة باجلانب امل�ؤ�س�سي:
�أ-البن ��وك الإ�سالمي ��ة حتت ��اج �إىل ع ��دد م ��ن الرتتيب ��ات الداعمة لها بغي ��ة القيام
بوظائفه ��ا املتع ��ددة ،وهي حت ��اول اال�ستفادة م ��ن الإط ��ار امل�ؤ�س�سي ال ��ذي يدعم العمل
خ�صو�صا خلدمة
ً امل�صريف التقليدي ،لكنها تعاين من انعدام الدعم امل�ؤ�س�سي الذي ُي َ
وظف
حاجاته ��ا .كما �أن بناء كي ��ان م�ؤ�س�سي �سليم يعد �أخطر حتد يواج ��ه التمويل الإ�سالمي؛
وذل ��ك لأن قوان�ي�ن التجارة وامل�ص ��ارف وال�شركات ف ��ى معظم البل ��دان الإ�سالمية على
أحكاما ت�ضيق من مدى ن�شاطات العمل امل�صريف النمط الغربي ،وحتتوى ه ��ذه القوانني � ً
وحت�صره يف حدود تقليدية(.)1
ب -ع ��دم وجود �إطار �إ�شرايف ف ّعال يع ��د �أحد نقاط �ضعف النظام القائم ،وي�ستحق
الإطار الإ�شرايف اهتماما بال ًغا ،وهناك حاجة ما�سة لتن�سيق وتقوية الأدوار التي تقوم بها
كل من هيئات الرقابة ال�شرعية والبنوك املركزية يف الدول الإ�سالمية(.)2
((( انظ ��ر :الهند�سة املالي ��ة مدخل لتطوير ال�صناعة املالي ��ة ،لزايدي عبدال�سالم� ،ص .25-24واق�ت�رح الدكتور �صالح
ال�سلطان�-أثناء املناق�شة� :-أنه لو كان هناك رابطة مثل احتاد عاملي للم�صارف الإ�سالمية ُيعنى ب�صياغة ال�سيا�سات
العامة ،ويكون حلقة و�صل بني امل�صارف الإ�سالمية ،وبينها وبني البنوك وامل�ؤ�س�سات املالية التقليدية.
((( املرجع ال�سابق� ،ص.26-25
41
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( انظر :الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية ،لزايدي عبدال�سالم� ،ص.28-27
42
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
درا�سات جادة وتقو ًميا فن ًيا مال ًيا ،وعادة ما تتجاوز تكلفة هذه اجلهود تكلفة الإيداعات
بعوائ ��د ثابتة ،بالإ�ضافة �إىل �أن ترتيبات امل�شاركة يف الأرباح تتطلب متابعة وتقدمي دعم
فني ،و�أحيا ًنا دع ًما مال ًيا �إ�ضاف ًيا للمتعهدين ،والبنوك ال تريد ذلك(.)1
ج -انت�شار �صيغ التمويل القائمة على �أ�سا�س الدين �سبب م�شكلة؛ وهى �صعوبة حتويل
ه ��ذه ال�صي ��غ التمويلية �إىل �أدوات مالية ميكن التفاو� ��ض ب�ش�أنها ،فمجرد �إحداث الدين
ال ميك ��ن حتويل ��ه �إىل �أي �شخ�ص �إال بقيمت ��ه اال�سمية ،ويجعل ذلك هي ��كل ال�سوق املالية
الإ�سالمية غري قابل للت�سييل بدرجة عالية ،وميثل ذلك عقبة يف تطوير �أ�سواق ثانوية يف
الأدوات املالية الإ�سالمية؛ لإنه مامل ت�صبح ال�صيغ القائمة على الأ�سهم �أكرث �شعبية� ،أو
يتم تطوير �أدوات �أخرى قابلة للتداول ،ف�إن ال�سوق املالية الإ�سالمية لن تتطور(.)2
ه ��ذه هي �أبرز املعوقات التي تعيق ا�ستمرار امل�ؤ�س�سات والبنوك الإ�سالمية ،وبالتايل
تعيق تطبيق الهند�سة املالية الإ�سالمية.
ومن العوائق �أمام الهند�سة املالية الإ�سالمية على وجه اخل�صو�ص غياب الكفاءات
الب�شري ��ة الت ��ي تتمتع مبعرف ��ة �أ�سا�سي ��ات العل ��وم املالية امل�صرفي ��ة ،مع الإمل ��ام بالفقه
الإ�سالمي(.)3
ويرى بع�ض الباحثني يف االقت�صاد الإ�سالمي �أن مما يعيق الهند�سة املالية الإ�سالمية
االختالف ��ات الفقهية ،و�أنها حتد من انت�شار التمويل الإ�سالمي ،وعلى الوجه املقابل يرى
بع�ضهم �أن االختالفات الفقهية ت�ؤدي �إىل التنوع و�إثراء جتربة ال�صناعة الإ�سالمية ،و�أن
ق�ضي ��ة اخلالفات الفقهية ال ينبغي �أن تكون �سدً ا مان ًع ��ا النت�شار التمويل الإ�سالمي ،ويف
43
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الوقت نف�سه يجب عدم الت�ضييق على النا�س يف معامالتهم املالية( ،)1ويقرتح بع�ضهم �أن
يكون احلل �أن تلزم جميع امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية بقرارات املجامع الفقهية(.)2
و�إل ��زام امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية بق ��رارات املجامع الفقهية� ،أو غريها من دور الإفتاء،
�أو الهيئ ��ات ال�شرعي ��ة( ،)3فيه �ضبط للتوج ��ه ال�شرعي للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية ،وحد من
ت�ضارب املمار�سات الفعلية لها الذي ي�ؤدي �إىل زعزعة ثقة النا�س الذين يريدون التعامل
معه ��ا ،ولي� ��س يف هذا الإل ��زام ت�ضييق عليها� ،أو ح ��د من ثراء الفق ��ه �أو تنوعه؛ لأن هذه
املجامع الفقهية والهيئات ال�شرعية تراعي هذا التنوع الفقهي ،وت�ستفيد منه.
***
44
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث ال�ساد�س
الفروق بين الهندسة المالية اإلسالمية
والهندسة المالية التقليدية
تتف ��ق الهند�سة املالية الإ�سالمية م ��ع الهند�سة املالية التقليدية ب� ��أن كلتيهما تبتكر
وتط ��ور �أدوات مالية ،لك ��ن الهند�سة املالية الإ�سالمية ملتزم ��ة بالأحكام ال�شرعية؛ مما
�أدى �إىل وجود بع�ض الفروق بينهما ،وهي كالتايل:
-1االن�ضباط يف الهند�سة املالية الإ�سالمية �أكرب منه يف الهند�سة املالية التقليدية؛ وذلك
�أن حافز التدين لدى امل�سلمني عميق ،ومن �ش�أنه �أن يحد من حماوالت االلتفاف على
الأنظم ��ة الإ�سالمية ،بعك�س الهند�سة املالية التقليدي ��ة التي ال متتلك حوافز داخلية
لاللت ��زام واملحافظة على روح الأحكام واللوائح القانونية ،مما يجعلها تتحايل عليها
كلما �سنحت لها فر�صة كافية للربح(.)1
� -2إن املحافظ ��ة عل ��ى الأح ��كام ال�شرعية �أي�سر م ��ن املحافظة على الأح ��كام الو�ضعية؛
إحكاما وتنا�س ًقا� ،أما ً
ان�ضباطا و� ً وذل ��ك �أن النظام الإ�سالمي نظام رب ��اين ،فهو �أكرث
الأح ��كام الو�ضعية فيتطرق �إليها اخللل والق�صور والتناق�ض مبا ال ي�سمح للمتعاملني
بها �أن يحافظوا عليها(.)2
� -3إن الأح ��كام ال�شرعية ته ��دف مل�صلحة املتعاملني بها وفق �إط ��ار ال�شريعة ،فااللتزام
به ��ا يحقق ر�ضا املتعامل�ي�ن وقناعتهم ملا يحققون من هذه امل�صال ��ح ،بينما الأنظمة
الو�ضعي ��ة ال تفرق بني امل�صالح اجلزئية ،وامل�صالح الكلي ��ة ،وتب ًعا لذلك يتم التنافر
بني هذه الأنظمة وم�صلحة املتعاملني(.)3
45
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الف�صل الثاين
المستندات الشرعية للهندسة المالية اإلسالمية
وفيه �أربعة مباحث:
املبحث الأول
المستندات الشرعية للهندسة المالية
اإلسالمية من السنة النبوية
�أت ��ى النبي × �إىل املدينة النبوية وللنا�س تعامالته ��م الدنيوية املختلفة ،وكان من
هدي ��ه × �أن يدع �أمور الدني ��ا للنا�س يديرون �ش�ؤونها ،فعن راف ��ع بن خديج ،قال:
هلل× المْ َ ِدي َن� � َةَ ،وهُ ْم َي�أْ ُب� � ُرونَ ال َّن ْخ َلَ ،ي ُقو ُل ��ونَ ُي َل ِّق ُحونَ ال َّن ْخ � َ�لَ ،ف َق َالَ «:ما ( َق � ِ�د َم َن ِب � ُّ�ي ا ِ
ل َت ْف َع ُلوا َكا َن َخيرْ ً ا» َفترَ َ ُكو ُهَ ،ف َن َف َ�ض ْت �أَ ْو َت ْ�ص َن ُعو َن؟» َقا ُلواُ :ك َّنا َن ْ�ص َن ُعهَُ ،ق َالَ «:ل َع َّل ُك ْم َل ْو مَ ْ
نا �أَ َنا َب َ�ش ٌر� ،إِ َذا َ�أ َم ْر ُت ُك ْم ِب َ�ش ْي ٍء مِ نْ دِي ِن ُك ْم َف ُخ ُذواَف َن َق َ�ص ْتَ ،ق َال َف َذ َك ُروا َذ ِل َك َل ُه َف َق َال�«:إِ مَّ َ
نا �أَ َنا َب َ�ش� � ٌر»)رواه م�سلم( ،)1قال النووي(« :)2قال ِب� �هَِ ،و�إِ َذا �أَ َم ْر ُت ُك� � ْم ِب َ�ش � ْ�ي ٍء مِ نْ َر�أْ ِي ��يَ ،ف�إِ مَّ َ
العلم ��اء قوله × من ر�أيي �أي يف �أم ��ر الدنيا ومعاي�شها»( ،)3ويف رواية �أخرى عند م�سلم
�أي�ض ��ا عن �أن�س قال النبي ×�«:أَ ْن ُت ْم �أَ ْعلَ ُم ِب�أَ ْم� � ِر ُد ْن َيا ُك ْم»( ،)4ومن �ضمن التعامالت
الدنيوي ��ة الت ��ي كان يتعامل بها �أهل املدينة املعامالت املالي ��ة ،وقد �أقر النبي × النا�س
((( كتاب الف�ضائل ،باب وجوب امتثال ما قاله �شرعا دون ما ذكره × من معاي�ش الدنيا على �سبيل الر�أي ،برقم.2362
((( ه ��و حمي ��ي الدين �أبو زكريا يحي بن �شرف بن مري النووي الدم�شقي ،ولد يف نوى يف �سنة 631هـ� ،شافعي املذهب،
ول ��ه ع ��دة ت�صانيف منها« :ريا�ض ال�صاحل�ي�ن» ،و«الأذكار» ،و«رو�ض ��ة الطالبني وعمدة املفت�ي�ن» ،و«املنهاج يف �شرح
�صحي ��ح م�سل ��م» ،و«املجموع �شرح امله ��ذب» وغريها ،ت ��ويف �سنة 676هـ .انظ ��ر :طبقات ال�شافعية الك�ب�رى ،لل�سبكي
،395/8طبقات ال�شافعية ،البن قا�ضي �شهبة .153/2
((( املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج ،للنووي .116 /15
((( كتاب الف�ضائل ،باب وجوب امتثال ما قاله �شرعا دون ما ذكره × من معاي�ش الدنيا على �سبيل الر�أي ،برقم.2363
47
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
عل ��ى معامالتهم الت ��ي وجدهم عليها� ،إال ما ا�شتمل منها على �ض ��رر ،فكان موقفه منها
�إما التعديل(� ،)1أو الإلغاء()2؛ ليحافظ على م�صالح النا�س يف معا�شهم ومعادهم ،ولتدوم
رواب ��ط الأخوة واملحبة بني امل�سلم�ي�ن ،وليدفع عنهم �أ�سباب الع ��داوة والبغ�ضاء ،وليقوم
النا� ��س بالعدل» ف�إن ال�شريع ��ة مبناها و�أ�سا�سها على احلكم وم�صال ��ح العباد يف املعا�ش
واملع ��اد ،وهي عدل كلها ،ورحمة كلها ،وم�صال ��ح كلها ،وحكمة كلها؛ فكل م�س�ألة خرجت
ع ��ن الع ��دل �إىل اجلور ،وع ��ن الرحم ��ة �إىل �ضدها ،وع ��ن امل�صلح ��ة �إىل املف�سدة ،وعن
احلكمة �إىل العبث؛ فلي�ست من ال�شريعة ،و�إن �أدخلت فيها بالت�أويل؛ فال�شريعة عدل اهلل
ب�ي�ن عباده ،ورحمته بني خلقه ،وظله يف �أر�ضه ،وحكمته الدالة عليه ،وعلى �صدق ر�سوله
×�أمت داللة و�أ�صدقها»(.)3
و�إذا كان م ��ن �ضم ��ن الأن�شط ��ة التي تقوم به ��ا الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية تطوير
املعام�ل�ات املالي ��ة وف ًقا لل�شريع ��ة الإ�سالمية()4؛ ك ��ي يح�صل النا�س عل ��ى �أكرب قدر من
امل�صال ��ح ،و ُيدر�أ عنهم �أكرب قدر م ��ن الأ�ضرار واملفا�سد التي ميك ��ن ح�صولها ،وتطوير
املعامالت املالية عبارة عن تعديلها ،ف�إنه ميكن القول �إن كل معاملة كانت يف ع�صر النبي
× و�أجرى لها تعديلاً � ،أو نهى عنها و�أوجد لها بديلاً ،ف�إن هذا التعديل ،وذلك التبديل،
ا�س َت ْع َم َل َر ُجلاً َع َلى َخيْبرَ َ َ ،ف َجا َء ُه ول اللهَّ ِ × ْ ((( مثل حديث �أبي �سعيد اخلدري ،و�أبي هريرة ر�ضي اهلل عنهما� :أَنَّ َر ُ�س َ
ال�صا َع ِمنْ هَ َذا ول اللهَّ ِ ِ�إ َّنا َل َن�أْ ُخ ُذ َّ
ب َه َك� � َذا؟»َ ،ق َالَ :ال َواللهَّ ِ َيا َر ُ�س َول اللهَّ ِ ×�« :أَ ُك ُّل تمَ ْ ِر َخ ْي رَ َ ِب َت ْم � ٍ�ر َج ِني � ٍ�بَ ،ف َق َال َر ُ�س ُ
جل ْم َع بِال َّد َراهِ ِمُ ،ث َّم ا ْب َت ْع بِال َّد َراهِ ِم َجنِي ًبا». ول اللهَّ ِ ×َ « :ال َت ْف َع ْلِ ،ب ْع ا َ ال�ص َاعينْ ِ ِبال َّث َال َث ِةَ ،ف َق َال َر ُ�س ُ
ال�ص َاعينْ ِ َ ،و َِّب َّ
رواه البخاري ،كتاب البيوع ،باب �إذا �أراد بيع متر بتمر خري منه ،برقم ،2201وم�سلم ،كتاب امل�ساقاة واملزارعة ،باب
بيع الطعام مثال مبثل ،برقم.1592
هلل × َعنْ َب ْي ِع الحْ َ َ�صا ِةَ ،و َعنْ َب ْي ِع ا ْل َغ َررِ».رواه م�سلم ،كتاب البيوع ،باب ول ا ِ ((( مثل حديث �أبي هريرة ،قالَ « :ن َهى َر ُ�س ُ
بطالن بيع احل�صاة والبيع الذي فيه غرر ،برقم.1513
((( �إعالم املوقعني ،البن القيم .11/3
((( انظر �ص 22من هذا البحث.
48
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يع ��د هند�سة مالية �إ�سالمية لهذه املعاملة ،وي�صلح دليلاً على م�شروعية الهند�سة املالية
الإ�سالمية ،ومن �أمثلة املعامالت التي قام النبي × بتعديلها� ،أو تبديلها ،وتعد م�ستندً ا
�شرع ًيا للهند�سة املالية الإ�سالمية الأمثلة التالية:
املثال الأول:عن ابن عبا�س ،قالَ ( :ق ِد َم ال َّن ِب ُّي × ا َمل ِدي َن َة َوهُ ْم ُي ْ�س ِل ُفونَ ِبال َّت ْم ِر
ال�س َن َتينْ ِ َوال َّث َال َثَ ،ف َق َالَ «:منْ �أَ ْ�س� �لَ َف يِف َ�ش � ْ�يءٍَ ،ففِي َك ْيلٍ َم ْع ُل ��و ٍمَ ،و َو ْزنٍ َم ْع ُلو ٍم�ِ ،إلىَ �أَ َجلٍ
َّ
َم ْع ُلو ٍم») متفق عليه(.)1
وجه الداللة من احلديث� :أن النبي × ملا قدم املدينة وجد من �ضمن معامالتهم
املالي ��ة عقد ال�سلم ،وكان عقد ال�سلم على الطريقة الت ��ي يتعامل بها �أهل املدينة ي�شتمل
عل ��ى م�صال ��ح ومفا�س ��د؛ فم ��ن امل�صال ��ح التي ي�شتم ��ل عليه ��ا �أن«امل�ش�ت�ري يحتاج �إىل
�ازل عن القيمة، اال�سرتب ��اح لنفق ��ة عياله ،وهو بال�سلم �أ�سه ��ل؛ �إذ ال بد من كون املبيع ن � اً
فريبح ��ه امل�ش�ت�ري ،والبائع قد يكون له حاجة يف احلال �إىل ال�سل ��م ،وقدرة يف امل�آل على
املبيع ب�سهولة ،فتندفع به حاجته احلالية �إىل قدرته امل�آلية»( ،)2ومن املفا�سد التي ي�شتمل
عليه ��ا اخلالف الذي ين�ش� ��أ بني امل�سلمني ب�سبب عدم العلم باملقدار الذي مت بيعه ،وعدم
حتدي ��د �أجل الت�سليم؛ لذل ��ك قام النبي × ب�إج ��راء تعديل �أو هند�س ��ة مالية �إ�سالمية
عل ��ى عقد ال�سلم فا�شرتط على من �أراد التعامل ب ��ه �أن يعلم مقدار املبيع و�صفته ،و�أجل
الت�سلي ��م؛ كي ال يحدث بني امل�سلمني �أي خالف ب�سب ��ب اجلهل باملقدار� ،أو الأجل ،وبهذه
الهند�سة املالية الإ�سالمية اجلديدة لعقد ال�سلم يحقق عقد ال�سلم م�صاحله كاملة ،دون
ح�صول �أي مفا�سد منه بني املتعاقدين به �إذا التزموا مبا �أمرهم به ر�سول ×.
ول اللهَّ ِ
املث ��ال الثاين:عن �أبي �سعيد اخلدري ،و�أبي هريرة ر�ضي اهلل عنهما� :أَنَّ َر ُ�س َ
((( رواه البخ ��اري ،كت ��اب ال�سلم ،باب ال�سلم يف وزن معلوم ،برقم ،2240وم�سلم ،كتاب امل�ساقاة واملزارعة ،باب ال�سلم،
برقم.1604
((( فتح القدير ،البن الهمام .71/7
49
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( رواه البخاري ،كتاب البيوع ،باب �إذا �أراد بيع متر بتمر خري منه ،برقم ،2201وم�سلم ،كتاب امل�ساقاة واملزارعة ،باب
بيع الطعام مثال مبثل ،برقم.1592
ب بِا ْل رُ ِّ
ب، ِ�ضةَِ ،وا ْل رُ ُّ ((( كما جاء يف حديث عبادة بن ال�صامت ،قال :قال ر�سول اهلل ׫ :ال َّذه َُب بِال َّذهَبِ َ ،وا ْلف َّ
ِ�ض ُة بِا ْلف َّ
اف،ال ْ�ص� � َن ُ ب ْثلٍ �َ ،س� �وَا ًء ب َِ�س� �وَاءٍَ ،يدًا ِب َيدٍ َ ،ف إِ� َذا اخْ َتلَ َفتْ هَذِ ِه ْ َ أ
ِال�ش� � ِعريَِ ،وال َّت ْم ُر بِال َّت ْمرَِ ،والمْ ِ ْل ُح ِبالمْ ِ ْل ِح ،مِ ثْلاً مِ ِ
ري ب َّ َو َّ
ال�ش� � ِع ُ
َفبِي ُعوا َك ْي َف �شِ � � ْئ ُت ْم�ِ ،إ َذا َكا َن َيدًا ِب َيدٍ » .رواه م�سلم ،كتاب امل�ساقاة واملزارعة ،باب ال�صرف وبيع الذهب بالورق نقدً ا،
برقم.1587
50
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الف�ص ��ل عدم تركيز القوت ال�ضروري ل ��دى الأقلية ،ف�إن تو�سيط ال�س ��وق ي�ستلزم تداول
متاحا للجميع»(.)1 القوت عرب ال�سوق ،في�صبح ً
املثال الثالث:عن جابر �( :أَ َّن ُه َكانَ َي ِ�س ُري َع َلى َج َم ٍل َل ُه َق ْد �أَ ْع َياَ ،ف َم َّر ال َّن ِب ُّي ×،
َف َ�ض َر َب ُه َف َد َعا َلهَُ ،ف َ�سا َر ِب َ�سيرْ ٍ َل ْي َ�س َي ِ�س ُري ِم ْث َلهُُ ،ث َّم َق َالِ « :ب ْعنِي ِه ِب َو ِق َّيةٍ»ُ ،ق ْل ُتَ :الُ ،ث َّم َق َال:
ا�س َت ْث َن ْي ُت ُح ْم َال َن ُه �إِلىَ �أَ ْه ِل ��يَ ،ف َل َّما َق ِد ْم َنا �أَ َت ْي ُت ُه ِبالجْ َ َم ِل َو َن َق َدنيِ
« ِب ْع ِني� � ِه ِب َو ِق َّي� �ةٍ»َ ،ف ِب ْع ُتهَُ ،ف ْ
َث َم َن� �هُُ ،ث َّم ا ْن َ�ص َر ْف ُتَ ،ف�أَ ْر َ�س َل َع َلى ِ�إ ْث ِريَ ،ق َالَ « :ما ُكنْتُ ِل ُآخ َذ َج َملَ َكَ ،ف ُخ ْذ َج َملَ َك َذل َِك،
َف ُه َو َما ُل َك»).متفق عليه(.)2
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث� :أن الأ�صل يف البيع �أن يتم الت�سلي ��م مبا�شرة يدً ا بيد،
وم ��ا �سم ��ي البي ��ع بي ًع ��ا �إال لأن كل واحد م ��ن املتبايعني مي ��د باعه ل�صاحب ��ه وقت الأخذ
والإعط ��اء(� ،)3إال �أن جاب ��ر ب ��ن عبداهلل ا�ش�ت�رط يف هذا البي ��ع �أال ي�سلم النبي ×
اجلم ��ل �إال بعد الو�صول �إىل �أهل ��ه ،ويف ذلك يحقق م�صلحة ا�ستثناء املنفعة فرتة معينة،
م ��ع �ضمان بيعها ،وقد �أقره النبي × على هذا ال�شرط ،ولو كان يف هذا ال�شرط منافاة
ملق�ص ��ود العق ��د لكان لغ ًوا ،وباطلاً ،ومل ��ا �أقره النبي × عليه ،قال اب ��ن تيمية(« :)4ف�إذا
كان ال�ش ��رط مناف ًيا ملق�صود العقد كان العقد لغ ًوا ،و�إذا كان مناف ًيا ملق�صود ال�شارع كان
51
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
خمال ًف ��ا هلل ور�سوله»( ،)1وقال«:ولهذا اتفق العلماء على �أن من �شرط يف عقد من العقود
�شرطا يناق�ض حكم اهلل ور�سوله فهو باطل»( ،)2وهذا ال�شرط من جابر يعد تعديلاً ، ً
وتطوي ًرا ،وهند�س ًة مالي ًة �إ�سالمي ًة لعقد البيع ،وقد �أقر النبي × هذه الهند�سة ملا حتققه
من م�صلحة ،فقد يحتاج البائع �أن يبيع �سلعة وي�ستثني منفعتها زم ًنا معي ًنا،ك�سكنى الدار
�شه� � ًرا� ،أو رك ��وب الدابة مد ًة معين ًة� ،أو �إىل ٍ
بلد بعينه ،ف� ��إذا ر�ضي امل�شرتي ،وكانت مدة
اال�ستثناء معلومة ،حتققت امل�صلحة دون منافاة ملق�صود العقد� ،أو خمالفة هلل ور�سوله.
فهذه الأمثلة الثالثة التي قام النبي × بتطوير العقود فيها� ،أو �أقر على تطويرها،
تع ��د �أدل ��ة على م�شروعي ��ة الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية ،وه ��ي من امل�ستن ��دات ال�شرعية
للهند�سة املالية الإ�سالمية من ال�سنة النبوية.
***
52
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثاين
المستندات الشرعية للهندسة المالية
اإلسالمية من اجتهادات الصحابة
م ��ن قواع ��د احلياة �أنها ال ت ��دوم على وترية واح ��دة ،بل هي يف تغ�ي�ر دائم ،وتطور
م�ستم ��ر ،وه ��ذه �إح ��دى ال�س�ن�ن الكونية ،قال اب ��ن خل ��دون(�«:)1إن �أحوال الع ��امل والأمم
وعوائده ��م ونحلهم ،ال تدوم على وترية واحدة ،ومنه ��اج م�ستقر� ،إمنا هو اختالف على
الأي ��ام والأزمن ��ة ،وانتقال من حال �إىل ح ��ال ،وكما يكون ذل ��ك يف الأ�شخا�ص والأوقات
والأم�ص ��ار ،فكذل ��ك يقع يف الآفاق والأقطار والأزمنة وال ��دول �سنة اهلل التي قد خلت يف
عباده»(.)2
وق ��د �أدرك النبي × �سنة التغري يف احلياة ف�شجع �أ�صحابه على االجتهاد؛ ليعرفوا
ول حك ��م الوقائع امل�ستجدة م ��ع جتدد احلياة ،فعن عمرو بن العا� ��ص�( :أَ َّن ُه َ�س ِم َع َر ُ�س َ
�اب َفلَ ُه �أَ ْج َرانِ َ ،و ِ�إ َذا َح َك َم َف ْ
اج َت َه َد ُث َّم اج َت َه َد ُث َّم َ�أ َ�ص � َ
حلا ِك ُم َف ْ
�ول�« :إِ َذا َح َك� � َم ا َاللهَّ ِ × َي ُق � ُ
�أَ ْخ َط� � َ�أ َفلَ� � ُه �أَ ْج� � ٌر») .متف ��ق عليه( ،)3وقد �أقر النبي × ال�صحاب ��ة الذين بعثهم �إىل بني
قريظ ��ة على اجتهادهم يف �أداء وقت �صالة الع�صر ،مع االختالف بني االجتهادين ،فعن
ي َ�أ َح ٌد ال َع ْ�ص� � َر ابَ « :ال ُي َ�ص� � ِّل نَ َّ �ال ال َّن ِب ُّي × َل َنا لمَ َّا َر َج َع ِمنَ الأَ ْحزَ ِ
اب ��ن عمر ،قالَ «:ق � َ
�ال َب ْع ُ�ض ُه ْمَ :ال ُن َ�ص ِّلي َحتَّى �إِلاَّ يِف َب ِن ��ي ُق َر ْي َظ� � َة» َف� ��أَ ْد َر َك َب ْع َ�ض ُه ُم ال َع ْ�ص ُر فيِ َّ
الط ِر ِيقَ ،ف َق � َ
احل�ضرمي الإ�شبيلي ،الفيل�سوف امل�ؤرخ ،العامل االجتماعي� ،أ�صله
ّ ((( هو عبد الرحمن بن حممد بن حممد ،ابن خلدون
م ��ن �إ�شبيلية ،ومولده ومن�ش�أه بتون�س عام732ه ،ا�شتهر بكتابه «املقدمة» وهي تعد من �أ�صول علم االجتماع ،تويف عام
808ه.انظر :الأعالم ،للزركلي .330 /3
((( مقدمة ابن خلدون� ،ص.23
((( رواه البخاري ،كتاب االعت�صام بالكتاب وال�سنة ،باب �أجر احلاكم �إذا اجتهد ف�أ�صاب �أو �أخط�أ ،برقم ،7352وم�سلم،
كتاب الأق�ضية ،باب بيان �أجر احلاكم �إذا اجتهد ف�أ�صاب �أو �أخط�أ ،برقم .1716
53
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( رواه البخ ��اري ،كت ��اب �صالة اخلوف ،باب �صالة الطالب واملطلوب راك ًبا و�إمي ��ا ًء ،برقم ،946وم�سلم ،كتاب اجلهاد
وال�سري ،باب املبادرة بالغزو وتقدمي �أهم الأمرين املتعار�ضني ،برقم .1770
((( قال ابن القيم« :واختلف الفقهاء �أيهما كان �أ�صوب؟ فقالت طائفة :الذين �أخروها هم امل�صيبون ،... ،وقالت طائفة
�أخرى :بل الذين �صلوها يف الطريق يف وقتها حازوا ق�صب ال�سبق» زاد املعاد .131 /3
((( املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج ،للنووي .240 /12
((( هو �أبو املعايل اجلويني ،عبدامللك بن عبداهلل بن يو�سف ،الفقيه ال�شافعي ،ولد �سنة 419ه ،وتف ّقه على والده ،وجاور
مبك ��ة يف �شبيبت ��ه �أربعة �أعوام ،ومن ثم قيل له �إمام احلرمني ،وكان �أحد �أوعية العلم ،ومن ت�صانيفه« :نهاية املطلب
يف دراي ��ة املذه ��ب» ،و«الربهان» ،و«غياث الأمم» ،تويف �سنة 478ه .انظر� :شذرات الذهب ،البن العماد � ،338/5سري
�أعالم النبالء ،للذهبي .468/18
((( الربهان ،للجويني .14 /2
54
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الق�ض ��اء� ،أو العبادات� ،أو املعامالت� ،أو الأحوال ال�شخ�صية( ،)1فما كانوا ي�ؤجلون النظر
يف معاجل ��ة النازلة ال�ستخ ��راج حكمها ،وفق ما و�ضعوه من مع ��امل لالجتهاد( ،)2وفتحوا
بذل ��ك ملن بعدهم م ��ن العلماء باب االجتهاد ،يقول اب ��ن القيم(«:)3فال�صحابة مثلوا
الوقائ ��ع بنظائره ��ا ،و�شبهوها ب�أمثاله ��ا ،وردوا بع�ضها �إىل بع� ��ض يف �أحكامها ،وفتحوا
للعلماء باب االجتهاد ،ونهجوا لهم طريقه ،وبينوا لهم �سبيله»(.)4
ويف الق ��راءة يف اجتهادات ال�صحابة يف جان ��ب االقت�صاد ،واملعامالت املالية،
جند بع�ض االجتهادات التي ت�صلح �أن تكون �أمثلة للهند�سة املالية الإ�سالمية ،ومنها:
املثال الأول:عن عبداهلل بن الزبري -يف ق�صة دين �أبيه و�سداده له -قالَ «:و�إِنمَّ َ ا
َكانَ َد ْي ُن� � ُه ا َّل ِذي َع َل ْي ِه� ،أَنَّ ال َّر ُج َل َكانَ َي ْ�أ ِتي ِه ِبالمْ َ ِالَ ،ف َي ْ�س َت ْو ِد ُع ُه ِ�إ َّيا ُهَ ،ف َي ُق ُ
ول ال ُّز َبيرْ ُ َ :ال َو َل ِك َّن ُه
ال�ض ْي َع َة» رواه البخاري(.)5 َ�س َل ٌفَ ،ف ِ�إنيِّ �أَ ْخ َ�شى َع َل ْي ِه َّ
وج ��ه الدالل ��ة من احلديث :يف هذا احلديث مل ��ا خ�شي الزبري �ضياع مال امل�ستو ِدع،
قر�ضا ،ويف ذلك م�صلحة فبدل من �أن يكون وديعة ،جعله ً ق ��ام ب�إجراء تعديل على العقد اً
لل ُمقر� ��ض بحي ��ث ي�ضمن بقاء ماله يف ذم ��ة الزبري حتى لو �ض ��اع ،وم�صلحة للزبري
((( يف كتاب اجتهادات ال�صحابة ،ملحمد معاذ اخلن ،كثري من الأمثلة الجتهادات ال�صحابة يف �شتى املجاالت.
((( انظر� :أ�صول الفقه عند ال�صحابة معامل يف املنهج ،لعبدالعزيز العويد� ،ص.215
((( هو حممد بن �أبي بكر بن �أيوب بن �سعد الزرعي املعروف بابن القيم ،ولد �سنة 691ه ،حنبلي املذهب ،كان من كبار
الفقهاء ،تتلمذ على ابن تيمية وانت�صر له كث ًريا ،و�سجن معه بدم�شق ،من ت�صانيفه« :الطرق احلكمية» ،و«زاد املعاد
يف ه ��دي خري العباد» ،و«�إعالم املوقع�ي�ن» ،تويف �سنة 751هـ .انظر :ذيل طبقات احلنابل ��ة ،لل�سالمي ،171/5الدرر
الكامنة يف �أعيان املائة الثامنة ،البن حجر الع�سقالين .137/5
((( �إعالم املوقعني ،البن القيم .166/1
((( كت ��اب فر� ��ض اخلم�س ،باب بركة الغازي يف ماله ح ًيا وميتا مع النبي × ووالة الأمر ،برقم .3129يف حديث طويل،
وذك ��ر في ��ه ال�سبب ال ��ذي �أعانه على �سداد دين ��هَ ،ق َال َع ْب ُد اللهَّ ِ عن �أبي ��ه« :فجعل يو�صيني بدينه ،ويق ��ول :يا بني �إن
عج ��زت عن ��ه يف �شيء ،فا�ستعن عليه موالي ،قال :فواهلل ما دريت م ��ا �أراد حتى قلت :يا �أبة من موالك؟ قال« :اهلل»،
قال :فواهلل ما وقعت يف كربة من دينه� ،إال قلت :يا موىل الزبري اق�ض عنه دينه ،فيق�ضيه».
55
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
بحي ��ث يك�سب ثقة املتعام ��ل معه ،وي�ستطيع الت�صرف بهذا املال يف التجارة ونحوها ،قال
اب ��ن حجر(«:)1وكان غر�ضه بذلك �أنه كان يخ�شى على املال �أن ي�ضيع فيظن به التق�صري
يف حفظ ��ه ،ف ��ر�أى �أن يجعله م�ضمون ��ا فيكون �أوث ��ق ل�صاحب املال ،و�أبق ��ى ملروءته .زاد
اب ��ن بطال( :)2وليطيب له ربح ذل ��ك املال»( ،)3وهذا التعديل عل ��ى العقد من الزبري
يع ��د هند�س ًة مالي� � ًة �إ�سالمي ًة �ضمنت امل�صلحة لكال الطرف�ي�ن ،وحققت هد ًفا اقت�صاد ًيا
للمجتم ��ع ب� ��أن يبقى املال يف دائرة التداول ،قال الدكت ��ور النعيمي«:والذي يظهر هنا �أن
الزب�ي�ر ال يري ��د لهذا املال �أن يتعطل ع ��ن دائرة التداول فهو هنا حق ��ق مطل ًبا مال ًيا
معت ًربا»(.)4
املثال الثاين:عن �أبي هريرة�« ،أَ َّن ُه َق َال لمِ َ ْر َوانَ (� :)5أَ ْح َل ْل َت َب ْي َع ال ِّر َباَ ،ف َق َال َم ْر َوانُ :
هلل× َعنْ َب ْي ِع �ول ا ِ اكَ ،و َق ْد َن َهى َر ُ�س � ُ ال�ص� � َك ِ �ال �أَ ُبو هُ َر ْي� � َر َة�« :أَ ْح َل ْل َت َب ْي َع ِّ
َم ��ا َف َع ْل ُت؟ َف َق � َ
((( هو �أحمد بن علي بن حممد الع�سقالين ال�شافعي ويعرف بابن حجر ،ولد يف 773هـ يف م�صر ،وحفظ القران وهو ابن
ت�س ��ع� ،ش ��رح �صحيح البخاري و�سماه فتح الباري ،مل ي�ؤلف �أحد مثله حتى �أنه يقال« ال هجرة بعد الفتح» وله كثري من
امل�صنف ��ات تويف رحمه اهلل �سنة 852هـ .انظر :ال�ض ��وء الالمع لأهل القرن التا�سع ،لل�سخاوي ،36 / 2البدر الطالع،
لل�شوكاين .87/1
((( ه ��و عل ��ي بن خلف بن بطال البكري ،القرطبي ،مالكي املذهب ،كان م ��ن �أهل العلم واملعرفة ،عني باحلديث العناية
�شرحا لكتاب البخ ��اري كبري ًا،كثري الفائدة ،تويف �سنة 449هـ ،وقيل474 :ه� �ـ .انظر :ترتيب املدارك،التام ��ة ،و�ألف ً
للقا�ضي عيا�ض � ،160/8سري �أعالم النبالء ،للذهبي .47/18
((( فتح الباري ،البن حجر .230/6
((( الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل ،ليحيى النعيمي� ،ص.38
((( ه ��و م ��روان بن احلكم بن �أبي العا�ص بن �أمية� ،أبو عبد امللك ،الأم ��وي .ولد مبكة عام 2للهجرة ،ون�ش�أ بالطائف ،ال
يثب ��ت ل ��ه �صحبة ،وكان يعد من الفقهاء ،وروى عن غري واحد من ال�صحاب ��ة ،وملا كانت �أيام عثمان جعله يف خا�صته
واتخذه كات ًبا له ،ويل �إمرة املدينة �أيام معاوية ،وبويع له باخلالفة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية ،ومدة حكمه
يوما ،تويف عام 65ه.انظر�:سري �أعالم النبالء ،للذهبي ،476/3الإ�صابة يف متييز ال�صحابة ،البن ت�سع ��ة �أ�شهر وً 18
حجر .388/10
56
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ا�سَ « ،ف َن َهى َعنْ َب ْي ِع َها»َ ،ق َال ُ�س َل ْي َمانُ (:)1 �ام َحتَّى ُي ْ�س َت ْو َفى»َ ،ق َالَ :ف َخ َط َب َم� � ْر َوانُ ال َّن َ َّ
الط َع � ِ
ا�س» رواه م�سلم(.)2 َف َن َظ ْرتُ ِ�إلىَ َح َر ٍ�س َي ْ�أ ُخ ُذو َن َها ِمنْ َ�أ ْي ِدي ال َّن ِ
وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث� :أنه يف ع�صر ال�صحاب ��ة مت ابتكار ال�صكوك ،وهو
منت ��ج م ��ايل جديد ،وهو عبارة عن الرق ��اع� ،أو الأوراق التي يكتب فيه ��ا ويل الأمر برزق
م ��ن الطع ��ام للنا�س( ،)3وه ��ي عطاء م�ؤج ��ل الدفع �إىل مو�س ��م احل�ص ��اد( ،)4ويف ابتكار
ال�صك ��وك حل لأزمة ال�سيولة لدى الدول ��ة( ،)5وهذا االبتكار يعد هند�سة مالية �إ�سالمية؛
�إذ م ��ن �أن�شطة الهند�سة املالية الإ�سالمية ابتكار املنتج ��ات املالية املتوافقة مع ال�شريعة
الإ�سالمي ��ة ،وقد منع ال�صحابة بيع ه ��ذا ال�صكوك ممن ملكها قبل �أن يقب�ضها؛ كي
حتاف ��ظ عل ��ى م�صداقيته ��ا ال�شرعية ،كما �سب ��ق يف احلديث �أن �أبا هري ��رة نهى عن بيع
ال�صك ��وك ،وج ��اء يف م�صنف عبدالرزاق ،وم�صنف ابن �أبي �شيب ��ة عن الزهري(�« :)6أَنَّ
ا ْبنَ ُع َم َرَ ،و َز ْي َد ْبنَ َثا ِب ٍت ر�ضي اهلل عنهما َكا َنا اَل َي َر َي ِان َب�أْ ً�سا ِب ِ�ش َرى ال ِّر ْز ِق�ِ ،إ َذا �أُ ْخ ِر َج ِت
أي�ضا عن اكَ ،و َي ُقو ُل ��ونَ :اَل َت ِب ْع ُه َحتَّى َت ْق ِب َ�ضهُ»( ،)8وورد عندهما � ً ال�ص َك ُ �وط(َ ،)7و ِه َي ِّ ا ْل ُق ُط � ُ
((( ه ��و �سليم ��ان بن ي�سار� ،أ ُبو �أيوب ،موىل ميمونة �أم امل�ؤمنني ،من كبار التابعني ،و�أحد الفقهاء ال�سبعة باملدينة ،ولد يف
خالفة عثمان �سنة 34ه،كان �سعيد بن امل�س ّيب �إذا اتاه م�ستفت يقول له :اذهب �إىل �سليمان فانه �أعلم من بقي اليوم،
تويف �سنة107ه.انظر� :سري �أعالم النبالء ،للذهبي ،444/4الأعالم ،للزركلي .138/3
((( كتاب البيوع ،باب بطالن بيع املبيع قبل قب�ضه ،برقم.1528
((( انظر :املنتقى �شرح املوط�أ ،للباجي� ،285 /4شرح الزرقاين على موط�أ مالك.433/3
((( انظر :النظام امل�صريف الإ�سالمي ،ملحمد �سراج� ،ص.28
((( انظر:الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل ،ليحيى النعيمي� ،ص.40
((( ه ��و حممد ب ��ن م�سلم بن عبد اهلل بن �شهاب الزهري ،من كبار التابعني احلف ��اظ والفقهاء ،ولد �سنة 50ه ،وهو �أول
من دون الأحاديث النبوية ،ودون معها فقه ال�صحابة ،قال �أبو داود :جميع حديث الزهري « »2200حديث ،تويف �سنة
124ه .انظر :تهذيب الكمال ،للمزي � .419/26سري �أعالم النبالء ،للذهبي .326/5
((( القطوط :اجلوائز والأرزاق� ،سميت قطوطا؛ لأنها كانت تخرج مكتوبة يف رقاع و�صكاك مقطوعة.انظر� :شرح ال�سنة،
للبغوي ،142/8غريب احلديث ،البن اجلوزي .252/2
((( م�صن ��ف عبدال ��رزاق ال�صنعاين ،كتاب البيوع ،باب الأرزاق قبل �أن تقب� ��ض ،برقم ،14168وم�صنف ابن �أبي �شيبة،
57
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
َناف ��ع م ��وىل ابن عمر ،)1(قالُ « :ن ِّب ْئ � ُ�ت َ أ�نَّ َح ِك َيم ْبنَ ِح ��زَ ٍام َ كانَ َي ْ�شترَ ِ ي َ�ص َّك َ
اك
ال ِّر ْز ِقَ ،ف َن َهى ُع َم ُر� أَنْ َي ِبي َع َحتَّى َي ْق ِب َ�ض»(.)2
الكربى«:عنْ َع ِل ٍّي � أَ َّن ُه َكانَ ُي َ�ض ِّمنُ
َ املثال الثالث :ما جاء عند البيهقي يف ال�سنن
أي�ضا� « :أَنَّ َع ِل ًّيا اك»( ،)3وج ��اء عنده � ً ال�صا ِئ� � َغ َو َق َال :اَل َي ْ�ص ُل ُح ِلل َّن ِ
ا�س ِ�إ اَّل َذ َ ال�ص َّب ��ا َغ َو َّ
َّ
ال ِج َري»(.)4 َكانَ َي ْ�ض َمنُ َْ أ
وجه الداللة من الأثرين�:أن الأجراء يدهم على املال يد �أمانة ،والأمني :هو احلائز
للم ��ال ب�إذن ال�شارع� ،أو �إذن مالكه ،بغري ق�صد متلكه( .)5وهذا ينطبق على الأجراء فقد
�أخذوا املال ب�إذن من مالكه ،والأمني ال ي�ضمن ما تلف بيده بغري تعد� ،أو تفريط(� ،)6إال �أن
علي بن �أبي طالب ر�أى �أن امل�صلحة يف ت�ضمينهم ،فلو مل ي�ضمنوا لأدى بهم احلال-
=كتاب البيوع والأق�ضية ،باب يف بيع �صكاك الرزق ،برقم .21078والأثر منقطع؛ فالزهري مل يدرك زيدً ا فقد
ولد يف نف�س ال�سنة التي تويف فيها زيد ،ومل ي�سمع الزهري من ابن عمر ،فقد جاء عن ابن معني �أحمد و�أبي
ح ��امت� :أن الزهري مل ي�سمع من اب ��ن عمر .انظر :تهذيب الكمال ،للم ��زي ،440 /26 ،31 /10تهذيب التهذيب،
البن حجر.450/9
((( هو نافع املدين �أبو عبد اهلل موىل عبد اهلل بن عمر ،من �أئمة التابعني باملدينة ،كان عالمة يف فقه الدين ،متف ًقا على
ريا�ست ��ه،كان كث�ي�ر الرواية للحديث ،وال يعرف له خط�أ يف جميع ما رواه� ،أر�سله عمر بن عبد العزيز �إىل م�صر ليعلم
�أهلها ال�سنن ،تويف عام117ه.انظر :تهذيب التهذيب ،البن حجر ،412/10الأعالم ،للزركلي .5/8
((( م�صن ��ف عبدال ��رزاق ال�صنعاين ،كتاب البيوع ،باب الأرزاق قبل �أن تقب� ��ض ،برقم ،14170وم�صنف ابن �أبي �شيبة،
كتاب البيوع والأق�ضية ،باب يف بيع �صكاك الرزق ،برقم .21079والأثر منقطع؛ جلهالة الذي نب�أ ناف ًعا ،وقد جاء يف
م�صنف ابن �أبي �شيبة،برقم ،21080عن نافع عن ابن عمر عن عمر ،بنحو هذا الأثر و�إ�سناده �صحيح.
((( كت ��اب الإج ��ارة ،باب ما جاء يف ت�ضم�ي�ن الأجراء ،برقم.11666والأث ��ر منقطع ،قال �أحمد :منقط ��ع بني �أبي جعفر
وعلي ،وقال ال�شافعي :ال يثبت عند �أهل احلديث .انظر :معرفة ال�سنن والآثار ،للبيهقي .338/8
((( كتاب الإجارة ،باب ما جاء يف ت�ضمني الأجراء ،برقم .11667والأثر من رواية خال�س عن علي ،وخال�س مل ي�سمع من
علي .انظر :تهذيب الكمال ،للمزي ،366/8تهذيب التهذيب ،البن حجر .176/3
((( انظر :بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين ،87/6الذخرية ،للقرايف ،112/8ربح مامل ي�ضمن ،مل�ساعد احلقيل� ،ص.100
((( انظر :تبيني احلقائق ،للزيلعي ،320 /3نهاية املطلب ،للجويني ،160/8املو�سوعة الفقهية الكويتية .258/28
58
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
جر ًي ��ا وراء الك�سب ال�سري ��ع� -إىل الإقدام على �إهالك �أم ��وال امل�ؤجرين دون حتفظ(،)1
أي�ضا يفو�سبب � ً
�سبب ل�ضياع �أموال النا�س ،والتهاون يف حفظهاٌ ،والقول بعدم ت�ضمينهم ٌ
عدم انتفاع النا�س ب�أعمال الأجراء؛ خو ًفا على �أموالهم ،مع حاجتهم جمي ًعا �إىل ذلك(،)2
ويف ذل ��ك مف�س ��دة ،وال ي�صلح النا�س �إال ت�ضمني الأجراء كما ق ��ال علي ،خا�ص ًة �إذا
ف�سد النا�س ،فقد«كان ال�شافعي رحمه اهلل يذهب �إىل �أنه ال �ضمان على الأجري ،ولكنه ال
يفت ��ى به لف�ساد النا�س»( ،)3ويف ت�ضمني الأجراء من علي تعديل على العقد ،وتطوير
له؛ كي يحمي �أموال النا�س ،وهو عبارة عن هند�سة مالية �إ�سالمية.
ويف ه ��ذه الأمثلة الثالثة بيان �أن ال�صحابة كانوا يجتهدون يف هند�سة العقود املالية
ابت ��كا ًرا ،وتطوي ًرا؛ ليحققوا م�صالح للنا� ��س ،ويدر�ؤوا عنهم املفا�سد قدر الإمكان ،وفيها
م�ستن ��دات �شرعي ��ة للهند�سة املالية الإ�سالمية من اجته ��ادات ال�صحابة ،وهم خري
قدوة بعد ر�سول اهلل ×.
***
59
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثالث
المستندات الشرعية للهندسة المالية
اإلسالمية من المقاصد الشرعية
�شرع اهلل الدين ملقا�صد وحكم؛ فاملقا�صد هي الركن يف بناء ال�صرح الت�شريعي(،)1
وال ينك ��ر م�سلم ما ا�شتملت عليه ال�شريعة من امل�صال ��ح واملحا�سن واملقا�صد التي للعباد
يف املعا� ��ش واملع ��اد( ،)2فاهلل تعاىل ال يفعل �شي ًئ ��ا عب ًثا�-سبحانه -قال اهلل تعاىل :ﮋ ﯿ
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﮊ ( ،)3وقال تعاىل :ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ ( ،)4ومن �أعظم ما ا�شتمل عليه خلق الإن�سان قبوله التمدن الذي
�أعظم ��ه و�ض ��ع ال�شريعة ل ��ه( ،)5فالإن�سان ما خل ��ق �إال لعبادة اهلل وامتث ��ال ال�شريعة التي
و�ضعه ��ا اهلل ل ��ه ليعمر هذه الأر�ض الت ��ي يعي�ش عليها( ،)6قال تع ��اىل :ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ ( ،)7ولي� ��ؤدي الإن�سان هذه العب ��ادة البد له من فهم مق�صد ال�شارع
منه ��ا؛ لأن ��ه من غري فهم ملق�صد ال�شارع يف هذه العبادة ق ��د ي�ؤديها على غري ما �شرعت
لأجله ،وبذلك يكون كالفاعل لغري ما �أمر به� ،أو التارك ما �أمر به ،يقول ال�شاطبي(�« :)8إن
((( انظر :املوافقات ،لل�شاطبي ،8/2مناظرات يف �أ�صول ال�شريعة الإ�سالمية ،لعبدالرحمن تركي� ،ص.517
((( جمموع الفتاوى ،البن تيمية .180-179 /8
((( �سورة الدخان ،الآية .38
((( �سورة امل�ؤمنون ،الآية .115
((( انظر :مقا�صد ال�شريعة ،البن عا�شور� ،ص.179
((( انظر :مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،لعالل الفا�سي� ،ص.112
((( �سورة الذاريات ،الآية .56
إماما حمق ًقا �أ�صول ًيا فقي ًها ً
بارعا يف ((( هو �إبراهيم بن مو�سى بن حممد� ،أبو �إ�سحاق ،ال�شهري بال�شاطبي املالكي ،كان � ً
العلوم ،من ت�صانيفه« :املوافقات» ،و«االعت�صام» ،تويف �سنة 790ه .انظر :تذكرة املح�سنني بوفيات الأعيان وحوادث
ال�سنني ،للفا�سي � ،703/2شجرة النور الزكية ،ملحمد خملوف� ،ص.231
60
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الآخذ بامل�شروع من حيث مل يق�صد به ال�شارع ذلك الق�صد �آخذ يف غري م�شروع حقيقة؛
لأن ال�ش ��ارع �إمن ��ا �شرعه لأمر معل ��وم بالفر�ض ،ف�إذا �أخذ بالق�ص ��د �إىل غري ذلك الأمر
املعلوم؛ فلم ي�أت بذلك امل�شروع �أ�صال ،و�إذا مل ي�أت به ناق�ض ال�شارع يف ذلك الأخذ ،من
حيث �صار كالفاعل لغري ما �أمر به والتارك ملا �أمر به»(.)1
ويف الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية حتقيق مقا�صد �شرعي ��ة ،ويف فهمها �إعانة للم�سلم
عل ��ى �أداء امل�ش ��روع يف املال كما �شرع اهلل تع ��اىل ،ومن املقا�ص ��د ال�شرعية التي حتققها
الهند�سة املالية الإ�سالمية:
� -1أنها حتقق م�صالح للنا�س.
� -2أنها ترفع احلرج عن النا�س .و�س�أفرد كل مق�صد من هذه املقا�صد مبطلب.
املطلب الأول :حتقيق امل�صلحة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية.
م ��ن مقا�ص ��د ال�شريعة حتقي ��ق امل�صلحة للمكل ��ف ،فمبنى ال�شريع ��ة على حت�صيل
امل�صال ��ح وتكميله ��ا ،وتعطيل املفا�س ��د وتقليلها( ،)2يق ��ول العز ب ��ن عبدال�سالم(«:)3من
مار� ��س ال�شريعة وفهم مقا�صد الكتاب وال�سنة َع ِلم �أن جميع ما �أمر به جللب م�صلحة �أو
م�صال ��ح� ،أو ل ��درء مف�سدة �أو مفا�سد� ،أو للأمري ��ن ،و�أن جميع ما نهي عنه �إمنا نهي عنه
لدف ��ع مف�سدة �أو مفا�سد� ،أو جل ��ب م�صلحة �أو م�صالح� ،أو للأمري ��ن ،وال�شريعة طافحة
بذلك»(.)4
61
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( انظر :ل�سان العرب ،البن منظور ،517/2خمتار ال�صحاح ،للرازي� ،ص.187
((( معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .303/3
((( ه ��و حممد ب ��ن حممد بن حممد بن �أحمد الطو�سي الغ ��زايل ال�شافعي ،ولد �سنة 450ه ،ت ��وىل التدري�س يف املدر�سة
النظامي ��ة ببغداد ،ومن ت�صانيفه�« :إحياء علوم الدين» ،و«الوجي ��ز» ,و«امل�ست�صفى» ،تويف �سنة 505ه.انظر :طبقات
ال�شافعية الكربى ،لل�سبكي � ،191/6سري �أعالم النبالء ،للذهبي .323/19
((( امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.174
((( امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.174
((( �ضوابط امل�صلحة ،للبوطي� ،ص.37
((( رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية ،ليعقوب الباح�سني� ،ص.246-245
62
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�أحد الق�سمني»()1؛ لذا يعرف ابن تيمية امل�صلحة بــ«�أن يرى املجتهد �أن هذا الفعل يجلب
منفعة راجحة؛ ولي�س يف ال�شرع ما ينفيه»(.)2
وكالم اب ��ن تيمي ��ة يف عدم ح�ص ��ر امل�صلحة بحفظ ه ��ذه الأم ��ور اخلم�سة �صحيح؛
فامل�صلح ��ة ت�شتمل على امل�صلحة املعتربة التي ن�ص ال�شرع عليها ،وت�شتمل على امل�صلحة
املر�سل ��ة التي ال يوجد ن�ص عليها ،وه ��ي حمققة ملق�صوده ،وح�صر امل�صلحة بهذه الأمور
اخلم�س ��ة يخرج ق�سم امل�صلحة املر�سلة؛ فال�شرع ن� ��ص على اعتبار هذه الأمور اخلم�سة،
وهن ��اك كثري من امل�صال ��ح املر�سلة التي مل ين�ص ال�شرع عليه ��ا ،وهي حمققة ملق�صوده،
وتعري ��ف امل�صلحة البد �أن ي�شتم ��ل على الق�سمني جمي ًعا ،وتعريف اب ��ن تيمية للم�صلحة
تعري ��ف للو�سيل ��ة املو�صلة �إليه ��ا ،ولي�س تعري ًفا له ��ا ،فنظر املجتهد و�سيل ��ة للتعرف على
امل�صلحة ،وميكن �أن يتم تعريف امل�صلحة عن طريق الدمج بني تعريف البوطي ،وتعريف
ابن تيمية ،فيكون تعريف امل�صلحة :هي املنفعة التي ق�صدها ال�شارع احلكيم لعباده ،يف
�أمور دينهم ودنياهم ،ولي�س يف ال�شرع ما ينفيها.
الفرع الثاين� :أق�سام امل�صلحة.
أق�ساما عدة باعتب ��ارات خمتلفة ،ولهذا التق�سيم ت�أثري يف املوازنة
تنق�س ��م امل�صلحة � ً
بينها ،وترجيح بع�ضها على بع�ض يف حالة التعار�ض( ،)3وهذه الأق�سام كما يلي:
�أولاً :تق�سيم امل�صلحة من حيث اعتبار ال�شارع لها:
تنق�سم امل�صلحة من حيث اعتبار ال�شارع لها ثالثة �أق�سام:
-1امل�ص ��لحة املعت�ب�رة :وه ��ي امل�صلح ��ة الت ��ي �شهد ال�ش ��ارع باعتباره ��ا؛ كم�صلحة
63
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( انظر :امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص ،173رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية ،ليعقوب الباح�سني� ،ص ،248-246اعتبار
م�آالت الأفعال و�أثرها الفقهي ،لوليد احل�سني .285/1
((( انظر :امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.174
((( �سورة البقرة ،الآية .275
((( �سورة البقرة ،الآية .219
((( �سورة املائدة ،الآية .90
((( امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.174
((( االعت�صام ،لل�شاطبي� ،ص.610
((( امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.174
64
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
بذلك الن�ص( ،)1بل �ألزمه بنوع واحد من الكفارات ،وهو �صيام �شهرين متتابعني؛ ليزجر
املل ��ك ،وهذه امل�صلح ��ة ملغاة ملخالفتها ما ج ��اء به الن�ص من التن ��وع يف الكفارة� ،سواء
كان ��ت هذه الكفارة على الرتتي ��ب� ،أو على التخيري( ،)2ف�ضلاً على �أن امل�صلحة التي ر�آها
الع ��امل يف �صوم امللك �شهرين متتابعني تقابلها م�صلحة �أرجح منها ،وهي اعتاق الرقبة،
فهذه م�صلحة متعدية النفع ،وتلك قا�صرة النفع على امللك؛ لذلك قدم النبي × كفارة
عتق الرقبة على كفارة �صيام �شهرين متتابعني« ،وفتح هذا الباب ي�ؤدي �إىل تغيري جميع
ح ��دود ال�شرائ ��ع ون�صو�صها ب�سبب تغ�ي�ر الأحوال ،ثم �إذا عرف ذلك م ��ن �صنيع العلماء
مل حت�ص ��ل الثقة للمل ��وك بفتواهم ،وظن ��وا �أن كل ما يفتون به فه ��و حتريف من جهتهم
بالر�أي»(.)3
-3امل�ص ��لحة املر�س ��لة :وه ��ي امل�صلح ��ة الت ��ي مل ي�شه ��د له ��ا ال�ش ��ارع باالعتبار ،وال
بالإلغاء( ،)4ولكنها حمققة ملق�صود ال�شارع()5؛ مثل جمع القر�آن يف زمن ال�صحابة ،فهذه
هللَ ،ق َالَ « :و َما �ول ا ِ «ج ��ا َء َر ُج ٌل �إِلىَ ال َّن ِب � ِّ�ي ×َ ،ف َق َال :هَ َل ْكتُ َ ،يا َر ُ�س � َ ((( والن� ��ص ال ��ذي ورد :ع ��ن �أبي هريرة ،قالَ :
ت ُد َم ��ا ُت ْعت ُِق َر َق َب� � ًة؟» َق َال :اَلَ ،ق َالَ « :فه َْل َت ْ�س� � َتطِ ي ُع َ�أنْ �الَ :و َق ْع ��تُ َع َلى ْام َر َ�أ ِتي فيِ َر َم َ�ض ��انَ َ ،ق َال« :ه َْل جَ ِ �أَ ْه َل� � َك َك؟» َق � َ
ني مِ ْ�سكِي ًنا؟» َق َال :اَلَ ،ق َالُ :ث َّم َج َل َ�سَ ،ف�أُ ِت َي ال َّن ِب ُّي ت ُد مَا ُت ْط ِع ُم �سِ � � ِّت َ َت ُ�ص ��و َم َ�ش� � ْه َر ْي ِن ُم َت َتا ِب َع نْيِ؟» َق َال :اَلَ ،ق َالَ « :فه َْل جَ ِ
× ِب َع� � َرقٍ ِفي� � ِه تمَ ْ ٌرَ ،ف َق َالَ « :ت َ�ص� �د َّْق ِب َه َذا» َق َال� :أَ ْف َق َر ِم َّن ��ا؟ َف َما بَينْ َ اَل َب َت ْي َها َ�أ ْه ُل َب ْي ٍت �أَ ْح� � َو ُج ِ�إ َل ْي ِه ِم َّناَ ،ف َ�ض ِح َك ال َّن ِب ُّي
× َحتَّى بَدَ تْ �أَ ْن َيا ُبهُُ ،ث َّم َق َال« :ا ْذه َْب َف�أَ ْط ِع ْم ُه �أَهْ لَ َك» » رواه البخاري ،كتاب ال�صيام ،باب �إذا جامع يف رم�ضان ومل
يك ��ن ل ��ه �شيء فت�صدق عليه ،فليكفر ،برق ��م ،1936وم�سلم ،كتاب ال�صيام ،باب ب ��اب تغليظ حترمي اجلماع يف نهار
رم�ض ��ان عل ��ى ال�صائم ،ووجوب الكف ��ارة الكربى فيه وبيانها ،و�أنها جتب على املو�س ��ر واملع�سر وتثبت يف ذمة املع�سر
حتى ي�ستطيع ،برقم.1111
((( اجلمه ��ور عل ��ى �إن الكفارة على الرتتيب ،وعند الإمام مالك على التخيري .انظ ��ر :تبيني احلقائق ،للزيلعي ،327/1
بداية املجتهد ،البن ر�شد ،67/2مغني املحتاج ،لل�شربيني ،377/5املغني ،البن قدامة .140/3
((( امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.174
((( انظر :امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص ،174االعت�صام ،لل�شاطبي� ،ص.611
((( انظر� :ضوابط امل�صلحة ،للبوطي� ،ص.342
65
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
م�صلحة مل يرد فيها ن�ص على اعتبارها �أو �إلغائها ،وهي حمققة ملق�صود ال�شارع ،فجمع
القر�آن حفظ لل�شريعة ،وهي مق�صودة لل�شارع(.)1
والب ��د �أن تك ��ون امل�صلحة املر�سل ��ة م�ستندة �إىل دليل قد اعت�ب�ره ال�شارع ،غري �أنه ال
دليل يتناولها بخ�صو�صها ،و�إمنا يتناول اجلن�س البعيد لها(.)2
ثان ًيا :تق�سيم امل�صلحة من حيث قوتها يف ذاتها:
تنق�سم امل�صلحة من حيث قوتها يف ذاتها ثالثة �أق�سام:
-1امل�ص ��لحة ال�ض ��رورية :وه ��ي امل�صلحة التي تتوقف عليها حي ��اة النا�س ،بحيث ال
ي�ستقي ��م النظ ��ام باختاللها ،ف�إذا اختلت ت�ؤول حالة الأم ��ة �إىل ف�ساد ،وتكون حياة �أ�شبه
بحي ��اة الأنعام ،وال تكون على احلالة التي �أرادها اهلل من خلق الإن�سان ،وقد يف�ضي هذا
االخت�ل�ال �إىل ا�ضمحالل الأمة ب�أن يقت ��ل بع�ضهم ً
بع�ضا� ،أو بت�سلي ��ط الأعداء عليها(،)3
يق ��ول ال�شاطب ��ي« :ف أ�م ��ا ال�ضرورية ،فمعناه ��ا �أنها ال ب ��د منها يف قي ��ام م�صالح الدين
والدني ��ا ،بحيث �إذا فق ��دت مل جتر م�صالح الدنيا على ا�ستقامة ،ب ��ل على ف�ساد وتهارج
وف ��وت حي ��اة ،ويف الأخرى ف ��وت النجاة والنعي ��م ،والرجوع باخل�سران املب�ي�ن»( ،)4ومثل
الغزايل للم�صلحة ال�ضرورية بحفظ ال�ضروريات اخلم�سة ،قال« :وهذه الأ�صول اخلم�سة
حفظها واقع يف رتبة ال�ضرورات ،فهي �أقوى املراتب يف امل�صالح»(.)5
-2امل�ص ��لحة احلاجي ��ة :وه ��ي امل�صلح ��ة التي حتتاجه ��ا الأمة القتن ��اء م�صاحلها،
وانتظ ��ام �أموره ��ا على وجه ح�س ��ن ،بحيث ل ��وال مراعاته لكانت يف حال ��ة غري منتظمة،
((( انظ ��ر :اعتب ��ار م�آالت الأفع ��ال و�أثرها الفقه ��ي ،لوليد احل�س�ي�ن ،285/1امل�صال ��ح املر�سلة و�أثره ��ا يف املعامالت،
لعبدالعزيز العمار� ،ص.109
((( انظر� :ضوابط امل�صلحة ،للبوطي� ،ص.230
((( انظر :مقا�صد ال�شريعة ،البن عا�شور� ،ص.300
((( املوافقات ،لل�شاطبي .18-17/2
((( امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.174
66
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
لكنه ��ا ال تبلغ مرتب ��ة امل�صلحة ال�ضرورية( ،)1قال ال�شاطب ��ي« :و�أما احلاجيات ،فمعناها
�أنه ��ا مفتقر �إليها م ��ن حيث التو�سعة ورفع ال�ضيق امل� ��ؤدي يف الغالب �إىل احلرج وامل�شقة
الالحقة بفوت املطلوب ،ف�إذا مل تراع دخل على املكلفني -على اجلملة -احلرج وامل�شقة،
ولكن ��ه ال يبل ��غ مبلغ الف�ساد الع ��ادي املتوقع يف امل�صال ��ح العامة»( ،)2ويمُ ث ��ل لها بالبيوع،
والإج ��ارات ،والقر�ض ،والنكاح ال�شرعي ،والرخ�ص املخفف ��ة بالن�سبة �إىل حلوق امل�شقة
باملر�ض وال�سفر ،وغريها(.)3
-3امل�ص ��لحة التح�س ��ينية :وه ��ي امل�صلحة الت ��ي تكون من قبي ��ل التح�سني والتزيني
والتي�س�ي�ر حلياة النا� ��س ،ورعاية �أح�س ��ن املناهج يف الع ��ادات واملعام�ل�ات( ،)4قال ابن
عا�شور« :هي عندي ما كان بها كمال الأمة يف نظامها حتى تعي�ش �آمنة مطمئنة ولها بهج ُة
منظر املجتمع يف مر�أى بقية الأمم ،حتى تكون الأمة الإ�سالمية مرغو ًبا يف االندماج فيها
�أو التق ��رب منها»( ،)5ومن �أمثلتها� :سرت العورة ،والتقرب بنوافل العبادات ،و�آداب الأكل،
وغريها من مكارم الأخالق(.)6
ثالثا :تق�سيم امل�صلحة من حيث ال�شمول:
تنق�سم امل�صلحة من حيث �شمولها ثالثة �أق�سام:
-1م�ص ��لحة عامة :وهي امل�صلحة التي تتعل ��ق بحق اخللق كافة؛ مثل حماية الدين،
وحفظ القر�آن من التال�شي العام(.)7
انظر :مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،البن عا�شور� ،ص.306 (((
املوافقات ،لل�شاطبي .21/2 (((
انظر :املوافقات ،لل�شاطبي ،22-21/2مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،البن عا�شور� ،ص.307-306 (((
انظر :امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.175 (((
مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،البن عا�شور� ،ص.307 (((
انظر :املوافقات ،لل�شاطبي.23-22/2 (((
انظر� :شفاء الغليل ،للغزايل� ،ص ،99مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،البن عا�شور� ،ص.313 (((
67
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-2م�صلحة تتعلق بجماعات :وهي امل�صلحة املتعلقة بحق جماعة من الأمة ،ولي�س
عامة لكل الأمة؛ كامل�صالح املتعلقة ببلد معني� ،أو امل�صالح املتعلق ب�أ�صحاب مهنة معينة،
كت�أم�ي�ن التجارة للتجار امل�سلمني يف البالد غ�ي�ر الإ�سالمية( ،)1وكاالحتكام للق�ضاء غري
ال�شرعي يف البالد التي ال يوجد فيها ق�ضاء �شرعي.
-3م�ص ��لحة خا�ص ��ة :وهي امل�صلحة التي تخ�ص فردًا معي ًنا()2؛ كم�صلحة ف�سخ بيع
فيه غ�ش ل�شخ�ص� ،أو م�صلحة تطليق امر�أة من زوجها ب�سبب ال�ضرر الواقع عليها.
الفرع الثالث� :أدلة اعتبار امل�صلحة
اعتب ��ار امل�صلح ��ة ه ��و الأ�سا�س الذي بني ��ت عليه ال�شريع ��ة ،يقول اب ��ن القيم«:ف�إن
ال�شريع ��ة مبناه ��ا و�أ�سا�سها على احلكم وم�صال ��ح العباد يف املعا� ��ش واملعاد ،وهي عدل
كله ��ا ،ورحمة كله ��ا ،وم�صالح كله ��ا ،وحكمة كلها؛ ف ��كل م�س�ألة خرجت ع ��ن العدل �إىل
اجل ��ور ،وعن الرحم ��ة �إىل �ضدها ،وعن امل�صلحة �إىل املف�سدة ،وعن احلكمة �إىل العبث؛
فلي�ست من ال�شريعة»(.)3
و�أدلة اعتبار ال�شريعة الإ�سالمية للم�صلحة كثرية ،منها:
الدليل الأول :قول اهلل تعاىل :ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ (.)4
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآية�:أنه لو مل تكن ال�شريعة التي بع ��ث اهلل نبيه × بها مبنية
عل ��ى امل�صلح ��ة ،مل يكن �إر�سال الر�سول × رحمة ،بل نقمة عليه ��م؛ �إذ لو �أر�سله بحكم
ال م�صلح ��ة له ��م فيها ،ل ��كان تكلي ًفا بال فائ ��دة ،وم�شق ًة تخالف الرحمة الت ��ي �أر�سل بها
الر�سول ×؛ فتعقل املعنى ،ومعرفة �أنه بني على م�صلحة �أقرب �إىل االنقياد والقبول(.)5
68
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل الثاين:من خالل ا�ستق ��راء ال�شريعة وجد الكثري م ��ن الأدلة املعللة مبا هو
�أ�صلح للعباد ،ففي ختام �آية فر�ض الو�ضوء ،قال تعاىل :ﮋ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ ( ،)1وف َر�ض اهلل ال�صالة ،وعلل ﮋ ﯣ ﯤ ﯥ
()2
ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ.
وفر� ��ض اهلل ال�صيام ،ويف ختام الآية ق ��ال :ﮋﭯ ﭰ ﮊ (� ،)3إىل جانب الكثري
م ��ن الآيات الت ��ي يثبت مبجموعها على دلي ��ل اال�ستقراء �أن ال�شريع ��ة مبنية على حتقيق
م�صالح العباد� ،آتية ب�إ�سعادهم يف حياتهم الدنيا ،وحياتهم الأخرى(.)4
الدليل الثالث� :أن املجتهدين من ال�صحابة عملوا �أمو ًرا ملجرد حتقق امل�صلحة،
دون تق ��دم �شاهد باالعتبار ،من ذلك قول عم ��ر بن اخلطاب لأبي بكر ملا اقرتح
علي ��ه جمع القر�آن« :هُ َو َواللهَّ ِ َخيرْ ٌ »( ،)5وكذلك ق ��ال �أبو بكر لزيد عندما �أمره بجمع
اَ
ال�صناع«:ل القر�آن«:هُ � � َو َواللهَّ ِ َخ�ْي رْ ٌ�ر»( ،)6وق ��ال علي بن �أب ��ي طالب ملا �أمر بت�ضم�ي�ن
اك»( ،)7وغريها كثري( ،)8فتبني من ذلك �أن املتقرر عندهم بناء َي ْ�ص ُل � ُ�ح ِلل َّنا� � ِ�س �إِ اَّل َذ َ
ال�شريعة على امل�صلحة ،و�أنه متى وجدت امل�صلحة فثم �شرع اهلل ،ودينه(.)9
69
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن م ��ن قواعد ال�شريع ��ة الكربى ،قاعدة« :ال �ض ��رر وال �ضرار»(،)1
امل�ستن ��دة �إىل احلديث الذي رواه ابن ماجه ،عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما ،قال :قال
ر�سول اهلل ׫ :لاَ َ�ض� � َر َر َولاَ ِ�ض� � َرا َر»( ،)2وهذا احلديث و�إن مل ي�صح ف�إن الأمة جممعة
عل ��ى معناه امل�ستفاد من �أدلة كث�ي�رة ،ف�إذا نفى ال�شرع ال�ضرر ،لزم منه �إثبات امل�صلحة؛
لأنهما نقي�ضان ال وا�سطة بينهما(.)3
الدلي ��ل اخلام�س� :أن الأ�صول حم�ص ��ورة ،والوقائع غري حم�صورة( ،)4و«نعلم قط ًعا
�أن ��ه ال تخلو واقعة ع ��ن حكم اهلل تعاىل معزو �إىل �شريعة حمم ��د×»( ،)5فالبد �أن تبنى
ه ��ذه الوقائع على حتقي ��ق امل�صلحة للنا�س فيما يتوافق مع مقا�ص ��د ال�شريعة ،و�أهدافها
الكلية؛ كي يتحقق خلود ال�شريعة ،و�صالحيتها الدائمة لكل زمان ومكان(.)6
هذه هي �أبرز الأدلة يف اعتبار ال�شريعة الإ�سالمية للم�صلحة ،وقد اتفق العلماء على
اعتبارها ،قال القرايف(«:)7و�إذا افتقدت املذاهب وجدتهم �إذا قا�سوا وجمعوا وفرقوا بني
((( انظر :الأ�شباه والنظائر ،لل�سيوطي� ،ص ،7الأ�شباه والنظائر ،البن جنيم� ،ص.72
((( كتاب الأحكام ،باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره ،برقم .2341واحلديث �ضعيف؛ فقد جاء عند ابن ماجه و�أحمد
م ��ن طريق جابر اجلعفي ع ��ن عكرمة عن ابن عبا�س ،وجابر اجلعفي ترك الأئمة حديث ��ة ،واتهمه بع�ضهم بالكذب،
أي�ضا من طريق �إ�سحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن ال�صامت ،و�إ�سحاق وج ��اء احلدي ��ث عند ابن ماجة و�أحمد � ً
مل يدرك عبادة بن ال�صامت .وقال ابن عبدالرب عن هذا احلديث�«:إن هذا احلديث ال ي�ستند من وجه �صحيح» وقال
اب ��ن رجب«:وق ��ال خالد بن �سع ��د الأندل�سي احلافظ :مل ي�صح حديث« :ال �ض ��رر وال �ض ��رار» م�سندا» .انظر :تهذيب
الكمال ،للمزي ،465/4 ،493/2ميزان االعتدال ،للذهبي ،380 ،204/1تهذيب التهذيب ،البن حجر ،256/1التمهيد،
البن عبدالرب ،158/20جامع العلوم واحلكم ،البن رجب .208/2
((( انظر :التعيني يف �شرح الأربعني ،للطويف� ،ص.238
((( انظر :املنخول ،للغزايل� ،ص.457
((( الربهان ،للجويني .162/2
((( انظر� :أ�صول الفقه الإ�سالمي ،لوهبة الزحيلي .43/2
((( ه ��و �أحم ��د بن �إدري�س القرايف املالكي ،كان �إمام ًا يف الفقه والأ�صول،م ��ن م�صنفاته«:الفروق» ،و«الذخرية» يف الفقه
70
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
امل�س�ألت�ي�ن ال يطلبون �شاه ��د ًا باالعتبار لذلك املعنى الذي به جمع ��وا وفرقوا ،بل يكتفون
مبطل ��ق املنا�سبة( ،)1وهذا هو امل�صلحة املر�سلة ،فهي حينئذ يف جميع املذاهب»( ،)2وقال
أي�ض ��ا�«:إن امل�صلحة املر�سلة يف جميع املذاهب عند التحقيق»( ،)3وقال الطويف(�«:)4أجمع � ً
العلم ��اء� ،إال م ��ن ال يعتد به من جام ��دي الظاهرية ،على تعليل الأح ��كام بامل�صالح ودرء
املفا�س ��د ،و�أ�شدهم يف ذل ��ك مالك حيث قال بامل�صلحة املر�سلة ،ويف احلقيقة مل يخت�ص
بها ،بل اجلميع قائلون بها ،غري �أنه قال بها �أكرث منهم»(.)5
وق ��د ا�شتهر عن الإمام ال�شافعي ومذهبه �إن ��كار اعتبار امل�صلحة يف الت�شريع� ،إال �أن
املحقق�ي�ن يف املذهب ،بين ��وا �أن ال�شافعي ال ينكر اعتبار امل�صلحة يف الت�شريع ،لكنه ينكر
البع ��د فيها ،والإف ��راط ،واتباع الأهواء با�س ��م امل�صلحة ،وبينوا �أن ��ه ال وجه للخالف يف
اعتبارها ،قال اجلويني« :وذهب ال�شافعي ومعظم �أ�صحاب �أبي حنيفة ر�ضي اهلل عنهما
�إىل اعتم ��اد اال�ستدالل( ،)6و�إن مل ي�ستند �إىل حكم متفق عليه يف �أ�صل ،ولكنه ال ي�ستجيز
الن� ��أي والبعد والإف ��راط ،و�إمنا ي�سوغ تعلي ��ق الأحكام مب�صالح يراه ��ا �شبيهة بامل�صالح
وهو من �أجل كتب املالكية ،تويف �سنة 684هـ .انظر :الديباج املذهب ،البن فرحون� ،ص .62معجم امل�ؤلفني ،لعمر بن
عبدالغني .158/1
((( «املنا�سب عبارة عن و�صف ظاهر من�ضبط يلزم من ترتيب احلكم على وفقه ح�صول ما ي�صلح �أن يكون مق�صودًا من
�شرع ذلك احلكم» الإحكام يف �أ�صول الأحكام ،للآمدي .270/3
((( �شرح تنقيح الف�صول ،للقرايف� ،ص.394
((( املرجع ال�سابق� ،ص.446
((( ه ��و �سليم ��ان بن عبد القوي بن عب ��د الكرمي� ،أبو الربيع ،جنم الدي ��ن ،الطويف ،حنبلي املذهب ،ع ��امل �أ�صويل ،ولد
ع ��ام 657ه ،وله عدة ت�صانيف ،منها�« :شرح خمت�صر الرو�ضة» ،و«التعيني يف �شرح الأربعني» ،تويف عام716ه .انظر:
الأعالم ،للزركلي ،128-127/3امل�صلحة يف الت�شريع ،مل�صطفى زيد� ،ص.105-81
((( التعيني يف �شرح الأربعني ،للطويف� ،ص.244
((( وق ��د ع� � ّرف اجلويني اال�ستدالل ب�أن ��ه «:معنى م�شعر باحلكم منا�سب له فيما يقت�ضي ��ه الفكر العقلي من غري وجدان
�أ�صل متفق عليه والتعليل املن�صوب جار فيه».الربهان ،للجويني .161/2
71
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املعتربة وفا ًقا وبامل�صالح امل�ستندة �إىل �أحكام ثابتة الأ�صول قارة يف ال�شريعة»(.)1
وق ��ال الغ ��زايل«:و�إذا ف�سرن ��ا امل�صلح ��ة باملحافظة عل ��ى مق�صود ال�ش ��رع فال وجه
()2
للخالف يف اتباعها ،بل يجب القطع بكونها حجة».
وقال الزرك�شي(«:)3ف�إن العلماء يف جميع املذاهب يكتفون مبطلق املنا�سبة ،وال معنى
()4
للم�صلحة املر�سلة �إال ذلك».
ويف ثنايا كتب املذاهب الفقهية الكثري من الفروع التي بنى علماء املذاهب فتاواهم
على حتقيق امل�صلحة(.)5
وبعدما تبني ذلك ،فال ينبغي الرتدد يف �صحة اال�ستناد �إىل امل�صلحة( ،)6واعتبارها
يف الت�شري ��ع ،ف� ��إن امل�صلحة هي «�أخ�صب الطرق الت�شريعي ��ة فيما ال ن�ص فيه»( ،)7وفيها
املت�سع للفقيه يف تدبري �أمور الأمة عند نوازلها ،ونوائبها �إذا التب�ست عليه امل�سالك(.)8
الفرع الرابع� :ضوابط امل�صلحة
امل�صلح ��ة ه ��ي �أو�سع الطرق ،وه ��ذا االت�ساع فيها ق ��د يغري �أهل الأه ��واء بالدخول
ع ��ن طريقه ��ا �إىل حتقيق رغباتهم م�ستدلني بتحقيق امل�صلح ��ة ،منادين بها ،لذلك البد
((( الربهان ،للجويني .161/2
((( امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.179
((( ه ��و حمم ��د بن بهادر بن عبد اهلل الزرك�شي ال�شافعي ،عنى بالفق ��ه والأ�صول واحلديث ،جمع يف الأ�صول كتابا �سماه
البحر يف ثالثة �أ�سفار ،و�شرح علوم احلديث البن ال�صالح ،وجمع اجلوامع لل�سبكى ،تويف �سنة 794هـ.انظر :طبقات
ال�شافعية ،البن قا�ضي �شهبة � ،167/3شذرات الذهب ،البن العماد .572/8
((( البحر املحيط ،للزرك�شي .275/7
((( انظ ��ر :امل�صلحة يف الت�شريع ،مل�صطفى زيد� ،ص،75-56امل�صالح املر�سلة و�أثرها يف املعامالت ،لعبدالعزيز العمار،
�ص.152-138فقد ذكرا كث ًريا من الأمثلة لفتاوى علماء املذاهب التي ُبنيت على امل�صلحة.
((( انظر :مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،البن عا�شور� ،ص.309
((( م�صادر الت�شريع الإ�سالمي فيما ال ن�ص فيه ،لعبدالوهاب خالف� ،ص.85
((( انظر :مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،البن عا�شور� ،ص.315
72
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
73
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
والب ��د �أن ي�ض ��اف �إىل ه ��ذه ال�ضواب ��ط �أن يكون املق ��رر لهذه امل�صلحة ه ��م العلماء،
فالعلماء هم الذين يعرفون موافقة امل�صلحة ملقا�صد ال�شارع ،وهم الذين مييزون امل�صلحة
احلقيقة من امل�صلحة الوهمية ،ويدركون م�آالت الأمور ،وهم الذين مييزون بني امل�صالح
فال يقدمون امل�صلحة على م�صلحة �أهم منها ،وهم �أهل الذكر يف معرفة امل�صالح الذين
�أمر اهلل ب�س�ؤالهم ،قال اهلل تعاىل :ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ (.)1
الفرع اخلام�س :امل�صلحة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية
امل�صلح ��ة يف الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية م ��ن حيث اعتب ��ار ال�شارع له ��ا ،تعد من
امل�صال ��ح املر�سلة التي مل ي�أمر ال�شرع بها ،ومل يلغها ،وهي مالئمة ملق�صود ال�شارع ،وقد
دل ��ت الأدلة عل ��ى جن�سها ،ومل تن�ص عليها بخ�صو�صها ،فق ��د ورد عن النبي × تطوير
بع� ��ض العق ��ود ،كما يف عق ��د ال�سلم ،وقد ورد ع ��ن ال�صحابة ابت ��كار ال�صكوك ،و�إن
كان م ��ن �ضمن امل�صالح التي تقوم بها الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية م�صالح معتربة ،كما
تقوم بتطوير املعامالت التي ت�شتمل على الزيادة الربوية ،ب�إلغاء هذه الزيادة ،وهذه من
امل�صال ��ح الت ��ي اعتربها ال�شارع ،لكن ال ��كالم عن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية من حيث
العموم من حيث هي ابتكار وتطوير ملنتجات مالية.
وم�صلحة الهند�سة املالية الإ�سالمية من حيث قوتها تعد من امل�صالح احلاجية التي
يقع على النا�س حرج و�ضيق يف عدم وجودها ،ولكنها ال ت�صل �إىل قوة امل�صالح ال�ضرورية
التي ت�ؤدي �إىل هالكهم وا�ضمحاللهم بعدم وجودها ،فالنا�س ت�سري �أمورهم على العقود
القدمي ��ة ،لكن يق ��ع عليهم م�شقة وح ��رج يف ظل هذه التط ��ورات الت ��ي ي�شهدها العامل،
ووجود الكثري من العقود امل�ستحدثة من الغرب ،والتي ال توافق ال�شريعة الإ�سالمية ،وهم
يريدون املتاجرة ب�أموالهم ،فالهند�سة املالية ترفع عنهم احلرج ،مبا تقوم به من تطوير
74
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
للعقود القدمية ،وما تقوم به من تطوير للعقود امل�ستحدثة من الغرب كي توافق ال�شريعة
الإ�سالمية ،وبذلك حتقق لهم املتاجرة وفق ال�ضوابط ال�شرعية.
وم�صلحة الهند�سة املالية الإ�سالمية من حيث ال�شمول تعد من امل�صالح العامة التي
يحتاجها عامة النا�س ،فامل�صارف وامل�ؤ�س�سات املالية يف كل بلد ،والنا�س يتعاملون معها،
وه ��م بحاجة �إىل الأدوات ،والآليات اجلديدة التي جتمع له ��م بني امل�صداقية ال�شرعية،
والكفاءة االقت�صادية.
وم�صلح ��ة الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة ال تخال ��ف ال�ضوابط التي و�ضعه ��ا العلماء
الزم ��ا يف الدين من
حرجا ًللم�صلح ��ة ،فه ��ي متوافقة م ��ع مق�صود ال�شارع بحي ��ث ترفع ً
اجلان ��ب االقت�صادي ،وهي من امل�صال ��ح احلقيقية ،ولي�ست م ��ن امل�صالح املتوهمة ،وال
يوج ��د فيها تفويت م�صالح �أهم منها ،بل يف تطبيقه ��ا حتقيق لأهم امل�صالح يف اجلانب
االقت�ص ��ادي ،كتقوي ��ة اقت�صاد الأم ��ة ،ومناف�سة االقت�صاد الر�أ�سم ��ايل ،و�إبراز حما�سن
الدين الإ�سالمي يف اجلانب االقت�صادي ،وتوفري منتجات خالية من املخالفات ال�شرعية،
وتوفري متويل حقيقي وم�ستمر مما يقلل املخاطر التي يقع فيها النا�س ،وغريها كثري.
وعل ��ى هذا فال ينبغي ال�ت�ردد يف قبول الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة؛ ملا حتققه من
م�صلح ��ة للنا�س يف حياته ��م الدنيا ،ومعادهم الأخروي ،متالئم ��ة مع مقا�صد ال�شريعة،
غري منافية لها.
املطلب الثاين :رفع احلرج والتي�سري يف الهند�سة املالية الإ�سالمية
من الأ�صول التي بنيت عليها ال�شريعة رفع احلرج عن املكلفني( ،)1فال�شارع مل يكلف
عب ��اده بال�شاق ومل يعنته ��م يف التكلي ��ف()2ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ( ،)3وعند الت�أمل يف
((( انظر :املوافقات ،لل�شاطبي ،192/3حجة اهلل البالغة ،للدهلوي .310 /1
((( انظر :املو�سوعة الفقهية الكويتية .284 /22
((( �سورة البقرة ،الآية .220
75
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
القواع ��د اخلم� ��س الكربى التي عليها مدار الفقه الإ�سالمي جن ��د �أنها كلها تندرج حتت
�أ�ص ��ل رفع احلرج؛ فال عمل دون نية ،ولو مل يت ��م اعتبار هذه النية لوقع النا�س يف حرج،
ف�إعمال قاعدة«الأمور مبقا�صدها» يرفع ذلك احلرج ،ويف �إعمال قاعدة «اليقني ال يزول
بال�ش ��ك» ثب ��ات حلياة النا�س بثبات اليقني ،ولو زال اليق�ي�ن بال�شك ملا ا�ستقرت حياتهم،
ولوقع ��وا يف حرج؛ لعدم ثب ��ات ال�شكوك ،وكرثته ��ا ،ويف �إعم ��ال قاعدة«:العادة حمكمة»
مرج ��ع يتحاكم النا�س �إلي ��ه يف معامالتهم ،ولوال �إعمالها لطال ��ت خ�صوماتهم ،ولوقعوا
يف احل ��رج ،ويف �إعم ��ال قاعدة«امل�شقة جتل ��ب التي�سري» رفع حلرج امل�شق ��ة غري املعتادة،
وكذل ��ك يف �إعم ��ال قاعدة «ال �ض ��رر وال �ضرار» حماي ��ة حلياة النا�س م ��ن ال�ضرر الذي
يوقعه ��م يف احل ��رج ،قال اب ��ن العربي(«:)1ولو ذهبت �إىل تعديد نع ��م اهلل يف رفع احلرج
لطال املرام»( ،)2فرفع احلرج«من �أعظم مقا�صد الت�شريع»(.)3
الفرع الأول :تعريف رفع احلرج
رف ��ع احلرج يتكون من كلمت�ي�ن (رفع) و(احلرج) ،والبد م ��ن تعريف كل كلمة على
حدة حتى نتو�صل عن طريق تعريفهما �إىل تعريف رفع احلرج مرك ًبا.
فالرف ��ع يف اللغ ��ة يطلق على خالف الو�ضع ،فال ��راء والفاء والعني �أ�صل واحد ،يدل
عل ��ى خالف الو�ضع( ،)4ومن معاين الرفع الإزالة ،فرفع ال�شيء �إذا �أزيل عن مو�ضعه(،)5
ومعنى الإزالة هو املق�صود هنا.
((( هو حممد بن عبداهلل ،ابن العربي الأندل�سي ،الإ�شبيلي ،املالكي ،ولد �سنة 468هـ ،من م�صنفاته« :عار�ضة الأحوذي
يف �ش ��رح جام ��ع �أبي عي�س ��ى الرتمذي» ،و«�أحكام القر�آن» ،ت ��ويف �سنة 543هـ .انظر :الديب ��اج املذهب ،البن فرحون،
�ص� .281سري �أعالم النبالء ،للذهبي .198/20
((( �أحكام القر�آن ،البن العربي .309 /3
((( تي�سري علم �أ�صول الفقه ،لعبداهلل اجلديع� ،ص.48
((( انظر:معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .423/2
((( انظر :ل�سان العرب ،البن منظور .87/8
76
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
77
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وتعريف �شبري �أقرب تعريف للحرج فامل�شقة فوق املعتاد هي احلرج الذي يحتاج �إىل
رفع ،مهما كان موقعها �أو زمان وقوعها.
وبعدما متت معرفة معنى الرفع ،ومعنى احلرج منفردين ،نبني تعريفهما مركبني.
فرف ��ع احلرج عرف ��ه الدكتور يعقوب الباح�سني ب�أنه«:منع وق ��وع �أو بقاء احلرج على
العباد مبنع ح�صوله ابتدا ًء� ،أو بتخفيفه� ،أو تداركه بعد حتقق �أ�سبابه»(.)1
وهذا التعريف يلزم منه الدور ،ولكي يخرج الدكتور الباح�سني من هذا الدور �أ�شار
يف احلا�شي ��ة �إىل الرجوع �إىل معنى احلرج الذي ق ��رره �ساب ًقا ،ويف �إ�ضافة معنى احلرج
�إىل هذا التعريف ي�صبح تعريف رفع احلرج« :منع وقوع �أو بقاء ما �أوقع على العبد م�شقة
زائ ��دة عن املعتاد ،على بدن ��ه �أو على نف�سه� ،أو عليهما م ًعا يف الدني ��ا والآخرة� ،أو فيهما
حال �أو م� �� اًآل ،غري معار�ض مبا هو �أ�شد منه� ،أو مبا يتعل ��ق به حق للغري م�ساو له �أو
م ًع ��ا ،اً
�أكرث منه على العباد مبنع ح�صوله ابتدا ًء� ،أو بتخفيفه� ،أو تداركه بعد حتقق �أ�سبابه».
وه ��ذا التعري ��ف طويل ،ومن �شروط احلد(التعري ��ف)�« :أن يوجز احلا ُّد يف احلدِّ
عل ��ى ح�سب اال�ستطاع ��ة»( ،)2ق ��ال الغزايل حني كالم ��ه عن �ش ��روط احلد«:واجتهد يف
أي�ضا زيادة «مبنع ح�صوله الإيجاز ما قدرت»( ،)3ف�ضلاً عن امل�آخذ على تعريف احلرج ،و� ً
ابتدا ًء� ،أو بتخفيفه� ،أو تداركه بعد حتقق �أ�سبابه» ال حاجة لذكرها يف التعريف؛ لأن منع
وق ��وع احلرج ي�شم ��ل منع ح�صوله ابتدا ًء �أو يخففه قبل الوق ��وع ،ومنع بقاء احلرج ي�شمل
تداركه بعد حتقق �أ�سبابه �أو يخففه.
وبع ��د ذلك ميك ��ن تعريف رفع احلرج بـ�أن ��ه :منع وقوع �أو بق ��اء امل�شقة الزائدة عن
املعتاد.
((( رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية ،ليعقوب الباح�سني� ،ص.48
((( املهذب ،لعبدالكرمي النملة .86/1
((( امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.14
78
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
79
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ي�ش ��رع حك ًم ��ا �إال و�أو�سع الطريق �إليه ،وي�س ��ره حتى مل يبق من دونه ح ��رج وال ع�سر»(،)1
والآي ��ات التي تدل على رفع احلرج أ�ك�ث�ر من �أن حت�صر ،قال ال�شاطبي« :الن�صو�ص على
رفع احلرج فيه –�أي القر�آن-كافية»(.)2
الدلي ��ل الثاين:الأحادي ��ث النبوية الكث�ي�رة الدالة على التي�س�ي�ر وال�سماحة ،كقول
ال�س ْم َح ُة» رواه البخاري(.)3 حلنِي ِف َّي ُة َّ ِّين �إِلىَ اللهَّ ِ ا َ النبي×�« :أَ َح ُّب الد ِ
ِّين �أَ َح ٌد وع ��ن �أبي هري ��رة عن النبي × قال�«:إِ َّن الد َ
ِّين ُي ْ�س� � ٌرَ ،و َلنْ ُي َ�ش ��ا َّد الد َ
ِ�إلاَّ َغلَ َب ُهَ ،ف َ�س� � ِّددُوا َو َقا ِر ُبواَ ،و�أَ ْب�شِ ُرواَ ،و ْا�س َتعِي ُنوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة َو َ�ش ْي ٍء مِ َن الدُّ لجْ َ ةِ»
رواه البخاري(.)4
�ول اللهَّ ِ × َب�ْيأنْ َ �أَ ْم َر ْي ِن ِ�إلاَّ
وع ��ن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها� ،أنها قالتَ « :ما ُخيرِّ َ َر ُ�س � ُ
ا�س مِ ْن ُهَ ،و َما ا ْن َت َق َم َر ُ�س � ُ
�ول ل َي ُك ��نْ �إِ ْث ًماَ ،ف إِ� ْن َكا َن ِ�إ ْث ًما َكا َن �أَ ْب َع َد ال َّن ِ�أَ َخ� � َذ �أَ ْي َ�س� � َرهُ َماَ ،ما مَ ْ
اللهَّ ِ × ِل َن ْف�سِ ِه �إِلاَّ �أَ ْن ُت ْن َته ََك ُح ْر َم ُة اللهَّ َِ ،ف َي ْن َت ِق َم للِهَّ ِ ِبهَا» متفق عليه(.)5
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الأحادي ��ث :يف هذه الأحاديث بيان �أن دي ��ن اهلل ي�سر ،و�أن �أحب
الدي ��ن �إىل اهلل احلنيف ��ة ال�سمح ��ة ،و�أن النبي × �إذا خري بني �أمري ��ن اختار �أي�سرهما
مناق�ضاً م ��امل يكن �إث ًما ،واحلرج يناق�ض الي�س ��ر ،ويناق�ض احلنيفية ال�سمحة ،ف�إذا كان
لهما فهو مناق�ض للدين ،ومناق�ض ملا يحبه اهلل ،واهلل ال ي�أمر به ،والنبي × ال يختاره،
وه ��و من �أبعد النا�س عنه ،و«كل �أوامره يراعي فيها التو�سيع على الأمة ،وعدم امل�شقة ،ال
80
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يح ��ب لهم امل�شقة �أبدً ا ،ويحب لهم دائ ًما التي�س�ي�ر عليهم ،ولذلك جاءت �شريعته �سمحة
�سهلة»(.)1
الدلي ��ل الثال ��ث :الأحاديث التي تدل على بعد النبي × عن كل ما ي�شق على �أمته،
فعن �أبي هريرة عن النبي × قالَ «:و َل ْو َال �أَ ْن �أَ ُ�ش َّق َعلَى �أُ َّمتِي َما َق َعد ُْت َخ ْل َف َ�س ِر َّيةٍ،
َو َل َو ِد ْد ُت �أَنيِّ �أُ ْق َت ُل يِف َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ُث َّم �أُ ْح َياُ ،ث َّم �أُ ْق َت ُل ُث َّم �أُ ْح َياُ ،ث َّم �أُ ْق َت ُل».متفق عليه(.)2
وعن �أبي هريرة � أن ر�سول اهلل× قالَ «:ل ْو َال �أَ ْن �أَ ُ�ش َّق َعلَى �أُ َّمتِي �أَ ْو َعلَى ال َّن ِ
ا�س
الةٍ».متفق عليه(.)3 ال�س َواكِ َم َع ُك ِّل َ�ص َ َ ألَ َم ْر ُت ُه ْم ِب ِّ
وعن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها قالت� :أعتم النبي × ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل،
وحت ��ى نام �أه ��ل امل�سجد ،ثم خرج ف�صلى ،فقال�« :إِ َّن ُه َل َو ْق ُتهَا َل ْولاَ �أَ ْن َ �أ ُ�ش � َّ�ق َعلَى �أُ َّمتِي».
متفق عليه(.)4
وج ��ه الدالل ��ة من الأحاديث� :أن النب ��ي × ترك الأمر بهذه الأمور مع ما فيها من
الف�ضل لكي ال ي�شق على �أمته ،ويف هذا «دليل على �أن احلرج وامل�شقة مرفوعان عن هذه
الأمة»(.)5
الدليل الرابع :الأحاديث النبوية التي تدل على نهي النبي × �أ�صحابة عن الت�شدد
والتعمق ،و�أمرهم ب�أن يكلفوا من الأعمال ما يطيقون ،كما جاء عن �أبي م�سعود الأن�صاري
،ق ��ال( :جاء رجل �إىل ر�سول اهلل × فقال� :إين لأت�أخر عن �صالة ال�صبح من �أجل
�إعانة امل�ستفيد ب�شرح كتاب التوحيد ،ل�صالح الفوزان .312/1 (((
((( رواه البخاري ،كتاب الإميان ،باب اجلهاد من الإميان ،برقم ،36وم�سلم ،كتاب الإمارة ،باب ف�ضل اجلهاد واخلروج
يف �سبيل اهلل ،برقم .1876
((( رواه البخاري ،كتاب اجلمعة ،باب ال�سواك يوم اجلمعة،برقم ،887وم�سلم ،كتاب الطهارة ،باب ال�سواك،برقم.252
((( رواه البخ ��اري ،كتاب مواقيت ال�صالة ،باب النوم قبل الع�شاء ملن غلب ،برقم ،569وم�سلم ،كتاب امل�ساجد وموا�ضع
ال�صالة ،برقم.638
((( فتح الباري ،البن رجب .375/5
81
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ف�ل�ان ،مما يطيل بنا فما ر�أيت النبي × غ�ضب يف موعظة قط �أ�شد مما غ�ضب يومئذ
ِيفال�ض� �ع َ ِينَ ،ف َمنْ �أَ َّم ال َّن َ
ا�س َف ْل َي َت َج َّو ْزَ ،ف�إِ َّن َخ ْل َف ُه َّ فقالَ «:يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ
ا�س� ،إِ َّن مِ ْن ُك ْم ُم َن ِّفر َ
اجةِ»)متفق عليه(.)1 حل َ ري َو َذا ا َ َوال َك ِب َ
وعن عب ��د اهلل ،قال :قال ر�س ��ول اهلل ×َ « :هلَ َك المْ ُ َت َن ِّط ُع ��و َن» قالها ثالثا.رواه
م�سلم(.)2
وع ��ن عائ�ش ��ة ،ر�ضي اهلل عنه ��ا� :أن النبي × كان يحتجر ح�ص�ي�را بالليل في�صلي
علي ��ه ،ويب�سط ��ه بالنه ��ار فيجل�س علي ��ه ،فجعل النا� ��س يثوبون �إىل النب ��ي × في�صلون
ا�سُ ،خ ُذوا مِ َن الأَ ْع َمالِ َما ُتطِ ي ُقو َنَ ،ف�إِ َّن ب�صالت ��ه حتى كرثوا ،ف�أقبل فقالَ « :يا َ�أ ُّيهَا ال َّن ُ
ال ْع َمالِ �إِلىَ اللهَّ ِ َما دَا َم َو�إِ ْن َق َّل».متفق عليه(.)3 ي ُّل َح َّتى تمَ َ ُّلواَ ،و�إِ َّن �أَ َح َّب أَ اللهَّ َ َال مَ َ
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الأحادي ��ث :هذه الأحادي ��ث وغريها كثري يف نف� ��س معناها تدل
على �سري النبي × على طريق الي�سر ،ومت�سكه باحلنيفية ال�سمحة ،ونهيه �أ�صحابة عن
التنطع والتكلف الذي ي�سبب لهم احلرج يف الدين ،وال�ضيق من �أحكامه ،و�أال يوقع بع�ضهم
بع�ضا يف احلرج وال�ضيق خا�صة �إذا كان متول ًيا �أم ًرا من �أمورهم ك�إمامة ال�صالة. ً
الدلي ��ل اخلام� ��س :الرخ� ��ص ال�شرعي ��ة كلها �أدل ��ة على �أن احلرج مرف ��وع عن هذه
الأمة«،كرخ� ��ص الق�ص ��ر ،والفطر ،واجلمع ،وتناول املحرم ��ات يف اال�ضطرار ،ف�إن هذا
()4
منط يدل قطعا على مطلق رفع احلرج وامل�شقة».
((( رواه البخ ��اري ،كت ��اب الآذان ،ب ��اب من �ش ��كا �إمامه �إذا طول ،برق ��م ،704وم�سلم ،كتاب ال�صالة ،ب ��اب �أمر الأئمة
بتخفيف ال�صالة يف متام ،برقم.466
((( كتاب العلم ،باب هلك املتنطعون ،برقم.2670
((( رواه البخ ��اري ،كت ��اب اللبا� ��س ،باب اجللو�س عل ��ى احل�صري ونحوه ،برق ��م ،5861وم�سلم ،كتاب �ص�ل�اة امل�سافرين
وق�صرها ،باب ف�ضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغريه ،برقم.782
((( املوافقات ،لل�شاطبي .212/2
82
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل ال�س ��اد�س� :أن العق ��ل ال�سليم مفط ��ور على عدم التناق�ض ،فل ��و كان ال�شارع
قا�صدً ا للم�شقة واحلرج ملا كان مريدً ا للي�سر والتخفيف ،وذلك باطل عقل(.)1
الدليل ال�سابع� :إجماع علماء امل�سلمني منذ عهد ال�صحابة �إىل يوم النا�س هذا على
�أن احلرج مرفوع عن هذه الأمة ،ومل يعلم يف ذلك خمالف(.)2
هذه بع�ض الأدلة على رفع احلرج ،و�إال فالأدلة على رفعه عن هذه الأمة كثرية ،قال
ال�شاطبي�« :إن الأدلة على رفع احلرج يف هذه الأمة بلغت مبلغ القطع»(.)3
الفرع الثالث:رفع احلرج يف الهند�سة املالية الإ�سالمية.
الهند�سة املالية الإ�سالمية ترفع احلرج عن الأمة يف �أمور كثرية ،منها:
�-1أن �أك�ث�ر املعامالت املالية املوجودة فيها خمالف ��ات �شرعية ،ويف ذلك حرج على
امل�سلم�ي�ن يف التعام ��ل به ��ا ،والهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية ترفع هذا احل ��رج بتطوير هذا
املعامالت املالية مبا يتوافق مع ال�شرع احلنيف.
�-2أن املجتمعات يف تطور كما هي �سنة احلياة ،واملعامالت القدمية ال تفي بحاجات
حرج ��ا يف عدم تلبية ه ��ذه املعامالت
النا� ��س وف ��ق هذا التط ��ور املتزايد ،ويج ��د النا�س ً
حلاجاته ��م ،ويف الهند�سة املالية الإ�سالمية رف ��ع لهذا احلرج بتطوير هذا املعامالت مع
املحافظة على م�صداقيتها ال�شرعية.
�-3أن النظ ��ام ال�سائد يف عامل اليوم هو النظام الر�أ�سمايل ،وهو نظام ال يتوافق مع
ال�شريع ��ة الإ�سالمي ��ة ،ويف تغلب هذا النظام حرج على امل�ص ��ارف الإ�سالمية يف تعاملها
مع ��ه ،وحرج على امل�سلمني يف ت�أخ ��ر نظامهم االقت�صادي وع ��دم مناف�سته لهذا النظام
الغرب ��ي ،ويف الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة مناف�سة لهذه النظ ��ام الر�أ�سمايل ،وفك لقيد
((( املوافقات ،لل�شاطبي ،212/2القواعد الكلية وال�ضوابط الفقهية ،لعثمان �شبري� ،ص.195
((( انظر :رفع احلرج ،ليعقوب الباح�سني� ،ص ،68القواعد الكلية وال�ضوابط الفقهية ،لعثمان �شبري� ،ص.195
((( املوافقات ،لل�شاطبي .520/1
83
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
84
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الرابع
المستندات الشرعية للهندسة المالية
اإلسالمية من القواعد الفقهية
للقواع ��د الفقهية �أهمية كربى يف �ضبط الفقه ،وجمع منثور امل�سائل يف �سلك واحد،
و ُتطلع الفقيه على ما غاب عنه من م�آخذ الفقه ،و ُتقرب عليه كل متباعد( ،)1فهي«عظيمة
النفع ،وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ،وي�شرف ويظهر رونق الفقه ويعرف ،وتت�ضح
مناه ��ج الفت ��اوى وتك�شف»( ،)2يقول ابن جنيم( )3عن قواع ��د الفقه«:هي �أ�صول الفقه يف
احلقيقة ،وبها يرتقي الفقيه �إىل درجة االجتهاد»( ،)4ويقول ال�سبكي(« :)5حق على طالب
التحقي ��ق ومن يت�ش ��وق �إىل املقام الأعلى يف الت�صور والت�صديق �أن يحكم قواعد الأحكام
لريجع �إليها عند الغمو�ض ،وينه�ض بعبء االجتهاد �أمت نهو�ض»(.)6
وم ��ن القواعد الفقهية التي تندرج حتتها الهند�سة املالية الإ�سالمية ،قاعدة الأ�صل
يف العق ��ود ال�صح ��ة �إال ما دل الدلي ��ل على منعه ،وقاع ��دة الأ�صل يف ال�ش ��روط ال�صحة
والل ��زوم �إال م ��ا دل الدلي ��ل على منعه؛ لأن م ��ن الأن�شطة التي تقوم به ��ا الهند�سة املالية
((( انظر :القواعد ،البن رجب� ،ص.3
((( الفروق ،للقرايف .3/1
((( هو زين الدين بن �إبراهيم بن حممد ،ال�شهري بابن جنيم ،فقيه حنفي ،ولد �سنة 926ه ،كان على خلق عظيم
م ��ع جريانه ،وغلمانه ،ل ��ه ت�صانيف ،منها« :الأ�شباه والنظائ» و«البحر الرائ ��ق يف �شرح كنز الدقائق» ،تويف
�سنة 970هـ .انظر :الأعالم ،للزركلي ،64/3ك�شف الظنون ،حلاجي خليفة .1516/2 ،81/1
((( الأ�شباه والنظائر ،البن جنيم� ،ص.14
((( ه ��و عبدالوه ��اب بن علي بن عبدالكايف بن علي ال�سبكي ،فقيه �شافعي ،ولد �سنة ،727توىل من�صب قا�ضي الق�ضاة،
وامتح ��ن ف�صرب ،له م�ؤلفات نافع ��ة ،منها«:جمع اجلوامع» ،و«وطبقات ال�شافعية الكربى» ،و«الأ�شباه والنظائر» ،تويف
�سنة 771هـ .انظر :طبقات ال�شافعية ،البن قا�ضي �شهبة ،104/3مقدمة الأ�شباه والنظائر ،لل�سبكي .6/1
((( الأ�شباه والنظائر ،لل�سبكي .10/1
85
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الإ�سالمي ��ة ابتكا َر عقود جدي ��دة� ،أو تعدي ًال وتطوي ًرا لعقود قدمي ��ة� ،أو عقود م�ستوردة،
وم ��ن التطوير �إ�ضافة بع�ض ال�شروط على هذه العق ��ود ،ويف املطلبني التاليني بيان حكم
هاتني القاعدتني ،ومدى �صحة اال�ستناد عليهما.
املطلب الأول :الأ�صل يف العقود ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه
اختل ��ف العلماء يف الأ�صل يف العقود ،هل هو ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه� ،أو
الف�ساد �إال ما دل الدليل على �صحته؟ ،على ثالثة �أقوال:
الق ��ول الأول :الأ�صل يف العقود ال�صح ��ة �إال ما دل الدليل على منعه .وهو قول �أكرث
احلنفية( ،)1ومذهب املالكية( ،)2وال�شافعية( ،)3واحلنابلة( ،)4بل حكي عليه الإجماع(.)5
الق ��ول الث ��اين :الأ�ص ��ل يف العقود الف�س ��اد �إال ما دل الدليل عل ��ى �صحته .وهو قول
الظاهرية(.)6
الق ��ول الثال ��ث :ال يحكم على العقد ب�صحة وال ف�ساد �إال بدليل من ال�شرع .وهو قول
تقي الدين ال�سبكي()7من ال�شافعية(.)8
((( انظر :تبيني احلقائق ،للزيلعي ،87/4فتح القدير ،البن الهمام ،3/7الأ�شباه والنظائر ،البن جنيم� ،ص.57
((( انظر :الذخرية ،للقرايف ،155/1املقدمات املمهدات ،البن ر�شد .61/2
((( انظر :الأم ،لل�شافعي ،3/3احلاوي الكبري ،للماوردي .3/5
((( انظر :ك�شاف القناع ،للبهوتي ،299/3القواعد النورانية ،البن تيمية� ،ص.261
((( ق ��ال ابن رجب«:وا�ستق ��ر �أن الأ�صل يف الأ�شياء الإباح ��ة ب�أدلة ال�شرع .وقد حكى بع�ضه ��م الإجماع على ذلك» جامع
العلوم واحلكم .166/2
((( انظر :الإحكام يف �أ�صول الأحكام ،البن حزم .2/5
((( ه ��و تق ��ي الدين علي بن عبدالكايف بن علي بن متام ال�سبكي ،فقيه �شافعي ،ولد �سنة 683ه ،توىل ق�ضاء ال�شام ،ومن
م�ؤلفات ��ه« :الدر النظيم يف تف�سري القر�آن العظيم» ،و«ال�سيف امل�سلول على من �سب الر�سو» و«االبتهاج �شرح املنهاج»،
تويف �سنة756هـ .انظر:طبقات ال�شافعية الكربى ،لل�سبكي ،139/10طبقات املف�سرين ،للأدنوي� ،ص.285
((( انظر :الأ�شباه والنظائر ،لل�سبكي .253/1
86
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
87
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ف ��دل عل ��ى �أن الآية الكرمي ��ة تناولت �إباحة جمي ��ع البيوع �إال ما خ�ص منه ��ا( ،)1قال ابن
ر�شد(«:)2ين ��درج حتت قوله تع ��اىل :ﮋﭧ ﭨ ﭩﮊ كل بيع� ،إال ما خ�ص منه بالدليل،
وق ��د خ� ��ص منه ب�أدلة ال�شرع بيوع كثرية؛ فبقي ما عداها على �أ�صل الإباحة ،ولذلك قلنا
يف البيوع اجلائزة� :إنها جائزة ،ما مل يحظرها ال�شرع ،وال ورد فيها النهي»(.)3
الدليل الثالث :قول اهلل تعاىل :ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ (.)4
وجه الداللة من الآية� :أن اهلل ف�صل لنا ما حرم علينا ،فكل ما مل يف�صل حترميه
فال يجوز حترميه ،وكما �أنه ال يجوز �إباحة ما حرمه اهلل ،فكذلك ال يجوز حترمي ما عفا
عنه ومل يحرمه(.)5
الدلي ��ل الراب ��ع :ق ��ول اهلل تع ��اىل :ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ (.)6
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآي ��ة� :أن لف ��ظ التج ��ارة يف الآي ��ة ع ��ام ي�شم ��ل �إباح ��ة �سائ ��ر
التج ��ارات( ،)7و«الأ�ص ��ل املقطوع به فيها اتباع ترا�ضي امل�ل�اك»( ،)8و�إذا كان كذلك ف�إذا
88
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ترا�ض ��ى املتعاق ��دان بتج ��ارة ،ثبت حلها بدالل ��ة الق ��ر�آن� ،إال �أن يت�ضمن م ��ا حرمه اهلل
ور�سوله؛ كالتجارة يف اخلمر ونحو ذلك(.)1
الدلي ��ل اخلام� ��س :الآيات التي فيها ح�صر املحرمات؛كق ��ول اهلل تعاىل :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ (.)2
وقول ��ه تعاىل :ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ
ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ
ﰂ ﮊ (.)3
وقول ��ه تع ��اىل :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ (.)4
وج ��ه الدالل ��ة من الآيات� :أن يف ح�صر الآي ��ات للمحرمات دلي ًال على �أن ما عداها
على الإباحة« ،فما ال يعلم فيه حترمي يجري على حكم احلل؛ وال�سبب فيه �أنه ال يثبت هلل
حكم على املكلفني غري م�ستند �إىل دليل»(.)5
الدليل ال�س ��اد�س :عن �سعد بن �أبي وقا�ص� ،أن النبي × قال�«:إِ َّن �أَ ْع َظ َم امل ُ ْ�س� �لِمِ َ
ني
ل ُي َح َّر ْمَ ،ف ُح ِّر َم مِ نْ �أَ ْجلِ َم ْ�س�أَ َل ِتهِ»متفق عليه(.)6
ُج ْر ًماَ ،منْ َ�س َ�أ َل َعنْ َ�ش ْي ٍء مَ ْ
89
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وجه الداللة من احلديث� :أن النبي × بني يف احلديث عظم جرم من ي�س�أل عن
�ش ��يء فيحرم ب�سبب م�س�ألته ،ويف ذلك داللة على �أن الأ�صل يف الأ�شياء احلل ،و�أن النبي
× يري ��د املحافظة على هذا الأ�صل ،فنه ��ى �أ�صحابة عن ال�س�ؤال ،قال ابن حجر « :ويف
احلديث بيان �أن الأ�صل يف الأ�شياء الإباحة حتى يرد ال�شرع بخالف ذلك»(.)1
الدليل ال�س ��ابع� :إن اال�ستق ��راء دل على �أن الأ�صل يف العادات االلتفات �إىل املعاين،
وال�شريعة جاءت مل�صالح العباد( ،)2ومن م�صاحلهم �أن يتبايعوا كيف �شا�ؤا ،مامل حترمه
ال�شريع ��ة ،ق ��ال ابن تيمية« :ف� ��إن ال�شريعة قد جاءت يف هذه الع ��ادات بالآداب احل�سنة،
فحرمت منها ما فيه ف�ساد ،و�أوجبت ما ال بد منه ،وكرهت ما ال ينبغي ،وا�ستحبت ما فيه
م�صلح ��ة راجحة يف �أنواع هذه العادات ومقاديرها و�صفاته ��ا ،و�إذا كان كذلك :فالنا�س
يتبايعون وي�ست�أجرون كيف �شاءوا ،ما مل حترم ال�شريعة»(.)3
�أدلة القول الثاين:
الدلي ��ل الأول :الآي ��ات التي تدل على اكتمال الدين ،وتنه ��ى عن تع ّدي حدود اهلل؛
كق ��ول اهلل تع ��اىل :ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ ( ،)4وقول ��ه تع ��اىل :ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ
ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ ( ،)5وقوله تعاىل :ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ (.)6
وبي الوعيد
وجه الداللة من الآيات� :أن اهلل عز وجل نّبي يف الآيات اكتمال الدين ،نّ
90
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
تعد حلدود اهلل وزيادة يف الدين»(.)1 ملن يتعدى حدود اهلل« ،والعقود التي مل ت�شرع ٍّ
نوق� ��ش :ب� ��أن من كمال الدي ��ن �أن اهلل بني في ��ه «�شريعة تتناول حي ��اة الإن�سان من
جمي ��ع �أطرافه ��ا ،ويف كل جوانب ن�شاطها ،وت�ضع لها املبادئ الكلي ��ة والقواعد الأ�سا�سية
فيما يتطور فيها ويتحور بتغري الزمان واملكان»( ،)2ومن الأمور التي تتطور يف هذه احلياة
العق ��ود التي يتعامل بها النا�س ،ومن القواعد الأ�سا�سية التي بينها الدين ،قاعدة الأ�صل
�صح ��ة العقود التي يتعامل بها النا�س مامل يدل الدليل على منعها(« ،)3وتعدي حدود اهلل
هو حترمي ما �أحله اهلل� ،أو �إباحة ما حرمه� ،أو� إ�سقاط ما �أوجبه ،ال �إباحة ما �سكت عنه،
وعفا عنه ،بل حترميه هو نف�س تعدي حدوده»(.)4
الدلي ��ل الث ��اين :عن عائ�شة� ،أن ر�س ��ول اهلل × قالَ « :منْ عَمِ َل َع َم�ًللاً َل ْي َ�س َعلَ ْي ِه
�أَ ْم ُر َنا َف ُه َو َردٌّ» متفق عليه(.)5
وجه الداللة من احلديث :يف احلديث بيان«بطالن كل عقد عقده الإن�سان والتزمه
�إال م ��ا �ص ��ح �أن يكون عق ��دً ا جاء الن� ��ص �أو الإجماع ب�إلزام ��ه با�سم ��ه �أو ب�إباحة التزامه
بعين ��ه»()6؛ وذل ��ك �أن ما مل ي� ��أت به الن� ��ص �أو الإجماع فلي�س عليه �أم ��ر النبي × ،وهو
مردود على �صاحبه.
يناق� ��ش :ب� ��أن احلدي ��ث يدل على رد العق ��ود املخالفة ملا جاء ب ��ه النبي ×؛ وذلك
91
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ملخالفته ��ا �أم ��ره� ،أما العقود الت ��ي مل ينه عنها النبي × فلم يتط ��رق لها احلديث ،فال
ي�ص ��ح االحتج ��اج بهذا احلديث على م ��ا �أراد ،بل �إن يف احلديث حج ��ة لأ�صحاب القول
الأول؛ وذل ��ك �أن النب ��ي × مل َي ُرد من العقود �إال العق ��ود املخالفة لأمره ،مما يدل على
قبول ما عداها من العقود ،و�أن �أ�صلها اجلواز.
دليل القول الثالث� :أن ال�صحة حكم �شرعي يحتاج �إىل دليل ،وكذلك الف�ساد حكم
�شرع ��ي يحت ��اج �إىل دليل ،فال نق ��ول عنه عقد �صحيح �أو عق ��د فا�سد«،بل نقول:باق على
حكم الأ�صل»(.)1
يناق� ��ش :ب� ��أن �أ�صحاب القول الأول ي ��رون �أن الأدلة دلت عل ��ى �أن الأ�صل يف العقود
ال�صحة� ،إال ما دل الدليل على ف�ساده ،وكذلك �أ�صحاب القول الثاين يرون �أن الأدلة دلت
عل ��ى �أن الأ�ص ��ل يف العقود الف�ساد �إال ما دل الدليل على �صحت ��ه ،و� ً
أي�ضا ما الأ�صل الذي
بقيت عليه العقود؟ �ألي�س هذا الأ�صل حكم �شرعي يحتاج �إىل دليل؟
وق ��د اختار ال�سبك ��ي تقوية «قول مدع ��ي ال�صح ��ة �إذا تعار�ضا ،ولي�س م ��ع �أحدهما
مرج ��ح»( ،)2ويف ذل ��ك داللة على �أن مدع ��ي ال�صحة معه الأ�ص ��ل ،و�أن الأ�صل يف العقود
ال�صحة.
الرتجيح :بعد عر�ض الأقوال ،و�أدلة كل قول ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة،
تبني يل-واهلل �أعلم� -أن الراجح هو القول الأول ،القائل ب�صحة العقود �إال ما دل الدليل
عل ��ى ف�ساده؛ وذلك لقوة �أدلته ،و�ضعف �أدل ��ة القولني الآخرين �أمام املناق�شة التي وردت
عليها ،و�أن القول بف�ساد العقود �إال ما دل الدليل على �صحته يجعل النا�س«مقيدين بعدد
العق ��ود الت ��ي تذكرها الكتب ،ووردت بها الآثار ،ودلت عليه ��ا امل�صادر ال�شرعية ،والأدلة
92
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الفقهي ��ة ،فما مل يقم عليه الدليل فهو ممنوع ،والوفاء به غري الزم؛ لأنه ال التزام �إال مبا
�أل ��زم به ال�ش ��رع ،فما مل يرد دليل على وج ��وب الوفاء فال وفاء ،فلي� ��س للنا�س �إذن على
هذا القول �أن يعقدوا ما �شاءوا من العقود� ،إال �إذا وجد من الأدلة الفقهية ما يدل عليه،
ويوج ��ب الوفاء به»()1؛ ويف ذلك ح ��رج ال تر�ضاه ال�شريعة التي بنيت على حتقيق م�صالح
النا�س ،ورفع احلرج عنهم.
وعلى هذا الأ�صل فالعقود التي تبتكرها الهند�سة املالية الإ�سالمية جائزة ،وال مينع
منها �إال ما ا�شتمل على حمظور �شرعي.
املطلب الثاين :الأ�صل يف ال�شروط ال�صحة واللزوم �إال ما دل الدليل على
منعه
يف قاع ��دة «هل الأ�صل يف ال�ش ��روط ال�صحة واللزوم �إال م ��ا دل الدليل على منعه؟»
ح�ص ��ل ا�ضطراب عند بع� ��ض الباحثني يف ن�سب ��ة الأقوال �إىل املذاه ��ب ،فبع�ضهم ن�سب
الق ��ول ب�أن الأ�ص ��ل يف ال�شروط ال�صح ��ة �إىل املذاهب الأربع ��ة( ،)2وبع�ضهم على العك�س
ن�سب القول له ��م باملنع( ،)3وبع�ضهم ن�سب القول باملنع �إىل احلنفية واملالكية وال�شافعية،
واحلنابل ��ة بال�صح ��ة( ،)4وبع�ضه ��م �أ�ض ��اف م ��ع احلنابل ��ة املالكي ��ة فن�سب له ��م القول
بال�صحة( ،)5وال�سبب يف ذلك عدة �أمور ،وهي:
الأم ��ر الأول� :أن املذاه ��ب الفقهية مل يبينوا الأ�ص ��ل يف ال�شروط عندهم� ،إمنا كان
ذل ��ك ع ��ن طريق تخريج بع�ض الباحثني حكم �أ�صل ال�ش ��روط عند املذاهب من فروعهم
امللكية ونظرية العقد يف ال�شريعة الإ�سالمية ،ملحمد �أبو زهرة� ،ص.259 (((
انظر :مبد�أ الر�ضا يف العقود ،للقره داغي .1188/2 (((
انظر� :ضوابط العقود ،للبعلي� ،ص ،297ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود ،لليمني� ،ص.121 (((
انظر :نظرية ال�شرط ،لل�شاذيل� ،ص ،337ابن حنبل حياته وع�صره ،ملحمد �أبو زهرة� ،ص.260 (((
انظر :ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية ،للعنزي .61/1 (((
93
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الفقهي ��ة يف ال�ش ��روط( ،)1و�إذا كان الأمر كذلك ف�إن احتماالت اخلط�أ يف تخريج الأ�صول
�أمر ممكن ،وال ميكن القطع بن�سبة هذا الأ�صل �إىل املذهب ،ال�سيما �إذا كانت مبنية على
ف ��روع جزئية حمدودة� ،أو ا�ستق ��راء جزئي ،وهذا ما جعل بع� ��ض العلماء ينكر مثل هذه
التخريجات(.)2
الأم ��ر الث ��اين� :أن �أول م ��ن تكلم عن الأ�صل يف ال�شروط هو اب ��ن حزم( )3وتبعه ابن
تيمي ��ة ثم ابن القيم ،وق ��د اختلفوا � ً
أي�ضا يف ن�سبة الأق ��وال �إىل املذاهب ،فابن حزم وهو
يناق� ��ش �أدل ��ة املخالفني له الذي ��ن قالوا ب�صحة العق ��ود وال�ش ��روط ،قال«:فوجدناهم ال
حجة لهم فيه �أول ذل ��ك احلنفيني واملالكيني املخالفني لنا»( ،)4وبعدما ناق�ش �أدلة �صحة
ال�ش ��روط ،ق ��ال« :والعجب كله من احتجاج احلنفيني واملالكيني به ��ذه الأخبار»( .)5وهذا
ي ��دل عل ��ى �أن احلنفي ��ة واملالكية يقول ��ون ب�أن الأ�ص ��ل يف ال�شروط ال�صح ��ة .وابن تيمية
يق ��ول« :الأ�صل يف العقود وال�شروط فيها ونحو ذلك :احلظر� ،إال ما ورد ال�شرع ب�إجازته،
فه ��ذا قول أ�ه ��ل الظاهر ،وكثري من �أ�صول �أبي حنيفة تنبن ��ي على هذا ،وكثري من �أ�صول
ال�شافع ��ي ،و�أ�ص ��ول طائفة م ��ن �أ�صحاب مال ��ك و�أحمد»( .)6وهذا الكالم م ��ن ابن تيمية
94
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يخال ��ف ما قاله ابن حزم يف ن�سبة قول اجلواز �إىل احلنفيني واملالكيني .وابن القيم وهو
يع ��دد الأخطاء الت ��ي وقع فيها الظاهري ��ة قال«:اخلط�أ الرابع له ��م :اعتقادهم �أن عقود
امل�سلم�ي�ن و�شروطهم ومعامالتهم كلها على البطالن حتى يقوم دليل على ال�صحة ،ف�إذا
مل يق ��م عندهم دليل على �صحة �شرط �أو عق ��د �أو معاملة ا�ست�صحبوا بطالنه ،ف�أف�سدوا
بذلك كث ًريا من معامالت النا�س وعقودهم و�شروطهم بال برهان من اهلل بنا ًء على هذا
الأ�صل ،وجمه ��ور الفقهاء على خالفه»( .)1وهذا القول من ابن القيم يخالف قول �شيخه
ابن تيمية؛ حيث ن�سب القول بال�صحة �إىل جمهور الفقهاء خال ًفا للظاهرية ،وابن تيمية
ن�س ��ب الق ��ول باملنع �إىل كثري م ��ن �أ�صول الأئم ��ة ،وهذا اخلالف بني ه� ��ؤالء الأئمة �سبب
ا�ضطرا ًبا ملن بعدهم يف ن�سبة الأقوال �إىل املذاهب ،خا�ص ًة فيمن يكتفي بالنقل عن ه�ؤالء
الأئمة يف ن�سبة الأقوال للمذاهب.
الأم ��ر الثال ��ث� :أن العقود وال�ش ��روط بنف�س املعنى ،قال اب ��ن حزم«العقود والعهود
والأوع ��اد �شروط وا�سم ال�شرط يقع على جميع ذلك»( .)2وهذا �أحد الأ�سباب التي حملت
بع� ��ض الباحث�ي�ن يف ن�سبة القول ب�أن الأ�صل يف ال�شروط اجل ��واز �إىل املذاهب الأربعة(،)3
ق ��ال الدكتور حمم ��د اليمني�«:إن الأ�ص ��ل يف املعامالت ،والعقود عن ��د �أ�صحاب املذاهب
الأربع ��ة الإباح ��ة� ،إال ما دل الدليل على حترميه ،وال�ش ��روط عقود ومعامالت فما الفرق
أي�ضا هو �سبب اخلالف بني ابن حزم ،واب ��ن تيمية ،وابن القيم يف � ًإذا؟»( .)4ولع ��ل ه ��ذا � ً
ن�سب ��ة الأق ��وال للمذاهب الفقهية؛ لذل ��ك يتكلمون عن حكم العق ��ود وال�شروط يف �سياق
واح ��د ،فمنه ��م من غلب جانب الأ�صل يف العقود كابن ح ��زم ،وابن القيم� ،أما ابن تيمية
95
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
فغل ��ب جان ��ب ال�شروط عند الأئم ��ة يف كالمه عن الأ�صل يف العق ��ود وال�شروط ،فقد قال
أحمد قد يعل ��ل �أحيا ًنا بطالن
بع ��د النقل ال�ساب ��ق يف الأ�صل يف العق ��ود وال�شروط«:ف�إن � َ
العقد بكونه مل يرد فيه �أثر وال قيا�س ،كما قاله يف �إحدى الروايتني يف وقف الإن�سان على
نف�س ��ه»( .)1فالرواية التي نقلها اب ��ن تيمية عن الإمام �أحمد لي�ست يف بطالن �أ�صل العقد
�إمن ��ا يف بطالن ال�شرط ،فالإمام مل يبطل الوقف لكونه وق ًفا فالأ�صل عنده جواز الوقف،
لك ��ن �أبط ��ل هذا العقد لبط�ل�ان ال�شرط عنده وه ��و �أن يكون الوقف عل ��ى نف�سه ،ثم قال
اب ��ن تيمية بعد هذه الرواية«:كذلك طائفة من �أ�صحابه قد يعللون ف�ساد ال�ش ��روط ب�أنها
تخالف مقت�ضى العقد»( .)2مما يدل على �أن ابن تيمية يتكلم عن حكم ال�شرط يف الرواية
الت ��ي نقلها ع ��ن الإمام �أحمد ،ولي�س عن العق ��د ،وقال ابن تيمية عن �أ�ص ��ول الإمام �أبي
حنيفي ��ة يف العق ��ود وال�شروط « :و�أما �أبو حنيفة ف�أ�صوله تقت�ضي �أنه ال ي�صحح يف العقود
�روطا يخالف مقت�ضاه ��ا يف املطلق .)3( »...وهذا يدل على أ�ن ��ه يغلب جانب ال�شروط، �ش � ً
ث ��م نقل ابن تيمية القول الث ��اين ،وهو �أن الأ�صل يف العقود وال�ش ��روط ال�صحة ،ثم قال:
«و�أ�ص ��ول �أحمد املن�صو�صة عن ��ه� :أكرثها يجري على هذا القول .ومالك قريب منه ،لكن
ت�صحيحا لل�شروط منه،
ً ت�صحيحا لل�شروط .فلي�س يف الفقهاء الأربعة �أكرث
ً �أحمد �أكرث
وعامة ما ي�صححه �أحمد من العقود وال�شروط فيها يثبته بدليل خا�ص من �أثر �أو قيا�س،
�رطا يخالفلكن ��ه ال يجع ��ل حجة الأول�ي�ن مان ًعا من ال�صح ��ة ،وال يعار�ض ذلك بكونه �ش � ً
مقت�ض ��ى العق ��د»( .)4وهذا يدل على �أنه يغل ��ب جانب ال�شروط عن ��د الأئمة يف نظره �إىل
الأ�صل يف العقود وال�شروط ،ثم قال« :وما اعتمده غريه يف �إبطال ال�شروط .)5( »...وهذا
96
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يدل على �أنه يتكلم عن حكم ال�شروط عند الأئمة غري الإمام �أحمد ،ثم قال« :وقد يعتمد
طائفة م ��ن �أ�صحابه عمومات الكتاب وال�سنة التي �سنذكرها يف ت�صحيح ال�ش ��روط»(.)1
كل ه ��ذه الن�صو� ��ص من ابن تيمية تبني �أنه يغلب جانب ال�شروط يف كالمه عن الأ�صل يف
العق ��ود وال�ش ��روط عند الأئمة ،ولعل مما جعل ابن تيمية يغل ��ب جانب ال�شروط يف ن�سبة
الأقوال �إىل الأئمة عند كالمه عن الأ�صل يف العقود �أن ال�شروط الباطلة ت�ؤثر على العقود
ال�صحيحة؛ قال وهو يناق� ��ش الأدلة«:العقود توجب مقت�ضياتها بال�شرع .فيعترب تغيريها
تغي�ي ً�را مل ��ا �أوجبه ال�شرع؛ مبنزلة تغي�ي�ر العبادات .وهذا نكتة القاع ��دة؛ وهي �أن العقود
م�شروعة على وجه ،فا�ش�ت�راط ما يخالف مقت�ضاها تغيري للم�شروع»( .)2فالعقد م�شروع
عند اجلمهور وله مقت�ضى ،وال�شرط الذي يخالف املقت�ضى ي�ؤثر على م�شروعية العقد.
الأمر الرابع� :أن ال�شروط تنق�سم �إىل �شروط يقت�ضيها العقد ،و�شروط تالئم العقد
وم ��ن م�صلحة العق ��د و�إن كان ال يقت�ضيها العقد ،و�شروط فيه ��ا م�صلحة للمتعاقدين �أو
لأحدهم ��ا وال يقت�ضيه ��ا العقد ،ولي�ست من م�صلحته ،وق ��د اتفقت املذاهب الفقهية على
�صحة ال�شروط يف الق�سمني الأول�ي�ن ،التي يقت�ضيها العقد( ،)3والتي فيها م�صلحة للعقد
و�إن كان ال يقت�ضيه ��ا( ،)4واختلفوا يف الق�سم الثالث من ال�شروط وهي التي فيها م�صلحة
97
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
للمتعاقدي ��ن �أو لأحدهم ��ا ولي�س ��ت من مقت�ضى العق ��د ،وال من م�صلحت ��ه ،ومل يرد نهي
يف ال�ش ��رع عنه ��ا .وعدم التفري ��ق بني �أق�سام ال�ش ��روط �أحد الأ�سباب الت ��ي جعلت بع�ض
الباحث�ي�ن ين�سبون القول ب�صحة ال�شروط للمذاه ��ب الفقهية ،وي�ستدلون ب�أمثلة من كتب
ه ��ذه املذاهب ل�ش ��روط يقت�ضيها العقد �أو هي من م�صلحة العق ��د ،دون نظر �إىل الدليل
ال ��ذي ا�ستدل به �أ�صحاب هذا املذهب على جواز هذا ال�شرط ،وهل اجلواز كان ا�ستثنا ًء
لدليل �أو �أن الأ�صل عندهم �صحة ال�شروط.
وخالل اال�ستقراء لل�شروط عند املذاهب الفقهية وجدت:
�-1أن ��ه و�إن كانت ال�شروط كالعق ��ود� ،إال �أن احلنفية ،وال�شافعي ��ة يرون �أن ال�شريعة
فرقت بينهما ،فالأ�صل عندهم يف ال�شروط احلديث الذي رواه الطرباين �أن النبي ×:
« َن َه ��ى َعنْ َب ْي ٍع َو َ�ش� � ْر ٍط»( ،)1قال ال�سرخ�سي(«:)2وال�صحيح م ��ا ا�ستدل به �أبو حنيفة ف�إنه
حديث م�شهور-النهي عن بيع و�شرط ،-ومطلق النهي يوجب ف�ساد املنهي عنه»( ،)3وقال
ال�شريازي(«:)4ف� ��إن �شرط ما �س ��وى ذلك من ال�شروط ...بطل البي ��ع؛ ملا روي عن النبي
((( املعجم الأو�سط ،للطرباين ،325/4برقم .4361واحلديث �ضعيف ،ومل يخرجه �أحد من �أ�صحاب ال�سنن وامل�سانيد،
وقال ابن تيمية«:هذا حديث باطل لي�س يف �شيء من كتب امل�سلمني و�إمنا يروى يف حكاية منقطعة» ،وقال ابن القيم«:ال
يعلم له ا�سناد ي�صح» .انظر :البدر املنري ،البن امللقن ،497/6جمموع الفتاوى ،البن تيمية � ،63/18إعالم املوقعني،
البن القيم .249/2
((( ه ��و حمم ��د بن �أحمد بن �أبي �سهل ال�سرخ�سي ،من �أئمة احلنفية� ،أ�شه ��ر م�ؤلفاته«:املب�سوط» �أملأه نحو خ�سمة ع�شر
جمل ��دا وهو فى ال�سج ��ن ،و«�شرح ال�س�ي�ر الكبري» ،تويف �سن ��ة 483ه.انظر :اجلواه ��ر امل�ضية ،للقر�ش ��ي ،29-28/2
الأعالم ،للزركلي .315/5
((( املب�سوط ،لل�سرخ�سي .14/13
((( ه ��و �إبراهي ��م بن علي بن يو�سف ال�شريازي ،من �أئمة ال�شافعية ،بنى له الوزير نظام امللك املدر�سة النظامية ببغداد،
ف ��كان يدر� ��س فيها �إىل �أن مات ،م ��ن م�صنفاته«:املهذب» ،و«التب�ص ��رة» ،و«اللمع» ،تويف �سن ��ة 476ه .انظر :طبقات
ال�شافعية الكربى ،لل�سبكي ،215/4طبقات ال�شافعية ،البن قا�ضي �شهبة .238/1
98
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
×�أن ��ه « َن َه ��ى َعنْ َب ْي ٍع َو َ�ش� � ْر ٍط» »(� .)1أما املالكية فهم م ��ع احتجاجهم بهذا احلديث �إال
()2
�أنه ��م حملوه على �شرط يناق�ض مقت�ضى العقد� ،أو يعود بخلل يف الثمن؛ قال احلطاب
بع ��د ذكر احلديث «:وحمل ��ه �أهل املذهب على وجه�ي�ن� ،أحدهما ال�ش ��رط الذي يناق�ض
مقت�ض ��ى العقد ،والث ��اين ال�شرط الذي يعود بخلل يف الثم ��ن»( .)3فلم ي�ستدلوا باحلديث
على ف�ساد كل ال�شروط� ،أما احلنابلة فال ي�صححون احلديث ،قال ابن قدامة(:)4
«ومل ي�صح �أن النبي × نهى عن بيع ،و�شرط»(.)5
�-2أن احلنفي ��ة يجي ��زون ال�ش ��روط الت ��ي جرى تعام ��ل النا� ��س به ��ا( ،)6وي�ستدلون
للجواز بدلي ��ل اال�ستح�سان؛ قال ابن عابدين(« :)7ي�صح البي ��ع ويلزم لل�شرط ا�ستح�سا ًنا
للتعام ��ل»( .)8مما يدل على �أن الأ�صل عنده ��م يف ال�شروط عدم اجلواز ،و�إال ملا ا�ستدلوا
99
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
باال�ستح�سان ،والكتفوا بالأ�صل �إذا كان الأ�صل عندهم اجلواز� ،أما ال�شافعية ف�إذا �أرادوا
ج ��واز �شرط ذكروه على وجه اال�ستثناء مما يدل على �أن الأ�صل عندهم عدم اجلواز()1؛
ق ��ال الغزايل«:فاقت�ضى مطلقه امتن ��اع كل �شرط يف البيع ...وي�ستثن ��ى من هذا الأ�صل
ح ��ال الإطالق �ستة �ش ��روط» (� ،)2أما املالكية فيخ�صون ال�ش ��روط الفا�سدة بالتي تناق�ض
مقت�ضى العقد� ،أو تعود بخلل يف الثمن(� ،)3أو بالتي يكرث فيها الغرر� ،أو يوجد فيها الربا،
فبعدم ��ا ذك ��ر ابن ر�شد(� )4أق�سام ال�ش ��روط عند الإمام مالك ب�ي�ن �أن �ضابط الف�ساد يف
ال�ش ��روط يرجع «�إىل ك�ث�رة ما يت�ضمن ال�ش ��روط من �صنفي الف�ساد ال ��ذي يخل ب�صحة
البي ��وع وهم ��ا الرب ��ا والغرر ،و�إىل قلت ��ه ،و�إىل التو�سط ب�ي�ن ذلك»( .)5مما ي ��دل على �أن
ت�صحيحا لل�شروط»(.)6
ً الباق ��ي من ال�شروط على �أ�صل ال�صحة� ،أما احلنابلة فهم «�أكرث
مم ��ا ي ��دل على �أن الأ�صل عندهم يف ال�ش ��روط ال�صحة ،ولو كان الأ�ص ��ل الف�ساد ،لقلت
�شروطهم ال�صحيحة.
�-3أن احلنفية �أجازوا �شرط الرهن �أوالكفالة و�شرط الرهن �أو الكفيل يالئم العقد،
وم ��ن م�صلح ��ة العقد ،و�إن كان ال يقت�ضي ��ه العقد ،وا�ستدلوا على اجل ��واز باال�ستح�سان،
والقيا� ��س عنده ��م �أنه ال يج ��وز()7؛«لأن ال�ش ��رط الذي يخالف مقت�ض ��ى العقد مف�سد يف
((( انظر :منهاج الطالبني ،للنووي� ،ص ،97حتفة املحتاج ،للهيتمي ،297/4مغني املحتاج ،لل�شربيني.382/2
((( الو�سيط ،للغزايل.73/3
((( انظر :مواهب اجلليل ،للحطاب � ،373/4شرح خمت�صر خليل ،للخر�شي ،80/5منح اجلليل ،لعلي�ش.52/5
((( ه ��و حممد ب ��ن �أحمد بن ر�شد� ،أبو الوليد املالكي ،ول ��د �سنة 520ه ،عني بالفل�سفة ومبنط ��ق �أر�سطو ،كان متوا�ضعا،
منخف� ��ض اجلناح ،قيل عنه�:إنه ما ترك اال�شتغال مذ عقل �سوى ليلتني :ليلة موت �أبيه ،وليلة عر�سه� .أبرز م�صنفاته:
«بداية املجتهد ونهاية املقت�صد» ،تويف �سنة 595ه.انظر� :سري �أعالم النبالء ،للذهبي ،307/21الأعالم ،للزركلي .318/5
((( بداية املجتهد ،البن ر�شد .178/3
((( القواعد النورانية ،البن تيمية� ،ص.261
((( انظر :بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين ،171 /5الهداية يف �شرح البداية ،للمرغيناين .424/4
100
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
أي�ضا وا�ستدلوا على اجلواز باحلاجة()2؛ مما الأ�ص ��ل»( ،)1وال�شافعية �أجازوا ا�شرتاطهما � ً
يدل على �أن الأ�صل عند احلنفية وال�شافعية يف ال�شروط املنع ،و�إال ملا احتاجوا لال�ستدالل
�شرط ��ا �إذا كان الأ�صل عندهم يف ال�شروط ال�صحة باال�ستح�س ��ان �أو احلاجة لي�صححوا ً
ال�سيما �أن هذا ال�شرط يالئم العقد ومن م�صلحته.
وبع ��د هذا اال�ستقراء تب�ي�ن يل -واهلل �أعلم� -أن الفقهاء اختلفوا يف حكم الأ�صل يف
ال�شروط( )3على قولني:
القول الأول� :أن الأ�صل يف ال�شروط ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه .وهو مذهب
املالكية( ،)4واحلنابلة(.)5
الق ��ول الث ��اين� :أن الأ�ص ��ل يف ال�شروط الف�س ��اد �إال ما دل الدليل عل ��ى جوازه .وهو
مذهب احلنفية( ،)6وال�شافعية( ،)7والظاهرية(.)8
101
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( رواه البخ ��اري ،كت ��اب ال�شروط ،ب ��اب ال�شروط يف املهر عند عق ��دة النكاح ،برقم ،2721كتاب الن ��كاح ،باب الوفاء
بال�شروط يف النكاح ،برقم .1418
((( انظر :جمموع الفتاوى،البن تيمية .146/29
((( انظر :طرح الترثيب يف �شرح التقريب ،للعراقي � ،36/7إحكام الأحكام �شرح عمدة الأحكام ،البن دقيق العيد.174/2
((( �إحكام الأحكام �شرح عمدة الأحكام ،البن دقيق العيد.174/2
102
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
103
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث� :أن يف احلدي ��ث بيا ًنا لوجوب الوف ��اء بال�شروط �إال ما
حرمه ��ا ال�شرع؛ مما يدل على �أن �أ�صلها اجلواز« ،وامل�شرتط له �أن يوجب بال�شرط ما مل
حراما»(.)1 يكن واج ًبا بدونه ،فمق�صود ال�شروط وجوب ما مل يكن واج ًبا وال ً
نوق�ش :ب�أن هذا احلديث �ضعيف ،ال ي�صلح لالحتجاج به(.)2
الدلي ��ل الرابع� :أن ال�ش ��روط من باب الأفعال العادية ،والأ�صل فيها عدم التحرمي،
حراما مل تكن
في�ست�صحب عدم التحرمي فيها حتى يدل دليل على التحرمي ،و�إذا مل تكن ً
فا�سدة؛ لأن الف�ساد �إمنا ين� أش� من التحرمي ،و�إذا مل تكن فا�سدة كانت �صحيحة(.)3
�أدلة القول الثاين:
الدليل الأول :عن عمرو بن العا�ص� ،أن النبي×َ «:نهَى َعنْ َب ْي ٍع َو َ�ش� � ْر ٍط»رواه
الطرباين(.)4
وج ��ه الدالل ��ة من احلديث� :أن النبي × نهى ع ��ن اقرتان ال�شرط بالبيع ،والنهي
ي ��دل على ف�ساد املنهي عنه ،ف ��دل على ف�ساد ال�شروط املقرتنة بالعق ��د �إال ما دل الدليل
على جوازه(.)5
نوق�ش :ب�أن هذا احلديث �ضعيف ،ال ي�صلح لالحتجاج به(.)6
=للمزي ،138 ،115/24ميزان االعتدال ،للذهبي ،407 ،404/3تهذيب التهذيب ،البن حجر � ،422 ،414 /8سنن
الرتم ��ذي ،28/3بلوغ املرام ،البن حجر� ،ص ،260ال�سيل اجلرار ،لل�شوكاين� ،ص ،809التلخي�ص بحا�شية امل�ستدرك
للحاكم .113/4
((( جمموع الفتاوى ،البن تيمية .148/29
((( انظر تخريج احلديث.
((( انظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية ،150/29القواعد النورانية ،البن تيمية� ،ص.276
((( �سبق تخريجه �ص.80
((( انظر :بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين ،175/5احلاوي الكبري ،للماوردي.313/5
((( انظر :املبدع ،البن مفلح ،53/4بيان الوهم والإيهام ،البن القطان .527/3وانظر تخريج احلديث
104
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدليل الثاين :عن عائ�شة � أن النبي × ،قال�« :أَ َّما َب ْعدُ ،مَا َب ُال ر َِجالٍ َي ْ�شترَ ِ ُطو َن
وطا َل ْي َ�ستْ يِف ِك َت ِاب اللهَّ ِ ،مَا َكا َن مِ ْن َ�ش ْر ٍط َل ْي َ�س يِف ِك َت ِاب اللهَّ ِ َف ُه َو بَاطِ ٌلَ ،و ِ�إ ْن َكا َن مِ ا َئ َة ُ�ش ُر ً
نا ال َو َال ُء لمِ َ ْن �أَ ْع َت َق»متفق عليه(.)1 َ�ش ْر ٍطَ ،ق َ�ضا ُء اللهَّ ِ �أَ َح ُّقَ ،و َ�ش ْر ُط اللهَّ ِ �أَ ْو َث ُقَ ،و�إِ مَّ َ
وج ��ه الدالل ��ة من احلديث :دل احلديث عل ��ى �أن كل �شرط ا�شرتطه الإن�سان على
نف�س ��ه� ،أو له ��ا على غريه فهو باطل ،ال يلزم من التزم ��ه �أ�صال� ،إال �أن يكون يف كتاب اهلل
الأمر به �أو الن�ص على �إباحته(.)2
نوق� ��ش :ب�أن«معن ��ى كونه لي� ��س يف كتاب اهلل �أي يخالف كت ��اب اهلل ،فال يجب كونه
مذكو ًرا فيه ،بل يجب كونه غري خمالف لقواعد ال�شرع»( ،)3وقد ف�سره البخاري()4بذلك؛
فرتج ��م ل ��ه بباب «املكاتب وما ال يحل م ��ن ال�شروط التي تخالف كت ��اب اهلل تعاىل»؛ لأن
املراد بكتاب اهلل حكمه ،وكل ما مل يكن من ذلك فهو خمالف ملا يف كتاب اهلل(.)5
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن ال�شرط املقرتن بالعقد ي�ؤدي �إىل الربا؛ وذلك �أنه التزام منفعة
زائدة يف البيع ،وزيادة منفعة م�شروطة يف البيع ربا؛ لأنها زيادة عارية عن العو�ض(.)6
نوق�ش :بعدم الت�سليم �أن ال�شرط منفعة عارية عن العو�ض ،بل لكل �شرط مقابل من
أي�ضا هذا القول ي�ؤدي �إىل بطالن كل ال�شروط ،حتى تلك ال�شروط ونق�صا ،و� ً الثمن زيادة ً
التي اتفق العلماء على جوازها،كا�شرتاط �صفة يف املعقود عليه� ،أو ا�شرتاط توثيق الثمن
((( رواه البخ ��اري ،كت ��اب البيوع ،باب �إذا ا�شرتط ً
�شروطا يف البيع ال حت ��ل ،برقم ،2168وم�سلم ،كتاب العتق ،باب �إمنا
الوالء ملن �أعتق ،برقم.1504
((( انظر :الإحكام يف �أ�صول الأحكام ،البن حزم .13،31/5
((( في�ض الباري على �صحيح البخاري ،للديوبندي .40-39/4
((( ه ��و حمم ��د بن �إ�سماعيل بن �إبراهيم بن املغرية البخاري� ،أبو عبداهلل� ،أم�ي�ر امل�ؤمنني يف احلديث� ،أكرث من الرحلة
وطلب العلم ،و�صنف الت�صانيف النافعة ومنها�« :صحيح البخاري» ،و«الأدب املفرد» ،تويف �سنة 255هـ.انظر :تهذيب
الكمال ،للمزي � ،430/24سري �أعالم النبالء ،للذهبي .391/12
((( انظر :عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري ،للعيني .20/14
((( انظر :الهداية يف �شرح البداية ،للمرغيناين ،48/3العناية �شرح الهداية ،للبابرتي .442/6
105
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
106
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الف�صل الثالث
أدوات الهندسة المالية اإلسالمية
وفيه �ستة مباحث:
املبحث الأول
الحيل والمخارج الشرعية
�أه ��م غاي ��ات االقت�ص ��اد الإ�سالمي حتقي ��ق مقا�صد ال�شريع ��ة يف امل ��ال ،وامل�صارف
الإ�سالمي ��ة من �أهم و�سائل حتقيق االقت�صاد الإ�سالم ��ي ،ولتحقيق ذلك تبحث امل�صارف
الإ�سالمية يف هند�ستها املالية الإ�سالمية عن حلول �شرعية البتكار منتجات مالية �إ�سالمية،
�أو تطوير منتجاتها؛ للتو�سع يف خدمات التمويل ،وتقليل املخاطر �إىل �أق�صى درجة ممكنة؛
وللتو�ص ��ل لهذه احللول ال�شرعية ا�ستخدمت امل�صارف الإ�سالمية فقه احليل واملخارج ،بل
قيل�«:إنها نفخت فيه الروح بعد دهر من ال�سبات»( .)1وحلداثة جتربة امل�صارف الإ�سالمية،
ورغبته ��ا يف مناف�س ��ة البنوك الربوية ،واخللط ب�ي�ن احليل املمنوعة واملخ ��ارج امل�شروعة،
وع ��دم وجود اخللفي ��ة ال�شرعية �أحيا ًنا عند بع� ��ض املهند�سني املالي�ي�ن( ،)2واحلر�ص على
الرب ��ح دون �أي خماط ��ر ،جل�أت بع�ض امل�ص ��ارف الإ�سالمية عن ق�ص ��د �أو غري ق�صد �إىل
احلي ��ل املمنوعة ،فتو�صلت عن طريقها �إىل املحرمات بحجة �أنها خمارج �شرعية ،هذا مع
وج ��ود جهود م�شكورة للفقهاء املعا�صرين ،واملجامع الفقهية ،والهيئات ال�شرعية لتخلي�ص
امل�صارف الإ�سالمية من هذه احليل املمنوعة ،والبحث لها عن خمارج م�شروعة(� ،)3إال �أنه
107
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
لدق ��ة احليل وغمو�ضها ا�ضطربت فيها �أنظ ��ار النظار( ،)1ويف هذا املبحث درا�سة للحيل
بق�سميه ��ا ،احليل املمنوعة ،واملخارج امل�شروعة حتى ي�سهل-ب�إذن اهلل«-تنزيلها منازلها
و�إبداء الفروق بينها»(.)2
املطلب الأول :تعريف احليل واملخارج ال�شرعية
احلي ��ل يف اللغ ��ة :جمع حيل ��ة وتطلق على«احلذق وج ��ودة النظر والق ��درة على دقة
الت�صرف»(.)3
واملخ ��ارج يف اللغة :جمع خم ��رج ،وهو مو�ضع اخلروج ،ويراد ب ��ه النفاذ من ال�شيء
واخللو�ص منه(.)4
واحلي ��ل واملخارج يف اال�صط�ل�اح مبعنى واحد؛ قال اب ��ن جنيم«:واختلف م�شايخنا
رحمه ��م اهلل تعاىل يف التعبري عن ذلك؛ فاختار كثري التعبري بكتاب احليل ،واختار كثري
كتاب املخارج»( .)5مما يدل على ترادفهما يف املعنى� ،إال �أن ا�صطالح احليل ُغ ّلب �إطالقه
على اجلانب املمن ��وع منها ،واملخارج ُغ ّلب �إطالقها على اجلانب امل�شروع منها؛ قال ابن
تيمية عن احليل�«:صارت يف عرف الفقهاء �إذا �أطلقت ق�صد بها احليل التي ي�ستحل بها
املح ��ارم»( .)6وال�سبب يف ذلك نفور النا�س من م�صطلح احليل؛ قال ابن القيم«:ون�سميه
وجوه املخارج من امل�ضائق ،وال ن�سميه باحليل التي ينفر النا�س من ا�سمها»(.)7
108
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وعل ��ى ذلك جن ��د �أن تعريف احليلة يختلف عند العلم ��اء بح�سب الزاوية التي ينظر
منها العامل �إىل احليلة ،فاختلفت �أنظارهم �إىل ثالث اجتاهات:
االجت ��اه الأول :النظ ��ر �إىل احليلة م ��ن جانبها املمنوع ،ومن ذل ��ك تعريف احليل:
حمرما؛ خمادع� � ًة وتو�سلاً �إىل فعل م ��ا حرم اهلل،
مباحا يريد ب ��ه ًبـــ� �ـ«�أن ُيظه ��ر عق ��دً ا ً
وا�ستباحة حمظوراته� ،أو �إ�سقاط واجب� ،أو دفع حق ،ونحو ذلك»(.)1
االجت ��اه الث ��اين :النظر �إىل احليلة من جانبها امل�شروع(املخ ��ارج ال�شرعية) ،ومن
ذل ��ك تعري ��ف احليل :بــ«جمع حيلة وه ��ي احلذق وجودة النظر وامل ��راد بها هنا ما يكون
خمل�ص ��ا �شرع ًيا ملن ابتل ��ي بحادثة دينية ولكون املخل�ص من ذل ��ك ال يدرك �إال باحلذقً
وجودة النظر �أطلق عليه لفظ احليلة»(.)2
االجتاه الثالث :النظر �إىل احليلة من جانبيها املمنوع وامل�شروع ،ومن ذلك تعريف
احلي ��ل :بـــ«جم ��ع حيلة وهي ما يتو�صل به �إىل مق�صود بطريق خفي»(� ،)3أو تعريفها بقول
ال�شاطبي« :التحيل بوجه �سائغ م�شروع يف الظاهر �أو غري �سائغ على �إ�سقاط حكم �أو قلبه
�إىل حك ��م �آخر ،بحيث ال ي�سقط �أو ال ينقلب �إال مع تلك الوا�سطة ،فتفعل ليتو�صل بها �إىل
ذلك الغر�ض املق�صود ،مع العلم بكونها مل ت�شرع له»(.)4
وه ��ذا االخت�ل�اف يف تعريف احليل ��ة �أدى �إىل االختالف يف حكمه ��ا ،و�أف�ضل اجتاه
يف تعري ��ف احليل ��ة هو االجتاه الأخري ال ��ذي عرف احليلة بالنظ ��ر �إىل جانبيها امل�شروع
واملمنوع؛ فاحليلة ت�شتمل على احليل امل�شروعة �أو املخارج ال�شرعية ،وت�شتمل على احليل
املمنوعة ،والتعريف البد �أن يكون جام ًعا لهما.
109
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
110
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
التج ��ارة امل�شروعة( ،)1ثم قال«:وهذا النوع على اجلملة جائز؛ لأنه ما انتقل من حكم �إال
�إىل حكم ،وما فوت مق�صدً ا �إال وقد ح�صل مق�صدً ا �آخر»(.)2
م�شروعا هو
ً م�شروع ��ا على وجه ي�سلك به �أم ًرا
ً الن ��وع الث ��اين :احليلة التي تعطل �أم ًرا
�أخف عليه من املنتقل منه؛ كمن �أن�ش�أ �سف ًرا يف رم�ضان قا�صدًا الفطر؛ ل�شدة ال�صيام عليه
يف احل ��ر ،متنقلاً من ��ه �إىل ق�ضائه يف وقت �أرفق به( ،)3وقد ذكر الدكتور عي�سى اخللويف �أن
ه ��ذا النوع الثاين الذي ذكره ابن عا�شور لي�س من جن� ��س احليل الفقهية ،بل بابه الرخ�ص
م�شروعا ابتدا ًء( ،)4وهذا الكالم فيه نظر؛ لأن من �سلك �سبيلاً
ً ال�شرعية؛ لأنه �سلك �سبيلاً
م�شروعا �إىل حكم �آخر يعد متحايلاً على املق�صد بهذا ال�سبيل الذي ً م�شروع ��ا ليغري حك ًما
ً
�سلك ��ه ،ولعل ال�سبب ال ��ذي جعل الدكتور اخللويف يعد هذا النوع من قبيل الرخ�ص ال احليل
الفقهي ��ة� ،أن اب ��ن عا�شور ذك ��ر من �أمثلة هذا الن ��وع امل�سح على اخلفني ،فم ��ن م�سح انتقل
م ��ن حك ��م م�شروع �إىل حكم م�ش ��روع �أخف عليه( ،)5وهذا املث ��ال يف احلقيقة يدخل يف باب
الرخ� ��ص ال�شرعية ،ولي�س يف باب احليل الفقهية ،والفرق بني الرخ�ص ال�شرعية وبني هذا
النوع من احليل� ،أن الرخ�ص ال�شرعية فيها دليل من ال�شارع على جواز �سلوك هذه ال�سبيل
لالنتق ��ال من حكم �شرعي �إىل حكم �شرعي �أخف من ��ه� ،أما احليل الفقهية فال يوجد دليل
ين�ص على جواز �سلوك هذا ال�سبيل لتغيري احلكم الذي يريد االنتقال منه.
الق�س ��م الث ��اين :احلي ��ل املحرمة :ذكر ال�شاطبي �أن احلي ��ل الباطلة هي التي تهدم
�أ�ص�ًل اً �شرع ًي ��ا وتناق�ض م�صلح� � ًة �شرعي ًة مث ��ل حيل املنافق�ي�ن ،وحيل املرائ�ي�ن( ،)6ثم
111
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
قال«:ف�إنه غري م�أذون فيه؛ لكونه مف�سدة �أخروية ب�إطالق ،وامل�صالح واملفا�سد الأخروية
مقدم ��ة يف االعتبار عل ��ى امل�صالح واملفا�سد الدنيوية باتفاق؛ �إذ ال ي�صح اعتبار م�صلحة
دنيوي ��ة تخ ��ل مب�صالح الآخرة ،فمعلوم �أن ما يخل مب�صال ��ح الآخرة غري موافق ملق�صود
ال�شارع ،فكان باطال»(.)1
�أما ابن عا�شور فذكر نوعني من �أنواع احليل التي تدخل يف احليل املحرمة:
الن ��وع الأول :احليل ��ة التي تفوت مق�صدً ا �شرع ًي ��ا وال تعو�ضه مبق�صد �شرعي �آخر؛
مث ��ل من وهب ماله قب ��ل م�ضي احلول بيوم لئال يعطي زكاته ،وا�سرتجعه من املوهوب له
من غد( ،)2ثم قال«:وهذا النوع ال ينبغي ال�شك يف ذمه وبطالنه»(.)3
الن ��وع الث ��اين :احليلة التي ال تنايف مق�ص ��د ال�شارع �أو تعني على حت�صيل مق�صده،
لك ��ن فيها �إ�ضاعة حق لآخر �أو مف�سدة �أخرى؛ مثل تزوج املر�أة املبتوتة قا�صدً ا �أن يحللها
ملن بتها(« ،)4ف�إن فعله جار على ال�شرع يف الظاهر وخادم للمق�صد ال�شرعي من الرتغيب
زوجا غ�ي�ره� ،إال �أنه جرى لعن فاعله على يف املراجع ��ة ،ويف تواف ��ر ال�شرط وهو �أن تنكح ً
ل�سان ر�سول اهلل× »(.)5
الق�س ��م الثال ��ث :احليل املختلف فيها :ذكر ال�شاطب ��ي �أن احليل املختلف فيها هي
الت ��ي ال يتبني لل�شارع فيه ��ا مق�صد يتفق على �أنه مق�صود ل ��ه ،وال ظهر �أنها على خالف
امل�صلح ��ة التي و�ضعت له ��ا ال�شريعة ،وذكر �أنها حمل الإ�ش ��كال ،وفيها ا�ضطربت �أنظار
النظار(.)6
112
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوعا واحدً ا من �أنواع احلي ��ل املختلف فيها ،وهو التحيل يف �أم ��ا ابن عا�ش ��ور فذكر ً
�أعمال لي�ست م�شتملة على معان عظيمة مق�صودة لل�شارع ،ويف التحيل فيها حتقيق ملماثل
مق�ص ��د ال�ش ��ارع من تل ��ك الأعمال ،مثل التحي ��ل يف الأميان التي ال يتعل ��ق بها حق للغري
كمن حلف �أال يلب�س ثو ًبا ،ف�إن الرب بيمينه هو احلكم ال�شرعي ،واملق�صد هو تعظيم ا�سم
اهلل ،فيتحي ��ل على ه ��ذا اليمني بوجه ي�شبه الرب فيح�صل مق�صود ال�شارع من تهيب ا�سم
اهلل( ،)1ث ��م قال«:وللعلم ��اء يف ه ��ذا النوع جمال من االجته ��اد؛ ولذلك كرث اخلالف بني
العلماء يف �صوره وفروعه»(.)2
ه ��ذه هي �أق�سام احليل بالنظر �إىل املق�صد ال ��ذي حتققه ،ذكر ال�شاطبي لها ثالثة
�أق�س ��ام ،وذكر ابن عا�ش ��ور خم�سة �أنواع ،كله ��ا تعود �إىل هذه الأق�س ��ام الثالثة ،فنوعان
يدخالن يف الق�سم الأول ،ونوعان يف الق�سم الثاين ،ونوع يف الق�سم الثالث.
االجتاه الثاين� :أق�سام احليل باعتبار املق�صد والو�سيلة.
وهذا االجتاه �سار عليه ابن تيمية وابن القيم( ،)3فاحليل عندهم تنق�سم ق�سمني:
الق�سم الأول :حيل مق�صدها �شرعي ،ويق�سم هذا الق�سم باعتبار الو�سائل املف�ضية
�إليه ثالثة �أنواع:
م�شروعا؛ مثل من كان له حق
ً النوع الأول� :أن تكون الو�سيلة حمرمة ،واملق�صود بها
عن ��د �آخر ،فيجحده ،فيقيم �شاهدي زور ليتو�صل حلقه( ،)4وقد ر�أى ابن القيم �أن فاعله
ي�أث ��م عل ��ى الو�سيلة دون املق�ص ��د(� ،)5أما ابن تيمية فريى �أن ذلك حم ��رم كله؛ لأنه �إمنا
113
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يتو�ص ��ل �إليه بكذب منه( .)1وهذا النوع حمل خ�ل�اف بني الفقهاء؛ وذلك بالنظر ملف�سدة
الو�سيلة املحرمة مقابل م�صلحة املق�صد امل�شروع ،ومنه م�س�ألة الظفر باحلق فقد منعها
قوم ،و�أجازها �آخرون ،و�أجازها ابن القيم �إذا كان �سبب احلق فيها ظاه ًرا(.)2
م�شروعا«،وهذه هي ً الن ��وع الث ��اين� :أن تك ��ون الو�سيل ��ة م�شروع ��ة ،واملق�ص ��ود به ��ا
الأ�سباب التي ن�صبها ال�شارع مف�ضية �إىل م�سبباتها،كالبيع والإجارة وامل�ساقاة واملزارعة
والوكالة»(.)3
وهذا النوع ال يعد من احليل عند الفقهاء ،لأن احليل فيها مهارة وحذق للتو�صل �إىل
املق�ص ��ود بالأ�سباب اخلفي ��ة( .)4فالبيع والإجارة �أ�سباب ظاه ��رة للو�صول ملق�صود امللك
امل�شروع.
الن ��وع الثالث� :أن تكون الو�سيل ��ة م�شروعة ،لكنها مل تو�ضع لهذا املق�صد ،فيتخذها
املتحيل و�سيلة �إىل هذا املق�صد امل�شروع« ،فهي يف الفعال كالتعري�ض اجلائز يف املقال»(.)5
وه ��ذا الن ��وع جائز عند الفقهاء ،ويعد م ��ن املخارج ال�شرعي ��ة؛ فالو�سيلة م�شروعة،
م�شروعا(.)6
ً واملق�صود
الق�س ��م الثاين:حيل مق�ص ��دها غري �ش ��رعي ،ويق�سم هذا الق�س ��م باعتبار الو�سائل
املف�ضية �إليه ثالثة �أنواع:
حمرما؛ كالبائ ��ع �إذا �أراد
ً الن ��وع الأول� :أن تك ��ون الو�سيل ��ة حمرمة ،واملق�ص ��ود بها
114
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ف�س ��خ البيع ،فيحتال على ذلك �أنه كان حمجو ًرا علي ��ه وقت العقد( .)1وهذا النوع حمرم
باالتفاق(.)2
حمرم ��ا ،كال�سفر لقطع
ً الن ��وع الث ��اين� :أن تك ��ون الو�سيلة مباح ��ة ،واملق�ص ��ود بها
الطريق(.)3
وه ��ذا النوع حمرم �سدً ا للذريعة ،وال يع ��د عند الفقهاء من احليل الفقهية؛ فاحليلة
فيه ��ا مهارة وحذق وخفاء لتغي�ي�ر الأحكام� ،أما هذه الو�سيلة فلي� ��س فيها مق�صد لتغيري
حكم ،وهي ظاهرة للتو�صل للمق�صود املحرم ،ولي�س فيها �أي خفاء.
الن ��وع الثال ��ث� :أن تكون الو�سيلة مل تو�ضع للإف�ض ��اء �إىل املحرم ،فيتخذها املتحيل
طري ًقا �إىل احلرام ،كمن ينكح امر�أة ليحللها لزوجها الأول بعد التطليقة الثالثة(.)4
و�أك�ث�ر كالم الفقه ��اء ع ��ن احلي ��ل �إمن ��ا يق�ص ��دون به ه ��ذا الن ��وع منها؛ ق ��ال ابن
تيمية«:وه ��ذا الق�سم ه ��و الذي كرث فيه ت�صرف املحتالني مم ��ن ينت�سب �إىل الفتوى وهو
�أك�ث�ر ما ق�صدنا ال ��كالم فيه»( .)5وقال ابن القيم«:وهذا مع�ت�رك الكالم يف هذا الباب،
وهو الذي ق�صدنا الكالم فيه بالق�صد الأول»(.)6
ه ��ذه هي �أق�سام احليل بالنظ ��ر �إىل املق�صد والو�سيلة ،فهي تنق�سم ق�سمني باعتبار
مق�صدها ،ثم يتفرع كل ق�سم �إىل ثالثة �أنواع باعتبار الو�سيلة املو�صلة �إىل ذلك املق�صد،
ومنها ما ال يدخل يف مفهوم احليل عند الفقهاء كما �سبق بيانه.
انظر :الفتاوى الكربى ،البن تيمية � ،109-108/6إعالم املوقعني ،البن القيم.259/3 (((
انظر :الفتاوى الكربى ،البن تيمية .108/6 (((
انظر :الفتاوى الكربى ،البن تيمية � ،109/6إعالم املوقعني ،البن القيم .260-259/3 (((
انظر :الفتاوى الكربى ،البن تيمية � ،110/6إعالم املوقعني ،البن القيم .260/3 (((
الفتاوى الكربى ،البن تيمية .110/6 (((
�إعالم املوقعني ،البن القيم .260/3 (((
115
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وميكن �أن ن�ستخل�ص من هذا التق�سيم للحيلة� ،أن احليل تنق�سم ثالثة �أق�سام:
م�شروعا.
ً الق�سم الأول:حيل جائزة ،وهي ما كانت و�سيلتها م�شروعة واملق�صد منها
حمرما.
ً الق�سم الثاين:حيل حمرمة ،وهي ما كانت و�سيلتها حمرمة ،واملق�صد منها
الق�سم الثالث:حيل حمتلف فيها ،وتنق�سم �إىل نوعني:
م�شروعا.
ً النوع الأول:حيل و�سيلتها ممنوعة ،واملق�صد منها
الن ��وع الثاين:حيل و�سيلتها م�شروعة ،واملق�ص ��د منها تغيري احلكم ال�شرعي .وهذا
النوع هو الذي اختلف فيه الفقهاء كث ًريا.
املطلب الثالث :حكم احليل.
اختلف الفقهاء يف حكم الق�سم الثالث من �أق�سام احليل الذي �سبق ذكره على قولني:
القول الأول :حترمي احليل .وهو قول املالكية( ،)1واحلنابلة(.)2
القول الثاين :جواز احليل .وهو قول احلنفية( ،)3وال�شافعية( ،)4والظاهرية(.)5
و�سب ��ب االخت�ل�اف بينه ��م «اختالفه ��م ه ��ل املعت�ب�ر يف �صي ��غ العق ��ود �ألفاظه ��ا �أو
معانيها؟»(.)6
�أدلة القول الأول:
الدلي ��ل الأول :قول اهلل تعاىل :ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ
116
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ (.)1
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآي ��ات� :أن �أهل القري ��ة «احتالوا على انته ��اك حمارم اهلل مبا
تعاط ��وا من الأ�سباب الظاهرة التي معناها يف الباطن تعاطي احلرام»( ،)2ف�أخذهم اهلل
بالعذاب وم�سخهم �إىل قردة؛ مما يدل على حرمة التحايل على �أحكام اهلل(.)3
الدليل الثاين :قول اهلل تعاىل :ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ (.)4
وج ��ه الداللة من الآي ��ة� :أن املنافقني«حتيلوا مبالب�سة الدين و�أهله �إىل �أغرا�ضهم
الفا�س ��دة»()5؛ فذمهم اهلل على هذه املخادعة ،فاحليل مذمومة؛ لأنها خمادعة هلل ،قال
�أيوب ال�سختياين(« :)6يخادعون اهلل ك�أمنا يخادعون �آدم ًيا ،لو �أتوا الأمر عيا ًنا كان �أهون
علي»(.)7
يناق� ��ش :بالفرق بني حي ��ل املنافقني ،وحيل الفقهاء؛ فمق�ص ��د املنافقني يف حيلهم
الف ��رار من الدي ��ن ،وخمادعة اهلل والذين �آمن ��وا� ،أما الفقهاء ك�أب ��ي حنيفة وحممد بن
احل�س ��ن فمق�صدهم البحث ع ��ن خمارج �شرعي ��ة للم�ضايق التي يبتلى به ��ا النا�س ،وال
117
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ي�صح �أن يو�صفوا ب�أنهم يخادعون اهلل ك�أمنا يخادعون �آدم ًيا.
الدليل الثالث :قول اهلل تعاىل :ﮋﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﮊ (.)1
وج ��ه الدالل ��ة من الآية� :أن �أ�صحاب اجلنة مل ��ا �أرادوا االحتيال على حق امل�ساكني،
عاقبهم اهلل ب�إهالك مالهم؛ مما يدل على حترمي احليل امل�سقطة للحقوق(.)2
الدلي ��ل الراب ��ع :ع ��ن جابر بن عبد اهلل ر�ضي اهلل عنهما� ،أَ َّن� �هُ�َ :س ِم َع َر ُ�س َول اللهَّ ِ ×،
خل ْن ِزي ِر َوالأَ ْ�ص َنا ِم»، َي ُق ُول َع َام ال َفت ِْح َوهُ َو بمِ َ َّك َة�« :إِ َّن اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َح َّر َم َب ْي َع ا َ
خل ْم ِرَ ،وامل َ ْي َت ِة َوا ِ
جل ُلودُ، ال�س ُفنُ َ ،و ُيدْهَ ��نُ ِب َها ا ُ �ول اللهَّ ِ � َ ،أ َر أَ� ْيتَ ُ�ش ُح � َ
�وم ا َمل ْي َت ِةَ ،ف ِ�إ َّن َها ُي ْط َل ��ى ِب َها ُّ َف ِقي � َ�لَ :يا َر ُ�س � َ
ا�س؟ َف َق َالَ « :الُ ،ه َو َح َرامٌ»ُ ،ث َّم َق َال َر ُ�س ُول اللهَّ ِ × ِع ْندَ َذ ِل َكَ « :قا َت َل اللهَّ ُ َو َي ْ�س َت ْ�ص ِب � ُ�ح ِب َها ال َّن ُ
ال َيهُو َد �إِ َّن اللهَّ َ لمَ َّا َح َّر َم ُ�ش ُحو َمهَا َج َم ُلوهُُ ،ث َّم َباعُوهَُ ،ف أَ� َك ُلوا َث َم َن ُه» متفق عليه(.)3
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلديث� :أن اليه ��ود ملا حرم اهلل عليهم �شح ��وم امليتة ،حتايلوا
عل ��ى ذلك ب�إذابة ال�شحوم ،ثم �أكل ��وا ثمنها ،فلعنهم اهلل على هذه احليلة( ،)4و«فيه دليل
على بطالن كل حيلة حتتال للتو�صيل �إىل حمرم ،و�أنه ال يتغري حكمه بتغري هيئته وتبديل
ا�سمه»(.)5
ال�ص َد َق ِة ا َّل ِتي َف َر َ�ض
ي�ض َة َّ الدلي ��ل اخلام� ��س :عن �أن�س � :أَنَّ �أَ َبا َب ْك ٍرَ ،كت ََب َل� � ُه َف ِر َ
ال�ص� � َد َقةِ» رواه م َتمِ ٍعَ ،خ ْ�ش� � َي َة َّ ي جُ ْ ول اللهَّ ِ ×َ « :و َال ُي ْج َم ُع َب نْ َ
ي ُم َت َف ِّرقٍ َ ،و َال ُي َف َّر ُق َب نْ َ َر ُ�س ُ
البخاري(.)6
((( �سورة القلم ،الآية .17
((( انظر :تذكرة الأريب يف تف�سري الغريب ،البن اجلوزي� ،ص.410
((( رواه البخ ��اري ،كتاب البي ��وع ،باب بيع امليتة والأ�صنام ،برقم ،2236وم�سلم ،كت ��اب امل�ساقاة واملزارعة ،باب حترمي
اخلمر وامليتة واخلنزير والأ�صنام ،برقم .1581
((( انظر� :شرح الزرقاين على موط�أ مالك .491/4
((( حتفة الأحوذي ،للمباركفوري .435/4
((( كتاب احليل ،باب يف الزكاة و�أال يفرق بني جمتمع وال يجمع بني متفرق خ�شية ال�صدقة ،برقم.6955
118
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث :يف احلديث داللة على النهي عن اتخ ��اذ احليلة التي
تنق� ��ص الزكاة �أو ت�سقطها( ،)1قال ابن بطال« :ق ��ال املهلب( :)2و�إمنا ق�صد البخارى فى
هذا الباب �أن يعرفك �أن كل حيلة يتحيل بها �أحد فى �إ�سقاط الزكاة ،ف�إن �إثم ذلك عليه؛
لأن النب ��ى × ملا منع من جمع الغن ��م �أو تفريقها خ�شية ال�صدقة؛ فهم منه هذا املعنى،
وفه ��م من قوله�( :أفل ��ح �إن �صدق)(� )3أنه من رام �أن ينق�ص �شي ًئا من فرائ�ض اهلل بحيلة
يحتالها �أنه ال يفلح»(.)4
الدلي ��ل ال�س ��اد�س� :أن اهلل �أوج ��ب الواجب ��ات ،وح ��رم املحرم ��ات؛ لتحقي ��ق حكم،
وم�صال ��ح ،ولدفع مفا�سد ،ويف التحايل على �إ�سقاط الواجب ��ات� ،أو فعل املحرمات تزول
احلكم ،وامل�صالح ،ويقع الف�ساد يف الأر�ض(.)5
�أدلة القول الثاين:
الدليل الأول :قول اهلل تعاىل :ﮋﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ (.)6
خمرجا ،وال ريب �أن
ً وجه الداللة من الآية :بني اهلل تعاىل �أن من يتق اهلل يجعل له
هذه احليل خمارج مما �ضاق على النا�س(.)7
119
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوق� ��ش� :أن ه ��ذه الآي ��ة ال عالقة لها باحلي ��ل()1؛ فالآية تدل عل ��ى �أن اهلل َي ْج َعل ملن
يتقي ��ه مخَ ْ َرج ًا مما هو فيه من الغموم والوقوع يف امل�ضاي ��ق ،ويفرج عنه وينف�س ويعطيه
اخلال� ��ص َو َي ْر ُزق ُه من وجه ال يخطره بباله وال يحت�سب ��ه(� ،)2أما احليل فهي بحث الفقيه
ع ��ن خمرج ملن وقع يف �ضيق ،ولي�س من التقوى التحاي ��ل على �إ�سقاط الواجبات� ،أو فعل
املحرمات ،بحجة �إخراج النا�س من ال�ضيق ،بل قد يكون التحايل على الأحكام ال�شرعية
�سب ًبا يف الوقوع يف امل�ضايق.
الدليل الثاين :قول اهلل تعاىل :ﮋﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ (.)3
الي ��ة� :أن �أيوب ڠ �أق�سم لي�ضربن زوجته مئة �ضربة ،ف�أمره وج ��ه الدالل ��ة من آ
اهلل �أن ي أ�خ ��ذ حزمة من ح�شي�ش في�ضربها �ضربة واحدة ،وتلك و�سيلة �شرعها اهلل لنبيه
ليتحلل عن ميينه ،وفيها داللة على جواز احليل(.)4
�شرعا لنا ،وعلى فر�ض الت�سليم ب�أنه �شرع لنا ف�إن نوق� ��ش :ب�أن �شرع م ��ن قبلنا لي�س ً
عاما مل يكن يف اقت�صا�ص ��ه علينا كبري عربة؛ ويدل ه ��ذا احلكم خا� ��ص ب�أيوب؛ فلو كان ً
عل ��ى االخت�صا�ص قوله تعاىل :ﮋﭤ ﭥ ﭦ ﮊ ،وهذه اجلملة خرجت خمرج التعليل؛
فعلم �أن اهلل � ۵إمنا �أفتاه بهذا جزاء له على �صربه(.)5
ول الدلي ��ل الثال ��ث :عن �أبي �سعيد اخلدري ،و�أبي هري ��رة ر�ضي اهلل عنهما� :أَنَّ َر ُ�س َ
�ول اللهَّ ِ ×�« :أَ ُك ُّل اللهَّ ِ × ْ
ا�س َت ْع َم � َ�ل َر ُج�ًل�ااً َع َلى َخ ْي�َب�ررَ َ َ ،ف َجا َء ُه ِب َت ْم ٍر َج ِني � ٍ�بَ ،ف َق َال َر ُ�س � ُ
ول اللهَّ ِ إِ� َّنا َل َن�أْ ُخ ُذ َّ
ال�صا َع ِم ��نْ َه َذا ِب َّ
ال�ص َاعينْ ِ ، تمَ ْ � � ِر َخ ْي�َب�رَ َ َه َك� � َذا؟»َ ،ق َالَ :ال َواللهَّ ِ َي ��ا َر ُ�س َ
120
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
121
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وج ��ه الدالل ��ة من احلديث� :أن ال�ضرب بالعثكال لي�س هو احلد الواجب يف الأ�صل؛
بدليل قوله × قبل �أن ير�شدهم �إىل هذاْ :
«اج ِلدُو ُه َ�ض ْر َب مِ ا َئ ِة َ�س ْو ٍط» ،وهذه الوا�سطة
حيلة للتو�صل �إىل �إ�سقاط احلد يف حق مثل هذا الرجل ،وفيها داللة على جواز احليل(.)1
نوق�ش :ب�أن احلديث �ضعيف ال ي�صح االحتجاج به( ،)2وعلى فر�ض �صحته فاحلديث
لي� ��س من احليل ،ومل ي�سق ��ط النبي × احلد ،بل �أمر بجلده مئة �س ��وط ،فلما �أُخرب �أنه
مري� ��ض� ،أمر بجلده بعثكال فيه مئة �شمراخ �ضربة واحدة ،فاحلديث بيان حلد املري�ض،
إ�سقاطا للح ��د؛ قال ابن قدامة« :املري� ��ض الذي ال يرجى بر�ؤه ،فه ��ذا يقام عليه ولي� ��س � ً
احلد يف احلال وال ي�ؤخر ،ب�سوط ي�ؤمن معه التلف؛ كالق�ضيب ال�صغري ،و�شمراخ النخل،
ف� ��إن خيف عليه م ��ن ذلك ،جمع �ضغث فيه مئ ��ة �شمراخ ،ف�ضرب به �ضرب ��ة واحدة»(،)3
ولي�س يف احلديث داللة على جواز احليل.
الدلي ��ل اخلام� ��س� :أن النا�س لي�س لهم �إال احلكم بالظاه ��ر ،و�أما املقا�صد والنيات
فحكمه ��ا �إىل اهلل ،ولو �أوقفت ال�شريعة �صحة العق ��ود �إىل �أن ينقطع كل احتمال خمالف
للظاه ��ر ،لتعطلت معظم املعامالت ،ولعادت على النا�س �أ�ضعاف املفا�سد التي ميكن �أن
تعود عليهم جراء االحتماالت املحجوبة عن الظاهر( ،)4قال ال�شافعي«:ولو كان لأحد من
اخلل ��ق �أن يحك ��م على خالف الظاهر ما كان ذلك لأحد �إال لر�سول اهلل × مبا ي�أتيه به
الوحي ومبا جعل اهلل تعاىل فيه مما مل يجعل يف غريه من التوفيق ،ف�إذا كان ر�سول اهلل
=اختل ��ف يف �إ�سن ��اد هذا احلديث ،وال�ص ��واب فيه �أنه من رواية �أبي �أمامة عن النب ��ي �صلى اهلل عليه و�سلم مر�سلاً .
انظر:العلل ،للدارقطني ،277-276/12ال�سنن الكربى ،للبيهقي .401/8
((( انظر� :ضوابط امل�صلحة ،للبوطي� ،ص.321
((( انظر تخريج احلديث.
((( املغني ،البن قدامة .48/9
((( انظر� :ضوابط امل�صلحة ،للبوطي� ،ص.310
122
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
× مل يتول �أن يق�ضي �إال على الظاهر ،والباطن ي�أتيه وهو يعرف من الدالئل بتوفيق اهلل
�إياه ما ال يعرف غريه فغريه �أوىل �أن ال يحكم �إال على الظاهر»(.)1
يناق� ��ش :ب� ��أن من ��ع احليل ال يعني �إف�س ��اد العقود التي ظهرت �صحته ��ا ،بل ال يف�سد
منه ��ا �إال م ��ا كان ظاه ��ر الف�س ��اد� ،أو كان املق�صد الفا�س ��د فيها ظاه ًرا قب ��ل التقاب�ض،
�أم ��ا بعد التقاب�ض فل ��و تبني �أن املعاملة ربوي ��ة ،و�أن املتعامل بها مم ��ن يبيح احليل ،فال
ُتنق� ��ض ،ق ��ال ابن تيمي ��ة « :كل عقد اعتقد امل�سل ��م �صحته بت�أويل من اجته ��اد �أو تقرير،
مث ��ل املعامالت الربوي ��ة التي يبيحها جموزو احلي ��ل ،ومثل بيع النبي ��ذ املتنازع فيه عند
م ��ن يعتقد �صحته ،ومثل بيوع الغ ��رر املنهي عنها عند من يجوز بع�ضها ،ف�إن هذه العقود
�إذا ح�ص ��ل فيه ��ا التقاب�ض مع اعتق ��اد ال�صحة مل ُتنق�ض بعد ذل ��ك ،ال بحكم وال برجوع
ع ��ن ذلك االجته ��اد»( .)2ومعاملة النا�س على الظاهر ال يعني جواز ما �أخفوا يف الباطن،
فالنب ��ي × قب ��ل من املنافق�ي�ن ظواهرهم مع �أنه ��م يرتكبون كف� � ًرا يف بواطنهم ،ومنع
احلي ��ل عن امل�سلم لك ��ي يتوافق ظاهره مع باطن ��ه ،وجوازها ي�ساعد عل ��ى التناق�ض بني
الظاهر والباطن.
الرتجيح:
بع ��د عر�ض القولني و�أدلة كل ق ��ول ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة تبني يل-
واهلل �أعلم� -أن الراجح هو القول الأول ،القائل بتحرمي احليل؛ وذلك لقوة �أدلته ،و�ضعف
�أدل ��ة القول الث ��اين �أمام املناق�شة الت ��ي وردت عليها ،ومع �أن الأ�ص ��ل يف احليل املنع� ،إال
�أن ��ه �إذا كان يف احليل ��ة حتقيق م�صلحة �أكرب من مف�س ��دة احليلة فتجوز يف هذه احلالة
تغلي ًب ��ا جلانب امل�صلحة ،وهذا الذي ُيفهم من كالم ال�شاطبي وابن عا�شور يف احليل� ،أن
123
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الأ�صل فيها عندهم البطالن �إال �إذا كان فيها حتقيق م�صلحة مق�صودة لل�شارع �أكرب من
مف�س ��دة احليلة( ،)1وهذا م ��ا ُيفهم من الأمثلة التطبيقية للحيل اجلائزة عند ابن القيم،
فف ��ي الق ��راءة يف احليل التي �أجازها ابن القيم جند �أن ��ه �أجاز حيلاً لنوعي ق�سم احليل
املختلف فيها ،و�أذكر اً
مثال لكل نوع:
الن ��وع الأول:حي ��ل و�سيلته ��ا ممنوعة ،واملق�صد منه ��ا م�شروع ،قال اب ��ن القيم يف
م�س�أل ��ة الظفر باحلق بعد ذكر القولني فيها ،املن ��ع ،واجلواز« :وتو�سط �آخرون وقالوا�:إن
كان �سب ��ب احلق ظاه ًرا كالزوجية والأبوة والبنوة ومل ��ك اليمني املوجب للإنفاق فله �أن
ي�أخذ قدر حقه من غري �إعالمه...وهذا �أعدل الأقوال يف امل�س�ألة ،وعليه تدل ال�سنة داللة
�صريحة ،والقائلون به �أ�سعد»(.)2
النوع الثاين:حيل و�سيلتها م�شروعة ،واملق�صد منها تغيري احلكم ال�شرعي ،قال ابن
القي ��م يف حيلة التحليل من الطالق بعد الث�ل�اث�« :إذا وقع الطالق الثالث باملر�أة ،وكان
دينها ودين وليها وزوجها املطلق �أعز عليهم من التعر�ض للعنة اهلل ومقته بالتحليل الذي
ال يحله ��ا ،وال يطيبها بل يزيده ��ا خب ًثا فلو �أنها �أخرجت من ماله ��ا ثمن مملوك فوهبته
لبع� ��ض من تثق به فا�شرتى ب ��ه مملو ًكا ثم خطبها على مملوك ��ه فزوجها منه فدخل بها
اململوك ثم وهبها �إياه انف�سخ النكاح ،ومل يكن هناك حتليل م�شروط ،وال منوي ممن ت�ؤثر
نيته و�شرطه ،وهو الزوج»(.)3
فابن القيم مع ت�شديده النكري على املجيزين للحيل �إال �أنه �أجاز احليلة يف املثالني
ال�سابق�ي�ن ،وال يوج ��د ت�أويل له �إال �أن ��ه ر�أى يف احليلة حتقيق م�صلح ��ة مق�صودة لل�شارع
�أعظم من مف�سدة احليلة.
((( انظر :املوافقات ،لل�شاطبي ،123-109/3مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،البن عا�شور� ،ص.359-355
((( �إعالم املوقعني ،البن القيم .21/4
((( املرجع ال�سابق .36/4
124
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
125
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
حت ��رمي حالل ،وال حتليل حرام»( .)1وقد ذكر ابن القيم من هذه احليل اجلائزة مئة
و�ستة ع�شر مثال(.)2
املطلب اخلام�س :احليل والهند�سة املالية الإ�سالمية
احلي ��ل هي �أكرث الأدوات الت ��ي ت�ستخدمها امل�صارف الإ�سالمية يف هند�ستها للعقود
حتى ل ُيخيل للناظر �أن عمل بع�ض اجلهات اال�ست�شارية للبنوك هو �صناعة احليل الفقهية
الت ��ي تنمي �أعم ��ال البنوك()3؛ حتى ق ��ال �أحدهم«:على من ين�شئ م�صر ًف ��ا �إ�سالم ًيا �أن
يطب ��ع مناذج خم�صو�ص ��ة للقرو�ض ،ومناذج �أخ ��رى للحيلة ال�شرعية ،حت ��ى يكون عقد
القر� ��ض خال ًي ��ا م ��ن ذكر املنفع ��ة ،وهو �أمر �سه ��ل ج ��دً ا»( .)4و ُيعرب بع�ضه ��م عن احليل
وتدلي�سا عليهم ،فا�سم املخ ��ارج ال�شرعية
ً الفقهي ��ة باملخارج ال�شرعي ��ة تغري ًرا بالنا� ��س
�أق ��رب للقلوب من ا�سم احلي ��ل()5؛ مما نتج عن هذه املعامالت التي بنيت على احليل �أن
قرب ��ت بني البنوك الربوية وامل�صارف الإ�سالمي ��ة يف حقيقة الأمر( ،)6والذي ينبغي على
امل�صارف الإ�سالمية �أن تبتعد كل البعد عن احليل الفقهية املحرمة؛ وذلك لتحافظ على
�أمانته ��ا و�سمعتها؛ فالنا�س مل يتعامل ��وا معها �إال للظفر باملعامالت ال�شرعية التي تر�ضي
اهلل عنه ��م ،و�أكرثه ��م يثق بهذه امل�ص ��ارف وبهيئاتها ،وال ي�س�ألون ع ��ن حكم املعاملة �إذا
�ص ��درت من امل�صارف الإ�سالمية ثق� � ًة بها( ،)7وهم يف�ضلون امل�ص ��ارف الإ�سالمية على
غريها من البنوك حتى لو كانت خدماتها �أقل جودة؛ لأجل ان�ضباط معامالتها ب�ضوابط
�إعالم املوقعني ،البن القيم .17/4 (((
املرجع ال�سابق .37/4-261/3 (((
انظر :التطبيقات امل�صرفية لبيع املرابحة ،لعطية فيا�ض� ،ص.188 (((
اجلامع يف �أ�صول الربا ،لرفيق امل�صري� ،ص.179 (((
انظر :احليل الفقهية يف املعامالت ،لعي�سى اخللويف� ،ص.329 (((
انظر :بحوث يف امل�صارف الإ�سالمية ،لرفيق امل�صري� ،ص.12 (((
انظر:جتربة البنوك التجارية ال�سعودية يف بيع املرابحة ،لعبدالرحمن احلامد� ،ص.446 (((
126
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�شريعة( ،)1ف�إذا فوجئوا �أن املعاملة مل تكن �شرعية ،و�أنه ال فرق بني معامالت امل�صارف
الإ�سالمية والبنوك التقليدية؛ ف�ستخ�سر امل�صارف الإ�سالمية �سمعتها وعمالءها ،وهذا
يخل باملقا�صد التي لأجلها �أن�شئت امل�صارف الإ�سالمية(.)2
و�إذا �أرادت امل�ص ��ارف الإ�سالمي ��ة احلي ��ل اجلائ ��زة �أو املخ ��ارج ال�شرعي ��ة فينبغي
عليه ��ا �أن تراع ��ي ال�ضوابط التي ت�ضبطه ��ا ،وعليها �أن جتعل احلك ��م يف املعامالت التي
متت هند�سته ��ا للعلماء ال�شرعيني �أو املجامع الفقهية� ،أو الهيئات ال�شرعية التي ال ت�أثري
للم�صرف عليها ،وال تكتفي بر�أي املهند�سني املاليني �أو غريهم من االقت�صاديني� ،إذا مل
يكون ��وا من �أه ��ل االجتهاد ،وكل ذلك ي�صب يف م�صلحة امل�ص ��ارف الإ�سالمية ،ويحافظ
على �شرعيتها ،ويحميها من الوقوع يف الأزمات املالية التي وقعت فيها البنوك التقليدية؛
يق ��ول الدكت ��ور رفيق امل�ص ��ري�«:إن بع� ��ض الباحثني الذي ��ن يو�صفون ب�أنه ��م باحثون يف
االقت�صاد الإ�سالمي كتبوا قبل الأزمة مطالبني ب�إباحة امل�شتقات املالية وبيع الديون ،ولو
بطريق احليل ،ثم ما لبثت الأزمة �أن وقعت ،وتبني �أن امل�شتقات والديون كانتا من �أعظم
�أ�سباب وقوعها ،فهل ي�ؤمتن ه�ؤالء الباحثون و�أمثالهم على �إيجاد اقت�صاد �إ�سالمي �سليم
وفقه مايل �صحيح»(.)3
127
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثاين
الرخص الشرعية
م ��ن �أبرز خ�صائ�ص الت�شري ��ع الإ�سالمي �أنه دين ال�سهول ��ة والي�سر وال�سماحة؛ قال
ال�س� � ْم َح ُة» النب ��ي ×�«:إِ َّن ال ِّدي � َ�ن ُي ْ�س� � ٌر» ،وق ��ال ×�« :أَ َح � ُّ�ب ال ِّدي � ِ�ن �إِلىَ اللهَّ ِ ا َ
حلنِي ِف َّي ُة َّ
رواهما البخاري( ،)1ومن الي�سر وال�سماحة يف الدين الإ�سالمي �أن اهلل يخفف عن عباده
عند مظنة امل�شقة العار�ضة على املكلف( ،)2فالأحكام التي ين�ش�أ عن تطبيقها م�شقة على
املكل ��ف يف نف�س ��ه �أو مال ��ه ،ف�إن ال�شريعة ترخ� ��ص له وتخفف عنه مب ��ا يقع حتت قدرته
دون ع�س ��ر �أو �إحراج( ،)3وجميع هذه الرخ�ص ال�شريع ��ة وتخفيفاتها متفرعة عن قاعدة
«امل�شق ��ة جتلب التي�سري»()4؛ «قال العلماء :يتخرج على هذه القاعدة جميع رخ�ص ال�شرع
وتخفيفاته»(.)5
وقاع ��دة «امل�شقة جتلب التي�سري» م ��ن القواعد الكربى التي ترتك ��ز عليها ال�شريعة
الإ�سالمي ��ة ،ف�ل�ا غرابة بع ��د ذل ��ك �أن تكون الرخ� ��ص ال�شرعي ��ة �إح ��دى الأدوات التي
ي�ستخدمه ��ا العلم ��اء ال�شرعيون وهم يبحثون ع ��ن حلول مالية لرفع امل�شق ��ة التي تواجه
امل�صارف الإ�سالمية يف �سريها لتحقيق مقا�صدها ،ويف هذا املبحث درا�سة لهذه الأداة.
املطلب الأول :تعريف الرخ�ص ال�شرعية
الرخ�ص يف اللغة جمع رخ�صة ،وتدل على التخفيف والتي�سري واللني وخالف ال�شدة،
129
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
قال ابن فار�س(«:)1الراء واخلاء وال�صاد �أ�صل يدل على لني وخالف �شدة»( ،)2وقال ابن
منظور(«:)3والرخ�صة :ترخي�ص اهلل للعبد يف �أ�شياء خففها عنه»(.)4
�أما الرخ�صة يف اال�صطالح فلها عدة تعريفات؛ فقد عرفها البزدوي احلنفي(:)5بــــ«ما
ي�ستب ��اح بعذر م ��ع قيام املحرم»( ،)6وان ُتق ��د هذا التعريف ب�أنه غري جام ��ع؛ لعدم �شموله
الرخ�ص ��ة الثابتة على خ�ل�اف دليل الن ��دب( ،)7وب�أنه متناق�ض؛ لأن ال ��ذي �أبيح ال يكون
حراما(.)8
ً
وعرفه ��ا الغزايل:بــــ«مب ��ا و�س ��ع للمكلف يف فعل ��ه لعذر وعجز عنه م ��ع قيام ال�سبب
املحرم»(.)9
وان ُتقد هذا التعريف ب�أنه غري جامع؛ لأنه اقت�صر على الفعل ،والرخ�صة كما قد تكون
((( هو �أحمد بن فار�س بن زكريا القزويني �أبو احل�سني ،العالمة اللغوي ،من �أئمة اللغة والأدب ،ولد �سنة 329هـ� ،أ�صله
من قزوين و�أقام بهمذان وانتقل �إىل الري ،له ت�صانيف من �أ�شهرها« :املجمل» ،و «معجم مقايي�س اللغة» ،تويف بالري
�سنة395هـ.انظر� :سري �أعالم النبالء ،للذهبي ،103/13الأعالم ،للزركلي .193/1
((( معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .500/2
((( ه ��و حممد ب ��ن مكرم بن على� ،أبو الف�ضل ،جمال الدين ابن منظور الأن�صاري االفريقى ،الإمام اللغوي احلجة ،ولد
مب�صر �سنة ،630وخدم يف ديوان الإن�شاء بالقاهرة ،ثم ويل الق�ضاء يف طرابل�س ،وعاد �إىل م�صر ،ترك بخطه نحو
خم�سمائة جملد ،من �أ�شهر م�ؤلفاته« :ل�سان العرب« ،توفى مب�صر �سنة 711هـ.انظر :بغية الوعاة يف طبقات اللغويني
والنحاة ،لل�سيوطي ،248/1الأعالم للزركلي .108/7
((( ل�سان العرب ،البن منظور .40/7
((( ه ��و عل ��ي بن حممد ب ��ن احل�سني� ،أبو احل�سن الب ��زدوي ،ولد �سن ��ة 400ه ،وكان �إمام احلنفية مب ��ا وراء النهر ،ومن
أ�ب ��رز م�ؤلفاته « :املب�س ��وط» ،و«كنز الأ�صول �إىل معرفة الأ�صول» املعروف ب�أ�صول البزدوي ،وهو من �أف�ضل ما كتب يف
الأ�صول ،تويف �سنة 482هـ .انظر� :سري �أعالم النبالء ،للذهبي ،602/18اجلواهر امل�ضية ،للقر�شي .372/1
((( التقرير لأ�صول فخر الإ�سالم البزدوي ،للبابرتي .467/3
((( انظر :نهاية ال�سول �شرح منهاج الأ�صول ،للأ�سنوي .34/1
((( انظر:امل�ست�صفى ،للغزايل ،79/1الإحكام يف �أ�صول الأحكام ،للآمدي .132/1
((( امل�ست�صفى ،للغزايل .78/1
130
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
بالفعل قد تكون بالرتك( ،)1ولعدم �شموله الرخ�صة الثابتة على خالف دليل الندب(.)2
وكل تعريف ��ات الرخ�صة قريبة من هذين التعريفني ،و�إن اختلفت قليلاً يف الألفاظ،
وعليها من االنتقادات ما على هذين التعريفني(.)3
و�أج ��ود تعريف للرخ�ص ��ة تعريف ال�سبكي ،وهو«:ما تغري م ��ن احلكم ال�شرعي لعذر
�إىل �سهولة وي�سر مع قيام ال�سبب للحكم الأ�صلي»(.)4
وق ��د ج ّوده ال�شنقيطي ،فقال«:ومن �أجود تعاريف الرخ�صة ،ما عرفها به بع�ض �أهل
الأ�ص ��ول من �أنها ه ��ي احلكم ال�شرعي الذي غ�ي�ر من �صعوبة �إىل �سهول ��ة لعذر اقت�ضى
ذلك ،مع قيام �سبب احلكم الأ�صلي»(.)5
املطلب الثاين� :أق�سام الرخ�ص ال�شرعية
لقد ق�سم العلماء الرخ�صة عدة تق�سيمات ،من �أهمها:
�أوال:تق�سيم الرخ�صة باعتبار الفعل والرتك:
تنق�سم الرخ�صة باعتبار الفعل والرتك ق�سمني:
الق�سم الأول :رخ�صة فعل؛ ك�إجراء كلمة الكفر على الل�سان مع اطمئنان القلب �إىل
الإميان عند الإكراه ،وكامل�ضطر اىل اكل امليتة(.)6
الق�س ��م الثاين :رخ�ص ��ة ترك؛ كالفط ��ر والق�صر للم�سافر ،وت ��رك الأمر باملعروف
والنهي عن املنكر حالة اخلوف(.)7
انظر :االبهاج يف �شرح املنهاج ،لل�سبكي .82/1 (((
انظر :نهاية ال�سول �شرح منهاج الأ�صول ،للأ�سنوي .34/1 (((
انظر :الرخ�ص ال�شرعية و�إثباتها بالقيا�س ،لعبدالكرمي النملة� ،ص.44-10 (((
رفع احلاجب عن خمت�صر ابن احلاجب ،لل�سبكي .26/2 (((
مذكرة يف �أ�صول الفقه ،لل�شنقيطي� ،ص.60 (((
انظر� :أ�صول ال�شا�شي� ،ص ،385الأ�صول وال�ضوابط ،للنووي� ،ص.37 (((
انظر :الأ�صول وال�ضوابط ،للنووي� ،ص ،38الرخ�ص يف املعامالت وفقه الأ�سرة ،ملحمد �أبا اخليل� ،ص.76 (((
131
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
132
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وا�ستواء الطرفني �أو رجحان �أحدهما �أمر زائد على معنى الرخ�صة؛ لأن معناها التي�سري؛
وذلك بح�صول اجلواز للفعل �أو الرتك ،يرخ�ص يف احلرام بالإذن يف فعله ،ويف الواجب
بالإذن يف تركه ،و�أدلة الوجوب والندب وغريها ت�ؤخذ من �أدلة �أخرى»(.)1
ثال ًثا :تق�سيم الرخ�صة باعتبار العموم واخل�صو�ص:
تنق�سم الرخ�صة باعتبار العموم واخل�صو�ص �إىل رخ�صة عامة ،ورخ�صة خا�صة(،)2
�إال �أن ابن عا�شور ق�سمها باعتبار عمومها وخ�صو�صها مع اطرادها وتوقيتها ثالثة �أق�سام:
الق�سم الأول:رخ�صة عامة مطردة؛ كانت �سبب ت�شريع عام ،م�ستثناة من �أ�صل كان
�ش�أنه املنع؛ كال�سلم(.)3
الق�س ��م الثاين :رخ�صة خا�ص ��ة م�ؤقتة؛ وهذه �أكرث الرخ�ص التي يكتفي الأ�صوليون
ب�ضرب الأمثلة لها؛ كمن ا�ضطر لأكل امليتة(.)4
الق�س ��م الثال ��ث :رخ�ص ��ة عام ��ة م�ؤقت ��ة؛ «وذل ��ك �أن يعر� ��ض اال�ضط ��رار للأمة �أو
طائفة عظيمة منه ��ا ،ي�ستدعي �إباحة الفعل املمنوع لتحقيق مق�صد �شرعي؛ مثل �سالمة
الأم ��ة ،و�إبق ��اء قوتها� ،أو نح ��و ذلك»( ،)5ومثل الك ��راء امل�ؤبد الذي جرت ب ��ه فتوى بع�ض
علم ��اء الأندل� ��س يف �أر�ض الوقف عندما زهد النا� ��س يف كرائها لق�صر املدة التي تكرتي
�أر�ض الوقف ملثلها ،وكرثة التكلفة التي حتتاجها الأر�ض للعمل فيها ،ف�أفتى بع�ض العلماء
بالكراء امل�ؤبد ،ور�أوا �أن الت�أبيد ال غرر فيه؛ لأنها باقية غري زائلة(.)6
133
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
انظر :التقرير لأ�صول فخر الإ�سالم البزدوي ،للبابرتي � ،44-12/4شرح تنقيح الف�صول ،للقرايف� ،ص.85 (((
انظر :الأ�شباه والنظائر ،لل�سيوطي� ،ص ،80-77الأ�شباه والنظائر ،البن جنيم� ،ص.70-64 (((
انظر :الرخ�ص ال�شرعية ،لأ�سامة ال�صالبي� ،ص.333-144 (((
انظر :الرخ�ص يف املعامالت املالية وفقه الأ�سرة ،ملحمد �أبا اخليل� ،ص.75-48 (((
انظر :الأ�شباه والنظائر ،لل�سيوطي� ،ص.439 (((
املوافقات ،لل�شاطبي .484/1 (((
�شرح خمت�صر الرو�ضة ،للطويف .466/1 (((
134
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
باللقم ��ة ومل يكن عنده �إال اخلمر( ،)1وكل م�شقة ت�ؤدي �إىل الهالك �إن مل يرتخ�ص تدخل
حتت هذا الق�سم.
الق�س ��م الث ��اين :احلاج ��ة؛ ويدخ ��ل في ��ه ال�سف ��ر ،والن�سي ��ان ،واجله ��ل ،واخلط� ��أ،
والنق� ��ص ،وعموم البلوى ،ومن كان مر�ضه ال ي�ؤدي به �إىل الهالك �إذا مل يرتخ�ص ،فكل
هذه الأ�سباب يقع على النا�س م�شقة لو مل يرخ�ص لهم بها ،وهذه امل�شقة ال ت�صل بهم �إىل
درج ��ة الهالك وال�ضرورة ،وكل ما ي� ��ؤدي �إىل م�شقة وحرج وال ي�صل �إىل درجة ال�ضرورة
يدخل حتت هذا الق�سم.
املطلب الرابع� :أدلة الرخ�ص ال�شرعية
للرخ�ص ال�شرعية �أدلة كثرية من الكتاب وال�سنة ،منها:
الدلي ��ل الأول :الآيات الكثرية التي تدل على التي�سري ،والتخفيف ،ورفع احلرج عن
الأمة؛ كقول اهلل تعاىل :ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ (.)2
وقوله :ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ (.)3
وقوله :ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ (.)4
وجه الداللة من الآيات� :أن الآيات تدل على �أن اهلل يريد �أن يي�سر وي�سهل على عباده
الط ��رق املو�صلة �إىل ر�ضوانه �أعظم تي�سري؛ لي�سهل �سلوكه ��ا ،ولهذا ف�إن جميع الأوامر ال
ت�شق على املكلفني ،و�إذا ح�صل بع�ض امل�شاق والعجز خفف ال�شارع من الواجبات بح�سب
ما ينا�سب ذلك ،فيدخل يف هذا جميع التخفيفات ،والرخ�ص ال�شرعية(.)5
135
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل الثاين:الأحادي ��ث النبوية الكث�ي�رة الدالة على التي�س�ي�ر والتخفيف؛ كقول
ال�س ْم َح ُة» رواه البخاري(.)1 حلنِي ِف َّي ُة َّ ِّين �إِلىَ اللهَّ ِ ا َ النبي×�« :أَ َح ُّب الد ِ
ِّين �أَ َح ٌد �إِلاَّ وعن �أبي هريرة عن النبي × قال�«:إِ َّن الد َ
ِّين ُي ْ�س ٌرَ ،و َلنْ ُي َ�شا َّد الد َ
َغلَ َب ُهَ ،ف َ�س ِّددُوا َو َقا ِر ُبواَ ،و�أَ ْب�شِ ُرواَ ،و ْا�س َتعِي ُنوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة َو َ�ش ْي ٍء مِ َن الدُّ لجْ َ ةِ»رواه
البخاري(.)2
�ول اللهَّ ِ × َب�ْيأنْ َ �أَ ْم َر ْي ِن ِ�إلاَّ
وع ��ن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها� ،أنها قالتَ « :ما ُخيرِّ َ َر ُ�س � ُ
ا�س مِ ْن ُهَ ،و َما ا ْن َت َق َم َر ُ�س � ُ
�ول ل َي ُك ��نْ �إِ ْث ًماَ ،ف إِ� ْن َكا َن ِ�إ ْث ًما َكا َن �أَ ْب َع َد ال َّن ِ�أَ َخ� � َذ �أَ ْي َ�س� � َرهُ َماَ ،ما مَ ْ
اللهَّ ِ × ِل َن ْف�سِ ِه �إِلاَّ �أَ ْن ُت ْن َته ََك ُح ْر َم ُة اللهَّ َِ ،ف َي ْن َت ِق َم للِهَّ ِ ِبهَا» متفق عليه(.)3
وج ��ه الدالل ��ة من الأحاديث :يف هذه الأحاديث يبني النبي × �سماحة هذا الدين
وي�سره ،وتبني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أن هدي النبي × اختيار الأي�سر ما مل يكن �إث ًما،
والرخ�ص ال�شرعية م ��ن ال�سماحة والتي�سري على عباد اهلل( ،)4بل يف الأحاديث «الإ�شارة
�إىل الأخذ بالرخ�صة ال�شرعية ف�إن الأخذ بالعزمية يف مو�ضع الرخ�صة تنطع»(.)5
الدلي ��ل الثال ��ث :الأدلة الكثرية من الكتاب وال�سنة الت ��ي تدل على بع�ض الرخ�ص،
ومنها:
-1الرخ�صة للمكره على النطق بكلمة الكفر؛ قال اهلل تعاىل :ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ (.)6
136
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
137
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( رواه البخاري ،كتاب اللبا�س ،باب ما يرخ�ص للرجال من احلرير للحكة ،برقم ،5839وم�سلم ،كتاب اللبا�س والزينة،
باب �إباحة لب�س احلرير للرجل �إذا كان به حكة �أو نحوها ،برقم .2076
((( م�سند عبداهلل بن عمر ،برقم .5866واحلديث من رواية عمارة بن غزية عن حرب بن قي�س عن نافع ،ومل �أجد
متاب ًع ��ا لعم ��ارة وال حلرب ،وقد جاء يف �أطراف الغرائب والأفراد عن هذا احلديث«:تفرد به حرب بن قي�س عنه�-أي
ع ��ن ناف ��ع ،»-ومثلهم ��ا ال يحتمل التفرد ،وح ��رب بن قي�س جمهول احل ��ال؛ فلم يوثقه غري ابن حب ��ان .انظر :اجلرح
والتعدي ��ل البن �أبي ح ��امت � ،368/6أطراف الغرائب والأف ��راد ،البن القي�سراين ،446/3مي ��زان االعتدال ،للذهبي
،178/3الثقات ،البن حبان .230/6
((( نيل الأوطار ،لل�شوكاين .244/3
((( �أ�صول الفقه الإ�سالمي ،لوهبة الزحيلي .431/2وانظر :التقرير والتحبري،البن �أمري احلاج .351/3
138
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�إال �أنهم ��ا يختلفان يف �أن الرخ�ص ال�شرعية يكون الأخ ��ذ بالأ�سهل فيها مبن ًيا على دليل،
�أم ��ا تتب ��ع رخ�ص املذاهب فال يكون الأخذ بالأ�سهل فيها مبن ًيا على دليل ،بل يكون الأخذ
بالق ��ول الأ�سهل ملجرد البحث عن التي�س�ي�ر والتخفيف دون نظر يف الأدلة؛ لذلك حرمها
كثري من العلماء ،بل ُنقل الإجماع على حترميها(.)1
املطلب ال�ساد�س:الرخ�ص ال�شرعية والهند�سة املالية الإ�سالمية
ت�ستخدم امل�صارف الإ�سالمية يف هند�ستها للعقود الرخ�ص ال�شرعية؛ وذلك عندما
ترى �أن هناك م�شقة تواجه امل�صارف الإ�سالمية ،وال ميكن جتاوزها �إال بهذه الرخ�صة؛
وم ��ن ذل ��ك �أن هيئة الرقابة ال�شرعي ��ة لبنك في�صل الإ�سالم ��ي يف ال�سودان ترى حترمي
الت�أم�ي�ن التج ��اري؛ لكونه من الغرر ،ومع ذلك يف الفتوى رق ��م 16و� ،17أجازت ل�شركات
الت�أم�ي�ن التعاوين �إعادة الت�أمني لدى �شركات الت�أم�ي�ن التجاري؛ لوجود احلاجة املتعينة
كم ��ا قدر خرباء البن ��ك ،وا�شرتطت بع� ��ض ال�ش ��روط لت�ضبط هذه الرخ�ص ��ة( ،)2وهذه
الرخ�صة عامة م�ؤقتة ،و�سببها احلاجة ،فمتى وجدت �شركات �إعادة ت�أمني تعاوين تزول
هذه احلاجة ،ويعود احلكم للمنع.
�إال �أن هن ��اك تو�س ًعا يف دعوى احلاجة عن ��د بع�ض العلماء مما جعلهم يرخ�صون يف
الرب ��ا ا�ستنادًا على احلاج ��ة( ،)3دون مراعاة ل�ضوابط احلاج ��ة؛ فاحلاجة لي�ست جمرد
((( اختلف العلماء يف حكم تتبع رخ�ص املذاهب على ثالثة �أقوال:
القول الأول� :أن تتبع رخ�ص املذاهب يجوز مطل ًقا ،اختاره ابن الهمام ،والعز بن عبدال�سالم.
القول الثاين�:أن تتبع رخ�ص املذاهب جائز ب�شروط ،اختاره القرايف ،و�صدر به قرار جممع الفقه الإ�سالمي.
القول الثالث� :أن تتبع رخ�ص املذاهب ال يجوز مطل ًقا ،اختاره الأكرث ،بل نقل الإجماع على ذلك ابن حزم وابن عبدالرب.
انظ ��ر :فتاوى �شيخ الإ�سالم عز الدين ب ��ن عبدال�سالم� ،ص ،288فتح القدير ،البن الهمام � ،258/7شرح تنقيح الف�صول،
للق ��رايف � ��ص ،432املوافقات ،لل�شاطبي ،99/5قرار جممع الفقه الإ�سالمي التاب ��ع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي بجدة،
العدد ،8رقم ،1/74مراتب الإجماع ،البن حزم� ،ص ،175جامع بيان العلم وف�ضله البن عبدالرب .927/2
((( انظر :الت�أمني و�إعادة الت�أمني ،لوهبة الزحيلي ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد الثاين� ،ص.381
((( انظر :فتاوى حممد ر�شيد ر�ضا ،608-607/2الفتاوى ،ملحمود �شلتوت� ،ص.308-306
139
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
التطلع �إىل ال�شيء �أو الرغبة فيه �أو الت�شوف له( ،)1بل البد من �ضوابط ت�ضبطها ،والذي
ينبغي عل ��ى الفقهاء الذين يراعون م�صلحة امل�ص ��ارف الإ�سالمية ،ويبحثون عن �أدوات
حت ��ل م�شاكله ��ا �أن يراعوا �أمو ًرا قبل �أن يرخ�صوا يف عقد حم ��رم ا�ستنادًا على احلاجة،
وهذه الأمور هي:
الم ��ر الأول :النظ ��ر �إىل مرتبة الأمر املنهي عنه ،فم ��ا كان يف مرتبة عليا؛ كالربا أ
ف�ل�ا ت�ؤث ��ر فيه احلاج ��ة ،وال جتيز منه ال قلي�ًل�ااً وال كث ًريا( ،)2وم ��ا كان يف مرتبة و�سطى؛
كالغ ��رر فت�ؤثر فيه احلاجة ب�شروط( ،)3فاحلاجة ال ت�ؤثر فيما ثبت النهي عنه ب�أدلة قوية،
140
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
بحي ��ث تع ��د مرتبة قوية م ��ن مراتب النهي ،فال ت�ؤث ��ر يف حتليل اخلم ��ر ،وامليتة ،والدم،
ب ��ل ت�ؤث ��ر يف عموم �ضعيف كرثت �أفراده ،وتناوله التخ�صي� ��ص ،وت�ؤثر يف مرتبة املنهيات
التي ال تو�صف ب�أنها يف �أعلى درجات املنهيات ،فمن املعلوم �أن حمرمات املقا�صد لي�ست
كمحرم ��ات الو�سائ ��ل ،ف ��الأوىل ال تبيحه ��ا �إال ال�ض ��رورة اخلا�صة ،بينم ��ا تت�أثر الأخرية
باحلاج ��ة املنزل ��ة منزلة ال�ضرورة ،وت�ؤث ��ر احلاجة يف بع�ض العموم ��ات وبع�ض املنهيات
الأق ��ل قوة ،وهذه فروق دقيق ��ة توزن مبيزان دقيق ،بحيث يالح ��ظ الفقيه �أن ال�شارع مل
ي�ش ��دد فيها ،فلي�ست حرم ��ة الربا كحرمة القمار ،واملي�سر ،والغ ��رر ،فالربا �أ�شد( ،)1قال
اب ��ن تيمية«:وحترمي الرب ��ا �أ�شد من حترمي املي�سر الذي هو القم ��ار»( .)2وقال«:وقد �أباح
أنواعا من الغرر للحاجة ...و�أما الربا فلم يبح من ��ه»( .)3وقال« :ومف�سدة الغرر ال�ش ��ارع � ً
�أق ��ل من الربا ،فلذل ��ك رخ�ص فيما تدعو �إليه احلاجة منه ،ف�إن حترميه �أ�شد �ضر ًرا من
�ضرر كونه غر ًرا»(.)4
الأم ��ر الث ��اين� :أن تتواف ��ر احلاجة �إىل ه ��ذا العقد؛ بحيث تف ��وت م�صلحة �شرعية
بفواته ،ولو مل يبا�شر النا�س هذا العقد لوقعوا يف م�شقة وحرج(.)5
الأم ��ر الثال ��ث� :أن تكون احلاجة �إىل هذا العقد متعين ��ة؛ بحيث ال يتمكن اخلال�ص
من حاجته ب�أمر م�شروع( ،)6فعلى الت�سليم ب�أنه�«:إن كانت هناك حاجة �إىل العقد مل ي�ؤثر
141
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الغ ��رر فيه مهم ��ا كانت �صفة الغرر ،و�صفة العقد»( ،)1ف� ��إن مراعاة �أن تكون احلاجة �إىل
العق ��د متعين ��ة ُتبني ُبعد ر�أي من ر�أى �أن«عقد الت�أمني ينطوي على غرر كثري ،و�أن الأ�صل
في ��ه التحرمي ،ولكن �أباحته احلاجة امللحة العامة»()2؛ ف�إن احلاجة �إىل الت�أمني التجاري
غ�ي�ر متعينة مع وجود الت�أم�ي�ن التعاوين ،قال الدكتور ال�صديق ال�ضري ��ر« :وقد ر�أينا �إن
الت�أم�ي�ن التعاوين ال �شبهة يف ج ��وازه...؛ ولذا ف�إين �أرى �أن احلاج ��ة �إىل الت�أمني بق�سط
ثاب ��ت يف �صورته احلا�ض ��رة ،و�إن كانت عامة� ،إال �أنها غري متعينة ،وعلى هذا ف�إن قواعد
الفقه الإ�سالمي تق�ضي مبنعه؛ لأنه عقد معاو�ضه فيه غرر كثري من غري حاجة»(.)3
الأمر الرابع� :أن يكون تقدير الغرر ،والقمار ،واخلطر يف العقد ،لأهل االخت�صا�ص
م ��ن االقت�صادي�ي�ن ،و�ش�أن الفقي ��ه �أن يبني احلك ��م الفقهي فيها ،قال اب ��ن القيم«:وقول
القائ ��ل� :إن هذا غرر وجمه ��ول فهذا لي�س حظ الفقيه ،وال هو م ��ن �ش�أنه ،و�إمنا هذا من
�ش� ��أن �أهل اخلربة بذلك ،ف� ��إن عدوه قما ًرا �أو غر ًرا فهم �أعل ��م بذلك ،و�إمنا حظ الفقيه
يح ��ل كذا؛ لأن اهلل �أباحه ،ويحرم كذا؛ لأن اهلل حرمه ،وقال اهلل وقال ر�سوله× ،وقال
ال�صحاب ��ة ،و�أما �أن يرى هذا خط ًرا وقما ًرا �أو غر ًرا ،فلي�س من �ش�أنه بل �أربابه �أخرب
به ��ذا من ��ه ،واملرجع �إليهم فيه ،كم ��ا يرجع �إليهم يف كون هذا الو�ص ��ف عي ًبا �أم ال ،وكون
مربح ��ا �أم ال ،وكون هذه ال�سلعة نافقة يف وقت ك ��ذا وبلد كذا ،ونحو ذلك من ه ��ذا البيع ً
الأو�صاف احل�سية ،والأمور العرفية ،فالفقهاء بالن�سبة �إليهم فيها مثلهم بالن�سبة �إىل ما
يف الأحكام ال�شرعية»(.)4
142
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثالث
االستحسان
ق ��ال الإمام مالك رحمه اهلل«:ت�سعة �أع�شار العل ��م اال�ستح�سان»( .)1بل بالغ بع�ضهم
يف اال�ستح�س ��ان حتى ع ��ده عماد العلم ،و�أن الذي ال ي�ستح�سن ي ��كاد �أن يفارق ال�سنة(،)2
والعلم ��اء متفق ��ون على �أ�صل الأخذ ب ��ه يف معناه الأ�سا�س ،و�إن كان ��ت طرائقهم خمتلفة
يف الو�ص ��ول �إىل حتقي ��ق هذا املعنى( ،)3ويعد اال�ستح�سان م ��ن الأدوات التي ت�ستخدم يف
الهند�سة املالية الإ�سالمية للعقود ،ويف هذا املبحث درا�سة له.
املطلب الأول :تعريف اال�ستح�سان
اال�ستح�سان يف اللغة م�شتق من احل�سن ،واحل�سن �ضد القبح ،وا�ستح�سن ال�شيء �أي
عده ح�س ًنا(.)4
واال�ستح�س ��ان يف اال�صطالح له عدة تعريفات؛ منها :التعري ��ف الأول :اال�ستح�سان
هو «دليل ينقدح يف نف�س املجتهد وتق�صر عنه عبارته ،فال يقدر على �إظهاره»( .)5و ُن�سب
ه ��ذا التعريف �إىل بع�ض احلنفية( .)6وانتقد هذا التعري ��ف انتقادًا �شديدً ا()7؛ «لأن ما ال
يقدر على التعبري عنه ال يدري �أنه وهم وخيال �أو حتقيق وال بد من ظهوره»(.)8
143
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
التعريف الثاين :اال�ستح�سان «ما ي�ستح�سنه املجتهد بعقله»( .)1و ُن�سب هذا التعريف
�إىل �أبي حنيفة(« ،)2ولكن �أ�صحابه ينكرون هذا التف�سري عنه»(.)3
وان ُتقد هذا التعريف ب�أنه يفو�ض الأحكام �إىل �آراء الرجال( ،)4و«لو فتح هذا الباب لبطلت
احلجج وادعى كل من �شاء ما �شاء»( ،)5يقول ال�شنقيطي منتقدًا التعريفني ال�سابقني«:وبطالن
هذي ��ن التعريفني ظاهر؛ لأن املجتهد لي�س له اال�ستناد �إىل جمرد عقله يف حت�سني �شيء ,وما
مل يعرب عنه ال ميكن احلكم له بالقبول حتى يظهر ويعر�ض على ال�شرع»(.)6
التعريف الثالث :اال�ستح�سان «هو العدول يف م�س�ألة عن مثل ما حكم به يف نظائرها
�إىل خالفه بوجه هو �أقوى»(.)7
وهذا �أب�ي�ن التعريفات حلقيقة اال�ستح�سان؛ لأنه ي�شم ��ل كل �أنواعه( ،)8قال الغزايل
عن هذا التعريف«:وهذا مما ال ينكر»(.)9
املطلب الثاين� :أنواع اال�ستح�سان
لال�ستح�سان عند القائلني به �أنواع ،وهي:
النوع الأول :اال�ستح�سان بالن�ص؛ كال�سلم ،فالقاعدة العامة تق�ضي ببطالن بيع ما ال
ميلك الإن�سان ،ولكن ا�ستثني ال�سلم ا�ستح�سا ًنا للن�ص الوارد يف جوازه عن النبي ×(.)10
144
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الن ��وع الث ��اين :اال�ستح�س ��ان بالإجم ��اع؛ كاال�ست�صن ��اع ،فالقاع ��دة العام ��ة تق�ضي
ببطالنه؛ لأنه عقد معدوم ،و�إمنا جاز «للإجماع على التعامل به فيما بني النا�س»(.)1
النوع الثالث :اال�ستح�سان بالقيا�س اخلفي؛ كاحلقوق االرتفاقية للأر�ض الزراعية،
عن ��د احلنفية ال تدخ ��ل يف عقد البيع دون ن� ��ص عليها ،لكنهم ا�ستح�سن ��وا دخولها دون
ن�ص؛ وذلك �أن وقف الأر�ض الزراعية يتجاذبه قيا�سان ،الأول قيا�سه على البيع ،والثاين
قيا�س ��ه على الإجارة ،والقيا� ��س الأول هو الأظهر وهو قيا�س جل ��ي؛ التفاق البيع والوقف
يف �إخ ��راج املل ��ك من مالكه ،وعلى ذل ��ك ال تدخل احلقوق االرتفاقي ��ة �إال بالن�ص عليها،
والقيا� ��س الثاين مبناه �أن كلاً من الإجارة والوقف يفيد ملك االنتفاع بالعني دون متلكها
وه ��ذا قيا�س خفي ،ومقت�ضى هذا القيا�س دخ ��ول احلقوق االرتفاقية يف الوقف تب ًعا دون
حاجة للن�ص عليها كما هو احلكم يف الإجارة ،فرجح القيا�س اخلفي على القيا�س اجللي
ا�ستح�سا ًن ��ا؛ لأن املق�ص ��ود م ��ن الوقف االنتفاع ال متل ��ك الرقبة ،واالنتف ��اع ال يت�أتى دون
احلقوق االرتفاقية(.)2
الن ��وع الرابع :اال�ستح�س ��ان بالع ��رف؛ كال�شروط املقرتنة بعق ��د البيع فالأ�صل عند
احلنفية منعها� ،إال �أنهم يجيزون ال�شروط التي جرى العرف بها ا�ستح�سا ًنا(.)3
النوع اخلام�س :اال�ستح�س ��ان بامل�ص ��لحة؛ كت�ضمني الأج�ي�ر امل�شرتك عند املالكية،
و�إن مل يك ��ن �صان ًع ��ا ،ف� ��إن الأ�صل عندهم ع ��دم ت�ضمينه؛ لأن ��ه م�ؤمت ��ن� ،إال �أنهم قالوا
بت�ضمينه ا�ستح�سا ًنا للم�صلحة(.)4
145
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
النوع ال�س ��اد�س :اال�ستح�س ��ان لل�ض ��رورة؛ كتطه�ي�ر الآبار التي تق ��ع فيها النجا�سة
بنزح قدر معني من املاء منها ا�ستح�سا ًنا لل�ضرورة(.)1
هذه �أنواع اال�ستح�سان عند القائلني به ،واكتفيت مبثال واحد لكل نوع ،و�إال فالأمثلة
التي ذكروها كثرية ،واملالحظ �أن بع�ض الأمثلة ت�صلح لأكرث من نوع من �أنواع اال�ستح�سان؛
مثال لال�ستح�سان بالإجماع ،ولال�ستح�سان بالعرف، كاال�ست�صناع ف�إنه ي�صل ��ح �أن يكون اً
ولال�ستح�س ��ان بامل�صلح ��ة ،ولي�س يف ذل ��ك تعار�ض؛ فقد يثبت ال�ش ��يء عر ًفا ،وتكون فيه
م�صلحة راجحة ،وقد يتم الإجماع عليه(.)2
وق ��د اعترُ �ض عل ��ى بع�ض �أنواع اال�ستح�س ��ان؛ كاال�ستح�سان بالن� ��ص ،واال�ستح�سان
بالإجم ��اع ،ب�أن ثبوت ه ��ذه الأحكام بالن� ��ص والإجم ��اع ،ال باال�ستح�سان«،ف�إطالق ا�سم
اال�ستح�سان على هذين النوعني هو ح�شر لل�شيء يف غري زمرته»(.)3
و�أجي ��ب علي ��ه :ب�أنه ال ن ��زاع يف �أن الأحكام الثابت ��ة بالن�ص �إمنا �أثبته ��ا الن�ص ،وكذلك
الأح ��كام الثابت ��ة بالإجماع ،والقائل ��ون باال�ستح�سان �إمنا �أرادوا تعزي ��ز نظرية �شرعية عامة
تتعلق بالفروع امل�ستثناة من حكم نظائرها ،وبالأدلة التي ت�صلح �سندًا لال�ستثناء ،وا�صطلحوا
على ت�سميته باال�ستح�سان ،وال م�شاحة يف اال�صطالح ،وهذا ال يعار�ض �أن احلكم ثابت بالن�ص،
�أو الإجم ��اع ،واال�ستح�س ��ان مل يثبت به حكم؛ لأن �إثبات الأحكام واق ��ع بوجوه اال�ستح�سان ،ال
قيا�سا �أو عر ًفا �أو غريها(.)4
إجماعا �أو ً
ن�صا �أو � ً
باال�ستح�سان نف�سه� ،سواء كانت تلك الوجوه ً
وم ��ع هذا ف ��الأوىل �أن ي�سمي احلكم الثاب ��ت ا�ستح�سا ًنا بالن�ص حك ًم ��ا ثاب ًتا بالن�ص ،ال
باال�ستح�سان ،ولكن احلنفية ا�صطلحوا على ت�سميته ا�ستح�سا ًنا ،وال م�شاحة يف اال�صطالح(.)5
146
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
147
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
واال�ستح�س ��ان دون دليل ينكره القائلون باال�ستح�سان( ،)1وحتى �أ�صحاب �أبي حنيفة
ينكرون ما ُين�سب له من �أن اال�ستح�سان ما ا�ستح�سنه الإن�سان من غري دليل(.)2
أ�م ��ا اال�ستح�سان على املعنى املختار ،وهو :العدول يف م�س�ألة عن مثل ما حكم به يف
نظائره ��ا �إىل خالفه بوجه هو �أق ��وى ،فقد اتفق العلماء على قبوله( ،)3و�إمنا اخلالف يف
ت�سميت ��ه ا�ستح�سا ًنا( ،)4قال الغزايل بعدما ذكر هذا التعري ��ف لال�ستح�سان«:وهذا مما
ال ينك ��ر ،و إ�من ��ا يرجع اال�ستن ��كار �إىل اللفظ وتخ�صي�ص هذا النوع م ��ن الدليل بت�سميته
ا�ستح�سا ًن ��ا م ��ن بني �سائ ��ر الأدل ��ة»( .)5فاخلالف � ًإذا لفظ ��ي ،قال الزرك�ش ��ي« :نبه ابن
ال�سمع ��اين( )6عل ��ى �أن اخلالف بيننا وبينه ��م لفظي؛ ف�إن تف�س�ي�ر اال�ستح�سان مبا ي�شنع
عليه ��م ال يقولون به ،وال ��ذي يقولون به �إنه العدول يف احلكم من دليل �إىل دليل هو �أقوى
من ��ه ،فهذا مم ��ا مل ينكره ،لكن هذا اال�سم ال نعرفه ا�س ًما ملا يق ��ال به مبثل هذا الدليل،
وقريب منه قول القفال»(.)8()7
وعند النظر يف �أنواع اال�ستح�سان يتبني �أن اال�ستح�سان ال يعد دليلاً قائ ًما بذاته(،)9
((( انظر� :أ�صول ال�سرخ�سي ،201/2املوافقات ،لل�شاطبي ،194/5رو�ضة الناظر ،البن قدامة .473/1
((( انظر :ك�شف الأ�سرار �شرح �أ�صول البزدوي ،للبخاري احلنفي .3/4
((( انظر� :إر�شاد الفحول ،لل�شوكاين ،183-182/2رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية ،ليعقوب الباح�سني� ،ص.277
((( املهذب ،لعبدالكرمي النملة .982/3
((( امل�ست�صفى ،للغزايل� ،ص.173
((( ه ��و من�صور بن حممد عبد اجلبار� ،أب ��و املظفر ،املعروف بابن ال�سمعاين ،من فقهاء ال�شافعية ،ولد عام 426ه ،كان
فقي ًه ��ا �أ�صول ًيا مف�س ًرا حمد ًثا متكل ًما ،تفقه على مذهب �أب ��ي حنيفة ،ثم انتقل �إىل مذهب ال�شافعي ،ومن م�صنفاته:
«تف�س�ي�ر الق ��ر�آن» ،و«القواطع يف �أ�صول الفقه» ،تويف ع ��ام 489ه .انظر :طبقات ال�شافعي ��ة ،لل�سبكي ،335/5معجم
امل�ؤلفني ،لعمر بن عبدالغني .20/13
((( ه ��و حمم ��د بن عل ��ي ال�شا�شي القفال� ،أب ��و بكر ،ولد عام 291ه ،م ��ن �أكابر علماء ال�شافعية يف ع�ص ��ره ،وعنه انت�شر
مذه ��ب ال�شافعي يف بالده ،م ��ن ت�صانيفه� «:شرح ر�سالة ال�شافعي» ،و«�أ�صول الفق ��ه» .تويف عام365ه .انظر :طبقات
ال�شافعية ،لل�سبكي ،200/3طبقات ال�شافعيني ،البن كثري� ،ص.299
((( البحر املحيط ،للزرك�شي .99/8
((( انظر :رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية ،ليعقوب الباح�سني� ،ص.333
148
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
فاال�ستح�س ��ان بالن� ��ص دليل ��ه الن� ��ص ،واال�ستح�سان بالإجم ��اع دليله الإجم ��اع ،وكذلك
اال�ستح�س ��ان بالقيا� ��س ،والعرف ،وامل�صلح ��ة ،وال�ضرورة ،ف�إن الذي يق ��ول به �إمنا يقول
بهذه الأدلة(.)1
فم ��ن �أراد �أن ي�ستح�س ��ن ف�ل�ا يكتف ب ��ه ،بل البد �أن يذك ��ر الدليل ال ��ذي بنى عليه
ا�ستح�سانه.
املطلب الرابع :العالقة بني اال�ستح�سان والرخ�ص ال�شرعية
يتفق اال�ستح�سان م ��ع الرخ�ص ال�شرعية يف �أن كلاً منهما ا�ستثناء من حكم �أ�صلي،
�إال �أن اال�ستح�س ��ان �أعم من الرخ� ��ص ال�شرعية؛ فالرخ�صة ال�شرعي ��ة خا�صة ب�أن يكون
احلك ��م امل�ستثنى �أخ ��ف و�أي�سر من احلكم الأ�صل ��ي له� ،أما اال�ستح�س ��ان فال ي�شرتط له
ذلك ،فقد يكون احلكم امل�ستثنى �أي�سر من حكم نظائره وهو الغالب ،كجواز اال�ست�صناع،
وقد يكون �أ�شد كت�ضمني الراعي امل�شرتك( ،)2فالأ�صل �أن الراعي امل�شرتك �أمني ،والأمني
ال ي�ضم ��ن �إال بتع ��د �أو تفري ��ط(� ،)3إال �أن املت�أخرين م ��ن املالكية قال ��وا بت�ضمني الراعي
امل�شرتك ا�ستح�سا ًنا(.)4
املطلب اخلام�س :اال�ستح�سان والهند�سة املالية الإ�سالمية
يع ��د اال�ستح�سان م ��ن الأدوات التي ت�ستخ ��دم ا�ستخدا ًما وا�س ًع ��ا يف الهند�سة املالية
الإ�سالمية؛ ومن ذلك قول الدكتور عبداللطيف الفرفور عن عقد الإجارة املنتهية بالتمليك
يف جمل� ��س جممع الفقه الإ�سالمي الدويل املنبثق عن منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي يف دورته
الثاني ��ة ع�ش ��رة« :فهذا العقد من جهة القواعد العامة لل�شريع ��ة الإ�سالمية عقد مرفو�ض
149
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ومردود بجميع �صوره و�أ�شكاله �إال �أن ي�صحح على القاعدة العامة التي ذكرتها ،وخمالف
�ش ��ك ًال ومو�ضوع� � ًا لأ�صول الت�شري ��ع الإ�سالمي ،وللحدي ��ث وللمعقول واملنق ��ول ،وال ي�صح
اعتم ��اده� ،إال �إذا ر�أى جممعن ��ا املوقر بفقهائه حاجة �أو �ضرورة ،وم ��ا �أرى ذلك ،فحينئذ
ي�صح ��ح ا�ستح�سا ًن ��ا»( .)1مما يدل عل ��ى �أن اال�ستح�سان ي�ستخ ��دم ك�أداة للهند�سة املالية
الإ�سالمية يف هند�سته ��ا للعقود ،والذي ذكره الدكتور يعد من اال�ستح�سان بال�ضرورة� ،أو
احلاجة ،وهن ��اك �أمثلة ال�ستخدام اال�ستح�سان بالقيا� ��س( ،)2واال�ستح�سان للم�صلحة(،)3
وقد �صححت عقود بحجة اال�ستح�سان( ،)4وردت ا�ستح�سانات لعدم �إ�سنادها بدليل(.)5
ومع �إعطاء اال�ستح�سان هذا االعتبار والدور الوا�سع يف �إعطاء الق�ضايا �أحكامها ،ف�إن مما
ينبغي �أن ندركه �أن اال�ستح�سان يحتاج �إىل دقة نظر بالغة من املجتهدين( ،)6و�أن ا�ستخداماته
الفعلية ينبغي �أن تكون بحذر وتر ّو بالغني ،فال بد للناظر فيه من �إدراك �أمرين هامني:
الأم ��ر الأول :معرفة مدى معار�ضة مو�ضوع احلك ��م للأدلة ال�صحيحة� ،أو القواعد
العامة لل�شريعة(.)7
الأم ��ر الثاين� :إ�سناد اال�ستح�سان بدليل م ��ن �أدلة ال�شرع ،فال يقبل ا�ستح�سان دون
دليل(.)8
((( مداخل ��ة الدكتور عبداللطيف الفرفور يف مناق�شات بحوث الإجارة املنتهية بالتمليك ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي،
العدد� ،12ص.430-429
((( انظ ��ر :وجه اال�ستح�سان و�ضوابطه يف ربط العمالت متغرية القيمة بالقيمة ،لعبداللطيف الفرفور ،من�شور يف جملة
جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد� ،5ص.1340
((( انظر :مناق�صات العقود الإدارية ،لرفيق امل�صري ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد� ،9ص.835
((( انظر :جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد� ،12ص.430-429
((( انظر :جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد� ،2ص ،1012،1020العدد � ،6ص ،1570 ،1480العدد� ،9ص.888
((( انظر :اال�ستح�سان ،لعجيل الن�شمي� ،ص.133
((( املرجع ال�سابق.
((( املرجع ال�سابق� ،ص.134
150
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الرابع
سد الذرائع وفتحها
وطرق تف�ضي �إليه ��ا كانت طرقها
�اب ٍ «مل ��ا كان ��ت املقا�صد ال يتو�ص ��ل �إليها �إال ب�أ�سب � ٍ
و�أ�سبابه ��ا تابعة له ��ا معتربة بها؛ فو�سائ ��ل املحرمات واملعا�ص ��ي يف كراهتها واملنع منها
بح�س ��ب �إف�ضائها �إىل غاياتها وارتباطاتها بها ،وو�سائ ��ل الطاعات والقربات يف حمبتها
والإذن فيه ��ا بح�سب �إف�ضائه ��ا �إىل غايتها؛ فو�سيلة املق�صود تابع ��ة للمق�صود ،وكالهما
مق�ص ��ود»( ،)1وق ��د اهتم العلماء قد ًمي ��ا وحدي ًثا بو�صف الذرائ ��ع ،وتو�سعوا يف الأخذ بها
وفتحا يف معظم �أبواب الفقه ،بل اعتربها ابن القيم �أحد �أرباع التكليف(.)2 �سدً ا ً
ويف الع�صر احلديث كرثت امل�ستجدات والنوازل خا�صة يف املعامالت املالية ،ويتطلب
هذا الأمر �إبراز حكم ال�شرع يف تلك الق�ضايا بعد درا�سة م�آالتها والطرق املو�صلة �إليها؛
إحلاحا (.)3
لذلك �أ�صبحت احلاجة �إىل فقه الذرائع �أكرث � ً
فالذرائ ��ع تعد من الأدوات املهمة التي ت�ستخ ��دم للو�صول �إىل عقود �إ�سالمية جتمع
ب�ي�ن امل�صداقية ال�شرعية ،والكفاءة االقت�صادية ،وحتقق هند�سة مالية �إ�سالمية للعقود،
ويف هذا املبحث درا�سة لها ،وتبيني ر�أي العلماء فيها.
املطلب الأول :تعريف الذرائع
الذرائ ��ع يف اللغة جمع ذريعة ،وتطلق على الو�سيلة( ،)4فـــ«الذال والراء والعني �أ�صل
واح ��د ي ��دل على امتداد وحترك �إىل قدم ،ث ��م ترجع الفروع �إىل ه ��ذا الأ�صل»( ،)5يقال:
�إعالم املوقعني ،البن القيم .108/3 (((
املرجع ال�سابق .126/3 (((
انظر :املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها ،لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز� ،ص.27 (((
انظر :ال�صحاح ،للفارابي .1211/3 (((
معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .350/2 (((
151
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
152
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�سب ��ق تعري ��ف �سد الذرائ ��ع يف االجتاه الأول� ،أم ��ا تعريف فتح الذرائ ��ع ،فهو«:طلب
الو�سيلة اجلائزة �إذا كانت طري ًقا �إىل م�صلحة راجحة»(.)1
املطلب الثاين� :أق�سام الذرائع
تنق�سم الذرائع ثالثة �أق�سام:
الق�س ��م الأول :ذرائ ��ع معتربة اتفا ًق ��ا؛ وهي ما تف�ضي �إىل املق�صود قط ًعا()2؛ كحفر
الآبار يف طرق امل�سلمني ،و�إلقاء ال�سم يف �أطعمتهم( ،)3فهذه يجب �سدها ،وكجلب الب�ضائع
�إىل ال�سوق( ،)4و�إن�شاء البنوك الإ�سالمية حلفظ �أموال امل�سلمني( ،)5فهذه يجب فتحها.
الق�سم الثاين :ذرائع ملغاة اتفا ًقا؛ وهي ما تف�ضي �إىل املق�صود ناد ًرا()6؛ كاملنع من
زراع ��ة العنب خ�شية اخلمر ،و�أكل الأغذية الت ��ي غالب �أ�صولها ال ت�ضر( ،)7فهذه ال يجوز
�سدها.
الق�سم الثالث :ذرائع خمتلف فيها؛ وهي ما تف�ضي �إىل املق�صود كث ًريا()8؛ كالتورق،
فقد اختلف فيه العلماء بني من ي�سده ،ومن يفتحه(.)9
وهذا الق�سم مو�ضع نظر والتبا�س عند العلماء( ،)10واالختالف فيه يرجع �إىل حتقيق
((( قواعد الو�سائل ،مل�صطفى خمدوم� ،ص.366
((( انظر :املوافقات ،لل�شاطبي .54/3
((( انظر :الفروق ،للقرايف .32/2
((( انظر� :أ�صول الفقه ،ملحمد �أبو زهرة� ،ص.255
((( انظر :املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقها ،لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز� ،ص.85
((( انظر :املوافقات ،لل�شاطبي .54/3
((( انظر :الفروق ،للقرايف ،32/2املوافقات ،لل�شاطبي .54/3
((( انظر :املوافقات ،لل�شاطبي .54/3
((( انظر :املمتع ،البن عثيمني .221-219/8
( ((1انظ ��ر :قاع ��دة �سد الذرائع وتطبيقاتها املعا�صرة ،بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،ال�صادرة
من جامعة الكويت ،ال�سنة ،26العدد 1433 ،87هـ� ،ص.158
153
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املن ��اط ال ��ذي يتحقق به التذرع ،ولي� ��س �إىل �أ�صل العمل بالذرائ ��ع()1؛ وذلك بالنظر �إىل
م ��كان العامل ،وع ��ادات النا�س يف زمانه ،فقد يختلف الإف�ض ��اء �إىل املق�صود كرثة وقلة،
من مكان �إىل مكان ،ومن زمان �إىل زمان.
ويالح ��ظ �أن أ�ك�ث�ر الأمثلة الت ��ي يذكرها العلم ��اء للذرائع �إمنا ه ��ي يف الذرائع �إىل
املحرم(.)2
املطلب الثالث :م�شروعية اعتبار الذرائع
ن� ��ص املالكية واحلنابلة عل ��ى �أن اعتبار �سد الذرائع �أ�ص ٌل م ��ن �أ�صولهم( ،)3قال �أبو
زهرة«:ه ��ذا �أ�صل من الأ�صول التي �أكرث من االعتماد عليها يف ا�ستنباطه الفقهي الإمام
مالك ،وقاربه يف ذلك الإمام �أحمد بن حنبل .)4(»
�أم ��ا احلنفي ��ة ،فلم ين�صوا عل ��ى اعتبارها م ��ن �أ�صولهم� ،إال �أن م ��ن املقرر عندهم
�أن«الو�سيل ��ة �إىل ال�ش ��يء حكمها حكم ذل ��ك ال�شيء»( ،)5فهذا �إعم ��ال للذرائع يف مذهب
احلنفية ،وقد �أعملوها يف فروعهم الفقهية( ،)6فقد منعوا ال�شابة من اخلروج للجماعات؛
«لأن خروجه ��ن �إىل اجلماع ��ة �سب ��ب الفتنة ،والفتنة ح ��رام ،وم ��ا �أدى �إىل احلرام فهو
ح ��رام»( ،)7ومنع ��وا املظاهر من مل�س زوجت ��ه ،وتقبيلها حتى ُيك ّفر؛ «لأن ��ه ملا حرم الوطء
�إىل �أن يك ّف ��ر ح ��رم الدواعي للإف�ض ��اء �إلي ��ه؛ ولأن الأ�صل �أن �سبب احل ��رام حرام»(،)8
انظر :اعتبار م�آالت الأفعال و�أثرها الفقهي ،لوليد احل�سني .328/1 (((
انظر� :أ�صول الفقه ،ملحمد �أبو زهرة� ،ص.255 (((
انظر:املقدمات املمهدات ،البن ر�شد� ،39/2شرح خمت�صر الرو�ضة ،للطويف .214/3 (((
مالك ،ملحمد �أبو زهرة� ،ص.345 (((
بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين .106/7 (((
انظر :تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق ،للزيلعي ،352/1فتح القدير ،البن الهمام .317/2 (((
بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين .157/1 (((
فتح القدير ،البن الهمام .47/10 (((
154
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وذك ��ر ال�شاطبي �أن ��ه ال يلزم من خالف �أبي حنيفة يف بع� ��ض التفا�صيل«تركه لأ�صل �سد
الذرائع»(.)1
�أما ال�شافعية فقد ن�صوا على عدم اعتبارها �أ�صل(� ،)2إال �أنهم �أعملوها يف فروعهم
الفقهي ��ة()3؛ فقد منعوا مبا�ش ��رة احلائ�ض ما بني ال�سرة والركبة؛ ق ��ال ال�سيوطي« :قال
الأئم ��ة :و�إمن ��ا كان التحرمي �أحب؛ لأن في ��ه ترك مباح الجتناب حم ��رم»( .)4ومنعوا من
قر� ��ض اجلاري ��ة؛ لأن«جتويز ذل ��ك يف�ض ��ي �إىل �أن ي�صري ذريع ��ة �أن يط�أه ��ا وهو ميلك
ردها...وفيه منع الذرائع»( ،)5وجاء عن ال�شافعي«:ويف منع املاء ليمنع به الكلأ الذي هو
م ��ن رحمة اهلل عام يحتمل معني�ي�ن� :أحدهما�:أن ما كان ذريع ��ة �إىل منع ما �أحل اهلل مل
يحل ،وكذلك ما كان ذريعة �إىل �إحالل ما حرم اهلل تعاىل ،ف�إن كان هذا هكذا ففي هذا
ما يثبت �أن الذرائ ��ع �إىل احلالل واحلرام ت�شبه معاين احلالل واحلرام...واملعنى الأول
�أ�شب ��ه»( .)6وهذا الن�ص من ال�شافعي ي ��دل على اعتباره للذرائع ،وقد حمل ال�سبكي كالم
ال�شافع ��ي على«حترمي الو�سائل ،ال �سد الذرائع ،و�أن الو�سائل ت�ستلزم املتو�سل �إليه»( ،)7و
ال ي�سلم له؛ لأنه بالرجوع �إىل م�صطلح الذريعة والذرائع عند ال�شافعي يف كتابه الأم جند
�أن ��ه ا�ستخدمه ��ا �ست ع�شرة مرة( ،)8وكله ��ا باملعنى املعروف لها وال ��ذي ي�ستخدمه غريه
م ��ن املذاه ��ب؛ مما يدل على �أن امل ��راد بها هنا الذريعة مبعناها املع ��روف .وعلى فر�ض
155
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الت�سليم فقد ذكر ال�سبكي بعد كالمه ال�سابق �أن«الذريعة ثالثة �أق�سام�:أحدها :ما يقطع
بتو�صله �إىل احلرام؛ فهو حرام عندنا وعند املالكية»( ،)1فهذا دليل منه �أن الو�سيلة التي
يق�صده ��ا ق�سم م ��ن �أق�سام الذريعة ،و�أن ال�شافعية يعتدون ب�أ�ص ��ل الذرائع ،و�إن اختلفوا
م ��ع غريهم يف الأق�س ��ام الأخرى للذريعة ،وجاء عن ال�سبك ��ي يف مو�ضع �آخر �أن«الذرائع
حراما ،وقد تك ��ون مكروهة ،ومندوبة، ه ��ي الو�س ��ائ» و�أنها «قد تكون واجب ��ة ،وقد تكون ً
ومباحة»( ،)2فالو�سائل التي ذكر ال�سبكي عن ال�شافعي حترميها هي الذرائع� ،أو ق�سم من
�أق�سام الذرائع ،وفيه داللة على �إعمالها يف املذهب ال�شافعي.
وق ��د نقل ال�شافعي يف الأم حماورة رجل له عن ف ��روع �أعمل ال�شافعي فيها الذريعة،
وذكر ال�شافعي �أن دليله القيا�س ،ثم ملا �س�أله الرجل� :أفتقول بالذريعة؟ قال :ال« .وال معنى
يف الذريع ��ة ،إ�من ��ا املعنى يف اال�ستدالل باخلرب ال�ل�ازم� ،أو القيا�س عليه� ،أو املعقول»(،)3
فال�شافعي ُيعمل الذرائع لكنه ال يجعلها دليلاً بل ي�ستدل ب�أدلة �أخرى؛ كاخلرب ،والقيا�س،
واملعقول ،والفقهاء الذين ي�ستدلون بالذريعة ال تخرج �أدلتهم عن هذه الأدلة التي ذكرها
ال�شافع ��ي� ،إال �أنهم ،اً
بدل م ��ن �أن يقولوا يف كل و�سيلة ت�ؤول ملحرم ب�أن اخلرب� ،أو القيا�س،
دل عل ��ى �أن للو�سيلة حكم ما ت�ؤول �إليه ،يقت�صرون على النهي «�سدً ا للذريعة». �أو العق ��لّ ،
فالنتيج ��ة واحدة وهي �إعمال الذرائع عند ال�شافعية وعند غريهم ،والتطبيقات الفقهية
عند املذاهب الفقهية تدل على اعتبارهم للذرائع ،و�إن اختلفوا يف امل�صطلح فال م�شاحة
يف اال�صطالح.
لق ��د تبني«�أن قاع ��دة الذرائع متفق عل ��ى اعتبارها يف اجلمل ��ة»( ،)4واخلالف بني
156
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
العلماء �إمنا ه ��و اختالف يف املناط الذي يتحقق فيه التذرع()1؛ قال القرايف«:فلي�س �سد
خا�صا مبالك ،بل قال بها هو �أكرث من غريه ،و�أ�صل �سدها جممع عليه»(.)2 الذرائع ً
والأدل ��ة عل ��ى اعتبار الذرائع كث�ي�رة ،وقد ذكر ابن القيم يف �إع�ل�ام املوقعني ت�سعة
وت�سعني دليل على املنع من فعل ما ي�ؤدي �إىل احلرام ،ولو كان جائزً ا يف نف�سه ( ،)3ومن
هذه الأدلة:
الدلي ��ل الأول :ق ��ول اهلل تع ��اىل :ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﮊ (.)4
وج ��ه الداللة م ��ن الآية� :أن اهلل منع امل�ؤمنني من �سب �آلهة امل�شركني ،مع �أنه حمية
هلل و�إهان ��ة لآلهتهم؛ لأن �سب �آلهتهم ذريع ��ة �إىل �سبهم اهلل تعاىل ،وكانت م�صلحة ترك
م�سبته تعاىل �أرجح من م�صلحة ال�سب لآلهتهم ،ويف هذا منع من املباح؛ لئال يكون �سب ًبا
يف فعل ما ال يجوز( ،)5قال ابن عا�شور«:وقد احتج علما�ؤنا بهذه الآية على �إثبات �أ�صل من
�أ�صول الفقه عند املالكية؛ وهو امللقب مب�س�ألة �سد الذرائع»(.)6
الدلي ��ل الثاين:ق ��ول اهلل تع ��اىل :ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﮊ (.)7
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآي ��ة� :أن اهلل نهى امل�ؤمنني من قول ه ��ذه الكلمة ،مع ق�صدهم
به ��ا اخل�ي�ر؛ لئال يكون ذل ��ك ذريعة �إىل �أن يقوله ��ا اليهود للنبي × ت�شب ًه ��ا بامل�سلمني،
تعليق ال�شيخ عبداهلل دراز على املوافقات ،لل�شاطبي .185/5 (((
الفروق ،للقرايف .33/2 (((
انظر� :إعالم املوقعني ،البن القيم .126-110/3 (((
�سورة الأنعام ،الآية.108 (((
انظر� :إعالم املوقعني ،البن القيم .110/3 (((
التحرير والتنوير ،البن عا�شور .431/7 (((
�سورة البقرة ،الآية .104 (((
157
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ويق�ص ��دون بها �سب النب ��ي × ،وهذا غري ما يق�ص ��ده امل�سلمون()1؛ فه ��ذا النهي«�سدً ا
للذرائع ،حتى ال يتخذ اللفظ املحتمل ذريعة ل�شيء قبيح»(.)2
الدلي ��ل الثال ��ث :ق ��ول اهلل تع ��اىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
()3
ﭛﮊ
وج ��ه الدالل ��ة من الآية� :أن اهلل نه ��ى يف هذه الآية عن القرب من مال اليتيم الذي
يعم وجوه الت�صرف ،وفيه �سد للذريعة؛ لكيال يتو�صل �إىل �أكل مال اليتيم(.)4
الدلي ��ل الراب ��ع :عن ابن عم ��ر ر�ضي اهلل عنهم ��ا ،قالَ «:ل َق ْد َر�أَ ْي ُت ال َّنا� � َ�س فيِ َع ْه ِد
�امُ ،-ي ْ�ض َر ُبونَ �أَنْ َي ِبي ُعو ُه فيِ َم َكا ِن ِه ْمَ ،حتَّى �ول اللهَّ ِ ×َ ،ي ْبت ُ
َاعونَ ِجزَ ا ًفا َ -ي ْع ِني َّ
الط َع � َ َر ُ�س � ِ
ُي�ؤْ ُوو ُه �إِلىَ ِر َحا ِل ِه ْم».رواه البخاري(.)5
وج ��ه الداللة م ��ن احلديث� :أن يف احلديث نهي امل�شرتي عن بيع الطعام حتى ي�ؤيه
�إىل رحله؛ لئال يكون البيع ذريعة �إىل جحد البائع البيع ،وعدم �إمتامه له �إذا ر�أى امل�شرتي
قد ربح فيه ،فيغره الطمع ،وت�شح نف�سه بالت�سليم(.)6
الدلي ��ل اخلام�س :ع ��ن زينب ،امر�أة عبد اهلل بن م�سعود ،ر�ضي اهلل عنهما ،قالت:
قال لنا ر�سول اهلل ×�« :إِ َذا َ�ش ِه َدتْ �إِ ْحدَا ُك َّن المْ َ ْ�سجِ َد َفلاَ تمَ َ َّ�س طِ ي ًبا» » رواه م�سلم(.)7
وجه الداللة من احلديث� :أن يف احلديث نه ًيا للمر�أة �أن تتطيب �إذا �أرادت اخلروج
انظر� :إعالم املوقعني ،البن القيم .110/3 (((
التف�سري املنري ،للزحيلي .258/1 (((
�سورة الأنعام ،الآية .152 (((
املحرر الوجيز ،البن عطية .362/2 (((
كتاب البيوع ،باب من ر�أى� :إذا ا�شرتى طعاما جزافا� ،أن ال يبيعه حتى ي�ؤويه �إىل رحله ،والأدب يف ذلك ،برقم.2137 (((
�إعالم املوقعني ،البن القيم .119/3 (((
كتاب ال�صالة ،باب خروج الن�ساء �إىل امل�ساجد �إذا مل يرتتب عليه فتنة و�أنها ال تخرج مطيبة ،برقم.443 (((
158
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�إىل امل�سج ��د؛ لأن ذلك ذريعة �إىل ميل الرجال وت�شوفهم �إليها ،فنهاها عن التطيب �سدً ا
للذريعة ،وحماية عن املف�سدة(.)1
الدلي ��ل ال�س ��اد�س� :أن ��ه �إذا«حرم الرب تع ��اىل �شي ًئا وله طرق وو�سائ ��ل تف�ضي �إليه
ف�إن ��ه يحرمها ومينع منها؛ حتقي ًقا لتحرمي ��ه ،وتثبيتًا له ،ومن ًعا �أن يقرب حماه ،ولو �أباح
نق�ضا للتحرمي ،و�إغرا ًء للنفو�س به ،وحكمته الو�سائ ��ل والذرائع املف�ضية �إليه لكان ذل ��ك ً
تعاىل وعلمه ي�أبى ذلك كل الإباء»(.)2
ه ��ذه بع�ض الأدلة على اعتبار الذرائع ،وكلها يف جان ��ب �سد الذرائع ،وال�شريعة كما
�سدت ذرائع فتحت ذرائع �أخرى ،فقد عمدت �إىل ذرائع امل�صالح ففتحتها ب�أن جعلت لها
حك ��م الوجوب ،و�إن كانت ممنوعة� ،أو مباحة يف الأ�ص ��ل ،وهذا ما يلقب عند الأ�صوليني
مب ��ا ال يتم الواجب �إال به فهو واجب()3؛ ق ��ال القرايف«:اعلم �أن الذريعة كما يجب �سدها
يج ��ب فتحها ،وتك ��ره وتندب وتباح ،ف� ��إن الذريعة ه ��ي الو�سيلة فكم ��ا �أن و�سيلة املحرم
حمرم ��ة فو�سيلة الواجب واجبة كال�سعي للجمع ��ة واحلج»( .)4بل «قد تكون و�سيلة املحرم
غ�ي�ر حمرم ��ة �إذا �أف�ض ��ت �إىل م�صلحة راجح ��ة كالتو�سل �إىل فداء الأ�س ��ارى بدفع املال
للكفار»( ،)5والنظر �إىل املخطوبة ،وكلمة احلق عند �سلطان جائر ،ونحو ذلك( ،)6قال ابن
القيم«:فال�شريعة جاءت ب�إباحة هذا الق�سم� ،أو ا�ستحبابه� ،أو �إيجابه ،بح�سب درجاته يف
امل�صلحة»(.)7
انظر� :إعالم املوقعني ،البن القيم .118/3 (((
�إعالم املوقعني ،البن القيم .109/3 (((
انظر :مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،البن عا�شور� ،ص.369 (((
الفروق ،للقرايف .33/2 (((
املرجع ال�سابق. (((
انظر� :إعالم املوقعني ،البن القيم .110/3 (((
املرجع ال�سابق .110/3 (((
159
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
160
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وه ��ذه احليلة لي�ست يف العق ��ود ،وكذلك احليلة بال�سفر يف رم�ض ��ان للفطر( ،)1وقد ذكر
ابن القيم حيلاً فقهية يف امل�سح على اخلفني( ،)2واحلج ( ،)3وهي لي�ست من العقود.
املطلب اخلام�س� :ضوابط العمل بالذرائع
بعدم ��ا تب�ي�ن م�شروعية اعتبار الذرائ ��ع و�أهميتها ،خا�صة يف االجته ��اد املعا�صر؛ ملا
ي�شه ��ده م ��ن كرثة يف امل�ستجدات والن ��وازل ،فال بد من �ضوابط ت�ضب ��ط العمل بالذرائع
حت ��ى ال يح�صل من جراء �إعمالها ت�ضييق على النا� ��س� ،أو جتاوز حلدود امل�شروع ،وهذه
ال�ضوابط:
�-1أن تف�ضي الو�سيلة �إىل املق�صود غال ًبا ،و�أال ُيبالغ يف �إعمال الذرائع؛ ف�إن «املبالغة
يف �س ��د الذرائع ،قد حترم النا�س من خريات كثرية ،وم�صالح كبرية ،كما �أن املبالغة يف
فتحها قد ت�ؤدي �إىل �شر م�ستطري ،وف�ساد كبري»(.)4
� -2أال يعار� ��ض العم ��ل بالذرائع الن� ��ص()5؛ كالنهي عن �صيام �ست م ��ن �شوال �سدً ا
لذريع ��ة ظن بع�ض النا�س �إحلاقها برم�ضان( ،)6ف� ��إن ذلك معار�ض لن�ص احلديث الذي
رواه م�سل ��م عن �أبي �أيوب الأن�صاري � ،أنه حدثه� ،أن ر�سول اهلل × قالَ « :منْ َ�ص ��ا َم
َر َم َ�ضا َن ُث َّم �أَ ْت َب َع ُه �سِ ًّتا مِ نْ َ�ش َّوالٍ َ ،كا َن َك ِ�ص َيا ِم الدَّهْ رِ»( .)7وكفتح ذرائع الربا بحجة �أنه«:ال
دول ��ة بال اقت�ص ��اد ،وال اقت�صاد بغري بنوك ،وال بنوك بغري رب ��ا»( ،)8وبحجة �إمداد بع�ض
161
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املن�ش� ��آت احلكومية بزيادة ر�أ�س مالها بفائ ��دة؛ ليت�سع نطاق معامالتها ،وتكرث �أرباحها،
فينتف ��ع العمال واملوظفون ،وتنتفع احلكومة بفا�ضل الأرب ��اح()1؛ ف�إن ذلك معار�ض لقول
اهلل تع ��اىل :ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ ( ،)2ولغريها من الآيات والأحاديث التي تنهى
عن الربا.
� -3أال يعار� ��ض العمل بالذرائ ��ع املقا�صد ال�شرعية()3؛ فم ��ن املقا�صد ال�شرعية رفع
احل ��رج ،ف�ل�ا ينبغي �أن ت�سد ذريعة يلح ��ق النا�س حرج يف �سده ��ا ،وال تفتح ذريعة يلحق
النا� ��س ح ��رج يف فتحها ،فمراع ��اة املقا�صد مقدم عل ��ى مراعاة الو�سائ ��ل ،قال العز بن
عبدال�سالم« :الو�سائل ت�سقط ب�سقوط املقا�صد»(.)4
� -4أال ُتنق ��ل الفت ��وى الت ��ي أُ�عملت فيه ��ا الذرائع من زم ��ان �إىل زمان آ�خ ��ر� ،أو من
م ��كان �إىل م ��كان �آخر؛ الختالف ع ��ادات النا�س وتغري �أحوالهم ،فما يك ��ون �إف�ضا�ؤه �إىل
املق�ص ��ود كث ًريا �أو غال ًبا يف زمان �أو مكان قد يك ��ون �إف�ضا�ؤه يف زمان �أو مكان �آخر قليلاً
�أو ن ��اد ًرا؛ قال القرايف« :فمهما جتدد يف العرف اعتربه ،ومهما �سقط �أ�سقطه ،وال جتمد
عل ��ى امل�سطور يف الكتب طول عمرك ،بل �إذا جاءك رجل من غري �أهل �إقليمك ي�ستفتيك
ال جت ��ره على ع ��رف بلدك ،وا�س�أله ع ��ن عرف بلده ،و�أَ ْج � ِ�ره عليه ،و�أفت ��ه به دون عرف
بل ��دك ،واملقرر يف كتبك ،فهذا ه ��و احلق الوا�ضح ،واجلمود عل ��ى املنقوالت �أبدً ا �ضالل
يف الدي ��ن ،وجهل مبقا�صد علماء امل�سلمني ،وال�سلف املا�ضني»( ،)5وقد عقد ابن القيم يف
((( الفت ��اوى ،ل�شلت ��وت� ،ص .305وانظر :فوائد البنوك هي الربا احلرام ،للقر�ض ��اوي� ،ص .84فقد نقل القر�ضاوي عن
ال�شيخ �شلتوت تراجعه عن الفتوى ب�إباحة عائد �صندوق التوفري.
((( �سورة البقرة ،الآية .275
((( انظر :املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها ،لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز� ،ص.174
((( قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ،للعز بن عبدال�سالم .128/1
((( الفروق ،للقرايف .177-176/1
162
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
كتاب ��ه �إعالم املوقعني ف�صلاً « :يف تغيري الفتوى واختالفها بح�سب تغري الأزمنة والأمكنة
والأح ��وال والني ��ات والعوائد»( ،)1وق ��ال يف مقدمته« :هذا ف�صل عظي ��م النفع جدً ا ،وقع
ب�سبب اجلهل به غلط عظيم على ال�شريعة� ،أوجب من احلرج وامل�شقة وتكليف ما ال �سبيل
�إليه ما يعلم �أن ال�شريعة الباهرة التي يف �أعلى رتب امل�صالح ال ت�أتي به»(.)2
ه ��ذه �ضوابط العمل بالذرائع التي ينبغي من الع ��امل واملجتهد مراعاتها قبل �إعمال
وفتحا.
الذرائع �سدً ا ً
املطلب ال�ساد�س :الذرائع والهند�سة املالية الإ�سالمية
�إعم ��ال الذرائع من �أه ��م الأدوات امل�ستخدمة يف الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية للعقود؛
فال تكاد جتد عقدًا من العقود امل�ستحدثة متت هند�سته ،واختلف فيه العلماء� ،إال كان من
�ضمن �أدلة املانعني �سد الذرائع ،ومن �ضمن �أدلة املجيزين فتح الذرائع ،وعلى �سبيل املثال
عق ��ود الإذع ��ان( ،)3فقد كان من �ضم ��ن �أدلة املانعني لها �سد الذريع ��ة()4؛ لأنها ذريعة من
ذرائع اجلور والظلم وعدم امل�ساواة؛ ملا فيها من عدم تعادل املراكز االقت�صادية ،و�سيطرة
الط ��رف القوي على العقد ،و�إذع ��ان الطرف الآخر له ،من دون ح ��ق يف امل�ساومة احلرة،
املذعن �إىل
وفيه ��ا اختالل الر�ض ��ا الذي يعد من �أهم �شروط التعاق ��د( ،)5ب�سبب ا�ضطرار ِ
�شروط الطرف القوي ،فعقود الإذعان على ذلك ينبغي �أن ت�سد ملا فيها من املفا�سد(.)6
163
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ويف الط ��رف الآخ ��ر الذي ��ن �أجازوها( )1نظ ��روا �إىل �أنه ��ا ذريعة لتحقي ��ق م�صالح
اقت�صادي ��ة ،ففيها �سرعة �إجناز العقود و�إمتامه ��ا ،وهذا ما تتطلبه احلركة االقت�صادية
الدائب ��ة يف التط ��ور ،وبذلك ال ي�ضيع الوقت والنفقة يف امل�ساوم ��ات ،وميكن عن طريقها
ت�سوي ��ق املنتج ��ات ب�سرعة و�سهول ��ة وب�أدنى النفق ��ات ،فعقود الإذعان ذريع ��ة من ذرائع
حتقيق مقا�صد الرواج والتك�سب واال�ستثمار ،ومن ثم يجب فتحها وت�شجيعها(.)2
وقد ق�سم جممع الفقه الإ�سالمي عقود الإذعان ق�سمني:
عادل ،ومل تت�ضمن �شروطه ظل ًم ��ا بالطرف املذعن ،فهو الأول :م ��ا كان الثم ��ن فيه اً
�شرعا(.)3
�صحيح ً
الث ��اين :م ��ا انط ��وى على ظل ��م بالط ��رف املذع ��ن؛ لأن الثم ��ن فيه غري ع ��ادل� ،أو
�شروطا تع�سفية ،فهذا يج ��ب تدخل الدولة ،بالت�سعري� ،أو بتعديل و�إلغاء ال�شروط ت�ضم ��ن ً
التع�سفية(.)4
وه ��ذا القرار يجمع بني فت ��ح ذرائع امل�صالح التي ت�شتمل عليها عقود الإذعان ،و�سد
ذرائع املفا�سد التي ت�شتمل عليها.
وال ��ذي يالحظ عل ��ى كثري م ��ن معام�ل�ات امل�ص ��ارف الإ�سالمية وج ��ود مبالغة يف
فت ��ح الذرائع بحج ��ة «ت�شجيع امل�صارف الإ�سالمية القائمة ودع ��م �إن�شاء املزيد من هذه
امل�ص ��ارف لتع ��م منافعها على جمي ��ع امل�ستوي ��ات»()5؛ فمن �ضمن �أدلة م ��ن �أجاز التورق
((( ذهب بع�ض املعا�صرين �إىل جواز عقود الإذعان ،منهم :اجلواهري ،والفرفور ،والندوي ،وغريهم.انظر :جملة جممع
الفقه الإ�سالمي ،العدد � ،417 ،241 ،447/3 ،14أحكام عقد الإذعان يف الفقه الإ�سالمي ،ملنال جهاد� ،ص.59
((( انظر :املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها ،لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز� ،ص.227
((( انظر :قرار جممع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن عقود الإذعان رقم .)14/6(132
((( املرجع ال�سابق.
((( جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد � ،3ص.893
164
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
امل�صريف املنظم فتح الذرائع؛ لأنه يحقق الغر�ض املن�شود من التورق الفردي غري املنظم
بتكلفة �أقل ،ودون م�شقة وعناء ،وال�شريعة جاءت لتح�صيل امل�صالح وتكميلها(.)1
وم ��ن �ضمن �أدلة م ��ن �أجاز بيع املرابحة للآمر بال�ش ��راء بوعده امللزم للطرفني فتح
الذرائ ��ع؛ لأن «جمه ��ور النا�س يف ع�صرن ��ا �أحوج ما يكونون �إىل التي�س�ي�ر والرفق؛ رعاي ًة
لظروفه ��م ،وما غلب على �أكرثهم من رقة الدين ،و�ضعف اليقني ،وما ابتلوا به من كرثة
املغريات بالإثم ،واملعوقات عن اخلري...وهذا يجعل الفقيه ي�ستح�ضر الرخ�ص ،ف�إن اهلل
يحب �أن ت�ؤت ��ى رخ�صه ،ويقدر الأعذار وال�ضرورات ،ويبح ��ث عن التي�سري ورفع احلرج،
والتخفيف عن العامة»(.)2
وه ��ذه املبالغة يف فتح الذرائ ��ع للمعامالت امل�صرفية قرب ��ت امل�سافة بني امل�صارف
الإ�سالمي ��ة ،والبنوك الربوية ،وه ��ذا لي�س من �صالح امل�ص ��ارف الإ�سالمية ،بل �إنه �أحد
�أ�سب ��اب ح�صول البلبلة واحلرية بني امل�سلمني ،و�ضعف الثق ��ة يف رجال الفقه املخت�صني
بالفت ��وى ،والت�شكيك يف قدراتهم ونزاهته ��م ،ف�ضلاً عن الوقوع يف خمالفات �شرعية(،)3
والذي ينبغي على العلماء املهتمني يف دعم امل�صارف الإ�سالمية �أن يراعوا �أن املبالغة يف
فتح الذرائع ال يدعم امل�صارف الإ�سالمية ،بل يكون �سب ًبا يف ت�أخرها ،و�ضعف الثقة بها.
***
((( انظر :يف فقه املعامالت املالية وامل�صرفية املعا�صرة ،لنزيه حماد� ،ص.179
((( بيع املرابحة للآمر بال�شراء كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية ،للقر�ضاوي� ،ص.25
((( انظر�:أث ��ر م�ستقب ��ل اختالف الفتوى على تطبي ��ق املنتجات املالي ��ة يف امل�صارف الإ�سالمية ،ملحم ��ود �إدري�س ،بحث
من�شور يف م�ؤمتر الفتوى وا�ست�شراف امل�ستقبل يف جامعة الق�صيم ،يف الفرتة 1434/6 /21-20هـ.492/5 ،
165
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث اخلام�س
التلفيق
بع ��د تدوين املذاهب الفقهي ��ة خرجت �آراء تلزم النا�س مبذه ��ب واحد ،وحترم عليهم
اخل ��روج من ��ه ،و�سبب هذا الأمر ت�ضيي ًقا على النا�س؛ لأنه م ��ن الع�سري على املرء �أن يلتزم
مذه ًب ��ا معي ًنا� ،أو يلتزم بقول �إمام واحد ال يخرج عنه ،حتى بع�ض �أئمة املذاهب من يحتاج
�إىل الأخذ بقول غريه من الأئمة؛ فقد «روي عن �أبي يو�سف(� )1أنه �صلى اجلمعة مغت�سلاً من
احلمام ثم �أخرب بف�أرة ميتة يف بئر احلمام فقال ن�أخذ بقول �إخواننا من �أهل املدينة»( .)2مما
دعا ذلك بع�ض العلماء �أن يرفعوا عن النا�س هذا ال�ضيق ،وي�سمحوا للنا�س �أن ي�أخذوا بقول
�أي ع ��امل يثقون بدينه وعلمه ،ولهم �أال يلتزموا مبذهب معني( ،)3فخرج ما ي�سمى مب�صطلح
التلفي ��ق ،فلم يكن التلفيق معرو ًفا كم�صطلح يف القرون الأوىل ،فال يوجد م�صطلح التلفيق
يف كت ��ب �أئمة املذاهب وال �أ�صحابه ��م� ،إمنا حدث يف القرون املت�أخرة( ،)4وال يبعد �أن يكون
((( ه ��و يعقوب بن �إبراهيم بن حبيب الأن�ص ��اري� ،أبو يو�سف ،ولد �سنة 113ه� ،صاحب الإمام �أبي حنيفة ،وتلميذه ،و�أول
م ��ن ن�شر مذهب ��ه ،كان فقيه ًا عامل ًا ،وهو �أول من دع ��ي قا�ضي الق�ضاة ،وله م�صنفات منه ��ا « :اخلراج» ،و«النوادر»،
و«الأمايل يف الفقه» ،مات �سنة 182هـ .انظر :اجلواهر امل�ضية ،للقر�شي ،220 /2الأعالم ،للزركلي .193/8
((( حا�شية ابن عابدين .75/1
((( اختل ��ف العلم ��اء يف حكم �إل ��زام امل�سلم مبذهب معني ،وعدم اخل ��روج منه على ثالثة �أقوال :الق ��ول الأول� :أنه يجب
التمذه ��ب ،وال يج ��وز اخلروج من املذه ��ب ،القول الثاين� :أنه ال يج ��ب التمذهب ،وال يجوز اخل ��روج من املذهب ملن
الت ��زم مذه ًبا ،القول الثالث� :أنه ال يج ��ب التمذهب ،ويجوز اخلروج من املذهب ملن التزم مذهبا،والراجح هو القول
الثال ��ث؛ وذل ��ك لأنه ال واجب �إال ما �أوجب ��ه اهلل ور�سوله ،ومل يوجب اهلل وال ر�سوله على �أح ��د من النا�س �أن يتمذهب
مبذه ��ب رجل من الأم ��ة فيقلده دون غريه ،ومل يرد عن ال�صحابة �أنهم �أوجبوا على العوام تعيني املجتهدين ،ووجوب
االقت�ص ��ار على مفت واح ��د دون غريه.انظر:امل�ست�صفى ،للغ ��زايل ،154/4البحر املحي ��ط ،للزرك�شي ،375/8عقد
اجلي ��د يف �أحكام االجتهاد والتقليد ،لويل اهلل الدهلوي � ��ص� ،31إر�شاد الفحول ،لل�شوكاين ،252/2جمموع الفتاوى،
البن تيمية ،222/20مطالب �أوىل النهى ،للرحيباين .390/1
((( انظر:عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق ،للباين� ،ص.94
167
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ح ��دوث البحث يف التلفي ��ق يف القرن اخلام�س ب�سبب �ش ��دة التع�صب والتحزب ،ودخلول
ال�سيا�سة يف التمذهب(.)1
ه ��ذا ال ��كالم يف الع�صور املتقدمة� ،أما يف ع�صرنا فق ��د ا�ستحدث فيه الكثري من
املعام�ل�ات ،وتعق ��دت فيه كثري م ��ن �أمور احلياة الت ��ي كانت ب�سيطة و�سهل ��ة يف الع�صور
الأوىل ،وخ ��ف التع�ص ��ب للمذاه ��ب ،وق� � َّل م ��ن ي�سري على مذه ��ب واح ��د يف كل �ش�ؤونه،
و�أ�صبح ��ت احلاج ��ة ملحة لال�ستف ��ادة من ال�ت�راث الفقهي الكبري ب�شت ��ى مذاهبه ،ومن
ط ��رق اال�ستف ��ادة من هذا الرتاث الفقه ��ي التلفيق بني �أقوال الفقه ��اء و�ضم بع�ضها �إىل
بع� ��ض ،فالتلفيق له �أهمية يف �شتى الأب ��واب الفقهية ،وتزداد �أهميته يف �أبواب املعامالت
املالية؛ لكرثة امل�ستجدات والنوازل فيها ،وحاجة كثري من هذه العقود �إىل هند�سة مالية
�إ�سالمية ال تتم �إال عن طريق التلفيق بني �أقوال الفقهاء ،ويف هذا املبحث تبيني لذلك.
املطلب الأول :تعريف التلفيق
التلفي ��ق لغة:م�صدر َلفَقَ َي ْل ِفقُ ،وت ��دور مادته على معنى ال�ضم ،فلفق الثوب �ضم
�أحد �شقيه �إىل الآخر بخياطة ،ونحوها(.)2
وا�صطالح ��اُ :ع ��رف التلفي ��ق بع ��دة تعريف ��ات ،منها«:الإتي ��ان بكيفي ��ة ال يقول بها
ً
جمتهد»(.)3
وي�ؤخ ��ذ على ه ��ذا التعريف �أنه بيان لنتيجة التلفيق ،دون بيان للطريقة التي يتم بها
أي�ضا قد ي�أت ��ي ال�شخ�ص بكيفية ال يق ��ول بها جمتهد ،دون الو�ص ��ول له ��ذه النتيج ��ة( ،)4و� ً
تلفيق بني قولني �أو �أكرث من �أقوال الأئمة(.)5
168
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
أي�ض ��ا ب�أنه«:الأخذ يف الأح ��كام الفقهية بقول �أك�ث�ر من مذهب يف وع ��رف التلفي ��ق � ً
ُ
�أبواب متفرقة� ،أو باب واحد� ،أو يف �أجزاء احلكم الواحد»(.)1
وي�ؤخذ على هذا التعريف �أنه �أدخل يف التلفيق ما لي�س منه يف قوله يف �أبواب متفرقة،
فالعلم ��اء يعدون اجلم ��ع بني �أكرث من مذه ��ب يف �أبواب متفرقة تنقل ب�ي�ن املذاهب ،وال
يعدونه من التلفيق؛ لأنهم ي�شرتطون للتنقل بني املذاهب �أال ي�أتي بكيفية ال يقول بها �أحد
م ��ن املذاهب ،وهذا هو التلفيق ،فهم � ًإذا يفرقون ب�ي�ن التنقل بني املذاهب ،والتلفيق(،)2
أي�ضا �أنه �أخرج بع� ��ض �صور التلفيق؛ لأن من �صور التلفيق الأخذ بقول �أكرث وي�ؤخ ��ذ عليه � ً
م ��ن �إمام داخل املذهب الواحد ،وهو اقت�صر يف تعريفه على الأخذ من املذاهب ،و�أخرج
منه الأخذ من الأئمة داخل املذاهب الواحد.
أي�ضا ب�أنه«:التقليد املركب من مذهب�ي�ن ف�أكرث يف عبادة �أو معاملة وع ��رف التلفي ��ق � ًُ
()3
واحدة».
وي�ؤخ ��ذ على هذا التعريف �أنه اقت�صر على التلفي ��ق ال�صادر من املقلد ،و�أخرج منه
التلفي ��ق ال�ص ��ادر من املجته ��د ،فاملجتهد قد يلفق ب�ي�ن قولني �أو �أكرث م ��ن �أقوال الأئمة،
والف ��رق بني املجتهد واملقلد يف التلفيق �أن املقلد يلفق دون نظر يف الأدلة �أو معرفة مل�آخذ
الأئم ��ة ،واملجتهد يلفق بعد بذل الو�سع يف درا�سة م�آخ ��ذ الأئمة ،ودرا�سة �أدلتهم ،وي�ؤخذ
أي�ضا ما �أخذ على التعريف ال�سابق م ��ن �أنه �أخرج التلفيق بني �أقوال عل ��ى هذا التعريف � ً
الأئمة يف املذهب الواحد.
و عل ��ى ذلك ميكن �أن يعرف التلفي ��ق ب�أنه :اجلمع بني �أكرث من قول يف ق�ضية فقهية
واحدة ذات جزئيات.
((( التلفيق يف االجتهاد والتقليد ،للميمان� ،ص.5
((( انظر :التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي ،لعبداهلل ال�سعيدي� ،ص.11
((( التلفيق بني املذاهب الفقهية ،للعتيبي� ،ص.10
169
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( انظر�:أ�ص ��ول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهل ��ه ،لعيا�ض ال�سلمي� ،ص ،333التلفيق يف التقليد ،لعارف ح�سونة،من�شور
يف املجلة الأردنية يف الدرا�سات الإ�سالمية التابعة جلامعة �آل البيت ،املجلد-7العدد�-4صفر1433هـ� ،ص.203
((( «�إن ت�شدي ��د �أن�ص ��ار التقلي ��د يف �إقفال باب االجتهاد ،وحظ ��ره مطلقا ،و�إقامة احلواجز املنيع ��ة دون تلم�سه ،ولو من
بع�ض املنافذ يف اجلملة ،وتع�صبهم لأقوال فقهائهم ومتفقهتهم بدون �إعمال روية وال تدبر �أدى �إىل �ضرر حم�سو�س،
وج ��ر عل ��ى امل�سلمني ما هو م�شه ��ود من اجلمود واالنحط ��اط والتقهقر .على �أن هذا الت�شدي ��د املفرط خمالف لدين
اهلل تع ��اىل ،ويكفي ��ه معرة ما جن ��م عنه من هجر الكتاب وال�سن ��ة ،وتعطيل اال�ستفادة منهما ،وع ��دم التب�صر ب�أنوار
هديهما� ،سوى التعبد بتالوة الكتاب ،والتربك برواية احلديث ،فحال بني �أنوار ال�شريعة الغراء وبني املدارك الب�شرية
�آراء رج ��ال غ�ي�ر مع�صومني ،وال من ال�سل ��ف ال�صاحلني امل�شهود لهم ،ف�ضعفت مدارك العق ��ول ،وا�ستخذت النفو�س
العتيادها على التقليد واجلمود» عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق ،للباين �ص.150
((( انظر:التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي ،لل�سعيدي� ،ص.13
((( عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق ،للباين� ،ص.229
170
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وال�صحيح �أن �أهل االجتهاد موجودون يف كل ع�صر�« ،أما دعوى �إقفال باب االجتهاد
فه ��ي ق�ضية غ�ي�ر م�سلمة ،بل هي من مهمالت الدعاوى الت ��ي ال ت�سمع ،وال يعتد بها؛ لأن
من مقت�ضيات خامتة ال�شرائع التي ختمت ب�صاحبها النبوات فتح باب االجتهاد �إىل قيام
ال�ساع ��ة»( ،)1و�أن املجتهد ق ��د يلفق بني �أراء العلماء عن طري ��ق النظر ،واال�ستدالل دون
ا�ضطرار� ،أو ا�ست�سالم للتقليد.
ثان ًيا :تق�سيم التلفيق باعتبار الق�ضية الفقهية امللفقة
ينق�سم التلفيق باعتبار الق�ضية الفقهية امللفقة ثالثة �أق�سام:
الق�س ��م الأول :ق�ض ��ية فقهي ��ة ملفق ��ة م ��ن مذاه ��ب فقهية؛ كمن حج فمك ��ث يف مزدلفة
مبق ��دار ح ��ط رحله كما هو عند املالكي ��ة( ،)2وقلم �أظفاره كما هو عن ��د الظاهرية( ،)3ثم طاف
راكبا كما هو عند ال�شافعية( ،)4ورمى يوم النفر قبل الزوال كما هو عند احلنفية( ،)5فهذا احلج
ملفق من مذاهب خمتلفة ،وكل مذهب ال يقول بر�أي املذهب الآخر يف امل�س�ألة التي قلده فيها.
الق�س ��م الثاين :ق�ض ��ية فقهية ملفقة من مذهبني فقهيني؛ كمن تو�ض�أ فلم يدلك
كم ��ا هو عند ال�شافعية( ،)6ثم مل�س امر�أة بال �شهوة كما هو عند املالكية( ،)7فهذا الو�ضوء
ملف ��ق من مذهبني وهو باطل على املذهب املالكي لع ��دم الدلك ،وعلى املذهب ال�شافعي
للم�س املر�أة(.)8
171
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الق�س ��م الثالث :ق�ض ��ية فقهية ملفقة من ر�أيني فقهيني يف املذهب الواحد؛ كمن
وق ��ف الدراه ��م كما هو عند زفر( ،)1وكان وقفه على نف�سه كما هو عند �أبي يو�سف ،فهذا
الوق ��ف ملفق من قولني يف مذه ��ب واحد ،وهو باطل عند الإمام�ي�ن ،ف�أبو يو�سف ال يرى
وقف الدراهم ،وزفر ال يرى الوقف على النف�س(.)2
والكالم عن حكم التلفيق ي�شمل كل هذه ال�صور ،حتى التلفيق بني ر�أيني يف مذهب
واح ��د ،فقد جاء يف العقود الدرية بعد ذكر املثال ال�سابق امللفق بني قولني داخل املذهب
احلنفي«:فنقول النفاذ مبني على القول ب�صحة احلكم امللفق»(.)3
املطلب الثالث :حكم التلفيق
التلفي ��ق �إم ��ا �أن ي�صدر من �شخ�ص جمتهد �أو �شخ�ص مقلد كما �سبق بيانه ،ولكل
ق�س ��م من هذين الق�سمني حكم يختلف عن الآخر ،ويف الفرعيني التاليني بيان حلكم كل
منهما.
الفرع الأول:تلفيق املجتهد
تلفيق املجتهد :هو �أن يجتهد املجتهد يف م�س�ألة في�ؤديه اجتهاده �إىل اجلمع بني
قول�ي�ن ملجتهدي ��ن قبله يف نف� ��س امل�س�ألة( ،)4و ي�سم ��ى هذا عند الأ�صولي�ي�ن «�إحداث قول
ثالث»( ،)5وقد اختلفوا فيه على ثالثة �أقوال:
القول الأول� :أن �إحداث قول ثالث ال يجوز مطل ًقا ،وهو قول جمهور الأ�صوليني(.)6
((( ه ��و زف ��ر بن الهذيل بن قي�س العنربي� ،أبو الهذيل ،ولد �سنة 110ه ،من �أ�صحاب الإمام �أبي حنيفة ،ومن كبار فقهاء
املذهب احلنفي ،تويف �سنة.158انظر� :سري �أعالم النبالء ،للذهبي ،38/8تاج الرتاجم ،للجمايل احلنفي .169/1
((( انظر :العقود الدرية يف تنقيح الفتاوى احلامدية ،البن عابدين .109/1
((( املرجع ال�سابق.
((( انظر :التلفيق يف التقليد ،لعارف ح�سونة �ص.207
((( انظر�:أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله ،لل�سلمي �ص ،333التلفيق يف التقليد ،لعارف ح�سونة �ص.207
((( انظر :فتح القدير،البن الهمام ،487/1املح�صول ،البن العربي� ،ص� ،123شرح تنقيح الف�صول ،للقرايف� ،ص،328
172
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
القول الثاين� :أن �إحداث قول ثالث جائز مطل ًقا ،وهو قول بع�ض الأ�صوليني(.)1
الق ��ول الثال ��ث� :أن �إح ��داث قول ثال ��ث جائز ب�شرط �أال يرفع م ��ا اتفق عليه القوالن
ال�سابقان ،وهو قول بع�ض الأ�صوليني(.)2
�أدلة القول الأول:
الدلي ��ل الأول� :أن �إجم ��اع العلماء على قولني دلي ��ل على بطالن ما عداهما ،كما �أن
الإجماع على قول واحد دليل على بطالن ما عداه(.)3
نوق� ��ش :ب� ��أن اختالفهم على قولني �إجماع على ج ��واز القولني ،و�إقرار �أن هذه امل�س�ألة
اجتهادية ،ولي�ست قطعية ،وال يكون القول الثالث باطلاً � ،إال �إذا ا�شرتطوا عدم �إحداثه (.)4
الدلي ��ل الث ��اين� :أن ذلك يوجب ن�سبة الأمة �إىل اخلط�أ ،و�إىل ت�ضييع احلق ،والغفلة
عن ��ه؛ ف�إنه لو كان احل ��ق يف القول الثالث ،كانت الأمة قد �أخط�أته ،و�ضيعته وغفلت عنه،
وخال الع�صر من قائم هلل بحجته ،ومل يبق منهم عليه �أحد وذلك حمال(.)5
نوق� ��ش :ب�إن ��ه �إمنا يلزم من ذل ��ك ن�سبة الأمة �إىل اخلط� ��أ ،وت�ضييع احلق ،والغفلة
عن ��ه� ،أن لو كان احلق يف امل�س�أل ��ة معي ًنا ،و�أجمعوا فيه على قول واحد ،و�أما فيما اختلفوا
=الإح ��كام ،للآم ��دي ،268/1البحر املحي ��ط ،للزرك�شي ،516/6اللم ��ع ،لل�شريازي� ،ص ،93رو�ض ��ة الناظر ،البن
قدامة ،430/1امل�سودة ،لآل تيمية �ص ،326العدة ،لأبي يعلى .1113/4
((( روي ع ��ن بع�ض احلنفية ،والظاهرية.انظر:الإحكام ،البن ح ��زم ،560/1التب�صرة ،لل�شريازي� ،ص ،387الإحكام،
للآمدي ،268/1رو�ضة الناظر ،البن قدامة � ،430/1إر�شاد الفحول ،لل�شوكاين.229/1
((( روي ع ��ن الإمام ال�شافع ��ي ،واختاره الآمدي ،وابن احلاج ��ب ،والرازي ،وابن اللحام ،والط ��ويف .انظر� :شرح تنقيح
الف�صول ،للقرايف� ،ص ،228الإحكام ،للآمدي ،268،430/1املح�صول ،للرازي ،128/4بيان املخت�صر ،للأ�صفهاين
،590/1املخت�صر يف �أ�صول الفقه ،البن اللحام� ،ص� ،79شرح خمت�صر الرو�ضة ،للطويف.92/3
((( انظر :العدة ،لأبي يعلى ،1113/4املعتمد ،لأبي احل�سني الب�صري.45/2
((( انظ ��ر :الإح ��كام ،للآمدي � ،269/1شرح خمت�صر الرو�ضة ،للطويف� ،89/3أ�ص ��ول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله،
لل�سلمي� ،ص.133
((( انظر:رو�ضة الناظر ،البن قدامة ،431/1الإحكام ،للآمدي .268/1
173
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
في ��ه فال؛ لأن غاي ��ة ذلك تخطئة بع�ضه ��م يف �أمر ،وتخطئة البع� ��ض الآخر يف غري ذلك
الأمر(.)1
�أدلة القول الثاين:
الدلي ��ل الأول� :أن ال�صحاب ��ة اجته ��دوا يف هذي ��ن القول�ي�ن ،ومل ي�صرحوا بتحرمي
�إحداث قول ثالث(.)2
نوق�ش :ب�أن ال�صحابة كذلك لو اجتمعوا على قول واحد مل ي�صرحوا بتحرمي �إحداث
القول الثاين ،مع �أنه ال يجوز ملخالفته لإجماعهم(.)3
الدلي ��ل الث ��اين� :أن االخت�ل�اف عل ��ى قولني دلي ��ل ت�سويغ االجتهاد ،والق ��ول الثالث
حادث عن االجتهاد فكان جائزًا(.)4
نوق� ��ش :ب�أن االختالف على قولني دلي ��ل ت�سويغ االجتهاد �إذا كان االجتهاد يف طلب
احل ��ق من القولني ،ف�أما �إح ��داث القول الثالث من غريهما ف�ل�ا؛ لأنهم قد �أجمعوا على
بطالن ��ه ،وهذا كما لو �أجمعوا يف حادثة على �إبطال حكم فيها فينقطع االجتهاد يف ذلك
احلكم ،وال مينع ذلك من االجتهاد فيها على غري ما �أجمعوا على بطالنه(.)5
يج ��اب :ب�أن ��ه ال ي�سلم �أن اخلالف على قولني �إجماع منه ��م على �إبطال �إحداث قول
ثال ��ث مامل ين�صوا عل ��ى �إبطاله ،وقيا�س �إح ��داث قول ثالث على �إبط ��ال حكم يف حادثة
قيا� ��س م ��ع الفارق؛ لأنهم ن�ص ��وا على �إبطال احلك ��م يف احلادثة خال ًف ��ا لإحداث القول
الثالث الذي مل ين�صوا على �إبطاله.
174
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل الثال ��ث� :أن ال�صحاب ��ة �إذا ا�ستدل ��وا بدلي ��ل ،وعللوا بعلة ،ج ��از ملن بعدهم
اال�ست ��دالل بدليل �آخر ،والتعلي ��ل بعلة �أخرى ،فكذلك �إذا كان له ��م قول جاز ملن بعدهم
�إحداث قول �آخر(.)1
نوق� ��ش :ب�أن الدلي ��ل يختلف عن احلك ��م؛ فالدليل ي�ؤيد احلك ��م ال�سابق ال يخالفه،
بعك� ��س احلكم اجلدي ��د ،ف�إذا �أجمعوا عل ��ى �أمر وا�ستدل ��وا بدليل من الق ��ر�آن ،جاز ملن
بعده ��م �أن ي�ست ��دل بدلي ��ل �آخر م ��ن ال�سنة ي�ؤيد م ��ا �أجمعوا عليه ،وال يج ��وز خمالفة ما
�أجمعوا عليه ب�إحداث حكم �آخر(.)2
الدليل الرابع� :أن �إحداث قول ثالث وقع يف هذه الأمة من غري نكري(.)3
نوق�ش :ب�أن عدم نقل الإنكار ال يدل على عدم الإنكار(.)4
يج ��اب :ب�أن ��ه حتى مع وج ��ود الإنكار؛ ف�إن الإنكار لي�س لأن ه ��ذا قول ثالث ،بل ينكر
العلماء القول الذي يخالف الن�ص� ،أو الإجماع.
�أدلة القول الثالث:
�أ�صح ��اب الق ��ول الثالث جمعوا بني �أدلة القول الأول و�أدلة القول الثاين ،وا�ستدلوا
ب�أن القول الثالث �إذا رفع ما اتفق عليه القوالن ال�سابقان خالف ما �أجمعوا عليه ،و�إذا مل
يرفع ما اتفق عليه القوالن مل يخالفه ،بل وافق كل واحد من القولني من وجه وخالفه من
وجه ،فهو جائز �إذ لي�س فيه خرق للإجماع(.)5
يناق� ��ش :ب�أن اختالفه ��م على قولني �إجماع منه ��م على �أن ه ��ذه امل�س�ألة اجتهادية،
175
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ولي�ست من الأمور القطعية ،فمجال االجتهاد فيها �سائغ ،حتى و�إن رفع هذا االجتهاد ما
إجماعا قطع ًيا فريد.
ن�صا� ،أو � ًاتفق عليه القوالن ال�سابقان ،مامل يخالف هذا االجتهاد ً
الرتجي ��ح :بع ��د عر�ض الأقوال ،و�أدلة كل قول ،ومناق�ش ��ة الأدلة ،تبني يل �أن الأدلة
متكافئ ��ة ،والأق ��رب -واهلل �أعلم� -أن الراجح �أن �إحداث ق ��ول ثالث جائز ،ما مل يخالف
إجماعا قطع ًيا؛ لأن يف اختالف العلماء �إقرا ًرا منهم ب�أن هذه امل�س�ألة
ن�صا �أوً � هذا القول ً
اجتهادي ��ة ،واالجته ��اد �سائ ��غ فيها ،فال يرد ه ��ذا االجتهاد لأنه قول جدي ��د ،بل يرد �إذا
إجماعا قطع ًيا.
ن�صا� ،أوً � خالف ً
إجماعا
ن�صا� ،أو � ً وبنا ًء على هذا الرتجيح يكون تلفيق املجتهد جائزً ا� ،إال �إذا خالف ً
قطعيا.
الفرع الثاين:تلفيق املقلد
ق ��د يلف ��ق املقلد ب�ي�ن قولني ملجتهدي ��ن دون اجتهاد �أو نظر منه ،إ�م ��ا للجهل� ،أو
لظن ��ه جواز التلفيق� ،أو لل�ض ��رورة� ،أو لتتبع رخ�ص املذاهب وغريه ��ا من الأ�سباب ،وقد
اتف ��ق الأ�صوليون عل ��ى �أن هذا التلفيق ال يك ��ون يف م�سائل الأ�صول ،وم ��ا علم من الدين
بال�ض ��رورة(� ،)1أم ��ا �إن كان يف م�سائل الفروع االجتهادي ��ة املختلف فيها ،فقد اختلفوا يف
حكمه على قولني:
الق ��ول الأول :من ��ع تلفي ��ق املقلد مطل ًقا ،وه ��و قول جمهور الأ�صولي�ي�ن( ،)2بل حكي
((( �أ�صول الفقه الإ�سالمي ،لوهبة الزحيلي ،428/2الفتوى يف الإ�سالم ،للقا�سمي� ،ص.170
((( انظر :القول ال�سديد يف بع�ض م�سائل االجتهاد والتقليد ،للموروي� ،ص ،79حا�شية الد�سوقي � ،20/1إعانة الطالبني،
للدمياط ��ي ،25/1التحقيق يف بطالن التلفيق ،لل�سفاريني� ،ص ،171التلفيق يف التقليد ،لعارف ح�سونه �ص.212قال
احلل ��واين ال�شافعي« :وهذا الذي تقرر من ا�شرتاط عدم التلفيق ه ��و املعتمد عندنا وعند احلنفية واحلنابلة» الو�سم
يف حكم الو�شم ،للحلواين �ص 133نق ًال من التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي ،لل�سعيدي �ص.22
176
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
177
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
178
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
179
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوق� ��ش :ب�أن ي�س ��ر ال�شريعة املعترب هو م ��ا كان على وفق دالئ ��ل ال�شريعة و�أ�صولها،
ولي�س التلفيق طري ًقا من طرق التي�سري املعتد بها ،وكما �أن من مقا�صد ال�شريعة التي�سر،
ورف ��ع احلرج ،ف�إن من مقا�صدها �أي�ضا حفظ ال�شريعة م ��ن �أن ترد �إىل الأهواء ،وتقحم
اجلهالء ،فال ت�ضرب املقا�صد باملقا�صد(.)1
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن منع التلفيق ي� ��ؤدي �إىل �إف�ساد لكثري من عب ��ادات العامة؛ �إذ ال
تكاد جتد عام ًيا يفعل عبادة موافقة ملذهب معني(.)2
يناق� ��ش :ب�أننا نفرق ب�ي�ن التلفيق قبل الفعل وبعده ،فنحن منن ��ع العامة من التلفيق
ابت ��دا ًء ،ونلزمهم ب�أن ي�س�أل ��وا �أهل العلم ويتقيدوا بالر�أي الذي �أخذوه ،ومن جاءنا منهم
بعد الفعل وقد لفق يف عبادته بني �آراء العلماء املعتربة فال نف�سدها؛ تي�س ًريا عليه ،ورف ًعا
للحرج(.)3
الرتجي ��ح :بعد عر� ��ض الأقوال و�أدلتها ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة ،تبني
يل �أن أ�ك�ث�ر الأدل ��ة للفريقني ال ت�سل ��م من املناق�شة ،و�أن �أقرب الأق ��وال-واهلل �أعلم -هو
القول الأول ،و�أن املقلد ال يجوز له التلفيق بني �أراء العلماء ،بل فر�ض املقلد �أن ي�س�أل �أهل
العلم ،ويلتزم الر�أي الذي �أخذه ،وله �أن ي�س�أل من �شاء من �أهل العلم وي�أخذ بر�أيه ،دون
�أن يلتزم ر�أي عامل معني ،وال يجوز له التلفيق بني هذه الآراء؛ لأنه لي�س �أهلاً لال�ستنباط،
ومعرفة الأدلة التي يبني عليها الأئمة اختياراتهم وترجيحاتهم فيلفق بينها.
((( انظر:التلفيق بني املذاهب الفقهية ،للعتيبي �ص ،31التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي ،لل�سعيدي �ص.42
((( انظر :عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق ،للباين � ،192أ�صول الفقه الإ�سالمي ،لوهبة الزحيلي.426/2
((( ج ��اء يف حا�شي ��ة ابن عابدين�«:أن له التقليد بعد العمل كما �إذا �صلى ظا ًن ��ا �صحتها على مذهبه ثم تبني بطالنها يف
مذهب ��ه و�صحتها على مذهب غريه فله تقليده ،ويجتزي بتلك ال�صالة» ،وقال ابن عثيمني«:وكذلك �إذا كان الأمر قد
وق ��ع وكان يف �إفتائ ��ه ب أ�ح ��د القولني م�شقة و�أفتى بالق ��ول الثاين فال حرج ...وكان �شيخنا عب ��د الرحمن بن �سعدي-
رحمه اهلل -يفعل ذلك �أحيا ًنا ويقول يل :هناك فرق بني من فعل ومن �سيفعل ،وبني ما وقع وما مل يقع».انظر :حا�شية
ابن عابدين ،75/1جمموع فتاوى ور�سائل العثيمني .401/26
180
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( �أ�صول الفقه الإ�سالمي ،لوهبة الزحيلي .431/2وانظر :التقرير والتحبري،البن �أمري احلاج .351/3
((( قواعد الفقه ،ملحمد الربكتي�،ص.236
((( انظر :التلفيق بني املذاهب الفقهية ،للعتيبي �ص.18
((( ه ��و مو�س ��ى بن عي�سى بن �أبي احلاج �أبو عمران ،الزنات ��ي ،الفا�سي ،من فقهاء املالكية ،ولد �سنة368ه ،قال حامت بن
حمم ��د :كان �أبو عمران من �أعلم النا�س و�أحفظهم ،من ت�صانيف ��ه« :الفهر�ست» ،و«التعاليق على املدونة» ومل يكمله،
تويف �سنة430ه.انظر� :سري �أعالم النبالء ،للذهبي ،545/17الأعالم ،للزركلي .326/7
((( �شرح تنقيح الف�صول ،للقرايف �ص.232وانظر:البحر املحيط ،للزرك�شي .378/8
((( التنكيل ،للمعلمي.585/2
181
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وخال�صته ��ا �أنه يج ��وز للم�صرف �أن يطلب من �شريكه �ضما ًن ��ا ي�ضمن ما ي�ضيع من مال
ال�شركة بتعد �أو تق�صري من ال�شريك ،عملاً مبذهب احلنفية واملالكية واحلنابلة( ،)1كما
يج ��وز ل ��ه �أن ي�أخذ ره ًنا م ��ن �شريكه ،عملاً مبذه ��ب املالكية( ،)2والغر� ��ض من ال�ضمان
والرهن توثيق احلق واالطمئنان �إىل ا�ستيفائه(.)3
ففت ��وى الهيئة عبارة عن هند�سة مالية �إ�سالمية ا�ستخ ��دم فيها التلفيق ك�أداة لهذه
الهند�سة.
لم ��ر بال�شراء مع الوعد امللزم هو عب ��ارة عن هند�سة مالية وكذل ��ك بيع املرابحة ل آ
ا�ستخ ��دم فيها التلفيق بني ق ��ول ال�شافعي بجواز املرابحة مع الوعد( ،)4وقول ابن �شربمة
()5بالإلزام بالوعد(.)6
وال ��ذي ينبغ ��ي مراعاته يف التلفيق ب�ي�ن الأقوال الفقهية لأج ��ل الهند�سة الإ�سالمية
للعق ��ود �أن يكون املهند�س من �أهل االجته ��اد ،ف�إن مل يكن فعليه �أن يعر�ض ما قام به من
تلفي ��ق لهند�س ��ة العقود على �أهل االجته ��اد� ،أو �أن يلتزم ال�شروط الت ��ي و�ضعها �أ�صحاب
القول الذين �أجازوا تلفيق املقلد؛ كي يبتعد عن التلفيق املمنوع(.)7
((( انظر :بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين ،4-3/6بداية املجتهد ،البن ر�شد ،82/4ك�شاف القناع ،للبهوتي .382/3
((( انظر� :شرح خمت�صر خليل ،للخر�شي .249/5
((( انظر :الفتاوى االقت�صادية ،ملجموعة من امل�ؤلفني� ،ص.1166
((( انظر :الأم ،لل�شافعي .39/3
((( ه ��و عب ��داهلل بن �شربمة بن عمر بن �شربمة ب ��ن الطفيل ال�ضبي� ،أبو �شربمة ،من فقه ��اء املالكية ،ولد �سنة72ه،كان
�صارما ،عاقلاً ،خ ًريا ،ي�شبه الن�ساك ،وكان �شاع ًرا ،كر ًميا ،جوادًا ،توىل ق�ضاء الكوفة ،تويف �سنة
ابن �شربمة عفي ًفاً ،
144ه.انظر� :سري �أعالم النبالء ،للذهبي ،347/6فقه الإمام ابن �شربمة الكويف ،ملحمد العاين� ،ص.26-9
((( انظر :املحلى ،البن حزم ،278/6فقه الإمام ابن �شربمة الكويف ،ملحمد العاين� ،ص.93
ممنوعا يف الأحوال التالية:
ً ((( جاء يف قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي العدد ،8رقم «: 1/74يكون التلفيق
أ� � -إذا �أدى �إىل الأخ ��ذ بالرخ� ��ص ملج ��رد الهوى....ب� -إذا �أدى �إىل نق�ض حكم الق�ض ��اء.ج � -إذا �أدى �إىل نق�ض
م ��ا عم ��ل به تقليدً ا يف واقعة واحدة.د � -إذا �أدى �إىل خمالف ��ة الإجماع �أو ما ي�ستلزمه.هـ � -إذا �أدى �إىل حالة
مركبة ال يقرها �أحد من املجتهدين».
182
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث ال�ساد�س
تركيب العقود
تطورت املعامالت املالية يف الع�صر احلا�ضر ،وتزايدت عوامل املخاطرة؛ مما جعل
االحتياط ��ات االقت�صادي ��ة معقدة ومت�شعبة ،خا�صة مع التو�س ��ع العلمي واملعريف والتقني
يف احلا�س ��ب ،واالنرتن ��ت( ،)1و�أدى ذل ��ك �إىل انت�شار العقود املالي ��ة املركبة و�شيوعها يف
الأ�سواق املحلية ،والعاملية ،و�أقبلت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية على التعامل بها()2؛ حيث
حلول ملا تواجهه من خماطر ،و�صي ًغا ذات كفاءة اقت�صادية عالية .ويف هذا وجدت فيها اً
املبحث درا�سة لرتكيب العقود املالية.
املطلب الأول :تعريف العقود املالية املركبة
قبل تعريف العقود املالية املركبة البد من تعريف كل م�صطلح منها منفردًا ،وميكن
بعدها التو�صل لتعريف العقود املالية املركبة.
فالعق ��ود يف اللغة جمع عق ��د ،ويدل على ال�شد ،والتوثيق( ،)3ق ��ال ابن فار�س«:العني
والقاف والدال �أ�صل واحد يدل على �شد و�شدة وثوق ،و�إليه ترجع فروع الباب كلها»(.)4
و�أم ��ا العقد يف اال�صطالح ،فهو«:التزام املتعاقدي ��ن وتعهدهما �أم ًرا وهو عبارة عن
ارتباط الإيجاب بالقبول»(.)5
وا�صطالحا(.)6
ً وقد �سبق تعريف املال لغة
183
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
و أ�م ��ا تعري ��ف املركبة يف اللغة فه ��ي م�ؤنث مرك ��ب ،واملركب ا�سم مفع ��ول من ركب
يركب تركي ًبا ،والرتكيب يف اللغة و�ضع ال�شيء بع�ضه على بع�ضه ،و�ضمه �إليه( ،)1فـ«الراء
والكاف والباء �أ�صل واحد مطرد منقا�س ،وهو علو �شيء �شيئا»(.)2
و أ�م ��ا املركب يف اال�صطالح ،فهو«:جمم ��وع الأ�شياء املتعددة بحيث يطلق عليها ا�سم
الواحد»(.)3
وبعد تعريف هذه امل�صطلحات ميكن تعريف العقود املالية املركبة؛ وقد عرف الدكتور
نزيه حماد العقود املركبة ب�شكل عام ،وهي�«:أن يتفق الطرفان على �إبرام معاملة(�صفقة)
ت�شتمل على عقدين ف�أكرث)4(...بحيث تعد موجبات تلك العقود املجتمعة ،وجميع احلقوق
وااللتزام ��ات املرتتبة عليها جملة واح ��دة ،ال تقبل التفريق والتجزئة واالنف�صال ،مبثابة
�آثار العقد الواحد»(.)5
يعم جميع العقود املركبة� ،سواء كانت عق ��ودًا مالية� ،أو غري مالية،
وه ��ذا التعري ��ف ّ
ومن �أمثلته التي ذكرها الدكتور :البيع ،والهبة ،والزواج( ،)6والزواج عقد غري مايل.
و�أما الدكتور العمراين فقد عرف العقود املالية املركبة ب�شكل خا�ص ،ب�أنها«:جمموع
العقود املالية املتعدد التي ي�شتمل عليها العقد –على �سبيل اجلمع والتقابل -بحيث تعترب
جميع احلقوق وااللتزامات املرتتبة عليها مبثابة �آثار العقد الواحد»(.)7
((( انظر� :أ�سا�س البالغة ،للزخم�شري ،379 /1القامو�س املحيط ،للفريوز �أبادي� ،ص.91
((( معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .432/2
((( العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.46
((( ذكر الدكتور �أمثلة هنا ،وحذفتها رغبة يف االخت�صار.
((( العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي ،لنزيه حماد� ،ص .7وانظر :ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد ،لنزيه حماد،
�ص.263
((( انظر :ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد ،لنزيه حماد� ،ص.263
((( انظر:العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.46
184
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وه ��ذا التعريف هو املخت ��ار؛ لأنه خا�ص بالعقود املالية املركبة ،وال يدخل فيه العقود
املركبة غري املالية.
املطلب الثاين� :أنواع العقود املالية املركبة
للعقود املركبة نوعان ،وهما:
الن ��وع الأول :العقود املجتمعة؛ وه ��ي العقود املركبة املجتمعة يف عقد واحد ،وذلك
ب� ��أن يجتمع عق ��دان �أو �أكرث يف عقد واحد( ،)1مث ��ل �أن يقول :بعتك ه ��ذه الدار و�أجرتك
الأخرى ب�ألف(.)2
الن ��وع الث ��اين :العقود املتقابلة؛ وهي العقود املركبة التي يكون فيها العقد الثاين يف
مقابل ��ة العق ��د الأول( ،)3وهي ما يعرب عنها الفقه ��اء مب�س�ألة«:ا�شرتاط عقد يف عقد»(،)4
مثل �أن يقول :بعتك داري بكذا على �أن ت�ؤجرين دارك بكذا(.)5
أنواعا �أخرى للعقود املركبة؛ كالعقود املختلفة ،وهي� :أن يجتمع
وق ��د ذكر العمراين � ً
عق ��دان بينهما اختالف يف الأحكام( ،)6والعقود املتجان�سة ،وهي� :أن يجتمع عقدان دون
اختالف يف الأحكام( ،)7وكلها ترجع للنوعني ال�سابقني ،فالعقود املجتمعة �أو املتقابلة �إما
�أن تك ��ون ب�ي�ن عقدين فيهما اخت�ل�اف يف الأحكام� ،أو بني عقدي ��ن ال تختلف �أحكامهما،
ق ��ال العمراين«:ميكن ح�صر العقود املركبة يف النوع�ي�ن املتقدمني ،وهي العقود املركبة
185
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املتقابل ��ة ،والعقود املركبة املجتمع ��ة»( ،)1وجاء يف تعريف نزيه حماد«:بحيث تعترب �سائر
موجب ��ات تلك العقود املجتمعة �أو املتقابلة»( ،)2وج ��اء يف تعريف العمراين« :التي ي�شتمل
عليه ��ا العقد على �سبيل اجلمع �أو التقابل»( ،)3فاقت�صرا يف تعريفهما للعقود املركبة على
النوعني ال�سابقني داللة على �أن كل الأنواع الأخرى تدخل فيها.
املطلب الثالث :حكم تركيب العقود املالية
اتفق الفقهاء املعا�صرون على جواز تركيب العقود املالية()4؛ ومما ي�ؤيد ذلك:
-1اتفاق الفقهاء املتقدمني على جواز اجتماع �أكرث من عقد يف معاملة( ،)5مامل يكن
دلي ��ل �شرعي حاظر( ،)6ومل �أجد خال ًفا يف ذلك؛ وذلك لأن املعاملة م�شتملة على عقدين
كل واحد منهما جائز حال االنفراد ،فكذلك حالة االجتماع(.)7
�-2أن «الأ�ص ��ل مبقت�ضى دالئل ن�صو�ص ال�شريعة هو حري ��ة التعاقد ،ووجوب الوفاء
ب ��كل ما يرتا�ض ��ى املتعاقدان عليه ويلتزمانه ،ما مل يكن ن� ��ص �أو قيا�س �صحيح مينع من
ذل ��ك ،فعندئذ مين ��ع بخ�صو�صه على خالف القاع ��دة املط ��ردة»()8؛ فالأ�صل يف العقود
186
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وال�شروط ال�صحة واجلواز� ،إال ما دل الدليل على منعه ،وقد �سبق بيان ذلك(.)1
املطلب الرابع� :ضوابط تركيب العقود املالية
�إذا كان الأ�ص ��ل يف تركي ��ب العقود املالي ��ة ال�صحة واجلواز� ،إال م ��ا دل ال�شرع على
حترميه فالبد من �ضوابط لها؛ كي تبقى على �أ�صل ال�صحة واجلواز ،وتبتعد عن الوقوع
يف املحظور ال�شرعي ،وهذه ال�ضوابط:
�-1أال يك ��ون اجلمع بني العقود املالية حمل نهي �شرعي()2؛ كا�شرتاط اجلمع بني القر�ض
والبي ��ع( ،)3فق ��د جاء عن ��د �أبي داود وغريه ع ��ن عبد اهلل بن عمرو ب ��ن العا�ص
قال :قال ر�سول اهلل ׫ :لاَ َيحِ ُّل َ�س� �لَ ٌف َو َب ْي ٌع»( .)4وقد �أجمع الفقهاء على املنع من
ذلك( ،)5ج ��اء يف مو�سوعة الإجماع«:مل يوقف على خالف �أحد من العلماء على هذا
الإجماع ال�سالف ،وهو املنع من ا�شرتاط القر�ض مع البيع»(.)6
((( انظر �ص 87 ،75من هذا البحث.
((( انظر :العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي ،لنزيه حماد� ،ص ،13العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.179
((( انظر :ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد ،لنزيه حماد� ،ص.268
((( رواه �أب ��و داود ،كت ��اب البيع ،باب يف الرج ��ل يبيع ما لي�س عنده ،برقم ،3504والرتمذي ،كت ��اب البيوع ،باب ما جاء يف
كراهي ��ة بي ��ع ما لي�س عنده ،برق ��م ،1234والن�سائي ،كتاب البيوع ،باب �شرطان يف بي ��ع ،برقم .4631 ،4630واحلديث
�ضعيف؛ فهو من رواية عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده ،وعمرو بن �شعيب فيه خالف بني املحدثني؛ فقد �ضعفه يحيى
القط ��ان ،واب ��ن معني يف رواية ،و�أحمد ،و�أب ��و داود ،وذكره البخاري يف ال�ضعفاء ال�صغري وذك ��ر �أن مما يعاب عليه �أنه
كان ال ي�سم ��ع ب�ش ��يء �إال حدث به ،وقال عنه ابن معني «:لي�س بذاك» ،وقال �أحمد «:له �أ�شياء مناكري ،و�إمنا يكتب حديثه
يعترب به ،ف�أما �أن يكون حجة فال» .ولعل ت�ضعيف ه�ؤالء الأئمة له من�صب على روايته عن �أبيه عن جده؛ ف�أكرث مروايته
هي عن �أبيه عن جده ،و�سل�سة عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده ح�صل خالف بني الأئمة فيها ،والراجح �أنها �ضعيفة؛
أي�ضا ابن معني ،وابن املديني ،وابن حبان ،وابن عدي.انظر :تهذيب الكمال ،للمزي ،64/22 وممن ن�ص على �ضعفها � ً
ال�ضعفاء ال�صغري ،للبخاري� ،ص ،84ميزان االعتدال ،للذهبي ،263/3تهذيب التهذيب ،البن حجر .48/8
((( انظ ��ر :املنتق ��ى �ش ��رح املوط� ��أ ،للباجي ،29/5جمم ��وع الفتاوى ،الب ��ن تيمي ��ة ،83/30مو�سوعة الإجم ��اع يف الفقه
الإ�سالمي ،ملجموعة من امل�ؤلفني .163/4
((( مو�سوعة الإجماع يف الفقه الإ�سالمي ،ملجموعة من امل�ؤلفني .163/4
187
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -2أال يكون اجلمع بني العقود و�سيلة للمحرم( ،)1بحيث« تقوى التهمة ،ويكرث الق�صد يف
التط ��رق ،والتو�سل بها �إىل الأمر املحظور»()2؛ كاالتف ��اق على العينة� ،أو التو�صل �إىل
الربا(.)3
� -3أال يكون اجلمع بني عقدين خمتلفني يف الأحكام �إذا ترتب على ذلك ت�ضاد يف املوجبات
والآثار ،وذلك يف حالة توارد عقدين على حمل واحد يف وقت واحد()4؛ كما يف اجلمع
بني هبة عني وبيعها� ،أو اجلمع بني امل�ضاربة و�إقرا�ض ر�أ�س املال للم�ضارب(.)5
املطلب اخلام�س :تركيب العقود املالية والهند�سة املالية
يلج�أ املهند�س املايل �إىل تركيب العقود املالية ك�أداة ي�ستخدمها يف �صناعة الهند�سة
املالي ��ة ،والعق ��ود املالي ��ة املركبة ه ��ي نتيجة له ��ذا الرتكيب ،وه ��ي هند�س ��ة مالية ،وكل
عق ��د مايل مركب ه ��و هند�سة مالية ،ولي�س ��ت كل هند�سة مالية ه ��ي عقد مايل مركب،
فالهند�سة املالية �أعم من العقود املالية املركبة؛ فبيع املرابحة للآمر بال�شراء ،هو عبارة
ع ��ن معامل ��ة مركبة م ��ن وعد بال�شراء م ��ن العميل ،ووع ��د من امل�ص ��رف بالبيع بطريق
املرابح ��ة ،مع االلتزام بالوعد( ،)6فهذه معاملة مركب ��ة باعتبار االلتزام املوجود يف هذه
املعاملة( ،)7وهي هند�سة مالية� ،أما �إذا كانت على «�صيغة الوعد غري امللزم ،فهي معاملة
ذات عالق ��ات متعددة� ،إال �أنه ��ا ال تدخل يف �أحكام العقود املالي ��ة املركبة»( ،)8ومع ذلك
انظر :ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد ،لنزيه حماد� ،ص ،275العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.185 (((
العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي ،لنزيه حماد� ،ص.22 (((
انظر :العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي ،لنزيه حماد� ،ص ،19العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.185 (((
انظر :ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد ،لنزيه حماد� ،ص ،284العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.185 (((
انظر :ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد ،لنزيه حماد� ،ص.284 (((
انظر :بيع املرابحة للآمر بال�شراء ،للقر�ضاوي� ،ص.28 (((
انظر :العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.266 (((
املرجع ال�سابق� ،ص.266 (((
188
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( انظ ��ر :مقال العق ��ود املالية املركبة بني املخارج ال�شرعية واحليل الربوية ،للعم ��راين ،من�شور يف مو�سوعة االقت�صاد
والتمويل الإ�سالمي ،على الرابطhttp://iefpedia.com/arab/ :
((( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي رقم .)12/4(110:
((( �سبق تخريجه �ص.158
((( املوافقات ،لل�شاطبي .468/3
189
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
190
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الف�صل الرابع
ضوابط الهندسة المالية اإلسالمية
وفيه مبحثان:
تحُ ق ��ق الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية غاي ًة �شرعي ًة نبيل ًة ،وجناحه ��ا ي�شد من �أزر امل�صارف
الإ�سالمية وي�ساعدها على موا�صلة م�سريتها ،وهي من الو�سائل املعينة على التعريف بالإ�سالم،
وج ��ذب غري امل�سلمني �إليه� ،إال �أنه مما يخ�ش ��ى منه ا�ستجابتها ل�ضغط الواقع املخالف لل�شرع،
ورغبته ��ا يف احل�ص ��ول على الربح من �أي�س ��ر الطرق ،مع قوة املناف�سة م ��ن البنوك التقليدية؛
فتنزل ��ق بالهند�سة املالية �إىل منحدر املخالف ��ات ال�شرعية التي يفقدها م�صداقيتها ،وي�سلبها
ال�سند الأقوى الذي يك�سبها ر�ضا اهلل � اًأول ،ثم ر�ضا املتعاملني معها( ،)1والذي يحمي امل�صارف
الإ�سالمية من ذلك هو االلتزام بال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية.
وللهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة �ضواب ��ط تخ�ص املهند� ��س امل ��ايل ،و�ضوابط تخ�ص
الهند�سة املالية الإ�سالمية ،ويف املبحثني التاليني بيان ذلك.
املبحث الأول
الضوابط الخاصة بالمهندس المالي
طال � َ�ب �أحد الباحثني يف الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أن يك ��ون املهند�س املايل مل ًما
بالعل ��وم املالي ��ة� ،إ�ضافة �إىل العلوم ال�شرعية( ،)2وال�شك �أن ه ��ذا يعد من �أهم ال�ضوابط
للهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة ،وهو وجود امل�ؤه�ل�ات العلمية عند املهند� ��س املايل خا�صة
((( انظ ��ر :ال�سلع الدولية و�ضوابط التعامل فيها ،حلمزة ال�شريف ،من�شور �ضمن بحوث ندوة الربكة التا�سعة والع�شرون
لالقت�صاد الإ�سالمي ،جدة7-6 ،رم�ضان 1429ه� ،ص.50
((( انظر:احل ��وار ال ��ذي �أج ��ري م ��ع الدكتور عبدالك ��رمي قندوز� ،ص ��در يف العدد الأخ�ي�ر ملجلة امل�صرفي ��ة الإ�سالمية،
العدد� ،10شهر فرباير.
191
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
العلوم ال�شرعية ،والتي ذكرها علما�ؤنا بالتف�صيل عند تناولهم ل�شروط املجتهد من علم
بالكتاب وال�سنة ،و�أ�صول الفقه ،واللغة العربية ،واملجمع عليه واملختلف فيه ،وغريها(،)1
�أو كم ��ا قال ال�شيخ عبداهلل بن بيه�«:إن مهند�س هذه العملية الذي يقرر النتيجة يجب �أن
متمر�سا بتوازنات منظوماتها.
ً صريا بامل�صالح املعتربة فيها،مرتا�ضا يف ال�شريعة ،ب� ًً يكون
وق ��د �آثرنا م�صطلح االرتيا�ض على م�صطل ��ح االجتهاد؛ لئال ن�صطدم ب�شروط االجتهاد
ال�صعب ��ة التح�صي ��ل»(� ،)2إال �أن الواق ��ع ي�شه ��د �أن معظ ��م الك ��وادر الب�شري ��ة العاملة يف
امل�صارف الإ�سالمية وافدة �إليها من البنوك التقليدية فهم ال ميلكون امل�ؤهالت العلمية،
ويجهلون طبيعة العمل يف امل�صارف الإ�سالمية()3؛ لذا البد �أن تتوفر يف املهند�س املايل-
على الأقل� -صفتان؛ وهما :اخلربة بالعمل امل�صريف وال�ش�ؤون امل�صرفية ،والعلم بال�سوق
وحاجاته ،وبيانهما يف املطلبني التاليني.
املطلب الأول :اخلربة بالعمل امل�صريف ،وال�ش�ؤون امل�صرفية
م ��ن �أهم ال�صفات التي ينبغي للمهند�س املايل �أن ميتلكها اخلربة بالعمل امل�صريف،
وال�ش� ��ؤون امل�صرفي ��ة؛ فهناك فرق بني املعرف ��ة النظرية ،واملمار�س ��ة التطبيقية لل�شيء،
فـ«املمار�س ��ة لل�شيء يفيد قوة عليه ال حمال ��ة»( ،)4وقد بني اهلل تعاىل �أهمية املعلومة التي
ت�أتي من اخلبري بال�شيء؛ فقال تعاىل :ﮋ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ ( .)5وقال تعاىل :ﮋ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮊ ( .)6وقد رد النبي × العلم بت�أبري النخل �إىل �أهل اخلربة ،فقال ×�«:أَ ْن ُت ْم
((( انظر :رو�ضة الناظر ،البن قدامة ،334/2الإبهاج يف �شرح املنهاج ،لل�سبكي ،8/1ففيهما تف�صيل ل�شروط املجتهد.
((( م�شاهد من املقا�صد ،لعبداهلل بن بيه� ،ص.188
((( انظ ��ر� :إدارة املخاطر يف امل�ص ��ارف الإ�سالمية ،لف�ضل عبدالكرمي حممد ،بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي
ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة2008-2007 ،م� ،ص.278
((( الرد على املنطقيني ،البن تيمية� ،ص.21
((( �سورة فاطر ،الآية.14
((( �سورة الفرقان ،الآية .59
192
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�أَ ْعلَ� � ُم ِب َ�أ ْم� � ِر ُد ْن َيا ُك� � ْم»رواه م�سلم( .)1وقال نبين ��ا يو�سف ڠ للملك :ﮋﭵ ﭶ ﭷ
ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ ( .)2ف�أ�ش ��ار �إىل م�ؤهالت ��ه اخلا�ص ��ة الت ��ي تر�شح ��ه له ��ذه
الوالية؛ ومنها العلم؛ واملراد به هنا :اخلربة يف ذلك ،والكفاية فيه()3؛ فالأمر الذي يريد
�أن يت ��واله«يف حاجة �إىل اخلربة وح�س ��ن الت�صرف والعلم بكافة فروع ��ه ال�ضرورية»(،)4
حلكم فيه ��ا �إىل �أهل اخلربة( ،)5وم ��ن ذلك قول ابن ويف م�سائ ��ل كث�ي�رة ُيرج ��ع العلماء ا ُ
القيم«:وق ��ول القائل� :إن هذا غ ��رر وجمهول ،فهذا لي�س حظ الفقي ��ه ،وال هو من �ش�أنه،
و�إمنا هذا من �ش�أن �أهل اخلربة بذلك»( .)6فقول اخلبري �أوىل بالقبول؛ لأنه �أعلم ببواطن
الأمور( .)7فالهند�سة املالية الإ�سالمية ال ميكن جناحها �إال باملهند�س املايل الأمني اخلبري
«العارف ب�أحوال االقت�ص ��اد ،ودقائقه ،و�صوره ،وم�آالته ،ودوافع ��ه ،و�سائر متعلقاته»(،)8
والع ��ارف بالأزمات االقت�صادية ،و�أ�سبابه ��ا ،وحلولها ،وبالتجارب الناجحة� ،أو الفا�شلة،
والنظري ��ات املتنوعة ،فكل ذل ��ك يعود بفائدة كربى على املهند� ��س املايل ،وعلى احللول
الت ��ي يقدمها( ،)9واملهند�س املايل يف امل�صارف الإ�سالمية لكي يح�صل على هذه اخلربة
193
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يحت ��اج من امل�صرف القيام على عمل دورات تدريبية تنمي مهاراته ،وتطور خرباته؛ كي
ي�ؤدي عمله على �أف�ضل م�ستوى(.)1
املطلب الثاين :العلم بال�سوق وحاجاته
م ��ن الأهداف التي حتققه ��ا الهند�سة املالية الإ�سالمية تلبي ��ة االحتياجات املختلفة
للم�ستفيدي ��ن ،وعلى هذا يلزم «�أن تكون احلاجات التي يتطلبها ال�سوق معروفة ملن يقوم
باالبت ��كار والتطوي ��ر للأدوات والأوراق املالية»( ،)2بالإ�ضاف ��ة �إىل معرفة كل ما ي�ؤثر على
عمل ��ه؛ كاملعلومات عن تقلبات �أ�سعار الأ�سهم ،والعم�ل�ات ،و�أحوال االقت�صاد ،وتوجهات
ال�سوق ،والت�شريعات والقوانني اجلديدة(.)3
واملهند� ��س املايل بعدما ميتلك هاتني ال�صفتني ل ��ه �أن يقوم بالهند�سة املالية ،وهذا
ال يكف ��ي العتم ��اد هذه الهند�سة املالية ،ب ��ل البد من الت�أكد م ��ن امل�صداقية ال�شرعية ملا
مت ��ت هند�ست ��ه ،وه ��ذا ال يتم �إال بعر� ��ض ما قام به عل ��ى �أهل االجته ��اد� ،إن مل يكن من
املجتهدين؛ كاملجامع الفقهية ،والهيئات ال�شرعية التي ال ت�أثري للم�صارف على �أحكامها
الفقهي ��ة ،فاحلكم يحتاج �إىل نوعني م ��ن الفهم ،كما يقول ابن القيم :فهم الواقع ،وفهم
الواج ��ب يف الواقع( .)4والذي يقوم به املهند�س املايل هو النوع الأول ،والنوع الثاين يقوم
ب ��ه الفقي ��ه املجتهد ،فـــ«كل واحد منهما فيما يقيم من العم ��ل يكون معي ًنا لغريه فيما هو
قرب ��ة وطاعة»( ،)5وباجتماعهما يجتم ��ع فهم الواقع ،مع فهم الواجب يف الواقع ،و ُيتو�صل
ب�إذن اهلل �إىل احلكم ال�صحيح.
194
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثاين
الضوابط الخاصة بالهندسة المالية اإلسالمية
�أم ��ا ال�ضوابط التي تخ�ص الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية ،فهي عدم خمالفة الهند�سة
املالية لل�شرع ،و�سالمتها من العيوب ال�شكلية للعقود ،ويف املطلبني التاليني بيان ذلك.
املطلب الأول :عدم خمالفة الهند�سة املالية الإ�سالمية لل�شرع
من �أهم ال�ضوابط للهند�سة املالية الإ�سالمية �أال تخالف الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�ش ��رع ،فمخالفته ��ا له يخرجها م ��ن كونها هند�س ��ة مالية �إ�سالمي ��ة �إىل هند�سة مالية
تقليدي ��ة؛ ف�أب ��رز الفروق ب�ي�ن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة والهند�سة املالي ��ة التقليدية
خمالف ��ة التقليدية لل�شرع احلنيف؛ ولكي تبقى الهند�سة املالية الإ�سالمية موافقة لل�شرع
يلزم مراعاة الفروع التالية.
الفرع الأول :عدم املخالفة للن�ص ال�شرعي
�إذا ورد يف ال�ش ��رع ن�صو�ص تنهى عن معامل ��ة معينة ،فيجب على املهند�س املايل �أال
يق�ت�رب منها؛ ومما ورد النهي عنه مما له تعلق بالهند�سة املالية :النهي عن الربا ،وعن
الغرر ،وعن بيعتني يف بيعة ،وبيانها يف امل�سائل التالية.
امل�س�ألة الأوىل :عدم الوقوع يف الربا
الربا يف اللغة :الزيادة ،والنم ��و ،والعلو()1؛ قال ابن فار�س«:الراء ،والباء ،واحلرف
املعتل ،وكذلك املهموز منه يدل على �أ�صل واحد؛ وهو :الزيادة ،والنماء ،والعلو»(.)2
والرب ��ا يف اال�صطالح«:التفا�ض ��ل يف مبادلة كل ربوي بجن�س ��ه ،وت�أخري القب�ض مما
يجب فيه القب�ض»(.)3
((( انظر:تهذيب اللغة ،للأزهري 195/15ل�سان العرب ،البن منظور 304 /14
((( معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س.483/2
((( الربا ،ل�صالح ال�سلطان� ،ص.7
195
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وق ��د جاءت ن�صو� ��ص كثرية يف ال�شريعة تنهى عن الربا ،وحتذر من التعامل به؛ قال
اهلل تعاىل :ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ ( .)1وقال تعاىل :ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ ( .)2وع ��ن عب ��د اهلل ب ��ن م�سع ��ود ،قالَ « :ل َع َن
هلل ×�آ ِك َل ال ِّر َبا َو ُمو ِكلَ ُه» رواه م�سلم( .)3وعن �أ ِبي هريرة ،قال :قال ر�سول اهلل �ول ا َِر ُ�س � ُ
ب ْثلٍ ، ِ�ض ُة ِبا ْلف َّ
ِ�ض ِة َو ْز ًنا ِب َو ْزنٍ ،مِ ثْلاً مِ ِ ׫ :ال َّذه َُب ِبال َّذه َِب َو ْز ًنا ِب َو ْزنٍ ،مِ ثْلاً مِ ِ
ب ْثلٍ َ ،وا ْلف َّ
َف َم ��نْ َزا َد �أَ ِو ْا�س� � َت َزا َد َف ُه� � َو ِر ًبا» رواه م�سلم( .)4والربا الذي ج ��اءت الن�صو�ص بالنهي عنه
نوع ��ان :ربا الن�ساء ،وربا الف�ضل( ،)5فلفظ الربا «يتناول كل ما نهي عنه من ربا الن�ساء،
ورب ��ا الف�ضل ،والقر�ض الذي يجر منفعة ،وغري ذلك ،فالن�ص متناول لهذا كله»()6؛ ومن
�أمثلة التعامل بالربا يف البنوك ،الفوائد على القر�ض �سواء يف بداية العقد� ،أو عند حلول
الأجل ،وقد جاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي ،ب�ش�أن حكم التعامل امل�صريف بالفوائد،
وحك ��م التعامل بامل�صارف الإ�سالمي ��ة�«:أن كل زيادة �أو فائدة على الدين الذي حل �أجله
وعجز عن الوفاء به مقابل ت�أجيله ،وكذلك الزيادة (�أو الفائدة) على القر�ض منذ بداية
�شرعا»( ،)7وجاء يف قرار جمم ��ع الفقه الإ�سالمي، العق ��د :هاتان ال�صورتان رب ��ا حمرم ً
ب�ش� ��أن بي ��ع التق�سيط�«:إذا ت�أخر امل�شرتي املدين يف دف ��ع الأق�ساط عن املوعد املحدد فال
196
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يجوز �إلزامه �أي زيادة على الدين ،ب�شرط �سابق� ،أو بدون �شرط؛ لأن ذلك ربا حمرم»(.)1
امل�س�ألة الثانية :عدم الوقوع يف الغرر
الغ ��رر يف اللغ ��ة :اخلطر( ،)2وهو ال ��ذي ال ُيدري �أيك ��ون �أم ال( ،)3وغرر بنف�سه وماله
تغري ًرا وتغرة :عر�ضهما للهلكة(.)4
والغ ��رر يف اال�صطالح«:م ��ا يك ��ون م�ستور العاقب ��ة»(� ،)5أو«هو املجه ��ول العاقبة»(،)6
وكالهما بنف�س املعنى ،و�إن اختلفت �ألفاظهما قليل(.)7
عاما؛ كم ��ا جاء عن �أبي وق ��د وردت ن�صو�ص م ��ن ال�سنة تنهى عن الغ ��رر؛ �إما نه ًيا ً
هلل × َعنْ َب ْي ِع الحْ َ َ�صاةَِ ،و َعنْ َب ْي ِع ا ْل َغ َررِ» رواه م�سلم(.)8 هريرة ،قالَ « :نهَى َر ُ�س ُ
ول ا ِ
�أو نه ًي ��ا ع ��ن معام�ل�ات خا�صة ملا فيها من الغ ��رر؛ كما جاء عن عب ��داهلل بن عمر ر�ضي
حل َبلَ� �ةِ» .وكان بي ًعا يتبايعه �أهل �ول اللهَّ ِ ×َ « ،ن َه ��ى َعنْ َب ْي ِع َح َب ��لِ ا َ
اهلل عنهم ��ا� «:أَنَّ َر ُ�س � َ
اجلاهلي ��ة ،كان الرجل يبتاع اجلزور �إىل �أن تنت ��ج الناقة ،ثم تنتج التي يف بطنها» متفق
هلل × َع ��نْ َب ْي َع َت نْيِ، علي ��ه( ،)9وج ��اء عن �أبي �سعيد اخل ��دري ،قالَ « :نهَا َنا َر ُ�س � ُ
�ول ا ِ
َو ِل ْب َ�س� � َت نْيَِ ،ن َه ��ى َع ِن المْ ُلاَ َم َ�س� �ةَِ ،والمْ ُ َنا َب� � َذ ِة يِف ا ْل َب ْي ِع» ،واملالم�س ��ة :مل�س الرجل ثوب الآخر
((( جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�ساد�س ،قرار رقم .2/53
((( انظر :معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س ،381/4ل�سان العرب ،البن منظور .13/5
((( انظر :معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .381/4
((( انظر :ل�سان العرب ،البن منظور .13/5
((( املب�سوط ،لل�سرخ�سي .194/12
((( جمموع الفتاوى ،البن تيمية ،22/29القواعد النورانية ،البن تيمية� ،ص.169
((( انظر :الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لل�صديق ال�ضرير� ،ص.54
((( كتاب البيوع ،باب بطالن بيع احل�صاة والبيع الذي فيه غرر ،برقم.1513
((( رواه البخ ��اري ،كت ��اب البيوع ،باب بيع الغرر وحبل احلبلة ،برقم ،2143وم�سل ��م ،كتاب البيوع ،باب حترمي بيع حبل
احلبلة ،برقم.1514
197
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
بي ��ده باللي ��ل �أو بالنهار ،وال يقلبه �إال بذلك ،واملناب ��ذة� :أن ينبذ الرجل �إىل الرجل بثوبه،
نظر وال ترا� ٍ��ض» متفق عليه( .)1قال
وينب ��ذ الآخر �إليه ثوب ��ه ويكون ذلك بيعهما من غري ٍ
الن ��ووي « :أ�م ��ا النهي عن بيع الغرر فهو �أ�صل عظيم من �أ�صول كتاب البيوع ،ولهذا قدمه
م�سلم ويدخل فيه م�سائل كثرية غري منح�صرة،كبيع الآبق واملعدوم واملجهول وما ال يقدر
على ت�سليمه وما مل يتم ملك البائع عليه.)2(»...
والغرر املنهي عنه يعود �إىل �أمرين:
الأم ��ر الأول :اجله ��ل ب�أحد عو�ضي البيع()3؛ ويدخل فيه اجلهل بذات املحل مثل بيع
�ش ��اة م ��ن قطي ��ع( ،)4واجلهل بجن�س املح ��ل مثل بيع املرء ما يف كم ��ه( ،)5واجلهل بنوع
املح ��ل مث ��ل بيع حيوان مل يتبني ه ��ل هو بعري �أو �ش ��اة( ،)6واجلهل ب�صف ��ة املحل مثل بيع
احل ِمل( ،)7واجلهل مبقدار املحل مثل بيع اللنب يف ال�ضرع(.)8 َ
الأم ��ر الث ��اين :ال�ش ��ك يف ح�صول �أحد عو�ضي البيع()9؛ ويدخ ��ل فيه اجلهل بالأجل
((( رواه البخاري ،كتاب البيوع ،باب بيع املالم�سة ،برقم ،2144وم�سلم ،كتاب البيوع ،باب �إبطال بيع املالم�سة واملنابذة،
برقم.1512
((( املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج ،للنووي .156/10
((( انظر :قاعدة الغرر ،لعبداهلل ال�سكاكر ،بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،ال�صادرة من جامعة
الكويت ،ال�سنة ،22العدد 1428 ،69ه� ،ص.173
((( انظر :الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لل�صديق ال�ضرير� ،ص.178
((( املرجع ال�سابق� ،ص.189
((( املرجع ال�سابق� ،ص.191
((( املرجع ال�سابق� ،ص.203
((( املرجع ال�سابق� ،ص.271
((( انظر :قاعدة الغرر ،لعبداهلل ال�سكاكر ،بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،ال�صادرة من جامعة
الكويت ،ال�سنة ،22العدد 1428 ،69ه� ،ص.173
198
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
مثل بيع حبل احلبلة( ،)1وعدم القدرة على ت�سليم املحل مثل بيع ال�سمك يف املاء( ،)2وبيع
املعدوم مثل بيع الثمار قبل بدو �صالحها(.)3
والأ�ص ��ل �أن بي ��ع الغ ��رر باط ��ل(� ،)4إال �أنه ال ميكن �إبط ��ال كل غ ��رر؛ لأن ذلك ي�ؤدي
�إىل �إغ�ل�اق ب ��اب البيع( ،)5فال يكاد يخلو عقد من الغ ��رر( ،)6والغرر مكمل للبيع ،و�شرط
كل تكمل ��ة «�أن ال يعود اعتبارها على الأ�صل بالإبط ��ال»()7؛ لذا ا�ستثنى العلماء من الغرر
املمنوع �أمو ًرا ،وهي:
الأمر الأول� :أن يكون الغرر يف غري عقود املعاو�ضات املالية؛ فاحلديث جاء يف النهي
ع ��ن بيع الغرر؛ ملا فيه من �أكل املال بالباطل ،ومل ��ا يحدثه من م�شاحنات وخ�صومات(،)8
و�أحلق العلماء جميع عقود املعاو�ضات بالبيع()9؛ لتحقق املعنى الذي من �أجله منع الغرر
إجماعا يف عقود املعاو�ضات»(� ،)11أما
يف البيع فيها( ،)10وقد ذكر القرايف �أن الغرر«ممنوع � ً
العق ��ود الأخ ��رى فال يتحقق املعن ��ى الذي من �أجله منع الغرر يف البي ��ع فيها؛ لذا فالغرر
الذي فيها غري م�ؤثر؛ لعدم وجود دليل على املنع(.)12
((( انظر :الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لل�صديق ال�ضرير� ،ص.299
املرجع ال�سابق� ،ص.317 (((
((( املرجع ال�سابق� ،ص.374
((( انظر :املجموع ،للنووي .258/9
((( انظر :املوافقات ،لل�شاطبي .26/2
((( انظر :املنتقى �شرح املوط�أ ،للباجي .41/5
((( املوافقات ،لل�شاطبي .26/2
((( انظر :الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لل�صديق ال�ضرير� ،ص.585
((( انظر� :إعالم املوقعني ،البن القيم .8/2
انظر :الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لل�صديق ال�ضرير� ،ص.585 (((1
الذخرية ،للقرايف .354/4 (((1
انظر :الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لل�صديق ال�ضرير� ،ص.585 (((1
199
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
اً
ا�ستقالل»( ،)2قال الأمر الثاين� :أن يكون الغرر تاب ًعا()1؛ ف�إنه«يثبت تب ًعا ما ال يثبت
اب ��ن قدامة«:ويجوز يف التابع م ��ن الغرر ما ال يجوز يف املتب ��وع»( .)3وقال النووي� «:أجمع
اً
جمهول؛ لأنه تابع»( .)4فالغرر امل�سلمون على جواز بيع حيوان يف �ضرعه لنب و�إن كان اللنب
التابع غري املق�صود يف العقد م�ستثنى من الغرر املمنوع.
الأم ��ر الثال ��ث� :أن يك ��ون الغرر ي�س�ي ً�را؛ وقد �أجم ��ع العلماء عل ��ى �أن ي�سري الغرر ال
ي�ؤث ��ر( ،)5وق ��د و�ضع بع�ض علماء املالكي ��ة ً
�ضابطا للغرر الكثري امل�ؤث ��ر؛ وهو ما غلب على
العق ��د حتى �صار يو�صف ب ��ه(� ،)6إال �أن العلماء اختلفوا يف م�سائ ��ل ،فبع�ضهم يرى الغرر
ال ��ذي فيها م�ؤث ًرا ،وبع�ضهم يراه غري م�ؤثر()7؛ ق ��ال الباجي(«:)8و�إمنا يختلف العلماء يف
ف�س ��اد �أعيان العقود؛ الختالفهم فيما فيه من الغرر ،وهل هو من حيز الكثري الذي مينع
ال�صحة� ،أو من حيز القليل الذي ال مينعها؟»(.)9
((( انظر :حا�شية الد�سوقي ،173/3نهاية املحتاج ،للرملي ،148/4املغني ،البن قدامة .58/4
((( انظر :القواعد ،البن رجب� ،ص ،298مو�سوعة القواعد الفقهية ،للبورنو .283/12
((( املغني ،البن قدامة .58/4
((( املجموع ،للنووي .326/9
((( مم ��ن نق ��ل الإجم ��اع اجل�صا�ص ،وابن العربي ،والن ��ووي ،وابن قا�س ��م ،وغريهم انظر� :أحكام الق ��ر�آن ،للج�صا�ص
،189/2امل�سال ��ك يف �ش ��رح موط�أ مالك ،البن العربي ،83/6املجموع ،للن ��ووي ،258/9حا�شية الرو�ض املربع ،البن
قا�سم ،351/4مو�سوعة الإجماع ،ملجموعة من امل�ؤلفني .228-222/2
((( انظ ��ر :املنتق ��ى �شرح املوط�أ ،للباجي ،41/5امل�سالك يف �شرح موط�أ مالك ،البن العربي ،83/6املقدمات املمهدات،
البن ر�شد .71/2
((( انظر :املجموع ،للنووي .258/9
((( ه ��و �أب ��و الوليد �سليمان بن خلف بن �سعد التُّجيبي الأندل�س ��ي القرطبي الباجي ،ولد �سنة 403هـ ،وارحتل فرجع �إىل
الأندل� ��س بعد ثالث ع�شرة �سنة بعلم غزير ،وويل الق�ضاء مبوا�ضع من الأندل�س ،وله م�صنفات عديدة منها«:املنتقى
�ش ��رح املوط� ��أ» ،و«�إحكام الف�ص ��ول يف �أحكام الأ�صول» ،تويف �سن ��ة 474هـ .انظر :ترتيب امل ��دارك ،للقا�ضي عيا�ض
� ،117/8سري �أعالم النبالء ،للذهبي .536/18
((( انظر :املنتقى �شرح املوط�أ ،للباجي .41/5
200
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
إجماعا...وقليل
فعلى هذا �أ�صبح الغرر ثالثة �أق�سام كما يقول القرايف«كثري ممتنع � ً
إجماعا ...ومتو�سط اختلف فيه هل يلحق بالأول �أو الثاين؟ فالرتفاعه عن القليل جائ ��ز � ً
�أحلق بالكثري ،والنحطاطه عن الكثري �أحلق بالقليل»(.)1
فمو�ضع اخلالف و الإ�شكال هو الغرر املتو�سط( ،)2قال الدكتور ال�صديق ال�ضرير�«:إن
و�ض ��ع �ضابط حمدد للغرر الكث�ي�ر ،والغرر الي�سري يف وقت واحد �أم ��ر غري مي�سور؛ لأننا
مهم ��ا فعلن ��ا ف�سنجد �أنف�سنا قد حددن ��ا الطرفني ،وتركنا الو�سط م ��ن غري حتديد مما
ي� ��ؤدي �إىل االختالف»()3؛ وحلل هذا الإ�شكال ر�أى الدكتور ال�صديق ال�ضرير �سلوك �أحد
م�سلكني:
امل�س ��لك الأول� :أن ت�ت�رك معاي�ي�ر الغرر الكث�ي�ر ،واملتو�سط ،والي�س�ي�ر ،مرنة ُتف�سر
ح�سب الظروف ،والأحوال ،واختالف الع�صور ،والأنظار(.)4
امل�سلك الثاين� :أن يو�ضع �ضابط للغرر الكثري وحده؛ فيكون هو امل�ؤثر ،وكل ما عداه
ف�ل�ا ت�أثري له ،وخري �ضابط على ما ي ��رى الدكتور هو ال�ضابط ال�سابق الذي و�ضعه بع�ض
املالكية؛ وهو ما غلب على العقد حتى �صار يو�صف به(.)5
ويناق�ش هذا ال ��ر�أي ب�أن امل�سلك الأول �سيكون �سب ًبا يف زيادة االختالف بني النا�س،
فبينم ��ا كان خالف العلماء ال�سابقني على �صور من الغ ��رر ،وهو الغرر املتو�سط� ،سيكون
خالفهم عل ��ى الغرر الكثري ،والغرر املتو�سط ،والغرر القلي ��ل؛ لعدم وجود �ضابط ب�سبب
اختالف الظروف ،والأحوال ،والع�صور ،والأنظار.
((( الفروق ،للقرايف .266-265/3
((( انظر :قاعدة الغرر ،لعبداهلل ال�سكاكر ،بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،ال�صادرة من جامعة
الكويت ،ال�سنة ،22العدد 1428 ،69ه� ،ص.182
((( الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لل�صديق ال�ضرير� ،ص.592
((( املرجع ال�سابق� ،ص.592
((( انظر :الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لل�صديق ال�ضرير� ،ص.593
201
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
أ�م ��ا امل�سلك الثاين ف�سي�ؤدي للنتيجة نف�سها التي خرجت للعلماء ال�سابقني؛ فالعلماء
و�ضعوا هذا ال�ضابط ليفرقوا بني الغرر امل�ؤثر ،والغرر غري امل�ؤثر؛ قال ابن ر�شد يف �سياق
حديث ��ه عن حكم بع�ض الزروع التي فيها غرر«:هل هو من الغرر امل�ؤثر يف البيوع �أم لي�س
م ��ن امل�ؤث ��ر؟ وذلك �أنهم اتفقوا �أن الغرر ينق�سم بهذي ��ن الق�سمني»( .)1ومع ذلك خرجت
لهم �صور فيها غرر كثري ،فبع�ضهم ر�أى �أنه يغلب على العقد حتى يو�صف به فيكون غر ًرا
م�ؤث ًرا ،وبع�ضهم ر�أى �أنه ال يغلب على العقد فيكون غر ًرا غري م� ٍؤثر ،فاختلفوا فيه ف�صار
الغ ��رر ثالثة �أق�سام،كم ��ا يقول القرايف :الغ ��رر الكثري ،والغرر القلي ��ل ،والغرر املتو�سط
امل�ت�ردد بينهم ��ا ،وعلى هذا امل�سلك ال ��ذي ر�آه الدكتور ال�ضرير �سيك ��ون الغرر نف�س هذه
الأق�سام ،ويبقى الإ�شكال قائ ًما.
�ضابطا للغرر ،وهو� :أن املعاو�ضة �إذا ترددت نتيجتها واختار الدكتور �سامي ال�سويلم ً
ب�ي�ن حالتني :نتيجة �صفرية يربح فيها �أحد الطرفني على ح�ساب الآخر ،ونتيجة �إيجابية
ينتف ��ع فيه ��ا كال طريف العقد ،ف� ��إن العربة يف احلكم عل ��ى العقد تتب ��ع النتيجة الأرجح
احتمال التي يق�صدها الطرفان ،ف�إن كانت النتيجة الإيجابية هي الأرجح ،وهي مق�صود اً
الطرفني ،كانت املعاملة جائزة ،واحتمال النتيجة ال�صفرية من الغرر الي�سري ،و�إن كانت
ممنوعا(.)2
ً احتمال النتيجة ال�صفرية هي الأرجح ،فهذا غرر فاح�ش ،فيكون العقد
ويناق� ��ش ه ��ذا ال ��ر�أي مبا نوق� ��ش به ال ��ر�أي ال�سابق ،و أ�ن ��ه �ستخرج لن ��ا عقود يكون
االحتمال فيها غري مرتجح لأحد الطرفني ،و�ستُحدث اختال ًفا بني العلماء ،ويكون عندنا
ثالث ��ة �أق�سام :نتيج ��ة �إيجابية جائزة ،ونتيجة �صفرية ممنوع ��ة ،ونتيجة مرتددة بينهما
حمل اختالف بني العلماء.
202
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
بيوعا منه ًيا عنها يف ال�شريعة للغرر واحتمال النتيجة الإيجابية �أرجحم ��ع �أن هناك ً
م ��ن احتم ��ال النتيجة ال�صفرية ،مثل بي ��ع الثمار قبل بدو �صالحه ��ا ،فالأرجح �أن الثمار
ت�صل ��ح ،وينتفع الطرفان من البيع ،وهناك معام�ل�ات جائزة يف ال�شريعة مع �أن احتمال
النتيج ��ة ال�صفري ��ة �أرجح م ��ن احتمال النتيج ��ة الإيجابية مثل اجلعال ��ة ،ف�ضبط الغرر
بالأرج ��ح من النتيجة الإيجابية� ،أو النتيج ��ة ال�صفرية ي�سبب اختال ًفا �أكرث من ال�ضابط
ال�سابق.
واختار الدكتور عبداهلل ال�سكاكر ً
�ضابطا �آخر للغرر :وهو �أن ُي�ضبط الغرر املمنوع �أو
امل�ؤثر بكرثة اخل�صومات ،يقول الدكتور�«:إن كرثة اخل�صومات يف عقد من العقود ميكن
�شرعا ،ف�إن املت�أمل يف بيع
�أن تك ��ون عالم ��ة على �أن الغرر املوجود فيه غري مت�سامح في ��ه ً
الثمار قبل بدو �صالحها ،واملزارعة على نتاج �أ�شياء معينة من الزرع وال�شجر ،يدرك �أن
ال�شارع مل ينه عنها حتى كرثت اخل�صومات ب�سببها»(.)1
ويناق� ��ش هذا االختيار ب�أن اخل�صومات ال تن�ضب ��ط ،فقد تكرث اخل�صومات يف عقد
مب ��اح ،وتقل يف عقد حم ��رم �إذا �سبقه �شرط واتفاق ،ثم كم ع ��دد اخل�صومات التي �إذا
حدث ��ت ميك ��ن �أن ُيعلم �أن الغ ��رر املوجود يف العقد غري مت�سامح في ��ه؟ ،و�إذا نزلت نازلة
جدي ��دة وفيه ��ا غرر هل نق ��ول بجوازها ثم ننتظر حتى حت�ص ��ل اخل�صومات؟ وكم املدة
التي ينبغي �أن ننتظرها حتى نعرف هل اخل�صومات قليلة �أو كثرية؟.
ول ��و �سلمن ��ا �أن كرثة اخل�صومة عالمة عل ��ى �أن الغرر املوج ��ود يف العقد كثري وغري
مت�سامح فيه ،فهل ي�سلم �أن عدم اخل�صومة �أو قلتها داللة على �أن الغرر املوجود يف العقد
قليل �أو مت�سامح فيه؟!
((( قاع ��دة الغ ��رر ،لعب ��داهلل ال�سكاكر ،بحث من�شور يف جمل ��ة ال�شريعة والدرا�س ��ات الإ�سالمية ،ال�ص ��ادرة من جامعة
الكويت ،ال�سنة ،22العدد 1428 ،69ه� ،ص.185
203
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( انظر:فقه املعامالت املالية ،لرفيق امل�صري� ،ص ،141الغرر عر�ض ومناق�شة لكتاب ال�ضرير ،لرفيق امل�صري ،بحث
من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة،
2010-2009م� ،ص.33
((( الغ ��رر عر�ض ومناق�شة لكت ��اب ال�ضرير ،لرفيق امل�صري ،بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز
�أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة2010-2009 ،م� ،ص.38
((( انظر:فقه املعامالت املالية ،لرفيق امل�صري� ،ص.141
((( الغ ��رر عر�ض ومناق�شة لكت ��اب ال�ضرير ،لرفيق امل�صري ،بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز
�أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة2010-2009 ،م� ،ص.38
204
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الي�س�ي�ر؛ فالغرر الكثري هو الذي جتيزه احلاجة مع ع ��دم �إمكان التحرز منه �إال مب�شقة،
�أما الغرر الي�سري فيجوز و�إن مل تدع له حاجة� ،أو �أمكن التحرز منه؛ قال ابن ر�شد«:وذلك
�أنه ��م اتفقوا �أن الغرر ينق�سم بهذين الق�سم�ي�ن�-أي امل�ؤثر ،وغري امل�ؤثر ،-و�أن غري امل�ؤثر
ه ��و الي�سري� ،أو الذي تدعو �إليه ال�ضرورة� ،أو م ��ا جمع الأمرين»( ،)1واملق�صود بال�ضرورة
هنا احلاجة(.)2
قال النووي�«:إذا دعت احلاجة �إىل ارتكاب الغرر وال ميكن االحرتاز عنه �إال مب�شقة،
�أو كان الغرر حق ًريا ،جاز البيع ،و�إال فال»(.)3
ق ��ال اب ��ن تيمية«:وما يظ ��ن �أن هذا نوع غ ��رر فمثله جائز يف غريه م ��ن البيوع؛ لأنه
ي�سري ،واحلاجة داعية �إليه ،وكل واحد من هذين يبيح ذلك ،فكيف �إذا اجتمعا؟»(.)4
فهذه الن�صو�ص تبني �أن الغرر الي�سري معفو عنه� ،سواء �أمكن التحرز منه �أو ال ،دعت
ل ��ه احلاجة �أو ال ،وق ��د �سبق نقل �إجماع العلماء على �أن الغ ��رر الي�سري معفو عنه دون �أن
ً
�شروطا(.)5 ي�ضعوا له
وبع ��د ،فلن يكون هن ��اك �ضابط يح�سم اخل�ل�اف بني العلماء ،فالعب ��ادات مع كرثة
الن�صو� ��ص م ��ن القر�آن وال�سنة ،والقواع ��د وال�ضوابط الفقهية فيه ��ا� ،إال �أن اخلالف يف
م�سائله ��ا كث�ي�ر ،وخري �ضابط ميك ��ن و�ضعه هو ال ��ذي يقلل من اخلالف ق ��در الإمكان،
205
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وال�ضاب ��ط ال ��ذي يقلل اخل�ل�اف هنا هو و�ض ��ع �ضابط للغ ��رر الي�سري ،فيك ��ون هو الغرر
غ�ي�ر امل�ؤثر ،وما عداه غرر م�ؤثر؛ فالأ�صل يف الغ ��رر �أنه حمرم وممنوع ،و�أن الي�سري منه
معف ��و عنه ،فو�ضع �ضابط للغرر الي�سري ثم يك ��ون الباقي على الأ�صل وهو املنع ،يقلل من
اخل�ل�اف؛ لأن اال�ستثناء قليل ،و�ضبطه �أ�سهل من �ضبط الكثري ،فعندما �سئل رجل النبي
× ع ��ن م ��ا يلب�س املحرم ذك ��ر له املمنوعات وه ��ي قليلة( )1وترك الباق ��ي على الأ�صل،
ف�ضبط القليل �أ�سهل.
والعلماء ملا تكلموا عن الغرر الي�سري ذكروا �أنه ما يت�سامح فيه النا�س( ،)2واملت�سامح
في ��ه هو ما يقيد به املذهب احلنبلي اللقطة اجلائ ��ز التقاطها دون تعريف« :مبا ال تتبعه
هم ��ة �أو�ساط النا� ��س»()3؛ فال�شريعة ملا �أج ��ازت �أخذ اللقطة الت ��ي ال تتبعها همة �أو�ساط
النا� ��س دون تعري ��ف دل ذلك عل ��ى �أن هذا هو القدر املت�سامح في ��ه ،واخلالف يف تقدير
م ��ا ال تتبعه همة �أو�ساط النا�س قليل ب�ي�ن العلماء ،في�صلح �أن يكون �ضابط الغرر الي�سري
املعفو عنه هو :ما ال تتبعه همة �أو�ساط النا�س ،وما عداه يبقى على �أ�صل املنع« ،ف�إن �شك
يف كون ��ه ي�س�ي ً�را فالأقرب املنع»(� )4إبق ��ا ًء على الأ�صل� ،إال �أن يكون ثم ��ة حاجة للغرر ،وال
ميكن التحرز منه.
((( ن�ص احلديث عن عبد اهلل بن عمر ر�ضي اهلل عنهما� ،أن رجال قال :يا ر�سول اهلل ،ما يلب�س املحرم من الثياب؟ قال
اف �إِ اَّل �أَ َح ٌد َال َي ِج ُد َن ْع َلينْ ِ ، ر�س ��ول اهلل ×َ « :ال َي ْل َب ُ�س ال ُق ُم َ�صَ ،و َال ال َع َما ِئ � َ�مَ ،و َال َّ
ال�س َرا ِوي َال ِتَ ،و َال البرَ َ ا ِن َ�سَ ،و َال ِ
اخل َف َ
اب َ�ش ْي ًئا َم َّ�س� � ُه الز َّْع َف َرانُ أَ� ْو َو ْر ٌ�س» رواه البخاري، َف ْل َي ْل َب� � ْ�س ُخ َّفينْ ِ َ ،و ْل َيق َْط ْع ُه َما �أَ ْ�س َف � َ�ل ِمنَ ال َك ْع َبينْ ِ َ ،و َال َت ْل َب ُ�سوا ِمنَ ال ِّث َي ِ
كت ��اب احل ��ج ،باب ما ال يلب�س املح ��رم من الثياب ،برق ��م ،1543وم�سلم ،كتاب احلج ،باب ما يب ��اح للمحرم بحج �أو
عمرة ،وما ال يباح وبيان حترمي الطيب عليه ،برقم.1177
((( انظر :فتح الباري ،البن حجر ،357 /4تكملة املجموع ،للمطيعي ،28/13املمتع ،البن عثيمني .107/10
((( املبدع يف �شرح املقنع ،البن مفلح ،119/5ك�شاف القناع ،للبهوتي .209/4
((( حا�شية العدوي على �شرح خمت�صر خليل للخر�شي .75/5
206
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الأمر الرابع� :أن تدعو �إليه احلاجة ،وال ميكن التحرز منه �إال مب�شقة()1؛ ف�إذا كانت
هناك حاجة للغرر ،وال ميكن التحرز منه �إال مب�شقة ،ف�إنه يجوز يف هذه احلالة ،فتحرمي
الغ ��رر �أخف من حترمي الربا؛ لذا يجوز الغرر للحاجة ،وال يجوز الربا �إال لل�ضرورة ،قال
ابن تيمية« :ومف�سدة الغرر �أقل من الربا ،فلذلك رخ�ص فيما تدعو �إليه احلاجة منه ،ف�إن
حترمي ��ه �أ�شد �ضر ًرا من �ضرر كونه غ ��ر ًرا»( .)2وقال«:وال�شارع ال يحرم ما يحتاج النا�س
�إليه من البيع لأجل نوع من الغرر؛ بل يبيح ما يحتاج �إليه يف ذلك»( .)3وقال ابن ر�شد يف
و�ص ��ف الغ ��رر غري امل�ؤثر «:و�أن غري امل�ؤثر هو الي�سري� ،أو الذي تدعو �إليه ال�ضرورة� ،أو ما
جمع الأمرين»( .)4واملق�صود بال�ضرورة هنا احلاجة كما �سبق بيانه ،وقد منع ابن قدامه
�صح ��ة عقد فيه غرر لعدم احلاجة له ��ذا الغرر( ،)5ومنع �صحة عقد �آخر لأن الغرر الذي
في ��ه ميكن التحرز منه( ،)6وقال النووي «:ف�أم ��ا ما تدعو �إليه احلاجة وال ميكن االحرتاز
عنه ك�أ�سا�س الدار ...ونحو ذلك فهذا ي�صح بيعه بالإجماع...قال العلماء مدار البطالن
ب�سب ��ب الغ ��رر وال�صحة مع وجوده على ما ذكرناه ،وهو �أنه �إذا دعت احلاجة �إىل ارتكاب
الغرر وال ميكن االحرتاز عنه �إال مب�شقة �أو كان الغرر حق ًريا ،جاز البيع ،و�إال فال»(.)7
واحلاجة هي التي يفتقر �إليها من «حيث التو�سعة ورفع ال�ضيق امل�ؤدي يف الغالب �إىل
احل ��رج وامل�شقة الالحقة بفوت املطلوب ،ف�إذا مل تراع دخل على املكلفني -على اجلملة-
((( انظر:قاعدة الغرر ،لعبداهلل ال�سكاكر ،بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،ال�صادرة من جامعة
الكويت ،ال�سنة ،22العدد 1428 ،69ه� ،ص.186
((( القواعد النورانية ،البن تيمية� ،ص.172
((( جمموع الفتاوى ،البن تيمية .227/29
((( بداية املجتهد ،البن ر�شد .175/3
((( انظر :املغني ،البن قدامة .212/4
((( املرجع ال�سابق .301/5
((( املجموع ،للنووي .258/9
207
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
احلرج وامل�شقة ،ولكنه ال يبلغ مبلغ الف�ساد العادي املتوقع يف امل�صالح العامة»(.)1
وي�ش�ت�رط للحاجة �أن تكون متعينة ،و�أن تق ��در بقدرها( ،)2ف�إذا «مل يجدوا �إىل طلب
احلالل �سبيلاً ،فلهم �أن ي�أخذوا منه�-أي احلرام -قدر احلاجة»(.)3
وق ��د ق ��رر اجلوين ��ي قاع ��دة؛ وه ��ي� :أن«احلاج ��ة العامة تن ��زل منزل ��ة ال�ضرورة
اخلا�ص ��ة»( ،)4ث ��م ذكرها كثري من امل�ؤلف�ي�ن بعده ،ويتم اال�ستدالل به ��ا كث ًريا يف النوازل
املعا�ص ��رة ،خا�ص ��ة يف نوازل املعام�ل�ات املالية ،وقبل اال�ستدالل به ��ا نحتاج �إىل مراعاة
الأمور التالية:
الم ��ر الأول� :أن اجلوين ��ي ق�س ��م ال�ض ��رورات ثالث ��ة �أق�س ��ام :ق�س ��م :ال ي�ستباح �إال
أ
بال�ضرورة لفح�شه �أو بعده عن احلل ،فريعى ال�شرع فيه حتقق وقوع ال�ضرورة ،وال يكتفي
بت�صوره ��ا يف اجلن� ��س ،ب ��ل يعترب حتققها يف كل �شخ� ��ص؛ ك�أكل امليتة وطع ��ام الغري(،)5
أي�ضا ،ب ��ل يوجب ال�شرع وق�س ��م« :يتناه ��ى قبحه يف م ��ورد ال�شرع ،فال تبيح ��ه ال�ضرورة � ً
االنقياد للتهلكة واالنكفاف عنه؛ كالقتل والزنا يف حق املجرب عليهما»( ،)6والق�سم الثالث:
م ��ا يرتبط يف �أ�صله بال�ضرورة ،ولكن ال ينظر ال�شرع يف الآحاد والأ�شخا�ص وهذا كالبيع
�شرع ��ا ( ،)7فال�ضرورة عند اجلويني وم ��ا يف معن ��اه ،فلي�س البيع قبيحا يف نف�سه عر ًفا �أو ً
عل ��ى ه ��ذا التق�سيم هي كل م ��ا �أباح املح ��رم ،واحلاجة تنزل منزلة ال�ض ��رورة يف �إباحة
املح ��رم القريب من احل ��ل� ،أو غري القبيح على ا�صطالحه� ،أما م ��ا كان بعيدً ا عن احلل
((( املوافقات ،لل�شاطبي .21/2
((( انظر :الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لل�صديق ال�ضرير� ،ص.607-605
((( غياث الأمم يف التياث الظلم ،للجويني� ،ص.478
((( الربهان ،للجويني .82/2
((( املرجع ال�سابق .86/2
((( املرجع ال�سابق.
((( انظر :الربهان ،للجويني .86/2
208
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
فاح�شا ،فاحلاجة ال جتيزة ،و�أما الق�سم الثاين فال تبيحه ال�ضرورة ،واحلاجة من �أو كان ً
باب �أوىل ،فاحلاجة تنزل منزلة ال�ضرورة يف ق�سم من �أق�سامها فقط ،وال تنزل منزلتها
مطل ًقا.
الأمر الثاين� :أن هناك اختال ًفا وتداخلاً يف م�صطلح احلاجة وال�ضرورة ،وقد تطور
مفهوم احلاجة وال�ضرورة من ع�صر اجلويني �إىل الع�صور التي بعده مما �أدى �إىل تطبيق
القاع ��دة يف غري حملها؛ فاحلاجة عن ��د اجلويني«:لفظة مبهم ��ة ال ي�ضبط فيها قول...
ولي�س من املمكن �أن ن�أتي بعبارة عن احلاجة ن�ضبطها �ضبط التخ�صي�ص والتمييز حتى
تتمي ��ز متيز امل�سميات واملتلقب ��ات بذكر �أ�سمائها و�ألقابها ،ولكن �أق�صى الإمكان يف ذلك
م ��ن البيان تقريب وح�س ��ن ترتيب»( .)1و�أق�صى الإمكان يف بي ��ان احلاجة عند اجلويني؛
ً
م�شروطا فيها ال�ضرورة وخروج الروح ،وال يعني بها ت�شوف النا�س �إىل الطعام، �أنه لي�س
وت�شوقه ��ا �إليه ،فاحلاجة � ًإذا بني ذلك( ،)2وكل م ��ا بني ذلك مما هو قريب من ال�ضرورة
وخ ��روج ال ��روح� ،أو بعيد عنها �إىل درجة الت�شوف والت�ش ��وق فهو داخل يف مفهوم احلاجة
عند اجلويني ،ولكن ما احلاجة التي تنزل منزلة ال�ضرورة عنده؟
احلاج ��ة الت ��ي تنزل منزل ��ة ال�ضرورة عند اجلوين ��ي هي التي يرتت ��ب عليها �ضرر،
والت ��ي �إذا �صرب النا�س كافة عليها وقعوا يف ال�ضرورة( ،)3ومن ن�صو�صه التي تبني ذلك:
«احلاجة يف حق النا�س كافة تنزل منزلة ال�ضرورة ،يف حق الواحد امل�ضطر ،ف�إن الواحد
امل�ضطر لو �صابر �ضرورته ،ومل يتعاط امليتة ،لهلك ،ولو �صابر النا�س حاجاتهم ،وتعدوها
�إىل ال�ض ��رورة ،لهلك النا�س قاطبة ،ففي تعدي الكافة احلاجة من خوف الهالك ،ما يف
209
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
تع ��دي ال�ضرورة يف حق الآحاد»( .)1ومنه ��ا« :فاملرعي � ًإذا دفع ال�ضرار ،وا�ستمرار النا�س
عل ��ى ما يقيم قواهم»( .)2ومنها«:ف�إنا اعتمدنا ال�ضرار وتوقعه»( .)3ومنها« :فليعترب فيها
درء ال�ضرار بها»( .)4ومنها«:ويتح�صل من جمموع ما نفينا و�أثبتنا �أن النا�س ي�أخذون ما
ل ��و تركوه لت�ض ��رروا يف احلال �أو يف امل�آل ،وال�ضرار الذي ذكرن ��اه يف �أدراج الكالم عنينا
به ما يتوقع منه ف�ساد البنية� ،أو �ضعف ي�صد عن الت�صرف والتقلب يف �أمور املعا�ش»(،)5
ث ��م ا�شرتط اجلويني لتنزيل احلاجة منزلة ال�ض ��رورة يف �إباحة املحرم �أن يكون احلرام
�أطب ��ق الزم ��ان و�أهله ،فقال�«:إن جميع م ��ا ذكرناه فيه �إذا عم ��ت املحرمات ،وانح�سمت
الط ��رق �إىل احلالل»( .)6وقد ذكر يف بداية تقري ��ره لهذه القاعدة�« :أن احلرام �إذا طبق
الزم ��ان و�أهله ،ومل يجدوا �إىل طلب احلالل �سبي�ًل اً ،فلهم �أن ي�أخذوا منه قدر احلاجة،
وال ت�شرتط ال�ضرورة التي نرعاها يف �إحالل امليتة يف حقوق �آحاد النا�س»(.)7
فاحلاج ��ة التي ذكر اجلويني �أنها تنزل منزلة ال�ض ��رورة هي ما يرتتب على فقدها
�ضرر� ،أو خوف هالك� ،أو ال جتري بفقدها م�صالح الدنيا على ا�ستقامة ،واحلاجة بهذا
املفه ��وم ه ��ي مبعنى ال�ضرورة عن ��د كثري من �أهل العل ��م ،فمن تعريف ��ات ال�ضرورة عند
احلنفية«:خوف ال�ضرر على نف�سه �أو بع�ض �أع�ضائه برتكه الأكل»(.)8
210
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
211
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�ض ��رورة ،والت ��ي هي داخلة يف مفهوم ال�ضرورة عند غ�ي�ره ،ال تبيح ما تبيحه ال�ضرورة
مما ب ُعد عن احلل؛ك�أكل امليتة ،و�أكل مال الغري.
الأم ��ر الثال ��ث� :أن اجلويني ذك ��ر �أمثل ًة للحاجة العامة التي تن ��زل منزلة ال�ضرورة
اخلا�ص ��ة يف �إباح ��ة املحظ ��ور ،وه ��ي :ت�صحي ��ح الإجارة()1؛«ف�إنه ��ا مبنية عل ��ى م�سي�س
احلاج ��ة �إىل امل�ساك ��ن مع الق�صور ع ��ن متلكها و�ضنة مالكها بها عل ��ى �سبيل العارية...
م ��ن حيث �إن الكافة لو منعوا عم ��ا تظهر احلاجة فيه للجن�س لن ��ال �آحاد اجلن�س �ضرار
ال حمال ��ة»( ،)2والبيع ذكر �أنه �ض ��رورة �أو حاجة منزلة منزلة ال�ضرورة( ،)3وجواز النظر
�إىل املخطوب ��ة� ،إذا مل ُيخ ��ف الفتن ��ة؛ لعموم احلاجة يف بناء الن ��كاح على متييزه ،ودوام
احلي ��اة الزوجية ،واخللق ال ي�ستوون يف متييز اجلمال من عدمه( ،)4وكذلك جواز النظر
�إىل وج ��ه امل ��ر�أة عند حت ّمل ال�شهادة عليها( ،)5ووالية ال�سلطان للمر�أة التي ال ويل لها(،)6
واملر�أة املعتدة �إذا خافت �ضياع مالها ،وله خطر وقدر يجوز لها اخلروج( .)7وهذه الأمثلة
الت ��ي ذكره ��ا اجلويني يرتت ��ب على فواتها �ض ��رر �أو اختالل يف م�صال ��ح الدنيا والدين؛
ك�ضي ��اع املال� ،أو عدم ا�ستقرار الأ�سرة� ،أو �ضياع احلق ��وق� ،أو غريها ،و�إن كانت تختلف
يف مقدار ال�ضرر ،وبع�ضها يدخل يف مفهوم ال�ضرورة عند غريه ،وبع�ضها ال يدخل ،وكل
ه ��ذه الأمثلة التي ذكرها اجلويني للحاجة العامة تنزل مبنزلة ال�ضرورة يف �إباحة بع�ض
املحرم ��ات؛ كاملح ��رم القريب من احلل ،كما ذكر يف خروج املعتدة «:والرتب�ص و�إن كان
انظر :نهاية املطلب ،للجويني ،67/8الربهان ،للجويني .79/2 (((
الربهان ،للجويني .79/2 (((
املرجع ال�سابق .83/2 (((
انظر :نهاية املطلب ،للجويني .36/12 (((
املرجع ال�سابق .36/12 (((
املرجع ال�سابق .148/12 (((
املرجع ال�سابق .256-255/15 (((
212
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
213
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
اجلوين ��ي ،والزرك�شي ،فقال« :احلاجة تنزل منزلة ال�ض ��رورة عامة كانت �أو خا�صة»(،)1
وذكر نف�س الأمثلة التي ذكرها الزرك�شي ،وهذه ال�صيغة اجلديدة للقاعدة �سببت � اً
إ�شكال
م ��ن حي ��ث الإطالق ،ومن حي ��ث املراد باحلاج ��ة اخلا�صة� ،أما الإطالق فق ��د �سبق بيان
�أن الإط�ل�اق يف القاع ��دة غري مراد ،و�أما امل ��راد باحلاجة اخلا�صة ،ف� ��إن كان املق�صود
باخلا�ص ��ة �أه ��ل حرفة معين ��ة� ،أو بلد معني()2؛ فق ��د ذكر اجلويني �أنه ��م �إن تعذر عليهم
حت�صيل احل�ل�ال ،ولو اقت�صروا على �سد الرمق ،وانتظ ��روا انق�ضاء �أوقات ال�ضرورات،
النقطع ��وا عن مطالبه ��م ،فحكمها حك ��م احلاجة العامة فه ��ي تنزل منزل ��ة ال�ضرورة،
فلي�أخذوا �أقدار حاجتهم كما �سبق بيانه(.)3
�أم ��ا �إن كان املق�ص ��ود باخلا�صة �آحاد النا�س( ،)4ف�إن املق ��رر عند اجلويني �صاحب
القاع ��دة�«:أن املرعي يف حق الآح ��اد حقيقة ال�ضرورة» ،وقد افرت� ��ض اجلويني يف نهاية
املطل ��ب �ص ��ورة نادرة حلاجة خا�صة ب�آحاد النا�س :وهي ام ��ر�أة معتدة لو مل تخرج ل�ضاع
ماله ��ا ،فرتدد اجلويني يف تركها للرتب�ص ،وقارن بني الرتب�ص الذي هو من قبيل الأمو ِر
آداب املت�أكدة املرت ِّقية من نهاية الن ��دب �إىل �أول درجة الوجوب ،وبني �ضياع التابع ��ة ،وال ِ
امل ��ال وهو �شدي ��د( ،)5واخت ��ار� «:أن امل ��ال �إذا كان ي�ضيع ،ول ��ه خط ٌر وقدر ،ف�ل�ا ب�أ�س لو
خرج ��ت ،و�إن فر�ض ال�ضياع عل ��ى وجه الندور»( .)6فهذه ال�صورة فيها �ضرر �ضياع املال،
وال�ضرر ُي ِنزل احلاجة العامة منزلة ال�ضرورة عند اجلويني ،وعند غري اجلويني ح�صول
214
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�ض ��رر داخل يف مفهوم ال�ضرورة ،واملحرم الذي فيه ��ا لي�س من املحرمات التي تبيحها
ال�ض ��رورة ،بل هو من املحرمات القريبة من احل ��ل ،ومع ذلك مل ينزلها اجلويني منزلة
ال�ض ��رورة ب�إباحة ت ��رك الرتب�ص �إال بعد تردد ،و�إعمال النظ ��ر الفقهي ،فتنزيل احلاجة
اخلا�ص ��ة منزلة ال�ض ��رورة اخلا�صة مطل ًقا ه ��و �إلغاء لل�ضرورة ،فتك ��ون العربة يف جواز
املحرمات هي احلاجة فقط.
�إن عدم مراعاة هذه الأمور يوقع يف �إ�شكاالت ،و�إن الناظر للتطبيقات الفقهية التي
ت�ضرب مث � اً�ال للقاعدة ،واال�ستدالل بالقاعدة على بع� ��ض الق�ضايا يدرك مدى الإ�شكال
الذي �سببه الإطالق يف القاعدة ،دون مراعاة ملا ق�صده �صاحب القاعدة بها ،وما مفهوم
احلاج ��ة وال�ضرورة عنده؟ ،وم ��ا التطور الذي ح�صل لهما مع الزم ��ن؟ ،ولي�ست امل�شكلة
يف التطبيق ��ات والأمثل ��ة الت ��ي ورد ال�شرع بجوازه ��ا ،والتي ذكرها اجلوين ��ي والزرك�شي
عن ��د ذكرهم للقاعدة ،والتي يذكرها �أكرث من كتب ع ��ن القاعدة ،فهذه ال �إ�شكال فيها،
ومل يق ��رر اجلويني القاعدة لبيان جواز هذه الأمثل ��ة �أو لي�ستدل بالقاعدة لبيان جوازها
فال�سن ��ة كافي ��ة ،و�إمنا وقع الإ�شكال يف التطبيقات التي مل ي ��رد جوازها يف ال�شرع� ،أو يف
اال�ستدالل بهذه القاعدة على جواز بع�ض النوازل ،وامل�ستجدات.
وم ��ن التطبيقات التي ذكرها بع�ض امل�ؤلفني اً
مثال للحاج ��ة العامة التي تنزل منزلة
ال�ض ��رورة ،وتبني م�شكلة الإطالق يف القاعدة بي ��ع الوفاء( ،)1وهو«البيع ب�شرط �أن البائع
مت ��ى رد الثمن يرد امل�شرتي �إليه املبيع»( .)2وه ��و احتيال على الربا( ،)3فقد جوزه م�شايخ
بل ��خ بخارى احلنفي ��ة حلاجة النا�س العامة ل ��ه ب�سبب كرثة الدي ��ون( ،)4ومعلوم �أن الربا
انظر :املدخل الفقهي العام ،للزرقا ،1006/2نظرية ال�ضرورة ال�شرعية ،لوهبة الزحيلي� ،ص.266 (((
جملة الأحكام العدلية� ،ص30 (((
انظر :حا�شية ابن عابدين .523/4 (((
انظر :الأ�شباه والنظائر ،البن جنيم� ،ص ،68نظرية ال�ضرورة ال�شرعية ،لوهبة الزحيلي� ،ص.266 (((
215
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
م ��ن �أكل أ�م ��وال النا�س بالباطل ،وهو من ق�سم ال�ضرورة الت ��ي ذكر اجلويني �أن احلاجة
ال تبيحه ��ا ،وال تبيحه ��ا �إال ال�ضرورة بق�سمه ��ا الأول كما �سبق بيان ��ه ،وقد منعه كثري من
العلم ��اء منهم بع� ��ض احلنفية( )1ومل ينزلوا احلاجة العامة هنا منزلة ال�ضرورة ،جاء يف
ق ��رار جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي ب�ش�أن بيع الوفاء�«:إن حقيق ��ة هذا البيع (قر�ض جر
نف ًع ��ا) فهو حتايل على الرب ��ا ،وبعدم �صحته قال جمهور العلم ��اء»( .)2ف�إدراج هذا البيع
مث � اً�ال للقاع ��دة يدل عل ��ى امل�شكلة التي �سببه ��ا الإطالق يف القاعدة ،حي ��ث �أُدخل حتتها
هذا املثال كتطبيق لها ،وم ْن ُع جمهور العلماء لهذا البيع يدل على �أن القاعدة لي�ست على
�إطالقه ��ا ،فاحلاج ��ة موجودة ،والرب ��ا جتيزه ال�ضرورة ،ومع ذل ��ك ال تنزل هذه احلاجة
منزلة ال�ضرورة يف جوازها.
ومن �أمثلة اال�ستدالل بهذه القاعدة على جواز بع�ض النوازل ،وامل�ستجدات ويبني مدى
امل�شكل ��ة التي �سببها الإطالق يف القاعدة ،ما �أفت ��ى به املجل�س الأوربي للإفتاء والبحوث
بج ��واز �ش ��راء بيوت ال�سكن ��ى يف ديار غري امل�سلم�ي�ن بالقر�ض الرب ��وي ،وكان من �ضمن
الركائ ��ز التي اعتمد عليه ��ا املجل�س قاعدة«:احلاجة تنزل منزل ��ة ال�ضرورة عامة كانت
�أو خا�ص ��ة«( ،)3مع �أن الربا من املحرمات التي ال جتيزها �إال ال�ضرورة ،وال تنزل احلاجة
مبنزلة ال�ضرورة يف جوازه ،فقد جاء عن اجلويني �صاحب القاعدة«:ف�أما امل�ساكن ،ف�إين
والكنُّ الذي ي�ؤوي ��ه وعيلته وذريته،
�أرى م�سك ��ن الرج ��ل من �أظهر ما مت� ��س �إليه حاجتهِ ،
مم ��ا ال غن ��اء به عنه»( .)4ومع ذل ��ك مل ينزل هذه احلاجة منزلة ال�ض ��رورة يف �إباحة ما
تبيح ��ه ال�ضرورة( ،)5وجاء يف قرار جمل ��ة جممع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن التمويل العقاري
216
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
لبن ��اء امل�ساكن و�شرائها�«:إن امل�سكن من احلاج ��ات الأ�سا�سية للإن�سان ،وينبغي �أن يوفر
بالط ��رق امل�شروعة مب ��ال حالل ،و�إن الطريقة التي ت�سلكها البن ��وك العقارية والإ�سكانية
�شرع ��ا ملا فيها من
ونحوه ��ا ،م ��ن الإقرا�ض بفائ ��دة قلت �أو كرثت ،ه ��ي طريقة حمرمة ً
التعام ��ل بالربا»( ،)1واال�ستدالل بهذه القاعدة على �إباح ��ة الربا يدل على الإ�شكال الذي
�سبب ��ه الإط�ل�اق يف القاعدة ،ورف�ض العلم ��اء لهذه الفتوى م ��ع �أن امل�سكن من احلاجات
الأ�سا�سي ��ة ،والربا تبيحه ال�ض ��رورة ،يدل على �أن القاعدة لي�ست على �إطالقها ،ف�إطالق
القاع ��دة مع عدم مراع ��اة التطور يف مفهوم احلاجة وال�ضرورة من ع�صر اجلويني �إىل
ع�صرنا �سبب يف بع�ض الإ�شكاالت.
فاحلاجة تنزل منزلة ال�ضرورة يف �إباحة بع�ض املحرمات؛ كاملحرم ل�سد الذريعة «ف�إن
م ��ا ح ��رم �سدًا للذريعة �أخف مما ح ��رم حترمي املقا�صد»(� ،)2أو م ��ا كان احلرام فيه قري ًبا
م ��ن احلل(� ،)3أو ما كان يف مرتبة و�سطى فتبيحه احلاجة ب�شروط()4؛ كالغرر؛ فــــ«مف�سدة
الغ ��رر �أق ��ل من الربا»(� ،)5أما ما كان حمر ًما لذات ��ه(� ،)6أو كان احلرام بعي ًدا عن احلل(،)7
والنهي يف مرتبة عليا؛كالربا فال ت�ؤثر فيه احلاجة ،وال جتيز منه ال قليلاً وال كث ًريا( ،)8قال
أنواعا من الغرر للحاجة ...و�أما الربا فلم يبح منه»(.)9
ابن تيمية «:وقد �أباح ال�شارع � ً
((( انظر :قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�ساد�س ،رقم .52/1
((( �إعالم املوقعني ،البن القيم .107/2
((( انظر :الربهان ،للجويني .86/2
((( انظر� :صناعة الفتوى وفقه الأقليات ،البن بيه� ،ص.225
((( القواعد النورانية ،البن تيمية� ،ص.172
((( انظر� :إعالم املوقعني ،البن القيم .107/2
((( انظر :الربهان ،للجويني .86/2
((( انظر :التاج والإكليل ،للمواق � .230/6سبق يف حا�شية �ص 116من هذا البحث ذكر قول بع�ض �أهل العلم ممن يرى
�إن احلاجة جتيز ربا الف�ضل مع مناق�شة هذا القول.
((( جمموع الفتاوى ،البن تيمية.236 /32
217
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ف�إذا كانت هناك حاجة فال بد للفقيه �أن ميعن النظر يف قوتها ،وقوة احلرام الذي
�ستبيحه ،ويقارن بينهما ،ثم ينظر هل تنزل هذه احلاجة منزلة ال�ضرورة يف �إباحة هذا
املح ��رم� ،أو ال؟ ،ف�إن «كل ب ��اب بني على مع ًنى ،ثم فر�ض انخرام ذلك املعنى ب�شيء ،يقع
يطرد حتى ال ينخرم»(.)1 معتاد ًا ،فذلك املعنى يقت�ضي �أن َّ
وبع ��د ،فالغ ��رر م ��ن العقود الت ��ي ورد الن�ص بالنهي عنه ��ا ،وهو عقد باط ��ل� ،إال ما
ا�ستثن ��ي منه ،قال الدكتور ال�صدي ��ق ال�ضرير«:ال�ضابط الذي ا�ستطعت ا�ستخال�صه من
الن�صو� ��ص الواردة يف الغرر ،ومن �أقوال الفقهاء ،ومن الف ��روع الفقهية الكثرية املتعلقة
ب�أحكام الغرر�...أن الغرر امل�ؤثر البد �أن تتوفر فيه ال�شروط الآتية:
�-1أن يكون يف عقود املعاو�ضات املالية.
�-2أن يكون كث ًريا.
�-3أن يكون يف املعقود عليه �أ�صالة.
� -4أال تدعو للعقد حاجة»(.)2
امل�س�ألة الثالثة :عدم الوقوع يف بيعتني يف بيعة
ومم ��ا ورد النهي عنه ما جاء عن ��د الرتمذي وغريه عن �أبي هريرة ،قالَ « :نهَى
�ول اللهَّ ِ × َع ��نْ َب ْي َع َت�ْي�ننِْ يِف َب ْي َع� �ةٍ»( .)3وق ��د �أجمع العلماء عل ��ى النهي عن بيعتني يف
َر ُ�س � ُ
218
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
=�أب ��ي هري ��رة» ،وقد ج ��اء النهي عن بيعتني عن جمع من �أ�صح ��اب �أبي هريرة عند البخ ��اري وم�سلم وغريهما دون
زي ��ادة (يف بيع ��ة) مما يدل على �أنها زيادة منكرة ،وف�سر احلديث البيعت�ي�ن املنهي عنهما ببيع املالم�سة ،واملنابذة .
وج ��اء النه ��ي عن بيعتني يف بيعة عند الرتمذي من طريق يون�س بن عبيد عن نافع عن ابن عمر ،ويون�س مل ي�سمع من
ناف ��ع كم ��ا ذكر ذلك ابن معني ،و�أحمد ،والبخاري ،و�أبو حامت .وجاء النه ��ي عن بيعتني يف بيعة عند �أحمد من طريق
عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده ،وقد �سبق الكالم عن �ضعف هذه ال�سل�سة يف �ص 158من هذا البحث� .إ�ضافة �إىل
�أن ط ��رق احلدي ��ث �إىل عمرو ب ��ن �شعيب ال تخلو من �ضعف ،وال يثبت منها �إال ما ج ��اء عند الرتمذي من طريق �أيوب
ال�سختياين عن عمرو بن �شعيب ،ولي�س فيه النهي عن بيعتني يف بيعة .انظر:اال�ستذكار ،البن عبدالرب ،449-448/6
الطبق ��ات الكربى ،الب ��ن �سعد� ،ص ،363ال�ضعفاء الكب�ي�ر ،للعقيلي ،109/4الكامل يف �ضعف ��اء الرجال ،البن عدي
،456/7تهذيب الكمال ،للمزي ،216/26العلل ومعرفة الرجال ،لأحمد رواية املروذي� ،ص ،185املرا�سيل ،البن �أبي
حامت� ،ص ،249العلل ومعرفة الرجال ،لأحمد رواية ابنه عبداهلل ،31/3 ،387/1العلل الكبري ،للرتمذي� ،ص.194
((( ممن نقل الإجماع :ابن هبرية ،وابن ر�شد ،والنووي .انظر :الإف�صاح ،البن هبرية ،302/1بداية املجتهد ،البن ر�شد
،168-167/3املجموع ،للنووي ،338/9مو�سوعة الإجماع ،ملجموعة من امل�ؤلفني .343-340/2
((( اال�ست ��ذكار ،الب ��ن عبدال�ب�ر .451/6وجاء فيه «:قال عي�سى بن دينار� :س�ألت ب ��ن القا�سم عن تف�سري بيعتني يف بيعة
فقال يل:بيعتني يف بيعة �أكرث من �أن يبلغ لك تف�سريه».
((( انظر� :سنن الرتمذي .525/3
((( انظر:بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين ،158/5فتح القدير ،البن الهمام .447/6
((( انظر :املدونة ،للإمام مالك � ،20/3شرح خمت�صر خليل ،للخر�شي .72/5
((( انظر :خمت�صر املزين ،186/8املهذب ،لل�شريازي .20/2
((( انظر :الكايف ،البن قدامة ،11/2االن�صاف ،للمرداوي .350/4
((( انظر :املحلى ،البن حزم .501/7
((( انظر :بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين ،158/5التاج والإكليل ،للمواق .224/6
219
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�-2أن ي�ش�ت�رط عق ��دً ا يف عق ��د()1؛ ك�أن يق ��ول� :أبيع ��ك داري ه ��ذه بك ��ذا عل ��ى �أن
تبيعن ��ي �سيارتك بكذا ،ف� ��إذا وجبت يل �سيارتك وجبت ل ��ك داري( .)2وهو امل�شهور عند
احلنفية( ،)3وقول لل�شافعية( ،)4وامل�شهور عند احلنابلة( ،)5وقول البن حزم(.)6والعلة على
ه ��ذا التف�س�ي�ر هي الغرر(� ،)7أو اال�ستغ�ل�ال( .)8واختار بع�ض العلم ��اء �أن كال التف�سريين
ال�سابقني �صحيح(.)9
حال ،وهي �-3أن يبي ��ع ال�سلعة بثمن م ؤ�ج ��ل ،على �أن ي�شرتيها ممن باعها عليه ب�أقل اً
م�س�ألة العينة( .)10وهذا �أحد تف�سريات الإمام مالك للحديث( ،)11واختاره ابن تيمية(،)12
220
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
221
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
لفظ ��ا و�أبني معنى ،وكذا يبعد �أن يرتك ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم وهم �أهل البيان لفظ ً
العين ��ة الب�ي�ن ،ويذهبوا �إىل �ألفاظ �أخرى حتتاج �إىل بيان و�إي�ض ��اح� ،إ�ضافة �إىل �أن البيع
الثاين لل�سلعة يف بيع العينة يتم يف عقد �آخر يف وقت �آخر ،وهي م�ستقل عن العقد الأول،
فال ي�صدق عليها �أنها بيعتني يف بيعة.
أ�م ��ا التف�س�ي�ر ال ��ذي اختاره بع� ��ض الباحث�ي�ن املعا�صري ��ن وهو تف�س�ي�ر البيعتني يف
بيع ��ة باجلمع بني عقدي ��ن �أو� أكرث �أذا �أدى هذا اجلمع �إىل الوق ��وع يف املحذور ال�شرعي،
ف ُيعرت� ��ض عليه :ب�أن هذا �إبطال ملعنى احلديث ،فاحلديث على هذا املعنى مل ي�أت بحكم
جدي ��د ،فاجلمع بني العقود �إذا �أدى �إىل حم ��ذور �شرعي فهو حمذور ومنهي عنه بالأدلة
الأخ ��رى الت ��ي تنهى عن الربا� ،أو الغ ��رر� ،أو اال�ستغالل ،والأ�ص ��ل يف احلديث �أن ي�ؤ�س�س
حك ًما جديدً ا ،وعلى افرتا�ض �أن هذا احلديث �أتى م�ؤكدً ا حلكم موجود ،فت�أكيد الأحكام
يك ��ون بنف�س �ألفاظ هذه الأحكام ،ال ب�ألفاظ بعيدة عنها ،حتتاج �إىل جهد كبري كي ُيتبني
�أن هذه الألفاظ م�ؤكدة لتلك الأحكام.
الفرع الثاين :عدم كونها حيلة للتو�صل �إىل احلرام
وم ��ن الأم ��ور املخالفة لل�ش ��رع ارتكاب احلي ��ل للتو�ص ��ل �إىل احلرام ،ف� ��إن املفا�سد
املوج ��ودة يف املح ��رم موج ��ودة يف التحايل عليه مع زي ��ادة املكر واخلديع ��ة()1؛ قال اهلل
تعاىل عن املنافقني :ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ (.)2
ويلخ� ��ص ابن تيمية وجه الداللة من هذه الآية بقوله«:وتلخي�ص هذا الوجه� :أن خمادعة
اهلل حرام ،واحليل خمادعة هلل»(.)3
و�إن معاملة العبد مع ربه مبناها على املقا�صد والنيات ،فمن �أظهر اً
قول �سديدً ا ،ومل
((( انظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية .445/29
((( �سورة البقرة ،الآية .9
((( الفتاوى الكربى ،البن تيمية .21/6
222
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يك ��ن قد ق�صد به حقيقته� ،إمنا ليتحايل ب ��ه للو�صول للمحرم كان �آث ًما عا�ص ًيا لربه ،و�إن
قبل النا�س منه الظاهر( ،)1قال �أيوب ال�سختياين« :يخادعون اهلل ك�أمنا يخادعون �آدم ًيا،
لو �أتوا الأمر عيانـًا كان �أهون علي»(.)2
و�إن هدف الهند�سة املالية الإ�سالمية حتقيق ر�ضا اهلل � اًأول يف تطبيق �أحكام ال�شريعة،
ثم حتقيق ر�ضا النا�س ثان ًيا ،ويف التحايل على املحرمات خمادعة هلل ،تورث بغ�ض النا�س
للمتحايل ،وهروبهم عنه ،قال ابن حجر «:ومن ثم كان �سالك املكر واخلديعة حتى يفعل
املع�صية �أبغ�ض عند النا�س ممن يتظاهر بها ويف قلوبهم �أو�ضع وهم عنه �أ�شد نفرة»(.)3
ومن �أبرز �صور التحايل على احلرام من يق�صد الو�صول للربا عن طريق بيع العينة،
�أو غريه ��ا( ،)4قال ابن القيم«:و�أما ما تواط�آ في ��ه على الربا املح�ض ،ثم �أظهرا بي ًعا غري
مق�ص ��ود لهما البتة ،يتو�سالن به �إىل �أن يعطي ��ه مائة حا ّلة مبائة وع�شرين م�ؤجلة ،فهذا
لي� ��س من التجارة امل�أذون فيها ،بل من الربا املنهى عن ��ه»( .)5وقال�«:إن ال�شارع مل ي�شرع
القر� ��ض �إال ملن ق�صد �أن ي�سرتجع مثل قر�ض ��ه ،ومل ي�شرعه ملن ق�صد �أن ي�أخذ �أكرث منه
ال بحيلة وال بغريها»(.)6
الفرع الثالث :عدم كونها ذريعة للتو�صل للحرام
الت ��ذرع للو�ص ��ول �إىل املحرم خمالف لل�ش ��رع؛ لأن للو�سائل حك ��م املقا�صد ،فو�سيلة
املح ��رم حمرم ��ة ،وو�سيلة الواجب واجبة؛ ق ��ال ابن القيم«:ملا كان ��ت املقا�صد ال يتو�صل
223
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�إليه ��ا �إال ب�أ�سب ��اب وط ��رق تف�ضي �إليها كان ��ت طرقه ��ا و�أ�سبابها تابعة له ��ا معتربة بها،
فو�سائ ��ل املحرم ��ات واملعا�ص ��ي يف كراهته ��ا واملنع منها بح�س ��ب �إف�ضائه ��ا �إىل غاياتها
وارتباطاته ��ا بها ،وو�سائل الطاعات والقربات يف حمبته ��ا والإذن فيها بح�سب �إف�ضائها
�إىل غايته ��ا؛ فو�سيل ��ة املق�صود تابع ��ة للمق�صود ،وكالهما مق�ص ��ود»( .)1ومما يدل على
النه ��ي عن التذرع للو�صول �إىل املحرم ما جاء عند �أبي داود والرتمذي عن عبد اهلل ابن
عم ��رو بن العا�ص ر�ضي اهلل عنهم ��ا قال :قال ر�سول اهلل ׫ :لاَ َيحِ ُّل َ�س� �لَ ٌف َو َب ْي ٌع»(.)2
و�سر ذلك �أن اجلم ��ع بينهما ذريعة �إىل الربا()3؛ قال القرايف«:وب�إجماع الأمة على جواز
البي ��ع وال�سلف مفرتقني ،وحترميهما جمتمع�ي�ن لذريعة الربا»( .)4ومن الأدلة على النهي
عن التذرع للو�صول �إىل املحرم قاعدة �سد الذرائع التي اتفق الفقهاء على اعتبارها(.)5
والق ��ول بج ��واز الذريعة مع الق ��ول بتحرمي ما ت� ��ؤول �إليه جمع ب�ي�ن النقي�ضني ،قال
اب ��ن القيم«:الطري ��ق متى �أف�ضت �إىل احلرام ف�إن ال�شريعة ال ت أ�ت ��ي ب�إباحتها �أ�صلاً ؛ لأن
�إباحته ��ا وحترمي الغاية جمع بني النقي�ضني ،فال يت�صور �أن يباح ويحرم ما يف�ضي �إليه،
بل البد من حترميها �أو �إباحتها ،والثاين باطل قط ًعا فتعني الأول»(.)6
الفرع الرابع :عدم منافاتها احلكمة التي حرمت لأجلها بع�ض العقود
بني ��ت ال�شريع ��ة حلكمة ومق�صد ،ولتحق ��ق م�صالح العباد؛ فهي �إما ت ��در أ� مف�سدة،
�أو جتل ��ب م�صلح ��ة( ،)7فـــــ«ال�ش ��ارع ق ��د ق�ص ��د بالت�شري ��ع �إقام ��ة امل�صال ��ح الأخروي ��ة
املرجع ال�سابق .108/3 (((
�سبق تخريجه �ص.158 (((
انظر :تهذيب ال�سنن ،البن القيم بحا�شية عون املعبود ،للأبادي .296-295/9 (((
الفروق ،للقرايف .266/3 (((
انظر :الفروق ،للقرايف ،33/2املوافقات ،لل�شاطبي .185/5 (((
تهذيب ال�سنن ،البن القيم بحا�شية عون املعبود ،للأبادي .243/9 (((
انظر :قواعد الأحكام ،للعز بن عبدال�سالم .11/1 (((
224
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
والدنيوي ��ة»()1؛ ق ��ال ابن القيم«:ف�إن ال�شريع ��ة مبناها و�أ�سا�سها عل ��ى احلكم ،وم�صالح
العب ��اد يف املعا�ش واملعاد ،وهي عدل كلها ،ورحمة كلها ،وم�صالح كلها ،وحكمة كلها»(.)2
فـــــ« كل ما �أمر اهلل به �أمر به حلكمة ،وما نهى عنه نهى حلكمة»()3؛ فاحلكمة هي الباعثة
عل ��ى �شرع احلكم( ،)4ولكن لعدم ان�ضباط احلكم ��ة �أقيمت العلة مقامها( ،)5والعلة :هي
الو�صف الظاهر املن�ضب ��ط( .)6ولأن العلة مرتبطة باحلكمة وهي مظنة حتقيقها( ،)7ويف
ذل ��ك حماية لل�شريعة من الفو�ضى( ،)8ق ��ال ال�شاطبي«:فن�صب ال�شارع املظنة يف مو�ضع
�ضبط ��ا للقوانني ال�شرعية»( .)9ول ��و كانت احلكمة ظاه ��رة من�ضبطة يف جميع احلكم ��ة؛ ً
الأحكام لكانت هي العلة التي يناط بها احلكم(.)10
فالهند�سة املالية الإ�سالمية البد �أن تراعي العلة دون منافاة للحكمة ،فمراعاة العلة
مع منافاة احلكمة �إبطال للأ�صل التي اعتربت العلة من �أجله ،ففي املتفق عليه عن عمر
،ق ��ال :ق ��ال ر�سول اهلل ×َ « :ل َع َن اللهَّ ُ ال َي ُه ��ودَُ ،ح ِّر َمتْ َعلَ ْي ِه ُم ُّ
ال�ش � ُ�حو ُم َف َج َّم ُلوهَا،
َف َبا ُعوهَا»(.)11
225
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
فاهلل لعن اليهود اهلل مع �أنهم مل ي�أكلوا ال�شحوم؛ نظ ًرا �إىل خمالفتهم للحكمة التي
م ��ن �أجلها ُ�شرع احلكم()1؛ قال ابن تيمية« :لعنهم اهلل �سبحانه وتعاىل على ل�سان ر�سول
اهلل × عل ��ى ه ��ذا اال�ستحالل؛ نظ� � ًرا �إىل املق�صود ،ف�إن ما حكم ��ه التحرمي ال يختلف
حراما ل�صورته
�س ��واء كان جام ��دً ا� ،أو مائ ًعا»( .)2وق ��ال ابن القيم«:ف� ��إن الربا مل يك ��ن ً
حراما حلقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع؛ فتلك احلقيقة حيث ولفظ ��ه ،و�إمنا كان ً
وج ��دت وج ��د التحرمي يف �أي �صورة ركبت وب�أي لفظ عرب عنها؛ فلي�س ال�ش�أن يف الأ�سماء
و�صور العقود ،و�إمنا ال�ش�أن يف حقائقها ومقا�صدها وما عقدت له»(.)3
وعل ��ى ه ��ذا ف�إن من يراعي العل ��ة مع منافاة احلكمة له حظ م ��ن فعل اليهود الذين
لعنهم اهلل ۵على خمالفتهم للحكمة من التحرمي ،و�إن مل يخالفوا علة التحرمي(.)4
وكذل ��ك ال ينبغي مراعاة احلكمة وحدها دون مراعاة العلة؛ لعدم ان�ضباط احلكمة
التي نهي عن بع�ض املعامالت لأجلها ،وملا يرتتب عليها من فو�ضى ،وخمالفات �شرعية.
وق ��د ر�أى الدكتور عب ��داهلل ال�سكاكر �أن ت�ضبط الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية باعتبار
احلكمة وحدها دون العلة ،فقال�« :إن اعتبار احلكمة التي ُح ّرمت بع�ض املعامالت لأجلها
ميك ��ن �أن يك ��ون ً
�ضابطا جل ًيا ملا ي�سمى بالهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية �أو املخارج ال�شرعية
يف املعامالت املالية ,ف�إن العلة ميكن االلتفاف عليها كما يف بيع العينة ,وكما فعل اليهود
حني ُحرمت عليهم ال�شحوم� ,أما احلكمة فيع�سر االلتفاف عليها»(.)5
وال ي�سلم للدكتور ال�سكاكر هذا الر�أي للأمور التالية:
انظر :ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية ،لعبداهلل ال�سكاكر� ،ص.18 (((
الفتاوى الكربى ،البن تيمية .36-35/6 (((
�إعالم املوقعني ،البن القيم .93/3 (((
انظر :ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية ،لعبداهلل ال�سكاكر� ،ص.19 (((
املرجع ال�سابق� ،ص.20 (((
226
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الأمر الأول� :إن �أكرث العلماء منعوا التعليل باحلكمة؛ لعدم ان�ضباطها( ،)1و�أما العلماء
الذي ��ن �أجازوا التعليل باحلكمة فقد ا�شرتطوا فيها �أن تكون من�ضبطة( ،)2واملن�ضبط :هو
املط ��رد ال ��ذي ال تتناق�ض فروع ��ه( .)3والحِ كم التي حرمت لأجله ��ا بع�ض املعامالت غري
بحكمها ممنوع على الر�أيني ،وبيانه� :أن �أ�صول املنهيات ال�شرعية يف من�ضبطة؛ فالتعليل ِ
املعام�ل�ات الربا والغ ��رر ،وحكمة النهي عنهما ،تدور حول :الظل ��م ،و�أكل املال بالباطل،
والبغ�ضاء والت�شاحن واخل�صومات()4؛ قال اهلل تعاىل منب ًها على حكمة النهي عن الربا:
ﮋ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ ( ،)5ويف �أحادي ��ث النه ��ي
ع ��ن بي ��ع الثمار قبل بدو �صالحه ��ا �إ�شارة �إىل بع�ض احلكم التي نه ��ي لأجلها عن الغرر،
فنه ��ى النبي × عن بيع الثم ��ار قبل بدو �صالحها؛ كي ال تمُ نع الثمرة في�أكل امل�سلم مال
�أخي ��ه بغ�ي�ر حق؛ ففي املتفق عليه َع ��نْ �أَ َن ٍ�س �« :أَنَّ ال َّن ِب َّي × َن َهى َع ��نْ َب ْي ِع َث َم ِر ال َّت ْم ِر
َح َّت ��ى َيزْ هُ َو»َ ،ف ُق ْل َنا ِ ألَ َن� � ٍ�سَ :ما َز ْه ُو َها؟ َق َال«:تحَ ْ َم� � ُّر َوت َْ�ص َف ُّر� َ ،أ َر َ�أ ْي � َ�ت ِ�إنْ َم َن َع اللهَّ ُ ال َّث َم َر َة
مِ َب ت َْ�ست َِح� � ُّل َم َال َ�أ ِخي � َ�ك»( .)6وهذا بدوره ي�ؤدي �إىل التباغ� ��ض واخل�صومات ،وهي �إحدى
احلك ��م الت ��ي لأجلها نهي عن بيع الثمار قبل بدو �صالحه ��ا؛ فعن زيد بن ثابت قال:
ا�ض ِيه ْم، ا�س َو َح َ�ض َر َت َق ِ ا�س فيِ َع ْه ِد َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ×َ ،ي َت َبا َي ُعونَ ال ِّث َما َرَ ،ف�إِ َذا َج َّد ال َّن ُ « َكانَ ال َّن ُ
ا�ض� ،أَ َ�صا َب ُه ُق َ�شا ٌمَ ،ع َاهاتٌ َي ْحت َُّجونَ ِب َها، اب ال َّث َم َر ال ُّد َمانُ � ،أَ َ�صا َب ُه ُم َر ٌ
َق َال املُ ْبتَاعُ� :إِ َّن ُه �أَ َ�ص َ
227
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
كتاب البيوع ،باب بيع الثمار قبل �أن يبدو �صالحها ،برقم.2193 (((
جمموع الفتاوى ،البن تيمية .510/20 (((
جمموع الفتاوى ،البن تيمية .23-22/29 (((
انظر :الربا يف املعامالت امل�صرفية املعا�صرة ،لل�سعيدي .269/1 (((
228
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
م ��ن املتاج ��رة مباله ،فهو من ب ��اب الت�شجيع والتع ��اون( ،)1مع �أن هذا م ��ن الربا املحرم
بالإجم ��اع( ،)2وكم ��ا ل ��و مت حتديد ج ��زء معني من الرب ��ح للم�شرتكني فال ظل ��م فيه ،وال
أي�ضا حمرم بالإجماع(.)4 ا�ستغالل( ،)3وهو � ً
وهناك الكثري من املعامالت التي فيها خالف بني العلماء ،ومن �ضمن �أدلة املانعني
وجود الظلم ،ومن �ضمن �أدلة املجيزين عدم وجوده ،كالعربون( ،)5والربح فوق الثلث(،)6
و�س ��داد الدين بقيمته ال مبثل ��ه( ،)7فالتعليل باحلكمة هن ��ا ال ين�ضبط؛ الختالف مقادير
الظلم يف رتبه ،ومن �أ�سباب عدم االن�ضباط اختالف املقادير(.)8
وكذل ��ك البغ�ض ��اء �ش ��يء نف�سي خف ��ي ال ميك ��ن �ضبط ��ه()9؛ فاخلفاء م ��ن �أ�سباب
ع ��دم ان�ضب ��اط احلكمة( )10فهو كالر�ض ��ا يف العقود ،مل يعلق ال�ش ��رع احلكم عليه لعدم
ان�ضباط ��ه( ،)11فقد يغ�ضب الإن�سان ويخا�ص ��م غريه واملعاملة مباحة ،وقد يتفق مع غريه
على معاملة ممنوعة ،وهو را�ض غري غ�ضبان ،ومع ذلك ر�ضاه وغ�ضبه ال يغري الأحكام؛
فالتعلي ��ل باحلكمة يف املعامالت غري من�ضبط وغري مطرد ،والتعليل البد �أن يطرد ،ومن
((( انظر :الفتاوى ،ملحمود �شلتوت� ،ص ،305معامالت البنوك و�أحكامها ال�شرعية ،ل�سيد طنطاوي� ،ص.143-142
((( انظر :مو�سوعة الإجماع ،ملجموعة من امل�ؤلفني .169/4
((( انظر :الفتاوى ،ملحمود �شلتوت� ،ص.302
((( انظر :مو�سوعة الإجماع ،ملجموعة من امل�ؤلفني .623/4
((( انظر :بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة ،ملحمد الأ�شقر و�آخرين .399/1
((( انظر:اتباع الآثار يف حكم حتديد �أرباح التجار ،لأ�شرف الكناين� ،ص.94
((( انظر :بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة ،ملحمد الأ�شقر و�آخرين .261/1
((( انظر :الفروق ،للقرايف .165 /2
((( انظر :م�شاهد من املقا�صد ،البن بيه� ،ص ،166مقا�صد الأحكام املالية عند ابن القيم ،ملحمد اليحيى� ،ص.138
( ((1انظر :مقا�صد الأحكام املالية عند ابن القيم ،ملحمد اليحيى� ،ص.145
( ((1انظر :الفروق ،للقرايف 166/2
229
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وعدما»(.)1
القواعد املقررة «احلكم يدور مع علته وجودًا ً
الأم ��ر الث ��اين� :إن التعلي ��ل باحلكم ��ة �أحد �أ�سباب فت ��ح �أبواب الرب ��ا( ،)2فقد اختار
الدكت ��ور عبداملنع ��م النمر ج ��واز التعليل باحلكم ��ة ،و�أن احلكمة من حت ��رمي الربا ظلم
املدي ��ن وا�ستغالل ��ه( ،)3وبن ��ا ًء على هذا االختي ��ار يقول«:ف�أن ��ا ومن �أي ��دين ال يرون ربح
ال�شه ��ادات مم ��ا ينطبق عليه مفهوم الربا؛ �إذ لي�س في ��ه ا�ستغالل الدائن حلاجة حمتاج
�أو م�ضط ��ر»( ،)4وقال غريه�«:إن حكمة حت ��رمي الربا هي حماية ال�ضعيف من القوي ،غري
�أن ��ه يوج ��د اليوم من القرو�ض ما يكون املقرت�ض هو الق ��وي ،واملقر�ض هو ال�ضعيف ،من
ذل ��ك القر�ض احلكومي املمثل يف ال�سن ��دات ،وكذلك ال�سندات التي ت�صدرها البلديات،
وبقية الهيئات ،وامل�ؤ�س�سات احلكومية ،وكذلك ال�سندات التي ت�صدرها ال�شركات الكربى
القوية...ف�أ�صب ��ح املدين هو الأق ��وى ،و�أ�صبح الدائن هو ال�ضعي ��ف ،و�أ�صبح هذا الأخري
ه ��و اجلدير باحلماي ��ة ،ولي�س من املعقول بعد ذل ��ك �أن نعترب املدخر حام ��ل ال�سند ذي
الفائ ��دة مراب ًيا»( ،)5و�أبرز م�ستند ملن قال بجواز الربا� ،إن مل يكن �أ�ضعا ًفا م�ضاعفة ،هو
ع ��دم حتقق حكمة النهي عن الربا �إال �إذا كان �أ�ضعا ًفا م�ضاعفة( ،)6ومن ذلك ما اختاره
((( انظر� :أ�صول ال�سرخ�سي ،178/2رو�ضة الناظر ،البن قدامة .180/1
((( انظر :الربا يف املعامالت امل�صرفية املعا�صرة ،لل�سعيدي ،264/1املعامالت املالية ،للدبيان ،307/13فوائد البنوك
هي الربا احلرام ،للقر�ضاوي� ،ص.134
((( انظر :االجتهاد ،لعبداملنعم النمر� ،ص.293-292
((( املرجع ال�سابق� ،ص.282
((( �أح ��كام التعام ��ل يف الأ�سواق املالية املعا�صرة ،ملب ��ارك �آل �سليمان ،227-226/1املعام�ل�ات املالية ،لدبيان الدبيان
.308-307/13وق ��د ن�س ��ب �أ�صحاب املرجعني ال�سابقني هذا الكالم �إىل الدكت ��ور علي عبدالر�سول يف كتابه املبادئ
االقت�صادي ��ة يف الإ�س�ل�ام ،وق ��د ق ��ر�أت الكتاب كام�ًللاً ومل �أجد ه ��ذا الكالم ،بل وج ��دت الدكتور عل ��ي عبدالر�سول
يح ��رم ال�سندات مطل ًق ��ا ،فيقول�«:أما تداول ال�سندات فال يجوز؛ لأنها متثل ً
قرو�ض ��ا ذات فائدة ثابتة ربوية» املبادئ
االقت�صادية يف الإ�سالم ،لعلي عبدالر�سول� ،ص.272
((( انظ ��ر :تف�سري املن ��ار ،لر�شيد ر�ضا � ،108-102/4أحكام الفوائد الربوية يف القان ��ون الكويتي وال�شريعة الإ�سالمية،
230
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
مقدما؛ خللو
الدكت ��ور �سي ��د طنطاوي من جواز التعامل م ��ع البنوك التي حتدد الأرب ��اح ً
املعامل ��ة من الظلم واال�ستغالل( ،)1وكثري من مربرات �إباحة الفوائد الربوية ت�ستند على
ع ��دم حتقق احلكمة التي لأجلها نهي عن الرب ��ا()2؛ فالتعليل باحلكمة �أحد الأبواب التي
يدخل منها املبيحون للربا.
الأم ��ر الثال ��ث� :إن اخلالف بني امل�صارف الإ�سالمية كثري مع ربط غالب امل�صارف
�أحكامها بالعلة املن�ضبطة ،فمعاملة يجيزها م�صرف �إ�سالمي ،وعينها يحرمها م�صرف
�آخ ��ر ،وه ��ذا اخلالف �أحد �أ�سباب ت�شكيك النا�س يف �شرعي ��ة معامالتها ،و�ضعف ثقتهم
به ��ا ،فكيف لو كان التعليل باحلكم ��ة غري املن�ضبطة؟ �سيكون اخل�ل�اف �أكرث ،ولن يكون
هن ��اك �أي فرق ب�ي�ن البنك الإ�سالمي والبنك التقليدي �إذا �أجيز التعامل بالربا الذي هو
�أعظم املنهيات؛ ب�سبب التعليل باحلكمة.
الأم ��ر الراب ��ع� :إن النبي × ذكر االلتف ��اف على العلة كما يف حديث حتايل اليهود
حني حرمت عليهم ال�شحوم ،وكما يف حديث العينة ،ومع ذلك مل ي�أمر بالتعليل باحلكمة
لتجن ��ب هذا االلتفاف ،ولو كان التعليل بها حلاً لبين ��ه لأمته؛ ولكن لعدم ان�ضباطها هنا
مل يعل ��ل به ��ا ،ولأن الذي يلتف عل ��ى العلة لن يراع ��ي احلكمة ،ومعاجل ��ة االلتفاف على
العل ��ة يكون يف بيان حت ��رمي هذا االلتفاف والتحايل كما بني النبي × حترمي ذلك ،ورد
املعامالت التي فيها التفاف وحتايل.
�إن مراع ��اة العل ��ة مع منافاة احلكم ��ة �إبطال للأ�صل التي اعت�ب�رت العلة من �أجله،
ومراع ��اة احلكمة وحده ��ا دون العلة ،يرتتب عليه ��ا فو�ضى ،وخمالف ��ات �شرعية؛ لعدم
للهاجري� ،ص.108-107
((( انظر :معامالت البنوك و�أحكامها ال�شرعية ،ل�سيد طنطاوي� ،ص.144
((( انظر :عقد القر�ض وم�شكلة الفائدة ،للجزائري� ،ص� ،354-336أحكام الفوائد الربوية يف القانون الكويتي وال�شريعة
الإ�سالمية ،للهاجري� ،ص.143-101
231
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ان�ضب ��اط احلكمة ،وملا يرتتب عليه من خمالفات �شرعية ،فالذي ينبغي هو مراعاة العلة
دون مناف ��اة للحكمة ،قد تتخلف احلكمة يف بع� ��ض ال�صور كما �سبق بيانه ،لكن املهم �أال
يكون هناك منافاة لها.
املطلب الثاين�:سالمة الهند�سة املالية الإ�سالمية من العيوب ال�شكلية
للعقود
وم ��ن �ضواب ��ط الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية �سالمته ��ا من العي ��وب ال�شكلية للعقود،
ويندرج حتتها الفروع التالية:
الفرع الأول :عدم اجلمع بني العقود املتناق�ضة
�إذا كان العق ��دان املكون ��ان للعق ��د املرك ��ب متناق�ض�ي�ن ف�ل�ا يج ��وز اجتماعهما يف
عق ��د واح ��د()1؛ يقول القرايف� «:إن العق ��ود �أ�سباب ال�شتمالها عل ��ى حت�صيل حكمتها يف
م�سبباته ��ا بطريق املنا�سبة ،وال�شيء الواحد باالعتبار الواحد ال ينا�سب املت�ضادين ،فكل
عقدي ��ن بينهما ت�ضاد ال يجمعهما عقد واح ��د»( .)2وهذا ال�ضابط :وهو �أال يكون العقدان
مت�ضادي ��ن و�ض ًعا متناق�ضني حك ًما ،حقيق باملراع ��اة()3؛ «لأن العقود �أ�سباب تف�ضي �إىل
حت�صي ��ل حكمتها ،وغايتها ،ومق�صودها ،يف م�سبباتها بطريق املنا�سبة ،وال�شيء الواحد
باالعتبار الواحد ال ينا�سب املت�ضادين ،واملتناق�ضني»( ،)4و�سواء كان االجتماع بني عقدين
مت�ضادين� ،أو �شرطني مت�ضادين يف عقد واحد ،فكل ذلك مبطل للعقد()5؛ يقول الدكتور
�سام ��ي ال�سويلم�« :إن النهي عن �شرطني يف بيع ،وعن بيعتني يف بيعة يدل على النهي عن
انظر :املخارج ال�شرعية �ضوابطها و�أثرها يف تقومي �أن�شطة امل�صارف الإ�سالمية ،حل�سني العبيدي� ،ص.80 (((
الفروق ،للقرايف .142/3 (((
انظر :ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد ،لنزيه حماد� ،ص.281 (((
املرجع ال�سابق. (((
انظر� :صناعة الهند�سة املالية ،ل�سامي ال�سويلم� ،ص30 (((
232
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�ش ��روط والعق ��ود املتنافية املت�ضادة ،و�أقل ما ينطبق علي ��ه ذلك هو حمل العقد؛ بحيث
يتوارد �شرطان �أو عقدان على حمل واحد ،ينايف �أحدهما مقت�ضى الآخر وي�ضاده»(.)1
فاملحظور � ًإذا �إمنا هو اجلمع بني عقدين خمتلفني يف ال�شروط والأحكام� ،إذا ترتب
عل ��ى ذل ��ك تناق� ��ض� ،أو ت�ضاد� ،أو تناف ��ر يف املوجب ��ات ،والآثار( ،)2وهذا يك ��ون يف حالة
ت ��وارد العقدين على حمل واحد يف وقت واحد()3؛ وم ��ن �أمثلة ذلك :اجلمع بني هبة عني
وبيعه ��ا للموهوب� ،أو هبتها و�إجارتها(� ،)4أو اجلمع بني امل�ضاربة و�إقرا�ض امل�ضارب ر�أ�س
ماله ��ا(� ،)5أو اجلمع بني الإج ��ارة والبيع يف ما ي�سمى بالإجارة املنتهية بالتمليك �إذا اتفق
الطرف ��ان على �إج ��ارة �سلعة معينة ب�أجرة معلومة �إىل �أجل حم ��دد ،بحيث تنقلب تلقائ ًيا
بع ��د �أق�ساطها بي ًع ��ا ،وتنتقل امللكية للم�ست�أجر مع �سداده الق�س ��ط الأخري ،ويكون �ضمان
ال�سلعة خالل مدة الإجارة على امل�ست�أجر(.)6
الفرع الثاين:عدم كونها جمرد تغيري يف التكييف الفقهي للمعامالت املحرمة
من القواعد املقررة �أن«ا ْلعبرْ َ ة فيِ ا ْل ُع ُقود للمقا�صد واملعاين ،اَل للألفاظ واملباين»(،)7
وجم ��رد تغي�ي�ر التكييف الفقهي للمعامل ��ة ال يغريها �إن مل تكن حقيقته ��ا متفقة مع هذا
التكيي ��ف اجلديد ،وال�شرع لمَّا حرم بع�ض املعامالت حرمه ��ا لمِ ا يرتتب عليها من مفا�سد
عاجلة و�آجلة ،وتغيري التكييف الفقهي لها ال يدفع هذه املفا�سد ،بل يكون �سب ًبا يف زيادتها؛
لزي ��ادة املتعامل�ي�ن بها عندم ��ا ي�صدر الر�أي الفقه ��ي بجوازها؛ يقول اب ��ن القيم«:فاهلل
املرجع ال�سابق� ،ص.31 (((
انظر :العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي ،لنزيه حماد� ،ص.31 (((
انظر:العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.185 (((
انظر :العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي ،لنزيه حماد� ،ص.31 (((
املرجع ال�سابق. (((
املرجع ال�سابق. (((
�شرح القواعد الفقهية ،للزرقا� ،ص .55وانظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية ،298/32القواعد ،البن رجب� ،ص.13 (((
233
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�سبحان ��ه �إمنا حرم هذه املحرمات وغريه ��ا ملا ا�شتملت عليه من املفا�سد امل�ضرة بالدنيا
والدي ��ن ،ومل يحرمها لأجل �أ�سمائه ��ا و�صورها ،ومعلوم �أن تلك املفا�سد تابعة حلقائقها،
ال ت ��زول بتب ��دل �أ�سمائها وتغ�ي�ر �صورتها...فتغيري �ص ��ور املحرمات و�أ�سمائه ��ا مع بقاء
مقا�صدها وحقائقها زيادة فى املف�سدة التى حرمت لأجلها»(.)1
وهناك بع�ض املعامالت املحرمة كالفائدة على الودائع امل�صرفية ،التي ر�أى جمهور
العلم ��اء املعا�صرين ،واملجامع الفقهية ،والهيئ ��ات ال�شرعية �أنها عبارة عن فائدة مقابل
القر� ��ض فهي ربا حمرم(� ،)2إال �أنه من فرتة لأخرى تخ ��رج بع�ض الآراء الفقهية املبيحة
له ��ذه الفوائ ��د ،عن طري ��ق تغيري تكييفه ��ا الفقهي ،فمرة تكي ��ف ب�أنها وديع ��ة( ،)3ومرة
م�ضارب ��ة( ،)4و�أخرى جعالة(� ،)5أو تكيف على �أنها معامل ��ة جديدة والأ�صل يف املعامالت
احلل(�...)6إىل غري ذلك(.)7
وكل ه ��ذه التكييفات الفقهية -بغ�ض النظر ع ��ن مق�صد �أ�صحابها -ال تغري حقيقة
هذه املعاملة ،وال املفا�سد التي ترتتب عليها ،فالذي يقر�أ يف �أ�سباب الأزمات االقت�صادية
234
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يج ��د �أن من �أه ��م �أ�سبابها الفوائد عل ��ى الودائع �أو القرو�ض()1؛ فل ��ذا يجب على الفقيه
املهت ��م بهند�سة العقود املالية �أن ينظر �إىل ما ت�ؤول �إلي ��ه املعاملة( ،)2و�أن يعطى الأ�سماء
حقيقته ��ا( ،)3و�أال يتكل ��ف يف تلبي�سه ��ا اللبا�س ال�شرع ��ي ،وهي لي�ست م ��ن ال�شرع ،يقول
ال�ش ��وكاين مو�ص ًيا طالب العلم«:وم ��ن جملة ما ينبغي له ا�ستح�ض ��اره �أن ال يغرت مبجرد
اال�س ��م دون النظر يف مع ��اين امل�سميات وحقائقها فقد ي�سمى ال�ش ��يء با�سم �شرعي وهو
لي�س من ال�شرع»(.)4
الفرع الثالث :عدم كونها جمرد قيود �شكلية
م ��ن مهام هيئات الفت ��وى والرقابة ال�شرعي ��ة الفح�ص عن مدى الت ��زام امل�صارف
الإ�سالمي ��ة بال�شريع ��ة الإ�سالمية يف جمي ��ع �أن�شطتها( ،)5فهي تتابع �س�ي�ر �أعمال البنك،
وتت�أكد من �سالمة تطبيق الأحكام ال�شرعية ،وتنبه العاملني على املخالفات ال�شرعية()6؛
ج ��اء يف ق ��رارات الهيئ ��ة ال�شرعية مب�ص ��رف الراجح ��ي �أن �أب ��رز مه ��ام �إدارة الرقابة
ال�شرعية-1«:التحق ��ق م ��ن �أن �أي ن�ش ��اط� ،أو منتج� ،أو خدمة� ،أو عقد ج ��ا ٍر العمل به يف
امل�صرف جم ��از من الهيئة ال�شرعي ��ة -2.مراجعة النماذج ،والعق ��ود ،واالتفاقيات قبل
ا�ستخدامه ��ا ،ومراجع ��ة �إجراءات تنفي ��ذ العمليات قبل تنفيذها؛ للت�أك ��د من مطابقتها
للقرارات ال�صادرة ب�ش�أنها.)7( »...
((( انظر� :أ�سباب الأزمة املالية وجذورها ،للجوزي جميلة ،بحث من�شور على الرابط:
http://www.jinan.edu.lb/conf/Money/1/dreldjouzi.pdf
انظر :الفتاوى الكربى ،البن تيمية .54/6 (((
املرجع ال�سابق 101/6 (((
�أدب الطلب ومنتهى الأدب ،لل�شوكاين� ،ص.198 (((
انظر :بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية ،للقره داغي .498/2 (((
انظر� :إدارة البنوك الإ�سالمية ،ل�شهاب العزعزي� ،ص.111 (((
قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي .16-15/1 (((
235
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�إال �أن ��ه يف بع�ض البن ��وك الإ�سالمية ب�سبب عدم وجود املراقب ��ة �أو �ضعفها ،و�ضعف
احل�صيل ��ة ال�شرعية عند بع�ض العاملني فيها تقع �أخط ��اء يف تطبيق بع�ض العقود ب�سبب
عدم مراعاة ال�ضوابط ال�شرعية التي و�ضعتها هيئة الفتوى جلواز املعامالت ،مما يجعل
املعاملة ال تختلف عن نظريتها يف البنك الربوي ،ويفتح �أل�سنة بع�ض النا�س بنقد البنوك
الإ�سالمي ��ة ،و�أنه ��ا ال تختلف عن البن ��وك الربوية ،وي�شكك ��ون يف م�صداقية معامالتها،
ويف نزاه ��ة هيئته ��ا ،فهم يتعاملون مع واق ��ع ،وال يقر�ؤون الفتاوى الت ��ي �أخرجتها الهيئة
ال�شرعي ��ة� ،إ�ضافة �إىل �أن البنوك الإ�سالمي ��ة حماربة من قبل البنوك الربوية؛ وقد كتب
الدكت ��ور رفيق امل�صري بعد مرور �أكرث من ثالث�ي�ن �سنة على �إن�شاء امل�صارف الإ�سالمية
بح ًث ��ا بعنوان«:اختبار الفتاوى املالي ��ة ،هل امل�شكلة يف الفت ��وى �أم يف التطبيق؟»( .)1مما
ي ��دل على وج ��ود خلل يف التطبيق« ،ال �سيما و�أن اجلمه ��ور يت�ساءلون عن هذه امل�ؤ�س�سات
وامل�صارف ه ��ل تعمل وفق ال�شريعة �أم �أنها حتاكي امل�ؤ�س�س ��ات وامل�صارف التقليدية»(،)2
وق ��د �ض ��رب ال�شيخ ابن منيع مث � اً�ال ملعاملة ي�ساء تطبيقها يف البن ��وك الإ�سالمية؛ بحيث
تطب ��ق ب�شكل �صوري لمَّا ُ�س ِئل:هل ت ��رى �أن هناك عقودًا �صوري ��ة يف البنوك الإ�سالمية؟،
ف�أجاب:بــــ� �ـ«ال �شك �أن ��ه توجد عقود �صورية؛ ما ي�سمى الآن بالت ��ورق املنظم؛ حيث ي�أتي
العمي ��ل للبن ��ك ،ويقول� :أنا يف حاج ��ة �إىل � 100ألف ري ��ال فيقول البن ��ك :تف�ضل ،هذي
جمموعة �أوراق م�ستندية و ِّقعها ،وغدً ا جتد ما تريد يف ح�سابك ،فماذا عمل؟ هل ا�شرتى
�أو باع؟»(.)3
((( بح ��ث من�ش ��ور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز
بجدة2008-2007 ،م� ،ص.26-19
((( اختب ��ار الفتاوى املالية ه ��ل امل�شكلة يف الفتوى �أم يف التطبيق؟ ،لرفيق امل�صري ،بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء
التي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة2008-2007 ،م� ،ص.19
((( جريدة ال�شرق الأو�سط ،الثالثاء 26 ،جمادى الثاين ،1431العدد.11515
236
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وكذل ��ك �أفتى الدكتور ال�صديق ال�ضرير بجواز االتف ��اق بني الدائن واملدين-البنك
والعميل -على التعوي�ض عن ال�ضرر احلقيقي الفعلي م�سب ًقا �إذا ت�أخر املدين يف ال�سداد،
وا�شرتط �أن يكون تقديره على �أ�سا�س الربح الفعلي الذي حققه الدائن-البنك -يف املدة
التي ت�أخر املدين فيها بالوفاء( ،)1ثم �أوقف العمل بفتواه؛ لعدم مراعاة البنك لهذا القيد
�أو ال�ش ��رط ،ق ��ال الدكتور«:البنك ال ��ذي �أ�صدرت له الفتوى مل ي�ستط ��ع تنفيذها التنفيذ
ال�صحي ��ح ال ��ذي ق�صدت ��ه؛ لأن ��ه �أراد �أن يعتمد على الرب ��ح التقريبي ،ولي� ��س الفعلي يف
تقدي ��ر ال�ضرر ،فوجهت بوق ��ف العمل بالفتوى خو ًفا من �أن ي� ��ؤدي تنفيذها �إىل ما ي�شبه
الفائدة(الربا») (.)2
فع ��دم مراع ��اة القيود وال�ش ��روط يف املعامالت الت ��ي يتم هند�سته ��ا هند�سة مالية
�إ�سالمي ��ة ،يجعله ��ا جمرد قيود �شكلي ��ة ،ويكون �سب ًبا يف الوق ��وع يف بع�ض املحرمات التي
م ��ا �أن�شئ ��ت الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة �إال للفرار منه ��ا ،وهذا ي�ؤكد عل ��ى �أهمية الدور
الذي تقوم به هيئات املراقبة ال�شرعية يف البنوك الإ�سالمية ،و�أنها تعزز من ثقة النا�س
به ��ذه امل�صارف� ،إذا مت اختيار املراقب بطريقة �صحيحة ،ومتت املراقبة كذلك بطريقة
�صحيحة.
***
((( االتف ��اق على �إلزام املدين املو�س ��ر بتعوي�ض عن �ضرر املماطل ،بحث من�شور يف جمل ��ة �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي،
ال�صادرة من جامعة امللك عبدالعزيز بجدة ،املجلد الثالث ،العدد الأول1405 ،ه� ،ص.112
((( جملة جامعة امللك عبدالعزيز بجدة ،االقت�صاد الإ�سالمي ،املجلد اخلام�س1413 ،ه� ،ص.70
237
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
238
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وفيه ف�صالن:
الف�صل الأول:تطبيقات للهند�سة املالية الإ�سالمية يف الفقه الإ�سالمي
الف�صل الثاين :تطبيقات معا�صرة للهند�سة املالية الإ�سالمية
239
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
240
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
م�صطل ��ح الهند�سة املالية م�صطلح حديث الن�ش�أة ،و�إن كان من حيث الوجود قد ًميا
ق ��دم املعامالت املالية( ،)1ويف الفق ��ه الإ�سالمي يوجد العديد م ��ن التطبيقات للهند�سة
املالي ��ة الإ�سالمية( ،)2وكذلك يف املعامالت املالية املعا�صرة يوجد العديد من التطبيقات
للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية ،ويف الف�صل الأول درا�سة لبع� ��ض تطبيقات الهند�سة املالية
الإ�سالمية يف الفقه الإ�سالم ��ي؛ وهذه التطبيقات هي:بيع الوفاء ،وبيع اال�ستجرار ،وبيع
وال�س ْفتَجة ،والتورق ،والإج ��ارة املو�صوفة يف الذم ��ة ،ويف الف�صل الثاين درا�سة
العين ��ةُ ،
لبع� ��ض التطبيقات املعا�ص ��رة للهند�سة املالية الإ�سالمية؛ وه ��ذه التطبيقات هي :ال�سلم
املوازي ،واال�ست�صناع املوازي ،وال�صكوك الإ�سالمية ،والتورق امل�صريف ،واملرابحة للآمر
بال�ش ��راء ،والإجارة املنتهية بالتمليك ،وامل�شارك ��ة املنتهية بالتمليك ،وبطاقات االئتمان.
وبيان ذلك يف الف�صلني التاليني.
241
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
242
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الف�صل الأول
تطبيقات للهندسة المالية اإلسالمية
في الفقه اإلسالمي
وفيه �ستة مباحث:
املبحث الأول
بيع الوفاء
املطلب الأول :تعريف بيع الوفاء
بيع الوفاء مركب �إ�ضايف من كلمتني :البيع ،والوفاء ،والبد من تعريف كل كلمة على
حده ،ثم يتم تعريفه مرك ًبا منهما.
أي�ضا ،وه ��و من الأ�ضداد( ،)1قال ابن فالبي ��ع يف اللغ ��ة �ضد ال�شراء ،والبيع :ال�شراء � ً
فار�س«:الباء والياء والعني �أ�صل واحد ،وهو بيع ال�شيء ،ورمبا �سمي ال�شرى بي ًعا .واملعنى
واحد»(.)2
والبيع يف اال�صطالح هو«:مبادلة املال باملال ،متلي ًكا ،ومت ّل ًكا»( .)3وله تعريفات �أخرى
قريبة من هذا املعنى(.)4
والوف ��اء يف اللغة يدل على �إكم ��ال ال�شيء و�إمتامه؛ ومن الوفاء� :إمتام العهد و�إكمال
ال�ش ��رط .ويقال� :أوفيتك ال�شيء؛ �إذا ق�ضيته �إي ��اه واف ًيا ،وتوفيت ال�شيء وا�ستوفيته� ،إذا
�أخذته كله حتى مل ترتك منه �شي ًئا(.)5
انظر :ل�سان العرب ،23/8امل�صباح املنري ،للفيومي .69/1 (((
معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .327/1 (((
املغني ،البن قدامة .480/3 (((
انظر :املب�سوط ،لل�سرخ�سي ،181/12مواهب اجلليل ،للحطاب ،222/4املجموع ،للنووي .149/9 (((
انظر :معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س ،129/6خمتار ال�صحاح ،للرازي� ،ص.343 (((
243
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
244
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
م ��ا رد الثم ��ن للم�شرتي؛ فالهند�سة املالية يف العقد هي �إجراء تعديل على العقد من كون
امل�ش�ت�ري حر الت�صرف يف املبيع �إىل مقيد الت�صرف في ��ه ،فمتى ما رد البائع الثمن يرد
امل�شرتي املبيع.
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع الوفاء
الفرع الأول :حكم بيع الوفاء
اختلف الفقهاء يف حكم بيع الوفاء على قولني:
القول الأول� :أن بيع الوفاء حمرم.
وهو قول بع�ض احلنفية( ،)1ومذهب املالكية( ،)2وال�شافعية( ،)3واحلنابلة(.)4
القول الثاين� :أن بيع الوفاء جائز.
وهو املذهب عند احلنفية(.)5
�أدلة القول الأول:
هلل× الدليل الأول :عن جابر بن عبداهلل ر�ضي اهلل عنهما ،قالَ « :نهَى َر ُ�س � ُ
�ول ا ِ
�ص يِف ا ْل َع َرا َيا» رواه م�سلم(.)6
َع ِن ال ُّث ْن َياَ ،و َر َّخ َ
وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث� :أن النبي × نهى عن الثنيا ،وه ��ي �أن ي�ستثني البائع
جمهول من املبيع؛ ملا فيه من الغرر( ،)7ويف بيع الوفاء ا�شرتط البائع رد املبيع متى اً �شي ًئا
((( انظر :العناية �شرح الهداية ،للبابرتي ،236/9تبيني احلقائق ،للزيلعي ،184 /5الفتاوى الهندية .209/3
((( انظر :مواهب اجلليل ،للحطاب ،373/4ال�شرح الكبري ،للدردير .71/3
((( انظر :حتفة املحتاج ،للهيتمي مع حا�شية ال�شرواين ،296/4بغية امل�سرت�شدين ،للح�ضرمي� ،ص.133
((( انظر :ك�شاف القناع ،للبهوتي ،149/3مطالب �أويل النهى ،للرحيباين .4/3
((( انظر :تبيني احلقائق ،للزيلعي ،184 /5حا�شية ابن عابدين .277 /5
((( كتاب البيوع ،باب النهي عن املحاقلة واملزابنة ،وعن املخابرة ،وبيع الثمرة قبل بدو �صالحها ،وعن بيع املعاومة وهو
بيع ال�سنني ،برقم .1536
((( انظر :املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج ،للنووي ،195/10حتفة الأحوذي ،للمباركفوري .426/4
245
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
م ��ا رد الثمن على امل�شرتي ،واملدة التي يرد فيها الثمن جمهولة؛ فهي من الثنيا املمنوعة
بن�ص احلديث(.)1
الدلي ��ل الثاين :ما ج ��اء عند �أبي داود والرتمذي عن عبد اهلل بن عمرو بن العا�ص
قال :قال ر�سول اهلل ׫ :لاَ َيحِ ُّل َ�سلَ ٌف َو َب ْي ٌع»(.)2
وج ��ه الدالل ��ة من احلديث� :أن النبي × نهى عن اجلم ��ع بني ال�سلف والبيع ،وقد
�أجم ��ع الفقهاء على املنع من ذلك( ،)3وبيع الوفاء يجمع بني ال�سلف والبيع()4؛ «لأنه يكون
مرتددًا بني البيع وال�سلف; �إن جاء بالثمن كان �سل ًفا ،و�إن مل يجئ كان بي ًعا»(.)5
نوق� ��ش :ب� ��أن املراد باحلدي ��ث �أن ال�سلف يتميز ع ��ن ثمن البيع ،أ�م ��ا يف بيع الوفاء
فالثمن �إما يكون للبيع �أو يكون �سل ًفا؛ فهو غري متميز ،فال يدخل يف معنى احلديث(.)6
الدليل الثالث :عن عمرو بن العا�ص� ،أن النبي×َ «:نهَى َعنْ َب ْي ٍع َو َ�ش ْر ٍط»رواه
الطرباين(.)7
وج ��ه الدالل ��ة من احلديث� :أن النبي × نهى ع ��ن اقرتان ال�شرط بالبيع ،والنهي
يدل على ف�ساد املنهي عنه ،ويف بيع الوفاء اقرتن البيع بال�شرط ،فدل على ف�ساده(.)8
يناق�ش :ب�أن هذا احلديث �ضعيف ،ال ي�صلح لالحتجاج به(.)9
((( انظر :املنتقى �شرح املوط�أ ،للباجي ،210/4ق�ضايا الفقه والفكر املعا�صر ،لوهبة الزحيلي .226-225 /1
((( �سبق تخريجه �ص.158
((( انظ ��ر :املنتق ��ى �ش ��رح املوط� ��أ ،للباجي ،29/5جمم ��وع الفتاوى ،الب ��ن تيمي ��ة ،83/30مو�سوعة الإجم ��اع يف الفقه
الإ�سالمي ،ملجموعة من امل�ؤلفني .163/4
((( انظر :املنتقى �شرح املوط�أ ،للباجي ،210/4مواهب اجلليل ،للحطاب ،373/4منح اجلليل ،لعلي�ش .52/5
((( بداية املجتهد ،البن ر�شد .179/3
((( انظر :املنتقى �شرح املوط�أ ،للباجي .210/4
((( �سبق تخريجه �ص.80
((( انظر :حا�شية ال�شلبي على تبيني احلقائق ،للزيلعي .184/5
((( �سبق تخريجه �ص.80
246
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن يف بي ��ع الوفاء �ش ��رط رد ال�سلعة متى ما رد البائ ��ع الثمن ،وهو
�شرط ينايف مقت�ضى العقد ،وال�شرط املنايف ملقت�ضى العقد باطل(.)1
نوق� ��ش :ب� ��أن هذا ال ��كالم لي�س عل ��ى �إطالقه ،فـــ� �ـ«�إذا كان له غر� ��ض �صحيح ف�إن
ال�ش ��رط �صحي ��ح»( ،)2و�إن كان يتنافى مع مقت�ضى العق ��د ،ويف بيع الوفاء هناك م�صلحة
لأحد �أطراف العقد؛ فال ينبغي �إهدارها(.)3
يج ��اب :ب�أن ال�شرط �إذا كان ين ��ايف مقت�ضى العقد ومق�صوده� ،أو يخالف ال�شرع فهو
باط ��ل( ،)4وال عربه بامل�صلحة املتوهمة التي يحققها �أح ��د الأطراف يف خمالفة مق�صود
العق ��د� ،أو خمالف ��ة ال�ش ��رع ،ويف بيع الوف ��اء منافاة ملق�ص ��ود العقد ،وخمالف ��ة لل�شرع؛
فامل�ش�ت�ري ال ميلك ال�سلعة ،وال يت�صرف فيها ،وللبائ ��ع �أن يف�سخ البيع متى ما رد الثمن،
وه ��ذا ينايف مق�صود العقد ،فالعقد مق�صوده امللك وحرية الت�صرف ،ويخالف ال�شرع يف
�أن املعامل ��ة ت� ��ؤول �إىل الرب ��ا يف االنتفاع بال�سلعة مقابل القر� ��ض ،ويف اجلهل يف وقت رد
البيع ،واجلهالة نوع من الغرر ،نهى ال�شارع عنه.
الدلي ��ل اخلام� ��س� :أن حقيق ��ة بي ��ع الوف ��اء قر�ض جر نف ًع ��ا( ،)5فهو حيل ��ة للتو�صل
للربا()6؛ قال ابن تيمية�«:أما بيع الأمانة الذي م�ضمونه اتفاقهما على �أن البائع �إذا جاءه
بالثمن �أعاد عليه ملكه ذلك ينتفع به امل�شرتي بالإجارة وال�سكن ونحو ذلك :هو بيع باطل
((( انظ ��ر :حا�شي ��ة ال�شلبي على تبي�ي�ن احلقائق ،للزيلع ��ي ،184/5مواهب اجلليل ،للحط ��اب ،373/4حتفة املحتاج،
للهيتمي .296/4
((( املمتع ،البن عثيمني .246/8
((( انظ ��ر :بيع الوفاء و�آثاره بني ال�شريع ��ة والقانون الكويتي ،خلالد العتيبي ،بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات
الإ�سالمية ،ال�صادرة من جامعة الكويت ،ال�سنة ،26العدد1432 ،84ه� ،ص.632
((( انظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية .156/29
((( انظر :املنتقى �شرح املوط�أ ،للباجي ،210/4جمموع الفتاوى ،البن تيمية .334/29
((( انظر :حا�شية ابن عابدين .523/4
247
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
باتف ��اق العلم ��اء �إذا كان ال�شرط مقرتنـًا بالعق ��د .و�إذا تنازعوا يف ال�ش ��رط املقدم على
العق ��د :فال�صحيح أ�ن ��ه باطل بكل حال ،ومق�صودهما �إمنا ه ��و الربا ب�إعطاء دراهم �إىل
�أجل ومنفعة الدراهم هي الربح»(.)1
�أدلة القول الثاين:
الدلي ��ل الأول� :أن عام ��ة النا� ��س بحاجة لبيع الوفاء ،واحلاج ��ة العامة تنزل منزلة
ال�ضرورة اخلا�صة( ،)2فهو كاال�ست�صناع �أبيح حلاجة النا�س(.)3
يناق� ��ش :ب�أن النهي عن بيع الوفاء؛ لأن ��ه قر�ض جر نف ًعا؛ فهو ربا ،و�أما اال�ست�صناع
فالنهي عنه ملا فيه من الغرر ،وفرق بني الربا والغرر؛ فاحلاجة ال تنزل منزلة ال�ضرورة
يف �إباح ��ة الرب ��ا ،وتنزل منزل ��ة ال�ضرورة يف �إباح ��ة الغرر ب�شروط ،فالرب ��ا ال تبيحه �إال
ال�ضرورة ،وقد �سبق بيان ذلك(.)4
الدلي ��ل الث ��اين� :أن حقيقة بيع الوفاء عبارة ع ��ن رهن مقابل الدين ،والرهن يجوز
االنتفاع به ب�إذن مالكه ،وقد �أذن له يف ذلك(.)5
نوق� ��ش :ب�أن الره ��ن يختلف عن بيع الوف ��اء؛ فكل منهما عقد م�ستق ��ل ،له �أحكامه
امل�ستقل ��ة؛ فغاية الرهن توثيقي ��ة فقط� ،أما بيع الوفاء فغايته توثيق الدين وانتفاع الدائن
بالعق ��ار ( ،)6وه ��و باط ��ل؛ لأنه �شرط ره ًنا ينتف ��ع به زيادة على الدي ��ن ف�صار قر�ضا جر
منفعة(.)7
جمموع الفتاوى ،البن تيمية .36/30 (((
انظر :الأ�شباه والنظائر ،البن جنيم� ،ص ،68املدخل الفقهي العام ،للزرقا .1006/2 (((
انظر :تبيني احلقائق ،للزيلعي .184/5 (((
انظر �ص 183من هذا البحث. (((
انظر :تبيني احلقائق ،للزيلعي ،183/5درر احلكام ،ملال خ�سرو � ،207/2شرح القواعد الفقهية ،للزرقا� ،ص.210 (((
انظر :درر احلكام ،ملال خ�سرو ،207/2ق�ضايا الفقه والفكر املعا�صر ،لوهبة الزحيلي.226/1 (((
انظر :احلاوي الكبري ،للماوردي .246/6 (((
248
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل الثال ��ث� :أن النا�س تعاملوا ببيع الوفاء ،والقواعد ترتك بالتعامل( ،)1وجرى
التعام ��ل به يف غالب ب�ل�اد امل�سلمني ،وحكمت مبقت�ضاه احلكام ،و�أق ��ره من يقول به من
العلماء(.)2
يناق� ��ش :ب�أن ��ه ال ي�سل ��م ب�أن القواع ��د ترتك لأج ��ل التعامل ،وتعام ��ل النا�س ال يبيح
املحظ ��ور ،وق ��د �أنكر جمه ��ور العلماء بيع الوف ��اء على مر الع�ص ��ور ،ومل يبيحوه جلريان
الع ��ادة به ،بل ردوه ملخالفته لل�شرع؛ فالعادة حمكمة ما مل تخالف ال�شرع( ،)3وبيع الوفاء
خمالف لل�شرع.
قيا�س ��ا على البيع ب�شرط اخلي ��ار امل�ؤبد الذي
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن بي ��ع الوفاء جائز ً
�أجازه احلنابلة(.)4
يناق�ش من وجهني :الوجه الأول� :أن البيع ب�شرط اخليار امل�ؤبد خمتلف فيه ،ومن
�شروط القيا�س �أن يكون الأ�صل متف ًقا عليه(.)5
الوجه الثاين� :أن �شرط اخليار امل�ؤبد ال ي�صح على ال�صحيح من املذهب احلنبلي(،)6
وكذل ��ك ال ي�صح عن ��د املذاهب الفقهية الأخرى( ،)7بل نقل الإجم ��اع على منعه()8؛ لأنها
م ��دة ملحقة بالعقد ،فال جتوز مع اجلهالة؛ كالأج ��ل؛ ولأن ا�شرتاط اخليار �أبدً ا يقت�ضي
املنع من الت�صرف على الأبد ،وذلك ينايف مقت�ضى العقد ،فلم ي�صح(.)9
انظر :تبيني احلقائق ،للزيلعي .184/5 (((
انظر :بغية امل�سرت�شدين ،للح�ضرمي� ،ص.133 (((
انظر� :شرح القواعد الفقهية ،للزرقا� ،ص ،219القواعد الكلية ،ل�شبري� ،ص.245 (((
انظر :ا�ستحداث العقود يف الفقه الإ�سالمي ،لقنديل ال�سعدين� ،ص.577 (((
انظر :رو�ضة الناظر ،البن قدامة ،249/2الإحكام ،للآمدي .197/3 (((
انظر :املغني ،البن قدامة ،502/3الإن�صاف ،للمرداوي .373/4 (((
انظر :بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين ،174/5خمت�صر خليل� ،ص ،152املجموع ،للنووي .225/9 (((
انظر :بدائع ال�صنئع ،للكا�ساين ،178/5البناية �شرح الهداية ،للعيني ،50/8البحر الرائق ،البن جنيم .6/6 (((
انظر :املغني ،البن قدامة .502/3 (((
249
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الرتجي ��ح :بع ��د عر�ض القولني ،و�أدلتهم ��ا ،ومناق�شة ما يحتاج منه ��ا �إىل مناق�شة،
تبني يل-واهلل �أعلم� -أن القول الراجح هو القول الأول القائل �إن بيع الوفاء حمرم؛ لقوة
�أدلت ��ه مقاب ��ل �ضعف �أدلة القول الثاين �أمام ما ورد عليها م ��ن املناق�شة؛ ولأن حقيقة بيع
الوف ��اء قر�ض جر نف ًعا ،والبيع �صوري ال حقيقة له؛ ومما يدل على ذلك �أن الباعث لهذه
املعامل ��ة لي�س البيع� ،إمنا هو حاجة النا� ��س للقر�ض ،ورف�ض �أ�صحاب الأموال القر�ض �إال
مبنفعة ،فتعاملوا ببيع الوفاء ليحتالوا على نفع الدائن من طريق ال يعد ر ًبا يف نظرهم(،)1
«وهيه ��ات لهم ذلك؛ لأن احلرام حرام من �أي طريق و�صلوا �إليه»( ،)2جاء يف قرار جملة
جمم ��ع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن بي ��ع الوفاء�«:إن حقيقة هذا البي ��ع (قر�ض جر نف ًعا) فهو
حتايل على الربا ،وبعدم �صحته قال جمهور العلماء»(.)3
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف بيع الوفاء
عل ��ى الق ��ول الذي يجيز بيع الوفاء ف� ��إن الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة �أنتجت بيع الوفاء
خمرج ��ا �شرع ًيا يحقق منفعة متبادل ��ة للمتعاقدين ،فالبائع يح�صل على القر�ض ،وامل�شرتي ً
يح�ص ��ل على االنتفاع بال�سلعة ،مع �ضمان رد القر�ض(� ،)4أما على القول الراجح الذي يحرم
بي ��ع الوف ��اء ف�إن الهند�س ��ة املالية فيه ال تع ��د �إ�سالمية ،وهي �سبب لتحرمي ��ه؛ لأن الأ�صل يف
القر� ��ض �أن يرد املقرت�ض القر� ��ض نف�سه دون زيادة� ،إال �أنه يف بيع الوفاء ا�ستخدمت احليلة
ليتو�صل �إىل الزيادة على القر�ض ببيع �سلعة �صور ًيا ينتفع بها املقر�ض مدة القر�ض ،فيح�صل
املقرت� ��ض على القر�ض ،ويح�ص ��ل املقر�ض على القر�ض وزيادة علي ��ه االنتفاع بال�سلعة مدة
القر�ض ،فالهند�سة املالية عبارة عن قر�ض جر نف ًعا ،والبيع حيلة للتو�صل للربا.
((( انظ ��ر :حا�شي ��ة ابن عابدين � ،523 /4أحكام املعامالت املالية ،لعل ��ي اخلفيف� ،ص ،432نظرية ال�ضرورة ال�شرعية،
لوهبة الزحيلي� ،ص.266
((( �أحكام املعامالت املالية ،لعلي اخلفيف� ،ص.432
((( انظر :قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع ،رقم .68/4
((( انظر :عقد البيع ،مل�صطفى الزرقا� ،ص.156
250
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثاين
بيع االستجرار
املطلب الأول :تعريف بيع اال�ستجرار
وا�صطالحا(� .)1أما اال�ستج ��رار فهو يف اللغة م�أخوذ من جر
ً �سب ��ق تعريف البيع لغ ًة
يج ��ر ج ًرا ،وهو مد ال�شيء و�سحبه( ،)2وج ��ررت احلبل وغريه �أجره ج ًرا .واجنر ال�شيء:
اجن ��ذب( ،)3و�أجررت الدين �إذا مددت وقت ال�سداد وتركت الدين باق ًيا على املديون(.)4
وال يخرج معنى اال�ستجرار يف اال�صطالح عن معناه اللغوي.
و�أما بيع اال�ستجرار يف اال�صطالح ،فهو«:ما ي�ستجره الإن�سان من البياع �إذا حا�سبه
عل ��ى �أثمانها بعد ا�ستهالكه ��ا»(� ،)5أو«�أخذ احلوائج من البياع �شي ًئ ��ا ف�شي ًئا ،ودفع ثمنها
بع ��د ذلك»( ،)6واملعن ��ى قريب .وي�سمى هذا البيع بيع اال�ستج ��رار يف املذهب احلنفي(،)7
وال�شافعي(� ،)8أما املالكية في�سمونه«بيع �أهل املدينة»( ،)9و�أما احلنابلة فيذكرون له �صو ًرا
دون �أن ترد له ت�سمية عندهم(.)10
251
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
252
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
253
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وقد ذكر ابن تيمية يف مو�ضع �آخر �أن اجلهل بالثمن غرر(.)1
الوج ��ه الث ��اين :ب�أن ��ه جه ��ل ي�ؤول �إىل عل ��م و�سيتمكن م ��ن معرفة الثم ��ن( ،)2ثم �إن
ترا�ضيا به ،و�إال ترا ّدا ال�سلعة ،ف�إن فاتت فثمن املثل ،فال وك�س وال �شطط(.)3
يج ��اب :ب�أن ال�شارع �إمنا نهى عن الغرر لكي ال يحدث االختالف واخل�صومة ،ثم رد
ال�سلع ��ة� ،أو الو�صول للق�ض ��اء و�إجبار البائع �أن يبيع بثمن املثل وهو غري را�ض ،خا�صة يف
ال�سل ��ع التي تتفاوت �أ�سعارها كث ًريا ،ولو جاز البيع بجهالة الثمن على هذه الكيفية ،جلاز
بجهال ��ة املبيع ،ثم �إن ترا�ضيا و�إال ترا ّدا الثم ��ن� ،أو يعو�ض مثل املبيع ،وهذا باطل للغرر،
والأول مثله.
الدليل الثاين� :إجماع العلماء �أن البيع ال يجوز مع اجلهل بالثمن(.)4
نوق�ش :بعدم �صحة الإجماع يف هذه امل�س�ألة؛ لثبوت اخلالف فيها(.)5
�أدلة القول الثاين:
الدليل الأول :قول اهلل تعاىل :ﮋﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ (.)6
وجه الداللة من الآية� :أن اهلل ا�شرتط يف البيع ح�صول الرتا�ضي ،و�إذا مت الرتا�ضي
ب�ي�ن البائع وامل�شرتي فالبيع �صحيح ،وال ي�ضر اجله ��ل بالثمن؛ لأن الرتا�ضي يح�صل من
غالب اخللق بال�سعر العام ،ومبا يبيع به عموم النا�س ،ف�إن غبنه فله اخليار(.)7
254
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يناق�ش :ب�أن الرتا�ضي البد �أن يكون مع مراعاة ال�ضوابط ال�شرعية؛ قال ابن تيمية«:
قال تعاىل :ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ ( .)1لكن ال بد من مراعاة ال�شروط
ال�شرعي ��ة»( ،)2ومن ال�شروط ال�شرعية �أال يكون هناك غ ��رر ،والبيع مع جهالة الثمن من
الغرر.
الدلي ��ل الث ��اين :عن ابن عمر ر�ض ��ي اهلل عنهما ،قالُ «:ك َّنا َم� � َع ال َّن ِب ِّي ×فيِ َ�س َف ٍر،
َف ُك ْن � ُ�ت َع َلى َب ْك ٍر َ�ص ْع ٍب ِل ُع َم َرَ ،ف َكانَ َي ْغ ِل ُب ِنيَ ،ف َي َت َق َّد ُم �أَ َم َام ال َق ْو ِمَ ،ف َيزْ ُج ُر ُه ُع َم ُر َو َي ُر ُّد ُهُ ،ث َّم
ول اللهَّ ِ ، َي َت َق� � َّد ُمَ ،ف َيزْ ُج ُر ُه ُع َم ُر َو َي ُر ُّد ُهَ ،ف َق َال ال َّن ِب ُّي × ِل ُع َم َرِ « :ب ْعنِيهِ»َ ،ق َال :هُ َو َل َك َيا َر ُ�س َ
َق َالِ « :ب ْعنِيهِ» َف َب َاع ُه ِمنْ َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ×َ ،ف َق َال ال َّن ِب ُّي ׫ :هُ َو َل َك َيا َع ْب َد اللهَّ ِ ْب َن ُع َم َر،
َت ْ�ص َن ُع ِب ِه َما �شِ ْئتَ » » رواه البخاري(.)3
وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث� :أن النبي × «ا�شرتى من عمر بعريه ،ووهبه لعبداهلل
بن عمر ،ومل يقدر ثمنه»(.)4
يناق�ش:ب�أن احلديث لي�س فيه داللة على �أنه مل يقدر ثمنه ،بل �إن لفظ«فباعه» ،ويف
رواية«:فا�شرتاه»( )5يدل على البيع ،وال�شراء املعروف املعلوم الثمن واملثمن.
الدليل الثالث�« :أن هذا عمل امل�سلمني دائ ًما ،ال يزالون ي�أخذون من اخلباز اخلبز،
ومن اللح ��ام اللحم ،ومن الفامي( )6الطعم ،ومن الفاكه ��ي الفاكهة ،وال يقدرون الثمن،
255
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
بل يرتا�ضيان بال�سعر املعروف ،وير�ضى امل�شرتي مبا يبيع البائع لغريه من النا�س»(.)1
يناق� ��ش م ��ن وجه�ي�ن :الوجه الأول� :أن عمل النا�س ال يع ��د دليلاً خا�صة �إذا خالف
ال�شرع؛ فالعادة حمكمة ما مل تخالف ال�شرع()2؛ وقد قال النووي منك ًرا هذا العمل«:ف�أما
�إذا أ�خ ��ذ من ��ه �شي ًئ ��ا ،ومل يعطه �شي ًئا ،ومل يتلفظ ��ا ببيع ،بل نويا �أخ ��ذه بثمنه املعتاد كما
يفعله كثري من النا�س ،فهذا باطل بال خالف؛ لأنه لي�س ببيع لفظي ،وال معاطاة ،وال يعد
بي ًعا؛ فهو باطل ولنعلم هذا ولنحرتز منه ،وال نغرت بكرثة من يفعله ،ف�إن كث ًريا من النا�س
ي�أخذ احلوائج من البياع مرة بعد مرة من غري مبايعة ،وال معاطاة ثم بعد مدة يحا�سبه
ويعطيه العو�ض وهذا باطل بال خالف»(.)3
الوجه الثاين� :أن الأ�شياء التي ي�أخذها النا�س من البائع ،والتي ذكرها ابن تيمية؛
كاخلب ��ز ،واللحم ،والفاكهة ،ال تدل على ج ��واز البيع مع اجلهل بالثمن مطل ًقا� ،إمنا تدل
على �أن هذه الأ�شياء مما ُيت�سامح فيها؛ لأن �أ�سعارها ال تتفاوت ،فلي�س الغرر فيها م�ؤث ًرا،
قال ابن الهمام«:ومما ال يجوز البيع به :البيع بقيمته� ،أو مبا حل به� ،أو مبا تريد...وكذا
ال يجوز مبثل ما يبيع النا�س �إال �أن يكون �شيئا ال يتفاوت؛ كاخلبز واللحم»(.)4
الدلي ��ل الراب ��ع :القيا�س على النكاح ،فكما �أن النكاح يجوز دون ذكر املهر ،فكذلك
البيع من باب �أوىل؛ لأن اهلل ا�شرتط العو�ض يف النكاح ،ومل ي�شرتطه يف �إعطاء الأموال(.)5
يناق� ��ش :ب� ��أن العو�ض يف الن ��كاح لي�س مق�صودًا� ،أو هو لي� ��س املق�صود الأعظم فيه،
يق ��ول ابن تيمي ��ة�«:إن العو�ض عما لي�س مب ��ال؛ كال�صداق ،والكتاب ��ة ،والفدية يف اخللع،
256
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وال�صل ��ح عن الق�صا�ص ،واجلزية وال�صلح مع �أهل احلرب ،لي�س يجب �أن يعلم كما يعلم
الثم ��ن والأجرة ،وال يقا�س على بيع الغرر كل عق ��د على غرر؛ لأن الأموال �إما �أن ال جتب
يف ه ��ذه العقود� ،أو لي�ست هي املق�ص ��ود الأعظم فيها ،وما لي�س هو املق�صود �إذا وقع فيه
غرر مل يف�ض �إىل املف�سدة املذكورة يف البيع»(.)1
الرتجيح :بعد عر�ض القولني ،و�أدلتهما ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة منها،
تب�ي�ن يل-واهلل �أعلم� -أن الراجح يف بيع اال�ستج ��رار �أنه ال يجوز �إذا كان ثمن ال�سلعة يف
ال�سوق غري ثابت ويتفاوت تفاو ًتا كب ًريا؛ للغرر امل�ؤدي �إىل النزاع واخل�صومة� ،أما �إذا كان
ثمن ال�سلعة يف ال�سوق يتفاوت تفاو ًتا ي�س ًريا؛ كالفاكهة ،و�سلع البقال ،واللحم ف�إنه جائز؛
لأن هذا الغرر مما يت�سامح فيه ،واجلهالة التي فيه ال تف�ضي �إىل النزاع ،كذلك �إذا كان
ومن�ضبطا مبعيار معلوم يعرفه كل �أحد ،فال يحتاج لذكرً ثم ��ن ال�سلعة موحدً ا يف ال�سوق،
الثمن وقت البيع؛ لعلم اجلميع به(.)2
الفرع الثاين�:أثر الهند�سة املالية يف بيع اال�ستجرار
على القول الذي يجيز بيع اال�ستجرار مطل ًقا� ،أو على القول الراجح الذي يجيز بيع
اال�ستج ��رار �إذا كان ثمن ال�سلع ��ة يف ال�سوق يتفاوت تفاو ًتا ي�س�ي ً�را� ،أو كان الثمن موحدً ا
يف ال�س ��وق ،ف� ��إن الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة انتجت بيع اال�ستج ��رار لينتفع امل�شرتي يف
ت�أخري ال�سداد ،وينتفع البائع يف كرثة العمالء� ،أما على القول الذي يحرم بيع اال�ستجرار
مطل ًق ��ا� ،أو على القول الراجح الذي يحرم بيع اال�ستجرار �إذا كان ثمن ال�سلعة يف ال�سوق
يتفاوت تفاو ًتا كب ًريا ،ف�إن الهند�سة املالية يف بيع اال�ستجرار ال تعد �إ�سالمية ،وهي �سبب
لتحرميه؛ لوجود الغرر املف�ضي �إىل النزاع واخل�صومة.
257
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثالث
بيع العينة
املطلب الأول :تعريف بيع العينة
وا�صطالح ��ا(� .)1أما تعريف العينة يف اللغة فهي م�أخوذة من
ً �سب ��ق تعريف البيع لغة
العني ،وهو النقد احلا�ضر ،و�سميت عينة حل�صول النقد لطالب العينة(.)2
و�أم ��ا العين ��ة يف اال�صطالح :فــــــ«ه ��ي �أن يبيع من رجل �سلعة بثم ��ن معلوم �إىل �أجل
م�سم ��ى ،ث ��م ي�شرتيه ��ا منه ب�أقل من الثم ��ن الذي باعها ب ��ه»( ،)3وللعينة �ص ��ور كثرية يف
املذاهب الفقهية ،وهذه �أ�شهرها(.)4
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع العينة
�إقرا� ��ض امل ��ال و�أخ ��ذ الزيادة علي ��ه رب ��ا ،ولي�سلم بع� ��ض النا�س من الرب ��ا يقومون
با�ستخ ��دام احليل ��ة �أو املخرج الفقهي ببيع �سلع ��ة على امل�شرتي –املحت ��اج للمال-بثمن
م�ؤج ��ل ث ��م �شرائه ��ا منه نق ��دً ا بثمن �أق ��ل()5؛ فالهند�س ��ة املالي ��ة تكون بتعدي ��ل املعاملة
بدل من التعامل بالربا. با�ستخدام احليلة �أو املخرج ليح�صل على املال بالبيع اً
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع العينة
الفرع الأول :حكم بيع العينة
اختلف الفقهاء يف حكم بيع العينة على قولني:
258
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
القول الأول� :أن بيع العينة حمرم .وهو قول احلنفية( ،)1واملالكية( ،)2واحلنابلة(.)3
القول الثاين� :أن بيع العينة جائز .وهو قول ال�شافعية( ،)4والظاهرية(.)5
�أدلة القول الأول:
ول�« :إِ َذا َت َبا َي ْع ُت ْم ول اللهَّ ِ × َي ُق ُ الدليل الأول :عن ابن عمر × ،قال�َ «:س ِم ْع ُت َر ُ�س َ
اب ا ْل َب َقرَِ ،و َر ِ�ض ��ي ُت ْم ِبال َّز ْر ِعَ ،و َت َر ْك ُت ُم الجْ ِ هَادَ�َ ،س� � َّل َط اللهَّ ُ َعلَ ْي ُك ْم ُذلاًّ
ت �أَ ْذ َن َ
ِبا ْلعِي َنةَِ ،و�أَ َخ ْذ مُ ْ
لاَ َي ْن ِز ُع ُه َح َّتى َت ْرجِ ُعوا �إِلىَ دِي ِن ُك ْم» رواه �أبو داود وغريه(.)6
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث� :أن يف احلدي ��ث وعي ��دً ا وزج ًرا على م ��ن ارتكب هذه
اخل�صال التي وردت يف احلديث ،ومنها :التبايع بالعينة ،ولو مل تكن حمرمة ملا جاء فيها
هذا الوعيد ال�شديد(.)7
((( انظر :بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين ،198/5العناية �شرح الهداية ،للبابرتي .213-212/7
((( انظر :الر�سالة ،للقريواين� ،ص ،108خمت�صر خليل� ،ص.150
((( انظر :املغني ،البن قدامة ،132/4ك�شاف القناع ،للبهوتي .185/3
((( انظر :الأم ،لل�شافعي ،79/3رو�ضة الطالبني ،للنووي .419-418/3
((( انظر :املحلى ،البن حزم .548/7
((( رواه �أبو داود ،كتاب البيوع ،باب يف النهي عن العينة ،برقم ،3462و�أحمد ،م�سند عبداهلل بن عمر ر�ضي اهلل عنهما،
برقم .4825وللحديث ثالثة طرق كلها �ضعيفة؛ الطريق الأول :عند �أبي داود من رواية �إ�سحاق �أبي عبدالرحمن عن
عطاء اخلر�ساين ،عن نافع عن ابن عمر ،وعطاء اخلر�ساين مل ي�سمع من ابن عمر كما ذكر ذلك ابن معني ،و�أحمد،
و�أب ��و ح ��امت .و�إ�سح ��اق ابو عبدالرحمن �ضعي ��ف؛ قال �أبو حامت�« :شيخ لي� ��س بامل�شهور ال ي�شتغل ب ��ه» ،وعد الذهبي يف
امليزان هذا احلديث من مناكريه .الطريق الثاين :عند �أحمد من رواية الأعم�ش عن عطاء بن �أبي رباح عن ابن عمر،
وعط ��اء ب ��ن �أبي رباح مل ي�سمع من ابن عمر كم ��ا ذكر ذلك الإمام �أحمد ،والأعم�ش مدل� ��س ومل ي�صرح بال�سماع من
عطاء ،ويرى ابن حجر يف التلخي�ص� ،أن عطا ًء هنا هو عطاء اخلرا�ساين فرجع احلديث �إىل الإ�سناد الأول .الطريق
الثال ��ث :عن ��د �أحمد من رواية �أبي جناب عن �شهر بن حو�شب عن ابن عم ��ر ،و�أبو جناب و�شهر بن حو�شب �ضعيفان.
انظر :املرا�سيل ،البن �أبي حامت� ،ص ،156 ،154تهذيب الكمال ،للمزي ،583/12 ،413 /2ميزان االعتدال ،للذهبي
،371/4 ،547/4تقريب التهذيب ،البن حجر� ،ص ،392التلخي�ص احلبري ،البن حجر .48/3
((( انظر :في�ض القدير ،للمناوي .397/1
259
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوق�ش :ب�أن هذا احلديث �ضعيف ال ينه�ض دليلاً على التحرمي( ،)1و«تفرد ال�ضعفاء
�صحيحا مل يتفرد به
ً به ��ذا احلديث على �أهميته ع ّلة فيه توج ��ب رده� ،إذ لو كان احلديث
ه� ��ؤالء ال�ضعف ��اء»( ،)2ولي�س يف احلديث داللة على حت ��رمي كل خ�صلة من هذه اخل�صال
بانفراده ��ا ،ب ��ل التحرمي جلمي ��ع هذه اخل�ص ��ال �إذا �أ�شغلت عن اجله ��اد يف �سبيل اهلل،
فالذل ال يكون �إال برتك اجلهاد(.)3
الدلي ��ل الثاين :عن �أب ��ي �إ�سحاق( ،)4عن امر�أته� ،أنها دخلت على عائ�شة ر�ضي اهلل
عنه ��ا يف ن�س ��وة ف�س�ألتها ام ��ر�أة فقالت :يا �أم امل�ؤمنني ،كان ��ت يل جارية ،فبعتها من زيد
ب ��ن �أرقم بثمان مائ ��ة �إىل �أجل ،ثم ا�شرتيتها منه ب�ست مائ ��ة ،فنقدته ال�ستمائة ،وكتبت
علي ��ه ثم ��ان مائة ،فقالت عائ�شة ر�ض ��ي اهلل عنها« :بئ�س واهلل م ��ا ا�شرتيت ،وبئ�س واهلل
م ��ا ا�ش�ت�رى� ،أخربي زيد بن �أرقم� :أنه قد �أبطل جه ��اده مع ر�سول اهلل × �إال �أن يتوب«؛
فقال ��ت املر�أة لعائ�شة ر�ضي اهلل عنها� :أر�أيت �إن �أخذت ر�أ�س مايل ورددت عليه الف�ضل؟
قال ��ت« :ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ ()5الآي ��ة� ،أو قال ��ت :ﮋ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯡ ﮊ ( )6الآية» م�صنف عبدالرزاق(.)7
((( انظر تخريج احلديث ،وقال ال�شوكاين يف �شرح هذا احلديث« :وجوز ذلك ال�شافعي...وطرحوا الأحاديث املذكورة يف
الباب».نيل الأوطار ،لل�شوكاين ،245/5وقال ال�صنعاين«:واحلديث له طرق عديدة عقد له البيهقي بابا وبني عللها...
ولعلهم يقولون :حديث العينة فيه مقال فال ينه�ض دليال على التحرمي»� .سبل ال�سالم ،لل�صنعاين .58-57/2
((( املعامالت املالية ،للدبيان .400/11
((( انظر :نيل الأوطار ،لل�شوكاين .246/5
قواما ،تويف عام 129ه .انظر:
�صواما ً
((( ه ��و عم ��رو بن عبداهلل� ،أبو �أ�سحاق ال�سبيعي ،من �أئمة التابعني بالكوف ��ة ،كان ً
تهذيب الكمال ،للمزي ،102/22ميزان االعتدال ،للذهبي .270/3
((( �سورة البقرة ،الآية .275
((( �سورة البقرة ،الآية .279
((( كت ��اب البي ��وع ،باب الرج ��ل يبيع ال�سلعة ثم يري ��د ا�شرتاءها بنقد ،برق ��م .14812والأثر �ضعي ��ف؛ جلهالة �أم حمبة
والعالية ،قال الدارقطني� «:أم حمبة والعالية جمهولتان ال يحتج بهما» ،وممن �ضعفه ال�شافعي ،وقال ابن عبدالرب«:
260
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الأث ��ر :ب�أن هذا التغلي ��ظ من عائ�شة ر�ض ��ي اهلل عنها على هذا
البيع يدل على حترميه« ،والظاهر �أنها ال تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه� ،إال بتوقيف
�سمعته من ر�سول اهلل × فجرى جمرى روايتها ذلك عنه»(.)1
نوق�ش :ب�أن هذا الأثر ال يحتج به من حيث ال�سند(« ،)2ومنكر اللفظ ال �أ�صل له؛ لأن
الأعمال ال�صاحلة ال يحبطها االجتهاد ،و�إمنا يحبطها االرتداد ،وحمال �أن تلزم عائ�شة
زيدً ا التوبة بر�أيها ويكفره اجتهادها فهذا ما ال ينبغي �أن يظن بها وال يقبل عليها»(.)3
الدليل الثالث� :أن العينة حيلة للتو�صل للربا(« ،)4لأنها يتو�صل بها �إىل دفع قليل يف
كث�ي�ر ،و�إن مل ي�صرح املتعاقدان بذلك»( ،)5ق ��ال النووي«:واحتج بهذا احلديث �أ�صحابنا
وموافقوه ��م يف �أن م�س�أل ��ة العينة لي�ست بح ��رام ،وهي احليلة الت ��ي يعملها بع�ض النا�س
تو�صلاً �إىل مق�صود الربا ،ب�أن يريد �أن يعطيه مائة درهم مبائتني فيبيعه ثوبا مبائتني ثم
ي�شرتي ��ه منه مبائة»( ،)6فالنووي ي�ص ��رح �أن العينة حيلة للو�صول للربا ،واملجيزون للعينة
ال يرون حترمي احليل ،والعربة عندهم بظاهر العقود دون مقا�صدها( ،)7وقد �سبق ذكر
اخلالف يف احليل ،وبيان رجحان حترميها(.)8
وهو خرب ال يثبته �أهل العلم باحلديث ،وال هو مما يحتج به عندهم».انظر� :سنن الدارقطني ،477/3الأم ،لل�شافعي
،39-38/3اال�ستذكار ،البن عبدالرب .272/6
((( املغني ،البن قدامه .132/4
((( انظر تخريج الأثر.
((( اال�ستذكار ،البن عبدالرب .272/6
((( انظر :العناية �شرح الهداية ،للبابرتي ،148/7الكايف يف فقه �أهل املدينة ،البن عبدالرب .672/2
((( الفواكه الدواين ،للنفراوي .102/2
((( املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج ،للنووي .21/11
((( اانظر :فتح الباري ،البن حجر .337/12
((( انظر �ص 103من هذا البحث.
261
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن العينة حمرمة حتى ل ��و مل يق�صد البائع بها التحايل على الربا؛
�سدً ا للذريعة ،قال ابن تيمية « :الذرائع حرمها ال�شارع ،و�إن مل يق�صد بها املحرم ،خ�شية
�إف�ضائه ��ا �إىل املحرم ،ف�إذا ق�صد بال�شيء نف�س املحرم كان �أوىل بالتحرمي من الذرائع،
وبهذا التحرير يظهر ع ّلة التحرمي يف م�سائل العينة و�أمثالها ،و�إن مل يق�صد البائع الربا؛
لأن ه ��ذه املعاملة يغلب فيها ق�ص ��د الربا ،في�صري ذريعة ،في�سد ه ��ذا الباب لئال يتخذه
النا�س ذريعة �إىل الربا»(.)1
�أدلة القول الثاين:
الدليل الأول :قول اهلل تعاىل :ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ (.)2
وج ��ه الدالل ��ة من الآية� :أن اهلل �أحل كل بيع �إال ما دل الدليل على حترميه ،والعينة
من البيع احلالل؛ لعدم ثبوت الدليل بحرمتها(.)3
نوق� ��ش :ب�أن الدليل دل على حت ��رمي العينة؛ وهذه الآية من �ضمن الأدلة التي حترم
العينة؛ لأن اهلل حرم الربا ،والعينة ر ًبا ولي�ست بي ًعا ،و�إن �سماها م�ستحلها بي ًعا؛ ف�إن اهلل
مل يح ��رم الربا ملج ��رد �صورته ولفظه ،و�إمن ��ا حرم حلقيقته ومق�ص ��وده ،وتلك احلقيقة
قائم ��ة ف ��ى العينة ،واملتعاق ��دان يعلمان ذلك م ��ن �أنف�سهما ،ويعلمه م ��ن �شاهد حالهما،
فتواط�ؤهم ��ا عل ��ى الربا ،ثم �إظه ��اره بي ًعا ،يتو�سالن ب ��ه �إىل �أن يعطيه مائ ��ة حا ّلة مبائة
وع�شرين م�ؤجلة ،فهذا لي�س من البيع امل�أذون فيه ،بل من الربا املنهي عنه(.)4
ول الدلي ��ل الث ��اين :عن �أبي �سعيد اخلدري ،و�أبي هريرة ر�ض ��ي اهلل عنهما� :أَنَّ َر ُ�س َ
�ول اللهَّ ِ ×�« :أَ ُك ُّل اللهَّ ِ × ْ
ا�س َت ْع َم � َ�ل َر ُج�ًل�ااً َع َلى َخ ْي�َب�ررَ َ َ ،ف َجا َء ُه ِب َت ْم ٍر َج ِني � ٍ�بَ ،ف َق َال َر ُ�س � ُ
262
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�ص َاعينْ ِ ، ال�صا َع ِم ��نْ َه َذا ِب َّ ول اللهَّ ِ �إِ َّنا َل َن�أْ ُخ ُذ َّ
تمَ ْ � � ِر َخ ْي�َب�رَ َ َه َك� � َذا؟»َ ،ق َالَ :ال َواللهَّ ِ َي ��ا َر ُ�س َ
�ول اللهَّ ِ ×َ « :ال َت ْف َع ْلِ ،ب ْع ا َ
جل ْم� � َع ِبال َّد َراهِ � ِ�مُ ،ث َّم ا ْب َت ْع ال�ص َاع�ْي نِْ�ن ِبال َّث َال َث� � ِةَ ،ف َق َال َر ُ�س � ُ
َو َّ
ِبال َّد َراهِ ِم َجنِي ًبا» متفق عليه(.)1
وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث� :أن النبي × مل يف�صل بني �أن ي�شرتي من امل�شرتي �أو
من غريه ،فقط �أر�شده �إىل اخلال�ص من الربا بذلك ،وان كان املق�صود حت�صيل اجلنيب
باجلمع ،فدل على جواز العينة(.)2
نوق� ��ش :ب� ��أن احلديث �إمن ��ا كان لبيان الطريق ال ��ذي يتم به احل�ص ��ول على التمر
اجلني ��ب ملن عنده مت ��ر رديء ،ومل يتعر�ض احلديث ل�شروط البي ��ع �أو موانعه ،وال جلواز
�ش ��راء التمر اجلنيب ممن باع منه التمر الأول ،وال عدمه؛ �إمنا �أحيل املخاطب �إىل البيع
ال�صحي ��ح املكتمل ال�شروط املنتفي املوانع الذي يتعارفه النا�س ،ولي�س يف احلديث الإذن
يف بيع يكون و�سيلة وذريعة ظاهرة �إىل ما هو ربا �صريح(.)3
الدلي ��ل الثال ��ث� :أن م ��ن ا�ش�ت�رى ال�سلعة ممن باعه ��ا له بعد م ��دة؛ فالبيع �صحيح
بالإجم ��اع ،فكذل ��ك �إذا ا�شرتاه ��ا منه بعدما باعها ل ��ه مبا�شرة ،فال ف ��رق بني التعجيل
والت�أجيل(.)4
يناق� ��ش :ب�أن ��ه ال ي�سل ��م بعدم وجود الفرق ب�ي�ن التعجيل والت�أجيل ،ف� ��إن وجود املدة
داللة على �أن املتبايعني يريدان حقيقة البيع ،بعك�س بيع ال�سلعة على البائع مبا�شرة ف�إنه
ي ��دل عل ��ى �أن املتبايعني ال يريدان حقيقة البيع� ،إمنا كان ��ت ال�سلعة و�سيلة ملبادلة دراهم
بدراهم وزيادة.
263
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الرتجي ��ح :بع ��د عر�ض القولني ،و�أدلتهم ��ا ،ومناق�شة ما يحتاج منه ��ا �إىل مناق�شة،
تبني يل -واهلل �أعلم� -أن الراجح هو القول الأول القائل �أن بيع العينة حمرم؛ وذلك لأن
العين ��ة حيل ��ة للتو�صل للربا ،ولو فر�ض �أن البائع ال يق�صد الربا ،فهي ذريعة للربا ،ومتنع
�سدً ا للذريعة.
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف بيع العينة
عل ��ى القول الذي يجيز بيع العينة ف�إن الهند�سة املالية الإ�سالمية �أنتجت بيع العينة
خمرجا �شرع ًيا عن الربا ،ي�ستفيد البائع الربح مع �ضمان رجوع �سلعته له� ،أما على القول
ً
الراج ��ح الذي يحرم بيع العينة ف�إن الهند�سة املالي ��ة فيه ال تعد �إ�سالمية ،وهي �سبب يف
حترميه؛ لأنها حيلة للتو�صل للربا.
***
264
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الرابع
الس ْفتَ جة
ُ
ال�س ْفتَجة
املطلب الأول :تعريف ُ
وال�س ْفتَجة:
ال�س ْفتَجة يف اللغة تعريب لكلمة �سفته الفار�سية ،وتعني ال�شيء املحكم(ُ ،)1
ُ
مال لآخر ،وللآخر مال يف بلد املعطي فيوفيه �إياه ثم� ،أي هناك ،في�ستفيد �أمن�أن يعطي اً
الطريق(.)2
وال�س ْفتَجة يف املذاهب الفقهية مطابقة لهذا التعريف( ،)3وجاء يف املو�سوعة الفقهية
ُ
ال�س ْفتَجة ،وهي �«:أن يقر�ض �شخ�ص غريه -تاج ًرا �أو غري تاجر-
الكويتي ��ة بيان ل�صورة ُ
يف بلد ويطلب من امل�ستقر�ض �أن يكتب له كتا ًبا ي�ستويف مبوجبه بدل القر�ض يف بلد �آخر
من �شريك املقرت�ض �أو وكيله»(.)4
ال�س ْفتَجة
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ُ
ال�س ْف َتج ��ة تعديل على هذا
الأ�ص ��ل �أن وف ��اء القر�ض يك ��ون يف بلد القر� ��ض( ،)5ويف ُ
الأ�ص ��ل ب�أن يك ��ون وفاء القر�ض يف غري بل ��د القر�ض ،ب�أن يطل ��ب املقر�ض من املقرت�ض
�س ��داد القر� ��ض يف بلد �آخر ،فينتف ��ع ب�أمن خطر الطري ��ق ،وينتفع املقرت� ��ض بالقر�ض،
وب�أمن الطريق � ً
أي�ضا(.)6
265
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�س ْفتَجة
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف ُ
ال�س ْف َتجة
الفرع الأول :حكم ُ
ال�س ْف َتج ��ة �إذا مل يكن حلمله ��ا م�ؤون ��ة �إن كانت من غري اتف ��ق الفقه ��اء على ج ��واز ُ
�شرط( ،)1و�أما �إذا كانت ب�شرط فقد اختلفوا على قولني:
ال�س ْف َتج ��ة ال جت ��وز .وه ��و مذه ��ب احلنفي ��ة( ،)2واملالكي ��ة(،)3 الق ��ول الأول� :أن ُ
وال�شافعية( ،)4واحلنابلة( ،)5والظاهرية(.)6
ال�س ْف َتج ��ة جائ ��زة .وه ��و رواي ��ة عن ��د املالكي ��ة( ،)7ورواي ��ة عند الق ��ول الث ��اين� :أن ُ
احلنابلة( )8اختارها ابن قدامة( ،)9وابن تيمية( ،)10وابن القيم(.)11
�أدلة القول الأول:
الدليل الأول :عن علي ،قال :قال ر�سول اهلل ×ُ « :ك ُّل َق ْر ٍ�ض َج َّر َم ْن َف َع ًة َف ُه َو
ِر ًبا» رواه احلارث بن �أبي �أ�سامة(.)12
((( انظ ��ر :املب�سوط ،لل�سرخ�سي ،37/14الكايف ،البن عبدال�ب�ر ،728-727/2املهذب ،لل�شريازي ،84/2املغني ،البن
قدامة .240/4مل اتطرق لل�سفتجة التي حلملها م�ؤونة؛ لقلة وقوعها يف هذا الع�صر.
((( انظر :حتفة الفقهاء ،لل�سمرقندي ،22/3بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين .395/7
((( انظر :الذخرية ،للقرايف ،293/5خمت�صر خليل� ،ص .165و�أجازها املالكية لل�ضرورة؛ ك�أن يعم اخلوف.انظر:التاج
والإكليل ،للمواق � ،532/6شرح خمت�صر خليل ،للخر�شي.332-231/5
((( انظر :احلاوي ،للماوردي ،356/5تكملة املجموع ،للمطيعي .170/13
((( انظر :املغني ،البن قدامة ،240/4الإن�صاف ،للمرداوي .415/5
((( انظر :املحلى ،البن حزم .347/6
((( انظر :املنتقى ،للباجي ،97/5عقد اجلواهر الثمينة ،البن �شا�ش .566/2
((( انظر :املغني ،البن قدامة ،240/4ت�صحيح الفروع للمرداوي بحا�شية الفروع البن مفلح .356/6
((( انظر :املغني ،البن قدامة .241-240/4
( ((1انظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية ،531-530/30االختيارات الفقهية ،للبعلي� ،ص.194
( ((1انظر� :إعالم املوقعني ،البن القيم .295/1
( ((1كما يف بغية الباحث عن زوائد م�سند احلارث ،للهيثمي .500/1واحلديث منكر؛ فيه �سوار بن م�صعب تركه الأئمة=
266
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وج ��ه الداللة من احلدي ��ث� :أن يف احلديث النهي عن قر�ض جر منفعة ،وقد �أجمع
وال�س ْفتَجة داخلة يف هذا؛ لأنها جتر منفعة للمقر�ض ب�سقوط خطر العلماء على معناه(ُ ،)1
الطريق عنه(.)2
نوق� ��ش :ب� ��أن احلدي ��ث ال يثبت عن النب ��ي ×( ،)3و�أنه لي� ��س كل منفعة يف القر�ض
حمرم ��ة ،لأن ��ه ال يخلو قر� ��ض من منفع ��ة()4؛ فاملحرم ه ��و «املنفعة الزائ ��دة املتمح�ضة
امل�شروط ��ة للمقر�ض ،وال يقابله ��ا �أي منفعة للمقرت�ض �سوى القر�ض»( ،)5قال ابن القيم:
«واملنفعة التي جتر �إىل الربا يف القر�ض هي التي تخ�ص املقر�ض»( ،)6وهذا ال ينطبق على
ال�س ْفتَجة؛ لأن املنفعة فيها للمقر�ض واملقرت�ض م ًعا( ،)7وهي«م�شرتكة بينهما، املنفعة يف ُ
وهم ��ا متعاون ��ان عليها ،فهي من جن�س التعاون وامل�شارك ��ة»( ،)8قال ابن تيمية«:املقر�ض
ر�أى النفع ب�أمن خطر الطريق يف نقل دراهمه �إىل ذلك البلد ،وقد انتفع املقرت�ض �أي�ضا
بالوف ��اء يف ذلك البلد و�أمن خط ��ر الطريق ،فكالهما منتفع بهذا االقرتا�ض ،وال�شارع ال
=و�أنك ��روا حديث ��ه ،ومل ي�صح ع ��ن النبي × يف هذا الباب �ش ��يء .انظر :بلوغ املرام ،البن حج ��ر� ،ص ،256الكامل
يف �ضعف ��اء الرج ��ال ،البن عدي ،531/4ميزان االعتدال ،للذهبي ،246/2املغن ��ي عن احلفظ والكتاب ،للمو�صلي،
�ص ،403خال�صة البدر املنري ،البن امللقن .78/2
((( ممن نقل الإجماع :ابن املنذر ،وابن حزم ،والقرطبي ،وابن قدامة ،وغريهم .انظر :الإ�شراف ،البن املنذر ،142/6
املحل ��ى ،البن حزم � ،348-347/6أحكام الق ��ر�آن ،للقرطبي ،241/3املغني ،البن قدامة ،240/4مو�سوعة الإجماع،
ملجموعة من امل�ؤلفني .169/4
((( انظر :املب�سوط ،لل�سرخ�سي ،37 /14الفواكه الدواين ،للنفراوي ،89/2تكملة املجموع ،للمطيعي .170/13
((( انظر تخريج احلديث.
((( انظر :املحلى ،البن حزم .361/6
((( املنفعة يف القر�ض ،للعمراين� ،ص.341
((( تهذيب ال�سنن ،البن القيم بحا�شية عون املعبود ،للأبادي .297/9
((( انظر :املغني ،البن قدامة .240/4
((( تهذيب ال�سنن ،البن القيم بحا�شية عون املعبود ،للأبادي .297/9
267
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
268
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوق� ��ش :ب�أن الأث ��ر �ضعيف ال ي�صح االحتجاج به( ،)1وق ��د روي عن بع�ض ال�صحابة
جواز هذه املعاملة( ،)2ولي�س قول بع�ضهم حجة على بع�ض �إال بدليل.
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن ا�ش�ت�راط الوفاء يف غ�ي�ر بلد القر�ض يخرج عق ��د القر�ض عن
مو�ضوعه وهو الإرفاق ،والقربة(.)3
نوق�ش :ب�أن هذا م�سلم لو كانت املنفعة متمح�ضة للمقر�ض ،لكنها هنا م�شرتكة بني
املقر�ض واملقرت�ض ،فال تخرجه عن مو�ضوعه(.)4
�أدلة القول الثاين:
ال�س ْفتَجة( ،)5فقد روي الدليل الأول :الآثار الواردة عن ال�صحابة الدالة على جواز ُ
«:ل َب�أْ َ�س �أَنْ ُي ْع ِط � َ�ي المْ َ َال ِبالمْ َ ِدي َن ِة َو َي ْ�أ ُخ َذ ِب�إِ ْف ِري ِق َّي� � َة» رواه ابن �أبي �شيبة(،)6 ع ��ن علي اَ
وروي ع ��ن اب ��ن عبا�س وابن الزبري ر�ضي اهلل عنهما �أنهما كان ��ا اَ«ل َي َر َي ِان َب�أْ ً�سا �أَنْ ُي ْ�ؤ َخ َذ
�ال ِب�أَ ْر� ِ��ض الحْ ِ َج ��ازَِ ،و ُي ْع َطى ِب َ�أ ْر ِ�ض ا ْل ِع� � َر ِاق �أَ ْو ُي�ؤْ َخ � َ�ذ ِب�أَ ْر ِ�ض ا ْل ِع� � َر ِاقَ ،و ُي ْع َطى ِب�أَ ْر ِ�ض
المْ َ � ُ
الحْ ِ َج ��ازِ» رواه ابن �أب ��ي �شيبة( ،)7وعند عبدال ��رزاق�«:أَنَّ ا ْبنَ ال ُّز َبيرْ ِ َي ْ�س َت ِل � ُ�ف ِمنَ الت َُّّجا ِر
269
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�أَ ْم َو اًالُ ،ث َّم َي ْكت ُُب َل ُه ْم �إِلىَ ا ْل ُع َّم ِال َق َالَ :ف َذ َك ْرتُ َذ ِل َك �إِلىَ ا ْب ِن َع َّب ٍ
ا�سَ ،ف َق َال :اَل َب أْ� َ�س ِب ِه»(.)1
نوق�ش :ب�أن هذه الآثار ال ت�صح عن ال�صحابة( ،)2وما روي عن عمر خمالف ملا
روي عنهم ،ولي�س قول بع�ضهم حجة على بع�ض �إال بدليل.
ال�س ْفتَجة،
الدلي ��ل الث ��اين� :أن الأ�صل يف املعامالت احلل ،ومل يرد دليل على حترمي ُ
و�أدلة املخالفني ال تقوى على حترميها.
ال�س ْفتَجة فيها منفعة على القر�ض ،وق ��د دل الدليل على �أن كل قر�ض نوق� ��ش :ب� ��أن ُ
جر نف ًعا فهو ربا(.)3
وق ��د �سب ��ق الإجابة على هذه املناق�شة ب�أن املنفعة املحرم ��ة هي املتمح�ضة للمقر�ض
ال�س ْفتَجة ال تخ�ص املقر�ض وحده ،ب ��ل ينتفعان جمي ًعا، �إذا �شرطه ��ا يف العق ��د ،ومنفع ��ة ُ
فكالهما ي�أمن خطر الطريق ،مع زيادة انتفاع املقرت�ض بالقر�ض(.)4
الرتجيح :بعد عر�ض القولني ،و�أدلتهما ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة ،تبني يل-
ال�س ْف َتجة ،و�إن كانت ب�شرط؛ لأن واهلل �أعل ��م� -أن القول الراجح هو القول الث ��اين القائل بجواز ُ
ال�س ْف َتجة م�صلحة للطرفني الأ�ص ��ل يف املعامالت احلل ،و�أدلة املخالفني مل تقو عل ��ى املنع ،ويف ُ
دون م�ضرة ب�أحدهما«،وال�شارع ال ينهى عما ينفعهم وي�صلحهم ،و�إمنا ينهى عما ي�ضرهم»(.)5
ال�س ْفتَجة ،برقم .14642والأثر �ضعيف؛ فهو من رواية ابن جريج عن عطاء ،وابن جريج مدل�س، ((( كت ��اب البي ��وع ،باب ُ
قال الدارقطني«:جتنب تدلي�س ابن جريج ف�إنه قبيح التدلي�س ال يدل�س �إال فما �سمعه من جمروح» ،ومع �أنه من �أثبت
أي�ضا؛ قال الإمام �أحمد«:كل �شئ يقول ابن جريج قال عطاء� ،أو عن عطاء ف�إنه النا� ��س يف عطاء� ،إال �أنه يدل� ��س عنه � ً
مل ي�سمع ��ه من عطاء» .انظ ��ر :تهذيب الكمال ،للمزي ،348/18ميزان االعتدال ،للذهبي ،659/2تهذيب التهذيب،
البن حجر ،405/6بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام �أحمد مبدح �أو ذم ،البن عبدالهادي� ،ص.102
((( انظر تخريج الآثار.
((( انظر :املب�سوط ،لل�سرخ�سي ،37 /14الفواكه الدواين ،للنفراوي ،89/2تكملة املجموع ،للمطيعي .170/13
((( انظر :املغني ،البن قدامة ،240/4جمموع الفتاوى ،البن تيمية � ،531/29إعالم املوقعني ،البن القيم .295/1
((( انظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية .531/29
270
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�س ْف َتجة
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف ُ
ال�س ْفتَجة ف�إن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت
عل ��ى القول الراجح الذي يجي ��ز ُ
ال�س ْف َتج ��ة لينتفع بها املقر� ��ض واملقرت�ض م ًعا؛ املقر�ض ينتفع ب�أمن خطر الطريق يف نقل
ُ
دراهمه �إىل ذلك البلد ،وينتفع املقرت�ض �أي�ضا بالوفاء يف ذلك البلد و�أمن خطر الطريق،
ال�س ْفتَجة ف�إن الهند�سة
فكالهم ��ا منتفع بهذا االقرتا�ض(� ،)1أما على القول الذي يح ��رم ُ
ال�س ْفتَجة؛ لأنها قر�ض جر نف ًعا
ال�س ْفتَجة ال تعد �إ�سالمية ،وهي �سب ��ب لتحرمي ُ
املالي ��ة يف ُ
ً
م�شروطا يف بداية العقد.
***
271
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث اخلام�س
التورق
املطلب الأول :تعريف التورق
الت ��ورق يف اللغ ��ة م�أخوذ من ال َو َرق ،وال َو َر ُق يطلق عل ��ى املال ً
عموما( ،)1و يقال رجل
و ّراق �أي كثري املال ،والـ ُم ْ�ستَو ِرق :الذي يطلب الورق(.)2
والتورق يف اال�صطالح هو�«:أن ي�شرتي �سلعة ن�سيئة ،ثم يبيعها نقدا لغري البائع ب�أقل
مما ا�شرتاها به؛ ليح�صل بذلك على النقد»(.)3
وم�صطلح التورق خا�ص باملذهب احلنبلي(� ،)4أما املذاهب الفقهية الأخرى فيذكرون
�صورة التورق �أثناء كالمهم عن العينة(.)5
املطلب الثاين:الهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق
�إقرا� ��ض امل ��ال و�أخ ��ذ الزيادة علي ��ه رب ��ا ،ولي�سلم بع� ��ض النا�س من الرب ��ا يقومون
با�ستخدام احليل ��ة� ،أو املخرج ال�شرعي ،با�شرتاء �سلعة من البائع ،بثمن م�ؤجل ثم بيعها
لغريه نقدً ا بثمن �أقل ،فالهند�سة املالية تكون بتعديل املعاملة با�ستخدام احليلة �أو املخرج
بدل من التعامل بالربا. ليح�صل على املال عن طريق البيع اً
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق
الفرع الأول :حكم التورق
اختلف الفقهاء يف حكم بيع التورق على ثالثة �أقوال:
انظر :معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .101/6 (((
انظر :ل�سان العرب ،البن منظور ،375/10خمتار ال�صحاح ،للرازي� ،ص.336 (((
املو�سوعة الفقهية الكويتية ،147/14معجم امل�صطلحات املالية واالقت�صادية ،لنزيه حماد� ،ص.153 (((
انظر :الفروع ،البن مفلح � ،316/6شرح منتهى الإرادات ،للبهوتي .26/2 (((
انظر :فتح القدير ،البن الهمام ،211/7مواهب اجلليل ،للحطاب ،404/4الأم ،لل�شافعي .79/3 (((
272
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
القول الأول� :أن بيع التورق جائز .وهو مذهب احلنفية( ،)1وامل�شهور عند املالكية(،)2
ومذهب ال�شافعية( ،)3واحلنابلة(.)4
القول الثاين� :أن بيع التورق مكروه .وهو قول عند احلنفية( ،)5وقول عند املالكية(،)6
ورواية عند احلنابلة( ،)7اختارها ابن تيميه يف �أحد قوليه(.)8
القول الثالث� :أن بيع التورق حمرم .وهو رواية عند احلنابلة( ،)9اختارها ابن تيمية
يف �أ�شهر قوليه( ،)10واختارها ابن القيم(.)11
((( انظر :فتح القدير ،البن الهمام ،213/7حا�شية ابن عابدين .326/5
((( انظر :املقدمات املمهدات ،البن ر�شد ،42/2مواهب اجلليل ،للحطاب .404/4
((( انظ ��ر :الأم ،لل�شافع ��ي ،79/3رو�ضة الطالبني ،للنووي .418 /3ال�شافعية يرون ج ��واز بيع العينة ،والتورق من باب
�أوىل.
((( انظر :الإن�صاف ،للمرداوي � ،337 /4شرح منتهى الإرادات ،للبهوتي .26/2
((( انظر :تبيني احلقائق ،للزيلعي ،163/4حا�شية ابن عابدين .325 /5
((( انظ ��ر :مواه ��ب اجلليل ،للحطاب � .404/4إذا مل يكن من �أهل العين ��ة فامل�شهور عند املالكية جواز التورق ،وعندهم
قول بالكراهة قال احلطاب«:وامل�شهور �أنه جائز وقول ابن مزين� :إنه مكروه ومل يحك ابن ر�شد يف جوازه خالفا»� ،أما
�إن كان من �أهل العينة فاملذهب الكراهة؛ لأن �أهل العينة يتهمون فيما ال يتهم فيه �أهل ال�صحة ،قال ابن ر�شد«:وذلك
جائ ��ز لغري �أهل العينة» .انظر :مواه ��ب اجلليل ،للحطاب � ،404/4شرح خمت�صر خلي ��ل ،للخر�شي ،106/5ال�شرح
الكبري ،للدردير .89/3
((( انظر :الفروع ،البن مفلح ،316/6الإن�صاف ،للمرداوي 337/4
((( انظ ��ر :جمم ��وع الفت ��اوى .447 ،431،442 ،303/29قال ابن تيمية«:وق ��د اختلف العلم ��اء يف كراهته فكرهه عمر
ب ��ن عب ��د العزيز وطائفة من �أهل املدينة :من املالكية وغريهم .وهو �إح ��دى الروايتني عن �أحمد ورخ�ص فيه �آخرون
والأقوى كراهته» جمموع الفتاوى .302 /29
((( انظر :الإن�صاف ،للمرداوي ،337/4امل�ستدرك على جمموع الفتاوى ،البن تيمية .9/4
( ((1انظ ��ر :الفت ��اوى الكربى ،البن تيمي ��ة ،392/5االختيارات الفقهي ��ة ،للبعلي� ،ص� ،190إع�ل�ام املوقعني البن القيم
،135/3الفروع ،البن مفلح .316/6
( ((1انظر� :إعالم املوقعني البن القيم .157 ،135/3
273
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
274
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
275
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوق�ش :ب�أن جمرد احلاجة ال يكفي ال�ستباحة املحرم ،ورفع احلرج ال ريب فيه ،لكنه
ي�ستلزم �سد �أبواب الربا؛ لأن الربا من �أعظم م�صادر احلرج ،ويف �أنواع املبادالت النافعة
غنية عن احلرام(.)1
�أجي ��ب :ب� ��أن التورق معاملة جائ ��زة؛ «لأن الرجل ي�شرتي ال�سلع ��ة ويكون غر�ضه �إما
ع�ي�ن ال�سلعة و�إما عو�ضها ،وكالهما غر�ض �صحي ��ح»( ،)2وهو خمرج �شرعي عن التعامل
بالربا( ،)3وال يثبت دليل على حترميه.
الدلي ��ل الراب ��ع :قال ابن تيمية «:امل�شرتي ال ��ذي غر�ضه التجارة �أو غر�ضه االنتفاع
�أو القني ��ة فهذا يجوز �شرا�ؤه �إىل �أجل باالتفاق»( )4فكم ��ا يجوز للتاجر �أن ي�شرتي ال�سلعة
ليح�صل على املال ،فكذلك املحتاج يجوز له �أن ي�شرتي ال�سلعة ليح�صل على املال ،بل هو
�أوىل ،فالتاجر يريد تكثري ماله ،وهذا يريد دفع حاجته.
نوق� ��ش :ب� ��أن هذا قيا� ��س لل�شيء على �ض ��ده ،فالتاج ��ر مق�صوده الرب ��ح ،واملتورق
مق�صوده اخل�سارة ،فالتاجر يبيع لريبح ،واملتورق يبيع ليح�صل على النقد احلا�ضر ،وال
ميكن ح�صوله عليه �إال بخ�سارته ،فكيف يقا�س هذا على هذا؟(.)5
يجاب :ب�أن بيع املتورق لل�سلعة ال خ�سارة فيه فهو يبيعها بثمنها احلا�ضر� ،أما الزيادة
يف ال�سلع ��ة عند البائع الأول فهو يف مقابلة الأج ��ل ،فثمن ال�سلعة م�ؤجلة يزيد على ثمنها
يف احلا�ض ��ر ،كما �أنه يف ال�سل ��م يبيع امل�سلم فيه امل�ؤجل بثمن �أقل حا�ض ًرا ،فال ظلم على
املتورق ،وال خ�سارة عليه.
276
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
277
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وج ��ه الدالل ��ة من احلديث� :أن النبي × نهى ع ��ن العينة ،والتورق �شقيقة العينة،
�شرعا(.)1
و�صورة من �صورها ،وهذا ي�ستلزم ذم التورق ً
نوق� ��ش :ب� ��أن احلديث �ضعيف ال ي�صل ��ح لالحتجاج به( ،)2وهناك ف ��رق بني التورق
والعينة ،من جهة �أن امل�شرتي لل�سلعة غري البائع الأول؛ قال ابن القيم«:ف�إن ا�شرتاها منه
بائعه ��ا كانت عين ��ة و�إن باعها من غريه فهي التورق»( .)3ومن جه ��ة �أن البيع مق�صود يف
معلوما عند البائع ،بعك�س العينة التي
التورق ،وق�صد املتورق يف �شراء ال�سلعة قد ال يكون ً
تتم باالتفاق بني البائع وامل�شرتي على عود ال�سلعة للبائع( ،)4فهي دراهم بدراهم بينهما
�سلعة ،والبيع غري مق�صود.
الدلي ��ل الثال ��ث :ما رواه عبدال ��رزاق يف م�صنفه عن ابن عبا�س قال�«:إذا ا�ستقمت
بنق ��د ،وبع ��ت بنقد ،فال ب�أ�س به ،و�إذا ا�ستقمت بنقد فبع ��ت بن�سيئة ،فال� ،إمنا ذلك ورق
بورق»).
وج ��ه الدالل ��ة من الأثر� :أن كالم ابن عبا� ��س ي�صدق على املتورق فهو يقوم ال�سلعة
بنقد ويبتاعها بن�سيئة فمق�صوده دراهم بدراهم ،يقوم ال�سلعة يف احلال ثم ي�شرتيها �إىل
�أجل ب�أكرث من ذلك(.)5
يناق� ��ش :ب�أن هذا املعنى غري مراد بهذا الأث ��ر؛ لأن تف�سريه على هذا املعنى �سيمنع
البي ��ع �إىل �أجل بثم ��ن �أكرث ،وقد نقل ابن تيمية الإجماع على جوازه( ،)6واملعنى املراد من
((( انظر� :إعالم املوقعني ،البن القيم ،157/3ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي ،ل�سامي ال�سويلم� ،ص.341
((( انظر تخريج احلديث �ص.218
((( تهذيب ال�سنن ،البن القيم بحا�شية عون املعبود ،للأبادي .250/9
((( انظر :التورق الفقهي وتطبيقاته املعا�صرة ،لعثمان �شبري� ،ص.10
((( انظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية .442/29
((( املرج ��ع ال�ساب ��ق .449/29وفيه«:و�سئ ��ل -رحمه اهلل :-عن رجل حمتاج �إىل تاجر عن ��ده قما�ش فقال� :أعطني هذه
القطعة فقال التاجر م�شرتاها بثالثني وما �أبيعها �إال بخم�سني �إىل �أجل فهل يجوز ذلك؟ �أم ال؟ ف�أجاب :امل�شرتي على =
278
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الأثر هو ما قاله �أبو عبيد(�«:)1أن يدفع الرجل �إىل الرجل الثوب فيقومه بثالثني ثم يقول:
بعه بها فما زدت عليها فلك ،ف�إن باعه ب�أكرث من ثالثني بالنقد فهو جائز ،وي�أخذ ما زاد
عل ��ى الثالث�ي�ن ،و�إن باعه بالن�سيئة ب�أكرث مم ��ا يبيعه بالنقد فالبيع م ��ردود ال يجوز»(،)2
وي�ؤي ��د ه ��ذا املعنى للأثر الرواية الأخرى ل ��ه عن ابن عبا�س �«:أن ��ه كان ال يرى ب� ًأ�سا
�أن يدف ��ع الرجل �إىل الرجل الثوب فيقول :بعه بكذا وكذا فما زدت فهو لك»( .)3وقد �أورد
عبدالرزاق الأثر يف م�صنفه حتت باب «الرجل يقول :بع هذا بكذا ،فما زاد فلك ،وكيف
�إن باعه بدين؟»( ،)4وهذا املعنى ال ي�صدق على التورق.
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن املعنى الذي لأجله ح ��رم الربا موجود يف التورق؛ ف�إن اهلل حرم
�أخذ دراهم بدراهم �أكرث منها �إىل �أجل؛ ملا يف ذلك من �ضرر املحتاج و�أكل ماله بالباطل،
وهذا املعنى موجود يف التورق ،و�إمنا الأعمال بالنيات(.)5
نوق� ��ش :ب�أن هذا تعلي ��ل باحلكمة ،واحلكمة ال تن�ضبط ،وال ت ��دور مع احلكم وجودًا
وعدم ��ا( ،)6وق�صد املتورق للدراهم ال يوج ��ب حترمي التورق؛ «لأن مق�صود التجار غال ًبا ً
=ثالث ��ة �أن ��واع� :أحدها� :أن يكون مق�صوده ال�سلعة ينتفع بها للأكل وال�شرب واللب�س والركوب وغري ذلك .والثاين� :أن
يكون مق�صوده التجارة فيها فهذان نوعان جائزان بالكتاب وال�سنة والإجماع».
((( ه ��و �أبو عبي ��د القا�سم بن �سالم البغدادي ،ولد �سن ��ة 157هـ ،كان �إماما يف اللغة والفق ��ه واحلديث والقراءات ،قال
�إ�سح ��اق بن راهويه�«:أبو عبيد �أو�سعنا علما ،و�أكرثنا �أدب ��ا ،و�أجمعنا جمعا» ،وقال عبد اهلل بن �أحمد بن حنبل« :كتب
�أب ��ي كتاب» غري ��ب احلديث «الذي �ألفه �أب ��و عبيد �أوال» ،ويل �أبو عبي ��د ق�ضاء طر�سو�س ،وم ��ن ت�صانيفه« :الأموال»،
و«غريب احلديث» ،تويف �سنة 224هـ .انظر :تهذيب الكمال ،للمزي � .354/23سري �أعالم النبالء ،للذهبي .490/10
((( غري ��ب احلدي ��ث ،لأبي عبيد القا�س ��م بن �سالم .232/4وانظ ��ر :الفائق يف غريب احلدي ��ث ،للزخم�شري ،235/3
النهاية يف غريب احلديث والأثر ،البن الأثري .125/4
((( غريب احلديث ،لأبي عبيد القا�سم بن �سالم ،232/4ورواه البيهقي يف ال�سنن الكربى ،كتاب الإجارة ،باب ال جتوز
الإجارة حتى تكون معلومة ،وتكون الأجرة معلومة ،برقم.11656
((( م�صنف عبدالرزاق .234/8
((( انظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية � ،434 /29إعالم املوقعني ،البن القيم .135/3
((( انظر :التورق كما جتريه امل�صارف يف الوقت احلا�ضر ،لل�سعيدي� ،ص.22
279
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يف املعام�ل�ات هو حت�صيل نقود أ�ك�ث�ر بنقود �أقل ،وال�سلع املبيعة ه ��ي الوا�سطة يف ذلك،
و�إمن ��ا مين ��ع مثل هذا العق ��د �إذا كان البيع وال�ش ��راء من �شخ�ص واح ��د كم�س�ألة العينة،
ف� ��إن ذلك يتخذ حيلة عل ��ى الربا»( ،)1وما ذكرمت من ال�ضرر عل ��ى املحتاج بزيادة الثمن
علي ��ه الذي كان من البائع الأول ،و�أنه �أكل للمال بالباط ��ل ،موجود فيمن ا�شرتى ال�سلعة
للتج ��ارة� ،أو للقنية( ،)2ومع ذلك ال تقولون بتحرميها( ،)3وهذه الزيادة يف الثمن ال �ضرر
فيه ��ا ،وال �أكل للمال بالباطل ،لأنها مبقابلة الأجل ،فثمن ال�سلعة م�ؤجلة يزيد على ثمنها
يف احلا�ض ��ر ،كما �أنه يف ال�سلم يبيع امل�سلم في ��ه امل�ؤجل بثمن �أقل حا�ض ًرا ،والبيع الثاين
الذي يتم لغري البائع يكون ب�سعر ال�سلعة احلا�ضر ،فال �ضرر ،وال ظلم فيه على املتورق.
الرتجي ��ح :بعد عر�ض الأقوال ،و�أدلتها ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة ،تبني
يل -واهلل �أعلم� -أن الراجح هو القول الأول القائل �أن بيع التورق جائز؛ وذلك لأن الأ�صل
يف املعام�ل�ات ال�صحة واجلواز ،وللم�صلحة التي يحققها الت ��ورق جلمهور النا�س ،و�أدلة
املانعني ال تقوى على املنع كما تبني يف مناق�شتها.
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف التورق
على القول الراجح الذي يجيز التورق ف�إن الهند�سة املالية الإ�سالمية �أنتجت التورق
خمرج ��ا �شرع ًيا عن الربا ،ي�ستفيد البائع الربح ،ويح�ص ��ل امل�شرتي على املال ،وال�سلعة ً
ت ��دار يف ال�سوق� ،أما على القول الذي يحرم التورق ف�إن الهند�سة املالية يف التورق ال تعد
�إ�سالمي ��ة ،وه ��ي �سب ��ب يف حترميه؛ لأنها حيل ��ة للتو�صل للربا ،فه ��ي ال تختلف عن حكم
العينة.
280
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث ال�ساد�س
اإلجارة الموصوفة في الذمة
املطلب الأول:تعريف الإجارة املو�صوفة يف الذمة
قب ��ل تعري ��ف م�صطل ��ح الإج ��ارة املو�صوف ��ة يف الذمة ،البد م ��ن تعري ��ف الإجارة،
والو�صف ،والذمة الكلمات التي يرتكب منها هذا امل�صطلح.
فالإج ��ارة يف اللغة م�شتقة من الأجر ،وه ��و اجلزاء على العمل( ،)1قال ابن منظور«:
الأج ��ر :اجلزاء على العمل ،واجلمع �أجور .والإجارة :من �أَ َج َر َي�أْ ِج ُر ،وهو ما �أعطيت من
�أجر يف عمل»(.)2
والإج ��ارة يف اال�صطالح هي :عقد على منفع ��ة مباحة معلومة ،مدة معلومة ،بعو�ض
معلوم(.)3
وتعريف ��ات الإج ��ارة يف املذاهب الفقهي ��ة قريبة من هذا التعري ��ف ،و�إن اختلفت يف
اللفظ قليل(.)4
والو�صف :يراد به تبيني ال�شيء ،وحتليته ،وجتليته( ،)5قال ابن فار�س«:الواو وال�صاد
والفاء� :أ�صل واحد ،هو حتلية ال�شيء»( ،)6والتحلية هنا مبعنى التجلية.
((( انظر :العني ،للفراهيدي ،173/6معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س ،62/1ل�سان العرب ،البن منظور .10/4
((( ل�سان العرب ،البن منظور .10/4
((( منتهى الإرادات ،البن النجار .339/1
((( انظر :بداية املبتدي ،للمرغيناين� ،ص ،186مواهب اجلليل ،للحطاب � ،389/5أ�سنى املطالب ،للأن�صاري ،403/2
�شرح منتهى الإرادات ،للبهوتي.241/2
((( انظر :معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س ،115/6ل�سان العرب ،البن منظور .356/9
((( معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .115/6
281
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
والذم ��ة :العه ��د؛ لأن الإن�سان يذم عل ��ى �إ�ضاعته منه(« ،)1ومنهم م ��ن جعلها و�ص ًفا
فعرفها ب�أنها و�صف ي�صري ال�شخ�ص به �أهلاً للإيجاب له وعليه ،ومنهم من جعلها ذا ًتا،
فعرفها ب�أنها نف�س لها عهد»(.)2
و�أما الإجارة املو�صوفة يف الذمة فلم يفرد لها الفقهاء املتقدمون تعري ًفا م�ستقلاً ؛ بل
يكتفون بتعريف الإجارة ثم يذكرونها يف �أق�سامها؛ حيث تنق�سم الإجارة �إىل �إجارة عني
معينة� ،أو مو�صوفة يف الذمة ( ،)3والإجارة املو�صوفة يف الذمة تخت�ص يف كون العني التي
ي ��راد االنتفاع بها غري معينة ،بل مو�صوفة يف ذمة امل ؤ�ج ��ر ،وميكن �أن تعرف ب�أنها :عقد
على منفعة مباحة ،متعلقة بذمة امل�ؤجر ،مدة معلومة ،بعو�ض معلوم.
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة
الأ�صل يف الإجارة �أن تكون منجزة ،و�أن تكون العني معينة ،ف�إذا مل ين�ص على بداية
العق ��د ،ف�إن الإجارة تبد�أ م ��ن وقت العقد ،وتكون منجزة ،ف� ��إن �أطلق ،ومل يذكر الذمة،
كانت �إجارة عني معين ��ة( ،)4والإجارة املو�صوفة يف الذمة تطوير وهند�سة لعقد الإجارة،
فالإجارة فيها غري منجزة ،بل م�ضافة �إىل امل�ستقبل ،والعني فيها غري معينة ،بل مو�صوفة
مبنى ذا �أو�صاف حم ��ددة لإقامة م�شروع معني فيه، يف ذم ��ة امل�ؤجر( ،)5كما ل ��و ا�ست�أجر ً
فامل�ؤج ��ر ي�ضمن ت�أج�ي�ر املبنى قبل وجوده ،وامل�ست�أجر ينتفع ب أ�ن ��ه قد ال يجد النقد لبناء
املبن ��ى باملوا�صف ��ات املطلوبة لإقامة امل�ش ��روع ،فيتمكن عن طريق الإج ��ارة املو�صوفة يف
الذمة �أن يتعاقد مع م�ؤجر مقتدر يحقق له ذلك.
((( انظ ��ر :معج ��م مقايي�س اللغة ،الب ��ن فار�س ،346/2ل�سان الع ��رب ،البن منظ ��ور ،221/12التعريفات ،للجرجاين،
�ص.107
((( التعريفات ،للجرجاين� ،ص.107
((( انظر :املقدمات املمهدات ،البن ر�شد ،167/2احلاوي ،للماوردي � ،258/4شرح منتهى الإرادات ،للبهوتي.241/2
((( انظر :املو�سوعة الفقهية الكويتية .256/1
((( انظر :يف فقه املعامالت املالية وامل�صرفية املعا�صرة ،لنزيه حماد� ،ص.328
282
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
283
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الرتجيح :بعد عر�ض القولني ،ودليل كل قول ،ومناق�شة ما احتاج منها �إىل مناق�شة،
تب�ي�ن يل-واهلل �أعل ��م� -أن الراج ��ح هو الق ��ول الأول القائل بجواز الإج ��ارة املو�صوفة يف
الذمة؛ وذلك لقوة ما ا�ستدلوا به ،مقابل �ضعف دليل القول الثاين �أمام ما ورد عليه من
مناق�شة.
امل�س�ألة الثانية :حكم ت�أجيل الأجرة يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة
اختل ��ف الفقهاء يف حكم ت�أجي ��ل الأجرة يف الإجارة املو�صوف ��ة يف الذمة على ثالثة
�أقوال:
القول الأول� :إن ت�أجيل الأجرة يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة ال يجوز ،وهو مذهب
املالكية( ،)1والأ�صح عند ال�شافعية(.)2
الق ��ول الث ��اين� :إن ت�أجي ��ل الأج ��رة يف الإجارة املو�صوفة يف الذم ��ة ال يجوز �إذا كان
بلف ��ظ ال�سل ��م ،ويج ��وز �إذا كان بغري لفظ ال�سلم .وه ��و وجه عند ال�شافعي ��ة( ،)3ومذهب
احلنابلة(.)4
الق ��ول الثال ��ث� :إن ت�أجيل الأجرة يف الإج ��ارة املو�صوفة يف الذمة يجوز مطل ًقا .وهو
وجه عند احلنابلة(.)5
دلي ��ل الق ��ول الأول� :أن الإجارة املو�صوفة يف الذمة �سل ��م يف املنافع ،في�شرتط فيها
تعجيل الأجرة كال�سلم يف الأعيان ي�شرتط فيه تعجيل الثمن(.)6
284
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يناق� ��ش :بالف ��رق بني بي ��ع الأعيان وبي ��ع املنافع؛ ف ��الأول ي�شرتط في ��ه ت�سليم �أحد
العو�ض�ي�ن� ،أم ��ا املنافع فال ي�ش�ت�رط لها ذلك ،ويج ��وز فيها ت�أجيل الأج ��رة واملنفعة يف
�إجارة العني املعينة ،واملو�صوفة يف الذمة مثلها ،فيجوز ت�أجيل الأجرة فيها �إىل ا�ستيفاء
املنفعة.
دلي ��ل الق ��ول الث ��اين� :أن الإج ��ارة املو�صوفة يف الذمة �إذا كانت بلف ��ظ ال�سلم ت�أخذ
حكم ال�سلم يف وجوب تعجيل الأجرة يف جمل�س العقد ،فاللفظ له ت�أثري على احلكم(.)1
يناق�ش :بعدم الت�سليم؛ فبيع املنافع ي�سمى �إجارة وله �أحكامه اخلا�صة به ،وال ي�أخذ
�أح ��كام ال�سلم و�إن جرى بلفظه ،كما �أنه لو باع مو�صو ًفا يف الذمة بلفظ الإجارة ال جتري
عليه �أحكام الإجارة ،بل �أحكام ال�سلم ،فالعربة يف العقود باملعاين ،ال بالألفاظ واملباين.
دلي ��ل الق ��ول الثال ��ث� :أن الأج ��رة يف الإجارة املو�صوفة يف الذم ��ة عو�ض يف �إجارة،
فجاز ت�أجيله ،كما لو كان الإجارة على عني معينة(.)2
نوق� ��ش :بــ«�أن ��ه قيا� ��س مع الفارق ،فالإج ��ارة يف الأعيان تكون الع�ي�ن حا�ضرة ،يتم
ا�ستيفاء املنفعة منها حال �سريان العقد ،وهي �أحد العو�ضني ،فجاز ت�أخري العو�ض الثاين
وهي الأجرة ،وهذا بخالف �إجارة الذمة ،فا�ستيفاء املنفعة فيها م�ؤجل»(.)3
يج ��اب :بع ��دم الت�سلي ��م �أن ا�ستيفاء املنفع ��ة يف العني احلا�ضرة يك ��ون حال �سريان
العق ��د ،بل يجوز ت�أجيل العو�ض�ي�ن يف �إجارة العني احلا�ضرة وهما املنفعة والأجرة ،فكما
يجوز ت�أجيل العو�ضني يف العني احلا�ضرة يجوز يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة ،والأجرة
مقابل املنفعة ،يجوز ت�أجيلها حتى ي�ستويف املنفعة.
((( انظر� :شرح منتهى الإرادات ،للبهوتي ،252/2مطالب �أويل النهى ،للرحيباين .613/3
((( انظر :الكايف ،البن قدامة ،175/2النكت ،البن مفلح .273/1
((( �أحكام التمويل امل�صريف ،لآل فريان .360/1
285
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الرتجيح :بعد عر�ض الأقوال ،ودليل كل قول ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة،
تبني يل-واهلل �أعلم� -أن الراجح هو القول الثالث القائل بجواز ت�أجيل الأجرة يف الإجارة
أحكاما خا�صة بها ،وت�سم ��ى �إجارة ،ومنها
املو�صوف ��ة يف الذم ��ة؛ وذلك لأن لبيع املناف ��ع � ً
جواز ت�أجيل البدلني ،وال تقا�س على بيع الأعيان الختالفها عنها.
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة
عل ��ى القول الراجح ال ��ذي يجيز الإج ��ارة املو�صوفة يف الذمة ف� ��إن الهند�سة املالية
الإ�سالمية �أنتجت الإجارة املو�صوفة يف الذمة لتحقق م�صالح للم�ؤجر وامل�ست�أجر؛ فامل�ؤجر
ً
مق�سطا قبل ت�سليم ي�ضم ��ن ت أ�ج�ي�ر العني قبل وجودها ،وح�صول ��ه على النقد عاج�ًلأاً �أو
الع�ي�ن ،و�أن العني م�سجل ��ة با�سمه وب�إمكانه �أن يبيعها� ،أو �أن يربم عقد �إجارة جديدً ا بعد
انته ��اء املدة املحددة ،وامل�ست�أجر ينتفع ب�أنه قد ال يج ��د النقد لبناء عني ذات موا�صفات
معين ��ة ،فيتمكن عن طري ��ق الإجارة املو�صوفة يف الذمة م ��ن �أن يتعاقد مع م�ؤجر مقتدر
يحقق له ذلك ،و�أن امل�ؤجر يظل م�س� اًؤول عن العني امل�ؤجرة ،ويتطلب منه االهتمام بالعني
و�إبرام العديد من العقود كعقود ال�صيانة الإ�صالحية ،وال�صيانة الطارئة ،وغريها� ،إىل
غري ذلك من امل�صالح التي تعود للطرفني املتعاقدين ،ولالقت�صاد العام ككل(� ،)1أما على
القول الذي يحرم الإجارة املو�صوفة يف الذمة ،ف�إن الهند�سة املالية فيها ال تعد �إ�سالمية،
أموال ،وال تثبت يف الذمة. وهي �سبب لتحرميه؛ لأن املنافع عندهم ال تعد � اً
((( انظ ��ر :مميزات عق ��ود الإجارة على عقود البيع للم�ؤ�س�س ��ات املالية الإ�سالمية والعم�ل�اء ،ملحمد الطبطبائي ،بحث
من�ش ��ور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،ال�صادرة م ��ن جامعة الكويت ،ال�سنة الثامنة ع�شرة ،العدد الرابع
واخلم�سون1424 ،ه� ،ص.153-125
286
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الف�صل الثاين
تطبيقات معاصرة للهندسة المالية اإلسالمية
وفيه ثمانية مباحث:
املبحث الأول
السلَ م الموازي
َّ
ال�سلَم املوازي
املطلب الأول:تعريف َّ
ال�س َلم املوازي ،البد من تعريف ال�سل ��م � اًأول ،ثم تعريف كلمة
قب ��ل تعريف م�صطل ��ح َّ
املوازي ثان ًيا ثم نعرف م�صطلح ال�سلم املوازي املركب منهما.
فال�سل ��م يف اللغ ��ة وال�سلف مبعنى واح ��د وهو الإعط ��اء والتقدمي(«،)1و�سم ��ي �سل ًما
َّ
لت�سليم ر�أ�س املال يف املجل�س ،و�سل ًفا لتقدميه»( ،)2وال�سلم لغة �أهل احلجاز ،وال�سلف لغة
�أهل العراق(.)3
و�أم ��ا ال�سلم يف اال�صطالح فق ��د اختلف الفقهاء يف تعريفه تب ًعا الختالفهم يف بع�ض
�شروط ��ه ،فعرف ��ه احلنفية ب�أنه�«:أخذ عاجل ب�آجل»(� ،)4أو «بي ��ع �آجل بعاجل»( .)5و ُرد هذا
التعري ��ف ب�أنه غري مانع؛ لأنه يدخل فيه جميع �صور البيع �إىل �أجل( ،)6ومل يبني �أن املبيع
مو�صوف يف الذمة(.)7
((( انظ ��ر :معج ��م مقايي�س اللغة ،البن فار� ��س ،90/3ل�سان العرب ،الب ��ن منظور ،295/12امل�صب ��اح املنري ،للفيومي
.286/1
((( املبدع ،البن مفلح .171-170/4
((( انظر :احلاوي ،للماوردي � ،388/5شرح منتهى الإرادات ،للبهوتي .87/2
((( انظر :املب�سوط ،لل�سرخ�سي ،124/12الهداية ،للمرغيناين ،74/3تبيني احلقائق ،للزيلعي .110/4
((( انظر :العناية ،للبابرتي ،69/7البناية ،للعيني ،327/8البحر الرائق ،البن جنيم .168/6
((( انظر :العناية ،للبابرتي ،69/7البحر الرائق ،البن جنيم .168/6
((( انظر :جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد التا�سع� ،ص.479
287
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
و أ�م ��ا املالكية فقد ق ��ال القرطبي(«:)1حد علما�ؤنا رحمة اهلل عليه ��م ال�سلم فقالوا:
ه ��و بيع معل ��وم يف الذمة حم�صور بال�صفة بعني حا�ضرة� ،أو م ��ا هو يف حكمها� ،إىل �أجل
معل ��وم»( ،)2واملالكي ��ة ي ��رون جواز ت�أخ�ي�ر ر�أ�س مال ال�سل ��م �إىل ثالثة أ�ي ��ام( )3بنا ًء على
قاع ��دة�«:أن ما قرب من ال�ش ��يء فحكمه حكمه»()4؛ لذلك ق ��ال يف التعريف«:حا�ضرة �أو
ما هو يف حكمها».
وع ��رف ال�شافعية ال�سلم ب�أنه«:عقد على مو�صوف يف الذمة ببدل يعطى عاجلاً »(،)5
وال�شافعي ��ة ي ��رون ج ��واز ال�سلم احل ��ال ،لذلك مل ين�ص ��وا يف التعريف على ك ��ون ال�سلم
م�ؤج�ًل�ااً ،بعك� ��س احلنابلة الذين ن�صوا على ذل ��ك يف تعريف ال�سلم فعرف ��وه ب�أنه «:عقد
على مو�صوف يف الذمة م�ؤجل بثمن مقبو�ض يف جمل�س العقد»( ،)6فال بد �أن يكون ال�سلم
م�ؤج�ًل�ااً خال ًفا لل�شافعية ،ور�أ�س مال ال�سلم يف جمل� ��س العقد خال ًفا للمالكية ،واحلنفية
يوافق ��ون احلنابلة يف ا�شرتاط تعجيل ر�أ�س م ��ال ال�سلم يف جمل�س العقد ،وت�أجيل امل�سلم
فيه(.)7
وتعريف ال�شافعية �أجود؛ لأنه عام وخال من القيود ،بعك�س تعريف ال�سلم يف املذاهب
الأخرى ففيه قيود تخ�ص املذهب ،وال يدخل فيه تعريف ال�سلم يف غري املذهب.
((( هو حممد بن �أحمد بن �أبي بكر القرطبي ،من كبار املف�سرين ،وا�شتهر بال�صالح ،والتعبد ،ومن �أهم ت�صانيفه تف�سري
الق ��ر�آن ،امل�سم ��ى بــ«جامع �أحكام القر�آن واملبني ملات�ضمن من ال�سنة و�آي الق ��ر�آن» ،وهو من �أجل التفا�سري و�أعظمها
نفع ًا ،تويف �سنة 671هـ .انظر :الديباج املذهب ،البن فرحون� ،ص� ،317شذرات الذهب ،البن العماد .584/7
((( اجلامع لأحكام القر�آن ،للقرطبي .378/3
((( انظر :املدونة ،للإمام مالك ،80/3الكايف يف فقه �أهل املدينة ،البن عبدالرب .692/2
((( املوافقات ،لل�شاطبي .418/1وانظر :القواعد الفقهية ،ملحمد الزحيلي .893/2
((( انظر :فتح العزيز ،للرافعي ،207/9رو�ضة الطالبني ،للنووي .3/4
((( انظر :الإن�صاف ،للمرداوي ،84/5الإقناع ،للحجاوي .133/2
((( انظر :املب�سوط ،لل�سرخ�سي ،127/12االختيار ،للمو�صلي 36/2
288
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وامل ��وازاة تعن ��ي املقابل ��ة ،واملواجهة ،واملح ��اذاة( ،)1ورمبا �أبدلت ال ��واو همزة فقيل
�آزاه( .)2وهي يف اال�صطالح مبعناها اللغوي.
�أم ��ا تعريف م�صطلح ال�سل ��م املوازي ،فقد عرف بعدة تعريف ��ات ،منها«:ا�ستخدام
�صفقت ��ي �سلم متوافقتني ،دون ربط بينهما»( ،)3وانتقد هذا التعريف ب�أنه غري مانع؛ فهو
ي�شمل بالإ�ضافة لل�سلم املوازي عقد ال�سلم الأول(.)4
وع ��رف ب�أنه«:عقد ال�سلم الذي يكون فيه البنك بائ ًعا من جن�س ما يكون قد ا�شرتاه
م�سل ًما ،ولي�س عني ما تعاقدا عليه»( ،)5وي�ؤخذ على هذا التعريف ب�أنه غري جامع؛ لأنه مل
يبني مع من يكون العقد الثاين ،وهل هناك ارتباط بني العقدين �أو ال؟.
ولع ��ل �أق ��رب تعريف لل�سلم امل ��وازي ما جاء يف املعاي�ي�ر ال�شرعية ،وه ��و�«:أن يدخل
امل�سلم �إليه يف عقد �سلم م�ستقل مع طرف ثالث للح�صول على �سلعة موا�صفاتها مطابقة
لل�سلع ��ة املتعاقد على ت�سليمها يف ال�سلم الأول؛ ليتمكن من الوفاء بالتزامه فيه...دون �أن
يعلق العقد الثاين على نفاذ العقد الأول»(.)6
املطلب الثاين:الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�سلم املوازي
تبني فيما �سبق �أن عقد ال�سلم متت هند�ستة وتطويره بعدما قدم النبي × املدينة،
معلوما؛ كي ي�شتمل العقد عل ��ى امل�صالح املبتغاة منه،
ً معلوم ��ا ،و�أجلاً
وجع ��ل له مقدا ًرا ً
((( انظر :املحكم ،البن �سيده ،495/3ل�سان العرب ،البن منظور ،32/14املعجم الو�سيط ،لإبراهيم م�صطفى و�آخرين
.1030/2
((( انظر :امل�صباح املنري ،للفيومي .658/2
((( ال�سلم وتطبيقاته املعا�صرة ،لل�ضرير ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد التا�سع� ،ص.282
((( انظر� :أحكام التمويل امل�صريف امل�شرتك،لآل فريان .456/1
((( املعاي�ي�ر ال�شرعية ل�صيغ التمويل امل�صريف الالربوي ،ملحمد القري و�آخرين� ،ص .111نقلاً من كتاب �أحكام التمويل
امل�صريف امل�شرتك ،لآل فريان .456/1
((( املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية� ،ص .141ذكر اً
مثال يف التعريف؛ ورغبة يف االخت�صار مل �أذكره.
289
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وتندفع املفا�سد التي حت�صل ب�سبب اجلهل باملقدار� ،أو ب�أجل الت�سليم( ،)1وال�سلم املوازي
تطوير �آخر وهند�سة مالية �إ�سالمية لعقد ال�سلم؛ للم�صالح التي يحققها ال�سلم املوازي
فه ��و «�أداة متوي ��ل ذات كفاءة عالي ��ة يف االقت�صاد الإ�سالم ��ي ،ويف ن�شاطات امل�صارف
الإ�سالمية ،من حيث مرونتها وا�ستجابتها حلاجات التمويل املختلفة»()2؛ بحيث ي�شرتي
امل�ص ��رف �سلعة مو�صوف ��ة يف الذمة �إىل �أجل ،من املنتجات الزراعي ��ة �أو ال�صناعية� ،أو
غريه ��ا مما ميكن �ضب ��ط �صفته ،ويف الفرتة ب�ي�ن عقد ال�سلم وقب� ��ض امل�سلم فيه يقوم
امل�ص ��رف ب�إن�شاء عقد �آخر م�ستقل يبيع فيه �سلعة مماثلة وب�شروط مماثلة لل�سلعة التي
ا�شرتاه ��ا يف عقد ال�سلم الأول ،دون �أن يربط ب�ي�ن العقدين ،مثلاً ي�شرتي كمية حمددة
من القطن من املزارعني ،ثم يقوم ب�إن�شاء عقد جديد مع م�صانع الغزل ،والن�سيج فيبيع
له ��م عن طريق عقد ال�سلم قط ًنا ب ��ذات املوا�صفات يف املبي ��ع الأول،دون �أن يعلق ً
عقدا
على عقد (.)3
�أو يق ��وم امل�ص ��رف بعقد �سل ��م على بيع �سلع ��ة مو�صوفة يف الذم ��ة �إىل �أجل ،ثم
ي�ش�ت�ري بعقد �سلم �آخر من طرف ثالث �سلعة بنف�س املوا�صفات وال�شروط التي باعها
يف ال�سل ��م الأول ،دون �أن يك ��ون هناك ربط بني العقدين ،فكل عقد م�ستقل عن العقد
الآخر(.)4
290
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
291
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل الثال ��ث :عبد الرحمن بن �أبزى ،وعبد اهلل بن �أبي �أوفى ،ر�ضي اهلل عنهما،
اط َّ
ال�ش ��ا ِم، �ان َم� � َع َر ُ�س ��ولِ اللهَّ ِ ×َ ،ف� � َكا َن َي أْ�تِي َنا َ�أ ْن َب � ٌ
�اط مِ نْ �أَ ْن َب ِ قاالُ «:ك َّن ��ا ُن ِ�ص � ُ
�يب امل َ َغ � مِ َ
يب� ،إِلىَ �أَ َجلٍ ُم َ�س َّمى» رواه البخاري(.)1 ال�ش ِعريَِ ،وال َّز ِب ِ حل ْن َطةَِ ،و َّ َف ُن ْ�س ِل ُف ُه ْم يِف ا ِ
وجه الداللة من احلديث� :أن ال�صحابة كانوا يتعاملون بال�سلم يف ع�صر النبي
× ،ومل ينههم عنه؛ مما يدل على جوازه.
الدلي ��ل الراب ��ع� :إجماع العلماء على جواز ال�سلم( ،)2قال ابن املنذر� «:أجمع �أهل العلم
عل ��ى �أن م ��ن باع معلوم ًا من ال�سلع ،مبعلوم من الثمن ،على �أجل معلوم من �شهور العرب� ،أو
�إىل �أيام معروفة العدد� ،أن البيع جائز ،وكذلك قالوا يف ال�سلم �إىل الأجل املعلوم»(.)3
امل�س�ألة الثانية :حكم ال�سلم املوازي
اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم ال�سلم املوازي على قولني:
الق ��ول الأول :ج ��واز ال�سلم املوازي �إذا حتقق فيه الف�ص ��ل بني العقدين .وهذا ر�أي
جمه ��ور الفقه ��اء املعا�صرين( ،)4بل ق ��ال الدكتور نزي ��ه حماد«:وهذا ال�سل ��م املوازي ال
خالف بني الفقهاء يف جوازه وم�شروعيته»(.)5
الق ��ول الث ��اين :من ��ع ال�سل ��م امل ��وازي �إال لل�ض ��رورة .وه ��و ر�أي الدكت ��ور ال�صدي ��ق
ال�ضرير(.)6
((( كتاب ال�سلم ،باب ال�سلم �إىل �أجل معلوم ،برقم .2254
((( انظر :مو�سوعة الإجماع ،ملجموعة من امل�ؤلفني .592-587/2
((( الإ�شراف ،البن املنذر .104/6وانظر :الإجماع ،البن املنذر� ،ص.134
((( انظ ��ر :ق ��رار جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد التا�سع ،رق ��م ،2/89تو�صيات وفتاوى م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية
يف معام�ل�ات البن ��وك الإ�سالمية ،املنعقد باملرك ��ز الثقايف الإ�سالمي ،اجلامعة الأردني ��ة 23-21ذو القعدة 1414ه،
قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي ،79/1املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية� ،ص ،134عقد ال�سلم،
ملحمد الأ�شقر ،من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة ،ملحمد الأ�شقر و�آخرين .216/1
((( ال�سلم وتطبيقاته املعا�صرة ،لنزيه حماد ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد التا�سع� ،ص.443
((( انظر :مداخلة ال�صديق ال�ضرير يف مناق�شات بحوث ال�سلم يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد التا�سع� ،ص.457
292
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
293
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�ضرر يقابل ��ه م�صالح �أكرب للم�صارف الإ�سالمية ،وللتج ��ار ،وللم�ستهلكني ،وي�ؤدي �إىل
نه�ضة اقت�صادية(.)1
الرتجي ��ح :بعد عر�ض الأقوال ،و�أدلتها ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة ،تبني
يل -واهلل �أعل ��م� -أن الراج ��ح هو الق ��ول الأول القائل �أن ال�سلم امل ��وازي جائز �إذا حتقق
في ��ه الف�صل بني العقدين؛ وذلك لقوة �أدلته مقابل �ضعف �أدلة القول الثاين �أمام ما ورد
عليه ��ا من املناق�شة ،ولأن الأ�صل يف املعامالت ال�صحة واجلواز ،وللم�صالح االقت�صادية
التي يحققها ال�سلم املوازي فقد جاء يف م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية يف معامالت البنوك
الإ�سالمية«:ويو�ص ��ي امل�ؤمتر امل�صارف الإ�سالمية وامل�ؤ�س�س ��ات املالية الإ�سالمية ب�إحياء
هذي ��ن العقدين-ال�سل ��م واال�ست�صن ��اع -يف التموي ��ل؛ ملا يرتتب عليهما م ��ن م�صالح يف
()2
تن�شيط التجارة ،وال�صناعة ،والزراعة».
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف ال�سلم املوازي
عل ��ى القول الراجح ال ��ذي عليه جمه ��ور العلم ��اء املعا�صرين ف� ��إن الهند�سة املالية
الإ�سالمي ��ة �أنتجت ال�سل ��م املوازي للم�صالح الكب�ي�رة التي يحققها ،فع ��ن طريق ال�سلم
امل ��وازي يت ��م متويل املنتج�ي�ن ليحققوا نف ًعا بال ًغ ��ا ويدفع عنهم م�شق ��ة العجز املايل عن
حتقي ��ق �إنتاجهم( ،)3وميكن متويل �صغار املنتجني الزراعي�ي�ن ،وال�صناعيني ،عن طريق
�إمداده ��م مب�ستلزمات الإنت ��اج يف �صورة معدات ،و�آالت� ،أو م ��واد �أولية كر�أ�س مال �سلم
مقاب ��ل احل�صول على بع� ��ض منتجاتهم و إ�ع ��ادة ت�سويقها(� ،)4إىل غريه ��ا من امل�صالح؛
294
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
فال�سل ��م امل ��وازي«�أداة متوي ��ل ذات كفاءة عالي ��ة يف االقت�صاد الإ�سالم ��ي ويف ن�شاطات
امل�ص ��ارف الإ�سالمية ،من حيث مرونتها وا�ستجابتها حلاج ��ات التمويل املختلفة� ،سواء
�أكان متوي�ًل�ااً ق�صري الأجل �أم متو�سط ��ه �أم طويله ،وا�ستجابتها حلاجات �شرائح خمتلفة
ومتعددة من العمالء� ،سواء �أكانوا من املنتجني الزراعيني �أم ال�صناعيني �أم املقاولني �أم
م ��ن التجار ،وا�ستجابتها لتمويل نفقات الت�شغيل والنفق ��ات الر�أ�سمالية الأخرى»(� ،)1أما
عل ��ى الق ��ول الثاين الذي يحرم ال�سلم املوازي ف�إن الهند�س ��ة املالية فيه ال تعد �إ�سالمية،
وهي �سبب لتحرميه؛ لأنها حيلة على الربا.
***
295
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثاين
االستصناع الموازي
املطلب الأول:تعريف اال�ست�صناع املوازي
قبل تعريف م�صطلح اال�ست�صناع املوازي ،نعرف اال�ست�صناع � اًأول.
فاال�ست�صناع لغة :طلب ال�صنع ،وال�صنع :الفعل( ،)1قال ابن فار�س «:ال�صاد والنون
والع�ي�ن �أ�ص ��ل �صحيح واحد ،وهو عمل ال�شيء �صنعا»()2؛ يق ��ال :ا�صطنع فالن خامت ًا �إذا
�س�أل رج ًال �أن ي�صنع له خامت ًا(.)3
ا�صطالحا«:عقد على مبيع يف الذمة و�شرط عمله على ال�صانع»(.)4 ً واال�ست�صناع
ويع ��د اال�ست�صناع عند احلنفية عقدً ا م�ستقلاً ل ��ه �أحكامه اخلا�صة(� ،)5أما املذاهب
الفقهية الأخرى فاال�ست�صناع داخل يف عقد ال�سلم ،وال يعدونه عقدً ا م�ستقل(.)6
وقد �سبق تعريف كلمة املوازي يف املبحث ال�سابق(.)7
�أم ��ا اال�ست�صناع املوازي فقد عرف ب�أنه«:عقد اال�ست�صناع الذي يوقعه امل�صرف مع
ال�صان ��ع النهائي لتنفيذ امل�ش ��روع»( ،)8وي�ؤخذ على هذا التعري ��ف �أنه غري جامع؛ فهو مل
يبني وجود عقدين يف اال�ست�صناع املوازي؛ عقد يكون فيه البنك �صان ًعا ،وعقد يكون فيه
م�ست�صن ًعا دون ربط بينهما.
((( انظر :ال�صحاح ،للفارابي ،1245/3خمتار ال�صحاح ،للرازي� ،ص.179
((( معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .313/3
((( انظر :ل�سان العرب ،البن منظور .209/8
((( حتفة الفقهاء ،لل�سمرقندي .362/2وانظر :بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين ،2/5جملة الأحكام العدلية� ،ص.31
((( انظر :النتف يف الفتاوى ،لل�سغدي ،576/2املب�سوط ،لل�سرخ�سي .84/15
((( انظر :التاج والإكليل ،للمواق ،517/6املهذب ،لل�شريازي ،72/2الإن�صاف ،للمرداوي .300/4
((( انظر �ص 243من هذا البحث.
((( املعاي�ي�ر ال�شرعي ��ة ل�صيغ التمويل امل�صريف الالربوي ،ملحمد الق ��ري و�آخرين� ،ص .78نقلاً من كتاب �أحكام التمويل
امل�صريف امل�شرتك ،لآل فريان .428/1
297
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ولعل التعريف الأقرب لال�ست�صناع املوازي هو� :إبرام عقدين منف�صلني� ،أحدهما مع
العمي ��ل يكون امل�صرف فيه �صان ًعا ،والعقد الآخر مع ال�صانع يكون البنك فيه م�ست�صن ًعا
ملا طلبه العميل يف العقد الأول(.)1
املطلب الثاين:الهند�سة املالية الإ�سالمية يف اال�ست�صناع املوازي
يف اال�ست�صناع هند�سة مالية فهو �إما �أن يكون تطوي ًرا لعقد ال�سلم ،فال�سلم ي�شرتط
في ��ه تعجيل ر�أ�س مال ال�سلم ،و أ�م ��ا اال�ست�صناع فال ي�شرتط فيه ذلك(� ،)2أو ابتكا ًرا لعقد
جدي ��د ال عالقة له بال�سل ��م وال بغريه من العق ��ود( ،)3واال�ست�صناع امل ��وازي يعد هند�س ًة
وتطوي� � ًرا على عق ��د اال�ست�صناع الأ�صلي؛ ل ��دوره الكبري يف تن�شي ��ط ال�صناعة ،ويف فتح
جم ��االت وا�سعة للتمويل والنهو� ��ض باالقت�صاد الإ�سالمي؛ بحيث يت ��م �إبرام عقدين كل
عق ��د منهما منف�صل ع ��ن العقد الآخر ،يك ��ون امل�صرف �صان ًعا يف عق ��د وم�ست�صن ًعا يف
العق ��د الآخر مل ��ا طلبه العميل بنف�س املوا�صفات املح ��ددة يف العقد الأول ،فللم�صرف �أن
يربم عقد ا�ست�صناع ب�صفته م�ست�صن ًعا مع ال�صانع للح�صول على م�صنوعات من�ضبطة
بال�صف ��ة ،ثم يبيع لطرف �آخر بعقد ا�ست�صناع م ��واز م�صنوعات مطابقة لل�صفات التي
مت حتديدها يف العقد الأول� ،أو يربم عقد ا�ست�صناع ب�صفته �صان ًعا ،ثم يتعاقد مع �صانع
بعقد ا�ست�صناع مواز ل�شراء امل�صنوعات التي مت حتديدها يف العقد الأول ،دون ربط بني
العقدين(.)4
298
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
299
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث� :أن النبي × نه ��ى عن بيع ما لي�س عن ��د البائع ،وقد
�أجمع العلماء على ذلك( ،)1واال�ست�صناع بيع ملا لي�س عند البائع ،فهو داخل يف النهي(.)2
نوق� ��ش :ب� ��أن النهي عن بيع ما لي�س عند البائع� ،إذا كان ��ت عي ًنا معينة يبيعها ،وهي
لي�س ��ت ملك ��ه ،بل ملك غريه ثم ي�سعى يف حت�صيلها� ،أو بيع ما ال يقدر على ت�سليمه فيكون
قد �ضمن له �شيئا ال يدري هل يح�صل �أو ال يح�صل؟(� ،)3أما اال�ست�صناع فلي�س كذلك؛ �إذ
هو بيع ملو�صوف يف الذمة ،ولي�س بي ًعا لعني معينة ،ويغلب على الظن ح�صوله وقت الوفاء؛
لأن اال�ست�صناع ال يكون �إال مبا جرى العرف التعامل به ،والقدرة على ت�سليمه(.)4
الدليل الثاين :عن ابن عمر� ,أن النبي ×َ «:نهَى َعنْ َب ْي ِع ا ْل َكالِئِ ِبا ْل َكالِئِ » رواه
الدارقطني وغريه(.)5
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلديث� :أن النبي × نهى عن بي ��ع الكالئ بالكالئ� ،أي الدين
=م ��ن رواي ��ة يو�سف بن ماهك عن حكيم بن حزام ،ويو�سف بن ماه ��ك مل ي�سمع من حكيم بن حزام ،كما ن�ص على
ذل ��ك غ�ي�ر واحد من الأئمة ،وقد جاء النهي عن بيع مالي�س عند البائع من طريق عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده،
وق ��د �سب ��ق يف هذا البحث �ص 158بيان �ضع ��ف هذه ال�سل�سة .انظر :التاريخ الكبري ،الب ��ن �أبي خيثمة ،158-157/1
جام ��ع التح�صيل ،للعالئي�� � ،ص ،305بيان الوهم والإيهام ،البن القطان ،320/2 ،318/2ميزان االعتدال ،للذهبي
،461/2تهذيب التهذيب ،البن حجر � ، ،322/5سنن الرتمذي .527/3
((( مم ��ن نق ��ل الإجماع :اجل�صا�ص ،وابن قدام ��ة ،وغريهم .انظر� :أح ��كام القر�آن ،للج�صا� ��ص ،189/2املغني ،البن
قدامة ،155/4مو�سوعة الإجماع ،ملجموعة من امل�ؤلفني .206/2
((( انظر :الفروع ،البن مفلح ،147/6الإن�صاف ،للمرداوي .300/4
((( انظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية � ،29/20إعالم املوقعني ،البن القيم .301/1
((( انظر :عقد اال�ست�صناع ،لبدران� ،ص.47
((( رواه الدارقطن ��ي يف �سننه ،كتاب البي ��وع ،برقم ،3060واحلاكم يف امل�ستدرك ،65/2برقم .2342واحلديث منكر؛
في ��ه مو�س ��ى بن عبي ��ده �أنكر الأئمة حديثه .وق ��ال ال�شافعي عن ه ��ذا احلديث� :أهل احلديث يوهن ��ون هذا احلديث،
وقال �أحمد بن حنبل :ولي�س يف هذا حديث �صحيح .انظر:العلل ،للدارقطني ،193/13تهذيب الكمال ،للمزي،109/29
التلخي�ص احلبري ،البن حجر ،71/3اجلامع لعلوم الإمام �أحمد .14-13/15
300
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
بالدي ��ن( ،)1و�أجم ��ع العلماء على النهي عن بيع الدين بالدي ��ن( ،)2وعقد اال�ست�صناع فيه
ت�أجيل البدلني فهو بيع دين بدين(.)3
نوق� ��ش :ب�أن احلديث �ضعيف الي�صلح االحتجاج ب ��ه( ،)4و�أما الإجماع على �أن بيع الدين
بالدين ال يجوز ،فال ينطبق على جميع ال�صور التي ي�شملها بيع الدين بالدين( ،)5واملنهي عنه
يف �صورة بيع الدين بالدين هو ما مل يكن للنا�س به حاجة� ،أو م�صلحة؛ لأن الذمتني تن�شغالن
بغ�ي�ر فائدة ،ف�إنه مل يتعجل �أحدهما ما ي�أخذه فينتفع بتعجيله وينتفع �صاحب امل�ؤخر بربحه،
بل كالهما ا�شتغلت ذمته بغري فائدة( ،)6وهذا بخالف اال�ست�صناع ف�إن احلاجة ما�سة لت�أخري
العو�ضني ،والفائدة موجودة يف �شغل الذمتني ،ال�سيما يف هذا الع�صر(.)7
�أدلة القول الثاين:
الدلي ��ل الأول :الأحادي ��ث التي وردت يف �صنع النب ��ي × للخامت ،و�صنع ال�صحابة
ا�ص َط َن َع َخاتمَ ً ا للخ ��وامت ،منه ��ا :عن عبداهلل بن عمر ر�ضي اهلل عنهم ��ا� « :أَنَّ ال َّن ِب َّي × ْ
ا�س َخ َوا ِت َيم ِمنْ َذ َه ٍبَ ،ف َر ِق َي ا�ص َط َن َع ال َّن ُِمنْ َذ َه ٍبَ ،و َج َع َل َف َّ�ص ُه فيِ َب ْط ِن َك ِّف ِه �إِ َذا َل ِب َ�سهَُ ،ف ْ
ا ِمل ْنبرَ َ َ ،ف َح ِم َد اللهَّ َ َو�أَ ْث َنى َع َل ْي ِهَ ،ف َق َال�« :إِنيِّ ُكنْتُ ْ
ا�ص َط َن ْع ُت ُهَ ،و�إِنيِّ َال �أَ ْل َب ُ�س ُه» َف َن َب َذ ُهَ ،ف َن َب َذ
ا�س» متفق عليه(.)8 ال َّن ُ
301
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وعن �أن�س بن مالك �« :أَ َّن ُه َر�أَى فيِ َي ِد َر ُ�س ِول اللهَّ ِ × َخاتمَ ً ا ِمنْ َو ِر ٍق َي ْو ًما َو ِاحدً ا،
ول اللهَّ ِ × َخاتمَ َ هَُ ،ف َط َر َح وهاَ ،ف َط َر َح َر ُ�س ُ خل َوا ِت َيم ِمنْ َو ِر ٍق َو َل ِب ُ�س َا�ص َط َن ُعوا ا َ
ا�س ُْث َّم �إِنَّ ال َّن َ
ا�س َخ َوا ِتي َم ُه ْم» متفق عليه(.)9 ال َّن ُ
(�ص َن َع ال َّن ِب ُّي × َخاتمَ ً اَ ،ق َال�« :إِ َّنا ا َّت َخ ْذ َنا َخاتمَ ً اَ ،و َن َق ْ�ش َنا وعن �أن�س بن مالك َ :
ال َي ْن ُق َ�ش َّن َعلَ ْي ِه �أَ َحدٌ»)متفق عليه(.)10 فِي ِه َن ْق ً�شاَ ،ف َ
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الأحادي ��ث� :أن النب ��ي × و�صحابت ��ه الك ��رام ا�ست�صنع ��وا
اخلوامت؛ مما يدل على جواز اال�ست�صناع ،وطرح النبي × للخامت؛ لأنه من الذهب ،وال
عالقة له بحكم اال�ست�صناع(.)11
نوق� ��ش :ب�أنه م ��ن املحتمل �أن النبي و�صحابته ق ��د دفعوا الثمن يف جمل�س
ا�ست�صناعا ب�ش ��رط ال�سلم� ،أو دفعوا املادة اخلام للخ ��امت ،فيكون العقد ً العق ��د ،فيك ��ون
�إجارة ال ا�ست�صناع ًا ،وهو جائز عند اجلميع(.)12
�أجيب :ب�أنه لو وقع �شيء من ذلك لنقل �إلينا؛ لأن هذا مما تتوفر الدواعي على نقله،
ثم �إن كث ًريا من ال�صحابة فقراء ،ال ميلكون املادة التي ي�صنع منها اخلامت(.)13
ُرد :ب�أن ��ه ال ي�صلح اال�ست ��دالل بهذه الأحادي ��ث على جواز اال�ست�صن ��اع امل�ؤجل؛ لأن
اال�ست�صن ��اع يف الذه ��ب والف�ض ��ة ال يجوز ،ف�إن م ��ن املحتمل �أن يك ��ون النبي × �أعطاه
امل ��ادة اخلام� ،أو ا�ست�صنعه والنبي × قائم عنده من غري ت�أجيل ،ولي�س يف احلديث ما
((( رواه البخاري ،كتاب اللبا�س ،باب خامت الف�ضة ،برقم ،5868وم�سلم ،كتاب اللبا�س ،باب يف طرح اخلوامت ،برقم .2093
( ((1رواه البخاري ،كتاب اللبا�س ،باب اخلامت يف اخلن�صر ،برقم ،5874وم�سلم ،كتاب اللبا�س ،باب لب�س النبي ×
خامتا من ورق نق�شه حممد ر�سول اهلل ،ولب�س اخللفاء له من بعده ،برقم .2092
انظر :تبيني احلقائق ،للزيلعي ،123/4فتح القدير ،البن الهمام .115/7 (((1
اال�ست�صناع ،للثبيتي ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع� ،ص .1048 (((1
( ((1اال�ست�صناع ،للثبيتي ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع� ،ص ،1048ال�شروط التعوي�ضية يف
املعامالت املالية ،لعياد العنزي .424/1
302
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
303
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوق� ��ش :ب�أن عمل النا�س ال يعد حج ��ة ،والذين ر�أوا عدم اجلواز هم اجلمهور ،وهم
�أكرث من الذين ر�أوا جوازه(.)1
الدلي ��ل الراب ��ع�« :أن احلاجة تدع ��و �إليه؛ لأن الإن�سان قد يحتاج �إىل خف �أو نعل من
جن�س خم�صو�ص ،ونوع خم�صو�ص ،على قدر خم�صو�ص و�صفة خم�صو�صة ،وقلما يتفق
م�صنوعا؛ فيحتاج �إىل �أن ي�ست�صنع ،فلو مل يجز؛ لوقع النا�س يف احلرج»(.)2 ً وجوده
نوق� ��ش :ب� ��أن ه ��ذا احلرج ميك ��ن �أن يرفع مب ��ا �أباح ��ه اهلل من العق ��ود؛ كال�سلم يف
ال�صناعات ،والإجارة ،واملواعدة(.)3
�أجي ��ب :ب�أن احلاجة �إىل اال�ست�صناع قائمة والعق ��ود الأخرى ال تفي بحاجة النا�س،
فال�سل ��م ي�شرتط ل�صحته تعجيل الثم ��ن ،وفيه من املخاطر ال�شيء الكثري الذي قد يجعل
امل�ست�صن ��ع يف جهد وم�شق ��ة بحيث يخ�شى على ماله املدفوع م ��ن الإنكار ،ويخ�شى الغ�ش
يف امل�صن ��وع ،والإجارة فيها تقدمي املواد اخلام ،وامل�ست�صن ��ع ال دراية عنده ب�أنواع املواد
اخل ��ام وموا�صفاتها ،خا�صة يف ال�صناعات الكب�ي�رة؛ كالطيارات ،والباخرات ،وغريها،
ول ��و �أخل ال�صان ��ع بال�شروط خ�سر املواد التي قدمها ،ورمب ��ا مل يح�ض بالتعوي�ض �إال بعد
حماكمة قد تطول ،واملواعدة فيها خطر على ال�صانع ب�أن امل�ست�صنع قد ال يفي مبا وعد،
فيت�ض ��رر خا�ص ��ة يف ال�صفقات التجارية ال�ضخمة ،وقد تع ��ددت �سبل االحتيال والتزوير
والغ� ��ش مم ��ا يجعل املال يف خطر ،واحلاجة �إىل اال�ست�صن ��اع قائمة؛ لأنه يحمي ال�صانع
وامل�ست�صنع من كل هذه الأخطار(.)4
((( انظر :عقد اال�ست�صناع ،لل�سالو�س ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع� ،ص.779
((( بدائع ال�صنائع ،للكا�ساين .3/5
((( انظر :عقد اال�ست�صناع ،لل�سالو�س ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع� ،ص.779
((( انظر :اال�ست�صناع ،للثبيتي ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع� ،ص ،1050اخلدمات اال�ستثمارية
يف امل�صارف ،لل�شبيلي .527-526/2
304
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الرتجي ��ح :بعد عر�ض القول�ي�ن الواردين يف هذه امل�س�ألة ،و�أدل ��ة كل قول ،ومناق�شة
م ��ا يحتاج منه ��ا �إىل مناق�شة ،تبني يل-واهلل �أعلم� -أن الق ��ول الراجح هو القول الثاين،
القائل بجواز عقد اال�ست�صناع؛ وذلك �أن اال�ست�صناع ممنوع للغرر ،واحلاجة جتيز الغرر
ب�ش ��روط كما �سب ��ق بيان ذلك( ،)1فاحلاج ��ة ما�سة �إىل اال�ست�صن ��اع ،وفيه من امل�صالح
الكب�ي�رة للمجتمع ،ومنعه يوقع النا�س يف حرج �شدي ��د ،خا�صة �أن النا�س يف هذا الع�صر
لي�س ��وا كال�سابق ي�ست�صنع ��ون �سيف ًا �أو �آني ًة �أو خف ًا ،بل تو�سع ��ت دائرة اال�ست�صناع بحيث
�شمل ��ت كل ال�صناع ��ات الثقيلة ،واخلفيف ��ة ،واملتو�سط ��ة ،الربية ،والبحري ��ة ،واجلوية؛
ً
�شروطا؛ كال�سي ��ارات واملعدات ،وال�سفن والطائرات ونحوها ،وقد و�ض ��ع العلماء جلوازه
فجاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن عقد اال�ست�صناع:
«�-1إن عق ��د اال�ست�صن ��اع -وه ��و عق ��د وارد عل ��ى العم ��ل والعني يف الذم ��ة -ملزم
للطرفني� ،إذا توافرت فيه الأركان وال�شروط.
–2ي�شرتط يف عقد اال�ست�صناع ما يلي� :أ – بيان جن�س امل�ست�صنع ،ونوعه ،وقدره،
و�أو�صافه املطلوبة .ب – �أن يحدد فيه الأجل.
– 3يج ��وز يف عق ��د اال�ست�صناع ت�أجيل الثمن كله� ،أو تق�سيط ��ه �إىل �أق�ساط معلومة
لآجال حمددة»(.)2
امل�س�ألة الثانية :حكم اال�ست�صناع املوازي
اال�ست�صن ��اع امل ��وازي جائ ��ز على ر�أي جمه ��ور الفقهاء املعا�صري ��ن املجيزين لعقد
اال�ست�صن ��اع الأ�صلي �إذا مت ب�شروطه()3؛ جاء يف م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية يف معامالت
305
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
= ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة ،ملحمد الأ�شقر و�آخرين ،240/1اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي .534/2
((( تو�صي ��ات وفت ��اوى م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية يف معام�ل�ات البنوك الإ�سالمية ،املنعقد باملرك ��ز الثقايف الإ�سالمي،
اجلامعة الأردنية 23-21ذو القعدة 1414هـ.
((( انظ ��ر :تو�صي ��ات وفت ��اوى م�ؤمتر امل�ستج ��دات الفقهي ��ة يف معامالت البن ��وك الإ�سالمي ��ة ،املنعقد باملرك ��ز الثقايف
الإ�سالم ��ي ،اجلامع ��ة الأردني ��ة 23-21ذو القعدة 1414ه ،عق ��د اال�ست�صناع ،ملحمد الأ�شق ��ر ،من�شور �ضمن بحوث
فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة ،ملحمد الأ�شقر و�آخرين ،241/1اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي
،535/2ربح مامل ي�ضمن ،للحقيل� ،ص.366
((( انظر :قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع ،رقم.67/3
((( انظر :بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة ،للقره داغي� ،ص.157
((( انظر :قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي .98/1
306
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثالث
الصكوك اإلسالمية
املطلب الأول :تعريف ال�صكوك الإ�سالمية
ال�صك ��وك جمع �ص ��ك ،وهو يف اللغة ال�ض ��رب( ،)1قال اب ��ن فار�س«:ال�صاد والكاف
�أ�ص ��ل يدل على تالق ��ي �شيئني بقوة و�شدة ،حتى ك�أن �أحدهم ��ا ي�ضرب الآخر»( ،)2ويطلق
ال�ص ��ك ويراد به الكتاب الذي تكت ��ب فيه املعامالت والأقارير( ،)3وهو تعريب لكلمة جك
الفار�سية(.)4
ح�ص�صا
ً ا�صطالحا؛ فقد عرفت ب�أنها«:وثائ ��ق مت�ساوية القيمة متثل
ً �أم ��ا ال�صكوك
�شائع ��ة يف ملكي ��ة �أعيان� ،أو مناف ��ع� ،أو خدم ��ات� ،أو موجودات م�شروع مع�ي�ن� ،أو ن�شاط
ا�ستثم ��اري خا� ��ص ،وذل ��ك بعد حت�صي ��ل قيم ��ة ال�صكوك ،وقف ��ل باب االكتت ��اب ،وبدء
ا�ستخدامها فيما �أ�صدرت من �أجله»(.)5
ح�ص�صا �شائعة يف ملكية �أعيان� ،أو
ً وعرفت ب�أنها�« :أوراق مالية حمددة املدة ،متثل
()6
منافع� ،أو خدمات ،تخول مالكها منافع ،وحتمله م�س�ؤوليات مبقدار ملكيته».
ح�ص�صا
ً وميكن تعريف ال�صكوك الإ�سالمية ،ب�أنها� :أوراق مالية حمددة املدة ،متثل
�شائع ًة ،قابلة للتداول ،وفق ال�ضوابط ال�شرعية.
ويطل ��ق م�صطل ��ح ال�سندات ويراد به ��ا ال�صك ��وك� ،إال �أن الغالب �إط�ل�اق م�صطلح
307
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( انظ ��ر :املعاي�ي�ر ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية�� � ،ص ،238قرار جملة جممع الفقه الإ�سالم ��ي ،العدد الرابع ،رقم
.88/8
((( انظر :الأ�سهم وال�سندات ،للخليل� ،ص.291
((( انظر :فتاوى اللجنة الدائمة .353/14
((( انظر:عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية ،حلامد مرية� ،ص ،323ربح مامل ي�ضمن ،للحقيل� ،ص384
((( انظر :الأ�سهم وال�سندات ،للخليل� ،ص.329
((( انظر :املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية� ،ص.239-238
((( انظ ��ر :قرار جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي ،الع ��دد الرابع ،رق ��م ،88/8املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية،
308
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�سندات«:م ��ن البدائل لل�سن ��دات املحرمة �-إ�ص ��دا ًرا �أو �شرا ًء �أو ت � اً
�داول -ال�سندات �أو
ال�صكوك القائمة على �أ�سا�س امل�ضاربة مل�شروع �أو ن�شاط ا�ستثماري معني؛ بحيث ال يكون
ملالكيها فائدة �أو نفع مقطوع ،و�إمنا تكون لهم ن�سبة من ربح هذا امل�شروع بقدر ما ميلكون
من هذه ال�سندات �أو ال�صكوك وال ينالون هذا الربح �إال �إذا حتقق فعلاً »(.)1
وتختل ��ف �أحكام ال�ص ��ك تب ًعا الخت�ل�اف العقد �أو ال�صي ��غ اال�ستثماري ��ة التي �صدر
ال�صك عل ��ى �أ�سا�سها ،ف�صكوك امل�ضارب ��ة حتكمها �أحكام امل�ضارب ��ة ،و�صكوك الإجارة
حتكمه ��ا �أح ��كام الإجارة ،و�صكوك املزارع ��ة حتكمها �أحكام املزارع ��ة ،وهكذا يف �سائر
العق ��ود الإ�سالمي ��ة( ،)2ومبا �أن ال�صكوك الإ�سالمية بديل �شرع ��ي عن ال�سندات الربوية
فالبد �أن تبتعد كل البعد عن التعامل بالربا؛ لذا يجب �أن يتم مراعاة الأمور التالية:
الأم ��ر الأول� :إذا كان التداول قبل العمل يف امل�شروع فتطبق عليه �أحكام ال�صرف؛
لأنه مبادلة مال مبال(.)3
الأم ��ر الث ��اين� :إذا كان التداول بعد العمل بامل�شروع وموجوداته ديو ًنا في�أخذ �أحكام
التعام ��ل بالدي ��ون(� ،)4أم ��ا �إذا كانت موج ��ودات امل�ش ��روع خمتلطة من النق ��ود والديون
والأعي ��ان واملنافع؛ ف�إنه يجوز تداول ال�صكوك وفق ًا لل�سعر املرتا�ضى عليه ،على �أن يكون
الغالب فيها الأعيان واملنافع(.)5
� ��ص ،240بح ��وث يف االقت�صاد الإ�سالمي ،للق ��ره داغي� ،ص ،302عقود التمويل امل�ستج ��دة يف امل�صارف الإ�سالمية،
حلامد مرية� ،ص ،322الأ�سهم وال�سندات ،للخليل� ،ص.329
((( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�ساد�س ،رقم .62/11
((( انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل ،للنعيمي� ،ص.199
((( انظ ��ر :قرار جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي ،الع ��دد الرابع ،رق ��م ،88/8املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية،
�ص ،243الأ�سهم وال�سندات ،للخليل� ،ص.328
((( املراجع ال�سابقة.
((( املراجع ال�سابقة.
309
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الأم ��ر الثال ��ث :ال يجوز �أن ي�ضمن م�صدر ال�صك ر�أ�س املال ب�أن يتعهد ب�شرائها من
مقطوعا �أو من�سو ًبا �إىل ر�أ�س
ً ربحا
حملتها بالقيمة اال�سمية بعد الإ�صدار� ،أو �أن ي�ضمن له ً
املال ،فال بد من اال�ستواء يف املغنم واملغرم(.)1
الأم ��ر الراب ��ع :ال يجوز �إ�صدار �صك ��وك ال يت�صور دخولها يف ملكي ��ة حملة ال�صك،
كمراف ��ق الدولة التي ال ميكن �أن تتنازل عنها؛ لأن البيع �سيكون �صور ًيا ،والربح احلا�صل
حلامل ال�صك ربح مامل ي�ضمن(.)2
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف ال�صكوك الإ�سالمية
الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة �أنتجت ال�صك ��وك الإ�سالمية للم�صال ��ح الكبرية التي
تقدمه ��ا؛ فه ��ي �أداة مهمة لتن�شي ��ط االقت�صاد الإ�سالمي()3؛ فال�صك ��وك ت�سد احلاجات
التمويلية لبناء امل�شاريع بكافة �ألوانها ،وت�ستوعب فوائ�ض الأموال ،وتفتح للنا�س جماالت
ا�ستثماري ��ة وا�سعة لتوظيفها يف م�شاريع تنموية( ،)4وتنوع املعرو�ض يف الأ�سواق املالية(،)5
مع اطمئنان حاملها مب�شروعيتها ،وخماطرها املنخف�ضة(� ،)6إىل غري ذلك من امل�صالح
التي حتققها ال�صكوك الإ�سالمية(.)7
((( انظ ��ر :قرار جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي ،الع ��دد الرابع ،رق ��م ،88/8املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية،
�ص ،244ربح مامل ي�ضمن ،للحقيل� ،ص.387
((( انظر :ربح مامل ي�ضمن ،للحقيل� ،ص.389
((( انظر :بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية ،للقره داغي� ،ص.291
((( انظر :عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية ،حلامد مرية� ،ص.327
((( انظر :الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل ،للنعيمي� ،ص.201
((( انظر :عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية ،حلامد مرية� ،ص.328
((( املرجع ال�سابق� ،ص.328-325
310
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الرابع
التورق المصرفي
املطلب الأول :تعريف التورق امل�صريف
وا�صطالحا� ،أما التورق امل�صريف فقد جاء تعريفه يف املجمع
ً �سبق تعريف التورق لغة
الفقهي الإ�سالمي ب�أنه«:قيـام امل�صرف بعمل منطي يتم فيه ترتيب بيع �سلعة (لي�ست من
الذهب �أو الف�ضة) من �أ�سواق ال�سلع العاملية �أو غريها ،على امل�ستورق بثمن �آجل ،على �أن
يلتزم امل�صرف –�إما ب�شرط يف العقد �أو بحكم العرف والعادة– ب�أن ينوب عنه يف بيعها
على م�شرت �آخر بثمن حا�ضر ،وت�سليم ثمنها للم�ستورق»(.)1
أي�ضا ب�أنه«:قيام البائع(امل�ص ��رف) برتتيب عملية التورق للم�شرتي؛ بحيث وعرف � ً
يبي ��ع �سلعة على املتورق بثم ��ن �آجل ،ثم ينوب البائع عن امل�شرتي ببي ��ع ال�سلعة نقدً ا على
طرف �آخر»(.)2
والتعريف ��ان متقارب ��ان �إال �أن التعريف الأول �أدق و�أ�ضبط؛ لأن ��ه ن�ص على �إن العمل
ال ��ذي يقوم ب ��ه امل�صرف يف ترتيب بيع ال�سلعة منط ��ي ،و�إن ال�سلعة التي يتم بيعها لي�ست
من الذهب �أو الف�ضة.
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق امل�صريف
وخمرجا �شرع ًيا من الوقوع
ً �سبق بيان �أن التورق الفردي يعد هند�س ًة مالي ًة وتطوي ًرا
يف الرب ��ا ،والت ��ورق امل�صريف فيه تطوير وهند�س ��ة مالية على الت ��ورق الفردي يف تو�سط
البائع(امل�صرف) يف �أن يبيع ال�سلعة بنقد عن املتورق اً
بدل من �أن يبيعها املتورق بنف�سه؛
((( ق ��رار املجم ��ع الفقهي الإ�سالمي مبكة املكرمة ،ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت احلا�ضر،
الدورة ال�سابعة ع�شرة ،القرار الثاين ،يف الفرتة 1424 /10/23-19هـ.
((( ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي ،لل�سويلم� ،ص.380
311
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
لتقلي ��ل اخل�سارة على العميل املتورق ،ول�سرعة �إجناز املعامل ��ة( ،)1وي�ستلم املتورق النقد
م ��ن البائع بعدما �ص ��ار مدي ًنا له بالثمن الآجل وقد كان يف الت ��ورق الفردي ي�ستلمها من
امل�شرتي النهائي مبا�شرة(.)2
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق امل�صريف
الفرع الأول :حكم التورق امل�صريف
اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم التورق امل�صريف على قولني:
القول الأول� :أن التورق امل�صريف حمرم .وهو ر�أي جمهور املعا�صرين(.)3
القول الثاين� :أن التورق امل�صريف جائز .وهو ر�أي بع�ض املعا�صرين(.)4
�أدل ��ة الق ��ول الأول :ا�ستدل بع�ض �أ�صحاب هذا القول بالأدلة التي متنع التورق ،وقد
�سب ��ق بيانها وبيان املناق�شات ال ��واردة عليها ،وا�ستدل الذين يرون جواز التورق الفردي،
وحت ��رمي التورق امل�ص ��ريف ،ب�أن التورق امل�ص ��ريف تكتنفه بع�ض املحاذي ��ر ال�شرعية التي
ممنوعا ،وهي:
ً جتعله
� -1أن التنظيم يف عملية التورق بتو�سط امل�صرف يف �أن يبيع ال�سلعة وكالة عن امل�شرتي،
ي�ؤول �إىل ربح مامل ي�ضمن ،فلي�س هناك متلك حقيقي لل�سلعة وال قب�ض حقيقي؛ لأنه
312
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
لي� ��س للبائع وامل�شرتي غر�ض يف قب�ض ال�سلعة �أو متلكها؛ فهم ال يقومون بتمييزها �أو
تقييمها ،وال�صورية ظاهرة فيها ،واالحتيال ،واملخالفة يف البيع(.)1
�« -2أن الت ��زام البائ ��ع يف عقد الت ��ورق بالوكالة يف بيع ال�سلعة مل�ش�ت�ر �آخر� ،أو ترتيب من
ي�شرتيه ��ا يجعله ��ا �شبيه ��ة بالعينة املمنوع ��ة �شرع ًا� ،س ��واء �أكان االلت ��زام م�شروط ًا
�صراحة �أم بحكم العرف والعادة املتبعة»(.)2
� -3أن املعامل ��ة يكتنفه ��ا الكثري من الغمو�ض يف اجلانب املتعلق بال�سوق الدولية على نحو
ال تكت�شفه حتى الهيئات ال�شرعية يف البنك(.)3
�-4أن واق ��ع ه ��ذه املعاملة حيلة للتو�صل للربا تقوم على من ��ح متويل نقدي بزيادة للعميل
فيه ��ا من امل�صرف يف معامالت البيع وال�شراء التي جتري منه ،والتي هي �صورية يف
معظم �أحوالها(.)4
�أدلة القول الثاين :ا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين بالأدلة التي تدل على جواز التورق
الفردي ،وقد �سبق بيانها ،و�أ�ضافوا على ذلك:
الدليل الأول� :أن التورق امل�صريف معاملة م�ستحدثة ،والأ�صل يف املعامالت الإباحة
((( انظر :ربح مامل ي�ضمن ،للحقيل� ،ص ،349التورق كما جتريه امل�صارف يف الوقت احلا�ضر ،لل�سعيدي ،بحث من�شور
�ضم ��ن �أعم ��ال وبحوث ال ��دورة ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقه ��ي يف مكة املكرمة ،املنعق ��دة يف � 24-19شوال 1424ه،
.530/2
((( ق ��رار املجم ��ع الفقهي الإ�سالمي مبكة املكرمة ،ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت احلا�ضر،
الدورة ال�سابعة ع�شرة ،القرار الثاين ،يف الفرتة 1424 /10/23-19هـ.
((( انظر :التورق كما جتريه امل�صارف يف الوقت احلا�ضر ،لل�سعيدي ،بحث من�شور �ضمن �أعمال وبحوث الدورة ال�سابعة
ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة ،املنعقدة يف � 24-19شوال 1424هـ.530/2 ،
((( انظ ��ر :ق�ضايا يف االقت�صاد والتموي ��ل الإ�سالمي ،لل�سويلم� ،ص ،407قرار املجمع الفقه ��ي الإ�سالمي مبكة املكرمة،
ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت احلا�ضر ،الدورة ال�سابعة ع�شرة ،القرار الثاين ،يف الفرتة
1424 /10/23-19هـ.
313
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�إال ما دل الدليل على منعه ،وحتقق الغر�ض املن�شود من التورق الفردي بتكلفة �أقل ،ودون
م�شقة �أو عناء ،وال�شريعة جاءت لتح�صيل امل�صالح(.)1
يناق� ��ش :ب� ��أن املفا�سد يف التورق امل�صريف �أكرث م ��ن امل�صالح التي يحققها ،فهو من
قبيل امل�صلحة امللغاة ،وقد دلت �أدلة القول الأول على منعه.
الدليل الثاين� :أنه ال فرق بني التورق الفردي ،والتورق امل�صريف(.)2
نوق� ��ش :بالف ��رق بني التورق الذي تكلم عنه الفقه ��اء املتقدمون ،والتورق امل�صريف؛
ج ��اء يف ق ��رار املجمع الفقهي ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت
احلا�ضر«:وهذه املعاملة غري التورق احلقيقي املعروف عند الفقهاء...فالتورق احلقيقي
يقوم على �شراء حقيقي ل�سلعة بثمن �آجل تدخل يف ملك امل�شرتي ويقب�ضها قب�ض ًا حقيقي ًا
وتق ��ع يف �ضمان ��ه ،ثم يقوم ببيعه ��ا هو بثمن حال حلاجته �إليه ،ق ��د يتمكن من احل�صول
علي ��ه وقد ال يتمكن ،والفرق بني الثمنني الآج ��ل واحلال ال يدخل يف ملك امل�صرف الذي
ط ��ر�أ عل ��ى املعاملة لغر�ض ت�سويغ احل�صول على زيادة مل ��ا قدم من متويل لهذا ال�شخ�ص
مبعام�ل�ات �صورية يف معظ ��م �أحوالها ،وه ��ذا ال يتوافر يف املعاملة املبين ��ة التي جتريها
بع�ض امل�صارف»(.)3
الرتجيح :بعد عر�ض القولني ،و�أدلة كل قول ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة،
تب�ي�ن يل-واهلل �أعل ��م� -أن الراج ��ح �أن التورق امل�ص ��ريف حمرم؛ وذل ��ك للمحاذير التي
ذكره ��ا �أ�صح ��اب الق ��ول الأول ،ومتى مت االبتعاد ع ��ن هذه املحاذي ��ر ال�شرعية ،و�ضبط
((( انظر :يف فقه املعامالت املالية وامل�صرفية املعا�صرة ،لنزيه حماد� ،ص.179-178
((( انظر:حك ��م التورق كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية يف الوقت احلا�ض ��ر ،للمنيع ،بحث من�شور �ضمن �أعمال وبحوث
الدورة ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة ،املنعقدة يف � 24-19شوال 1424ه.359/2 ،
قرار املجمع الفقهي الإ�سالمي مبكة املكرمة ،ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت احلا�ضر، (((
الدورة ال�سابعة ع�شرة ،القرار الثاين ،يف الفرتة 1424 /10/23-19ه.
314
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الت ��ورق امل�صريف بال�ضواب ��ط ال�شرعية ،فال مانع من القول بجوازه ،ب�أن تكون تلك ال�سلع
مملوك ��ة لل�شرك ��ة ،ومتعينة لها مبوج ��ب الوثائق املعينة لها قبل بيعه ��ا للعميل ،و�أال يكون
العمي ��ل ال ��ذي تبيع عليه ال�شركة ال�سلعة �آجلاً ،هو الذي ب ��اع ال�سلعة ب�صفته مال ًكا لها �أو
لأكرثه ��ا؛ لئال يك ��ون ذلك من بيع العينة ،و�أال يكون هناك مواط� ��أة �أو حيلة على التمويل
بالفائدة الربوية( .)1وهذا يحتاج لوجود هيئة �شرعية مع جهاز رقابة يزود الهيئة بتقارير
دورية عن مدى التزام امل�صرف بال�ضوابط ال�شرعية ،والبعد عن املحاذير ال�شرعية(.)2
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف التورق امل�صريف
عل ��ى القول ال ��ذي يجيز الت ��ورق امل�صريف ف� ��إن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت
الت ��ورق امل�ص ��ريف للم�صالح الت ��ي يحققها للم�ص ��رف وللعميل من تقلي ��ل اخل�سارة على
العمي ��ل ،و�سرعة �إجناز املعامل ��ة( ،)3وانتفاع امل�صرف بكرثة العم�ل�اء الذين �سيتعاملون
مع ��ه للح�ص ��ول عل ��ى النق ��د ب�أقل تكلف ��ة ،ودون م�شق ��ة �أو عن ��اء(� ،)4إىل غ�ي�ر ذلك من
امل�صال ��ح(� ،)5أما على الق ��ول الراجح الذي يحرم التورق امل�صريف ف� ��إن الهند�سة املالية
فيه ال تعد �إ�سالمية ،وهي �سبب لتحرميه؛ لأنها عبارة عن حيلة ربوية ،وال يختلف التورق
امل�ص ��ريف عن بي ��ع العينة ،وال يتم فيه ملك حقيقي لل�سل ��ع �أو قب�ض حقيقي لها� ،إىل غري
ذلك من املحاذير ال�شرعية.
315
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
316
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث اخلام�س:
بيع المرابحة لآلمر بالشراء
املطلب الأول :تعريف بيع املرابحة للآمر بال�شراء
وا�صطالحا(� .)1أما املرابح ��ة يف اللغة فهي على وزن مفاعلة
ً �سب ��ق تعريف البيع لغة
م ��ن الربح ،وهو النم ��اء يف التجارة ،والزيادة والف�ضل( ،)2فـــ«ال ��راء والباء واحلاء �أ�صل
واحد ،يدل على �شف يف مبايعة»( ،)3وال�شف الزيادة والف�ضل(.)4
واملرابحة يف اال�صطالح«:البيع بر�أ� ��س املال وربح معلوم»( .)5وتعريفات املرابحة يف
املذاهب الفقهية قريبة من هذا املعنى(.)6
�أم ��ا بيع املرابح ��ة للآمر بال�شراء فقد ع ��رف ب�أنه:طلب �شخ� ��ص ي�سمى الآمر ،من
�آخ ��ر ي�سمى امل�أمور ،ب�أن ي�شرتي له �سلعة ،ويع ��ده ب�أنه �إذا قام ب�شرائها� ،سي�شرتيها منه،
ويربحه فيها مقدا ًرا حمددًا(.)7
والتعريفات الأخرى لبيع املرابحة للآمر بال�شراء قريبة من هذا التعريف(.)8
317
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ولبيع املرابحة للآمر بال�شراء م�سميات �أخرى ،في�سمى املرابحة املركبة� ،أو املرابحة
للواعد بال�شراء� ،أو املرابحة امل�صرفية(.)1
املطلب الث��اين :الهند�س��ة املالي��ة الإ�سالمية يف بي��ع املرابحة للآمر
بال�شراء
يف بي ��ع املرابحة للآمر بال�شراء تطوير وهند�سة مالية للمرابحة القدمية عن طريق
التلفي ��ق بني الأق ��وال الفقهية ،والرتكيب ب�ي�ن العقود ،فاملرابح ��ة الب�سيطة متر مبرحلة
واحدة� ،أما املرابحة املركبة متر مبرحلتني مرحلة الوعد ،ومرحلة املعاقدة ،فهي مركبة
من وعد بال�شراء من العميل ،ووعد من امل�صرف بالبيع بطريق املرابحة ،مع بيع ال�سلعة
يف املعاقدة النهائية( ،)2وفيها تلفيق بني قول ال�شافعي بجواز املرابحة مع الوعد( ،)3وقول
ملزما ،فاملواعدة تنق�سم �إىل
اب ��ن �شربمة بالإلزام بالوع ��د(� ،)4إذا كان الوعد الذي فيها ً
مواعدة ملزمة ،ومواعدة غري ملزمة(.)5
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء
الفرع الأول :حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء
امل�س�ألة الأوىل :حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد فيها غري ملزم
اختل ��ف الفقهاء يف حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد فيها غري ملزم
على قولني:
((( انظر :اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي ،382/2العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.261-260
((( انظ ��ر :بي ��ع املرابح ��ة للآمر بال�شراء ،لرفي ��ق امل�صري ،من�شور يف جمل ��ة جممع الفقه الإ�سالم ��ي ،العدد اخلام�س،
�ص.841
((( انظر :الأم ،لل�شافعي .39/3
((( انظر :املحلى ،البن حزم ،278/6فقه الإمام ابن �شربمة الكويف ،ملحمد العاين� ،ص.93
((( انظ ��ر :بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية ،ملحمد الأ�شقر ،من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية
معا�صرة ،ملحمد الأ�شقر و�آخرين .71/1
318
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
القول الأول� :أنه بيع �صحيح .وهو مذهب احلنفية( ،)1وال�شافعية( ،)2وظاهر اختيار
ابن تيمية(،)3
((( انظر :املخارج يف احليل ،ملحمد بن احل�سن� ،ص ،40املب�سوط ،لل�سرخ�سي .237/30
((( انظ ��ر :الأم ،لل�شافعي � .39/3إ�ضافة �إىل �أن الع�ب�رة عند ال�شافعية بظاهر العقود ،وال يبطلون املعاملة لأجل احليل.
انظر :رو�ضة الطالبني ،للنووي ،115/5املنثور يف القواعد ،للزرك�شي.93/2
((( جمم ��وع الفت ��اوى ،البن تيمي ��ة ،303-302/29جام ��ع امل�سائل ،البن تيمي ��ة .226-223/1وقد ن�س ��ب الدبيان �إىل
اب ��ن تيمي ��ة القول بالتحرمي ،فقال بعد ذكر قول التحرمي«:وهو ظاهر ق ��ول ابن تيمية...وعلل ابن تيمية التحرمي ب�أن
ا�شرتاط الربح قبل �شراء الب�ضاعة يجعل املق�صود دراهم بدراهم» املعامالت املالية ،للدبيان ،348-347/12و�أحال
يف احلا�شي ��ة �إىل جام ��ع امل�سائل ،226/1وبالرجوع �إىل جامع امل�سائل تب�ي�ن يل-واهلل �أعلم� -أن ابن تيمية يتكلم عن
الت ��ورق ،ولي� ��س عن ه ��ذه امل�س�ألة ،فقد كان ال�س�ؤال املوجه �إىل ابن تيمية«:عن رج � ٍ�ل احتاج �إىل مئة درهم ،فجاء �إىل
فطلب منه دراهم ،فقال الرجل :ما عندي �إال قما�ش ،فهل يجوز له �أن يبيعه قما�ش مئ ِة درهم مبئة وخم�سني �إىل رجل َ ٍ
قما�شا من غريهّ ،ثم يبيعه �إياه بفائدة �إىل �أجل؟ وه ��ل يجوز ا�شرتاط الفائدة قبل �أن ي�شرتي له �أج � ٍ�ل؟ �أو ي�ش�ت�ري له ً
الب�ضاعة؟» ثم �أجاب ابن تيمية عن ال�س�ؤال بذكر ر�أيه يف حترمي التورق ثم قال يف �آخر اجلواب«:و�أما ا�شرتاط الربح
قب ��ل �أن ي�ش�ت�ري الب�ضاعة يف مثل هذا ،فلأن مق�صودهم ��ا دراهم بدراهم �إىل �أجل .و�أم ��ا �إذا كان امل�شرتي ي�شرتي
ال�سلع ��ة لينتفع به ��ا �أو يتّجر فيها ،ال ليبيعها يف احلال وي�أخذ ثمنها ،فهذا جائ ��ز ،والربح عليه �إن كان م�ضط ًرا �إليها
يك ��ون باملع ��روف» .فالتعليل الذي ذكره الدبيان البن تيمية ذكر في ��ه ابن تيمية جملة (يف مثل هذا) �أي �شراء ال�سلعة
لق�ص ��د امل ��ال� ،إ�ضافة �إىل �أن يف تتمة ال ��كالم تبيني لر�أي ابن تيمية فيما �إذا كان ق�ص ��ده االنتفاع واالجتار فقد ذكر
اب ��ن تيمي ��ة �أن حكمه اجلواز ،ومل يذكر �أن ذل ��ك حمرم �إذا كانت من عند غري البائع ،مع �أن ال�س�ؤال ن�ص على ذلك؛
فاملحرم عند ابن تيمية هو �شراء ال�سلعة لق�صد املال� ،سواء كانت من عند البائع �أو من غريه ،وقد �سئل ابن تيمية يف
جمم ��وع الفت ��اوى« :عن الرجل عليه دين ويحتاج �إىل ب�ضاعة �أو حي ��وان لينتفع به �أو يتجر فيه فيطلبه من �إن�سان دينا
فل ��م يك ��ن عنده .هل للمطلوب منه �أن ي�شرتيه ث ��م يدينه منه �إىل �أجل؟ وهل له �أن يوكله يف �شرائه ثم يبيعه بعد ذلك
برب ��ح اتفق ��ا عليه قبل ال�شراء؟» ف�أج ��اب « :من كان عليه دين ف�إن كان مو�سرا وجب علي ��ه �أن يوفيه و�إن كان مع�سرا
وج ��ب �إنظ ��اره وال يجوز قلبه عليه مبعامل ��ة وال غريها .و�أما البي ��ع �إىل �أجل ابتداء ف�إن كان ق�ص ��د امل�شرتي االنتفاع
بال�سلعة والتجارة فيها جاز �إذا كان على الوجه املباح .و�أما �إن كان مق�صوده الدراهم في�شرتي مبائة م�ؤجلة ويبيعها
يف ال�سوق ب�سبعني حالة فهذا مذموم منهي عنه يف �أظهر قويل العلماء .وهذا ي�سمى التورق» .303-302/29ويف هذا
اجل ��واب مل يذك ��ر ابن تيمية �أن االتفاق ب�ي�ن البائع وامل�شرتي على �أن ي�شرتي البائع ال�سلعة ث ��م يبيعها �إليه بربح �إىل
�أجل �أنه حمرم� ،إمنا املنهي عنه عند ابن تيمية �أن يكون املق�صود هو الدراهم ،وهو املعروف مب�س�ألة التورق ،ولو كان
319
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
320
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوق� ��ش :بع ��دم الت�سليم ف� ��إن البائع ي�ش�ت�ري ال�سلعة حقيقة بتمل ��ك حقيقي ،وقب�ض
حقيقي ،ثم يبيعها للآمر ،ويتعر�ض لدرجة من املخاطرة التي �سبق ذكرها ،وال يقدح يف
املعامل ��ة �أن ي�شرتي البائع ال�سلعة لغريه ،فكل التج ��ار ي�شرتون ال�سلع لغريهم ،ولي�س من
�شروط ال�شراء املباح �أن ي�شرتي املرء لينتفع� ،أو يقتني� ،أو ي�ستهلك(.)1
الرتجيح :بعد عر�ض القولني ،ودليل كل قول ،ومناق�شة ما احتاج منها �إىل مناق�شة،
تبني يل-واهلل �أعلم� -أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز بيع املرابحة للآمر بال�شراء
�إذا كان الوع ��د غري ملزم؛ وذل ��ك لقوة ما ا�ستدلوا به ،مقابل �ضع ��ف دليل القول الثاين
�أمام ما ورد عليه من مناق�شة.
امل�س�ألة الثانية :حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد ملز ًما
اختل ��ف الفقهاء املعا�ص ��رون يف حكم بيع املرابح ��ة للآمر بال�ش ��راء �إذا كان الوعد
ملزما ،على ثالثة �أقوال:
ً
القول الأول� :أنه بيع حمرم .وهو قول جمع من املعا�صرين(.)2
القول الثاين� :أنه بيع �صحيح .وهو قول جمع من املعا�صرين(.)3
((( انظر :بيع املرابحة للآمر بال�شراء ،للقر�ضاوي� ،ص.30
((( منهم :ابن باز ،والأ�شقر ،ورفيق امل�صري ،وفتوى اللجنة الدائمة ،وفتوى الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي.انظر:
جمم ��وع فت ��اوى ابن باز ،68/19بي ��ع املرابحة كما جتريه البن ��وك الإ�سالمية ،ملحمد الأ�شق ��ر ،من�شور �ضمن بحوث
فقهي ��ة يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة ،ملحمد الأ�شقر و�آخرين ،75/1فت ��اوى اللجنة الدائمة ،237/13بيع املرابحة
للآم ��ر بال�شراء ،لرفيق امل�صري ،من�شور يف جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص ،832قرارات الهيئة
ال�شرعية مب�صرف الراجحي .330/1
((( منه ��م :القر�ض ��اوي ،و�سامي حمود ،وعبدال�ست ��ار �أبو غدة ،و�صدر به قرار م�ؤمتر امل�ص ��رف الإ�سالمي الأول املنعقد
بدب ��ي يف 1399ه ،وق ��رار م�ؤمت ��ر امل�صرف الإ�سالمي الثاين املنعق ��د بالكويت يف 1403ه .انظر :بي ��ع املرابحة للآمر
بال�ش ��راء ،للقر�ضاوي�� � ،ص ،30بيع املرابحة للآم ��ر بال�شراء ،ل�سامي حم ��ود� ،أ�سلوب املرابح ��ة واجلوانب ال�شرعية
التطبيقية يف امل�صارف الإ�سالمية ،لعبدال�ستار �أبو غدة ،من�شوران يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س،
�ص� ،807ص.894
321
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الق ��ول الثال ��ث :أ�ن ��ه بي ��ع �صحي ��ح �إذا كان الإل ��زام لأحدهم ��ا .وهو ق ��ول جمع من
املعا�صرين(.)1
�أدلة القول الأول:
ول اللهَّ ِ × َعنْ
الدليل الأول :عن عبد اهلل بن عمرو بن العا�ص قالَ «:نهَى َر ُ�س ُ
َ�سلَ ٍف َو َب ْي ٍع ...و َعنْ َب ْي ِع َما َل ْي َ�س عِ ْند ََكَ ،و َعنْ ِر ْب ِح َما مَ ْ
ل ُي ْ�ض َمنْ »رواه �أبو داود وغريه(.)2
وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث� :أن النبي × نهى عن بيع ما لي� ��س عند البائع ،وعن
ربح مامل ي�ضمن؛ والإلزام بالوعد على �شراء ال�سلعة يدخل يف النهي؛ لأن الإلزام بالوعد
يف حقيقت ��ه بيع ،و�إن �سمي وعدً ا ،والعربة باحلقائق ،فالبنك على ذلك يعد بائ ًعا ملا لي�س
عنده ،وداخلاً يف ربح مامل ي�ضمن(.)3
نوق� ��ش م ��ن وجهني :الوجه الأول :ب�أن البنك مل يبع ما لي�س عنده ،ومل يربح ما مل
ي�ضم ��ن؛ لأنه لن يت ��م العقد حتى ميتلك ال�سلعة ،وتدخل يف �ضمانه ،وما يجري بينه وبني
امل�شرتي يف املرة الأوىل �إمنا هو وعد ،ولي�س عقدً ا(.)4
�أجي ��ب :ب� ��أن املتعاقدين ملزمان عل ��ى �إن�شاء العقد على ال�ص ��ورة التي متت بالوعد
الأول ،ولي� ��س لهم ��ا احلرية يف ت ��رك املبايعة� ،أو التعديل على االتف ��اق ال�سابق؛ مما يدل
((( منهم :ال�صديق ال�ضرير يف بحث املرابحة للآمر بال�شراء ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س،
�ص .742 ،740و�صدر به قرار املجمع الفقهي ،العدد اخلام�س ،برقم ،3 ،2/41-40وقرار هيئة املحا�سبة واملراجعة
للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية ،كما يف كتابه ��ا املعايري ال�شرعية �ص .93واختار بع�ض �أ�صحاب ه ��ذا القول �أن يكون الإلزام
للم أ�م ��ور دون الآم ��ر .انظ ��ر :املرابحة للآمر بال�شراء ،لل�صدي ��ق ال�ضرير ،من�شور يف جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي،
العدد اخلام�س� ،ص ،742ال�شروط التعوي�ضية ،لعياد العنزي .555/2
((( �سبق تخريجه �ص.158
((( انظ ��ر :بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية ،ملحمد الأ�شقر ،من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية
معا�ص ��رة ،ملحم ��د الأ�شقر و�آخرين ،105 ،72/1بي ��ع املرابحة للآمر بال�شراء ،لبكر �أبو زي ��د ،بحث من�شور يف جملة
جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص.732
((( انظر :تطوير الأعمال امل�صرفية ،ل�سامي حمود� ،ص ،433بيع املرابحة للآمر بال�شراء ،للقر�ضاوي� ،ص.60-54
322
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
على �أن العقد الثاين �إمنا هو حت�صيل حا�صل ،و�أن البيع مت يف املواعدة الأوىل و�إن �سميت
وعدً ا ،فالعربة يف العقود باملعاين ،ال بالألفاظ واملباين(.)1
الوج ��ه الثاين� :أن النه ��ي عن بيع ما لي�س عند البائع� ،إذا كانت عي ًنا معينة يبيعها،
وه ��ي لي�ست ملكه ،بل ملك غريه ثم ي�سع ��ى يف حت�صيلها� ،أو بيع ما ال يقدر على ت�سليمه،
فيك ��ون قد �ضمن ل ��ه �شي ًئا ال يدري هل يح�صل �أو ال يح�ص ��ل؟( ،)2ويف بيع املرابحة يكون
البيع ملو�صوف يف الذمة مما جرى العرف على �إمكان ت�سليمه يف وقته.
�أجي ��ب :ب� ��أن عقد املرابحة قد يقع على �أعيان معينة ،وقد يقع على ما ال يقدر البائع
على ت�سليم ��ه؛ مما ي�ؤدي �إىل النزاع ،واملجيزون للإلزام يجيزونها دون تفريق بني العني
املعينة ،واملو�صوفة ،والتي ال يقدر على ت�سليمها(.)3
ُي ��رد :ب�أن ع ��دم تفريق املجيزين بني العني املعينة ،واملو�صوفة يف الذمة التي ال يقدر
عل ��ى ت�سليمها ال يكون �سب ًبا ملنع املعاملة كلها ،بل يحرم منها العقد على الأعيان اململوكة
للغري قبل متلكها ،والأعيان التي ال يقدر على ت�سليمها� ،أما املو�صوفة يف الذمة مما يقدر
على ت�سليمها فال دليل يدل على منع العقد عليها.
ول اللهَّ ِ × َعنْ َب ْي َع َت نْ ِ
ي يِف َب ْي َعةٍ» الدليل الثاين :عن �أبي هريرة ،قالَ « :نهَى َر ُ�س ُ
رواه الرتمذي وغريه(.)4
وج ��ه الدالل ��ة من احلديث� :أن النبي × نهى عن بيعتني يف بيعة ،والإلزام بالوعد
�صريه بي ًعا ،فجمعت املعاملة بني بيعتني يف بيعة(.)5
((( انظ ��ر :املرابحة للآمر بال�شراء ،لل�صديق ال�ضري ��ر ،بحث من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س،
�ص ،742اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي .404-403/2
((( انظر :جمموع الفتاوى ،البن تيمية � ،29/20إعالم املوقعني ،البن القيم .301/1
((( انظر :اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي ،404/2العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.278
((( �سبق تخريجه �ص.185
((( انظر :املرابحة للآمر بال�شراء ،لل�صديق ال�ضرير ،بحث من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص.740
323
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
لم ��ر بال�شراء اليجمع ب�ي�ن بيعتني ،بل هو يناق� ��ش :بع ��دم الت�سلي ��م فبيع املرابحة ل آ
عب ��ارة عن بيعة واحدة ،ف�إذا كان الإلزام بالوعد ي�صريه بي ًعا ،فالبيعة واحدة ت�أخر فيها
ت�سلي ��م املبيع ،و�إذا كان الإل ��زام بالوعد ال ي�صريه بي ًعا ،فالبيعة واح ��دة تتم عند ت�سليم
املبيع ،فال ي�صح اال�ستدالل بهذا احلديث للنهي عن بيع املرابحة للآمر بال�شراء.
الدليل الثالث� :أن حقيقة بيع املرابحة للآمر بال�شراء مع الإلزام بالوعد حيلة لبيع
نقد بنقد �أكرث منه �إىل �أجل بينهما �سلعة حمللة فغايته قر�ض بفائدة(.)1
نوق�ش :بعدم الت�سليم؛ فالبيع فيها حقيقي ،ال �صوري ،وال�سلعة مق�صود فيها حقيقة
التملك لال�ستعمال� ،أو االجتار ،فهو خايل من احليلة الربوية( ،)2ولو �أراد امل�صرف احليلة
الربوية التخذ العديد من احليل التي هي �أقل كلفة من املرابحة ،و�أكرث دخلاً منها.
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن العلم ��اء �أجمع ��وا عل ��ى النهي عن بي ��ع الدين بالدي ��ن( ،)3و بيع
املرابحة مع الإلزام بالوعد م�ؤجل البدلني ،فال البنك ي�سلم ال�سلعة يف احلال ،وال العميل
ي�سلم الثمن (.)4
نوق� ��ش من وجه�ي�ن :الوجه الأول�:أن البيع لي�س م�ؤج ��ل البدلني ،ف�إن الذي يحدث
� اًأول ب�ي�ن العمي ��ل وامل�ص ��رف وعد ال بيع ،وعند متل ��ك امل�صرف ال�سلعة امل أ�م ��ور ب�شرائها
وحيازتها ،وعندئذ يتم العقد والت�سليم للمبيع ،وت�أجيل الثمن كله �أو بع�ضه(.)5
((( انظ ��ر :بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية ،ملحمد الأ�شقر ،من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية
معا�ص ��رة ،ملحم ��د الأ�شقر و�آخري ��ن ،73/1بيع املرابحة للآمر بال�شراء ،لبكر �أبو زي ��د ،بحث من�شور يف جملة جممع
الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص.734
((( انظر :بيع املرابحة للآمر بال�شراء ،للقر�ضاوي� ،ص.34-30
((( قال ابن املنذر «:و�أجمعوا على �أن بيع الدين بالدين ال يجوز» الإجماع ،البن املنذر� ،ص .132وانظر :البناية ،للعيني
،395/8املغني ،البن قدامة .37/4
((( انظ ��ر :بي ��ع املرابحة للآم ��ر بال�شراء ،لرفيق امل�صري ،من�ش ��ور يف جملة الأمة القطرية ،الع ��دد ،61حمرم 1406ه،
�ص.26
((( انظر :رد الدكتور يو�سف القر�ضاوي ،من�شور يف جملة الأمة القطرية ،العدد ،64ربيع الآخر 1406ه� ،ص.11
324
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�أجيب :ب�أن هذا م�سلم يف �صورة املرابحة مع الوعد غري امللزم� ،أما مع الوعد امللزم
فقد متت املبايعة يف املواعدة الأوىل ،وت�سليم ال�سلعة والثمن م�ؤجالن فيها(.)1
الوج ��ه الث ��اين� :أن الإجماع على �أن بيع الدي ��ن بالدين ال يجوز ال ينطبق على جميع
ال�صور التي ي�شملها بيع الدين بالدين( ،)2واملنهي عنه يف �صورة بيع الدين بالدين هو ما
مل يك ��ن للنا� ��س به حاجة ،ولي�س فيه م�صلحة؛ لأن الذمتني تن�شغالن بغري فائدة� ،أما �إذا
كان �شغل الذمة بفائدة فال يدخل يف النهي( ،)3وبيع املرابحة للآمر بال�شراء ال يدخل يف
النهي عن بيع الدين بالدين ،الن�شغال الذمتني مبا فيه فائدة تعود للطرفني.
الدليل اخلام�س� :أن ال�شارع فر�ض لكل من املتبايعني ح ًقا يف خيار املجل�س ،ويف بيع
املرابحة مع الإلزام بالوعد �إ�سقاط لهذا احلق الذي فر�ضه ال�شارع لهما(.)4
نوق� ��ش :ب�أن خيار املجل�س حق جعله ال�شارع للعاق ��د مل�صلحته للرتوي والنظر ،ف�إذا
ر�ضي �إ�سقاطه �سقط(.)5
الدليل ال�س ��اد�س� :أن الر�ضا الت ��ام حني التعاقد �شرط من �شروط العقود ،والإلزام
�شرعا؛ لأن املتعاقدين جمربان على العقد بالوعد يف املرابحة يتنافى مع الر�ضا املطلوب ً
الثاين ،فيكون العقد باطلاً ؛ لعدم توفر �شرط الر�ضا(.)6
325
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يناق� ��ش :ب�أن ��ه �إذا كان الإلزام ي�صري الوعد عقدً ا ،ف� ��إن الر�ضا موجود حني الوعد
من املتعاقدين.
�أدلة القول الثاين:
الدليل الأول� :أن الأ�صل يف املعامالت احلل �إال ما دل الدليل على حترميه ،وال دليل
يدل على حترمي املربحة مع الوعد امللزم ،فتكون مباحة بنا ًء على الأ�صل(.)1
نوق� ��ش :بجمي ��ع �أدلة الق ��ول الأول التي تدل عل ��ى حترمي هذه املعامل ��ة ،وقد تقدم
ذكرها.
الدلي ��ل الث ��اين� :أن بيع املرابحة يتفق مع قول العلماء الذي ��ن يرون الإلزام بالوعد
مطل ًق ��ا(� ،)2أو على ر�أي املالكي ��ة الذين يرون الإلزام بالوعد �إذا دخ ��ل املوعود ب�سببه يف
�ش ��يء()3؛ فامل�أمور ا�شرتى ال�سلع ��ة ودخل يف هذه املخاطرة لأجل الواعد ،وحتى على ر�أي
م ��ن يرى الإلزام بالوع ��د ديانة من العلماء( ،)4ف�إنا ميكننا �أن نلزم به ق�ضا ًء �إذا اقت�ضت
امل�صلحة ذلك ،وقد اقت�ضت امل�صلحة يف بيع املرابحة الإلزام بالوعد(.)5
نوق� ��ش م ��ن وج ��وه :الوج ��ه الأول :ب� ��أن املق�ص ��ود بالإل ��زام بالوعد عن ��د العلماء
املتقدم�ي�ن هو الوعد باملعروف� ،أما الوعد يف املعاو�ضة فلم يكن مق�صودهم؛ لأنه ي�صري
حينئذ عقد ًا(.)6
يج ��اب :ب أ�ن ��ه ال ي�سلم �أن الإلزام بالوعد عند العلماء املتقدمني �إمنا كان يف املعروف
326
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
فق ��ط ،ب ��ل جاء عن بع� ��ض املتقدمني الإلزام بالوع ��د يف عقود املعاو�ض ��ات ،لكن مل يرد
عنهم الإلزام من الطرفني ،فقد جاء يف فتاوى قا�ضي خان( «: )1و�إن ذكر البيع من غري
�ش ��رط ثم ذك ��ر ال�شرط على وجه املواعدة جاز البيع ويلزمه الوفاء بالوعد؛ لأن املواعدة
ق ��د تكون الزمة فتجعل الزمة حلاجة النا� ��س»( .)2وقال احلطاب« :قال يف معني احلكام:
ويجوز للم�شرتي �أن يتطوع للبائع بعد العقد ب�أنه �إن جاء بالثمن �إىل �أجل كذا ،فاملبيع له،
ويل ��زم امل�شرتي متى جاءه بالثمن يف خالل الأجل� ،أو عند انق�ضائه� ،أو بعده على القرب
منه ،وال يكون للم�شرتي تفويت يف خالل الأجل ،ف�إن فعل ببيع �أو هبة �أو �أ�شبه ذلك نق�ض
�إن �أراد البائع ،ورد �إليه«( ،)3فهذه ن�صو�ص يف الإلزام بالوعد يف عقود املعاو�ضات� ،إال �أن
الإلزام الذي فيها من طرف الواعد فقط.
الوج ��ه الث ��اين� :أن الن�صو� ��ص عند املالكية يف الإلزام بالوع ��د «�إمنا هي يف �إيجاب
الوف ��اء بالوعد يف م�سائ ��ل التربعات كالهب ��ة؛ لأنها متلك بالقول عن ��د مالك ،وهذا من
�أ�س ��رار مذه ��ب مالك يف م�س�ألة الوع ��د»( ،)4وجاء يف �إي�ضاح امل�سال ��ك �إىل قواعد الإمام
مالك« :قاعدة( :الأ�صل منع املواعدة مبا ال ي�صح وقوعه يف احلال حماية) ومن ثم منع
مالك املواعدة يف العدة ،وعلى بيع الطعام قبل قب�ضه ووقت نداء اجلمعة ،وعلى ما لي�س
عن ��دك»( ،)5واملرابح ��ة حمرمة عند املالكية مت ��ى ما اتفقا على الربح �س ��واء كان الوعد
ملزما �أو غري ملزم؛ لأنه من بيع ما لي�س عند البائع(.)6 ً
((( هو ح�سن بن من�صور بن حممود الأوزجندي امل�شهور بقا�ضيخان ،من كبار فقهاء احلنفية يف امل�شرق ،من ت�صانيفه:
«الفتاوى» ،و«�شرح اجلامع ال�صغري» ،تويف عام592ه .انظر :اجلواهر امل�ضية ،للقر�شي ،205/1الأعالم ،للزركلي.224/2
((( فتاوى قا�ضي خان .81/2وانظر :الفتاوى الهندية .209/3
((( حترير الكالم يف م�سائل االلتزام ،للحطاب� ،ص.240
((( الإيجار الذي ينتهي بالتمليك ،البن بيه ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص .2165
((( �إي�ضاح امل�سالك ،للون�شري�سي� ،ص.114
((( انظر :البيان والتح�صيل ،البن ر�شد ،86/7مواهب اجلليل ،للحطاب .406/4
327
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الوج ��ه الثال ��ث� :أن امل�صلحة يف الإلزام بالوع ��د يف املرابحة ملغاة؛ ملا يرتتب عليها
من مناهي �شرعية �سبق ذكرها يف �أدلة القول الأول.
لم ��ر بال�شراء �ضر ًرا
الدلي ��ل الثال ��ث� :أن يف ت ��رك الإلزام بالوع ��د يف بيع املرابحة ل آ
بالطرف�ي�ن� ،أو ب�أحدهما ،وال�شريعة ج ��اءت لرفع ال�ضرر؛ فقد يطلب �شخ�ص من امل�صرف
�شراء �آلة نادرة هي عبارة عن جزء متمم يف جمموع الآالت املتوفرة يف امل�صنع اخلا�ص به،
ث ��م لو عدل عن ال�ش ��راء ،لرتتب على امل�صرف خ�سارة و�ضرر ،وقد ي�ستغل امل�صرف حاجة
الطالب للآلة فيمتنع عن الوفاء مبا وعد مما يت�سبب يف �إيقاع ال�ضرر ب�صاحب احلاجة(.)1
نوق� ��ش :ب�أن التجارة مبني ��ة على �أن يتحمل البائع قد ًرا م ��ن املخاطرة( ،)2وب�إمكان
امل�ص ��رف �أن ي�شرتط لنف�سه خيار ال�شرط عندما ي�ش�ت�ري ال�سلعة املطلوبة ،ثم يعر�ضها
عل ��ى الآمر يف م ��دة اخليار ،ف�إن قبلها مت البيع ولزمت ��ه ،و�إن رف�ضها ردها امل�صرف �إىل
م ��ن ا�شرتاها من ��ه ،وعلى ذلك يكون يف م�أمن من ال�ض ��رر( ،)3ويندر �أن يواعد امل�صرف
عموما
�شخ�صا ثم ال يفي مبا وعده؛ لأن ذلك م�ضر ب�سمعة امل�صرف ،وامل�صارف والتجار ً ً
�أحر�ص على �سمعتهم من املكا�سب التي يجدونها يف �إخالف الوعد.
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن يف م�س أ�ل ��ة بيع املرابح ��ة للآمر بال�شراء قول�ي�ن متكافئني ،و�إذا
وج ��د يف م�س�ألة قوالن� ،أحدهما بالإباحة ،والآخر باحلظر ،وهما متكافئان من حيث قوة
خ�صو�صا �أن جمهور النا�س يف ع�صرناً الدلي ��ل ،فالأخذ حينئذ مبا فيه التي�سري �أف�ض ��ل،
�أح ��وج ما يكونون �إىل التي�سري والرفق ،رعاي ��ة لظروفهم ،وما غلب على �أكرثهم من رقة
الدين ،و�ضعف اليقني ،وما ابتلوا به من كرثة املغريات بالإثم ،واملعوقات عن اخلري(.)4
انظر :بيع املرابحة للآمر بال�شراء ،ل�سامي حمود ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص .816 (((
انظر :اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي .402/2 (((
انظر :املرابحة للآمر بال�شراء ،لل�صديق ال�ضرير ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص .744 (((
بيع املرابحة للآمر بال�شراء كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية ،للقر�ضاوي� ،ص.26-25 (((
328
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوق�ش :ب�أن الواجب عند اختالف العلماء الأخذ مبا هو �أرجح دليلاً ؛ لأن ذلك �أقرب
�إىل تنفي ��ذ �أم ��ر اهلل� ،إ�ضاف ��ة �إىل �أن القولني يف امل�س�ألة غري متكافئ�ي�ن ،بل القول املبيح
له ��ا ال يق ��رب من القول املحرم ،و�ضعف دين النا�س ويقينه ��م لي�س مرب ًرا للأخذ بالقول
ال�ضعيف(.)1
دلي ��ل الق ��ول الثال ��ث� :أن الإلزام بالوع ��د لكال الطرفني ي�صريه عق ��دً ا ،فيدخل يف
بي ��ع الإن�سان ما لي�س عنده� ،أما �إن كان الوع ��د من �أحد الطرفني ف�إن املحاذير ال�شرعية
تنتفي(.)2
نوق�ش :ب�أن هذه التفرقة تفتقر �إىل الدليل ،واملحاذير ال�شرعية يف �إلزام الطرفني،
موجودة يف �إلزام �أحدهما�،سواء كان الآمر �أو امل�أمور ،ومنها �أن الطرف امللزم مل يتحقق
فيه �شرط الر�ضا عند �إجراء العقد(.)3
الرتجي ��ح :بعد عر�ض الأقوال ،و�أدلتها ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة ،تبني
يل-واهلل �أعل ��م� -أن الإل ��زام بالوعد ي�ص�ي�ره عقدً ا ،و�أقوى دلي ��ل للمانعني على ذلك هو
�أن البائ ��ع يبي ��ع ما لي�س عن ��ده� ،أما الأدلة الأخ ��رى فال ت�سلم من املناق�ش ��ة ،واملختار يف
تف�س�ي�ر«ال تبع مالي�س عندك» ه ��و� :أن يكون البيع لعني يبيعها ،وهي لي�ست ملكه ،بل ملك
غ�ي�ره ث ��م ي�سعى يف حت�صيلها� ،أو بيع ما ال يقدر على ت�سليمه ،فيكون قد �ضمن له �شيئا ال
يدري هل يح�صل �أو ال يح�صل؟� ،أما �إذا باع مو�صو ًفا بالذمة مما يقدر على ت�سليمة فال
يدخل يف النهي ،وعلى هذا التف�سري فال يجوز بيع املرابحة للآمر بال�شراء بالوعد امللزم
�إن كان ��ت الع�ي�ن مملوكة ثم ي�سع ��ى يف حت�صيلها� ،أو بيع ما ال يق ��در على ت�سليمه ،ويجوز
((( انظ ��ر :بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية ،ملحمد الأ�شقر ،من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية
معا�صرة ،ملحمد الأ�شقر و�آخرين .90-89/1
((( انظر :قرار املجمع الفقهي ،العدد اخلام�س ،برقم ،3 ،2/41-40ال�شروط التعوي�ضية ،لعياد العنزي .555 /2
((( انظر :اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي ،407/2عقود التحوط ،لطالل الدو�سري� ،ص.359
329
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
بي ��ع املرابحة للآمر بال�شراء بالوعد امللزم �إذا كان البيع ملو�صوف بالذمة مما يقدر على
ت�سليمه يف وقته.
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء
ملزما للطرفني� ،أو
على القول الذي يبيح بيع الرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد ً
لأحدهما ،وعلى القول الراجح الذي يبيح بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد فيها
غ�ي�ر ملزم لأح ��د الطرفني� ،أو كان املبيع فيها مو�صو ًفا بالذم ��ة مما يقدر على ت�سليمه،
ف�إن الهند�سة املالية الإ�سالمية �أنتجت بيع املرابحة للآمر بال�شراء؛ لأنه يغطي جان ًبا من
جوان ��ب احلاج ��ة التي ال ميكن حتقيقها عن طريق امل�ضارب ��ة وامل�شاركة ،فيحدد �صاحب
احلاج ��ة ما يرغب فيه ،ويق ��وم امل�صرف بال�شراء بنا ًء على طلب �صاحب احلاجة ،مع ما
يتمتع به من مرونة ومالئمة لطبيعة العمل امل�صريف ،فامل�صرف لي�س تاج ًرا يقتني ال�سلع
والب�ضائع واخلدمات ،ولكنه مدير مدبر لالحتياجات� ،إىل غري ذلك من فوائد املرابحة
لم ��ر بال�شراء مطل ًقا� ،أو
للآم ��ر بال�شراء(� ،)1أما على الق ��ول الذي يحرم بيع املرابحة ل آ
ملزم ��ا� ،أو كان املبيع لعني مملوكة ثم ي�سع ��ى امل�صرف يف �شرائها،
�إذا كان الوع ��د فيها ً
�أو مو�صوف ��ة يف الذمة وال يقدر امل�صرف عل ��ى ت�سليمها وقت الأداء ،ف�إن الهند�سة املالية
لم ��ر بال�شراء ال تعد �إ�سالمية ،وهي �سب ��ب لتحرمي العقد؛ لأن حقيقة يف بي ��ع املرابحة ل آ
ملزما �أو غري ملزم ،و�أن الإلزام ي�صري الوعد هذه املعاملة حيلة ربوية� ،سواء كان الوعد ً
عق ��دًا فتدخل املعاملة يف املحاذير ال�شرعية التي نبه لها �أ�صحاب القول الأول ،و�سرتكن
امل�صارف �إىل هذه املعاملة ،وال يكون لها م�ساهمة يف تنمية االقت�صاد ،وانت�شار امل�شاريع
اال�ستثمارية املتنوعة النافعة للمجتمع(.)2
((( انظر :بيع املرابحة للآمر بال�شراء ،ل�سامي حمود ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص .809
((( انظر :العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.284
330
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث ال�ساد�س
اإلجارة المنتهية بالتمليك
املطلب الأول :تعريف الإجارة املنتهية بالتمليك
�سب ��ق تعريف الإجارة� ،أم ��ا التمليك لغة فهو م�صدر ملك ،وا َمل ْل ُك :ما ملكت اليد من
مال( ،)1وامللك يف اال�صطالح ال يخرج عن معناه اللغوي.
�أم ��ا تعريف م�صطلح الإجارة املنتهي ��ة بالتمليك؛ فقد عرف ب�أنه« :عقد بني طرفني
ي�ؤج ��ر فيه �أحدهما لآخر �سلعة معينة مقابل �أجرة معين ��ة يدفعها امل�ست�أجر على �أق�ساط
خ�ل�ال مدة حمددة ،تنتق ��ل بعدها ملكية ال�سلعة للم�ست�أجر عند �سداده لآخر ق�سط بعقد
جديد»(.)2
وي�ؤخذ على هذا التعريف �أنه غري جامع؛ فهناك �صور من الإجارة املنتهية بالتمليك
ال تدخل �ضمن هذا التعريف،كما لو كان العقد فيها واحدً ا.
وع ��رف ب�أنه�«:إجارة يقرتن بها الوع ��د بتمليك العني امل�ؤجرة �إىل امل�ست�أجر يف نهاية
مدة الإجارة �أو يف �أثنائها ،ويتم التمليك ب�إحدى الطرق املبينة يف املعيار»(.)3
أي�ضا؛ لأنه يخت�ص بالإيجارة املنتهية بالتمليك جامع � ً
وانتُقد هذا التعريف ب�أنه غري ٍ
ح�س ��ب ال�صيغ املقرتح لها لتكون �شرعية ،ويخرج م ��ا عداها من ال�صور التي ال تتفق مع
ر�ؤية الهيئة(.)4
وعرف كذلك ب�أنه « :متليك املنفعة ،ثم متليك العني نف�سها يف �آخر املدة»(.)5
انظر :العني ،للفراهيدي ،380/5معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .352/5 (((
الإجارة املنتهية بالتمليك ،خلالد احلايف� ،ص.48 (((
املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية� ،ص.127 (((
انظر :العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.194 (((
الإيجار املنتهي بالتمليك ،حل�سن ال�شاذيل ،من�شور �ضمن جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص.2110 (((
331
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وه ��ذا التعريف �أجود التعريف ��ات ،وهناك تعريفات �أخرى قريب ��ة منه( ،)1لكن هذا
�أخ�صرها ،وي�ؤدي م�ؤداها.
لج ��ارة املنتهي ��ة بالتملي ��ك م�صطلحات أ�خ ��رى ،منه ��ا :الإيجار ال�سات ��ر للبيع،
ول إ
والإجارة مع الوعد بالتمليك ،والإجارة التمليكية ،والإجارة التمويلية(.)2
املطل��ب الث��اين :الهند�سة املالي��ة الإ�سالمي��ة يف الإج��ارة املنتهية
بالتمليك
-الأ�ص ��ل يف الإجارة العادي ��ة �أن تعود العني �إىل امل�ؤجر بعد انته ��اء الإجارة� ،أما يف
الإجارة املنتهية بالتمليك ففيها تطوير وهند�سة مالية على عقد الإجارة ب�أن تنتقل ملكية
العني �إىل امل�ست�أجر بعد انتهاء مدة الإجارة� ،إما تلقائ ًيا دون عقد� ،أو بعقد بيع جديد� ،أو
هبة العني امل�ست�أجرة(.)3
-الأ�ص ��ل يف البيع بالتق�سيط �أن تنتقل ملكية العني �إىل امل�شرتي عند عقد البيع� ،إال
أ�ن ��ه يف هذا العقد امل�سمى بالإج ��ارة املنتهية بالتمليك تطوير وهند�س ��ة مالية على البيع
بالتق�سيط ب�أن ي�شرتط البائع على امل�شرتي �أال تنتقل له ملكية ال�سيارة �إال بعد انتهائه من
�سداد الأق�ساط جميعها(.)4
لج ��ارة املنتهية بالتمليك عدة �صور� ،أ�شهرها:ال�صورة الأوىل :عقد �إجارة تنتهي ول إ
بتمل ��ك ال�سلعة تلقائ ًيا بعد �سداد جمي ��ع الأق�ساط دون �إن�شاء عقد �آخر ،ال�صورة الثانية:
((( انظ ��ر :البي ��ع امل�ؤجل ،لعبدال�ستار �أبو غدة� ،ص ،39بحوث يف فقه املعام�ل�ات املالية املعا�صرة ،للقره داغي ،617/2
الإيجار املنتهي بالتمليك ،ملحمد الألفي ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد الثاين ع�شر� ،ص.397
((( انظ ��ر :بيع التق�سي ��ط و�أحكامه ،للرتكي� ،ص ،193العق ��ود املالية املركبة ،للعمراين�� � ،ص ،200-198بحوث يف فقه
املعامالت املالية املعا�صرة ،للقره داغي .617/2
((( انظر :بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة ،للقره داغي .618-617/2
انظر :الإجارة املنتهية بالتمليك ،خلالد احلايف� ،ص.88 (((
332
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
عق ��د �إجارة مع الوع ��د بالبيع ،ال�صورة الثالث ��ة :عقد �إجارة مع الوع ��د بالهبة ،ال�صورة
الرابعة:عقد �إجارة مع �شرط البيع �أو الهبة على االنتهاء من ال�سداد(.)1
املطل��ب الثالث:درا�س��ة للهند�سة املالية الإ�سالمي��ة الإجارة املنتهية
بالتمليك
الفرع الأول :حكم الإجارة املنتهية بالتمليك
القول الأول� :أنها جائزة .وهو قول بع�ض املعا�صرين(.)2
الق ��ول الث ��اين� :أنه ��ا جائزة ب�ش ��رط �أن يف�صل بني الإجارة والتملي ��ك( .)3وهو قول
جمهور املعا�صرين(.)4
القول الثالث� :أنها حمرمة .وهو قول جمع من املعا�صرين(.)5
((( انظ ��ر :بيع التق�سي ��ط و�أحكامه ،للرتكي� ،ص ،197-195العقود املالية املركب ��ة ،للعمراين� ،ص ،196-195بحوث يف
فقه املعامالت املالية املعا�صرة ،للقره داغي .635-633/2
((( منه ��م :ال�شي ��خ عبداهلل اجلربين ،والدكتور عب ��داهلل حممد ،والدكتور �إبراهيم �أبو اللي ��ل ،وال�شيخ حممد بن جبري.
انظ ��ر :فت ��وى ال�شي ��خ عبداهلل بن جربي ��ن يف موقعه رق ��م ،8262ورقم ،8862الت�أج�ي�ر املنتهي بالتملي ��ك و ال�صور
امل�شروعة فيه ،لعبد اهلل حممد ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س� ،ص ،2105البيع بالتق�سيط
والبيوع االئتمانية الأخرى ،لأبي الليل� ،ص ،26نقلاً من كتاب الإجارة املنتهية بالتمليك ،خلالد احلايف� ،ص ،89ورقة
ال�شي ��خ حممد بن جب�ي�ر رحمه اهلل التي قدمها لهيئة كبار العلماء ،خمال ًفا فيها قرار الهيئة بتحرمي الإجارة املنتهية
بالتمليك رقم .198
((( يرتت ��ب عل ��ى الف�صل ب�ي�ن العقدين �أن جتري �أحكام كل عق ��د يف املدة التي ي�سري بها ،وتك ��ون �ضمان العني امل�ؤجرة
ونفق ��ات ال�صيانة غري الت�شغيلية على املالك .انظ ��ر :قرار جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد الثاين ع�شر ،رقم ،4/110
عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية ،حلامد مرية� ،ص.254-250
((( �ص ��در ب ��ه ق ��رار جممع الفق ��ه الإ�سالمي ،العدد الث ��اين ع�شر ،رق ��م ،4/110وق ��رار املعايري ال�شرعي ��ة للم�ؤ�س�سات
الإ�سالمية� ،ص ،117وفتوى الندوة الفقهية الأوىل لبيت التمويل الكويتي يف الفرتة 1987 /3/11-7م .وفتوى الهيئة
ال�شرعية مب�صرف الراجحي .115-114/1
((( منهم :ابن عثيمني ،وبكر �أبو زيد ،وحممد املختار ال�شنقيطي ،و�صدر به قرار هيئة كبار العلماء بالأغلبية رقم ،198
وتاري ��خ1420/11/6 :ه .انظ ��ر :قرار هيئة كبار العلماء رقم ،198وفتوى ال�شنقيط ��ي يف مالحق كتاب عقد الإجارة
333
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
334
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الوج ��ه الثال ��ث� :أن ��ه ي�شتمل عل ��ى الغرر؛ ف�إن ��ه يف حالة انف�ساخ العق ��د قبل اكتمال
ال�سداد لأي ظرف ف�إن البائع يجمع بني العو�ض واملعو�ض( ،)1وامل�شرتي ي�ضيع عليه جميع
ما دفعه ،وهذه الأق�ساط دفعت على �أنها �أجرة للعني امل�ؤجرة ،فكيف تتحول �إىل ثمن للعني
امل�ؤج ��رة يف نهاية املدة؟ ،والعق ��د يف هذه الفرتة يكون مرتددًا بني ح�صول البيع وعدمه،
فالقول بجوازه على �أنه عقد بيع بثمن مق�سط تكتنفه يف الفقه الإ�سالمي �صعوبات كثرية
حتول دون القول بذلك(.)2
الدلي ��ل الث ��اين� :أن عقود الإج ��ارة املنتهية بالتمليك ال تخرج ع ��ن كونها عقود بيع
ورهن للعني ،فال يت�صرف بها امل�شرتي ببيع �أو هبة حتى ي�سدد كامل الثمن ،وهما عقدان
�صحيحان الزمان(.)3
نوق�ش :مبا نوق�ش به الدليل الأول ب�أن هذا ي�شتمل على الغرر يف حال انف�ساخ العقد،
وتردد العقد بني ح�صول البيع وعدمه ،و�أن عقد البيع الزم للمتعاقدين� ،أما عقد الإجارة
املنتهية بالتمليك فهو عقد الزم للم�ؤجر ،وغري الزم للم�ست�أجر فله �إنهاء املدة ،ورد العني
للم�ؤجر(.)4
((( انظر :الت�أجري التمويلي ،لل�شبيلي ،من�شور يف جملة اجلمعية الفقهية ،العدد احلادي ع�شر1433 ،ه� ،ص154
((( انظ ��ر :الإيجار املنته ��ي بالتمليك ،لل�شاذيل ،من�ش ��ور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،الع ��دد اخلام�س� ،ص،2134
الإجارة املنتهية بالتمليك ،خلالد احلايف� ،ص.92
((( انظ ��ر :ورق ��ة ال�شيخ حممد بن جب�ي�ر رحمه اهلل التي قدمها لهيئة كب ��ار العلماء ،خمال ًفا فيها ق ��رار الهيئة بتحرمي
الإج ��ارة املنتهي ��ة بالتمليك رق ��م .198و�سئل ال�شيخ ابن جربين ه ��ذا ال�س�ؤال :تتداول هذه الأي ��ام ما ي�سمى الإيجار
املنته ��ي بالتمليك م ��ا حكم هذا البيع؟ وماذا يفعل من قد وقع فيه؟« ف�أج ��اب� «:أرى �أن هذا عقد بيع ب�أق�ساط م�ؤجلة
ول ��و جعل ��وه با�سم �أجرة؛ حيث �أنه بعد �إنهاء الأق�ساط ميلكها وتنتقل من مل ��ك ال�شركة وتكون ال�سيارة يف هذه كرهن
لل�شركة لها حق ا�سرتجاعها �إن ت�أخر يف الت�سديد كالعبد املكاتب �إذا ت�أخر يف �أحد النجوم ،وال ي�ضركم كونهم �أ َّمنوا
عليه ��ا ،ف�إن هذا الت�أمني منهم ومل�صلحتهم ،فمتى �أدى جمي ��ع الأق�ساط انتقلت من رهنهم و�أ�صبح ملكها له يخ�صه.
واهلل �أعلم« موقع ال�شيخ على الرابط ، http://www.ibn-jebreen.com ،فتوى رقم.8862:
((( انظر :العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.209
335
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
دلي ��ل القول الث ��اين� :أنه �إذا متايز عقد الإجارة عن عقد التمليك ،و�أجريت �أحكام
كل عق ��د يف املدة التي ي�س ��ري فيها ،فالعقد �صحيح وال مانع من ��ه ،ويتم ذلك عن طريق
ا�ش�ت�راط بي ��ع الع�ي�ن� ،أو هبتها للم�ست�أج ��ر بعد االنتهاء م ��ن ال�س ��داد� ،أو �أن يعد امل�ؤجر
امل�ست�أجر ببيع العني� ،أو هبتها له بعد انتهاء مدة الإجارة(.)1
نوق� ��ش م ��ن وجوه:الوج ��ه الأول� :أن الهبة يف عقد الإج ��ارة املنتهية بالتمليك �إمنا
هي مقابل العو�ض ،ولي�ست هي من عقود التربع ،فامل�ؤجر يهب العني مقابل العو�ض الذي
يدفعه امل�ست�أجر ،فهي هبة ثواب ،وحكمها حكم البيع(.)2
يج ��اب :ب�أن ��ه ال ي�سلم ب� ��أن الهبة مقاب ��ل للعو�ض ال ��ذي يدفعه امل�ست أ�ج ��ر ،فالعو�ض
يف مقاب ��ل منفعة الع�ي�ن امل�ست�أجرة� ،سواء كان ��ت الأجرة ك�أجرة املثل كم ��ا اختاره بع�ض
الباحث�ي�ن(� ،)3أو كان ��ت الأجرة �أك�ث�ر ،فهما تعاقدا عل ��ى هذه الأج ��رة بر�ضاهما ،ولهما
احلرية يف االتفاق على الأجرة التي يريدان ،والهبة يف مقابل التزام امل�ست�أجر ب�سداد ما
عليه ،فهي لي�ست من هبة الثواب.
الوج ��ه الث ��اين� :أن ا�شرتاط البيع يف عق ��د الإجارة فيه جمع بني عقدين متناق�ضني
يف عقد واحد ،وفيه غرر؛ لأن العني بعد متام مدة الإجارة ال بد �أن تتغري �صفتها ،خا�صة
و�أن مدة الإجارة طويلة يف الغالب ،بل قد تتلف العني ،فيكون عقد البيع قد وقع على مبيع
أي�ضا بعد اً
جمهول � ً جمه ��ول ال�صفة ،ويف ربط ثمن العني بالقيمة ال�سوقي ��ة �سيكون الثمن
متام املدة ،فالثمن واملثمن جمهوالن(.)4
((( انظر :الت�أجري التمويلي ،لل�شبيلي ،من�شور يف جملة اجلمعية الفقهية ،العدد احلادي ع�شر1433 ،ه� ،ص.156-155
((( انظر :العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص .211قال ابن قدامة«:ف�إن �شرط يف الهبة ثوابا معلوما� ،صح .ن�ص عليه
�أحمد؛ لأنه متليك بعو�ض معلوم ،فهو كالبيع ،وحكمها حكم البيع« املغني ،البن قدامة .67/6
((( انظر :الإجارة املنتهية بالتمليك ،خلالد احلايف� ،ص.144-142
((( انظر :تعقيب ال�ضرير على بحوث الإجارة املنتهية بالتمليك يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد الثاين� ،ص.434
336
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
يجاب :ب�أن املنهي عنه يف اجلمع بني العقدين �إذا كانا متناق�ضني وترتتب �أحكامهما
عل ��ى العني يف وقت واحد� ،أما �إذا كان وقتهما خمتل ًفا ف�أحكام الإجارة يف وقت الإجارة،
و�أحكام البيع يف وقت البيع ،فال يدخل يف النهي يف اجلمع بني العقدين ،وال�صحيح جواز
تعلي ��ق البيع على �شرط ،وهو ما اختاره بع�ض املحققني( ،)1ف�إن ح�صل امل�شروط فحقهما
حمف ��وظ ،و�إن مل يح�صل فمالهما حمفوظ ،ولي� ��س فيه �أكل للمال بالباطل ،والغرر الذي
فاح�شا فجهالة الثمن واملثمن م�آلها �إىل العلم ،وربط الثمن ب�سعر ال�سوق �أقرب فيها لي�س ً
للعدل؛ لأنه �سرياعي ما ح�صل يف العني من تغري يف �صفاتها(.)2
ملزما(،)3
الوج ��ه الثال ��ث� :أن الوعد يف عقد الإج ��ارة املنتهية بالتمليك ال يكون �إال ً
وقد �سبق بيان �أن الإلزام بالوعد ي�صريه عقدً ا(.)4
�أجي ��ب :بالت�سلي ��م ب�أن الإلزام ي�صري الوعد عقدً ا ،لك ��ن العني يف م�س�ألتنا موجودة،
وه ��ي تختل ��ف عن م�س�ألة املرابح ��ة التي ال توجد فيها العني ،فتكون م ��ن بيع مالي�س عند
البائ ��ع( ،)5وما فيها م ��ن ت�أجيل البدلني ،ف�إن ال�صحيح هو ج ��واز ت�أجيل البدلني متى ما
كان هن ��اك فائدة وم�صلحة()6؛ كمن يبيع بي ًعا وي�شرتط االنتفاع به زم ًنا ،فلهما ذلك مع
ت�أجي ��ل البدلني ،وقد ا�ش�ت�رى النبي × اجلمل من جابر ،وت�أخر ت�سليم البدلني �إىل
و�صول املدينة.
((( منه ��م :اب ��ن تيمية ،وابن القيم ،وال�سعدي .انظ ��ر :نظرية العقد ،البن تيمية� ،ص� ،207إع�ل�ام املوقعني ،البن القيم
،300/3املناظرات الفقهية ،لل�سعدي� ،ص.86
((( انظر :نظرية العقد ،البن تيمية� ،ص.210
((( انظر :ا�ستحداث العقود ،لل�سعدين� ،ص.621
((( انظر �ص 277من هذا البحث.
((( انظ ��ر :امل�شارك ��ة املتناق�ص ��ة ،لعبدال�ستار �أبو غدة ،من�ش ��ور يف جملة جممع الفقه الإ�سالم ��ي ،العدد اخلام�س ع�شر
.405/1
((( انظر :ت�أجيل البدلني يف عقود املعاو�ضات ،ليا�سر الن�شمي� ،ص.308
337
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الوج ��ه الراب ��ع� :أن كل هذه الو�سائ ��ل املتخذة عبارة عن حيل للتو�صل للبيع الذي هو
املق�صد احلقيقي للمتعاقدين(.)1
يج ��اب :ب� ��أن الو�سيلة مباحة ،واملق�صد مباح ،وقد �سب ��ق بيان �أن العلماء اتفقوا على
مباحا(.)2
جواز احليلة �إذا كانت الو�سيلة مباحة ،واملق�صد ً
�أدلة القول الثالث:
ي يِف َب ْي َعةٍ»ول اللهَّ ِ × َعنْ َب ْي َع َت نْ ِ
الدليل الأول :عن �أبي هريرة ،قالَ « :نهَى َر ُ�س ُ
رواه الرتمذي وغريه(.)3
وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث� :أن النبي × نهى عن بيعت�ي�ن يف بيعة ،وهذا ي�صدق
عل ��ى بي ��ع الإجارة املنتهي بالتمليك حيث �إنه جمع بني عقدين على عني واحدة ،وهو غري
م�ستقر على �أحدهما ،وهما خمتلفان يف احلكم متنافيان فيه ،فالبيع يوجب انتقال العني
مبنافعه ��ا �إىل امل�شرتي ،والإجارة توجب انتقال مناف ��ع العني فقط �إىل امل�ست�أجر ،واملبيع
م�ضمون على امل�شرتي بعينه ومنافعه ،والعني امل�ست�أجرة من �ضمان م�ؤجرها(.)4
نوق�ش :ب�أن هذا ي�صدق �إذا كان اجلمع بني عقد البيع والإجارة على العني الواحدة
يف وقت واحد ،وهذا غري موجود يف الإجارة املنتهية بالتمليك حيث يتم فيها الف�صل بني
العقدين ،وال يردان على العني يف وقت واحد(.)5
الدلي ��ل الث ��اين� :أن العقد ي�شتمل على غرر لرتدده بني البي ��ع والإجارة( ،)6وي�شتمل
انظر :بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة ،للقره داغي .652/2 (((
انظر �ص 96من هذا البحث. (((
�سبق تخريجه �ص.185 (((
انظر :قرار هيئة كبار العلماء العلماء رقم ،198وتاريخ1420/11/6 :ه. (((
انظر :عقد الإجارة املنتهية بالتمليك ،ملحمد احلاج� ،ص.179 (((
انظر :الإجارة املنتهية بالتمليك ،ملحمد املنيعي ،بحث من�شور يف جملة العدل ،العدد الثالث ع�شر1422 ،ه� ،ص.36 (((
338
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
عل ��ى غنب؛ فالأجرة فيها �أعلى من �أجرة املثل ،ف� ��إن �أع�سر بالق�سط الأخري مث ًال �سحبت
من ��ه العني باعتبار �أنها م�ؤجرة ،وال يرد عليه ما �أخذ منه؛ بنا ًء على �أنه ا�ستوفى املنفعة،
وال يخفى ما يف هذا من الظلم ،و�أكل لأموال النا�س بالباطل(.)1
نوق�ش :ب�أنه ال تخلو معاملة من غرر ،والإجارة املنتهية بالتمليك ال حتتوي على غرر
فاح� ��ش؛ لأن امل�ست�أج ��ر يدخل فيها على بين ��ة ،و�أنه عقد �إجارة ،يرتت ��ب عليه كل �أحكام
الإج ��ارة ،ويوقع على �ش ��رط رد العني متى �أخل بالأق�ساط بكام ��ل ر�ضاه( ،)2و�إذا �سحبت
منه العني فما دفعه فهو مقابل املنفعة ،وهو قد ر�ضي بهذه الأجرة ،ويتحمل تق�صريه �إن
كان من ��ه تق�ص�ي�ر ،و�إن مل يكن منه تق�صري ب�أن كان الف�سخ من امل�ؤجر� ،أو قوة قاهرة� ،أو
غ�ي�ر ذل ��ك فيجب �أن يرد له ما زاد على �أجرة املث ��ل ،ويجب �أن ين�ص يف العقد على ذلك
حفظا للحقوق(.)3 ً
الدلي ��ل الثال ��ث�« :أن هذا العق ��د و�أمثاله �أدى �إىل ت�ساهل الفق ��راء يف الديون حتى
�أ�صبحت ذمم كثري منهم م�شغولة منهكة ،ورمبا ي�ؤدي �إىل �إفال�س بع�ض الدائنني ل�ضياع
حقوقهم يف ذمم الفقراء»(.)4
نوق� ��ش :ب� ��أن هذا ال ي�صح دلي�ًللاً للمنع؛ لأنه �سي�ؤدي �إىل منع البي ��ع �إىل �أجل ،ومنع
القر� ��ض ،فكلها ت�ؤدي م�ؤداه(� ،)5إ�ضافة �إىل �أن الإج ��ارة املنتهية بالتمليك تي�سر للفقراء
�أن ينتفعوا ب�أعيان ،ويتملكوا �أعيا ًنا ال ي�ستطيعون دفع �أثمانها بالبيع(.)6
((( انظر :قرار هيئة كبار العلماء ،رقم ،198وتاريخ1420/11/6 :ه ،.الإيجار الذي ينتهي بالتمليك ،البن بيه من�شور يف
جملة جممع الفقه الإ�سالمي بجدة ،العدد اخلام�س� ،ص.2161
((( انظر :عقد الإجارة املنتهية بالتمليك ،ملحمد احلاج� ،ص.182
((( انظر :الت�أجري التمويلي ،لل�شبيلي ،بحث من�شور يف جملة اجلمعية الفقهية ،العدد احلادي ع�شر1433 ،ه� ،ص.155
((( انظر :قرار هيئة كبار العلماء العلماء رقم ،198وتاريخ1420/11/6 :ه.
((( انظر :عقد الإجارة املنتهي بالتمليك ،لل�شرثي� ،ص.59
((( انظر :عقد الإجارة املنتهية بالتمليك ،ملحمد احلاج� ،ص.182
339
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الرتجيح :بعد عر�ض الأقوال ،و�أدلة كل قول ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة
تبني يل-واهلل �أعلم� -أن الراجح جواز عقد الإجارة املنتهية بالتمليك متى ما مت الف�صل
ب�ي�ن العقدي ��ن ،فال جتري �أحكامهما عل ��ى العني بوقت واحد ،ويج ��وز �أن يتم العقد منذ
البداي ��ة على �أنه عقد بيع ،للم�شرتي غنمه ،وعليه غرمه ،وي�شرتط عليه عدم نقل امللكية
�إال بعد االنتهاء من �سداد الأق�ساط� ،أو �أن تنتقل ملكيته للم�شرتي ،له غنمه وعليه غرمه،
مع رهن العني وا�شرتاط عدم الت�صرف باملبيع حتى ي�ؤدي كامل الثمن؛ وذلك لأن الأ�صل
يف املعام�ل�ات ال�صح ��ة واجلواز �إال ما دل الدليل على منعه ،ومل يثبت دليل مينع الإجارة
املنتهي ��ة بالتملي ��ك �إال �إذا كانت �أحكام الإجارة و�أحكام املل ��ك ت�سري على العني يف وقت
واحد.
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف الإجارة املنتهية بالتمليك
عل ��ى القول ال ��ذي يبيح الإجارة املنتهي ��ة بالتمليك ف�إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية
�أنتج ��ت الإج ��ارة املنتهي ��ة بالتمليك للم�صالح الت ��ي حتققها لطريف املعامل ��ة ،فامل�شرتي
يح�ص ��ل على �أعي ��ان ب�سهولة ومرونة ال تتحق ��ق بعقد البيع ،والبائ ��ع ي�ضمن حقه ،فمتى
أ�خ ��ل امل�ش�ت�ري بالأق�ساط له ا�سرتداد العني امل�ؤجرة� ،إىل غ�ي�ر ذلك من فوائد العقد(،)1
أ�م ��ا على القول الذي يحرم الإج ��ارة املنتهية بالتمليك ف�إن الهند�س ��ة املالية فيها ال تعد
�إ�سالمي ��ة ،وه ��ي �سبب لتحرميه ��ا؛ للمحاذير ال�شرعي ��ة التي ترتتب عليه ��ا كاجلمع بني
عقدين متناق�ضني ،وتردد املعاملة بني البيع والإجارة ،وح�صول الغرر فيها.
***
((( انظر :بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة ،للقره داغي ،632/2ا�ستحداث العقود ،لل�سعدين� ،ص.619-618
340
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث ال�سابع
المشاركة المنتهية بالتمليك
املطلب الأول:تعريف امل�شاركة املنتهية بالتمليك
امل�شارك ��ة لغ ��ة مفاعلة من َ�ش� � َرك ،وهو يدل عل ��ى مقارنة وخالف انف ��راد ،ويقال:
�شارك ��ت فال ًنا يف ال�شيء� ،إذا �صرت �شريكه( .)1وامل�شاركة يف ا�صطالح الفقهاء ال تخرج
عن املعنى اللغوي(.)2
و�سب ��ق تعري ��ف التمليك� ،أما امل�شارك ��ة املنتهية بالتمليك فقد عرف ��ت ب�أنها�«:شركة
يعط ��ي امل�ص ��رف فيها احل ��ق لل�شريك يف احللول حمل ��ة يف امللكية دفعة واح ��دة� ،أو على
دفعات ح�سبما تقت�ضيه ال�شروط املتفق عليها»(.)3
والتعريفات الأخرى للم�شاركة املنتهية بالتمليك قريبة من هذا التعريف(.)4
وت�سمى امل�شاركة املنتهية بالتمليك ب�أ�سماء �أخرى :كامل�شاركة املتناق�صة ،وامل�ضاربة
املنتهية بالتمليك(.)5
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك
امل�شارك ��ة املنتهي ��ة بالتمليك تعد من االبتكارات التي ابتكرته ��ا البنوك الإ�سالمية،
وفيه ��ا تركي ��ب ب�ي�ن العقود املالي ��ة ،فهي جتمع ب�ي�ن �أكرث من عق ��د كال�شرك ��ة والبيع� ،أو
((( انظر:معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س ،265/3ل�سان العرب ،البن منظور .448/10
((( انظر:املقدمات املمهدات ،البن ر�شد ،36/3املغني ،البن قدامة .443/10
((( اال�ستثمار ،لأمرية م�شهور� ،ص،286نقلاً من كتاب املعامالت املالية املعا�صرة ،ل�شبري� ،ص.339-338
((( انظ ��ر :املعايري ال�شرعي ��ة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية�� � ،ص ،171امل�شاركة املتناق�صة ،لنزيه حم ��اد ،من�شور يف جملة جممع
الفقه الإ�سالمي ،العدد الثالث ع�شر� ،ص .937البنوك الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق ،للطيار ،من�شور �ضمن جمموع
م�ؤلفات ور�سائل وبحوث الدكتور الطيار ،505/11درا�سة �شرعية لأهم العقود املالية امل�ستحدثة ،لل�شنقيطي .388/1
((( انظر :درا�سة �شرعية لأهم العقود املالية امل�ستحدثة ،لل�شنقيطي ،389/1العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.236
341
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
كال�شرك ��ة والبيع والإجارة ،وامل�شاركة التي فيها تطوي ��ر للم�شاركة الدائمة ،فهي تختلف
عن امل�شاركة الدائمة يف عن�صر واحد وهو :اال�ستمرارية( ،)1فالهند�سة املالية يف امل�شاركة
املنتهية بالتمليك جتمع بني االبتكار ،والتطوير.
املطل��ب الثالث:درا�س��ة للهند�سة املالي��ة الإ�سالمي��ة يف امل�شاركة
املنتهية بالتمليك
الفرع الأول :حكم امل�شاركة املنتهية بالتمليك
اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم امل�شاركة املنتهية بالتمليك على قولني:
القول الأول� :أنها جائزة .وهو قول جمهور املعا�صرين(.)2
القول الثاين� :أنها حمرمة .وهو قول بع�ض املعا�صرين(.)3
دلي ��ل الق ��ول الأول� :أن الأ�ص ��ل يف املعامالت ال�صحة واجلواز �إال ما دل الدليل على
منع ��ه ،وحقيقة امل�شاركة املنتهية بالتملي ��ك �أن ال�شريك ي�شرتي ح�صة �شريكة ،وال يوجد
دليل مينع من ذلك فهي باقية على �أ�صل اجلواز(.)4
�أدلة القول الثاين:
الدلي ��ل الأول� :أن حقيق ��ة امل�شاركة املنتهية بالتمليك قر�ض ج ��ر نف ًعا ،فهي متويل
ولي�س ��ت م�شارك ��ة ،وهي �شبيهة ببيع الوف ��اء املحرم ،بل هي �أ�سو أ� من ��ه؛ لأن الآخر ملتزم
مببلغ يدفعه� ،إمنا يف بيع الوفاء �إن مل يرد العني فال يدفع �شيئا(.)5
((( انظر :اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي ،496/2العقود املالية املركبة ،للعمراين� ،ص.236
((( انظر :املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية� ،ص ،171قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س ع�شر ،رقم
،2/136قرار م�ؤمتر امل�صرف الإ�سالمي الأول بدبي يف ،1399اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي .499/2
((( منه ��م :الدكتور علي ال�سالو�س ،والدكتور �صالح املرزوق ��ي ،والدكتور ح�سني فهمي .انظر :مناق�شات بحوث امل�شاركة
املنتهية بالتمليك يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي� ،ص� ،1036ص� ،1024ص.1026
((( انظر :اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف ،لل�شبيلي .499/2
((( انظر :مداخلة الدكتور علي ال�سالو�س لبحوث امل�شاركة املنتهية بالتمليك يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي� ،ص.1036
342
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
نوق�ش :بالفرق بني بيع الوفاء ،وامل�شاركة املنتهية بالتمليك؛ فامل�شرتي يف بيع الوفاء
يك ��ون مال� � ًكا لل�سلعة مبوجب العقد ،وغ�ي�ر مالك لها مبوجب ال�ش ��رط فيلزمه رد ال�سلعة
متى ما رد البائع الثمن� ،أما امل�شاركة املنتهية بالتمليك في�شرتك فيها الطرفان يف الربح
واخل�سارة ،ولكل �شخ�ص منهما حقوق ،وعليه التزامات ،فبينهما فرق كبري(.)1
الدلي ��ل الث ��اين� :أن امل�شاركة املنتهية بالتمليك �إحدى من ��اذج بيوع العينة املحرمة؛
حيث ين�ص يف عقد البيع على �أن يعيد امل�شرتي بيع الأ�صل الذي ا�شرتاه �إىل نف�س البائع
املالك الأ�صلي ،وهذه هي نف�س حالة عقد امل�شاركة املنتهية بالتمليك(.)2
نوق�ش :بالفرق بني بيع العينة وامل�شاركة املنتهية بالتمليك ،فبيع العينة بني طرفني،
وامل�شارك ��ة املنتهية بالتمليك ي�ش�ت�ري ال�شريكان �أ�صال ي�شرتكان فيه من طرف ثالث ،وال
ي�ش�ت�ري �أحدهما من الآخ ��ر ثم يعيد البيع عليه بالأجل( ،)3وبي ��ع العينة يف الوقت نف�سه،
وامل�شارك ��ة بع ��د وقت طويل ،وبيع العين ��ة ال بد �أن يكون ال�سعر مل يتغ�ي�ر ويف امل�شاركة يف
الغالب تتغري الأ�سعار(.)4
الدلي ��ل الثال ��ث� :أنه يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك يتم الوعد امللزم ببيع عني معينة
غري مملوكة لل�شريك قبل قيام ال�شركة؛ والإلزام بالوعد ي�صريه عقدً ا ،فيدخل البائع يف
بيع مالي�س عنده(.)5
يناق� ��ش :ب�أن هذا الدليل ال يك ��ون �سب ًبا لتحرمي امل�شارك ��ة املنتهية بالتمليك بجميع
�صوره ��ا ،بل �إذا ح�صلت هذه ال�صورة فه ��ي حمرمة ،وما عداها على �أ�صل الإباحة حتى
يرد الدليل مبنعه.
343
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
الدلي ��ل الراب ��ع� :أن ا�شرتاط �أحد ال�شريكني على �شريكه �شراء ح�صته من ال�شركة،
ف�إن يف هذا �ضما ًنا لر�أ�س املال يحوله �إىل قر�ض ،والربح الذي ي�أخذه منفعة على القر�ض،
في�ؤول �إىل الربا(.)1
�شروطا حتميه ��ا من الوقوع يف ذلك، ً يناق� ��ش :ب�أن املجيزي ��ن للم�شاركة و�ضعوا لها
فم ��ن �شروطهم«:ع ��دم التعهد ب�ش ��راء �أحد الطرف�ي�ن ح�صة الطرف الآخ ��ر مبثل قيمة
احل�صة عند �إن�شاء ال�شركة ،ملا يف ذلك من �ضمان ال�شريك ح�صة �شريكه.)2( »...
الرتجيح :بعد عر�ض القولني ،و�أدلة كل قول ،ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة،
تبني يل-واهلل �أعلم� -أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز امل�شاركة املنتهية بالتمليك؛
لأن الأ�ص ��ل يف املعام�ل�ات احلل �إال ما دل الدليل على منعه ،و�أدل ��ة القول الثاين ال تقوى
عل ��ى املنع كما تق ��دم يف مناق�شتها ،ولل�ضوابط واالحتياطات الت ��ي و�ضعها �أ�صحاب هذا
الق ��ول التي حتمي ��ه –ب�إذن اهلل -من الوق ��وع يف املحذور( ،)3جاء يف ق ��رار جملة جممع
الفق ��ه الإ�سالمي ب�ش�أن امل�شاركة املتناق�صة و�ضوابطه ��ا ال�شرعية« :امل�شاركة املتناق�صة
م�شروعة �إذا التُزم فيها بالأحكام العامة لل�شركات ،وروعيت فيها ال�ضوابط الآتية:
�أ -عدم التعهد ب�شراء �أحد الطرفني ح�صة الطرف الآخر مبثل قيمة احل�صة عند �إن�شاء
ال�شركة ،ملا يف ذلك من �ضمان ال�شريك ح�صة �شريكه ،بل ينبغي �أن يتم حتديد ثمن
بيع احل�صة بالقيمة ال�سوقية يوم البيع� ،أو مبا يتم االتفاق عليه عند البيع.
ب -ع ��دم ا�ش�ت�راط حت ّم ��ل أ�ح ��د الطرف�ي�ن م�صروف ��ات الت�أم�ي�ن �أو ال�صيان ��ة و�سائ ��ر
امل�صروفات ،بل حت ّمل على وعاء امل�شاركة بقدر احل�ص�ص.
344
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ج -حتدي ��د �أرباح �أط ��راف امل�شاركة بن�سب �شائعة ،وال يجوز ا�ش�ت�راط مبلغ مقطوع من
الأرباح �أو ن�سبة من مبلغ امل�ساهمة.
د -الف�صل بني العقود وااللتزامات املتعلقة بامل�شاركة.
هـ -منع الن�ص على حق �أحد الطرفني يف ا�سرتداد ما قدمه من م�ساهمة (متويل)» (،)1
ملزما قبل متل ��ك العني فالبد �أن يكون على مو�صوف وي�ض ��اف عليها �إذا كان الوعد ً
يف الذمة مما يقدر على ت�سليمه يف وقته.
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك
عل ��ى القول الراجح ال ��ذي يبيح امل�شارك ��ة املنتهي ��ة بالتمليك ف� ��إن الهند�سة املالية
الإ�سالمية �أنتجت امل�شاركة املنتهية بالتمليك للم�صالح الكبرية التي حتققها للم�شرتكني،
فهي �أحد م�صادر البنوك الإ�سالمية ،وفيه �إعانة للم�شرتكني معها يف حتقيق م�شاريعهم،
�إ�ضافة �إىل تن�شيط احلركة الزراعية وال�صناعية والعمرانية� ،إىل غري ذلك(� ،)2أما على
الق ��ول الذي يحرم امل�شاركة املنتهية بالتمليك ف�إن الهند�سة املالية فيها ال تعد �إ�سالمية،
وه ��ي �سب ��ب لتحرميه ��ا؛ لأن العقد �صار عب ��ارة عن قر�ض ج ��ر نف ًعا فهو متوي ��ل ،ولي�س
م�شاركة.
***
((( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س ع�شر ،رقم .2/136
((( انظ ��ر :البن ��وك الإ�سالمية بني النظرية والتطبي ��ق ،للطيار ،من�شور �ضمن جمموع م�ؤلف ��ات ور�سائل وبحوث الدكتور
الطيار .505/11
345
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
املبحث الثامن
بطاقات االئتمان
املطلب الأول :تعريف بطاقات االئتمان
قب ��ل تعريف م�صطلح بطاق ��ة االئتمان ،البد من تعريف البطاق ��ة � اًأول ،ثم االئتمان
ثان ًيا ،الكلمتان اللتان يرتكب منهما هذا امل�صطلح.
فالبطاقة يف اللغة :الورقة ،والرقعة ال�صغرية( ،)1جاء يف املحكم« :البطاقة:الورقة...
ال�ص ِغ َرية ،تكون فيِ ال َّث ْوب وفي َها رقم ثمن ��ه»( .)2ويقال �سميت بذلك؛
والبطاق ��ة :الرقع ��ة َّ
لأنها ت�شد بطاقة من هدب الثوب( .)3والبطاقة يف اال�صطالح مبعناها اللغوي.
واالئتم ��ان لغة م�ص ��در على وزن افتعال م أ�خ ��وذ من الأمن ،والأم ��ن� :ضد اخلوف،
والأمان ��ة� :ض ��د اخليانة( ،)4يقول اب ��ن فار�س «:الهمزة وامليم والن ��ون �أ�صالن متقاربان:
�أحدهم ��ا الأمان ��ة التي هي �ض ��د اخليان ��ة»( ،)5ويقال �أمنت ��ه على ك ��ذا ،وائتمنته مبعنى
واحد�:أي وثقت به(.)6
واالئتم ��ان م�صطلح اقت�صادي ،وعرف عندهم ب�أنه«:منح حق ا�ستخدام �أو امتالك
ال�سل ��ع واخلدمات ،دون دفع القيم ��ة فو ًرا»(� .)7أما عند الفقهاء فال يخرج معنى االئتمان
عن معناه اللغوي(.)8
انظر :ال�صحاح ،للفارابي ،1450/4املحكم ،البن �سيده ،295/6ل�سان العرب ،البن منظور .21/10 (((
املحكم ،البن �سيده .295/6 (((
انظر :ال�صحاح ،للفارابي ،1450/4ل�سان العرب ،البن منظور .21/10 (((
انظر :ال�صحاح ،للفارابي ،2071/5ل�سان العرب ،البن منظور .21/13 (((
معجم مقايي�س اللغة ،البن فار�س .133/1 (((
انظر :ال�صحاح ،للفارابي ،2071/5ل�سان العرب ،البن منظور .21/13 (((
مو�سوعة امل�صطلحات الإقت�صادية والإح�صائية ،لعبدالعزيز فهمي هيكل� ،ص.192 (((
انظ ��ر :املب�س ��وط ،لل�سرخ�سي ،67/19البي ��ان والتح�صيل ،البن ر�ش ��د ،604/2رو�ضة الطالب�ي�ن ،للنووي ،449/3 (((
346
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
�أم ��ا تعريف م�صطلح بطاقة االئتمان فقد عرفها جممع الفقه ب�أنها«:م�ستند يعطيه
م�صدره ل�شخ�ص طبيعي �أو اعتباري -بناء على عقد بينهما -ميكنه من �شراء ال�سلع �أو
اخلدم ��ات ،ممن يعتمد امل�ستند ،دون دفع الثمن ح � اً�ال ،لت�ضمنه التزام امل�صدر بالدفع،
ومن �أنواع هذا امل�ستند ما ميكن من �سحب نقود من امل�صارف على ح�ساب امل�صدر»(.)1
وهن ��اك عدة تعريف ��ات للبطاق ��ة االئتمانية ،كله ��ا قريبة من التعري ��ف الذي ذكره
املجمع( ،)2وميكن �أن تعرف بتعريف خمت�صر ب�أنها :بطاقة تتيح حلاملها �شراء حاجاته،
وال�سحب النقدي دي ًنا على م�صدرها ،وال�سداد له �آجلاً .
وي ��رى الدكت ��ور عبدالوهاب �أب ��و �سليمان �أن العن ��وان ال�صحيح لبطاق ��ات االئتمان
هو«:بطاق ��ات الإقرا�ض»؛ لأنه هو الو�صف املنا�سب الدال عل ��ى حقيقتها ،وماهيتها� ،أما
�صحيحا ،وال و�ص ًفا منا�س ًبا؛ �إذ �إنه ال �أثر له �أ�صلاً � ،أو و�ض ًعا
ً كلمة«:ائتمان» فلي�س عنوا ًنا
يف �صح ��ة تكيي ��ف العقد فيبنى علي ��ه حكم ،وال ي�ش�ي�ر �أ�صالة �إىل حقيقت ��ه ،وال يتفق مع
الأ�ص ��ل املرتجم عن ��ه( ،)3وخالفه غ�ي�ره ور�أى �أن االئتمان هو الت�سمي ��ة ال�صحيحة لهذه
البطاقة( ،)4وال م�شاحة يف اال�صطالح ،فالعربة بحقيقة البطاقة ال با�سمها.
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بطاقات االئتمان
البطاق ��ات االئتماني ��ة من املعامالت املالي ��ة امل�ستجدة ،وهي من ابت ��كارات البنوك
التقليدي ��ة ،وفيها تركيب بني العقود( ،)5فهي جتمع بني القر� ��ض ،والوكالة ،والكفالة� ،أو
احلوالة ،على ح�سب التكييف الفقهي للعالقة بني م�صدر البطاقة وحاملها ،والعالقة بني
347
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
التاجر وم�ص ��در البطاقة( ،)1وقد طورت بع�ض البن ��وك الإ�سالمية البطاقات االئتمانية
فلم ت�شرتط فوائد على الت�أخري؛ لأن معظم بطاقات االئتمان ترتب فوائد على ت�أخري دفع
حام ��ل البطاقة ملا ا�ستح ��ق عليه �إذا جتاوز فرتة ال�سماح �أو املطالبة()2؛ فالهند�سة املالية
يف البطاقات االئتمانية جتمع بني االبتكار ،والتطوير.
وتنق�سم البطاقات االئتمانية ق�سمني:
الق�سم الأول :بطاقات مغطاة ،وت�سمى بطاقات ال�سحب املبا�شر من الر�صيد؛ وهي
متنح للعميل الذي له ح�ساب يف البنك ،واخل�صم يكون من ح�سابه(.)3
الق�سم الثاين :بطاقات غري مغطاة؛ وهي تتنوع �إىل نوعني:
الن ��وع الأول:بطاق ��ات االئتم ��ان غ�ي�ر امل ��دار� ،أو غري املتج ��دد؛ وهي تخ ��ول حلاملها
االقرتا�ض من البنك �إىل حد معني ،ف�إن �سدد ،و�إال تلغى بطاقته االئتمانية ،مع دفع غرامة
مالية على الت�أخري ،وبع�ض امل�صارف الإ�سالمية ال ت�أخذ فوائد على القر�ض حني الت�أخر(.)4
الن ��وع الث ��اين :بطاقات االئتم ��ان املدار �أو املتجدد؛ وهي الأك�ث�ر انت�شا ًرا يف العامل،
ويح ��ق حلامله ��ا االقرتا�ض م ��ن البنك �إىل حد مع�ي�ن ،ويتم ت�سديد الدي ��ن على �أق�ساط
م ��ع زي ��ادة ربوية م�شروطة ،وه ��و قابل للتجدد ،فكلم ��ا �سدد جز ًءا م ��ن القر�ض يحق له
االقرتا�ض مرة �أخرى �إىل �أن ي�صل احلد الأعلى لبطاقته(.)5
((( انظ ��ر :ال�شامل يف معامالت وعملي ��ات امل�صارف الإ�سالمية ،لإر�شيد� ،ص ،190-185فق ��ه الأولويات يف املعامالت
املالية املعا�صرة ،للعايدي� ،ص.237-231
((( انظر :بطاقة االئتمان ،لعبدال�ستار �أبو غدة ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع� ،ص.526
((( انظ ��ر :املعاي�ي�ر ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمي ��ة� ،ص ،16بطاقات االئتمان غري املغط ��اة ،ملحمد القري ،من�شور يف
جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد الثاين ع�شر� ،ص.1384
((( انظر :املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية� ،ص ،16البطاقات البنكية ،لعبدالوهاب �أبو �سليمان� ،ص ،136عقود
التمويل امل�ستجدة ،حلامدة مرية� ،ص.390
((( انظ ��ر :املعايري ال�شرعي ��ة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمي ��ة� ،ص ،16البطاقات البنكي ��ة ،لعبدالوهاب أ�ب ��و �سليمان� ،ص،136
ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد ،لنزيه حماد� ،ص.149
348
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
((( انظ ��ر :قرار جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س ع�شر ،رق ��م ،5/139املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية،
�ص ،17فتاوى اللجنة الدائمة .527/13
((( جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع� ،ص.536
((( قرار جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س ع�شر ،رقم .5/139
((( انظ ��ر :قرار جممع الفق ��ه الإ�سالمي ،العدد الثاين ع�شر ،رق ��م ،2/108املعايري ال�شرعي ��ة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية،
�ص ،17فتاوى اللجنة الدائمة .520/13
((( انظر :عقود التمويل امل�ستجدة ،حلامد مريه� ،ص ،419ال�شروط التعوي�ضية ،لعياد العنزي .419/1
((( قرار جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد الثاين ع�شر ،رقم .2/108
349
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
***
((( انظ ��ر :ال�شامل يف معام�ل�ات وعمليات امل�صارف الإ�سالمية ،لإر�شيد� ،ص ،181فق ��ه الأولويات يف املعامالت املالية
املعا�صرة ،للعايدي� ،ص.228-227
350
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
وبع ��د؛ ف� ��إين �أحمد هلل الذي ي�سر يل كتابة هذا البح ��ث ،و�أعانني على �إمتامه ،ويف
نهايت ��ه �أود تدوين �أبرز النتائج التي تو�صلت لها ،و�أه ��م التو�صيات؛ ف�أبرز ما تو�صلت له
من نتائج:
� -1إن الهند�سة املالية من حيث املمار�سة والتعامل قدمية قدم املعامالت املالية� ،أما من
حيث امل�صطلح فهي حديثة الن�ش�أة.
� -2إن للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أهمية كبرية فهي تق ��وم بابتكار عقود ،وتطوير عقود
من�ضبط ��ة بال�ضوابط ال�شرعية ،وت�ساهم يف ك�س ��ر حلقة التبعية للعامل الغربي ،وهي
البديل ،والعالج للأزمات املالية التي ي�شهدها العامل.
� -3إن للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أهدا ًفا عظيمة من �أهمها �إيجاد امل�ؤ�س�سات امل�صرفية
اخلالي ��ة م ��ن املخالف ��ات ال�شرعي ��ة ،والتي متك ��ن تنفيذ معام�ل�ات امل�سلم�ي�ن وف ًقا
ملعتقداتهم الدينية.
-4تتمي ��ز الأدوات التي تبتكرها �أو تطورها الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية مبيزتني :امليزة
الأوىل :امل�صداقية ال�شرعية ،امليزة الثانية :الكفاءة االقت�صادية.
-5م ��ن العوائ ��ق �أمام الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية غياب الكف ��اءات الب�شرية التي تتمتع
مبعرفة �أ�سا�سيات العلوم املالية امل�صرفية ،مع الإملام بالفقه الإ�سالمي.
-6تتف ��ق الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية مع الهند�س ��ة املالية التقليدية ب� ��أن كلتيهما يبتكر
ويط ��ور �أدوات مالي ��ة ،ويختلفان يف �أن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية ملتزمة بالأحكام
ال�شرعية ،خال ًفا للهند�سة املالية التقليدية التي ال تلتزم بذلك.
� -7إن للهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية م�ستندات �شرعية من ال�سن ��ة النبوية ،فال�سلم عبارة
ع ��ن هند�سة مالية �إ�سالمية ،ومن اجته ��ادات ال�صحابة ،فقد ابتكروا ال�صكوك �إىل
العط ��اء ،ومن املقا�ص ��د ال�شرعية ،فهي حتقق م�صالح عظيم ��ة للنا�س ،وترفع عنهم
351
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
احل ��رج ،ومن القواعد الفقهية ف�إن الأ�صل يف العق ��ود ال�صحة �إال ما دل الدليل على
منعه ،والأ�صل يف ال�شروط ال�صحة واللزوم �إال ما دل الدليل على منعه.
-8ت�ستخ ��دم الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية يف هند�سته ��ا للعق ��ود الأدوات التالية :احليل
واملخ ��ارج ال�شرعي ��ة ،والرخ� ��ص ال�شرعي ��ة ،واال�ستح�س ��ان ،و�سد الذرائ ��ع وفتحها،
والتلفيق ،وتركيب العقود.
� -9إن للهند�سة املالية الإ�سالمية �ضوابط خا�صة بها ،و�ضوابط خا�صة باملهند�س املايل،
أ�م ��ا ال�ضواب ��ط اخلا�صة باملهند�س امل ��ايل فهي :اخلربة بالعمل امل�ص ��ريف ،وال�ش�ؤون
امل�صرفي ��ة ،العل ��م بال�س ��وق وحاجاته ،و�أم ��ا ال�ضواب ��ط اخلا�صة بالهند�س ��ة املالية
الإ�سالمي ��ة فهي :ع ��دم خمالفة الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية لل�ش ��رع ،و�سالمتها من
العيوب ال�شكلية للعقود.
-10م ��ن املخالف ��ات ال�شرعي ��ة للهند�سة املالية :خمالف ��ة الن�ص� ،أو التحاي ��ل �أو التذرع
للتو�صل للحرام� ،أو منافاة احلكمة التي حرمت لأجلها بع�ض العقود.
-11ل�سالم ��ة الهند�سة املالية الإ�سالمية من العيوب ال�شكلية للعقود ينبغي �أال جتمع بني
العق ��ود املتناق�ضة ،و�أال تك ��ون جمرد تغيري يف التكييف الفقهي للمعامالت املحرمة،
و�أال تكون جمرد قيود �شكلية.
-12من تطبيقات الهند�سة املالية يف الفقه الإ�سالمي بيع الوفاء ،وبيع اال�ستجرار ،وبيع
وال�س ْفتَجة ،والتورق ،والإجارة املو�صوفة يف الذمة. العينةُ ،
� -13إن الهند�س ��ة املالي ��ة يف بيع الوفاء ال تعد �إ�سالمية ،وهي �سبب لتحرميه؛ لأن حقيقة
ً
م�شروطا يف بداية العقد. بيع الوفاء قر�ض جر نف ًعا
� -14إن الهند�سة املالية الإ�سالمية انتجت بيع اال�ستجرار �إذا كان ثمن ال�سلعة يف ال�سوق
يتف ��اوت تفاو ًتا ي�س�ي ً�را� ،أو كان موحدً ا يف ال�سوق لينتفع امل�ش�ت�ري يف ت�أخري ال�سداد،
وينتفع البائع يف كرثة العمالء.
� -15إن الهند�سة املالية يف بيع العينة ال تعد �إ�سالمية؛ لأن العينة حيلة للتو�صل للربا.
352
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�س ْفتَجة لينتفع به املقر�ض واملقرت�ض م ًعا؛� -16إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أنتج ��ت ُ
املقر� ��ض ينتفع ب�أمن خطر الطريق يف نقل دراهمه �إىل ذلك البلد ،وينتفع املقرت�ض
�أي�ضا بالوفاء يف ذلك البلد و�أمن خطر الطريق ،فكالهما منتفع بهذا االقرتا�ض.
خمرجا �شرع ًيا ع ��ن الربا ،ي�ستفيد
ً � -17إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة �أنتجت التورق
البائع الربح ،ويح�صل امل�شرتي على املال ،وال�سلعة تدار يف ال�سوق
� -18إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أنتجت الإج ��ارة املو�صوفة يف الذمة لتحقق م�صالح
للم�ؤجر وامل�ست�أج ��ر؛ فامل�ؤجر ي�ضمن ت�أجري العني قبل وجودها ،وح�صوله على النقد
مق�سطا قبل ت�سليم العني ،و�أن العني م�سجل ��ة با�سمه وب�إمكانه �أن يبيعها، ً عاج�ًل�اً �أو
�أو ي�ب�رم عق ��د �إجارة جديد بع ��د انتهاء املدة املح ��ددة ،وامل�ست�أجر ينتف ��ع ب�أنه قد ال
يجد النقد لبناء عني ذات موا�صفات معينة فيتمكن عن طريق الإجارة املو�صوفة يف
الذم ��ة �أن يتعاقد مع م�ؤجر مقتدر يحقق له ذلك ،و�أن امل�ؤجر يظل م�س� اًؤول عن العني
امل�ؤج ��رة ،ويتطل ��ب منه االهتمام بالع�ي�ن و�إبرام العديد من العق ��ود كعقود ال�صيانة
الإ�صالحي ��ة ،وال�صيان ��ة الطارئة ،وغريه ��ا� ،إىل غري ذلك من امل�صال ��ح التي تعود
للطرفني املتعاقدين ،ولالقت�صاد العام ككل.
� -19إن الهند�سة املالية الإ�سالمية �أنتجت ال�سلم املوازي فللهند�سة للم�صالح الكبرية التي
يحققها ،فعن طريق ال�سلم املوازي يتم متويل املنتجني ليحققوا نفعا بالغا ويدفع عنهم
م�شق ��ة العجز املايل ع ��ن حتقيق �إنتاجهم ،وميك ��ن متويل �صغار املنتج�ي�ن الزراعيني،
وال�صناعي�ي�ن ،ع ��ن طريق �إمداده ��م مب�ستلزمات الإنتاج يف �صورة مع ��دات ،و�آالت� ،أو
مواد �أولية كر�أ�س مال �سلم مقابل احل�صول على بع�ض منتجاتهم و�إعادة ت�سويقها.
� -20إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة �أنتجت اال�ست�صناع املوازي لدوره الكبري يف تن�شيط
ال�صناعة ،ويف فتح جماالت وا�سعة للتمويل والنهو�ض باالقت�صاد الإ�سالمي.
� -21إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة �أنتجت ال�صكوك الإ�سالمية للم�صالح الكبرية التي
تقدمها؛ فهي �أداة مهمة لتن�شيط االقت�صاد الإ�سالمي.
353
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -22إن الهند�س ��ة املالية يف الت ��ورق امل�صريف ال تعد �إ�سالمية؛ وذلك للمحاذير ال�شرعية
يف الت ��ورق امل�صريف فهو ال يختلف عن معاملة العينة ،وال يتم فيه ملك حقيقي لل�سلع
�أو قب�ض حقيقي لها.
لم ��ر بال�شراء �إذا كان الوعد � -23إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت بيع املرابحة ل آ
ملزما وكان البيع ملو�صوف بالذمة مما يقدر على ت�سليمه يف وقته؛ غري ملزم� ،أو كان ً
لأن ��ه يغطي جان ًب ��ا من جوانب احلاجة الت ��ي ال ميكن حتقيقها ع ��ن طريق امل�ضاربة
وامل�شارك ��ة فيحدد �صاحب احلاجة م ��ا يرغب فيه ويقوم امل�صرف بال�شراء بناء على
طلب �صاحب احلاجة ،مع ما يتمتع به من مرونة ومالئمة لطبيعة العمل امل�صريف.
� -24إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت الإج ��ارة املنتهية بالتملي ��ك للم�صالح التي
حتققه ��ا لطريف املعامل ��ة ،فامل�شرتي يح�صل عل ��ى �أعيان ب�سهول ��ة ومرونة ال تتحقق
بعق ��د البيع ،والبائع ي�ضمن حقه ،فمتى �أخل امل�ش�ت�ري بالأق�ساط له ا�سرتداد العني
امل�ؤجرة� ،إىل غري ذلك من فوائد العقد.
� -25إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة �أنتج ��ت امل�شارك ��ة املنتهي ��ة بالتملي ��ك للم�صال ��ح
الكب�ي�رة التي حتققها للم�شرتكني ،فهي �أحد م�صادر البنوك الإ�سالمية ،وفيه �إعانة
للمت�شارك�ي�ن معه ��ا يف حتقي ��ق م�شاريعه ��م� ،إ�ضاف ��ة �إىل تن�شيط احلرك ��ة الزراعية
وال�صناعية والعمرانية.
� -26إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت البطاقات االئتماني ��ة املغطاة وغري املغطاة
الت ��ي حذف منها �شرط الزيادة الربوية للم�صال ��ح الكبرية التي حتققها فهي حتقق
الأم ��ان حلامليها من �سرق ��ة النقود� ،أو �ضياعها مع ي�سر حمله ��ا� ،إىل غري ذلك من
امل�صال ��ح التي حتققها� ،أم ��ا البطاقات االئتمانية غري املغط ��اة التي مل يحذف منها
ال�ش ��رط الربوي ف�إن الهند�سة املالية فيه ��ا ال تعد �إ�سالمية ،وهي �سبب يف حترميها؛
ملا ت�شتمل عليه من الزيادة الربوية على �أ�صل الدين.
354
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
355
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ر�سالة م�ستقل ��ة ،فمثلاً �أي �أداة من �أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية ميكن �أن تكون
عن ��وان ر�سال ��ة م�ستقلة مع بيان التطبيقات اخلا�صة به ��ذه الأداة يف الهند�سة املالية
الإ�سالمية.
ً
مرتا�ضا يف ال�شريعة، �-5أن حتر� ��ص امل�صارف الإ�سالمية على �أن يك ��ون املهند�س املايل
ب�ص�ي ً�را بامل�صالح املعتربة فيه ��ا ،و�إذا مل جتد من ميتلك ه ��ذا ال�صفات ،فعليها �أن
تعر� ��ض العقود بعد هند�ستها عل ��ى �أهل العلم يف املجامع ،والهيئ ��ات ال�شرعية ،و�أن
تلتزم مبا قالوا ،و�أن تراعي ال�شروط التي ي�ضعونها ل�صحة العقد ،ف�إن عدم مراعاة
ال�ضواب ��ط ال�شرعية التي ي�ضعها �أه ��ل العلم جلواز املعامالت يجعل بع�ض املعامالت
ال تختلف عن نظريتها يف البنوك الربوية ،وهذا ي�ؤثر على �سمعة امل�صرف الإ�سالمي
ويفت ��ح �أل�سنة بع� ��ض النا�س بنق ��ده ،والت�شكيك يف م�صداقي ��ة معامالته ،ويف نزاهة
هيئته ال�شرعية.
� -6أن تبتع ��د امل�ص ��ارف الإ�سالمية يف هند�س ��ة العقود املالية عن التحاي ��ل على العقود
املحرم ��ة ،ف�إن النا�س مل يتوجهوا لها �إىل طل ًبا ملر�ضاة اهلل ،والتحايل على املحرمات
ال ير�ضي اهلل تعاىل.
-7عل ��ى امل�ص ��ارف الإ�سالمي ��ة �أن حتر� ��ص يف هند�سته ��ا املالي ��ة للعق ��ود �أن جتمع بني
امل�صداقي ��ة ال�شرعية ،والكف ��اءة االقت�صادية ،فم ��ن �أبرز ما ميي ��ز الهند�سة املالية
الإ�سالمية جمعها بني هذين العن�صرين.
ه ��ذه ه ��ي �أبرز النتائج ،و أ�ه ��م التو�صيات ،وما كان يف ه ��ذا الر�سالة من خط�أ فمن
نف�س ��ي وال�شيط ��ان ،وما كان فيه ��ا من �صواب فمن اهلل وح ��ده� .أ�س� ��أل اهلل �أن يكتب لها
القب ��ول ،و�أن ينف ��ع به ��ا ،و�أن يجعله ��ا خال�صة لوجه ��ه ،و�آخر دعوان ��ا �أن احلمد هلل رب
العاملني ،و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبة �أجمعني.
356
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
357
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-11الإجم ��اع ،لأب ��ي بكر حمم ��د بن �إبراهيم ب ��ن املنذر ،حتقيق� :صغ�ي�ر �أحمد حنيف،
مكتبة مكة الثقافية ،الإمارات ،الطبعة الثانية 1424هـ.
� -12إح ��كام الأحكام �ش ��رح عمدة الأحكام ،ملحمد ب ��ن علي بن دقيق العيد ،مطبعة ال�سنة
املحمدية.
� -13أح ��كام التعام ��ل يف الأ�س ��واق املالية املعا�ص ��رة ،ملبارك بن �سليم ��ان �آل �سليمان ،دار
كنوز �إ�شبيليا ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1426هـ.
� -14أحكام التمويل امل�صريف امل�شرتك ،لعبدامللك بن �صالح �آل فريان ،دار كنوز �إ�شبيليا،
الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1433هـ.
� -15أح ��كام الفوائد الربوية يف القانون الكويتي وال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية ،لنزال عقاب
الهاجري ،الطبعة الأوىل 2005م.
� -16أح ��كام الق ��ر�آن ،لأبي بكر حممد بن عب ��داهلل بن العربي ،حتقيق :حممد عبدالقادر
عطا ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثالثة 1424هـ.
� -17أح ��كام الق ��ر�آن ،لأحمد بن عل ��ي املكني ب�أبي بكر ال ��رازي اجل�صا�ص احلنفي ،حتقيق:
حممد ال�صادق قمحاوى دار احياء الرتاث العربى ،بريوت ،لبنان،طبعة عام 1405هـ.
� -18أحكام القر�آن ،لعماد الدين بن حممد الطربي املعروف بالكيا الهرا�سي ،دار الكتب
العلمية،بريوت ،الطبعة الثانية1405هـ.
� -19أحكام املعامالت ال�شرعية ،لعلي اخلفيف ،دار الفكر العربي ،طبعة عام 1426هـ.
� -20أح ��كام عق ��ود الإذعان يف الفقه الإ�س�ل�امي ،ملنال جهاد �أحم ��د خلة ،ر�سالة مقدمة
لني ��ل درجة املاج�ستري من كلي ��ة ال�شريعة والقانون باجلامع ��ة الإ�سالمية بغزة ،عام
1429هـ.
الح ��كام ،لأبي حممد علي بن حزم ،حتقي ��ق� :أحمد �شاكر ،دار الح ��كام يف �أ�ص ��ول أ
-21إ
الآفاق اجلديدة ،بريوت.
358
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
359
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -30أدب الطل ��ب ومنته ��ى الأدب ،ملحم ��د ب ��ن علي ب ��ن حممد بن عب ��د اهلل ال�شوكاين،
حتقيق :عبد اهلل يحيى ال�سريحي ،دار ابن حزم ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1419هـ.
-31الأذكار ،لأب ��ي زكري ��ا حمي ��ي الدين يحيى بن �ش ��رف النووي ،حتقي ��ق :عبد القادر
الأرن�ؤوط ،دار الفكر،بريوت ،طبعة عام 1414هـ.
� -32إر�ش ��اد الفح ��ول �إىل حتقي ��ق احل ��ق م ��ن علم الأ�ص ��ول ،ملحمد بن عل ��ي ال�شوكاين،
حتقيق� :أحمد عزو عناية ،دار الكتاب العربي ،الطبعة الأوىل 1419هـ.
� -33أ�س ��ا�س البالغة ،لأب ��ي القا�سم حممود بن عمر الزخم�شري ،حتقيق :حممد با�سل،
دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1419هـ.
� -34أ�سباب الأزمة املالية وجذورها ،للجوزي جميلة ،بحث من�شور يف االنرتنت.
-35ا�س ��تحداث العق ��ود يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي ،لقندي ��ل علي م�سعد ال�سع ��دين ،دار ابن
اجلوزي ،الدمام ،الطبعة الأوىل 1433هـ.
-36اال�ستح�سان ،لعجيل الن�شمي ،بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية،
ال�صادرة من جامعة الكويت ،ال�سنة الأوىل ،العدد الأول1404 ،هـ.
-37اال�ستذكار ،لأبي عمر يو�سف بن عبد اهلل بن عبد الرب النمري ،حتقيق� :سامل حممد
عطا ،حممد علي معو�ض ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الأوىل 1421هـ.
-38اال�ست�صناع ،للثبيتي ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع.
� -39أ�س ��لوب املرابح ��ة واجلوان ��ب ال�ش ��رعية التطبيقي ��ة يف امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية،
لعبدال�ستار �أبو غدة ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س.
� -40أ�سنى املطالب ،لزكريا بن حممد بن زكريا،دار الكتاب الإ�سالمي ،القاهرة ،م�صر.
-41الأ�س ��هم وال�س ��ندات و�أحكامها يف الفقه الإ�س�ل�امي ،لأحمد بن حممد اخلليل ،دار
ابن اجلوزي ،الدمام ،اململكة العربية ال�سعودية ،الطبعة الأوىل 1424هـ.
360
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-42الإ�ش ��ارات الإلهي ��ة �إىل املباح ��ث الأ�ص ��ولية ،ل�سليمان عبدالق ��وي الطويف ،حتقيق:
ح�سن بن عبا�س قطب ،دار الفاروق احلديثة ،القاهرة.
-43الأ�ش ��باه والنظائ ��ر ،جل�ل�ال الدي ��ن عبدالرحمن ال�سيوط ��ي ،دار الكت ��ب العلمية،
بريوت ،الطبعة الأوىل 1411هـ.
-44الأ�شباه والنظائر ،لزين العابدين بن ابرهيم بن جنيم،دار الكتب العلمية ،بريوت،
لبنان ،الطبعة الأوىل 1419هـ.
-45الأ�ش ��باه والنظائ ��ر ،لعب ��د الوه ��اب بن علي ال�سبك ��ي ،دار الكت ��ب العلمية ،بريوت،
الطبعة الأوىل 1411هـ.
-46الإ�شراف على مذاهب �أهل العلم ،ملحمد بن �إبراهيم املنذري الني�سابوري ،حتقيق:
�صغري �أحمد الأن�صاري ،مكتبة مكة الثقافية ،الإمارات ،الطبعة الأوىل 1425هـ.
-47الإ�ص ��ابة يف متيي ��ز ال�ص ��حابة ،لأحمد بن علي بن حج ��ر ،حتقيق :عبداهلل الرتكي،
دار هجر ،القاهرة ،الطبعة الأوىل 1429هـ.
-48الأ�ص ��ول االجتهادي ��ة التي يبنى عليها املذه ��ب املالكي ،حلامت باي ،وزارة الأوقاف
وال�ش�ؤون الإ�سالمية بالكويت ،الطبعة الأوىل 1432هـ.
� -49أ�صول ال�سرخ�سي ،لأبي بكر حممد بن �أحمد بن �أبي �سهل ال�سرخ�سي ،دار املعرفة،
بريوت.
� -50أ�صول ال�شا�شي ،لأبي علي �أحمد بن حممد ال�شا�شي ،دار الكتاب العربي ،بريوت.
� -51أ�صول الفقه الإ�سالمي ،لوهبة الزحيلي ،دار الفكر ،الطبعة الثالثة1426 ،هـ.
� -52أ�ص ��ول الفقه الذي ال ي�س ��ع الفقيه جهله ،لعيا�ض بن نامي ال�سلمي ،دار التدمرية،
الريا�ض ،الطبعة الثانية 1427هـ.
� -53أ�ص ��ول الفق ��ه عن ��د ال�ص ��حابة مع ��امل يف املنه ��ج ،لعبدالعزي ��ز العوي ��د ،وزارة
الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية يف الكويت ،الطبعة الأوىل1432هـ.
361
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -54أ�صول الفقه ،ملحمد �أبو زهرة،دار الفكر العربي ،طبعة عام 1417هـ.
� -55أ�ص ��ول مذه ��ب الإمام �أحمد ،لعبد اهلل ب ��ن عبداملح�سن الرتكي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة،
الطبعة الرابعة1416هـ.
-56الأ�ص ��ول وال�ض ��وابط ،لأبي زكري ��ا حميي الدين يحيى بن �ش ��رف النووي ،حتقيق:
حممد ح�سن هيتو ،دار الب�شائر الإ�سالمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل1406هـ.
� -57أ�ضواء البيان يف �إي�ضاح القر�آن بالقر�آن ،ملحمد الأمني بن حممد املختار ال�شنقيطي،
دار الفكر ،بريوت ،طبعة عام 1415هـ.
الف ��راد من حديث ر�س ��ول اهلل �ص ��لى اهلل عليه و�س ��لم للإمام� -58أط ��راف الغرائ ��ب و أ
الدارقطن ��ي ،لأب ��ي الف�ض ��ل حمم ��د ب ��ن طاهر ب ��ن علي ال�شيب ��اين ،املع ��روف بابن
القي�س ��راين ،حتقيق :حممود حممد حمم ��ود ح�سن ن�صار ،ال�سيد يو�سف ،دار الكتب
العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل1419هـ.
� -59إعان ��ة الطالب�ي�ن على حل �ألفاظ فتح املع�ي�ن ،لأبي بكر بن حممد �شطا الدمياطي،
دار الفكر ،الطبعة الأوىل 1418هـ.
�-60إعان ��ة امل�س ��تفيد ب�ش ��رح كت ��اب التوحي ��د ،ل�صالح ب ��ن فوزان بن عب ��د اهلل الفوزان،
م�ؤ�س�سة الر�سالة ،الطبعة الثالثة1423 ،هـ.
-61اعتب ��ار م� ��آالت الأفع ��ال و�أثرها الفقه ��ي ،لوليد احل�س�ي�ن ،دار التدمرية ،الريا�ض،
الطبعة الأوىل 1429ه.
-26االعت�ص ��ام ،لأب ��ي �إ�سح ��اق �إبراهي ��م بن مو�س ��ى ال�شاطبي ،حتقي ��ق� :سليم بن عيد
الهاليل ،دار ابن عفان ،الطبعة الأوىل 1412هـ.
� -63إع�ل�ام املوقع�ي�ن ،ملحمد بن �أبي بكر بن �أيوب ابن قيم اجلوزية ،حتقيق :حممد عبد
ال�سالم �إبراهيم ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1411هـ .
362
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-64الأع�ل�ام ،خلري الدين ب ��ن حممود بن حممد الزركلي،دار العل ��م للماليني ،الطبعة
اخلام�سة ع�شرة 2002م.
� -65إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان ،ملحمد بن �أبي بكر بن القيم ،حتقيق :حممد
حامد الفقي ،مكتبة املعارف ،الريا�ض.
-66اقت�ص ��اديون �أوروبي ��ون يطالب ��ون بتبن ��ي فك ��ر امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية بع ��د الأزمة
العاملية ،من�شور على االنرتنت.
-67الإقن ��اع يف فق ��ه الإم ��ام �أحمد بن حنبل ،ل�شرف الدي ��ن مو�سى بن �أحمد بن مو�سى
احلجاوي ،حتقيق :عبد اللطيف حممد مو�سى ال�سبكي ،دار املعرفة ،بريوت.
-68الأم ،ملحمد بن �إدري�س ال�شافعي ،دار املعرفة ،بريوت 1410هـ.
-69الإن�ص ��اف يف معرف ��ة الراجح من اخل�ل�اف ،لعالء الدين بن �سليمان املرداوي ،دار
�إحياء الرتاث العربي ،بريوت ،الطبعة الثانية.
-70الأوراق املقدمة لندوة ا�ش�ت�راط الربط بني عقود امل�ص ��ارف الإ�سالمية ،املنعقدة
يف املعه ��د الإ�سالمي للبحوث والتدريب التابع للبن ��ك الإ�سالمي بجدة ،يف /23-22
1425 /8ه.
-71الإيج ��ار ال ��ذي ينته ��ي بالتمليك ،الب ��ن بيه ،جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي ،العدد
اخلام�س.
-72الإيج ��ار املنتهي بالتمليك ،حل�س ��ن ال�شاذيل ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد
اخلام�س.
-73الإيج ��ار املنته ��ي بالتملي ��ك ،ملحمد الألف ��ي ،جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي ،العدد
الثاين ع�شر.
� -74إي�ضاح امل�سالك �إىل قواعد الإمام �أبي عبد اهلل مالك ،لأحمد بن يحيى الون�شري�سي،
حتقيق :ال�صادق بن عبد الرحمن الغرباين ،دار ابن حزم ،الطبعة الأوىل 1427هـ.
363
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-75بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام �أحمد مبدح �أو ذم ،ليو�سف بن ح�سن بن �أحمد بن
ح�سن بن عبد الهادي ال�صاحلي ،حتقيق وتعليق :روحية عبد الرحمن ال�سويفي ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1413هـ.
-76البح ��ر الرائ ��ق �ش ��رح كن ��ز الدقائ ��ق ،لزين الدين ب ��ن جنيم احلنف ��ي ،دار الكتاب
الإ�سالمي ،القاهرة ،الطبعة الثانية.
-77البحر املحيط يف �أ�صول الفقه ،لبدر الدين حممد بن بهادر بن عبداهلل الزرك�شي،
دار الكتبي ،الطبعة الأوىل 1414هـ.
-78بح ��وث فقهي ��ة يف ق�ض ��ايا اقت�ص ��ادية معا�ص ��رة ،ملحم ��د الأ�شق ��ر ،وماج ��د حممد
�أبورخي ��ة ،وحممد عثمان �شبري ،وعمر الأ�شقر ،دار النفائ�س ،الأردن ،الطبعة الأوىل
1418هـ.
-79بحوث يف االقت�ص ��اد الإ�س�ل�امي ،لعلي حميي الدين علي القرة داغي ،دار الب�شائر
الإ�سالمية ،بريوت ،الطبعة الثانية 1434هـ.
-80بح ��وث يف امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية ،لرفيق ب ��ن يون�س امل�ص ��ري ،دار املكتبي ،دم�شق،
الطبعة الأوىل .2001
-81بح ��وث يف فق ��ه البن ��وك الإ�س�ل�امية ،لعلي حميي الدين القره داغ ��ي ،دار الب�شائر
الإ�سالمية ،بريوت ،الطبعة الثانية 1434ه.
-82بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة ،لعلي حميي الدين علي القرة داغي ،دار
الب�شائر الإ�سالمية ،بريوت ،الطبعة الثانية 1434هـ.
-83بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة ،ملحمد تقي العثماين ،دار القلم ،دم�شق ،الطبعة
الأوىل 1419هـ.
-84بداية املبتدي يف فقه الإمام �أبي حنيفة ،لعلي بن �أبي بكر بن عبد اجلليل الفرغاين
املرغيناين ،مكتبة ومطبعة حممد علي �صبح ،القاهرة.
364
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-85بداية املجتهد و نهاية املقت�صد ،ملحمد بن �أحمد بن حممد بن ر�شد القرطبي ،دار
احلديث ،القاهرة ،طبعة عام 1425هـ.
-86البداي ��ة والنهاي ��ة ،لأبي الفداء احلافظ ابن كث�ي�ر الدم�شقي ،حتقيق :عبد اهلل بن
عبد املح�سن الرتكي ،دار هجر ،الطبعة الأوىل 1418هـ .
-87بدائ ��ع ال�ص ��نائع ،لعالء الدين �أب ��ي بكر بن م�سعود الكا�س ��اين ،دار الكتب العلمية،
بريوت ،الطبعة الثانية 1406هـ.
-88الب ��در الطال ��ع مبحا�س ��ن من بع ��د القرن ال�س ��ابع ،ملحمد بن عل ��ي ال�شوكاين ،دار
املعرفة للطباعة والن�شر ،بريوت.
-89الربهان يف �أ�صول الفقه ،لإمام احلرمني �أبي املعايل عبدامللك بن عبداهلل بن يو�سف
اجلويني ،حتقيق� :صالح عوي�ضة ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1418هـ.
-90بطاق ��ات االئتم ��ان غ�ي�ر املغط ��اة ،ملحم ��د الق ��ري ،من�ش ��ور يف جملة جمم ��ع الفقه
الإ�سالمي ،العدد الثاين ع�شر.
-91البطاقات البنكية الإقرا�ضية وال�سحب املبا�شر من الر�صيد ،لعبدالوهاب �إبراهيم
�أبو �سليمان ،دار القلم ،دم�شق ،الطبعة الثانية 1424هـ.
-92بطاقة االئتمان ،لعبدال�ستار �أبو غدة ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد ال�سابع.
-93بغي ��ة الباح ��ث عن زوائد م�س ��ند احلارث ،لأبي حمم ��د احلارث بن حممد بن داهر
التميم ��ي املع ��روف بابن �أب ��ي �أ�سامة ،جمع :علي ب ��ن �أبي بكر بن �سليم ��ان الهيثمي،
حتقي ��ق :ح�سني �أحمد �صالح الباكري ،مركز خدم ��ة ال�سنة وال�سرية النبوية ،املدينة
املنورة ،الطبعة الأوىل1413هـ.
-94بغية امل�سرت�شدين يف تلخي�ص فتاوى بع�ض الأئمة من العلماء املت�أخرين ،لل�سيد
عبد الرحمن بن حممد بن ح�سني امل�شهور با علوي ،املطبعة امليمنية ،القاهرة ،طبعة
عام 1325هـ.
365
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-95بغي ��ة الوع ��اة يف طبق ��ات اللغويني والنح ��اة ،لعبدالرحمن بن أ�ب ��ي بكر ال�سيوطي،
حتقيق :حممد �أبي الف�ضل �إبراهيم ،املكتبة الع�صرية ،لبنان.
-96بل ��وغ امل ��رام ،الب ��ن حجر الع�سق�ل�اين ،حتقيق:ح�سن بن ن ��ور املروع ��ي ،دار الآثار،
�صنعاء ،اليمن ،الطبعة الأوىل 1428هـ.
-97البناي ��ة �ش ��رح الهداي ��ة ،ملحم ��ود بن �أحمد بن مو�س ��ى العيني ،دار الكت ��ب العلمية،
بريوت ،الطبعة الأوىل 1420هـ.
-98البنوك الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق ،للطيار ،من�شور �ضمن جمموع م�ؤلفات
ور�سائل وبحوث الدكتور عبداهلل بن حممد الطيار ،دار التدمرية ،الريا�ض ،الطبعة
الأوىل 1432هـ.
-99البور�صات والهند�سة املالية ،لفريد النجار ،م�ؤ�س�سة �شباب اجلامعة ،الإ�سكندرية،
م�صر،طبعة عام1999م.
-100بي ��ان الدليل عل ��ى بطالن التحليل ،لأحمد ب ��ن عبداحلليم بن تيمية ،حتقيق:
�أحمد بن حممد اخلليل ،دار ابن اجلوزي ،الدمام ،الطبعة الأوىل 1425هـ.
-101بيان املخت�صر �شرح خمت�صر ابن احلاجب ،ملحمود بن عبد الرحمن الأ�صفهاين،
حتقيق :حممد مظهر بقا ،دار املدين ،ال�سعودية ،الطبعة الأوىل1406 ،هـ
-102بي ��ان الوه ��م والإيهام يف كتاب الأحكام ،لعلي بن حممد بن عبد امللك بن القطان،
حتقيق :احل�سني �آيت �سعيد ،دار طيبة ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1418هـ.
الم ��ام ال�ش ��افعي ،لأبي احل�سني يحيى ب ��ن �أبي اخلري بن �سامل
-103البي ��ان يف مذه ��ب إ
العمراين اليمني ال�شافعي ،حتقيق :قا�سم حممد النوري ،دار املنهاج ،جدة ،الطبعة
الأوىل 1421هـ.
-104البي ��ان والتح�ص ��يل ،لأبي الوليد حممد ب ��ن �أحمد بن ر�شد ،حتقيق:حممد حجي،
دار الغرب الإ�سالمي ،بريت ،لبنان ،الطبعة الثانية 1408هـ.
366
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-105بيع التق�س ��يط و�أحكام ��ه ،ل�سليمان بن تركي الرتكي ،دار كنوز �إ�شبيليا ،الريا�ض،
الطبعة الأوىل 1424هـ.
-106بي ��ع العين ��ة والتورق ،لهناء حممد احلنيطي ،دار كنوز �إ�شبيليا ،الريا�ض ،الطبعة
الأوىل 1433هـ.
-107بيع املرابحة للآمر بال�شراء كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية ،ليو�سف القر�ضاوي،
م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1418هـ.
-108بيع املرابحة للآمر بال�ش ��راء ،لبكر �أبو زيد ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد
اخلام�س.
-109بي ��ع املرابح ��ة للآمر بال�ش ��راء ،لرفي ��ق امل�صري ،جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي،
العدد اخلام�س.
-110بيع املرابحة للآمر بال�شراء ،ل�سامي حمود ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد
اخلام�س.
-111البي ��ع امل�ؤج ��ل ،لعبد ال�ستار �أبو غدة ،البنك الإ�سالم ��ي للتنمية ،املعهد الإ�سالمي
للبحوث والتدريب ،الطبعة الثانية 1424هـ.
-112بيع الوفاء و�آثاره بني ال�شريعة والقانون الكويتي ،خلالد العتيبي ،جملة ال�شريعة
والدرا�سات الإ�سالمية ،ال�صادرة من جامعة الكويت ،ال�سنة ،26العدد1432 ،84ه.
-113تاج الرتاجم يف طبقات احلنفية ،لقا�سم بن قطلوبغا ال�سودوين اجلمايل احلنفي،
حتقيق :حممد خري رم�ضان يو�سف ،دار القلم ،الطبعة الأوىل 1413هـ.
-114تاج العرو�س من جواهر القامو�س ،ملحمد مرت�ضى الزبيدي ،حتقيق :عبداحلليم
الطحاوي ،وزارة الإعالم بالكويت ،طبعة عام 1400هـ
-115التاج والإكليل ملخت�صر خليل ،ملحمد بن يو�سف املواق ،دار الكتب العلمية ،بريوت،
الطبعة الأوىل 1416هـ.
367
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-116الت�أج�ي�ر التمويل ��ي ،ليو�س ��ف ال�شبيلي ،جمل ��ة اجلمعية الفقهي ��ة ،العدد احلادي
ع�شر1433 ،هـ.
-117الت�أجري املنتهي بالتمليك و ال�صور امل�شروعة فيه ،لعبد اهلل حممد ،جملة جممع
الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س.
-118ت�أجيل البدلني يف عقود املعاو�ضات ،ليا�سر عجيل الن�شمي ،دار ال�ضياء ،الكويت،
الطبعة الأوىل 1432هـ.
-119التاريخ الكبري املعروف بتاريخ ابن �أبي خيثمة -ال�س ��فر الثاين ،لأبي بكر �أحمد
ب ��ن �أبي خيثمة ،حتقيق� :صالح ب ��ن فتحي هالل ،الفاروق احلديثة للطباعة والن�شر،
القاهرة ،الطبعة الأوىل 1427هـ.
-120الت�أم�ي�ن و�إع ��ادة الت أ�م�ي�ن ،لوهبة الزحيلي ،جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي ،العدد
الثاين.
-121تب�صرة احلكام يف �أ�صول الأق�ضية ومناهج الأحكام ،لإبراهيم بن علي بن فرحون
اليعمري ،مكتبة الكليات الأزهرية ،الطبعة الأوىل 1406هـ.
-122التب�ص ��رة يف �أ�ص ��ول الفق ��ه ،لأبي ا�سحاق �إبراهيم بن عل ��ي بن يو�سف ال�شريازي،
حتقيق :حممد ح�سن هيتو،دار الفكر ،دم�شق ،الطبعةالأوىل1403هـ.
-123تبي�ي�ن احلقائق �ش ��رح كن ��ز الدقائ ��ق ،لعثمان بن علي الزيلع ��ي ،وبهام�شه حا�شية
�شه ��اب الدين �أحم ��د بن حممد ِّ
ال�ش ْل ِب ُّي ،املطبعة الأمريية ،ب ��والق ،القاهرة ،الطبعة
الأوىل 1313هـ.
-124جترب ��ة البن ��وك التجاري ��ة ال�س ��عودية يف بي ��ع املرابح ��ة ،لعبدالرحم ��ن بن حامد
احلامد ،دار بلن�سية ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1424هـ.
-125التحبري �ش ��رح التحرير يف �أ�ص ��ول الفقه ،لأبي احل�سن علي بن �سليمان املرداوي
احلنبل ��ي ،حتقي ��ق :عبدالرحمن بن عبداهلل اجلربين ،وعو� ��ض بن حممد القرين،
و�أحمد بن حممد �سراج ،مكتبة الر�شد ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل1421هـ.
368
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-126حتري ��ر ال ��كالم يف م�س ��ائل االلت ��زام ،لأب ��ي عبد اهلل حممد ب ��ن حممد احلطاب،
حتقيق :عبد ال�سالم حممد ال�شريف ،دار الغرب الإ�سالمي ،الطبعة الأوىل 1404هـ.
-127التحري ��ر والتنوي ��ر ،ملحم ��د الطاه ��ر ب ��ن حممد ب ��ن حممد الطاهر ب ��ن عا�شور
التون�سي ،الدار التون�سية ،تون�س ،طبعة عام 1984هـ.
-128حتف ��ة الأح ��وذي ب�ش ��رح جام ��ع الرتم ��ذي ،ملحم ��د عبدالرحمن ب ��ن عبدالرحيم
املباركفوري ،دار الكتب العلمية ،بريوت.
-129حتف ��ة الفقه ��اء ،لع�ل�اء الدين ال�سمرقن ��دي ،دار الكتب العلمي ��ة ،بريوت ،الطبعة
الثانية 1414هـ.
-130حتف ��ة املحت ��اج ب�ش ��رح املنه ��اج ،لأحمد بن حجر الهيتمي ،وبهام�ش ��ه حا�شية الإمام
عبد احلميد ال�شرواين ،املكتبة التجارية الكربى مب�صر ،طبعة عام 1357ه.
-131التحقي ��ق يف بطالن التلفي ��ق ،ملحمد بن �أحمد ال�سفاريني ،اعتنى به :عبدالعزيز
الدخيل ،دار ال�صميعي ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1418ه.
-132التخريج عند الفقهاء والأ�صوليني ،ليعقوب الباح�سني ،مكتبة الر�شد ،الريا�ض،
الطبعة الثالثة 1428ه.
-133تذك ��رة الأري ��ب يف تف�س�ي�ر الغري ��ب ،لأبي الفرج عبد الرحم ��ن بن علي بن حممد
اجل ��وزي ،حتقي ��ق :طارق فتحي ال�سي ��د ،دار الكتب العلمية ،ب�ي�روت ،الطبعة الأوىل
1425هـ.
-134تذك ��رة املح�س ��نني بوفي ��ات الأعي ��ان وحوادث ال�س ��نني ،لعبدالك ��رمي بن املجذوب
الفا�س ��ي ،تن�سيق وحتقيق حممد حجي َو�أحمد توفيق ،دار الغرب الإ�سالمي ،الطبعة
الأوىل 1417هـ.
-135ترتي ��ب امل ��دارك وتقريب امل�س ��الك ملعرف ��ة �أعالم مذهب مال ��ك ،للقا�ضي عيا�ض
ب ��ن مو�سى بن عيا� ��ض ال�سبتي ،حتقيق :حمم ��د الطبخي ،وزارة الأوق ��اف وال�ش�ؤون
الإ�سالمية باملغرب ،الطبعة الثانية 1403هـ.
369
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-136التطبيقات امل�صرفية لبيع املرابحة يف �ضوء الفقه الإ�سالمي ،لعطية فيا�ض ،دار
الن�شر للجامعات ،القاهرة ،الطبعة الأوىل 1999م.
-137تطوير الأعمال امل�ص ��رفية مبا يتفق وال�ش ��ريعة الإ�سالمية ،ل�سامي ح�سن �أحمد
حمود ،مطبعة ال�شرق ،عمان ،الطبعة الثانية 1402ه.
-138التعريفات ،لعلي بن حممد بن علي الزين ال�شريف اجلرجاين ،دار الكتب العلمية،
بريوت ،الطبعة الأوىل 1403هـ.
-139التعي�ي�ن يف �ش ��رح الأربع�ي�ن ،ل�سليمان بن عبدالقوي الط ��ويف ،حتقيق� :أحمد حاج
حممد عثمان ،م�ؤ�س�سة الريان ،الطبعة الأوىل 1419هـ.
-140تغلي ��ق التعلي ��ق عل ��ى �ص ��حيح البخ ��اري ،لأحمد ب ��ن علي بن حج ��ر الع�سقالين،
حتقيق� :سعيد عبدالرحمن مو�سى القزقي ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت ،الطبعة الأوىل
1405هـ.
-141تف�سري القر�آن احلكيم (تف�سري املنار) ،ملحمد ر�شيد بن علي ر�ضا ،الهيئة امل�صرية
العامة للكتاب ،طبعة عام1990م.
-142تف�س�ي�ر القر�آن العظيم ،لإ�سماعيل بن عمر بن كثري القر�شي الدم�شقي ،حتقيق:
�سامي بن حممد �سالمة ،دار طيبة ،الريا�ض ،الطبعة الثانية 1420هـ.
-143التف�س�ي�ر املنري يف العقيدة وال�ش ��ريعة واملنهج ،لوهبة بن م�صطفى الزحيلي ،دار
الفكر املعا�صر ،دم�شق ،الطبعة الثانية1418هـ.
-144تف�سري �آيات �أ�شكلت ،لأحمد بن عبداحلليم بن تيمية ،حتقيق :عبدالعزيز اخلليفة،
مكتبة الر�شد ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1997م.
-145تقريب التهذيب ،لأحمد بن علي بن حجر الع�سقالين ،حتقيق :حممد عوامة ،دار
الر�شيد� ،سوريا ،الطبعة الأوىل 1406هـ.
370
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-146التقري ��ر لأ�ص ��ول فخر الإ�س�ل�ام الب ��زدوي ،ملحمد بن حمم ��ود البابرتي ،حتقيق:
عبدال�س�ل�ام �صبح ��ي حام ��د ،وزارة الأوق ��اف وال�ش� ��ؤون الإ�سالمي ��ة ،الكويت ،عام
1426هـ.
-147التقري ��ر والتحب�ي�ر ،لأبي عبد اهلل حممد بن حممد بن حممد املعروف بابن �أمري
حاج ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الثانية 1403هـ.
-148التلخي� ��ص احلب�ي�ر يف تخريج �أحاديث الرافع ��ي الكبري ،لأحمد بن علي بن حجر
الع�سقالين ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الأوىل 1419هـ.
-149التلفي ��ق ب�ي�ن املذاه ��ب الفقهي ��ة وعالقت ��ه بتي�س�ي�ر الفت ��وى ،لغ ��ازي بن مر�شد
العتيبي ،من�شور يف جملة املجمع الفقهي الإ�سالمي ،العدد ،25عام 1431ه.
-150التلفي ��ق يف االجتهاد والتقليد ،لنا�صر بن عبداهلل امليمان ،بحث من�شور يف جملة
العدل ،الريا�ض ،العدد ،11ال�سنة الثالثة ،رجب 1422ه.
-151التلفي ��ق يف التقلي ��د ،لع ��ارف ح�سون ��ة ،من�ش ��ور يف املجلة الأردني ��ة يف الدرا�سات
الإ�سالمية التابعة جلامعة �آل البيت ،املجلد-7العدد�-4صفر1433هـ
-152التلفي ��ق وحكم ��ه يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي ،لعبداهلل بن حمم ��د ال�سعيدي ،من�شور يف
جملة املجمع الفقهي الإ�سالمي ،العدد ،25عام 1431هـ.
-153التلقني،لأب ��ي حمم ��د عبدالوه ��اب بن علي بن ن�ص ��ر الثعلبي البغ ��دادي املالكي،
حتقي ��ق :حمم ��د احل�سني التط ��واين ،دار الكت ��ب العلمي ��ة ،بريوت ،الطبع ��ة الأوىل
1425هـ.
-154التمهي ��د يف تخري ��ج الف ��روع عل ��ى الأ�ص ��ول ،لعب ��د الرحيم بن احل�س ��ن بن علي
ال�شافعي ،حتقي ��ق :حممد ح�سن هيتو ،م�ؤ�س�س ��ة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة ّ الإ�سن ��وي
الأوىل1400هـ.
371
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-155التمهي ��د ،لأبي عمر يو�سف بن عبد اهلل ب ��ن عبد الرب ،حتقيق :م�صطفى العلوي،
وحممد عبد الكبري البكري ،وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية باملغرب ،طبعة عام
1387هـ.
-156تنزيه ال�شريعة املرفوعة عن الأخبار ال�شنيعة املو�ضوعة ،لعلي بن حممد بن علي
الكناين ،حتقيق :عبد الوهاب عبد اللطيف ,وعبد اهلل حممد ال�صديق الغماري ،دار
الكتب العلمية،بريوت ،الطبعة الأوىل1399هـ.
-157التنكي ��ل مب ��ا يف ت�أني ��ب الكوثري م ��ن الأباطيل ،لعبدالرحمن ب ��ن يحيى املعلمي
اليم ��اين ،حتقيق :حممد عزيز �شم�س ،وحممد �أجمل الإ�صالحي ،دار عامل الفوائد،
مكة املكرمة ،الطبعة الأوىل 1434ه.
-158تـهذي ��ب التهذي ��ب ،لأحمد بن علي بن حممد بن حجر الع�سقالين ،دائرة املعارف
النظامية يف الهند ،الطبعة الأوىل ،طبعة عام 1326هـ.
-159تهذي ��ب الكم ��ال ،ليو�س ��ف بن الزك ��ي عبدالرحمن امل ��زي ،حتقيق :ب�ش ��ار عواد،
م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الأوىل1400هـ.
-160تهذيب اللغة ،ملحمد بن �أحمد بن الأزهري الهروي ،حتقيق :حممد عو�ض مرعب،
دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت ،الطبعة الأوىل2001م.
-161تهذي ��ب �س�ن�ن �أبي داود و�إي�ض ��اح علله وم�ش ��كالته ،ملحمد بن أ�ب ��ي بكر بن القيم،
بحا�شي ��ة عون املعبود �شرح �سنن �أب ��ي داود ،ملحمد �أ�شرف بن �أمري بن علي بن حيدر
العظيم �آبادي ،دار الكتب العلمية – بريوت ،الطبعة الثانية 1415ه.
-162الت ��ورق الفقه ��ي وتطبيقاته املعا�ص ��رة يف الفقه الإ�س�ل�امي ،لعثمان �شبري ،بحث
مق ��دم يف الدورة التا�سعة ع�شرة ملجمع الفق ��ه الإ�سالمي ،املنعقدة يف ال�شارقة ،عام
1430هـ.
372
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-163الت ��ورق كما جتريه امل�ص ��ارف يف الوقت احلا�ض ��ر ،لعب ��داهلل بن حممد ال�سعيدي،
من�شور �ضمن �أعمال وبحوث الدورة ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة،
املنعقدة يف � 24-19شوال 1424هـ.
-164التورق كما جتريه امل�صارف ،ملحمد بن علي القري ،من�شور �ضمن �أعمال وبحوث الدورة
ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة ،املنعقدة يف � 24-19شوال 1424هـ.
-165تو�ص ��يات وفتاوى م�ؤمتر امل�س ��تجدات الفقهية يف معامالت البنوك الإ�سالمية،
املنعقد باملركز الثقايف الإ�سالمي ،اجلامعة الأردنية 23-21ذو القعدة 1414هـ.
-166التوقي ��ف عل ��ى مهمات التعاري ��ف ،لعبدالر�ؤوف بن املن ��اوي ،حتقيق:عبداحلميد
�صالح حمدان ،عامل الكتب ،القاهرة ،الطبعة الأوىل 1410هـ.
-167تي�سري التحرير ،ملحمد �أمني بن حممود البخاري املعروف ب�أمري باد�شاه احلنفي،
دار الفكر ،بريوت.
-168تي�سري اللطيف املنان يف خال�صة تف�سري القر�آن ،لعبد الرحمن بن نا�صر بن عبد
اهلل ال�سعدي ،وزارة ال�شئون الإ�سالمية والأوقاف والدعوة والإر�شاد ،اململكة العربية
ال�سعودية ،الطبعة الأوىل1422هـ.
-169تي�س�ي�ر علم �أ�ص ��ول الفقه ،لعبداهلل بن يو�س ��ف اجلديع ،م�ؤ�س�سة الريان ،بريوت،
الطبعة الأوىل 1418هـ.
-170الثقات ،ملحمد بن حبان بن �أحمد بن حبان� ،أبي حامت ،الدارمي ،ال ُب�ستي ،طبع
وزارة املع ��ارف للحكومة العالي ��ة الهندية ،دائرة املع ��ارف العثمانية ،الهند ،الطبعة
الأوىل1393ه.
-171جامع البيان يف ت�أويل القر�آن ،لأبي جعفر حممد بن جرير الطربي حتقيق� :أحمد
حممد �شاكر ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،لبنان ،طبعة عام 1420هـ.
373
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-172جامع التح�ص ��يل يف �أحكام املرا�س ��يل ،ل�ص�ل�اح الدين �أبي �سعيد خليل بن كيكلدي
بن عب ��د اهلل الدم�شقي العالئي ،حتقيق :حمدي عبد املجي ��د ال�سلفي ،عامل الكتب،
بريوت ،الطبعةالثانية 1407هـ.
-173جام ��ع العل ��وم واحلك ��م يف �ش ��رح خم�س�ي�ن حديثاً م ��ن جوامع الكل ��م ،لأبي الفرج
عبدالرحم ��ن بن �شهاب الدين بن رجب ،حتقيق� :شعيب الأرن�ؤوط� ،إبراهيم باج�س،
م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة ال�سابعة 1422هـ.
-174جامع امل�س ��ائل ،لأحمد بن عبداحلليم بن تيمية ،حتقيق :حممد عزيز �شم�س ،دار
عامل الفوائد ،مكة املكرمة ،الطبعة الثالثة 1427هـ.
-175جامع بيان العلم وف�ضله ،لأبي عمر يو�سف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الرب بن
عا�صم النمري القرطبي ،حتقيق� :أبي الأ�شبال الزهريي ،دار ابن اجلوزي ،الدمام،
الطبعة :الأوىل 1414هـ.
-176اجلام ��ع يف �أ�ص ��ول الرب ��ا ،لرفيق ب ��ن يون�س امل�صري ،دار القل ��م ،دم�شق ،الطبعة
الأوىل 1991م.
-177اجلام ��ع ألح ��كام الق ��ر�آن ،لأبي عب ��د اهلل حممد بن �أحمد بن أ�ب ��ي بكر الأن�صاري
القرطبي ،حتقيق� :أحمد ال�ب�ردوين و�إبراهيم �أطفي�ش ،دار الكتب،القاهرة ،الطبعة
الثانية 1384هـ.
-178اجلام ��ع لعل ��وم الإمام �أحم ��د ،جمع :خالد الرباط ،و�سيد عزت عيد ،دار الفالح،
م�صر ،الطبعة الأوىل 1430هـ.
-179اجل ��رح والتعدي ��ل ،ملحم ��د عبد الرحمن بن حممد ،الرازي اب ��ن �أبي حامت ،طبعة
جمل� ��س دائرة املعارف العثمانية ،الهن ��د ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت ،الطبعة
الأوىل 1271هـ.
374
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
375
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-191حكم التورق كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية ،لعبداهلل بن �سليمان املنيع ،من�شور
�ضمن �أعمال وبحوث الدورة ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة ،املنعقدة
يف � 24-19شوال 1424هـ.
-192احلكم ��ة عن ��د الأ�ص ��وليني ،ل�صب ��اح طه ب�ش�ي�ر ال�سامرائي ،دار الكت ��ب العلمية،
بريوت ،الطبعة الأوىل 2009م.
-193حلي ��ة الب�ش ��ر يف تاري ��خ الق ��رن الثالث ع�ش ��ر ،لعبد الرزاق ب ��ن ح�سن بن �إبراهيم
البيطار ،حتقيق :حممد بهجة البيطار ،دار �صادر ،الطبعة الثانية 1413هـ.
-194احلوار الذي �أجري مع الدكتور عبدالكرمي قندوز� ،صدر يف العدد الأخري ملجلة
امل�صرفية الإ�سالمية ،العدد� ،10شهر فرباير.
-195احلي ��ل الفقهي ��ة بني البوط ��ي وابن قيم اجلوزي ��ة ،لرفيق امل�صري ،بحث من�شور
يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة
امللك عبدالعزيز بجدة2009-2008 ،م.
-196احلي ��ل الفقهي ��ة يف املعام�ل�ات املالية ،لعي�سى بن حممد اخلل ��ويف ،ر�سالة مقدمة
لنيل درجة الدكتوراه يف كلية الإمام الأوزاعي الإ�سالمية ببريوت عام 2012م.
-197احلي ��ل الفقهي ��ة يف املعامالت املالية ،ملحمد ب ��ن �إبراهيم ،دار ال�سالم ،القاهرة،
الطبعة الأوىل 1430هـ.
-198اخلدم ��ات اال�س ��تثمارية يف امل�ص ��ارف و�أحكامه ��ا يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي ،ليو�س ��ف
ال�شبيلي ،دار ابن اجلوزي ،الدمام ،الطبعة الأىل 1425هـ.
-199خال�ص ��ة البدر املنري ،البن امللقن �سراج الدين �أبو حف�ص عمر بن علي بن �أحمد
ال�شافعي ،مكتبة الر�شد ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل1410هـ.
-200ال ��در املخت ��ار ،ملحم ��د بن علي احل�صكف ��ي وبهام�شه رد املحتار عل ��ى الدر املختار
املع ��روف بحا�شية ابن عابدي ��ن ،ملحمد �أمني بن عمر بن عابدين ،دار الفكر ،بريوت
الطبعة الثانية 1412هـ.
376
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-201درا�س ��ة �شرعية لأهم العقود املالية امل�ستحدثة ،ملحمد م�صطفى �أبوه ال�شنقيطي،
مكتبة العلوم واحلكم ،املدينة املنورة ،الطبعة الثانية 1422هـ.
-202درر احل ��كام �ش ��رح غرر الأح ��كام ،ملحمد بن فرامرز منال خ�سرو ،دار �إحياء الكتب
العربية ،بريوت ،لبنان.
-203ال ��درر الكامن ��ة يف �أعي ��ان املائ ��ة الثامن ��ة ،لأحمد بن علي بن حمم ��د بن �أحمد بن
حجر الع�سقالين ،حتقيق :حممد عبد املعيد �ضان ،جمل�س دائرة املعارف العثمانية،
�صيدر اباد ،الهند ،الطبعة الثانية 1392هـ.
-204دور الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�س�ل�امية يف معاجل ��ة الأزم ��ات املالي ��ة ،لهناء احلنيطي،
من�شور على االنرتنت.
-205دور الهند�سة املالية يف ت�أجيج �شرارة الأزمة الراهنة ،ل�شوقي جباري ،بحث مقدم
مل�ؤمتر الأزمة االقت�صادية املعا�صرة� ،أ�سبابها ،وتداعياتها ،وعالجها ،جامعة جر�ش،
الأردن 1432هـ.
-206دور الهند�س ��ة املالي ��ة يف زي ��ادة فاعلي ��ة ال�سيا�س ��ة النقدي ��ة يف النظ ��ام النق ��دي
الإ�س�ل�امي ،ل�شهن ��از مدين ،ر�سال ��ة ماج�ستري ،جامع ��ة امللك عبدالعزي ��ز ،اململكة
العربية ال�سعودية.
-207الديب ��اج املذه ��ب يف معرفة �أعيان علماء املذهب ،لإبراهيم بن علي بن حممد ابن
فرحون ،دار الكتب العلمية.
-208الذخرية ،لأحمد بن �إدري�س القرايف ،حتقيق :حممد حجي ،دار الغرب الإ�سالمي،
بريوت ،لبنان ،الطبعة الأوىل 1994م.
ال�سالمي،
-209ذي ��ل طبق ��ات احلنابل ��ة ،لعبد الرحمن ب ��ن �أحمد بن رجب بن احل�س ��ن َ
حتقيق :عبد الرحمن بن �سليمان العثيمني ،مكتبة العبيكان ،الطبعة الأوىل 1425هـ.
-210الرب ��ا علت ��ه و�ض ��وابطه وبي ��ع الدي ��ن ،ل�صالح ب ��ن حممد ال�سلط ��ان ،دار �أ�صداء
املجتمع ،ال�سعودية ،الطبعة الأوىل 1420هـ.
377
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-211الربا يف املعامالت امل�ص ��رفية املعا�ص ��رة ،لعبد اهلل بن حممد بن ح�سن ال�سعيدي،
دار طيبة ،الريا�ض ،الطبعة الثانية 1421هـ.
-212رب ��ح م ��امل ي�ض ��من ،مل�ساعد بن عب ��داهلل احلقيل ،دار امليم ��ان ،الريا�ض ،الطبعة
الأوىل 1432هـ.
-213الرخ� ��ص ال�ش ��رعية �أحكامها و�ض ��وابطها ،لأ�سامة حممد حمم ��د ال�صالبي ،دار
الإميان ،الإ�سكندرية ،م�صر.
-214الرخ�ص يف املعامالت وفقه الأ�سرة ،ملحمد بن �أحمد �أبا اخليل ،دار كنوز �إ�شبيليا،
الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1434هـ.
-215الرخ�ص ��ة ال�ش ��رعية و�إثباته ��ا بالقيا� ��س ،لعبدالك ��رمي النمل ��ة ،مكتب ��ة الر�ش ��د،
الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1410هـ.
-216ال ��رد عل ��ى املنطقي�ي�ن ،لأحم ��د بن عب ��د احلليم بن عب ��د ال�سالم ب ��ن تيمية ،دار
املعرفة ،بريوت ،لبنان.
-217الر�س ��الة ،لأب ��ي حممد عبد اهلل بن (�أبي زيد) عب ��د الرحمن القريواين ،املالكي،
دار الفكر ،بريوت.
-218الر�سالة ،ملحمد بن �إدري�س ال�شافعي ،حتقيق� :أحمد حممد �شاكر ،مكتبة احللبي،
م�صر ،الطبعة الأوىل 1358هـ.
-219رف ��ع احلاجب عن خمت�ص ��ر ابن احلاجب ،لعبد الوه ��اب بن تقي الدين ال�سبكي،
حتقي ��ق :علي حممد معو�ض ،عادل �أحمد عب ��د املوجود،عامل الكتب،بريوت ،الطبعة
الأوىل1419هـ.
-220رفع احلرج يف ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية ،ل�صالح بن عبداهلل بن حميد ،طبعة جامعة
�أم القرى ،الطبعة الأوىل 1403هـ.
-221رفع احلرج يف ال�شريعة يف الإ�سالمية ،ليعقوب عبدالوهاب الباح�سني ،دار الن�شر
الدويل ،الطبعة الثانية 1416هـ.
378
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-222الرو� ��ض املرب ��ع ،ملن�صور بن يون� ��س البهوتي ،حتقي ��ق :عبدالقدو�س حممد نذير،
م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت.
-223رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني ،لأبي زكريا حميي الدين يحيى بن �شرف النووي،
املكتب الإ�سالمي ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثالثة 1412هـ.
-224رو�ض ��ة الناظ ��ر وجنة املناظر يف �أ�ص ��ول الفق ��ه على مذهب الإم ��ام �أحمد ،ملوفق
الدي ��ن عبداهلل ب ��ن �أحمد بن حممد بن قدام ��ة املقد�سي ،م�ؤ�س�س ��ة الريان ،الطبعة
الثانية 1423هـ.
-225زاد املعاد يف هدي خري العباد ،لأبي عبد اهلل حممد بن �أبي بكر ،ابن قيم اجلوزية،
حتقيق� :شعيب الأرن�ؤوط ،وعبدالقادر الأرن�ؤوط ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،الطبعة ال�ساد�سة
والع�شرون 1412هـ.
� -226سبل ال�سالم املو�صلة �إىل بلوغ املرام ،ملحمد بن �إ�سماعيل ال�صنعاين ،دار احلديث،
القاهرة.
-227ال�س ��لع الدولي ��ة و�ض ��وابط التعامل فيها ،حلمزة ال�شري ��ف ،من�شور �ضمن بحوث
ندوة الربكة التا�سعة والع�شرون لالقت�صاد الإ�سالمي ،جدة7-6 ،رم�ضان 1429هـ.
-228ال�س ��لم وتطبيقات ��ه املعا�ص ��رة ،لل�صديق ال�ضرير ،جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي،
العدد التا�سع.
-229ال�س ��لم وتطبيقاته املعا�ص ��رة ،لنزيه حماد ،جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي ،العدد
التا�سع.
� -230س�ن�ن اب ��ن ماجه ،ملحمد بن يزيد القزوين ��ي ،حتقيق :حممد ف�ؤاد عبدالباقي ،دار
�إحياء الكتب العربية.
� -231س�ن�ن �أب ��ي داود ،ل�سليمان ب ��ن الأ�شعث ال�سج�ستاين،حتقي ��ق :حممد حميي الدين
عبداحلميد ،املكتبة الع�صرية ،بريوت.
379
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -232س�ن�ن الرتم ��ذي ،ملحمد بن عي�سى الرتمذي ،حتقيق� :أحم ��د �شاكر� ،شركة مكتبة
ومطبعة م�صطفى البابي احللبي ،م�صر ،الطبعةالثانية 1395هـ.
� -233س�ن�ن الدارقطن ��ي ،لعلي بن عم ��ر الدارقطني ،حتقيق� :شعي ��ب االرن�ؤوط ،وح�سن
عبد املنعم �شلبي ،وعبد اللطيف حرز اهلل ،و�أحمد برهوم ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت،
الطبعةالأوىل1424هـ.
-234ال�س�ن�ن الك�ب�رى ،لأب ��ي بكر �أحمد ب ��ن احل�سني بن علي البيهق ��ي ،حتقيق :حممد
عبدالقادر عطا ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الثالثة 1424هـ.
� -235سنن الن�سائي ،لأبي عبدالرحمن �أحمد بن �شعيب الن�سائي ،حتقيق :عبدالفتاح
�أبو غدة ،مكتب املطبوعات الإ�سالمية بحلب ،الطبعة الثانية 1406هـ.
� -236س�ي�ر �أع�ل�ام النبالء ،ملحم ��د بن �أحمد بن عثمان الذهب ��ي ،حتقيق :جمموعة من
املحقق�ي�ن ب�إ�ش ��راف ال�شيخ �شعي ��ب الأرن ��ا�ؤوط ،م�ؤ�س�س ��ة الر�سالة ،الطبع ��ة الثالثة
1405هـ.
-237ال�س ��يل اجل ��رار املتدفق عل ��ى حدائق الأزهار ،ملحمد بن عل ��ي ال�شوكاين ،دار ابن
حزم ،الطبعة الأوىل.
-238ال�ش ��امل يف معامالت وعمليات امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية ،ملحم ��ود عبدالكرمي �أحمد
�إر�شيد ،دار النفائ�س ،الأردن ،الطبعة الثانية 1427هـ.
� -239ش ��جرة الن ��ور الزكية يف طبق ��ات املالكية ،ملحمد خمل ��وف ،املطبعة ال�سلفية ،طبع
�سنة 1349هـ.
� -240ش ��ذرات الذه ��ب يف �أخب ��ار م ��ن ذه ��ب ،لعبد احلي بن �أحمد ب ��ن حممد بن العماد
ال َعكري احلنبلي ،حتقيق :حممود الأرن�ؤوط ،دار ابن كثري ،الطبعة الأوىل 1406هـ.
� -241ش ��رح التلويح على التو�ض ��يح ملنت التنقيح يف �أ�ص ��ول الفقه ،ل�سعد الدين م�سعود
بن عمر التفتازاين ال�شافعي ،مكتبة �صبيح مب�صر.
380
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -242ش ��رح الزرق ��اين عل ��ى موط� ��أ الإم ��ام مال ��ك ،ملحم ��د ب ��ن عبدالباقي ب ��ن يو�سف
الزرقاين ،مكتبة الثقافة الدينية ،القاهرة ،الطبعة الأوىل 1424هـ.
� -243ش ��رح الزرك�ش ��ي على خمت�ص ��ر اخلرق ��ي ،ملحمد بن عب ��د اهلل الزرك�شي ،حتقيق:
عبداهلل بن عبد الرحمن اجلربين ،مكتبة العبيكان ،الريا�ض الطبعة الأوىل 1413هـ.
� -244ش ��رح ال�س ��نة ،للح�سني بن م�سعود البغوي ،حتقيق� :شعيب الأرن�ؤوط ،وحممد زهري
�شاوي�ش ،املكتب الإ�سالمي ،دم�شق� ،سوريا ،الطبعة الثانية 1403هـ.
� -245شرح القواعد الفقهية ،لأحمد بن حممد الزرقا،دار القلم ،دم�شق،الطبعة الثانية
1428هـ.
-246ال�ش ��رح الكبري ،لأحمد بن حممد الدردير وبهام�شه حا�شية الد�سوقي على ال�شرح
الكبري ،ملحمد بن �أحمد بن عرفه ،دار الفكر ،بريوت ،لبنان.
� -247ش ��رح الكوك ��ب املنري ،ملحمد بن �أحمد بن عب ��د العزيز الفتوحي احلنبلي املعروف
بابن النجار حتقيق:حممد الزحيلي ،ونزيه حماد ،مكتبة العبيكان ،الريا�ض ،الطبعة
الثانية 1418هـ.
-248ال�ش ��رح املمت ��ع عل ��ى زاد امل�س ��تقنع ،ملحمد ب ��ن �صالح العثيم�ي�ن ،دار ابن اجلوزي،
الدمام ،الطبعة الأوىل 1425هـ.
� -249ش ��رح تنقيح الف�ص ��ول يف اخت�ص ��ار املح�صول يف الأ�ص ��ول ،لأبي العبا�س �أحمد بن
�إدري� ��س القرايف ،حتقي ��ق :طه عبدالر�ؤوف �سع ��د� ،شركة الطباع ��ة الفنية املتحدة،
الطبعة الأوىل 1393هـ.
� -250ش ��رح �ص ��حيح البخ ��اري ،الب ��ن بطال �أبي احل�س ��ن علي بن خلف ب ��ن عبد امللك،
حتقيق� :أبو متيم يا�سر بن �إبراهيم ،مكتبة الر�شد ،الريا�ض ،الطبعةالثانية 1423هـ.
� -251شرح خمت�صر الرو�ضة ،ل�سليمان بن عبدالقوي بن عبدالكرمي الطويف ،حتقيق :عبداهلل
بن عبداملح�سن الرتكي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة،بريوت ،لبنان ،الطبعة الأوىل 1407هـ.
381
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -252شرح خمت�صر خليل ،ملحمد بن عبداهلل اخلر�شي ،وبهام�شه حا�شية العدوي ،علي
بن �أحمد بن مكرم ال�صعيدي العدوي ،دار الفكر ،بريوت.
� -253ش ��رح منته ��ى الإرادات ،ملن�صور ب ��ن يون�س البهوتي ،عامل الكت ��ب ،بريوت،لبنان،
الطبعة الأوىل 1414هـ.
-254ال�ش ��رط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�ص ��رة ،ملحمد ب ��ن عبدالعزيز اليمني ،دار
كنوز �أ�شبيليا ،الريا�ض ،الأوىل 1427هـ.
-255ال�ش ��روط التعوي�ض ��ية يف املعام�ل�ات املالي ��ة ،لعياد بن ع�س ��اف العنزي ،دار كنوز
�أ�شبيليا ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1430هـ.
� -256ش ��فاء الغليل يف بيان ال�ش ��به واملخيل وم�س ��الك التعلي ��ل ،لأبي حامد الغزايل،
املكتبة الع�صرية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 2008م.
-257ال�ص ��حاح ت ��اج اللغة و�ص ��حاح العربية ،لإ�سماعيل بن حم ��اد اجلوهري الفارابي،
حتقيق� :أحمد عبد الغفور عطار ،دار العلم للماليني ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الرابعة
1407هـ.
� -258صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان ،ملحمد بن حبان ،حتقيق� :شعيب الأرن�ؤوط،
م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة الثانية 1414هـ.
� -259ص ��حيح ابن خزمية ،لأبي بكر حممد بن �إ�سحاق بن خزمية الني�سابوري ،حتقيق:
حممد م�صطفى الأعظمي ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت.
� -260ص ��حيح البخ ��اري ،ملحم ��د بن �إ�سماعيل البخ ��اري،دار ال�سالم للن�ش ��ر والتوزيع،
الريا�ض ،اململكة العربية ال�سعودية ،الطبعة الثانية 1419هـ.
� -261ص ��حيح م�س ��لم ،مل�سل ��م ب ��ن حج ��اج الني�ساب ��وري ،دار ال�سالم للن�ش ��ر والتوزيع،
الريا�ض ،اململكة العربية ال�سعودية ،الطبعة الثانية 1421هـ.
� -262صناعة الفتوى وفقه الأقليات ،لعبداهلل بن ال�شيخ املحفوظ بن بيه ،دار املنهاج،
جدة ،الطبعة الأوىل 1428هـ.
382
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
� -263صناعة الهند�سة املالية ،ل�سامي ال�سويلم ،من�شور يف موقع الدكتور �سامي ال�سويلم.
-264ال�ض ��عفاء ال�ص ��غري ،ملحمد بن �إ�سماعيل البخ ��اري� ،أبو عبد اهلل ،حتقيق :حممود
�إبراهيم زايد ،دار الوعي ،حلب ،الطبعة الأوىل 1396هـ.
-265ال�ضعفاء الكبري ،لأبي جعفر حممد بن عمرو بن مو�سى بن حماد العقيلي ،حتقيق:
عبد املعطي �أمني قلعجي ،دار املكتبة العلمية ،بريوت ،الطبعةالأوىل 1404هـ.
-266ال�ض ��وء الالم ��ع لأهل القرن التا�س ��ع ،ملحمد بن عب ��د الرحمن بن حممد بن �أبي
بكر ال�سخاوي ،دار مكتبة احلياة ،بريوت.
� -267ض ��وابط االجتهاد يف املعامالت املالية املعا�ص ��رة ،لأحمد ال�ضويحي ،بحث من�شور
يف م�ؤمت ��ر امل�ؤ�س�س ��ات املالية الإ�سالمي ��ة ،كلية ال�شريعة والقان ��ون ،جامعة الإمارات
العربية املتحدة ،امل�ؤمتر العلمي ال�سنوي الرابع ع�شر.
� -268ضوابط احلاجة التي تنزل منزلة ال�ضرورة ،لوليد الزير ،بحث من�شور يف جملة
جامعة دم�شق للعلوم االقت�صادية والقانونية ،املجلد ،26العدد الأول2010،م.
-269ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية ،لعبداهلل ال�سكاكر ،بحث غري من�شور.
� -270ض ��وابط العقود ،لعبداحلمي ��د حممود البعلي ،مكتبة وهب ��ة ،القاهرة ،الطبعة
الأوىل.
� -271ض ��وابط امل�ص ��لحة يف ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية ،ملحمد �سعيد رم�ض ��ان البوطي ،دار
الفكر ،الطبعة الثامنة 1431ه.
-272طبقات ال�ش ��افعية الكربى ،لعبد الوهاب بن تقي الدين ال�سبكي ،حتقيق :حممود
حمم ��د الطناحي وعب ��د الفتاح حممد احلل ��و ،دار هجر للطباع ��ة والن�شر والتوزيع،
الطبعة الثانية 1413هـ.
-273طبق ��ات ال�ش ��افعية ،لأحم ��د بن حممد ب ��ن عمر الأ�سدي ال�شهب ��ي الدم�شقي ،تقي
الدي ��ن ابن قا�ضي �شهبة ،حتقي ��ق :احلافظ عبد العليم خان ،ع ��امل الكتب ،الطبعة
الأوىل 1407هـ.
383
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-274طبقات ال�ش ��افعيني ،لأبي الفداء �إ�سماعيل بن عمر بن كثري القر�شي الب�صري ثم
الدم�شق ��ي ،حتقيق� :أحمد عمر ها�شم ،وحممد زينه ��م حممد عزب ،مكتبة الثقافة
الدينية ،طبعة عام 1413هـ.
-275الطبقات الكربى ،الق�س ��م املتمم لتابعي �أهل املدينة ومن بعدهم ،لأبي عبد اهلل
حمم ��د بن �سعد بن منيع ،املعروف بابن �سعد ،حتقي ��ق :زياد حممد من�صور ،مكتبة
العلوم واحلكم ،املدينة املنورة ،الطبعة الثانية 1408ه.
-276طبقات املف�س ��رين ،لأحمد بن حممد الأدنوي ،حتقيق� :سليمان بن �صالح اخلزي،
مكتبة العلوم واحلكم ،املدينة املنورة ،الطبعة الأوىل1417ه.
-277ط ��رح الترثيب يف �ش ��رح التقريب ،لعبد الرحيم ب ��ن احل�سني العراقي ،دار الفكر
العربي ،القاهرة ،م�صر.
-278الطرق احلكمية يف ال�سيا�سة ال�شرعية ،لأبي عبد اهلل حممد بن �أبي بكر بن القيم
اجلوزية ،حتقيق :نايف بن �أحمد احلمد� ،إ�شراف :بكر بن عبداهلل �أبو زيد ،دار عامل
الفوائد ،مكة املكرمة ،الطبعة الأوىل 1428هـ.
-279العدة يف �أ�ص ��ول الفقه ،للقا�ضي �أبي يعلى ،حممد بن احل�سني بن حممد بن خلف
ابن الفراء ،حتقيق� :أحمد بن علي بن �سري املباركي ،الطبعة الثانية 1410هـ.
-280عق ��د الإج ��ارة املنته ��ي بالتملي ��ك� ،سع ��د بن نا�صر ال�ش�ث�ري ،دار كن ��وز �إ�شبيليا،
الريا�ض ،الطبعة الثانية 1430ه.
-281عق ��د الإج ��ارة املنتهية بالتمليك ،ملحمد يو�سف عارف احلاج ،ر�سالة مقدمة لنيل
درجة املاج�ستري يف الفقه بجامعة النجاح الوطنية يف نابل�س فل�سطني ،عام 2003م.
-282عقد اال�ست�صناع �أو عقد املقاولة يف الفقه الإ�سالمي ،لكا�سب عبد الكرمي بدران،
الطبعة الثانية 1404هـ.
-283عق ��د اال�ست�ص ��ناع ،لل�سالو� ��س ،من�ش ��ور يف جملة جمم ��ع الفق ��ه الإ�سالمي ،العدد
ال�سابع.
384
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-284عقد البيع ،مل�صطفى �أحمد الزرقا ،دار القلم ،دم�شق ،الطبعة الثانية 1433هـ.
-285عقد الت�أمني ،لوهبة الزحيلي ،دار املكتبي ،دم�شق ،الطبعة الأوىل 1416هـ.
-286عق ��د اجلواه ��ر الثمين ��ة يف مذه ��ب عامل املدين ��ة ،لعبداهلل بن جن ��م ابن �شا�س،
حتقي ��ق :حممد �أبو الأجفان ،وعبداحلفيظ من�ص ��ور ،دار الغرب الإ�سالمي ،الطبعة
الأوىل 1415هـ.
-287عق ��د اجلي ��د يف �أح ��كام االجته ��اد والتقلي ��د ،لأحمد بن عبد الرحي ��م بن ال�شهيد
املعروف بـال�شاه ويل اهلل الدهلوي ،حتقيق :حمب الدين اخلطيب ،املطبعة ال�سلفية،
القاهرة.
-288عق ��د القر�ض وم�ش ��كلة الفائ ��دة ،ملحمد ر�شيد علي اجلزائ ��ري ،م�ؤ�س�سة الريان،
بريوت ،الطبعة الأوىل 1428هـ.
-289عقود التحوط من خماطر تذبذب �أ�سعار العمالت ،لطالل بن �سليمان الدو�سري،
دار كنوز �إ�شبيليا ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1431هـ.
-290عق ��ود التمويل امل�س ��تجدة يف امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية ،حلامد ب ��ن ح�سن مرية ،دار
امليمان ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1432هـ.
-291العقود الدرية يف تنقيح الفتاوى احلامدية ،ملحمد �أمني بن عمر بن عبد العزيز
عابدين الدم�شقي احلنفي ،دار املعرفة ،بريوت.
-292العق ��ود املالية املركب ��ة ،لعبداهلل بن حممد العمراين ،دار كنوز �إ�شبيليا ،الريا�ض،
الطبعة الأوىل 1427هـ.
-293العق ��ود املركب ��ة يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي ،لنزيه حم ��اد ،دار القل ��م ،دم�شق ،الطبعة
الثانية 1432هـ.
-294العقود امل�ستجدة ،ملحمد علي القري ،جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد العا�شر.
385
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-295العل ��ل ال ��واردة يف الأحادي ��ث النب ��وي ،لأب ��ي احل�س ��ن عل ��ي ب ��ن عم ��ر ب ��ن �أحمد
الدارقطني ،حتقيق :حمفوظ الرحمن زين اهلل ال�سلفي ،دار طيبة ،الريا�ض ،الطبعة
الأوىل 1405هـ.
-296العلل ومعرفة الرجال ،لأبي عبد اهلل �أحمد بن حممد بن حنبل بن هالل بن �أ�سد
ال�شيب ��اين ،رواية ابنه عب ��داهلل ،حتقيق :و�صي اهلل بن حمم ��د عبا�س ،دار اخلاين,
الريا�ض ،الطبعةالثانية1422هـ.
-297العل ��ل ومعرف ��ة الرج ��ال ،لأبي عب ��د اهلل �أحمد بن حممد بن حنب ��ل بن هالل بن
�أ�سد ال�شيباين ،رواية املروذي ،حتقيق� :صبحي البدري ال�سامرائي ،مكتبة املعارف،
الريا�ض ،الطبعة الأوىل1409هـ.
-298علم �أ�صول الفقه ،لعبدالوهاب خالف ،دار احلديث ،القاهرة.
-299عم ��دة التحقي ��ق يف التقلي ��د والتلفي ��ق ،ملحم ��د �سعي ��د ب ��ن عبدالرحم ��ن الباين
احل�سين ��ي ،عن ��ي به وعلق علي ��ه :ح�سن ال�سماح ��ي �سويدان ،دار الق ��ادري ،دم�شق،
الطبعة الثانية 1418هـ.
-300عم ��دة القاري �ش ��رح �ص ��حيح البخاري ،لبدر الدين �أب ��ي حممد حممود بن �أحمد
العيني ،دار �إحياء الرتاث العربي،بريوت.
-301العناية �شرح الهداية ،ملحمد بن حممود البابرتي ،دار الفكر ،بريوت.
-302غاي ��ة الو�ص ��ول يف �ش ��رح ل ��ب الأ�ص ��ول ،لزكري ��ا بن حمم ��د بن �أحمد ب ��ن زكريا
الأن�صاري ال�سنيكي ،دار الكتب العربية الكربى ،م�صر.
-303الغاية والتقريب يف الفقه ال�شافعي( منت �أبي �شجاع) ،للقا�ضي �أبي �شجاع �أحمد
بن احل�سني الأ�صفهاين ،عامل الكتب ،بريوت.
-304الغ ��رر عر�ض ومناق�ش ��ة لكتاب ال�ض ��رير ،لرفيق امل�ص ��ري ،بحث من�شور يف جملة
ح ��وار الأربعاء التي ت�صدر م ��ن مركز �أبحاث االقت�ص ��اد الإ�سالمي يف جامعة امللك
عبدالعزيز بجدة2010-2009 ،م.
386
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-305الغ ��رر و�أث ��ره يف العق ��ود يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي ،لل�صديق حمم ��د الأمني ال�ضرير،
�سل�سل ��ة �صال ��ح كامل للر�سائ ��ل اجلامعية يف االقت�ص ��اد الإ�سالمي ،الطبع ��ة الثانية
1416هـ.
-306غري ��ب احلدي ��ث ،لأب ��ي ُعبيد القا�سم ب ��ن �س ّالم بن عبد اهلل اله ��روي البغدادي،
حتقيق :حممد عبد املعيد خان ،مطبعة دائرة املعارف العثمانية ،حيدر �آباد ،الطبعة
الأوىل 1384هـ.
-307غري ��ب احلدي ��ث ،جلم ��ال الدي ��ن �أب ��ي الف ��رج عب ��د الرحمن بن عل ��ي بن حممد
اجل ��وزي ،حتقي ��ق :عبد املعطي �أمني القلعج ��ي ،دار الكتب العلمي ��ة ،بريوت ،لبنان،
الطبعة الأوىل 1405هـ.
-308غمز عيون الب�ص ��ائر يف �ش ��رح الأ�ش ��باه والنظائر،لأحمد بن حممد احلموي ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الأوىل 1405هـ.
-309غي ��اث الأمم يف التي ��اث الظل ��م (الغياث ��ي) ،لأب ��ي املع ��ايل عبداملل ��ك بن عبداهلل
اجلويني ،حتقيق :عبدالعظيم الديب ،مكتبة �إمام احلرمني ،الطبعة الثانية1401هـ.
-310الفائ ��ق يف غري ��ب احلدي ��ث والأث ��ر ،لأب ��ي القا�س ��م حممود بن عم ��رو بن �أحمد،
الزخم�شري ،حتقيق :علي حممد البجاوي ،وحممد �أبو الف�ضل �إبراهيم ،دار املعرفة،
لبنان ،الطبعة الثانية.
-311فت ��اوى ابن ال�ص�ل�اح ،لعثم ��ان بن عبد الرحمن املعروف باب ��ن ال�صالح ،حتقيق:
موف ��ق عبد اهلل عبد الق ��ادر ،مكتبة العل ��وم واحلكم ,عامل الكتب ،ب�ي�روت ،الطبعة
الأوىل1407هـ.
-312الفتاوى االقت�صادية ،ملجموعة من امل�ؤلفني ،موجود يف املكتبة ال�شاملة.
-313فتاوى الإمام حممد ر�ش ��يد ر�ض ��ا ،جمع� :ص�ل�اح الدين املنجد ،ويو�سف اخلوري،
الدار العمرية ،الطبعة الأوىل 1426هـ.
387
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-314الفت ��اوى الفقهي ��ة الكربى،لأحم ��د ب ��ن حممد ب ��ن حجر الهيتم ��ي ،جمعها :عبد
القادر بن �أحمد بن علي الفاكهي املكي ،املكتبة الإ�سالمية.
-315الفت ��اوى الك�ب�رى ،لأحم ��د بن عبداحلليم بن تيمي ��ة ،دار الكتب العلمية ،بريوت،
لبنان ،الطبعة الأوىل 1408هـ.
-316فت ��اوى اللجن ��ة الدائم ��ة للبح ��وث العلمي ��ة والإفت ��اء ،جم ��ع وترتي ��ب� :أحمد بن
عبدالعزي ��ز الدوي� ��ش ،حت ��ت �إ�ش ��راف :الرئا�سة العام ��ة للبحوث العلمي ��ة والإفتاء،
الريا�ض ،الطبعة اخلام�سة1427هـ.
-317الفت ��اوى الهندي ��ة ،للجن ��ة علماء برئا�س ��ة نظام الدين البلخ ��ي ،وبهام�شه فتاوى
قا�ض ��ي خان ،حل�سن ب ��ن من�صور الأوزجندي الفرغ ��اين ،دار الفكر ،الطبعة الثانية
1310هـ.
-318فت ��اوى �ش ��يخ الإ�س�ل�ام عز الدين بن عبدال�س�ل�ام ،حتقي ��ق :حممد جمعة كردي،
م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1416هـ.
-319فت ��اوى معا�ص ��رة ،ليو�سف القر�ضاوي ،املكتب الإ�سالم ��ي ،بريوت ،الطبعة الأوىل
1421هـ.
-320الفتاوى ،ملحمود �شلتوت ،دار ال�شروق ،القاهرة ،الطبعة الثامنة ع�شرة 1424هـ.
-321فت ��ح الب ��اري ب�ش ��رح �ص ��حيح الإم ��ام البخ ��اري ،لأحم ��د ب ��ن عل ��ي ب ��ن حج ��ر
الع�سقالين،حتقيق :حمب الدين اخلطيب ،رقم كتبه و�أبوابه و�أحاديثه :حممد ف�ؤاد
عبدالباقي ،دار الكتب العلمية ،بريوت1379 ،هـ.
-322فتح الباري يف �ش ��رح �ص ��حيح البخاري ،لأبي الفرج عبدالرحمن بن �شهاب الدين
ال�شهري بابن رجب احلنبلي ،حتقيق :طارق بن عو�ض اهلل ،دار ابن اجلوزي ،الدمام،
الطبعة الثالثة 1425هـ.
-323فت ��ح الذرائ ��ع و�أث ��ره يف الفقه الإ�س�ل�امي ،ملحمد ريا�ض فخ ��ري الطبقجلي ،دار
النفائ�س ،الأردن ،الطبعة الأوىل 1432هـ.
388
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-324فت ��ح العزي ��ز �ش ��رح الوجي ��ز ،لأب ��ي القا�سم عب ��د الكرمي بن حمم ��د الرافعي ،دار
الفكر ،بريوت ،لبنان.
-325فتح العلي املالك يف الفتوى على مذهب الإمام مالك ،لأبي عبداهلل ال�شيخ حممد
�أحمد علي�ش ،دار املعرفة ،بريوت.
-326فتح القدير ،لكمال الدين حممد املعروف بابن الهمام ،دار الفكر.
-327الفتوى يف الإ�سالم ،جلمال الدين القا�سمي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة
الأوىل 1406هـ.
-328الف ��روع ،لأب ��ي عب ��د اهلل حممد بن مفل ��ح املقد�س ��ي ،وبهام�شه حا�شي ��ة ت�صحيح
الف ��روع ،لع�ل�اء الدين علي بن �سليمان املرداوي ،حتقي ��ق :عبد اهلل بن عبد املح�سن
الرتكي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1424هـ.
-329الفروق يف �أ�صول الفقه ،لعبداللطيف بن �أحمد احلمد ،دار ابن اجلوزي ،الدمام،
الطبعة الأوىل 1431هـ.
-330الف ��روق ،لأحم ��د بن �إدري�س الق ��رايف ،وبهام�شه تهذيب الف ��روق ،ملحمد بن علي،
عامل الكتب ،بريوت ،لبنان
-331ف�ص ��ول البدائع يف �أ�ص ��ول ال�ش ��رائع ،ملحمد بن حمزة بن حممد الفرني الرومي،
حتقي ��ق :حممد ح�س�ي�ن حممد ح�سن �إ�سماعيل ،دار الكت ��ب العلمية ،بريوت ،الطبعة
الأوىل 1427هـ.
-332الف�ص ��ول يف الأ�ص ��ول ،ل �أحمد بن علي �أبو بكر الرازي اجل�صا�ص احلنفي ،وزارة
الأوقاف الكويتية ،الطبعة الثانية 1414هـ
-333فقه الإمام ابن �شربمة الكويف ،ملحمد ر�ضا عبداجلبار العاين ،دار الكتب العلمية،
بريوت ،الطبعة الأوىل 2008م.
-334فق ��ه الأولوي ��ات يف املعامالت املالية املعا�ص ��رة ،لعلي بن ح�سني العايدي ،دار كنوز
�إ�شبيليا ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1433هـ.
389
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-335فق ��ه ال�س�ي�رة ،ملحم ��د الغ ��زايل م ��ع تخري ��ج الأحادي ��ث للألب ��اين ،دار ال�شروق،
القاهرة ،الطبعة الثانية 1424هـ.
-336فقه املعامالت املالية املعا�صرة ،ل�سعد بن تركي اخلثالن ،دار ال�صميعي ،الريا�ض،
الطبعة الثانية 1433هـ.
-337فق ��ه املعام�ل�ات املالي ��ة ،لرفيق ب ��ن يون�س امل�صري ،دار القل ��م ،دم�شق ،الطبعة
الأوىل 1426هـ.
-338فق ��ه الن ��وازل ،ملحم ��د بن ح�س�ي�ن اجلي ��زاين ،دار ابن اجلوزي ،الدم ��ام ،الطبعة
الثانية 1427هـ.
-339الفكر ال�سامي يف تاريخ الفقه الإ�سالمي ،ملحمد بن احل�سن بن العربي بن حممد
احلجوي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1416هـ.
-340الفواكه الدواين على ر�س ��الة �أبي زيد القريواين ،لأحمد بن غنيم النفراوي،دار
الفكر ،بريوت ،لبنان ،طبعة عام 1405هـ.
-341فوائ ��د البنوك هي الربا احلرام ،ليو�س ��ف القر�ضاوي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت،
الطبعة الثانية 1421هـ.
-342الفوائد يف اخت�ص ��ار املقا�ص ��د( القواعد ال�ص ��غرى) ،لعبد العزيز بن عبد ال�سالم
بن �أبي القا�سم بن احل�سن ال�سلمي الدم�شقي ،حتقيق� :إياد خالد الطباع ،دار الفكر
املعا�صر ،دار الفكر ،دم�شق ،الطبعة الأوىل 1416هـ.
-343يف ظالل القر�آن ،ل�سيد قطب ،دار ال�شروق ،بريوت ،الطبعة ال�سابعة ع�شرة 1412هـ.
-344يف فق ��ه املعامالت املالية وامل�ص ��رفية املعا�ص ��رة ،لنزيه حم ��اد ،دار القلم ،دم�شق،
الطبعة الأوىل 1428هـ.
-345في� ��ض الب ��اري على �ص ��حيح البخ ��اري ،ملحمد �أن ��ور �شاه الديوبن ��دي ،حتقيق:
حممد بدر عامل املريتهي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1426هـ.
390
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-346في� ��ض القدي ��ر �ش ��رح اجلامع ال�ص ��غري ،لزين الدين حممد املدع ��و بعبد الر�ؤوف
ب ��ن ت ��اج العارف�ي�ن املن ��اوي القاهري،املكتب ��ة التجاري ��ة الك�ب�رى ،م�ص ��ر ،الطبعة
الأوىل1356هـ.
-347قاع ��دة الغ ��رر ،لعب ��داهلل ال�سكاكر ،بحث من�ش ��ور يف جملة ال�شريع ��ة والدرا�سات
الإ�سالمية ،ال�صادرة من جامعة الكويت ،ال�سنة ،22العدد 1428 ،69هـ.
-348قاع ��دة �س ��د الذرائ ��ع وتطبيقاته ��ا املعا�ص ��رة ،بح ��ث من�ش ��ور يف جمل ��ة ال�شريعة
والدرا�سات الإ�سالمية ،ال�صادرة من جامعة الكويت ،ال�سنة ،26العدد 1433 ،87هـ.
-349القامو� ��س املحي ��ط ،ملج ��د الدين حممد بن يعقوب الفريوز�أب ��ادي ،حتقيق :مكتب
العرق�سو�سي ،م�ؤ�س�سة
ُ حتقي ��ق ال�ت�راث يف م�ؤ�س�سة الر�سالة ب�إ�ش ��راف :حممد نعي ��م
الر�سالة ،بريوت ،الطبعة الثامنة 1426هـ.
-350قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي ،دار كنوز �إ�شبيليا ،الريا�ض ،الطبعة
الأوىل 1431هـ.
-351ق�ض ��ايا الفق ��ه والفك ��ر املعا�ص ��ر ،لوهب ��ة الزحيلي ،دار الفك ��ر ،دم�شق ،الطبعة
الأوىل 1247هـ.
-352ق�ض ��ايا فقهي ��ة معا�ص ��رة يف امل ��ال واالقت�ص ��اد ،لنزيه حم ��اد ،دار القلم ،دم�شق،
الطبعة الثانية1433هـ.
-353ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي ،ل�سامي بن �إبراهيم ال�سويلم ،دار كنوز
�إ�شبيليا ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1430هـ.
-354قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ،لعبدالعزيز بن عبدال�سالم ،راجعه وعلق عليه:
طه عبدالر�ؤوف �سعد ،مكتبة الكليات الأزهرية ،القاهرة ،طبعة عام 1414هـ.
-355قواع ��د الفق ��ه ،ملحمد عمي ��م الإح�سان املجددي الربكت ��ي ،دار ال�صدف ببل�شرز،
كرات�شي ،الطبعة الأوىل 1407هـ.
391
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
392
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-366الكايف ،لأبي حممد بن قدامة املقد�سي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل
1414هـ.
-367الكامل يف �ضعفاء الرجال ،لأبي �أحمد بن عدي اجلرجاين ،حتقيق :عادل �أحمد
عبد املوجود ،وعلي حممد معو�ض ،وعبد الفتاح �أبو �سنة ،دار الكتب العلمية ،بريوت،
الطبعة الأوىل 1418هـ.
-368كت ��اب الع�ي�ن ،لأبي عب ��د الرحمن اخلليل ب ��ن �أحمد الفراهي ��دي ،حتقيق :مهدي
املخزومي ،و�إبراهيم ال�سامرائي ،دار ومكتبة الهالل.
-369الك�س ��ب ،ملحمد بن احل�سن بن فرقد ال�شيباين ،حتقيق� :سهيل زكار ،النا�شر :عبد
الهادي حر�صوين ،دم�شق ،الطبعة الأوىل1400ه.
-370ك�ش ��اف القن ��اع عن منت الإقن ��اع ،ملن�صور بن يون�س البهوت ��ي ،دار الكتب العلمية،
بريوت ،لبنان.
-371الك�ش ��اف عن حقائق غوام�ض التنزيل ،لأبي القا�سم حممود بن عمرو بن �أحمد،
الزخم�شري ،دار الكتاب العربي ،بريوت ،الطبعة الثالثة 1407هـ.
-372ك�شف الأ�سرار عن �أ�صول فخر الإ�سالم البزدوي ،لعبدالعزيز بن �أحمد بن حممد
البخاري ،دار الكتاب العربي.
-373ك�ش ��ف الظنون عن �أ�س ��امي الكتب والفنون ،مل�صطفى بن عبد اهلل امل�شهور با�سم
حاجي خليفة ،مكتبة املثنى ،بغداد ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،طبعة عام1941م.
-374اللباب يف اجلمع بني ال�سنة والكتاب ،جلمال الدين �أبي حممد علي بن �أبي يحيى
زكري ��ا املنبجي ،حتقيق :حممد ف�ض ��ل عبد العزيز املراد ،دار القلم ،الدار ال�شامية،
الطبعة الثانية 1414هـ.
-375ل�س ��ان الع ��رب ،لأبي الف�ضل جمال الدين حممد ب ��ن مكرم بن منظور ،دار �صادر،
بريوت ،الطبعة الثالثة 1414هـ.
-376لقاءات الباب املفتوح ،ملحمد بن �صالح العثيمني ،مكتب دار الب�صرية ،م�صر.
393
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-377اللم ��ع يف �أ�ص ��ول الفقه ،لأبي ا�سحاق �إبراهيم ب ��ن علي بن يو�سف ال�شريازي ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الثانية 1424هـ.
-378م ��ا �ش ��اع ومل يثب ��ت يف ال�س�ي�رة النبوي ��ة ،ملحمد بن عبداهلل العو�ش ��ن ،دار طيبة،
الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1429ه.
-379مال ��ك حيات ��ه وع�ص ��ره ،ملحم ��د �أبو زه ��رة ،دار الفكر العربي ،القاه ��رة ،الطبعة
الرابعة 2002م.
-380املبادئ االقت�صادية يف الإ�سالم والبناء االقت�صادي يف الدولة ،لعلي عبدالر�سول،
دار الفكر ،طبعة عام 1980م.
-381مب ��ادئ عل ��م االقت�ص ��اد ،ملحمد يحيى عوي�س ،دار الن�ص ��ر للطباعة ،م�صر ،طبعة
عام 1969م.
-382مب ��د�أ الر�ض ��ا يف العق ��ود ،لعل ��ي حمي ��ي الدي ��ن عل ��ي الق ��ره داغ ��ي ،دار الب�شائر
الإ�سالمية ،الطبعة الثالثة1429هـ.
-383املبدع �شرح املقنع ،لإبراهيم بن حممد بن عبد اهلل ابن مفلح ،دار الكتب العلمية،
بريوت ،الطبعة الأوىل 1418هـ.
-384املب�س ��وط ،ملحم ��د بن �أحم ��د ال�سرخ�س ��ي ،داراملعرفة ،بريوت ،لبن ��ان ،طبعة عام
1414هـ.
الح ��كام العدلي ��ة ،للجن ��ة مكون ��ة م ��ن عدة علم ��اء وفقه ��اء يف اخلالفة -385جمل ��ة أ
جتارت كتب� ،آرام
ِ العثماني ��ة ،حتقيق :جنيب هواويني ،النا�شر :نور حممد ،كارخانه
باغ ،كرات�شي.
-386جملة الأمة القطرية ،العدد ،61حمرم 1406ه ،والعدد ،64ربيع الآخر 1406هـ.
-387جمل ��ة املجمع الفقهي الإ�س�ل�امي مبكة املكرمة ،ال ��دورة ال�سابعة ع�شرة ،القرار
الثاين ،يف الفرتة 1424 /10/23-19هـ.
-388جمل ��ة جامع ��ة املل ��ك عبدالعزيز بج ��دة ،االقت�صاد الإ�سالم ��ي ،املجلد اخلام�س،
1413هـ.
394
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-389جمل ��ة جممع الفقه الإ�س�ل�امي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�س�ل�امي بجدة ،ت�صدر
عن منظمة امل�ؤمتر اال�سالمي بجدة ،الأعداد من 13-1موجود يف املكتبة ال�شاملة.
-390جممع الأنهر يف �شرح ملتقى الأبحر ،لعبد الرحمن بن حممد بن �سليمان املدعو
ب�شيخي زاده ,يعرف بداماد �أفندي ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت.
-391جمم ��ع ال�ض ��مانات ،لأبي حممد غ ��امن بن حممد البغدادي احلنف ��ي ،دار الكتاب
الإ�سالمي ،القاهرة.
-392جمم ��ل اللغ ��ة البن فار�س ،لأحمد بن فار� ��س الرازي ،حتقيق :زهري عبد املح�سن
�سلطان ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة الثانية 1406ه.
-393جمموع الفتاوى ،لأحمد بن عبد احلليم بن تيمية ،جمع :عبد الرحمن بن حممد
ب ��ن قا�سم ،جممع املل ��ك فهد لطباعة امل�صح ��ف ال�شريف ،املدين ��ة النبوية ،اململكة
العربية ال�سعودية1416 ،هـ.
-394املجم ��وع �ش ��رح املهذب ،ليحيى ب ��ن �شرف النووي ،دار الفك ��ر( .طبعة كاملة معها
تكملة ال�سبكي واملطيعي).
-395جمموع فتاوى ور�سائل ف�ضيلة ال�شيخ حممد بن �صالح العثيمني ،جمع وترتيب:
فهد بن نا�صر بن �إبراهيم ال�سليمان ،دار الوطن ،دار الرثيا ،طبعة عام 1413هـ.
-396جمم ��وع فتاوى ومقاالت متنوع ��ة ،لعبد العزيز بن عبداهلل بن باز ،جمع :حممد
ب ��ن �سعد ال�شويعر ،طبع ب�إ�شراف رئا�سة �إدارة البح ��وث العلمية والإفتاء ،الريا�ض،
الطبعة الأوىل 1421هـ.
-397املح ��رر الوجي ��ز يف تف�س�ي�ر الكت ��اب العزي ��ز ،لأب ��ي حمم ��د عبداحل ��ق ب ��ن عطية
الأندل�س ��ي ،حتقي ��ق :عبد ال�سالم عبد ال�ش ��ايف حممد ،دار الكت ��ب العلمية ،بريوت،
الطبعة الأوىل 1422هـ.
-398املح�ص ��ول يف �أ�ص ��ول الفق ��ه ،للقا�ض ��ي حمم ��د بن عب ��د اهلل �أبي بكر ب ��ن العربي
املعافري اال�شبيلي املالكي ،حتقي ��ق :ح�سني علي اليدري ،و�سعيد فودة ،دار البيارق،
عمان ،الطبعة الأوىل1420هـ.
395
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-399املحك ��م واملحي ��ط الأعظ ��م ،لأب ��ي احل�س ��ن علي ب ��ن �إ�سماعيل بن �سي ��ده املر�سي،
حتقيق :عبد احلميد هنداوي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعةالأوىل1421هـ.
-400املحلى ،لعلي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم الظاهري ،دار الفكر ،بريوت ،لبنان.
-401املحي ��ط الربه ��اين ،ملحمود ب ��ن �أحمد بره ��ان الدين مازه ،حتقي ��ق :عبدالكرمي
�سامي اجلندي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1424هـ.
-402املخ ��ارج ال�ش ��رعية �ض ��وابطها و�أثره ��ا يف تقومي �أن�ش ��طة امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية،
حل�س�ي�ن يو�س ��ف حمم ��د العبيدي ،ر�سال ��ة مقدمة لني ��ل درجة الدكت ��وراه يف جامعة
الريموك بالأردن يف عام 2009م.
-403املخ ��ارج يف احلي ��ل ،ملحمد بن احل�سن ال�شيباين ،مكتبة الثقافة الدينية ،القاهرة،
طبعة عام 1419هـ.
-404خمتار ال�ص ��حاح ،ملحمد بن �أبي بكر بن عبدالقادر الرازي،حتقيق :يو�سف ال�شيخ
حممد ،املكتبة الع�صرية ،بريوت ،الطبعة اخلام�سة 1420هـ.
-405خمت�ص ��ر املزين ،لأب ��ي �إبراهيم �إ�سماعيل بن يحيى امل ��زين ،دار املعرفة ،بريوت،
طبعة عام 1410هـ.
-406املخت�صر الن�صيح يف تهذيب الكتاب اجلامع ال�صحيح ،للمهلب بن �أبي �صفرة بن
عب ��داهلل الأ�سدي التميمي ،حتقيق� :أحمد بن فار� ��س ال�سلوم ،دار التوحيد ،دار �أهل
ال�سنة ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1430هـ.
-407خمت�صر خليل ،خلليل بن �إ�سحاق بن مو�سى املالكي امل�صري ،حتقيق� :أحمد جاد،
دار احلديث ،القاهرة ،الطبعة الأوىل 1426هـ.
-408املخت�ص ��ر يف �أ�ص ��ول الفق ��ه عل ��ى مذه ��ب الإم ��ام �أحمد بن حنبل ،الب ��ن اللحام،
�أب ��ي احل�سن عل ��ي بن حممد بن عبا� ��س البعلي الدم�شقي احلنبل ��ي ،حتقيق :حممد
مظهربقا ،طبعة جامعة امللك عبد العزيز.
-409املداينة ،ملحمد بن �صالح العثيمني ،دار الوطن ،الريا�ض ،طبعة عام 1423هـ.
396
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-410املدخ ��ل الفقه ��ي الع ��ام ،مل�صطف ��ى الزرق ��ا ،دار القل ��م ،دم�ش ��ق ،الطبع ��ة الثانية
1425هـ.
-114املدخ ��ل �إىل االقت�ص ��اد الإ�س�ل�امي ،لعلي حميي الدين الق ��ره داغي ،دار الب�شائر
الإ�سالمية ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية 1431هـ.
-412مدخل للهند�سة املالية الإ�سالمية ،لفتح الرحمن علي ،من�شور يف جملة امل�صريف،
بنك ال�سودان2002 ،م.
-413املدون ��ة ،للإم ��ام مالك ب ��ن �أن�س الأ�صبح ��ي ،دار الكتب العلمي ��ة ،بريوت،لبنان،
الطبعة الأوىل 1415هـ.
-414مذكرة يف �أ�صول الفقه ،ملحمد الأمني بن حممد املختار ال�شنقيطي ،مكتبة العلوم
واحلكم ،املدينة املنورة ،الطبعة اخلام�سة1422هـ.
-415املرابح ��ة للآمر بال�ش ��راء ،لل�صديق ال�ضرير ،بحث من�شور يف جملة جممع الفقه
الإ�سالمي ،العدد اخلام�س.
-416مراتب الإجماع ،لعلي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم ،دار الكتب العلمية ،بريوت.
-417امل�س ��الك يف �ش ��رح موط� ��أ مالك ،للقا�ضي �أبي بك ��ر حممد بن عبداهلل بن العربي،
حتقيق:حمم ��د بن احل�سني ال�سليماين ،وعائ�شة بنت احل�سني ال�سليماين ،دار الغرب
الإ�سالمي ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الأوىل 1428هـ.
ال�س ِج ْ�ست ��اين،
-418م�س ��ائل الإم ��ام �أحم ��د ،لأب ��ي داود �سليم ��ان ب ��ن الأ�شع ��ث الأزدي ِّ
حتقي ��ق� :أبي مع ��اذ طارق بن عو�ض اهلل بن حممد ،مكتبة ابن تيمية ،م�صر ،الطبعة
الأوىل1420هـ.
-419امل�ستدرك على ال�صحيحني ،لأبي عبداهلل احلاكم ،حتقيق :م�صطفى عبد القادر
عطا ،دار املعرفة ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1411هـ.
-420امل�ستدرك على جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ،لأبي العبا�س �أحمد بن عبد احلليم
بن تيمية احلراين ،جمع :حممد بن عبد الرحمن بن قا�سم ،الطبعة الأوىل 1418هـ.
397
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-421امل�ست�صفى ،لأبي حامد حممد بن حممد الغزايل ،حتقيق :حممد عبد ال�سالم عبد
ال�شايف ،دار الكتب العلمية ،الطبعة الأوىل 1413هـ.
-422م�سند الإمام �أحمد بن حنبل ،حتقيق� :شعيب الأرن�ؤوط ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،الطبعة
الأوىل 1421هـ.
-423امل�س ��ودة يف �أ�ص ��ول الفق ��ه ،لآل تيمي ��ة ،تتابع على ت�أليفه ثالثة م ��ن �أئمة �آل تيمية:
ب ��د�أ بت�صنيفها اجل ّد :جمد الدين عبد ال�سالم بن تيمي ��ة ،و�أ�ضاف �إليها الأب :عبد
احلليم ب ��ن تيمية ،ثم �أكملها االبن احلفيد� :أحمد ب ��ن تيمية ،حتقيق :حممد حميي
الدين عبد احلميد ،دار الكتاب العربي ،بريوت.
-424امل�شاركة املتناق�صة ،لعبدال�ستار �أبو غدة ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي،
العدد اخلام�س ع�شر.
-425امل�ش ��اركة املتناق�ص ��ة ،لنزيه حماد ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد
الثالث ع�شر.
-426م�شاهد من املقا�صد ،لعبداهلل بن ال�شيخ املحفوظ بن بيه ،دار وجوه ،الريا�ض،
الطبعة الأوىل 1431هـ.
-427امل�شتقات املالية ودورها يف �إدارة املخاطر ودور الهند�سة املالية يف �صناعة �أدواتها،
ل�سمري ر�ضوان ،دار الن�شر للجامعات ،م�صر ،الطبعة الأوىل1426هـ.
-428امل�شقة على النف�س ال�صادرة من ذات املكلف ،لعبدالعزيز بن حممد العويد ،عمادة
البحث العلمي بجامعة امللك �سعود ،عام 1431هـ.
-429م�ص ��ادر الت�ش ��ريع الإ�س�ل�امي فيما ال ن�ص في ��ه ،لعبدالوهاب خالف ،دار القلم،
الكويت ،الطبعة ال�ساد�سة 1414هـ.
-430امل�ص ��الح املر�س ��لة و�أثرها يف املعامالت ،لعبدالعزيز ب ��ن عبداهلل العمار ،دار كنوز
�أ�شبيليا ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1431هـ.
-431امل�ص ��باح املنري يف غريب ال�ش ��رح الكبري للرافعي ،لأحمد بن حممد الفيومي ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1414هـ.
398
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-432امل�ص ��رفية الإ�س�ل�امية الأزمة واملخرج ،ليو�سف كمال حممد ،دار الوفاء ،م�صر،
الطبعة الثانية 1996م.
-433امل�ص ��لحة يف الت�ش ��ريع الإ�س�ل�امي ،مل�صطفى زيد ،دار الي�س ��ر ،القاهرة ،الطبعة
اخلام�سة 1432هـ.
-434امل�ص ��نف يف الأحادي ��ث والأخب ��ار ،لعبداهلل بن حممد بن �أبي �شيبة ،حتقيق :كمال
يو�س ��ف احل ��وت ،مكتبة الر�شد ،الريا� ��ض اململكة العربية ال�سعودي ��ة ،الطبعة الأوىل
1409هـ.
-435امل�ص ��نف ،لأب ��ي بك ��ر عبدال ��رزاق بن هم ��ام ال�صنعاين ،حتقي ��ق :حبيب الرحمن
الأعظمي ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية1403هـ.
-436مطالب �أويل النهى يف �شرح غاية املنتهى ،مل�صطفى بن �سعد بن عبده الرحيباين،
املكتب الإ�سالمي ،دم�شق ،الطبعة الثانية 1415هـ.
-437معامل ال�س�ن�ن �ش ��رح �س�ن�ن �أبي داود ،لأبي �سليمان حمد بن حممد اخلطابي ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثالثة 1426هـ.
-438معام�ل�ات البن ��وك و�أحكامه ��ا ال�ش ��رعية ،ملحم ��د �سيد طنط ��اوي ،مطبعة نه�ضة
م�صر ،القاهرة ،طبعة عام 1997م.
-439املعام�ل�ات املالية �أ�ص ��الة ومعا�ص ��رة ،لدبيان بن حممد الدبي ��ان ،الطبعة الثانية
1434هـ.
-440املعامالت املالية املعا�صرة يف الفقه الإ�سالمي ،ملحمد عثمان �شبري ،دار النفائ�س،
الأردن ،الطبعة الرابعة 1422هـ.
-441املعامالت املالية املعا�ص ��رة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها ،لأخرت زيتي بنت
عبدالعزيز ،دار الفكر ،دم�شق ،الطبعة الأوىل 1429م
-442املعاي�ي�ر ال�ش ��رعية لهيئ ��ة املحا�س ��بة واملراجعة للم�ؤ�س�س ��ات املالية الإ�س�ل�امية،
البحرين� ،إ�صدار عام 1431هـ.
399
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-443املعتم ��د يف �أ�ص ��ول الفقه ،ملحم ��د بن علي الطيب �أبو احل�س�ي�ن ال َب ْ�صري ،حتقيق:
خليل املي�س ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1403هـ.
-444املعجم الأو�س ��ط ،ل�سليمان بن �أحمد بن �أيوب الطرباين ،حتقيق :طارق بن عو�ض
اهلل بن حممد ,عبد املح�سن بن �إبراهيم احل�سيني ،دار احلرمني ،القاهرة.
-445املعجم الكبري ،ل�سليمان بن �أحمد بن �أيوب اللخمي ال�شامي� ،أبي القا�سم الطرباين،
حتقيق :حمدي بن عبد املجيد ال�سلفي ،مكتبة ابن تيمية ،القاهرة ،الطبعة الثانية.
-446معجم امل�صطلحات املالية واالقت�صادية ،لنزيه حماد ،دار القلم ،دم�شق ،الطبعة
الأوىل1429هـ.
-447معج ��م امل�ؤلف�ي�ن ،لعمر بن ر�ضا بن حممد راغب بن عبد الغني كحالة ،دار �إحياء
الرتاث العربي.
-844املعج ��م الو�س ��يط ،لإبراهي ��م م�صطفى،و�أحم ��د الزي ��ات ،وحامد عب ��د القادر،
وحمم ��د النجار ،حتقيق:جممع اللغ ��ة العربية ،دار الدع ��وة ،ا�ستنبول ،تركيا ،طبعة
عام1980م.
-449معجم مقايي�س اللغة ،لأبي احل�سني �أحمدبن فار�س ،حتقيق :عبدال�سالم هارون،
دار الفكر ،طبعة عام 1399هـ.
-450معرف ��ة ال�س�ن�ن والآثار ،لأحمد بن احل�سني بن عل ��ي بن مو�سى البيهقي ،حتقيق:
عب ��د املعطي �أمني قلعج ��ي ،جامع ��ة الدرا�سات الإ�سالمي ��ة ،باك�ست ��ان ،دار الوفاء،
القاهرة ،الطبعة الأوىل1412هـ.
-451مغني املحتاج �إىل معرفة �ألفاظ املنهاج ،ملحمد بن �أحمد ال�شربيني اخلطيب ،دار
الكتب العلمية ،الطبعة الأوىل 1415هـ.
-452املغني عن احلفظ والكتاب ،لعمر بن بدر بن �سعيد الوراين املو�صلي احلنفي ،دار
الكتاب العربي ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1407هـ.
-453املغن ��ي ،لعب ��د اهلل بن �أحمد ب ��ن قدامة املقد�س ��ي ،مكتبة القاه ��رة ،طبعة عام
1388هـ.
400
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-454مفاتي ��ح العل ��وم ،ملحم ��د بن �أحم ��د بن يو�س ��ف الكاتب البلخ ��ي اخلوارزمي ،دار
الكتاب العربي ،الطبعة الثانية.
-455املفه ��م مل ��ا �أ�ش ��كل م ��ن تلخي� ��ص كت ��اب م�س ��لم ،لأب ��ي العبا� ��س �أحمد ب ��ن عمر بن
�إبراهي ��م القرطب ��ي ،حتقيق :حميي الدين ديب م�ستو ،ويو�س ��ف علي بديوي ،و�أحمد
حممد ال�سيد ،وحممود �إبراهيم بزال ،دار ابن كثري ،دم�شق -بريوت ،الطبعة الثالثة
1426هـ.
-456مقا�صد الأحكام املالية عند الإمام ابن القيم و�أثرها الفقهي ،ملحمد بن علي بن
عبدالعزيز اليحيى ،دار كنوز �إ�شبيليا ،الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1433هـ.
-457مقا�ص ��د ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية ومكارمه ��ا ،لع�ل�ال الفا�سي ،حتقي ��ق� :إ�سماعيل
احل�سني ،دار ال�سالم ،م�صر ،الطبعة الأوىل 1432ه.
-458مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية ،ملحمد الطاهر بن عا�شور ،حتقيق :حممد الطاهر
املي�ساوي ،دار النفائ�س ،الأردن ،الطبعة الثانية 1421هـ.
-459مق ��ال العق ��ود املالي ��ة املركب ��ة بني املخ ��ارج ال�ش ��رعية واحليل الربوي ��ة ،لعبداهلل
العمراين ،من�شور يف االنرتنت يف مو�سوعة االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي.
-460املقدم ��ات املمه ��دات ،ملحمد ب ��ن �أحمد بن ر�شد القرطب ��ي ،دار الغرب الإ�سالمي،
الطبعة الأوىل 1408هـ.
-461مقدم ��ة ابن خلدون ،لعبدالرحم ��ن بن خلدون ،دار ابن الهيثم ،القاهرة ،الطبعة
الأوىل 1426هـ.
-462املقدم ��ة يف منهج الفقه الإ�س�ل�امي لالجتهاد والبح ��ث ،لعلي حميي الدين القره
داغي ،دار الب�شائر الإ�سالمية ،بريوت ،الطبعة الثانية 1434هـ.
-463امللكي ��ة ونظري ��ة العق ��د يف ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية ،ملحمد �أبو زه ��رة ،دار الفكر
العربي ،طبعة عام 1996م.
-464املماطل ��ة يف الدي ��ون ،ل�سلم ��ان بن �صالح بن حمم ��د الدخيل ،دار كن ��وز �أ�شبيليا،
الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1433هـ.
401
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-465مميزات عقود الإجارة على عقود البيع للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية والعمالء،
ملحمد الطبطبائي ،بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،ال�صادرة
من جامعة الكويت ،ال�سنة الثامنة ع�شرة ،العدد الرابع واخلم�سون1424 ،هـ.
-466املناظ ��رات الفقهي ��ة ،لعبد الرحمن بن نا�صر ال�سعدي ،اعتن ��ى به وعلق عليه� :أبو
حممد �أ�شرف بن عبداملق�صود� ،أ�ضواء ال�سلف ،الطبعة الأوىل 1420هـ.
-467مناظرات يف �أ�ص ��ول ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية بني ابن حزم والباجي ،لعبدالرحمن
ترك ��ي ،ترجمة وحتقيق :عبدال�صبور �شاهني ،دار الغرب الإ�سالمي ،بريوت ،الطبعة
الأوىل 1406هـ.
-468مناق�ص ��ات العق ��ود الإداري ��ة ،لرفي ��ق امل�ص ��ري ،من�ش ��ور يف جملة جمم ��ع الفقه
الإ�سالمي ،العدد التا�سع.
-469املنتق ��ى �ش ��رح موط� ��أ الإمام مال ��ك ،ل�سليمان بن خلف الباج ��ي ،مطبعة ال�سعادة،
القاهرة ،الطبعة الأوىل 1332هـ.
-470منته ��ى الإرادات يف جم ��ع املقن ��ع مع التنقيح وزي ��ادات ،ملحمد بن �أحمد الفتوحي
احلنبل ��ي ال�شهري باب ��ن النجار ،حتقيق :عبداهلل بن عبداملح�س ��ن الرتكي ،دار عامل
الكتب ،الريا�ض ،طبعة عام 1432هـ.
-471املنث ��ور يف القواع ��د ،لبدر الدين حمم ��د بن بهادر الزرك�شي ،حتقيق :تي�سري فائق
�أحمد حممود ،وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية ،الكويت ،الطبعة الثانية 1405هـ.
-472من ��ح اجلليل �ش ��رح خمت�ص ��ر خليل ،ملحمد بن �أحمد علي� ��ش ،دار الفكر ،بريوت،
لبنان،طبعة عام1409هـ.
-473املنخ ��ول م ��ن تعليقات الأ�ص ��ول ،لأبي حامد حممد بن حمم ��د الغزايل ،حتقيق:
الدكت ��ور حممد ح�س ��ن هيتو ،دار الفكر املعا�صر،بريوت ،لبن ��ان ،دار الفكر ،دم�شق،
الطبعة الثالثة 1419 ،هـ.
-474املنفع ��ة يف القر� ��ض ،لعبد اهلل ب ��ن حممد العمراين ،دار كن ��وز �إ�شبيليا ،الريا�ض
الطبعة الثانية 1431هـ.
402
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-475منه ��اج الطالب�ي�ن ،لأب ��ي زكري ��ا بن �شرف الن ��ووي ،حتقيق :عو� ��ض قا�سم �أحمد
عو�ض ،دار الفكر ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1425هـ.
-476املنهاج �ش ��رح �ص ��حيح م�س ��لم بن احلجاج ،ملحيي الدين النووي ،دار �إحياء الرتاث
العربي ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية1392هـ.
-477امله ��ذب يف علم �أ�ص ��ول الفقه املقارن ،لعبدالك ��رمي بن علي النملة ،مكتبة الر�شد،
الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1420هـ.
-478امله ��ذب يف فق ��ه الإم ��ام ال�ش ��افعي ،لإبراهي ��م بن علي بن يو�س ��ف ال�شريازي ،دار
الكتب العلمية.
-479املوافق ��ات ،لأبي �إ�سحاق �إبرهيم بن مو�س ��ى بن حممد ال�شاطبي ،حتقيق :م�شهور
بن ح�سن �آل �سليمان ،دار ابن عفان ،القاهرة ،الطبعة الثانية 1427هـ.
-480مواهب اجلليل �شرح خمت�صر خليل ،ملحمد بن حممد بن عبد الرحمن احلطاب،
دار الفكر ،القاهرة ،م�صر ،الطبعة الثالثة 1412هـ.
-481مو�س ��وعة الإجماع ،لأ�سامة القحطاين ،وعلي اخل�ضري ،وظافر العمري ،وفي�صل
الوع�ل�ان ،و�آخري ��ن ،دار الف�ضيل ��ة ،ال�سعودي ��ة ،دار الهدي النب ��وي ،م�صر ،الطبعة
الأوىل .1433
-482املو�سوعة الفقهية الكويتية� ،إ�صدار وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية ،الكويت،
الطبعة الرابعة 1414هـ.
-483مو�س ��وعة القواع ��د الفقهي ��ة ،ملحمد �صدقي البورنو ،م�ؤ�س�س ��ة الر�سالة ،بريوت،
لبنان ،الطبعة الأوىل 1424هـ.
-484مو�س ��وعة امل�ص ��طلحات الإقت�صادية والإح�ص ��ائية ،لعبدالعزيز فهمي هيكل ،دار
النه�ضة العربية ،بريوت ،طبعة عام 1406هـ.
-485املو�ض ��وعات ،لعب ��د الرحم ��ن بن علي ب ��ن حممد اجلوزي ،حتقي ��ق :عبد الرحمن
حممد عثمان ،املكتبة ال�سلفية ،املدينة املنورة ،الطبعة الأوىل 1386هـ.
403
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-486املوط� ��أ ،للإم ��ام مالك بن �أن� ��س الأ�صبحي ،حتقيق :حمم ��د م�صطفى الأعظمي،
م�ؤ�س�س ��ة زايد ب ��ن �سلطان �آل نهيان للأعمال اخلريية ،أ�ب ��و ظبي ،الإمارات ،الطبعة
الأوىل 1425هـ.
-487موقع ال�شيخ عبداهلل بن عبدالرحمن اجلربين يف االنرتنت.
-488مي ��زان االعت ��دال يف نق ��د الرج ��ال ،لأب ��ي عب ��د اهلل حممد بن �أحم ��د بن عثمان
الذهب ��ي ،حتقيق :عل ��ي حممد البج ��اوي ،دار �إحياء الكتب العربي ��ة ،الطبعة الأوىل
1382هـ.
-489النت ��ف يف الفت ��اوى ،لأب ��ي احل�سن علي بن احل�سني بن حمم ��د ال�سغدي ،حتقيق:
�صالح الدين الناهي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة الثانية 1404هـ.
-490نح ��و منتج ��ات مالي ��ة �إ�س�ل�امية مبتك ��رة ،ملحمد عم ��ر اجلا�سر،بحث مقدم �إىل
م�ؤمتر امل�صارف الإ�سالمية اليمنية،حتت عنوان«:الواقع وحتديات امل�ستقبل«،مار�س
2010م.
-491الن�ش ��اط االقت�ص ��ادي م ��ن منظ ��ور �إ�س�ل�امي ،لعم ��ر بن فيح ��ان املرزوقي ،بحث
من�ش ��ور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية ،جامع ��ة الكويت ،ال�سنة ال�ساد�سة
ع�شرة ،العدد اخلام�س والأربعون.
-492النظام امل�ص ��ريف الإ�س�ل�امي ،ملحمد �سراج ،دار الثقافة ،القاهرة ،الطبعة الأوىل
1410هـ.
-493نظري ��ة ال�ش ��رط يف الفقه الإ�س�ل�امي ،حل�سن علي ال�ش ��اذيل ،دار كنوز �أ�شبيليا،
الريا�ض ،الطبعة الأوىل 1430هـ.
-494نظرية ال�ض ��رورة ال�ش ��رعية ،لوهبة الزحيل ��ي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة
اخلام�سة 1418هـ.
-495نظرية العقد( قاعدة يف العقود) ،لأحمد بن عبد احلليم بن تيمية ،مركز الكتاب
للن�شر ،القاهرة ،م�صر.
404
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-496نظرية املقا�صد عند ال�شاطبي ،لأحمد الري�سوين ،مكتبة الهداية ،الدار البي�ضاء،
الطبعة الثانية 1432هـ.
-497نفائ� ��س الأ�ص ��ول يف �ش ��رح املح�ص ��ول ،ل�شهاب الدين �أحمد ب ��ن �إدري�س القرايف،
حتقي ��ق :عادل �أحمد عبداملوجود ،علي حممد معو� ��ض ،مكتبة نزار م�صطفى الباز،
مكة املكرمة.
-498النكت والفوائد ال�سنية على م�شكل املحرر ملجد الدين ابن تيمية ،لإبراهيم بن
حمم ��د بن عبد اهلل ب ��ن حممد ابن مفلح ،مكتبة املع ��ارف ،الريا�ض ،الطبعة الثانية
1404هـ.
-499نهاية ال�س ��ول �ش ��رح منهاج الو�ص ��ول ،لعبد الرحيم بن احل�سن بن علي الإ�سنوي
ال�شافعي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة الأوىل 1420هـ. ّ
-500نهاي ��ة املحت ��اج �إىل �ش ��رح املنه ��اج ،ملحم ��د بن �شه ��اب الدين الرمل ��ي ،دار الفكر،
بريوت ،طبعة عام 1404هـ.
-501نهاي ��ة املطل ��ب يف دراية املذه ��ب ،لإمام احلرمني عبد امللك بن عبداهلل اجلويني،
حتقيق :عبدالعظيم حممود الديب ،وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية ،قطر،الطبعة
الثانية 1430هـ.
-502النهاي ��ة يف غري ��ب احلديث والأثر ،لأب ��ي ال�سعادات املبارك بن حممد اجلزري،
حتقيق :طاهر �أحمد الزاوي ،وحممود حممد الطناحي ،دار الكتب العلمية ،بريوت،
طبعة عام1399هـ.
-503نيل الأوطار من �أ�سرار منتقى الأخبار ،ملحمد بن علي ال�شوكاين ،حتقيق :ع�صام
الدين ال�صبابطي ،دار احلديث ،م�صر ،الطبعة الأوىل1413هـ.
-504الهداية �شرح بداية املبتدي ،لربهان الدين علي بن �أبي بكر املرغيناين ،حتقيق:
طالل يو�سف ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت ،لبنان
-505الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق ،لعبدالكرمي قندوز ،م�ؤ�س�سة
الر�سالة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الأوىل 1429هـ.
405
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
-506الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل ،ليحيى النعيمي،
ر�سالة دكتوراه يف جامعة الريموك ،الأردن.
-507الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�س�ل�امية ،لعبدالكرمي قندوز ،بح ��ث من�شور يف جملة جامعة
امللك عبدالعزيز ،االقت�صاد الإ�سالمي ،م،20ع2007 ،2م.
-508الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية ،لزايدي عبدال�سالم ،من�شور يف
املوقع العاملي لالقت�صاد الإ�سالمي.
-509الهند�سة املالية ،ملحمد �أحمد اجللي ،مقال من�شور على االنرتنت.
-510الوا�ض ��ح يف �أ�ص ��ول الفقه ،ملحمد �سليمان الأ�شقر ،دار النفائ�س ،الأردن ،الطبعة
ال�ساد�سة 1425هـ.
-511وب ��ل الغمام على �ش ��فاء الأوام ،ملحمد بن عل ��ي ال�شوكاين ،حتقيق :حممد �صبحي
ح�سن حالق ،مكتبة ابن تيمية ،القاهرة ،الطبعة الثانية 1431هـ.
-512وج ��ه اال�ستح�س ��ان و�ض ��وابطه يف رب ��ط العم�ل�ات متغ�ي�رة القيم ��ة بالقيم ��ة،
لعبداللطيف الفرفور ،من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي ،العدد اخلام�س.
-513الوجي ��ز يف �أ�ص ��ول الفقه ،لعبدالكرمي زيدان ،م�ؤ�س�س ��ة الر�سالة ،بريوت ،الطبعة
الأوىل 1424ه.
-514الورق النقدي ،لعبداهلل بن �سليمان بن منيع ،الطبعة الثانية 1404هـ.
-515الو�سيط يف املذهب ،لأبي حامد حممد بن حممد الغزايل ،حتقيق� :أحمد حممود
�إبراهيم ,وحممد حممد تامر ،دار ال�سالم ،القاهرة ،الطبعة الأوىل 1417هـ.
***
406
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
فهرس الموضوعات
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
املقدمة ......................................................................................
م�شكلة البحث................................................................................
�أهمية البحث ................................................................................
�أ�سباب اختيار املو�ضوع.......................................................................
�أهداف البحث ...............................................................................
الدرا�سات ال�سابقة...........................................................................
منهج البحث.................................................................................
�إجراءات البحث .............................................................................
خطة البحث .................................................................................
متهيد:يف �أهمية االقت�صاد الإ�سالمي ودوره يف احلياة املعا�صرة.............................
الباب الأول:ت�أ�صيل الهند�سة املالية الإ�سالمية ..............................................
الف�صل الأول:املفهوم ،واخل�صائ�ص ،والفروق ..............................................
املبحث الأول :تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية ............................................
املطلب الأول:تعريف الهند�سة املالية ........................................................
املطلب الثاين :تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية ...........................................
املبحث الثاين :ن�ش�أة م�صطلح الهند�سة املالية...............................................
املبحث الثالث�:أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية،و�أهدافها..................................
املطلب الأول� :أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية .............................................
املطلب الثاين� :أهداف الهند�سة املالية الإ�سالمية...........................................
املبحث الرابع :خ�صائ�ص الهند�سة املالية الإ�سالمية........................................
407
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
املبحث اخلام�س :معوقات تطبيق الهند�سة املالية الإ�سالمية ................................
املبحث ال�ساد�س:الفروق بني الهند�سة املالية الإ�سالمية والهند�سة املالية التقليدية .........
الف�صل الثاين:امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية ..............................
املبحث الأول :امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من ال�سنة النبوية ............
املبحث الثاين:امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من اجتهادات ال�صحابة .....
املبحث الثالث:امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من املقا�صد ال�شرعية........
املطلب الأول :حتقيق امل�صلحة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية ...............................
الفرع الأول :تعريف امل�صلحة ...............................................................
الفرع الثاين� :أق�سام امل�صلحة...............................................................
الفرع الثالث� :أدلة اعتبار امل�صلحة..........................................................
الفرع الرابع� :ضوابط امل�صلحة .............................................................
الفرع اخلام�س :امل�صلحة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية.....................................
املطلب الثاين :رفع احلرج والتي�سري يف الهند�سة املالية الإ�سالمية..........................
الفرع الأول :تعريف رفع احلرج .............................................................
الفرع الثاين :الأدلة على رفع احلرج ........................................................
الفرع الثالث:رفع احلرج يف الهند�سة املالية الإ�سالمية .....................................
املبحث الرابع :امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من القواعد الفقهية.........
املطلب الأول :الأ�صل يف العقود ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه .........................
املطلب الثاين :الأ�صل يف ال�شروط ال�صحة واللزوم �إال ما دل الدليل على منعه..............
الف�صل الثالث� :أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية ...........................................
املبحث الأول :احليل واملخارج ال�شرعية .....................................................
408
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
املطلب الأول :تعريف احليل واملخارج ال�شرعية .............................................
املطلب الثاين� :أق�سام احليل ................................................................
املطلب الثالث :حكم احليل..................................................................
املطلب الرابع� :ضوابط املخارج ال�شرعية....................................................
املطلب اخلام�س :احليل والهند�سة املالية الإ�سالمية ........................................
املبحث الثاين :الرخ�ص ال�شرعية ...........................................................
املطلب الأول :تعريف الرخ�ص ال�شرعية.....................................................
املطلب الثاين� :أق�سام الرخ�ص ال�شرعية ....................................................
املطلب الثالث� :أ�سباب الرخ�ص ال�شرعية ...................................................
املطلب الرابع� :أدلة الرخ�ص ال�شرعية ......................................................
املطلب اخلام�س :العالقة بني الرخ�ص ال�شرعية وتتبع رخ�ص املذاهب......................
املطلب ال�ساد�س:الرخ�ص ال�شرعية والهند�سة املالية الإ�سالمية .............................
املبحث الثالث :اال�ستح�سان..................................................................
املطلب الأول :تعريف اال�ستح�سان ...........................................................
املطلب الثاين� :أنواع اال�ستح�سان ............................................................
املطلب الثالث :حكم اال�ستح�سان............................................................
املطلب الرابع :العالقة بني اال�ستح�سان والرخ�ص ال�شرعية .................................
املطلب اخلام�س :اال�ستح�سان والهند�سة املالية الإ�سالمية...................................
املبحث الرابع� :سد الذرائع وفتحها..........................................................
املطلب الأول :تعريف الذرائع ...............................................................
املطلب الثاين� :أق�سام الذرائع...............................................................
409
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
املطلب الثالث :م�شروعية اعتبار الذرائع ....................................................
املطلب الرابع :العالقة بني الذرائع واحليل..................................................
املطلب اخلام�س� :ضوابط العمل بالذرائع ...................................................
املطلب ال�ساد�س :الذرائع والهند�سة املالية الإ�سالمية .......................................
املبحث اخلام�س :التلفيق ....................................................................
املطلب الأول :تعريف التلفيق................................................................
املطلب الثاين� :أق�سام التلفيق ...............................................................
املطلب الثالث :حكم التلفيق.................................................................
الفرع الأول:تلفيق املجتهد...................................................................
الفرع الثاين:تلفيق املقلد....................................................................
املطلب الرابع :التلفيق وتتبع رخ�ص املذاهب ................................................
املطلب اخلام�س :التلفيق والهند�سة املالية الإ�سالمية .......................................
املبحث ال�ساد�س:تركيب العقود ..............................................................
املطلب الأول :تعريف العقود املالية املركبة..................................................
املطلب الثاين� :أنواع العقود املالية املركبة...................................................
املطلب الثالث :حكم تركيب العقود املالية...................................................
املطلب الرابع� :ضوابط تركيب العقود املالية ................................................
املطلب اخلام�س :تركيب العقود املالية والهند�سة املالية.....................................
الف�صل الرابع�:ضوابط الهند�سة املالية الإ�سالمية ..........................................
املبحث الأول :ال�ضوابط اخلا�صة باملهند�س املايل ...........................................
املطلب الأول :اخلربة بالعمل امل�صريف ،وال�ش�ؤون امل�صرفية .................................
410
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
املطلب الثاين :العلم بال�سوق وحاجاته ......................................................
املبحث الثاين :ال�ضوابط اخلا�صة بالهند�سة املالية الإ�سالمية ..............................
املطلب الأول :عدم خمالفة الهند�سة املالية الإ�سالمية لل�شرع...............................
الفرع الأول :عدم املخالفة للن�ص ال�شرعي..................................................
امل�س�ألة الأوىل :عدم الوقوع يف الربا .........................................................
امل�س�ألة الثانية :عدم الوقوع يف الغرر ........................................................
امل�س�ألة الثالثة :عدم الوقوع يف بيعتني يف بيعة ...............................................
الفرع الثاين :عدم كونها حيلة للتو�صل للحرام..............................................
الفرع الثالث :عدم كونها ذريعة للتو�صل للحرام ............................................
الفرع الرابع :عدم منافاتها احلكمة التي حرمت لأجلها بع�ض العقود.......................
املطلب الثاين�:سالمة الهند�سة املالية الإ�سالمية من العيوب ال�شكلية للعقود................
الفرع الأول :عدم اجلمع بني العقود املتناق�ضة..............................................
الفرع الثاين:عدم كونها جمرد تغيري يف التكييف الفقهي للمعامالت املحرمة...............
الفرع الثالث :عدم كونها جمرد قيود �شكلية ................................................
الباب الثاين:تطبيقات للهند�سة املالية الإ�سالمية ..........................................
الف�صل الأول:تطبيقات للهند�سة املالية الإ�سالمية يف الفقه الإ�سالمي ......................
املبحث الأول :بيع الوفاء.....................................................................
املطلب الأول :تعريف بيع الوفاء.............................................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع الوفاء................................... .
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع الوفاء .............................
الفرع الأول :حكم بيع الوفاء ................................................................
411
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف بيع الوفاء .............................................
املبحث الثاين:بيع اال�ستجرار................................................................
املطلب الأول :تعريف بيع اال�ستجرار ........................................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع اال�ستجرار ................................
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع اال�ستجرار.........................
الفرع الأول :حكم بيع اال�ستجرار............................................................
الفرع الثاين�:أثر الهند�سة املالية يف بيع اال�ستجرار .........................................
املبحث الثالث :بيع العينة....................................................................
املطلب الأول :تعريف بيع العينة .............................................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع العينة .....................................
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع العينة .............................
الفرع الأول :حكم بيع العينة ................................................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف بيع العينة..............................................
ال�س ْفتَجة.....................................................................
املبحث الرابعُ :
ال�س ْفتَجة..............................................................
املطلب الأول :تعريف ُ
ال�س ْفتَجة......................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ُ
ال�س ْفتَجة ..............................
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف ُ
ال�س ْفتَجة .................................................................
الفرع الأول :حكم ُ
ال�س ْفتَجة ..............................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف ُ
املبحث اخلام�س :التورق.....................................................................
املطلب الأول :تعريف التورق ................................................................
412
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
املطلب الثاين:الهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق .........................................
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق.................................
الفرع الأول :حكم التورق....................................................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف التورق.................................................
املبحث ال�ساد�س :الإجارة املو�صوفة يف الذمة ................................................
املطلب الأول:تعريف الإجارة املو�صوفة يف الذمة ............................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة ...................
املطلب الثالث:درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة.............
الفرع الأول :حكم الإجارة املو�صوفة يف الذمة ،وت�أجيل الأجرة فيها.........................
امل�س�ألة الأوىل :حكم الإجارة املو�صوفة يف الذمة.............................................
امل�س�ألة الثانية :حكم ت�أجيل الأجرة يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة ..........................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة............................
الف�صل الثاين :تطبيقات معا�صرة للهند�سة املالية الإ�سالمية ...............................
املبحث الأول :ال�سلم املوازي.................................................................
املطلب الأول:تعريف ال�سلم املوازي..........................................................
املطلب الثاين:الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�سلم املوازي..................................
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�سلم املوازي .........................
الفرع الأول :حكم ال�سلم ،وال�سلم املوازي ...................................................
امل�س�ألة الأوىل :حكم ال�سلم ..................................................................
امل�س�ألة الثانية :حكم ال�سلم املوازي..........................................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف ال�سلم املوازي..........................................
413
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
املبحث الثاين :اال�ست�صناع املوازي ..........................................................
املطلب الأول:تعريف اال�ست�صناع املوازي ....................................................
املطلب الثاين:الهند�سة املالية الإ�سالمية يف اال�ست�صناع املوازي ............................
املطلب الثالث:درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف اال�ست�صناع املوازي ....................
الفرع الأول :حكم اال�ست�صناع ،واال�ست�صناع املوازي ........................................
امل�س�ألة الأوىل :حكم اال�ست�صناع ............................................................
امل�س�ألة الثانية :حكم اال�ست�صناع املوازي ....................................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف اال�ست�صناع املوازي....................................
املبحث الثالث :ال�صكوك الإ�سالمية.........................................................
املطلب الأول :تعريف ال�صكوك الإ�سالمية ..................................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�صكوك الإ�سالمية ..........................
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�صكوك الإ�سالمية...................
الفرع الأول :حكم ال�صكوك الإ�سالمية......................................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف ال�صكوك الإ�سالمية...................................
املبحث الرابع :التورق امل�صريف..............................................................
املطلب الأول :تعريف التورق امل�صريف.......................................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق امل�صريف...............................
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق امل�صريف .......................
الفرع الأول :حكم التورق امل�صريف ..........................................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف التورق امل�صريف .......................................
املبحث اخلام�س :بيع املرابحة للآمر بال�شراء ...............................................
414
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
املطلب الأول :تعريف بيع املرابحة للآمر بال�شراء...........................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء...................
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء ...........
الفرع الأول :حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء ..............................................
امل�س�ألة الأوىل :حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد فيها غري ملزم.............
ملزما......................
امل�س�ألة الثانية :حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد ً
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء ...........................
املبحث ال�ساد�س :الإجارة املنتهية بالتمليك .................................................
املطلب الأول :تعريف الإجارة املنتهية بالتمليك .............................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املنتهية بالتمليك .....................
املطلب الثالث:درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املنتهية بالتمليك ..............
الفرع الأول :حكم الإجارة املنتهية بالتمليك ................................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف الإجارة املنتهية بالتمليك..............................
املبحث ال�سابع :امل�شاركة املنتهية بالتمليك...................................................
املطلب الأول:تعريف امل�شاركة املنتهية بالتمليك.............................................
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك ....................
املطلب الثالث:درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك .............
الفرع الأول :حكم امل�شاركة املنتهية بالتمليك ...............................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك.............................
املبحث الثامن :بطاقات االئتمان............................................................
املطلب الأول :تعريف بطاقات االئتمان......................................................
415
فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية
ال�صفحة املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
املطلب الثاين :الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بطاقات االئتمان..............................
املطلب الثالث :درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بطاقات االئتمان ......................
الفرع الأول :حكم البطاقات االئتمانية......................................................
الفرع الثاين� :أثر الهند�سة املالية يف بطاقات االئتمان ......................................
اخلامتة.........................................................................................
فهر�س امل�صادر واملراجع.....................................................................
فهر�س املو�ضوعات...........................................................................
416