Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 25

‫المملكة العربية السعودية‬

‫وزارة التعليم‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬
‫معهد العلوم اإلسالمية والعربية بجاكرتا‬
‫كلية الشريعة‬

‫تحليل مسائل سجود السهو‬


‫في بداية املجتهد ونهاية المقتصد البن رشد‬
‫المجموعة السابعة‪:‬‬

‫فاتح مفيد(‪ )52‬عبيد خير(‪ )52‬فارس نوفل رشيد (‪)5٢‬‬

‫طالب المستوى الثاني ‪ /‬قسم الشريعة‬

‫تحـــت إشــــــراف‪:‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬محمد ناصر الغانم ‪-‬حفظه الله‪-‬‬
‫أســتاذ مادة الفقه بقسم الشريعة‬
‫الـ ـع ــام الجامعي‪:‬‬
‫‪ ٤١١١‬ه‬
‫باب سجود السهو‬

‫الكالم في هذا الباب ينحصر في أحد عشر مسائل‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬معرفة سجود السهو‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬حكم سجود السهو في الصالة‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬متى يسجد الساهي في الصالة للسهو‪.‬‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬حكم سجود السهو لترك القنوت‪.‬‬

‫المسألة الخامسة‪ :‬متى يرجع اإلمام إذا نسي الجلسة الوسطى وسبح له‪.‬‬

‫شك في صالته‪.‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬ما يفعل من َّ‬

‫المسألة السابعة‪ :‬صفة سجود السهو‪.‬‬

‫المسألة الثامنة‪ :‬هل يشرع للمأموم السجود لسهو نفسه؟‬

‫المسألة التاسعة‪ :‬متى يسجد المأموم إذا فاته مع اإلمام بعض الصالة‪ ،‬وعلى اإلمام سجود سهو؟‬

‫المسألة العاشرة‪ :‬كيفية تنبيه اإلمام إذا سهى في صالته‪.‬‬


‫المسألة األولى‪ :‬معرفة سجود السهو‪.‬‬

‫السهو لغة‪ :‬نسيان الشيئ والغفلة عنه‪.‬‬

‫والمقصود بالسهو هنا‪ :‬خلل يوقعه المصلي في صالته‪ ،‬سواء كان عمدا أو نسيانا‪ ،‬ويكون السجود‬
‫ومحله‬

‫في آخر الصالة جبرا لذلك الصالة‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬حكم سجود السهو في الصالة‪.‬‬

‫اتفق العلماء على مشروعية سجود السهو‪ ،‬واختلفوا في حكمه أو فرضيته‪ ،‬والخالف على أربعة‬
‫أقوال‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أنه سنة‪ ،‬وهذا قول اإلمام الشافعي‪.‬‬

‫الدليل‪ :‬حمل أفعاله ﷺ في السجود على الندب للقياس‪ ،‬وذلك ألن السجود ليس ينوب عن فرض‬
‫وإنما ينوب عن ندب‪ ،‬والبدل عما ليس بواجب‪ ،‬ليس بواجب‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أنه واجب‪ ،‬وهذا قول أبي حنيفة‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬

‫‪ ‬األصل حمل أفعاله ﷺ في السجود على الوجوب‪ ،‬إذا جاء بيانا لواجب‪ ،‬كما قالﷺ‪( :‬صلوا‬
‫كما رأيتموني أصلي)‪ .‬رواه البخاري‬
‫‪ ‬ألن السجود يجب لجبر نقص في العبادة‪ ،‬فيكون واجبا‪ ،‬كالدماء في الحج‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬سجود السهو لألفعال الناقصة شرط لصحة الصالة‪ ،‬وأما للنقصان واجب‪ ،‬وأما للزيادة‬
‫مندوب‪ .‬وهذا قول اإلمام مالك‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬

‫‪ ‬ألن األفعال تتأكد أكثر من األقوال‪ ،‬لكونها فروض‪ ،‬فاألفعال في الصالة أكثر من األقوال‪ ،‬وهو‬
‫آكد‪.‬‬
‫‪ ‬ألن سجود النقصان شرع بدال مما سقط من أجزاء الصالة‪ ،‬وسهو الزيادة كأنه استغفار ال بدل‪.‬‬

‫القول الرابع‪ :‬سجود السهو واجب‪ ،‬إذا‪:‬‬

‫‪ ‬ترك ركوعا أو سجودا أو قياما أو قعودا أو سلم قبل إتمام الصالة أو لحن لحنا يحيل المعنى أو‬
‫ترك واجبا أو شك في زيادة‪.‬‬

‫ويكون مسنونا‪ ،‬إذا‪:‬‬

‫‪ ‬أتى بقول مشروع في غير محله سهوا‪.‬‬

‫ويكون مباحا‪ ،‬إذا‪:‬‬

‫‪ ‬ترك مسنونا‪.‬‬

‫وهذا هو قول اإلمام أحمد‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬
‫‪ ‬سجود السهو واجب للزيادة والنقص‪ ،‬لقولهﷺ‪( :‬إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين)‪.‬‬
‫رواه مسلم‬
‫‪ ‬حديث أبي سعيد قالﷺ‪(:‬إذا شك أحدكم في صالته‪ ،‬فلم يدر كم صلى‪ ،‬فليطرح الشك وليبن‬
‫على ماستيقن‪ ،‬ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم)‪ .‬رواه مسلم‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬متى يسجد الساهي في الصالة للسهو‪.‬‬

‫اتفق العلماء على مشروعية سجود السهو‪ ،‬وأن من سجد قبل السالم أو بعده فصالته صحيحة‪.‬‬
‫واختلفوا من سهى في صالته أو شك متى يسجد‪ ،‬هل قبل السالم أو بعده؟‬

‫والخالف على خمسة أقوال‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أنه كله قبل السالم‪ ،‬وهذا قول الشافعي‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬

‫‪ ‬حديث ابن بحينة‪ :‬أن رسول الله قام في صالة الظهر وغليه الجلوس‪ ،‬فلما أتم صالته سجد‬
‫سجدتين‪ ،‬فكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم‪ ،‬وسجدهما الناس معه‪ .‬رواه‬
‫البخاري‬
‫‪ ‬ألن السجود إلصالح الصالة‪ ،‬فال يم\كون إال قبل الفراغ منها‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أنه كله بعد السالم‪ ،‬وهو قول اإلمام ابي حنيفة‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬

‫‪ ‬حديث ابن مسعود قال‪(:‬صلى رسول الله خمسا ساهيا‪ ،‬وسجد لسهوه بعد السالم)‪ .‬متفق عليه‬
‫وعند مسلم‪(:‬إذا شك أحدكم في صالتهفليتحر الصواب‪ ،‬ثم يسجد سجدتين بعد السالم)‪.‬‬

‫‪ ‬حديث ثوبان‪ ،‬قالﷺ‪(:‬لكل سهو سجدتان بعد السالم)‪ .‬رواه أحمد وحسنه االلباني‬

‫القول الثالث‪ :‬إن كان للنقصان يكون قبل السالم‪ ،‬وللزيادة بعده‪ .‬وهو قول اإلمام مالك‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬

‫ال تناقض بين األحاديث‪ ،‬إذا قلنا السجود بعد السالم إنما هو في الزيادة‪ ،‬والسجود قبل السالم في‬
‫النقصان‪ ،‬وهذا اولى من حمل األحادبث على التعارض‪.‬‬

‫القول الرابع‪ :‬يسجد قبل السالم في الموضع الذي سجد فيها النبيﷺ قبل السالم‪ ،‬وبعد السالم في‬
‫الموضع التي سجد فيها النبيﷺ بعد السالم‪ ،‬وفي غير ذلك قبل السالم‪ .‬وهو قول احمد‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬

‫الجمع بين األحاديث؛ فبسجد قبل السالم في مواضع لحديث ابن بحينة‪ ،‬وبعد السالم في مواضع‬
‫لحديث ذي اليدين والخدري‪.‬‬

‫القول الخامس‪ :‬ال يسجد للسهو إال في المواضع الخمسة التي سجد فيها النبيﷺ‪ ،‬وفي غيره إن ترك‬
‫فرضا أتى به‪ ،‬وإن ترك مندوبا فال شيء‪ .‬وهو قول أهل الظاهر‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬

‫ال يفهم من سجودهﷺ حكم خارج عنه‪ ،‬فيقصر السجود على المواضع التي سجد فيها ﷺ‪.‬‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬حكم سجود السهم لترك القنوت‪.‬‬


‫اتفق العماء على أن السجود يكون عن ترك سنن الصالة (أي الواجبات) دون الفرائض (األركان)‬
‫والرغائب‪ ،‬وأما الفرائض فال يجزئ عنها إال اإلتيان وجبرها‪ ،‬وأما سجود السهو للزيادة‪ ،‬فإنه يقع عند‬
‫الزيادة في الفرائض والسنن جميعا‪ ،‬واختلفوا في حكم سجود السهو لترك القنوت في الصالة‪ ،‬والخالف‬
‫على قولين‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬ال يسجد لترك القنوت في الصالة‪ ،‬هذا قول اإلمام مالك وأحمد‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬

‫‪ ‬ألن القنوت مستحب‪ ،‬وال يسجد لترك المستحب‪.‬‬


‫‪ ‬سجود السهو عرف بفعل ﷺ‪ ،‬وما نقل عنه ﷺ ذلك إال لترك االفعال‪ ،‬فالقياس أن السجود ال‬
‫يجب لترك األذكار‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬يسجد لترك القنوت في الصالة‪ ،‬وهذا قول اإلمام أبي حنيفة والشافعي‪.‬‬

‫الدليل‪:‬‬

‫‪ ‬ألن القنوت سنة مؤكدة (عند الشافعي)‪ ،‬قيسجد لترك السنة‪.‬‬


‫‪ ‬ألن القنوت واجب (عند ابي حنيفة)‪ ،‬فيجب السجود بتركه كما يجب بترك قراءة الفاتحة‬
‫والتشهد‪.‬‬

‫المسالة الخامسة ‪ :‬متى يرجع االمام اذا نسي الجلسة الوسطى وسبح له‬
‫عامدا بطلت صالته وعليه اإلعادة‪ ،‬واتفقوا على‬
‫أجمعوا على أن من ترك الجلسة الوسطى ً‬
‫وسبِّح له‪،‬‬
‫مشروعية سجود السهو لترك الجلسة الوسطى ناسيًا‪ ،‬واختلفوا فيمن نسي الجلسة الوسطى ُ‬
‫متى يجوز أن يرجع؟‪ ،‬والخالف على ثالثة أقوال‬

‫قائماالجمهور‬ ‫القول االول ‪ :‬يرجع ما لم ِّ‬


‫يستو ً‬

‫الدليل‪:‬‬

‫قائما فال‬ ‫‪ ‬حديث المغيرة قال‪( :‬إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم ً‬
‫قائما‪ ،‬فليجلس‪ ،‬فإذا استتم ً‬
‫يجلس‪ ،‬وليسجد سجدتين) [د‪ /‬جه‪ /‬ومثله عن معاوية‬
‫‪ ‬ألنَّه تلبَّس بفرض فال يقطعه بما يجبره سجود السهو‬

‫القول الثاني ‪ :‬يرجع ما لم يعقد (يركع) الركعة الثالثة الحسن‬

‫الدليل‪:‬‬

‫‪َّ ‬‬
‫ألن الركعة تُدرك بالركوع‪ ،‬لحديث أبي هريرة‪( :‬من أدرك من الصالة ركعة فقد أدرك الصالة) [خز‪/‬‬
‫جه‪ /‬قط‪ /‬كم‪ /‬هق‪ /‬وهو صحيح]‪ ،‬فإذا ركع انعقدت الركعة فال يرجع للتشهد‬

‫القول الثالث ‪( :‬ال) يرجع إن فارق األرض قيد شبرمالك‬

‫الدليل ‪:‬‬
‫‪ ‬ألنَّه إن فارق األرض شرع بالركن الذي بعده فال يرجع‪.‬‬

‫المسالة السادسة ‪ :‬ما يفعل من َّ‬


‫شك في صالته‬
‫اتفقوا على مشروعية السجود للشك في الصالة‪ ،‬واختلفوا فيمن شك في صالته؛ فلم ِّ‬
‫يدر كم‬
‫صلَّى؛ واحدة أم اثنتين أم ثالثًا أم أر ًبعا‪ ،‬ماذا يفعل؟‪ ،‬والخالف على ثالثة أقوال‬

‫القول االول ‪ :‬من َّ‬


‫شك في صالته بنى على اليقين وسجد سجدتي السهو مالك‪ /‬الشافعي‪ /‬أحمد‪/‬‬
‫داود‬

‫الدليل ‪:‬‬
‫شك أحدكم في صالته فلم ِّ‬
‫يدر كم صلَّى؛ أثالثًا أم أر ًبعا‪،‬‬ ‫‪ ‬حديث أبي سعيد الخدري قال‪( :‬إذا َّ‬
‫ليبن على ما استيقن‪ ،‬ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلِّم) [م]‪ ،‬يجمع بين‬ ‫فليطرح الشك‪ ،‬و ِّ‬
‫األحاديث؛ بحمل حديث أبي سعيد الخدري على الذي (لم) يكثر عليه الشك‪ ،‬وحمل حديث‬
‫أبي هريرة (سيأتي) على الذي يكثر عليه الشك‪ ،‬وبتأول حديث ابن مسعود (سيأتي) على أن‬
‫المراد بالتحري فيه هو الرجوع إلى اليقين‪.‬‬

‫تحرى وعمل على غلبة الظن‬


‫شك أول مرة فسدت صالته‪ ،‬وإن تكرر ذلك منه‪َّ ،‬‬ ‫القول الثاني ‪ :‬من َّ‬
‫وسجد سجدتي السهو بعد السالم أبو حنيفة‬

‫الدليل ‪:‬‬
‫‪ ‬حديث ابن مسعود قال ‪( :‬وإذا َّ‬
‫شك أحدكم في صالته‪ ،‬فليتحر الصواب‪ ،‬وليتم الذي عليه‪ ،‬ثم‬
‫ليسجد سجدتين) [خ‪ /‬م]‪.‬‬
‫‪ ‬رواية في حديث ابن مسعود ‪( :‬إذا َّ‬
‫شك أحدكم في صالته‪ ،‬فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب‪،‬‬
‫ثم يسلِّم ثم ليسجد سجدتي السهو‪ ،‬ويتشهد ويسلِّم) [م]‪ ،‬يحمل حديث ابن مسعود على الذي‬
‫عنده ظن غالب‪ ،‬ويحمل حديث أبي سعيد الخدري على من لم يكن عنده ظن غالب يعمل‬
‫عليه‪ .‬ويسقط حكم حديث أبي هريرة (سيأتي)‪ ،‬ألن في حديث الخدري وابن مسعود زيادة‬
‫يجب قبولها واألخذ بها‪.‬‬
‫‪ ‬أثر ابن عمر قال‪( :‬إذا َّ‬
‫شك أحدكم في صالته أنه كم صلى‪ ،‬فليستقبل الصالة أو يعيد حتى‬
‫يحفظ) [ش]‬

‫القول الثالث ‪ :‬من َّ‬


‫شك سجد سجدتي السهو و (ال) يتحرى و (ال) يرجع إلى اليقين الليث‬

‫الدليل‪:‬‬

‫‪ ‬حديث أبي هريرة قال‪( :‬إن أحدكم إذا قام يصلِّي‪ ،‬جاءه الشيطان فلبَّس عليه‪ ،‬حتى ال يدري‬
‫كم صلَّى‪ ،‬فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس) [متفق]‪.‬‬
‫شك في صالته‪ ،‬فليسجد سجدتين بعدها‪ ،‬ويسلِّم) [د‪/‬‬ ‫‪ ‬حديث عبد الله بن جعفر قال‪( :‬من َّ‬
‫فيرجح حديث أبي هريرة‬
‫حم‪ /‬ن‪ /‬هق‪ /‬وصححه ابن خزيمة‪ /‬وضعفه األلباني وله شاهد]‪َّ ،‬‬
‫‪.‬‬ ‫ويسقط حديث أبي سعيد الخدري وابن مسعود‬

‫المسألة السابعة‪ :‬صفة سجود السهو‬


‫ال خالف بين العلماء على مشروعية سجدتي السهو‪،‬وتفعل آخر الصالة‪ ،‬واختلفوا هل تسجد‬
‫قبل السالم أم بعده؟‪ ،‬وهل فيها تشهد وتسلم أم ال؟‪ ،‬والخالف على خمسة أقوال‪:‬‬

‫‪ -1‬ذهب مالك (المشهور) إن كان السجود بعد السالم تشهد وسلَّم‪ ،‬وإن كان قبل السالم يتشهد‬
‫فقط‪ ،‬واستدل بحديث ابن مسعود أن النبي صلَّى بهم فسهى‪،‬فسجد سجدتين ثم تشهد‪ ،‬ثم سلم‪.1‬‬
‫ضعفو غير واحد والمحفوظ ليس فيه ذكر للتشهد‬

‫‪ -2‬ذهب أبو حنيفة يتشهد ويسلم لسجود السهو واستدل بحديث عمران بن الحصين قال‪ :‬سلم‬
‫النبي من ثالث ركعات‪ ،‬فلما قيل له صلَّى ركعة ثم سلَّم‪ ،‬ثم سجد سجدتين ثم سلم ‪ ،2‬ورواية أن النبي‬
‫صلَّى بهم فسهى‪ ،‬فسجد سجدتين‪،‬ثم تشهد‪ ،‬ثم سلم‪ 3‬وضعفه غير واحد‪ ،‬والمحفوظ ليس فيه ذكر‬
‫للتشهد‪.‬‬

‫‪ -3‬ذهب الشافعي وحماد والنخعي أن يتشهد فقط دون سالم لسجود السهو ألن السالم من الصالة‬
‫سالم من سجود السهو‪.‬‬

‫‪ -4‬ذهب مالك (رواية) الشافعي (رواية)‪ ،‬وأحمد (رواية) ابن سيرين أن يسلم فقط وال يتشهد السجود‬
‫السهو ألن تشبيه سجدتي السهو بسجدتين األخيرتين في الصالة فال يجب لها تشهد وحديث عمران‬
‫بن الحصن الله قال‪ :‬سلم النبي من ثالث ركعات ثم سجد سجدتي ثم سلم‬

‫‪ -5‬ذهب الحسن وعطاء أن ال يتشهد وال يسلم لسجود السهو واستدل بحديث الخدري قال إذا‬
‫‪.‬‬‫شك أحدكم في صالته فلم يدر كم صلى‪....‬ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم‬

‫‪1‬سنن أبي داود‪ ،‬الترمذي‪ ،‬ابن خزيمة‪ ،‬ابن حبان‪ ،‬المسترك للحاكم‬
‫‪2‬مسلم‬
‫‪3‬سنن أبي داود‪ ،‬الترمذي‪ ،‬ابن حبان‪ ،‬ابن خزيمة‪ ،‬المسترك للحاكم‬
‫المسألة الثامنة‪ :‬هل يشرع للمأموم السجود لسهو نفسه؟‬

‫اتفقوا على أن سجود السهو من سنة اإلمام والمنفرد‪ ،‬واختلفوا في المأموم اذا لم يكن مسبوقا‬
‫وسهى وراء اإلمام‪ ،‬هل عليه سجود السهو أم ال؟‪ ،‬والخالف على قولين‪:‬‬

‫‪-1‬ذهب الجمهور إلى أن اإلمام يحمل سجود السهو عن المأموم ألن اإلمام يحمل عن المأموم فيما‬
‫سهى عنه من الواجبات لعموم الحديث (انما جعل االمام ليؤتم به) وألن المعاوية تكلم خلف النبي ولم‬
‫يأمر بسجود وعن عمر قال ليس على من خلف اإلمام سهو‪ ،‬فإن سهى اإلمام فعليه وعلى من خلفه‬
‫السهو وإن سهى من خلف اإلمام فليس عليه سهو‪ ،‬كاإلمام كافيه‪.‬‬

‫‪ -2‬ذهب قوم إلى أن يلزم سجود السهو إذا سهى وراء اإلمام مكحول للف ألن اإلمام (ال) يحمل عن‬
‫المأموم ما سهى عنه بعموم أحاديث السهو ومنها حديث ثوبانعن النبي قال (لكل سهو سجدتان بعد‬
‫السالم) ‪ ،‬فالحديث عام لم يفرق بين إمام ومنفرد ومأموم‪.‬‬

‫والراجح‪ :‬القول األول‪( :‬اإلمام يحمل سجود السهو عن المأموم)‪ ،‬وقد حكم ابن رشد ‪ -‬رحمه الله ‪-‬‬
‫بالشذوذ على قول اإلمام مكحول‬

‫المسألة التاسعة‪ :‬متى يسجد المأموم إذا فاته مع اإلمام بعض الصالة‪ ،‬وعلى اإلمام سجود سهو؟‬

‫اتفقوا على أن اإلمام إذا سهى‪ ،‬أن المأموم يتبعه في سجود السهو‪ ،‬وإن لم يتبعه في سهوه؛‬
‫سواء أدرك كامل الصالة أو جزء منها‪ ،‬واتفقوا على أن االتباع واجب لقوله ‪( :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم‬
‫به) واختلفوا متى يسجد المأموم إذا فاته مع اإلمام ركعة فأكثر‪ ،‬والخالف على أربعة أقوال‬

‫‪ -1‬ذهب أبو حنيفة وأحمد وعطاء والحسن والنخعي والشعبي إلى أن يسجد المأموم للسهو مع‬
‫اإلمام مطلقا‪ ،‬ثم يقضي ما فاته من الصالة ألن األولى مقارنة فعل المأموم لفعل اإلمام‪ ،‬وهذا شرط في‬
‫االتباع لقوله ‪( :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به‪ ...‬فإذا سجد فاسجدوا)‪،‬و استدل بحديث ابن عمر قال ‪:‬‬
‫ليس على من خلف اإلمام سهو؛ فإن سهى اإلمام فعليه وعلى من خلفه وألن السجود من تمام الصالة‬
‫فيتابعه فيها‪ ،‬كالذي قبل السالم وكغير المسبوق‪.‬‬

‫‪ -2‬ذهب ابن سيرين إسحاق إلى أن يقضي المأموم ما فاته من الصالة ثم يسجد للسهو ألن موضع‬
‫سجود السهو آخر الصالة‪ ،‬فيقدم على مقارنة فعل اإلمام الفعل المأموم‪.‬‬

‫‪ -3‬ذهب مالك والليث األوزاعي إذا سجد اإلمام قبل التسليم سجد المأموم معه وإن سجد بعد‬
‫التسليم سجدهما بعد أن يقضي ألن إذا سجد اإلمام قبل التسليم يتابعه المأموم لعموم الحديث‪( :‬فإذا‬
‫سجد فاسجدوا)‪ .‬وإذا سجد اإلمام بعد التسليم فيراعى موضع سجود السهو‪ ،‬فيسجد آخر الصالة‪.‬‬

‫‪ -4‬ذهب الشافعي إلى أن يسجد المأموم للسهو مع اإلمام‪ ،‬ثم يسجد ثانية بعد القضاء ألن يراعى في‬
‫السجود األمرين‪ ،‬فيسجد المرة األولى متابعة لإلمام‪( :‬فإذا سجد فاسجدوا)‪ ،‬ويسجد المرة الثانية‬
‫مراعاة الموضع السجود في آخر الصالة‪.‬‬

‫المسألة العاشرة‪ :‬كيفية تنبيه اإلمام إذا سهى في صالته‬

‫اتفقوا على أن من السنة للرجل أن يسبح لإلمام إذا سهى في صالته لقوله ‪( :‬ما لي أراكم‬
‫أكثرتم من التصفيق من نابه شيء في صالته فليسبح‪ ،‬إذا سبح التفت إليه‪ ،‬وإنما التصفيق للنساء)‬
‫واختلفوا في كيفية تنبيه المرأة لإلمام‪ ،‬والخالف على قولين‪:‬‬

‫‪ -1‬ذهب مالك تسبح المرأة لتنبيه اإلمام الساهي كما يسبح الرجل واستدل بحديث سهل بن سعد ‪:‬‬
‫‪ ....‬وإنما التصفيق للنساء)‪ ،‬أي‪ :‬إن التصفيق من فعل النساء ومن شأنهن في غير الصالة‪ ،‬وقد قال‬
‫ذلك على جهة الذم لفعلهن ألنه قال أول الحديث‪( :‬من نابه شيء في صالته فليسبح)‪ ،‬وهذا‬
‫الخطاب عام للرجال والنساء‪.‬‬
‫‪ -2‬أبو حنيفة والشافعي وأحمد األوزاعي إلى أن تصفق المرأة لتنبيه اإلمام الساهي ويسبح الرجل‬
‫واستدل بحديث سهل بن سعد ‪ ...( :‬من نابه شيء في صالته فليسبح ‪ ....‬وإنما التصفيق للنساء)‪،‬‬
‫أي‪ :‬إن التصفيق هو حكم النساء في السهو‪ ،‬وهذا ظاهر الحديث‪ ،‬و حديث أبي هريرة الله قال ‪:‬‬
‫(التسبيح للرجال‪ ،‬والتصفيق للنساء)‪.‬‬

‫والله أعلم بالصواب؛ ألن العلم عنده‪ ،‬فالحمد لله رب العالمين‪.‬‬


‫اململكة العربية السعودية‬
‫وزارة التعليم‬
‫جامعة اإلمام حممد بن سعود الإلسالمي‬
‫معهد العلوم اإلسالمية والعربية يف إندونسيا‬

‫القول يف الوتر‬
‫من كتاب بداية املجتهد و هناية املقتصد‬

‫‪:‬حتت إشراف‬

‫أ‪.‬دكتور حممد ناصر الغامن‬


‫أستاذ مادة الفقه بقسم الشريعة‬

‫‪:‬إعداد املجموعة الثامنة (‪)8‬‬


‫( مشرف املجموعة )مجيل الرمحن بن ويل بودميان‪444013039/‬‬
‫فقيه رفاعي حممودي‪444012739/‬‬
‫فطرة ثابت فائزين‪٤٤٤٠١٢٩٨٤/‬‬
‫فكري فردوس معلم‪444012911/‬‬
‫املستوى الثاين (‪)2‬مسائى ‪ /‬قسم الشريعة املسائية‬
‫العام اجلامعي ‪ 1445 :‬ه‬
‫مقدمة‬
‫السكينة يف قلوب املؤمنني ليزدادو إميانًا ّمع إمياهنم ‪,‬احلمد هلل الذي هدنا هلذا و ما‬ ‫احلمد هلل الذي أنزل ّ‬
‫كنَيدتهنل اّ لولَآ أن ه َدنا اهلل‪.‬اللّهم فق ّهنا يف الدين و علّمنا التأويل‪.‬مثّ الصالة والسالم علي نبيّينا حمّمد‬
‫صلي اهلل عليه وسلّم و على آله و أصحابه و من سار علي هنجه إىل يوم البعث‪.‬‬
‫أ ّما بعد‪.‬‬
‫فقد كلّفنا أ‪.‬د حممدناصر الغامن بكتابة حبث صغري( القول يف الوتر من كتاب بداية املجتهد و هناية‬
‫املقتصد) فعسى اهلل ان ينفعنا و يبارك يف اعمالنا هذا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫القول يف الوتر من كتاب بداية املجتهد و هناية املقتصد‬

‫تصور املسالة يف القول يف الْوتْر‬

‫املسائل التفق عليها ‪:‬‬

‫‪ -‬اتفقوا على أن وقت الوتر من بعد صالة العشاء إىل الفجر‪.‬‬


‫ِ‪ -‬ال خالف بني اهل االصوال أن ما بعد (اىل) خبالف ما قبلها اذا كانت غاية ‪ ,‬و أن هذا و ان كان‬
‫من باب دليل اخلطاب فهو من انواعه املتفق عليها‪.‬وال خالف بني العلماء أن ما بعد الغاية خبالف‬
‫الغاية‪.‬‬

‫واختلفوا يف الوتر يف مخسة مواضع‪:‬‬

‫حكم اداء صالة الوتر‬ ‫•‬

‫صفة صالة الوتر‬ ‫•‬

‫وقت اداء الوتر‬ ‫•‬

‫حكم القنوت (الدعاء) يف صالة الوتر‬ ‫•‬

‫جكم صالة الوتر على الراحلة‬ ‫•‬

‫وسنبني كل واحد منهم ان شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .1‬يف حكمه‬

‫أما حكمه‪ :‬فقدم تقدم القول فيه عند بيان عدد الصلوات املفروضة‬

‫‪ .2‬يف صفته‬

‫فإن مالكا ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬استحب أن يوتر بثالث يفصل بينها بسالم‪.‬‬

‫وخرج عن عبد اهلل بن قيس قال‪« :‬قلت لعائشة‪ :‬بكم كان رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫يوتر؟ قالت‪ " :‬كان يوتر بأربع وثالث‪ ،‬وست وثالث‪ ،‬ومثان وثالث‪ ،‬وعشر وثالث‪ ،‬ومل يكن يوتر‬
‫بأنقص من سبع‪ ،‬وال بأكثر من ثالث عشرة» ‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬الوتر ثالث ركعات من غري أن يفصل بينها بسالم‪.‬‬
‫قال الصنعاين رمحه اهلل يف سبل السالم‪ :‬أخرج الدارقطين واحلاكم وابن حبان من حديث أيب هريرة‬
‫مرفوعا‪ { :‬أوتروا خبمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة }‪ .‬زاد احلاكم‪ { :‬وال توتروا بثالث‪،‬‬
‫ال تشبهوا بصالة املغرب }‪ .‬قال املصنف ‪-‬أي احلافظ ابن حجر‪ -‬ورجاله كلهم ثقات وال يضره‬
‫وقف من وقفه ‪ ،‬إال أنه قد عارضه حديث أيب أيوب‪ { :‬من أحب أن يوتر بثالث فليفعل }‪ .‬أخرجه‬
‫أبو داود والنسائي وابن ماجه وغريهم ‪ .‬وقد مجع بينهما بأن النهي عن الثالث إذا كان يقعد للتشهد‬
‫األوسط ألنه يشبه املغرب‪ ،‬وأما إذا مل يقعد إال يف آخرها فال يشبه املغرب‪ ،‬وهو مجع حسن قد أيده‬
‫حديث عائشة عند أمحد والنسائي والبيهقي واحلاكم‪ { :‬كان صلى اهلل عليه وسلم يوتر بثالث ال‬

‫‪3‬‬
‫جيلس إال يف آخرهتن }‪ .‬ولفظ أمحد‪ { :‬كان يوتر بثالث ال يفصل بينهن } ولفظ احلاكم‪ :‬ال‬
‫يقعد‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫حديث ابن عمر رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه و سلم‬

‫وقال الشافعي‪ :‬الوتر ركعة واحدة‪.‬‬

‫وذلك أنه ثبت عنه ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬من حديث عائشة‪« :‬أنه كان يصلي من الليل إحدى‬
‫عشرة ركعة يوتر بواحدة» ‪.‬‬

‫وثبت عن ابن عمر أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬صالة الليل مثىن مثىن‪ ،‬فإذا رأيت‬
‫أن الصبح يدركك فأوتر بواحدة» ‪.‬‬
‫ولكل قول من هذه سلف من الصحابة والتابعني‪.‬‬

‫وخرج أبو داود عن أيب أيوب األنصاري أنه ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬قال‪« :‬الوتر حق على كل‬
‫مسلم‪ ،‬فمن أحب أن يوتر خبمس فليفعل‪ ،‬ومن أحب أن يوتر بثالث فليفعل‪ ،‬ومن أحب أن يوتر‬
‫بواحدة فليفعل» ‪.‬‬

‫‪ .3‬يف وقته‬

‫وأما وقته‪ :‬فإن العلماء اتفقوا على أن وقته من بعد صالة العشاء إىل طلوع الفجر‪ ،‬لورود‬
‫ذلك من طرق شىت عنه ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ،-‬ومن أثبت ما يف ذلك‪ :‬ما خرجه مسلم‬
‫عن أبينضرة العويف أن أبا سعيد أخربهم «أهنم سألوا النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن الوتر‬
‫فقال‪ " :‬الوتر قبل الصبح» ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫واختلفوا يف جواز صالته بعد الفجرعلى قوالن مشهوران ‪:‬‬

‫‪ .1‬فقوم منعوا ذلك أبو يوسف وحممد بن احلسن صاحبا أيب حنيفة وسفيان‪.‬‬

‫وسبب اختالفهم‪ :‬معارضة عمل الصحابة يف ذلك باآلثار‪ ،‬وذلك أن ظاهر اآلثار الواردة يف ذلك أن‬
‫ال جيوز أن يصلي بعد الصبح كحديث أيب نضرة املتقدم‪ ،‬وحديث أيب حذيفة العدوي يف هذا خرجه‬
‫أبو داود وفيه‪« :‬وجعلها لكم ما بني صالة العشاء إىل أن يطلع الفجر» ‪ .‬وال خالف بني أهل‬
‫األصول أن ما بعد (إىل) خبالف ما قبلها إذا كانت غاية‪ ،‬وأن هذا‪ ،‬وإن كان من باب دليل اخلطاب‪،‬‬
‫فهو من أنواعه املتفق عليها‪ ،‬مثل قوله‪{ :‬مث أمتوا الصيام إىل الليل} [البقرة‪ ]١٨٧ :‬وقوله‪{ :‬إىل‬
‫املرافق} [املائدة‪ ]٦ :‬ال خالف بني العلماء أن ما بعد الغاية خبالف الغاية‪.‬‬

‫‪ .2‬وقوم أجازوه ما مل يصل الصبح‪ ،‬وهو قول الشافعي ومالك وأمحد‪.‬‬

‫فإنه روي عن ابن مسعود وابن عباس وعبادة بن الصامت وحذيفة وأيب الدرداء وعائشة أهنم كانوا‬
‫يوترون بعد الفجر وقبل صالة الصبح‪ ،‬ومل يرو عن غريهم من الصحابة خالف هذا; وقد رأى قوم‬
‫أن مثل هذا هو داخل يف باب اإلمجاع‪ ،‬وال معىن هلذا‪ ،‬فإنه ليس ينسب إىل ساكت قول قائل‬
‫‪ -‬أعين‪ :‬أنه ليس ينسب إىل اإلمجاع من مل يعرف له قول يف املسألة ‪ .-‬وأما هذه املسألة فكيف يصح‬
‫أن يقال‪ :‬إنه مل يرو يف ذلك خالف عن الصحابة‪ ،‬وأي خالف أعظم من خالف الصحابة الذين‬
‫رووا هذه األحاديث ‪ -‬أعين‪ :‬خالفهم هلؤالء الذين أجازوا صالة الوتر بعد الفجر‪.‬‬

‫والذي عندي يف هذا أن هذا من فعلهم ليس خمالفا اآلثار الواردة يف ذلك‪( ،‬أعين‪ :‬يف إجازهتم الوتر‬
‫بعد الفجر) ‪ ،‬بل إجازهتم ذلك هو من باب القضاء ال من باب األداء‪ ،‬وإمنا يكون قوهلم خالف‬
‫اآلثار لو جعلوا صالته بعد الفجر من باب األداء‪ ،‬فتأمل هذا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وإمنا يتطرق اخلالف هلذه املسألة من باب اختالفهم يف هل القضاء يف العبادة املؤقتة حيتاج إىل أمر‬
‫جديد أم ال؟ ‪ -‬أعين‪ :‬غري أمر األداء ‪ ،-‬وهذا التأويل هبم أليق‪ ،‬فإن أكثر ما نقل عنهم هذا املذهب‬
‫من أهنم أبصروا يقضون الوتر قبل الصالة وبعد الفجر‪ ،‬وإن كان الذي نقل عن ابن مسعود يف ذلك‬
‫قوال ‪ -‬أعين‪ :‬أنه كان يقول‪ :‬إن وقت الوتر من بعد العشاء اآلخرة إىل صالة الصبح‪,‬فليس جيب ملكان‬
‫هذا أن يظن جبميع من ذكرناه من الصحابة أنه يذهب هذا املذهب من قبل أنه أبصر يصلي الوتر بعد‬
‫الفجر‪ ،‬فينبغي أن تتأمل صفة النقل يف ذلك عنهم‪.‬‬

‫وقد حكى ابن املنذر يف وقت الوتر عن الناس مخسة أقوال‪:‬‬

‫منها القوالن املشهوران اللذان ذكرهتما‪.‬‬

‫والقول الثالث‪ :‬أنه يصلي الوتر وإن صلى الصبح‪ ،‬وهو قول طاوس‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬أنه يصليها وإن طلعت الشمس‪ ،‬وبه قال أبو ثور واألوزاعي‪.‬‬

‫واخلامس‪ :‬أن يوتر من الليلة القابلة‪ ،‬وهو قول سعيد بن جبري‪.‬‬

‫وهذا االختالف إمنا سببه‪ :‬اختالفهم يف تأكيده وقربه من درجة الفرض‪ ،‬فمن رآه أقرب أوجب‬
‫القضاء يف زمان أبعد من الزمان املختص به‪ ،‬ومن رآه أبعد أوجب القضاء يف زمان أقرب‪ ،‬ومن رآه‬
‫سنة كسائر السنن ضعف عنده القضاء‪ ،‬إذ القضاء إمنا جيب يف الواجبات‪ ،‬وعلى هذا جييء اختالفهم‬
‫يف قضاء صالة العيد ملن فاتته‪ ،‬وينبغي أن ال يفرق يف هذا بني الندب والواجب ‪ -‬أعين‪ :‬أن من رأى‬
‫أن القضاء يف الواجب يكون بأمر متجدد أن يعتقد مثل ذلك يف الندب‪ ،‬ومن رأى أنه جيب باألمر‬
‫األول أن يعتقد مثل ذلك يف الندب‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ .4‬يف القنوت فيه‬

‫وأما اختالفهم يف القنوت فيه‪:‬‬

‫فذهب أبو حنيفة وأصحابه إىل أنه يقنت فيه‪،‬‬ ‫•‬

‫• ومنعه مالك‪،‬‬

‫• وأجازه الشافعي يف أحد قوليه يف النصف اآلخر من رمضان‪،‬‬

‫وأجازه قوم يف النصف األول من رمضان‪ ،‬وقوم يف رمضان كله‪.‬‬ ‫•‬

‫والسبب يف اختالفهم يف ذلك‪ :‬اختالف اآلثار‪ ،‬وذلك أنه روي عنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫القنوت مطلقا‪ ،‬وروي عنه القنوت شهرا‪ ،‬وروي عنه «أنه آخر أمره مل يكن يقنت يف شيء من‬
‫الصالة‪ ،‬وأنه هنى عن ذلك» ‪ ،‬وقد تقدمت هذه املسألة‪.‬‬
‫‪ .5‬يف صالته على الراحلة‬

‫وأما صالة الوتر على الراحلة حيث توجهت به‪:‬‬

‫فإن اجلمهور على جواز ذلك لثبوت ذلك من فعله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬أعين‪« :‬أنه‬ ‫•‬

‫كان يوتر على الراحلة» ‪ -‬وهو مما يعتمدونه يف احلجة على أهنا ليست بفرض إذا كان قد‬
‫صح عنه ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪« :-‬أنه كان يتنفل على الراحلة» ‪ .‬ومل يصح عنه أنه صلى‬
‫قط مفروضة على الراحلة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وأما احلنفية فلما كان اتفاقهم معهم على هذه املقدمة؛ وهو أن كل صالة مفروضة ال تصلى‬ ‫•‬

‫على الراحلة‪ ،‬واعتقادهم أن الوتر فرض‪ ،‬وجب عندهم من ذلك أال تصلى على الراحلة‪،‬‬
‫وردوا اخلرب بالقياس وذلك ضعيف‪.‬‬

‫وذهب أكثر العلماء إىل أن املرء إذا أوتر مث نام فقام يتنفل أنه ال يوتر ثانية‪ ،‬لقوله ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪« :-‬ال وتران يف ليلة» ‪ .‬خرج ذلك أبو داود‪ ،‬وذهب بعضهم إىل أنه يشفع الوتر األول بأن‬
‫يضيف إليه ركعة ثانية‪ ،‬ويوتر أخرى بعد التنفل شفعا‪ ،‬وهي املسألة اليت يعرفوهنا بنقض الوتر‪ ،‬وفيه‬
‫ضعف من وجهني‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن الوتر ليس ينقلب إىل النفل بتشفيعه‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أن التنفل بواحدة غري معروف من الشرع‪.‬‬

‫وجتويز هذا وال جتويزه هو سبب اخلالف يف ذلك‪ :‬فمن راعى من الوتر املعىن املعقول وهو ضد الشفع‬
‫قال‪ :‬ينقلب شفعا إذا أضيف إليه ركعة ثانية‪ .‬ومن راعى منه املعىن الشرعي قال‪ :‬ليس ينقلب شفعا‬
‫ألن الشفع نفل والوتر سنة مؤكدة أو واجبة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫اخلتام‬
‫حبق شكره فقد مت كتابة حبث‬ ‫ا حلمد هلل الذي اطعمنا وسقانا و جعلنا من املسلمني ‪,‬نشكر اهلل تعاىل ّ‬
‫صغري هذا فنسأل اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أن يعيننا فيما نبتغيه‪ ،‬ويوفقنا يف مجيع األحوال ملا يرضيه‪ ،‬وجيعل عملنا‬
‫صاحلا‪ ،‬وجيعله لوجهه خالصا‪ ،‬مبنه ورمحته‪.‬‬
‫فنشكر لكم و نرجواكم أن ترشدوننا يف طريق طلب العلم و نستأفيكم على قلّة املعلومات و قلّة‬
‫سلم كثريا وعلى آل بييته الطاهرين و‬
‫آلدب وصلّى اهلل على نبيّنا حمد صلّى اهلل عليه و ّ‬
‫أصحابه ‪.‬االخيار وعلى التابعني بإحسان و املقتدين هبم يف كل زمان‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫املراجع و املصادر‬
‫القرآن و احلديث‬ ‫‪.1‬‬
‫بداية املجتهد وهناية املقتصد‪:‬البو الوليد حممد بن أمحد بن حممد بن أمحد بن رشد القرطيب‬ ‫‪.2‬‬
‫الشهري بابن رشد احلفيد (ت ‪٥٩٥‬هـ)‪:‬حتقيق ابوا عبد القيوم حممد ناصر السحيباين‪ -.‬املدينة‬
‫املنورة ‪ :‬دار اخلضرييع للنشر والتوزيع ‪ 1419‬ه‬

‫‪10‬‬

You might also like