Professional Documents
Culture Documents
الثورة الجزائرية 8 صفحات
الثورة الجزائرية 8 صفحات
الثورة الجزائرية 8 صفحات
عرفت الجزائر مقاومة عسكرية طويلة األمد ضد االحتالل الفرنسي ،منذ بدايته عام ،1830بقيادة كل
من األم ير عب د الق ادر الجزائ ري في الغ رب والب اي الح اج أحم د في الش رق ،تلته ا بع د ذل ك انتفاض ات
ش عبية .وبع دها راحت فرنس ا تك رس وجوده ا في الجزائ ر ،وتعم ل على تنظيم إدارته ا ،بحيث تس تطيع
القضاء على كل ما له عالقة بأصالة الشعب وثقافته ولغته وتقاليده ،إال أن إصرار الشعب الجزائري
على التمس ك به ذه المقوم ات أفش ل خط ة االس تيطان الفرنس ي ،وتجلى ه ذا التمس ك من خالل المط الب
االجتماعي ة ال تي رفعه ا األعي ان والجمعي ات واألح زاب السياس ية إلى الس لطات الفرنس ية ال تي رفض ت
حكوماته ا المتعاقب ة الح وار معه ا ،س واء ك انت معتدل ة أو متطرف ة ،ب ل راحت ت رد على ه ذه المط الب
بأساليب شتى من القمع والقتل والسجن والنفي والتضييق على الحريات ،وتزوير االنتخابات .وأمام هذا
الواق ع وج دت الحرك ة الوطني ة الجزائري ة نفس ها أم ام خي ار واح د الس ترجاع الحري ة واالس تقالل ،وه و
الكفاح المسلح.
لق د تم وض ع اللمس ات األخ يرة للتحض ير الن دالع الث ورة التحريري ة في اجتم اعي 10و24
أكتوبر 1954بالجزائر من طرف لجنة الستة ،ناقش المجتمعون قضايا هامة هي :
إعطاء تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد اإلعالن عنه ليحل محل اللجنة الثورية للوحدة والعمل وقد
اتفقوا على إنشاء جبهة التحرير الوطني و جناحها العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني .و
ته دف المهم ة األولى للجبه ة في االتص ال بجمي ع التي ارات السياس ية المكون ة للحرك ة الوطني ة قص د
حثها على االلتحاق بمسيرة الثورة ،و تجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي.
تحدي د ت اريخ ان دالع الث ورة التحريري ة :ك ان اختي ار ليل ة األح د إلى االث نين أول
نوفمبر 1954كتاريخ انطالق العمل المسلح يخضع لمعطيات تكتيكية -عسكرية ،منها وجود عدد
كب ير من جن ود وض باط جيش االحتالل في عطل ة نهاي ة األس بوع يليه ا انش غالهم باالحتف ال بعي د
مسيحي ،وضرورة إدخال عامل المباغتة.
تحدي د خريط ة المن اطق و تع يين قادته ا بش كل نه ائي ،و وض ع اللمس ات األخ يرة لخريط ة المخط ط
وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزودين بأسلحة قديمة و بنادق ص يد و بعض
األلغ ام بعملي ات عس كرية اس تهدفت مراك ز الجيش الفرنس ي ومواقع ه في أنح اء مختلف ة من البالد وفي
وقت واحد .و مع انطالق الرصاصة األولى للثورة ،تّم توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل توقيع
األمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني .و دعا البيان جميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات
االجتماعي ة و جمي ع األح زاب و الحرك ات الجزائري ة إلى االنض مام إلى الكف اح التحري ري و دون أدنى
اعتبار آخر .و تّم تشكيل األمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني من تسعة أعضاء.
ش ملت هجوم ات المجاه دين ع دة من اطق من ال وطن ،و ق د اس تهدفت ع دة م دن وق رى ع بر المن اطق
الخمس :باتن ة ،أريس ،خنش لة و بس كرة في المنطق ة األولى ،قس نطينة و س مندو بالمنطق ة الثاني ة ،
العزازقة و تيغزيرت و برج منايل و ذراع الميزان بالمنطقة الثالثة .أما في المنطقة الرابعة فقد مست
كال من الجزائر و بوفاريك والبليدة ،بينما كانت سيدي علي و زهانة و وهران على موعد مع اندالع
الثورة في المنطقة الخامسة.
و ب اعتراف الس لطات اإلس تعمارية ،ف إن حص يلة العملي ات المس لحة ض د المص الح الفرنس ية ع بر ك ل
مناطق الجزائر ليلة أول نوفمبر ، 1954قد بلغت ثالثين عملية خلفت مقتل 10أوروبيين و عمالء و
جرح 23منهم وخسائر مادية تقدر بالمئ ات من الماليين من الفرنكات الفرنسية .أما الثورة فقد فقدت
في مرحلتها األولى خيرة أبنائها الذين سقطوا في ميدان الشرف ،من أمثال بن عبد المالك رمضان و
قرين بلقاسم و باجي مختار و ديدوش مراد و غيرهم.
لم يكن س هًال القض اء على ث ورة أول نوفم بر ،على ال رغم من األوض اع الص عبة ال تي انطلقت فيه ا
الث ورة :ن درة األس لحة ،وعملي ات التمش يط ،و ص عوبات االتص االت ،و محاول ة ك ل منطق ة أن تق ود
الجم اهير الش عبية بحس ب ظروفه ا و أن تس اند المجاه دين بجمي ع األس لحة و مناوش ة الع دو و مواجه ة
عمليات ه الوحش ية ،كم ا ح اول المس ؤولون في الخ ارج إظه ار ص ورة الجزائ ر المقاوم ة و عمل وا على
تزويدها باألسلحة.
مراحل الثورة:
المرحلة األولى1955-1954 :
و تركز العمل فيها على تثبيت الوضع العسكري و تقويته ،و مد الثورة بالمتطوعين و السالح و العمل
على توسيع إطار الثورة لتشمل كافة أنحاء البالد.
من الجانب الفرنسي ،فإن ممثليه من حكومة و إدارة و أحزاب و الرأي العام ،كانوا كلهم ضد أعمال
أول نوفم بر ،فق د أعلن رئيس الحكوم ة أم ام مجلس الن واب« :في الجزائ ر اليمكن أن يك ون هن اك
انفص ال ،هن ا فرنس ا» ،أم ا وزي ر الداخلي ة الفرنس ي فق د ص رح« :ال أقب ل التف اوض م ع أع داء ال وطن،
التفاوض الوحيد هو الحرب» ،و كان التطبيق العملي لهذه الكلمة تجنيد قوات األمن و الجيش للقضاء
على ه ذا التم رد ،فبينم ا تق وم الش رطة بمالحق ة ك ل المس ؤولين و المنتخ بين و المناض لين في الح زب
الوطني ،فإن الجيش الفرنسي يالحق مجاهدي جيش التحرير الوطني المتحصنين في جبال األوراس و
بالد القبائل .و في سنة 1954كان هناك أقل من 1000جندي لجيش التحرير الوطني ،يواجهون 50
ألف رجل ألكبر قوة عسكرية أوربية.
و في س نة ،1955أص بحت ح رب التحري ر واقع ًا حيث انض م إلى جيش التحري ر وط نيون مش حونون
بحم اس المقاوم ة ،و ش باب مط ارد من الش رطة يبحث ون عن ملج أ في الجب ال ،و ك ذلك المجن دون
الجزائريون الفارون من الجيش الفرنسي و الذين التحقوا بالمجاهدين .و هكذا تحولت الحرب إلى قوة
ثورية ،كما أسهمت هجمات المجاهدين و سكان األرياف للشمال القسنطيني في أوت 1955في تقوية
سلطة الثورة.
في صيف ،1955فكر زيغود يوسف قائد الناحية الثانية للشمال القسنطيني في هجوم شامل للمجاهدين
ض د الق وات الفرنس ية ردًا على محاص رة األوراس وإ بع اد المل ك محم د الخ امس عن الع رش ،و تم
تحض ير ذل ك عن طري ق حمالت توعي ة و جم ع األس لحة و المتفج رات و المؤون ة و األدوي ة و تنظيم
محكم لمجاهدي مختلف قطاعات الناحية الثانية .بدأت الهجمات يوم 20أوت في وضح النهار ،خالف ًا
لعملي ات أول تش رين الث اني .1954و ج رت اش تباكات دامي ة في س كيكدة و ض واحيها بين الفالحين
المس لحين ب الهراوات و القض بان الحديدي ة و المع اول و الس كاكين ،مقاب ل الجن ود الفرنس يين المس لحين
بأح دث األس لحة ،و تعرض ت المواق ع العس كرية في قس نطينة للهج وم ،و ك ذا تص فية أعوان الفرنس يين،
لقد هوجم ما يقرب من ثمانين مركزًا ،وقد أدى ذلك إلى تخريب و تقتيل رهيب ،حيث تتحدث بعض
المص ادر عن 12أل ف ض حية من الجزائ ريين ،فق د ك انت الق وات الفرنس ية تطل ق الن ار على ك ل
الجزائريين الذين تصادفهم.
كان هذا القمع مصدرًا للكراهية التي لم تترك أي مجال لحل سلمي ،فقد استقال المنتخبون كما عزم
ق ادة االتح اد ال ديمقراطي للبي ان الجزائ ري UDMAوالمرك زيين االلتح اق بجبه ة التحري ر الوط ني،
وأك دت ال دول العربي ة تض امنها م ع الكف اح الجزائ ري ،وكش فت سياس ة فرنس ا لمنظم ة األمم المتح دة،
وهكذا عمت الحرب كل أرجاء الجزائر.
شهدت هذه المرحلة ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي المضاد للثورة من أجل القضاء عليها ،إال أن الثورة
ازدادت اشتعاًال وعنفًا بسبب تجاوب الشعب معها ،و أقام جيش التحرير مراكز جديدة ونشطت حركة
الف دائيين في الم دن ،كم ا تمّك ن جيش التحري ر من إقام ة بعض الس لطات المدني ة في بعض من اطق
الجنوب الجزائري و أخذت تمارس صالحياتها على جميع األصعدة.
ك انت ه ذه المرحل ة من أص عب المراح ل ال تي م ّر ت فيه ا الث ورة الجزائري ة ،إذ ق ام المس تعمر الفرنس ي
بعمليات عسكرية ضخمة ضد جيش التحرير الوطني .وفي هذه الفترة ،بلغ القمع البوليس حده األقصى
في المدن و األرياف ..و فرضت على األهالي معسكرات االعتقال الجماعي في مختلف المناطق .أما
رد جيش التحري ر ،فق د ك ان خ وض مع ارض عنيف ة ض د الجيش الفرنس ي واعتم د خط ة توزي ع القوات
على جمي ع المن اطق من أج ل إض عاف ق وات الع دو المهاجم ة ،و تخفي ف الض غط على بعض الجبه ات،
باإلضافة إلى فتح معارك مع العدو من أجل إنهاكه واستنـزاف قواته وتحطيمه.
تدعمت صفوف جبهة التحرير الوطني بانضمام الطلبة و العمال ،فقامت النقابة (االتحاد العام للعمال
الجزائ ريين) ال تي ُأنش ئت في فيف ري 1956بع دة إض رابات وطني ة مس اندة لجبه ة التحري ر ،كم ا نظم
الطلب ة في ج انفي 1956نص ف ش هر تض امني ض د القه ر واالض طهاد .و في م ؤتمر االتح اد الع ام
للطلب ة المس لمين الجزائ ريين تمت المطالب ة باالس تقالل ،و في 18م اي دع ا االتح اد إلى إض راب ع ام
غ ير مح دود ،و ذل ك بمقاطع ة ال دروس واالمتحان ات و دع وة الطلب ة لاللتح اق بص فوف جبه ة التحري ر
الوط ني .و من جه ة أخ رى ازدادت ح دة المواجه ات العس كرية س نة ،1956مث ل عملي ات األخض رية
بقي ادة علي خوج ة (فيف ري ،م ارس) ،وه و ماح دث في منطق ة قس نطينة م ع بداي ة الهجم ات في منطق ة
وهران.
ابتداًء من مارس 1956كان من الضروري إيجاد تنسيق شامل بين مختلف قيادات المناطق ،وذلك من
أج ل وض ع منهج اس تراتيجي موح د وقي ادة سياس ية وعس كرية وطني ة ،حيث تجس د ه ذا المنهج بإنش اء
المنطقة الثانية و منطقة الجزائر بقيادة زيغود يوسف وعبان رمضان .تم اجتماع قيادة الست مناطق
باس تثناء قائ د المنطق ة األولى ال ذي استش هد في إح دى المع ارك ،وك ذا غي اب الممثلين المقيمين في
الخارج ،وُع رف هذا االجتماع باسم مؤتمر الصومام (أوت )1956و فيه اُتخذت عدة قرارات مهمة،
منها إنشاء لجنة التنسيق و التنفيذ ،و كذا تقسيم المناطق التي أصبحت واليات ،وتنظيم عسكري دقيق،
كم ا تم اعتم اد مب ادئ مهم ة ،أولوي ة السياس ي على العس كري و القي ادة الداخلي ة على القي ادة الخارجي ة،
ومن جهة أخرى تم تحديد األهداف اآلنية و هي :مواصلة العمل المسلح بكل شراسة و التزود باألسلحة
والتجنيد العام ،هذه القرارات المهمة اعترف بها أغلبية المسؤولين ،ومن ثم ُع ممت على الجميع.
إن توحيد قيادة الثورة زاد من حدة المعارك و المواجهات ،و إضراب الثمانية أيام ( 28جانفي إلى 4
فيفري )1957الذي مس الجزائر العاصمة وكبرى الواليات الجزائرية حتى الفرنسية منها ،أظهر مدى
إرادة المقاوم ة ل دى العم ال الجزائ ريين ،وفي الم دة نفس ها ش هدت الجزائ ر ع دة عملي ات بالقناب ل ،مم ا
أشاع الرعب في أوساط المستوطنين األوربيين بالجزائر.
و لق د اس تعمل الجيش الفرنس ي أعن ف الوس ائل كاالعتق ال وتحطيم المحالت التجاري ة و التع ذيب و
االغتي االت من أج ل كس ر و تعطي ل اإلض راب و الوق وف في وج ه الف دائيين ،ه ذا م ا ُس مي بمعرك ة
الجزائر.
كان القمع الفرنسي وحشيًا ،مما أساء بصفة كبيرة مباشرة إلى الشرطة و الجيش الفرنسيين لدى أوساط
الرأي العام الع المي ،إذ قت ل الكثير من الجزائريين ،و كذا س جل اآلالف من المفق ودين و المعتقلين في
السجون ومراكز االعتقال ،و التحق الكثير من الجزائريين بالجبال.
أبرز سكان الحضر دعمهم للثورة على غرار سكان البادية في أوت ،1955فقد فتحت فيدرالية جبهة
التحري ر بفرنس ا جبه ة ثاني ة ،وح دد الهج وم بت اريخ 25أوت ،1957مهاجم ة مراك ز الش رطة ،ح رق
مستودعات النفط ،تخريب معامل التكرير ،وكانت حصيلة هذه المعركة التي دامت بضعة أسابيع تنفيذ
242هجومًا ضد 181هدفًا و 56عملية تخريب نقلت الحرب إلى األراضي الفرنسية.
و في داخل البالد تضاعف نشاط القتال في الجبال و مواقع أخرى ،و على وجه الخصوص بالجنوب
حيث فتحت في نهاية سنة 1957جبهة صحراوية ،و قد تعددت الصعوبات بالداخل :مناطق ال تعترف
بسلطة اللجنة المركزية للتنسيق و التنفيذ ،مواجهات بين المسؤولين ،اعتراض بعض المجموعات من
المناضلين و التحريض ضد المقاومة الذي كانت تشجعه فرنسا.
عملت اللجنة المركزية للتنسيق والتنفيذ على تحسين تنظيمها ،و إنشاء قطاعات وزارية و توزيع المهام
على أعض ائها ،ف اجتمع المجلس الوط ني للث ورة الجزائري ة في ش هر أوت 1957و رف ع ع دد أعض ائه
إلى ،54و ع دد اللجن ة المركزي ة للتنفي ذ إلى ،9و ق ام بتع ديل بعض ق رارات م ؤتمر الص ومام فلم يع د
هناك أولوي ة السياسي على العسكري و ال ف رق بين مسؤولي الداخل و الخ ارج ،و في أفريل ،1958
وح دت لجن ة التنس يق والتنفي ذ القي ادة العس كرية و جعلت على رأس الث ورة حكوم ة مؤقت ة للجمهوري ة
الجزائرية برئاسة فرحات عباس ( 18سبتمبر .)1958
اع ترف بالحكوم ة المؤقت ة للجمهوري ة الجزائري ة الكث يُر من الحكوم ات من بينه ا حكوم ات البل دان
العربي ة ،و س مح له ا ه ذا االع ترف بش راء األس لحة بس هولة أك بر و إنش اء قي ادتين لألرك ان ،ي ترأس
أح دهما بوم دين ،و التغلب على المح اوالت الداخلي ة ال تي ه دفت لض رب اس تقرارها و التأكي د في أول
تصريح لها أنها «مستعدة للتفاوض مع الحكومة الفرنسية«.
في ال داخل لم تتمكن اإلج راءات التعس فية الفرنس ية لتجمي ع و إدارة الس كان عن طري ق م ا يق رب من
س بعمئة مكتب إداري خ اص ،و إنش اء من اطق محرم ة و التظ اهرات الفرنس ية بت اريخ 13م اي 1958
والتص ريحات األولى ومح اوالت المحادث ات المحلي ة ال تي ق ام به ا الج نرال دوغ ول من تخفي ف وت يرة
الح رب ،فمقاوم ة المجاه دين على ال رغم من األوض اع الص عبة م اتزال ملتهب ة ،وم ع أن الح واجز على
طول الحدود التونسية والمغربية قللت من وصول األسلحة ،إال أن المعارك التي وقعت (جانفي -ماي
)1958أظهرت قدرات الجيش الجزائري الذي قام بعدة هجمات ونجح في عمليات عبور عدة للحدود،
وإ يصال األسلحة إلى مناطق المقاومة بالداخل ،مع الخسائر الكبيرة في صفوفه.
في ع ام ،1959كل ف دوغ ول الج نرال ش ال ب أن يقلص مقاوم ة مجاه دي ال داخل ،فك ان مخط ط ش ال
بمختلف عملياته ،ومنها تلك التي تمت ضد منطقتي القبائل و األوراس من أكثر المخططات وحشية ،إذ
جعل مقاومة المجاهدين و بقاءهم على قيد الحياة غير ممكن تقريبًا ،فقد تم نقل أكثر من مليون جزائري
إلى المعسكرات و تم طرد آالف الالجئين من مساكنهم و وضعهم في مناطق مسالمة دون حساب آالف
الم وتى .و م ع ك ل ه ذا تواص لت العملي ات العس كرية لجيش التحري ر الوط ني ،و لم تط الب الحكوم ة
المؤقت ة بوق ف إطالق الن ار .تع ززت الث ورة بفض ل جيش الح دود و تحس ن تنظيم وزارة الح رب و
االتصاالت العامة ،و كذلك بفضل النشاط الدبلوماسي للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
سمحت مجموعات الالجئين المتواجدة خارج الوطن بتشكيل قواعد سريعة الحركة و باقتناء السالح و
الذخيرة .في جانفي ،1960تشكلت قيادة األركان برئاسة هواري بومدين ،وكانت تهدف إلى مواجهة
الخط وط المكهرب ة للس دود ،و الهج وم على المراك ز الفرنس ية ،و فتح ثغ رات تس مح لوح دات ص غيرة
ب المرور عبرها ،و تجميد العدو ،مم ا تطلب إعادة تنظيم جيش الحدود على ش كل في الق وكت ائب قتالية
خفيفة مسلحة ببطاريات ،و ق د س مح تجنيد عدد كب ير من الالجئين بإنشاء عدة مراكز للت دريب ،وفتح
جبهات جديدة في أقصى الجنوب الشرقي مع ليبيا و مالي ،و بذلك أصبح جيش الحدود جيش ًا تقليديًا و
عصريًا ،مما اضطر القوات الفرنسية إلى التمركز على الحدود و بالتالي ُخ فف على واليات الداخل.
تم إنش اء وزارة الح رب واالتص االت العام ة من ط رف «بوص وف» وك ان مج ال عمله ا متنوع ًا ،ش مل
التس ليح و االس تخبارات و الرب ط و االتص ال و األمن و البث اإلذاعي و غيره ا ،ه ذه المج االت جعلت
من مسؤوليها شخصية قوية .و قامت الوزارة بشراء أسلحة من العراق و سورية و األردن و مصر و
أيضًا من تشيكوسلوفاكيا (سابقًا) ويوغسالفيا (سابقًا) ،وأنشأ قائدها ورشات لصناعة األسلحة وتصليحها
ب المغرب ،واهتم ك ذلك بتك وين أط ر في مختل ف المج االت ،وأص بحت االس تخبارات إح دى األنش طة
األساسية لهذه الوزارة ،وتتمثل في معرفة نوايا الحكومة الفرنسية و جيشها ،ومتابعة الوضعية النفسية
للمواطنين عن طريق الدعاية و اإلعالم ،و تحضير الملفات لمفاوضات مقبلة.
أدت الص عوبات العس كرية إلى البحث عن مس اعدات من قب ل ال دول الص ديقة و الش قيقة ،وم ع بعض
ال تردد ل دى الحكوم تين التونس ية و المغربي ة الحريص تين على اس تقاللهما و إمكاني ة الحص ول على
تنازالت أكثر من فرنسا فإن تونس و المغرب استقبلتا عددًا كبيرًا من الالجئين الجزائريين ،و وقعتا
عدة اتفاقات مع الحكوم ة المؤقتة عززت تضامن شعوب هذين البلدين مع الجزائر .لقد كانت مصر
الدول ة األولى ال تي اس تقبلت الج ئين سياس يين وطن يين و بع د ذل ك ق ادة جبه ة التحري ر الوط ني .أنش ئت
الحكوم ة المؤقت ة ج وًا من الثق ة م ع مختل ف ال دول العربي ة ال تي س اعدتها مادي ًا ومعنوي ًا على مس توى
منظمة األمم المتحدة ،وانتقلت بعثات جزائرية إلى دول إفريقيا لربط تحالف مع الدول التي تناضل ضد
االستعمار الجديد.
كما توجهت وفود الجبهة إلى إندونيسيا وماليزيا و سريالنكا و وفود أخرى إلى الصين و إلى االتحاد
السوفييتي (سابقًا) وكل هذه الوفود وجدت ترحابًا كبيرًا من طرف حكومات هذه البلدان و شعوبها ،كما
أبرمت اتفاقيات مع تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ويوغسالفيا وعززت البعثات اإلعالمية الحمالت الدعائية
الموجه ة لل رأي الع ام في أمريك ة الجنوبي ة والوالي ات المتح دة والبل دان األوربي ة .وك ان للمظ اهرات
الشعبية في المدن الجزائرية في شهر ديسمبر 1960دور مهم في ترسيخ وتقوية جيش الحدود وتعزي ز
النشاطات المختلفة التي كانت تقوم بها وزارة التسليح ،أضف إلى الجهود الدبلوماسية للحكوم ة المؤقت ة،
وهك ذا ق ام الجزائري ون في 11-10ديس مبر 1960بمظ اهرات كب يرة في مدين ة الجزائ ر لل رد على
استفزازات المستوطنين األوربيين (األقدام السوداء) رافعين أعالمًا جزائرية ومرددين شعارات وطنية،
وقامت مدن أخرى عبر التراب الجزائري بمثل هذه المظاهرات و كان لها صدى كبير في الجزائر و
في فرنس ا و في األمم المتح دة ال تي التفتت إلى ه ذه الص يحات ،و ألول م رة ع برت األمم المتح دة عن
مس اندتها للقض ية الجزائري ة ،كم ا ج اءت مس اندات أخ رى من ط رف ع دد كب ير من البل دان ،و به ذا و
على الرغم من القمع و الصعوبات األخرى ،فإن الجماهير الشعبية جددت تأييدها للثورة الجزائرية.
إن المقاومة المستمرة للشعب الجزائري و صمود المجاهدين و إخفاق الحمالت العسكرية االستعمارية،
وإ خف اق جمي ع اإلج راءات السياس ية الفرنس ية وتع اطف ع دد كب ير من البل دان م ع الجزائ ر ،ك انت كله ا
العوام ل األساس ية ال تي مه دت الطري ق إلج راء مفاوض ات بين الجزائ ر وفرنس ا ،و لق د ك انت ه ذه
المفاوضات شاقة وبطيئة.
و م ع مجيء ديغ ول أص بحت ه ذه المفاوض ات جدي ة بع د أن أخف ق األخ ير في تط بيق سياس ته المس ماة
«سلم الشجعان» التي حاول بوساطتها االتصال بالمسؤولين المحليين لجبهة التحرير الوطني ،و كذلك
بعد إخفاق «خط ة شال» العسكرية أو مايسمى بخط ة قسنطينة أو ب اإلفراج عن المساجين .و قد وافق
ديغ ول على مب دأ تقري ر المص ير وتمت المص ادقة علي ه من ط رف الش عب الفرنس ي بوس اطة االس تفتاء
وع بر ال رئيس بن خ دة من جهت ه عن موافقت ه على إج راء المفاوض ات في إط ار االس تقالل .وانتهت
المفاوض ات ب إبرام اتفاقي ة إفي ان في 18م ارس 1962والتوقي ع عليه ا من ط رف ك ريم بلقاس م رئيس
الوفد المفاوض ،و في اليوم التالي أعلن الرئيس بن خدة وقف القتال .و هكذا تمكن الجزائريون من نيل
حقهم في تقري ر مص يرهم السياس ي وتأس يس دول ة مس تقلة ،لق د نص ت االتفاقي ات على اإلج راءات
التطبيقي ة لوق ف القت ال وعلى الض مانات لتقري ر المص ير وعلى خصوص يات االس تقالل يع ني الس يادة
الكاملة في الداخل والخارج وفي جميع الميادين وخاصة الدفاع الوطني والشؤون الخارجية.
وق د ع رفت الجزائ ر ص عوبات في المرحل ة االنتقالي ة م ابين وق ف القت ال و تأس يس الحكوم ة األولى
للجزائر المستقلة (صراعات في اجتماعات المجلس الوطني ،الثورة الجزائرية في طرابلس ،وعمليات
عنيفة مسلحة داخل الجزائر وعمليات اغتيال عدة قامت بها منظمة الجيش السري الفرنسية التي طبقت
سياس ة األرض المحروق ة وطلبت من جمي ع األورب يين مغ ادرة الجزائ ر إلى فرنس ا) .و في 2جويلي ة
ُ 1962أجري االستفتاء العام وكانت نتيجته الموافقة على استقالل الجزائر بأغلبية ساحقة.
وهكذا تحققت األهداف التي كانت ترمي إليها ثورة األول من نوفمبر ،يعني تتويج كفاح الشعب وتحقيق
آماله بجزائر مستقلة ذات سيادة كاملة على جميع التراب الجزائري ،وكان هذا النصر بفضل صمود
جيش التحرير الوطني وتضحيات الشعب الجزائري.