دور اللسانيات النصية في تعليمية الترجمة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 16

‫دور اللّسانيات ال ّنصية يف تعليمية الرتجمة‬

‫كهينة توات‬
‫جامعة مولود معمري – تيزي وزو‪ -‬الجزائر‬
‫‪kahina-inter@hotmail.fr‬‬
‫تاريخ االستالم‪ 2019/05/01 :‬تاريخ القبول‪2019/06/17 :‬‬
‫امللخّــص‬
‫مــا ال ريــب فيــه أن العوملــة متخضــت عــن طلــب متزايــد عــى الرتجمــة‬
‫لنقــل العلــوم والتكنولوجيــا‪ ،‬األمــر الــذي دفــع الباحثــن إىل االهتــام بهــذه‬
‫املامرســة والبحــث يف مســارها وتقنياتهــا ومناهجهــا‪ ،‬الســيام مــع إدراجهــا يف‬
‫التعليــم الجامعــي‪ ،‬غــر أنــه تُعت َمــد عــدة مناهــج يف تدريــس الرتجمــة يف‬
‫ـي أحــد هــذه‬ ‫نخصــص هــذا البحــث لتقـ ّ‬ ‫املرحلــة الجامعيــة‪ ،‬لــذا ارتأينــا أن ّ‬
‫املناهــج املتمثلــة يف اللّســانيات ال ّنصيــة‪ ،‬وتهــدف هــذه ال ّدراســة إىل إبـراز كيفية‬
‫اســتثامر اللســانيات النصيــة يف تعليميــة الرتجمــة ومعرفــة إىل أي مــدى ميكــن‬
‫أن تخدمهــا‪.‬‬
‫الكلامت املفاتيح‪:‬‬
‫لســانّيات نّصيــة ‪ -‬تعليميــة الرتجمــة ‪ -‬مجــال الخطــاب ‪ -‬نــوع الخطــاب ‪-‬‬
‫مشــركون يف الخطــاب‪.‬‬

‫املؤلف املراسل‪ :‬كهينة توات‪ ،‬الربيد االلكرتوين‪kahina-inter@hotmail.fr :‬‬


‫‪85‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬
‫كهينة توات‬

Rôle de la Linguistique Textuelle en Didactique de la


Traduction
Résumé
La mondialisation a incontestablement entrainé une demande croissante
sur la traduction afin d’assurer le transfert de la science et de la technologie,
ce qui a conduit les chercheurs à étudier cette pratique et à en examiner le
processus, les procédés et les modèles, notamment avec son incorporation
dans les programmes universitaires. Toutefois, de nombreux modèles sont
adoptés dans l’enseignement de la traduction, c’est pourquoi, nous avons
jugé utile de consacrer cette recherche à l’étude de l’un de ces modèles, à
savoir la linguistique textuelle. Cette étude tend à démontrer comment la
linguistique textuelle pourrait être exploitée en didactique de la traduction
et dans quelle mesure elle pourrait la servir.
Mots clés:
Linguistique textuelle - didactique de la traduction - champs - mode -
teneur.

Role of Textual Linguistics in Didactics of Translation


Abstract
Undoubtedly, globalization has resulted in an increasing demand on
translation to transfer sciences and technology, which led scholars to consider
this practice and investigate its process, procedures and models, especially
with its integration in the curricula. However, many models are adopted in
translation teaching at university, this is why we thought it convenient to
devote this research to explore one of these models, i.e text linguistics. This
study seeks to show how text linguistics can be exploited in the didactics of
translation and see to what extent it can serve it.
Keywords:
Text linguistics - didactics of translation - field - mode - tenor.

2 ‫ العدد‬- 25 ‫ املجلد‬- ‫اللّـسانيـــــات‬ 86


‫دور اللّسانيات ال ّنصية يف تعليمية الرتجمة‪-‬‬

‫‪ .1‬مقدمة‬
‫لقــد ُعرفــت الرتجمــة باعتبارهــا مامرســة منــذ القــدم‪ ،‬غــر أنــه مل تظهــر بــوادر التنظــر‬
‫فيهــا إال يف النصــف الثــاين مــن القــرن العرشيــن‪ ،‬بفعــل تأثرهــا بالدراســات التــي أجريــت‬
‫يف حقــل اللســانيات‪ ،‬إذ كَ ّرســت هــذه جــز ًءا مــن أبحاثهــا للرتجمــة‪ ،‬غــر أن تلك الدراســات‬
‫اقتــرت عــى املقارنــة بــن اللغــات عــى عــدة مســتويات بغيــة التعــرف عــى أوجــه‬
‫الشــبه واالختــاف بينهــا‪ ،‬وبالتــايل‪ ،‬كانــت وحــدة الرتجمــة يف إطــار هــذه املقاربــة الكلمــة‬
‫املنفــردة والجملــة املنعزلــة عــن الســياق‪ ،‬غــر أنــه مــع ظهــور اللســانيات النصيــة‪ ،‬تحـ ّول‬
‫االهتــام مــن الكلمــة أو الجملــة إىل النــص كوحــدة تواصليــة‪.‬‬
‫بنــا ًء عــى مــا تقــدم‪ ،‬ســنتعرض يف هــذا املقــال إىل تعليميــة الرتجمــة مــع تســليط‬
‫الضــوء عــى أهــم املناهــج واملقاربــات املوظّفــة فيهــا‪ ،‬لننتقــل بعدهــا إىل اللســانيات‬
‫لنبــن دورهــا يف الدراســات الرتجميــة‪ ،‬والســيام تعليميــة الرتجمــة‪.‬‬ ‫النصيــة ّ‬
‫‪ .2‬اإلشكالية‬
‫ما هي أهم النامذج واملقاربات املعتمدة يف تعليم الرتجمة؟‬
‫مــا هــو دور اللســانيات النصيــة يف تعليميــة الرتجمــة وإىل أي مــدى ميكــن أن تخــدم‬
‫مــد ّرس الرتجمــة ومتعلّمهــا؟‬
‫‪ .3‬تعليمية الرتجمة‬
‫يُعــرف العلــم الــذي يُعنــى بنظريــات الرتجمــة وتطبيقهــا بدراســات الرتجمــة‬
‫)‪ ،Translation Studies (James HOLMES in VENUTI, 2004 : 176‬ويتفــرع إىل‬
‫فرعــن رئيســن هــا دراســات الرتجمــة البحتــة ‪ pure translation studies‬ودراســات‬
‫الرتجمــة التطبيقيــة ‪ ،applied translation studies‬حيــث يهتــم الفــرع األول بوصــف‬
‫ظاهـ�رة الرتجمـ�ة ومسـ�ارها‪ ،‬يف حـين يُعنـ�ى الثـ�اين بتعليـ�م الرتجمـ�ة �‪translation tea‬‬
‫‪ ching‬ويبحــث يف مناهــج تدريســها ومعايــر تقويــم جــودة الرتجــات ومضمــون الربامــج‬
‫الجامعيــة‪ ،‬وسنســعى فيــا يــأيت إىل تقديــم ملحــة عــن تعليميــة الرتجمــة لنــرز أهــم‬
‫االتجاهــات والنظريــات التــي أســهمت يف تط ّورهــا وإثرائهــا‪.‬‬

‫‪87‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬


‫كهينة توات‬

‫تعــرف ســعيدة التعليميــة أو ال ّديداكتيــك بأنهــا «علــم نظــري وتطبيقــي يبتعــد عــن‬
‫البيداغوجيــا‪ ،‬حيــث يركــز عــى مضامــن التعليــم ويقــرب منهــا يك يتعامــل مــع وضعيات‬
‫القســم وتحليلهــا» (كحيــل‪ ،2009 ،‬ص‪.)41‬‬
‫فاألمــر يتعلــق باملناهــج والطرائــق املعتمــدة يف تعليــم مــادة معينــة يف الجامعــات‬
‫ومؤسســات البحــث العلمــي‪ ،‬غــر أنــه مــن منظــور الباحثــة‪ ،‬يجــب أال يقتــر هــذا‬
‫العلــم عــى التنظــر وحســب‪ ،‬إذ ال بــد أن يأخــذ يف الحســبان املامرســة كذلــك‪ ،‬فالتنظــر‬
‫وثيــق الصلــة بالتطبيــق‪ ،‬ففــي مجــال الرتجمــة‪ ،‬غالبــا مــا تُســتن َبط إشــكاالت الرتجمــة‬
‫واســراتيجياتها ومبادئهــا مــن املامرســة‪ ،‬وخــر دليــل عــى ذلــك النظريــة التأويليــة‬
‫للرتجمــة التــي أسســتها دانيكاسيليســكوفيتش ‪ Danica SELESKOVITCH‬وماريــان‬
‫لودريــر‪ Mariane LEDERER‬انطالقــا مــن خربتهــا يف مجــال الرتجمــة الشــفوية‪.‬‬
‫وفيــا يخــص تعليميــة الرتجمــة‪ ،‬فتعرفهــا (م‪.‬ن‪ )52 :‬بأنهــا «تعليــم عمليــة النقــل‬
‫اللغــوي واملعنــوي لجمهــور متعلمــن ال يتقنــون لغــة أخــرى اتقانــا جيــدا»‪ ،‬وهــي تــؤدي‬
‫وظيفتــن تتجليــان أوال يف تفســر قواعــد النحــو الخاصــة باللغــة األجنبيــة‪ ،‬ويف املراقبــة‬
‫القامئــة عــى اق ـراح أو متاريــن ترجميــة والتأكــد مــن صحــة النقــل اللغــوي واملعنــوي‪.‬‬
‫ولقــد ُوظِّفــت الرتجمــة وســيل ًة لتعليــم اللغــات األجنبيــة لفــرة طويلــة‪ ،‬لــذا ال ت ـزال‬
‫املناهــج املعتمــدة يف تعليمهــا قامئــة عــى املقارنــة بــن اللغتــن املنقــول منهــا واملنقــول‬
‫إليهــا للتعــرف عــى مواطــن االختــاف واالئتــاف بينهــا‪ ،‬وهــذا أمــر ال يخــدم متعلّــم‬
‫الرتجمــة‪ ،‬ذلــك أنــه بتطبيــق هــذه املقاربــة‪ ،‬يتعــ ّود عــى الرتجمــة كلمــة بكلمــة أو‬
‫الرتجمــة حرفيــا متجاهــا بذلــك الســياق اللغــوي والســياق االجتامعــي الــذي أُنتــج فيــه‬
‫النــص‪.‬‬
‫غــر أنالتطــور الــذي شــهدته دراســات الرتجمــة خــال العقديــن األخرييــن أســفر عــن‬
‫تغـ ّـر أمنــاط تدريــس الرتجمــة بتجــاوز املقاربــات اللغويــة الباليــة‪ ،‬ومــع ذلك تبقــى بعضها‬
‫خاضعــة للذاتيــة نظــرا لغيــاب نظــر ٍة مو ّحــدة قامئــة عــى أســس علميــة يف األوســاط‬
‫األكادمييــة‪ ،‬الســيام يف الوطــن العــريب‪ ،‬وهــذا مــا ذهــب إليــه محمــد شــاهني (‪:1998‬‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬ ‫‪88‬‬


‫دور اللّسانيات ال ّنصية يف تعليمية الرتجمة‪-‬‬

‫‪ )5‬إذ يقــول‪« :‬كان هنــاك بعــض املحــاوالت لوضــع مناهــج لتعليــم الرتجمــة يف املرحلــة‬
‫الجامعيــة األوىل يف الجامعــات العربيــة ولكــن «الفرديــة» كانــت هــي الصفــة الســائدة‬
‫لتلــك املناهــج‪ .‬أمــا املناهــج القليلــة املتوفــرة يف الدراســات العليــا‪ ،‬فهــي «محــاوالت‬
‫شــخصية ذاتيــة»‪.‬‬
‫وفضــا عــن ذلــك‪ ،‬ال بــد أن تســتجيب املناهــج املعتمــدة يف تعليمية الرتجمــة لألهداف‬
‫املســطرة يف الربامــج الجامعيــة‪ ،‬وتأخــذ يف الحســبان مواصفــات املتعلّــم والظــروف التــي‬
‫ســيتم فيهــا تدريــس الرتجمــة‪ ،‬فــإذا تعلــق األمــر بتدريــس الرتجمــة لطلبــة أقســام اللغــات‬
‫أو ملبتدئــن يف الرتجمــة‪ ،‬ميكــن اعتــاد املناهــج اللغويــة الكالســيكية القامئــة عــى املقارنــة‬
‫بــن اللغتــن املنقــول منهــا واملنقــول إليهــا مــن خــال متاريــن الرتجمــة‪ ،‬ولكــن إن تعلــق‬
‫األمربتدريــس الرتجمــة كتخصــص‪ ،‬فــا بــد مــن اعتــاد مناهــج ت ُعنــى مبســار الرتجمــة‬
‫وبالعوامــل االجتامعيــة والتواصليــة والرباغامتيــة املحيطــة بالنــص املـراد ترجمتــه‪.‬‬
‫تــرى كريســتني دوريــو )‪ Christine DURIEUX (2005: 36‬أن تعليــم الرتجمــة يرمــي‬
‫إىل بلــوغ أربعــة أهــداف رئيســة هــي تعليــم لغــة أجنبيــة وتكويــن معلمــن لتدريــس‬
‫اللغــات األجنبيــة وتكويــن مرتجمــن محرتفــن وتكويــن مك ّونــن يف الرتجمــة‪ ،‬وبنــا ًء عــى‬
‫ذلــك‪ ،‬ال بــد أن يتــاىش مضمــون الربنامــج الجامعــي مــع الهــدف املســطر والظــروف‬
‫التــي ســيتم فيهــا التعليــم‪.‬‬
‫فيــا يخــص الهــدف األول‪ ،‬يســتند التعليــم إىل املنهــج التقابــي‪ ،‬وت ُوظَّــف الرتجمــة يف‬
‫هــذا اإلطــار وســيل ًة لتعليــم اللغــات األجنبيــة‪ .‬وأمــا التكويــن امل ُص َّمــم ملعلمــي اللغــات‬
‫األجنبيــة‪ ،‬فــرى دوريــو (م‪.‬ن‪ )39 :‬أنــه ال بــد أن يركّــز عــى املهــارة ‪ skills‬عــوض املعــارف‬
‫‪ ،knowledge‬أي عــى طريقــة توظيــف املعــارف املكتســبة‪ ،‬ذلــك أنــه يُفــرض أن ميتلــك‬
‫املتعلّمــون معــارف لغويــة مســبقة قبــل مبــارشة التكويــن‪.‬‬
‫وأمــا التعليــم الرامــي إىل تكويــن مرتجمــن مهنيــن‪ ،‬فينصــب فيــه اهتــام املعلّــم‬
‫عــى املناهــج التأويليةالتــي تدعــو املتعلــم إىل تحليــل النــص امل ـراد ترجمتــه وتأويلــه‬
‫قبــل مبــارشة الرتجمــة‪ ،‬ويف هــذا الصــدد‪ ،‬تنصــح دوريــو )‪ (2005: 42‬بتوظيــف النظريــة‬

‫‪89‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬


‫كهينة توات‬

‫التأويليــة للرتجمــة التــي تركّــز عــى أهميــة نقــل املعنــى املـراد مــن خــال ثــاث مراحــل‬
‫رئيســة هــي فهــم النــص األصــل باالســتناد إىل معــارف لغويــة وغــر لغويــة وبالرجــوع إىل‬
‫الســياق املعــريف والثقــايف للنــص‪ ،‬وتحصيــل املعنــى ومــن ثــم إعــادة صياغتــه مبــا يتــاىش‬
‫وســات اللغــة املنقــول إليهــا‪ .‬غــر أنــه ميكــن توظيــف مقاربــات ونظريــات ترجميــة‬
‫أخــرى تســلط الضــوء عــى مظاهــر أخــرى مــن مظاهــر الرتجمــة‪.‬‬
‫ولتحقيــق األهــداف املتوخــاة مــن تعليــم الرتجمــة وضــان تكويــن نوعــي‪ ،‬ال بــد مــن‬
‫إعــداد املتعلــم ملامرســة مهنتــه عــى أكمــل وجــه مــن خــال عــرض نصــوص أصليــة عليــه‪،‬‬
‫ويف هــذا الســياق‪ ،‬تســوق دوريــو مثــال مدرســة الرتجمــة التحريريــة والفوريــة بجنيــف‬
‫حيــث ت ُــد َّرس الرتجمــة القانونيــة والرتجمــة االقتصاديــة والرتجمــة املؤسســاتية فقــط‪،‬‬
‫نظرالوجــود منظــات دوليــة بحاجــة إىل هــذه التخصصــات‪ ،‬وعليــه‪ ،‬يســتجيب محتــوى‬
‫الربنامــج الجامعــي ملتطلبــات الســوق أساســا‪.‬‬
‫ُخصــص لتكويــن مك ّونــن يف الرتجمــة‪ ،‬تــرى دوريــو ‪(2005:‬‬ ‫وفيــا يخــص التعليــم امل ّ‬
‫)‪ 44‬أنــه يقتــي اعتــاد املقاربــات نفســها املتبنــاة يف النــوع الثالــث‪ ،‬ولكنهــا أشــارت إىل‬
‫أن األشــخاص الذيــن يضطلعــون بهــذه املهمــة مل يتلقــوا غالبــا تعليــا منهجيــا مناســبا‪،‬‬
‫كــا أنهــم ليســوا مرتجمــن مهنيــن يف معظــم الحــاالت‪ ،‬فهــم غالبــا يد ّرســون اللغــات‬
‫ويتخصصــون بعدهــا يف الرتجمــة‪ ،‬وبالتــايل ال بــد مــن توعيتهــم بــرورة تطبيــق مقاربــات‬ ‫ّ‬
‫منهجيــة تبتعــد عــن املناهــج اللغويــة الباليــة‪ ،‬كــا ال بــد أن تُختــار النصــوص املتعا َمــل‬
‫معهــا بدقــة وعنايــة فائقتــن‪ ،‬بحيــث تطــرح ترجمتهــا صعوبــات مختلفــة قــد تكــون‬
‫لغويــة أو ثقافيــة أو تركيبيــة أو تقنيــة‪ ،‬واألهــم مــن ذلــك‪ ،‬ال بــد أن تُــدرج مــادة تعليميــة‬
‫الرتجمــة يف الربنامــج الجامعــي ملــا لهــا مــن أهميــة يف توجيــه املتعلــم وتكوينــه‪.‬‬
‫يــرى شــكيب بنينــي )‪Chakib BNINI (2016: 90‬أن الدراســات التي أجريت بخصوص‬
‫تعليميــة الرتجمــة متحــورت حــول مضمــون الربامــج الجامعية وطرائــق التدريــس ومناهــج‬
‫الرتجمــة‪ ،‬ففيــا يخــص الربامــج الجامعيــة‪ ،‬لقــد أشــار (م‪.‬ن‪ )91 :‬إىل غياب توافــق يف اآلراء‬
‫حولــرورة إدراج بعــض املــواد مثــل نظريــة الرتجمــة والتحســن اللغــوي واللســانيات‪،‬‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬ ‫‪90‬‬


‫دور اللّسانيات ال ّنصية يف تعليمية الرتجمة‪-‬‬

‫ذلــك أن بعضمعاهــد الرتجمــة ومدارســها متيــل إىل تقديــم تكويــن متخصــص يف الرتجمــة‪،‬‬
‫يف حــن متنــح معاهــد أخــرى تكوينــا عامــا يف إطــار تخصــص اللغــات التطبيقيــة‪ ،‬وفيــا‬
‫يتعلــق مبناهــج الرتجمــة‪ ،‬مييــز(م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.‬ن) بــن النمــوذج النحــوي ‪grammatical model‬‬
‫والنمــوذج الثقــايف ‪ cultural model‬والنمــوذج التأويــي ‪ ،interpretive model‬ولقــد‬
‫أدرج النموذجــن األولــن ضمــن املقاربــات غــر النصيــة كونهــا يعنيــان با‪-‬لكلمــة املفــردة‬
‫أو الجملــة املنعزلــة عــن الســياق‪ ،‬يف حــن وضــع النمــوذج األخــر يف إطــار املقاربــات‬
‫النصيــة‪.‬‬
‫تعتــر الرتجمــة وفــق النمــوذج النحــوي مجــرد عمليــة لغويــة يتــم فيهــا اســتبدال‬
‫الكلــات والبنــى الرتكيبيــة مبــا يقابلهــا يف اللغــة املنقــول إليهــا‪ ،‬وتنــدرج يف إطــاره الطريقة‬
‫النحويــة التقليديــة ‪the traditional grammar method‬والطريقــة النحويــة الشــكلية‬
‫)‪.the formal grammar method (BNINI, 2016 : 97‬‬
‫تقــوم الطريقــة النحويــة التقليديــة عــى النحــو التقابــي‪ ،‬حيــث يتــم تشــجيع‬
‫املتعلــم عــى إيجــاد مقابــات للوحــدات النحويــة واملعجميــة للغــة املنقــول منهــا (‪loc.‬‬
‫‪،)cit‬وت ُعت َمــد هــذه الطريقــة يف تدريــس اللغــات األجنبيــة‪ ،‬حيــث ينصــب اهتــام املعلّــم‬
‫عــى اللغــة مــن خــال ترجمــة جمــل منعزلة‪،‬وبعــد القيــام بالرتجمــة‪ ،‬يتمتســليط الضــوء‬
‫عــى األخطــاء التــي وقــع فيهــا املتعلــم ليقــرح بعــد ذلــك عليــه املعلــم ترجمــة منوذجيــة‪،‬‬
‫غــر أن هــذه املقاربــة ال تخــدم املتعلــم‪ ،‬كونهــا تضــع املعلــم موضــع االهتــام‪ ،‬وأمــا‬
‫الطريقــة النحويــة الشــكلية )‪ ،(BNINI, 2016 : 98‬فيتــم فيهــا تحليــل املســتويات‬
‫الصوتيــة والرصفيــة والرتكيبيــة للغــة‪ .‬وعليــه‪ ،‬يقــوم النمــوذج النحــوي عــى إيجــاد‬
‫املقابــات بــن اللغتــن املنقــول منهــا واملنقــول إليهــا‪.‬‬
‫غــر أن هنــاك منظريــن أشــاروا إىل محاســن النمــوذج النحــوي‪ ،‬إذ تــرى كحيــل (‪:2009‬‬
‫‪ )12‬أنــه يســمح بتخطــي بعــض الصعوبــات اللغويــة والثقافيــة‪ ،‬وتفــادي التداخــل اللغوي‬
‫الناجــم عــن االحتــكاك الحاصــل بــن اللغات‪،‬وذلــك مــن خــال لفــت انتبــاه الطلبــة إىل‬
‫أوجــه الشــبه واالختــاف بــن اللغــات‪ .‬ويف الســياق ذاتــه‪ ،‬أكّــد ميشــال بــاالر ‪Michel‬‬

‫‪91‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬


‫كهينة توات‬

‫)‪ BALARD (1995 : 239‬عــى أهميــة التعليــق يف تعليميــة الرتجمــة‪ ،‬كونــه يســاعد‪ ،‬يف‬
‫نظــره‪ ،‬املتعلــم عــى تطويــر روح النقــد لديــه‪ ،‬حيــث يُطلَــب منــه ترجمــة نــص معـ ّـن‬
‫ومقارنــة ترجمتــه برتجمــة منشــورة أو ترجمــة منوذجيــة يقرتحهــا املعلــم‪ ،‬حتــى يتعــرف‬
‫عــى األخطــاء والهفــوات التــي وقــع فيهــا‪ ،‬كــا قــد يُطلَــب مــن املتعلــم التعليــق عــى‬
‫ترجمتــن مختلفتــن لنــص واحــد بغيــة الكشــف عــن تقنيــات الرتجمــة امل ُوظَّفــة وهــذا‬
‫مــا يســمى بالتعليــق املقــارن‪.‬‬
‫ويف ضــوء النمــوذج الثقــايف‪ ،‬يتحـ َّدد معنــى الكلمــة بالرجــوع إىل الســياق الثقــايف الــذي‬
‫أُن ِتجــت فيــه‪ ،‬وتنــدرج يف إطــاره طريقتــن‪ ،‬تتمثــل الطريقــة األوىل يف الطريقــة الدالليــة‬
‫اإلثنوغرافيــة ‪ ،ethnographical semantic method‬وأمــا الثانيــة فهــي طريقــة التكافــؤ‬
‫الدينامــي)‪.dynamic equivalence method (BNINI, 2016 : 28-29‬‬
‫ت ُــرز الطريقــة الدالليــة اإلثنوغرافيــة االختالفــات الحاصلــة بــن الثقافــات‪ ،‬وتســلط‬
‫الضــوء عــى مفهــوم الفجــوات الثقافيــة بــن اللغــات‪ ،‬وتســعى إىل اقـراح حلــول لتخطــي‬
‫هـ�ذه العقبـ�ة كالتحليـ�ل الـ�دال يل ‪( componential analysis‬م‪.‬ن‪ ،)29 :‬فكلمــة « �‪tequi‬‬
‫‪ » la‬عــى ســبيل املثــال ميكــن أن تُن َقــل «تيكيــا» أو ترتجــم «مــروب كحــويل مكســييك»‬
‫باعتــاد إسـراتيجية التحليــل الداليل‪.‬وتظهــر الفجــوات الثقافيــة كذلــك يف ترجمــة أســاء‬
‫األلــوان والقرابــة‪.‬‬
‫وأمــا طريقــة التكافــؤ الدينامــي‪ ،‬فرتكّــز عــى أهميــة العــودة إىل الســياق اللغــوي‬
‫والســياق الثقــايف أثنــاء الرتجمة‪،‬أهميــة ال وتَعتــر أن الهــدف األســمى للمرتجــم هــو‬
‫تحقيــق التأثــر املامثــل بــن اللغتــن املنقــول منهــا واملنقــول إليهــا‪ ،‬بحيــث يتــم الســعي‬
‫إىل تحقيــق التكافــؤ أثنــاء الرتجمــة ومراعــاة ســات اللغــة املنقــول إليهــا وذوق املتلقــي‬
‫وثقافتـ�ه‪ ،‬ويف هـ�ذا الصـ�دد‪ ،‬يسـ�وق أنثـ�وين بيـ�م )‪ Anthony PYM(2010 : 7‬مثال «�‪Fri‬‬
‫‪( » day the thirteenth‬الثالــث عــر مــن يــوم الجمعــة) الــذي يعــد يومــا مشــؤوما يف‬
‫الثقافــة اإلنجليزيــة‪ ،‬يف حــن أن اليــوم الــذي يكافــؤه يف الثقافــة اإلســبانية هــو الثالــث‬
‫عــر مــن يــوم الجمعــة )‪ ،(martes y 13‬وبالتــايل‪ ،‬تعــد هــذه الرتجمــة مكافئــا للعبــارة‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬ ‫‪92‬‬


‫دور اللّسانيات ال ّنصية يف تعليمية الرتجمة‪-‬‬

‫األصليــة‪.‬‬
‫ومــع أن النموذجــن النحــوي والثقــايف يكتســيان أهميــة بالغــة يف العمليــة الرتجميــة‪،‬‬
‫غــر أن وحــدة الرتجمــة يف إطارهــا تظــل الوحــدات اللغويــة الصغــرى أي الكلمــة أو‬
‫الجملــة‪ ،‬مــا يحــول دون متكــن املرتجــم مــن نقــل املعنــى امل ـراد‪ ،‬نظ ـرا لتدخــل عــدة‬
‫عوامــل أثنــاء الرتجمــة قــد تكــون نصيــة أو ثقافيــة أو براغامتيــة‪.‬‬
‫فيجســد تحــ ّوال مهــا يف دراســات الرتجمــة‪ ،‬إذ أصبحــت‬ ‫وأمــا النمــوذج التأويــي‪ّ ،‬‬
‫الرتجمــة يف إطــاره عمليــة تواصليــة وتأويليــة‪ ،‬كــا انــرف الرتكيــز يف إطارهمــن الكلمــة‬
‫أو الجملـ�ة إىل النص‪،‬وينطـ�وي عـلى مقاربتـين هاممقاربـ�ة اللسـ�انيات النصيـةة�‪text lin‬‬
‫‪ guistic approach‬واملقاربــة الهريمينوطيقيــة‬
‫‪hermeneutic approach (BNINI, 2016 : 29).‬‬
‫يــرى بنينــي (م‪.‬ن‪ )30 :‬أن املقاربــة الهريمينوطيقيــة تضــع القــارئ موضــع االهتــام‪،‬‬
‫إذ تعتــر أن املعنىينبثــق مــن تأويالتــه املختلفــة للنــص‪ ،‬ويتجــى بربــط املعلومــات التــي‬
‫مينحهــا هــذا األخــر مبعارفــه املســبقة ومواقفــه ومعتقداتــه‪ ،‬لــذا فــا وجــود لقــراءة‬
‫واحــدة للنــص‪ ،‬بــل مثــة عــدة ق ـراءات‪ ،‬فالهــدف مــن هــذه املقاربــة هــو توليــد معــانٍ‬
‫جديــدة وليــس إعــادة إنتــاج معــاين النــص األصــل‪ ،‬غــر أن هــذه النظــرة تتســم بنــوع‬
‫مــن الذاتيــة‪ ،‬ذلــك أنــه يجــب عــى املرتجــم أال يــؤ ّول النــص حســب هــواه ومذهبــه‪ ،‬إذ ال‬
‫رح‬ ‫بــد أن يتق ّيــد باملوضوعيــة بالســعي إىل اســتيعاب املعنــى املـراد انطالقــا مــا هــو ُمـ ّ‬
‫بــه يف النــص‪ ،‬وباالســتناد إىل الســياق اللغــوي والســياق االجتامعــي والثقــايف والتاريخــي‬
‫الــذي أُلِّــف فيــه‪.‬‬
‫ويف ضــوء مقاربــة اللســانيات النصيــة (م‪.‬ن‪ ،)33-30 :‬يعد النصأداة اتصاليةتقتضيمرســا‬
‫ومتلقيــا وســياقا‪ ،‬واملرتجــم‪ ،‬باعتبــاره قارئــا‪ ،‬ال بــد لــه أن يبــذل جهــدا تأويليــا ويــدرس‬
‫ســياق النــص ويحلّــل ســاته‪ ،‬كــا عليــه أن يكــون عــى درايــة تامــة باملبــادئ التــي يقــوم‬
‫عليهــا نظــم النــص وبنيتــه يف اللغتــن املنقــول منهــا واملنقــول إليهــا لنجــاح العمليــة‬
‫التواصليــة أثنــاء الرتجمــة‪ .‬وســنتعرض فيــا يــأيت إىل أهــم املبــادئ التــي تقــوم عليهــا‬

‫‪93‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬


‫كهينة توات‬

‫اللســانيات النصيــة لنبـ ّـن إســهامها يف تعليميــة الرتجمــة‪.‬‬


‫‪ .4‬اللسانيات النصية وتعليمية الرتجمة‬
‫لقــد كان للســانيات النصيــة أث ـ ًرا عمي ًقــا يف تطــور دراســات الرتجمــة‪ ،‬حيــث أصبــح‬
‫النــص يحتــل بــؤرة اهتــام املرتجــم بعدمــا كان اهتاممــه منصبــا عــى الكلمــة والجملــة‪،‬‬
‫ومتثــل اللســانيات النصيــة حقــا شاســعا تنــدرج يف إطــاره عــدة اتجاهــات ومنــاذج‪ ،‬غــر‬
‫أنــه ســنكتفي بذكــر أبرزهــا وتلــك التــي متــت للرتجمــة بصلــة‪.‬‬
‫يــرى باســل حاتــم ‪ Basil HATIM‬ويــان ميســون ‪ Ian MASON (1990‬أنــه ميكــن‬
‫ضــان تكويــن فعــال يف الرتجمــة باالســتناد إىل اللســانيات النصيــة‪ ،‬حيــث ت ُعــرض‬
‫عــى املتعلــم أنوا ًعــا مختلفــة مــن النصــوص ليتــم تحليــل ســاتها اللغويــة والدالليــة‬
‫واالجتامعيــة والرباغامتيــة وتحديــد الصعوبــات التــي تطرحهــا‪ ،‬مــا ميكنــه مــن إيجــاد‬
‫اسـراتيجيات الرتجمــة األمثــل‪ ،‬ألن الرتجمــة عمليــة تواصليــة تتــم بــن منتــج النــص األصل‬
‫ومتلقيــه يف ســياق اجتامعــي معــن‪ ،‬وهــذا مــا ذهــب إليــه شــاهني )‪ (32 : 1998‬إذ يقــول‪:‬‬
‫«إن نظريــة الرتجمــة التــي تعتمــد عــى لغويــات النصــوص تأخــذ يف الحســبان جميــع‬
‫عوامــل االتصــال وتنظــر إىل الرتجمــة كعمليــة تفاعــل بــن املؤلــف واملرتجــم وقــارئ‬
‫النــص الهــدف يف حالــة حقيقيــة‪».‬‬
‫وعنــد تأليــف نــص معــن‪ ،‬يتــم دامئــا تســطري أهــداف تواصليــة‪ ،‬ولبلوغهــا‪ ،‬يوظّــف‬
‫املؤلــف أســالي ًبا نحويــة ومعجميــة ولغويــة معينــة‪ ،‬وباملثــل‪ ،‬تخــدم الرتجمــة أغراضــا‬
‫معينــة كذلــك وتســتجيب لتوقعــات الجمهــور املســتهدف‪ ،‬لــذا يــرى حاتــم وميســون‬
‫)‪ (1990 : 12‬أنــه ال بــد مــن النظــر إىل الرتجمــة يف ســياقها االجتامعــي‪ ،‬وعليــه‪ ،‬يكتــي‬
‫الســياق أهميــة بالغــة يف تحليــل النــص وترجمتــه‪ ،‬وهــذا مــا أشــار إليــه يوســف نــور‬
‫عــوض )‪ (32 : 1989‬نقــا عــن مايــكل هاليــدي‪ ، Michael HALLIDAY‬إذ يعتــر النــص‬
‫«يف واقعــه االجتامعــي عمليــة تفاعــل يتــم بواســطتها تبــادل املعــاين‪ ،‬أي هــو نــوع مــن‬
‫الحــوار بــن املتخاطبــن باللغــة وهنــا تــرز (‪ )...‬أهميــة محاولــة ربــط مفهــوم النــص‬
‫بالســياق ومعرفــة الكيفيــة التــي يك ـ ّون بهــا النــاس توقعاتهــم ملــا يــأيت يف النــص مــن‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬ ‫‪94‬‬


‫دور اللّسانيات ال ّنصية يف تعليمية الرتجمة‪-‬‬

‫خطــاب‪».‬‬
‫انطالقــا مــا تقــدم‪ ،‬يتــم تأويــل النصــوص وتحصيــل معناهــا بدراســة مختلــف ســات‬
‫الســياق‪ ،‬ولكــن يجــب أال يقتــر ذلــك عــى دراســة الســياق اللغــوي للكلــات‪ ،‬بــل ال بــد‬
‫مـ�ن الرجـ�وع إىل ظـ�روف إنتـ�اج النصـ�وص أو مـ�ا يُعـ�رف بسـ�ياق املقـ�ام�‪context of situa‬‬
‫‪ ،tion‬إذ يتــم إدراك املعنــى امل ـراد يف رســوم الكاريكاتــر والخطــاب الــذي يرافقهــا‪ ،‬عــى‬
‫ســبيل املثــال‪ ،‬باالســتناد إىل ســياق املقــام والســياق االجتامعــي والســيايس واالقتصــادي‪.‬‬
‫ويتســم الســياق بثالثــة مظاهــر )‪ (HATIM & MASON, 1990 : 49‬هــي مجــال‬
‫الخطــاب ‪ ،field‬ونــوع الخطــاب ‪ ،mode‬واملشــركون يف الخطــاب ‪.tenor‬‬
‫يتمثــل مجــال الخطــاب يف املوضــوع امل ُشــار إليــه أو املتح ـ َّدث عنــه وطريقــة متثيلــه‬
‫(م‪.‬ن‪ ،)39 :‬فقــد يتعلــق األمــر باملصطلحــات املرتبطــة باملوضــوع والصيــغ املســتعملة‪،‬‬
‫ففــي املجــال الطبــي عــى ســبيل املثــال‪ ،‬يتــم توظيــف مصطلحــات وعبــارات متخصصــة‬
‫كــا يتــم اللجــوء إىل صيغــة املبنــي للمجهــول غالبــا‪.‬‬
‫وأمــا نــوع الخطــاب‪ ،‬فيشــر إىل الوســيلة املســتعملة التــي قــد تكــون مكتوبــة أو‬
‫منطوقــة‪ ،‬رســمية أو غــر رســمية )‪ ،(loc.cit‬وينصــب اهتــام الباحــث هنــا عــى دراســة‬
‫ســات النــوع امل ُتط ـ َّرق إليــه واألســاليب املوظفــة فيــه‪ ،‬ففــي مجــال الرتجمــة الســمعية‬
‫البرصيــة مثــا‪ ،‬الســيام الســرجة ‪ ،subtitling‬يتــم االنتقــال مــن الخطــاب املنطــوق إىل‬
‫الخطــاب املكتــوب‪ ،‬وبالتــايل‪ ،‬قــد يتعــن عــى املرتجــم تغيــر بعــض األســاليب اللغويــة‬
‫مراعــا ًة لنــوع الخطــاب املســتعمل‪ ،‬فقــد يتعـ ّـن عليــه ترجمــة بعــض العبــارات العاميــة‬
‫بعبــارات فصيحــة‪ ،‬كــا قــد يتعــن عليــه حــذف بعــض العنــارص كونهــا تُــد َرك مــن خــال‬
‫الصــورة أو الصــوت‪.‬‬
‫وفيــا يخــص مفهــوم املشــركني يف الخطــاب‪ ،‬فيتعلــق األمــر بطبيعــة العالقــة القامئــة‬
‫بــن املتخاطبــن )‪ ،(HATIM and MASON, 1990 : 49‬فثمــة اســتعامالت لغويــة‬
‫كعبــارات املخاطبــة واالح ـرام توحــي بالرســمية أو غــر الرســمية بــن املتخاطبــن‪ ،‬كــا‬
‫مثــة ســات معجميــة ونحويــة ونطقيــة توحــي بانتــاءات املتخاطبــن االجتامعيــة‬

‫‪95‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬


‫كهينة توات‬

‫والجغرافيــة‪.‬‬
‫وعليــه‪ ،‬عنــد تع ـ ّرض متعلمــي الرتجمــة لنــص معــن‪ ،‬ال بــد مــن لفــت انتباههــم إىل‬
‫أهميــة تحليــل العنــارص والســات املذكــورة إلنتــاج ترجمــة ســليمة يستســيغها املتلقــي‪،‬‬
‫وال تتنــاىف وثقافتــه واألنظمــة األســلوبية التــي تحكــم لغتــه‪ ،‬ذلــك أن املتخاطبــن يختلفون‬
‫يف طريقــة اســتعاملهم للغــة‪ ،‬وقــد يتجــى هــذا التبايــن يف االســتعامل‪ ،‬كــا قــد يظهــر‬
‫لــدى املســتعمل‪.‬‬
‫فيــا يخــص التبايــن الــذي يتجــى يف االســتعامل اللغــوي‪ ،‬ال بــد أن يتــاىش الخطــاب‬
‫مــع ســياق املقــام الــذي س ُيســتع َمل فيــه‪ ،‬إذ يقــول هاليــداي وآخــرون& ‪(in HATIM‬‬
‫)‪ MASON, 1990: 46‬يف هــذا الصــدد‪:‬‬
‫‪“ (…)when we observe language activity in the various contexts in which‬‬
‫‪it takes place, we find differences in the type of language selected as appro-‬‬
‫”‪priate to different types of situation.‬‬
‫«حــن ننظــر إىل النشــاط اللغــوي يف مختلــف الســياقات التــي يتــم فيهــا‪ ،‬نالحــظ‬
‫اختالفــات يف نــوع اللغــة الــذي يتــم اختيــاره بحســب مختلــف أنــواع املقامــات‪».‬‬
‫(ترحمتنــا)‬
‫وقــد تتجــى هــذه االختالفــات عــى مســتوى مظاهــر الســياق املشــار إليهــا‪ ،‬أي يف‬
‫مجــال الخطــاب أو نوعــه أو يف االســتعامل اللغــوي للمشــركني يف الخطــاب‪ ،‬وبالتــايل‪،‬‬
‫فــكل مقــام يفــرض اســتعامالت وأســاليب معينــة بحســب األعـراف امل ُتفــق عليهــا‪ ،‬فعنــد‬
‫إيــداع دعــوى قضائيــة لــدى املحكمــة مثــا‪ ،‬ال بــد أن تســتجيب لــروط مح ـ ّددة مــن‬
‫حيــث الشــكل واملضمــون‪ ،‬وعنــد ترجمتهــا إىل اللغــة اإلنجليزيــة‪ ،‬عــى ســبيل املثــال‪ ،‬ال‬
‫بــد أن يكــون املرتجــم عــى درايــة باألعـراف املعتمــدة يف النظــام القانــوين للبلــد امل ُســتقبِل‬
‫ويراعيهــا لنجــاح العمليــة التواصليــة‪.‬‬
‫وأمــا التبايــن الــذي يظهــر لــدى امل ُســتع ِمل‪ ،‬فقــد يتجســد عــى املســتوى الصــويت أو‬
‫املعجمــي أو الرتكيبــي‪ ،‬إذ متيــل بعــض الجامعــات اللغويــة إىل نطــق الكلــات بطريقــة‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬ ‫‪96‬‬


‫دور اللّسانيات ال ّنصية يف تعليمية الرتجمة‪-‬‬

‫معينــة واســتعامل عبــارات وتراكيــب عاميــة رغبـ ًة منهــا يف تكريــس انتامءاتهــا االجتامعيــة‬
‫والجغرافيــة‪ ،‬ومــن أهــم أشــكال هــذه االختالفــات اللغويــة اللهجــة الجغرافيــة واللهجــة‬
‫االجتامعيــة واللهجــة الفرديــة‪ ،‬فهــذا التبايــن يســمح بتمييــز فــرد عــن غــره مــن األفـراد‪،‬‬
‫وخــر مثــال عــى ذلــك األفــام الســينامئية التــي يجنــح فيهــا املنتــج وكاتــب النــص‬
‫الســيناميئ إىل خلــق تبايــن يف خطــاب الشــخصيات يف ســبيل تجســيد هويتهــا واختالفهــا‬
‫وخلفياتهــا‪.‬‬
‫وال ريــب يف أن هــذه الســات تطــرح صعوبــات كبــرة عــى املرتجــم‪ ،‬الســيام حــن‬
‫تحمــل معــانٍ إيحائيــة وأبعــادا ثقافيــة يف الخطــاب‪ ،‬إذ يتعــذّر عليــه تحقيــق تكافــؤ‬
‫بــن اللغــة املنقــول منهــا واللغــة املنقــول إليهــا‪ ،‬كــون األخــرة قــد تتوفــر عــى عــدة‬
‫لهجــات وبالتــايل قــد يتعــذر اختيــار اللهجــة األمثــل‪ ،‬وفضــا عــن ذلــك‪ ،‬تختلــف املعــاين‬
‫التــي توحــي بهــا هــذه الســات اللغويــة مــن ثقافــة إىل أخــرى‪ ،‬ويقــول حاتــم وميســون‬
‫)‪ (1990 : 57‬يف الســياق ذاتــه‪:‬‬
‫‪“in certain cases, expression of intended meaning is subject to subtle‬‬
‫‪variation between SL and TL text norms and equivalence may therefore be‬‬
‫”‪more difficult to achieve.‬‬
‫«يف بعــض الحــاالت‪ ،‬يخضــع التعبــر عــن املعنــى املـراد الختــاف طفيــف بــن أعـراف‬
‫النــص يف اللغــة املنقــول منهــا واللغــة املنقــول إليهــا‪ ،‬وبالتــايل‪ ،‬قــد يكــون تحقيــق التكافــؤ‬
‫أصعــب‪( ».‬ترجمتنــا)‬
‫وفضــا عــا تقــدم‪ ،‬لقــد حددترقيــة حســن ‪Ruqaiya HASAN (in BNINI, 2016 :‬‬
‫)‪ 39‬ســمتني تســمحان بالتمييــز بــن النــص ‪ text‬وغــر النــص ‪ ،non text‬وهــا البنيــة‬
‫‪ structure‬والنظــم ‪.texture‬البنيــة النــص وثيقــة الصلــة بســياق املقــام )‪،(idem : 40‬‬
‫وهــي بالتــايل تخضــع للعنــارص املشــار إليهــا (مجــال الخطــاب ونوعــه واملشــركني)‪ ،‬إذ‬
‫يوظِّــف مســتعملو النصــوص بُنــى معينــة بنــا ًء عــى طبيعــة املوضــوع املتط ـ َّرق إليــه‬
‫ونــوع الخطــاب واســتنادا إىل نواياهــم‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬


‫كهينة توات‬

‫وعليــه‪ ،‬قــد يتعــن عــى املرتجــم إج ـراء بعــض التغي ـرات عــى مســتوى بنيــة النــص‬
‫األصــل‪ ،‬ولكــن رشط أن يتــم ذلــك بنــا ًء عــى أســس علميــة ومعايــر نصيــة‪ ،‬ويف هــذا‬
‫الصــدد‪ ،‬يــؤدي نــوع النــص والهــدف مــن الرتجمــة دورا محوريــا يف مســار اتخاذ القـرارات‪،‬‬
‫فــإذا تعلــق األمــر بنــص تعبــري مثــا كالنــص الشــعري‪ ،‬عــى املرتجــم أن يقــوم بتعديــات‬
‫بنيويــة عميقــة إلحــداث األثــر املامثــل‪.‬‬
‫وأمــا عنــر النظــم‪ ،‬فيعــد مــن أبــرز الســات التــي تضمــن وحــدة النــص ومتاســكه‬
‫)‪ ،(BNINI, 2016 : 40‬فهــو الــذي يربــط بــن أجزائــه لتتشــكل عالقــات معنويــة فيــا‬
‫بينهــا‪ ،‬فالنــص ال بــد أن يكــون منســجام مــن حيــث اســتمرارية املوضــوع‪ ،‬ومتســقا‬
‫مــن حيــث ترابــط أجزائــه‪ ،‬فاالنســجام ‪ coherence‬واالتســاق ‪ cohesion‬مظه ـران مــن‬
‫مظاهــر النظــم‪.‬‬
‫ولقــد تبــن لنــا مــن خــال تجربتنــا يف مجــال تدريــس الرتجمــة أن معظــم األخطــاء‬
‫التــي يقــع فيهــا املتعلمــن ناجمــة عــن عــدم مراعــاة معيــاري االنســجام واالتســاق‪ ،‬لــذا‬
‫غالبــا مــا تــرد ترجامتهــم يف شــكل جمــل منعزلــة عدميــة املعنــى‪ ،‬لــذا بــات لزامــا عــى‬
‫املعلمــن لفــت انتبــاه الطلبــة إىل طريقــة بنــاء النــص وتشــكيله‪.‬‬
‫وعليــه‪ ،‬تــؤدي اللســانيات النصيــة دورا مهــا يف تعليميــة الرتجمــة‪ ،‬كونهــا ال تكتفــي‬
‫باإلشــارة إىل االختالفــات القامئــة بــن اللغــات‪ ،‬بــل تُعنــى كذلــك بطريقــة بنــاء النــص‬
‫وتدرســه يف ســياقه االجتامعــي‪ ،‬مــا مــن شــأنه أن يســاعد املرتجــم عــى إنتــاج ترجمــة‬
‫ســليمة تراعــي توقعــات املتلقــي واألنظمــة األســلوبية والثقافيــة التــي تقــوم عليــه لغتــه‪،‬‬
‫وتجــدر اإلشــارة إىل وجــود منــاذج أخــرى تنــدرج يف إطــار اللســانيات النصيــة وال تقــل‬
‫أهميــة عــن منــوذج حاتــم ومايســون الــذي تطرقنــا إليــه‪ ،‬وتتمثل أساســا يف منــوذج جوليان‬
‫هــاوس ‪ Juliane HOUSE‬الــذي ُعنــي مبعايــر تقويــم جــودة الرتجــات‪ ،‬ومنــوذج دي‬
‫النصانيــة ‪ ،textuality‬وهــا‬ ‫بوغرانــد ‪ DE BEAUGRANDE‬الــذي تطــرق إىل معايــر ّ‬
‫يلتقيــان مــع النمــوذج املتطــرق إليــه يف عدةمواطــن‪.‬‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬ ‫‪98‬‬


‫دور اللّسانيات ال ّنصية يف تعليمية الرتجمة‪-‬‬

‫خامتة‪:‬‬
‫نخلــص مــا تقــدم إىل أنــه مــن شــأن اللســانيات النصيــة أن تضمــن تكوي ًنــا فعــاالً يف‬
‫مجــال تدريــس الرتجمــة‪ ،‬ذلــك أنهــا ترشــد املتعلــم يف مرحلتــي تحليــل النــص األصــل‬
‫وإعــادة صياغتــه يف اللغــة املنقــول إليهــا‪ ،‬وهــي مل تقتــر عــى تحديــد الســات التــي‬
‫يتعــن عــى املرتجــم تحليلهــا‪ ،‬بــل ُعنيــت كذلــك بالعنــارص التــي تحكــم وحــدة النــص‪ ،‬كام‬
‫تعاملــت مــع النــص يف عالقتــه بالســياق االجتامعــي ويف أبعــاده التواصليــة والرباغامتيــة‬
‫والســيميائية‪.‬‬
‫ومــع ذلــك‪ ،‬يبقــى حقــل تعليميــة الرتجمــة يشــكو مــن بعــض النقائــص بفعــل غيــاب‬
‫نظــرة موحــدة وواضحــة املعــامل بخصــوص املناهــج الواجــب اعتامدهــا‪ ،‬كــا أن توظيــف‬
‫ـدن املســتوى اللغــوي للمتعلــم حــاال دون‬ ‫معلمــن مــن غــر االختصــاص باإلضافــة إىل تـ ّ‬
‫ضــان تكويــن فعــال‪ ،‬لــذا أصبحــت الحاجــة إىل معلمــن مؤهلــن ومختصــن مــن ذوي‬
‫الخربةأمـرا ملحا‪.‬وفضــا عــن ذلــك‪ ،‬ال بــد أن يســتجيب مضمــون املــادة امل ُد َّرســة لألهداف‬
‫املتوخــاة مــن التكويــن وملتطلبــات الســوق‪.‬‬

‫‪99‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪2‬‬


‫كهينة توات‬

‫قامئة املصادر واملراجع‬


:‫باللغة العرب ّية‬
‫ نظريــات الرتجمــة وتطبيقاتهــا يف تدريــس الرتجمــة مــن‬.)1998( ‫ محمــد‬،‫شــاهني‬--
.‫ مكتبــة دار الثقافــة للنــر والتوزيــع‬:‫ عــان األردن‬،‫العربيــة إىل اإلنجليزيــة وبالعكــس‬
‫ عــامل‬:‫ األردن‬،‫ دراســة تحليليــة تطبيقيــة‬:‫ تعليميــة الرتجمــة‬.)2009( ‫ ســعيدة‬،‫كحيــل‬--
.‫الكتــب الحديــث‬
: ‫باللغة األجنبية‬
--Ballard, M. (1995). Histoire et didactique de la traduction. TTR: traduc�
tion, terminologie, rédaction, 8 (1), 229-246.
--2019 ‫ فيفري‬15 :‫تاريخ الزيارة‬
--Bnini, C. (2016). Didactics of Translation: Text in Context. Cambridge
ScholarsPublishing.
--Durieux, C. (2005). L’enseignement de la traduction: enjeux et démarches.
Meta: journal des traducteurs/Meta: Translators’ Journal, 50(1), 36-47.
.2019‫ فيفري‬10 :‫تاريخ الزيارة‬--
--Scholl, L. (2016). Translation, Authorship and the Victorian Professional
Woman: Charlotte Brontë, Harriet Martineau and George Eliot. Rout-
ledge.
--Hatim, B., &Mason, I. (2014). Discourse and the Translator. Routledge.
--Ladmiral, J. R. (2011). De la traductologie à la didactique de la traduc-
tion. Equivalences, 38(1), 53-69.
2019 ‫ فيفري‬05 :‫تاريخ الزيارة‬--
--Pym, A. (2017). Exploring translation theories. Routledge.

2 ‫ العدد‬- 25 ‫ املجلد‬- ‫اللّـسانيـــــات‬ 100

You might also like