Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 33

‫المقدمـة‬

‫يعد موضوع (التطورات الداخلية في تركيا ‪ )1970-1960‬امتدادا لدراسات سابقة تناولت‬


‫بالبحث الحياة الداخلية في تركيا من نواح متباينة ‪ ،‬ذلك الن هذه المدة التاريخية كانت زاخرة‬
‫باحداث بالغة التأثير ‪ ،‬وذات مساس مباشر بمسألة بحث تركيا لنفسها عن هوية سياسية واضحة‬
‫المعالم ‪ ،‬اذ ان ارتباط تركيا بالمشرق بروابط تاريخية وجغرافية فضال عن ارتباطها الديني‬
‫باألمة العربية‪،‬عزز الروابط االجتماعية واالقتصادية بين العرب واألتراك ‪ ،‬الذين ما أنفكوا‬
‫يبحثون عن هوية جديدة رسمت معالمها بعد الحرب العالمية االولى وبعد تأسيس الجمهورية‬
‫األولى ‪ ،‬وقد تبلورت تلك الفكرة في سعي االتراك الدائم لالندماج السياسي واالقتصادي مع‬
‫الغرب مستغلين موقع بالدهم االستراتيجي المهم‪ ،‬ومن اجل تحقيق هذا الحلم بدأت التوجهات‬
‫الخارجية التركية تحدد التوجهات السياسية الداخلية فيها ‪ ،‬والتي بدأت منذ ان أعلن مصطفى‬
‫اتاتورك عن تبنيه للسياسية العلمانية ‪ ،‬لتبدأ تركيا بمرحلة جديدة وهي مرحلة تحديث تركيا على‬
‫وفق النمط الغربي ‪ .‬وللوقوف على طبيعة هذه األوضاع الداخلية بمختلف جوانبها جاءت هذه‬
‫الدراسة لتتناول تطورات السياسة الداخلية في تركيا ‪ ،‬مع توضيح ابرز الجوانب المحركة‬
‫لعملية صنع القرار السياسي فيها ‪ ،‬والمحددة في الفترة التاريخية الواقعة بين ابرز انقالبين حدثا‬
‫في تركيا ‪ ،‬ففي ‪ 27‬أيار ‪ 1960‬حدث اول انقالب عسكري في تركيا المعاصرة ‪ ،‬والذي تاله‬
‫الكثير من االضطرابات السياسية واالقتصادية طيلة عقدين من الزمن ‪.‬‬
‫وقد توزع هذا البحث على ثالثة فصول فضال عن المقدمة والخاتمة ‪ ،‬اذ سلط الضوء في‬
‫الفصل األول على التطورات الداخلية بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬والتي كانت بمثابة نقطة‬
‫االنطالق لتركيا في تحولها نحو الغرب االوربي ‪ ،‬وفي ضوء هذه اإلشكالية السياسية بدأت‬
‫تتحدد سياستها الداخلية وتطوراتها ‪ ،‬اذ انتقلت تركيا من مرحلة الحزب الواحد الى مرحلة‬
‫التعددية الحزبية ‪ ،‬والتي تمخض عنها تطورات في مختلف مجاالت الحياة ‪ ،‬فضال عن انتقال‬
‫السلطة الى الحزب الديمقراطي بعد ان بقيت اكثر من ‪ 25‬سنة بيد حزب الشعب الجمهوري‪.‬‬
‫كما سلط الضوء في هذا الفصل على التطورات االقتصادية ‪ :‬الزراعية والصناعية والتجارية‬
‫في تركيا ‪ ،‬مع توضيح لسياسة الحزب الديمقراطي طيلة عشر سنوات‪ ،‬كما االشارة الى ابرز‬
‫المشاكل الداخلية التي عانت منها تركيا في تلك المرحلة ‪ .‬اما الفصل الثاني ‪ ،‬فقد الحق االحداث‬
‫السياسية عند قيام االنقالب العسكري االول في ‪ 27‬ايار ‪ ، 1960‬اهدافه دوافعه ‪ ،‬ونتائجه ‪،‬‬
‫موضحا ابرز اجراءات اعادة السلطة الى المدنيين ووضع دستور عام ‪ ، 1961‬والذي وفر‬
‫الغطاء المطلوب لتشكيل االحزاب السياسية في تركيا والبدء بحركة سياسية جديدة سببت لتركيا‬
‫الكثير من المشاكل ‪ .‬كما اشار الى موقف السلطة الجديدة من اعضاء الحكومة السابقة ‪ ،‬وردود‬
‫األفعال الداخلية والخارجية تجاه انقالب ‪ 27‬أيار ‪ .1960‬ومن ثَم ناقش هذا الفصل االنشقاق‬
‫الذي حدث داخل لجنة الوحدة الوطنية وما تمخض عنه من نتائج ‪ ،‬كما تطرق الفصل الى‬
‫دستور عام ‪ 1961‬وابرز ما جاء فيه ‪ ،‬ثم اشير الى انتخابات عام ‪ 1961‬والعودة الى الحياة‬
‫الديمقراطية ‪ .‬اما الفصل الثالث فقد تناول قيام االحزاب السياسية التركية العلنية منها والسرية‬
‫اليمينية واليسارية والتي لعبت دورا مهما في حياة تركيا السياسية ومن ابرز تلك االحزاب ‪:‬‬
‫حزب العدالة ‪ ،‬وحزب تركيا الجديدة ‪ ،‬وحزب السالمة الوطني ‪ ،‬وحزب الحركة القومية ‪،‬‬
‫وحزب العمل التركي ‪ ..‬الخ ‪ ،‬كما سلط الضوء على عدد من الحركات االسالمية ‪ ،‬كما تناول‬
‫هذا الفصل الحركة الكردية التي لعبت دورا كبيرا في السياسة الداخلية التركية في الوقت الذي‬
‫كانت تؤثر تأثيرا كبيرا في سياسة تركيا الخارجية ‪ ،‬وأفردت عناوين النتخابات عامي ‪1965 :‬‬
‫و ‪ 1969‬وابرز الحكومات التي تشكلت خالل هذه المدة واتممت البحث بخاتمة وقائمة‬
‫للمصادر‪.‬‬

‫‪-1-‬‬
‫الفصل األول‬
‫األوضاع العامة في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية‬
‫ظلت تركيا تلتزم الحياد طيلة الحرب العالمية الثانية وتراقب ما تؤول اليه االحداث‬
‫وكانت اآلراء في دوائر الحزب الحاكم حزب الشعب الجمهوري متأرجحة بحسب النجاحات‬
‫التي تحققها الدول المتحاربة ‪ ،‬ولحين هزيمة المانيا في ستالينغراد في كانون الثاني ‪، 1943‬‬
‫كانت برلين مستفيدة من موقف انقرة المحايد‪ )1(.‬ولكن ما ان بدأت االمور تنقلب ضد قوى‬
‫المحور حتى اخذت تركيا تعيد النظر في سياستها ازاء طرفي النزاع ‪ .‬فقد حاولت تركيا بحلول‬
‫عام ‪ 1944‬االشتراك بالحرب ‪ ،‬فالقت اعتراضا من االتحاد السوفياتي والذي طالب باستبعادها‬
‫من المشاركة في أي مؤتمر بعد الحرب ‪.‬‬
‫وما ان وضعت الحرب اوزارها ‪ ،‬حتى انقسم العالم على كتلتين تزعمت االولى الواليات‬
‫المتحدة االمريكية ‪ ،‬في حين تزعم االتحاد السوفياتي الكتلة الثانية‪ ،‬وبدأت معالم حرب جديدة‬
‫عرفت بـ (الحرب الباردة) ‪ .‬وكانت للكتلتين كلتيهما تطلعاتهما في المنطقة ‪ ،‬فالسوفيت ما زالوا‬
‫يحلمون بالحكم القيصري القديم بالوصول الى المياه الدافئة ‪ .‬فبدأ االتحاد السوفياتي باعادة النظر‬
‫باتفاقية مونترو المتعلقة بالمضايق التركية في مؤتمر يالطا في شباط ‪ )2( 1945‬كما طالب‬
‫بواليتي قارص (‪ )Kars‬واردهان (‪ )Ardahan‬في اعقاب قيام جمهورية اذربيجان في ايران‬
‫عام ‪ .1945‬وعلى اثر اعالن تركيا الحرب على دول المحور في ‪ 23‬شباط ‪ 1945‬أقدم‬
‫االتحاد السوفياتي من جانب واحد على الغاء اتفاقية الصداقة والحياد التي وقعها عام ‪. 1925‬‬
‫وسلم االتحاد السوفياتي مذكرتين الى تركيا االولى في ‪ 19‬آذار ‪ 1945‬الغى بموجبها معاهدة‬
‫الصداقة وعدم االعتداء والثانية في ‪ 7‬حزيران ‪ 1945‬طالب فيها بانشاء قواعد سوفياتية على‬
‫المضايق فضال عن مطالبته بعودة االقاليم الشرقية قارص (‪ )Kars‬واردهان (‪ )Ardahan‬كما‬
‫شجع السوفيت االرمن على االنفصال عن تركيا ‪ ،‬إذ قدم االرمن مذكرة الى مؤتمر سان‬
‫فرانسيسكو طالبوا فيها ضم ارمينيا التركية الى جمهورية ارمينيا السوفياتية ‪.‬‬
‫تجددت دعوة االتحاد السوفياتي بشأن تعديل الحدود بين تركيا واالتحاد السوفياتي في مؤتمر‬
‫بوتسدام ‪ .‬الذي عقد في تموز – آب ‪ 1945‬وبحضور الدول الكبرى (الواليات المتحدة واالتحاد‬
‫السوفياتي وبريطانيا) ‪ )3( .‬وهكذا وجدت تركيا ان التهديدات الخارجية باتت تهدد امنها القومي ‪،‬‬
‫وان عليها السعي الى كسب ود الغرب وال سيما ان عامل النصر الذي حققه الحلفاء في الحرب‬
‫العالمية الثانية ‪ ،‬عامل مضاف اال ان المستقبل سيكون الى جانب الحلفاء ونظامهم السياسي‪.‬‬
‫فكان ال بد لها من التخلي عن نظام الحزب الواحد الذي اثبت اخفاقه في كل من المانيا وايطاليا ‪،‬‬
‫وكان ال بد لها من تطبيق نظام تعدد االحزاب ‪ ،‬واشاعة نظام االقتصاد الحر في البالد ‪ ،‬فهما‬
‫الباب الذي ستدخل منه الى عالم النظام الغربي والحصول على دعمه ‪.‬‬
‫كما سارعت تركيا في عام ‪ 1948‬الى االنضمام لمنظمة التعاون االقتصادي االوربي‬
‫(‪ . )OEEC‬وفي عام ‪ 1950‬ارتبطت تركيا بالمجلس االوربي ‪ .‬فضال عن سعيها الدؤوب الى‬
‫الوصول الى عضوية كاملة في حلف شمال االطلسي (الناتو) الذي دعيت اليه عام ‪.1949‬‬

‫(‪ )1‬اعتقد ان تركيا طيلة سنوات الحرب استفادت من تصدير بعض منتجاتها ومنها مادة الكروم التي كانت تدخل في الصناعة‬
‫العسكرية االلمانية ‪ ،‬مما انعش السوق التركية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقعت اتفاقية مونترو في ‪ 20‬تموز ‪ 1937‬من االتحاد السوفياتي (السابق) والواليات المتحددة االمريكيدة وتركيدا وبريطانيدا وفرنسدا‬
‫وبلغاريا واليونان واليابان ورومانيا ويوغسالفيا ونصت على مبدأ حرية مرور السفن التجارية والحربية في زمدن السدلم والحدرب‬
‫واعطدت لتركيددا حددق تحسددين المضدايق ‪ .‬انظددر جددورج لنشوفسددكي ‪ :‬الشدرق االوسددط فددي الشددؤون العالميدة ‪ ،‬ترجمددة جعفددر خيدداط‬
‫(بغداد ‪ )1964‬ص ص ‪. 304-303‬‬
‫(‪ )3‬روي مكريدس ‪ :‬السياسة الخارجية لدول العالم ‪ ،‬ترجمة حسن صعب (بيروت ‪ )1961،‬ص ‪. 406-405‬‬
‫‪-2-‬‬
‫وهنا ال بد من القول ان تأثير عامل القوة المتغير بين االمبراطورية العثمانية والدول‬
‫الغربية ظل يشغل اذهان الساسة االتراك ‪ ،‬لتأثيره في السياسة الخارجية للجمهورية التركية ‪،‬‬
‫لقد كانت احدى سمات االمبراطورية العثمانية البارزة هي الهوية الفعلية المحددة لكل من سيادة‬
‫فرق قليل بين اجهزة الدولة المدنية والعسكرية ‪ .‬ويمكن‬ ‫ٌ‬ ‫الدولة ‪ ،‬والقوة العسكرية ‪ ،‬وكان هناك‬
‫القول ان الحاكم المدني كان في ذات الوقت الوقت الحاكم العسكري ‪ ،‬والذي ما لبثوا ان بدأوا‬
‫( ‪)1‬‬
‫يستولون على السلطة بشكل فعلي بحيث اصبح السلطان العثماني اشبه بدمية في ايديهم ‪.‬‬
‫ولهذا اخذت السلطة بالتفكير جديا بحركة االصالح العثمانية في القرن التاسع عشر والتي بدأت‬
‫بإصالح التعليم ‪ ،‬والجيش ‪ ،‬وكان القصد منه ان يكون الجيش الذي بدأت بتدريبه على التقنيات‬
‫الحديثة ‪ ،‬ثم بدأ هؤالء الخريجون ينظرون الى انفسهم كطليعة ملزمة بإحداث االصالحات‬
‫السياسية اضافة الى التجديد التقني ‪ ،‬والتي طفت على سطح االحداث سنة ‪ 1876‬عند االطاحة‬
‫بالسلطان عبد العزيز ‪ ،‬واصدار الدستور التركي االول ‪ .‬وهذه الحركة في حد ذاتها تعتبر‬
‫انقالبا جوهريا عسكريا ‪ ،‬حيث عدوا في نظر خلفهم في القرن العشرين مصدرا مهما من‬
‫مصادر االلهام والشرعية التاريخية لالنقالبات الالحقة ‪ .‬وتوصل القادة االتراك في النهاية الى‬
‫قناعة بان من المحتم على مجتمعهم ونظامهم السياسي انتهاج او تبني القيم واالفكار ونمط‬
‫المؤسسات الغربية ‪ ،‬وكان موقف اتاتورك من هذه المسألة متطرفا الى حد بعيد ‪ ،‬فأصدر‬
‫تشريعات قانونية خاصة بالتحول نحو النهج الغربي (التغريب) ونستطيع القول انه اضمر كرها‬
‫شديدا وساخرا ضد المؤسسات الدينية‪ ،‬والتي عدها احد المرتكزات الفكرية والثقافية االساسية‬
‫التي تحول دون تقدم تركيا‪ ،‬اضافة الى كونها حجر عثرة تحول دون الحصول على مساعدات‬
‫الغرب وعندما خلفه عصمت اينونو كان اشد حذرا من اتاتورك في سياسته الخارجية ‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد يشير د‪ .‬فرانك تاجو " ان هناك من يرى ان الضغط السوفياتي كان وراء اندفاع تركيا‬
‫نحو الغرب ‪ ،‬وهذا االعتقاد ال صحة له الن السوفيت حاولوا منع تطور نهج التغريب الذي‬
‫مارسته تركيا ‪ ،‬وان االتراك في الحقيقة يشعرون بالحاجة الملحة الى ضرورة إقناع الغرب‬
‫(‪)2‬‬
‫وبخاصة الواليات المتحدة األمريكية بضرورة تقديم الدعم والمساعدة لهم " ‪.‬‬
‫( ‪Varlik‬‬ ‫وعلى المستوى الداخلي ‪ ،‬تخلت تركيا وبشكل تدريجي عن قانون الضرائب‬
‫‪ )vergisi‬الذي شرع في تشرين الثاني ‪ ، 1942‬والذي كان غير عادل تجاه االقليات ‪ ،‬ثم الغي‬
‫بشكل نهائي في اذار ‪ )3( .1944‬ففي اثناء الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬ارتفعت االسعار وازداد‬
‫التضخم ‪ ،‬وتدهورت اوضاع اصحاب الدخول الثابتة ‪ ،‬في حين ازداد الذين كانوا يعيشون على‬
‫ثمار التجارة والصناعة غنا ‪ ،‬عالوة على ذلك فان عائد الدولة بقي ثابتا وغير كافي لتلبية‬
‫مستلزمــات الدولة بسبب ميزانية الدفاع لسنوات الحرب ولغرض دعم النشاط االقتصادي‬
‫للدولة في تركيا بعد الحرب ‪ 1950– 1945‬تم فرض نظام الضرائب والذي عرف بـ ( ‪Varlik‬‬
‫‪. )Vergisi‬‬
‫وكانت االجراءات االقتصادية التي اعتمدت عليها الحكومة التركية خالل العقدين الثالث‬
‫والرابع من القرن العشرين قد هيأت المجال لهذا التغيير ‪ ،‬فالمؤسسات التي أنشئت لحماية‬
‫الفالحين من االستغالل ‪ ،‬وظفت لصالح المالكين والتجار الذين استغلوا هذه القروض التي‬
‫منحتها الدولة لتحسين ظروفهم وزيادة ثرواتهم على حساب الفالحين ‪ )4( .‬وانسحب االمر الى‬

‫(‪ )1‬اندرو فنكل واخرون ‪ ،‬تركيا المجتمع والدولة ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬بيت الحكمة ‪ ، 2002 ،‬ص ‪. 69‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬فرانك تاجو ‪ :‬سياسة تركيا الخارجية ‪ ،‬مجلة ميدل است ريفيو ‪ ،‬ترجمة م ‪ .‬ب م ‪ ،‬الواليات المتحددة االمريكيدة ‪ ،‬ربيدع ‪، 1985‬‬
‫ص ‪ ، 2‬ارشيف وزارة الخارجية ‪ ،‬ملفات سياسية ‪ ،‬ملفه رقم ‪. 346‬‬
‫(‪ )3‬فيروز احمد ‪ :‬صنع تركيا الحديثة ‪ ،‬ترجمة د‪ .‬سلمان داؤد الواسدطي و د‪ .‬حمددي حميدد الددوري (بغدداد ‪ ،‬بيدت الحكمدة ‪ ،‬د‪.‬ت) ص‬
‫ص ‪. 231-230‬‬
‫(‪ )4‬بيددرج بي ربيروغلددو ‪ :‬تركيددا فددي ازمددة مددن رأسددمالية الدولددة الددى االسددتعمار الجديددد ‪ ،‬ترجمددة مركددز البحددوث والمعلومددات (بغددداد ‪،‬‬
‫‪ )1983‬ص ‪. 94‬‬
‫‪-3-‬‬
‫القطاعين الصناعي والتجاري ‪ ،‬فقد اخفقت الدولة في تحويل اصحاب رؤوس االموال الى‬
‫الرأسماليين والصناعيين من اجل االسهام في بناء قاعدة صناعية متطورة‬
‫وفي االول من تشرين الثاني ‪ 1945‬أشار الرئيس عصمت اينونو في خطابه االفتتاحي‬
‫لدورة البرلمان بأنه مستعد الجراء تعديالت كبيرة في النظام السياسي وان تكون هذه التعديالت‬
‫متماشية مع الظروف والمتغيرات في العالم ‪ .‬ويشير الكاتب فراي (‪ )Frey‬الى انه " قد تغيرت‬
‫النخبة البديلة وانتشرت مفاهيم وعقائد ديمقراطية بشكل شخصي عبر اوساط مجموعة كبيرة من‬
‫االتراك ‪ ،‬والدليل القاطع لدى اينونو حول ايجاد نظام حزبي متعدد لتخفيض حالة التوتر والقلق‬
‫االجتماعي وسط كل الجماعات "‪ .‬وذلك بعد فشل الخطة الخمسية التي قدمها اينونو والتي‬
‫عجزت امكانيات الدولة عن القيام بصناعات ثقيلة دون مشاركة رأس المال الخاص ورأس‬
‫المال االجنبي والذي بات المحفز الكبير لقيام صناعات تركية متقدمة ‪ .‬وتمكنت تركيا من خالل‬
‫محاوالتها لالنضمام الى المعسكر الغربي وبدعم الواليات المتحدة االمريكية التي ساندت تركيا‬
‫على وفق (مبدأ ترومان ) إذ قدمت لها مساعدات مالية كبيرة ‪ .‬وكان الدعم الغربي – االمريكي‬
‫وفق مبدأ ترومان ضد سياسة توسع الدولة وسيطرتها على الحياة االقتصادية وان هذه‬
‫المساعدات هدفت بالدرجة االساس الى احتواء النظام الشيوعي ‪ ،‬ولكنه في نفس الوقت قدمت‬
‫على امل تشجيع المؤسسات االقتصادية الخاصة في تركيا‪.‬‬
‫وجاءت إحالة المارشال فوزي جقماق (‪ )F. Gakmak‬رئيس اركان الجيش منذ عام ‪1921‬‬
‫على التقاعد في ‪ 21‬كانون الثاني ‪ ، 1944‬بعد بلوغه السن القانونية لتعطي دليال آخر على‬
‫تفكك نظام الحزب الواحد ‪ ،‬ولتنشأ من صميم حزب الشعب الجمهوري نفسه نواة المعارضة ‪،‬‬
‫وتشكل فيما بعد حزبا شرعيا رئيسا ‪ )1( .‬ولعل من نافلة القول بانه عندما تشكل حزب الشعب‬
‫الجمهوري اتبع النظام الهرمي من خالل سيادة النخبة المثقفة البيروقراطية العسكرية على‬
‫المستوى الوطني ‪ ،‬في حين منح النبالء واالشراف بعض االمتيازات ‪ ،‬وظلت عملية التنسيق‬
‫بين الطرفين معقدة فالبيروقراطية العسكرية في ظل زعامة مصطفى كمال لم تكن تستند الى‬
‫قاعدة واحدة ‪ ،‬اضافة الى ان الكمالية قوبلت بعد تأسيس الجمهورية بعدم الرضا الكامل وخاصة‬
‫من قبل مجموعة من الضباط في المراتب العليا ‪ ،‬والذين اسسوا معارضة فيما بعد قوية داخل‬
‫المجلس الوطني التركي الكبير ‪ ،‬واستمروا بعملهم كقادة معارضة على الرغم من محاوالت‬
‫كمـال الخضاعهم وجعل دورهم ثانوي خاصة بعد ان حوكم بعض منهم في اعقاب الثورة في‬
‫جنوب االناضول عام ‪ .1925‬جاءت اول االنتقادات ضد اجراءات اينونو االقتصادية ‪ ،‬وسياسة‬
‫الحزب الواحد من اربعة اعضاء من حزب الشعب الجمهوري وهم (جالل بايار ‪Celal‬‬
‫‪ )Bayar‬رجل االعمال المصرفي(‪ . )2‬رفيق كورالتان (‪ )Rafik Korultan‬وعدنان مندريس‬
‫(‪ )Adnan Menderis‬والمؤرخ فؤاد كوبرولو (‪ ،)3()Fuad Koprulu‬فقد اقترحوا ان تقوم‬
‫الدولة بتنفيذ مبدأ السيادة الوطنية بشكل كامل كما وردت في دستور عام ‪ ،1924‬وان يتم القيام‬
‫بالعمل الحزبي طبقا لمبادئ الديمقراطية ‪ ،‬مما ادى الى طرد ثالثتهم من حزب الشعب ‪ ،‬فيما‬
‫قدم جالل بايار استقالته في ‪ 1‬كانون االول ‪ . 1945‬وفي بداية عام ‪ 1946‬قدم االربعة طلبا‬
‫رسميا لتأسيس الحزب الديمقراطي الذي اعلن رسميا عن تأسيسه في ‪ 7‬كانون الثاني ‪.1946‬‬

‫(‪ )1‬لوسدديل دبليوبيفسددنر ‪ :‬ازمددة السياسددة التركيددة الخلفيددة ووجهددات النظددر واحتمدداالت التقدددم والنجدداح ‪ ،‬ترجمددة حسددن نعمددة سددعدون ‪،‬‬
‫(بغداد ‪ .‬د‪ .‬ت) ‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫(‪ )2‬جالل بايار ‪ :‬سياسي تركي سابق وثالث رئيس للجمهورية التركية ‪ ،‬ولد في ‪ 15‬أيار ‪ 1883‬فدي مديندة عمدر بيدك (‪)Umur bey‬‬
‫بالقرب من بورصة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬محسن حمزة العبيدي ‪ :‬التطورات السياسية الداخلية في تركيدا ‪ ، 1960-1946‬رسدالة ماجسدتير‪ ،‬كليدة االداب ‪ ،‬جامعدة الموصدل ‪،‬‬
‫‪ ، 1989‬ص ‪. 69‬‬
‫‪-4-‬‬
‫والذي يعد تأسسه انعطافة كبيرة في مسيرة الحياة السياسية التركية فألول مرة يؤسس حزب‬
‫بعيد عن اوامر حزب الشعب الجمهوري ‪ .‬ويصف كمال كربات ‪ Kemal Karpat‬الذي كتب‬
‫عن هذه المدة " ان السنة في ‪ 21‬تموز ‪ 1946‬ولغاية ‪ 12‬تموز ‪ 1947‬كانت حاسمة في ترسيخ‬
‫سياسة التعددية الحزبية ‪ ،‬ففي ‪ 12‬تموز القى الرئيس اينونو بثقله بصراحة وراء المعتدلين في‬
‫حزبه واستبعد خيار الحزب الواحد ومنحت المعارضة حرية الفعل والمساواة بالحزب‬
‫الجمهوري‪ " .‬وهنا البد من التنويه الى ان حزب النهضة القومي (‪)Milli Kalkinma Partisi‬‬
‫كان قد سبق الحزب الديمقراطي في التأسيس عندما اقدم نوري دميراغ (‪ )Nory Demirag‬مع‬
‫مجموعة من القوميين االتراك من ذوي االتجاهات الدينية بطلب الى الحكومة التركية في ‪6‬‬
‫تموز ‪ 1945‬للموافقة على تأسيس حزب سياسي كمحاولة اولى للقيام بدور المعارضة ‪ ،‬ويعد‬
‫هذا الحزب اول حزب معارض يشكل بصورة رسمية بعد الحرب العالمية االولى ‪ ،‬اال ان‬
‫الحزب لم يؤد دورا فعاال على الساحة السياسية التركية‬
‫وظهرت الى جانب الحزب الديمقراطي احزاب اخرى اسست خالل مدة ال تتجاوز السنة ‪،‬‬
‫ذات ميول واتجاهات متباينة منها الحزب االشتراكي (‪ )Sosyal partisi‬الذي اسسه اسعد عادل‬
‫مستجاب اوغلو (‪ )Asaad Adiloglu‬في اسطنبول في ‪ 14‬ايار ‪ .1946‬وقد اصدر هذا الحزب‬
‫جريدة باسم الحقيقة (‪ )Gercek‬واتهم الحزب بالشيوعية وقدم زعيمه عدة مرات للمحاكم المدنية‬
‫والعسكرية ‪ )1( .‬وهناك حزب العمال والفالحين التركي (‪)Turkiye Iscive Cift Ci partisi‬‬
‫الذي تأسس في ‪ 17‬حزيران ‪ 1946‬والذي اكد في منهاجه على دعم طبقتي العمال والفالحين‬
‫وتوسيع الحريات الديمقراطية‪ .‬فضال عن احزاب اخرى مثل الحزب الديمقراطي الليبرالي ‪،‬‬
‫والحزب الديمقراطي االشتراكي وهي احزاب قليلة االهمية ‪ .‬وأسس الحزب المحافظ التركي‬
‫‪ Turk Muhafaz Partisi‬في حزيران ‪ 1947‬بزعامة جواد رفعت اتيلهان ‪Cevdet Rifaat‬‬
‫‪ ،)2( Atilhan‬كما اسس في تموز عام ‪ 1948‬حزب االمة (‪ )Millet partisi‬على اثر انشقاق‬
‫حصل في الحزب الديمقراطي ‪ ،‬الذي خيب آمال الكثيرين من ذوي االتجاه الديني لرفضه‬
‫االعالن بصراحة الوقوف ضد االجراءات والمبادئ الكمالية ‪ .‬وقد نما هذا الحزب بسرعة إذ‬
‫استقطب ذوي االتجاهات الدينية وتجاوزت فروعه في انحاء البالد (‪ )2000‬فرع وكان لسان‬
‫حاله جريدة الصبح الجديد (يني صباح ‪ ).‬وتولى رئاسة الحزب المارشال فوزي جاقماق الذي‬
‫كان قد احيل على التقاعد عام ‪ ، 1944‬وبعد وفاته تعاقب على رئاسة الحزب حكمت بايور‬
‫عثمان بلوباشي‪ .‬اعلنت حكومة الديمقراطيين حل الحزب في ‪ 27‬كانون الثاني ‪ .1954‬وقد‬
‫اعيد تشكيل الحزب مرة اخرى باسم جديد هو (حزب االمة الجمهوري ‪Gumburiyet Millet‬‬
‫‪.)Partisi‬‬
‫لم تمارس المعارضة نشاطا ملحوظا حتى المدة التي تلت انتخابات عام ‪ ، 1946‬لعدة‬
‫اسباب منها سياسة حكومة رجب بكر ‪ 15‬آب ‪ 19-1946‬أيلول ‪ 1947‬المتشددة ضد‬
‫المعارضة وتمسكها بمبدأ الحزب الواحد ‪ ،‬فضال عن المشكالت االقتصادية التي واجهتها تركيا‪.‬‬
‫وقد واجهت سياسة حكومة رجب بكر معارضة من حزب الشعب نفسه حتى تبلورت في‬
‫مجموعتين االولى تزعمها رجب بكر والذي مثل االتجاه المتشدد تجاه المعارضة ‪ ،‬والمجموعة‬
‫الثانية ضمت الشباب من اصحاب الفكر الليبرالي ممن يؤيدون نظام تعدد االحزاب وتزعم هذه‬
‫المجموعة نهاد ايريم ‪.‬‬

‫(‪ )1‬محسن حمزة العبيدي ‪ :‬التطورات السياسية الداخلية في تركيدا ‪ ، 1960-1946‬رسدالة ماجسدتير‪ ،‬كليدة االداب ‪ ،‬جامعدة الموصدل ‪،‬‬
‫‪ ، 1989‬ص ‪. 69‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬خليل علي مدراد ‪ :‬االحدزاب السياسدية والمسدألة الدينيدة فدي تركيدا ‪ 1960-1946‬فدي د‪ .‬ابدراهيم خليدل احمدد واخدرون ‪ :‬االسدالم‬
‫والعلمانية ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ،‬مركز الدراسات التركية ‪ ، 1996 ،‬ص‪. 73‬‬
‫‪-5-‬‬
‫وكان عصمت اينونو من مؤيدي المجموعة الثانية ‪ ،‬والذي انعكس على اصدار اينونو بيانه‬
‫المعروف ببيان ‪ 12‬تموز لتعدد االحزاب والذي جاء فيه ‪ " :‬ان الحزب المعارض الذي‬
‫يستخدم وسائل شرعية ال ثوري ‪ ،‬يجب ان يتمتع بامتيازات الحزب الحاكم نفسها ‪ ،‬وعليه فاني‬
‫بوصفي رئيسا للجمهورية عد مسؤوال امام الحزبيين ‪ ..‬ان الحكومة مسؤولة عن الحفاظ على‬
‫القانون والنظام اال ان موافقتها المتوازنة تجاه جميع االحزاب السياسية الشرعية هي الضمان‬
‫االساسي للحياة السياسية ‪ ...‬وسوف تعمل المعارضة في امان من دون خوف من ان يحلها‬
‫الحزب الحاكم "‪.‬‬
‫وفي ‪ 17‬تشرين الثاني ‪ 1947‬عقد حزب الشعب مؤتمره العام السابع والذي أعيد فيه‬
‫انتخاب عصمت اينونو رئيسا للحزب ‪ ،‬وحلمي اوران ‪ ،‬نائبا للرئيس ‪ ،‬وقرر فصل رئاسة‬
‫الحزب عن رئاسة الجمهورية ‪ ،‬كما اتخذ عدة قرارات تعزز نظام تعدد االحزاب ‪ .‬وقد خلق هذا‬
‫التطور نوعا من االعتدال في الحزب الحاكم في حين انعكس على الحزب الديمقراطي‬
‫المعارض ‪ ،‬أن فبرزت في صفوفه نوع من المعارضة اذ وجهت االنتقادات الى قيادة الحزب ‪،‬‬
‫مما ادى الى استقالة عدد من اعضائه عام ‪ .1948‬الذين قرروا في العام نفسه تشكيل حزب‬
‫جديد بعد ان تباحثوا مع فوزي جقماق (‪ )F. Gakmak‬لتولي رئاسة الحزب مستلهمين عددا من‬
‫افكاره في بناء العقيدة السياسية للحزب الجديد‪ .‬فتم االتفاق بين فوزي جقماق وكنعان اونر‬
‫وحكمت بابور وصادق الدوغان على تأسيس حزب االمة (‪ )Millet partisei‬بعد استقالتهم من‬
‫الحزب الديمقراطي واعلنوا عن هذا التأسيس رسميا في ‪ 5‬تموز ‪ 1948‬والذي جاء منهاجه‬
‫مغايرا لمنهج الحزب الديمقراطي‪.‬‬
‫جرت االنتخابات العامة في تركيا في ‪ 14‬أيار ‪ ، 1950‬وشارك فيها ما يقرب من ‪%88‬‬
‫من السكان ‪ .‬وعلى الرغم مما كان يبدو فان المبادرة السياسية كانت بيد الجمهوريين ‪ ،‬لكن‬
‫النتائج اسفرت عن فوز ساحق للحزب الديمقراطي إذ حصل على (‪ )408‬مقاعد في البرلمان ‪،‬‬
‫في حين حصل حزب الشعب الجمهوري على (‪ )69‬مقعدا ‪ ،‬وحصل حزب االمة على مقعد‬
‫واحد ‪ ،‬فيما حصل المستقلون على (‪ )9‬مقاعد ‪.‬‬
‫شكل فوز الحزب الديمقراطي منعطفا تاريخيا كبيرا في تاريخ تركيا الحديث وبداية تحول‬
‫في مسيرة الحياة الديمقراطية فيها ‪ ،‬والتي لقيت ارتياحا ملحوظا في االوساط الغربية ‪ .‬وقد‬
‫وصفتها الواليات المتحدة االمريكية بأنها انتصار للديمقراطية‪ .‬وعقب اعالن نتائج االنتخابات‬
‫انتقل الحكم دستوريا الى الحزب الديمقراطي ‪ ،‬إذ انتخب جالل بايار رئيسا للجمهورية في ‪22‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أيار ‪ 1950‬والذي كلف بدوره عدنان مندريس لتشكيل اول وزارة لحكومة الديمقراطيين ‪.‬‬
‫والتي تضمن برنامجها القضاء على البطالة وتنشيط االقتصاد الوطني ‪ ،‬وتحقيق االستقرار‬
‫السياسي ومنح العمال حقوقهم ‪ ،‬وتأكيد حرية الصحافة ‪ ،‬وتمسك الحكومة بمكافحة االفكار‬
‫المعادية للسياسة الكمالية أي (االفكار الدينية ‪ -‬الشيوعية) اما سياستها الخارجية فقد اعلنت‬
‫استمرارها في سياسة تشجيع توظيف رؤوس االموال االجنبية وفتح االبواب امام الرأسمال‬
‫االجنبي ‪ ،‬وكانت الواليات المتحدة االمريكية في مقدمة البلدان الرأسمالية الكبرى التي استثمرت‬
‫رؤوس اموالها في تركيا ‪ ،‬إذ بلغت نسبة مساهمتها قرابة ‪ %65‬من مجموع االستثمارات‬
‫االجنبية‪.‬‬
‫كما شهدت تركيا في عهد الديمقراطيين عدة تغيرات سياسية واقتصادية (‪ )2‬واجتماعية‬
‫حملت في طياتها بذور العوامل التي مهدت الى قيام انقالب ‪ 27‬أيار ‪ . 1960‬ففي مجال‬
‫السياسة االقتصادية ركزت على مسألتين أساسيتين االولى تحسين اوضاع الفالحين االقتصادية‬

‫(‪ )1‬جمهورية العراق ‪ ،‬وزارة االعالم ‪ ،‬د‪.‬ك‪.‬و‪ :‬تقارير المفوضية العراقية في انقرة ‪ ،‬ملفه ‪ 2738‬و‪ 96‬في ‪. 1950/5/24‬‬
‫(‪ )2‬احمد نوري النعيمي ‪ :‬تركيا وحلف شمال االطلسي (عمان ‪ )1981 ،‬ص ص ‪. 105-103‬‬
‫‪-6-‬‬
‫واالجتماعية ‪ ،‬والثانية تشجيع رأس المال الخاص في القطاع الصناعي وفتح الباب امام الرأس‬
‫المال االجنبي ‪ .‬وواصلت حكومة مندريس توزيع االراضي العائدة الى الدولة لقاء ثمن يدفعه‬
‫الفالحون على مدى عشرين عاما ‪ .‬فصدر قانون االصالح الزراعي لسنة ‪ 1951‬الذي تضمن‬
‫اسكان الفالحين في االراضي السيحية الحكومية ‪ ،‬وبمضي سنتين على صدور القانون ذكر ان‬
‫‪ 1/163/781‬هكتار وقد تحقق توزيعها لمصلحة ‪ 37849‬عائلة فالحية ‪ ،‬كما وزعت اراض‬
‫اخرى الغراض التنمية الحيوانية بلغت مساحتها ‪ 1/044/463‬هكتار ‪ )1(.‬وارتفعت االراضي‬
‫المخصصة لزراعة القمح لتصل ‪ %113‬عام ‪ 1957‬وكذلك القطن ‪ %155‬ومع ذلك هبط‬
‫انتاج الحبوب اكثر في عام ‪ 1953‬واصبحت تركيا البلد المستورد للحبوب اكثر من كونها بلدا‬
‫مصدرا‪ .‬وعملت حكومة مندريس على انشاء السدود وادخال اآللة واستخدام االسمدة في‬
‫العمليات الزراعية‪ .‬واستخدمت االسمدة الزراعية بشكل كبير في تركيا على الرغم من العراقيل‬
‫الناشئة بسبب عدم معرفة الفالح كيفية استخدامها سواء االسمدة العضوية ام الحيوانية‪ .‬كما‬
‫ارتفعت اعداد الجرارات المستخدمة في الزراعة من الف جرار عام ‪ 1945‬الى اربعين الف‬
‫جرار عام ‪ . 1954‬وتدخلت الدولة لدعم االسعار إذ كانت تدفع مبالغ لشراء مادة الحبوب‬
‫بضعف السعر العالمي ‪ .‬اال ان هذه االعانات الحكومية لم تصل بشكل مباشر الى الفالحين بل‬
‫توجهت لمنفعة كبار مالكي االراضي فبلغت االعتمادات التي خصصت لهم خالل المدة ‪-1950‬‬
‫‪ )9.7( 1956‬مليون ليرة في حين لم تتجاوز تلك االعتمادات طيلة المدة ‪ 1950-1945‬سوى‬
‫(‪ )3‬ماليين ليرة ‪ .‬وهكذا كانت حصيلة هذه االنجازات لخدمة مالكي االارضي ‪ ،‬إذ بلغت نسبة‬
‫ما استورد لصالحهم ‪ %90‬وما استورد لصالح صغار الفالحين ‪ %8‬والباقي لمزارع الدولة‪.‬‬
‫اما الصناعة فقد استطاعت الحكومة ‪ ،‬ايجاد قطاعات صناعية مستقلة عن سيطرة الدولة‬
‫(‪)2‬‬
‫ونقلت مشروعات الحكومة الى القطاع الخاص ‪.‬‬
‫واستمر تدهور االقتصاد التركي الذي جاء نتيجة حتمية للسياسة القائمة على عدم التخطيط‬
‫واعتمادها على مبدأ االنفتاح االقتصادي وابعاد اشراف الدولة كليا عن الحياة االقتصادية ‪،‬‬
‫وعلى الرغم من ان تلك السياسة ادت الى انتعاش في االقتصاد التركي اال ان السنوات التالية‬
‫افرزت العديد من المشاكل ‪ .‬مما حدا بالحكومة التركية الى االتجاه صوب االعتماد على‬
‫المساعدات االمريكية والتي احدثت تطورا نسبيا في الصناعة للمرة االولى في تاريخ حكم‬
‫الديمقراطيين واحد اسباب حصول الحزب الديمقراطي على الفوز في انتخابات عام ‪.1954‬‬
‫ولتظهر فيما بعد بوصفها مشكلة اقتصادية خطيرة وهي مشكلة الديون ‪ ،‬التي ارتفعت الى خمسة‬
‫مليارات ليرة عام ‪ )3( .1960‬وأصبحت مشكلة البطالة من اهم المشكالت االجتماعية التي‬
‫واجهت حكومة الديمقراطيين خالل عقد الخمسينات ‪ ،‬فقد كان للسياسة االقتصادية اثرها في‬
‫تقليل فرص العمل الزراعي ‪ ،‬مما ادى الى هجرة اعداد كبيرة الى المدن التركية ‪ ،‬فارتفعت‬
‫نسبة العاطلين في المدن الى ‪ .%50‬ولم تستطع حملة التصنيع التي شهدتها البالد خالل المدة‬
‫نفسها من التخفيف من حدة البطالة ‪ .‬بل ازدادت بسبب انهاء عقود االف من العمال االتراك‬
‫العاملين في بلدان اوربا الغربية‪ )4( .‬وال بد هنا من االشارة الى اهمية هذه المسألة للحزب‬
‫الديمقراطي والذي كان قد اعتمد في وصوله الى السلطة على كسب تأييد ابناء الريف الذين‬
‫يشكلون نسبة ‪ %75‬من الناخبين‪ .‬فضال عن اصحاب المهن وكبار المقاولين الذين حصلوا على‬
‫امتيازات مالية كبيرة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬عماد الجدواهري ‪ :‬توجيده سياسدة االصدالح الزراعدي فدي تركيدا ‪ 1980-1923‬مجلدة (دراسدات تركيدة) العددد ‪ ، 2‬السدنة االولدى ‪،‬‬
‫كانون االول ‪ ، 1991‬مركز الدراسات التركية ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ،‬ص‪. 43‬‬
‫(‪ ) 2‬جمهورية العراق ‪ ،‬وزارة االعالم ‪ ،‬د‪.‬ك‪.‬و‪ :‬تقارير المفوضية العراقيدة فدي انقدرة ‪ ،‬تقريدر شدهر ايلدول ‪ ، 1952‬ملفده ‪ 2740‬و‪51‬‬
‫في ‪ . 1952/10/11‬كذلك االمم المتحدة ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 206‬‬
‫(‪ )3‬اتجاهات التجارة الخارجية التركية ‪ ،‬ترجمة مركز البحوث والمعلومات (بغداد ‪ )1982 ،‬العدد ‪ ، 2‬ص‪43‬‬
‫(‪ )4‬تم فرض قيود على عملية دخول العمالة التركية الى اوربا مما قلل عدد االتراك المهاجرين الى اوربدا مدن ‪ 100‬الدف الدى ‪ 11‬الدف‬
‫سنويا ا نظر ‪ :‬ديفيد تونج ‪ :‬مشكلة البطالة المتزايدة المضخمة في تركيا ‪ ،‬الملف االول ‪ ،‬ترجمة م‪.‬ب‪.‬م‪( .‬بغداد د‪.‬ت) ص‪. 7‬‬
‫‪-7-‬‬
‫وال ننسى بأن مشكلتا البطالة والهجرة من ابرز المشاكل التي احدثت هدرا كبيرا في القوى‬
‫البشرية واالقتصادية ‪ ،‬وادت الى االنحراف االجتماعي وعلى االخص في الطبقة الوسطى من‬
‫المجتمع التركي والذي خلق جوا مهيئا تماما الحداث انقالب ‪ 27‬آيار ‪ . 1960‬وفي االشهر‬
‫االخيرة قبيل االنقالب كانت هناك ثمة مؤشرات في تزايد قلق الحكومة بشأن تردي االوضاع‬
‫االقتصادية ‪ ،‬وضرورة اجراء اصالحات اقتصادية‪ ،‬والجل ذلك ترأس فطين زورلو وزير‬
‫الخارجية وفدا رفيع المستوى حضر اجتماعات هيأة اتحاد المدفوعات االوربية الذي انعقد في‬
‫نيسان ‪ 1960‬وطرح فيه حاجة تركيا الى الدعم االجنبي من اجل تنفيذ االصالح االقتصادي ‪.‬‬
‫وتبقى المسألة الدينية الركيزة المهمة في عقد الخمسينات إذ كان التحول في العالقة بين‬
‫الدين والدولة بمجيء الديمقراطيين انعطافة كبيرة في تاريخ تركيا السياسي ‪ .‬فقد اتبع قادة‬
‫الحزب سياسة اكثر تسامحا ممن سبقوهم ‪ ،‬فقد اصدر المجلس الوطني في سنة ‪ 1950‬قرارا‬
‫يسمح بقراءة القرآن الكريم ‪ ،‬واداء االذان باللغة العربية ‪ ،‬بعد ان كانا يؤديان باللغة التركية ‪،‬‬
‫وسمح بتدريس مادة التربية الدينية التي اصبحت الزامية في المدارس االبتدائية وجعل التوجيه‬
‫واالرشاد الديني اختيارا في بقية المراحل ‪ .‬وهاجم الديمقراطيون نهج اتاتورك الذي تخلى عن‬
‫اإلسالم ووصفوه باإللحاد والفساد والتحلل الخلقي والذي اوصل تركيا الى ازمة اخالقية وال‬
‫(‪)1‬‬
‫سيما بين الشباب التركي ‪.‬‬
‫ان الديمقراطيين الذين وظفوا المسألة الدينية لصالحهم اعتقدوا ان العقيدة الدينية ستقف‬
‫حاجزا امام الشيوعية ‪ )2( .‬في اعقاب الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬وخروج االتحاد السوفياتي‬
‫(السابق) منتصرا‪ .‬وال بد من االشارة الى ان مرحلة الخمسينات شهدت عدة مبادرات للسالم‬
‫بين تركيا واالتحاد السوفياتي في القرن العشرين دون ان تحقق نتائج ملموسة ‪ ،‬اذ عد االتراك‬
‫هذه التحركات تكتيكا سوفيتيا جديدا صمم لعزل تركيا عن الغرب بخاصة بعد اقامة عالقات‬
‫ودية سوفياتية – مصرية عام ‪ ، 1955‬وقيام ثورة ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬في العراق ‪ ،‬وتدخل‬
‫الجيش االحمر النهاء االنتفاضة الهنغارية عام ‪ ، 1956‬ذلك كله اثار مخاوف االتراك من‬
‫تحركات االتحاد السوفياتي السلمية فبدأت بالضغط ومحاربة االتجاهات اليسارية‪ .‬ومن جهة‬
‫اخرى فان الديمقراطيين حققوا نجاحاتهم الثالثة في االنتخابات طيلة المدة ‪ 1960-1950‬من‬
‫خالل اعتمادهم على الفالحين الذين كانوا يشكلون قرابة ‪ %70‬من االصوات ‪ ،‬لما اتسم به‬
‫هؤالء الفالحون من التدين‪ .‬ولكن سياسة التسامح الديني التي انتهجتها حكومة الحزب‬
‫الديمقراطي خلقت ردود فعل عكسية وبدأت مالمح اقحام الدين في السياسة تأخذ صورتها في‬
‫الشارع التركي مما اثار احزاب المعارضة االخرى ‪ .‬ودفع بالحزب الديمقراطي الى اعادة تقييم‬
‫سياسته ‪ ،‬فأقر المجلس الوطني التركي الكبير قانونا تضمن انزال عقوبة االعدام بقادة واعضاء‬
‫المنظمات والجمعيات التي تعمل على استهداف النظم االجتماعية واالقتصادية السائدة في البالد‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬وال سيما تلك التي تحاول ضرب البنى العلمانية القومية للنظام االجتماعي في تركيا‪.‬‬
‫وقدمت حكومة الديمقراطيين شكوى ضد الحزب القومي ‪ ،‬مفادها (ان الحزب المذكور يستغل‬
‫الدين الغراض سياسية ‪ ،‬ويحاول القضاء على النظام االقتصادي واالجتماعي والسياسي في‬
‫البالد) ‪ .‬واستنادا الى هذه الشكوى فقد قررت محكمة انقرة حل الحزب القومي واصدر المجلس‬
‫الوطني التركي الكبير قانون (حماية الوجدان واالجتماع) والذي منع بموجبه استغالل الدين‬
‫لتحقيق المآرب الشخصية والسياسية‪.‬‬

‫(‪ )1‬عبددد الجبددار قددادر غفددور ‪ " :‬الديانددة والطددرق الصددوفية " فددي د‪ .‬ابددراهيم خليددل العددالف واخددرون ‪ ،‬تركيددا المعاصددرة (الموصددل ‪،‬‬
‫‪ )1987‬ص‪. 93‬‬
‫(‪ )2‬اوقفت الحكومة صاحب جريدة (يني سوز) أي (الصوت الجديد) الصادرة في اسطنبول في ايار ‪ 1951‬لنشدره مقداال عدن الشديوعية‬
‫بعندوان (ياعمدال العدالم اتحدددوا) انظدر ‪ :‬جمهوريدة العددراق ‪ ،‬وزارة االعدالم ‪ ،‬د‪.‬ك‪.‬و‪ :.‬تقدارير المفوضدية العراقيددة فدي انقدرة ‪ ،‬ملفدده‬
‫‪ 2739‬و‪ 75‬في ‪. 1951/5/27‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬ابراهيم خليل احمد العالف وآخرون ‪ :‬تركيا المعاصرة (الموصل ‪ )1987 ،‬ص ص ‪. 167-166‬‬
‫‪-8-‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫االنقالب العسكري األول ‪ 27‬أيار ‪1960‬‬

‫دوافع االنقالب ‪:‬‬


‫على الرغم من حرص الحزب الديمقراطي على تطبيق ما آمن به وأعلته في برنامجه العام‬
‫الذي صدر عام ‪ 1947‬في اشاعة الديمقراطية ‪ ،‬وحرية االجتماع والعدالة ‪ ،‬واالنتخابات الحرة‬
‫اال انه ظل يهاجم حزب الشعب ويتهمه بالدكتاتورية ‪ .‬ومع تسلمه السلطة عام ‪ 1950‬بدأ بانتهاج‬
‫سياسة اسكات المعارضة ‪ ،‬موجها اليها مختلف االتهامات المعادية لالتاتوركية‪ .‬فشن الحزب‬
‫الديمقراطي حملته العدائية ضد حزب الشعب منذ ‪ 13‬كانون االول ‪ ، 1950‬وصرح اغا اوغلو‬
‫نائب رئيس الوزراء ووزير العدل " ان حزب الشعب الجمهوري قد سقطت هيبته امام الجماهير‬
‫(‪)1‬‬
‫واتهمه باختالق االكاذيب ضد الحكومة وباختالس اموال الدولة ابان مدة حكمه"‪.‬‬
‫كما شملت اجراءات حكومة الديمقراطيين تقييد الحرية الحزاب اخرى ومنظمات ثقافية‬
‫وصحفية ‪ .‬ويعد قانون آب ‪ 1951‬المتضمن حل (بيوت الشعب ‪ )Halk Evleri‬ونقل ملكيتها‬
‫الى الدولة اهم االجراءات التي اتخذت ضد حزب الشعب ‪ .‬ثم تالها قانون صدر في ‪ 21‬تموز‬
‫‪ 1952‬يحرم اساتذة الجامعات من التدخل في الشؤون السياسية‪ .‬ثم توسعت لتشمل الحركة‬
‫االسالمية ومنها الحركة التيجانية وقادة الحزب القومي الذي قضت محكمة انقرة بحله كما ذكرنا‬
‫فيما سبق فضال عن تعرض الحزب الشيوعي التركي للعديد من االجراءات المقيدة لنشاطه ‪ .‬فقد‬
‫امر المجلس الوطني التركي الكبير ‪ ،‬فرض عقوبة االعدام بحق االفراد المنتمين الى الشيوعية ‪.‬‬
‫كما رفع الحزب الديمقراطي شعار (كل الخطر آت من اليسار) بهدف مكافحة الشيوعية‪،‬‬
‫وتضييق الخناق عليها بتحديد مناطق تجول موظفي سفارات وقنصليات ورعايا الدول‬
‫االشتراكية وال سيما دبلوماسي االتحاد السوفياتي (السابق) إذ ان الحكومة رأت في تحركهم‬
‫خطورة على االمن القومي ‪.‬‬
‫وعلى ما يبدو فان الشعبية التي حققها الحزب الديمقراطي في السنوات االولى من توليه‬
‫السلطة ساعدته في اتخاذ هذه االجراءات ضد المعارضة اال ان تدهور السياسة االقتصادية‬
‫واخفاقها ابتداءا منذ عام ‪ ، 1954‬وعجز سياسة االستثمار المالي في المشاريع الصناعية فضال‬
‫عن الصراع الذي دب داخل صفوف الحزب الديمقراطي الذي ابعد عددا من النواب المنشقين‬
‫عنه في ‪ 20‬كانون االول ‪ 1955‬والذين شكلوا حزبا جديدا سمي حزب الحرية ( ‪Hurriyet‬‬
‫‪ )partisi‬والذي تبنى المعارضة السياسية الحزب الديمقراطي ‪ )2(.‬ففي عام ‪ 1955‬شهد الحزب‬
‫الديمقراطي معارضة شديدة تجاه سياسته االقتصادية من داخل صفوفه ‪ ،‬وقد قاد هذه المجموعة‬
‫فوزي كارا عثمان اوغلو ‪ ،‬فانفصلوا عن الحزب الديمقراطي ليشكلوا بمجموعهم (‪ )29‬عضوا‬
‫الحزب الجديد ‪.‬‬
‫ذلك كله دفع الحزب الديمقراطي الى تصعيد حملته ضد المعارضة ‪ ،‬ففي عام ‪1955‬‬
‫رفعت الحصانة عن النائب الجمهوري (قاسم كولك ‪ )Kasim Gulek‬نائب مدينة اضنة‬

‫(‪ )1‬جمهورية العراق ‪ ،‬وزارة االعالم ‪ ،‬د‪.‬ك‪.‬و تقارير المفوضية العراقية في انقرة ‪ ،‬ملفه ‪ 2739‬و‪ 129‬في ‪. 1950/12/4‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬ابراهيم خليل احمد ‪ :‬االحدزاب السياسدية ‪ ،‬المصددر السدابق ‪ ،‬ص‪ 67‬؛ كدذلك ملدف االحدزاب السياسدية التركيدة ‪، 1984-1923‬‬
‫ص‪. 54‬‬
‫‪-9-‬‬
‫لمهاجمته سياسة الحكومة داخل المجلس الوطني ‪ ،‬كما اغلقت صحيفة اولوس (‪ )Ulus‬لسان‬
‫(‪)1‬‬
‫حال حزب الشعب بحجة مخالفتها قانون الصحافة‪.‬‬
‫وجاءت احداث ايلول ‪ 1955‬لتعمق االزمة السياسية بين الحزبين الديمقراطي الحاكم‬
‫والشعب الجمهوري المعارض ‪ ،‬وتؤجج المشاعر القومية المتطرفة بخاصة بين اوساط الطلبة‬
‫والشباب ‪ ،‬فعلى اثر القاء قنبلة على القنصلية التركية في مدينة سالنيك ‪ ،‬اندلعت المظاهرات في‬
‫اسطنبول وازمير ‪ ،‬وهوجمت المحالت والكنائس االرمنية واليونانية مما ادى الى الحاق اضرار‬
‫فادحة ‪ ،‬قدرت بمليار ليرة تركية‪.‬‬
‫لقد بدأ التراجع السياسي الداخلي في تركيا يؤثر في شعبية الحزب الديمقراطي‪ ،‬فظاهرة‬
‫العنف والشغب غير المتوقع اثارت التساؤالت الحادة حول كفاءة الحكومة وقناعة الشعب فيها ‪،‬‬
‫فضال عن انها أثبتت عدم كفاءة قوى االمن التركية ‪ ،‬ففرضت االحكام العرفية لتدارك الموقف‬
‫لمدة ستة اشهر ‪ ،‬واجرت تحوالت عديدة في الجيش والجندرمة وقادة الشرطة ‪ ،‬من اجل تقوية‬
‫االمن الداخلي وقد استمر قانون االحكام العرفية نافذ المفعول في اسطنبول حتى ‪ 7‬أذار ‪1956‬‬
‫‪ ،‬في حين رفع عن انقرة وازمير في ‪ 17‬كانون االول ‪. 1955‬‬
‫وفي وسط هذا الصراع جرت انتخابات في ‪ 27‬تشرين االول عام ‪ ، 1957‬واستطاع‬
‫الحزب الديمقراطي ان يحقق فوزه الثالث ‪ ،‬إذ حصل على (‪ )424‬مقعدا من مجموع (‪)610‬‬
‫وحصل حزب الشعب على (‪ )187‬مقعدا في حين حصل حزبا (الحرية واالمة) على (‪ )4‬مقاعد‬
‫لكل منهما ‪.‬‬
‫وحاول الديمقراطيون ايجاد جيش داخل صفوف الحزب ولكنهم اخفقوا ‪ ،‬وظل الجيش يراقب‬
‫االحداث ويرصد تجاهل مندريس للقواعد االتاتوركية ‪ ،‬مما هيأ الجو لالنقالب ‪ ،‬وكان مندريس‬
‫قد طلب من عدد من قادة الجيش االستقالة من مناصبهم العسكرية والترشيح عن الحزب‬
‫الديمقراطي في انتخابات عام ‪ ، 1957‬ولكن معظمهم رفض هذا االقتراح مما شجع مندريس‬
‫على شن حملة مضايقات ضد هؤالء الضباط ‪.‬‬
‫ان محاولة االطاحة بنظام حكم الديمقراطيين كانت قائمة عملت بها سياسة المعارضة‬
‫المتشددة ضد حزب الشعب الجمهوري ‪ ،‬واستخدام الجيش في تطبيق هذه السياسة ‪ ،‬فأمر‬
‫مندريس باعتقال عدد من الضباط الذين سمحوا لعصمت اينونو بحضور االجتماع االنتخابي‬
‫لحزب الشعب في الثاني من نيسان ‪ )2(.1960‬ولم ينفذوا امر منع اينونو ‪ ،‬وقدم جمال كورسيل‬
‫‪ ‬استقالته من منصبه قائدا عاما للقوات التركية على اثر اهمال االنذار الذي سلمته قيادة الجيش‬
‫الى حكومة مندريس في ‪ 21‬أيار ‪.1960‬‬
‫وقد تضمن االنذار الذي قدمته قيادة الجيش الى وزير الدفاع بحكومة مندريس المطالبة‬
‫باستقالة رئيس الجمهورية ‪ ،‬وابعاد االشخاص المعروفين بسوء التصرف عن الوزارة‬
‫واستبدالهم بآخرين ‪ ،‬واالسراع في استبدال كل من (والي اسطنبول ووالي انقرة) والغاء القانون‬
‫الخاص بتشكيل لجنة التحقيق في المجلس الوطني ‪ ،‬والعفو عن الصحفيين والطلبة المعتقلين ‪،‬‬

‫(‪ )1‬خددالل مدددة حكددم الحددزب الددديمقراطي اقيمددت (‪ )2324‬دعددوى علددى الصددحفيين واغلقددت ‪ 16‬صددحيفة ‪ ،‬واصدددرت احكددام مختلفددة‬
‫بالسجن على (‪ )818‬صحفيا ووضعت تحت الرقابة الصحف جميعها ولم تبق من الصحف التدي تؤيدد الحدزب غيدر صدحيفة ظفدر‬
‫الناطقة باسم الحدزب الدديمقراطي ‪ .‬انظدر ابدراهيم الدداقوقي ‪ :‬فلسدطين والصدهيونية فدي وسدائل االعدالم التركيدة (بغدداد ‪)1988 ،‬‬
‫ص ص ‪. 132-131‬‬
‫(‪ )2‬شكل مندريس لجنة نيابية في ‪ 18‬نيسان ‪ 1960‬مؤلفة مدن خمسدة عشدر عضدوا للتحقيدق فيمدا يسدمى بالنشداط الهددام لحدزب الشدعب‬
‫الجمهوري مما دفع اينونو الى انتقادهدا وعددها عمدال غيدر دسدتوري وخرقدا للديمقراطيدة ممدا أثدار حفيظدة الحدزب الحداكم ونوابده‬
‫داخددل المجلددس ‪ ،‬وعلددى اثددر ذلددك تقددرر منددع اينونددو مددن حضددور اجتماعددات المجلددس الددوطني الكبيددر‪ .‬مصددطفى الددزين ‪ :‬المصدددر‬
‫السابق ‪ ،‬ص‪. 216‬‬

‫‪-10-‬‬
‫والغاء القوانين غير الديمقراطية ورعاية حقوق المواطنين في الحرية والمساواة والكف عن‬
‫سياسة استغالل الدين ‪ .‬غير ان الحكومة شددت من الخناق على ضرب الشعب الجمهوري ‪،‬‬
‫ومنعت اجتماعات االحزاب وشنت حملة اعتقاالت لمحرري الصحف مما خلق جوا ينذر‬
‫باالنهيار السياسي ‪.‬‬
‫استمر الكبت السياسي طيلة االشهر االولى لعام ‪ 1960‬فعمت المدن التركية المظاهرات ‪،‬‬
‫ففي ‪ 17‬نيسان ‪ 1960‬تجمع طلبة جامعة اسطنبول احتجاجا على االعتقاالت الجماعية ‪ ،‬مما‬
‫دفع الى اعتقال (اونار) رئيس الجامعة واغالق الجامعة لمدة شهر وازداد تفاقم الوضع مما‬
‫اضطر الحكومة التركية الى اعالن االحكام العرفية في المدن التركية الرئيسة ‪ .‬وكانت الحكومة‬
‫قد لجأت الستخدام القوات المسلحة للحد من نشاط الحمالت الدعائية التي يقوم بها حزب الشعب‬
‫الجمهوري استعدادا لالنتخابات التي من المقرر ان تجرى عام ‪ ، 1960‬مما سهل عملية تدخل‬
‫الجيش لحسم المسألة السياسية ‪ .‬فبدأت الحكومة بإغالق الصحف والمجالت التي تعارض‬
‫وجهات نظره‪.‬‬
‫اما حكومة مندريس فقد اعتقدت مخطئة ان هذه المظاهرات يمكن السيطرة عليها ‪ ،‬عندما‬
‫اخضعت منطقة انقرة لالحكام العرفية ‪ ،‬والجل تهدئة الوضع حلت لجنة التحقيق البرلمانية ‪،‬‬
‫ولكن دون جدوى فعلى اثر الخالف الذي نشب في احدى جلسات المجلس الوطني بين النواب‬
‫قررت الحكومة حل المجلس الوطني حتى الـ ‪ 20‬حزيران ‪ 1960‬مما أثار الرأي العام في‬
‫(‪)1‬‬
‫تركيا‪.‬‬
‫كانت بداية االنقالب في ‪ 21‬أيار ‪ 1960‬عندما تظاهر طالب االكاديمية العسكرية‬
‫واساتذتهم ‪ ،‬وانضم اليهم عدد كبير من المدنيين المناوئين للحكومة‪ .‬وفي اليوم التالي عقد عدد‬
‫من الضباط اجتماعا فشكلوا لجنة الوحدة الوطنية (‪ )CNU‬واستمرت اجتماعاتهم خمسة ايام‬
‫متوالية الستعراض اسماء الضباط الذين يمكن الوثوق بهم واالعتماد عليهم في حال وقوع أية‬
‫محاولة انقالبية‪ .‬ويبدو ان المعارضة سرت ايضا بين نواب الحزب الديمقراطي ‪ ،‬اذ وقع (‪)90‬‬
‫نائبا على مذكرة مطالبين فيها بالغاء اللجنة البرلمانية ‪ ،‬ولكن رفض مندريس جاء ليضيف سببا‬
‫(‪)2‬‬
‫اخر للضباط لتحديد ساعة الصفر لالنقالب‪.‬‬
‫وهكذا جاء االنقالب العسكري في ‪ 27‬أيار ‪ 1960‬بعد مدة صراع بين الحزب الديمقراطي‬
‫واتباعه ‪ ،‬وحزب الشعب الجمهوري واالحزاب المعارضة االخرى بعدما لقيت اذانا صاغية من‬
‫الجيش للتدخل في حسم االمر بعد ان اقحمها مندريس في قمع المظاهرات فكان المجال امام‬
‫الجيش مفتوحا الي تحرك اخر‪ .‬وقد اتهم قادة الجيش عدنان مندريس ‪ ،‬بانتهاك الدستور وتحويل‬
‫الجيش اداة للصراع بين الحزب الديمقراطي واحزاب المعارضة بعد ان سعت حكومة‬
‫(‪)3‬‬
‫الديمقراطيين الى اسكات كل صوت للمعارضة السياسية ‪.‬‬
‫ومما تجدر االشارة اليه ان عددا كبيرا من قادة الجيش كانوا على علم باالعداد لالنقالب ‪،‬‬
‫ولكنهم لم يعلموا حكومة مندريس بذلك على الرغم من ان عددا منهم كان من المقربين له ومنهم‬
‫(فخري اوزديلك ‪ )Fahri Ozdilek‬الذي تولى وزارة الدفاع في الحكومة التي شكلها قادة‬
‫االنقالب في ‪ 28‬ايار ‪.1960‬‬

‫(‪ )1‬اسرار االنقالب العسكري ‪ ،‬جريدة االخبار العراقية في ‪. 1960/6/2‬‬


‫(‪ )2‬التطورات السياسية في تركيا ‪ ،‬تقرير من اعداد وكالة االنباء العراقية ‪ ،‬قسم البحوث والتقارير ‪ ، 1976 ،‬ص‪. 6‬‬

‫‪-11-‬‬
‫موقف السلطة الجديدة من مسؤولي العهد السابق ‪:‬‬
‫بدأت الحركة االنقالبية في الساعات االولى من صباح ‪ 27‬أيار بقيادة شفيق اكتر رئيس‬
‫ادارة الحركات في رئاسة االركان العامة ‪ ،‬وكان مجلس قادة االنقالب يتكون من ثمانية وثمانين‬
‫عام ‪1920‬وتشير احدى الدراسات الى ان ثمانية من‬ ‫ضابطا معظمهم ممن ولد بعد‬
‫اعضاء قادة االنقالب هم من ابناء الضباط وستة من ابناء الموظفين وستة من ابناء التجار‬
‫وارباب الحرف واربعة من المدنيين واثنين من ابناء الفالحين‪.‬‬
‫سيطرت عناصر االنقالب على دار االذاعة ومركز البريد والبرق ‪ ،‬ثم القصر الجمهوري‬
‫‪ )1(.‬أذيعت بعدها بيانات تطالب السكان بالتزام مساكنهم ‪ ،‬وتأييد قرارات لجنة الوحدة الوطنية‬
‫من دون ان تفصح عن هوية قادة االنقالب حتى وصول جمال كورسيل الذي كان في ازمير ‪،‬‬
‫حيث اذيع بيان رقم (‪ )6‬والذي حمل توقيعه بوصفه قائدا عاما للقوات المسلحة ورئيسا للجنة‬
‫(‪)2‬‬
‫الوطنية ‪.‬‬
‫اعتقل قادة الحركة االنقالبية قادة حكومة الديمقراطيين اذ اعتقل كل من جالل بايار وعدنان‬
‫مندريس ورفيق كورالتان رئيس المجلس الوطني الكبير وفطين زورلو وزير الخارجية ‪ ،‬كما تم‬
‫اعتقال اعضاء الحكومة جميعهم واعضاء المجلس الوطني من الحزب الديمقراطي ‪.‬‬
‫وبعد اكثر من شهرين قررت لجنة الوحدة الوطنية في ‪ 20‬تموز ‪ 1960‬محاكمة المتهمين من‬
‫قادة العهد السابق في جزيرة (ياسي ادا ‪ )Yassiada‬على ان تبدأ المحاكمات في ‪ 14‬تشرين‬
‫االول من العام نفسه ‪.‬‬
‫واستعدادا للمحاكمة شكلت لجنة الوحدة الوطنية هيأتين االولى مهمتها التحقيق في الجرائم‬
‫التي ارتكبها مسئولو النظام السابق‪ .‬والثانية قضائية لمحاكمة المتهمين ‪ .‬وفي ‪ 3‬تشرين االول‬
‫‪ 1960‬اعلنت اسماء الهيأة القضائية العليا المكلفة بمحاكمة اعضاء النظام وتكونت من تسعة‬
‫قضاة عين احدهم من لجنة الوحدة الوطنية ‪ ،‬اما التهم التي وجهت الى قادة النظام فهي ت ٌهم‬
‫سياسية منها" انتهاك دستور ‪ ، 1924‬واقامة نظام دكتاتوري ‪ ،‬واتهامات جنائية تتعلق‬
‫بالتحريض والعصيان وارتكاب اعمال القتل واتهامات تتعلق بقضايا الفساد والرشوة والمصادرة‬
‫غير المشروعة للممتلكات" ‪ .‬ووجهت الى جالل بايار رئيس الجمهورية تهمة مخالفة احكام‬
‫الدستور وتهمة الخيانة العظمى ومحاولة قتل عصمت اينونو‪ .‬اما التهم التي وجهت الى عدنان‬
‫مندريس رئيس الوزراء فهي تهمة مخالفة الدستور ومحاولة قتل اينونو ايضا واختالس اموال‬
‫الدولة ‪ ،‬اما المتهمون االخرون فتكاد تكون تهمهم منحصرة في مخالفة الدستور‪ .‬وقد استمرت‬
‫وقائع المحاكمات اكثر من تسعة اشهر‪.‬‬
‫تناول المراقبون القانونيون إجراءات المحاكمات ومتابعة طبيعة التهم التي وجهت الى قادة‬
‫النظام السياسي السابق ‪ ،‬ألنها خلقت حالة من التعقيدات القانونية التي لم يسبق ان تعرض لها‬
‫القانون التركي سواء من طريقة إدارة المحاكمة أم طرائق االعالن عنها والتي تأثرت جميعها‬
‫باالعتبارات السياسية المحلية والخارجية وقد استمع الراي العام التركي الى سير هذه‬
‫المحاكمات وال سيما فيما يتعلق بمخالفة احكام الدستور لكونها تشكل مركز الثقل من بين‬
‫القضايا االخرى ‪ ،‬إذ بلغ عدد المتهمين في هذه القضية (‪ )397‬متهما ‪.‬‬
‫فيما عقدت المحكمة العليا الخاصة جلستها الختامية في جزيرة (ياسي ادا) في ‪ 15‬أيلول‬
‫‪ 1961‬وقد حضرها المتهمون جميعهم ما عدا مندريس الذي تعذر حضوره لمرضه الشديد وقد‬

‫(‪ )1‬طالب مشتاق ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ص ‪.207-206‬‬


‫(‪ )2‬وكالة األنباء العراقية ‪ ،‬اإلنصات في ‪ 28‬أيار ‪. 1960‬‬
‫‪-12-‬‬
‫اصدرت المحكمة احكاما مختلفة تضمنت الحكم باعدام خمسة عشر متهما من كبار قادة الحزب‬
‫الديمقراطي بضمنهم (جالل بايار ‪ ،‬وعدنان مندريس وفطين رشدي زورلو وزير الخارجية‬
‫وحسين بوالتكان وزير المالية ‪ ،‬ورفيق كورالتان) والحكم بالسجن المؤبد على ‪ 31‬شخصا ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كما حكمت على (‪ )449‬متهما بالسجن لمدد مختلفة فيما حكمت بالبراءة على (‪ )123‬متهما ‪.‬‬
‫ولكي تأخذ احكام المحكمة الدرجة القطعية وبخاصة في مسألة الحكم باإلعدام عرضت‬
‫احكام االعدام على لجنة الوحدة الوطنية للمصادقة عليها او رفضها ليكتسب الحكم الدرجة‬
‫القطعية باعتبارها اعلى سلطة تشريعية وتنفيذية‪ )2(.‬فاختلف أعضاء اللجنة الوطنية بشأن قرار‬
‫المحكمة ‪ ،‬حتى اتفقوا على حل وسط بالمصادقة على إعدام ثالثة زعماء من الحزب‬
‫الديمقراطي وهم (عدنان مندريس لكونه المصدر الرئيس لقيادة النظام السابق ‪ ،‬وفطين رشدي‬
‫زورلو وزير الخارجية ‪ ،‬وحسين بوالتكان وزير المالية بسبب مزاعم الفساد والتدهور العام‬
‫التي كان االخيران مسؤولين عنها في الحكومة اما جالل بايار فقد ابدل حكم االعدام الصادر‬
‫ضده بالسجن المؤبد لكبر سنه ولكونه رئيسا للجمهورية ‪ ،‬كما استبدلت احكام االعدام الصادرة‬
‫(‪)3‬‬
‫بحق احد عشر متهما بالسجن المؤبد ايضا‪.‬‬
‫ردود الفعل الداخلية والخارجية تجاه انقالب ‪ 27‬أيار ‪:1960‬‬
‫على الرغم من ان االنقالب لم يكن حصيلة اتفاق مسبق بين السلطات المدنية وقادة الجيش‬
‫لكنهم كانوا واثقين بان حركتهم ستنال المساندة من المدنيين وبخاصة من اعضاء حزب الشعب‬
‫الجمهوري ومؤيديه من المثقفين والطلبة ‪ ،‬وذلك للضغط الشديد الذي مارسه الحزب‬
‫الديمقراطي تجاه حزب الشعب الجمهوري ‪ )4(.‬ولهذا ايد حزب الشعب الجمهوري االنقالب حال‬
‫اعالنه ‪ ،‬اذ اصدر اينونو بيانا دعا فيه حزبه الى الخضوع التام ألوامر قادة االنقالب ‪ )5(،‬وقال "‬
‫انني ادعو حزبي الى ان يثق بما قام به الجيش وان ينتظروا المستقبل المشرق القائم على اسس‬
‫العدالة والديمقراطية الحقة واالعتماد على تقاليد الجيش الراسخة بوصفه حامي اسس‬
‫الديمقراطية التي وضعها اتاتورك " (‪ )6‬في حين يشير احد المصادر الى ان قادة الجيش عرضوا‬
‫على اينونو المشاركة في االنقالب ولكنه رفض خشية استحواذ الجيش على الحكم وهذا ما‬
‫ذكره احد المؤرخين االتراك ايضا ‪ ،‬بقوله ‪ " :‬ان ما جرى في ‪ 27‬ايار ‪ 1960‬ليست حركة‬
‫مدبرة من حزب الشعب الجمهوري وانني اقول ذلك النني متأكد منها ‪ ،‬ولكني ال استطيع القول‬
‫بان اينونو لم يكن يعلم بهذه الحركة للقوات المسلحة "‪.‬‬
‫اما ردود الفعل الخارجية فقد كانت اكثر وضوحا ‪ ،‬فالواليات المتحدة وعلى الرغم من‬
‫تطور العالقات بينها وبين تركيا خالل عقد الخمسينات ‪ ،‬لكن الفتور اكتنف هذه العالقة في نهاية‬
‫عقد الخمسينات ‪ ،‬على اثر زيارة عدنان مندريس لالتحاد السوفياتي ‪ )7(.‬ووجدت الواليات‬
‫المتحدة في تركيا خالل هذه المدة من حكم مندريس بان تركيا اصبحت حليفة ضعيفة جراء‬
‫االضطرابات التي عمت مدنها الرئيسية وقد جاء الموقف الرسمي االمريكي على لسان الناطق‬
‫الرسمي في وزارة الخارجية االمريكية برفضه التعليق على االنقالب ‪ ،‬مذكرا ان قادة االنقالب‬

‫(‪ )1‬جريدة االخبار (العراقية) العدد ‪ 5810‬في ‪. 1961/9/16‬‬


‫(‪ )2‬طالب مشتاق ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 289‬‬
‫(‪ )3‬كان مندريس قد بدأ بالتدخل في قوائم الترفيعات التي تخص العسكر مفضدال الضدباط المخلصدين لده ومحداوال تقليدل اخدر قاعددة قدوة‬
‫مستقلة في البالد مما يفسر سبب اعدامه ‪ ،‬انظر ارشيف وزارة الخارجية ‪ ،‬ملفات سياسية ‪ ،‬ملفه تركيا مسألة صهر ‪ ،‬ص‪6‬‬
‫(‪ )4‬و‪.‬ا‪.‬ع ‪ ،‬الجيش التركي وحركة ‪ 1960‬تقرير اعدته وكالة االنباء العراقية ‪ ،‬قسم المعلومات ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص (‪. )6‬‬
‫(‪ )5‬اعلددن اينونددو اندده لدديس لدده عالقددة او معرفددة بدداالنقالب وادعددى اندده كددان يددالزم بيتدده فددي شددبه اقامددة جبريددة ‪ .‬انظددر جريدددة االخبددار‬
‫(العراقية) العدد ‪ 5431‬في ‪ . 1960/6/2‬كذلك جريدة اتحاد الشعب (العراقية) العدد (‪ )106‬في ‪. 1960/5/30‬‬
‫(‪ )6‬عماد الجواهري ‪ :‬المبادئ االتاتوركية والعمل الحزبي في تركيا ‪ ،‬ص‪. 110‬‬
‫(‪ )7‬اراد مندددريس مددن خددالل زيارتدده هددذه الحصددول علددى مسدداعدات اقتصددادية وعسددكرية اكبددر ‪ .‬انظددر‪ :‬ارشدديف وزارة الخارجيددة ‪،‬‬
‫الجمهورية التركية ‪ ،‬دراسة عامة ‪ ،‬اعداد السفارة العراقية في انقرة ‪ ، 1978‬ص‪. 8‬‬
‫‪-13-‬‬
‫اعلنوا عزمهم على احترام التزامات تركيا الدولي في حين ان تركيا كانت قد وقعت اتفاقية مع‬
‫الواليات المتحدة في ‪ 5‬آذار ‪ 1959‬تلزمها " بأنه في حالة تعرض تركيا الي عدوان فان‬
‫(‪)1‬‬
‫الواليات المتحدة ملزمة في الدفاع عن حكومة مندريس بما في ذلك حدوث االنقالب "‬
‫واعترفت الواليات المتحدة رسميا بالحكومة الجديدة في ‪ 30‬أيار ‪ )2(.‬وابدت دول حلف شمال‬
‫االطلسي ارتياحها بعد استالم اللجنة الوطنية مهام ادارة البالد ‪ ،‬وال سيما بعد تعيين سليم ساربر‬
‫(‪ )Selim Sarber‬وزيرا للخارجية في حكومة لجنة الوحدة الوطنية والذي كان يشغل منصب‬
‫(‪)3‬‬
‫ممثل تركيا في حلف شمال االطلسي ‪.‬‬
‫وعدت بريطانيا االنقالب مسألة داخلية تركية جاءت في اطار الصراع بين الحزبين‬
‫(الديمقراطي والشعب الجمهوري) ومن ثم فليست له تأثيرات كبيرة في بريطانيا والدول‬
‫االوربية ‪.‬‬
‫اما موقف االتحاد السوفياتي ‪ ،‬فقد كان ينم عن التذمر واالستياء منذ صدور البيان االول‬
‫لقادة االنقالب الذي اعلنوا فيه تمسكهم بمبادئ حلفي شمال االطلسي والسنتو ‪ ،‬وهو ما جاء في‬
‫الرسالة التي بعثها (خروشوف) رئيس وزراء االتحاد السوفياتي الى قادة تركيا الجدد في ‪8‬‬
‫حزيران ‪. 1960‬‬
‫اما موقف الدول العربية ‪ ،‬فقد استأثرت احداث تركيا باهتمام الحكومات العربية والرأي‬
‫العام العربي ‪ ،‬فأعلنت الحكومة العراقية انها تعد الحركة العسكرية في تركيا حدثا داخليا يهم‬
‫االتراك انفسهم وتستنكر أي تدخل او ضغط خارجي يوجه الى تركيا‪ .‬وقد عقد السفير التركي‬
‫في بغداد مؤتمرا صحفيا اوضح فيه اسباب االنقالب ودوافعه اما الحكومات العربية االخرى ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فقد التزمت الحذر ازاء االحداث وعدّته شأنا داخليا ‪.‬‬
‫االنشقاق داخل لجنة الوحدة الوطنية ‪:‬‬
‫حين سيطر قادة االنقالب على زمام االمور في تركيا ‪ ،‬القى جمال كورسيل خطابا الى‬
‫الشعب التركي وضح فيه سياسة االنقالب واهدافه ومما جــاء فيـه… وكل ما ابغيه هو وضع‬
‫االسس لحكم ديمقراطي سليم ثم ترك هذا الحكم الصحابه الذين سيتولونه بطريق ديمقراطي ‪،‬‬
‫ان هدفنا ليس االستمرار في الحكم بل االستمرار في احترام قوانين االمم المتحدة ومبادئ حقوق‬
‫االنسان ‪ "..‬اال ان هذه المسألة كانت شرارة الخالف بين اعضاء لجنة الوحدة الوطنية والتي‬
‫ادت الى تنحية العقيد الب ارسالن توركيش (‪ )Alpaslan Turkes‬من مستشارية مجلس‬
‫الوزراء في حكومة اللجنة ‪ ،‬ثم تالها اعفاء عشرة وزراء من مناصبهم واحالة اكثر من ‪ 5‬آالف‬
‫ضابط على التقاعد ‪ .‬فبعد تنفيذ االنقالب بوقت قصير بدا الصراع بين الضباط الصغار (االكثر‬
‫حبا للتدخل في السياسة) والضباط الكبار‪ .‬واصبح الصراع مكشوفا في وقت الحق عندما طرد‬
‫مجموعة االربعة عشر المتطرفين من مجلس اللجنة الوطنية في ‪ 13‬تشرين الثاني ‪، 1960‬‬
‫وكان الصراع باالساس يدور حول تسليم السلطة لحكومة مدنية تنتخب في اقرب وقت ممكن او‬
‫تنصيب حكومة عسكرية طويلة االمد ‪.‬‬
‫وتشكلت اول وزارة بعد انقالب ‪ 1960‬في ‪ 28‬من أيار تولى جمال كورسيل تأليفها ‪ ،‬على‬
‫وفق الصالحيات التي يتمتع بها ‪ ،‬والتي كان أعضاؤها جميعهم ال ينتمون الى أي حزب سياسي‬

‫(‪ )1‬احمد نوري النعيمي ‪ :‬السياسة الخارجية ‪ ،‬ص ص ‪. 149-148‬‬


‫(‪ )2‬جريدة االخبار (العراقية) ‪ ،‬العدد ‪ 5429‬في ‪ 31‬أيار ‪. 1960‬‬
‫(‪ )3‬احمد نوري النعيمي ‪ :‬السياسة الخارجية ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 150‬‬
‫(‪ )4‬جريدة اتحاد الشعب (العراقية) ‪ ،‬العدد ‪ 105‬في ‪. 1960/5/29‬‬
‫‪-14-‬‬
‫‪ ،‬وقد ضمت اربعة اعضاء من القوات المسلحة التركية ‪ ،‬وثالثة اعضاء من السلك القضائي‬
‫وثالثة من السلك الجامعي ‪ ،‬وستة وزراء يمثلون السلك الحكومي وثالثة من الخبراء المستقلين‪.‬‬
‫ان الغرض من تشكيل هذه الحكومة ‪ ،‬هو اضفاء الطابع المدني على اجراءات لجنة الوحدة‬
‫الوطنية التي كانت بيدها زمام االمور بدليل ان هذه الوزارة وعلى الرغم من انها تضم عناصر‬
‫مدنية بنسبة االغلبية ‪ ،‬اال ان الوزارات ذات االهمية كانت بيد العسكريين فضال عن ان رئاسة‬
‫الوزارة كانت بيد قائد االنقالب الذي شغل منصب رئيس الحكومة ‪ ،‬ووزير الحربية ورئيس‬
‫لجنة الوحدة الوطنية ذات الصالحيات الواسعة التي خولها الدستور المؤقت وهذه الصالحيات‬
‫التي استخدمت كما اشرنا فيما سبق الى اقصاء عشرة من الوزراء في ‪ 25‬آب ‪.1960‬‬
‫وأعقب ذلك صدور قانون ‪ 14‬لعام ‪ 1960‬قبل االنقالب المتعلق بتطهير الجامعات من‬
‫العناصر غير المرغوب منها ‪ .‬وقد تزامن هذا القانون مع قانون (‪ )115‬الصادر في العام نفسه‬
‫مع القانون اعاله ‪ ،‬المتضمن التأكيد على استقالل الجامعات من العمل السياسي‪ .‬وهكذا استبعد‬
‫(‪ )147‬استاذا في الجامعات التركية ‪ .‬وبدأ الخالف واضحا عندما اقدم جمال كورسيل على‬
‫تأليف لجنة لوضع دستور للمجلس التأسيسي والذي ستجري بموجبه االنتخابات للمجلس الوطني‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫استقرت الحالة السياسية في تركيا بضعة اشهر بعد هذه االجراءات ولكن سرعان ما بدأت‬
‫حالة االنقسامات مرة اخرى في اللجنة الوطنية ‪ ،‬فقد انقسمت على مجموعتين في منتصف عام‬
‫‪ ،1961‬المجموعة االولى ترأسها جمال مدان اوغلو وهو احد االعضاء البارزين الذين اسهموا‬
‫في ابعاد مجموعة االربعة عشر من اللجنة ‪ ،‬وكان يطمح في ان يكون الرجل الثاني بعد‬
‫كورسيل في توجيه سياسة الحكومة العامة ‪ ،‬اما المجموعة الثانية فكانت برئاسة العقيد سامي‬
‫كوجوك (‪ )Sami Kucuk‬والذي يعد محايدا ‪ ،‬اراد ابعاد اللجنة عن المشاكل السياسية ويرى‬
‫وجوب تخلي العسكريين عن السياسة ‪.‬‬
‫واثار غياب اللواء عرفان تانيسل عن حضور المجلس التأسيسي في ‪ 6‬شباط ‪ 1961‬استياء‬
‫في صنوف القوات الجوية ‪ ،‬واخذت الطائرات تحلق في سماء انقرة مما اضطر المسؤولين‬
‫العادة النظر في قرار استبعاد اللواء تانيسل واعادته الى منصبه قائدا للقوة الجوية ‪ ،‬فكان ذلك‬
‫(‪)2‬‬
‫ضد رغبات مدان الذي قرر تقديم استقالته من منصبه في الجيش واللجنة ‪.‬‬
‫دستور عام ‪: 1961‬‬
‫قبل الخوض في مناقشة دستور ‪ 1961‬ال بد لنا من فهم مسألة اساسية بالنسبة للوضع في‬
‫تركيا ‪ ،‬وهي االدراك بان فصل السلطة المدنية عن السلطة العسكرية هي فكرة غريبة على‬
‫تركيا ‪ ،‬ففي معرض تقليد االتراك للدساتير الغربية فرض مؤسسو الجمهورية التركية فصال‬
‫مماثال ‪ ،‬ومع ذلك فان االلتزام من جانبهم ال يمكن ان يكون حقيقيا النه والكثر من (‪)1000‬‬
‫سنة مضت من التاريخ التركي كانت السلطات العسكرية وزعامة الحكومة قد اتفقوا على الشيء‬
‫نفسه فقد " كانت الحرب الهدف الخارجي والحكومة الهدف الداخلي لمؤسسة واحدة تضم هيئة‬
‫واحدة من الرجال " (‪ )3‬ووصفت مدارس تــدريب الضبـاط بانها " التربة التي نبتت فيها‬
‫المشاعر الدستورية "‪ .‬وبتأسيس الجمهورية اراد اتاتورك ان يضع االساس الذي سيجعل الحكم‬
‫المدني شرعيا ‪ .‬وتجنب باستمرار ارتداء البزة العسكرية مفضال عليها المالبس المدنية ‪ ،‬كما‬
‫فعل رئيس وزارته وخليفته عصمت اينونو وهو احد رجال العسكر التركي وحاول اتاتورك‬

‫(‪ )1‬طالب مشتاق ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 230‬‬


‫(‪ )2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 237‬‬
‫(‪ )3‬ارشيف وزارة الخارجية ‪ ،‬ملفات سياسية ‪ ،‬تركيا مسألة صهر ‪ ،‬ص‪. 3‬‬
‫‪-15-‬‬
‫ابعاد الجيش عن السياسة فقد وردت عنه عدة تصريحات منها " ان النصر في الشؤون الداخلية‬
‫ال يعزى الى الجيش بقدر ما يعزى الى الوظائف الناجحة للحكومة " ‪ )1(.‬كما ارسل مصطفى‬
‫كمال منشور الى الجيش واالدارات االقليمية يعلمهم فيه بانه " ابتداء من اليوم سوف تكون‬
‫الجمعية الوطنية والسلطة الشرعية التي تخضع لها جميع السلطات المدنية والعسكرية هي التي‬
‫يجب ان ترجع اليها االمة بأسرها " ‪ ،‬كما صرح بعد ان وصلته انباء قيام محاولة لإلطاحة‬
‫بحكمه بانه " وصل الى نتيجة انه للحفاظ على النظام في الجيش بالقدر المطلوب لممارسة‬
‫القيادة ‪ ،‬فانه غير المتوافق ان يكون قادة الجيش في الوقت نفسه نوابا في البرلمان "‪ .‬وفي عام‬
‫‪ 1930‬اكد مصطفى كمال سيادة االمة بقوله " ان السيادة يجب ان ال تبنى على القوة وان‬
‫السيادة التي تقوم على السالح ال يمكن ان تستمر‪ ،‬الن هذا النوع من الدكتاتوريات مؤقت "‪.‬‬
‫ومهما يكن من تصريحات ونوايا اتاتورك وخلفائه فان الواقع العملي ‪ ،‬يعكس غير هذا إذ ان‬
‫هذا اول انقالب شهدته تركيا والذي كانت معالجاته وحلوله لعناصر السلطة المدنية السابقة‬
‫متطرفة بفرضهم احكام االعدام والسجن لمدد مختلفة ‪.‬‬
‫في منتصف عام ‪ 1961‬بدأت لجنة الوحدة الوطنية باتخاذ سلسلة من االجراءات لغرض‬
‫اعادة النظام الى السلطة المدنية ‪ ،‬وكانت اولى خطواتها تكليف فريق من اساتذة القانون في‬
‫جامعة اسطنبول لوضع مسودة دستور جديد للبالد وبعد إنجاز الفريق مهمته عرضت المسودة‬
‫على الجمعية التأسيسية ثم جرى االستفتاء على الدستور الجديد في ‪ 9‬تموز ‪ ، 1961‬وقد بلغ‬
‫عدد المشاركين في التصويت ‪ %80.5‬من الناخبين واقر الدستور بنسبة ‪ %61.5‬مما اثار قلق‬
‫اعضاء اللجنة ‪ .‬ان مسودة الدستور تشير الى رغبة اللجنة الوطنية في اعادة تأسيس حكومة‬
‫دستورية حقيقية ‪ .‬كما نصت على نظام انتخابي يجعل من الصعب على أي حزب واحد‬
‫الحصول على اغلبية في البرلمان ‪ ،‬كما فرضت مجموعة من التحديدات على السلطة المركزية‬
‫بحيث تجعلها محدودة الى درجة تجعل من المستحيل للحكومة ان تواجه اية ازمة بشكل فاعل‪.‬‬
‫يتكون الدستور من ‪ 168‬مادة ويقع في ستة ابواب فضال عن مقدمة اكدت تقاليد الحرية‬
‫والديمقراطية في تركيا ‪ ،‬كما اكدت التزام الشعب التركي باالستقالل القومي والسيادة‬
‫(‪)2‬‬
‫واالصالحات التي تحققت على يد مصطفى اتاتورك ‪.‬‬
‫تناول الباب االول من الدستور ‪ ،‬االسس العامة التي تحدد شكل الدولة وخصائصها ‪ ،‬ففيه‬
‫وصفت الجمهورية التركية " بانها دولة قومية ديمقراطية علمانية واجتماعية يحكمها القانون‬
‫وتستند على حقوق االنسان ‪ ،‬لغتها الرسمية التركية وعاصمتها انقرة " ‪ .‬كما تناول الباب قضية‬
‫عدم انفراد المجلس الوطني الكبير بالسلطة في تمثيل االمة ‪ ،‬إذ نصت المادة (‪ )5‬على ان "‬
‫يتولى المجلس الوطني الكبير السلطة التشريعية وال يجوز تفويض هذه السلطة " وعلى هذا‬
‫اوقف المجلس عن الحلول محل االمة بوصفها مصدرا للسيادة ‪ )3(.‬هذا فضال عن االخذ بمبدأ‬
‫فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية ‪ ،‬واسنادهما الى كل من المجلس الوطني من جانب‬
‫ورئيس الجمهورية ومجلس الوزراء من جانب آخر وعلى التوالي ‪ .‬بعد ان كانت السلطات‬
‫التشريعية والتنفيذية متمركزة في المجلس الوطني ‪ .‬وهذا من الثغرات التي تؤخذ على دستور‬
‫عام ‪ 1961‬وقد نصت المادة (‪ )6‬على ان يتولى رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ممارسة‬

‫(‪ )1‬اميرة محمد كامل الخربوطلي ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 145‬‬


‫(‪ )2‬النص الكامل للدستور التركي لعام ‪ 1961‬في الموسوعة العربية للدساتير العالمية ‪( ،‬القاهرة‪ ، )1966‬ص ص ‪. 787-751‬‬
‫(‪ )3‬استنادا الحكام المادة (‪ )63‬من الدستور التركي (يتألف المجلس الوطني التركي الكبير من مجلدس االمدة ومجلدس الشديوخ ‪ .‬انظدر ‪.‬‬
‫شمران حمادي ‪ :‬في النظام السياسي للجمهورية العربية المتحدة بموجب دستور ‪ ، 1961‬شركة الطبع والنشدر االهليدة ‪( .‬بغدداد ‪،‬‬
‫‪ ،)1964‬ص ‪. 214‬‬
‫‪-16-‬‬
‫السلطة التنفيذية في حدود القوانين مما يؤكد اتخاذ التطبيق الديمقراطي في تركيا نمطا لما كان‬
‫(‪)1‬‬
‫سائدا من قبل ‪.‬‬
‫اما الباب الثاني فقد تناول الحقوق والواجبات االساسية وارساء االتجاه الديمقراطي اذ‬
‫نصت على المساواة بين االفراد جميعهم دون التمييز بينهم على اساس الجنس او اللغة او‬
‫التفكير السياسي او الدين او المذهب كما نص عدم جواز التعرض للحريات الشخصية اال‬
‫استنادا للقانون المرافق للدستور وبقرار من مرجع قضائي مختص ‪ .‬ونص على حرمة المساكن‬
‫والمراسلة والسفر وحرية الفكر والعقيدة وهو ما جاء في المادة (‪ )19‬من ان لكل فرد حرية‬
‫االعتقاد وحرية الفكر والعقيدة الدينية اذ اوضحت ان العبادات في المراسيم واالحتفاالت الدينية‬
‫حرة طالما ال تتعارض مع النظام واالخالق العامة ‪ ،‬وال يجوز ان يرغم أي فرد على اداء‬
‫(‪)2‬‬
‫العبادة او االشتراك في المراسيم االحتفاالت الدينية او التصريح بمعتقداته وآرائه الدينية ‪.‬‬
‫وتضمن الباب الثالث الحقوق والواجبات االجتماعية واالقتصادية ‪ ،‬فنص على ان االسرة‬
‫اساس المجتمع ‪ ،‬وتتخذ الدولة وبقية المؤسسات العامة التدابير الالزمة لحمايتها ونص الدستور‬
‫على حق الملكية واالرث وعدم جواز نزع الملكية اال الغراض المنفعة العامة مع تعويض يمثل‬
‫القيمة الحقيقية للمال غير المنقول ‪ ،‬وعلى الدولة ان تتخذ التدابير الالزمة كافة لتحقيق االهداف‬
‫التي تساعد على تنمية االرض وزيادة انتاجها من خالل توزيع االراضي على الفالحين ‪ .‬فيما‬
‫اشارت المادة (‪ )39‬الى امكانية تأميم المؤسسات الخاصة المتعلقة بالخدمات العامة في الحاالت‬
‫(‪)3‬‬
‫التي تقتضيها المصلحة العامة ‪.‬‬
‫اما حرية العمل وواجبات الدولة في تحقيق النهضة االقتصادية واالجتماعية وحماية العمال‬
‫فقد اكد الدستور حرية تأسيس النقابات للعمال وارباب العمل دون الحصول على اذن مسبق‬
‫وعلى حق التفاوض الجماعي واالضراب ‪ ،‬وحمل الدستور مسؤولية تأمين الصحة البدنية‬
‫والنفسية لكل فرد ‪ ،‬والزم الدولة باتخاذ التدابير الالزمة لمواجهة حاجات االسر الفقيرة ذات‬
‫الدخل المحدود من حيث تهيئة المساكن الصحية والزام الدولة بتوفير فرص التعليم ‪ ،‬والزامية‬
‫التعليم االبتدائي للذكور واإلناث ومجانيته ‪ .‬ونصت المادة ‪ 52‬على قيام الدولة باتخاذ التدابير‬
‫الالزمة لتمكين افراد الشعب من الحصول على الغذاء وذلك من خالل زيارة المنتجات الزراعية‬
‫ومنع االراضي من الضياع ‪ .‬اما المادة ‪ 53‬فقد نصت على انه " ال تستطيع الدولة ان تؤدي‬
‫واجباتها في الوصول الى الغايات االقتصادية واالجتماعية المذكورة في هذا الفصل اال في‬
‫نطاق امكانياتها االقتصادية وكفاية مواردها المالية"" مما يوحي بان الدولة ارادت االلتفاف على‬
‫نص المادة (‪ )52‬لتسويغ تجاوزاتها واهمالها لعدد من حقوق المواطنين "‪.‬‬
‫لقد اعطى دستور ‪ 1961‬مجلس الشيوخ ‪ .‬الحق في مراقبة اعمال الحكومة عن طريق‬
‫االستجواب والمشاركة في جلسات مشتركة مع مجلس النواب في التحقيقات البرلمانية مع رئيس‬
‫الوزراء والوزراء وبهذا فان المجلس الوطني التركي الكبير يختلف في تكوينه عن المجلس‬
‫(‪)4‬‬
‫الذي الف بموجب دستور ‪ 1924‬ومن مجلس واحد ‪.‬‬
‫ان ما يميز دستور ‪ 1961‬هو ان الصيغة الرئاسية تختلف عن تلك التي في دستور ‪1924‬‬
‫في جوانب محددة تظهر النزعة نحو جعل رئيس الجمهورية حكما في النزعات السياسية فهو‬
‫يمثل الجمهورية التركية ووحدة االمة ‪ .‬وان طول فترة رئاسته وعدم قانونية اعادة انتخابه‬
‫(‪ )1‬ان النظام السياسي هو مجموعة من المؤسسات تتوزع بينها آلية القرار السياسي وان ما يميز أي نظام سياسي عن غيره هدو طبيعدة‬
‫الهيئدة التددي تتحمددل المسددؤولية التنفيذيددة والدوزارة فددي الددنظم البرلمانيددة هددي الهيئددة التدي تتحمددل المسددؤولية مددن الندداحيتين الوظيفيددة‬
‫والدستورية ‪ .‬انظر حسن صعب‪ :‬علم السياسة ‪ ،‬دار العلم للماليين ‪( ،‬بيروت ‪ ، )1977 ،‬ص‪. 58‬‬
‫(‪ )2‬انظر الدستور لعام ‪ ، 1961‬المواد ‪. 19-10‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسه ‪ ،‬المواد ‪. 39-35‬‬
‫(‪ )4‬شمران حمادي ‪ :‬موجز النظم السياسية والدستورية في الشرق االوسط شركة الطبع والنشر االهلية (بغداد ‪ )1964 ،‬ص‪.214‬‬
‫‪-17-‬‬
‫والحاجة الى حياده السياسي كل ذلك جعله بعيدا عن المجلس الوطني اكثر من السابق على‬
‫الرغم من ان االنفصال عن المجلس الوطني التركي الكبير ليس كامال فهو ما يزال ينتخب من‬
‫المجلس ومن بين اعضائه ‪ .‬وهكذا استطاع دستور ‪ 1961‬ان يعطي مسوغا لتدخل الجيش في‬
‫السلطة ‪ .‬وهذا ما يشير اليه ايضا استاذ الشؤون التركية داتكورت رستو في عام ‪ 1964‬إذ يقول‬
‫" ان الجنراالت االتراك قد يقررون ثانية بان فن الحكم امر خطير جدا بحيث ال يمكن تركه‬
‫(‪)1‬‬
‫للسياسيين وحدهم " ‪.‬‬
‫انتخابات عام ‪ 1961‬واعادة السلطة للمدنيين ‪:‬‬
‫بدأت لجنة الوحدة الوطنية باتخاذ االجراءات الالزمة العادة الحكم الى المدنيين ‪ ،‬وكان من‬
‫بينها الدستور ‪ ،‬واصدار القانون االنتخابي ‪ ،‬ففي ‪ 6‬كانون الثاني ‪ ، 1961‬اجتمعت لجنة‬
‫الدستور التي تكونت بقانون صدر عن لجنة الوحدة الوطنية وضمت مجلسا اعلى مكونا من‬
‫(‪ )33‬عضوا يمثلون اعضاء اللجنة ومجلسا ادنى مكونا من ‪ 272‬عضوا يمثلون مختلف الفئات‬
‫السياسية في البالد ‪ .‬مهمتها ممارسة السلطة التشريعية الى حين صدور القانون االنتخابي‬
‫والدستور الجديدين ‪ .‬وقد ادى تشكيل اللجنة على هذا النحو واشتراط موافقة المجلسين كليهما‬
‫على المقترحات المعروضة على الجمعية الى تصادم لجنة الوحدة الوطنية بالمجلس في كثير من‬
‫الحاالت ‪ .‬وجرى االستفتاء على الدستور الجديد في ‪ 9‬تموز ‪ ، 1961‬وقد اقر كما مر فيما سبق‬
‫بنسبة ‪. %61.5‬‬
‫وعلى الرغم من ان هذا النظام ساعد في ايجاد معارضة برلمانية لكنه ادى دورا في قيام‬
‫ازمات وزارية (‪ )2‬دفع الى ما يسمى بالوزارات االئتالفية غير المتجانسة ‪ ،‬وكان من نتيجة ذلك‬
‫عدم اشتراك عدد من االحزاب في انتخابات عام ‪ 1961‬وعلى هذا لم يشترك حزب العمل‬
‫التركي ‪ ،‬فضال عن ما لحق بحزب الشعب الجمهوري صاحب فكرة اصالح نظام االنتخابات‬
‫(‪)3‬‬
‫من اضرار منافسة لالحزاب السياسية االخرى ‪.‬‬
‫وقد حدد هذا النظام ايضا ومنذ البداية توزيع المقاعد النيابية وتحسين فرصة االحزاب‬
‫الصغيرة في التمثيل البرلماني ‪ .‬والتي استمرت بالمطالبة بازالة تحديد نسب االصوات ليتاح لها‬
‫تمثيل افضل ومشاركة اوسع في العملية االنتخابية ‪.‬‬
‫صدرت الموافقات الرسمية بتشكيل االحزاب السياسية الجديدة في كانون الثاني ‪،1961‬‬
‫وحدد ‪ 15‬شباط في العام نفسه موعدا لتسجيل االحزاب التي ستشارك في تلك االنتخابات فتم‬
‫تسجيل احد عشر حزبا ‪ .‬وقبيل موعد االنتخابات العامة عقد اجتماع ضم زعماء اربعة احزاب‬
‫رئيسية مع ممثلي لجنة الوحدة الوطنية ‪ ،‬صدر على اثره بيان انتخابي الزم فيه زعماء االحزاب‬
‫بعدم العودة الى ممارسات الحزب الديمقراطي السابق وعدم االشتراك في أي نشاط سياسي من‬
‫شانه ان يثير الشقاق في البالد ‪ ،‬واالمتناع عن اإلدالء بأية تصريحات ذات مساس باحكام‬
‫(ياسي ادا) وعدم القيام باي عمل مؤثر في سياسة تركيا الخارجية وان يكون سلوك االحزاب‬
‫قبل االنتخاب وبعدها سواء كانت في الحكم او المعارضة ذا روح ديمقراطية من حيث التعامل‬
‫فيما بينها والعمل معا ضد المفاهيم السياسية المتطرفة ‪.‬‬
‫بدأت الحملة االنتخابية في نهاية ايلول وانتهت في ‪ 12‬تشرين االول ‪ ،‬شارك فيها اربعة‬
‫احزاب حزب الشعب الجمهوري ‪ ،‬وحزب تركيا الجديدة ‪ ،‬وحزب االمة القروي الجمهوري‬

‫(‪ )1‬ارشيف وزارة الخارجية ‪ ،‬ملفات سياسية ‪ ،‬تركيا مسألة صهر ‪ ،‬ص‪. 12‬‬
‫(‪ )2‬بطرس غالي بطرس ومحمدود عيسدى خيدري ‪ :‬المددخل فدي عدالم السياسدة ‪ ،‬ط‪ ، 4‬مكتبدة االنجلدو المصدرية ‪ (،‬القداهرة ‪،) 1974 ،‬‬
‫ص‪.631‬‬
‫(‪ )3‬ملف تركيا االول ‪ ،‬ترجمة مركز البحوث والمعلومات (بغداد ‪ ، )1985‬ص‪.64‬‬
‫‪-18-‬‬
‫وحزب العدالة ‪ .‬قدمت االحزاب برامجها السياسية ‪ ،‬فحزب الشعب عبر عن جملة مبادئ‬
‫ومقترحات عامة محاوال اقناع الناخبين بمضمونها منها تشجيعه النشاط الخاص والعام على حد‬
‫سوا ء ‪ ،‬واعداد نظام ضرائبي يقوم على العدالة ‪ ،‬ودعا الى توزيع االراضي على الفالحين‬
‫وتوفير الضمان االجتماعي والخدمات االجتماعية للعمال جميعهم ‪ ،‬وتشجيع رؤوس االموال‬
‫االجنبية وجذبها الى الداخل على ان يكون تحت االشراف الحكومي ‪ ،‬واالبقاء على التحالف مع‬
‫الغرب ‪ .‬اما حزب تركيا الجديد فقد اظهر في برنامجه تأييده للنشاط الخاص وقيام صناعة‬
‫سريعة متطورة ‪ ،‬وراعى في ذلك التوازن بين االمكانيات المالية المتاحة وكفاءة االنتاج ‪ ،‬وقد‬
‫دعا الى تشجيع التعليم ودراسة التراث لتعزيز ايمان الشباب بالماضي على الرغم من ايمانه‬
‫(‪)1‬‬
‫بمبدأ العلمانية ‪ ،‬واكد دخول رأس المال االجنبي على وفق ضوابط وقيود محددة ‪.‬‬
‫وتضمن برنامج حزب العدالة ‪ ،‬الدفاع عن حريات االفراد بغض النظر عن مهنهم‬
‫وانحداراتهم الطبقية ‪ ،‬ودعا الى تشجيع النشاط الخاص وهيمنة الدولة عند الضرورة ‪ ،‬وطالب‬
‫بتقليل الضرائب على التجار والصناعيين الصغار وعارض فرض أي نوع من ضرائب الدخل‬
‫‪ ،‬وأكد على اصالح االراضي مع السماح للفالحين باالحتفاظ بالملكيات الصغيرة ‪ ،‬وطالب‬
‫بالسماح للعمال بحق الضرائب ووجوب تعديل مناهج التعلم وتوسيعها وعدم اقتصاره على فئات‬
‫معينة من المجتمع ‪ ،‬وطالب بمنح المدن والقرى المزيد من االستقاللية في ادارة شؤونها ‪ ،‬واكد‬
‫على تشجيع رأس المال االجنبي ومعالجة البطالة ‪ .‬جرت االنتخابات في ‪ 15‬تشرين االول ‪،‬‬
‫وبلغ عدد الناخبين الذين شاركوا في االنتخابات ‪ 10.5‬مليون نسمة ‪ .‬وجاءت النتائج مخيبة‬
‫المال االحزاب ‪ ،‬فلم تحدد اغلبية ألي من االحزاب فقد توزعت اصوات الناخبين على االحزاب‬
‫االربعة ‪ ،‬فحصل حزب العدالة على ‪ %34.5‬من االصوات و‪ 158‬في حين حصل حزب‬
‫الشعب على ‪ %36.7‬من االصوات ‪ ،‬اما حزب تركيا الجديدة فقد حصل على ‪، )2( %13.7‬‬
‫مما ادى الى قيام ما عرف بـ (االئتالف الحكومي) وذلك لتحقيق االستقرار السياسي ‪ .‬ونستطيع‬
‫القول ان هذه االنتخابات افرزت ظاهرة التعددية الحزبية الحكومية والتي ظلت شاخصة ‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من ان التعددية الحزبية ظاهرة ايجابية ولكنها لم تكن تخلو من الممارسات السلبية والتي‬
‫اثرت في الحياة الديمقراطية السياسية التركية ‪ .‬ولم يكن باالمكان تشكيل اية حكومة ائتالفية من‬
‫دون مشاركة احد الحزبين الرئيسين (الشعب الجمهوري والعدالة) ‪ (.‬وذلك (( الن حزبا بمفرده‬
‫ال يستطيع ان يحصل على اغلبية مقاعد المجلس اال فيما ندر مما يترتب عليه ان تكون الحكومة‬
‫مؤلفة من مجموعة متآلفة من ممثلين الحزاب متضاربة المذاهب ‪ ..‬فتعدد االحزاب يؤدي اذن‬
‫في معظم الحاالت الى عدم االستقرار الحكومي))‪.‬‬

‫(‪ )1‬سعد حقي توفيق ‪ :‬دراسة في النظام السياسي التركي للفترة ‪ ، 1980-1960‬مجلة العلوم القانونية والسياسية ‪ ،‬جامعة بغدداد ‪ ،‬كليدة‬
‫القانون والسياسية ‪ ،‬العدد ‪ ، 1984 ، 14‬ص‪.324‬‬
‫(‪ )2‬فيروز احمد ‪ :‬صنع في تركيا الحديثة ‪ ،‬ص‪. 307‬‬
‫‪-19-‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫األوضاع السياسية في تركيا‪1971-1961‬‬
‫اوال ا‪ -‬األحزاب السياسية العلنية ‪:‬‬
‫خضع النظام السياسي التركي في كل مدة تعقب االنقالبات العسكرية (‪-1971-1960‬‬
‫‪ ، ) 1980‬الى جدل واسع في الموازنات بين الحرية والنظام وبين حقوق االنسان ‪ ،‬وبين‬
‫ديمقراطية االنموذج الحزبي بعناصرها االساسية (البرلمان ‪ ،‬االنتخابات ‪ ،‬االحزاب السياسية ‪،‬‬
‫الئحة الحقوق) وبين حكم السلطة ‪ .‬وعلى ما يبدو فان الجنراالت كانت لهم اليد الطولى في‬
‫التدخل للحفاظ على النظام إذ كانوا يلقون استجابة اولية من العامة ‪ ،‬وظلوا مقتنعين بان جهودهم‬
‫تتمتع بمساندة واسعة من الشعب لكونهم يهدفون الى حماية الديمقراطية في تركيا‪.‬‬
‫وهنا البد من القول بان الجيش التركي كان يختلف بعقائده عن الجيوش االخرى حيث انه‬
‫ظل الحارس االمين على المبادئ االتاتوركية منذ ان وضع اسسها مصطفى كمال اتاتورك لقيام‬
‫الجمهورية التركية ‪ .‬ولهذا نرى بأن قادة الجيش كانت سرعان ما تتدخل إلبقاء زمام االمور بيد‬
‫السلطة العسكرية ووفق المبادئ االتاتوركية حتى وان كانت في ظل نظام ديمقراطي متعدد‬
‫االحزاب ‪.‬‬
‫واذا كانت االسباب المعلنة لتسويغ االنقالب العسكري عام ‪ 1960‬قد تمحورت في تعطيل‬
‫اصالحات اتاتورك لخدمة المصالح الخاصة ‪ ،‬وانتهاك الحقوق الطبيعية لالمة ‪ ،‬فان االسباب‬
‫غير المعلنة كانت في تخوف الضباط من قيام ديكتاتورية الحزب الواحد مرة اخرى في البرلمان‬
‫عندما بدأ الديمقراطيون على وشك تعطيل حزب عصمت اينونو‪ )1( .‬وقد اثبتت االحداث‬
‫السياسية غير هذا ‪ ،‬وإذ أدت عوامل عديدة الى دفع الجيش الى التدخل في انهاء النظام‬
‫الديمقراطي ‪.‬‬
‫ان المدة التي سبقت انتخابات عام ‪ 1961‬شهدت تنافسا بين احزاب جديدة ظهرت على‬
‫الساحة السياسية في تركيا‪ ،‬وبعد ان اصبح حزب الديمقراطيين جزءا من التاريخ ظلت قاعدته‬
‫السياسية اشبه بجائزة تحاول الحصول عليها االحزاب الديمقراطية الجديدة كافة ‪ )2(.‬ولعل من‬
‫ابرز هذه االحزاب ‪:‬‬
‫‪-1‬حزب العدالة (‪: )Adalet Partisi‬‬
‫ان مسألة حل الحزب الديمقراطي عام ‪ 1960‬ظلت غير محسومة ‪ ،‬وقد جرت عدة‬
‫محاوالت لتأسيس حزب سياسي الستقطاب جماهير الحزب الديمقراطي ومؤيديه ‪ ،‬ومنها‬
‫محاولة النائب السابق في الحزب الديمقراطي تحسين دميراي (‪ )Tahsin demiray‬في تشكيل‬
‫حزب الحزب القروي (‪ )Koylu partisi‬ومحاولة فهمي اران (‪ )Fehmi Aran‬في تشكيل‬
‫حزب الوحدة (‪ )3()Birlik partisi‬ولم تنجح المحاولتان فيما افلح راغب كموش باال ( ‪Ragip‬‬
‫‪ )Gumaspala‬فبرز بوصفه زعيما للحزب الديمقراطي الجديد من خالل نظرته التوفيقية ‪ ،‬فقد‬

‫(‪ )1‬عباس فاضل محمد ‪ :‬البيئة الحزبية في تركيا ‪ ،‬بحث مقدم الى المؤتمر االول ‪ ،‬مركز الدراسات التركية ‪ ، 1990 ،‬ص‪.5‬‬
‫(‪ )2‬فيروز احمد ‪ :‬صنع تركيا الحديثة ‪ ،‬ص‪. 307‬‬
‫(‪ )3‬ملف تركيا ‪ ،‬االحزاب السياسية واالزمة االقتصادية ‪ ،‬ترجمة مركز البحوث والمعلومات (بغداد ‪ ،‬د‪.‬ت) ص ص ‪.6-5‬‬
‫‪-20-‬‬
‫كان ضمانا للجيش ضد انتقامية الحزب الديمقراطي ‪ ،‬وضمانا للديمقراطيين السابقين ضد‬
‫(‪)1‬‬
‫الضغوط العسكرية ‪.‬‬
‫دخل حزب العدالة ساحة العمل السياسي ‪ ،‬وشارك في انتخابات عام ‪ 1961‬الى جانب‬
‫االحزاب االخرى ‪ ،‬ليحصل على ‪ 158‬مقعدا من مجموع مقاعد المجلس الوطني البالغة ‪450‬‬
‫مقعدا ‪ .‬واصبح بذلك الحزب االول في مجلس الشيوخ بنسبة ‪ %35‬والحزب الثاني في مجلس‬
‫النواب ‪.‬‬
‫عقد الحزب مؤتمره االول في اواخر كانون االول ‪ 1961‬حيث انتخبت الهيأة االدارية‬
‫للحزب والتي ضمت راغب كموش باال ‪ ،‬وفهمي اوغلو ونجمي اوكتام ‪ ،‬وكتسين دميراري ‪،‬‬
‫مختار بارز ‪ ،‬احسان اونال ‪ ،‬امين اجار ‪ ،‬تناسي اوسيما ‪ ،‬بيرين كوران ‪ ،‬وانتخب راغب باال‬
‫رئيسا للحزب وأقر النظام الداخلي للحزب ‪ )2(.‬وحددت اهداف الحزب ومبادؤه في " المحافظة‬
‫على الوحدة القومية التركية في اطار نظام ديمقراطي وضمان حرية الفرد بما يحقق السعادة‬
‫للمجموع من خالل رفع المستوى االقتصادي والثقافي وتقديم الخدمات االجتماعية وبما يحقق‬
‫التطور واالزدهار في عموم البالد من مشاكل التخلف والفقر والنهوض الشامل بها لتكون جزءا‬
‫من العالم الحر الذي تسوده الديمقراطية والرفاه االجتماعي" ‪.‬‬
‫دعا حزب العدالة الى خلق نظام سياسي شبيه بانظمة الحكم في الدول الغربية التي تقوم على‬
‫النظام النيابي التمثيلي والحرية االقتصادية فهو حزب يميني معتدل يجمع في الوقت نفسه بين‬
‫القومية والدين ويرفع شعار ومبادئ اتاتورك ‪ ،‬فرفع شعار العلمانية من دون اغفال الدين ‪ ،‬وع ّد‬
‫التدين حقا من حقوق الناس ‪ ،‬وان العلمانية ال تعني االلحاد ‪ )3(.‬كما أسهم الحزب بين عامي‬
‫‪ 1964-1963‬بأنشاء المساجد واقامة الصالة وشعائر الدين باللغة العربية ‪ .‬واتخذ موقفا معاديا‬
‫من الشيوعية إذ قاوم الطروحات التي نادت بإلغاء المادتين (‪141‬و‪ )142‬من دستور عام‬
‫‪ 1924‬واللتان تمنعان من قيام أي نشاط سياسي ذي طابع يساري ‪.‬‬
‫اتخذ حزب العدالة شعار االتاتوركية (السلم في الداخل والسلم في الخارج) طريقا في‬
‫سياسته الخارجية ‪ ،‬فأكد عدم تدخل تركيا في شؤون أية دولة اخرى ‪ ،‬وبالمقابل ال تقبل تركيا‬
‫أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية ‪ )4(.‬وطالب بتعزيز دور تركيا في التعاون مع الدول‬
‫االسالمية والعربية ومنها العراق ‪ )5(.‬كما أيد الحزب سياسة االحالف العسكرية مع الدول‬
‫الغربية وعدها سياسة دفاعية فأشار في المادة (‪ )93‬من دستوره الى " ان دعم عالقتنا مع الدول‬
‫الغربية ال يتم اال عن طريق االنضمام الى االحالف الغربية كاالطلسي والسنتو على الرغم من‬
‫كون هذه االحالف احالفا دفاعية اال انها تخدم النواحي االقتصادية والثقافية وان البقاء في‬
‫االخالص لسياسة االحالف الغربية هو هدف من اهداف سياستنا الخارجية " ‪.‬‬
‫تعرض حزب العدالة الى تصدع في قاعدته االجتماعية وال سيما بعد االخفاق الذي جاء‬
‫نتيجة حتمية لعدم قدرة الحزب في الجمع بين البرجوازية والرأسمالية الكبيرة ‪ ،‬والبرجوازية‬
‫الصغيرة والتي تعرضت للضرر الكبير نتيجة لسياسته االقتصادية التي دعا اليها الحزب ‪.‬‬
‫وكانت مناطق شرق تركيا اكثر المناطق تضررا مما ادى الى تخلي هذه العناصر عن دعم‬

‫(‪ )1‬راغب كموش باال ‪ :‬جنرال متقاعد تربطه اواصر حميمة مع الهيئة الحاكمة كان قائدا للجديش الثالدث فدي مدايس ‪ 1960‬عدين رئيسدا‬
‫لهيأة االركان في ‪ 3‬حزيران واحيل على التقاعد في آب من العام نفسه ‪ .‬انظر فيروز احمد ‪ :‬صدنع تركيدا الحديثدة ‪ ،‬ص ص ‪-307‬‬
‫‪. 310‬‬
‫(‪ )2‬داؤد احمد الحسدن ‪ :‬االوضداع السياسدية فدي تركيدا خدالل السدبعينات ‪ ،‬بحدث مقددم الدى جامعدة البكدر‪ ،‬كليدة الددفاع الدوطني (بغدداد ‪،‬‬
‫د‪.‬ت) ‪ ،‬ص‪. 59‬‬
‫(‪ )3‬التقرير الصحفي للسفارة العراقية في انقرة العدد ‪ 43‬في ‪. 1977/11/8‬‬
‫(‪ )4‬احمد نوري النعيمي ‪ :‬السياسة الخارجية التركية بعد الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫(‪ )5‬تقرير السفارة العراقية في انقرة ‪ ،‬قسم المعلومات وكالة االنباء العراقية العدد ‪ 24‬لسنة ‪. 1979‬‬
‫‪-21-‬‬
‫الحزب ‪ .‬بخاصة بعد التطور الذي حصل في المجال الزراعي والتوسع في استخدام االلة مما‬
‫عرض حياة اآلالف من الفالحين الى االفالس ومن ثم هجرتهم الى المدن فظهرت احياء حول‬
‫المدن عرفت بمدن (الصفيح) ‪.‬‬
‫أدت هذه السياسات الى انفصال العديد من الجماهير مما ادى الى ظهور احزاب جديدة في‬
‫منتصف الستينات مثل الحزب الديمقراطي االسالمي (‪ )Yeni Demokratik Partisi‬وحزب‬
‫االعتماد (‪)Guven Partisi‬‬
‫‪ -2‬حزب تركيا الجديدة (‪: )Yeni Turkye Partisi‬‬
‫أٌسس حزب تركيا الجديدة في شباط ‪ 1961‬من اعضاء حزب الحرية الذي انشق عن‬
‫الحزب الديمقراطي عام ‪ )1(. 1955‬ضمت قاعدة الحزب االجتماعية ‪ ،‬كبار المنشقين عن‬
‫الحزب الديمقراطي (المنحل) وحزب الشعب الجمهوري كما ضم كبار المثقفين من اساتذة‬
‫الجامعات ورجال الصحافة ‪ .‬وكانت الصحف التركية الصادرة في ‪ 27‬تشرين الثاني ‪ 1960‬قد‬
‫حملت اخبارا عن تشكيل حزب جديد من قبل مجموعة من اساتذة الجامعات ورجال االعمال‬
‫والصحافة ‪ ،‬وان عددا من اعضاء لجنة الوحدة الوطنية والوزراء كانوا مشتركين فيه ‪ ،‬االمر‬
‫الذي دفع اللجنة الى انكار ذلك واقدمت على غلق صحيفة الحزب بحجة نشر وتوزيع عدد من‬
‫المطبوعات التي منعتها اللجنة ‪.‬‬
‫وحدث انعطاف كبير في صفوف حزب تركيا الجديدة عندما تمكن حزب العدالة من‬
‫استقطاب عدد كبير من مؤيدي الحزب الديمقراطي (المنحل) من حزب تركيا الجديدة ‪ ،‬ولكن‬
‫يوسف عزيز اوغلو احد قيادي الحزب استطاع من اعادة الحياة الى الحزب بعد ان فاز بثقة‬
‫الديمقراطيين مرة اخرى برفع شعار (اعادة الحقوق السياسية للديمقراطيين القدامى) ‪.‬‬
‫عبر الحزب عن سياسته الداخلية من خالل برنامجه الذي طرحه قبل انتخابات عام ‪1961‬‬
‫‪ )2(.‬وركز فيه على عملية التنمية واطالق الحريات االقتصادية ‪ .‬فقد طالب الحكومة بتقديم جميع‬
‫انواع الدعم والمساعدة لالفراد ومؤسسي الشركات لتمكنهم من العمل الذي يخدم التنمية ‪ .‬وأيد‬
‫االستفادة من رأس المال االجنبي وازالة العوائق امام التجارة الحرة ‪ .‬كما تبنى سياسة التوفيق‬
‫بين االشتراكية والرأسمالية ووجوب التخطيط الحكومي في التنسيق والتوفيق بين عناصر‬
‫(‪)3‬‬
‫العملية االقتصادية ‪.‬‬
‫اما السياسة الخارجية فقد شجع االرتباط بالغرب وعّد ذلك مسالة سياسية اساسية تنسجم‬
‫ومتطلبات التغيرات الدولية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪-3‬حزب السالمة الوطني ‪:Yurt Selamet partisi‬‬
‫أسس حزب السالمة الوطني في كانون الثاني ‪ 1970‬باسم (حزب النظام الوطني) برئاسة‬
‫نجم الدين اربكان (‪ )Necmettin Erbakan‬العضو السابق في حزب العدالة ‪ .‬ولكنه لم يستمر‬
‫طويال ‪ ،‬إذ حظر نشاطه بقرار المحكمة الدستورية في ‪ 21‬أيار ‪ 1971‬بحجة مخالفته لمبدأ‬
‫العلمانية واستغالل الدين الغراض سياسية ‪ .‬غير انه استطاع في تشرين ‪ 1972‬من إعادة‬

‫(‪ )1‬وزارة الخارجية ‪ ،‬تقرير السفارة العراقية في انقرة ‪ ،‬دائرة الملحق الصحفي قسم المعلومات رقم ‪ 26‬لسنة ‪ ، 1969‬ص‪. 56‬‬
‫(‪ )2‬حصل حزب تركيا على ‪ %13,7‬من االصوات و ‪ 14.5‬من المقاعد في االنتخابات ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وزارة الخارجية تقرير السفارة العراقية في انقرة دائرة الملحق الصحفي ‪ ،‬قسم المعلومات ‪ ،‬و‪.‬أ‪.‬ع لعام ‪ ، 1969‬ص‪. 57‬‬
‫‪-22-‬‬
‫نشاطه فظهر باسم (حزب السالمة الوطني) او (حزب االنقاذ او الخالص الوطني) واسندت‬
‫(‪)1‬‬
‫رئاسته الى (سليمان عارف إمرة) نائب رئيس حزب النظام الوطني السابق ‪.‬‬
‫اما قاعدة الحزب االجتماعية ‪ ،‬فان حزب السالمة الوطني ‪ ،‬نشأ ليعبر عن مصالح‬
‫البرجوازية الصغيرة ‪ )2(.‬هذه الطبقة التي ضاقت ذرعا بسياسات حزب العدالة المؤيد لالحتكار‬
‫والرأسمال االجنبي ولم تعد قادرة على االستمرار بتأييده ‪ .‬وهناك رأي اخر يربط بين حزب‬
‫السالمة الوطني وما يطلق عليهم في تركيا بـ (االصناف) وهم فئة واسعة من الحرفيين‬
‫ينتشرون بشكل خاص في مدن االناضول الصغيرة ‪ ،‬وهذه الفئة تعد الحزب ممثال لهم فضال‬
‫عن انه يعبر عن مصالح النازحين الى المدن والذين عرفوا كما مر فيما سبق بسكان مدن‬
‫الصفيح (‪. )Cgecekondu‬‬
‫اما السياسة الخارجية ‪ ،‬فقد دعا الحزب الى مناهضة النظام الرأسمالي واالشتراكي النهما‬
‫يركزان على النهوض بالجانب المادي مقابل انحطاط (االخالق) ‪ )3(.‬وان الصهيونية خطر‬
‫جسيم تهدف الى حكم العالم والسيطرة عليه ‪ .‬ودعا الى توثيق عالقات تركيا بالدول االسالمية‬
‫وانشاء (منظمة لالمم االسالمية المتحدة) واقامة (تحالف اسالمي) واقامة (سوق اسالمية‬
‫مشتركة) ودعا الى توحيد العملة االسالمية (الدينار االسالمي) ‪ .‬وعارض سياسة بقاء تركيا في‬
‫االحالف الغربية والدعوة الى االنسحاب منها كما عارض انضمام تركيا الى السوق االوربية‬
‫(‪)4‬‬
‫المشتركة النها تؤدي الى اذابة الشخصية االسالمية للدولة التركية في بوتقة اوربا المسيحية ‪.‬‬
‫عاد نجم الدين اربكان وعدد من نواب البرلمان الى الحزب بصورة رسمية في ايار ‪1973‬‬
‫‪ ،‬فشارك الحزب في انتخابات عام ‪ ، 1973‬واستطاع ان يحقق نجاحا كبيرا إذ حصل على ‪48‬‬
‫مقعدا مما دفع نجم الدين اربكان الى العودة الى رئاسة الحزب في ‪ 21‬تشرين االول ‪1973‬‬
‫وحدثت خالفات في صفوف الحزب ادت الى انشقاقه في عام ‪ 1977‬وانسحب النائب عبد‬
‫الكريم دوكرو من الحزب ‪ .‬مما جعل هذه الخالفات تؤثر في الحزب ففي انتخابات عام ‪1977‬‬
‫حصل على (‪ )24‬مقعدا وهي نصف القاعدة التي حصل عليها عام ‪. 1973‬‬
‫‪ -4‬حزب الوحدة التركي (‪)Turk Birlik partisi‬‬
‫قامت عناصر من حزب الشعب الجمهوري المتمسكة بالمذهبية الدينية بتأسيس هذا الحزب‬
‫تعبيرا عن افكارهم ‪ .‬فقد اسس عام ‪ 1967‬بزعامة الجنرال (سنك يللي‪ ) Sinkyili‬واعلن بانه‬
‫ليس حزبا مذهبيا بل يهدف الى تحقيق االشتراكية وتأميم الثروات والمصارف والبنوك وتحقيق‬
‫االصالح الزراعي اال ان شعاره المتمثل باالسد واالثنتي عشرة نجمة والتي ترمز لالئمة االثني‬
‫عشر تعكس غير ذلك ‪ .‬فضال عن توجهاته الدينية التي كانت تنقل من خالل صحفه وهما‬
‫صحيفتا (اتحاد ‪ )Itihad‬وهي يومية وصحيفة (صباح ‪ )Sabah‬االسبوعية‪ ،‬ولذلك وجهت‬
‫الحكومة اتهاماتها له باستخدام الدين بصورة مذهبية‪.‬واغلق الحزب في اعقاب انقالب عام‬
‫‪.1971‬‬

‫(‪ )1‬شريف ماردين ‪ " :‬الدين في تركيا الحديثة " ‪ ،‬ص‪ 2‬؛ احمد نوري النعيمي ‪ :‬تركيا وحلف االطلسي ‪ ،‬ص‪. 238‬‬
‫(‪ )2‬تركر الكسان ‪ :‬حزب السالمة الوطني فدي تركيدا فدي كتداب االسدالم والسياسدة فدي الشدرق االوسدط الحدديث ‪ ،‬ترجمدة م‪.‬ب‪.‬م (بغدداد‬
‫‪ ، )1984‬ص ص ‪. 38-37‬‬
‫(‪ )3‬انور الجندي ‪ :‬يقظة االسالم في تركيا (القاهرة ‪ ،‬دار االقتصاد ‪ ، )1979‬ص‪. 30‬‬
‫(‪ )4‬مركز التطوير االمني (الجمهورية التركية – الجارة الشمالية) ‪ ،‬مطبعة مديرية االمن العامة ‪( ،‬بغداد ‪ ،‬د‪.‬ت) ‪ ،‬ص‪. 80‬‬
‫‪-23-‬‬
‫‪-5‬الحزب الديمقراطي الجديد (‪)Yeni Demokratek partisi‬‬
‫أسس هذا الحزب في ‪ 18‬كانون االول ‪ 1970‬نتيجة انشقاق الجناح اليميني لحزب العدالة ‪،‬‬
‫ونادى بتطبيق مبادئ الحزب الديمقراطي (المنحل) وتزعم هذا الحزب (فرح بوزبيلي ‪Farah‬‬
‫‪ )1( )Boyzlu‬وبلغ عدد اعضائه في المجلس الوطني الكبير ‪ 48‬عضوا ‪.‬‬
‫‪-6‬حزب الحركة القومية (‪)Milliyetci Hareket partisi‬‬
‫تعود جذور حزب الحركة القومية الى عام ‪ ، 1944‬إذ كان يمارس نشاطه بصورة سرية‬
‫تحت اسم (الجمعية التركية العنصرية) والتي كانت تنادي بتحرير اتراك اسيا الوسطى‬
‫( ‪)3‬‬
‫وتوحيدهم في دولة تركية واحدة تقوم على اساس عنصري‪ )2(.‬وحظر نشاط هذه الجمعية ‪.‬‬
‫مما ادى الى انضمام اعضائها الى (حزب االمة) ‪ ،‬وبعد اغالق هذا الحزب عام ‪ 1952‬شكل‬
‫عدد من عناصر الجمعية (حزب االمة الجمهوري) عام ‪ . 1953‬وفي عام ‪ 1958‬اتحد (حزب‬
‫االمة الجمهوري) مع (حزب الشعب الفالحي) ليكونا (الحزب الوطني القــروي الجمهوري)‬
‫بزعامة (عثمان بولوك باش ‪ . )Osan Buluk Bas‬وبعد انقالب عام ‪ 1960‬حدث خالف داخل‬
‫الحزب تسبب في استقالة زعيم الحزب (عثمان بولوك باش) وعدد من النواب واسندت رئاسة‬
‫الحزب الى (احمد اوغز‪. )Ahmet Oguz‬‬
‫ويعد عام ‪ 1965‬اهم منعطف في تاريخ الحزب ‪ ،‬ففي اذار من هذا العام عاد الب ارسالن‬
‫توركش الى تركيا حيث انضم مع عدد من اصدقائه من اعضاء لجنة الوحدة الوطنية الذين‬
‫طردوا من اللجنة عام ‪ 1961‬بسبب مواقفهم المتطرفة ‪ .‬فاز الب ارسالن توركيش برئاسة‬
‫الحزب في المؤتمر العام الذي عقد في آب ‪ )4( 1965‬وشهد الحزب الكثير من التغييرات‬
‫الجوهرية بعد توليه رئاسة الحزب ‪ ،‬وفي اشاره الى دوره في الحزب فان هناك من يعد تأسيس‬
‫الحزب عام ‪. 1965‬‬
‫حدد توركيش السياسة العامة للحزب في كتاب خاص صغير سمي االضواء التسعة‬
‫(‪ )Doku Zish‬والذي يمثل الدليل الفكري والسياسي للحزب ‪ .‬ادخل الحزب على الصعيد‬
‫الفكري شعار معاداة الشيوعية ‪ ،‬وعدها المصدر الرئيس للخطر الذي يهدد تركيا ويجب‬
‫محاربتها ‪ )5(.‬اما في المجال التنظيمي للحزب فقد اطلق على المنضمين الى الحزب من الشباب‬
‫(‪ )bozkurtlar‬أي (الذئاب الرمادية) ‪ .‬خالل الثالثينات كانت هناك عملية ايقاظ للحركة‬
‫التركية العرقية الوحدوية والتحررية والتي دعت الى معارضة القومية التركية الرسمية ‪ .‬ومن‬
‫الوامل المؤثرة المهمة في تلك النظرية العنصرية النازية فبظهور النازية االلمانية كحركة‬
‫سياسية والتي كان لها صدى في تركيا من خالل عدة صحف في الثالثينات مثل (اتزيز‬
‫مجموعة ‪ )Atsiz Meemua‬و (برليك ‪ )Birlik‬و ادت الحرب العالمية الثانية الى زيادة امال‬
‫الحركة القومية التركية وازدادت نزعتهم التوسعية بعد التفوق االلماني بداية الحرب العالمية‬
‫الثانية اما التسمية التي اقتبسها افراد الحركة "فهي من الماضي االسطوري ‪ ،‬فهي ال تشدهم الى‬
‫ابطال العصر الذهبي بل الى الماضي المثالي والى قيمه ‪ ،‬وان تسميتهم النفسهم بالذئاب‬
‫الرمادية تمنحهم االستمرارية وتربطهم باالتراك االصليين بالعصر الذهبي‪ ،‬وهذه الصورة تشمل‬
‫على التضحية بالنفس في سبيل المثل االعلى ‪ ،‬وحب العسكرية والعنصرية ‪ ،‬والرغبة في ان‬

‫(‪ )1‬احمد نوري النعيمي ‪ :‬السياسة الخارجية ‪ ،‬ص‪. 85‬‬


‫(‪ )2‬فاضل كاظم حسين ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 73‬‬
‫(‪ )3‬التقرير الصحفي للسفارة العراقية في انقرة العدد ‪ 34‬في ‪. 1977/9/20‬‬
‫(‪ )4‬م‪.‬ب‪.‬م االحزاب السياسية ‪ ، 1984-1923‬ص‪. 86‬‬
‫(‪ )5‬ابراهيم الداقوقي ‪ :‬االحزاب السياسية واتجاهات السياسة في تركيا الحديثة ‪ ،‬ص‪. 23‬‬
‫‪-24-‬‬
‫يكونوا زعماء وطليعة االمة"(‪ )1‬باالضافة الى اضفاء الشرعية على الحركة التركية ومنحها‬
‫مكانة خاصة في المجتمع التركي بعد ان ع ّد اعضاء حركة الذئاب الرمادية انفسهم موجهين‬
‫للمجتمع ‪ ،‬حيث ان صورة الذئب الرمادي كطليعة مقدسة وكحارس للمجتمع ترجع الى اساطير‬
‫ومالحم االتراك ‪ .‬وقد أوجد منذ عام ‪ ، 1968‬التدريب العسكري ‪ ،‬متأثرا بتجارب االحزاب‬
‫القومية المتطرفة في اوربا سابقا (كالحزب النازي في المانيا) الذي كان متأثرا به الى حد بعيد ‪،‬‬
‫وذلك لعالقة توركيش باأللمان منذ ‪. 1945‬‬
‫وضمت هذه الهيئات والفروع البرجوازية الصغيرة والموظفين وعدد من المزارعين الذين‬
‫ال يملكون ارضا وبعض العاطلين عن العمل واصحاب االعمال الحرة والحرفيين وقد ركز‬
‫(‪)2‬‬
‫الحزب على الفئات التي تعيش حالة من القلق جراء ظروفها االقتصادية واالجتماعية ‪.‬‬
‫أدى الحزب دورا خطيرا في المدة ‪ ، 1980-1978‬فشاركت عناصره في ظاهرة العنف‬
‫السياسي التي شهدتها تركيا في هذه المدة فقامت قواته بقتل ما يقرب من (‪ )1000‬شخص من‬
‫منطقة قهرمان مرعش (‪ )Kahmanmaras‬الواقعة جنوب شرقي تركيا ‪ )3(.‬وقد اعلنت‬
‫السلطات التركية االحكام العرفية في ثالثة عشر اقليما للسيطرة على الموقف ‪ .‬كما اقدم الحزب‬
‫على اغتيال (كمال توركلر) العضو في مجلس السالم العالمي ‪ ،‬كما ان محمد اكداش قام‬
‫بمحاولة اغتيال (البابا يوحنا بولس الثاني) بمساندة من حزب الحركة القومية ‪ .‬تم حل الحزب‬
‫عقب انقالب ايلول ‪ 1980‬وأحيل زعماؤه الى المحاكمة ‪ .‬اما على الصعيد الخارجي فقد تبنى‬
‫الحزب سياسة توسعية إذ طالب بضم قبرص وجزر ايجة وجزر القرم ومناطق غير تركية‬
‫اخرى وتوحيدها مع الوطن االم تركيا ‪.‬‬
‫‪Turk Is Ci Partisi‬‬ ‫‪-7‬حزب العمل التركي‬
‫تعود جذور تأسيس حزب اشتراكي تركي الى عام ‪ 1920‬عندما طلب مصطفى كمال‬
‫اتاتورك بتكليف احد اصدقائه (رفيق كورالتان) بتأسيس حزب شيوعي المتصاص تأثير الحركة‬
‫اليسارية بسيطرته على الحزب الشيوعي بشكل غير مباشر من جهة ‪ ،‬وارضاء االتحاد‬
‫السوفياتي السابق من جهة اخرى ‪ .‬وبصدور قانون (حفظ النظام والسكون) عام ‪ 1925‬دفع‬
‫حزب العمال والفالحين (‪ )Is Ci Ve Cifci Partisi‬الذي كان قد أسس في عام ‪ ، 1919‬والذي‬
‫تزعمته مجموعة من المثقفين االتراك المقيمين في ألمانيا ‪ )4(.‬إلى مزاولة نشاطه بصورة سرية‬
‫(‪)5‬‬
‫إذ جرت سلسلة من االعتقاالت لعناصر الحزب ‪ ،‬مما أدى إلى الحد من نشاطه ‪.‬‬
‫في عام ‪ 1946‬صدر قانون الجمعيات الذي سمح بقيام االحزاب السياسية ‪ ،‬فأسس حزبان‬
‫اشتراكيان االول (الحزب االشتراكي التركي) الذي اسس في ‪ 14‬أيار من العام نفسه في‬
‫اسطنبول بزعامة اسعد عادل اوغلو (‪ .)Esaat Adiloglu‬اما الحزب االخر فهو حزب العمال‬
‫والفالحين الذي اسس في ‪ 17‬حزيران من العام نفسه بزعامة ادهم روحي بلقان ( ‪Edhemrohi‬‬
‫‪ )Bulkan‬ولم يكتب لهذين الحزبين االستمرار في العمل إذ اغلقت السلطات واالحزاب‬
‫الشيوعية في تشرين االول عام ‪. 1946‬‬
‫وعلى اثر انقالب ‪ 27‬أيار ‪ 1960‬وتولي لجنة الوحدة الوطنية السلطة ‪ ،‬والتي سعت‬
‫لتصحيح اخطاء حكم الديمقراطيين في تحقيق العدالة االجتماعية والديمقراطية في تركيا ‪.‬‬
‫(‪ )1‬عائشة نيفييي جاغالر ‪ :‬الذئاب الرمادية كتعبير مجازي في اندرو فنكل واخرون ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫(‪ )2‬ساجالر كيدر ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪ 57‬؛ كذلك مجلة دراسات عربية ‪ ،‬العدد ‪ 7‬لسنة ‪ ، 1982‬ص ص‪. 124-123‬‬
‫(‪ )3‬وقعت اضطرابات طائفية بين السنة والشديعة وبدين اليمدين واليسدار تددخل فيهدا حدزب الحركدة القوميدة ليعمدق الحدادث ‪ ،‬للمزيدد مدن‬
‫التفاصيل انظر احمد نوري ‪ :‬ظاهرة تعدد االحزاب ‪ ،‬ص‪.219‬‬
‫(‪ )4‬احمد نوري النعيمي ‪ :‬ظاهرة التعدد الحزبي ‪ ،‬ص ص ‪.229-226‬‬
‫(‪ )5‬جورج هارس ‪ :‬اليسار في تركيا ‪ ،‬مجلة مشاكل الشيوعية ‪ ،‬وزارة الخارجية ‪ ،‬ترجمة م‪.‬ب‪.‬م ‪( ،‬بغداد ‪ ، )1982‬ص‪. 7‬‬
‫‪-25-‬‬
‫توسعت قاعدة العمل الحزبي وضيقت حدة التناقضات بين حزبي الشعب الجمهوري‬
‫والديمقراطي (المنحل) ‪ ،‬فأسس في ‪ 13‬شباط ‪( 1961‬حزب العمل التركي) من عدد من‬
‫النقابيين في اسطنبول ‪ ،‬والذين طالبوا الحكومات السابقة بالسماح لهم في الظهور على المسرح‬
‫السياسي من خالل تمثيلهم في المجلس الوطني ‪.‬‬
‫ضم الحزب في قاعدته ‪ ،‬العديد من المثقفين الماركسيين فضال عن العمال في قطاعي‬
‫الصناعة والزراعة ‪ ،‬وعدد من صغار المالكين واصحاب المهن الحرة ومجموعة من رجال‬
‫الفكر والصحافة ‪ ،‬وعدد من اساتذة الجامعات كما كان من بين اعضائه عدد من رؤساء العشائر‬
‫(‪)1‬‬
‫الكردية في شرق تركيا ‪.‬‬
‫لم يحتل الحزب موقعا سياسيا كبيرا في هذه المرحلة ‪ ،‬اال انه ترك تأثيرا واضحا في‬
‫انتقاداته لسياسات الحكومات االئتالفية ‪ .‬كما انه القى في هذه المدة اعتراضات كبيرة ‪ ،‬من‬
‫اعضاء االتحاد العام لنقابات العمال (‪ )ISTURK‬بوصفه حزبا عماليا ‪ .‬كما ان فكرة االشتراكية‬
‫كانت قد توسعت في المدة ‪ ، 1961-1960‬واستطاع اكثر من ‪ 500‬مثقف من اصدار نشرة‬
‫دورية هي االتجاه(‪ )Yon‬في شهر كانون االول ‪ 1961‬والتي كانت تمثل االتجاه الشيوعي التابع‬
‫(‪)2‬‬
‫للدولة والمساند للثورة الكمالية ‪.‬‬
‫عقد الحزب مؤتمره التأسيسي في شباط ‪ ، 1962‬إذ انتخب محمد علي ايبار زعيما‬
‫للحزب‪ .‬وخفض عدد اعضاء اللجنة التنفيذية للحزب الى سبعة اعضاء ‪ )3(.‬وبعد مدة وجيزة‬
‫دمج حزب العمل مع الحزب االشتراكي الذي كان يتزعمه محمد حيدر اوغلو ( ‪Mehmet‬‬
‫‪ )Hayder oglu‬مما زاد في نشاط الحزب وانتشرت قواعده بعد انضمام العديد من المثقفين‬
‫فاصبح قاعدة للحركة الشيوعية المحظور نشاطها ‪ .‬طرح الحزب برنامجه السياسي في عام‬
‫‪ 1963‬والذي جاء ليعالج العديد من المشاكل ‪ ،‬كما انه كان خاليا من اية لفظة لالشتراكية ‪ ،‬فقد‬
‫اكد برنامجه في نطاق السياسة الداخلية على وضع الحلول للمشكالت االقتصادية وتأكيده على‬
‫ارتفاع تكاليف المعيشة ‪ ،‬واعزى اليها السبب في قيام االضطرابات بين صفوف الطلبة والعمال‬
‫‪ ،‬وسعى من خالل ذلك الى كسب التأييد الشعبي ‪ .‬كما اقترح قانون جديد لالصالح الزراعي‬
‫محاولة منه لكسب الفالحين ‪ ،‬وطالب بتأميم الصناعة والتجارة الخارجية ‪ ،‬والبنوك وشركات‬
‫التأمين ‪ ،‬على الرغم من ايمانه ببناء البرجوازية الوطنية ‪.‬‬
‫وفي سياق العالقات الخارجية تبنى سياسة مضادة لالحالف العسكرية الغربية ‪ ،‬ودعا الى‬
‫التقرب من المعسكر االشتراكي ودول العالم الثالث ‪ ،‬وحمل الواليات المتحدة االمريكية جميع‬
‫ما لحق بتركيا من اضرار بشرية ومادية ‪ ،‬وطالب بإزالة جميع القواعد االمريكية من االراضي‬
‫التركية ‪ ،‬وعارض انضمام تركيا الى السوق االوربية المشتركة ‪ )4(.‬كما دعا الى الغاء‬
‫االتفاقيات الدفاعية الثنائية بين تركيا والواليات المتحدة ‪.‬‬
‫ثانيا ا‪ -‬االحزاب السرية ‪:‬‬
‫‪ -1‬الحركة الكردية ‪:‬‬
‫ان الحركات والنشاطات الكردية التي اندلعت منذ اواسط القرن التاسع عشر وحتى نهاية‬
‫الحرب العالمية االولى كانت كقاعدة عامة تحت قيادة علماء الدين ورؤساء العشائر من ذوي‬
‫االفق الضيق والطموح الشخصي ‪ .‬ولم يكن لغالبية االكراد ميل واضح لالنفصال عن الدولة‬
‫(‪ )1‬فيروز احمد ‪ :‬تدخل العسكريين واالزمة في تركيا ‪ ،‬ص ص ‪74-72‬‬

‫(‪ )3‬االحزاب السياسية التركية ‪ ، 1984-1923‬ص ص ‪. 94-93‬‬


‫(‪ )4‬احمد نوري النعيمي ‪ :‬السياسة الخارجية ‪ ،‬ص‪ 89‬؛ جورج هارس ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪-26-‬‬
‫العثمانية المسلمة ولكن على الرغم من كل ما قيل فلقد ظلت هاجس للتحدي والقتال كظاهرة لم‬
‫تتمكن الدولة العثمانية من احتواءها على الرغم من كل القسوة التي استعملتها بدليل ان دور‬
‫االكراد ظل واضحا في حياة الدولة العثمانية والدولة التي خلفتها ‪ )1(.‬وعندما هزمت الدولة‬
‫العثمانية في الحرب العالمية االولى حاول الحلفاء خلق دولة كردية في جنوب شرق تركيا وذلك‬
‫في معاهدة سيفر عام ‪ 1920‬والتي نصت في مادتها (‪ )62‬على العمل "خطة للحكم الذاتي‬
‫المحلي للمناطق التي تقطنها اغلبية كردية في شرقي نهر الفرات وجنوب الحدود االرمنية والتي‬
‫يمكن تحديدها فيما بعد ‪ ،‬وشمال الحدود بين تركيا وبين سوريا والعراق " ‪ .‬غير ان اتفاقية‬
‫سيفر كانت قد ولدت ميتة ‪ ،‬فحكومة السلطان التي وقع وفدها تلك االتفاقية سرعان ما فقدت‬
‫سيطرتها على اكثر مناطق االناضول الشرقية ورفضت من قبل المجلس الوطني التركي الكبير‬
‫الذي انعقد في انقرة ‪ ،‬وكذلك الحكومة المنتخبة التي ترأسها مصطفى كمال‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫وشهدت مرحلة العشرينات اول مقاومة كردية لسياسة الدولة التركية في عام ‪1925‬‬
‫حيث تعد اول حركة كردية مسلحة ضد سياسة النظام التركي والتي قادها الشيخ سعيد بيران‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1927‬عقد الزعماء االكراد في تركيا (علماء دين وزعماء عشائر) مؤتمرا سريا‬
‫داخل االراضي التركية قرروا فيه حل الجمعيات والنوادي الكردية التي كانت قد تأسست في‬
‫الفترة التي سبقت الدولة العثمانية واستبدلتها بحزب سياسي جديد عرف باسم ( حزب خوبيون )‬
‫وتشكيل قيادة عسكرية اوكلت الى الجنرال إحسان نوري باشا(‪ )3‬كما قرروا اشعال حركة مسلحة‬
‫جديدة (‪. )4‬‬
‫وشهدت االعوام منذ عام ‪ 1931‬مقاومة الكرد للحكومة التركية بالرغم من االجراءات الشديدة‬
‫ووسائل الضغط ‪ .‬وكان من الطبيعي ان تؤدي التدابير التي اتخذتها الحكومة التركية في منطقة‬
‫درسيم ‪ ،‬التي تقرر اخالئها تماما من االكراد طبقا لقوانين التهجير ‪ ،‬مما ادى الى هيجان الكرد‬
‫ومن ثم توحيد صفوفهم وتنظيم حركة درسيم لعام ‪ 1938-1937‬والتي قادها سيد رضا‬
‫بالتعاون مع زعماء العشائر الكردية ‪ .‬اال ان القوات التركية استطاعت اخمادها وصرح قائد‬
‫العمليات العس كرية التركية الجنرال آلب دوغان " ان الحكومة التركية ال تنوي ان تقمع الثورة‬
‫فحسب بل تريد ان تقوم بعملية اساسية تقلع المرض من جذوره بحيث ال نترك مجاال لحدوث‬
‫ثورات امثال هذه في المستقبل ولذلك فان الحكومة ستسير سيرا حثيثا في تطبيق منهاج‬
‫االصالح الموضوع خصيصا بهذه المنطقة بعد االنتهاء من الحركات" (‪. )5‬‬
‫سعت الحكومة التركية في صهر وتذويب العنصر الكردي في المجتمع التركي‪ ،‬بدء بتسمية‬
‫االكراد (باتراك الجبال) ‪ ،‬ورفعت من القواميس والمعاجم التركية كل ما يمت لكلمة الكرد‬

‫(‪ )1‬خليل علي مراد ‪ ،‬المشدكلة الكرديدة وتأثيرهدا فدي العالقدات مدع العدراق وسدوريا وايدران ‪ ،‬ارشديف مركدز الدراسدات التركيدة ‪ ،‬قسدم‬
‫البحوث السياسية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهي ثورة الشيخ سعيد بيران النقشبندي في شباط ‪ 1925‬والتي تعد االكبر واالخطر في مرحلة تأسيس الدولة التركية ‪ ،‬وقدد اعتقدل‬
‫الشديخ سددعيد وحكددم عليدده باالعدددام ‪ ،‬وقددد نفدذ الحكددم فددي ‪ 28‬حزيددران ‪ 1925‬فددي مدينددة ديددار بكدر ‪ ،‬كمددا حكددم علددى قسددم مددن رفاقدده‬
‫باالعدددام ‪ ،‬ونفددي االخددر ‪ .‬انظددر محمددد نددور الدددين ‪ :‬حجدداب وحددراب ‪ ،‬الكماليددة وأزمددات الهويددة فددي تركيددا ‪ ،‬ط‪( ، 1‬ريدداض الددريس‬
‫للكتب والنشر ‪ ،‬تموز ‪ )2001‬ص‪103‬‬
‫(‪ )3‬الجنرال إحسان نوري باشا من مدينة بددليس ولدد عدام ‪ 1892‬ضدابط سدابق فدي الجديش العثمداني نظدم وقداد حركدة ‪ ، 1923‬واعلدن‬
‫عام ‪ 1929‬عن ادارة كردية في أراران مساحتها ‪960‬كم‪ 2‬وفي ‪ 10‬ايلول ‪ 1930‬احتل االكدراد جبدال اراران وهدرب الدى طهدران‬
‫حيث بقي هناك الدى عدام ‪ 1976‬حيدث تدوفي فدي طهدران فدي ‪ 25‬آذار ‪ 1976‬بعدد ان دهسدته دراجدة ناريدة فدي ‪ 18‬آذار ودفدن فدي‬
‫مقبرة الزهراء في طهران ‪ .‬انظر للتفاصيل ‪ :‬عبد الستار طاهر شريف ‪ :‬الجمعيات والمنظمات واالحزاب الكرديدة فدي نصدف قدرن‬
‫‪ ، 1958 – 1908 ،‬بغداد ‪ ، 1989 ،‬ص ‪. 66‬‬
‫(‪ )4‬وهي انتفاضة أغري التي وقعت فدي عدام ‪ 1927‬واسدتمرت ثدالث سدنوات وقدد اصددرت االنتفاضدة جريددة بأسدمها وواجهدت انقدرة‬
‫هذه االنتفاضة بالقمع احيانا والتفاوض احيانا اخرى ‪ .‬انظر محمد نور الدين ‪ :‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬

‫(‪ )5‬حنا عزو بهنان ‪ ،‬الحركدة الكرديدة فدي تركيدا ‪ 1938-1927‬فدي مجموعدة بداحثين (القضدية الكرديدة فدي تركيدا وتأثيرهدا علدى دول‬
‫الجوار ) مركز الدراسات التركية ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ،‬عام ‪ ، 1994‬ص ‪. 7‬‬
‫‪-27-‬‬
‫بصفة وامعانا باالذابة ظهرت دعوات اسندت بدراسات وابحاث في معظمها حول االصول‬
‫العرقية لالكراد واالتراك ‪ ،‬كما لجأ الساسة االتراك الى رفض اعتبار االختالف والفروق‬
‫الثقافية والمذهبية اساسا تستند اليه قيام احزاب او حركات سياسية او تيارات فكرية تعمل على‬
‫(‪)1‬‬
‫ترويج مثل هذه التمايز ضمن المجتمع ‪.‬‬
‫وشارك عدد من االكراد في المجلس الوطني التركي الكبير قبيل انقالب ‪ 27‬أيار ‪ ،1960‬اال‬
‫ان قيادة االنقالب شنت حملة اعتقاالت ‪ ،‬فالقي القبض على اكثر من (‪ )50‬نائبا من اصل كردي‬
‫‪ ،‬تم نفيهم الى مناطق غرب تركيا ‪ ،‬كما بدأت حملة واسعة لتتريك االسماء الكردية والقرى‬
‫واالماكن واالشخاص ‪.‬‬
‫تعد الستينات البداية االولى لدخول الحركة الكردية مرحلة التنظيم السياسي الحزبي ‪ ،‬فقد شهد‬
‫عام ‪ 1963‬تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في تركيا ‪ )2(.‬ويعد هذا الحزب " امتدادا‬
‫للتيارات االقطاعية والحرفيين وكبار مالكي االراضي واالغوات " ‪ )3(.‬وقد تعرض الحزب‬
‫لالنشقاق عام ‪ 1969‬الى جناحين االول بزعامة الدكتور سعيد قرمزي طوبواق ‪ ،‬واطلق عليه‬
‫الشوانيون والذي يمثل االفكار الشيوعية ‪ )4(.‬اما الجناح الثاني فترأسه سعيد الجي ‪ ،‬وهو امتداد‬
‫للحزب الديمقراطي الكردستاني التركي من حيث تركيبته القيادية واالجتماعية ‪ ،‬واستقطب‬
‫اإلقطاعيين االكراد ورؤساء العشائر والمتنفذين وعددا من اكراد الريف وبشكل خاص عشائر‬
‫الكويان ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ان االحزاب السياسية الكردية ظلت ضعيفة وغير مؤثرة في الساحة السياسية التركية ‪.‬‬
‫كما انها لم تنجح في استقطاب الكرد انفسهم مما أبقاها عاجزة عن مواجهة الحكومة التركية او‬
‫جعلها تعترف بحقوقهم ‪ ،‬وعلى الرغم من وجود عدد من النواب الكرد في المجلس الوطني‬
‫التركي الكبير لكن مشاركتهم السياسية فيه ظلت محدودة ‪ )6(.‬وبقيت المناطق الشرقية التي‬
‫تسكنها األكثرية الكردية من اكثر مناطق تركيا تخلفا وتأخرا مما ادى الى تعميق المشكلة‬
‫الكردية ‪ )7(.‬ففي نهاية الستينات بدأت الحركة الشعبية الكردية بالنشاط ‪ ،‬وانطلقت العديد من‬
‫المظاهرات طيلة عامي ‪ 1969-1968‬في المدن الكردية ‪ ،‬منددين بسياسة االضطهاد القومي‬
‫ضد الشعب الكردي ‪ ،‬فرفعوا العديد من الشعارات ‪ ،‬وأنشئت مطبعة في ديار بكر إلصدار‬
‫جريدة يومية ‪ ،‬كما شكلت (جمعية تطوير الشرق) من طالب وخريجي الجامعات ‪ ،‬وانتشرت‬
‫العديد من الكتب والمجالت والصحف باللغة الكردية ومنها (دنك) و (يني اكش) ‪ ،‬كما وضع‬
‫كتاب (الف باء) اللغة الكردية ‪ ،‬واعيد نشر كتاب (مه م وزين) للكتاب الكردي (احمد خاني)‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.‬‬

‫(‪ )1‬وصال العزاوي ‪ ،‬حزب العمل الكردستاني ‪ ،‬ص ‪. 6‬‬


‫(‪ )2‬صبرية احمد الفي ‪ :‬االكراد في تركيا ن دراسة سياسية للحركات الكردية المسلمة منذ الربع االول للقرن التاسدع عشدر الدى مدا بعدد‬
‫الربع االخير من القرن العشرين ‪ ،‬الجامعة المستنصرية ‪ ،‬معهد الدراسات االسيوية واالفريقية (بغداد ‪ )1985 ،‬ص‪. 109‬‬
‫(‪ )3‬اطلق عليه الشوانيون نسبة الى اسم زعيمة الدكتور شوان وهدو االسدم الحركدي الدذي كدان يسدتعمله الددكتور سدعيد ‪ .‬انظدر ‪ .‬وصدال‬
‫نجيب العزاوي ‪ :‬حزب العمال الكردستاني ‪ ،‬سلسلة دراسات ستراتيجية ‪ ،‬العدد ‪ ، 33‬بغداد ‪ ، 2002‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ )4‬وصال نجيب العزاوي ‪ :‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫(‪ )5‬اصدرت الحكومة التركية قانونا بدالرقم ‪ 7635/6‬نصدت بموجبده مندع دخدول أي مطبدوع باللغدة الكرديدة الدى تركيدا ‪ .‬انظدر صدالح‬
‫سعد هللا ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 21-20‬‬
‫(‪ )6‬عصام محمد ‪ :‬تركيا مخفر الغرب المتقدم ‪ ،‬هل تسقط في الحرب االهلية ‪ ،‬مجلة الدستور ‪ ،‬لندن ‪ ،‬العددد ‪ 123‬فدي ‪1980/3/31‬‬
‫‪ ،‬ص‪. 27‬‬
‫(‪ )7‬م‪.‬ب‪.‬م‪ .‬االوضاع السياسية في تركيا ومستقبلها ‪( ،‬بغداد ‪ ، )1985 ،‬ص‪. 67‬‬
‫(‪ )8‬صالح سعد هللا ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪ 24‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪-28-‬‬
‫الحكومات التركية ‪1971-1961‬‬
‫بعد اجراء االنتخابات عام ‪ ، 1961‬وتشتت اصوات الناخبين بين احزاب متعددة ظهر على‬
‫المسرح السياسي اتجاه جديد تمثل بالحكومات االئتالفية فلم يحصل أي حزب تركي سياسي على‬
‫اغلبية طيلة مرحلتي (الستينات ‪ ،‬والسبعينات) ولتصبح تناوب الحكومات االئتالفية ظاهرة‬
‫(‪)1‬‬
‫رافقت السياسة التركية حتى انقالب ‪ 12‬ايلول ‪. 1980‬‬
‫تشكل االئتالف االول بعد االنتخابات بين حزبي الشعب والعدالة ‪ ،‬فعلى اثر انتخابات ‪15‬‬
‫تشرين االول التي لم تحسم بنتائجها حصول احد االحزاب الرئيسة على اكثرية المقاعد ‪ ،‬فكان‬
‫ال بد والحالة هذه من تشكيل ائتالف حكومي ‪ .‬وال بد من القول ان قيام هذا االئتالف لم يكن من‬
‫دون موافقة القوات المسلحة ‪ ،‬التي كانت تؤيد حزب الشعب تأييدا واسعا ‪ ،‬في الوقت الذي ال‬
‫يستطيع فيه حزب الشعب تشكيل حكومة ائتالفية من دون حصوله على تأييد االحزاب التي‬
‫تتعاطف مع الحزب الديمقراطي المنحل ‪.‬‬
‫بعد استقالة حكومة عصمت اينونو كلف الرئيس التركي جمال كورسيل اينونو مرة اخرى‬
‫لتشكيل وزارة ائتالفية ‪ ،‬وبعد مشاورات استمرت ‪ 25‬يوما اتفق وبضغط من الجيش بين‬
‫االحزاب (الشعب الجمهوري ‪ ،‬االمة القروي ‪ ،‬تركيا الجديدة) وعدد من المستقلين على‬
‫بروتوكول تضمن الخطوط العامة لتشكيل الحكومة الجديدة‬
‫وقد حاول اينونو تقديم اعتذاره عن تشكيل الحكومة لصعوبة المهمة ‪ ،‬فقد كان الخالف‬
‫متعدد الجوانب ‪ ،‬فحزب تركيا الجديد ‪ ،‬يعارض فكرة وجود ثالثة نواب لرئيس الوزراء ويحبذ‬
‫االقتصار على نائب واحد ‪ )2(.‬كما عارض فكرة اسناد منصب وزارة الداخلية الى حزب الشعب‬
‫الجمهوري خوفا من استحواذه على االجهزة الداخلية ‪.‬‬
‫واتسمت الحكومة االئتالفية الثانية ايضا بالعديد من مظاهر الضعف فعجزت عن تطبيق‬
‫تعليمات استيفاء الضرائب الذي شرع عام ‪ ، 1961‬والذي شمل كبار المالكين واصحاب‬
‫العقارات ‪ ،‬كما اخفقت في معالجة المشاكل االقتصادية ‪ ،‬ومنها مشكلة استصالح االراضي التي‬
‫كانت من بين االولويات في سياسة الحكومة االقتصادية ‪ ،‬فضال عن عجزها في انهاء مشكلة‬
‫العفو عن المعتقلين السياسيين ‪ ،‬ومما زاد االمر تعقيدا على الحكومة تقديم مستشار هيأة‬
‫التخطيط استقالته في ايلول ‪ ، 1962‬مع ثالثة من رؤساء االقسام نتيجة الخالف الحاد حول‬
‫االستعداد لقبول التغيرات في التمويل الداخلي وذلك إلخفاق نظام الضرائب ‪.‬‬
‫مع هذا الوضع المضطرب دعت الحكومة الى اجراء انتخابات مجالس البلدية واالقليمية‬
‫وهي االولى منذ عام ‪ ، 1961‬وجاءت النتائج التي شارك فيها ‪ %25.5‬من السكان لصالح‬
‫حزب العدالة الذي حصل على ‪ %43.5‬من االصوات وحصل حزب الشعب على ‪%37‬‬
‫وحزب االمة القروي على ‪ %2.8‬وحزب تركيا الجديدة على ‪ %6.5‬وفيما حصل المستقلون‬
‫على ‪ . %3.2‬مما دفع حزب االمة القروي الى اعالن انسحابه من الحكومة االئتالفية في ‪26‬‬
‫تشرين االول ‪ ، 1963‬تبعه في اليوم الثاني حزب تركيا الجديدة ‪ ،‬االمر الذي اضعف الحكومة‬
‫فأصبحت عاجزة عن القيام بمهامها بالشكل الطبيعي مما اضطر اينونو الذي ظل متمسكا‬
‫بمنصبه الى تقديم استقالة حكومته في ‪ 2‬تشرين الثاني ‪. 1963‬‬
‫شكل عصمت اينونو وزارته االئتالفية الثالثة في ‪ 25‬كانون االول ‪ 1963‬والتي تزامنت‬
‫مع االزمة القبرصية ‪ ،‬من حزبي (العدالة والشعب) وعدد من المستقلين ‪ .‬في حين رفض كل‬

‫(‪ )1‬حسن فؤاد ‪ :‬االزمة الدستورية في تركيا ‪ ،‬مجلة السياسة الدولية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬السنة السابعة ‪ ،1971 ،‬ص‪.160‬‬
‫(‪ )2‬طالب مشتاق ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 427‬‬
‫‪-29-‬‬
‫من حزب تركيا الجديدة وحزب الشعب الفالحي الجمهوري االنضمام الى االئتالف ‪ )1(.‬فقد‬
‫مارس عناصر حزب الشعب دورا قسريا ضد االحزاب االخرى ومنها حزبي االمة وتركيا‬
‫الجديدة في االنتخابات البلدية ‪ ،‬حتى ليقال بأن الناخبين كانوا يعاقبون لذلك ‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫ضعف االئتالف اال انه استطاع البقاء طيلة عام ‪ ، 1964‬كون االزمة القبرصية كانت تهدد‬
‫تركيا‪ ،‬فقد استطاعت الحكومة الجديدة كسب ثقة البرلمان التركي في ‪ 4‬كانون الثاني ‪1964‬‬
‫باألغلبية وذلك للتعامل مع المشكلة االكثر خطورة وهي (المشكلة القبرصية)‬
‫واستطاع سليمان ديميريل استغالل الموقف لصالحه إذ تمكن من اعاقة المصادقة على‬
‫الميزانية ‪ ،‬مما اضطر اينونو الى تقديم استقالته في ‪ 12‬شباط ‪ 1964‬وبذلك انهار االئتالف‬
‫الثالث ‪ .‬وكان حزب العدالة قد مر بانعطاف تاريخية اثر وفاة زعيم الحزب راغب كموش باال‬
‫ليخلق منافسة حادة على رئاسة الحزب بين سعد الدين باكيج وتكين اراه بورون وعلي فؤاد‬
‫باشكيل وسليمان ديميريل‪ .‬وعلى اثر هذا التنافس عقد الحزب مؤتمره الثاني في ‪ 27‬تشرين‬
‫االول ‪ ، 1964‬والذي اصبح فيه سليمان ديميريل رئيسا للحزب وباغلبية (‪ )1072‬صوتا من‬
‫اصل (‪ )1679‬صوتا ‪.‬‬
‫كما واجهت حكومة دميريل مشكلة مواجهة الشيوعية ‪ ،‬فأصدرت في اثرها قانون " حماية‬
‫النظام الدستوري قدمته الى المجلس الوطني التركي الكبير يتضمن اجراءات شديدة ضد اليسار‬
‫التركي ‪ )2(،‬وشددت الخناق حتى على الكتاب والصحفيين والطلبة وجرى اعدام عدد منهم على‬
‫وفق المادتين ‪ 141‬و‪ 142‬من القانون الجنائي بتهمة ترويج الدعاية الشيوعية فضال عن ذلك‬
‫فقد تعرض الرئيس التركي في هذه المدة الى ازمة صحية خطيرة في شباط ‪ 1966‬فنقل على‬
‫اثرها الى مستشفى والترريد في واشنطن لغرض المعالجة ‪ ،‬لكنه عاد الى تركيا في ‪ 25‬آذار‬
‫حيث توفي ‪ .‬وفي ‪ 28‬آذار انتخب جودت صوناتي رئيسا للجمهورية بعد استقالته من منصبه‬
‫كرئيس لالركان العامة ‪ ،‬فحصل على (‪ 461‬صوتا) مقابل ‪ 11‬صوتا لمنافسه الب ارسالن‬
‫(‪)3‬‬
‫توركيش وكان جودت صوناي يحظى بتأييد حزب العدالة وزعيمه سليمان ديميريل ‪.‬‬
‫في ظل هذه الظروف شهدت تركيا في تشرين االول ‪ 1969‬االنتخابات العامة ‪ ،‬والتي فاز‬
‫فيها حزب العدالة بـ ‪ %46.5‬من االصوات اما االحزاب االخرى فقد حصلت على ما يأتي ‪،‬‬
‫حزب الشعب الجمهوري ‪ %27.4‬حزب الثقة الجمهوري ‪ %6,6‬حزب الحركة القومية ‪%3‬‬
‫وحزب العمل التركي ‪ %2.8‬من األصوات ‪ .‬وقدمت الحكومة في بداية تشرين الثاني ‪1969‬‬
‫برنامجها الى المجلس الوطني التركي الكبير الذي تضمن ‪ ،‬اهتمام الحكومة الكبير بالزراعة‬
‫والصناعة ‪ ،‬وفي مجال السياسة الخارجية اكد البرنامج على ان حلف شمال االطلسي يمثل‬
‫الضمانة الحقيقية المن تركيا ‪ ،‬غير ان البرنامج جاء خاليا من اية حلول ومعالجات لمشاكل‬
‫تركيا االقتصادية واالجتماعية كما أثار استياء لدى االحزاب السياسية المعارضة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬بيرج بير بيروغلو ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪164‬؛ فيروز احمد ‪ :‬صنع تركيا ‪ ،‬ص‪. 309‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬ابراهيم خليل احمد وآخرون ‪ :‬االحزاب السياسية في تركيا المعاصرة ‪ ،‬ص‪. 57‬‬
‫(‪ )3‬وصال العزاوي ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 105-104‬‬
‫‪-30-‬‬
‫الخاتمـــة‬
‫ان تركيا الحديثة هي وليدة اندثار الدولة العثمانية ‪ ،‬بعد الحرب العالمية االولى‪ ،‬وخروجها‬
‫مدحورة محتلة االراضي من دول الحلفاء ‪ ،‬وسرعان ما ظهرت ردود افعال قوية تطورت الى‬
‫حركة تحرير وطني بزعامة مصطفى كمال اتاتورك الذي استطاع ان يحقق وحدة الوطن‬
‫التركي وسيادته ‪ ،‬واضعا ايديولوجية تقوم على ستة مبادئ ( الجمهورية ‪ ،‬الوطنية ‪ ،‬الشعبية ‪،‬‬
‫الدولتية ‪ ،‬الثورية العلمانية) والتي ظلت تسير عليها هذه الجمهورية حتى يومنا هذا ‪.‬‬
‫وادت االوضاع الدولية الخارجية ‪ ،‬السياسية منها والعسكرية دورا في جر تركيا الى تغييرات‬
‫عديدة لتجاري التحوالت الديمقراطية في الدول الغربية ‪ ،‬فطيلة عقد الخمسينات من القرن‬
‫الماضي اقدمت تركيا على تطوير البنى التحتية للمجتمع التركي (الزراعي – الصناعي ‪-‬‬
‫التجاري) وبشكل سريع ‪ ،‬مما جعل تركيا تخفق في تحقيق التنمية المطلوبة ‪ ،‬واوقعتها هذه‬
‫السياسة في اشكاليات عديدة ‪ ،‬عجزت عن تقديم الحلول الناجعة لها فضال عن ذلك فقد سعت‬
‫تركيا خالل هذا العقد ايضا الى تطوير نهجها الديمقراطي ‪ ،‬ففتحت الباب لتأسيس االحزاب‬
‫السياسية ‪ ،‬التي وجدت فرصتها في تحقيق اهدافها السياسية ‪ ،‬وقد تباينت هذه االحزاب ‪ ،‬في‬
‫أيديولوجياتها ‪ ،‬بين اليمين واليسار ‪ ،‬والذي سعى كل منهما الى الوصول الى اهدافه وتطبيق‬
‫افكاره بممارسات متخاصمة ‪ ،‬متنافسة ‪ ،‬وقادت هذه الممارسات الى مرحلة خطيرة خالل‬
‫السبعينات ‪ ،‬إذ بدأت هذه القوى باستخدام اسلوب العنف السياسي ‪ ،‬من اجل الوصول الى‬
‫السلطة وتسلم مقاليد الحكم ‪ ،‬وكادت تقع تركيا في حرب اهلية إذ تعرض المجتمع التركي الى‬
‫خطر االنقسام والتمحور والتفكك والضعف ‪ ،‬خاصة وان الحكومات التي تولت مقاليد االمور‬
‫كانت ضعيفة وعاجزة عن حل مشكالت تركيا خالل هذا العقد ‪.‬‬
‫وتعرضت تركيا الى المشكالت االقتصادية المزمنة نتيجة الخطاء السياسات االقتصادية‬
‫التي مارستها الحكومات التركية خالل فترة الخمسينات من القرن الماضي ‪ ،‬لتتجسد كحقيقة‬
‫واقعية استعصت على الحكومات التي استلمت مقاليد الحكم في (الستينات والسبعينات) من‬
‫القرن الماضي من وضع الحلول لها ‪ ،‬والتي تمثلت بعدم التوازن النوعي والكمي بين حجم‬
‫السكان والموارد الطبيعية ‪ ،‬وانخفاض انتاجية العمل ‪ ،‬ندرة الكوادر العلمية والتكنولوجية التي‬
‫تسهم في تصنيع وتحديث وتحضر المجتمع ‪ ،‬وارتفاع معدالت البطالة ‪ ،‬وارتفاع االسعار‬
‫وانخفاض االجور ‪ ،‬وتدهور معدالت االستثمار ‪ ،‬وانخفاض معدل دخل الفرد وشحة الموارد‬
‫االقتصادية وعدم القدرة على استثمارها فأسهم ذلك كله الى شيوع حاالت التذمر وعدم الرضى‬
‫‪ ،‬في دفع القوى والحركات السياسية الى استغالل هذه الحالة ‪ ،‬فجاءت ظاهرة العنف السياسي‬
‫واالغتياالت كأحد ابرز نتائج هذه االزمة ‪.‬‬
‫ولكل ما تقدم فقد عاشت تركيا خالل المدة ‪ 1980-1960‬احداث ثالث انقالبات عسكرية ‪،‬‬
‫بمعدل انقالب لكل عشر سنوات ‪ ،‬وهنا ال بد من القول ‪ ،‬ان خاصية الجيش التركي تختلف عن‬
‫خاصية أي جيش في العالم ‪ ،‬فالمؤسسة العسكرية التركية ظلت تتمتع باستقالليتها عن المؤسسة‬
‫السياسية واالدارية والدستورية منذ نشوء الدولة التركية وحتى يومنا هذا‪.‬‬

‫‪-31-‬‬
‫المصادر‬
‫‪ .1‬ابراهيم الداقوقي ‪ :‬االحزاب السياسية واتجاهات السياسة في تركيا الحديثة ‪.‬‬
‫‪ .2‬ابراهيم خليل احمد العالف وآخرون ‪ :‬تركيا المعاصرة (الموصل ‪. )1987 ،‬‬
‫‪ .3‬احمد نوري النعيمي ‪ :‬السياسة الخارجية التركية بعد الحرب العالمية الثانية ‪.‬‬
‫‪ .4‬احمد نوري النعيمي ‪ :‬تركيا وحلف شمال االطلسي (عمان ‪.)1981 ،‬‬
‫‪ .5‬اندرو فنكل واخرون ‪ ،‬تركيا المجتمع والدولة ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬بيت الحكمة ‪.2002 ،‬‬
‫‪ .6‬انور الجندي ‪ :‬يقظة االسالم في تركيا (القاهرة ‪ ،‬دار االقتصاد ‪. )1979‬‬
‫‪ .7‬بطرس غالي بطرس ومحمود عيسى خيري ‪ :‬المدخل في عالم السياسة ‪ ،‬ط‪، 4‬‬
‫مكتبة االنجلو المصرية ‪ (،‬القاهرة ‪.) 1974 ،‬‬
‫‪ .8‬بيرج بيربيروغلو ‪ :‬تركيا في ازمة من رأسمالية الدولة الى االستعمار الجديد ‪،‬‬
‫ترجمة مركز البحوث والمعلومات (بغداد ‪. )1983 ،‬‬
‫‪ .9‬تركر الكسان ‪ :‬حزب السالمة الوطني في تركيا في كتاب االسالم والسياسة في‬
‫الشرق االوسط الحديث ‪ ،‬ترجمة م‪.‬ب‪.‬م (بغداد ‪.)1984‬‬
‫‪ .10‬جريدة اتحاد الشعب (العراقية) ‪ ،‬العدد ‪ 105‬في ‪. 1960/5/29‬‬
‫‪ .11‬جورج لنشوفسكي ‪ :‬الشرق االوسط في الشؤون العالمية ‪ ،‬ترجمة جعفر خياط‬
‫(بغداد ‪ )1964‬ص ص ‪. 304-303‬‬
‫‪ .12‬جورج هارس ‪ :‬اليسار في تركيا ‪ ،‬مجلة مشاكل الشيوعية ‪ ،‬وزارة الخارجية ‪،‬‬
‫ترجمة م‪.‬ب‪.‬م ‪( ،‬بغداد ‪. )1982‬‬
‫‪ .13‬حسن صعب‪ :‬علم السياسة ‪ ،‬دار العلم للماليين ‪( ،‬بيروت ‪.)1977 ،‬‬
‫‪ .14‬حسن فؤاد ‪ :‬االزمة الدستورية في تركيا ‪ ،‬مجلة السياسة الدولية ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫السنة السابعة ‪.1971 ،‬‬
‫‪ .15‬حنا عزو بهنان ‪ ،‬الحركة الكردية في تركيا ‪ 1938-1927‬في مجموعة باحثين‬
‫(القضية الكردية في تركيا وتأثيرها على دول الجوار ) مركز الدراسات التركية ‪،‬‬
‫جامعة الموصل ‪ ،‬عام ‪. 1994‬‬
‫‪ .16‬خليل علي مراد ‪ :‬االحزاب السياسية والمسألة الدينية في تركيا ‪1960-1946‬‬
‫في د‪ .‬ابراهيم خليل احمد واخرون ‪ :‬االسالم والعلمانية ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ،‬مركز‬
‫الدراسات التركية ‪ ، 1996 ،‬ص‪. 73‬‬
‫‪ .17‬خليل علي مراد ‪ ،‬المشكلة الكردية وتأثيرها في العالقات مع العراق وسوريا‬
‫وايران ‪ ،‬ارشيف مركز الدراسات التركية ‪ ،‬قسم البحوث السياسية ‪.‬‬
‫‪ .18‬داؤد احمد الحسن ‪ :‬االوضاع السياسية في تركيا خالل السبعينات ‪ ،‬بحث مقدم‬
‫الى جامعة البكر‪ ،‬كلية الدفاع الوطني (بغداد ‪ ،‬د‪.‬ت) ‪.‬‬
‫‪ .19‬ديفيد تونج ‪ :‬مشكلة البطالة المتزايدة المضخمة في تركيا ‪ ،‬الملف االول ‪،‬‬
‫ترجمة م‪.‬ب‪.‬م‪( .‬بغداد د‪.‬ت) ‪.‬‬
‫‪ .20‬روي مكريدس ‪ :‬السياسة الخارجية لدول العالم ‪ ،‬ترجمة حسن صعب (بيروت‬
‫‪. )1961،‬‬
‫‪ .21‬سعد حقي توفيق ‪ :‬دراسة في النظام السياسي التركي للفترة ‪، 1980-1960‬‬
‫مجلة العلوم القانونية والسياسية ‪ ،‬جامعة بغداد ‪ ،‬كلية القانون والسياسية ‪ ،‬العدد ‪14‬‬
‫‪. 1984 ،‬‬
‫‪ .22‬شمران حمادي ‪ :‬في النظام السياسي للجمهورية العربية المتحدة بموجب دستور‬
‫‪ ، 1961‬شركة الطبع والنشر االهلية ‪( .‬بغداد ‪.)1964 ،‬‬
‫‪ .23‬صبرية احمد الفي ‪ :‬االكراد في تركيا ن دراسة سياسية للحركات الكردية‬
‫المسلمة منذ الربع االول للقرن التاسع عشر الى ما بعد الربع االخير من القرن‬
‫‪-32-‬‬
‫العشرين ‪ ،‬الجامعة المستنصرية ‪ ،‬معهد الدراسات االسيوية واالفريقية (بغداد ‪،‬‬
‫‪. )1985‬‬
‫‪ .24‬عباس فاضل محمد ‪ :‬البيئة الحزبية في تركيا ‪ ،‬بحث مقدم الى المؤتمر االول ‪،‬‬
‫مركز الدراسات التركية ‪. 1990 ،‬‬
‫‪ .25‬عبد الجبار قادر غفور ‪ " :‬الديانة والطرق الصوفية " في د‪ .‬ابراهيم خليل‬
‫العالف واخرون ‪ ،‬تركيا المعاصرة (الموصل ‪. )1987 ،‬‬
‫‪ .26‬عبد الستار طاهر شريف ‪ :‬الجمعيات والمنظمات واالحزاب الكردية في نصف‬
‫قرن ‪ ، 1958 – 1908 ،‬بغداد ‪ ، 1989 ،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪ .27‬عصام محمد ‪ :‬تركيا مخفر الغرب المتقدم ‪ ،‬هل تسقط في الحرب االهلية ‪،‬‬
‫مجلة الدستور ‪ ،‬لندن ‪ ،‬العدد ‪ 123‬في ‪ ، 1980/3/31‬ص‪. 27‬‬
‫‪ .28‬عماد الجواهري ‪ :‬المبادئ االتاتوركية والعمل الحزبي في تركيا ‪ ،‬ص‪. 110‬‬
‫‪ .29‬فرانك تاجو ‪ :‬سياسة تركيا الخارجية ‪ ،‬مجلة ميدل است ريفيو ‪ ،‬ترجمة م ‪ .‬ب‬
‫م ‪ ،‬الواليات المتحدة االمريكية ‪ ،‬ربيع ‪ ، 1985‬ارشيف وزارة الخارجية ‪ ،‬ملفات‬
‫سياسية ‪ ،‬ملفه رقم ‪. 346‬‬
‫‪ .30‬فيروز احمد ‪ :‬صنع تركيا الحديثة ‪ ،‬ترجمة د‪ .‬سلمان داؤد الواسطي و د‪.‬‬
‫حمدي حميد الدوري (بغداد ‪ ،‬بيت الحكمة ‪ ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ .31‬لوسيل دبليوبيفسنر ‪ :‬ازمة السياسة التركية الخلفية ووجهات النظر واحتماالت‬
‫التقدم والنجاح ‪ ،‬ترجمة حسن نعمة سعدون ‪( ،‬بغداد ‪ .‬د‪ .‬ت) ‪.‬‬
‫‪ .32‬محسن حمزة العبيدي ‪ :‬التطورات السياسية الداخلية في تركيا ‪، 1960-1946‬‬
‫رسالة ماجستير‪ ،‬كلية االداب ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ، 1989 ،‬ص ‪. 69‬‬
‫‪ .33‬محمد نور الدين ‪ :‬حجاب وحراب ‪ ،‬الكمالية وأزمات الهوية في تركيا ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫(رياض الريس للكتب والنشر ‪ ،‬تموز ‪)2001‬‬
‫‪ .34‬وصال نجيب العزاوي ‪ :‬حزب العمال الكردستاني ‪ ،‬سلسلة دراسات ستراتيجية‬
‫‪ ،‬العدد ‪ ، 33‬بغداد ‪. 2002‬‬

‫‪-33-‬‬

You might also like