‫السلم ‪Conflict Resolution and Peace Building‬‬ ‫المحاضرة رقم ‪ : 6‬حل النزاع وبناء‬

‫عرفت نهاية الحرب الباردة تطور مقتربات بناء السلم حيث أسهم انسحاب القوى الكبرى‬
‫من عمليات حل النزاعات المحلية واإلقليمية في ذلك التطور وإلى حد بعيد‪ .‬ومن ثمة صارت‬
‫نظريات واقترابات حل النزاعات تلعب دورا مهما في التدخل الفعلي في جهود بناء السلم‪.‬‬

‫النزاع‪Conflict Resolution:‬‬ ‫‪ -1‬مفهوم حل‬

‫عرف ‪ Peter Wallenstein‬حل النزاع سنة ‪ 7002‬على أنه " حالة دخول األطراف المتنازعة‬
‫في اتفاق يحل خالفاتها الجوهرية‪ ،‬باستثناء استمرارية وجودها كأطراف‪ ،‬وينهي كل عمل‬
‫عنف ضد بعضها البعض‪.1‬‬

‫ويكون حل النزاع متفقا عليه بعد أن تكتشف األطراف أو تخلق أرضية مشتركة للسلم‬
‫من أجل التفاوض حوله واالتفاق عليه‪ ،‬وذلك ربما بحضور طرف ثالث‪ ،‬ويكون الهدف هو‬
‫حل الخالف الجوهري بين األطراف المتنازعة‪ .‬وتنتهي عملية حل النزاع في العادة باتفاق يتم‬
‫التفاوض عليه بين ممثلي أطراف النزاع‪ ،‬ويحدد االتفاق تفاصيل الحل بما يسمح للمفاوضين‬
‫من رؤية أهدافهم الخاصة‪.‬‬

‫تعاريف أخرى عن حل النزاع‪:‬‬

‫‪ : Tarekegn 2005‬في حالة النزاعات المسلحة يركز اقتراب حل النزاع على إنهاء الحرب‬
‫‪2‬‬
‫بتحليل وفهم طبيعة النزاع‪.‬‬

‫‪ : Burton 1990/Boulding 1976:‬تحدثا اإلثنان عن حل النزاع عبر تحويل اإلدراكات ومن ثمة‬
‫تحويل النزاع وإعادة بناء السلم‪.‬‬

‫ففي حالة النزاع يتمثل الواجب األول في تحصيل التحول في اإلدراك والمواقف‪،‬‬
‫والتناقضات الخاصة بالمتخاصمين كما يتضح في مثلث نموذج النزاع ليوهان غالتونغ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Peter Wallensteen, Op.cit, p.53.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- -Memar Ayalew Demeke, Conflict Resolution Responses of IGAD and AU to the Somalia Crises,‬‬
‫‪International Journal of Political Science and Development, Vol. 2(10), pp. 248-257, November 2014, P.250.‬‬
‫كما أكد االثنان على أن الحل الطويل األمد للنزاع يمكن تحقيقه عبر االتصال المراقب‪.‬‬
‫عموما تستخدم جهود حل النزاع منذ التسعينيات مهارات ومعارف للمسارات السيكولوجية من‬
‫أجل تعظيم اإلمكانات االيجابية الكامنة التي يشملها النزاع‪ ،‬فتجد نفسها في جسر بين المفهوم‬
‫‪3‬‬
‫الضيق للسلم (السلم السالب) والمفهوم األوسع للسلم ( السلم الموجب)‪.‬‬

‫‪ -2‬مراحل حل النزاعات‪:4‬‬

‫أ‪ -‬اتفاق السلم‬

‫على أنه‪:‬‬ ‫‪Wallensteen‬‬ ‫يمثل التوقيع على اتفاق السلم أولى مراحل حل النزاع‪ ،‬ويعرفه‬
‫"حالة تتقبل فيها األطراف المتقاتلة بعضها البعض في معامالتها المستقبلية"‪ .5‬ويعني هذا أن‬
‫وقف القتال هو أهم مظهر التفاق السلم حسب زارتمان ‪ ،1991 Zartman‬وهي المرحلة األكثر‬
‫جذبا ألطراف في حالة النزاع عندما يبدو النزاع غير مكسب‪ ،‬السيما بعدما تبخر مساندة‬
‫الجماهير‪.‬‬

‫ومن وجهة األطراف المتقاتلة يصبح التفاوض واتفاق السلم أكثر جذبا عندما تستحيل‬
‫فرص الكسب‪ ،‬مع أن اتفاق السلم غير كاف لعملية حل النزاع‪ .‬فقد تصل األطراف إلى اتفاق‬
‫السلم في نهاية المفاوضات بعدما يسهل الطرف الثالث ( الوسيط ) الظروف التي يمكن‬
‫استغاللها من أجل سلم دائم‪ ،‬وهي تتضمن حسب ‪ Tarekegn‬برامج نزع السالح‪ ،‬التسريح وإعادة‬
‫اإلدماج‪ ،‬والبند السياسي‪ .‬والمهم في هذه المرحلة هو تمثيل أطراف النزاع الثانوية عند نهاية‬
‫اتفاق السلم‪ ،‬ألن هذه األخيرة قد تدخل في النزاع لتوفير الدعم المادي والسيكولوجي لألطراف‬
‫الرئيسية للنزاع‪.‬‬

‫‪ -3‬يستعار هنا تقسيم جوهان غالتونغ السلم إلى نوعين هما‪:‬‬

‫السلم السالب‪ : Negative Peace‬ويقصد به غياب العنف الجسدي المباشر‪ ،3‬وهو العنف الذي يتعرض إليه الناس جراء‬
‫الحروب أو االعتداءات األخرى‪.‬‬
‫السلم الموجب ‪ : Positive Peace‬وهو غياب العنف البنيوي كالموت بسبب الجوع‪ ،‬أو األمراض واألوبئة الفتاكة‪ ،‬وهو‬
‫وثيق الصلة بالعدالة ال سيما االجتماعية منها‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid, p.p. 250- 251.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-Ibid, p.250.‬‬
 ‫ب‪ -‬التجسيد‪:‬‬

‫يدعم الكثير من األكاديميين فكرة نجاح حل النزاع بالتجسيد الجيد التفاق السلم‪ .‬ويؤكد‬

‫‪ 1991 Vayrynen‬أن اكتشاف الحل المقبول الذي لم يكن يعترف به من قبل‪ ،‬وتجسيده الفعال هو‬
‫أفضل وأوضح سبل تقصير عمر النزاع‪.‬‬

‫والواقع ّ‬
‫أن المرحلة األولى والثانية‪ -‬حسب بطرس بطرس غالي‪ -6‬تتضمن عدة آليات‬
‫على غرار المنطقة المنزوعة السالح‪ ،‬لجنة حل الخالفات‪ ،‬حفظ السلم وكذا التموين من قبل‬
‫السلطة الفعلية المتقاسمة بين األطراف المتقاتلة‬

‫ومن المهم معرفة أن النزاع قد ينقلب على نفسه راجعا إلى حالة العنف حتى خالل مرحلة‬
‫تجسيد االتفاق‪ ،‬وذلك في حالة الفشل في جمع كل األطراف التي تشارك علنا أو خفية في النزاع‬

‫ج‪ -‬دعم االندماج‪:‬‬

‫هي آخر المراحل وأكثرها أهمية في حل النزاع‪ ،‬بحيث تحول الذهنيات لدى األطراف‪،‬‬
‫وتحل المسائل والخالفات الجوهرية‪.‬‬

‫‪ :2005 Tarekegn‬الدعم هو قبول األطراف والشعب لبنود االتفاق وتدعيمها لتعميم المزايا‬
‫الطويلة األمد‪ ،‬مما يشجع على التعاون والتنسيق‪ ،‬فتكون األطراف الكبرى التي لعبت دورا في‬
‫التعريف بطبيعة النزاع ذات منفذ نحو الموارد االقتصادية والسياسية‪ .‬ومن خالل هذه المرحلة‬
‫يمكن تحويل أو دعم العالقات المقطوعة بين الخصوم وإعادة تفاعالت الصداقة‪.‬‬

‫‪ -3‬مفهوم بناء السلم‪:‬‬

‫يميز غالتونغ بين "ثالث طرق لتدخل األطراف الثالثة في النزاعات "‪7‬وهي‪:‬‬

‫‪ -6‬األمين العام األسبق لهيئة ألمم المتحدة‪.‬‬

‫‪-7 -- Michelle I.GOWERIC, The peacebuilding: Theoritical and concrete perspectives,‬‬
‫‪http://www.glencree.ie/site/documents/Gawerc-Peacebuilding-‬‬
‫‪Theoretical%20and%20Concrete%20Perspectives.pdf, consulté le 2/11/2014.‬‬
‫صنع السلم ‪ : peace making‬مسار التفاوض الذي يجري بين صناع القرار من أجل تحقيق حل‬
‫رسمي للنزاع‪.‬‬

‫‪ :‬يتضمن طرف ثالثا للفصل بين الجماعات المتحاربة‪ ،‬والحفاظ‬ ‫‪Peace keeping‬‬ ‫حفظ السلم‬
‫على وقف العنف المباشر‪ ،‬أو التقليل منه‪.‬‬

‫بناء السلم ‪ : Peace Building‬ويركز على البيئة االجتماعية‪ ،‬والنفسية واالقتصادية على مستوى‬
‫إذ يكون المقصد منه هو خلق بيئة قائمة على العدالة والمساواة‬ ‫قاعدي‪،Grassroots Level/‬‬

‫والتعاون‪ ،‬ومن ثمة التعاطي مع األسباب الكامنة للنزاع العنيف ليكون أقل من ذلك في المستقبل‪.‬‬

‫ويعرف ‪ Shinoda‬بناء السلم على أنه "خلق بنية سياسية واجتماعية قادرة على منع انفجار‬
‫‪8‬‬
‫النزاع ‪ ،‬أو العودة إليه‪ ،‬وتأبيد السلم"‪.‬‬

‫أما بطرس بطرس غالي فرأى ّ‬

‫أن "بناء السلم يأتي بعد حل النزاع وهو عملية تعيين‬
‫‪9‬‬
‫ودعم البنى التي تقوي السلم وتمتنه بغرض تفادي السقوط في النزاع مرة أخرى"‬

‫وكخالصة يقصد ببناء السلم " جملة اإلجراءات التي تستهدف التقليل من خطر الوقوع‬
‫في النزاع أو العودة إليه من خالل تعزيز القدرات الوطنية في كل مستويات إدارة النزاع‪،‬‬
‫وبناء أسس السلم والتنمية المستديمة"‪.10‬‬

‫‪8‬‬
‫‪-Hirosha ODA, peacebuilding from below,‬‬
‫‪,http://eprints.lib.hokudai.ac.jp/dspace/bitstream/2115/20475/1/ODA.pdf, consulté le 11.11.2014.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-Idem.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪-Conceptual basis for peace building for the UN system adopted by the Secretary-‬‬
‫‪General’s Policy Committee in May 2007. http://www.pbsbdialogue.org/documentupload/45454619.pdf,‬‬
‫‪consulté le 9.9.2014.‬‬