Professional Documents
Culture Documents
Po Sci2
Po Sci2
وهكذا ،بدأت تتضح مالمح الحكم الفري الذي أراده بوتفليقة ،الذي لم يعط ّ
أي قيمة لحكومة
احمد بن بيتور ،وال للبرلمان ،بل مزج بين القمع الممارس ضد الحركات االحتجاجية والصحافة
المكتوبة ،وعمل على تفتيت الطبقة السياسية ،مع تسخير حزب جبهة التحرير الوطني وكافة
المنظمات الجماهيرية التابعة له ،لدعم حكمه ،إلى جانب االعتماد على الزوايا والطرق الصوفية
لتحديث نظام حكمه السلطوي .حيث تم استخدام إمكانيات التعبئة الصوفية لتوسيع قواعد السلطة،
ولتعزيز الشرعية االنتخابية والدينية واحتواء االحتجاجات االجتماعية والسياسية.
لقد أعادت السلطوية زمن حكم بوتفليقة االعتبار للزوايا ،فقد قدم لها دعماً مادياً ومعنوياً
ثم إنها نالت أيضاً الرعاية
كبي اًر ،وبدورها ،ساندته و ّأيدت مشروع المصالحة الوطنية الذي طرحهّ .
تمكنت من توسيع هامش المناورة لديها،
من طرف العسكريين والسياسيين ورجال األعمال؛ وتالياًّ ،
إذ سيعلو صوتها ،وستنظر إلى وجودها السياسي أكثر من ضرورة ،ومن الخطأ إبعادها من اللعبة
السياسية.
لقد نجح النظام في استغالل الزوايا والطرقية في عدائه للمجتمع المدني .فقد حاول م ار اًر
السعي إلى تذرير الطبقة السياسية(تحجيم دورها) ،وبث الفرقة بين مختلف الفواعل االجتماعيين،
ّ
استمر النظام
ّ للحؤول دون قيام قوى اجتماعية قوية متماسكة ومستقلة .وأمام وضع انقسامي كهذا،
عمروا طويال في حكم
رغم موجة الربيع العربي في 2011التي أسقطت العديد من القادة الذين ّ
بلدانهم ،والفضل كله يعود إلى شبكة الزوايا والطرقية القبلية التي صارت بحق بديالً عن أحزاب
طل.
سياسية فاشلة ،أو بقايا أحزاب ومجتمع مدني مع ّ
29
الدرس الحادي عشر د .محمد حليم ليمام -الدولة واملجتمع املدني في الجزائر -السداس ي -3مج 1
يرى كثير من الباحثين أن التغيير واالنتفال من السلطوية إلى الديمقراطية ،أو ما أصبح
مطروح اليوم في الساحة الوطنية والعربية ضمن الحراك الشعبي من أجل التغيير السياسي،
والنضال من أجل الديمقراطية .فحتى عندما تهيمن النخب على عملية االنتقال ،نجد مقدا اًر أو
حجماً كبي اًر من النشاط الشعبي حاضر وال يستهان به .إذ يقوم الرجال والنساء العاديون والعمال
ظفون بتنظيم احتجاجات ونشر أفكارهم ضد رأس السلطة بشكل مباشر .وفي حالة
والطلبة والمو ّ
استمر الحراك الشعبي الذي طالب بالتغيير الجذري للنظام الحاكم ،بعد أن نجح
ّ الجزائر الراهنة،
في اإلطاحة بالرئيس بوتفليقة .ولهذا ،فإذا كانت عملية التغيير تبدأ في ظل الحكم السلطوي،
فإن الحراك الذي يقف وراء االنتقال إلى
وتستمر بعد اإلطاحة به بعد إجراء أول انتخاباتّ ،
يتكون من عنصرين مختلفين :الحركات االجتماعية الجديدة التي ظهرت كأنماط
الديمقراطية ّ
مختلفة من منظمات المساعدة الذاتية(جمعيات خيرية ومنظمات طوعية مختلفة تهتم بشؤون الناس
وتلبية احتياجاتهم) في أثناء الحكم السلطوي ،والمجتمع المدني الذي يجري إعادة إحياؤه خالل
فترة االنتقال.
تصور أوسع لظهور مجتمع مدني أقوى في سياق النضال من أجل الديمقراطية،
ولهذا ،هناك ّ
يعد شرطاً أولياً مهماًّ
التعددي الذي ّ
ّ تشكل تلك الجمعيات والمنظمات المتنوعة المجتمع
إذ ّ
لديمقراطية مزدهرة ،ذلك أنها تنشئ مراكز نفوذ بعيداً من الدولة ،زد إلى ذلك ،فإّنها ستصبح النواة
لمؤسسات مجتمعية تتيح فرص تثقيف المواطنين في كيفية اتخاذ الق اررات الديمقراطية.
أخي اًر ،إن االنتقال إلى الديمقراطية يسمح بخلق البيئية المالئمة التي يكون فيها للمجتمع
يحسن أوضاع الديمقراطية،
المدني إمكانات أفضل للعمل ،ومن تم تعزيز المجتمع المدني ،وهو ما ّ
وفي الوقت ذاته يجعل العودة إلى الحكم السلطوي أم اًر مستبعداً أو أكثر صعوبة.
30